فتاوى يسألونك

حسام الدين عفانة

الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله حمداً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونصلي ونسلم على رسوله المصطفى خير البشر وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين. أما بعد ... فهذه الطبعة الثانية من الجزء الأول من كتابي (يسألونك) الذي لقي قبولاً واستحساناً من الإخوة القراء والحمد لله رب العالمين وقد نفذت طبعته الأولى وألحّ عليّ كثير من طلبة العلم لإعادة طبعه فعزمت على ذلك فقمت بمراجعة الكتاب وتصحيح ما وقع فيه من أخطاء مطبعية ووضعت عناوين للمسائل التي اشتمل عليها وزدت بعض المسائل توضيحاً وخرجت بعض الأحاديث التي لم تكن مخرجة في الطبعة الأولى، وأرجو أن تكون هذه الطبعة أجود من سابقتها مضموناً وشكلاً. وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتقبل عملي هذا وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم يقوم الناس لرب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه د. حسام الدين موسى عفانة أبوديس - القدس صباح يوم السبت الثاني عشر من ذي الحجة 1417هـ وفق التاسع عشر من نيسان 1997م

تقديم

تقديم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أحمعين وبعد: فإن أشرف العلوم على الإطلاق علم توحيد الله ومعرفته، وأنفع العلوم علم الأحكام المتعلقة بأفعال العباد وما من سبيل إلى أخذ هذين النورين، وتلقي هذين العلمين العظيمين إلا من النبي المعصوم الذي قامت الأدلةالقاطعة على عصمته، وصرحت الآيات القرآنية بوجوب طاعته ومتابعته، فهو الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. ثم إننا مأمورون بالأمتثال إلى أوامر الله ورسوله واجتناب ما نهى عنه والتزام هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين المهديين، والخير كل الخير في الإتباع والشر كل الشر في الإحداث والإبتداع. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا). فالرد عند التنازع إلى الله تعالى بالرجوع إلى كتابه المبين، والإحتكام إليه والرضى بما فيه وعدم التقديم بين يديه. والرد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه، وزجر، وأن لا نتلقى شيئاً من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاته، ولا نسلك إلا طريقه، ونرضى بما شرعه حتى لا نجد في أنفسنا حرجاً مما قضاه، وتنتخلق بأخلاقه.

وأولو الأمر، إنما هم العلماء، ورثة الأنبياء، فهم في المكانة الرفيعة، والمنزلة السامية، ويقيمون الحجة، ويبلغون عن الله ورسوله. ومرتبة التبليغ والفتيا، لا تصلح إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما بلغ صادقاً فيه. وهؤلاء العلماء العاملون هم الذين أمرنا الله بسؤالهم عما أبهم وأشكل في قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). ومعلوم أن أمر الإفتاء عظيم خطير، تكفل الله تعالى به، وأسنده إليه فقال في كتابه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ) سورة النساء آية 176. وقال تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) سورة النساء آية 127. ثم تولى رسوله صلى الله عليه وسلم الإجابة عما يورده الصحابة من أسئلة، فيعطي الإحابة الشافية الكاملة. مبلغاً عن ربه: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) سورة البقرة آية220. وحمل الصحابة رضوان الله عليهم لواء الفتوى بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم من هم منزلة من الرسول صلى الله عليه وسلم ومكانة، رباهم على عينه " هم ألين الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأحسنها بياناً، وأصدقها إيماناً، وأعمها نصيحة، وأقربها إلى الله وسيلة ". هم أهل العلم الذين نص عليهم بقوله تعالى: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ). قال مجاهد: [هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم]. ومن الصحابة من أكثر من الفتوى ومنهم من أقل منها، ورحم الله مسروقاً إذ يقول: [جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكانوا كالإخاذ يعني كالغدير، الإخاذة تروي الراكب، والإخاذة تروي الراكبين والإخاذة تروي العشرة، والإخاذة لو نزل بها أهل الأرض لأصدرتهم].

غير أن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، كانوا مثالاً للورع في إصدار الفتوى، فكان الواحد منهم يود لو أن أخاه كفاه الإجابة عن السؤال في دين الله، هذا ابن أبي ليلى يقول: [أدركت عشرين ومائة من الأنصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم من رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه]. وذكر ابن وهب عن محمد بن سليمان المرادي عن أبي إسحاق قال: [كنت أرى الرجل في ذلك الزمان، وإنه ليدخل يسأل عن الشيء، فيدفعه الناس من مجلس إلى مجلس حتى يدفع إلى مجلس سعيد بن المسيب كراهية للفتيا]. وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يكرهون الجرأة على الفتوى والتسرع فيها. قال سحنون: [أجسر الناس على الفتوى أقلهم علماً]. ويقول ابن القيم: [الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم ومن غزارته وسعته، فإذا قل علمه أفتى عن كل ما يسؤل عنه بغير علم، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه]. إن التسرع في الفتيا خطأ وخطر يفضي إلى عدم إصابة الحق والجرأة على الله تعالى والوقوع فيما نهى عنه يقول تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، ومن أفتى بغير علم فعمل بفتواه عامل كان إثم العامل على من أفتاه، فليتق الله المتسرعون في الفتيا. ولا بد للمتصدر للإفتاء من أن يمتلك أدواته، من فهم لمعاني النصوص وعللها الصحيحة التي ناط الشارع بها الأحكام. كما لا بد من التضلع في معرفة الأحاديث ومدى ثبوتها، وتتبع طرقها وأقوال العلماء فيها ولا بد من البحث والتنقير عن الأدلة الشرعية حتى ينشرح الصدر للعمل بالدليل الذي يحصل عليه، ومثل ذلك الأمر صعب وليس بالهين.

إننا لا نزال نرى في الإمة الإسلامية خيراً ظاهراً، من حرص كثير من الناس على السؤال عن أمور دينهم ابتغاء تصحيح العقيدة والتصور والسلوك والمنهاج. وكثيراً ما يواجه الدعاة والعلماء أسئلة الجمهور الكريم في مختلف مناحي الحياة، فيتصدر أخوة لنا الإفتاء في الدين فجزاهم الله عنا خير الجزاء. ويَردُ على الأخ الدكتور حسام الدين عفانه سيل لا ينقطع من رسائل الأهل والأحبة، إلى زاوية "يسألونك " في "جريدة القدس " الغراء فيقوم مشكوراً بإفتائهم والإجابة على تساؤلاتهم، وقد نظرت في هذه الفتاوى فألفيتها هامة نافعة، سلك فيها الأخ الفاضل مسلك التثبت والتحري والأناة والإستدلال بالأدلة الشرعية المعتمدة، بل يؤصل فتواه باعتماد المصادر الأصلية في فقه المذاهب الإسلامية المتعددة معتمداً الراجح منها بالدليل مع عناية بتخريج الأحاديث وتمييز الصحيح من السقيم، ولا يختصر في الإفتاء فيقتصر على موطن السؤال فحسب، بل يجيب بأكثر مما يُسأل عنه وهذا من محاسن الفتوى وهو اتباع لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم حين سئل عن ماء البحر أطاهر هو؟ فأجاب قائلاً: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) صححه الترمذي وغيره وتلقته الأمة بالقبول، أسأل الله أن ينفعنا بهذه الفتاوى وأن يثيب الدكتور حسام الدين عفانه عنا وعن الإسلام خيراً. د. موسى البسيط عميد كلية الدعوة والعلوم الإسلامية / أم الفحم

مقدمة الطبعة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الأولى إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمداً عبده ورسوله. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. فقد أشار عليّ الأخ الفاضل الأستاذ إبراهيم خليل عفانه بكتابة زاوية أسبوعية في جريدة القدس الغراء للإجابة على أسئلة القراء الدينية فكانت زاوية يسألونك في عدد كل يوم جمعة ولقد لقيت هذه

الزاوية ترحيباً وإقبالاً من القراء المهتمين فتوالت الرسائل والمكالمات الهاتفية التي تحمل كثيراً من الأسئلة بالإضافة إلى الأسئلة التي كانت توجه إليّ مباشرة. وقد حرصت على أن تكون الإجابات واضحة جلية وبلغة سهلة وميسرة ومستندة إلى الأدلة الشرعية الصحيحة. وبعد مرور عامين على زاوية يسألونك عزمت على جمع حلقاتها لتصدر في كتاب ولتعم الفائدة فقمت بترتيبها وتنسيقها حسب الموضوعات. وهذا هو الجزء الأول منها. وأسأل الله العظيم أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يتجاوز عما فيها من الخطأ والتقصير، ولا أظن أن عملي هذا خالٍ من النقص والعيوب فإن ذلك من شأن البشر. وأخيراً أقول ما قاله القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني رحمه الله: [إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر]. وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه: الدكتور حسام الدين موسى عفانه. أبوديس / القدس صباح يوم الخميس الخامس عشر من صفر الخير 1416 /هـ وفق الثالث من تموز / 1995م.

الصلاة

الصلاة

المال الحرام والصلاة

المال الحرام والصلاة يقول السائل: هل من شروط صحة الصلاة أن تكون ملابس المصلي من كسب مشروع، وهل تصح صلاة من يلبس خاتماً أو ساعةً من مال حرام؟ وهل تصح الصلاة وفي جيب المصلي أموال اكتسبها من حرام؟ الجواب: إن الصلاة صحيحة إن شاء الله في الحالات الثلاث الواردة في السؤال وهو مذهب جمهور أهل العلم. وهذا المصلي آثم لأنه اكتسب المال بطريق محرم وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويرجع إلى طريق الحق والصواب وأن يعيد الحقوق إلى أصحابها؟ وعلى هذا المصلي أن يتذكر قول الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ). فالصلاة ليست مجرد حركات رياضية يقوم بها الإنسان بل يجب أن تترك الصلاة آثاراً إيجابية في سلوك المصلي ومنهجه في الحياة. فإذا كان يصلي ويكسب ماله من طريق حرام ويرتكب المحرمات فإن صلاته لن تنفعه يوم القيامة وإن أداها في الدنيا وينطبق عليه ما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال

المسح على الجوربين

رسول الله صلى الله عليه وسلم: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يعطي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه فطرح في النار) رواه مسلم. فلا بد للصلاة أن تكون عاملاً رادعاً عن ارتكاب المحرمات. المسح على الجوربين يقول السائل: نرى بعض الناس عندما يتوضؤون يمسحون على جواربهم بدل غسل أرجلهم فهل يجوز ذلك وهل المسح خاص بأيام الشتاء؟ الجواب: إن المسح على الجوربين رخصة قال بها أكثر العلماء وقد ورد في ذلك ثلاثة أحاديث: الأول: عن ثوبان قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين. رواه أبو داوود وأحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال العلامة أحمد محمد شاكر إنه حديث متصل صحيح الإسناد. والتساخين كل ما يسخن به القدم من خف أو جورب ونحوهما. الثاني: عن المغيرة بن شعبة (أن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. الثالث: عن أبي موسى الأشعري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) رواه بن ماجة. وقد ثبت المسح على الجوربين عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم قال ابن المنذر: [يروى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، علي وعمار وأبي مسعود الأنصاري وأنس وابن عمر والبراء

الصلاة بالأحذية

وبلال وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن سعد وزاد أبو داود عدداً آخر من الصحابة ثبت عنهم المسح وهم: أبو أمامة وعمرو بن حريث وعمر وابن عباس فهؤلاء ثلاثة عشر صحابياً ثبت عنهم المسح فهذا يدل على أنهم نقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن مثل هذا الأمر لا يدرك بالعقل. والمسح على الجوربين رخصة عامة وليست خاصة بفصل الشتاء كما يظن بعض الناس بل يجوز المسح عليهما صيفاً وشتاءً وسفراً وحضراً. ولكن للمسح مدة محدودة بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر وينبغي أن يعلم أنه يشترط لجواز المسح على الجوربين لبسهما على طهارة وتبدأ مدة المسح بعد الحدث فمثلا لو توضأ شخص لصلاة الفجر ولبس جوربيه ثم انتقض وضوءه وعند صلاة الظهر توضأ ومسح عليهما فمن هذا الوقت تبدأ مدة المسح فإن كان مقيما فيجوز له أن يمسح إلى ظهر اليوم التالي وإن كان مسافراً فيمسح إلى ظهر اليوم الثالث. وهذا هو أصح القولين في المسألة وإذا مضت مدة المسح ولم يحدث المتوضئ فوضوءه صحيح إلى أن يحدث لأن إنتهاء مدة المسح ليس من نواقض الوضوء على الصحيح من أقوال أهل العلم. الصلاة بالأحذية يقول السائل: هل تصح الصلاة بالأحذية؟ الجواب: نعم تصح الصلاة والمصلي ينتعل حذاءه ولا بأس بذلك فقد ورد في الحديث الشريف عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما انصرف قال لهم لم خلعتم؟ قالوا رأيناك خلعت فخلعنا فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثا فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما) رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وغيرهم وهو

السترة بين يدي المصلي

حديث صحيح صححه الحاكم ووافقه الذهبي وكذلك قال النووي إسناده صحيح، وصححه الألباني. فهذا الحديث يدل على صحة الصلاة بالنعلين ولا يعني هذا أن ندخل المساجد المفروشة بالسجاد والموكيت بأحذيتنا فإن هذا مناف للذوق السليم، ولكن إن صلينا في الساحات أو في أفنية المساجد نصلي بأحذيتنا ولا شيء في ذلك ولا نبغي لأحد أن ينكر على من يصلي بحذائه لأن هذا الأمر ثابت بالسنة النبوية المطهرة. السترة بين يدي المصلي يقول السائل: ماحكم السترة بين يدي المصلي وإذا لم يصل لسترة فإلى أي مدى يجوز المرور بين يديه؟ الجواب: من السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي المصلي إلى سترة بين يديه فالسترة سنة مؤكدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بل إن بعض الفقهاء يرون وجوبها. والمراد بالسترة: أن يضع المصلي بين يديه شيئا أو يصلي إلى شيء كالعمود أو الكرسي أو الشجرة أو نحو ذلك. ومن الأحاديث الواردة في السترة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصل إلا إلى سترة ولا تدع أحداً يمر بين يديك) رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها ولايدع أحداً يمر بينه وبينها) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان وهو حديث حسن. وعن سهل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها ولا يقطع الشيطان عليه صلاته) رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وهو حديث صحيح.

الخشوع في الصلاة

وإن صلى المصلي إلى سترة فلا يجوز لأحدٍ أن يمر بينه وبين السترة ويجوز للمصلي أن يدفع المار دون السترة وقد جعل العلماء مقدار دنو المصلي من السترة ثلاثة أذرع فإذا كانت المسافة أكثر من ذلك فيجوز المرور بين يدي المصلي ولا إثم في ذلك. وإذا لم يصل المصلي إلى سترة فيجوز المرور بين يديه بعد ثلاثة أذرع على قول أكثر أهل العلم. وينبغي أن يعلم أن المرور بين يدي المصلي إثم عظيم، فقد ورد في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)، وقال أبو النضر - أحد رواة الحديث -: [لا أدري أقال أربعين يوماً أو شهراً أو سنة]. رواه البخاري ومسلم. والسترة تلزم من يصلي منفرداً وكذلك الإمام وأما من يصلي مأموماً فسترة الإمام سترة له. الخشوع في الصلاة يقول السائل: ما حكم الخشوع في الصلاة وما الأمور التي تعين عليه؟ الجواب: الخشوع في الصلاة مطلوب وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على المؤمنين الخاشعين، يقول الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ). والخشوع: هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع كما قال الإمام القرطبي. وقال قتادة: الخشوع في القلب وهو الخوف وغض البصر في الصلاة وقد وردت نصوص كثيرة في الخشوع منها: قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ).

وقوله تعالى: (قُلْءَامِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا). ومنها حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة) رواه مسلم. وورد في حديث عمر بن عبسة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث: ( ... من قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه) رواه مسلم. وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يحضر صلاة مكتوبة فيحسن وضوئها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله) رواه مسلم. وحكم الخشوع: سنة من سنن الصلاة عند جمهور أهل العلم وقد صححوا صلاة من يفكر بأمر دنيوي إذا كان ضابطاً لأفعال الصلاة، ولا بد من مراعاة الأمور التالية حتى يخشع المصلي في صلاته: 1. أن يستحضر أنه واقف بين يدي الله سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. 2. أن يحصر فكره في الصلاة ويبعد أي تفكير آخر. 3. أن يخشع بجوارحه فلا يتحرك ما استطاع إلى ذلك سبيلاً فلا يعبث بشيءٍ من جسده ولا بشيءٍ آخر كملابسه. 4. أن يتدبر القراءة فبذلك يكمل مقصود الخشوع. وينبغي أن يعلم أن كثرة الحركة بالصلاة تتنافى مع الخشوع لأن الخشوع كما ذكرت محله القلب ويظهر أثره على الجوارح وقد جعل بعض العلماء الحركة في الصلاة على خمس أقسام: 1. الحركة الواجبة وهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة كمن كان يصلي لغير القبلة فنبهه آخر إلى أن القبلة عن يمينه أو يساره مثلاً فيجب عليه أن ينحرف لأنه إن بقي على حاله فصلاته باطلة.

2. حركة مستحبة وهي التي يتوقف عليها فعل مستحب مثل أن يتقدم المصلي إلى صف أمامه صار فيه فراغ فتحرك ليتم الصف فهذه الحركة مستحبة لأن فيها وصلاً للصف. 3. حركة مكروهة: وهي الحركة اليسيرة بدون حاجة لأنها عبث منافٍ للخشوع كمن ينظر إلى ساعته أثناء الصلاة. 4. حركة محرمة: وهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة كما يحصل من بعض المصلين من كثرة الحركة في الصلاة في إصلاح ملابسهم أو العبث بأجسادهم ونحو ذلك. ومثل هذه الحركات تكون مبطلة للصلاة ولا شك أن كثرة الحركة في الصلاة تدل على عدم الخشوع وتنقص من الأجر فقد ورد في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع والخمس حتى بلغ العشر) رواه النسائي بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي. 5. حركة مباحة: وهي الحركة اليسيرة للحاجة كالمرأة التي تصلي وابنها يبكي فيجوز لها حمله أثناء الصلاة وقد ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت زينب في الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وكما قلت على المسلم أن يستحضر وهو في الصلاة أنه بين يدي ملك الملوك سبحانه وتعالى فإن هذا يدفعه إلى الخشوع والسكون وعدم الحركة وما أجمل ما قال الشاعر: ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع ... لأن بها الآراب لله تخضع وأول فرض من شريعة ديننا ... وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع فمن قام للتكبير لاقته رحمة ... وكان كعبد باب مولاه يقرع وصار لرب العرش حين صلاته ... نجيا فيا طوباه لو كان يخشع والآراب: هي الأعضاء.

قضاء الصلاة

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أخشع الناس في صلاته حتى أنه كان يبكي في صلاته كما في الحديث عن مطرف عن أبيه قال: (أتيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزير كأزير المرجل، يعني يبكي) رواه النسائي وأبو داود بإسنادٍ صحيح. وقد ورد عن الصحابة والتابعين والصالحين أمور عجيبة في الخشوع في الصلاة منها أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلاجذع حائط. وكان مسلم بن يسار لا يلتفت في صلاته ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع الناس لهدتها وإنه لفي المسجد يصلي فما التفت. كان علي بن الحسن رضي الله عنهما إذا توضأ اصفر لونه فقيل له: [ما هذا الذي اعتادك عند الوضوء؟ فقال: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم ... ]. قضاء الصلاة يقول السائل: كنت تاركاً للصلاة عدة سنوات ثم تبت ورجعت إلى الصلاة فماذا أصنع في صلوات تلك السنين هل أقضيها أم لا؟ الجواب: الحمد الله الذي هداك إلى طريق الحق والصواب وأخرجك من الظلمات إلى النور، وسأبين حكم تارك الصلاة أولاً ثم أجيب على السؤال، فأقول: إن الصلاة عمود الدين وهي ركن من أركان الإسلام ولا خلاف بين علماء المسلمين في كفر تارك الصلاة جحوداً وإنكاراً لها. وأما تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً فقد اختلف الفقهاء في حكمه: فيرى الإمام أحمد في أصح الروايات عنه أن تاركها كسلاً وتهاوناً كافر خارج من ملة الإسلام ينبغي قتله إن لم يتب ويرجع إلى الإسلام

واحتج الإمام أحمد ومن تبعه على ذلك بأدلة كثيرة منها: 1. قوله سبحانه تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ). ففي هذه الآية إشارة إلى أن الكفار هم الذين لا يصلون. 2. وقال سبحانه وتعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ). 3. قوله سبحانه وتعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا). 4. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم. 5. وقوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه أصحاب السنن الربعة وأحمد وهو حديث صحيح. 6. وما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة يوماً فقال: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له برهاناً ولا نوراً ولا نجاةً وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف)، رواه بن حبان بسند صحيح رواه أحمد ورجال أحمد ثقات كما قال الهيثمي. وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم كفر تارك الصلاة تهاوناً بل هو فاسق يقتل حداً عند الإمامين مالك والشافعي. وأما الحنفية فقالوا إنه يحبس ويضرب ضرباً شديداً حتى يصلي ويتوب أو يبقى مسجوناً حتى يموت واحتجوا بأدلة كثيرة منها: 1. قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ). 2. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه. 3. عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله

ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان العمل) متفق عليه. 4. عن أن أنس أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ومعاذ رديفه على الرحل: (يا معاذ قال: لبيك يارسول الله وسعديك ثلاثاً فقال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه على النار) متفق عليه. 5. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصة من قلبه) رواه البخاري. 6. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات إفترضهن الله على عباده فمن جاء بهن وقد أكملهن ولم ينتقصهن استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن جاء بهن قد انتقصهن استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء رحمه) رواه أحمد وابن حبان وهو حديث صحيح. وغير ذلك من الأدلة. وعلى كل حال فلا يخفى على المسلم إذا امعن النظر أن تارك الصلاة على خطر عظيم بين الكفر والفسق والعياذ بالله. نعود الآن إلى أصل السؤال حول قضاء الصلاة لمن تركها تهاوناً وتكاسلاً، إن من يرى أن تارك الصلاة تهاوناً كافر لا يطالبه بقضاء ما فاته من الصلوات إذا رجع وتاب لأنه رجع إلى الإسلام من جديد، وهذا قول الحنابلة. وأما جمهور الفقهاء: فيرون أن عليه قضاء ما فاته من الصلوات مع كونه آثماً ومذنباً ذنباً عظيماً لتركه لها وتأخيرها عن وقتها فيقضي ما فاته منها حسب ما يتيسر له فلا يشترط الترتيب فيها لأن في ذلك نوعاً من الحرج فيقضي حتى يغلب على ظنه أنه قد قضى ما عليه من الفوائت. ولا بد من تذكير السائل هنا بأن التوبة الصادقة لا بد لها من شروط ثلاثة: أولها: الإقلاع عن المعصية فلا توبة مع مباشرة الذنب واستمرار الوقوع في المعصية.

حديث مكذوب في تارك الصلاة

ثانيها: الندم على ما مضى وفات فمن لم يندم على ما صدر عنه من المعاصي والآثام فلا توبة له لأن عدم ندمه يدل على رضاه بما كان منه وإصراره عليه. ثالثها: أن يعزم على عدم العودة إلى المعصية مستقبلاً وهذا العزم ينبغي أن يكون مؤكداً قوياً وعلى التائب أن يكثر من فعل الخيرات ليكسب الحسنات (فإن الحسنات يذهبن السيئات). حديث مكذوب في تارك الصلاة يقول السائل: يتداول كثير من الناس حديثاً طويلاً في عقوبة تارك الصلاة وقد طبع هذا الحديث وعلق في المساجد وغيرها فهل ثبت هذا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا نص الحديث: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمسة عشرة عقوبة منها ستة في الدنيا وثلاثة عند الموت وثلاثة في القبر وثلاثة عند خروجه من القبر. أما الستة التي تصيبه في الدنيا: 1. ينزع الله البركة من عمره. 2. يمسح الله سيما الصالحين من وجهه. 3. كل عمل يعمله لا يؤجره الله عليه. 4. لا يرفع له دعاء في السماء. 5. ليس له حظ في دعاء الصالحين. 6. تخرج روحه بغير إيمان. أما الثلاثة التي تصيبه عند الموت فهي: 1. أنه يموت ذليلاً. 2. أنه يموت جائعاً.

3. أنه يموت عطشاً ولو سقي ماء الدنيا ما روي من عطشه. وأما الثلاثة التي تصيبيه في قبره فهي: 1. يضيق الله عليه القبر حتى تختلف ضلوعه. 2. يوقد الله عليه في قبره ناراً ويتقلب على الجمر ليلاً ونهاراً. 3. يسلط الله عليه في قبره ثعباناً يسمى الشجاع الأقرع يضربه على ترك صلاة الصبح من الصبح إلى الظهر وعلى تضييع صلاة الظهر من الظهر إلى العصر وهكذا كلما ضربه يغوص في الأرض سبعين ذراعاَ. وأما الثلاثة التي تصيبه يوم القيامة فهي: 1. يسلط الله عليه من يسحبه إلى نار جهنم على جمر على وجهه. 2. ينظر الله تعالى إليه بعين الغضب وقت الحساب فيقع لحم وجهه. 3. يحاسبه الله عز وجل حساباً شديداً ويأمر الله به إلى النار وبئس القرار. الجواب: إن هذا الحديث مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ظاهر من ركاكة ألفاظه وضعف سياقه وقد نص أهل الحديث على أنه مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم وقد كذب هذا الحديث وركبه أحد الكذابين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعى محمد بن علي بن عباس البغدادي العطار. قال الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال: [محمد بن علي بن عباس العطار ركب على أبي بكر بن زياد النيسابوري حديثا باطلاً في تارك الصلاة] ميزان الاعتدال 3/ 653. ونقل الحافظ ابن حجر كلام الإمام الذهبي وقال الحافظ: [زعم المذكور أن ابن زياد أخذه عن الربيع عن الشافعي عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة وقال الحافظ بن حجر: وهو ظاهر البطلان من أحاديث الطرقية]. لسان الميزان 5/ 334.

السهو في الصلاة

ذكر الإمام بن عراق الحديث من ضمن الأحاديث المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم ونقل كلام الإمامين الذهبي وابن حجر ووافقهما على ذلك. تنزيه الشريعة 2/ 114. وبهذا يظهر أن الحديث مكذوب وباطل ولا يجوز نشره على الناس ولا تعليقه في المساجد، لأن ذلك من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم. وينبغي على من يرغب في نشر كتيبات أو نشرات تتضمن أحاديث نبوية أن يعرضها على أهل العلم والاختصاص للنظر فيها وتمحيصها قبل نشرها حتى لا يدخل في دائرة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من الكبائر وقد ثبت في الحديث الصحيح قوله: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). وإن في الأحاديث الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يغني عن أمثال هذه الأخبار المكذوبة. السهو في الصلاة يقول السائل: إذا نسي أو سها في صلاته عن عدد الركعات التي صلاها فماذا يصنع؟ الجواب: إذا شك المصلي في صلاته فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً؟ أو نحو ذلك، فعليه أن يطرح الشك وليبن على اليقين. فمثلاً إذا كان في صلاة العشاء وشك في عدد الركعات التي صلاها أثلاثاً هي أم أربعاً فليطرح الشك وهو الأربع وليبن على الثلاث المتيقن منها أي أنه يعتبر نفسه قد صلى ثلاثاً ويكمل صلاته ويسجد سجدتي السهو قبل السلام. ويدل على ذلك حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثة أم أربعة فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماماً لأربع كانت ترغيماً للشيطان) رواه مسلم.

نسيان فريضة

قضاء صلاة الفجر بعد طلوع الشمس يقول السائل: إن صلاة الصبح تفوته كثيراً فلا يصليها في وقتها وإنما يقضيها بعد طلوع الشمس فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن أداء الصلاة في وقتها فرض ولا بد من المحافظة على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها. يقول الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ). ويقول صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن أفضل الأعمال قال: (الصلاة على وقتها) رواه البخاري ومسلم. وكثير من المصلين يعانون من هذه المشكلة وهي تفويت صلاة الفجر عن وقتها وخاصة في أيام الصيف وأعتقد أن السبب في ذلك في هذه المسألة هو السهر الكثير الذي يترتب عليه ضياع صلاة الفجر، والسهر إذا كان فيما حرم الله فهو حرام كالذين يسهرون إلى ساعة متأخرة في متابعة المسلسلات والتمثيليات والأفلام الساقطة أو في الألعاب المحرمة شرعاً فإن سهرهم هذا يؤدي إلى فوات صلاة الفجر وما أدى إلى الحرام فهو حرام. وعلى الذين يسهرون في الأمور النافعة والمفيدة كطالب العلم الذي يقضي وقته في المذاكرة، على هؤلاء أن يتخذوا الأسباب التي تعينهم على الإستيقاظ وقت الصلاة كأن يتخذوا ساعة منبهة أو يطلبوا من شخص ما أن يوقظهم وقت الصلاة ونحو ذلك فإذا أخذوا بالأسباب ومع ذلك فاتتهم الصلاة فلا إثم عليهم إن شاء الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة) رواه النسائي والترمذي وصححه. نسيان فريضة يقول السائل: إذا نسي الإنسان أداء فريضة من الفروض. - أي الصلاة - وتذكر بعد يومين فما هو العمل؟

الجواب: إن الأصل في المسلم أن يحافظ على أداء الصلوات في أوقاتها لأن الشارع الحكيم قد حدد أوقاتاً معلومة للصلوات ينبغي التقيد بها فقال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا). وقد أثنى الله على المؤمنين الصادقين الذين يحافظون على صلواتهم بأدائها كما أوجبها الشارع مستكملة الأركان والشروط بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) إلى أن قال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) وهذا الكلام الذي ذكرته يكون في حال التذكر واليقظة أما إذا نام الإنسان أو نسي وفاتته صلاة أو صلوات فلا إثم عليه في ذلك. يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الحاكم والدارقطني وغيرهما وهو حديث صحيح. وعن أبي قتادة قال: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال: (إنه ليس في النوم تفريط وإنما التفريط في اليقظة) رواه النسائي والترمذي وابو داود وصححه الترمذي وقال الحافظ ابن حجر إسناده على شرط مسلم. ويجب على من نسي صلاة أو نام عنها أن يبادر إلى قضائها لأن من شغلت ذمته بفريضة لا تبرأ إلا بتفريغها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فدين الله أحق أن يقضى) رواه البخاري. فعلى هذا السائل أن يبادر إلى قضاء الفريضة التي فاتته حال تذكره لها ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها) وهو حديث صحيح وجزء من حديث أبي قتادة السابق. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) رواه البخاري ومسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) رواه مسلم.

مسابقة الإمام في الصلاة

مسابقة الإمام في الصلاة يقول السائل: إن إمام المسجد الذي يصلي فيه ذو حركة بطيئة في الصلاة فمثلاً إذا كبر للركوع فإن المأمومين يسبقون الإمام في ركوعه وفي سجوده وهكذا فما حكم صلاتهم؟ الجواب: لا يجوز للمأمومين مسابقة إمامهم في الصلاة وعليهم أن يأتوا بأفعالهم وأقوالهم في الصلاة بعد إتيان الإمام بها ويدل على ذلك أحاديث كثيرة منها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: أيها الناس إني أمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالإنصراف) رواه مسلم. ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا ... ) رواه البخاري ومسلم. ونلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل أقوال المأمومين وأفعالهم مترتبة على أقوال وأفعال الإمام. ومنها عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: (سمع الله لمن حمده) لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقع سجوداً بعده. رواه البخاري. ولهذه الأحاديث وغيرها قرر أهل العلم حرمة مسابقة المأمومين للإمام، إذا تعمدوا ذلك. إذا اتضح هذا فنقول للسائل إن عليك ألا تسابق إمامك مع علمك ببطء حركته في الركوع والسجود وغيرهما، وعليك أن تقتدي به في أفعاله وأقواله بعد وقوعها منه، وإذا حصل منك مسابقة له خطأً أو جهلاً فعليك الإنتظار حتى يدرك الإمام في الفعل الذي سبقته فيه، وصلاتك صحيحة إن شاء الله.

الجمع بين الصلوات للمطر

وعلى هذا الإمام ألا يوقع المصلين في الحرام لأن مسابقة المأمومين لإمامهم محرمة وعليه أن يكبر خلال تأديته للركن وليس قبل الشروع فيه حتى يجنب المصلين الخطأ. الجمع بين الصلوات للمطر يقول السائل: هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب المطر؟ وما هي الصلوات التي يجمع بينها؟ وهل يجوز الجمع لمن كان بيته قرب المسجد؟ وهل يجوز الجمع لمن يصلي في البيت؟ الجواب: إن الجمع بين الصلاتين رخصة لدفع الحرج ورفع المشقة عن الناس ومن الأسباب التي يجوز الجمع بسببها بين الصلاتين المطر وهذا مذهب أكثر العلماء وعند الحنفية لا يجوز الجمع بين الصلاتين مطلقاً إلا في الحج فقط. وقد أجاز جمهور العلماء الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر جمع تقديم أي تقدم صلاة العشاء فتصلى بعد المغرب مباشرة. وأما الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر فلا يجوز على مذهب جمهور العلماء، وأجازه الشافعية في أحد القولين عندهم وأرى أن قولهم مرجوح ومذهب الجمهور أقوى دليلاً وأهدى سبيلاً فلا أرى جواز الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر لأن الدليل ورد فقط في المغرب والعشاء دون الظهر والعصر وهو ما رواه الأثرم: أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: [إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء] والظاهر أن قوله من السنة أي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومما يدل على ذلك ما رواه البيهقي أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر. سنن البيهقي 3/ 168 - 169. والمطر الذي يجوز الجمع بسببه، هو المطر الذي يبل الثياب ويتقيه

صلاة العشاء خلف الإمام في التراويح

عامة الناس وينبغي أن يكون المطر موجوداً عند الجمع وأما ما يفعله بعض الناس من الجمع مع عدم وجود المطر وانقطاعه قبل ساعات من الجمع فهذا لا يجوز ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر لأن الجمع رخصة لها سبب وهو المطر فإذا وجد المطر يجوز الجمع وإلا فلا. ولا يجوز الجمع إلا لمن يصلي مع الجماعة في المسجد ولو كان بيته قريباً من المسجد فيجوز له الجمع. وأما من يصلي في بيته فلا يجوز له الجمع بسبب المطر لأن الجمع يجوز للمشقة التي تلحق بالمصلين مع الجماعة وهذا المعنى مفقود فيمن يصلي في البيت. صلاة العشاء خلف الإمام في التراويح يقول السائل: عدة أشخاص فاتتهم صلاة العشاء مع الجماعة ودخلوا المسجد فوجدوا الإمام في التراويح فماذا يصنعون؟ هل يصلون العشاء جماعة لوحدهم؟ أم ماذا يفعلون؟ الجواب: إن الذين تفوتهم صلاة العشاء مع الجماعة ويدركون الإمام في صلاة التراويح فأرى لهم أن يدخلوا مع الإمام بنية صلاة العشاء فيصلون خلف الإمام فإن سلم الإمام قاموا وأتموا صلاة العشاء وأرى أنه لا ينبغي لهم إقامة صلاة جماعة أخرى في المسجد لما في ذلك من تعدد للجماعات ولما فيه من التشويش على الجماعة الأولى الذين يصلون مع الإمام الراتب. ولما ثبت في الحديث عن جابر: (أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة) رواه البخاي ومسلم. وجاء في رواية: (هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء) رواها الشافعي والدارقطني. وصححها الحافظ ابن حجر في فتح الباري.

صلاة المسافر ومدة القصر

فهذا الحديث يدل على جواز اقتداء من يصلي فريضة بمن يصلي نافلة فيصح لهم أن يصلوا فريضة العشاء خلف الإمام الذي يصلي نافلة التراويح وهذا القول هو أرجح قولي العلماء في المسألة وهو قول الشافعية والخنابلة. صلاة المسافر ومدة القصر يقول السائل: ما حكم قصر الصلاة في حق المسافر وما هي المدة التي يقصر فيها وهل يجوز له أن يجمع بين الصلاتين؟ الجواب: إن الإسلام دين يسر وسهولة ومن مقاصد الشرع الحنيف دفع الحرج ورفع المشقة عن المكلفين ولا شك أن السفر فيه نوع من الحرج والمشقة فشرع الإسلام قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين وتوضيح ذلك فيما يلي: أولاً: حكم القصر في السفر: القصر مشروع شرعه الله في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ويلاحظ في الآية الكريمة أن القصر علق على الخوف من فتنة الذين كفروا ولكن هذا التعليق جاء لبيان الواقع حيث إن أغلب أسفار النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت كان فيها خوف فيجوز القصر أيضاً حالة الأمن. ويدل على ذلك حديث علي بن أمية قال: [قلت لعمر بن الخطاب: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقد أمن الناس قال عمر: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (صدقة تصدق بها الله عليكم فاقبلوا صدقته)] رواه مسلم وأصحاب السنن. وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة تدل على جواز القصر للمسافر منها حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: (صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في

السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك) رواه البخاري ومسلم. والقصر رخصة أو سنة عند أكثر العلماء فيجوز للمسافر أن يقصر ويجوز له أن يتم والقصر أفضل إقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (إن الله يحب أن تؤتى رخصة كما يكره ان تؤتى معصيته) رواه أحمد وابن حبان وابن خزيمة وصححاه. ثانياً: مسافة القصر تقدر قي وقتنا الحاضر بحوالي تسعة وثمانين كيلو متراً ويجوز للمسافر القصر إذا قطع تلك المسافة بغض النظر عن وسيلة السفر سواء سافر بالطائرة أو بالسيارة أو بالباخرة. ثالثاً: مدة القصر، يجوز للمسافر أن يقصر الصلاة ما لم ينو الإقامة في بلد مدة محدودة على خلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة في تحديدها: فقال الحنفية: يجوز للمسافر أن يستمر في قصر الصلاة ما لم ينو الإقامة في بلد خمسة عشر يوماً فإذا نوى الإقامة خمسة عشر يوماً فأكثر فيجب عليه الإتمام. وعند الشافعية والمالكية والحنابلة: إذا نوى المسافر الإقامة أربعة أيام فأكثر يلزمه الإتمام على خلاف بينهم في احتساب يوم الدخول ويوم الخروج. وذهب بعض العلماء من أهل الحديث وبعض المعاصرين إلى أن المسافر يجوز له القصر وإن امتدت مدة إقامته في بلد ما إلى سنين ما لم ينو اتخاذ ذلك البلد وطناً، فأجازوا مثلاً لطالب العلم أن يقصر ما دام في البلد الذي يدرس فيه وهو ينوي الرجوع إلى بلده الأصلي. ولكني لا أميل لهذا الرأي وينبغي التقيد في هذه المسألة بقول جمهور العلماء القائلين بتحديد مدة القصر. رابعاً: الجمع بين الصلاتين للمسافر: يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً وكذلك

المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً وقد ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأحاديث منها: حديث معاذ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليها جميعاً وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب) رواه أحمد وأبو داود والترمذي. فيجوز للمسافر أن يقدم العصر إلى أول وقت الظهر فيصليهما جمعاً وقصراً أي ركعتين للظهر وركعتين للعصر وهذا جمع التقديم ويجوز ان يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيصليهما كذلك وهو جمع التاخير وكذلك الحال في المغرب والعشاء. خامساً: لا بد أن يعلم أن المسافر لا يصير مسافراً بمجرد نية السفر وإنما يصير مسافراً إذا شرع في السفر فعلاً. وبناء على ذلك لا يجوز للمسافر أن يتلبس بأحكام المسافر حتى يبدأ السفر فعلاً فإذا خرج المسافر من حدود بلده الذي يقيم فيه يجوز له أن يقصر ويجمع ويجوز له أن يفطر في رمضان فمثلاً إذا كان الشخص مقيماً في القدس ونوى السفر إلى عكا فلا يقصر ولا يجمع ولا يفطر إلا إذا غادر مدينة القدس ويدل على ذلك حديث أنس قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين) رواه البخاري ومسلم. وذو الحليفة هو المكان المعروف الآن بآبار علي وهو على مشارف المدينة المنورة. وكثير من الناس يقعون في هذا الخطأ فإذا نوى أحدهم السفر فإنه يصلي الظهر والعصر جميعاً ثم يخرج إلى سفره وهذا غير جائز لأنه لم يشرع في سفره بعد.

لا تصلى الضحى جماعة دائما

لا تصلى الضحى جماعة دائماً يقول السائل: اعتدنا أن نصلي صلاة الضحى جماعة فما حكم ذلك؟ الجواب: إن صلاة النافلة أو التطوع تنقسم إلى قسمين من حيث صلاتها جماعة: القسم الأول: ما تشرع فيه صلاة الجماعة كصلاة التراويح وصلاة الكسوف وصلاة العيدين عند من يرى أنها سنة وصلاة الإستسقاء فهذه صلوات الأصل فيها أن تصلى جماعة لأنها ثبتت كذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. القسم الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة وذلك كالسنن والرواتب وهي سنة الفجر وسنة الظهر القبلية والبعدية وسنة المغرب وسنة العشاء، وكذلك سنة الضحى وتحية المسجد وقيام الليل. فهذه الصلوات كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصليها في جماعة راتبة وإنما المشروع أن تصلى فرادى ولكن إن فعلت هذه الصلوات جماعة أحياناً وبشرط أن لا يتخذ ذلك عادة يجوز إن شاء الله ولا بأس به. وأما إذا اتخذ ذلك عادة وصار لهذه الصلوات جماعة راتبة فهذه بدعة مكروهة مخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ومما يدل على جواز فعلها جماعةً أحياناً لا دائماً ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعض هذه الصلوات جماعةً أحياناً فمثلاً كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي قيام الليل منفرداً وهذا في أغلب أحواله عليه الصلاة والسلام ولكن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى قيام الليل جماعة في بعض الحالات منها: ما ورد في حديث ابن عباس قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقمت عن يساره فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه) رواه البخاري. ومنها حديث عتبان بن مالك قال: (يا رسول الله إن السيول لتحول بيني وبين مسجد قومي فأحب أن تأتيني فتصلي في مكان من بيتي أتخذه مسجداً فقال: سنفعل. فلما دخل قال أين تريد؟ فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصففنا خلفه فصلى بنا ركعتين) رواه البخاري ومسلم.

صلاة الوتر

وبناء على ما تقدم لا أرى لكم المداومة على صلاة الضحى جماعة وإنما أرى أن تصلوها فرادى وإن صليتموها جماعة أحياناً فلا بأس في ذلك. صلاة الوتر يقول السائل: ما حكم صلاة الوتر؟ وهل صحيح ما يقال بأنها تصلى ركعة واحدة؟ وهل القنوت فيها واجب؟ الجواب: صلاة الوتر من السنن المؤكدة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة منها: عن علي رضي الله عنه قال: الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن) رواه أبو داوود والترمذي وقال حديث حسن. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أوتروا قبل أن تصبحوا) رواه مسلم. وتجوز صلاة الوتر بركعة واحدة وكذا بثلاثة أو خمس أو سبع أو تسع ركعات فقد جاء في الحديث عن ابن عمر قال: (قام رجل فقال يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنه: (أنه كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر حتى أنه كان يأمر ببعض حاجته) رواه البخاري. وعن أم سلمة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام) رواه النسائي وابن ماجة وأحمد. وإذا صلى المسلم الوتر ثلاث ركعات فيجوز فيها ثلاث هيئات كما يلي:

الأولى: أن يصلي ركعتين ثم يسلم وبعدها يأتي بالثالثة. الثانية: أن يصلي ركعتين ثم يجلس بعد الثانية ثم يأتي بالثالثة كهيئة صلاة المغرب. الثالثة: أن يصلي الركعات الثلاث متصلة ولا يجلس إلا بعد الثالثة وكل ذلك جائز إن شاء الله ووردت فيه الأحاديث. أما القنوت في صلاة الوتر فهو سنة وليس بواجب فإذا تركه المصلي فلا شيء عليه والذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان أحياناً يقنت في الوتر وأحياناً أخرى لا يقنت. ويجوز القنوت قبل الركوع وبعده وهو الأفضل والأقوى. وأفضل وقت لصلاة الوتر آخر الليل في حق من يغلب على ظنه الاستيقاظ في آخر الليل وإلا فليصلي الوتر بعد صلاة العشاء فقد ورد في الحديث عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد ومن وثق بقيام الليل فليوتر آخره فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل) رواه مسلم. ومن السنة في القراءة في الوتر إذا صلى ثلاثاً أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الأعلى وفي الثانية سورة الكافرون وفي الثالثة سورة الإخلاص كما ورد في الحديث عن أبي بن كعب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر سبح اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة. ومن صلى صلاة الوتر أول الليل ثم رغب أن يصلي في آخر الليل يصلي ما يشاء ولا يعيد الوتر.

لا يوجد سنة قبلية لصلاة الجمعة

لا يوجد سنة قبلية لصلاة الجمعة يقول السائل: إننا نشاهد أكثر المصلين يوم الجمعة وبعد الإنتهاء من الآذان يقومون فيصلون ركعتين يسمونها سنة الجمعة القبلية فهل ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: إن قوام هذا الدين في أمرين: 1. ألا يعبد إلا الله. 2. أن لا يعبد الله إلا بما شرع. ولقد قرر علماء الإسلام أن الأصل في العبادات التوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن في أمورنا مأمورون باتباعه والاقتداء به. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وكل ما يتعلق بها وعلم الصحابة كيف يصلون وصلى أمامهم وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري. إني أقر جازماً أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سن لأمته ركعتين تسميان سنة الجمعة القبلية فلم يثبت ذلك عنه قولاً ولا فعلاً ولم يرد في سنة الجمعة القبلية حديث صحيح صريح وإنما وردت بعض الأحاديث التي لا يعول عليها ولا يحتج بها. ولا بد من الرجوع إلى هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة وكيف كان يفعل حتى نرى هل سن لأمته سنة قبل الجمعة أم لا. قال العلامة ابن القيم: [وكان إذا فرغ بلال من الآذان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين ولم يكن الآذان إلا واحداً وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها وهذا أصح قولي العلماء وعليه تدل السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته فإذا رقى المنبر أخذ بلال في آذان الجمعة فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل وهذا رأي عين فمتى كانوا يصلون السنة؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله

عنه من الآذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة]. زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 431 - 432. ومن المعلوم كما أشار ابن القيم أن الآذان يوم الجمعة كان واحداً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإنه كان عند جلوس النبي عليه الصلاة والسلام على المنبر وكذلك الأمر في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه زاد الآذان الثاني وعلى هذا يدل حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: (كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثاني على الزوراء) رواه البخاري. فما دام أن الأذان كان واحداً وأن الأذان يكون عندما يجلس الإمام على المنبر ومن المتفق عليه عند العلماء أن الصلاة النافلة تنقطع بمجرد جلوس الإمام على المنبر إلا من كان في صلاة فيخففها أو من كان داخلاً إلى المسجد فيصلي ركعتين خفيفتين. فمتى كانوا يصلون السنة القبلية؟ قال الحافظ العراقي: [لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي قبل الجمعة لأنه كان يخرج إليها فيؤذن بين يديه ثم يخطب] نيل الأوطار 3/ 389. وقال الحافظ بن حجر: [وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء] فتح الباري 3/ 61. وأما ما ورد في بعض الأحاديث من إشارة إلى سنة الجمعة القبلية فهي أحاديث باطلة أو ضعيفة لا تقوم بها الحجة فمنها ما جاء عن عائشة رضي الله عنه: (أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي قبل الجمعة ركعتين في بيته) فهذا حديث باطل مكذوب. ومنها حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام: (كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعاً) وهذا حديث ضعيف بهذا السياق ومنها أنه عليه الصلاة والسلام: (كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً) وهذا ضعيف جداً. وهنالك أحاديث أخرى ضعيفة تكلم عليها الحافظ ابن حجر في فتح الباري 3/ 73. قال الشيخ ناصر الدين الألباني بعد أن ذكر بعض الأحاديث الواهية

الدروس قبل صلاة الجمعة

في سنة الجمعة القبلية ما نصه: [ولهذا كان جماهير الأمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت مقدرة بعدد لأن ذلك يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسن في ذلك شيئاً لا بقوله ولا بفعله وهذا هو مذهب مالك والشافعي وأكثر الصحابة وهو مشهور في مذهب أحمد]. وقال الحافظ العراقي: [ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها] الأجوبة النافعة ص 30 - 32. وقال الحافظ المناوي في فيض القدير: [ولذلك لم يرد لهذه السنة المزعومة ذكر في كتاب " الأم " للإمام الشافعي ولا في " المسائل " للإمام أحمد ولا عند غيرهما من الأئمة المتقدمين]. وبعد هذه الجولة القصيرة يظهر لنا جلياً أنه لم يثبت عن رسول الله عليه وسلم سنة قبلية للجمعة وإنما الثابت عنه السنة بعد الجمعة فقط. وينبغي ألا يعتز بكثرة الفاعلين لما يسمى بالسنة القبلية فإن هذه القضية من العبادات والأصل فيها كما ذكرت ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من دليل صحيح يحتج به وأما كثرة الفاعلين لها فلا دليل معهم فلا عبرة بفعلهم. الدروس قبل صلاة الجمعة يقول السائل: ما هو المشروع في حق المسلم الذي ينتظر صلاة الجمعة؟ وما الحكم في الدروس التي تعقد قبل صلاة الجمعة؟ وكذلك تلاوة القارئ للقرآن الكريم بواسطة مكبرات الصوت قبل صلاة الجمعة؟ الجواب: إن المشروع في حق المسلم قبل صلاة الجمعة أن ينشغل في الصلاة النافلة وفي قراءة القرآن الكريم وبالذات سورة الكهف وفي الأذكار وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد ورد في ذلك عدد من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم منها: 1. عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا

يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى) رواه البخاري. 2. وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى) رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات كما قال الهيثمي. 3. عن نافع: (أن ابن عمر رضي الله عنه كان يغدو إلى المسجد يوم الجمعة فيصلي ركعات وقال: هكذا كان يفعل رسول الله) رواه أحمد وأبو داود وقال العراقي إسناده صحيح. 4. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (ذكر يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى إلا أعطاه إياه) رواه البخاري ومسلم. 5. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين) رواه النسائي والبيهقي والحاكم وصححه الشيخ الألباني أيضاً. 6. وعن أوس بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه الله خلق آدم ... فأكثروا عليّ من الصلاة فيه) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة والحاكم وافقه الذهبي. وأما الجواب عن الشق الثاني من السؤال حول الدروس والتلاوة قبل صلاة الجمعة وخاصة مع استعمال مكبرات الصوت فأرى أن تلك الدروس وتلك التلاوة مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد تصل إلى درجة الحرام ولا تقل عن درجة المكروه لأن تلك الدروس وتلك التلاوة تشتمل على إيذاء المصلين والذاكرين والقارئين وهذه أمور منهي عنها ومحرمة شرعاً كما ثبت في

صلاة الجمعة

الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف عن الستر وقال: ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في قراءة أو قال في الصلاة) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الشيخ الألباني. وكذلك ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المصلي مناجٍ ربه فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) رواه مالك بسند صحيح قاله الشيخ الألباني وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يا علي لا تجهر بقراءتك ولا بدعائك حيث يصلي الناس فإن ذلك يفسد عليهم صلاتهم). وكذلك فإن الدروس التي تعقد قبل صلاة الجمعة وتلاوة القرآن من قبل القارئ مخالفة لما كان عليه الأمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه رضي الله عنهم وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن عقد حلقات الدروس قبل صلاة الجمعة فقد روى أبو داود بسنده: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن البيع والشراء في المسجد وأن تنشد فيه ضالة وأن ينشد فيه شعر ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة) ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال الترمذي والألباني. قال الإمام البغوي: [وفي الحديث كراهية التحلق والاجتماع يوم الجمعة قبل الصلاة لمذاكرة العلم بل يشتغل بالذكر والصلاة والإنصات للخطبة ثم لا بأس بالاجتماع والتحلق بعد الصلاة في المسجد وغيره] شرح السنة 2/ 374. وبهذه المناسبة فإني أناشد أئمة المساجد والمسؤولين عن المساجد أن يوقفوا هذه الدروس والتلاوة قبل صلاة الجمعة وأن يمنعوا التشويش على عباد الله فهم في ذلك الوقت ما بين راكع وساجد وذاكر وقارئ ومتفكر وعليهم أن يسعوا إلى إحياء سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم كما وأن الموعظة الحاصلة بخطبتي الجمعة تغني عن الدروس ومن شاء أن يدرس فليكن ذلك بعد صلاة الجمعة

يحرم ترك صلاة الجمعة بسبب العمل يقول السائل: أعمل في أحد المصانع وتفوتني صلاة الجمعة غالباً لأن صاحب العمل يمنعني من ترك العمل يوم الجمعة فما الحكم في ذلك؟ الجواب: من المعلوم أن صلاة الجمعة فرض على كل مكلف بها لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). وصلاة الجمعة هي فرض الوقت يوم الجمعة وليس صلاة الظهر كما يظن بعض الناس فصلاة الجمعة هي الأصل وصلاة الظهر بدل عنها. ولا يجوز للمسلم المكلف بصلاة الجمعة أن يتركها لغير عذر شرعي وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من يترك الجمعة لغير عذر وأن تاركها يطبع الله على قلبه فيصير قلبه قلب منافق والعياذ بالله وقد ورد في ذلك أحاديث منها: 1. عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: (لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم) رواه مسلم. 2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لينتهين أقوام عن ودعهم - أي تركهم - الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) رواه مسلم. 3. وعن أبي الجعد الضمري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه) رواه أصحاب السنن وغيرهم وهو حديث صحيح. 4. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم على رأس ميل أو ميلين فيتعذر عليه الكلأ فيرتفع ثم تجيء الجمعة فلا يجيء ولا يشهدها وتجيء الجمعة فلا يشهدها فيطبع على قلبه) رواه ابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني.

هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة

والصبة: المجموعة من الغنم ما بين العشرين إلى الثلاثين وقيل غير ذلك من العدد. ومن خلال هذه الأحاديث يظهر لنا عدم جواز ترك الجمعة ولا يعد العمل يوم الجمعة عذراً لتركها ولا يجوز للمسلم أن يشتغل في عمل يصده عن أداء ما فرض الله عليه ولو أدى ذلك إلى تركه للعمل. قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ). ولتعلم أخي المسلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وتذكر قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) وقوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة يقول السائل: كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة مع ربط ذلك بما عليه خطباء المسلمين؟ الجواب: لا شك أن خير الحديث كتاب الله وأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن من يطلع على هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام ليعجب مما يفعله كثير من خطباء اليوم في خطب الجمعة والعيدين وغيرها، فخطبة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقريراً لأصول الإيمان، من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعد لأعدائه وأهل معصيته فتملأ القلوب من خطبته إيماناً وتوحيداً كما كان عليه الصلاة والسلام يعلم الصحابة في خطبه قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم ... ألخ. وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ آيات من القرآن الكريم في خطبته أحياناً سوراً من القرآن كسورة (ق) كما ثبت في الحديث عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنهما قالت: (ما أخذت (ق وَالْقُرْءَانِ

الْمَجِيدِ) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس) رواه مسلم وأحمد وغيرهما. وكان من هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام تقصير الخطبة وإطالة الصلاة فقد ثبت في الحديث عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة) رواه مسلم. والمئنة هي العلامة. أي أن قصر الخطبة وطول الصلاة علامة على فقه الخطيب. وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة) رواه النسائي وإسناده صحيح. وكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش. هذا بعض ما جاء في الهدي النبوي في خطبة الجمعة ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد للعلامة ابن القيم يرحمه الله. تلكم الصورة المشرقة التي كان عليها هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة. وإذا نظرنا إلى الصورة الواقعة في مساجدنا فماذا نرى؟ إن بعض الخطباء لا يكادون يقرؤون آية من القرآن في خطبهم ويكادون لا يذكرون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرى أن كثيراً منهم يركزون خطبهم على موضوع واحد وكأن الإسلام محصور فيه فقط. فمثلاً نجد كثيراً من الخطباء لا يخطبون إلا في الموضوع السياسي للأمة أضف الى ذلك ما يضيفه بعض الخطباء على خطبهم من السباب والشتائم. ولا شك أن الموضوع السياسي مهم جداً ولكن الإسلام ليس مقصوراً عليه وخاصة أن كثيراً من الكلام الذي يقال هو مجرد كلام نظري لا يجد طريقه إلى أرض الواقع، وإنما العملية مجرد تنظير فلسفي فقط والناس في زماننا يحتاجون إلى التبصير في أمور دينهم كلها فيجب على الخطباء أن يتناولوا مختلف قضايا المسلمين وما يهمهم في الدنيا والآخرة.

كذلك نجد أن بعض الخطباء يطيلون الخطبة طولاً يصيب المصلين بالسآمة والملل فإذا قاموا إلى الصلاة قرأ الإمام أقصر سور القرآن الكريم. ومن الأمور المخالفة لهدي المصطفى عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة أن بعض الخطباء يقصرون الخطبة الثانية على الدعاء فقط ولا يذكرون فيها شيئاً من الوعظ والإرشاد والترغيب والترهيب. أضف إلى ذلك أن كثيراً من الخطباء يستشهدون بالأحاديث دون التثبت من صحة نسبتها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فكم مرة سمعنا الخطيب يملأ فمه قائلاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ... ويكون الحديث مكذوباً على الرسول صلى الله عليه وسلم أو ضعيفاً واهياً. فواجب الخطيب أن يتأكد من درجة الأحاديث التي يستشهد بها في خطبته بالرجوع إلى كتب أهل الحديث. ولا يكفي أن يأخذ الخطيب حديثاً من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري مثلاً دون أن يعرف اصطلاح الإمام المنذري الذي ذكره في مقدمة كتابه فهذه مسؤولية وأمانة وخاصةً أن عامة الناس يتلقفون تلك الأحاديث من أفواه الخطباء فيكون ذلك سبباً في انتشارالأحاديث المكذوبة والواهية بين الناس. ومن الأمور المؤسفة أن كثيراً من الخطباء يسكتون عن البدع التي تقع في المساجد يوم الجمعة وغيره والمخالفة للهدي النبوي دون أن يحركوا ساكناً لإنكارها بل أن بعضهم يعمل على نشرها قولاً وفعلاً. ومن الأمور اللافتة للنظر أن بعض الخطب تكون على شكل البيانات الرسمية والمراسيم الحكومية، وليس لها نصيب من الخطبة إلا في الإسم فقط. هذا فضلاً عن كثرة الأخطاء النحوية والأخطاء في تلاوة الآيات القرآنية التي يقع فيها كثير من الخطباء. وختاماً أدعو كل من يتصدى للخطابة أن ينهل من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وأن تكون الخطبة على منوال خطب النبي عليه الصلاة والسلام.

هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم العيد

هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم العيد يقول السائل: ما هو هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في يوم العيد؟ الجواب: كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في مصلى العيد وهو ليس المسجد النبوي وإنما كان أرض خلاء وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بإخراج النساء يشهدن الصلاة ويسمعن الذكر حتى الحيض منهن فقد جاء في الحديث عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور. فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال: لتلبسها أختها جلبابها) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى: (والحيّض يكن خلف الناس يكبرن مع الناس) رواه مسلم، والعواتق أي الشابات، والحيّض: جمع حائض، وذوات الخدور: ربات البيوت. وكان من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم الاغتسال للعيد. وكان يلبس أجمل ثيابه يوم العيد، فإن التجمل باللباس يوم العيد والجمعة واجتماع الناس من الأمور المشروعة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من هديه عليه الصلاة والسلام الخروج ماشياً إلى الصلاة فإذا وصل إلى المصلى بدأ الصلاة من غير أذان ولا إقامة فكان يصلي ركعتين فيهما تكبيرات زوائد. وأصح ما ورد في صفة صلاة العيد وعدد التكبيرات الزوائد ما جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها) رواه أحمد وابن ماجة وقال الحافظ العراقي إسناده صالح ونقل الترمذي تصحيحه عن البخاري. ويكون التكبير سبعاً في الأولى بعد

القراءة وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة. وأما ما ورد في التكبير ثلاثاً في الأولى قبل القراءة وثلاثاً في الثانية بعد القراءة فإن الحديث فيه ضعيف لا يعول عليه وما تقدم أصح. وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة (ق) وفي الركعة الثانية سورة القمر. كما جاء في الحديث عن أبي واقد الليثي وقد سأله عمر: ما كان رسول الله يقرأ به في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ (ق والقرآن المجيد، واقتربت الساعة وانشق القمر) رواه مسلم. وأحياناً كان يقرأ في الأولى سورة الأعلى وفي الثانية سورة الغاشية كما في الحديث عن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بـ سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية) رواه أحمد. وبعد انتهائه عليه الصلاة والسلام من الصلاة كان يشرع في الخطبة وكان يبدؤها بالحمد لله وليس بالتكبير كما يفعل أكثر الخطباء اليوم. قال العلامة ابن القيم رحمه الله: [وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير] زاد المعاد 1/ 447 وكان عليه الصلاة والسلام يكبر كثيراً خلال خطبتي العيد. ومما يجدر ذكره أن التكبير في عيد الأضحى يبدأ من فجر يوم عرفة ويستمر حتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق وقد صح ذلك عن جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود , فصح عنهم التكبير من غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق. ويكون التكبير في أعقاب الصلوات المفروضة وغيرها من الأوقات. قال الإمام الشوكاني: [والظاهر أن تكبير التشريق لا يختص استحبابه بعقب الصلوات المفروضة بل هو مستحب في كل وقت من تلك الأيام] نيل الأوطار 3/ 358. وينبغي أن يعلم أن أيام العيد هي أيام ذكر لله تعالى وليست أياماً

سجود التلاوة وسجود الشكر

للتحلل من الأحكام الشرعية كما يظن كثير من الناس قال عليه الصلاة والسلام (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) رواه مسلم. وكان عليه الصلاة والسلام بعد انتهاء الصلاة والخطبة يأتي النساء فيعظهن ويذكرهن فقد جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: (شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكأً على بلال فأمر بتقوى الله وحث على الطاعة ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن) رواه مسلم. وكان عليه الصلاة والسلام يعود من المصلى من طريق غير الطريق الذي سلكه في ذهابه ليكثر الناس الذين يسلم عليهم أو لغير ذلك من الحكم. وبعد رجوعه إلى منزله كان يتولى أضحيته بنفسه أو يوكل أحداً بذبحها فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ... ) رواه مسلم. وأخيراً ينبغي التذكير بصلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والمساكين يوم العيد وكذلك فلا بأس بالتهنئة بالعيد والتوسعة على الأهل والأولاد. سجود التلاوة وسجود الشكر يقول السائل: هل لسجدة التلاوة ولسجدة الشكر تكبيرة إحرام وتسليم أم لا؟ وهل يجوز للمرأة أن تسجد سجدة التلاوة وهي غير مرتدية للباسها الكامل وهل تصح سجدة الشكر بدون وضوء؟ الجواب: إن كلاً من سجود التلاوة وسجود الشكر مشروع فقد ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم فمن ذلك: 1. ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه ... ) رواه البخاري ومسلم.

2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سجدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) رواه مسلم. 3. وعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في (ص) وقال: سجدها داود عليه السلام توبةً ونسجدها شكراً) رواه النسائي والدارقطني وصححه ابن السكن. هذا بعض ما ورد في سجود التلاوة: أما في سجود الشكر فقد وردت أحاديث منها: 1. عن أبي بكرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجداً لله تعالى) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن. 2. وعن عبد الرحمن بن عوف أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم (إن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت شكراً) رواه أحمد وهو حديث حسن. 3. وورد عن أبي بكر رضي الله عنه أنه سجد حين علم بمقتل مسيلمة الكذاب. وكذلك ورد عن كعب بن مالك رضي الله عنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سجد لما بشر بتوبة الله عليه وغير ذلك من الأحاديث والآثار. وحكم سجود التلاوة وكذلك سجود الشكر سنة عند أكثر أهل العلم. وصفة سجود التلاوة وكذا سجود الشكر كما يلي: أولاً: خارج الصلاة: يكبر من يريد السجود دون أن يرفع يديه ويسجد سجدةً واحدة يقول فيها ما يقوله في سجود الصلاة ثم يكبر عند الرفع بدون تسليم على قول جمهور الفقهاء وهذه الصفة مشتركة بين سجود التلاوة وسجدة الشكر. ثانياً: في الصلاة: أما سجدة التلاوة في الصلاة فإذا قرأ الإمام آية فيها

صلاة الاستسقاء

سجدة فإنه يكبر ويهوي إلى السجود ويسبح كما يسبح في سجود الصلاة ثم يكبر ثانية ويقوم فيتم القراءة ثم يكمل صلاته كالمعتاد. وأما سجدة الشكر فلا تشرع في الصلاة وإنما خارج الصلاة فقط. وعند جمهور العلماء يشترط في سجود التلاوة والشكر ما يشترط في الصلاة من حيث الوضوء واستقبال القبلة وستر العورة وطهارة الثوب وطهارة المكان. وبهذا يظهر لنا أنه في سجدة التلاوة وسجدة الشكر لا تشرع تكبيرة للإحرام ولا يشرع فيها التسليم على قول أكثر أهل العلم. وكذلك يجب على المرأة أن تستر بدنها كاملاً عند السجود كما هو الحال في الصلاة ولا بد من الوضوء فيهما. صلاة الاستسقاء يقول السائل: ما هي صلاة الاستسقاء؟ وكيف تصلى؟ ومتى تصلى؟ الجواب: صلاة الاستسقاء مشروعة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قلة الأمطار وانحباسها فلا بد للناس أن يبادروا إلى التوبة والاستغفار مصداقاً لقوله تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً). وقد وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث في الاستسقاء منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا الله عز وجل وحول وجهه نحو القبلة رافعاً يديه ثم قلب ردائه فجعل الأيمن الأيسر والأيسر الأيمن) رواه أحمد ورواته ثقات. وصلاة الاستسقاء ركعتان تصلى جماعة في المصلى خارج البلد وهو الأفضل وبدون أذان ولا إقامة كصلاة العيدين وهذا قول أكثر أهل العلم لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد سئل عن الصلاة في الاستسقاء

صلاة الأوابين

فقال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعاً متبذلاً متخشعاً متتضرعاً فصلى ركعتين كما يصلي في العيد) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وصححه. فيصلي الإمام بالناس ركعتين مع تكبيرات زوائد سبع في الأولى وخمس في الثانية ويقرأ فيهما جهراً ثم يخطب الإمام بعد الصلاة خطبتين كما في صلاة العيدين ويستحب أن يكثر الخطيب من الاستغفار ويلح في الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل. ويستحب رفع اليدين عند الدعاء للإمام والمأمومين وكما يستحب قلب الرداء وتحويله تفاؤلاً بتحويل الحال من القحط إلى الرخاء ويحوّل الرجال فقط أرديتهم وهم جلوس فمثلا من كان يلبس عباءه يقلبها على ظهره بأن يجعل أعلاها أسفلها ونحو ذلك. ووقت صلاة الاستسقاء المستحب هو وقت صلاة العيد لقول عائشة رضي الله عنها: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وإسناده جيد. وتجوز في أي وقت آخر ما عدا أوقات الكراهة. وبهذه المناسبة أذكر الأخوة أئمة المساجد بإحياء هذه السنة ودعوة الناس إلى إقامة صلاة الاستسقاء والإكثار من الاستغفار وطلب السقيا من الله عز وجل. صلاة الأوابين يقول السائل ما المقصود بصلاة الأوابين وما عدد ركعاتها؟ الجواب: إن المشهور بين الناس أن صلاة الأوابين هي التي تصلى بين المغرب والعشاء فمنهم من يصلي أربع ركعات ومنهم من يصلي ست ركعات ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة ويسمون هذه الصلاة كما ذكرت سابقاً صلاة الأوابين.

ولكن الأصح أن صلاة الأوابين هي صلاة الضحى لما ورد في الحديث أن زيد بن الأرقم رضي الله عنه رأى قوماً يصلون من الضحى فقال أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عن زيد بن الأرقم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون فقال: (صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال) رواه مسلم. والأوابون: جمع أواب وهو الراجع إلى الله تعالى. ترمض الفصال: أي حين تشتد حرارة الشمس فيسخن الرمل فتجد أولاد الإبل حر الشمس، الفصال: جمع فصيل وهو الصغير من أولاد الإبل. وقد ذكر في بعض الروايات أن سبب ذكر الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر عليهم وهم يصلون الضحى عند شروق الشمس فذكر الحديث الذي يشير إلى أن وقت صلاة الضحى عند ارتفاع الشمس. ويرى الإمام الشوكاني أنه لا مانع من إطلاق صلاة الأوابين على كل من الصلاتين المذكورتين أي صلاة الضحى والصلاة بين المغرب والعشاء واحتج على ذلك بخبر مرسل عن محمد بن المنكدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمى الصلاة بين المغرب والعشاء صلاة الأوابين. ومما يجب التنبيه عليه أنه قد وردت أحاديث كثيرة في مشروعية الصلاة ما بين المغرب والعشاء وإن كانت في معظمها ضعيفة إلا أن كثيراً من أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم قد عملوا بها لأن هذا من فضائل الأعمال كما حققه الإمام الشوكاني وغيره. فلا بأس بصلاة النافلة بين المغرب والعشاء من غير تحديد عدد معين للركعات. وأما صلاة الضحى فالأحاديث فيها صحيحة وثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فمنها:

قول المصلين "يتقبل الله منكم"

(عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام) رواه البخاري ومسلم. (وعن أم هانيء رضي الله عنها أنه لما كان عام الفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى) رواه البخاري ومسلم. ويجوز أن تصلى الضحى ركعتين أو أربعاً أو ستاً أو ثمانياً وبكل ذلك وردت الأحاديث وفي الأمر سعة. قول المصلين "يتقبل الله منكم" يقول السائل: اعتاد كثير من المصلين بعد انتهاء الصلوات المفروضات أن يصافح بعضهم بعضاً قائلين "يتقبل الله منكم" ثم يقومون إلى صلاة السنة فما حكم ذلك؟ الجواب: قرر أهل العلم أن الأصل في العبادة هو التوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أشار الرسول عليه الصلاة والسلام الى ذلك حيث قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري. ولما لم يثبت هذا الأمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي فعله ولا الالتزم به وخاصة أنه يقابله ترك سنة مؤكدة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام ألا وهي ترك الأذكار المشروعة عقب الصلوات المفروضة كما هو مشاهد في كثير من المساجد حيث أن أغلب المصلين يلتزمون بهذه المصافحة بعد تسليم الإمام ثم يقومون إلى صلاة السنة وبعد ذلك يخرجون من المسجد فهم قد أتوا بالبدعة وتركوا السنة. ومن المعلوم عند أهل العلم أن الذكر بعد الصلوات المكتوبات من السنن الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال الإمام النووي رحمه الله: [أجمع العلماء على استحباب الذكر بعد الصلاة وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة في

أنواع متعددة] الأذكار ص 57. ثم ساق طائفة من الأحديث منها: 1. عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات) رواه الترمذي وقال حديث حسن. 2. وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة سلَّم وقال: (لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) رواه البخاري ومسلم. 3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه (أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي يصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون. فقال: ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: (تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) رواه البخاري ومسلم. 4. وعن معاذٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه بيده وقال: يا معاذ والله إني لأحبك ثم قال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح. وغير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا الموضوع وهي كثيرة جداً فينبغي على المصلين أن يحافظوا على هذه الأذكار النبوية بعد صلواتهم وأن يكثروا أيضاً من الدعاء لله عز وجل لتفريج همومهم وكربهم والدعاء بما فيه الخير لهم في الدنيا والآخرة. فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدعاء هو العبادة) رواه أصحاب السنن الأربعة وهو حديث حديث حسن صحيح. وقال عليه الصلاة والسلام: (ليس شيء أكرم على الله تعالى من

مسح الوجه بعد دعاء القنوت بدعة

الدعاء) رواه الترمذي وهو حديث حسن. وقال أيضاً: (من سرّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي وهو حديث حسن. فأكثروا يا عباد الله من الدعاء في جميع الأوقات وخاصة بعد الصلوات المكتوبات. مسح الوجه بعد دعاء القنوت بدعة يقول السائل: ما حكم مسح الوجه وبعض الجسم باليدين بعد الإنتهاء من دعاء القنوت كما يفعله كثير من الناس؟ الجواب: إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من دعاء القنوت أمر مشهور بين عامة الناس ولكن هذا الأمر مع شهرته وانتشاره وعمل كثير من الناس به لا سند له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف الصالح رضي الله عنهم وإن قال به بعض الفقهاء. قال الإمام النووي رحمه الله عند حديثه عن هذه المسألة إن فيها وجهين: الأول: أنه يستحب وذكر جماعة من الفقهاء الذين قالوا بذلك ثم قال النووي. والثاني: لا يسمح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين. المجموع 3/ 501. ثم ذكر كلام البيهقي التالي. وأنقله من سننه رحمه الله حيث قال: [فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة.

وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس. فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق] السنن الكبرى 2/ 212. وأقول جزى الله أئمتنا وعلمائنا خيراً فإنهم وقافون عند موارد النصوص فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع. وأما الحديث الذي أشار إليه البيهقي فهو ما رواه أبو داوود في سننه بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) قال أبو داوود روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضاً. عن المعبود 4/ 251. وقد علق الشيخ الألباني على هذه الرواية: [(فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) فقال: ... وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرة ولم أجد لها حتى الآن شاهداً ... ثم قال: لا يصلح شاهداً للزيادة حديث ابن عمر مرفوعاً: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) لأن فيه متهماً في الوضع - أي الكذب - وقال أبو زرعة: حديث منكر أخاف أن لا يكون له أصل] السلسلة الصحيحة 2/ 146. وروى البيهقي بسنده عن علي الباشاني قال: [سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه. قال: لم أجد له ثبتاً. أي مستنداً]. وورد عن العز بن عبد السلام سلطان العلماء أنه قال: [لا يمسح وجهه إلا جاهل]. وبمناسبة الحديث عن دعاء القنوت أذكر بعض الأمور منها: أولاً: ما نراه من بعض المصليين من المبالغة برفع أيديهم فوق رؤوسهم وأرى أن هذا الأمر فيه مبالغة واضحة وأن الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين عند الدعاء تدل على مد اليدين وبسطهما ولا تدل على هذا الرفع المبالغ فيه.

الكلام في المسجد

قال الحافظ ابن حجر عند كلامه على حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه. قال الحافظ: [وهو معارض بالأحاديث الثابتة في الرفع في غير الاستسقاء ... إلى أن قال: وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة أما الرفع البليغ فيدل عليه قوله " حتى يرى بياض إبطيه " ويؤديه أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه] فتح الباري 3/ 171. لذلك فإني أرى أن ما يفعله بعض الناس من المبالغة الشديدة في رفع اليدين وجعلهما فوق الرأس إنما هو من الغلو في الدين وقد نهينا عن ذلك. والأمر الثاني الذي أود التنبيه عليه وأذكر به اخواننا أئمة المساجد وهو التطويل في دعاء القنوت وغيره من الأدعية والأذكار والأفضل هو الاقتصار على الأدعية والأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وإن زاد على ذلك فلا بأس به بشرط ألا يكون الدعاء متكلفاً أو متضمناً مخالفة شرعية. قال الإمام النووي عند ذكره لآداب الدعاء [الخامس: أن لا يتكلف السجع وقد فسر به الاعتداء في الدعاء والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة فما كل أحد يحسن الدعاء فيخاف عليه الاعتداء] الأذكار ص342. وبعض أئمة المساجد من أجل أن يحافظ على السجع يأتي بأمور غير مقبولة في الدعاء. الكلام في المسجد يقول السائل: ما قولكم في حديث الناس وكلامهم في المساجد وارتفاع أصواتهم فيها؟

الجواب: إن حال كثير من المساجد اليوم محزن نتيجةً لجهل كثير من المسلمين بأحكام المساجد وآدابها فترى في المساجد الحلقات التي يعقدها الناس ويدور الحديث فيها عن الأمور الدنيوية وإذا وقف الحديث عند الأمور المباحة فحسن، ولكن كثيراً منهم يتجاوز المباح إلى الحرام فيتكلمون في أعراض الناس ويستغيبونهم ونحو ذلك. والأصل أن الجلوس في المسجد عبادة وينبغي للمسلم أن يشغل وقته في المسجد إما بالصلاة أو بالذكر والدعاء أو يقرأ القرآن فإن لم يفعل شيء من ذلك فلا يتجاوز الكلام في الأمور المباحة. ولقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن زمان يتحلق الناس فيه في المساجد لا همّ لهم ولا كلام إلا في أمور الدنيا وقد ذمهم على ذلك، فقد ورد في الحديث عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان يتحلقون في مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا وليس لله فيهم حاجة فلا تجالسوهم) رواه ابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الألباني. ومن الأمور المخالفة للشرع والتي تشوش على المصلين والتالين والذاكرين ويفعلها الناس في المساجد، البحث عن المفقودات فتسمع هذا يبحث عن نقوده وترى المؤذن يعلن عن وجود نقود أو نحوها ويطلب من صاحبها مراجعته وغير ذلك من الأمور التي نهى عنها السشارع الحكيم فقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد الضالة فقولوا: لا رد الله عليك) رواه الترمذي والدارمي وهو حديث صحيح. وفي رواية أخرى: (من سمع رجلاً ينشد في مسجد ضالة فليقل لا أداها الله إليك فإن المساجد لم تبن لهذا) رواه مسلم. وينبغي أن يعلم أن التشويش في المسجد على المصلين والتالين لكتاب الله والذاكرين لا يجوز حتى ولو كان ذلك بقراءة القرآن فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناجٍ

صلاة الاستخارة

ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) رواه أبو داوود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الألباني. وورد في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) رواه مالك بسند صحيح قاله الألباني. وقد همّ عمر بن الخطاب بتعزير من يرفعون أصواتهم في المسجد، روى البخاري عن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل - أي رماني بحصاة - فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: ممن أنتما؟ قال: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن التشويش الذي يقع الصياح الذي نسمعه من بعض المصلين في آخر المسجد عند إقامة الصلاة لإتمام الصفوف أو الدخول إلى داخل المسجد وهذا أمر لا يجوز لأن المسلم يوم الجمعة عليه أن يتقدم للصفوف الأولى ولا يترك فراغاً أمامه وهذه هي السنة كما ورد في الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام في حق القادم إلى المسجد يوم الجمعة: ( ... ودنا من الإمام) أي اقترب من الإمام ثم إذا إقيمت الصلاة فإن من واجب الإمام أن يأمر بتسوية الصفوف وإكمالها وينبغي على المصليين أن يسمعوا ويطيعوا فيتموا الصفوف ويسدوا الفراغ الموجود في المسجد. وأما أن يأخذ المصلون في آخر المسجد بالصياح واللغط فهذا الأمر لا ينبغي ومخالف للهدي النبوي. صلاة الاستخارة يقول السائل: ما هي صلاة الاستخارة وفي أي الأمور يستخير المسلم وكيف تصلى؟

الجواب: صلاة الاستخارة سنة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجلة أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم ارضني به ويسمي حاجته). ومعنى الاستخارة أن المسلم يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يختار له خير الأمرين وأولاهما ومن المستحسن أن يستخير المسلم في أموره فقد ورد في الحديث: (من سعادة ابن آدم استخارته الله) رواه أحمد في المسند وقال الحافظ ابن حجر وسنده حسن. والاستخارة تكون في الأمور التي لا يعرف العبد فيها وجه الصواب. وأما أمور الخير الواضحة فلا مجال للاستخارة فيها. وينبغي أن يعلم أن الاستخارة لا تدخل باب الفرض ولا الحرام ولا المكروه وإنما تقع ضمن دائرة المندوب والمباح ولا تكون الاستخارة أيضاً في أصل المندوب وإنما تكون عند تعارض أمرين أيهما يبدأ به أو يأخذ به كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري. وتكون الاستخارة عندما يهمّ المسلم بأمر ما كما ورد في الحديث السابق (إذا همّ أحدكم بالأمر ... ) وهذا يعني أن الاستخارة تكون عندما يرد الأمر على القلب فيستخير فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير بخلاف ما إذا كان الأمر متمكناً في نفسه وقويت عزيمته عليه. أما كيفية صلاة الاستخارة فإن المسلم إذا أراد الاستخارة صلى ركعتين نافلة لله تعالى ويفضل أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة (قُلْ يَاأَيُّهَا

تخصيص ليلة النصف من شعبان بالعبادة بدعة

الْكَافِرُونَ) وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) واستحب بعض أهل العلم أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ويقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) ولو قرأ غير ذلك أجازه. وبعد أن يسلم من صلاته يدعو بدعاء الاستخارة المذكور في الحديث سابقاً. ويستحب له أن يفتتح الدعاء بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام ويختمه بذلك مستقبلاً القبلة رافعاً يديه فإذا فعل المسلم ذلك فإنه يفعل ما ينشرح صدره له فإذا شعر المسلم أنه يميل إلى ذلك الشيء فإنه يقدم عليه ويفعله. تخصيص ليلة النصف من شعبان بالعبادة بدعة يقول السائل: ما حكم إحياء ليلة النصف من شعبان بالصلاة والذكر؟ الجواب: إن الأصل في العبادات التوقيف عن الرسول عليه الصلاة والسلام والواجب أن نعبد الله كما شرع في كتابه وكما جاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويجب علينا أن نلتزم بذلك بلا زيادة ولا نقصان. يقول الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم. وكان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبه: (أما بعد فإن خير

الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم. إن الأصل في المسلم أن يقف عند موارد النصوص فلا يتجاوزها لأننا أمرنا بالاتباع ونهينا عن الابتداع وإن إحياء ليلة النصف من شعبان والصلاة الألفية التي تصلى فيها من البدع المنكرة التي أحدثها بعض الناس والتي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قرر أهل العلم أنه لا يجوز تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة خاصة بها كتخصيصها بالصلاة المعروفة بالصلاة الألفية وهي صلاة تقرأ فيها سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ألف مرة فهذه الصلاة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلها ولا نقلت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، قال الإمام الشوكاني: [حديث يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ بكل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات إلا قضى له كل حاجة ... الخ هو موضوع - أي مكذوب-]. وكذلك قال ابن الجوزي والحافظ العراقي وغيرهم من أهل العلم. قال الإمام النووي ما نصه: [الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي اثنتا عشر ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك. وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن اسماعيل المقدسي كتاباً نفيساً في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد]. وقد ذكر بعض أهل العلم أن صلاة ليلة النصف من شعبان أحدثت في بيت المقدس سنة 448هـ ولم تكن معروفة قبل ذلك وهذا يدل على أنها مبتدعة لا أصل لها في الشرع.

قال أبو محمد المقدسي: [لم يكن عندنا في بيت المقدس صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب ولا صلاة شعبان وأول ما حدثت عندنا صلاة شعبان في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، قدم علينا رجل في بيت المقدس من نابلس يعرف بابن أبي الحمراء وكان حسن التلاوة فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ثم انضاف إليهما ثالث ورابع فما ختمها إلا وهو في جماعة كبيرة ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير وشاعت في المسجد وانتشرت في المسجد الأقصى وبيوت الناس ومنازلهم ثم استمرت كأنها سنة إلى يومنا هذا ... الخ). وبناء على ما تقدم يظهر لنا أن إحياء ليلة النصف من شعبان بدعة منكرة لا أصل له في الشرع ولو كانت من الشرع لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأحياها هو وأصحابه رضي الله عنهم وما دام أن ذلك لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يجوز إحياؤها بنوع خاص من العبادة. والله الهادي إلى سواء السبيل

الصيام

الصيام

تفرق المسلمين في رؤية الهلال

تفرق المسلمين في رؤية الهلال يقول السائل: ما قولكم في رؤية أهل بلد الهلال، فهل يلزم المسلمين في البلدان الأخرى الصوم؟ الجواب: إن هذه المسألة محل اختلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً، وكثر الحديث عنها في هذه الديار وخاصة في أعقاب ما حصل في نهاية رمضان من العام 1413هـ حيث حصلت بلبلة يبن الناس في اليوم الأخير من رمضان وفي يوم العيد أدت إلى أمور تتعارض مع شريعتنا الإسلامية. فأقول وبالله التوفيق: لا شك أن جمهور أهل العلم يرون أنه لا عبرة باختلاف المطالع وأن على المسلمين جميعاً أن يصوموا في يوم واحد. وأنا أقول بهذا القول وأعتقد رجحانه، ولكن هذا الرأي مع قوته ورجحانه إلا أنه رأي نظري لم يأخذ طريقه إلى التطبيق الفعلي في تاريخ المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا تعلم فترة جرى فيها توحيد المسلمين على رؤية واحدة إلا أن يكون حصل ذلك عرضاً ودون ترتيب لذلك الأمر.

وقد يستغرب بعض الناس هذا الكلام ولكنه الواقع، لأن جمع المسلمين على رؤية واحدة عند الصيام أو عند الأعياد، يحتاج إلى وسائل إتصالات حديثة وسريعة حتى يصل الخبر خلال ساعات إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي ليصوموا في نفس اليوم. وهل هذا الأمر كان متوفراً للمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء من بعده! ونحن نعلم أن وسائل الاتصال الحديثة قريبة العهد، ولنضرب مثلاً يقرب الصورة ففي عهد الخلافة الراشدة كان مقر الخليفة في المدينة المنورة وكانت دولة الخلافة مترامية الأطراف فهل كان إذا ثبت رؤية هلال رمضان لدى الخليفة في المدينة المنورة تطير البرقيات وتشتغل الهواتف لإخبار المسلمين في اليمن وفي مصر والشام وفي العراق ليصوموا في يوم واحد؟ كل ذلك ما حصل وما وقع. ومن قال بخلاف هذا فقد أخطأ. ولا شك أنني آمل أن يتحقق جمع المسلمين على رؤية واحدة وأن هذا الأمر لسهل ميسور في هذا الزمان في ظل دولة إسلامية واحدة ومع تقدم وسائل الإتصال ولكن إلى أن يتحقق هذا الأمل، أقول: بأنه يجب على أهل كل بلد من بلدان المسلمين أن يصوموا في يوم واحد وأن يكون عيدهم في يوم واحد. فنحن أهل فلسطين علينا أن نصوم جميعاً في يوم واحد وأن يكون عيدنا واحداً لأن في هذا الأمر محافظة على وحدتنا الجزئية إلى أن تتحقق وحدة العالم الإسلامي الكلية، فلا يقبل أن يختلف أهل البلدة الواحدة أو المدينة الواحدة أو القرية الواحدة، فبعضهم صائم وبعضهم يصلي العيد. وضابط هذا الأمر هو الإلتزام بما يصدر عن أهل العلم في ذلك البلد وهم القضاة في المحاكم الشرعية وطاعتهم في ذلك طاعة في المعروف وإن كان هذا مخالفاً لرؤية أهل بلد آخر، لأن الأصل في الصوم أن يكون مع جماعة المسلمين وعامتهم لما ثبت في الحديث من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) رواه

الترمذي وأبو داود والبيهقي وهو حديث صحيح. قال الإمام الترمذي رحمه الله: [وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس وعلى المسلمين في هذه الديار أن يعلموا أنه يسعهم ما وسع المسلمين في السابق، بل أيام قيام دولة الإسلام، فما كانوا يصومون في يوم واحد وما كان عيدهم في يوم واحد لما ذكرته سابقاً، وأنقل كلام بعض أهل العلم في ذلك: قال الإمام السبكي رحمه الله، في كتابه " العلم المنشور في إثبات الشهور " ص15 ما نصه: [ ... لأن عمر بن الخطاب وسائر الخلفاء الراشدين لم ينقل أنهم كانوا إذا رأوا الهلال يكتبون إلى الآفاق ولو كان لازماً لهم لكتبوا إليهم لعنايتهم بأمور الدين]. وقال الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني: [ ... وإلى أن تجتمع الأمة الإسلامية على ذلك - توحيد الصوم والعيد - فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته ولا ينقسم على نفسه فيصوم بعضهم معها وبعضهم مع غيرها، تقدمت في صيامها أو تأخرت. لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد] تمام المنه في التعليق على فقه السنة، ص 398. ويقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: [إن السعي إلى وحدة المسلمين في صيامهم وفطرهم وسائر شعائرهم وشرائعهم أمر مطلوب دائماً ولا ينبغي اليأس من الوصول إليه، ولا من إزالة العوائق دون، ولكن الذي يجب تأكيده وعدم التفريط فيه بحال هو: أننا إذا لم نصل إلى الوحدة الكلية العامة بين أقطار المسلمين في أنحاء العالم، فعلى الأقل يجب أن نحرص على الوحدة الجزئية الخاصة بين أبناء الإسلام في القطر الواحد، فلا يجوز أن نقبل بأن ينقسم أبناء البلد الواحد أو المدينة الواحدة فيصوم فريق اليوم على أنه من رمضان ويفطر آخرون على أنه من شعبان وفي آخر الشهر تصوم جماعة وتعيّد أخرى فهذا وضع غير مقبول].

الإمساك قبل طلوع الفجر

فمن المتفق عليه أن حكم الحاكم أو قرار ولي الأمر يرفع الخلاف في الأمور المختلف فيها فإذا أصدرت السلطة الشرعية المسؤولة عن إثبات الهلال في بلد إسلامي - المحكمة العليا أو دار الإفتاء أو رئاسة الشؤون الدينية - قراراً بالصوم أو الإفطار فعلى مسلمي ذلك البلد الطاعة والالتزام. لأنها طاعة في المعروف وإن كان ذلك مخالفاً لما ثبت في بلد آخر، فإن حكم الحاكم هنا رجح الرأي الذي يقول: إن لكل بلد رؤيته. وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صوكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون) وفي لفظ (وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون) فتاوى معاصرة ج 2 ص223. الإمساك قبل طلوع الفجر يقول السائل: ما قولكم فيما يسمى بموعد الإمساك المطبوع في الكثير من التقاويم (الإمساكيات) وعادة ما يكون قبل أذان الفجر بربع أو ثلث ساعة فهل يحرم على المسلم أن يأكل في هذا الوقت؟ الجواب: إن الإمساك قبل أذان الفجر والمتعارف عليه لدى كثير من الناس حيث أنهم يمتنعون عن الطعام والشراب إذا حان موعد الإمساك ويعتبرون أن وقت الصوم قد بدأ، إن هذا الإمساك بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ولا دليل على جوازه من الكتاب أو السنة وفيه نوع من الغلو والتشدد الذي نهى عنه الشرع إذا التزم به المسلم. والأصل أن وقت الصيام يبدأ بطلوع الفجر الصادق وهو موعد أذان الفجر يقول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) وبناءً على ذلك يجوز للمسلم أن يستمر في الأكل والشرب إلى أن يؤذن لصلاة الفجر ولا يحرم عليه الطعام أو الشراب إلا إذا دخل وقت صلاة الفجر. وهذا الإمساك المبتدع يتعارض مع ما ورد في السنة النبوية من تأخير السحور فقد ورد في ذلك أحاديث منها:

دواء مرضى الربو والصوم

1. ما رواه الإمام البخاري قال: [باب تعجيل السحور ثم ساق بسنده عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- أي صلاة الفجر -]. وقال الحافظ ابن حجر قوله باب تعجيل السحور أي الإسراع بالأكل إشارة إلى أن السحور كان يقع قرب طلوع الفجر. وقد ورد في بعض نسخ صحيح البخاري في ترجمة الباب قوله: باب تأخير السحور. 2. روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه: كنا ننصرف من صلاة الليل فنستعجل بالطعام مخافة الفجر. 3. وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجل فطرنا وأن نأخر سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) رواه الطبراني والأوسط ورجاله رجال الصحيح. قاله الهيثمي. دواء مرضى الربو والصوم يقول السائل: هل البخاخ الذي يستعمله بعض المرضى في الفم يفطر الصائم؟ وهل التحاميل تفطر الصائم؟ الجواب: إن البخاخ المذكور في السؤال هو سائل يستعمل لتوسيع شرايين الرئتين عند ضيق النفس ولا يصل إلى المعدة عند استعماله من المريض كما قال الأطباء وبناءً على ذلك فهو غير مفسد للصيام إن شاء الله. وأما التحاميل فلا تعد من مفسدات الصوم ولا بأس باستعمالها إذا أخذت على أنها علاج. تأثير المعاصي والآثام في الصيام يقول السائل: هل للمعاصي والآثام التي يرتكبها الإنسان في نهار رمضان

تأثير على الصيام كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) "ولعل" في لغة العرب تفيد الترجي فالذي يرجى من الصوم تحقق التقوى أي أن الصوم سبب من أسباب التقوى. وبناء على ذلك فليس الصوم هو مجرد الإمتناع عن المفطرات الثلاث الطعام والشراب والشهوة فحسب بل لا بد من صوم الجوارح أيضاً، فاليد لا بد أن تكف عن أذى الناس، والعين لا بد أن تكف عن النظر إلى المحرمات والأذن لا بد أن تكف عن السماع للمحرمات واللسان لا بد أن يكف عن المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها، والرِجل لا بد أن تكف عن المحرمات فلا تمشي إلى ما حرم الله. إن الصائم مأمور بتقوى الله عز وجل وهي امتثال ما أمر الله واجتناب ما نهى الله عنه وهذه طائفة عطرة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تشير إلى هذه المعاني: 1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم يصوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سآبه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) رواه البخاري ومسلم. 2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري. 3. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سآبك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم) رواه ابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وصححه الشيخ الألباني. 4. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رب صائم ليس له بصيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)

قضاء الحامل ما أفطرته من رمضان

رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري وصححه الشيخ الألباني. فهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن الصوم لا يقصد به مجرد الإمتناع عن الطعام والشراب، بل لا بد من صوم الجوارح عن المعاصي، فعلى الصائم أن يجتنب كل المحرمات ويلتزم بكل ما أمر الله سبحانه وتعالى به حتى تتحقق فيه معاني الصوم الحقيقية، وإن لم يفعل ذلك فإنه لا ينتفع بصومه ويكون نصيبه من صومه مجرد الجوع والعطش، والعياذ بالله، كما أشار إلى ذلك الحديث الأخير، وله رواية أخرى وهي: (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر) وهي رواية صحيحة. فالأصل في المسلم الالتزام بشرع الله كاملاً وأن يأتي بالعبادات كما أرادها الله سبحانه وتعالى، بأن تكون هذه العبادات محققة لثمارها الإيجابية في سلوك المسلم وحياته، وأما إن كانت الصلاة مجرد حركات خالية من روحها والصوم مجرد جوع وعطش، والزكاة للرياء والسمعة والحج للشهرة واللقب فقد خاب المسلم وخسر وحبط عمله وكان من المفلسين يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم وابن حبان والترمذي والبيهقي وأحمد. وبناء على كل ما تقدم نرى أن المعاصي والآثام لها تأثير واضح في الصيام فهي تفسد المعنى الحقيقي للصيام ولكنها لا تعد من المفطرات. قضاء الحامل ما أفطرته من رمضان تقول السائلة: امرأة أفطرت في رمضان بسبب الحمل وجاء رمضان التالي

قضاءالصوم عن الميت

ولم تقض الأيام التي أفطرتها فماذا يجب عليها؟ وهل تلزمها الفدية مع القضاء؟ وما مقدار الفدية إن وجبت؟ الجواب: إن المشروع في حق المسلم أن يبادر إلى قضاء الصوم إبراء للذمة ولأنه لا يعلم ما يحدث له من مرض أو سفر أو موت يمنعه من القضاء فإذا دخل رمضان التالي ولم يقض ما عليه فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم فقال جمهور العلماء إن كان تأخير القضاء لعذر شرعي كالمرض مثلاً فيجب القضاء فقط. وإن كان تأخير القضاء لغير عذر فيلزم القضاء والفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم وحجتهم بعض الآثار المنقولة عن بعض الصحابة كابن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم. وقال أبو حنيفة وأصحابه يجب القضاء فقط سواء كان تأخير القضاء بعذر أو بدون عذر ولا تجب الفدية لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). وهذا هو القول الراجح فيما يظهر لي لأن المسألة لا يوجد فيها نص ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال الإمام الشوكاني: [وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها ولا دليل ههنا فالظاهر عدم الوجوب]. فهذه المرأة عليها قضاء الأيام التي أفطرتها من رمضان ولا فدية عليها. قضاءالصوم عن الميت يقول السائل: إذا توفي شخص وكان عليه صيام أيام من رمضان لم يصمها بسبب مرضه فهل يجوز لأولاده صيام تلك الأيام عنه؟ الجواب: لا يصح صيام الأولاد عن أبيهم الذي مات وعليه صيام

قطع الصوم المندوب

أيام من رمضان لم يصمها بسبب مرضه لأن صوم الفرض عبادة بدنية محضة لا تدخلها النيابة، ولأن فرض الصيام جار مجرى الصلاة فكما لا يصلي أحد عن أحد فكذلك الصوم لا يصوم أحد عن أحد صوم رمضان. ويجوز أن يصام عن الميت صوم النذر لأن النذر إلتزام في الذمة بمنزلة الدين فيجوز أن يقوم ولي الميت بالقضاء عنه كما يقضي الدين عنه وعلى هذا يحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) رواه البخاري ومسلم. وعلى أولاد هذا الشخص أن يطعموا مسكيناً عن كل يوم أفطره والدهم الذي مات مريضاً ويدل على ذلك (ما روت عمرة أن أمها ماتت وعليها من رمضان فقالت لعائشة: رضي الله عنها: أقضيه عنها؟ قالت عائشة: لا بل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين). أخرجه الطحاوي وهو أثر صحيح. وكذلك ما ورد عن ابن عباس قال: (إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه) رواه أبو داود بسند صحيح كما قال الألباني. وهذا القول الذي ذكرته هو قول السيدة عائشة رضي الله عنها وابن عباس وبه قال الإمام احمد بن حنبل واختاره جماعة من المحققين. قطع الصوم المندوب يقول السائل: إنه صام يوم اثنين تطوعاً لله تعالى ولما كان وقت الظهر زار قريباً له فدعاه إلى الطعام فأفطر ويسأل هل يلزمه قضاء يوم مكان اليوم الذي أفطره؟ الجواب: إن المشروع في حق المسلم إذا بدأ بأمر مندوب كصلاة مندوبة (نافلة) أو صوم مندوب أن يتمه ويكمله (كصوم الإثنين والخميس).

والذي عليه جمهور الفقهاء أن ذلك ليس واجباً وإنما هو في دائرة الاستحباب وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تفيد ذلك منها: 1. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل عليّ رسول الله يوماً فقال هل عندكم شيء؟ فقلت لا قال: فإني صائم ثم مر بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس فخبأت له منه وكان يحب الحيس قلت يا رسول الله أهدي إلي حيس فخبأت لك منه قال: أدنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه ثم قال لنا: إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها) رواه مسلم وأبو داود والنسائي واللفظ له. والحيس: تمر نزع نواه ويدق مع إقط ويعجنان بالسمن كما في المصباح المنير 1/ 159. 2. عن أم هانيء رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخل عليها فدعى بشراب ثم ناولها فشربت فقالت يا رسول الله أما إني كنت صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وأحمد والبيهقي وضعفه الترمذي وغيره إلا أن الحديث يتقوى بكثرة طرقه كما قال الشيخ الألباني. وقال النووي إسناده جيد وقال الحاكم صحيح ووافقه الذهبي وقال الحافظ العراقي إسناده حسن. 3. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فلما وضع قال رجل: أنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك أخوك وتكلف لك أفطر وصم مكانه إن شئت) رواه البيهقي وإسناده حسن كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح 5/ 112. 4. عن أبي جحيفة قال: (آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرآى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال كل فإني صائم فقال سلمان ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما ذهب الليل ذهب أبو الدرداء يقوم. قال سلمان نم فنام ثم ذهب يقوم فقال

صوم النافلة بعد منتصف شعبان

سلمان نم فلما كان آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال سلمان: إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه فأتى أبو الدرداء النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان) رواه البخاري وغيره. فهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن المتطوع أمير نفسه فيجوز له أن يتم وهو الأفضل ويجوز له أن يقطع تطوعه ولا شيء عليه فلا يلزمه القضاء وإلى هذا ذهب الشافعية والحنابلة ونقل عن جماعة من الصحابة كعمر وابن عباس وابن مسعود وجابر رضي الله عنهم أجمعين. إلا أنه ينبغي أن يعلم أنه استثني من هذا الحكم الذي ذكرته الحج والعمرة فإذا شرع المسلم بحج أو عمرة فيجب عليه إتمامهما بلا خلاف كما قال النووي: [وأما إذا دخل في حج تطوع أو عمرة فإنه يلزمه إتمامها بلا خلاف] المجموع 6/ 393. صوم النافلة بعد منتصف شعبان يقول السائل ما حكم صوم التطوع بعد منتصف شعبان؟ الجواب: إن صوم التطوع بعد منتصف شعبان جائز ولا بأس به عند جمهورأهل العلم وقد ورد في ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: 1. عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان وكان يقول خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دووم عليه وإن قلّت وكان إذا صلى صلاة دوام عليها) رواه البخاري. 2. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر من شعبان فإنه كان يصومه كله) متفق عليه.

صوم ستة أيام من شوال لمن عليه قضاء من رمضان

3. وفي رواية أخرى: (ما كان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلا ً) متفق عليه. إلا أنه يجب أن يعلم أنه يكره للمسلم أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لئلا يختلط النفل بالفرض، أو حتى يستريح الصائم ليدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصم ذلك اليوم) رواه البخاري. صوم ستة أيام من شوال لمن عليه قضاء من رمضان يقول السائل: هل يجوز صيام ستة أيام من شوال لمن عيه قضاء أيام من رمضان وهل تصام متتابعة أم يجوز تفريقها؟ الجواب: إن صيام ستة أيام من شوال من السنن الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ورد ذلك في أحاديث منها: 1. عن أبي أيوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذاك صيام الدهر) رواه مسلم وغيره. 2. عن ثوبان مولى رسول الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وستة بعد الفطر كان تمام السنة)، (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) رواه ابن ماجة والنسائي وهو حديث صحيح. 3. ما رواه ثوبان عند النسائي أنه عليه الصلاة والسلام قال: (صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة) وهي رواية صحيحة وغير ذلك من الأحاديث.

صوم عاشوراء

وبناء على ذلك فمن السنة أن تصوم ستة أيام من شهر شوال والأفضل في حق من كان عليه قضاء أيام من رمضان أن يقضيها أولاً ثم يصوم ستاً من شوال فإن القضاء واجب وصيام الستة سنة والواجب مقدم على السنة. ولا يشترط في صيام الأيام الستة من شوال التتابع بل يجوز تفريقها. وإن صامها أيام الإثنين والخميس فهو حسن وله الأجر والثواب الذي يقع بصيام الإثنين والخميس. صوم عاشوراء يقول السائل: ما حكم صوم عاشوراء وهل يصام ذلك اليوم منفرداً أم يصام قبله أو بعده؟ الجواب: إن صوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم من الأمور المستحبة عند أكثر أهل العلم وقد وردت أحاديث كثيرة في صوم عاشوراء منها: 1. عن عائسة رضي الله عنها قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه) رواه البخاري ومسلم. 2. وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وانا صائم فمن شاء صام ومن شاء فليفطر) رواه البخاري ومسلم. 3. وعن ابن عباس قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أن اليهود تصوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: يوم صالح نجّى الله فيه موسى وبني اسرلئيل من عدوهم فصامه موسى فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الأحاديث. ويستحب أن يصام اليوم التاسع مع اليوم العاشر من محرم لما ثبت

أكثر شهر صامه النبي صلى الله عليه وسلم نافلة

في الحديث عن ابن عباس قال: (لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال: إذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم. أكثر شهر صامه النبي صلى الله عليه وسلم نافلة يقول السائل: ما هو أكثر شهر كان النبي عليه الصلاة والسلام يصومه غير شهر رمضان؟ الجواب: إن أكثر شهر صامه النبي صلى الله عليه وسلم صوم نافلة هو شهر شعبان فقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها: 1. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان) رواه البخاري ومسلم. 2. وفي رواية عن عائشة أيضاً قالت: (ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلاً) رواه البخاري ومسلم. 3. وفي رواية أخرى عن عائشة قالت: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهرمن السنة أكثر صياماً منه في شعبان وكان يقول خذوا من الأعمال ما تطيقون فغن الله لن يمل حتى تملوا وكان يقول أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل) رواه البخاري ومسلم وهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثر شعبان. والحكمة من ذلك كما قال بعض أهل العلم إن كثيراً من الناس يغفلون عن الصيام في شعبان فكان عليه الصلاة والسلام يصوم أكثره وقد

ورد ذلك معللاً في حديث أسامة قال قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر ما تصوم من شعبان قال: (ذلك شهر يغفل الناس بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة. وقيل في الحكمة من إكثار الرسول صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان أقوال أخرى. وهنا لا بد من الإشارة إلى حديث قد يتعارض مع ما ذكرنا وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) رواه أصحاب السنن الأربعة. فيجاب عنه من وجهين: الأول: إن الحديث ضعيف ضعفه أحمد وابن معين والبيهقي. الثاني: إن صح فيحمل النهي في الحديث على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده قاله الحافظ ابن حجر. والله الهادي إلى سواء السبيل

الجنائز والقبور

الجنائز والقبور

المشروع في زيارة القبور

المشروع في زيارة القبور يقول السائل: ما هو المشروع في زيارة القبور؟ الجواب: لا شك أن زيارة القبور مشروعة في كل الأوقات لما ورد في الحديث عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة ولتزدكم زيارتها خيراً فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً) رواه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم. وفي رواية أخرى (لا تقولوا ما يسخط الرب). فزيارة القبور سنة مشروعة تذكر بالموت وتجعل الإنسان يتعظ ويعتبر ويتذكر أنه سيصير إلى ما صار إليه الأموات وهذا يدفعه إلى العمل الصالح. وكذلك فإن زيارة القبور فيها نفع للميت بالسلام عليه والدعاء له والاستغفار له. والمشروع للزائر أن يقول: (السلام على أهل الديار المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) رواه مسلم. والمشروع أيضاً في حق الزائر أن يدعو للأموات لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يخرج إلى البقيع فسألته عائشة عن ذلك

تأبين الميت بدعة

فقال إني أمرت أن أدعو لهم) رواه أحمد بسند صحيح. وينبغي لزائر القبر أن يراعي حرمة الأموات فلا يجلس على القبور ولا يطؤها بقدمه وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: (لأن يجلس أحدكم عل جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم. تأبين الميت بدعة يقول السائل: ما حكم تأبين الميت قبل الدفن أو بعده بإقامة حفلات التأبين؟ الجواب: إن تأبين الميت بدعة تدور بين الكراهة والتحريم فهي من الأمور المحدثة المخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم لأن المشروع الثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الدعاء للميت بعد دفنه والاستغفار له كما ورد في الحديث عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. هذه هي السنة ولكن وللأسف فإن الناس قد تركوا السنة وعملوا بالبدعة وهي التأبين هذا إذا كان المؤبن صادقاً فيما يقوله عن الميت ولا يصفه إلا بما كان فيه فعلاً فيكون الأمر بدعة مكروهة. وأما إذا كان التأبين يشتمل على أمور مكذوبة كأن يقول بأن موته خسارة فظيعة للأمة وإن النساء لم يلدن مثله وإن الميت كان قد قضى حياته في أعمال البر والتقوى والناس يعرفون أنه لم يدخل المسجد إلا وهو ميت وغير ذلك من الكذب والزور والبهتان فهذا أمر محرم يؤذي الميت ويعود على المؤبن بالإثم والوبال فيرجع آثماً غير مأجور. وهذا الحكم في التأبين سواء كان قبل الدفن أو بعده أو بعد مرور أربعين يوماً على وفاته أو غير ذلك فكله مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فقد جاء

نقل الميت من دولة إلى أخرى

في الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه، كما قال الحافظ ابن حجر. وكذلك فإن التأبين قبل الدفن تأخير لدفن الميت وهذا أيضاً مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم لأن من السنة الإسراع في دفن الميت. وكذلك ما يصاحب التأبين من الأمور المخالفة للشرع كدعوة الحضور للوقوف دقيقة حداداً على الميت فهذا ليس من شرع الإسلام في شيء وكذلك تصفيق الحاضرين للمؤبن وإنني أدعو المسلمين إلى ترك البدع والالتزام بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الشر كل الشر في الابتداع والخير كل الخير في الاتباع. نقل الميت من دولة إلى أخرى يقول السائل: توفي لي قريب في إحدى دول الخليج وأصر ابنه على نقل الجثمان إلى الضفة الغربية ليدفن فيها بناء على وصية الميت وقد تأخر دفنه عدة أيام فما حكم ذلك؟ الجواب: لقد حث الإسلام على تعجيل دفن الميت فقد ورد في الحديث بما معناه: (لا ينبغي لجثة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) رواه أبو داود وغيره. ولا شك أن نقل الميت من بلد إلى بلد وخاصة أنه قد أدى إلى تأخير الدفن أياماً عدة يتنافى مع ما ذكرنا. ومن ناحية أهرى فإن نقل الأموات في هذه الأيام يؤدي إلى امتهانهم وانتهاك حرماتهم في نقاط الحدود والمطارات وغيرها. كما وأن نقل الميت قد يعرضه للتغيير ويكلف ذويه مبالغ طائلة كان من الأوْلى أن تكون لورثته وخاصة إذا كانوا أطفالاً لا معين لهم. لذلك فإني أرى حرمة نقل الميت من دولة إلى اخرى لاشتماله المفاسد التي ذكرت بعضها.

الختمة عند الوفاة بدعة

وإذا أوصى الميت بنقله، فإن وصيته لا تنفذ لأن في تنفيذها مخالفة للشرع ويدل على ما قلت ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله قال: كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم فجاء منادي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حسن صحيح. ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإسراع في الجنائز وتعجيل دفنها فقد ورد في الحديث: (إن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا) رواه أبو داود. أي عجلوا في التجهيز والتكفين. وقد نص الإمام النووي في المجموع على حرمة نقل الميت وهذا قول جماعة من الشافعية ونص الحنفية أيضاً على ذلك. ويؤيد ذلك ما ورد عن ابن عمر مرفوعاً: (إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره) وفي رواية أخرى: (من مات في بكرة فلا تقيلوه إلا في قبره ومن مات عشية فلا يتبين إلا في قبره). وإني أرى أن الفقهاء الذين أجازوا نقل الميت من بلد إلى بلد أجازوه لمصلحة ما ولو أنهم رأوا ما يجري للأموات الذين ينقلون من بلد لآخر في زماننا هذا لأفتوا ولا شك بتحريم ذلك. ثم إن تأخير دفن الميت فيه زيادة ومضاعفة للأحزان فإذا مات اليوم في أمريكا فإنهم ينتظرون أياماً حتى يصل جثمانه وهذا مما يزيد آلامهم وأحزانهم. بخلاف ما لو دفن بعد موته مباشرة لذلك فإن على المسلمين المبادرة بدفن موتاهم حيث ماتوا والإقلاع عن هذه العادة السيئة وهي نقل الموتى لأن إكرام الميت دفنه. الختمة عند الوفاة بدعة يقول السائل: عند وفاة شخص فإن أهله يذبحون ذبيحة أو أكثر ويعدون

الطعام للناس بعد دفنه ومنهم من يصنع ذلك في الأيام الثلاثة التالية لوفاته أو بعد أسبوع أو بمناسبة الأربعين ويجمعون الناس ويقرأون بعض سور القرآن وبعض الأذكار فما حكم ذلك؟ الجواب: لا شك أن خير الهدي هو هدي محمد صلى الله عليه وسلم وإن ترك السنة شر عظيم ومن القضايا التي تركت فيها السنن ما يتعلق بالأموات فأن البدع في هذا المجال كثيرة جداً ومن ذلك ما هو محل السؤال. وتوضيح ذلك أن صنع أهل الميت للطعام مخالف لسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام فإن أهل الميت حلت بهم مصيبة الموت وهم مشغولون بتجهيز الميت ودفنه وتعمهم الأحزان فلا ينبغي أن يكلفوا بإعداد الطعام وتقديمه للناس بل الواجب عكس ذلك أن على أقاربهم أو جيرانهم أو أهل بلدهم أن يكفوهم ذلك فيصنعون الطعام لأهل الميت ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) رواه أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي وغيرهم وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وحسنه الألباني. والحديث النبوي يرشد إلى نوع من التكافل الإجتماعي حيث إن إعداد الطعام لأهل الميت أمر له أثر طيب في نفوسهم بالإضافة إلى تعزيتهم ومواساتهم وعلى المسلمين التمسك بسنة رسولهم صلى الله عليه وسلم لتحقيق هذه المعاني العظيمة. وكذلك يقال في الجواب عن بقية السؤال فلا ينبغي لأهل الميت ارتكاب هذه البدع من إحياء ذكرى الأربعين أو ما يعرف بالختمة أو ما يسمى بالونيسة فهذه أمور مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بدع منكرة. وبدلاً من إنفاق الأموال في هذه الأمور المخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي إنفاق الأموال في ما يعود بالنفع والفائدة على الميت بإذن الله وأبواب الخير التي ينتفع بها الميت كثيرة كالتصدق عن الميت فإن ذلك ينفعه بإذن الله سبحانه وتعالى ويدل عليه ما ورد في الحديث: (عن ابن عباس

لا يجوز البناء على القبور

رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله أن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ فقال: نعم. قال: فإني أشهدك أن حائط المخراف صدقة عنها) رواه البخاري وغيره، وحائط المخراف: بستان نخل أو عنب كثير الثمر. وكذلك ما جاء في الحديث: (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي عليه الصلاة والسلام: إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه: قال نعم.) رواه مسلم وغيره. ولا ينبغي أن يقال إن قراءة ما يعرف بالختمة ما هي إلاّ قراءة قرآن فلا يجوز منعها. لأننا نقول إن الختمة المعروفة هي قراءة السور الأخيرة من القرآن من سورة الضحى إلى سورة الناس وتلاوة بعض الأذكار كتكرار لفظ الجلالة مئة مرة وغير ذلك من الأذكار، إن هذه الختمة طريقة مبتدعة في الذكر لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكم من صحابي مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك أو أمر أحداً من الصحابة بفعل ذلك. ولو كان هذا الأمر مشروعاً لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعمل به الصحابة رضي الله عنهم ولو كان خيراً لسبقونا إليه. وما دام لم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يجوز فعله لأن الأصل في باب العبادات التوقيف عن المصطفى عليه الصلاة والسلام. لا يجوز البناء على القبور يقول السائل: ما الحكم فيما يصنعه الناس في القبور من بنائها بالحجارة والرخام ونحو ذلك؟ الجواب: إن ما آلت إليه مقابر كثيرة من المسلمين في وقتنا الحاضر ليشعر بالأسى والحزن لبعد الناس عن هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وإن الزائر لهذه

القبور ليرى أموراً عجيبة من حيث البناء على القبور فيرى هذا القبر قد بني من الرخام الإيطالي وذلك بني بأغلى أنواع الحجارة وهذا بني برخام أبيض وذاك بأسود حتى إن كثيراً من الناس أصبحوا يتفاخرون بالبناء على قبور موتاهم وسمعنا أن بعض هذه القبور كلف بناؤها مبالغ طائلة وكل ذلك من شؤم الابتعاد عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى باتباع نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام فقال: (وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ). وقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) وغير ذلك من الآيات. واعلم أخي المسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور وقد ثبت ذلك عنه في أحاديث منها: 1. عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب (ألا أبعثك على ما بعثتني رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) رواه مسلم وغيره. 2. وعن جابر رضي الله عنه قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن بينى عليه) رواه مسلم. 3. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها) رواه أبو علي وقال الهيثمي رجاله ثقات. 4. وعن فضالة بن عبيد: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتسوية القبور) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم. إن هذه الأحاديث تدل دلالة صريحة على تحريم البناء على القبور لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك والأصل في النهي أنه يفيد التحريم لذلك فإن جماهير علماء المسلمين متفقون على أن البناء على القبور من المحرمات. قال الإمام الشوكاني رحمه الله (إعلم أنه اتفق الناس سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت

أن رفع القبور والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها واشتد وعيد رسول الله لفاعلها .. ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين) شرح الصدور بتحريم رفع القبور ص 8. وقد أفتى جماعة من العلماء بهدم الأبنية التي على القبور ومنهم العلامة ابن حجر الهيتمي إذ قال (وتجب المبادرة لهدم المساجد والقباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه نهى عن ذلك وأمر صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر ولا يصح وقفه ونذره) الإبداع ص 198. ولا بد للمسلم أن يعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة فلم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ولا بحجر ولا تشيديها ولا بناء القباب عليها فسنته صلى الله عليه وسلم تسوية القبور المشرفة كلها ونهى عن تجصيص القبور والبناء عليها والكتابة عليها وكانت قبور الصحابة ضي الله عنهم وما زال كثير منها غير مبني عليه كما هو الحال إلى الآن في شهداء بدر وشهداء أحد وقبور الصحابة في البقيع وغيره. وينبغي أن يعلم أن القبور ليست محلاً لتفاخر الناس في البناء عليها وزخرفتها وتخطيط اللوحات التي توضع عليها ويكتب فيها آيات من القرآن الكريم وغير ذلك. وإن الميت لا ينتفع بالبناء على قبره أو وضع (الدرابزين) عليه وإن إنفاق الأموال في هذا المجال إنفاق فيما حرم الله وكان الواجب أن تنفق هذه الأموال في أمور أخرى قد تنفع الميت كالصدقة عنه أو عمل صالح ينتفع به. وإنني لأذكر إخواننا المشايخ والعلماء أن من واجبهم إنكار هذه البدعة المحرمة وعدم السكوت عليها وتبين الحكم الشرعي فيها لأن هذا المنكر قد استشرى وانتشر حتى لا تكاد مقبرة تخلو منه. وإن سكوت العلماء عن هذا المنكر وغيره فيه تضليل للعوام فيظنون أن البناء على القبور من الأمور المشروعة.

يحرم استئجار المقرئين للقراءة على الأموات

وإن من منهج علماء المسلمين إنكار المنكرات وإظهار كلمة الحق وإن خالفها الكثير من الناس، بل إن الصحابة رضي الله عنهم أنكروا أموراً أقل من هذا بكثير وإن علماء المسلمين في عهد الملك الظاهر أنكروا البناء على القبور وأفتوا أنه يجب على ولي الأمر أن يهدم ذلك كله وهذا هو الحق. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ يحرم استئجار المقرئين للقراءة على الأموات بقول السائل: ما حكم استئجار المقرئين للقراءة على روح الميت؟ الجواب: إن استئجار المقرئين لقراءة القرآن على روح الأموات غير جائز شرعاً ومن البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان ودفع المال لهؤلاء المتاجرين بكتاب الله إنفاق فيما حرم الله وهم يأخذون هذا المال بطريق حرام. والقرآن الكريم ما أنزل للمتاجرة به من هؤلاء الكسالى والعاطلين عن العمل ولا ليتكسب به الدجاجلة والمشعوذون وما أنزل هذا الكتاب الكريم ليقرأ على المقابر أو لافتتاح برامج الإذاعة والتلفاز التي تحارب الله ورسوله ودينه طوال الوقت، إنما أنزل هذا القرآن لنتدبر آياته ولتكون لنا سراجاً منيراً ودستوراً ومنهاجاً لحياة الأمة المسلمة. وهؤلاء الذين يتاجرون بكتاب الله ينطبق عليهم قول بعض السلف (كم من تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه) وهؤلاء المرتزقة يحددون أسعاراً لقراءاتهم وإذا لم يدفع لهم ما يطلبون فإنهم لا يقرؤون وتزداد حرمة هذا الأمر إذا صاحبته أمور منكرة كالأدعية والأذكار التي لا يقرها الشرع الحنيف وكإزعاج الجيران وأهل الحي باستخدام مكبرات الصوت. زيارة القبور يوم العيد غير مشروعة يقول السائل: جرت العادة عندنا أن يذهب الناس يوم العيد بعد انتهاء

صلاة العيد لزيارة القبور ويقرؤون القرآن حول القبر وتخرج النساء كذلك معهم ويوزعون الحلوى والقهوة والشاي ويضعون جريد النخل والزهور على القبور فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن زيارة القبور سنة مشروعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة) رواه مسلم. ولكن الشرع لم يحدد يوما ً معيناً لزيارة القبور لذلك فإن تخصيص يومي العيد بزيارة القبور بدعة مكروهة وقد تكون حراماً إذا رافقتها الأمور المنكرة التي نشاهدها في أيامنا هذه يوم العيد من خروج النساء المتبرجات إلى القبور واختلاطهن بالرجال وكذلك انتهاك حرمات الأموات من الجلوس على القبور ووطئها بالأقدام وغير ذلك من الأمور المخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم. وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز تخصيص زمان أو مكان بشيء من العبادة إلا بدليل شرعي. وتخصيص يوم العيد بزيارة القبور مما لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يكن من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضي الله عنهم زيارة القبور يوم العيد وإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الخير كل الخير بالاتباع والشر كل الشر بالابتداع. وأما قراءة القرأن على القبور فأمر غير مشروع أيضاً بل هو بدعة منكرة ما فعلها رسول صلى الله عليه وسلم ولا نقلت عن صحابته رضي الله عنهم ولا يجوز فعل ذلك وعلى المسلم أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار رضي الله عنهم. والرسول صلى الله عليه وسلم علم الصحابة ما يقولون عند زيارتهم للقبور فقد ورد في الحديث عن بريدة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية) رواه مسلم.

فالمشروع في حق من يزور المقابر أن يسلم على الأموات بهذه الصيغة أو نحوها وأن يدعو ويستغفر لهم وأما قراءة الفاتحة كما يفعله أكثرالناس اليوم وكذا قراءة غيرها من القرآن لا أصل له في الشرع وإن توارثه الناس في بلادنا كابراً عن كابر فإن الحق في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما يعتاده الناس. قال الشيخ محمد رضا صاحب تفسيرالمنار ( ... فاعلم أن ما اشتهر وعم ّ البدو والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف فهو من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية ولكنه صار بسكوت اللابسين لباس العلماء وبإقرارهم له ثم بمجاراة العامة عليه من قبيل السنن المؤكدة أو الفرائض المحتمة) 8/ 268. ومما يدل على عدم مشروعية قراءة القرآن على القبور قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم. فهذا يدل على أن القبور ليست محلاً لقراءة القرآن شرعاً فلذلك حض الرسول صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن في البيوت ونهى عن جعل البيوت كالمقابر في عدم قراءة القرأن. وأما خروج النساء إلى زيارة القبور في أي يوم من أيام السنة فالأصل فيه الجواز لدخول النساء في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم (كنت نهيتكم ... ألا فزوروها) ولأن العلة في زيارة القبور وهي التذكرة بالآخرة تشارك النساء فيها الرجال ولثبوت ذلك بأحاديث منها حديث عبد الله بن أبي مليكة: أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن ابن أبي بكر فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، ثم أمر بزيارتها) رواه الحاكم والبيهقي، وإسناده صحيح قاله الألباني. وفي رواية عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور) رواه ابن ماجة.

وفي الباب أيضاً حديث عائشة عند مسلم وهو حديث طويل لم أذكره لذلك. وأما خروج النساء لزيارة القبور يوم العيد فحكمه كما قلت سابقاً لا يجوز فهو بدعة مكروهة لأنه تخصيص لعبادة بزمان معين بدون دليل وقد يصل إلى درجة التحريم إذا عرفنا حال كثير من النساء اللواتي يخرجن إلى المقابر من التبرج، وإبداء الزينة والاختلاط الفاحش بالرجال فأرى أنه يجب على أولياء أمورهن منعهن من الخروج إلى المقابر وهن على تلك الحال وإن لم يفعلوا فهم آثمون والعياذ بالله. وأما وضع جريد النخل وباقات الزهور أو أكاليل الزهور على القبور فلا يجوز أيضاً لأنه أمر محدث ولا يصح الاحتجاج بحديث ابن عباس وهو بما معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير .. ثم أخذ جريدة فشقها نصفيفن فوضع كل نصف على قبر وقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا). فهذا الحديث صحيح ولا شك ولكن لا دلالة فيه على أن وضع جريدة النخل وأكاليل الزهور على قبور الأموات عامة جائز لما يلي: أولاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمه الله أن الرجلين يعذبان ونحن لا نعرف هل أصحاب القبور يعذبون أم لا؟ ثانياً: إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الأموات لأننا نظن ظن السوء أنهم يعذبون وما يدرينا لعلهم ينعمون. ثالثاً: إن وضع الجريد والزهور لما كان عليه سلف الأمة الصالحة الذين هم أعلم بشريعة الله منا. رابعاً: إن وضع جريد النخل على القبر خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخطابي في معالم السنن " أنه من التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما .. إلى أن قال: والعامة في كثير من البلدان تغرس الخوص في قبور موتاهم وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه " 1/ 27. ويؤيد أن وضع الجريد خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم ما ورد في حديث جابر

الأعمال التي ينتفع بها الأموات

عند مسلم وفيه (أني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين) فهذا دليل على أن رفع العذاب عنهما كان بسبب شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بسبب نداوة الغصنين. وبناء على ما تقدم لا أنصح أحداً من المسلمين بوضع جريد النخل أو أكاليل الزهور على القبور وأنصح من يفعلون ذلك بأن يتصدقوا بثمن ذلك عن أمواتهم فإن ذلك ينفعهم ويصلهم ثوابه إن شاء الله كما قاله بعض المحققين من العلماء. الأعمال التي ينتفع بها الأموات يقول السائل: ما هي الأمور التي ينتفع بها الإنسان بعد وفاته ويصل ثوابها إليه؟ الجواب: إن مما اتفق عليه علماء الإسلام أن الميت ينتفع بدعاء غيره له، قال الإمام النووي: [أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصل ثوابه إليهم]. ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) سورة الحشر آية 10. وكذلك ثبت في أحاديث كثيرة من الدعاء للأموات في صلاة الجنازة وعند زيارة القبور وغير ذلك كما ورد في الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة وعند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل آمين ولك بمثل) رواه مسلم وغيره. وكذلك ما ثبت في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم وغيره.

ومن الأمور التي اتفق العلماء على أن الميت ينتفع بها ويصل ثوابها له الصدقة عنه، وكذلك فإن المتصدق ينتفع بتلك الصدقة أيضاً ويدل على ذلك أحاديث وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم منها: عن ابن عباس رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: نعم، فقال: فإني أشهدك أن حائط المخراف صدقة عنها) رواه البخاري وغيره. وحائط المخراف: بستان نخل وعنب كان لسعد فتصدق به عن أمه. وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي أفتلتت نفسها - أي ماتت فجأة - ولم توص وأظنها تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ قال: نعم فتصدق عنها) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه (إن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبي مات وترك مالاً ولم يوص فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه؟ قال: نعم) رواه مسلم وغيره. ومن الأمورالتي ينتفع بها الميت قضاء صوم النذر عنه فإذا كان الميت قد نذر صوما ًلله تعالى فمات قبل أن يصوم فيجوز لوليه أن يصوم عنه ذلك النذر. ويدل على ذلك الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) رواه البخاري ومسلم. وهذا ارجح أقوال العلماء في الصوم عن الميت أنه يجوز في صوم النذر دون صوم الفريضة وهذا منقول عن عائشة وابن عباس وهو قول الإمام أحمد. ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه، أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله تبارك وتعالى أنجاها أن تصوم شهرأ فأنجاها الله عز وجل فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إما أختها أو ابنتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضيه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

أفضل الأعمال التي ينتفع بها الأموات من أبنائهم

ومن الأمور التي تصل إلى الميت وينتفع بها الحج والعمرة عنه حج الفريضة والنافلة أو النذر وكذا العمرة وقد وردت الأحاديث بذلك فمنها: عن ابن عباس قال: أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزى أن تحج عنها؟ قال: نعم، لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يجزيء عنها فلتحج عن أمها) رواه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد. وعن ابن عباس أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال: أرأيت لو كان عل أختك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء) رواه البخاري وغيره. وهناك أعمال أخرى ينتفع بها الميت على قول طائفة من أهل العلم كتلاوة القرآن وجعل ثواب التلاوة للميت والأضحية عن الميت. أفضل الأعمال التي ينتفع بها الأموات من أبنائهم يقول السائل: ما هي أفضل الأعمال التي يستطيع الابن عملها وينتفع بها الأب بعد وفاته؟ الجواب: إنَّ من أفضل الأعمال التي يستطيع الولد أن يعملها وينتفع بها أبوه الميت الصدقة. فالصدقة عن الميت تنفعه ويصله ثوابها كما هو مذهب جماهير علماء المسلمين ودل على ذلك ما جاء بالحديث (عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي إفتلت نفسها ولم توص - أي ماتت فجأةً - وأظنها لو أنها تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ قال: نعم فتصدق عنها)، رواه البخاري ومسلم. ويدل على ذلك أيضاً (ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول اله إن أمي توفيت و؟ أنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت بشيء

عنها؟ قال نعم، فقال إني أشهدك أن حائط المخراف صدقةٌ عنها) والمقصود بالحائط: بستان نخلٍ أو عنب. والحديث رواه البخاري وغيره. ومن الأمور التي ينتفع بها الميت الدعاء له عند زيارة القبور أو كان بشكلٍ عام، يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ) فهذه الآية تدل على انتفاع الأموات باستغفار الأحياء لهم. قال الإمام النووي: [أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصلهم ثوابه] الأذكار ص 140. ويدل على ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)، رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم لغفر لحينا وميتنا ... ) رواه أبو داود والترمذي وهو حديثٌ صحيح. ومن الأمور التي ينتفع بها الميت على قول بعض العلماء الحج عنه تطوعاً إن كان الميت قد أدى فريضة الحج وكذا قراءة القرآن بأن يجعل القارئ ثواب ما تلى للميت.

الزكاة والحج

الزكاة والحج

زكاة أموال التجارة

زكاة أموال التجارة يقول السائل: كيف يزكي التجار تجارتهم؟ الجواب: إذا حلَّ الشهر الذي يؤدي التاجر فيه زكاة أمواله فإنه يقوم بحصر أمواله من التجارة والتي تشمل البضائع الموجودة لديه والتي لم تبع بعد ذلك وكذلك أمواله السائلة وماله من ديون الناس إذا كانت مضمونة فيقوِّم البضائع الموجودة لديه بسعرها الحاضر ويضم إلى ذلك أرباحه ومدخراته وديونه المضمونة الأداء ويخصم ما عليه من دين إن كان هناك دين ثم يخرج زكاة الباقي بنسبة 2,5% أي ربع العشر. وينبغي التنبيه على أن الأجهزة والمعدات لا تدخل في الزكاة مثلاً إذا كانت لديه ثلاجات أو خزائن أو مبنى أو سيارة لخدمة المحل أو نحو ذلك فلا تحسب من ضمن مال الزكاة وإنما الزكاة على الأموال السائلة وهي الأموال المعدة للبيع لما ورد في الحديث عن سمرة بن جندب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما يعد للبيع)، رواه أبو داود والدارقطني واختلف في سنده وحسنه ابن عبد البر. كما وأن تقويم البضائع والسلع يكون بناءً على سعرها الحالي الذي تباع به وقت التقويم وهذا قول أكثر الفقهاء. ويجوز للتاجر أن يخرج زكاة تجارته من أعيان تلك التجارة كتاجر

زكاة الزيتون

المواد الغذائية فيجوز له أن يخرجها مما عنده من أرزٍ أو طحينٍ أو سكر وغيرها، ويجوز له أيضاً أن يخرج القيمة مما وجب عليه نقداً. زكاة الزيتون يقول السائل: كيف تخرج زكاة الزيتون؟ وإذا عصر الزيتون فهل تخرج من الزيت؟ وما هو النصاب الشرعي في ذلك؟ وهل يجوز إخراج النقود بدلاً من الزيت والزيتون؟ الجواب: قال أكثر أهل العلم بوجوب الزكاة في الزيتون إذا تحققت شروط وجوب الزكاة فيه وهذا القول هو الراجح إن شاء الله وهو الذي تؤيده عمومات الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشهد له حكمة الشريعة الإسلامية وعدلها وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنه وعن الزهري والأوزاعي والليث الثوري والحنفية في القول المعتمد عندهم والمالكية وهو أحد القولين في مذهب أحمد وهو قول الشافعي في القديم. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الأنعام الآية 141. وورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان بعلاً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر)، رواه البخاري وأصحاب السنن. فإذا قطف المزارع الزيتون وبلغ نصاباً وهو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسةٍ أو سق صدقة)، متفقٌ عليه، والخمسة أوسق تساوي في زماننا هذا (653) كيلو غرام على وجه التقريب فتجب الزكاة فيه ومقدار الواجب هو العشر أي (10%) إذا كان يسقى بماء السماء كما هو الواقع بالنسبة لمعظم أشجار الزيتون في بلادنا حيث يعتمد المزارعون في سقيها على الأمطار. وأما إذا كانت تسقى بعض السنة بوسائل الري المعروفة الآن فيكون

صرف الزكاة للزوج الفقير

مقدار الواجب هو نصف العشر أي (5%)، وأما إّذا كانت تسقى بعض السنة بماء المطر وبعضها الآخر بوسائل الري المعروفة ففيها ثلاثة أرباع العشر (7. 5%). ويجوز للمزارع أن يخرج المقدار الواجب من زكاة الزيتون حباً إن أراد أو زيتا ً. وينبغي أن يكون ما يخرجه هو الأنفع للفقراء والمحتاجين والأيسر على المزارعين والمعروف اليوم أن كثيراً من المزارعين يعصرون الزيتون فيخرجون من الزيت المقدار الواجب بعد أن يكون الحب قد بلغ نصاباً كما ذكرت. ويجوز للمزارع أن يدفع قيمة المقدار الواجب من الزكاة نقداً ولا بأس في ذلك كما هو مذهب الحنفية والقول المشهور عند المالكية وهو رواية في مذهب الحنابلة ومنقول ٌ عن الثوري وعمر بن عبد العزيز من فقهاء السلف. وقد يكون إخراج القيمة أنفع للفقراء والمحتاجين من إخراج الأعيان. ويجب على المزارع ألا يبخس المستحقين للزكاة حقهم فيقدر القيمة بما عليه السعر في السوق يوم إخراج الزكاة. وكما وأن على المزارع أن يبادر إلى إخراج الزكاة بمجرد انتهائه من قطف الزيتون حباً أو عصره زيتاً. صرف الزكاة للزوج الفقير تقول السائلة: هل يجوز للزوجة أن تصرف زكاة أموالها لزوجها الفقير؟ الجواب: نعم يجوز للزوجة أن تدفع زكاة مالها لزوجها الفقير وهذا قول جمهور أهل العلم ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن، قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته فسأله، فإن كان ذلك يجزيء عني

يجوز إخراج النقود في زكاة الفطر

وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه أنت قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزيء الصدقة عنهما على زوجيهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن. قالت: فدخل بلال فسأله قال له: من هما؟ فقال امرأة من الأنصار وزينب. فقال: أي الزيانب؟ فقال: زينب امرأة عبد الله. فقال: لهما أجران: أجر القرابة واجر الصدقة) متفق عليه. يجوز إخراج النقود في زكاة الفطر يقول السائل: ما حكم إخراج النقود في صدقة الفطر؟ وما هو وقتها؟ وهل يجوز تعجيلها؟ ولمن تعطى؟ الجواب: صدقة الفطر أو زكاة الفطر فريضة عند جمهور أهل العلم وقد ثبتت بأحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها: حديث ابن عمر قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد الحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نعطيهما في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء - أي القمح الشامي - قال: أرى مداً من هذه يعدل مدين) رواه البخاري. وجمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة يرون وجوب إخراج الأعيان في صدقة الفطر كالتمر والشعير والزبيب أو من غالب قوت الناس ولا يجيزون إخراج القيمة أي إخراج النقود.

ومذهب الحنفية جواز إخراج القيمة ونقل هذا القول عن جماعة من أهل العلم منهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري ونقل عن جماعة من الصحابة أيضاً وهذا هو القول الراجح إن شاء الله لما يلي: أولاً: إن الأصل في الصدقة المال لقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً). والمال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة وأطلق على ما يقتنى من الأعيان مجازاً وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم المنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج لا لتقييد الواجب وحصر المقصود. ثانياً: إن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة فمن ذلك ما ورد عن طاووس قال معاذ باليمن: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج. وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة وذكر الأثر عن معاذ ونصه (وقال طاووس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة) واحتجاج البخاري بهذا يدل على قوة الخبر عنده كما قال الحافظ بن حجر في فتح الباري 4/ 54. ونقل الحافظ عن ابن رشيد قال: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. وفعل معاذ مع إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يدل على جوازه ومشروعيته. ثالثاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بين القدر الواجب من الأعيان المنصوص عليها مع تساويها في كفاية الحاجة فجعل من التمر والشعير صاعاً ومن البر نصف صاع وذلك لكونه أكثر ثمناً في عصره فدل على أنه عليه الصلاة والسلام اعتبر القيمة. ورواية نصف الصاع من البر ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة ولا يسلم ضعفها كما قال بعض المحدثين. رابعاً: إن المقصود من صدقة الفطر إغناء الفقراء وسد حاجتهم وهذا المقصود يتحقق بالنقود أكثر من تحققه بالأعيان وخاصة في زماننا هذا لأن

نفع النقود للفقراء أكثر بكثير من نفع القمح أو الأرز لهم ولأن الفقير يستطيع بالمال أن يقضي حاجاته وحاجات أولاده وأسرته ومن المشاهد في بعض بلاد المسلمين أن الفقراء يبيعون الأعيان (القمح والأرز) إلى التجار بأبخس الأثمان نظراً لحاجتهم إلى النقود. خامساً: قال الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرض زكاة الفطر من الأطعمة السائدة في بيئته وعصره إنما اراد بذلك التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم فقد كانت النقود الفضية أو الذهبية عزيزة عند العرب وأكثر الناس لا يكاد يوجد عنده منها إلا القليل أو لا يوجد عنده منها شيء وكان الفقراء والمساكين في حاجة إلى الطعام من البر أو التمر أو الزبيب أو الإقط، لهذا كان إخراج الطعام أيسر على المعطي وأنفع للآخذ ولقصد التيسير أجاز لأصحاب الإبل والغنم أن يخرجوا (الإقط) وهو اللبن المجفف المنزوع زبده فكل إنسان يخرج من الميسور لديه. ثم إن القدرة الشرائية للنقود تتغير من زمن لآخر ومن بلد لآخر ومن مال لآخر فلو قدر الواجب في زكاة الفطر بالنقود لكان قابلاً للارتفاع والانخفاض حسب قدرة النقود على حين يمثل الصاع من الطعام إشباع حاجة بشرية محددة لا تختلف فإذا جعل الصاع هو الأصل في التقدير فإن هذا أقرب إلى العدل وأبعد عن التقلب ". وهناك أدلة أخرى كثيرة تدل على رجحان مذهب الحنفية القائلين بجواز إخراج القيمة في صدقة الفطر ومن اراد الاستزادة فليراجع كتاب الإمام المحدث أحمد بن محمد الغماري بعنوان (تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال). وأما بقية الأسئلة فنقول في الجواب عنها: إن وقت وجوب صدقة الفطر هو غروب شمس آخر يوم من رمضان عند الجمهور وطلوع فجر يوم العيد عند الحنفية. هذا وقوت الوجوب وقد اجازوا تقديمها عن وقت الوجوب وهو الأصلح والأنفع للفقراء فعند الحنفية يجوز تعجيلها من أول العام وعند الشافعية يجوز تعجيلها من أول

لا يجب على الحاج ذبح شاة عند رجوعه من الحج

شهر رمضان وعند المالكية والحنابلة يجوز تقديمها بيوم أو يومين لقول ابن عمر: (كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين) رواه البخاري. وهذا قول حسن وثبت من فعل جماعة من الصحابة تعجيلها بيوم أو يومين أو ثلاثة حتى يتمكن الفقير من شراء ما يلزمه قبل يوم العيد. وتصرف صدقة الفطر للفقراء والمساكين والمحتاجين فقط ولا تصرف في مصارف الزكاة الثمانية على الراجح من أقوال أهل العلم. لا يجب على الحاج ذبح شاة عند رجوعه من الحج يقول السائل: يظن بعض الناس أن من الواجب على من يحج بيت الله الحرام أن يذبح شاة عند عودته من الحج إلى بلده فهل هذا صحيح أم لا؟ الجواب: لا يجب على الحاج أن يذبح ذبيحة عند رجوعه من الحج إلى بلده وليس لذلك علاقة بمناسك الحج. والذبح الواجب على الحاج يكون في مكة إذا كان الحاج قارناً أو متمتعاً فيجب عليه ذبح شاة هناك، وأما بعد رجوعه إلى بلده وأدائه لمناسك الحج فلا يجب عليه ذبح. وأما إذا ذبح الحاج شاة بعد عودته أو ذبحها أهله أو أقاربه على سبيل إكرام الحاج وزائريه فلا بأس بذلك وأما أنها واجبة فلا. الرشوة للذهاب إلى الحج يقول السائل: هل يجوز لي أن أدفع مالاً لشخص للحصول على موافقة للذهاب إلى الحج؟ الجواب: لا يجوز لك دفع هذا المال لأنه رشوة والرشوة محرمة شرعاً فقد ثبت في الحديث (أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي) رواه

الحج عن الغير

ابو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. وأنه لأمر مؤسف أن يدفع الناس رشاً لأداء طاعة وعبادة لله تعالى. وإن مما يدفع الناس لأمثال هذه التصرفات المحرمة شرعاً القيود التي تفرض على أداء فريضة الحج حتى أصبح الحج في أيامنا هذه مقصوراً على كبار السن فقط. وتلاشت آمال كثير من الناس الذين لم يبلغوا الستين من أعمارهم في أداء فريضة الحج وينبغي إعادة النظر في هذا الأمر لأنه يتعلق بركن من أركان الإسلام وبفريضة من فرائض الله تعالى. الحج عن الغير تقول السائلة: إن لها اماً كبيرة في لاسن وظهرت عليها أمارات الخرف فكيف تعاملها؟ وتقول إن لأمها مبلغاً من المال عند شخص ويطالب بهذا المبلغ أخ لها مع أنه لا يقدم لوالدتها شيئاً ولا يهتم بها بينما تقوم هذه المرأة بالإنفاق على أمها والعناية بها وتسأل من أولى بأخذ هذا المبلغ هذه المرأة أم اخوها؟ وتقول أيضاً أنها تريد أن تحج عن أمها من ذلك المبلغ فهل يجوز لها ذلك؟ الجواب: إن الإسلام أمر ببر الوالدين والإحسان لهما في حياتهما وبعد وفاتهما ويقول سبحانه وتعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) سورة الإسراء الآيتان (23 - 24). وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) سورة العنكبوت الآية (8). وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) سورة لقمان الآية (14). ووردت أحاديث كثيرة منها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه) رواه مسلم وأبو داود والترمذي. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله) رواه البخاري ومسلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي علي من بر والدي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان. والمراد بالصلاة عليهما: الدعاء لهما. وغير ذلك من الأحاديث. إن المتمعن في هذه النصوص ليظهر له مدى رعاية الإسلام للوالدين وتأكيده على حسن معاملتهما وعدم إيذائهما حتى ولو كان بكلمة أف. فيجب على هذه المرأة السائلة أن تحسن معاملة أمها مهما اتصفت أو فعلت وإن كانت خرفة لا تدري ماذا تفعل أو يصدر عنها. وينبغي أن نذكر بأن بعض الناس إذا كبر والداه أو أحدهما يرسلهما إلى ملجأ العجزة أو بيت للمسنين ويتضجر من خدمتهما والقيام على شأنهما وهذا لا يليق بالمسلم أن يفعله فعلى المسلم أن يقوم على خدمة والديه كما ربياه صغيراً وأن يحسن لهما في الكبر كما أحسنا له في الصغر وعليه أن يتذكر أنه لا يقبل أن يعامله أولاده بهذه المعاملة عندما يتقدم به العمر فلا يرضى لنفسه أن يتخلص أولاده منه ويلقوا به إلى بيوت العجزة والمسنين. وأنا اعتبر أن ظاهرة انتشار بيوت المسنين ظاهرة غريبة عن المجتمع المسلم وهي تدل على انقطاع أواصر الترحام بين أفراد العائلة وتدل على أنانية مقيتة وأنفة بغيضة. حيث يأنف الأبناء عن رعاية الآباء وهذه الظاهرة تنافي قوله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلاً عليه فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه فلذلك خص هذه الحالة بالذكر) تفسير القرطبي 10/ 214. وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (رغم أنفه، رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة) رواه مسلم. وأما بالنسبة للمبلغ الذي لهذه الأم فابنتها أولى به من ابنها الذي لا يتعرف على أمه ولا ينفق عليها فلهذه المرأة أن تأخذ هذا المبلغ وتنفقه على والدتها. وعلى هذا الابن أن يتقي الله في نفسه ويبتعد عن هذه المعصية الكبيرة فإن فعله هذا عقوق لوالدته والعقوق من كبائر الذنوب فعليه أن يتوب إلى الله توبة صادقة وأن يقبل على خدمة والدته وبرها والإحسان إليها. وأما بالنسبة لسؤالها عن الحج بذلك المال عن والدتها. الجواب: أنه يجوز لها أن تحج عن أمها بشرط أن تكون هذه المرأة قد حجت عن نفسها أولاً كما هو مذهب جماعة من أهل العلم ويدل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) رواه ابو داود وابن ماجة وابن حبان والبيهقي وقال البيهقي: (هذا إسناد صحيح ليس في هذا الباب أصح منه) ومال إلى تصحيحه الحافظ ابن حجر وصححه الألباني. والله الهادي إلى سواء السبيل

المعاملات

المعاملات

يحرم وضع المال في البنوك الربوية

يحرم وضع المال في البنوك الربوية يقول السائل: ما حكم وضع المال في بنوك الدول الغربية أو البنوك الإسرائيلية وأخذ الفائدة؟ الجواب: إن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإن المسلم إذا دقق النظر في النصوص الشرعية الواردة في تحريم الربا وقف على خطورة هذه الكبيرة والنتائج المترتبة عليها. يقول الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) سورة البقرة الآيتان (275 - 276). ويقول الله سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) سورة البقر الآيتان (278 - 279). وإن المتمعن في حال الأمة الإسلامية اليوم ليرى أن سوء حالها من ذلة وهوان على الناس ما هو إلا إحدى نتائج البعد عن منهج الله جل وعلا

فوائد البنوك (الربا)

ومن ذلك التعامل بالربا فالأمة المسلمة في معظم البلدان تتعامل بالربا ويراه كثير من الناس مباحاً وبعضهم غير اسم الربا إلى فائدة متحايلاً على شرع الله فحاربهم الله تعالى وسلط عليهم الأمم من كل جانب. وينبغي أن يعلم أن آيات تحريم الربا وردت عامة فلا تفرق في تحريمه بين التعامل به مع المسلمين أو غيرهم وهذا العموم من خواص المحرمات في الشريعة الإسلامية فالشيء المحرم يكون محرماً على كل مسلم سواء كان في ديار الإسلام أو في ديار غيرهم. فالخمر حرام على المسلم في ديار الإسلام وحرام عليه أيضاً إذا خرج منها. قال الإمام الشافعي رحمه الله: [ومما يرافق التنزيل والسنة ويعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في دارالكفر والحرام في دار الإسلام حرام في دار الكفر] الأم 4/ 160. ولذلك كله فلا يجوز التعامل بالربا مع أي بنك وفي أي بلد مهما كان. وهذا مذهب جمهور أهل العلم وبه قال الأئمة مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من العلماء. وقد نسب إلى بعض الفقهاء قولهم بجواز التعامل بالربا في غير دار الإسلام وهذا المذهب ضعيف لا تقوم الحجة به وليس عندهم دليل معتبر والصحيح في هذه المسألة حرمة التعامل بالربا مطلقاً ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه البخاري ومسلم. فيؤخذ من هذا الحديث أن كل من يأكل الربا ملعون. أي مطرود من رحمة الله من غير فرق بين أن يتعامل به مع المسلمين أو مع غيرهم. فوائد البنوك (الربا) يقول السائل: إذا كان لفرد أو مؤسسة أموال في البنوك سالفة الذكر متأتية عن طريق تحويلات مالية أو شيكات سياحية حيث تمكث الأموال لفترة في البنك باختياره ويترتب عليها فوائد ربوية فهل يجوز أخذ هذه الفوائد؟

حساب التوفير ربا

الجواب: لا يجوز للمسلم اصلاً أن يضع أمواله في بنك ربوي ابتداءً إلا لضرورة. فإذا حصل ووضع أمواله فيه أعطاه البنك ربا وهو ما يسميه الناس اليوم زوراً وبهتاناً فائدة فحينئذٍ يتصرف فيها كما يلي: أولاً: لا يجوز ترك الأموال التي تسمى فائدة للبنوك الربوية كما يدعي بعض الناس حيث يقولون إن هذا من باب التقوى والورع فهذه تقوى زائفة وفي غير محلها. ومن المعروف أن البنوك الربوية إذا تركت لها تلك الأموال تنفقها في مصالحها الشخصية. ثانياً: لا يجوز الانتفاع بتلك الأموال انتفاعاً شخصيا ً كأن ينفقها الشخص على نفسه أو على أهله فهذه الأموال لا تحل للشخص أبداً ولا يحل له إنفاقها في مصالحه الشخصية. ثالثاً: على المودع المذكور في السؤال أخذ تلك الأموال وإنفاقها على الفقراء وبعض مصالح المسلمين العامة كبناء مدرسة أو مستشفى أو تجهيز شارع ونحو ذلك. وقد أفتى بذلك طائفة من علماء العصر منهم فضيلة الشيخ العلامة مصطفى الزرقا حيث قال (إن التدبير الصحيح الشرعي في هذه الفوائد أن يأخذها المودع من المصرف دون أن ينتفع بها في أي وجه من وجوه الانتفاع فعليه أن يأخذ تلك الفوائد التي يحتسبها له المصرف الربوي عن ودائعه ويوزعها على الفقراء حصراً أو قصراً لأنهم مصرفها الوحيد). وهذا رأي سديد إن شاء الله ولكن لا أوافقه على قصر تلك الأموال على الفقراء فقط بل يجوز صرفها في بعض مصالح المسلمين العامة كما ذكرت قبل قليل وينبغي أن يعلم أنَّه يجوز أن تدفع الزكاة من تلك الأموال وكذلك لا يجوز دفعها في بناء المساجد. حساب التوفير ربا يقول السائل: ما الحكم في حساب التوفير وهل يدخل ذلك في حكم الربا؟

الجواب: لا شك أن للبنوك الربوية أساليب كثيرة مغرية لجلب الزبائن للتعامل معها ولإيداع أموالهم حتى توسع أعمالها وتزيد من دخلها وتزين للناس طرق كسب كثيرة ولكنها لا تخرج في حقيقة الأمر عن دائرة الربا المحرم ومن ذلك دعوة الناس إلى فتح حسابات التوفير لدى هذه البنوك بطرق دعائية براقة تستهوي كثيراً من الناس ومن ذلك ما جاء في دعاية أحد البنوك من أن حسابات التوفير هي ضمان وأمان للمستقبل ونحو ذلك من الكلام الزائف. ومن المعلوم أن البنوك تدفع ما تسميه فوائد مجزية على حسابات التوفير وهي في الحقيقة من الربا المحرم. ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يقبلون على فتح حسابات التوفير هذه ويزعمون أنهم يؤمنون مستقبل أولادهم ويدخرون لهم وهذه المدخرات تنمو بالربا الحرام والمال الحرام لا يبارك الله فيه بل يسحقه ويمحقه. يقول الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ). وعلى المسلم أن يوقن بأن الأرزاق بيد الله وأن تأمين المستقبل كما يقولون لا يكون عن طريق الحرام وإنما يكون بالإدخار من المال الحلال فهذا الذي يدخر لأولاده من المال الحرام وبطرق حرام إنما يربي أولاده على الحرام وينفق عليهم من الحرام ويدخر لهم نار جهنم والعياذ بالله. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذيه بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم. وعلى كل مسلم أن يسعى لتأمين مستقبل أولاده بالكسب المشروع الحلال ولا يكون ذلك أبدأً عن طريق الربا المحرم بنص كتاب الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَوَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

العمل في البنوك الربوية حرام

العمل في البنوك الربوية حرام تقول السائلة: إن زوجها يعمل في البنك وتسأل هل المعاش - الراتب - حلال أم حرام؟ وهل وضع الأموال في البنوك بدون أخذ الفائدة يجوز أم لا؟ الجواب: يقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ). مما لا شك فيه أن الربا محرم شرعاً باتفاق أهل العلم، وأن النظام الإقتصادي الإسلامي يحارب الربا وكل المؤسسات الربوية، وقد شدد الإسلام في أمر الربا، فبالإضافة للآيات السابقة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات - المهلكات - قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه مسلم. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء)، رواه مسلم. وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصصحه، وغير ذلك من الأحاديث. وبناءً على ما سبق فقد قرر كثيرٌ من أهل العلم حرمة العمل في البنوك الربوية، حتى ولو كان العمل حارساً ليلياً للبنك، لأن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان، وهو محرم بنص القرآن الكريم وكذلك فقد أفتى كثير من العلماء المعاصرين بحرمة تأجير المحلات أو العمارات للبنوك الربوية لذات السبب السابق. وأما إيداع الأموال في البنوك الربوية، فالأصل في ذلك التحريم ولا يجوز إلا في حالة الضرورة، كأن يخشى الإنسان على ماله من الضياع ولا

التعامل بالشيكات

يجد مكاناً آمنا ً لوضعه إلا في البنك كحسابٍ جارٍ ولا يأخذ ربا عليه. أقول هذا وأنا أعلم أن التعامل مع البنوك الربوية أصبح بلاء عاماً لا ينجو منه إلا القليل، وأعلم أن امتناع شخص أو أشخاص من العمل مع البنوك الربوية أو الإيداع فيها لا يحل المشكلة المستعصية، لأن المشكلة جزء من سيئات النظام العام الذي نعيشه وونحياه، ولكن سددوا وقاربوا واتقوا الله ما استطعتم. التعامل بالشيكات يقول السائل: يتعامل بعض الناس بالشيكات مع بعض الصرافين فيأخذ الصراف الشيك من الزبون ويكون موعد صرفه بعد ستة أشهر مثلاً فإذا كانت قيمة الشيك ألف دينار يدفع الصراف تسعمائة وخمسين دينار، وفي حالة أخرى يتم صرف الشيك الذي حل موعد استحقاقه مقابل عمولة تقدر ب 1% أو 1. 5% فما حكم التعامل بالصورتين المذكوريتن؟ الجواب: إن التعامل بالصورة الأولى المذكورة في السؤال حرام شرعاً لأن ما يقوم به الصراف من أخذ الشيك الذي تبلغ قيمته ألف دينار بتسعمائة وخمسين ديناراً يعتبر أحد أبواب الربا لأن المبلغ الذي يأخذه الصراف هو مقابل المدة الباقية على صرف الشيك وهي ستة أشهر مثلاً وهذه الصورة غير جائزة لا يجوز التعامل بها. وأما الصورة الثانية فإن ما يتقاضاه الصراف وهو المسمى عمولة وتقدر بنسبة قليلة فيعتبر من باب الأجر ولا بأس بالتعامل بهذه الصورة ولا يعد من التعامل بالربا. زيادة محرمة يقول السائل: اشترى زوج أختي قطعة أرض مني ودفع لي بعض ثمنها

خلو الرجل

ثم فسخ العقد لأسبابٍ معينة، ويطالبني الآن زوج أختي بالمبلغ الذي دفعه مع الزيادة الربوية، وأنا أرفض دفع الزيادة له، ولكن والديَّ يهدداني بالغضب عليَّ إذا لم أدفع له ما يريد، أفتوني مأجورين؟ الجواب: إذا تم فسخ العقد، يعيد البائع المبلغ الذي قبضه للمشتري ويعيد المشتري العين المباعة، وهي هنا في السؤال قطعة الأرض، ولا يحق للمشتري بأن يطالب بأي زيادة على المبلغ الذي دفعه لأن هذه الزيادة تعتبر من باب الربا وهو محرم بنص كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). وأما تهديد والديك بالغضب إن لم تدفع لزوج أختك الزيادة فغضبهما في غير محله وهاما غير محقين في هذا الغضب وعليك أن تبين لهما أن هذه الزيادة من الربا وتذكرهما بالله سبحانه وتعالى فلعلهما يتراجعان عن ذلك. وإذا أصرا على موقفهما بعد البيان والتوضيح فلا عليك من غضبهما. وطاعة الله أولى ومقدمة على طاعة الوالدين وخاصة أنهما يأمران ولدهما بارتكاب معصية من المعاصي، بل كبيرة من الكبائر ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وعلى والديك أن يتقيا الله فيك وواجبهما العمل على إنقاذك من نار جهنم، لا أن يدفعاك إليها. وليذكرا قول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). خلو الرجل يقول السائل: إنه استأجر بيتاً منذ مدة طويلة وقد انتهت مدة العقد ويطلب مالك البيت منه إخلاء البيت ولكنه طلب من المالك أن يدفع له مبلغاً من المال كخلو رجل فما حكم هذا المال وهل يجوز له أخذ خلو الرجل؟ الجواب: لا يجوز لهذا المستأجر أن يأخذ أي مبلغ من المال

عقد الاستصناع جائز شرعا

مقابل إخلائه للبيت بعد انتهاء عقد الإجارة والمالك أحق بملكه ويجب على المستأجر إخلاء البيت وإذا أخذ مبلغاً من المال فإنه يأكله سحتاً وحراماً. وخلو الرجل عند من يقول بجوازه يشترط فيه أن يكون قد بقي شيء من مدة عقد الإجارة، فمثلاً إذا استأجر شخض محلاً تجارياً لمدة خمس سنوات ورغب المالك في إنهاء العقد بعد مضي سنتين فأجازوا للمستأجر أن يأخذ خلو الرجل لأن ذلك يكون مقابل ما بقي له من حق المنفعة في المحل المستأجر وأما إذا انتهت مدة عقد الإجارة فلا يجوز للمستأجر أخذ الخلو ويجب عليه إعادة المحل لمالكه لأن المالك أحق بملكه. وبهذه المناسبة أذكر المستأجرين أنه لا يجوز لهم شرعاً الامتناع عن إخلاء الدور المؤجرة أو المحلات المؤجرة إذا رغب أصحابها في عدم تجديد عقد الإجارة وما يقال أن القانون يحمي المستأجر فيمنع إخراجه ويمنع زيادة الأجرة فهذا كلام باطل شرعاً فيحق شرعاً للمالك أن لا يجدد عقد الإجارة بعد انتهاء مدة العقد المتفق عليها كما وأنه يجوز للمالك أن يزيد الأجرة بعد انتهاء مدة العقد. ولا يعني هذا الكلام أن يقوم المالك باستغلال حاجات الناس وزيادة الأجرة بشكل غير معقول. وإنما تزداد الأجرة على حسب ما هو متعارف عليه في البلد بدون ظلم لأحد وعلى الناس أن يتراحموا في هذا الأمر. عقد الاستصناع جائز شرعاً يقول السائل: اتفقت مع نجار على أن يقوم بتفصيل غرفة نوم مقابل مبلغ ألف وخمسمائة دينار واتفقنا على أوصافها وموعد تسليمها ولكن قال بعض الناس إن هذا العقد باطل، فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن العقد الذي اتفقت فيه مع النجار هو المسمى عند

التعامل مع من كسبه حرام

الفقهاء عقد الاستصناع وهو شراء ما يصنع وفقاً للطلب إذا كانت العين من الصانع كأن يذهب شخص إلى صانع أحذية ويطلب منه أن يصنع له زوجاً من الأحذية بأوصاف معلومة وثمن معلوم كالمثال المذكور في السؤال. والاستصناع عقد مشروع عند أصحاب المذاهب الأربعة وإن كان على خلاف القياس لأنه بيع معدوم. وأجازه الفقهاء لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم استصنع خاتماً ومنبراً، ونظراً لتعامل الناس به وتعارفهم عليه في مختلف العصور ويشترط بجوازه بعض الشروط منها: 1. بيان صفة المصنوع وصفاً تاماً يمنع النزاع. 2. أن يكون المصنوع مما تعارف الناس التعامل به. وينبغي أن تحدد فيه مدة دفعاً للخصومة وعقد الاستصناع عقد لازم لمن طلب الاستصناع فيلزمه أخذ الشيء المستصنع إذا كان موافقاً الأوصاف التي اتفق عليها دفعاً للضرر عن الصانع. وبهذا يظهر أن الزعم بأن هذا العقد باطل قول باطل لا دليل له. التعامل مع من كسبه حرام يقول السائل: إنه رجل صاحب صنعة وعمل لدى شخص يغلب على ظنه أن ماله مكتسب من الحرام، فهل أجرة هذا الصانع حلال أم حرام؟ الجواب: إذا كنت تعمل في عمل جائز شرعاً وأخذت الأجرة عليه فما أخذته حلال إن شاء الله وليس لك أن تسأل الشخص الذي عملت عنده عن مصدر ماله، هل اكتسبه من حلال أم حرام؟ لأن السؤال عن ذلك نوع من التنطع والتشدد الذي لا تقره الشريعة الإسلامية والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (هلك المتنطعون) رواه مسلم. ويضاف إلى ذلك أن الإنسان مسئول عما يفعل ولا يسأل عن فعل غيره، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) فما أخذته من

التبرع بالدم

أجر على العمل الذي قمت به حلال ولا شيء فيه ولست مأموراً بالتنقيب عن مصدر مال الشخص الذي عملت عنده فلو أن كل شخص عمل لغيره عملاً وسأله من أين اكتسب ماله؟ لأصبح الناس في حرج شديد ولما انتهى الأمر إلى حد. التبرع بالدم يقول السائل: قد يحتاج المريض إلى كميات من الدم وقد لا يوجد متبرع بها ويأبى إلا أن يبيعها فما الحكم الشرعي في ذلك؟ الجواب: إن التبرع بالدم من الأمور الضرورية للناس ولا أبالغ إن قلت إن حكمه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين وذلك لما يترتب عليه من إنقاذ المرضى والجرحى في الحوادث المختلفة وعلى الإنسان أن يبذل دمه تبرعاً وحسبةً لله تعالى ولا يطلب أي مقابل عند تبرعه بدمه لإنقاذ حياة إنسان محتاج لذلك الدم. ولا يجوز أخذ العوض مقابل هذا الدم المبذول وذلك لأن الإنسان مكرم لا يجوز بيع أي جزء منه فلا يحل أن يبيع شعره مثلاً كما تباع أصواف الحيوانات وكذلك دمه لا يحل له بيعه. يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيءَادَمَ) وأخذاً من هذا التكريم لا يجوز للإنسان أن يبيع أي جزء منه كما تباع السلع. وإذا لم يتيسر للإنسان المحتاج للدم الحصول على الدم تبرعاً وهبة إلا عن طريق الشراء فحينئذ يجوز شراء الدم والإثم على الآخذ دون المعطي. وينبغي أن يذكر هنا أن نقل الدم لا علاقة له بانتشار الحرمة بين الآخذ والمعطي كما هو الحال في الرضاع.

شراء المال المسروق لا يجوز

شراء المال المسروق لا يجوز يقول السائل: ما حكم شراء المعدات التي تتم مصادرتها من أصحابها بغير حق؟ وما حكم شراء الأجهزة المسروقة؟ الجواب: يحرم على المشتري أن يشتري مالاً مغصوباً أو مسروقاً أو أخذ من صاحبه بغير حق وهو يعلم كالأجهزة التي تصادر من أصحابها لعدم دفعهم الضرائب ونحو ذلك فهذا امثاله ولا يجوز للمسلم أن يقدم على شرائه وهو يعلم لأنه قد أخذ من أصحابه بدون حق لأن هذه الأجهزة لم تنتقل ملكيتها من صاحبها بطريق شرعي وإنما هي مغصوبة أو مسروقة فإذا أقدم المسلم على شرائها فيكون قد اشتراها من غير مالكها الحقيقي. ولا شك أن في شراء المال المسروق أو المغصوب تشجيع لهؤلاء الذين يأخذون أموال الناس بالباطل ويعتبر ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان وقد نهانا الله عن ذلك بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). وكذلك فإننا نعلم أنه لا يحل أخذ مال المسلم إلا إذا طابت نفسه بذلك وهذه الأموال المسروقة أو المغصوبة تؤخذ بالقوة أو بالخفية ولا تطيب نفس صاحبها بها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وهو حديث صحيح. وقد روي في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (من اشترى سرقة - شيئاً مسروقاً - وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في إثمها وعارها) رواه الحاكم والبيهقي وسنده مختلف فيه. المتاجرة بأفلام الفيديو يقول السائل: إنه يملك محلاً للبيع وتأجير أشرطة الفيديو فما الحكم الشرعي في ريع هذا المحل؟

عقد المضاربة

الجواب: إن المتاجرة في أفلام الفيديو المعروضة في الأسواق والتي تعرض المحرمات كأفلام الجنس والخلاعة والمجون والرذائل والأفلام البوليسية التي تعلم الناس وسائل الإجرام وتسهم في نشر الجرائم والرذائل حرام شرعاً، فالتعامل في هذه الأشرطة بيعاً أو شراءاً أو إجارة أو إهداءً أو تبادلاً بدون مقابل كل ذلك محرم شرعاً لأنها تسهم بلا شك في نشر الفاحشة بين المسلمين يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ). وكذلك فإنه يعد من باب التعاون على الإثم والعدوان والله سبحانه وتعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز لمالكي العقارات والمحلات التجارية أن يؤجروها لأمثال هؤلاء تجار أشرطة الفيديو. وأما إذا كانت أشرطة الفيديو تعرض البرامج النافعة والمفيدة كالأشرطة العلمية والطبية والتاريخية ونحو ذلك مما لا يتعارض مع أحكام الشريعة فيجوز التعامل بها. عقد المضاربة يقول السائل: لدَّي مال يبلغ خمسة آلاف دينار وقال لي شخص أعطني هذا المال أشغله لك في تجارتي على أن أعطيك مائتين وخمسين ديناراً في الشهر فما الحكم الشرعي في ذلك الأمر؟ الجواب: إن العرض الذي عرضه عليك هذا الشخص يسمى عند الفقهاء عقد المضاربة، ولكن هذه المضاربة المعروضة عليك مضاربة فاسدة، وقبل بيان فسادها أبين لك معنى المضاربة عند الفقهاء: فالمضاربة وتسمى أيضاً القراض: هي أن يدفع شخص مبلغاً من المال ل

آخر ليتجر فيه، والربح مشترك بينهما على حسب ما يتفقان - أي يكون المال من شخص والعمل من شخص آخر. والمضاربة جائزة عند عامة الفقهاء اتباعاً لما ورد عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم الذين أجازوها وعملوا بها ولم يثبت فيها بعينها دليل لا من الكتاب ولا من السنة كما قال جماعة من أهل العلم. ويشترط أن يكون رأس المال نقداً ومعلوم المقدار ويشترط أن يكون نصيب كل من المتعاقدين من الربح معلوماً على أن يكون جزءاً مشاعاً كنسبة مئوية 10% أو 15% أو 40% على حسب ما يتفقان. ولا يجوز أن يكون الربح مبلغاً محدداً فإن حصل ذلك أدى ذلك إلى فساد عقد المضاربة ومن الأمور المهمة في عقد المضاربة أن الخسارة إن حصلت يتحملها صاحب المال دون العامل لأن العامل يخسر جهده وعمله، إلا إذا كانت المضاربة مقيدة ومشروطة بشرطٍ محدد، فخالف العامل ذلك الشرط فإنه حينئذٍ يضمن، كأن يشترط صاحب المال على العامل ألا يتاجر بالسيارات مثلاً، فتاجر العامل بالسيارات فخسر فحينئذٍ فإن العامل ضامن لأنه خالف الشرط الذي اتفق عليه. وأعود إلى بيان سبب فساد العقد الذي عرض على السائل فأقول: إن المضاربة تقتضي المشاركة في الربح بين صاحب المال والعامل، فإذا حدد مبلغ مقطوع سيكون لأحدهما كما في السؤال مبلغ (250) دينارا ً فلعل المضاربة لا تربح إلا ذلك المبلغ فيكون المبلغ لأحدهما دون الآخر، وهذا الحال يتنافى مع الاشتراك في الربح فلذلك قرر الفقهاء أنه لا بد من أن يكون الربح جزءا ًشائعاً. فلو ربح مائة دينار وكان بينهما نسبة معينة مثلاً 40% لصاحب المال والباقي للعامل أو حسب ما يتفقان فإن المشاركة تكون حاصلة في الربح.

الشرط الجزائي

الشرط الجزائي يقول السائل: ما الحكم الشرعي فيما يعرف هذه الأيام بالشرط الجزائي في المعاملات؟ الجواب: لا بد من توضيح الشرط الجزائي فنقول: نظراً لتطور أساليب التجارة والتعامل بين الناس وجدت انواع من العقود والتعامل في العصور المتأخرة لم تكن معروفة في الماضي وصار لعامل الوقت أهمية قصوى في التعامل كما هو الحال في عقود التوريد إلى المصانع والمؤسسات المختلفة ونظراً لما يترتب على تأخير تسليم البضاعة إلى المصانع أو إلى المؤسسات أو تأخير تسليم المقاولين للأعمال المنوطة بهم ولما يترتب على ذلك التأخير من أضرار قد تلحق بالأطراف الأخرى في أمثال هذه العقود احتاج الناس إلى اشتراط شروط تصمن لهم حقوقهم وتلزم الطرف الذي يتأخر في تنفيذ العقد أو يخل بشيء من العقد بدفع تعويض مالي إلى الطرف الآخر وهذا ما يعرف بالشرط الجزائي. والذي عليه كثير من الفقهاء المعاصرون أن الشرط الجزائي جائز وأنه من الشروط التي تعتبر في مصلحة العقد إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته المحدد له، ويمكن أن يستدل على جوازه بما رواه البخاري في صحيحيه بسنده عن ابن سيرين أن رجلاً قال لكريه: (من يكري وسائل النقل) أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً ليس مكره فهو عليه. ويضاف إلى ذلك أن الشرط الجزائي مقابل للإخلال بالإلتزام الذي قد يلحق الضرر ويفوت المنافع. والقول بجواز الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله وهو سبب من أسباب دفع الناس للوفاء بالعقود تحقيقاً لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). وينبغي ملاحظة أمرين في قضية الشرط الجزائي: الأول: أنه لا ينبغي تنفيذ الشرط الجزائي إذا كان هنالك عذر شرعي

الغرامة بالمال

في الإخلال بالالتزام فيكون العذر الشرعي مسقطاً لوجوبه حتى يزول العذر. الثاني: إذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً بحيث يراد به التهديد المالي ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف ويرجع في تقدير الضرر إلى أهل الخبرة والشأن في ذلك. ولا بد من مراعاة قواعد العدل ورفع الضرر عن الناس لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار). الغرامة بالمال يقول السائل: ما الحكم الشرعي في فرض غرامة مالية عن المتخلفين في دفع أقساط الاشتراك في جمعية أو نقابة أو نحو ذلك؟ وهل لذلك علاقة بالربا؟. الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً: أنه لا ينبغي للمسلم ان يشترك في جمعية أو نقابة تتعارض أهدافها أو وسائلها مع مبادئ الإسلام. ثانياً: إن ما تأخذه هذه الجهات من المنضمين إليها إن كان على سبيل التبرع فلا يجوز لها فرض غرامة على المتأخرين في سداد هذه الأقساط لأن المتطوع أمير نفسه فيجوز شرعاً للمسلم إذا أراد أن يتبرع أن يرجع عن تبرعه وإن كان ذلك خلاف الأولى. وأما إذا كانت هذه الأقساط على سبيل الإلزام، وقد رضي المشتركون في نظام هذه الجهة وقبلوا بهذا المبدأ وهو فرض الغرامة على المتأخرين في سداد هذه الأقساط فيجوز لتلك الجهة فرض الغرامة المالية على المتأخرين عن سداد القساط. قال شريح القاضي: (من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه) وهذا الأمر ليس له علاقة بالربا لا من قريب ولا من بعيد لأن الربا هو الزيادة التي يؤديها المدين للدائن على رأس ماله نظير مدة معلومة من الزمن أجله إليها مع الشرط والتحديد، أو هو فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال.

النزاع على الأراضي

فالموضوع محل السؤال ليس من الربا لأنه لا يوجد فيه معاوضة وإنما هو من باب التعزير بالعقوبات المالية وهي مشروعة عند جماعة من أهل العلم كما هو مشهور في مذهب مالك ومذهب أحمد في رواية ومذهب الشافعي في قول له ودلت على ذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كأمر الرسول صلى الله عليه وسلم تكسير أوعية الخمر ومثل أخذ شطر مال مانع الزكاة وغير ذلك. النزاع على الأراضي يقول السائل: كثرة في الآونة الأخيرة الخلافات بين الناس حول أدعاء ملكية الأراضي ويحاول بعض الناس إثبات ملكيتهم بحلف الأيمان أو إبراز الحجج والإثباتات ونحو ذلك وقد ترتب على تلك الخلافات حوادث مؤسفة من قتل وشجار وخصام بين الناس فما الحكم الشرعي في ذلك؟ الجواب: لعل من أهم أسباب حدوث النزاع والخصام حول الأراضي وانتشار ذلك في هذه الأيام حيث إننا نطالع في الصحف إعلانات يدعي أصحابها ملكية أرض وإعلانات أخرى ترد على اولئك المدّعين وتنقض دعواهم ونحو ذلك من الخلافات. أقول: لعل من أهم أسباب ذلك التهالك على الدنيا وضعف الوازع الديني لدى كثير من الناس حيث أن بعض الناس يأكلون أموال غيرهم بالباطل ويتوصلون إلى ذلك بطرق ملتوية وغير مشروعة. والإسلام والحمد الله قرر طرق إثبات الحقوق في مثل حالات الخلاف هذه فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودمائهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر) رواه البيهقي وأصله في الصحيحين وهو حديث حسن. فإذا ادعى إنسان أن قطعة الأرض الفلانية له وأقام البينة الواضحة

الصحيحة على ذلك فهي حق ثابت له ولا يملك القاضي إلا أن يحكم له بذلك، وإذا تعذر ذلك توجه اليمين على المنكر. ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث عن الأشعث قال: كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله: (شاهداك أو يمينه، قلت: إذاً يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين يستحق بها مالاً هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك ثم قرأ هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ... ) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: (قلت: إذن يحلف ولا يبالي، قال عليه الصلاة والسلام: ليس لك إلا ذلك) وينبغي أن يعلم أن غصب الأرض وأخذها ظلماً وعدواناً يعد من الكبائر والعياذ بالله وقد وردت أحاديث كثيرة في الترهيب من ذلك منها: 1. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إياه يوم القيامة في سبع أرضين) رواه مسلم. وللعلماء أقوال في تفسير التطويق المذكور في الحديث منها أنه يحمل مثله من سبع أرضين ويكلف إطاقة ذلك. وقيل يجعل ذلك كالطوق في عنقه كما قال الله تعالى: (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قاله الإمام النووي رحمه الله. وقال الإمام الخطابي رحمه الله: معناه أنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين ويؤيد هذا المعنى الحديث التالي: 2. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أخذ من الأرض شيئاً بغير حق خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين) رواه البخاري وغيره. 3. عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن أروى بنت أويس خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وإياها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخذ شبراً من الأرض بغير حق طوقه في سبع ارضين يوم القيامة

اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واجعل قبرها في دارها. قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد. فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها) رواه البخاري ومسلم. 4. وعن محمد بن إبراهيم أن ابا سلمة حدثه وكان بينه وبين قومه خصومة في أرض وأنه دخل على عائشة رضي الله عنها فذكر ذلك لها، فقالت: يا أبا سلمة، اجتنب الأرض فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) رواه البخاري ومسلم. 5. وعن أبي مالك الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعظم الغلول -الخيانة - عند الله عز وجل ذراع من الأرض أو في الدار فيقتطع من حظ صاحبه ذراعاً فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة) رواه أحمد وهو حديثٌ حسن وغير ذلك من الأحاديث. ولا بدَّ من التنبيه إلى أن قضاء القاضي بإثبات الحق لأحد الخصمين لا يجعل ذلك حلالاً إن لم يكن ذلك في الواقع وحقيقة الأمر لأن القاضي يقضي حسب الظاهر ولعل أحد الخصمين يكون ألحن بحجته من الآخر فيظهر أمام القاضي أنه محق وهو في الحقيقة مبطل فيحكم له القاضي بذلك فإن حكم القاضي لا يجعل الحرام حلالاً. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إنكم تختصمون إليَّ وإنما أنا بشرٌ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي له بما يقول فمن قضيت له بشيءٍ من حق أخيه بقوله فإنما أقطع له قطعةً من النار فلا يأخذها) متفقٌ عليه. وإن بعض الناس يقدمون على حلف الأيمان الكاذبة ليستولوا بها على حقوق الآخرين ويظنون أن ذلك هيناً وهو عند الله عظيم ولقد شدد الله سبحانه وتعالى في عقوبة هذه الجريمة النكراء يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يقتطع الرجل حق امرء مسلم بيمينه إلا

المزارعة جائزة

حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقال رجل من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً، فقال، وإن كان سواكاً من أراك) رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما وهو حديثٌ صحيح. المزارعة جائزة يقول السائل: عندي أرضٌ زراعية أعطيها لبعض المزارعين لرزراعتها بالقمح والشعير على أن لي ثلث الناتج منها فما حكم ذلك؟ الجواب: إن ما تقوم به يسمى عند الفقهاء مزارعة وهي عقد على الزرع ببعض الخارج والمزارعة محل خلافٍ بين علماء المسلمين والراجح من أقوال أهل العلم جوازها وهي مشروعة والأدلة على ذلك كثيرة منها: 1. ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطرٍ ما يخرج من ثمرٍ أو زرع) فتح الباري 5/ 409. 2. قال الإمام البخاري في صحيحه (باب المزراعة بشطر ونحوه. وقال قيس عن أبي جعفر قال: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع وزارع علي وسعد بن مالك وعبد الله بن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين وقال عبد الرحمن ابن الأسود: كنت أشارك عبد الرحمن بن يزيد في الزرع. وعامل عمر الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فله كذا) فتح الباري 5/ 407 - 408. وهذه المعلقات التي رواها الإمام البخاري بصيغة الجزم وصلها غيره من أهل الحديث كمنا بينه الحافظ ابن حجر في الفتح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على كلام البخاري السابق (فإذا كان جميع المهاجرين كانوا يزارعون والخلفاء الراشدون وأكابر الصحابة

والتابعين من غير أن ينكر ذلك منكر لم يكن إجماع أعظم من هذا، بل إن كان في الدنيا إجماع فهو هذا، لا سيما وأهل بيعة الرضوان جميعهم يزارعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده إلى أن أحلى عمر اليهود إلى تيماء) (مجموع الفتاوى 29/ 979). وقال ابن القيم: (وهذه - المزارعة - أمر صحيح مشهور قد عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم خلفاؤه الراشدون من بعده حتى ماتوا، ثم أهلوهم من بعدهم ولم يبقَ في المدينة أهل بيت حتى عملوا به وعمل به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعده، ومثل هذا يستحيل أن يكون منسوخاً لاستمرار العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن قبضه الله، وكذلك استمرار عمل خلفائه الراشدين به فنسخ هذا من أمحل المحال) شرح ابن القيم على سنن أبي داود 9/ 184. والقول بجواز المزارعة ومشروعيتها هو قول أكثر أهل العلم واختاره المحققون من الفقهاء والمحدثين وبه قال الإمام مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وعليه الفتوى عند الحنفية، وبه قال اسحق بن راهويه والأمام النووي وابن تيمية وابن القيم وابن قدامة والشوكاني وغيرهم كثير جداً. وأما الأحاديث التي ورد فيها النهي عن المزارعة كحديث رافع بن خديج (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع) رواه البخاري. وكحديث جابر (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض) رواه ابن حبان وغيره وغيرها من الأحاديث التي ورد فيها النهي عن المزارعة فالجواب عنها من وجوه كثيرة أذكر أهمها: 1. إن النهي الوارد في حديث الرافع بن خديج وغيره إنما هو في المزارعة الفاسدة التي كانت معروفة عندهم وقتئذٍ والتي فيها اشتراط صاحب الأرض لنفسه نتاج بقعة معينة من الأرض أو التبن فهذه منهي عنها ويؤكد ذلك أن رافعاً قد روى تفسير ذلك النهي، فعن رافع بن خديج قال: كنا أكثر الأنصار حقلاً فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما

أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك أما الورق فلم ينهنا، رواه البخاري ومسلم. وفي روايةٍ أخرى (إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات وإقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ولم يكن للناس كرىً إلا هذا فلذلك زجر عنه، فأما شيءٌ معلوم مضمون فلا بأس به) رواه مسلم. والماذيانات: ما ينبت من الزرع على مسايل المياه. وإقبال الجداول: أوائل السواقي. وفي رواية أخرى عن رافع قال: (حدَّثني عمايَّ أنهما كانا يكريان الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا ينبت على الإربعاء وبشيءٍ يستثنيه صاحب الأرض قال فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك) رواه البخاري. والأربعاء: جمع ربيع وهو النهر الصغير. قال شيخ الإسلام بن تيمية: [فهذا رافع بن خديج -الذي عليه مدار الحديث - يذكر أنه لم يكن لهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كراء إلا بزرع مكانٍ معين من الحقل وهذا النوع حرام بلا ريب عند الفقهاء قاطبة] الفتاوى 29/ 107. 2. إن الصحابة رضي الله عنهم أنكروا على رافع روايته. قال زيد بن ثابت وقد حكي له حديث رافع (يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه إنما أتى رجلان قد اقتتلا فقال عليه الصلاة والسلام إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع رافع قوله لا تكروا المزارع) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال الزيعلي حديثٌ حسن. نصب الراية 4/ 181. 3. وكذلك ما رواه عمرو بن دينار قال: قلت لطاوس لو تركت المخابرة- أي المزرعة - فإنهم يزعمون أنالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها. فقال: إن أعملهم يعني ابن عباس أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلملم ينه عنها ولكن قال:

جوائز التجار

أن يمنح أحدكم أخاه خيراً له من أن يأخذ عليها خراجاً معلوماً) رواه البخاري وغيره. 4. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم المزارعة ولكن امر ان يرفق بعضهم ببعض. رواه الترمذي وصححه. 5. قال ابن القيم: [إن من تأمل حديث رافع وجمع طرقه واعتبر بعضها ببعض وحمل مجملها على مفسرها ومطلقها على مقيدها علم أن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أمر بين الفساد وهو المزارعة الظالمة الجائرة فإنه قال: كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه .. إلى أن قال: قال الليث بن سعد: الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر إذا نظر إليه ذو البصيرة بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز. وقال ابن المنذر: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك العلل. (شرح بن القيم على سنن أبي داود 9/ 185 - 186). 6. قال الإمام النووي: [ .... ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة قياساً على القراض فإنه جائز بالإجماع وهو كالمزارعة في كل شيء ولأن المسلمين في جميع الأمصار والأعصار مستمرون على العمل بالمزارعة] شرح النووي على صحيح مسلم 10/ 210. وبهذا العرض الموجز يظهر لنا أن المزارعة جائزة شرعاً والمسألة تحتاج إلى بحث أطول ولكن المقام لا يتسع. جوائز التجار يقول السائل: ما حكم الجوائز التي يعلن عنها التجار لترويج سلعهم مثل من يعلن أن من يشتري بمائة دينار يحصل على رقم يخوله الدخول في قرعة

على مجموعة من الجوائز تكون الجائزة الأولى سيارة مثلاً أو جهاز تلفزيون ونحو ذلك؟ الجواب: إن ترويج التجارة اليوم أصبح فناً قائماً بذاته وصار التجار يتبعون أساليب كثيرة ومختلفة من أجل تسويق تجاراتهم وبعض هذه الأسايب غير مشروع كالمثال المذكور في السؤال فهذا نوع من القمار المسمى باليناصيب لما يلي: 1. لأن المشتري يقدم على الشراء وهو على خطر فربما يحصل على الجائزة وربما لا يحصل عليها. 2. إن التجار الذين يمارسون هذا النوع من الترويج لبضائعهم يقومون برفع أثمان السلع حتى يتمكنوا من تغطية قيمة الجوائز من مجموع المشترين فيربح ويربح واحد من المشترين أو اثنان مثلاً ويخسر الآخرون. 3. إن مثل هذه الأساليب تدفع كثيراً من الناس إلى الشراء دونما حاجة رغبة في الحصول على الجائزة الموعودة وهذا يؤدي إلى الإسراف وترسيخ النهج الرأسمالي في الاستهلاك. 4. إن مثل هذه الأساليب تؤدي إلى تنمية الضغينة والحقد والحسد في قلوب الخاسرين من المشترين وهم الأكثر لأن الرابحين القلة. راجع كتاب (الميسر والقمار) ص 168 - 169. ولا شك أن هذا الأسلوب يدخل في الميسر المحرم (القمار) يقول الله سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). والله الهادي إلى سواء السبيل

المرأة والأسرة

المرأة والأسرة

خاطب أعرج صاحب دين

خاطب أعرج صاحب دين تقول السائلة: إنها فتاة في سن الزواج وقد تقدم لخطبتها شاب متدين ولكنه أعرج فرفض أهلها زواجها منه وهي ترغب فيه فما الحكم الشرعي في ذلك؟ الجواب: إن الإسلام قد جعل للمرأة حق إختيار الزوج، فتبقل من يتقدم لخطبتها أو ترفض ولا ينبغي لأهلها أن يقوموا بتلك المهمة نيابةً عنها. والإسلام قد جعل اعتباراً لإختيار كل من الزوجين. فمثلاً اختيار الرجل المناسب للزواج لا يكون على أساس المال والجاه أو المظهر فقط وإنما فلا بدّ من مقياس التقوى والعمل الصالح - أي صاحب دين - فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض) رواه الترمذي وهو حديث حسن. وفي حديث آخر عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفساد قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه " ثلاث مرات ") رواه الترمذي وهو حديثٌ حسن كما قال الشيخ الألباني. والمراد وإن كان فيه نقص في أمور أخرى كجمال الخلقة أو الحسب

علاقة الخاطب بالمخطوبة

والنسب وغير ذلك وهذا الشاب الأعرج إن كان صاحب دينٍ كما تقول السائلة فلا ينبغي لأهلها أن يردوه وخاصةً أنها راغبة فيه. وردهم لزواجه هو تعنت وتجبر ونظرتهم غير صحيحة للأمور فكم في المجتمع من أعرجٍ وأعور وصاحب عاهة فإذا كانوا هؤلاء وأمثالهم لا يزوجون فتلك طامةٌ تحل بالمجتمع. ومن المعروف أن كثيراً من الناس ينظرون إلى الزواج على أساسٍ ماديٍ بحت فيشترطون فيمن يتقدم لخطبة ابنتهم شروطاً مادية معينة كأن يكون صاحب مال أو منصب أو من عائلةٍ عريقة ولا يلقون بالاً إلى الأمور الأساسية وهي الدين والخلق حتى ولو كان فقيراً فلعله يكون أن يكون خيراً من الغني، وقد ورد في الحديث عن سهلٍ بن سعد قال: مرَّ رجل برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يستمع. قال: ثم سكت. فمرَّ رجل من فقراء المسلمين فقال ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا) رواه البخاري. ولا يعني كلامنا أننا ندعو إلى إهمال الجوانب المادية ولكن الأساس هو الدين والخلق وبعد ذلك ينظر إلى الأمور الأخرى. علاقة الخاطب بالمخطوبة يقول السائل: ماذا يحل للخاطب من خطيبته وماذا يترتب على فسخ الخطبة إذا كان الفسخ من قبل الخاطب أو كان من قبل المخطوبة؟ الجواب: إن الخطبة مقدمة للزواج وهي مجرد وعد للزواج وليست زواجاً وقد نص الفقهاء على أن الخطبة ليست إلا وعداً بالزواج وهذا الوعد غير ملزم فيحق لكل واحدٍ منهما العدول عن الخطبة متى يشاء.

كما أن الفقهاء قرروا أن عقد الزواج لا يتم بقبض أي شيءٍ على حساب المهر أو بقبول الهدية أو ما يسميه الناس اليوم (قراءة الفاتحة) فكل ذلك لا يعتبر عقداً للزواج ويجوز العدول عن ذلك. وبناءً على ذلك فيعتبر كل من الخاطب والمخطوبة أجنبياً عن الآخر فلا يحل لهما الإختلاط دون وجود محرم وما يفعله كثير من الناس اليوم مخالف للشرع، بالسماح لهما بالخروج معاً إلى الأماكن العامة والجلوس على انفراد والذهاب والإياب معاً فكل ذلك حرام شرعاً لأن الخاطب ما زال يعتبر أجنبياً عن المخطوبة ولا يحل له من المخطوبة سوى ما أباحه الشارع الحكيم ألا وهو النظر. فعن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إذا خطب أحدكم المرأة فاستطاع أن ينظر منها ما يدعو إلى نكاحها فليفعل) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه. وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب إمرأةً فقال النبي صلى الله عليه وسلم (انظر أليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) رواه النسائي والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديثٌ صحيح. ومعنى يؤدم بينكما: أن تقع الألفة والملائمة بينكما. وعن أبي هريرة قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج إمرأةً من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ فقال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) رواه مسلم. ففي هذه الأحاديث أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم الخاطب إلى النظر إلى المخطوبة لما يترتب على النظر من فوائد لمصلحة الإثنين. فيجوز النظر إلى الوجه والكفين فقط على الراجح من أقوال أهل العلم والوجه والكفان يدلان على ما سواهما من أعضاء الجسم. وإذا فسخ أحد الخاطبين الخطبة فلا شيء عليه في ذلك لأن الخطبة كما قلت هي مجرد وعد بالزواج وإن كان الأولى ألا يعدل أحدهما عن الخطبة إلا لسبب شرعي فإذا حصل العدول عن الخطبة فيجوز للخاطب أن يسترد ما قدمه للمخطوبة على أنه من المهر سواء أكان نقداً أم ذهباً أم أثاث بيت أو نحو ذلك وسواء كان العدول من الخاطب أو المخطوبة.

الزواج المدني

وأما ما قدمه للمخطوبة على سبيل الهدية فهو محل خلافٍ بين الفقهاء والذي أميال إليه أن العدول إن كان من الخاطب فلا يسترد شيئاً من الهدايا التي قدمها للمخطوبة وإن كان العدول من المخطوبة فيسترد الخاطب تلك الهدايا إن أراد. وبهذه المناسبة أود التذكير بأن على الآباء إن يتقوا الله في بناتهم وألا يقدموا على تزويجهنَّ إلا بعد ما يتأكدوا من صفات الخاطب الحسنة وأنه صاحب خلقٍ ودين ولو كان فقيراً لأن السعادة التي يرجونها لبناتهم قد لا تتحقق بالمال وحده فليست المناصب والمال والجاه والحسب والنسب هي مؤهلات الزوج الصالح فقط فكم من صاحب مالٍ أو جاهٍ أو منصب أشقى زوجته وأتعسها ولكن المعيار الحقيقي هو معيار الشرع يقول عليه الصلاة والسلام (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فإن لم تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير) رواه الترمذي والبيهقي وهو حديثٌ حسن. وكما أذكر الشباب بأن السعادة الزوجية لا تحقق في جمال الزوجة فقط فكثيراً ما نسمع عن الصفات التي يرغب الشباب في توفرها في المرأة والتي يريدونها زوجة المستقبل بأن تكون غايةً في الجمال. نعم إن الجمال مطلوب ولكن ليس هو فقط يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) رواه البخاري ومسلم .. وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين فلأمة سوداء ذات دين أفضل) رواه البيهقي وابن ماجة. الزواج المدني يقول السائل: ما الحكم الشرعي في زواج مسلم من كتابية بعقد زواج مدني فقط؟ وما الحكم في الأولاد منه؟ وما الذي يجب عمله من قبل الرجل المسلم في هذه الحالة؟

الشروط في عقد الزواج

الجواب: الأولى في حق المسلم أن يتزوج مسلمة لأن في ذلك توافقاً والتقاءً على شيءٍ أساسي في الحياة ألا وهو الدين ولأن في ذلك استمراراً للعشرة وتوافقاً في كثيرٍ من العادات والتقاليد ونحو ذلك. ومذهب جمهور فقهاء المسلمين على جواز نكاح الكتابية - النصرانية واليهودية - ويدل على ذلك قوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ). وينبغي أن يتم الزواج على حسب المعمول به في قانون الأحوال الشخصية من إجراءات إدارية لتسجيل العقد كما نصت على ذلك المادة (17) من القانون المذكور. فيجب على الخاطب مراجعة القاضي الشرعي أو نائبه لإجراء العقد. أي أن عقد الزواج في هذه البلاد ينبغي أن يكون عن طريق المحاكم الشرعية أو من يقوم مقامها في الخارج. والسائل أجرى عقد الزواج المدني فيكون هذا العقد صحيحاً إذا كان مستكملاً لأركانه وشروطه من الإيجاب والقبول وحضور شاهدين حتى وإن كان الشاهدان غير مسلمين في هذه الحالة لأن الزوجة غير مسلمة وهذا العقد تترتب عليه آثاره شرعاً فيثبت نسب الأولاد لأبيهم ويجب المهر والنفقة على الزوج. ويستطيع الزوج مراجعة المحاكم الشرعية لعمل حجة تصادق على الزواج. الشروط في عقد الزواج تقول السائلة: أنها اشترطت في عقد زواجها أن تعمل في وظيفتها وبعد مضي مدة على الزواج منعها زوجها من العمل فما الحكم في ذلك؟

العصمة بيد الزوجة

الجواب: إن مما اتفق عليه الفقهاء وجوب الوفاء بالشرط الذي يقتضيه العقد كالإنفاق على الزوجة مثلاً. واختلفوا في الشروط التي لا تنافي مقتضى عقد الزواج ولا تخل بمقصوده الأصلي كالشرط المذكور في السؤال. والذي عليه الحنابلة أنه يجب الوفاء بهذه الشروط وإذا لم يف الزوج بهذا الشرط - استمرار الزوجة في عملها - فلها أن تطلب فسخ عقد الزواج وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية بقول الحنابلة ولكن مع تقييد ذلك بأن لا يلحق الشرط ضرراً بأحد الزوجين والذي أراه في هذه المسألة أن عمل المرأة خارج البيت إذا لم يكن متعارضاً مع مصلحة الزوج والأولاد وكان هذا العمل فيما أجازه الشرع فعلى الزوج أن يأذن لها بذلك وعليه الوفاء بالشرط. وأما إذا كان عملها خارج البيت فيه مس بمصلحة الزوج والأولاد أو كان عملها في مجال لا يجيزه الشرع فعلى الزوج منعها من ذلك ولا شيء عليه إن لم يف بالشرط. وقد استدل الحنابلة لقولهم بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) رواه البخاري ومسلم. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح. وبما رواه البيهقي وغيره (أن رجلاً تزوج إمرأةً وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال: لها شرطها فقال الرجل: إذاً يطلقننا!. فقال عمر (مقاطع الحقوق عند الشروط) وهذا أثر صحيح كما قال الشيخ الألباني. العصمة بيد الزوجة يقول السائل: هل تصح أن تكون العصمة بيد الزوجة في عقد الزواج فيكون لها الحق أن تطلق نفسها متى شاءت؟

الجواب: إن الله سبحانه وتعالى جعل القوامة للرجل على المرأة فقال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ). والطلاق فرع عن جعل القوامة للرجل وبالتالي فإن الطلاق في الأصل هو من حق الرجل وبيده وهذا هو الذي يتفق مع الفطرة فالرجل هو المسؤول الأول عن الأسرة وبيده مفاتيح الحل والعقد والرجل أقدر من المرأة في الغالب على ضبط عواطفه وانفعالاته وتحكيم عقله وخاصة عندما تقع المشكلات بين الزوجين ويثور الغضب بينهما. كما وأن الرجل يدرك ما يترتب على إيقاع الطلاق من تبعات مختلفة كالأمور المالية وما يتعلق بالأولاد وتربهيتم والعناية بهم وغير ذلك. لذلك كله فإن أكثر فقهاء الإسلام يمنعون جعل العصمة بيد الزوجة فيكون لها الحق في أن تطلق نفسها متى شاءت وهذا هو الراجح وهو الذي ينسجم مع الفطرة ومع مبدأ القوامة. وهذا الذي ذكرته لم يأخذ به قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في وقتنا الحاضر بل اخذ بمذهب الحنابلة بجواز اشتراط الزوجة العصمة بيدها فقد جاء في المادة 19 من قانون الأحوال الشخصية (إذا اشترط في العقد شرط نافع لأحد الطرفين ولم يكن منافياً لمقاصد الزواج ولم يلتزم فيه بما هو محظور شرعاً وسجل في وثيقة العقد وجبت مراعاته وفقاً لما يلي: 1. إذا اشترطت الزوجة على زوجها شرطاً تتحق لها به مصلحة غير محظورة شرعاً ولا يمس حق الغير كأن تشترط عليه أن لا يخرجها من بلدها أو أن لا يتزوج عليها أو أن يجعل أمرها بيدها تطلق نفسها إذا شاءت أو أن يسكنها في بلد معين كان الشرط صحيحاً ملزماً فإن لم يف به الزوج فسخ العقد بطلب الزوجة ولها مطالبته بسائر حقوقها الزوجية). هذا ما قرره قانون الأحوال الشخصية. ولكني أميل إلى رأي جمهور الفقهاء القائلين بأنه لا يجوز أن تكون العصمة بيد الزوجة (وهم الحنفية والشافعية والمالكية والظاهرية) لأن هذا

لا يجوز منع الزوجة من زيارة والديها

الشرط مناف لمفهوم الزواج ومناقض لمفهوم القوامة ومخالف للسنة النبوية لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) رواه الطبراني والبزار وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. ولا يعني كلامي هذا أنه لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق وأنها محرومة من هذا الحق فقد قرر الفقهاء أنه يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إذا كانت حياتها منغصة مع زوجها ويسيء لها ولا يعاشرها بالمعروف فيجوز لها حينئذ أن تطلب من زوجها أن يطلقها فإن رفض وامتنع فلها أن ترفع الأمر للقاضي الذي يجوز له أن يطلقها إذا ثبت لديه صحة دعواها. لا يجوز منع الزوجة من زيارة والديها تقول السائلة: هل يحق للزوج أن يمنع زوجته من الذهاب إلى بيت أهلها؟ وإذا حلف عليها بالطلاق على ألا تذهب إلى بيت أهلها ثم ذهبت فما الحكم في ذلك؟ الجواب: يقول الله عز وجل: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ). إن الرجل له القوامة على المرأة بنص هذه الآية الكريمة ولا شك أن طاعة الزوجة لزوجها فرض ويجب على المرأة أن تسمع وتطيع زوجها إذا أمرها بالمعروف ولا ينبغي للزوج أن يسيء استعمال هذه القوامة فيجعلها سيفاً مصلتاً على الزوجة وينبغي للزوجين التفاهم في هذه القضية وغيرها لأن الحياة الزوجية تقوم على المودة والتفاهم. ويجوز للزوج أن يمنعها من الذهاب إلى بيت أهلها ويجب عليها طاعته وتحرم مخالفته وخاصةً إذا رأى الزوج أن في منعها من الذهاب إلى بيت أهلها مصلحةً راجحةً ومحافظةً على الحياة الزوجية كأن يكون ذهابها مثلاً سبباً في تعكير صفو الحياة الزوجية وسبباً لإثارة المشاكل فإذا منعها فعليها أن تمتنع وإن ذهبت بدون إذنه فهي آثمة لأن طاعته واجبة.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وقال الترمذي حسنٌ صحيح وصححه ابن حبان. وكما قلت فعلى الزوج أن يحسن استعمال هذا الحق فإذا كانت العلاقة مع زوجته طيبة ولا يترتب على ذهابها أي مفسدة فله أن يأذن لها في الذهاب ويعود تقدير هذا الأمر؟ إلى الزوج لأنه أدرى بأحواله وأحوال أهل زوجته. وأما الحلف بالطلاق حتى لا تخرج إلى بيت إهلها فينبغي أن يعلم أولاً أن الطلاق لم يشرع لهذا الأمر وإنما شرع الطلاق ليكون آخر دواء للمشاكل الزوجية إذا تعذرت الأدوية الأخرى. فإذا حلف الزوج بالطلاق على زوجته ألا تذهب إلى بيت أهلها وكان يقصد منعها من الذهاب فالواجب على هذه الزوجة أن تبر بيمين زوجها. وأما إذا حنثت بيمينه فذهبت إلى بيت اهلها فقد وقع الخلاف بين العلماء في هذه المسألة: فمنهم من يرى أن الطلاق يقع. ومنهم من يرى أن هذا يعتبر يميناً وليس طلاقاً وعلى الزوج كفارة اليمين. وهذا هو الذي أختاره وهو المفتى به الآن عند كثيرٍ من العلماء وأخذت بذلك قوانين الأحوال الشخصية في كثيرٍ من البلاد الإسلامية. وهذا القول فيه رحمة بالناس وخاصةً بالزوجات لأن كثيراً من الأزواج يحلفون بالطلاق على أتفه الأمور ويتكرر ذلك منهم كثيراً، وكثير منهم لا يقصدون تطليق زوجاتهم وإنما قصدهم منعهن من فعل شيءٍ أو نحو ذلك. فتلزم الزوج كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد فيصوم ثلاثة أيام متتابعة أو متفرقة.

طلاق الغضبان

طلاق الغضبان يقول السائل: وقع خلافٌ بيني وبين زوجتي وكنت في حالة غضبٍ شديد فطلقتها فما حكم ذلك الطلاق؟ الجواب: أكثر الناس يغضبون والغضب درجات فبعض الناس يغضب غضباً شديداً فيغلب عليه الإنفعال ويترتب على ذلك اختلال الفهم واختلال الإرادة فلا يدري ما يصدر منه وهذا ما يعرف عند العلماء بالإغلاق وهو المذكور في الحديث من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني. فإذا كانت حالة السائل كما وصفت فإن الطلاق لا يقع ولا يعتد به لفقدان الإرادة والقصد. وبعض الناس إذا غضب فإنه ينفعل إنفعالاً كثيراً ويبقى مسيطراً على نفسه ومالكاً لها فهذا إذا طلق وهو على تلك الحالة فطلاقه يقع. الحداد على الزوج تقول السائلة: هل يجوز للمرأة أن تحد على زوجها المتوفى سنة أو سنتين، وما حكم اللباس الأسود للمرأة والمعتدة؟ الجواب: يجب أن نعلم ما يتعلق بالعدة فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا). ومن المعروف أن المرأة إذا كانت في عدة الوفاة تحد على زوجها الميت وفترة الحداد هي مدة العدة فقط (أي أربعة اشهر وعشرة أيام) ولا يجوز للمرأة أن تزيد على ذلك وهذه المدة المذكورة خاصة بالحداد على الزوج فقط إذا كانت المرأة غير حامل وأماى إذا كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها. وأما الحداد على أبيها أو أخيها أو اي من أقربائها فلا يجوز أن يزيد على ثلاثة أيام فقط.

أخذ الزوج من مال زوجته

ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لأمرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشراً) رواه البخاري ومسلم. ومن المعلوم أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل) أي يحرم. ومن خلال ما تقدم نعلم أنه لا يجوز للمرأة تحد على زوجها المتوفى أكثر من أربعة شهور وعشرة أيام بحال من الأحوال. وأما لبس السواد خلال فترة الحداد فلا أصل له في الشرع وهو غير مشروع ويجوز لها أن تلبس ما شاءت من الملابس إذا كانت غير مزينة. وينبغي أن يعلم أن الحداد يكون بالأمور التالية: 1. أن تلتزم المرأة بيتها الذي مات زوجها وهي تسكنه ولا تخرج منه إلا لحاجة مشروعة. 2. أن تتجنب الملابس الجميلة المزينة ويجوز لها أن تلبس ما عداها ولا يعني أن تكون هذه الملابس سوداء كما جرت عادة النساء في بلادنا. 3. أن تتجنب جميع أنواع العطور والمكياج. 4. أن تتجنب التزين بالذهب أو الفضة. 5. لا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبتها صراحة خلال مدة العدة ويجوز التعريض بذلك أي التلميح. ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ... ). أخذ الزوج من مال زوجته يقول السائل: هل يحق للزوج أن يأخذ من ذهب زوجته (المهر) إذا كان في حالة ضيق وشدة مع العلم أن الزوجة غير راضية عن ذلك؟

إذن الزوج لزوجته للصلاة في المسجد

الجواب: إن المهر حق خالص للمرأة فلا يجوز أخذ شيء منه إلا برضاها ولا بد ان يكون الرضا واضحاً وصريحاً وبدون إكراه أو حياء ونحو ذلك فلا يحل أخذ شيء من مهر الزوجة سواء أكان ذلك نقداً أو ذهباً إلا إذا رضيت رضاً تاماً والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وغيرهم وهو حديث صحيح. وبما أن المهر حق خالص للزوجة فلها أن تتصرف به كيفما شاءت فيجوز لها ان تبريء زوجها من مهرها كاملاً أو من بعضه ولها أن تهب له مهرها أو شيئاً منه وكل ذلك لا بد أن يكون برضاها واختيارها. والزوجة الصالحة هي التي تشعر بشعور زوجها وتقف معه في الشدائد والملمات فإذا أعطته من مهرها على سبيل الهبة أو جعلت ذلك قرضاً فلها الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى ولها التقدير والاحترام من زوجها. إذن الزوج لزوجته للصلاة في المسجد يقول السائل: إن زوجته تطلب منه الذهاب إلى المسجد الأقصى لصلاة الجمعة ولكنه يمنعها فهل يجوز له ذلك؟ الجواب: إن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ومع ذلك يجوز لها أن تخرج إلى الصلاة في المساجد بإذن زوجها ولا ينبغي لزوج منع زوجته من الذهاب إلى المسجد إلا إذا خشي الفتنة عليها أو إذا خرجت متعطرة فيجوز له حينئذ منعها. يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن) رواه احمد وأبو داود وإسناده صحيح. وعلى المرأة إذا خرجت من بيتها قاصدة حضور الجماعة أو الجمعة أن تخرج وهي ملتزمة بأحكام الشرع من حيث اللباس والمشي وترك الزينة والطيب فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تمنعوا

الفرق الموسيقية في حفلات الزواج

إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني ومعنى تفلات: غير متطيبات. وفي حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا شهدت إحداكن المساجد فلا تمس الطيب) رواه مسلم. وينبغي أن يعلم أن النساء اليوم بحاجة ماسة للتردد على المساجد وحضور الدروس والخطب والمواعظ ليفقهن في دين الله فعليهن مسؤولية عظيمة في بناء المجتمع والنساء شقائق الرجال فلا ينبغي أن يحرمن من هذا الخير العظيم ويجب أن ترتب لهن دروس خاصة في المساجد ويفضل أن تكون في غير يوم الجمعة، لتحصن المرأة المسلمة ضد الغزو الفكري الشرس الذي يوجه إلى النساء المسلمات عبر وسائل الإعلام المختلفة وغيرها وأن تشرح لهن أحكام الإسلام عامة والأحكام المتعلقة بالنساء وتربية الولاد خاصة. الفرق الموسيقية في حفلات الزواج يقول السائل: ما قولكم بإقامة حفلات الزواج بمصاحبة الفرق الموسيقية واستخدام مكبرات الصوت فيها؟ الجواب: لا شك أن من المنكرات التي انتشرت في مجتمعاتنا ما يفعله كثير من الناس في حفلات الزواج حيث ترتكب المحرمات كالاختلاط الماجن بين الرجال والنساء ورقص النساء الكاسيات العاريات بحضور الرجال واستخدام الموسيقى عبر مكبرات الصوت التي تزعج الناس وهم في بيوتهم وتناول المسكرات بمختلف أنواعها. كل هذه المحرمات لها من المفاسد والأخطار التي تؤدي إلى انهيار القيم الأخلاقية وتعد انتهاكاً لأحكام الشريعة الإسلامية. فأما الاختلاط الماجن فهو من أعظم المفاسد التي ابتلي بها الناس في

هذا الزمان ولعل أبشع صور الاختلاط ما يقع في حفلات الزواج فالنساء كاسيات عاريات متبرجات يتسابقن في إظهار محاسنهن وزينتهن أمام الرجال فالملابس ألوان وأشكال وتسريحات الشعر والأصباغ بمختلف ألوانها العجيبة الغريبة وكل ذلك مسخ لطبيعة المرأة ولإنسانيتها وقد فاقت نساء اليوم نساء الجاهلية الأولى وكل ذلك يتم باسم التقدم والحضارة وحرية المرأة. وإذا أضيف إلى كل هذه المفاسد الرقص المختلط رجالاًونساء على أنغام الموسيقى الصاخبة والتي أبى أصحاب الحفل إلا أن يجبروا الناس الآخرين على الاستماع لها عبر مكبرات الصوت، صار الأمر منكراً عظيماً وفساداً كبيراً ولا شك أن هذا من المحرمات، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار) رواه مالك والحاكم والبيهقي وهو حديث صحيح. فلا يجوز لك أخي المسلم أن تلحق الضرر بغيرك بواسطة مكبرات الصوت أو غيرها، لأن الناس فيهم المريض والطالب والعامل وكل هؤلاء يحتاج إلى الهدوء والراحة فلا يحق لك أن تزعجهم إلى جانب أن هذا العمل محرم شرعاً. وليعلم أصحاب الفنادق وصالات الأفراح أن كسبهم حرام من هذه الحفلات وأن الإثم يلحقهم لأنهم شركاء مع أصحاب الحفل في الإثم والعدوان يقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري في صحيح تعليقاً ووصله غيره كالبيهقي والطبراني وهو حديث صحيح. والمراد بالحر: الزنى، والمعازف: آلات اللهو والطرب. فانظر أخي المسلم كيف قرن الرسول صلى الله عليه وسلم بين هذه المحرمات الزنا والحرير والخمور والمعازف وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن طائفة من أمته يستحلون ذلك وهذا ما يقع الآن.

مسؤولية الزوج عن زوجته وأولاده

مسؤولية الزوج عن زوجته وأولاده يقول السائل: إن زوجته لا تلبس اللباس الشرعي وأن أحد أولاده لا يصلي فما هي مسؤوليته عن ذلك؟ الجواب: إن المسلم عليه مسؤولية كبيرة تجاه زوجته وأولاده والحقيقية أن المسؤولية تبدأ قبل الزواج فعلى المسلم ان يختار زوجة ذات دين وخلق كريم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: وجمالها ولحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) رواه البخاري ومسلم. ولكننا وللأسف الشديد نجد كثيراً من الشباب إذا أراد الزواج لا يعطي للجانب الديني في المخطوبة أي اهتمام إلا من رحم ربي وإنما جل الاهتمام يوجه للجمال والنسب والحسب والوظيفة ونحو ذلك. ولذلك نحن نقول يجب على المسلم أن يختار صاحبة الدين أولاً ولا يمنع ذلك من توفر الصفات الأخرى فيها فإذا اختار زوجته ذات دين فإن تربيتها لأولادهما ستكون بإذن الله بناء على ذلك الأساس. ومسؤولية الزوج تجاه زوجته وابنائه مسؤولية عظيمة يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). فهذه الاية الكريمة تأمر بوقاية النفس والأهل من النار وتعني إلزامهم بأحكام الشرع في حياتهم كلها قال ابن عباس: (اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فذلك وقاية لهم من النار). وبناء على ذلك فيجب على الزوج أن يلزم زوجته باللباس الشرعي وإذا لم يفعل يكون آثماً وإذا لم تستجب الزوجة له فهي عاصية آثمة وتكون ناشزاً، لأن اللباس الشرعي فرض كما أن الصلاة فرض وكما أن الصوم فرض فقد قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ... ). وكذلك بالنسبة لمسؤولية الأب تجاه أولاده فهي مسؤولية تبدأ من

شروط جلباب المرأة المسلمة

الصغر، فيجب على الأب أن ينشىء أولاده ويربيهم على الإسلام وأن يعودهم على الالتزام بأحكام الشرع وخاصة الصلاة والصوم والأخلاق الحميدة ونحوها. يقول الله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر) رواه ابو داود والترمذي وهو حديث حسن. لذلك على الأب أن يعلم أبناءه ذكوراً وإناثاً أحكام الصلاة ويعودهم عليها من الصغر ولا بأس من اصطحاب الأولاد إلى المساجد إذا بلغوا السابعة ليعتادوا على صلاة الجماعة وكذلك بالنسبة للصيام، فيتعودون عليه منذ الصغر ليكون ذلك تمريناً لهم على العبادة حتى إذا بلغوا استمروا على العبادة والطاعة. وأما أن يترك الأب أولاده فلا يأمرهم ولا ينهاهم حتى إذا كبروا وبلغوا وشبوا على الطوق حاول إصلاحهم وإرشادهم فأنى يستجيبون له وأنى يسمعون كلامه. فعلى الآباء أن يدركوا عظم مسؤوليتهم تجاه أولادهم فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) متفق عليه. وإن الآباء إذا أخلوا بهذه الأمانة والمسؤولية كانوا كمن يلقي أولاده في النار لأنهم لم يعملوا على وقايتهم كما أمرهم الله تعالى. شروط جلباب المرأة المسلمة يقول السائل: ما هي مواصفات جلباب المرأة المسلمة وهل يشترط فيه لونٌ معين؟ وما حكم من يلبسن لباساً من قطعتين على شكل (تنورة وبلوزة)؟

الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا). وقال أيضاً: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا). إن ستر المرأة لجميع بدنها إلا ما استثني واجب أوجبه الله سبحانه وتعالى على المرأة المسلمة وبينت نصوص الكتاب والسنة شروط هذا اللباس وهي: أولاً: أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين على قول جمهور أهل العلم لما جاء في حديث عائشة عن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: يا أسماء إن المرأة إن إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا، وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه) رواه أبو داود والبيهقي وهو حديث حسن كما قال الشيخ ناصر الدين الألباني. فينبغبي للمرأة المسلمة أن تغطي جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها ويدخل في ذلك القدمان ويلاحظ أن بعض النساء يتساهلن في ستر أقدامهن وهذا مخالف لشرع الله. ثانياً: أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق لأن الضيق يصف جسم المرأة وهذا يتنافى مع المقصود من الحجاب ولا يتحقق ذلك إلا باللباس الفضفاض الواسع. ثالثاً: أن يكون صفيقاً غير شفاف أي ثخيناً سميكاً فلا يشف عما تحته وقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عاريات على رؤوسهن كأسمنة البخت العنوهن فإنهن ملعونات) رواه الطبراني بسندٍ صحيح كما قال الشيخ الألباني. رابعاً: أن لايكون زينةٍ في نفسه فلا يجوز للمرأة أن تلبس ما يبهر العيون من الملابس التي عليها نقوشٌ وزخارف مذهبة ونحو ذلك لأن هذه الملابس زينة في نفسها وقد نهيت المرأة عن إظهار زينتها قال تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ .. )

ونهى الله سبحانه وتعالى عن التبرج في قوله تعالى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى). خامساً: أن لا يكون معطراً مطيباً فلا يحل للمرأة أن تستعمل الطيب والعطور إذا خرجت من بيتها لقوله صلى الله عليه وسلم (أيما إمرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال حسنٌ صحيح. سادساً: أن لا يشبه لباس الرجل، إن المرأة بطبيعتها وتكوينها الجسدي تختلف عن الرجل فلها لباسها وللرجل لباسه فلذلك لا يحل للمرأة أن تتشبه بالرجل وكذلك لا يحل للرجل أن يتشبه بالمرأة فقد جاء في الحديث (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل) رواه ابن داود وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وجاء في الحديث عن ابن عباس قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري. سابعاً: أن لا يشبه لباس غير المسلمات لأن الإسلام نهى عن التشبه بغيرهم في أمور كثيرة وللمسلمين شخصيتهم وهيئتهم الخاصة بهم فعليهم أن يخالفوا غيرهم في ذلك (فعن عبد الله بن عمرو قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها) رواه مسلم. ثامناً: أن لا يكون لباس شهرة وهو كل ثوب قصد به الإشتهار يبن الناس كأن يكون نفيساً جداً ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من لبس ثوب شهرةٍ في الدنيا ألسبه الله ثوب مذلةٍ يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديثٌ حسن. هذه شورط لباس المرأة المسلمة وينبغي للمرأة المسلمة أن تحقق هذه الشروط في لباسها حتى يكون شرعياً وقبل أن أختم حديثي أود التنبيه على بعض الأمور، منها: - أن ما تلبسه النساء على شكل تنورة وبلوزة ليس شرعياً لأن مقتضى ذلك اللباس أن يصف المرأة ويكون ضيقاً في الغالب فلا يجوز لبسه.

حكم الإجهاض

- ومنها وضع بعض النساء على رؤوسهن فوق غطاء الرأس ما يشبه العقال الذي يلبسه الرجال ويكون مزيناً ومزخرفاً فهذا مما لا يجوز لبسه لأن فيه تشبهاً واضحاً بالرجال. - ومنها أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تستعمل أدوات الزينة ومساحيق التجميل والعطور عند خروجها من بيتها. - ومنها أن بعض النساء تلبس معطفاً وتحته بنطال وتزعم أن ذلك يغني عن الجلباب فهذا ليس بصحيح ولا يجوز لها الخروج على تلك الهيئة. - ومنها أنه لا يشترط في لباس المرأة المسلمة لونٌ معين فيجوز أن يكون بأي لونٍ إلا أن عليها تجنب الألون اللافتة للأنظار. وأخيراً فإنه يجب أن التنبيه على أن المرأة المسلمة ملزمة بلباسها الشرعي كلما خرجت من بيتها وليس فقط عندما تذهب إلى الصلاة كما تفعل بعض النساء عندما يذهبن إلى الصلاة في المساجد فيحملن ملابس الصلاة بأيديهن فإذا وصلنَّ إلى المسجد ارتديناها فإذا قضيت الصلاة خلعنها فهذا حرام شرعاً واستهزاء بدين الله هو كبيرة من الكبائر لأن الله سبحانه وتعالى فرض على المرأة اللباس الشرعي دائماً وباستمرار. ملحوظة: أنصح كل امرأةٍ أن تقرأ كتاب حجاب المرأة المسلمة للشيخ ناصر الدين الألباني أو جلباب المرأة المسلمة كما في طبعته الجديدة. ففيه خيرٌ عظيم وقد استفدت منه كثيراً. حكم الإجهاض تقول السائلة: ما حكم الإجهاض سواء في بداية الحمل أو نهايته وهل فيه كفارة؟ الجواب: لقد اتفق العلماء على تحريم الإجهاض بعد الشهر الرابع

تنظيم النسل

من الحمل أي بعد مضي مائة وعشرين ليلة حيث تنفخ الروح في الجنين لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً ثم يكون علقةً مثل ذلك ثم يكون مضغةً مثل ذلك ثم يرسل إليه ملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقيٌ أو سعيد) رواه البخاري ومسلم. وأما الإجهاض قبل الأربعة أشهر من مدة الحمل فالصحيح من أقوال العلماء أنه حرامٌ فلا يجوز لامرأة مسلمة أن تجهض مولودها بمجرد ثبوت الحمل إلا في حالةٍ واحدة فقط وهي إذا أخبر الأطباء الثقات أن الحمل يشكل خطراً مؤكداً على حياة الأم فيجوز حينئذٍ الإجهاض حفاظاً على حياة الأم. وأما في غير هذه الحالة فلا يجوز الإجهاض، وإذا حدث الإجهاض فإنه يعتبر جريمة موجبة للغرة - وهي دية الجنين - لأنه قتل نفس محرم وتلزم كفارة القتل الخطأ عند بعض أهل العلم. ولا يجوز الإجهاض حتى لو أثبت الأطباء أن الجنين مشوه لأن ذلك الجنين نفسٌ محرمة ونحن لم نؤمر بقتل المنفس المشوهة أو المعاقة. وبهذه المناسبة أذكر الأطباء بأن يتقوا الله في النساء وألا يسهلوا لهن عمليات الإجهاض لأن في ذلك فتحاً لباب فسادٍ عريضٍ يعود على المجتمع بالمصائب والويلات. تنظيم النسل يقول السائل: إنه وزوجته ينظمان النسل وأنهما رزقا ثلاثة أولاد ويريدان الإكتفاء بذلك وعدم الإنجاب مجدداً، ويسأل عن حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: إن المقصود من تنظيم النسل وكما هو مذكورٌ في رسالة

استئذان الزوجة عند الخروج من البيت

السائل هو جعل فترة زمنية بين مولودٍ وآخر ولكن السائل يذكر أنه لا يريد أن ينجب هو وزوجته أكثر من أولادهم الثلاثة أي أنهما يريدان تحديد النسل وقطعه بعد ذلك حيث قال: (النية هي الإكتفاء بما أنعم الله علينا نظراً لظروف الحياة الصعبة وتعقيداتها). ولا بد من التذكير أن من مقاصد الشارع الحكيم الحض على الزواج وإكثار النسل كما ثبت في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة) رواه أحمد والبهيقي وابن حبان وصححه. وتحديد النسل أي قطعه نهائياً يتعارض مع ما ذكر، فلذلك يرى أهل العلم أن قطع النسل حرام شرعاً إلا لضرورة فلا يجوز للمسلم أن يختصي أو أن يستعمل علاجاً لقطع النسل نهائياً. وأما جعل مدة بين حملٍ وآخر فلا بأس به إذا كان لذلك مسوغات مقبولة شرعاً كالخشية على حياة الأم لأن الحمل المتكرر المتلاحق قد يلحق الأذى والضرر بصحة الأم وهذا فيه حرجٌ ومشقة والشريعة جاءت برفع الحرج والمشقة فلا بأس إذا كان هنالك مدة سنتين أو ثلاث بين كل حمل وآخر. ومن المسوغات أيضاً الخشية على الأولاد من الناحية الصحية والتربوية حتى يتمكن الزوجان من العناية بأولادهم صحياً وتربوياً فلا بأس بجعل فترةٍ بين كل حملٍ وآخر، فقد جاء في الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أعزل عن امرأتي. فقال صلى الله عليه وسلم ولم تفعل ذلك؟ قال: شفقاً على ولدها أو على أولادها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان ذلك ضاراً لضر فارس والروم) رواه مسلم. وبناء على ما تقدم نرى أن السائل يريد قطع النسل نهائياً والإكتفاء بأولاده الثلاثة فهذا عملٌ غير جائز شرعاً لأنه قطع للنسل بدون ضرورة. استئذان الزوجة عند الخروج من البيت تقول السائلة: هل المرأة ملزمة كلما خرجت من بيتها أن تستأذن زوجها في الخروج؟

الجواب: الأصل أن المرأة يجب عليها القرار في البيت لقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى). قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: [قوله تعالى - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ - أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة] تفسيرابن كثير3/ 482. فالأصل أن تلازم المرأة بيتها وليس معنى هذا أن تبقى حبيسة البيت فلا تخرج أبداً، فقد أجاز لها الشرع الخروج لحوائجها؟ فالمرأة تخرج من بيتها للمسجد وإلى زيارة والديها ومحارمها وتخرج لشراء حوائجها الضرورية وتخرج لعملها ونحو ذلك. ويشترط في خروج المرأة إذن زوجها ويكون الإذن قبل الخروج لا بعده يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها) رواه البخاري، فالإسئذان طلب الإذن ويكون ذلك قبل القيام بالعمل. والمرأة ملزمةٌ كلما خرجت أن تستأذن زوجها في الخروج إلا ما يتعارف عليه من رضى الزوج بذلك الخروج كما لو كانت الزوجة موظفة وقد رضي الزوج بذلك فهي تخرج يومياً إلى وظيفتها ولا تحتاج كلما خرجت إلى الاستئذان لأن الإذن قد حصل لها ضمناً. ويجوز للزوج أن يمنع زوجته من الخروج وإذا منعها فعليها طاعته لأن طاعة الزوج فرض ولا ينبغي أن يكون الزوج مستبداً في استخدام هذا الحق فيفرض الحبس على زوجته في بيتها. وينبغي للمرأة عند خروجها من بيتها أن تلتزم بما يلي: 1. أن تخرج وهي متسترة وملتزمة باللباس الشرعي التزماً تاماً. 2. أن لا تتطيب عند خروجها من بيتها ولا تضع أي نوع من الزينة على وجهها. 3. أن تخرج للأمور المهمة وليس لأتفه الأسباب.

يحرم على الزوج أن يمنع زوجته من الصلاة وارتداء الجلباب

4. أن تبتعد عن مواطن الفساد وأماكن الإزدحام. 5. يفضل أن يرافقها شخص عند خروجها رجلاً كان أو امرأة وخاصةً إذا كانت المرأة شابة. يحرم على الزوج أن يمنع زوجته من الصلاة وارتداء الجلباب تقول السائلة في رسالة طويلة تتضمن عدة أسئلة منها أنها امرأة متزوجة وأن زوجها يمنعها من القيام بفروض دينها من أداء الصلاة ويمنعها من ارتداء اللباس الشرعي وأنها حاولت اقناعه بحقها بالقيام بما فرض الله عليها بطرقٍ كثيرة ولكن بدون فائدة وأنها تقطع صلاتها عند دخول زوجها البيت لئلا تقع في مشكلةٍ معه فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن على هذا الزوج أن يتقي الله في نفسه وفي زوجته وأن يحمد الله أن زوجته ملتزمةً بما أوجب الله كما يظهر في رسالتها فلا يجوز له بحالٍ من الأحوال أن يمنعها من أداء حقوق الله سبحانه وتعالى وعليه أن يتوب ويرجع إلى الله وأن يصحو من غفلته وليعلم أن كون زوجته ملتزمة بشرع الله وترتدي اللباس الشرعي أن هذا لا ينقص من مركزه الاجتماعي كما يزعم بل إن ذلك مدعاةٌ للفخر والرفعة. وعلى هذه الزوجة أن تصبر وأن تحتسب ولتعلم أنها لا يجوز لها أن تطيعه في خلع اللباس الشرعي وإذا ألزمها ذلك فعليها أن تلزم بيتها ولا تخرج منه إلا وهي مرتديةٌ لباسها الشرعي، وعلى هذه الزوجة أن تسعى لإقناع زوجها بأنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق وإن تكلم بعض الناس الذين لهم صلة به لينصحوه ويبينوا له حكم الشرع في هذه القضايا. وليعلم هذا الزوج أنه على خطرٍ عظيمٍ لأنه محارب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم لأنه يحول بين زوجته وأدائها لما أوجب الله سبحانه وتعالى. وأما بالنسبة لقطع صلاتها عند دخوله للبيت فهذا أمرٌ لا يجوز وعليها أن تتم الصلاة فلا يصح أن تقطع الصلاة عند دخوله البيت وعجباً لأمر هذا

هجر الزوج بسبب المعصية

الزوج فمع كونه تاركاً للصلاة يريد أن يمنع زوجته من الصلاة وتخاف هي من سطوته فتقطع صلاتها إن دخل البيت وهي في الصلاة فعليه أن يتقي الله وأن يتذكر وقوفه بيدي الله في اليوم الآخر وعليه أن يعد الجواب للسؤال في ذلك الموقف العظيم يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم. وأخيراً أؤكد على هذه الزوجة أن تستمر على طاعة ربها وأن تصبر وأن تكثر من الدعاء إلى الله تعالى أن يهدي زوجها إلى طريق الحق والصواب وأن يخرجها من أزمتها ويفرج كربها (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًاوَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ). هجر الزوج بسبب المعصية تقول السائلة: إنها امرأة ملتزمة بدينها وأن زوجها لا يحافظ على الصلاة أحياناً ويشاهد أفلاماً جنسية فتهجره وتنام في غرفة أطفالها فما حكم ذلك؟ الجواب: إن من تمام التزام هذه المرأة بدينها ألا تهجر زوجها وعليها أن تذكره بالله عزّ وجل وتبين له أنه عليه أن يحافظ على صلاته ولا يحل له ترك الصلاة مطلقاً فقد ورد في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من حافظ عليها - الصلاة - كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف) رواه أحمد ورجاله ثقات. وعلى هذا الزوج أن يتقي الله سبحانه وتعالى وليعلم أن مشاهدة الأفلام االجنسية الساقطة أمرٌ محرمٌ شرعاً ولا ينبغي لمثله أن يفعل ذلك وعلى زوجته أن تملأ وقته وأن تلبي رغبته فلعل انصرافه إلى مشاهدة الأفلام الجنسية ناتج عن عدم قيامها بحقه. ولا يجوز أن تهجر زوجها بل ذلك من المعاصي وقد ورد في

حكم قص الشعر للنساء

الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (إذا باتت المرأة هاجرةً فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح) رواه البخاري ومسلم، فعليها أن تصبر وأن تحتسب ولا تهجره. حكم قص الشعر للنساء تقول السائلة: ما حكم قص الشعر للنساء وما دليل ذلك؟ الجواب: الأصل أنه يجوز للمرأة أن تقص شعر رأسها ما لم يكن فيه تشبه بالرجال أو تشبه بالكافرات أو تقليداً وعلى هذا لا يجوز للمرأة أن تقص شعر رأسها وتجعله كشعر الرجل لأن ذلك من التشبه المنهي عنه فقد ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله عليه الصلاة والسلام (لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم (ثلاثٌ لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لولديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الألباني. ويجب أن يعلم أن رأس المرأة من العورة التي يجب سترها وما تفعله النساء اليوم من قصٍ لشعر رؤوسهن وخروجهن سافرات من أكبر المنكرات التي تدخل ضمن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: نساءٌ كاسياتٌ عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن مثل أسمنة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ورجالٌ معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها عباد الله) رواه مسلم. يحرم على النساء المشاركة في فرق الرقص الشعبي يقول السائل: ما حكم اشتراك الفتيات فيما يعرف بفرق الرقص الشعبي والدبكة؟

نظر الطبيب إلى المرأة

الجواب: لا يجوز شرعاً للفتاة المسلمة أن تشترك في فرق الرقص الشعبي وفرق الدبكة وهذا الفعل حرام شرعاً لما يترتب عليه من المفاسد والمحرمات فمن ذلك: 1. إن هذه الفرق تكون مختلطة في الغالب فهي تتكون من شباب وشابات وهذا عمل منكر ومحرم شرعاً. 2. إن هذه الفرق حتى لو كانت خاصة بالفتيات لا يجوز الإشتراك فيها لأنها تعرض رقصاتها على الناس في الأماكن العامة وهذا حرام شرعاً. 3. إن مثل هذه الفرق رقصاتها مصحوبة بالموسيقى المحرمة شرعاً. 4. إن هذه الفرق وأمثالها مظهر من مظاهر الإنحلال والميوعة ومحاربة الفضيلة. 5. وكذلك فإنها مظهر من مظاهر الغزو الفكري الذي يركز على إحياء ما يعرف بالفلكلور الشعبي وإظهاره على أنه من تراث الأمة المسلمة مع أن تراث الأمة المسلمة أعظم وأجل من هذه الترهات وسفاسف الأمور. إن تراث هذه الأمة يتمثل بعقيدتها ودينها وما خلفه عظماؤها وقادتها الأماجد. وبناءً على ذلك كله يحرم على الفتاة المسلمة أن تشترك بمثل هذه الفرق ولا يحل للآباء ولأولياء الأمور أن يسمحوا لبناتهم أو أخواتهم أو زوجاتهم بالمشاركة بمثل هذه الفرق وأمثالها. نظر الطبيب إلى المرأة يقول السائل ما هي حدود نظر الطبيب إلى المرأة الأجنبية؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أن الإسلام حث على حفظ العورات

وعلى عدم كشفها إلا في حالاتٍ خاصة تقتضي كشف العورة. وكذلك فإن المرأة إن أصابها المرض واحتاجت للعلاج فالمشروع في حقها أن تراجع طبيبة ولا يحل لها مراجعة الطبيب إذا وجدت الطبيبة وكان بإمكانها مراجعتها فإن لم توجد المرأة الطبيبة أو تعذرت مراجعتها أو لم تكن من أهل الاختصاص بمرض تلك المرأة فيجوز أن تراجع الطبيب الرجل وهنا لا بد من معرفة الضوابط التالية في تعامل الطبيب مع المريضة الأجنبية: أولاً: أن تتم المعاينة والكشف بحضور محرم للمرأة أو زوجها أو امرأة موثوقة خشية الخلوة المنهي عنها شرعاً. ثانياً: ألا يطلع على شيء من بدنها (عدا الوجه والكفين) إلا بمقدار ما يقتضيه العلاج فيجب على الطبيب أن يستر جسم المريضة إلا موضع المعالجة. يقول الإمام الغزالي رحمه الله: [وتقدر الحاجة التي يجوز إظهار العورة معها بحيث لا يعد التكشف بسببها هتكاً للمروءة]. ثالثاً: إذا استطاع الطبيب معالجة المرأة بالنظر دون اللمس فهو الواجب وعلى الطبيب أن يغض بصره وأن يتقي الله ربه في ذلك. رابعاً: ينبغي للمرأة إذا احتاجت للمعالجة عند طبيب رجل أن تختار الطبيب الثقة الأمين صاحب الدين. ويذكر هنا أنه لا يجوز للرجل أن يكشف عند الطبيبة الأجنبية إلا إذا لم يوجد الطبيب الرجل وهو الصحيح الذي تؤيده الأدلة الشرعية ومما يؤسف له أن بعض ذوي النفوس المريضة يرغبون في المعالجة عند الطبيبة ويفضلونها على الطبيب الرجل وقد يكون العكس صحيحاً وهو أن بعض النساء يفضلن أن يتولى علاجهن الطبيب دون الطبيبة لأغراض قد تكون صحيحة أو خبيثة.

مصافحة المرأة الأجنبية حرام شرعا

مصافحة المرأة الأجنبية حرام شرعاً يقول السائل: ما هو الحكم الشرعي في مصافحة الرجل لابنة عمه أو ابنة خالته؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن المصافحة هي الأخذ باليد وكلامنا هنا في مصافحة المرأة الأجنبية وهي التي يحل للشخص نكاحها سواء كانت ابنة عمه أو ابنة خاله أو غير ذلك، فإذا علم هذا فقد اتفق علماء الأمة من السلف والخلف على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولم يعرف لهم مخالف على مر العصور والأزمان فيما أعلم، والأدلة متضافرة على تحريم ذلك فمنها: 1. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت المؤمنات إذا هاجرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ... الخ الآية)، قالت: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن صلى الله عليه وسلم: أنطلقن فقد بايعتكن، لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام) رواه البخاري ومسلم. وفي روايةٍ أخرى للبخاري عن عائشة قال (فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاماً لا والله وما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله بايعتك على ذلك). 2. عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه فقلن: نبايعك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن، قالت: فقلت: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لمرأة واحدة) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم، وقال الترمذي حديث حسن صحيح.

3. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان لا يصافح النساء في البيعة) رواه أحمد وقال الهيثمي وإسناده صحيح. 4. عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني والبيهقي، قال المنذري ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح. 5. إن الإسلام حرم النظر إلى المرأة الأجنبية من غير سبب مشروع بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حث المسلم على أن يصرف بصره إذا وقع على امرأة أجنبية فقد ثبت في الحديث عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، فقال: إصرف بصرك) رواه مسلم. وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وهو حديث حسن، والأدلة على تحريم النظر إلى الأجنبية بدون سبب مشروع كثيرة وإذا كان النظر محرماً فمن باب أولى اللمس لأن اللمس أعظم أثراً في النفس من مجرد النظر حيث أن اللمس أكثر إثارة للشهوة وأقوى داعياً للفتنة من النظر بالعين وكل منصف يعلم ذلك. وقد اشتبه على قوم حديث وارد في بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم فهموا منه جواز المصافحة وهو حديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا (أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا) ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها فقالت أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فانطلقت فرجعت فبايعها) رواه البخاري. فقد زعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بايع النساء مصافحة بدليل قولها: (فقبضت امرأة منا يدها) وهذا الفهم خطأ بين لما يلي: أ. إن المراد بقبض اليد في الحديث التأخر عن القبول كما قال الحافظ ابن حجر ومثل ذلك قوله تعالى في حق المنافقين (ويقبضون أيديهم) فهو كناية عن عدم الإنفاق في سبيل الله. ومما يرد هذا الزعم ما جاء في رواية أخرى لحديث أم عطية السابق، رواها الإمام مسلم في

لا يجوز حرمان الولد العاق من الميراث

صحيحه عن عاصم عن حفصة عن أم عطية قالت: لما نزلت هذه الآية (يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً) قالت كان منه النياحة، قالت: فقلت: يا رسول الله إلا آل فلان كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي من أن أسعدهم. فقال عليه السلام: إلا آل فلان). ومثل ذلك ما ورد في رواية أخرى لحديث أم عطية عند النسائي. فهذه الروايات الثلاث لحديث أم عطية يظهر منها أن المراد بقولها فقبضت امرأة منا يدها التأخر عن قبول المبايعة فلم تبايع مباشرة ولكنها أخرت البيعة حتى تذهب لإسعاد المرأة التي أسعدتها في الجاهلية، بدليل قولها: (ثم أجيئك فأبايعك) كما في رواية النسائي وهي رواية صحيحة. ب. إن الروايات الثابتة والصريحة الواردة في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء تؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء في البيعة، وحديث أم عطية ليس فيه ذكر للمصافحة أصلاً. ج. وأما ما ورد في بعض الروايات من أن النبي صلى الله عليه وسلم صافح النساء بحائل وكان على يده ثوب وأن عمر صافحهن عنه فكل ذلك لا يصح ولا يثبت كما قال أهل الحديث. وقد زعم بعض الناس أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم للمصافحة لا يدل على أن على المسلمين أن يتأسوا به صلى الله عليه وسلم في ذلك. لأن التأسي لا يكون إلا بأفعاله وهو لم يفعل شيئاً سوى أنه امتنع عن المصافحة. وهذا خطأ واضح لأن التأسي يكون بالترك أيضاً فالتأسي في الحقيقة هو فعل، قال الآمدي: [أما التأسي بالغير فقد يكون بالفعل والترك]. وقال الشوكاني: [تركه صلى الله عليه وسلم للشيء كفعله له في التأسي به]. ويكفي هذا القدر من الأدلة لأن المقام لا يحتمل مزيداً من التفصيل. لا يجوز حرمان الولد العاق من الميراث يقول السائل: هل يجوز للأب أن يوصي بحرمان أحد أولاده من الميراث لأن هذا الولد عاق لوالديه؟

العدل في عطايا الأولاد

الجواب: لا يجوز للأب أن يوصي بحرمان ولده العاق فهذه وصية باطلة لأن الله سبحانه وتعالى وزع نصيب كل وارث من الورثة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه) رواه البخاري ومسلم. وعلى هذا الأب أن يحاول إصلاح ولده وأن يعين ولده على بره. ولا بد من العدل بين الأولاد في المعاملة سواء كانت مادية أو معنوية. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح. وفي حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء) رواه البيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن. وينبغي أن يعلم أن عقوق الوالدين معصية عظيمة وفيه إثم كبير ولكن الشرع لم يجعله من أسباب الحرمان من الميراث. العدل في عطايا الأولاد يقول السائل: ما حكم التسوية بين الأولاد في الهبات والعطايا؟ الجواب: إن الأصل في هذه القضية أن يعدل الأب والأم بين أولادهما في المعاملات عامة وفي الهبات على وجه الخصوص لأن التفريق بين الأولاد في المعاملة يورث الحقد والحسد ويوقع العداوة والبغضاء بينهم. والأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة يفيد ظاهرها وجوب التسوية بين الأولاد في الهبات وبهذا قال جماعة من أهل العلم ولا بأس أن نستعرض بعض هذه الأحاديث: 1. عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين ابنائكم،

اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين ابنائكم) رواه احمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح. 2. وعن جابر رضي الله عنه قال: قالت امرأة بشير: انحل ابني غلاماً - عبداً - وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنة فلان - زوجته - سألتني أن أنحل ابنها غلامي. فقال عليه الصلاة والسلام: له أخوة؟ قال: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا، قال عليه الصلاة والسلام: فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق) رواه مسلم وأبو داود وأحمد وغيرهم. 3. وعن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة - أم نعمان - لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال عليه الصلاة والسلام: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال فرجع فرد عطيته) رواه البخاري. وفي روايةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير والد النعمان (لا تشهدني على جورٍ أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال: أشهد على هذا غيري) رواه أبو داود بسندٍ صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء) رواه سعيد بن منصور والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن. فهذه الأحاديث يؤخذ منها وجوب التسوية بين الأولاد في الهبات والعطايا إلا أن الإمام أحمد بن حنبل يرى أنه يجوز للأب أن يفاضل بين الأبناء في الهبات والعطايا إن اختص أحدهم بأمر يقتضي المفاضلة، كأن يكون أحدهم يدرس في جامعة أو مدرسة أو يكون أحد الأولاد فيه عاهة أو أنه فقير وعنده عائلة كثيرة الأولاد. وتجوز المفاضلة أيضاً عنده إذا كان الولد فاسقاً ينفق ما يحصل عليه

من مالٍ في معصية الله تعالى فيجوز للأب أن يمنع عنه العطية أو يعطي بقية أولاده أكثر منه. وما ذهب إليه الإمام أحمد نظر دقيق وفقه حسن وخاصةً أنه توجد حالات لا يكون من الإنصاف فيها التسوية بين الأبناء في الهبات والعطايا فلا يمكن للأب التسوية في دفع المصاريف اليومية لأولاده مثلاً مع اختلاف أعمارهم ودراستهم فهل يعقل أن يعطى الطالب الجامعي مثل ما يعطى الطالب في المرحلة الإبتدائية. وأما إذا كان الأمر متعلقاً بإعطاء الأبناء أراضٍ أو عقارات ونحو ذلك فلا بد من التسوية والعدل بينهم في العطاء. ومن الجدير بالذكر أن جمهور الفقهاء يرون أن الذكر والأنثى سواءٌ في الهبات والأعطيات لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد (فسووا بينهم) وفي روايةٍ أخرى (أليس يسرك أن يكونوا في البر سواء) والبنت كالابن في وجوب برها لأبيها. ويرى الحنابلة أن على الأب أن يسقم بين أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين لأن الله سبحانه وتعالى قسم بينهم ذلك. وورد أن شريحاً القاضي قال لرجل قسَّم ماله بين أولاده (أرددهم إلى سهام الله تعالى وفرائضه). وينبغي أن يعلم أن التسوية بين الأولاد ليست في الأمور المالية فقط وإنما ينبغي العدل في جميع أوجه التعامل معهم حتى أن العلماء يقولون ينبغي للأب أن يعدل بين أولاده في القبل - جمع قبلة - قال إبراهيم النخعي (كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القبل). وروي في حديث عن أنس (أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه ثم جاءت ابنة له فأجلسها بين يديه فقال صلى الله عليه وسلم ألا سويت بينهما).

إعطاء بعض الأولاد دون بعض غير جائز

إعطاء بعض الأولاد دون بعض غير جائز يقول السائل: في رسالةٍ طويلة مختصرها: إن أباه أعطى ثلاثة من أولاده عمارة وخصهم بها دون بقية أولاده التسعة وبعد وفاة الأب قام الأشقاء التسعة بمطالبة إخوتهم الثلاثة بنصيبهم من العمارة المذكورة ويسألون هل يجوز لهم ذلك؟ وإذا أسقط بعض الورثة حقه من العمارة فهل يحق لهم أن يطالبوا بذلك؟ الجواب: إن الأصل أن على الوالد أن يعدل في العطية والهبة لأولاده ولا ينبغي له أن يفاضل بينهم إلا لموجب شرعي والذي يظهر من السؤال أن الوالد لم يعدل في عطاياه فأعطى ثلاثة من أولاده عمارة وخصهم بها دون بقية أولاده وهذا الأمر مخالف لما ورد عن رسول صلى الله عليه وسلم في التسوية بين الأولاد والعدل بينهم في الأعطيات والمعاملة أيضاً. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) رواه البخاري. وقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم إعطاء بعض الأولاد شيئاً دون الآخرين من الجور فقد ورد في الحديث عن جابر قال: قالت امرأة بشير: إنحل - أي أعط - ابني غلام وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتى رسول الله فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (له إخوة؟ قال: نعم. قال: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته. قال: لا. فقال له عليه الصلاة والسلام: فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق) رواه مسلم. وفي روايةٍ أخرى قال عليه الصلاة والسلام (لا تشهدني على جور إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم) رواه أبو دواد. وفي رواية أخرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يرجع في هبته. فالذي يظهر من خلال هذه الروايات وغيرها أنه لا بد من العدل عند إعطاء الأولاد ولا يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض لأن هذا التفضيل بينهم يؤدي إلى العداوة والبغضاء بين الأولاد. والذي أنصح في هذه القضية أن تكون العمارة المعطاة لثلاثة فقط

الميل لأولاده من إحدى زوجتيه دون أولاد الأخرى

من الأولاد دون البقية من ضمن التركة وتوزع على جميع الورثة إبراءً لذمة الوالد ولنزع فتيل الشقاق والخصام والأحقاد من النفوس وهذا الأمر فيه احتياط في الدين. وأما إذا أسقط بقية الورثة حقهم في هذه العمارة ثم رجعوا في ذلك فلا يجوز لهم الرجوع لأن القاعدة الفقهية تقول الساقط لا يعود يعني إذا أسقط شخص حقاً من الحقوق التي يجوز إسقاطها، يسقط ذلك الحق وبعد إسقاطه لا يعود. ولكن يشترط في إسقاطه الحق أن يكون عن رضاً نفس وبدون ضغط أو إكراهٍ أو حياء. الميل لأولاده من إحدى زوجتيه دون أولاد الأخرى يقول السائل: ما قولكم في رجلٍ له عدد من الأولاد من زوجتين فقام بإعطاء جميع أمواله المنقولة وغير المنقولة؟ إلى ولدين من إحدى زوجتيه ويقوم هذان الولدان بإنفاق الأموال في اللهو المجنون، وحرم باقي الأولاد وهم عشرة علماً بأن بين الأولاد المحرومين أصحاب عاهات دائمة وبحاجة للمساعدة؟ الجواب: إن هذا الرجل قد أساء التصرف وخالف الهدي النبوي في التسوية بين الأولاد في الأعطيات والهبات. فإن العدل بين الأولاد مطلوبٌ سواء أكان في الأمور المادية أو المعنوية وتصرف هذا الرجل يزرع العداوة والبغضاء والحقد بين الأولاد. وقد رفض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشهد على إعطاء أحد الصحابة لأحد أولاده عطية دون الآخرين كما جاء في الحديث: عن عامر قال: (سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي أعطيةً فقالت عمرة بنت رواحة - أم نعمان - لا أرضى حتى تشهد رسول صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال عليه الصلاة والسلام: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، فقال عليه الصلاة

والسلام: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. قال فرجع فرد عطيته) رواه البخاري في صحيحه. وفي روايةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير والد النعمان (لا تشهدني على جورٍ أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم. قال: أشهد على هذا غيري) رواه أبو داود بسندٍ صحيح. ويدل على أنه يجب على الأب أن يسوي بين أولاده في الهبات والعطايا قوله عليه الصلاة والسلام: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديثٌ صحيح. وقوله عليه الصلاة والسلام: (سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء) رواه سعيد بن منصور والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن. وقوله عليه الصلاة والسلام: (اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر) رواه مسلم. وعلى هذا فيجب على هذا الأب لأن يسترجع ما أعطاه لولديه ويعيد تقسيم تلك الأموال بين أولاده بالتساوي فالرجوع في الهبة في حق الوالد جائز على مذهب جمهور الفقهاء ويدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده) رواه أصحاب السنن الأربعة وأحمد وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم. ويدل على جواز الرجوع ما جاء في حديث النعمان المتقدم قال (فرد عطيته) وفي رواية أخرى صحيحة قال صلى الله عليه وسلم: (فأرجعه). وفي روايةٍ ثالثة (فرجع أبي في تلك الصدقة). وخاصةً أن الولدين الذين خصهما بأعطيته ينفقان ذلك في المحرمات فهو بعمله هذا يعينهما على الفسق والفجور والعياذ بالله، بدل أن يردعهما ويزجرهما ويأمرهما بالمعروف وينهاهما عن المنكر وكذلك بعض أولاده الذين حرمهم ممن

حرمان النساء من الميراث حرام

يستحقون زيادة في العطف والمساعدة والرفق بهم وهم أصحاب العاهات الدائمة. فعلى هذا الرجل أن يتقي الله ويعود إلى رشده ويلزم طريق العدل والإنصاف وإلا فسوف يندم عندما يقف بين يدي الله يوم القيامة. حرمان النساء من الميراث حرام تقول السائلة: تنازلت امرأة عن ميراثها لأخيها تحت تأثير التهديد والوعد والوعيد منه مقابل أن يعطيها في كل عامٍ مالاً يكفيها لتنفق على نفسها ولكنه لم يف بالتزامه فهل يجوز أن تطالبه بإعادة نصيبها من الميراث؟ الجواب: إن حرمان النساء من الميراث بصوره المختلفة من المشكلات المنتشرة في مجتمعنا، وكثيراً ما يترتب على ذلك الحرمان مآس من ظلم وقهر وأكل أموال الناس بالباطل وإن حرمان النساء من الميراث من مخلفات الجاهلية التي هدمها الإسلام قال قتادة: [كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان] وكان أكبر الأولاد هو الذي يأخذ جميع الميراث وكانوا يقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وطاعن بالرمح وضارب بالسيف وحاز الغنيمة. وهذه جاهلية جهلاء حاربها الإسلام وأعطى المرأة نصيبها من الميراث يقول الله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا). فهذه الآية الكريمة أوجبت النصيب من الميراث للرجال والنساء قليلاً كان ذلك أو كثيراً فالمرأة سواء كانت أماً أو زوجة أو أختاً أو بنتاً فلها نصيبها من الميراث وهذا النصيب حق شرعي لها وليس منةً أو تفضلاً من أحد فلا يجوز لأي كان أن يحرمها من نصيبها الذي قرره الشرع الحنيف. وكل من يحرم امرأة من نصيبها بأي وسيلة كانت كالتهديد والوعيد بإجبارها على التنازل عن ميراثيها أو بالتحايل عليها لإسقاط حقها بما يسميه

عامة الناس (إرضاء الأخوات) زوراً وبهتاناً. أقول كل من يفعل ذلك فهو آثم ومعطل لحكم الله في هذه القضية ومعتد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ,وأكل لأموال الناس بالباطل. وهذه المرأة التي هددها أخوها وأجبرها على التنازل عن ميراثها مقابل وعد زائف كاذب بالإنفاق عليها قد ظلمت ظلماً واضحاً من هذا الأخ الظالم الذي أكل مال أخته بالباطل ولها أن تطالب بحقها وتسعى في تحصيله. وإنني لأذكر هذا الأخ وكل شخصٍ يحرم النساء من الميراث بتقوى الله تعالى فاتقوا الله في أخواتكم النساء وأعطوا الحقوق لأصحابها وأعيدوا نصيب النساء لهن قبل أن ترحلوا عن هذه الدنيا وقبل أن تقفوا بين يدي الله في ذلك اليوم العظيم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم. فتوبوا إلى رشدكم ولا تغرنكم الأموال ولا العقارات وأعطوا كل ذي حقٍ حقه على وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأذكر هؤلاء بأن الظلم مرتعه وخيم فقد قال صلى الله عليه وسلم: 1. عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) رواه مسلم. 2. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء - التي لا قرن لها - من الشاة القرناء) رواه مسلم. 3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري. 4. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ إلى اليمن فقال: اتقي دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) رواه البخاري.

تشغيل أموال اليتامى

تشغيل أموال اليتامى يقول السائل: أنه وصي على أيتام ولهم أموال فهل يجوز له أن يشغل أموال الأيتام في تجارة أو شركة أو نحو ذلك؟ الجواب: إن على من ولي أيتاماً ولهم أموال أن يتصرف في أموالهم بما تقتضيه مصلحة هؤلاء الأيتام وكأن هذا الولي يتصرف في ماله الخاص فعليه أن يحفظ أموالهم من التلف وأن يجنبهم المخاطر، والأصل في هذا قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ). قال القرطبي في تفسير هذه الآية: [أي بما فيه صلاحه وتثميره وذلك بحفظ أصوله وتثمير فروعه. وهذا أحسن الأقوال في هذا فإنه جامع]. قال مجاهد: [لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن]. [بالتجارة فيه ولا تشتري منه ولا تستقرض]. تفسير القرطبي7/ 134. وبناءً على ذلك لا يجوز للولي أن يتبرع بشيءٍ من مال اليتيم أو يتصدق منه أو يهبه أو يقرضه ولا يجوز بيعه أو شراؤه مع الغبن الفاحش لأن في ذلك إضاعة لأموال اليتامى. ويجوز للولي البيع والشراء والإجارة والشركة في أموال اليتامى فاستثمار أموال اليتامى جائز بل مطلوب حتى لا يفنى مال اليتيم في النفقات أو الزكاة عند القائلين بوجوبها في مال اليتيم ويدل على جواز ذلك ما ورد في بعض الأحاديث والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم منها: 1. ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: (ألا من ولي يتيماً وله مال فليتجر له بماله ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) رواه الترمذي وضعفه. 2. ما رواه الشافعي بسنده عن يوسف بن ماهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ابتغوا في مال اليتيم أو أموال اليتامى لا تذهبها ولا تستهلكها الصدقة) رواه الشافعي في الأم والبيهقي في السنن الكبرى وقال البيهقي وهذا مرسل إلا أن الشافعي رحمه الله أكده بالإستدلال بالخبر الأول وبما روي عن الصحابة رضي الله عنهم. سنن البيهقي 4/ 107.

الوصية الواجبة

3. ما رواه البيهقي بسنده عن عمر بن الخطاب أنه قال: (اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة). وقال البيهقي هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر رضي الله عنه. 4. ما رواه مالك في الموطأ أنه بلغه عن عمر بن الخطاب أنه قال: (اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة). 5. وما رواه البيهقي بسنده أن عمر بن الخطاب قال لرجل أن عندنا مال يتيم قد أسرعت فيه الزكاة فدفعه إليه ليتجر فيه له. وغير ذلك من الأحاديث. الوصية الواجبة يقول السائل: إذا توفي الرجل في حياة أبيه وترك أولاده فهل لهم نصيب من ميراث جدهم مع وجود أعمامهم؟ الجواب: إن الأصل في نظام الميراث الإسلامي أن هؤلاء الأولاد أي حفدة المتوفى لا يرثون شيئاً مع وجود أعمامهم أو عماتهم على قيد الحياة أي أنهم محجوبون بأعمامهم وعماتهم. ولكن قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية أعطى لهؤلاء الحفدة نصيباً من الميراث وهو ما يعرف بالوصية الواجبة فقد جاء في المادة (182) من القانون المذكور لسنة 1967 ما نصه: (إذا توفي أحد وله أولاد ابن وقد مات ذلك الابن قبله أو معه وجب لأحفاده هؤلاء في تركته وصية بالمقدار والشروط التالية) سيأتي فيما بعد. وهذه الوصية الواجبة أول ما عمل بها كان ذلك ضمن قانون الأحوال الشخصية المصري الصادر 1946 وكذلك عمل بها ضمن قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر سنة 1953 وما زال معمولاً بها في بعض الدول العربية والإسلامية.

والمستند الشرعي الذي اعتمده المشرعون للوصية الواجبة هو ما ذهب إليه بعض الفقهاء من التابعين وغيرهم من الأئمة كسعيد بن المسيب والحسن البصري وطاووس وأحمد بن حنبل وداود الظاهري وابن حزم وابن جرير الطبري وغيرهم من أن الوصية واجبة للأقربين غير الوارثين أخذاً من قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) سورة البقرة آية 180. وهذه الآية محكمة غير منسوخة كما رجحه كثير من المحققين من أهل التفسير وغيرهم فالأقارب من غير الورثة تجب لهم الوصية بمقتضى هذه الآية والحفدة من ضمن هؤلاء الأقارب غير الورثة أصلاً لوجود أعمامهم وعماتهم. يرى بعض العلماء المعاصرين أن الحكمة من تشريع نظام الوصية الواجبة هو الحفاظ على الأسرة موحدة ومتماسكة وأن فيها إقامة للعدل ومعالجة مظاهر الظلم وما ينتج عنها من بؤس وحرمان وفقر. ذلك أنه في حالات كثيرة يتوفى الابن قبل والده ويكون لذلك الوالد أبناء يمنعون أبناء المتوفى من الميراث وعندها يحرمون نصيبهم من مال ربما كان لأبيهم اليد الطولى في جمعه وتثميره فيؤول هذا المال إلى ملك الأعمام بحقهم في الميراث وينالون بسببه حظهم الوافر من المتاع الدنيوي وأبناء المتوفى إلى جانبهم يعانون شظف العيش وفي هذا تقطيع لآصرة الرحم وبعث الأحقاد واستشعار لمرارة الظلم والحرمان فجاء قانون الوصية الواجبة المستمد من نظرات صائبة لنفر من صالحي السلف فقهاء ومحدثين ليسد هذه الثلمة وليعالج مصدر من مصادر الشكوى التي غدت تتعالى وتتكر في مجتمعنا من خلال ما أذنت به مرونة آراء الفقهاء من تشريع (الوصية الواجبة) نظام الأسرة 3/ 592. وشروط استحقاق الوصية الواجبة كما ورد في قانون الأحوال الشخصية الأردني هي: 1. الوصية الواجبة لهؤلاء الأحفاد تكون بمقدار حصة أبيهم من الميراث فيما لو كان حياً على أن لا يتجاوز ذلك ثلث التركة

لا يجوز إسقاط الجنين المعاق

2. لا يستحق هؤلاء الأحفاد وصية إذا كانوا وارثين لأصل أبيهم جداً كان أو جدة أو كان قد أوصى لهم أو أعطاهم في حياته بلا عوض مقدار ما يستحقون بهذه الوصية الواجبة فإن أوصى لهم بأقل من ذلك وجبت تكملته وإن أوصى لهم بأكثر فإن الزائد وصية اختيارية وإن أوصى لبعضهم فقد وجب للآخر بقدر نصيبه. 3. تكون الوصية لأولاد الابن ولأولاد ابن الإبن وإن نزل واحداً كان أو أكثر للذكر مثل حظ الأنثيين يحجب كل أصل فروعه دون فرع غيره ويأخذ كل فرع نصيب أصله فقط. 4. هذه الوصية الواجبة مقدمة على الوصايا الاختيارية في الاستيفاء من ثلث التركة. وينبغي أن يعلم أن الجد إذا لم يوصي لأولاد ابنه المتوفى في حياته فإن القاضي يفرض لهم تلك الوصية. لا يجوز إسقاط الجنين المعاق تقول السائلة: إنها حامل في الشهر الخامس وقد قرر الطبيب أن الجنين سيولد معاقاً، فعل يجوز لها إسقاط الحمل؟ الجواب: لقد اتفق العلماء على عدم حواز الإجهاض بعد الشهر الرابع من الحمل أي بعد مضي مائة وعشرين ليلة حيث تنفخ الروح في الجنين، لحديث عبد الله بن مسعود: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويأمر بأربع كلمات، يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد) رواه البخاري ومسلم. ومن العلماء من حرم الإجهاض قبل الأشهر الأربعة أيضاً، وهذا هو الحق إن شاء الله، فلا ينبغي لامرأة مسلمة أن تجهض مولودها إلا إذا ثبت

الأرحام الذين تجب صلتهم

أن هناك خطراً محققاً على حياة الأم، ويعتبر في تحديد هذا الخطر قول الطبيب الحاذق الثقة. وأما إخبار الطبيب بأن المولود سيكون معاقاً فإن هذا الأمر لا يجيز الإجهاض، وعلى هذه المرأة أن تصبر وتحتسب. وإذا وقع الإجهاض منها فإن ذلك يعتبر جريمة موجبة للغرة - وهي دية الجنين - لأنه قتل لنفس محرمة وتلزمها كفارة القتل الخطأ عند بعض أهل العلم. وينبغي على الأطباء أن يتقوا الله في النساء المسلمات فلا يجوز لهم أن يسهلوا لهن عملية الإجهاض إلا في الحالات التي يتهدد الخطر فيها حياة الأم لأن من شأن عملية الإجهاض فتح باب الفساد على مصراعيه ويلحق أضراراً بالغة في المجتمع المسلم. الأرحام الذين تجب صلتهم يقول السائل: من هم الأرحام الذين تجب صلتهم وبما تكون صلة الرحم؟ الجواب: الأرحام هم الأقارب وهم على نوعين: رحم محرم ورحم غير محرم. والرحم المحرم هو كل من لو فرضناه رجلاً والآخر أنثى لم يحل لهما الزواج كالآباء والأمهات والأجداد والجدات والأعمام والعمات والأخوال والخالات والأخوة والأخوات ذكوراً وإناثاً. وأما الرحم غير المحرم فهم: الأقارب الذين يجوز التناكح بينهم كبنات الأعمام وبنات العمات وبنات الأخوال وبنات الخالات وأولادهم. وقد أمر الإسلام بصلة الرحم ومن ذلك قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ).

وقال عليه الصلاة السلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منه قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى. قال: فذلك لك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إقرأوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا ارحامكم أولئك لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) رواه البخاري ومسلم. ومعنى أن ينسأ له في أثره: أي يؤخر له فيأجله وعمره بزيادة البركة فيه. كما وأن الإسلام قد حرم قطيعة الرحم التي تجب صلتها قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع)، يعني قاطع رحم رواه البخاري ومسلم. وقد فصل العلماء حكم صلة الرحم فقالوا: إن صلة الرحم الواجبة تكون في الرحم المحرم فقط فإذا قطعها الإنسان يكون آثماً وهذه تكون كما ذكرت في الآباء والأمهات والأجداد والجدات والأعمام والعمات والأخوال والخالات والأخوة والأخوات والأولاد ذكوراً وإناثاً فهؤلاء تجب صلتهم وتحرم قطيعتهم. وأما الرحم غير المحرم فمن السنة صلتهم ولا تجوز قطيعتهم. وكذلك فإن صلة الرحم المحرم ليست على درجة واحدة فصلة الوالدين أعظم من صلة غيرهم كما أن الأم مقدمة في الصلة على الأب لما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك.) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية أخرى قال عليه الصلاة والسلام: (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك ثم أدناك) رواه مسلم. وفي حديث آخر (قال رجل: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم الأقرب فالأقرب) رواه أبو داود وغيره وهو حديث صحيح. وقال الإمام النووي مرتباً الأقارب في صلة الرحم: [قال أصحابنا يستحب أن تقدم في البر الأم ثم الأب ثم الأولاد ثم الأجداد والجدات ثم الإخوة والإخوات ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات والأخوال والخالات ويقدم الأقرب فالأقرب] شرح صحيح مسلم 16/ 13. وصلة الرحم تكون بزيارتهم والسلام عليهم ومساعدتهم وفي قضاء حوائجهم وتقديم المال لهم والإحسان إليهم ونحو ذلك. وليس المقصود بصلة الرحم أن تصلهم إن وصلوك فقط ولكن أن تصلهم حتى وإن قطعوك فقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) رواه البخاري ومسلم. والله الهادي إلى سواء السبيل.

متفرقات

متفرقات

الأجر على قدر المشقة

الأجر على قدر المشقة يقول السائل: الأجر على قدر المشقة عبارة تتردد على الألسن كثيراً فما مدى صحة ذلك؟ الجواب: إن الإسلام دين اليسر والتخفيف والرحمة ومن مقاصده رفع الحرج عن المكلفين ودفع الأذى عنهم ويدل على ذلك نصوص كثيرة من الكتاب والسنة. يقول الله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). ويقول أيضاً: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). ويقول تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا) رواه البخاري. وقال رسول صلى الله عليه وسلم أيضاً: (إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً) رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل ولأبي موسى الأشعري عندما بعثهما إلى اليمن: (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) رواه البخاري ..

والآيات والأحاديث كثيرة جداً في هذا الباب والخلاصة أن الإسلام قرر قاعدة رفع الحرج عن المكلفين ودفع المشقات عنهم ولكن المشقة قد تكون مشقة لا تنفك عن التكاليف الشرعية أي ملازمة لها وهذه لا بد منها إذ لا يكاد ذلك يخلو من مشقة ولو كانت قليلة، والتاكليف الشرعية لا تخلو عادةً من مثل هذه المشقات فمثلاً الصوم فيه نوع من المشقة وخاصةً إذا وقع في أشهر الصيف الحارة والوضوء فيه مشقة وخاصةً إذا كان الماء البارد أيام الشتاء، والحج فيه مشقة وهكذا بقيت التكاليف الشرعية فيها نوع من المشقة ولكن هذه المشقة محتملة وغير مقصودة في ذاتها ولكن لما يترتب عليها من المصالح تماماً كالطبيب الذي يعطي المريض الدواء المر الذي فيه شفاؤه فإن الطبيب لا يقصد إيذاء المريض بذلك الدواء المر ولكن يقصد ما يترتب عليه من الشفاء. وكذلك الشارع يقصد ما يترتب على تلك المشقة من مصالح تعود على المكلف بالنفع العظيم. وهنالك نوع من المشقة الشديدة وغير المحتملة وهذه لم تقع في التكاليف الشرعية وبالتالي لا يجوز للمكلف أن يوقعها على نفسه مثل صوم الوصال والصيام قائماً في الشمس والحج ماشياً ونحو ذلك فهذه مشقات صعبة وشديدة على النفس ولم يرد التكليف الشرعي بها بل نهى الشارع الحكيم عن التشديد على النفس. يقول صلى الله عليه وسلم (خذوا من الأعمال ما تطيقون) رواه البخاري ومسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: (هلك المتنطعون) رواه مسلم. والمتنطع: هو المشدد على نفسه في غير موطن الشدة. وهذه المشقة الشديدة إذا أوقع المكلف نفسه فيها قيعتبر عمله غير مشروع ولا أجر له على ذلك لأن الأجر يكون على قدر الشمقة إذا كانت المشقة لازمة للتكاليف الشرعية. وأما إذا كانت المشقة غير لازمة لها فلا يصح للمكلف أن يجلبها على نفسه ظاناً أن ذلك طريقة للأجر والثواب لأن هذا المسلك مخالف للسنة

تعدد المذاهب الفقهية

وفيه تعذيبٌ للنفس وعناءٌ لها وهذا غير مقصود للشارع بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك. فقد ورد في الحديث أنه بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فإذا برجلٍ قائم في الشمس فسأل عنه فقالوا إنه أبو اسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ويصوم ولا يتكلم فقال (مروه فليستظل وليقعد وليتكلم وليتم صومه) رواه البخاري. وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً يهادي بين ابنيه فقال: (ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي، قال: إن الله عن تعذيب نفسه لغني وأمره أن يركب) رواه البخاري ومسلم. وقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبلٌ ممدود بين ساريتين فقال: ما هذا؟ فقالوا: حبل لزينب فإذا فترت تعلقت به. فقال عليه الصلاة والاسلام: حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد) رواه البخاري، وغير ذلك من الأحاديث. ففي هذه الأحاديث جلب الصحابة على أنفسهم مشقات غير مقصودة للشارع، فالشرع لا يطلب من الصائم أن يقف في الشمس طول النهار ولا يطلب من الحاج أن يمشي على قدميه إلى بيت الله الحرام ولا يطلب منه أن يشدد على نفسه ويحملها فوق طاقتها فهذه مشقات لا أجر فيها ولا ثواب عليها. فلا يجوز للمكلف أن يوقع نفسه فيها ولا يكون الأجر على قدر المشقة إلا إذا كانت المشقة لا تنفك عن التكاليف الشرعية. تعدد المذاهب الفقهية يقول السائل: لماذا يوجد لدى المسلمين مذاهب فقهية متعددة ومختلفة مع أن القرآن الكريم واحد والسنة النبوية واحدة؟ الجواب: إن تعدد المذاهب الفقهية لدى المسلمين له أسبابه

ودواعيه المعتبرة وقبل بيانها لا بد من الإشارة إلى قضيتن هامتين: الأولى: إن الإختلافات الفقهية بين علماء الإسلام كأصحاب المذاهب الأربعة (أبو حينفة ومالك والشافعي وأحمد) هي اختلافات في الفروع أي في المسائل الفقهية والقواعد والأسس التي بنيت عليها تلك الفروع. وأما أصول الإسلام وقواعد العقيدة فهي محل اتفاق بين عامة علماء الإسلام لا خلاف بينهم فيها. الثانية: إن الإختلافات في فروع الإسلام موجودة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم ومن الشواهد على ذلك: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم) رواه البخاري. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماءً فتيمما صعيداً طيباً فصليا ثم وجد الماء في الوقت، فتوضأ أحدهما وأعاد اصلاة ولم يعد الآخر، ثم أتيا الرسول صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال: للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للذي أعاد لك الأجر مرتين) رواه أبو داود والنسائي وهو حديثٌ صحيح. ونلاحظ في هذين الحديثين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الصحابة اختلافهم في قضايا فرعية بل أقر كل طرف على ما وصل إليه اجتهاده. واختلاف فقهاء المسلمين في أبواب الفقه الإسلامي له أسبابه المعتبرة وكل إمام من أئمة الفقه بنى مذهبه الفقهي على قواعد وأسس وضوابط معروفة. وهؤلاء الأئمة ما كانوا يصدرون في اجتهاداتهم وآرائهم الفقهية عن هوىً أو تشهٍ أو قولٍ في دين الله بغير دليل وإنما لدى كل منهم أصولٌ بنى

مذهبه عليها، وأشير بإيجاز إلى بعض الأسباب التي نتج عنها الإختلاف الفقهي منها: - أن لا يبلغ الحديث أحد الفقهاء فيقول قولاً بخلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصةً أننا نعلم أنه يصعب على أحد من أهل العلم الإحاطة بجميع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خفيت بعض الأحاديث على عدد من كبار الصحابة كأبي بكر وعمر، فمن باب أولى أن تخفى على الفقهاء الذين جاؤوا بعد ذلك أحاديث نبوية فاجتهدوا بخلافها. - ومنها: أن الحديث قد يصل إلى الإمام ولكنه لا يكون ثابتاً عنده لعلة من علل الحديث المعتبرة وقد يكون هذا الحديث قد وصل إلى إمام آخر بطريق صحيح فيأخذ به الثاني دون الأول فيقع اختلاف بينهما لذلك. - ومنها: الاختلاف في فهم النصوص من كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام لكون لفظ وقع في النص وهو مشترك أو مجمل أو غريب له عدة معان كما في قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ). فالقرء في لغة العرب استعمل في الطهر واستعمل في الحيض فهو لفظ مشترك فمن الفقهاء من أخذ بالأول ومنهم من أخذ بالثاني. - ومنها: إن الأدلة قد تتعارض في نظر المجتهد فيقدم دليلاً على آخر لأمور يعتقدها المجتهد من المرجحات. - وغير ذلك من الأسباب التي أدت إلى وقوع الاختلافات الفقهية التي يصعب شرحها في هذا المقام ومحل بحثها كتب أسباب الاختلافات الفقهية ولكن ينبغي أن يعلم أن الاختلافات الفقهية التي وقعت بين علماء الإسلام لم تفسد المودة والمحبة بينهم وكان كل منهم يحترم الآخر ويقدره وكل منهم يلتمس العذر للصاحبه وإن خالفه ويقدر وجهة نظره، وما أوصلهم ذلك الاختلاف إلى الخصام أو تفسيه العقول أو الحط من مكانة المخالف أو الطعن فيه، بل كان كل منهم يثني على مخالفه ويمدحه بما فيه من خصال حميدة ومن علم واسع وفق دقيق. قال الإمام الشافعي: (الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة). وقال الإمام الشافعي أيضاً: [مالك بن أنس معلمي وعنه أخذت العلم وإذا ذكر العلماء فمالك النجم].

اتباع مذهب فقهي واحد

وعن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قال: (قلت لأبي أي رجل كان الشافعي فإني أسمعك تكثر الدعاء له. فقال: كان الشافعي رحمه الله كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف أو عرض؟) وقال الإمام الشافعي: [خرجت من بغداد فما خلفت بالعراق رجل أفضل ولا أعلم ولا أتقى من أحمد بن حنبل]. فانظر يا أخي المسلم إلى هذا الأدب الجم والخلق الرفيع الذي كان يتحلى به علماء الإسلام واقتبس منه قبساتهم واستضئ بنورهم (اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده). اتباع مذهب فقهي واحد يقول السائل: هل المسلم ملزم باتباع مذهب فقهي من المذاهب العروفة اليوم كالمذاهب الأربعة؟ الجواب: إن المسلم غير ملزم باتباع مذهب فقهي كالمذهب الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي لأننا نعلم أن هذه المذاهب حدثت بعد عهد الصحابة والتابعين وأتباعهم وما لا يكون ديناً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وتابعيهم لا يكون ديناً للناس بعد ذلك. ولأننا نعلم أن أكثر الناس من العوام، والعوام لا مذهب لهم وإنما مذهبهم هو مذهب من يفتيهم، يقول الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم أعلام الموقعين ما نصه (وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان: أحدهما: لا يلزم وهو الصواب المقطوع به. إذا لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره وقد انطوت القرون

الفاضلة مبرأة مبرأٌ أهلها من هذه النسبة بل لا يصلح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظرٍ واستدلال ويكون بصيرأً بالمذاهب على حسبه أو لمن قرأ كتاباً في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله. وأما من لم يتأهل لذلك البته بل قال أنا شافعي أو حنبلي أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول كما لو قال: أنا فقيهٌ أو نحوي أو كاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله. يوضحه أن القائل أنه شافعي أو حنفي أو مالكي يزعم أنه متبع لذلك الإمام سالك طريقه وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة والاستدلال. فأما مع جهله وبعده جداً عن سيرة الإمام وعلمه وطريقه فكيف يصح له الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من كل معنى؟ والعامي لا يتصور أن يصح له مذهب ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره ولا يلزم أحد قط أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة بحيث يأخذ أقواله كلها ويدع أقوال غيره. وهذه بدعةٌ قبيحة حدثت في الأمة لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام وهم أعلى رتبة وأجل قدراً وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك. وأبعد منه قول من قال يلزمه أن يتمذهب بمذهب عالم من العلماء وأبعد منه قول من قال يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة. أعلام الموقعين 4/ 262. ويضاف إلى ما قاله ابن القيم أن الأئمة الأربعة وغيرهم قد حذروا الناس من اتباعهم في كل ما قالوا وفي كل ما ذهبوا إليه. ونقول هذا الذي يزعم أن على المسلم اتباع مذهب فقهيٍ أنه ملزم بأخذ أقوال ذلك المذهب وعدم الخروج عنها بأن هذا زعم باطل ترده أقوال الأئمة أصحاب المذاهب المعروفة، وإليك بعضها: 1. قال الإمام أبو حنيفة مخاطباً صاحبه أبا يوسف: [ويحك يا

مفهوم العبادة في الإسلام

يعقوب لا تكمتب كل ما تسمع مني فإني أرى الرأي اليوم وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غد]. 2. قال الإمام مالك: [ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم]. 3. وقال الإمام الشافعي: [أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسوله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد]. وإن مما يدل على فساد القول بإلزام المسلم بإتباع مذهب فقهي معين أن اتباع المذهب ليس أمراً هيناً ولا يتيسر لكل أحد من الناس بل يحتاج إلى فقه وعلم في أصول ذلك المذهب حتى يعرف الأسس والقواعد التي بني عليها المذهب. يقول أبو حنيفة رحمه الله (لا يحل لأحدٍ أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه) وفي روايةٍ أخرى عنه (حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي). وبعد هذا القول الفصل من أبي حنيفة هل يستطيع عوام الناس الذين يزعمون أنهم على مذهب أبي حنيفة مثلاً أن يعرفوا لِمَ قال أبو حنيفة أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء أو لِمَ يرى أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام وغير ذلك من المسائل الفقهية. إن إلزام المسلمين باتباع مذهب فقهي دعوى باطلة ومن نسج الخيال ويردها ويكذبها واقع المسلمين الذين عاشوا في العصور الثلاثة التي شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية وهي دعوى منكرة لا يوجد دليل شرعي على صحتها وما هي إلا إلزام للناس بما لم يلزمهم به الإسلام. مفهوم العبادة في الإسلام يقول السائل: ما معنى قوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)؟

الجواب: إن مفهوم هذه الآية الكريمة من سورة الذاريات يخطيء كثير من المسلمين في فهمه على حقيقته فيظن كثير من الناس أن عبادة الله مقتصرة على الصلاة والصيام والزكاة والحج وبعض الذكار ويعتقدون أنهم بعملهم ذلك أقاموا الإسلام في حياتهم وهذا فهم ناقص لحقيقة العبادة في الإسلام. فأصل العبادة في اللغة: الطاعة والخضوع والتذلل كما قال الجوهري وغيره. أما مفهوم العبادة في الشرع فمفهوم واسع شامل يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته القيمة العبودية: [العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث والمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة. وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضى بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله] العبودية ص 38. من خلال هذا الفهم النير لمفهوم العبادة في الإسلام نعلم خطأ من يقصرون العبادة على بعض الجوانب الروحية من الإسلام فالهدف الذي خلق الإنسان من أجله هو عبادة الله وعبادة الله تشمل الدين كله وتشمل الحياة كلها، فالإنسان المسلم عليه أن يكون عبداً لله طوال حياته طوال ليله ونهاره وطوال الشهور والسنوات وليست العبادة هي تلك التي تؤدى في أوقات محددة لا تستغرق إلا وقتاً يسيراً في حياة الإنسان فالمسلم يستمر في عبادة الله حتى يفارق هذه الدنيا. يقول الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).

إن المفهوم الحق للعبادة الذي أشرت إليه ينسجم مع النظرة الواعية في فهم الإسلام فهماً صحيحاً قائماً على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبنياً على فهم السلف الصالح لهذا الدين بعمومه وشموله وأنه يغطي جميع جوانب الحياة وليس قاصراً على جانب واحد منها مع إهمال الجوانب الأخرى. إن من يظن أن مجرد الصلاة والصيام والحج وبعض الذكار هي الدين كله وهي العبادة كلها لاشك أن مخطئ خطأً شنيعاً في تصوره لحقيقة الدين وفهمه لحقيقة العبادة. لا شك أن الصلاة والصيام والحج من أعظم الشعائر ومن أركان الإسلام ولكنها تبقى جزءاً من هذا البناء العظيم ومن هذا النظام الشامل لجميع نواحي الحياة، حتى الأمور التي يظنها كثير من الناس أنها من الأمور البسيطة وقد يعتبرها بعضهم لا علاقة للدين بها كقضاء الشهوة كما في قوله صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة: (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر. قالوا: نعم. قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم. فانظر أخي المسلم إلى هذه الشهوة الغريزية كيف تكون عبادة لله تعالى إذا نوى المسلم أن يعف نفسه وأن يحصن زوجه فعمله يكون عبادة لله تعالى له الأجر والثواب وهذا الأمر قد يعتبره بعض الناس تافهاً فما بالك بالأمور الأخرى؟ وفي الحقيقة إن شرح مفهوم العبادة في الإسلام لا يسعه هذا المقام الضيق فيحتاج إلى رسائل ومؤلفات ولكن لا بد من التأكيد على أن مفهوم العبادة في الإسلام مفهوم واسع شامل لكل نواحي الحياة وأن كل عمل يصدر عن المسلم يمكن أن يكون عبادة إذا توفرت فيه بعض الشروط. أولها: أن يكون العمل خالصاً لله تعالى فإذا قصد العامل أن يغني أسرته وينفع الناس فعمله عبادة. ثانيها: أن يكون العمل ضمن حدود الشرع فلا يجوز للمسلم أن

الخلافة الراشدة

يعمل فيما حرم الله فينبغي ان يكون على حسب ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثالثها: أن يكون عمله غير شاغل له عن القيام بما أوجب الله عليه، فإذا تحققت هذه الشروط كان العمل عبادة لله تعالى. الخلافة الراشدة يقول السائل: يتحدث الناس عن الخلافة الراشدة في آخر الزمان ويدعون الله أن تأتي فهل هذا صحيح وإن كان كذلك فمن هو المهدي المنتظر؟ الجواب: إن الخلافة الراشدة ستكون إن شاء الله وقد أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت) رواه أحمد والبزار والطبراني وصححه الحافظ العراقي والشيخ الأباني وغيرهما. وهذا الحديث يبشر بقيام خلافة على منهاج النبوة ولكنه لم يحدد زماناً بعينه لذلك وهذه الخلافة الراشدة غير التي تكون في زمن المهدي المنتظر - والله أعلم - لأن ظهور المهدي المنتظر من علامات الساعة أو قربها ويكون حكمه قبيل نزول عيسى عليه الصلاة والسلام كما ثبت ذلك في أحاديث كثيرة. وأما الخلافة الراشدة فأظن أن زمانها قد قرب لأن العالم الإسلامي يعيش في زمن الملك الجبري في هذه الأيام كما قاله بعض أهل العلم.

وينبغي أن يعلم أن الاعتقاد بظهور المهدي المنتظر هو جزء من عقيدة المسلم وقد دلت على ذلك أحاديث كثيرة وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغت حد التواتر كما قال المحققون من أهل الحديث. قال الإمام الشوكاني: [والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك ... ]. وقال السفاريني في عقيدته المسماة لوامع الأنوار البهية " الإيمان بالمهدي من جملة عقيدة أهل السنة والجماعة .. ". وقال في موضع آخر: " وقد كثرت الأقوال في المهدي إلا عيسى عليه السلام وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي ... ". والأحاديث الواردة في المهدي نقلت عن أكثر من عشرين من الصحابة رضي الله عنهم وقد احتج بها أهل الحديث وقبلوها وذكر صاحب كتاب (عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر) أكثر من خمسين من علماء الحديث الذين رووا تلك الأحاديث واحتجوا بها فلا مجال لإنكارها. وبعد هذا أقول لا بد من التنبيه على بعض الأمور المتعلقة بالمهدي: 1. أن المهدي رجل يعود نسبه إلى آل البيت رضي الله عنهم ويحكم بشرع الله كما وردت بذلك الأحاديث، قال الإمام أبو الحسن السجستاني: " وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً ". 2. إن المهدي الذي يعتقد به أهل السنة والجماعة هو غير المهدي المنتظر عند الشيعة الإمامية فالشيعة يعتقون أن المهدي هو محمد بن

حديث الصيحة المكذوب

الحسن العسكري الذي دخل السرداب وعمره تسع سنين وذلك سنة (265 هـ) وهم ينتظرون خروجه وهذه عقيدة باطلة فاسدة وخرافة لا حقيقة لها. 3. لا يصح الاعتقاد بأنه لن تقوم للإسلام قائمة ولا دولة إلا بظهور المهدي المنتظر ولا يجوز للمسلمين ترك العمل لقيام دولة الإسلام اعتماداً على ظهور المهدي فهذا أمر باطل. قال الشيخ الألباني حفظه الله: واعلم أخي المسلم أن كثيراً من المسلمين قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي وهذه خرافة وضلال ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة وبخاصة الصوفية منهم وليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقاً بل هي كلها لا تخرج عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر برجل من أهل بيته ووصفه بصفات بارزة من أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم. حديث الصيحة المكذوب يقول السائل: ما مدى صحة الحديث الذي يتناقله كثير من الناس في هذه الأيام حول حدوث صيحة في شهر رمضان وبالذات ليلة الجمعة الموافقة للنصف من رمضان هذا العام 1414 هـ؟ الجواب: إن الحديث الوارد في هذا وهو عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانت صيحة في رمضان فإنه تكون معمعة في شوال وتميز القبائل في ذي القعدة وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم .. قال: قلنا: وما الصيحة يا سول الله؟ قال: هذه في النصف من رمضان ليلة الجمعة من سنة كثيرة الزلازل فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة فادخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذنكم إذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجداً وقولوا سبحان الله القدوس، سبحان الله القدوس،

حكم تعليق الصور في المسجد

ربنا القدوس فمن يفعل ذلمك نجا، ومن لم يفعل ذلك هلك) رواه نعيم بن حماد في كتاب الفتن بسند ضعيف فيه محمد بن ثابت البناني قال فيه الحافظ بن حجر ضعيف وفيه ايضاً الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، قال فيه الحافظ ايضاً: كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف. وهذا الحديث ذكره صاحب كنز العمال وأشار إلى أن الحديث رواه نعيم وهذا الحديث على كل حال ضعيف ولا تقوم الحجة به. وقد وردت روايات أخرى ضعيفة كرواية أبي أمامة عن الصيحة التي تكون في النصف من رمضان .. ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال بعد أن ساقها بإسناده " هذا حديث لا يصح .. قال العقيلي وهو متروك الحديث - يعني أحد رواته - وقال ابن حبان كان يسرق الحديث ولايحل الاحتجاج به وقال الدارقطني منكر الحديث .. الخ ". وأما رواية الحاكم التي أشرت إليها فقد قال الذهبي عنها (ذا موضوع - أي مكذوب- ومسلمة ساقط متروك) وذكره ابن الجوزي في الموضوعات أيضاً. وبهذا يظهر لنا أن الأحاديث لا تثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الناس أن يحذروا من نشر الأحاديث الساقطة وإنما عليهم الرجرع إلى ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم. حكم تعليق الصور في المسجد يقول السائل: هل يجوز تعليق الصور في المساجد خاصة أنه يكثر في أيامنا هذه تعليق صور الشهداء في المساجد؟ الجواب: إن مكان الصلاة سواء كان البيت أو المسجد يجب أن يكون خالياً من كل ما يشغل المصلي عن صلاته ويشوش عليه ويخل

بخشوعه في صلاته سواء كان ذلك صوراً أو زخرفة أو غير ذلك. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي) رواه أبو داود بسند صحيح كما قال الشيخ الألباني. وورد في الحديث عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة (نوع من الثياب) لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم ... فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي) رواه البخاري ومسلم. وفي روايةٍ أخرى قال عليه الصلاة والسلام: (كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني) رواه البخاري. وعن أنس قال كان قرام (ستر رقيق من صوف ذو ألوان) لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أميطي عني قرامك فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي) رواه البخاري. وبناءً على ذلك فإني أرى أنه لا يجوز تعليق الصور مهما كانت في قبلة المسجد وكذلك تعليق اللوحات سواء كانت لوحات قرآنية أو مجلات حائط أو نحوها في قبلة المسجد وأمام المصلين لأنها بالتأكيد تشغلهم عن صلاتهم وينبغي بشكل عام تنزيه المسجد عن مثل هذه الأمور فالمساجد ليست معارض ولا متاحف لتعليق الصور أو اللوحات الفنية أو الزخرفات المختلفة. وقد قام بعض الناس بكتابة آيات القرآن الكريم على شكل انسان وهو ساجد وهذا من التلاعب بكتاب الله الكريم فالقرآن لم ينزل لهذا. وكذلك يجب تنزيه المساجد عن كل ما يشوش على المصلين والذاكرين مثل إقامة الاحتفالات التي تكون مصحوبة بفرق الإنشاد مع ضرب الدفوف أو فرق الكشافة المصحوبة بالطبول والأجراس لأن هذا يشكل إساءة بالغة ومخالفة واضحة لمنهج الإسلام.

التوبة من السرقة

التوبة من السرقة يقول السائل: سرقت مالاً من شخص آخر ثم تبت ورجعت إلى الله، وأريد أن أعيد المال المسروق إلى صاحبه ولكني أخشى الخزي ولعار، فهل يجوز أن أتصدق بذلك المال وتكون تلك الصدقة عن صاحب المال؟ الجواب: إن التوبة الصادقة لا بد لها من شروط أربعة وهي: 1. الإقلاع عن المعصية. 2. الندم على ما فات. 3. العزم على عدم العود إلى المعصية. 4. إعادة الحقوق لأصحابها إذا كانت المعصية تتعلق بحق آدمي كما في السؤال فيجب عليك أن تعيد الأموال المسروقة إلى أصحابها إن كنت تعرفهم ولا تبرأ ذمتك بغير ذلك ولا يجوز لك أن تتصدق بذك المال لأنك لا تملكه ولأنك لم توكل بالتصدق عنهم حيث أخذته بغير حق والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (لا يحل مال امرئٍ مسلم إلا عن طيب نفسٍ) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وهو حديثٌ صحيح. وأما إذا كان عن أصحاب المال غير معروفين لك فإن تصدقت بذلك المال عنهم فأرجو أن تبرأ ذمتك منه إن شاء الله. حديث (صنفان من أمتي إذا صلحا) يقول السائل: يدور على ألسنة كثيرٍ من الخطباء والوعاظ الحديث (صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس، الأمراء والعلماء) فهل هذا الحديث ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: قال الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى عن هذا الحديث: [إنه موضوع، أي مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال

حديث (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم)

أخرجه تمام في الفوائد (238/ 1) وأبو نعيم في الحلية (4/ 96) وابن عبد البر في (جامع بيان العلم) 1/ 184. من طريق محمد بن زياد اليشكري عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعاً وهذا سند موضوع محمد بن زياد هذا قال أحمد: (كذاب أعور يضع الحديث) وقال ابن معين والدارقطني (كذاب) وكذبه أبو زرعه وغيره. الحديث مما أورده السيوطي في الجامع خلافاً لشرطه: وأورده الغزالي في الأحياء (1/ 6) جازماً بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم وقال مخرجه الحافظ العراقي بعد أن عزاه لابن عبد البر وأبي نعيم (سنده ضعيف) ولا منافاة بين قول الحافظ هذا وبين حكمنا عليه بالوضع إذ أن الموضوع من أنواع الحديث الضعيف كما هو مقرر في علم الأصول]. حديث (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم) يقول السائل: ما مدى صحة الحديث (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم)؟ الجواب: إن هذا الحديث ضعيف عند أهل الحديث، قل البزار: لا أصل له وكذلك قال عبد الحق الإشبيلي، وممن ضعفه الحافظ ابن حجر وابن الجوزي والمنذري والهيثمي وغيرهم. وظن عامة الناس أن هذا الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلهم يطردون الأطفال من المساجد وينكرون على من يحضرهم إلى المساجد وهذا موقف غير صحيح. والحق أن الإسلام اعتنى بالأطفال، وأمر الآباء والأولياء بأن يأمروا أبنائهم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين. وإن المكان الصحيح لتعليمهم الصلاة وغيرها من أحكام الشرع هو المسجد. ولقد كان الأطفال يحضرون إلى المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان عليه الصلاة والسلام يخفف الصلاة ويقصرها عندما يسمع بكاء طفل في المسجد بل إنه عليه الصلاة والسلام قطع خطبته وحمل الحسن والحسين، لما دخلا المسجد فرآهما يعثران في ملابسهما فحملهما. فعلينا أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نعود أطفالنا على ارتياد المساجد

المزروعات المروية بماء نجس

بدلاً من بقائهم في الأزقة والحارات عرضة لفساد الأخلاق وسوء الرفاق. المزروعات المروية بماء نجس يقول السائل: ما حكم الزروع والثمار التي تسقى بماء نجس أو التي تنبت في مكان نجس؟ الجواب: إن هذه الزروع والثمار ليست نجسة العين ولكن إذا أصابتها النجاسة فهي نجسة ويجب تطهيرها قبل استعمالها فإذا غسلت فقد طهرت. وأما إذا لم تصبها النجاسة مباشرة فهي طاهر قطعاًُ ولا حاجة لغسلها وإن نبتت في مكان نجس أو سقيت بماء نجس. وإن المسلمين قد توارثوا استخدام الزبل الطبيعي في تسميد مزروعاتهم وهو نجس عند كثير من الفقهاء ولكنهم لم يقولوا بنجاسة الثمار والمزروعات التي تنبت عليه. قال الإمام النووي رحمه الله: [الزرع النابت على السرجين (الزبل الطبيعي) قال الأصحاب ليس هو نجس العين لكن ينجس بملاقات النجاسة نجاسة مجاورة وإذا غسل طهر. وإذا سنبل فحباته طاهرة قطعاً ولا حاجة لغسلها وهكذا القثاء والخيار وشبههما يكون طاهراً ولا حاجة لغسله .. وكذا الشجرة إذا سقيت ماء نجساً فأغصانها وأوراقها وثمارها طاهرة] المجموع 2/ 573. الوقف في قراءة القرآن يقول السائل: سمعت قارئاً من قراء القرآن الكريم يتلو قوله تعالى: (طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى) وقف على قوله تعالى (عَلَيْكَ) أي أنه قرأ الآية هكذا (طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ) وقرأ الآية الأخرى من نفس السورة هكذا (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) فوقف على لفظ الجلالة ومد بها صوته فما حكم قراءته وهل يجوز ذلك؟

الجواب: إن قراءة القرآن الكريم لها أصولها المعروفة عند العلماء ولها آداب خاصة قررها أهل العلم وما فعله القارئ المذكور من وقوف على لفظ (عَلَيْكَ) في الآية الأولى إن لم يكن وقفه ضرورياً فهو تلاعب في كتاب الله وسوء أدب مع كلام الله سبحانه وتعالى، لأن وقوفه على لفظ عليك وقف قبيح يخل بالمعنى فإنه ينفي أن الله سبحانه وتعالى أنزل على عبده شيئاً وهذا كذب صراح. وأما ما فعله في الآية الأخرى فهو وقف قبيح ايضاً لأنه يغير المعنى، ونحن نعلم أن كثيراً من القراء يقصدون الوقوف على لفظ الجلالة أينما ورد ويمدون به أصواتهم ليستثيروا مشاعر السامعين فتسمع جمهور الحاضرين يرددون وراء القارئ لفظ الجلالة (الله - الله - الله) أو يطلقون عبارات المدح والثناء على القارئ كقولهم (الله يفتح عليك) ونحو ذلك ولا يلقون بالاً للتفكر بالآيات القرآنية ولا يتدبرون معانيها. ومن العجب أن يقرأ القارئ آيات تصف تعذيب الكافرين في جهنم والمستمعون يرددون (الله - الله - الله) عوضاً عن اتعاظهم واستعاذتهم بالله العظيم من نار جهنم. وينبغي أن يعلم أن لقراءة القرآن الكريم آداباً كثيرة لا يلتزم بها أكثر القراء وسأشير إلى بعضها باختصار: أولاً: القراءة مع التدبر وتفهم المعاني يقول الله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ) ويقول جل جلاله: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا). ثانياً: اجتناب الكلام واللغط والضحك خلال القراءة إلا كلاماً يضطر إليه، يقول سبحانه وتعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان إذا قرئ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ منه). ومن الأمور المنكرة التي يفعلها بعض القراء أنهم أثناء قرائتهم لآية والانتهاء منها يتحدثون مع من حولهم ثم يتلون الآية التي بعدها وهكذا شأنهم.

ثالثاً: قال الإمام النووي: (وينبغي أن يرتل قراءته وقد اتفق العماء رضي الله عنهم على استحباب الترتيل. قال تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا). وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها: (نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفاً حرفاً) رواه ابو داود والنسائي والترمذي وقال الترمذي حديث صحيح، التبيان في آداب حملة القرآن ص 46 - 47. فقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترتيلاً يقف على رؤوس الآيات لا كما يفعله كثير من القراء الذين يقرأون الآيات الكثيرة بنفس واحد حتى يمدحوا ويسمعوا عبارات الثناء والتعظيم. رابعاً: وهذا من الأمور التي يجب أن تكون معلومة، إن على القارئ الالتزام بأحكام التلاوة والتجويد وهو علم قائم بذاته ولكن لا بد من الإشارة إلى مسألة مهمة منه لارتباطها الوثيق بالسؤال ألا وهي مسألة الوقف والابتداء. لا بد للقارئ أن يكون على علم بهذه المسألة لأهميتها، قال بعض علماء التلاوة والتجويد: (تعلم الوقف ومواضعه شطر علم التجويد) وقال الهذلي: [الوقف حلية التلاوة وزينة لاقارئ وبلاغ التالي وفهم المستمع ... ]. فعلى القارئ أن يتدبر معاني القرآن الكريم حتى يعرف الأماكن التي يجوز فيها الوقف وينبغي أن يعلم أن المعنى والتدبر هو الأصل واللفظ تابع له. فالوقف إذا كان على ما يؤدي معنى صحيحاً فهو وقف تام وحسن وإذا وقف على ما لا يؤدي معنى صحيحاً فهو وقف قبيح كما في المثالين المذكورين في السؤال. ومثله الوقف على لفظ بينهما، قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) ومثله الوقف على لفظ يستحيي، في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) ومثله

الانحناء عند المصافحة

الوقف على لفظ (فَأَكَلَهُ) في قوله تعالى: (وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) ومثله الوقف على لفظ (أَرْسَلْنَاكَ) في قوله تعالى: (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) فهذه الوقوف وأمثالها واضحة الفساد وتؤدي إلى اختلال المعنى فكل من تعمد الوقوف على هذه المواضع وأمثالها مع علمه بالمنع فقد أثم واعتدى وجهل وافترى وإذا كان معانداً فقد يكفر والعياذ بالله. الانحناء عند المصافحة يقول السائل: نلاحظ أن بعض الناس عندما يصافحون غيرهم يحنون رؤوسهم فما حكم ذلك؟ الجواب: إن حني الظهر أو الرأس من مظاهر الإذلال والخنوع، والإسلام يرفض ذلك. وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما ورد في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله: الرجل منا يلقى أخاه او صديقه أينحني له؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا) رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي حديث حسن. وهذا الحديث واضح الدلالة على عدم جواز حني الظهر، ومنهج الإسلام في هذا الموضع هو طرح السلام والمصافحة دون حني الظهر أو الرأس مهما كانت منزلة الشخص المقابل. الاحتفال بأعياد الميلاد حرام شرعاً يقول السائل: ما ملخصه، ما قولكم في الظاهرة المنتشرة في مجتمعنا وهي احتفال كثير من الناس بأعياد ميلادهم أو أعياد ميلاد أولادهم؟

حكم الوقوف تحية للشهداء

الجواب: إن الأمة الإسلامية لها شخصيتها المتميزة ولها أفكارها ومبادؤها المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن للأسف فإن الأمة الإسلامية تخلت عن شخصيتها وأفكارها ومبادئها واستعارت أموراً كثيرة من غيرها من الأمم غير المسلمة وأولع كثير من المسلمين بتقليد غيرهم فوفدت على ديارنا كثير من العادات والتقاليد من غير المسلمين والتي لا تتفق مع الإسلام ومن ضمن هذه الأمور الوافدة الاحتفال بأعياد الميلاد على مختلف المستويات فهذا الأمر تقليد لغير المسلمين فإن الإسلام في أيامه الناصعة المضيئة ما عرف مثل هذه البدع المستوردة. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا وأسوتنا ما نقل عنه انه احتفل بعيد ميلاده وها هم الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم ما عرف عنهم ذلك وهؤلاء هم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم الخ) حديث صحيح. وعلى هذا فإن الاحتفال بعيد الميلاد بدعة ولا يجوز القيام به لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). والاحتفال بأعياد الميلاد تشبه بغير المسلمين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود وهو حديث صحيح. حكم الوقوف تحية للشهداء يقول السائل: ما هو الحكم الشرعي في الوقوف دقيقة أو دقائق مع الصمت التام تحية للشهداء؟ الجواب: إن الأمة الإسلامية أمة متميزة عن غيرها من الأمم بثقافتها ومنهجها في حياتها كلها. فالإسلام له نهجه الخاص في تكريم الشهداء واحترامهم وتقديرهم يقول سبحانه وتعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). وقد حث الإسلام على الدعاء للأموات والتصدق عنهم وذكر محاسنهم

الحلف بالشرف غير جائز

والإمساك عن مساوئهم. ولم يرد في الشرع ما يجيز الوقوف حداداً على أرواحهم بل هذا أمر محدث نقله المقلدون عن غير المسلمين وإن مما يؤسف له أن كثيراً المسلمين في هذه الأزمان المتأخرة أصبحوا مولعين بتقليد غير المسلمين والتشبه بهم واعتبر هذا التقليد من التقدم والحضارة عند هؤلاء الذين خدعهم سراب الحضارة الغربية وأعمى أبصارهم وطمس على بصائرهم واعتقدوا أن التمسك بالآداب الإسلامية تخلف ورجعية وصاروا يجارون غير المسلمين بمثل هذه الأمور وصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم) رواه البخاري ومسلم. فليس من منهج الإسلام الوقوف حداداً لأرواح الشهداء أو لما يعرف بالسلام الوطني فكل ذلك من الأمور المبتدعة التي لا يقبلها الإسلام ولا يقرها وإن اعتادها كثير من الناس. وينبغي أن يعلم أن فعل كثير من الناس لها لا يجعلها جائزة شرعاً لأن المقياس في الشريعة الإسلامية هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما بني عليها. ولله در الفضيل بن عياض وهو من كبار العباد الزهاد عندما قال: [اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطريق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين]. الحلف بالشرف غير جائز يقول السائل: إن كثيراً من الناس اعتادوا الحلف بشرفهم او بحياتهم فهل يجوز ذلك؟ وماذا يترتب عليه؟ الجواب: إن الحلف أو القسم المشروع لا يكون إلا بالله سبحانه وتعالى أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته وما عدا ذلك لا يجوز الحلف به.

مشاهدة الأفلام الإباحية حرام شرعا

وقد علل أهل العلم عدم جواز الحلف إلا بالله لأن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به والعظمة إنما هي لله وحده فلا يحلف إلا بالله وأسمائه وصفاته. فالحلف بغيرالله حرام سوء الحلف بالشرف أو الحياة أو الأب أو الحرم أو حياة الملك أو حياة الرئيس أو الكعبة أو بالصلاة أو الصيام أو المسجد وغيرهما والأدلة على ذلك كثيرة منها: 1. قوله عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) رواه مسلم، فهذا الحديث يدل دلالة صريحة على قصر الحلف بالله فقط. 2. وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر بن الخطاب وهو يحلف بأبيه فقال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم. 3. وعن ابن عمر أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد كفر) وفي روايةٍ أخرى (فقد أشرك) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن، والحاكم وصححه، وأحمد وغيرهم. وبهذا يظهر لنا أن الحلف بغير الله تعالى لا يجوز وقد قال ابن عبد البر رحمه الله: [لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع] فما حلف به هذا الشخص لا يعتبر يميناً ولا يجب عليه الوفاء بما حلف ولا تلزمه كفارة إذا حنث بذلك، وعليه أن يتوب لله تعالى ويستغفره وعليه ألا يعود للحلف بذلك. مشاهدة الأفلام الإباحية حرام شرعاً يقول السائل: ما حكم مشاهدة الأفلام الإباحية

والصور العارية؟ الجواب: إن الإسلام يحارب الفساد والإنحلال بمختلف ألوانه وأشكاله ويقطع كل الطرق التي تؤدي إليه ولا شك أن الأفلام الإباحية والصور العارية مظهر من مظاهر الإنحلال والفساد وأنها من الوسائل المؤدية إليه لذلك لا شك لدي في حرمة مشاهدة الأفلام الإباحية والصور الخليعة لأن للوسائل أحكام المقاصد كما قرر فقهاء الإسلام. قال العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل]. ومن المعروف عند العقلاء أن مشاهدة الأفلام الجنسية والصور الخليعة وسيلة من وسائل انتشار الفساد الخلقي والإنحلال وانتشار الموبقات وقد تؤدي إلى الزنا واللواط واستعمال العادة السرية فما أدى إلى الحرام فهو حرام وقد سمعنا وقرأنا عن حوادث كثيرة كان سببها مشاهدة تلك الأفلام الساقطة والصور الخليعة كالزنا واللواط وغير ذلك من المفاسد الأخلاقية. وانظر يا أخي إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها) رواه البخاري. ومعنى الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى المرأة أن ترى إمرأة أخرى وهي عارية وبعد ذلك تقوم بوصفها لزوجها فتجعله يفتتن بالمرأة الموصوفة. ومن المعلوم أن هذا الوصف يجعل الزوج يتخيل تلك المرأة بصفاتها التي نقلت إليه من زوجته ومع أن الأمر يتعلق بالخيال فقط فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه فما بالك بمشاهدة الأفلام الجنسية حيث الصوت والصورة فهذا يؤدي إلى مفسدة أعظم من مجرد التفكير بامرأة وصفت له. قال الشيخ علي بن الحسن الحموي الشافعي رحمه الله معلقاً على الحديث السابق [ ... فصلى الله وسلم على منقذ العباد من الردى نبي الرحمة والهدى، تالله لقد صدق لأن الرجل الأجنبي إذا سمع وصف امرأة أجنبية تشكلت في قلبه وانطبعت في مرآة نفسه ويوحي الشيطان لعنه الله له عند ذلك كلاماً من غروره وأمانيه ويحول بينه وبين تقوى الله ومراضيه وتخطر له هنالك خواطر قبيحة وهواجس ذميمة فتارة بالزنا والفحشاء ... ] أحكام النظر ص 58 - 59.

استعمال الصحون اللاقطة

وكل هذا يحدث نتيجة التفكير في امرأة وإن ما ينتج عن مشاهدة الأفلام الجنسية لهو أعظم وأخطر بكثير مما وصف الشيخ المذكور رحمه الله. ولا أظن أن مسلماً تقياً يعرف مقاصد الشرع الشريف يقول بجواز ذلك هذا إذا أضفنا إلى ما تقدم أن إعداد الأفلام الجنسية والصور العارية حرام لأن فيها انتهاكاً للمحرمات والنظر إلى ما حرم الله كما أن نشر تلك الأفلام حرام أيضاً وطبع تلك الصور حرام أيضاً وترويج ذلك ونشره حرام أيضاً فالقضية كلها تدور ضمن دائرة التحريم. استعمال الصحون اللاقطة يقول السائل: ما حكم استعمال الصحون التي تلتقط بث برامج التليفزيون عبر الأقمار الصناعية؟ الجواب: إن الصحون المشار إليها في السؤال كغيرها من الأدوات مثل التلفزيون والفيديو والمسجل والراديو، لا حكم لها في ذاتها وإنما الحكم في استعمالها فهي أدوات قد تستعمل في الخير وفي الشر ولكن هذه الأدوات وأمثالها من وسائل الإعلام صار شرها أكثر من خيرها وضررها أكثر من نفعها، ولا يستطيع كثير من الناس ضبط استعمالها في بيوتهم فمثلاً إن ما يعرف بالصحون اللاقطة لبرامج التلفزيون تستعمل استعمالاً سيئاً فأكثر البرامج التي تبث عليها برامج فساد وأفلام جنسية ساقطة وأفلام بوليسية تنشر الفحشاء والمنكر وتشجع الإجرام وصارت من معاول هدم الأخلاق ومحاربة الفضيلة. ولو سألت من عندهم مثل هذه الأجهزة لأخبروك عن البرامج الرهيبة التي تلتقط فبعض تلك المحطات مخصصة لبث الأفلام الجنسية باستمرار وبعضها لأفلام الإجرام والقتل وغير ذلك من المصائب. وهذه وتلك تترك آثاراً سيئة على المشاهدين عامة والشباب خاصةً وقد

الأضحية وشروطها

سمعنا عن بعض المآسي التي تحدث نتيجة لمشاهدة الأفلام الساقطة. وبناء على مفاسد هذه الأجهزة فإن المرء المسلم عليه أن يحتاط لدينه ويحافظ على أهله وأولاده أمام هذه الهجمة الشرسة ويمتنع عن إدخالها إلى بيته لأنه إن فعل ذلك يكون كمن وضع السم في الدسم وعرض نفسه وأهله وأولاده للفساد والإفساد ولا يزعم أحد أنه يستطيع أن يراقب استعمال هذه الصحون في بيته فإن ذلك يكاد يكون مستحيلاً. وعلى الآباء أن يتقوا الله في أولادهم وأسرهم فإن المسؤولية الأولى تقع على عاتقهم، فقد قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). الأضحية وشروطها يقول السائل: ما حكم الأَضحية وماذا يجب أن يتوفر فيها وما وقت ذبحها وكيف توزع؟ الجواب: الأضحية: هي ما يذبح من الأنعام تقرباً إلى الله تعالى يوم النحر وأيام التشريق ... وهي سنة مؤكدة عند جماهير أهل العلم وهي مشروعة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلاً وقولاً فقد ثبت في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم (ضحى بكبشين أقرنين أملحين وكان يسمّي ويكبر) رواه البخاري ومسلم والأملح: هو النقي البياض. وعن عائشة رضي الله عنها: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها يا عائشة هلمي المدية ثم قال: اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد) رواه مسلم.

وعن البراء بن عازب قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم النحر فقال: (لا يضحين أحد حتى يصلي فقال رجل: عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم قال: فضحِ بها ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك) رواه مسلم. والأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى ربه إحياء لذكرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل حيث فداه الله بذبح عظيم كما في أيات سورة الصافات (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ... ) إلى قوله تعالى: (وفديناه بذبح عظيم). وبما أنها قربة إلى الله تعالى فيجب أن تطيب بها نفس المضحي وأن تكون سمينة طيبة خالية من العيوب التي تنقص من قيمتها وقدرها ففي الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكبيرة التي لا تنقي) رواه أصحاب السنن وهو حديثٌ صحيح. ويقاس على هذه العيوب المذكورة في الحديث ما لم يذكر من العيوب الأشد فلا يضحى بالعمياء ولا الكبيرة ولا بالكسيرة ونحو ذلك. ومن الشروط التي يجب توفرها في الأضحية أن تبلغ سناً معينة حددها الشارع الحكيم ففي الإبل إتمام خمس سنوات من عمرها وفي البقر إتمام سنتين من عمرها وفي الغنم إتمام سنة من عمرها. وأجاز بعض أهل العلم في الضأن ما أتم أكثر السنة كثمانية أشهر إذا كان سميناً يخفى بين ما أتم السنة من الضأن. ووقت ذبح الأضحية يبدأ بعد الإنتهاء من صلاة العيد ويستمر حتى مغيب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق على الراجح من أقوال أهل العلم، أي أن مدة الذبح أربعة أيام، يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة. ولا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة العيد فإن ذبح قبل صلاة العيد فلا تعتبر أضحية وإنما شاة لحم، كما جاء في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما نبدأ

حكم العقيقة

به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء) رواه مسلم. وأما توزيع الأضحية فقد استحب بعض أهل العلم أن توزع أثلاثاً ثلث للأكل والإدخار وثلث للتصدق به على الفقراء وثلث هدية للأقارب والأصدقاء ومن المستحب أن يأكل المضحي من أضحيته اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم. ومن الأمور المستحبة أيضاً أن يتولى المضحي ذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح وإلا وكل بذبحها غيره، ويستحب له أن يشهد ذبحها. ويستحب أيضاً فيمن أراد أن يضحي أن لا يأخذ من شعره أو من أظافره شيئاً من بداية شهر ذي الحجة إلى أن يضحي لما ورد في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظافره شيئاً حتى يضحي) رواه مسلم. والحكمة من ذلك أن يكون المضحي في أكمل هيئته فيغفر له غفراناً تاماً. ولا يجوز بيع أي شيء من الأضحية وكذلك لا يجوز إعطاء الجزار شيئاً منها على سبيل الأجرة. ولا بأس بالتضحية عن الميت على الراجح من أقوال العلماء وأن الميت ينتفع بذلك إن شاء الله. حكم العقيقة يقول السائل: ما هي العقيقة؟ وما حكمها؟

الجواب: العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع من ولادته شكراً لله تعالى على نعمة الولد ذكراً كان أو أنثى. وهي سنة مؤكدة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ورد فيها أحاديث كثيرة منها: 1. عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مع الغلام عقيقة فأريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى) رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم. 2. عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حسنٌ صحيح. 3. عن أم كرز الكعبية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) رواه أبو داود وأحمد والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. 4. عن عمرو بن شعيب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) رواه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم وقال الألباني حسنٌ صحيح. 5. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين كبشين كبشين) رواه النسائي وهو صحيح كما قال الألباني. وشرعت العقيقة شكراً لله تعالى على نعمة الولد فإنها من أعظم النعم والأولاد من زينة الحياة الدنيا، قال الله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، وفطر الله جل جلاله الإنسان على السرور والفرح والبهجة عند قدوم المولود فكان حرياً بالإنسان أن يشكر الله الخالق الواهب. وقد ورد في الأثر عن الحسين رضي الله عنه في تهنئته من رزق مولوداً أن يقال له: (بارك الله لك في الموهوب وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره). وكذلك فإن العقيقة فكاك المولود وفديته من تسلط الشيطان عليه.

وفيها أيضاً نوع من التكافل الإجتماعي في الإسلام حيث إن الذي يعق عن ولده فيذبح عنه ويطعم الفقراء والأصدقاء والجيران أو يدعوهم إليها، فيسهم كل ذلك في إشاعة المودة والمحبة بين الناس ويخفف من معناة الفقراء والمحتاجين. والعقيقة تشارك الأضحية في أكثر أحكامها عند جمهور الفقهاء فيشترط فيها أن تكون من الأنعام وهي الضأن والمعز والإبل والبقر ويشترط أن تكون سليمة من العيوب فلا يجزيء فيها العرجاء البين عرجها ولا العوراء البين عورها ولا المريضة البين مرضها ولا العجفاء الهزيلة فينبغي أن تكون سمينة طيبة فإن الله طييبٌ لا يقبل إلا طيباً. كما يشترط فيها توافر الأسنان المطلوبة شرعاً كما هو الحال في الأضحية فينبغي أن تبلغ الشاة السنة من عمرها والبقرة السنتين والناقة الخمس سنين. ويذبح عن الغلام شاتان وعن الأنثى شاة فإن ذبح شاة عن الغلام أجزأ وحصل أصل السنة. ويتصرف في العقيقة كما يتصرف في الأضحية فتوزع أثلاثاً ثلث لأهل البيت وثلث للصدقة وثلث للهدية. واستحب بعض العلماء أن لا يتصدق بلحمها نيئاً بل يطبخ ويتصدق به على الفقراء بإرساله مطبوخاً. وفضل بعض العلماء دعوة الناس إلى العقيقة بعد طبخها، وقد ورد عن الإمام مالك رحمه الله أنه عق عن ولد له فوصف لنا كيف صنع بالعقيقة فقال: [عققت عن ولدي وذبحت ما أريد أن أدعو إليه إخواني وغيرهم وهيأت طعامهم ثم ذبحت شاة العقيقة فأهديت منها للجيران وأكل منها أهل البيت وكسروا ما بقي من عظمها وطبخت فدعونا إليها الجيران فأكلوا وأكلنا ... فمن وجد سعة فأحب له أن يفعل هذا ومن لم يجد فليذبح عقيقة ثم ليأكل وليطعم منها].

النذر المعلق

ويجوز أن يباع جلدها وسواقطها ويتصدق بثمنه على الفقراء والمحتاجين. وأما وقت ذبح العقيقة فقد وردت الأحاديث بتحديده باليوم السابع من ولادته المولود كما في حديث سمرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى) وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها: (عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع) وهذا هو الوقت المستحب للعقيقة ولو أخرها عن ذلك يجوز ويفضل أن تكون في اليوم الرابع عشر من الولادة أو الحادي والعشرين وهكذا في الأسابيع. النذر المعلق تقول السائلة: إنها نذرت أن تذبح شاة لله تعالى إن شفي ولدها من مرض ألمََّ به وكيف تصنع بهذه الذبيحة؟ وهل يجوز لها ولأهل بيتها الأكل من هذه الذبيحة؟ الجواب: إن النذر عند أهل العلم هو أن يلزم المكلف نفسه بقربة لم يلزمه بها الشارع الحكيم، وهذا النذر محل السؤال نذر مكروه وهو ما يعرف عند العلماء بالنذر المعلق حيث إن المكلف علق فعل القربة على حصول غرض معين فلم تكن نيته خالصة لله تعالى وإنما كانت القربة على سبيل المعاوضة وهذا شأن البخيل الذي لا يدفع شيئاً من ماله إلا بمقابل، وقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (نهى عن النذر وقال إنه لا يرد شيئاً وإنما يستخرج به البخيل) رواه البخاري ومسلم وغيرهما. ويجب على هذه المرأة الوفاء بنذرها إن شفي ولدها من المرض فالوفاء بالنذر واجب لقوله تعالى: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) ولقوله عليه الصلاة والسلام: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصه فلا يعصه) رواه البخاري وأصحاب السنن. فعلى هذه المراة أن تذبح شاة كما في نذرها. ولا يجزيء أن تخرج قيمة الشاة وعليها أن توزعها على الفقراء

الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية بدعة

والمحتاجين ولا يجوز لها ولا لأهل بيتها الأكل من الشاة المنذورة بل يجب إخراجها وتوزيعها على الحتاجين. الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية بدعة يقول السائل: اعتاد كثير من الناس على الاحتفال بذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأول من شهر محرم من كل عام ويتخذ هذا اليوم على أنه عيد وعطلة للمسلمين فما مدى صحة ذلك؟ الجواب: من المعلوم لدى أهل الحديث والسيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة في أوئل شهر ربيع الأول من السنة الثالثة عشرة لبعثته صلى الله عليه وسلم حيث وصل إلى قباء إحدى ضواحي المدينة النبوية لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول يوم الاثنين كما قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 3/ 188. ولم تكن هجرته صلى الله عليه وسلم في الأول من محرم كما يظن كثير من الناس. وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتخذ التاريخ واختار الصحابة رضي الله عنهم التأريخ بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال الإمام البخاري في الصحيح [باب التاريخ من أين أرخوا؟ ثم روى بسنده عن سهل بن سعد قال: ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته ما عدوا إلا من مقدمه المدينة]. وقال الحافظ ابن حجر: [وإنما أخروه - التاريخ - من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسب أن يجعل مبتدأ. وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء من محرم ... ] فتح الباري 8/ 270. وبالتالي فإن الأول من محرم هو بداية السنة الهجرية وليس هو موعد

حكم سب الدهر

هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وعلى كلا الحالين لا يجوز اتخاذ الأول من محرم عيداً أو تخصيصه بنوع من العبادة لأن هذا الأمر بدعة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها أحد من خلفائه ولا من صحابته وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقال الترمذي حسن صحيح. حكم سب الدهر يقول السائل: ما المقصود بالحديث (لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر)؟ الجواب: وردت أحاديث صحيحة في النهي عن سب الدهر أذكر بعضها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الأحاديث. وكان سب الدهر من عادات العرب فإذا أصابهم مكروه أو أمر سوء سبوا الدهر وذموه لأن العرب كانوا ينسبون ما كان يصيبهم من المصائب والكوارث إلى الدهر فنهينا عن ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو مصرف الأمور وكما جاء في الحديث (أقلب الليل والنهار) وما الدهر إلا ظرف لوقوع الحوادث فيه. قال الإمام الخطابي في بيان المراد في قوله (أنا الدهر) معناه. أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي تنسبوها إلى الدهر فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها وإنما الدهر

حكم سب الذات الإلهية وسب الدين

زمان جعل ظرفاً لواقع الأمور وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا بؤساً للدهر وتباً للدهر) فتح الباري 10/ 196. وينبغي أن يعلم أن الدهر ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى على الصحيح من أقوال أهل العلم. وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام كما حققه بعض أهل العلم: الأول: أن يقصد مجرد الخبر دون اللوم كأن يقول تعبنا من حر هذا اليوم ونحوه فهذا جائز ولا شيء فيه. الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل لأن الدهر هو المتصرف في الأمور خيرها وشرها فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً حيث نسب الحواديث لغير الله سبحانه وتعالى. الثالث: أن يسب الدهر معتقداً أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى ولكنه يسب الدهر لأنه محل لهذه الأمور المكروهة فهذا حرام. حكم سب الذات الإلهية وسب الدين يقول السائل: ما حكم سب الدين وسب الرب وشتم الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: إن من أسوأ الظواهر المنتشرة في بلادنا ما ذكره السائل من شتم الذات الإلهية وسب الدين وشتم الرسول صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن المسؤولية في انتشار هذه الظاهرة المنكرة تقع على عاتق الآباء والأمهات والمربين والمربيات وغيرهم الذين يجب عليهم أن يبينوا للناس مغبة هذا الأمر المنكر وعواقبه الوخيمة ولا شك أن سب الدين وسب الذات الإلهية وكذلك شتم الرسول صلى الله عليه وسلم كفر صريح وخروج عن ملة الإسلام حتى لو كان الإنسان مازحاً لقوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). وعلى من حصل منه ذلك أن يبادر إلى التوبة الصادقة والرجوع إلى

حكم الاستهزاء بحكم شرعي

جادة الحق والصواب وعلى من سمع هذا المنكر أن يبادر إلى إنكاره وأن ينصح من صدر منه ذلك لعله يتوب ويرجع عن ذلك. حكم الاستهزاء بحكم شرعي يقول السائل: ما حكم الاستهزاء بحكم من أحكام الإسلام كالاستهزاء باللحية وهل هناك فرق بين ان يكون المستهزيء جاداً أو مازحاً؟ الجواب: إن الاستهزاء بما ثبت في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر كفراً والعياذ بالله لقوله سبحانه وتعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). فهذه الآية نزلت في بعض المنافقين كما قال ابن كثير رحمه الله: قال أبو معشر المديني عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب فقال: (أبالله وآياته كنتم تستهزؤون؟ إلى قوله - كانوا مجرمين .. الخ). وذكر ابن كثير رحمه الله بعض الروايات الأخرى في سبب نزول الآيات: منها أن جماعة من المنافقين كانوا يسيرون مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى غزوة تبوك فقال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بني الأصفر- قتال الروم - كقتال العرب بعضهم بعضاً والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال إرجافاً وترهيباً للمؤمنين .. الخ. تفسير ابن كثير 2/ 367. لذلك فإن الاستهزاء بدين الله والاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بسنته عليه الصلاة والسلام يعد كفراً مخرجاً عن دين الاسلام. وإن الاستهزاء بمن يلتزم بأحكام الشرع، هو استهزاء بالشرع ذاته، فمن

علاج عدم الإنجاب

يسخر ويستهزئ بمن يطلق لحيته اتباعاً لأحكام الشرع يكون مستهزئاً بالشرع. وهذا كفر والعياذ بالله. ولا فرق بين أن يكون المستهزء جاداً أو مازحاً هزلاً. إن أحكام الشرع محترمة لا يجوز اللعب بها لا في حال الجد ولا في حال المزاح والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) وهؤلاء الذين نزلت فيهم الآية قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام إنهم كانوا يمزحون ويتكلمون كلاماً لا يقصدونه وإنما يتحدثون ليصرفرا عنهم عناء الطريق فلذلك هذه الأمور لا يدخلها المزاح ولا الهزل بحال من الأحوال. علاج عدم الإنجاب يقول السائل: إنه أحد أربعة أخوة ولهم اخت والجميع متزوج منذ فترة غير قصيرة ولم ينجب أي واحد منهم وأنهم عرضوا أنفسهم على الأطباء المختصين فأكدوا لهم عدم وجود أي مانع صحي من الإنجاب كذلك عدم وجود أي عامل وراثي يمنع منه وأن بعض الناس أخبرهم أن عدم الإنجاب مرده السحر أو أن ذلك يرجع إلى دعوة مظلوم حيث إن والدهم كان له مشكلة مع إحدى النساء وانها كانت مظلومة وهم يبحثون عن حل لمشكلتهم؟ الجواب: إن على السائل أن يراجع الأطباء أصحاب الاختصاص في هذه المشكلة لاحتمال أن يكون سبب عدم الإنجاب هو أمر طبي والأطباء هم الذين يقررون ذلك. وأما إذا ثبت أنه لا يوجد عائق من الناحية الصحية أو الوراثية يمنع الأنجاب فيكون احتمال أن ذلك ناتج عن السحر أمراً وارداً وفي هذه الحالة فعليه أن يسعى لفك السحر ويكون ذلك بقراءة القرآن الكريم والأدعية الشرعية على أيدي أناس مشود لهم بالورع والتقوى. ولا يجوز اللجوء إلى السحرة لفك السحر فقد جاء في حديث جابر

علاج عرق النسا بالشعوذة

أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن النشرة - وهي فك السحر - فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أحمد وأبو داود وإسناده حسن .. وعلى السائل وإخوته أن ينيبوا لله سبحانه وتعالى وأن يكثروا من قراءة القرآن الكريم وأن يحافظوا على الأذكار وكذلك الأدعية المأثورة وأن يديموا اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى طالبين إزالة ما بهم من ضر. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). ويقول الله سبحانه وتعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ). وكذلك ينبغي لهؤلاء الأخوة الأربعة أن يزيلوا أي مظلمة ظلمها أبوهم بحق جارتهم وأن يعيدوا لها حقوقها المسلوبة منها وأن يكثروا من الصدقة لعل الله يفرج كربهم ويزيل همهم وغمهم. وأذكر السائل بتلاوة بعض آيات من القرآن الكريم التي تنفع بإذن الله في علاج السحر وإعادتها دائماً وهذه الآيات هي آية الكرسي و (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ). والآيات التي في سورة يونس وهي قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ... ) سورة يونس 79 - 82 والآيات من سورة طه: (قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ... ) طه 65 - 69. علاج عرق النسا بالشعوذة يقول السائل: هناك طريقة شعبية لعلاج مرض يسمى (عرق النسا) حيث يقوم شخص اسمه محمد أو محمود ويقطع جذر نبتة تعرف بنفس الإسم ولا يتكلم مع أحد عند ذهابه أو إيابه ويقطعها عند سماع الأذان ويتلو بعض آيات القرآن الكريم ويسمي المريض بنسبته إلى أمه ويسأل هل تتعارض هذه الطريقة مع الإسلام وهل يجوز أخذ الأجرة على ذلك؟

نشرة كاذبة

الجواب: إذا مرض إنسان فعليه أن يذهب إلى الأطباء للمعالجة وهذا من باب الأخذ بالأسباب ولا ينافي التوكل على الله ولا يجوز اللجوء إلى المشعوذين أو الدجالين ونحوهم للمعالجة وإن تحقق على أيديهم شفاء بعض الحالات المرضية فلا يجوز أن ينخدع بصدقهم فإنهم دجالون كذبة. والقضية المطروحة في السؤال نوع من ذلك ولا علاقة لمثل هذه الأمور بالعلاج والشفاء من الأمراض بل هذه الطريقة غير مشروعة لمعالجة الأمراض. والصحيح هو الذهاب إلى أهل الاختصاص من الأطباء وهنالك بعض الأمراض التي تعالج بقراءة القرآن الكريم وبعض الأدعية المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويتم ذلك على أيدي الصادقين من الصالحين وليس على أيدي المشعوذين والدجالين. ولا يجوز أخذ الأجر على ما هو مذكور في الؤال والله أعلم. وأحيل السائل إلى كتاب الطب النبوي لابن القيم فقد ورد فيه وصفة طبية لعلاج (عرق النسا) ص 189. نشرة كاذبة يقول السائل: ما قولكم في هذه النشرة التي توزع بين الناس ويعتقد بها بعضهم، وهذا نصها: أحبائي إخواني، المؤمنين والمؤمنات / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد أنا فتاة في الثالثة عشرة من عمري، عجز الأطباء عن علاجي عند ذلك زرت مقام السيدة زينب رضي الله عنها أخت الإمام الحسين رضي الله عنه حامل راية كربلاء لما طلبت من الله شفائي وبقيت حتى غالبني النوم في مقام السيدة زينب رضي الله عنها وفي منامي فسكبت الماء في

حلقي وقالت لي قومي قد شفيت بإذن الله وأوصتني كتابة الواقعة (12) مرة وتوزيعها على الناس ووضعت الورقة في يد رجل فقير فقام بتوزيعها على الناس وبعد (12) يوماً أصبح غنياً، ووضعت الورقة في يد رجل موظف فلم يهتم بها وبعد (12) يوم فقد وظيفته. ووضعت الورقة في يد رجل عجوز فلم يهتم بها وبعد (12) يوم وضع في السجن ووضعت الورقة في يد رجل غني فلم يهتم بها وبعد (12) يوم فقد ثروته فعلى كل رجل وامرأة أن يصور الورقة (12) مرة يحصل بإذن الله وبركات السيدة زينب رضي الله عنها ما يتمناه بعد (12) يوم فإن لم يفعل فسوف تصيبه مصيبة بعد 12 يوما. الجواب: إن هذه النشرة وأمثالها من عمل الدجالين والخرافيين والمجترئين على الله سبحانه وتعالى وما جاء فيها كذب ودجل وتقول على الله سبحانه وتعالى ورجم بالغيب. ودين الإسلام لا يقر بهذه الخزعبلات والخرافات البالية والإسلام قد شرع الأخذ بالأسباب لعلاج الأمراض ولم يشرع الذهاب إلى أصحاب القبور الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً. وما جاء في هذه النشرة أن من وزعها يصير غنياً بعد اثني عشر يوماً لهو من الكذب الصراح والواقع يكذبه. وكذلك ما جاء بتهديد من لم يكتبها بأن مصيبة تلحق به بعد اثني عشر يوماً فهذا تقول على الله سبحانه وتعالى فما يصيب الإنسان في غده لا يعلمه إلا الله وهو مما استأثر الله بعلمه، فقد قال سبحانه وتعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا). فهذه أمور غيبية لا يعلمها إلا الله جل جلاله. يقول الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا). ويقول أيضاً: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

الذهاب إلى السحرة حرام

وعلى الناس أن يحذروا من هذه الخرافات وأمثالها ولا يجوز لهم نشرها وتوزيعها. الذهاب إلى السحرة حرام تقول السائلة: إنها ذهبت مع ابنتها إلى امرأة ساحرة تحل السحر والحجاب فما حكم ذلك؟ الجواب: يحرم شرعاً الذهاب إلى السحرة من أجل فك السحر لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له) رواه الطبراني وإسناده جيد. وقال عليه الصلاة والسلام لما سئل عن النشرة: (هي عمل الشيطان) رواه أبو داود وأحمد وإسناده جيد. والنشرة هي حل السحر عن المسحور بالسحر. ويجوز أن يحل السحر بالرقية بقراءة القرآن الكريم والأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك بالدعاء وطلب الشفاء من الله سبحانه وتعالى. وإليك أيها القاريء بعض الآيات والأذكار التي تفيد وتنفع بإذن الله سبحانه وتعالى في إتقاء السحر قبل وقوعه ودفع ضرره بعد وقوعه وهي: قراءة آية الكرسي وهي أعظم آية في القرآن الكريم: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ... ) سورة البقرة 255. وقراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثلاثاً بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب. قراءة آخر أيتين من سورة البقرة بعد صلاة المغرب وهي قوله تعالى: (ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ... ) فقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ

آية الكرسي ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ الآيتيتن من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه). ومن الأذكار النافعة بإذن الله الإكثار من التعوذ (بكلمات الله التامات من شر ما خلق) في الليل والنهار وعند النزول في مكان ونحو ذلك. ومنها أيضاً (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في السموات ولا في الأرض وهو السميع العليم) ثلاث مرات في أول الليل والنهار. ومنه (اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً) ومن ذلك رقية جبريل عليه السلام التي رقى بها النبي صلى الله عليه وسلم (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك) وغير ذلك من الأذكار. والله الهادي إلى سواء السبيل

الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) وبعد. هذا هو الجزء الثاني من كتاب " يسألونك " والذي يضم الأسئلة والأجوبة التي تنشر في جريدة القدس المقدسية تحت زاوية يسألونك في عدد كل يوم جمعة بعد أن كان قد صدر الجزء الأول منه قبل عام تقريباً والذي لقي استحساناً من كثير من الناس ونفذت نسخه بسرعة فجزى الله كل من أسهم في طباعته ونشره خير الجزاء. وقد وجدت أن، الناس بحاجة لمن يبين لهم شؤون دينهم من أهل العلم والاختصاص وأن الناس في بلادنا لهم رغبة أكيدة في معرفة الحكم الشرعي والالتزام به، وإن واجب أهل العلم أن يرشدوا الناس ويبينوا لهم الأحكام الشرعية المبنية على الأدلة الشرعية الصحيحة وأن يعلموا خطورة هذا الباب الذي يلجونه فإنه تبليغ عن رب العالمين وقيام مقام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في بيان أحكام الدين. وينبغي أن يعلم أنه قد تزاحم على الولوج في هذا الباب كل من هب ودب ممن زعم أنه من فرسان هذا الميدان من مبتدئة طلبة العلم الذين تجرؤوا على الإفتاء في

دين الله وتكلموا في مسائل عويصة لو عُرضت على الأئمة الأربعة لتوقفوا فيها وهؤلاء لا يتوقفون ولا يتورعون عن الخوض فيها، وليعلم هؤلاء أنهم على خطر عظيم. وينبغي أن يعلم أنني قبل أن أجيب على أي سؤال مهما كان جوابه واضحاً أنني أرجع إلى كثير من كتب العلماء المحققين وأنظر في أقوالهم وأدلتهم وأقتبس من بساتينهم وأقطف من أزهارها وأنسقها حتى تكون باقة ورد زاهية يانعة. ومن هؤلاء العلماء المتقدمين الذين أستفيد من علمهم الإمام النووي الذي له في نفسي مكانة خاصة جعلتني أطمئن إلى علمه وفقهه ومنهجه. والشيخ ابن قدامة صاحب المغني والحافظ ابن حجر العسقلاني وشيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم يرحمهم الله. ومن العلماء المعاصرين الذين أستفيد منهم الأستاذ العلامة د. يوسف القرضاوي صاحب المؤلفات الرائعة والتحقيقات المتينة والشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ عبد العزيز بن باز وغيرهم حفظهم الله أجمعين. ولا يفوتني أن أذكر أنني أعتمد في تخريج الأحاديث التي ترد في هذا الكتاب غالباً على كلام الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني محدث الديار الشامية في القرن الرابع عشر الهجري أمد الله في عمره. وقد حاولت أن تكون الإجابات واضحة وسهلة وبلغة مفهومة لدى عامة الناس وفيها شيء من الاختصار وعدم التطويل لأن نفس الناس في القراءة قصير وصبرهم عليها قليل. ولا بد أن أشير إلى أنه قد طرحت عليَّ أسئلة وقفت أمامها عاجزاً لا أدري ما وجه الصواب فيها وأن هذه الأسئلة تحتاج إلى هيئة علمية متخصصة تنظر فيها وتحتاج إلى علماء راسخين ليجدوا لها الجواب الصحيح وهذا ما تفتقده بلادنا للأسف الشديد. وأخيراً أقول إن هذا جهد المقل فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان وإني لرجّاع عن الخطأ وأشكر سلفاً من بيَّن لي خطأي. والله أسأل أن يتقبل هذا العمل المتواضع وأن يجعله خالصاً لوجه الكريم وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة وأن ينفع به المسلمين اللهم آمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه د. حسام الدين موسى عفانه أبوديس - بيت المقدس صباح يوم الخميس الحادي والعشرين من جمادى الأولى 1417 وفق الثالث من تشرين أول 1996م

الطهارة والصلاة

الطهارة والصلاة

صلاة فاقد الطهورين

صلاة فاقد الطهورين يقول السائل: ماذا يفعل الشخص الذي لا يجد ماء للوضوء أو الغسل ولا يستطيع أن يتيمم كالمسجون المقيد ونحوه بالنسبة للصلاة وهل يصلي أم لا؟ نرجو التوضيح والبيان؟ الجواب: لا تخفى أهمية الصلاة ومكانتها في شريعتنا الإسلامية ولا تسقط الصلاة عن أحد إلا إذا خرج عن دائرة التكليف وهذا الشخص المسجون المقيد يصلي على حاله بقدر الاستطاعة وإن لم يستطع الوضوء والتيمم حتى لو كان عليه نجاسة لا يستطيع إزالتها لأن تأخير الصلاة حرام لا يجوز فإذا دخل الوقت يصلي هذا الشخص وأمثاله الصلاة المفروضة فقط كما هو مذهب طائفة من أهل العلم قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب إذا لم يجد ماءً ولا تراباً] ثم روى بسنده عن عائشة رضي الله عنها: (أنها استعارت من أسماء رضي الله عنها قلادة فهلكت - أي ضاعت - فبعث رسول الله صلى الله عليه رجالاً فوجدوها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا وشكوا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم) ورواه مسلم وغيره. قال الحافظ ابن حجر: [فيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين ووجهه أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم] فتح الباري 1/ 456.

طهارة المريض العاجز

فهؤلاء الصحابة صلّوا بدون وضوء وبدون تيمم فأقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك فهذا يدل على أن الصلاة لا تسقط عن فاقد الطهورين - الماء والتراب - ويدل على ذلك أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم. ويصلي هذا المسجون المربوط بالكيفية التي يستطيعها فإذا استطاع القيام والركوع والسجود فعل، وإلا فإنه يصلي على حسب حاله ويجوز له أن يصلي إيماء ويكون إيماؤه بالسجود أخفض من الركوع. وهذا الشخص وأمثاله لا إعاده عليهم حسب ظاهر حديث عائشة فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبروه أنهم صلوا بدون طهارة لم يأمرهم بالإعادة، ولأن في الإعادة نوع من الحرج والمشقة. طهارة المريض العاجز يقول السائل: كيف يتطهر الإنسان المريض العاجز؟ الجواب: إن دين الإسلام قائم على اليسر والسهولة ورفع الحرج، قال تعالى: (جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وبناء على ذلك فإن المريض يتطهر بقدر الإمكان فإذا أمكنه أن يتطهر الطهور الكامل فبها ونعمت وإلا فبقدر الاستطاعة. فإذا لم يستطع أن يتوضأ بنفسه فيوضئه غيره. وعليه أن يطهر بدنه من النجاسة وأن يصلي بثياب طاهرة فإن كان لا يستطيع صلّى على حاله وصلاته صحيحة وكذلك الحال بالنسبة للمكان إن أمكن تطهيره فإنه يطهر وإلا صلى فيه. ولا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطهارة بل يتطهر بقدر ما يمكنه ثم يصلي الصلاة في وقتها ولو كان على بدنه أو ثوبه أو مكانه نجاسة يعجز عن إزالتها.

لمس عورة الطفل لا ينقض الوضوء

لمس عورة الطفل لا ينقض الوضوء تقول السائلة: إنها غسلت ابنها الصغير وهي متوضأة فهل ينتقض وضوؤها إذا لمست عورة صغيرها؟ الجواب: إذا غسلت المرأة ابنها الصغير أو ابنتها وكانت على وضوء ولمست عورة ابنها أو ابنتها فلا ينتقض وضوؤها وعليها غسل يديها فقط. قال الإمام الأوزاعي: [لا وضوء من مس ذكر الصغير لأنه يجوز مسه والنظر إليه]. كما وأن المرأة عندما تغسل طفلها الصغير أو طفلتها تكون أبعد ما تكون عن مس عورتهما بشهوة فلا شيء عليها ووضؤوها على حاله لا ينتقض بذلك. المسح على الخفين والأحذية وردتني عدة تساؤلات تتعلق بالمسح على الخفين والجوربين أذكرها وأجيب عنها: أولاً: ما حكم المسح على الأحذية " الكنادر "؟ الجواب: يجوز المسح على الأحذية " الكنادر " إذا كانت تغطي الجزء المفروض غسله من الرجلين وهو ما دون الكعبين - والكعب هو العظم الناتئ في أسفل الساق - ويجوز المسح على ما يسمى باللغة الدارجة " البوط " وما يشبهه من الأحذية التي تغطي الكعبين لأن المقصود بالمسح على الخفين الوارد في النصوص هو التخفيف عن الناس ورفع الحرج والمشقة فالصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم جواز المسح على كل ما يلبس على الرجلين بل إن بعض العلماء لا يشترط الشرط الذي

ذكرته وهو أن يكون ساتراً لمحل الفرض في غسل الرجلين ورأيه وجيه. ثانياً: ما صفة الجوارب التي يمسح عليها وهل يجب أن تكون سميكة كالجوارب الصوفية أم يجوز المسح على الجوارب الرقيقة؟ الجواب: إن المسح على الجوربين كما هو معلوم ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنقول عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ولم يرد عنهم فيما أعلم صفة الجورب الذي يجوز المسح عليه من حيث كونه ثخيناً أو رقيقاً والأصل أن ما جاء عن الشارع بدون تقييد أن يبقى على إطلاقه ويترتب على ذلك جواز المسح على مطلق جورب ويؤيد ذلك أنه نقل عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب الرقيق. ذكره الإمام النووي في المجموع 1/ 500. ثم إن القول بجواز المسح على كل جورب يحقق معنى الرخصة المقصودة من ذلك وهو التخفيف والتيسير على الناس. ثالثاً: ما الحكم إذا لبس جورباً فوق الجورب الذي مسح عليه، هل يجوز المسح على الجورب الثاني؟ الجواب: إذا لبس الجورب الثاني قبل أن يحدث فله أن يمسح على الجورب الثاني وتعتبر مدة المسح حسب الجورب الأول. رابعاً: ما الحكم إذا نزع الجورب بعد أن مسح عليه وهو على ضوء فهل ينتقض وضوءه أم لا؟ الجواب: إن الوضوء لا ينتقض بمجرد نزع الخف على الراجح من أقوال أهل العلم ما لم يطرأ ناقض من نواقض الوضوء، قال الإمام النووي بعد أن ذكر ثلاثة أقوال في المسألة: [الرابع لا شيء عليه لا غسل القدمين ولا غيره بل طهارته صحيحة يصلي بها ما لم يحدث كما لو لم يخلع وهذا المذهب حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب واختاره ابن المنذر وهو المختار الأقوى. واحتج له بأن طهارته صحيحة فلا يبطل بلا حدث كالوضوء وأما نزع الخف فلا يؤثر في الطهارة بعد صحتها كما لو لم مسح رأسه ثم حلقه] المجموع 1/ 527.

حاضت امرأة بعد دخول وقت الصلاة

وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: [ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ولا بانقضاء المدة ولا يجب عليه مسح رأسه ولا غسل قدميه وهو مذهب الحسن البصري كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور] الاختيارات العلمية ص 15. وهذا أيضاً مذهب ابن حزم الظاهري فقد قال: [ومن مسح كما ذكرنا على ما في رجليه ثم خلعهما لم يضره ذلك شيئاً ولا يلزمه إعادة الوضوء ولا غسل رجليه بل هو طاهر كما كان ويصلي كذلك.] المحلى 1/ 337. حاضت امرأة بعد دخول وقت الصلاة تقول السائلة: إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت صلاة من الصلوات الخمس فهل يجب عليها أن تقضي تلك الصلاة بعد أن تطهر؟ الجواب: إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة بما يسع الصلاة فيجب عليها قضاء تلك الصلاة بعد أن تطهر، فمثلاً إذا حاضت امرأة بعد دخول وقت صلاة المغرب بوقت يتسع لصلاة ثلاث ركعات فيجب عليها أن تقضي صلاة المغرب بعد أن تطهر لأن الصلاة تصير واجبة في حق المسلم بدخول الوقت وهذه أدركت من الوقت مقدار الصلاة فيجب عليها أن تقضي تلك الصلاة. وكذلك إذا طهرت الحائض واغتسلت من الحيض وقد بقي من وقت الصلاة مقدار ركعة فيجب عليها أن تصلي تلك الصلاة، فمثلاً إذا طهرت امرأة من الحيض واغتسلت قبل غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها أن تصلي صلاة العصر ويدل على ذلك ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) رواه البخاري ومسلم.

خطأ في قبلة المسجد

وفي رواية في الصحيحين أيضاً: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة). خطأ في قبلة المسجد يقول السائل: يوجد في بلدتنا مسجد وقد تبين أن قبلة المسجد غير صحيحة فهي منحرفة كثيراً عن اتجاه القبلة الصحيح ولكن بعض المصلين يرفضون تصحيح قبلة المسجد خوف الفتنة فما قولكم في هذه القضية؟ الجواب: من المعلوم أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة ويدل على ذلك قوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) سورة البقرة الآية 150. ويجب تحري القلبة عند بناء المساجد فإذا بني المسجد وتبين بعد ذلك أن هنالك خطأ في قبلة المسجد فيجب تصحيح ذلك الخطأ والتوجه إلى القبلة ولا يجوز لأحد أن يمنع ذلك لأن التوجه إلى القبلة شرط لصحة الصلاة كما قلت وينبغي تحقيق ذلك وتبيين الحكم الشرعي في هذه المسألة للناس ولا فتنة في الحكم الشرعي أبداً. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة صلَّى قبل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة) رواه البخاري ومسلم.

الالتفات في الصلاة

وعن أنس رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى: ألا إن القبلة قد حولت فمالوا كما هم نحو القبلة) رواه مسلم. وبناء على هذه الأدلة يجب تصحيح قبلة المسجد المذكور حتى تصح الصلاة ومن صلى إلى القبلة القديمة في ذلك المسجد بعد أن ثبت أنها خطأ فصلاته باطلة ولا تصح لأن استقبال القبلة فرض كما ذكرت. الالتفات في الصلاة يقول السائل: قرأت بعض كتب الحديث عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان ولا بد ففي التطوع لا في الفريضة) ويقول السائل إن الحديث رواه البخاري فهل الحديث صحيح أم لا؟ الجواب: إن هذا الحديث لم يروه البخاري في صحيحه وإنما رواه الترمذي وهو حديث ضعيف عند المحققين من أهل الحديث وإن كان قد ورد في بعض نسخ الترمذي أنه صحيح. وقد تكلم على الحديث العلامة ابن القيم فقال: [. ولكن للحديث علتان أحدهما: أن رواية سعيد عن أنس لا تعرف. الثانية: إن في طريقه علي بن زيد بن جدعان] زاد المعاد 1/ 249. وكذلك ضعف هذا الحديث الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني فقال معلقاً على استدلال صاحب فقه السنة به: [فيه مؤاخذتان:

تحريك الإصبع في التشهد

الأولى: إن الترمذي لم يصححه وليس تصحيحه في أية نسخة من سنن الترمذي كما قال محققه الفاضل أحمد محمد شاكر بل في بعض نسخه، قال: هذا حديث حسن وفي بعضها حديث غريب وفي أخرى هذا حديث حسن غريب. الثانية: أن الحديث ليس بصحيح ولا حسن لأنه من رواية علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: قال أنس بن مالك: وهذا الإسناد ضعيف في علتان: 1. ضعف علي بن زيد. 2. الانقطاع بين ابن المسيب وأنس.] تمام المنة ص 308 - 309. وبهذا يظهر لنا أن الحديث ضعيف لا يعول عليه وبالتالي فإن الالتفات في الصلاة لغير حاجة مكروه كما هو مذهب الجمهور من أهل الفقة والعلم وهذا الحكم عام في صلاة الفريضة وصلاة النافلة ويدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) والالتفات في الصلاة يدل على عدم الخشوع لأن خشوع الجوارح من خشوع القلب وكما قال سعيد بن المسيب لما رأى رجلاً يتحرك في صلاته: [لو خشع قلبه لخشعت جوارحه] وينبغي على المسلم أن يخشع في صلاته فلا يلتفت ولا يتحرك لغير حاجة، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ). تحريك الإصبع في التشهد ما حكم تحريك الإصبع باستمرار في التشهد في الصلاة وهل تبطل تلك الحركة الصلاة؟

الجواب: إن تحريك الإصبع في الصلاة ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد في ذلك أحاديث منها: عن وائل بن حجر أنه قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم قعد فافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى وجعل حد مرفقه الايمن عل فخذه اليسرى ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها) رواه أحمد والنسائي وأبو داود وغيرهم وهو حديث صحيح. وعن ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمين التي تلي الإبهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها) رواه مسلم. وغير ذلك من الأحاديث التي يؤخذ منها ثبوت تحريك الإصبع " السبابة " أثناء التشهد وحديث وائل المتقدم [رواية صريحة في تحريك الإصبع وجاء وصف فعله صلى الله عليه وسلم بـ " يحرك " وهو فعل مضارع يفيد الاستمرارية حتى تسليم المصلي وفراغه من صلاته]. القول المبين ص 162. وتحريك الإصبع عند التشهد سنة قال بها جماعة من أهل العلم منهم الإمام مالك والإمام أحمد وهو قول في مذهب الشافعية وبه قال جماعة من أهل الحديث وأفاد الشيخ الألباني أنه لا يوجد دليل من السنة على أن تحريك الإصبع يكون فقط عند التلفظ بالشهادتين كما قال بعض الفقهاء. انظر صفة صلاة النبي ص 140. وأما قول من زعم بأن تحريك الإصبع مبطل للصلاة فكلام باطل لا يصح وهو قول شاذ لا دليل عليه كما قال الإمام النووي في المجموع. 3/ 354. وأما الحديث الوارد في عدم تحريك الإصبع وهو حديث عبد الله بن الزبير أنه ذكر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها) رواه

القراءة والأذكار في الصلاة لا تصح بدون تحريك اللسان

أبو داود وغيره فهو حديث ضعيف ضعفه ابن القيم والألباني وغيرهما، راجع تمام المنة ص 217 - 218. القراءة والأذكار في الصلاة لا تصح بدون تحريك اللسان ما حكم تحريك اللسان أثناء القراءة في الصلاة غير الجهرية وما دليل ذلك؟ الجواب: إن القراءة في الصلاة وكذلك الأذكار المطلوبة في الصلاة كالتكبير والتسبيح ونحوهما لا بد فيها من التلفظ ولا يحسب منها شيء ولا تكون مجزئة حتى يحرك المصلي لسانه ويتلفظ بها وأقل ذلك أن يسمع المصلي نفسه قال الإمام النووي رحمه الله: [اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها واجبة كانت أو مستحبة لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له] الأذكار للنووي ص 10. وقال الإمام النووي أيضاً موضحاً معنى الإسرار في الصلاة وأقله: [وأدنى الإسرار أن يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لغط وغيره وهذا عام في القراءة والتكبير والتسبيح في الركوع وغيره والتشهد والسلام والدعاء سواء واجبها ونفلها لا يحسب شيء منها حتى يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض فإن لم يكن كذلك رفع بحيث يسمع لو كان كذلك لا يجزيه غير ذلك هكذا نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب] المجموع 3/ 295. ويدل على ذلك أننا قد أُمرنا بقراءة القرآن في الصلاة كما قي قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ) وكما في قوله عليه الصلاة والسلام في حديث

طرد الأطفال من المساجد

المسيء صلاته: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) والقراءة لا تسمى قراءة حتى يتلفظ بها ويحرك اللسان وأقل ذلك أن يسمع الإنسان نفسه فإن لم يفعل ذلك فلا تسمى حينئذ قراءة وقد أجاز أهل العلم للجنب وللحائض وللنفساء تمرير القرآن على القلب دون قراءته هذا يدل على أنهما أمران مختلفان لأن قراءة الجنب والحائض والنفساء لا تجوز. طرد الأطفال من المساجد يقول السائل: إن بعض المصلين يطردون الأطفال من المسجد بحجة أنهم يشوشون على المصلين فما حكم ذلك؟ الجواب: إن طريقة تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال في المسجد وأثناء الصلاة تختلف اختلافاً واضحاً عن واقع تعامل كثير من المسلمين مع الأطفال في المساجد وإليكم بعض المواقف التي حصلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض الأطفال حتى نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهتدي بهديه عليه الصلاة والسلام: 1. عن شداد رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشى الظهر أو العصر وهو حامل حسناً أو حسيناً فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه عند قدمه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد سجدة أطالها، قال: فرفعت رأسي من بين الناس فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله: إنك سجدت سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك؟ قال: كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. 2. وفي حديث آخر: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا منعوهما أشار إليهم أن دعوهما فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره) رواه ابن خزيمة في صحيحه.

الترتيب في قضاء الصلوات الفوائت

3. وقال أبو قتادة رضي الله عنه: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت العاص - ابنة زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم - على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها) رواه البخاري ومسلم. 4. وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أطالتها فاسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه) رواه البخاري ومسلم. وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم: (جوّز ذات يوم في الفجر - أي خفف - فقيل: يا رسول الله لم جوزت؟ قال: سمعت بكاء صبي فظننت أن أمه معنا تصلي فأردت أن أفرغ له أمه) رواه أحمد بإسناد صحيح. هذا هو هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الأطفال في المسجد فلا ينبغي لأحد أن يطرد الأطفال من المساجد لأنهم رجال المستقبل والمسجد خير مكان لتعليم الصلاة والأحكام الشرعية الأخرى. ولكن لا بد من التنبيه أنه ينبغي عدم إحضار الأطفال الصغار جداً إلى المساجد لأنهم لا ينضبطون فمثل ابن سنة أو سنتين أو ثلاث لا يحضر إلى المسجد ولا بأس بإحضار الأطفال الذين هم في الخامسة أو السادسة أو السابعة إلى المساجد. الترتيب في قضاء الصلوات الفوائت يقول السائل: إنه صلى المغرب وكان عليه قضاء صلاتي الظهر والعصر ولكن نظراً لضيق الوقت صلى المغرب أولاً ثم قضى الظهر والعصر فما حكم ذلك؟ الجواب: إن قضاء الصلاة الفائتة واجب على الفور بمجرد زوال العذر كالنسيان أو النوم لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيا فليصلها إذا ذكرها) رواه البخاري ومسلم.

إدراك الركعة بالركوع

والترتيب في قضاء الفوائت واجب عند أكثر الفقهاء لما ثبت من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم للفوائت يوم الخندق حيث قضاهن بالترتيب أي الظهر فالعصر ثم المغرب وهكذا هو الأصل أن الترتيب واجب ولكن هذا الترتيب يسقط إذا ضاف وقت الصلاة الحاضرة كما في السؤال فما فعله السائل صحيح إن شاء الله حيث إنه صلى المغرب أولاً نظراً لضيق الوقت وبعد ذلك قضى الظهر والعصر فلا بأس بذلك. إدراك الركعة بالركوع إذا أدرك المصلي الركوع مع الإمام فعل يعتبر مدركاً للركعة؟ الجواب: إذا أدرك السبوق الإمام راكعاً فقد أدرك تلك الركعة وبهذا قال أكثر أهل العلم. قال الإمام النووي: [وهذا الذي ذكرناه من إدراك الركعة بإدراك الركوع وهو الصواب الذي نص عليه الشافعي وقال جماهير الأصحاب وجماهير العلماء وتظاهرت به الأحاديث وأطبق عليه الناس.] المجموع 4/ 215. وفي المسألة قول آخر بأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك القيام مع الإمام وهو قول ضعيف شاذ. والقول الأول هو القول الصحيح في المسألة وقد ثبت عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يعتدون بالركعة إذا أدرك الركوع، من ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن نافع عن ابن عمر قال: [إذا جئت والإمام راكع فوضعت يديك على ركبتيك قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت] ورواه البيهقي بلفظ: [من أدرك الإمام راكعاً فركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك تلك الركعة] وإسناده صحيح. ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن زيد بن وهب قال: [خرجت مع عبد الله ابن مسعود من داره إلى المسجد فلما توسطنا المسجد ركع الإمام فكبر عبد الله ثم ركع وركعت معه ثم مشينا راكعين حتى انتهينا إلى الصف

الاقتداء بالمسبوق

حتى رفع القوم رؤوسهم قال: فلما قضى الإمام الصلاة قمت أنا - وأنا أرى لم أدرك - فأخذ بيدي عبد الله فأجلسني وقال: إنك قد أدركت] ورواه البيهقي والطحاوي في شرح معاني الآثار وإسناده صحيح. ومثل ذلك ورد عن زيد بن ثابت وأبي بكر الصديق وعبد الله بن الزبير، قال الإمام البيهقي: [باب من ركع دون الصف وفي ذلك دليل على إدراك الركعة ولولا ذلك لما تكلفوه] سنن البيهقي 2/ 90. وقد ورد في المسألة حديث أبي هريرة ولفظه: [من أدرك ركعة مع الإمام قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدرك الصلاة] وهذا الحديث فيه كلام كثير للمحدثين، وخلاصته أن الحديث بمجموع طرقه المتصلة والمرسلة يصلح للاحتجاج ويقويه ما ثبت عن الصحابة من العمل بمقتضاه. الاقتداء بالمسبوق يقول السائل: إنه جاء إلى المسجد فوجد صلاة الجماعة قد انتهت وأنه اقتدى برجل مسبوق فصلى خلفه فما حكم صلاته؟ الجواب: اقتداؤك بالمسبوق صحيح إن شاء الله على الراجح من أقوال أهل العلم وقد دلت على ذلك أحاديث منها حديث ابن عباس قال: (بت في بيت خالتي ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فتوضأ ثم قام إلى الصلاة فقمت فتوضأت كما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره فأخذ بيميني فأدارني من ورائه فأقامني عن يمينه فصليت معه) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن واللفظ لأبي داود. وحديث أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلَّى في شهر رمضان قال: (فجئت فقمت إلى جنبه وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطاً، فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بنا تجوّز في صلاته) رواه مسلم. وحديث عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّي في حجرته وجدار

سهى الإمام فقام إلى الخامسة

الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام الناس يصلون بصلاته فأصبحوا فتحدثوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الليلة الثانية فقام ناس يصلون بصلاته) رواه البخاري. وحديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وحده فقال: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. وهذه الأحاديث تدل على أنه لا يشترط في الإمام أن ينوي الإمامة فالرسول صلى الله عليه وسلم شرع في الصلاة منفرداً ثم جاء ابن عباس فصلى معه جماعة وكذلك فإن الرجل الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي وحده شرع في الصلاة منفرداً فحض النبي عليه الصلاة والسلام رجلاً يصلي معه: (فقام رجل من القوم فصلى معه) كما في رواية البيهقي، ولا فرق بين من كان منفرداً ومن كان مسبوقاً فلا مانع من اقتداء غيره به ليحصل أجر الجماعة. سهى الإمام فقام إلى الخامسة إمام في صلاة رباعية قام سهواً إلى الركعة الخامسة فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إذا سها الإمام في الصلاة الرباعية وقام إلى الخامسة فعلى المصلين أن يسبحوا ليذكروه فإذا سبَّحوا فعليه أن يجلس ويأتي بالتشهد الأخير إن لم يكن قد أتى به وعليه أن يسجد سجدتي السهو. وأما إذا كان المصلي منفرداً فقام إلى الخامسة وتذكّر بعد ذلك فعليه أن يجلس ويسجد سجدتي السهو وهذا مذهب جمهور أهل العلم ويدل على ما قلت حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمساً فقيل له: (أزيد في الصلاة؟ فقال: وما ذلك؟ قالوا: صليت خمساً فسجد سجدتين بعدما سلّم) رواه البخاري ومسلم ولا تبطل صلاة المصلي وإن زاد خامسة سجد فيها أو لم يسجد ولا يلزمه أن يضيف ركعة سادسة كما قال بعض الفقهاء

حكم قراءة القرآن قبل الأذان

فقولهم ضعيف ولا تؤيده الأدلة والصحيح ما قاله جمهور الفقهاء. حكم قراءة القرآن قبل الأذان يقول السائل: جرت العادة بقراءة القرآن لمدة عشرة دقائق تقريباً قبل الأذان للصلوات الخمس عبر مكبرات الصوت، فما حكم ذلك؟ الجواب: لا شك أن قراءة القرآن الكريم من العبادات العظيمة التي يتقرب بها العبد إلى ربه وهي جائزة في جميع الأوقات وأما تحديد القراءة وجعلها قبل الأذان والمحافظة على ذلك بصفة دائمة فأمر مخالف لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يرد عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يأمر المؤذن بقراءة القرآن قبل الأذان ولم يقم دليل على أن ذلك مشروع فينبغي ترك هذا وعدم فعله لأن تخصيص العبادة بوقت معين بدون دليل شرعي يعتبر بدعة مخالفة لهدي المصطفى عليه الصلاة والسلام. وقد صار بعض الناس يظن أن تلك القراءة لا بد منها فإذا غفل المؤذن مرة عن القراءة قبل الأذان لامه الناس على ذلك واعتبروه قد أخل بأمر لا بد منه. اتصال الصفوف يقول السائل: نرى بعض المصلين وخاصة في يوم الجمعة يصلون في ساحات المسجد وتكون صفوفهم غير متصلة مع الصفوف داخل المسجد فما حكم صلاتهم؟ الجواب: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بتسوية الصفوف في الصلاة وسد الخلل الواقع فيها كما أمر بإتمام الصف الأول فالأول وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها:

1. عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأُول ويتراصون في الصف) رواه مسلم. 2. وعن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث حسن كما قال المنذري والحافظ ابن حجر. 3. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم: (تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من ورائكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل) رواه مسلم. 4. وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رصوا صفوفكم قاربوا بينها وحاذوا الأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل في خلل الصفوف كأنها الحذف) رواه أبو داود وابن حبان وصححه وغير ذلك من الأحاديث والذي يؤخذ من هذه الأحاديث أن تسوية الصفوف واجبة ويشمل ذلك اتصال الصفوف الأول فالأول فإن الوعيد الشديد الوارد في عدم تسوية الصف يدل على حرمة ذلك، فتسوية الصفوف واجبة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتسوية الصفوف والأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب ما لم يصرفه صارف. ولا شك أن من تسوية الصفوف إتمام الصف الأول فالأول ولا يجوز أن يشرع في الصف الثاني إلا بعد إتمام الصف الأول وهذا باتفاق أكثر أهل العلم لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر). وبناء على ذلك فإن من يصف في ساحات المسجد الخارجية ولا يكون صفه متصلاً مع الصفوف داخل المسجد فلا تصح صلاتهم مع الجماعة كما هو الحال في كثير من المساجد الكبيرة فإنهم يصلون بقرب

نوم الإمام

أبواب الساحات الخارجية ويكون بينهم وبين آخر صف متصل مسافات بعيدة فإن صلاة هؤلاء غير صحيحة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [فإن امتلاً المسجد بالصفوف صفوا خارج المسجد فإذا اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي فيه الناس لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء.) مجموع الفتاوى 23/ 410. وقال بعض أهل العلم: [على أن القول الراجح عندي أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام خارج المسجد وإن رأى الإمام أو المأمومين إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان وفي الأفعال فإذا كان المسجد واسعاً ويمكن أن يصلي الإنسان في المسجد فإنه لا يصح أن يتابع الجماعة في غير المسجد أما لو امتلأ المسجد وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ويمكنه المتابعة فإن الراجح جواز متابعته للإمام وائتمامه به سواء رأى الإمام أو لم يره إذا كانت الصفوف متصلة]. وأخيراً فإن من واجب الإمام أن يأمر المصلين بتسوية الصفوف وإكمال الصف الأول فالأول لما ثبت في الحديث عن النعمان بن بشير رضي اله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي القداح - وهي أعواد السهام - حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره في الصف فقال عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن وجوهكم) رواه مسلم. نوم الإمام يقول السائل: عندنا إمام مسجد مصاب - على ما أعلم - بمرض في قلبه وهذا المرض يسبب له نوماً أو سهواً وخاصة وهو يؤم الناس، أحياناً يستفيق لوحده وأحياناً يوقظه أحد المأمومين. فما حكم الصلاة خلف هذا الإمام؟

الاقتداء بالإمام القاعد

الجواب: إذا كان حال الإمام كما وصفت في السؤال وتلك الحالة ملازمة له فلا ينبغي لهذا الشخص أن يؤم المصلين وعليه أن يقدم غيره للإمامة فإن من شروط الإمامة أن يكون الإمام قادراً على القيام بأداء الصلاة مستكملاً لأركانها وشروطها وهذا الإمام ينام في صلاته أو يسهو فيها كثيراً فلا يؤدي الصلاة كما يجب فعليه أن لا يصلي بالناس. الاقتداء بالإمام القاعد يقول السائل: إن إمامهم في الصلاة مريض ولا يستطيع الصلاة قائماً فيصلي قاعداً فكيف يصنع المصلون خلفه هل يصلون قياماً أم جلوساً؟ الجواب: إن الأفضل في حق هذا الإمام الذي لا يستطيع أن يصلي قائماً أن يستخلف غيره ليصلي بالناس قائماً لأن في ذلك خروجاً من خلاف من منع الاقتداء بالإمام القاعد، ولأن القائم أكمل وأقرب إلى إكمال هيئات الصلاة من القاعد فيستحب أن يكون الإمام كامل الصلاة، فإن صلى بهم وهو جالس فيصلي المأمومون وهم قيام وهذا مذهب الحنفية والشافعية ويدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في مرضه الذي توفي فيه أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض فجاء فجلس عن يسار أبي بكر فكان رسول صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى عند مسلم: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير) وفي رواية أخرى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس إلى جنب أبي بكر فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد) رواه البخاري ومسلم. وقد نقل الإمام النووي عن الإمام الشافعي وغيره من العلماء أن هذه الروايات صريحة في نسخ الحديث الوارد بصلاة الناس خلف الإمام جلوساً لأن ذلك الحديث

قراءة سورة فيها سجدة في فجر الجمعة

كان في مرض قبل مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه والذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وصلى الناس خلفه قياماً. قراءة سورة فيها سجدة في فجر الجمعة يقول السائل: هل يجب على الإمام أن يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة سورة من القرآن فيها سجدة؟ وإذا قرأ سورة لا سجود فيها فهل صلاته صحيحة؟ الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة بسورة السجدة فقد رود في الحديث عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: (الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ) السجدة، و (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)) رواه مسلم. وجاء في الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح يوم الجمعة: (ألم تنزيل) في الركعة الأولى وفي الثانية: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) رواه مسلم. من هذين الحديثين يؤخذ استحباب قراءة سورتي السجدة والإنسان في صلاة الفجر يوم الجمعة وقد قرر المحققون من الفقهاء أن المقصود من قراءة سورة السجدة وسورة الإنسان ليس السجدة الموجودة في السورة الأولى وإنما المقصود هو المعاني العظيمة التي تضمنتها السورتان المذكورتان. لذلك لا يستحب المداومة على قراءة السورتين باستمرار إن خشي أن يظن الناس أن قراءتهما واجبة. وقد ظن بعض الناس أنه لا بد للإمام أن يقرأ أي سورة فيها سجدة في فجر يوم الجمعة وهذا الظن خطأ واضح لأن السجدة ليست مقصودة لذاتها وإنما المقصود السورة التي فيها وهي (الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ) لذلك لا ينبغي للإمام أن يقرأ أي سورة أخرى فيها سجدة.

إدراك صلاة الجمعة بإدراك ركعة منها

قال العلامة ابن القيم: [كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره - يوم الجمعة - بسورتي (الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ) و (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ) ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ويسمونها سجدة الجمعة وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة استحب قراءة سورة أخرى فيها سجدة ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة دفعاً لتوهم الجاهلين وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر - الجمعة - لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها فإنهما اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر العباد وذلك يكون يوم الجمعة وكان في قراءتها في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعاً ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة] زاد المعاد 1/ 375. وخلاصة الأمر أن الإمام إذا قرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة بالسورتين المذكورتين فقد أصاب السنة وإذا لم يقرأ بالسورتين المذكورتين فصلاته صحيحة ولا شيء عليه ولا ينبغي لأحد من الناس أن ينكر عليه فالسجدة ليست لازمة لفجر الجمعة. وهذا الأمر على خلاف ما يعتقد كثير من الناس حتى ظن بعض العوام أن صلاة الفجر يوم الجمعة تختلف عن صلاة الفجر في الأيام الأخرى، قال الإمام القرافي ما نصه: [ولذلك شاع عند عوام مصر أن الصبح ركعتان إلا في يوم الجمعة فإنه ثلاث ركعات لأنهم يرون الإمام يواظب على قراءة السجدة يوم الجمعة ويسجد ويعتقدون أن تلك ركعة أخرى واجبة وسد هذه الذرائع متعين في الدين] الفروق 12/ 191. إدراك صلاة الجمعة بإدراك ركعة منها يقول السائل: أدركت الإمام في صلاة الجمعة قبل أن يسلم ثم صليت

ركعتي الجمعة وبعد التسليم قال لي بعض المصلين إن الواجب عليّ أن أصلي الظهر لأن الجمعة قد فاتتني فما الحكم في ذلك؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن التبكير إلى صلاة الجمعة مرغب فيه ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة - أي ناقة - ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) رواه البخاري ومسلم. فالمستحب للمسلم أن يبادر يوم اجمعة بالذهاب إلى المسجد مبكراً فيصلي نافلة ويقرأ من القرآن الكريم ما تيسر ويدعو ويستغفر إلى غير ذلك من الأفعال الطيبة، فإن حصل وتأخر عن الصلاة لعذر أو غيره وجاء إلى المسجد وهم يصلون فلا بد أن يدرك ركعة مع الإمام حتى يعتبر مدركاً للجمعة، وإدراك الركعة يكون بإدراك الركوع مع الإمام، فإذا أدرك ركعة مع الإمام فهو مدرك للجمعة، وهذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة وأئمة المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة ويدل على ذلك أحاديث منها: 1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة) ومفهوم التقييد بالركعة أن من أدرك دون الركعة لا يكون مدركاً للصلاة كما قال الحافظ ابن حجر. 2. وجاء في رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة) رواه ابن ماجة والحاكم وغيرهما وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. 3. وفي رواية أخرى: (من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى) رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني.

الإمام في الجمعة غير الخطيب

4. ورد عن ابن عمر أنه قال: (من أحرم بالجمعة في وقتها وأدرك مع الإمام ركعة أتم جمعته) رواه البيهقي وهو صحيح كما قال الشيخ الألباني. 5. ورد عن ابن مسعود قال: (إذا أدركت ركعة من الجمعة فأضف إليها أخرى فإذا فاتك الركوع فصل أربعاً) رواه ابن أبي شيبة والبيهقي وسنده صحيح. وغير ذلك من الأحاديث والآثار. وبناء على ما تقدم فإن ما قاله بعض المصلين لك من فوات الجمعة صحيح وعليك أن تصليها ظهراً أربعاً. الإمام في الجمعة غير الخطيب ما حكم صلاة الجمعة إذا أمَّ المصلين شخص غير من خطب الجمعة؟ الجواب: الصلاة صحيحة إن شاء الله وإن كان المعروف أن من يخطب الجمعة هو الإمام الذي يصلي بالناس وهذا هو المعهود عن الرسول عليه الصلاة والسلام واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هو المطلوب فنحن مأمورون بالاتباع ولكن إن كان هناك عذر لمن خطب الجمعة فصلّى بالناس غيره لتعب أو مرض طارئ أو نحو ذلك فلا بأس به والصلاة صحيحة. تحية المسجد أثناء خطبة الجمعة يقول السائل: دخلت المسجد يوم الجمعة أثناء الخطبة فهل أصلي تحية المسجد أم أجلس وأصليها بعد أن تنتهي الخطبة الأولى؟ الجواب: إن المشروع في حق من دخل المسجد والخطيب يخطب يوم الجمعة أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويشرع له أن يخففها أي لا يطيل فيها وهذا مذهب أكثر أهل العلم وهو الصحيح الذي تؤيده الأدلة. فقد ثبت في الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:

(دخل رجل يوم الجمعة المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت؟ قال: لا. قال: فصل ركعتين) رواه البخاري ومسلم. وثبت في رواية أخرى عن جابر أيضاً قال: (جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين ثم يجلس) رواه مسلم. فهذان الحديثان يدلان على ما قلت فلا ينبغي لمن دخل والإمام يخطب أن يجلس فإذا انتهى الخطيب من الخطبة الأولى قام فصلى الركعتين فهذا مخالف لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم والمطلوب التخفيف في هاتين الركعتين حتى يسمع لخطبة الجمعة وليس المقصود بالتخفيف نقرهما نقراً وإنما المقصود عدم التطويل وهو التخفيف الذي لا يخل بالصلاة. وقد يمنع البعض الداخل من صلاة تحية المسجد بحجة ما روي عن الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا صعد الإمام فلا صلاة ولا كلام) فهذا الحديث باطل بل هو منكر لا يصح الاحتجاج به وإن كان بعض معناه صحيحاً وهو منع الكلام أثناء الخطبة ومنع الصلاة أثناء الخطبة نافلة أو قضاء أو غير ذلك وأما من جاء والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد ويخفف فيها كما سبق وأما الكلام أثناء الخطبة فممنوع لما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [معناه قلت غير الصواب وقيل تكلمت بما لا ينبغي. ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة] شرح صحيح مسلم 6/ 138. وأكثر أهل العلم على وجوب الإنصات للخطبة يوم الجمعة حتى ولو كان المصلي لا يسمع الخطبة فيلزمه الإنصات.

صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة

ومن الجدير بالذكر أن حديث أبي هريرة السابق: (إذا قلت لصاحبك أنصت.) يردده المؤذنون في كل يوم جمعة قبل بدء خطبة الجمعة، وهذا الذي يفعله المؤذنون بدعة مخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم فلم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ هذا الحديث على مسامع المصلين قبل خطبة الجمعة وعلى أئمة المساجد منع المؤذنين من هذه البدعة وغيرها من البدع التي تقع في يوم الجمعة وغيره وقد ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام قوله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم. ومعنى رد أي مردود. ويضاف إلى ما سبق أن المؤذن ينهي الناس عن الكلام والخطيب يخطب ثم يخالفهم فيتكلم بدعاء بين الخطبتين. وهذا الدعاء أيضاً مخالف لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولكن هذه الأمور أصبحت مشهورة ومعروفة حتى ظن عامة الناس أنها من الدين ويرجع ذلك إلى سكوت أهل العلم عنها بل وإقرارهم لها والواجب عليهم أن ينكروها لمخالفتها لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة يقول السائل: إنه صلى الجمعة في أحد المساجد وتحدث الخطيب خلال خطبته عن صلاة الظهر بعد الجمعة مباشرة، وبعد انتهاء صلاة الجمعة صلى الناس أربع ركعات صلاة الظهر فما حكم ذلك. الجواب: إن ما ذكره خطيب الجمعة حول صلاة أربع ركعات بعد الجمعة قال به بعض فقهاء المذاهب الأربعة المتأخرون وهذا الرأي مبني عندهم على عدم جواز تعدد صلاة الجمعة في البلد الواحد وأن الجمعة لمن سبق فلذلك فهم يصلون أربع ركعات بعد الانتهاء من الجمعة من باب الاحتياط.

حكم الكلام أثناء خطبة الجمعة

ولكن هذا القول ضعيف ومرجوح ولا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة والصحيح خلاف ذلك وهو: لا شك لدي بجواز تعدد صلاة الجمعة في البلد الواحد عند الحاجة وهذا الذي عليه جمهور الفقهاء وهو القول الحق الذي يتفق مع روح الشريعة الإسلامية من رفع الحرج عن الأمة لأن في القول بمنع تعدد صلاة الجمعة حرجاً وعنتاً يلحق بالمسلمين وخاصة أن المدن والبلدات قد اتسعت وأصبح عدد الناس كثيراً ولا يجمعهم مسجد واحد لذلك كله فإنه يجوز تعدد صلاة الجمعة في البلد الواحد. وإلزام الناس بصلاة الظهر بعد الجمعة بدعة محدثة لا دليل عليها وقولهم: [الجمعة لمن سبق] ليس بحديث ولا أصل له في السنة كما قرره الشيخ الألباني. وإنما هو كلام مشهور على ألسنة بعض فقهاء الشافعية المتأخرين وليكن معلوماً أن الأصل في باب العبادات التوقيف عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرد عن الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه المسألة شيء فلذلك لا تصلى الظهر بعد الجمعة. حكم الكلام أثناء خطبة الجمعة يقول السائل: جرت العادة عندنا في يوم الجمعة وقبل أن يبدأ الخطيب بخطبة الجمعة أن يقوم المؤذن ويذكر حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) فما معنى لغوت وهل الكلام أثناء الخطبة مبطل للصلاة أم لا؟ الجواب: إن الحديث المذكور في السؤال حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما ولا شك أن كثيراً من المصلين لا يلتزمون بما يدل عليه الحديث الشريف فتراهم يتكلمون والإمام يخطب وينبغي أن يعلم أن جمهور الفقهاء قالوا بحرمة الكلام أثناء خطبتي الجمعة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد والأوزاعي وغيرهم، واستدلوا بما يلي:

أولاً: بالحديث المذكور في السؤال ومعنى (لغوت) الواردة في الحديث جئت بأمر باطل، وقال بعض العلماء: [لغوت: أي بطلت فضيلة جمعتك. وقيل: خبت من الأجر. وقيل: صارت جمعتك ظهراً وقيل: غير ذلك]. ثانياً: عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: (دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلست قريباً من أبي بن كعب، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة " براءة " فقلت لأبي: متى نزلت هذه السور؟ قال: فتجهمني ولم يكلمني فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، قلت لأبيّ: سألتك فتجهمتني ولم تكلمني؟ قال أبيّ: مالك من صلاتك إلا ما لغوت! فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله كنت بجنب أبي وأنت تقرأ براءة فسألته متى نزلت هذه السورة، فتجهمني ولم يكلمني ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت. قال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق أبيّ). ومعنى تجهمني: قطب جبينه وعبس ونظر إلي مغضباً، والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه وقال الشيخ الألباني: صحيح. ثالثاً: عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً والذي قول له أنصت ليست له جمعة) رواه أحمد وقال الحافظ ابن حجر: إسناده لا بأس به. رابعاً: روي في الحديث عن علي رضي الله عنه قال: (من دنا من الإمام فلغا ولم يستمع ولم ينصت كان عليه كفل من الوزر ومن قال: صه، فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له. ثم قال: هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد وأبو داود. وغير ذلك من الأحاديث والآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم. وخلاصة ما تدل عليه هذه الأحاديث هو تحريم الكلام اثناء خطبتي الجمعة ووجوب الإنصات كما هو مذهب جمهور الفقهاء ولكن صلاة من تكلم أثناء الخطبتين مجزئة ولكن أجر جمعته قد بطل ولم ينل فضيلة الجمعة.

صلاة الفريضة في السيارة

ومن العلماء من يرى أن من يتكلم أثناء الخطبتين تصير جمعته ظهراً ولا تُحسب له جمعة واحتجوا بما ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كان كفارة ما بينهما ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) رواه أبو داود وابن خزيمة وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. ويجب أن يعلم أن قيام المؤذن بذكر الحديث الوارد في السؤال قبل أن يبدأ الخطيب بالخطبة بدعة لا أصل لها في الشرع، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال الحديث ولا ريب ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر بلالاً ولا غيره من المؤذنين أن ينادي بالحديث قبل بدء الخطبة، فهذا أمر غير مشروع لأن الأصل في العبادات هو التوقيف عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرع في خطبتي الجمعة بعد انتهاء المؤذن من الأذان وما كان أحد ينادي بهذا الحديث فالواجب ترك ذكر هذا الحديث بين يدي خطيب الجمعة وذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع. صلاة الفريضة في السيارة يقول السائل: إنه يخرج من بيته قبل صلاة الفجر متوجهاً إلى عمله ويركب سيارة باص ولا يصل إلى عمله إلا بعد طلوع الشمس والسيارة لا تتوقف في الطريق فهل يصلي صلاة الفجر في السيارة أم ماذا يصنع؟ الجواب: يجوز لهذا السائل أن يصلي صلاة الفجر في السيارة بالكيفية التي يستطيعها حتى لا تفوته الصلاة فيصلي في السيارة فإذا أمكنه الركوع والسجود واستقبال القلبة فيجب عليه ذلك وإن لم يستطع الركوع والسجود واستقبال القبلة فإنه يصلي بقدر طاقته فيومئ إيماء " يشير " ويجعل السجود أكثر انخفاضاً من الركوع، وهكذا فدين الإسلام دين يسر وسهولة

صلاة التراويح

فقد قال سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا أمرتكم بأمر فأئتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم. وقد ورد في الحديث عن يعلى بن أمية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم المطر والبلة من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع) رواه أحمد والترمذي. وفي سنده ضعف ولكن الترمذي قال بعد أن ساق الحديث وبين ما فيه: (والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال أبو بكر ابن العربي: [حديث يعلى ضعيف السند صحيح المعنى. ثم قال: الصلاة على الدابة بالإيماء صحيحة إذا خاف من خروج وقت الصلاة ولم يقدر على النزول لضيق الموضع أو لأنه عليه الطين والماء]. وبناء على ما تقدم فتصح صلاة الفريضة في السيارة أو الطائرة أو القطار أو نحو ذلك. هذا إذا كان المصلي يخشى خروج الوقت أما إذا كان يعلم أنه يصل إلى غايته قبل خروج وقت الصلاة بمدة كافية لأداء الصلاة فلا ينبغي له أن يصلي الفريضة في السيارة ونحوها وكذلك الحال إذا كانت الصلاة تجمع إلى غيرها فإما أن يصلي جمع تقديم أو تأخير ولا يصليها في السيارة ونحوها. صلاة التراويح يقول السائل: هل تصلى التراويح عشرون ركعة أم ثماني ركعات وهل تصح صلاة التراويح في البيت؟ الجواب: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رغب في قيام رمضان وحث عليه في أحاديث منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة فيقول: (من قام رمضان إيماناً

واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم. وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة في رمضان في عدة ليال في أوله وفي آخره كما ثبت ذلك عنه، وكان هديه صلى الله عليه وسلم أن يصلي إحدى عشرة ركعة كما ثبت ذلك عنه في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) رواه البخاري ومسلم. ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم المداومة على صلاة التراويح لأنه خشي أن تفرض على الأمة كما ثبت ذلك في الصحيحين. وقد اختلف أهل العلم في عدد ركعات صلاة التراويح فأكثر الفقهاء يرون أنها تصلى عشرين ركعة والوتر ثلاث ركعات وهذا القول مشهور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث ورد أنه جمع الناس على إمام واحد يصلي بهم ثلاثاً وعشرين ركعة كما ورد في الحديث عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يعني آخر الليل وكان الناس يقومون أوله) رواه البخاري. ورى البيهقي بإسناد صحيح كما قال النووي: عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: [كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقومون بالمئتين.] المجموع 4/ 32. ومن أهل العلم من يرى عدم زيادة صلاة التراويح عن إحدى عشرة ركعة لحديث عائشة السابق وغيره من الأحاديث الثابتة في هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم. وترى طائفة أخرى من أهل العلم عدم تحديد عدد معين من الركعات في صلاة قيام رمضان أي التراويح ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام

القراءة من المصحف في التراويح

الشوكاني وغيرهما وأنا أميل إلى هذا القول، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما نصه: [كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عدداً معيناً بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاثة عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن. والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره. ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ] مجموع الفتاوى 22/ 272. القراءة من المصحف في التراويح يقول السائل: رأينا بعض الأئمة يقرؤون من المصحف في صلاة التراويح فهل يجوز ذلك؟ الجواب: لا بأس بقراءة الإمام في التراويح من المصحف وخاصة أن كثيراً من الأئمة لا يحفظون كثيراً من القرآن الكريم، وقد يرغب الناس في تطويل القراءة في صلاة القيام في رمضان فإذا قرأ الإمام من المصحف فلا حرج في ذلك إن شاء الله. وقد قال الإمام البخاري في صحيحه: [وكانت عائشة يؤمها غلامها ذكوان من المصحف] رواه معلقاً مجزوماً به.

التكبير عند ختم المصحف

قال الحافظ ابن حجر: [وصله أبو داود في كتاب المصاحف من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة (أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان من المصحف) ووصله ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة: (أنها أعتقت غلاماً لها فكان يؤمها في رمضان في المصحف). قوله في المصحف استدل به على جواز قراءة المصلي في المصحف] فتح الباري 2/ 326. ولكن الأولى أن يقرأ الإمام من حفظه لما في ذلك من تقليل الحركة في الصلاة ومحافظة على الخشوع. التكبير عند ختم المصحف يقول السائل: ما حكم التكبير عند ختم المصحف من سورة الضحى إلى سورة الناس؟ الجواب: إن التكبير المشار إليه في السؤال لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بسند صحيح ولم يقل به أكثر القراء لذلك فلا ينبغي لأحد أن يفعله لأنه ليس من السنة. ونقل التكبير من سورة الضحى إلى آخر المصحف البزي عن ابن كثير عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن مفلح: [وهذا حديث غريب رواية أحمد بن محمد بن عبد الله البزي وهو ثبت في القراءة، ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم الرازي: هذا حديث منكر.] الآداب الشرعية 2/ 310. وفضل شيخ الإسلام ابن تيمية أن لا يكبر القارئ فقد أجاب على سؤال بأن جماعة قرأوا القرآن فإذا وصلوا إلى الضحى لم يهللوا ولم يكبروا إلى آخر الختمة ففعلهم ذلك هو الأفضل أم لا؟

هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم عند انحباس المطر

فأجاب: [الحمد لله، نعم إذا قرأوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل بل المشروع المسنون فإن هؤلاء الأئمة من القراء لم يكونوا يكبرون لا في أوائل السور ولا في أواخرها] مجموع الفتاوى 13/ 417. هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم عند انحباس المطر يقول السائل: كيف كان هدي الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه عند انحباس الأمطار؟ الجواب: إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر). ولقد انحبس المطر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كما تشير إلى ذلك الروايات الثابتة والتي سأذكر بعضها. وقد كان هدي الرسول صلى الله عليه وسلم إذا انحبست الأمطار أن يستسقي للمسلمين والاستسقاء يكون بالصلاة المعروفة وهي صلاة الاستسقاء أو بالدعاء. وقد ثبت في صحيح البخاري أن المسلمين كانوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستستقي لهم عند انحباس الأمطار فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم اسقنا اللهم اسقنا، قال أنس: والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئاً وما بيننا وبين سلع - اسم جبل بالمدينة المنورة - من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال: والله ما رأينا الشمس سبتاً - أي اسبوعاً - ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبله قائماً. فقال: يا رسول الله هلكت

الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها. قال: فرفع رسول الله يديه ثم قال: اللهم حوالينا لا علينا اللهم على الآكام والجبال والظراب والأودية ومنابت الشجر. قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس). ويتضح من هذا الحديث أنهم كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم وكان يجيبهم إلى ذلك وهذا هدي الصحابة من بعده. قال الإمام البخاري: (باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا) وقال الإمام البخاري: (باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم) وقد ذكر في هذا الباب حديث أنس السابق وأبلغ من ذلك أن المشركين اسشتفعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم عند انحباس المطر ودعا لهم فنزل المطر عليهم روى ذلك البخاري وغيره. فينبغي على الائمة أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بل المفروض أن يبادروا إلى الدعوة إلى إقامة صلاة الاستسقاء وينبغي على الإمام أن يأمر المسلمين قبل الاستسقاء بجملة أمور منها: 1. أن يأمر الإمام الناس بترك المظالم والتوبة من المعاصي وأداء الحقوق حتى يكونوا أقرب إلى الإجابة فإن المعاصي سبب من أسباب القحط والجدب، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) سورة الأعراف الآية 96. 2. ينبغي الإكثار من الدعاء والذكر والاستغفار بخضوع وتذلل يقول الله سبحانه وتعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) سورة نوح الآيات 10 - 12. وقال تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا) سورة هود الآية 52. وخير الدعاء هو الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي اله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون

من أحكام صلاة الاستخارة

فيه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن أبان زمانه عنكم وقد أمركم الله سبحانه وتعالى أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم. ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي. وغير ذلك من الأدعية الواردة عن رسول اله صلى الله عليه وسلم. وقد استحب بعض أهل العلم أن يكثر الناس من الصدقة والصوم قبل الاسستقاء ويستحب أن يخرج المسلم إلى المصلى متواضعاً متخشعاً متضرعاً لما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً حتى أتى المصلى) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح، ولا يعتبر انتشار المعاصي بين الناس وقطيعتهم للرحم ومنعهم للزكاة سبباً موجباً لترك صلاة الاستسقاء. من أحكام صلاة الاستخارة يقول السائل: في رسالة طويلة تتعلق بالاستخارة إنه بحاجة إلى معرفة كيفية الاستخارة، وما علاقة الاستخارة بالاستشارة وما وقت الاستخارة؟ وهل من اللازم بعد الاستخارة أن يرى الإنسان رؤية؟ الجواب: اتفق أهل العلم على أن الاستخارة سنة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويدل على ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك

واسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجلة أمري وآجله فاقدره لي وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجلة أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم ارضني به، ويسمي حاجته). والاستخارة فيها التسليم لأمر الله وخروج الإنسان من حوله وقوته والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى للجمع بين خيري الدنيا والآخرة وأفضل شيء لذلك اللجوء إلى الصلاة والدعاء لما فيهما من الثناء على الله وتعظيمه والافتقار إليه. وهذه بعض الأحكام المتعلقة بالاستخارة: 1. أن تكون في الأمور المباحة التي لا يعرف فيها الإنسان وجه الصواب كأن يستخير في مرافقة فلان أو السفر إلى البلد الفلاني ونحو ذلك. 2. أن لا تكون الاستخارة في الأمور الواجبة أو المحرمة أو المكروهة وكذلك لا تكون في أصل المندوبات. 3. تكون الاستخارة عندما يهم الإنسان بعمل شيء ولا يكون عازماً على ذلك كأن يكون متردداً ولا يدري أيهما الصواب فعل الشيء أم تركه. 4. ينبغي للمسلم أن يستشير من يثق به من إخوانه وأصحابه قبل الاستخارة. قال الإمام النووي: [يستحب أن يستشير قبل الاستخارة من يعلم من حاله النصيحة والشفقة والخبرة ويثق بدينه ومعرفته قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) وإذا استشار وظهر أنه مصلحة استخار الله تعالى في ذلك].

صلاة الغائب

5. المشهور في كيفية الاستخارة أنها تكون بعد أن يصلي المسلم ركعتين نافلة بنية الاستخارة ثم يدعو بالدعاء المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد السلام من الركعتين وبعد الدعاء يسمي الإنسان حاجته وأجاز بعض العلماء أن يكون الدعاء أثناء السجود. 6. ويمكن أن تكون الاستخارة بدعاء الاستخارة بعد أي صلاة أو بدعاء الاستخارة بدون صلاة والأولى هي الأولى. 7. تجوز صلاة الاستخارة في جميع الأوقات ما عدا الأوقات التي تكره فيها الصلاة عند طلوع الشمس وعند زوالها وعند غروبها وبعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغيب الشمس. 8. يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). 9. استحب بعض أهل العلم تكرار الاستخارة سبع مرات عندما لا ينشرح صدر المستخير لشيء ما. 10. ليس من اللازم لمن استخار أن يرى رؤيا في المنام وإنما الذي يعقب الاستخارة انشراح الصدر أو عدمه لفعل الشيء الذي استخار فيه لما روي في حديث أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك فإن الخير فيه) رواه ابن السني وهو ضعيف. والمقصود بانشراح الصدر هو ميل الإنسان وحبه للشيء من غير هوى للنفس. صلاة الغائب يقول السائل: حصل نقاش حول صلاة الغائب ونفى بعض الناس صلاة الغائب وزعم أنها صلاة مخترعة لا أصل لها في الدين فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلّى

على النجاشي صلاة الغائب فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث) رواه البخاري. وعن جابر أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخاً لكم قد مات فقوموا فصلوا عليه فقمنا صفين) رواه البخاري ومسلم. وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه. قال: فقمنا فصففنا عليه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه وغير ذلك من الأحاديث. وقد قال بمقتضى هذه الأحاديث الإمامان الشافعي وأحمد بن حنبل في الرواية المشهورة عنه فعندهما يصلى على كل ميت غائب احتجاجاً بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أنه صلى على النجاشي وهو غائب. قال الإمام الشافعي: [الصلاة على الميت دعاء له فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر]. وقال الحنفية والمالكية: صلاة الغائب غير مشروعة مطلقاً وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته على النجاشي فخاص به. وقد زعم بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصل على النجاشي صلاة الغائب وإنما أحضر جثمان النجاشي أمام الرسول صلى الله عليه وسلم فصلى عليه صلاة الجنازة والنجاشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الكلام مردود عند أهل العلم ووصف الإمام النووي هذا الكلام بأنه خيالات وأجاب عن ذلك بقوله: [قولهم أنه طويت الأرض فصار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوابه أنه لو فتح هذا الباب لم يبق وثوق بشيء من ظواهر الشرع لاحتمال انحراف العادة في تلك القضية مع أنه لو كان شيء

من ذلك لتوفرت الدواعي بنقله] المجموع 5/ 253. وأجاب عن ذلك الإمام ابن العربي المالكي: [قالوا طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه. قلنا: إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا لأهل لذلك ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا حديثاً من أنفسكم ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف.] فتح الباري 3/ 432. وقد توسط جماعة من أهل العلم في هذه المسألة فقالوا: صلاة الغائب مشروعة في حق المسلم إذا مات ولم يصل عليه أحد من المسلمين وأما إذا صلي عليه فلا تشرع صلاة الغائب. وقد اختار هذا القول أبو داود صاحب السنن والإمام الخطابي في معالم السنن وبعض الشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن المحدثين الشيخ المحدث الألباني وهذا رأي وجيه وفقه حسن. قال الإمام الخطابي: [قلت: النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه على نبوته إلا أنه كان يكتم إيمانه والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه إلا أنه كان بين ظهراني أهل الكفر ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه فلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به فهذا والله أعلم هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظهر الغيب. فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان وقد قضي حقه في الصلاة عليه فإنه لا يصلي عليه من كان ببلد آخر غائباً عنه فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع عذر كانت السنة أن يصلي عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة] معالم السنن 1/ 270. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [الصواب: أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه صلي عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات لم يصل

أفضل الأذكار

عليه صلاة الغائب لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه وفعله وتركه سنة وهذا له موضع وهذا له موضع] زاد المعاد 1/ 520. ومما يؤيد هذا القول أنه مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة خارج المدينة المنورة ولم ينقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عليهم وما ورد من صلاته عليه الصلاة والسلام على رجل من الصحابة يقال له معاوية بن معاوية الليثي فهو غير صحيح وكذلك فإنه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم كما قال الشيخ الألباني. أحكام الجنائز ص 93. ومما يؤيد هذا القول ما ورد في إحدى روايات صلاة النبي عليه الصلاة والسلام على النجاشي أنه قال: (إن أخاكم قد مات بغير أرضكم فقوموا فصلوا عليه) رواه أحمد وابن ماجة وسندها على شرط البخاري ومسلم. وخلاصة الأمر أن صلاة الغائب مشروعة في حق الميت المسلم الذي لا يصلى عليه. أفضل الأذكار يقول السائل: ما هي أفضل الأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما حكم الذكر بلفظ الجلالة المفرد، الله الله؟! الجواب: الذكر عبادة من أعظم العبادات وأجلها مع كونها أيسر العبادات لأن حركة اللسان أخف حركات الجوارح فيه يحصل الفضل للذاكر وهو قاعد على فراشه وفي سوقه وفي حال صحته ومرضه وفي حال قيامه وقعوده وإقامته وسفره فليس شيء من الأعمال الصالحة يعم الأوقات والأحوال مثل الذكر. وقد أثنى الله في كتابه الكريم على الذاكرين والذاكرات فقال سبحانه

وتعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا). وثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سبق المفردون. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) رواه مسلم. وقد وردت أقوال عن الصحابة والتابعين في بيان المراد من الذاكرين والذاكرات فقد ورد عن ابن عباس رضي الله: [الذين يذكرون الله في أدبار الصلوات وغدواً وعشياً وفي المضاجع وكلما استيقظ من نومه وكلما غدا أو راح من منزله ذكر الله تعالى]، وقال مجاهد: [لا يكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات حتى يذكر الله قائماً وقاعداَ ومضطجعاً]. وقال عطاء: [من صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله تعالى: (وَالذَّاكِرِينَ) راجع الأذكار للنووي ص 7. وقد اتفق أهل العلم على أن أفضل الذكر هو القرآن الكريم. قال الإمام النووي: [اعلم أن تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار والمطلوب القراءة بالتدبر] الأذكار ص 85. وبعد ذلك الأذكار المأثورة عن سيد الذاكرين عليه الصلاة والسلام وهي كثيرة وأفضلها: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلى الله والله أكبر). وقد وردت أحاديث كثيرة منها: 1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) رواه مسلم. 2. وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت) رواه مسلم. 3. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: (أفضل الذكر

لا إله إلا الله) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وغير ذلك من الأحاديث. ولا شك أن الأذكار المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم هي أفضل الأذكار وخاصة الأذكار التي وردت في الشرع مرتبة على أوقات معلومة أو لأفعال مخصوصة وذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام هو قدوتنا ولأنه أعلم بالله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته ولكونه عليه الصلاة والسلام أفصح العرب وأعلمهم بمواقع الكلام لكونه أوتي جوامع الكلم وأمد بالتسديد الرباني وكمال النصح لأمته فاتباعه في أذكاره أفضل من الاشتغال بذكر يخترعه الإنسان من عند نفسه. وبناء على ذلك فاعلم أخي السائل أن ذكر الله بلفظ الجلالة المفرد " الله، الله " لم يثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه رضي الله عنهم وهو ذكر مبتدع وليس من المأثورات في شي واعلم أن الذكر ثناء والثناء لا يكون إلا بجملة مفيدة يحسن السكوت عليها وليس كذلك الاسم المفرد. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [وأما الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً فليس بكلام تام ولا جملة مفيدة ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ولم يذكر ذلك أحد من سلف الأمة ولا شرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.] مجموع الفتاوى 10/ 226. وقال في موضع آخر: [إن الشرع لم يتسحب من الذكر إلا ما كان كلاماً تاماً مفيداً مثل " لا إله إلا الله " ومثل " الله أكبر " ومثل " سبحان الله والحمد لله " ومثل " لا حول ولا قوة إلا بالله " ومثل " تبارك اسم ربك "، " تبارك الذي بيده الملك "، " سبح لله ما في السموات والأرض "، " تبارك الذي نزل الفرقان " فأما الاسم المفرد مظهراً مثل " الله، الله " أو مضمراً مثل " هو، هو " فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة ولا هو مأثور أيضاً عن أحد من سلف الأمة ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين.] مجموع الفتاوى 10/ 556. وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو الحق الذي تؤيده الألدلة الشرعية فمن ذلك ما ورد في الحديث عن جابر رضي الله عنه أنه قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له) رواه مالك في الموطأ والطبراني وهو حديث حسن.

الصيام والاعتكاف

الصيام والاعتكاف

حكم من أصبح في أول يوم من رمضان مفطرا

حكم من أصبح في أول يوم من رمضان مفطراً ما حكم من أصبح في أول يوم من رمضان وهو لا يعلم بثبوت رؤية الهلال ولم يبيت النية للصوم؟ الجواب: يجب على من أصبح في اليوم الأول من رمضان وهو لا يعلم بثبوت رؤية الهلال ولم يبيت فيه الصوم يجب عليه أن يمسك بقية يومه ويجب عليه قضاء ذلك اليوم لأن تبييت النية من الليل أمر لا بد منه في صوم رمضان ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) رواه أصحاب السنن وأحمد وهو حديث صحيح. والمراد بقوله في الحديث: (يجمع) أي يعزم والمقصود أنه لا بد من النية قبل طلوع الفجر فعلى هذا الشخص أن يقضي يوماً عن اليوم الذي لم يصمه سواء أكل في ذلك اليوم أم لم يأكل. وينبغي أن يعلم أن النية في الصوم لا يشترط فيها التلفظ باللسان بل إن التلفظ بها بدعة وإنما محلها القلب فإذا خطر على قلبه ليلاً أنه يصوم ويوم غد من رمضان فقد نوى وكذلك إذا قام للسحور وأما التلفظ بالنية فليس مشروعاً.

العبادة في رمضان فقط

العبادة في رمضان فقط يقول السائل: نرى كثيراً من الناس يقبلون على عبادة الله في شهر رمضان فيصلون ويصومون ويرتادون المساجد فإذا انتهى شهر مضان انقطعوا عن عبادتهم فما تقولون في هؤلاء؟ الجواب: لا شك أن إقبال الناس على الصلاة والصيام وقراءة القرآن وارتياد المساجد في رمضان يشير إلى جوانب إيجابية في حياة الناس وإلى تعظيمهم لشهر مضان ولكنه يشير في الوقت ذاته إلى خلل في حقيقة تصور هؤلاء الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى فالمفهوم الحقيقي لعبادة الله يتسم بطابع الاستمرارية وعدم الانقطاع فعبادة الله ينبغي أن تكون مستمرة ومتصلة طوال الوقت وعلى مدار الأيام وعبادة الله سبحانه وتعالى ليست موسمية في رمضان فقط وإنما في كل شهور العام فرب رمضام هو رب شوال وشعبان، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أي استمر على عبادة الله حتى يأتيك الموت. ونقول لهؤلاء الناس الذين يتقربون لله تعالى في رمضان أن عليهم أن يعتبروا قدوم شهر رمضان فرصة عظيمة لتجديد التوبة الصادقة والبدء بحياة جديدة في ظل الإيمان والالتزام بمنهج الرحمن وعليهم أن يجعلوا إقبالهم على الله في رمضان فاتحة خير للاستمرار على طريق الخير والرشاد ونوصيهم بأن يستمروا في هذا الطريق ونحذرهم من النكوص على أعقابهم بعد نهاية رمضان فإن فعلوا ذلك فقد ساروا في طريق الخذلان والعياذ بالله. المفطرات المعتبرة يقول السائل: يتناقل كثير من الناس في رمضان الحديث عن الأمور التي تفطر الصائم ونسمع من المشايخ كثيراً من ذلك كقولهم أن القطرة تفطر الصائم وأن الحقنة تفطر الصائم والتحميلة تفطر الصائم وإن أدخل إصبعه في

دبره يفطر ونحو ذلك، فما هو الصحيح في هذه الأمور وأمثالها وهل تعتبر مفطرة للصائم أم لا؟ الجواب: إن الذي دل عليه القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن ما يفطر الصائم هو الطعام والشراب والجماع ومعلوم أن الطعام والشراب يتناوله الإنسان من منفذه الطبيعي وهو الفم فما كان طعاماً أو شراباً ودخل من المدخل الطبيعي فلا شك أنه يفطر الصائم. وقد اجتهد فقهاء الإسلام في الأمور المفطرة للصائم وذكروا أشياء كثيرة من المفطرات حتى صارت كتب الفقه طافحة بها على اختلاف في المذاهب في كل منها، هل يعد مفطراً أم لا؟ والصحيح الذي أطمئن إليه وتؤيده الأدلة أن كثيراً مما ذكره الفقهاء من المفطرات ليس كذلك ولم تقم الأدلة الصحيحة على اعتباره مفطراً للصائم، وأنا أميل إلى التضييق في المفطرات وعدم التوسع فيها لعدم ثبوت الأدلة. على أن كثيراً مما عده الفقهاء من المفطرات أنه مفطر فعلاً فمثلاً قال بعض الفقهاء أن مجرد دخول أي شيء إلى داخل الجسم يعد مفطراً بغض النظر من أين دخل فمثلاً إذا احتقن الصائم بدواء فإنه يفطر بل قال بعضهم إذا استنجى الصائم فأدخل إصبعه في دبره أفطر وإذا اكتحل أفطر. الخ، وهذا الكلام غير مسلم وغير مقبول لماذا؟ لأن الصيام مما يبتلى به عامة الناس في دين الإسلام ولو كانت مثل هذه الأمور مفسدة للصوم لبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً مفصلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فنهم من لم يفطر بشيء من ذلك ومنهم من فطر بالجميع لا بالكحل ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير ومن لم يفطر الكحل ولا بالتقطير ويفطر بما سوى ذلك والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك فإن الصيام في دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه

إكراه الزوجة على الإفطار في نهار رمضان

الأمة كما بلغوا سائر شرعه فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك] مجموع الفتاوى 25/ 233 - 234. وقال أيضاً: [إن الأحكام التي تحتاج الأمة معرفتها لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً ولا بد أن تنقلها الأمة فإذا انتفى هذا علم أن هذا ليس من دينه وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً ولا بد أن تنقل الأمة فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبين صلى الله عليه وسلم كما بين الإفطار بغيره] مجموع الفتاوى 25/ 236 - 242. وقال ابن حزم: [إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي وما علمنا أكلاً ولا شرباً يكون على دبر أو إحليل أو أذن أو عين أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس وما نهينا قط أن نوصل إلى الجوف بغير الأكل والشرب ما لم يحرم علينا إيصاله] المحلى 4/ 348. إكراه الزوجة على الإفطار في نهار رمضان تقول السائلة: إنها امرأة تصوم رمضان ولكن زوجها لا يصوم ويكرهها على الجماع في نهار رمضان فماذا تصنع؟ الجواب: إن زوجك رجل فاسق ومرتكب للمحرمات فهو لا يصوم ولا يكتفي بذلك بل يفسد عليك صيامك والواجب عليك ألا تطيعيه فيما يطلب وأن تحاولي الامتناع منه قدر الاستطاعة فإذا أكرهك إكراهاً شديداً وحصل الجماع فقد أفطرت ويجب عليك قضاء ذلك اليوم ولا إثم عليك إن شاء الله لقوله عليه الصلاة ولسلام: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).

هل القطرة تفطر الصائم؟

وعلى زوجك أن يبادر إلى التوبة إلى الله عز وجل وأن يعود عن غيه وضلاله وعليه أن يحذر غضب الجبار سبحانه وتعالى ويجب عليك أن تذكريه بالله وتذكريه بحرمة ما يفعل لعله يذكر أو يخشى فيرجع إلى طريق الحق والصواب. هل القطرة تفطر الصائم؟ هل القطرة في العين أو الأذن أو الأنف مما يفطر الصائم؟ وما حكم استعمال الحقن للصائم؟ الجواب: إن حقيقة الصيام هي الامتناع عن الطعام والشراب والجماع كما هو معروف فما كان من هذه الأنواع فهو مفطر للصائم وأما القطرة بأنواعها المختلفة سواء كانت في الأنف أو الأذن أو العين فإنها لا تفطر الصائم لأن هذه ليست طعاماً ولا شراباً ولا تدخل إلى الجوف من المدخل الطبيعي للطعام والشراب ولا يعد استعمال القطرة بأنواعها المختلفة أكلاً أو شراباً. لذلك فهي غير مفطرة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند حديثه عن الكحل والقطرة ونحوها: [والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه فلم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك] مجموع الفتاوى 25/ 234. وقال ابن حزم رحمه الله: [ولا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام. ولا حنة ولا سعوط ولا تقطير في أذن أو في إحليل أو في أنف.] المحلى 4/ 335.

استعمال أدوية لتأخير الحيض للصائمة

وأما الحقن التي تعطى تحت الجلد أو في الوريد فإذا كانت دواء فلا تفطر وإذا كانت على سبيل الغذاء فهي مفطرة وتتنافى مع حقيقة الصوم. استعمال أدوية لتأخير الحيض للصائمة هل يجوز للمرأة تناول أدوية تمنع الحيض حتى تتمكن من الصيام؟ الجواب: إن الحيض من الأمور التي كتبها الله سبحانه وتعالى على النساء والحيض من موانع الصوم كما هو معلوم والأفضل في حق المرأة أن تسير مع فطرتها التي فطرها الله عليها فتصوم ما شاء الله لها أن تصوم فإذا حاضت توقفت عن الصيام ومن ثم يلزمها القضاء بعد ذلك. ومع ذلك فلا مانع من استعمال الأدوية التي تمنع الحيض حتى تتمكن المرأة من الصيام ولكن لا بد من تقييد ذلك بأن لا يلحق المرأة ضرر من استعمال هذه الأدوية وبناء عليه لا بد للمرأة من استشارة طبيب حاذق صاحب دين فإن أخبرها الطبيب بأن استعمال هذه الأدوية يضرها فلا يجوز لها استعمالها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني وغيرهم وهو حديث صحيح. ومما يشير إلى جواز استعمال المرأة لهذه الأدوية ما ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يسقون نسائهم أدوية مأخوذة من الأعشاب لمنع نزول دم الحيض أثناء الحج ويقاس الصوم عليه. قال الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي: [وللأنثى شربه - أي دواء مباح - لحصول الحيض ولقطعه]. لأن الأصل الحل حتى يرد التحريم ولم يرد كذا قال الشارح. منار السبيل 1/ 62. وقد أفتى بالجواز في هذه المسألة كثير من أهل العلم المعاصرين منهم الشيخ القرضاوي حفظه الله.

استعمال الصائم فرشاة الأسنان

استعمال الصائم فرشاة الأسنان ما حكم استعمال فرشاة الأسنان مع المعجون في نهار رمضان للصائم؟ الجواب: إن على الصائم أن يأخذ بالأسباب الكفيلة بالمحافظة على الصوم فيبتعد عن كل ما من شأنه أن يخل بالصوم، فيستيطع الشخص أن ينظف أسنانه بالفرشاة والمعجون قبل الفجر أو بعد الإفطار فهذا هو الأفضل ويجوز له أن يستعملها أثناء النهار إذا تيقن من عدم نزول شيء إلى جوفه. لأن نزول شيء من المعجون أو الماء إلى الجوف من المفطرات والاحتياط في هذا الأمر أولى. أكل الصائم ناسياً ما حكم من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم وهل هناك فرق بين أن يكون ذلك في صوم فرض أو نافلة وهل يشرع لمن رآه يأكل أو يشرب أن يذكره؟ الجواب: لا شك أن النسيان من طبيعة الإنسان وهو من الأمور الخارجة عن إرادته وإن من يسر الشريعة الإسلامية أنها لا تكلف الإنسان حال نسيانه يقول الله تعالى: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) والنسيان ليس من كسب القلوب وقد ثبت في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الطبراني والدارقطني والحاكم بألفاظ مختلفة وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وغيرهم. والمقصود بالرفع هنا هو حكم هذه الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث والحكم المرفوع هو حكم الدنيا وحكم الآخرة وهذا الكلام ينطبق على من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فلا إثم عليه ولا قضاء عليه وليتم صومه وقد ثبت في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) رواه البخاري ومسلم.

ورود في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أكل الصائم ناسياً أو شرب ناسياً فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه) رواه الدارقطني وقال: إسناده صحيح كلهم ثقات كما نقله ابن الجوزي في التحقيق 2/ 87. ويهذا يظهر أن من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة وهذا الحكم في مطلق الصوم فرضاً كان أو نفلاً ولا وجه لمن فرق بين صوم الفريضة وصوم النافلة في هذا الحكم وكذلك لا فرق بين أن يأكل الصائم أو يشرب قليلاً أو كثيراً فالحكم لا يختلف ما دام أن الأمر وقع نسياناً فلا حرج في ذلك. فقد ورد في الحديث عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق رضي الله عنها: (أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بقصعة من ثريد فأكلت معه ومعه ذو اليدين - صحابي - فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقاً - عظم عليه لحم - فقال: يا أم إسحاق أصيبي من هذا. فذكرت أني كنت صائمة فرددت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك؟ قالت: كنت صائمة فنسيت. فقال ذو اليدين: الآن بعدما شبعت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك] رواه أحمد والطبراني في الكبير كما قال الهيثمي. ويشرع في حق من رأى إنساناً يعلم أنه صائم فرآه يأكل أو يشرب أن يذكره بصومه لأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى يقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). ويتأكد هذا التذكير إذا كان الصائم يأكل أو يشرب في رمضان نسياناً فعليه أن يذكره لأن الأكل والشرب في نهار رمضان من المنكرات والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم. إلا أن ذلك معفو عنه لأنه وقع نسياناً ووقوعه نسياناً من الصائم لا يعفي من رآه من تذكيره.

صوم الأطفال

صوم الأطفال يقول السائل: في أي سن يصوم الأطفال؟ الجواب: إن الأطفال ليسوا من أهل التكليف شرعاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يفيق) رواه ابن ماجة وغيره وإسناده صحيح. فهم غير مكلفين شرعاً ولكنهم يؤمرون بالصوم إذا أطاقوه وهذا الأمر على سبيل التمرين والتعويد وعلى هذا أكثر أهل العلم من أجل أن يتمرن الطفل على الصوم وكذلك يفعل معه بالنسبة لبقية الأحكام الشرعية فقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه. ولا شك أن الصوم أشق من الصلاة فلذلك فإن الصبي إذا أطاق الصوم يطلب منه ذلك ولا بد أن يكون صومه بالتدريج حتى لا يكون شاقاً عليه وقد يطيق الصبي الصوم وهو ابن ثمان أو تسع أو عشر ويعود تحديد السن إلى ولي أمره الذي يعرف مقدرة الصبي على الصوم من عدمها. ومطالبة الصبي بالصوم أمر معهود منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم فقد ورد في الحديث عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: (أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ومن أصبح صائماً فليصم قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار) رواه البخاري ومسلم. ففي هذا الحديث تخبر الصحابية الربيع أنهم كانوا يصومون الأطفال في صوم عاشوراء ويشغلونهم عن الطعام باللعب يصنعونها من الصوف فإذا كان الحال كذلك في صوم عاشوراء فمن باب أولى أن يكون في صوم رمضان حتى يتمرنوا على الصوم ويكون الأمر سهلاً إذا ما بلغوا وهكذا

صوم شهر رجب

ينبغي أن يكون الأمر في بقية التكاليف الشرعية قال ابن عباس رضي الله عنهما: (اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فذلك وقاية لهم ولكم من النار). صوم شهر رجب ما حكم صيام شهر رجب وما مدى صحة الحديث الذي يقول: (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي)؟ الجواب: أما الحديث المذكور فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ العراقي: [حديث ضعيف جداً وهو من مرسلات الحسن رويناه في كتاب الترغيب والترهيب للأصفهاني ومرسلات الحسن لا شيء عند أهل الحديث ولا يصح في فضل رجب حديث]. وذكر المناوي أن الديلمي رواه في مسنده وقد عده ابن الجوزي في الموضوعات أي من الأخبار المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيض القدير 4/ 24، كشف الخفاء 1/ 433 وأما بالنسبة للصوم في شهر رجب فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء على وجه التخصيص. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه] لطائف المعارف ص 228. ولكن وردت أحاديث عامة في صوم الأشهر الحرم وشهر رجب أحدها فمن ذلك ما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ومن ذلك حديث أسامة قال: (قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه

هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الاعتكاف

بين رجب ورمضان وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم) رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة. قال الشوكاني: ظاهر قوله في حديث أسامة: (أن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان أنه يستحب صوم رجب لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجباً به) نيل الأوطار 4/ 276. هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الاعتكاف يقول السائل: كيف كان هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الاعتكاف؟ وهل يصح للمسلم أن ينوي الاعتكاف كلما دخل المسجد؟ وما حكم الاعتكاف؟ الجواب: قال العلامة ابن القيم رحمه الله: [كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل وتركه مرة فقضاه في شوال. واعتكف مرة في العشر الأول ثم الأوسط ثم العشر الأخير يلتمس ليلة القدر ثم تبين له أنها في العشر الأخير فداوم على اعتكافه حتى لحق بربه عز وجل. وكان يأمر بخباء فيضرب له في المسجد يخلو فيه بربه عز وجل وكان إذا أراد الاعتكاف صلّى الفجر ثم دخله. وكان يعتكف كل سنة عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً. وكان إذا اعتكف دخل قبته وحده وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها وكان إذا اعتكف طرح له فراشه ووضع له سريره في معتكفه. الخ] زاد المعاد 2/ 88 - 90. هذا هو هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف وعلينا الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وأما

حكم الاعتكاف فهو مسنون عند أكثر أهل العلم في العام كله وأوكد الاعتكاف ما كان في العشر الأواخر من رمضان وإذا نذر المسلم الاعتكاف صار الوفاء به فرضاً. وأما زمان الاعتكاف ومدته فجمهور العلماء يرون جواز الاعتكاف مدة يسيرة في المسجد كساعة أو ساعتين ونحو ذلك. قال ابن حزم: [كل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف فالاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الأزمان أو كثر إذ لم يخص القرآن والسنة عدداً من عدد ولا وقتاً من وقت عن سويد بن غفلة قال: من جلس في المسجد وهو طاهر فهو عاكف فيه ما لم يحدث وعن عطاء بن أبي رباح عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: إني لأمكث في المسجد ساعة وما أمكث إلا لأعتكف، قال عطاء: هو اعتكاف ما مكث فيه وإن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف وإلا فلا] المحلى 3/ 412. وينبغي أن يعلم أن الاعتكاف لا بد أن يكون في المسجد الذي تقام فيه الجمعة والجماعة حتى لا يحتاج المعتكف للخروج لهما ولا بد في الاعتكاف أيضاً من النية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات). والمطلوب من المعتكف أن يلبث في المسجد وينشغل بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار وعليه أن يبتعد عن الخوض في أمور الدنيا. وعليه أن يجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ويجتنب أيضاً المراء والجدال والسباب ويقلل الكلام في أمور الدنيا ولا يتكلم إلا بخير ويكره للمعتكف أن يترك الكلام تركاً مطلقاً معتقداً أن ذلك قربة لله لأن ذلك بدعة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نذر ترك الكلام تركاً مطلقاً أن يتكلم ويجوز للمعتكف أن يأكل ويشرب وينام في المسجد مع وجوب محافظته على نظافة وطهارة المسجد ويجوز له أن يتطيب ويلبس ما شاء من الملابس الحسنة. وإذا نوى المسلم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فعليه أن يلبث في المسجد ولا يجوز له الخروج إلا لحاجة الإنسان ويجوز أن يخرج للوضوء والغسل وللأعمال الضرورية لأن الخروج من المسجد يفسد الاعتكاف إلا لما ذكرنا.

الزكاة

الزكاة

زكاة الزروع والثمار

زكاة الزروع والثمار كيف يزكي المزارعون مزروعاتهم وكيف تخرج زكاة البساتين من عنب وبرتقال وتفاح وبرقوق ونحو ذلك؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الزكاة واجبة في كل ما أخرجت الأرض مما يقصد بزراعته نماء الأرض وتستغل به الأرض عادة مثل القمح والشعير والعنب والتين والزيتون والورود والرياحين والزعتر والأعشاب الطبية التي يستنبتها الإنسان بقصد تنمية الأرض واستغلالها وهذا قول الإمام أبي حنيفة في زكاة المزروعات وهو أقوى المذاهب الفقهية في هذه المسألة ولم يحصر الزكاة في الأقوات الأربعة التي كانت معروفة قديماً وهي القمح والشعير والتمر والزبيب ولم يحصرها في ما يقتات ويدخر كما هو قول المالكية والشافعية ولم يحصرها في ما ييبس ويبقى ويكال كما هو قول الحنابلة. وقول أبي حنيفة رحمه الله أهدى سبيلاً وأصح دليلاً واعتمد في ذلك على عموم قوله تعالى: (أنفقوا من طيبات) سورة البقرة الآية 267، وعلى قوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) سورة الأنعام الآية 141.

والمراد بالحق في الآية الزكاة المفروضة كما نقل القرطبي ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين. واحتج أبو حنيفة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) رواه مسلم في صحيحه. قال الإمام ابن العربي المالكي ناصراً قول أبي حنيفة في المسألة: [وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق وقال: إن الله أوجب الزكاة في المأكول قوتاً كان أو غيره وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في عموم: (فيما سقت السماء العشر)] أحكام القرآن لابن العربي 2/ 759. إذا ثبت هذا فإن الواجب إخراج زكاة الزروع والثمار عند الحصاد أو القطاف لقوله تعالى: (آتوا حقه يوم حصاده) ولا تجب الزكاة إلا إذا بلغ المحصول نصاباً والنصاب خمسة أوسق وتساوي في وقتنا الحضار 653 كيلو غرام تقريباً فإذا بلغ المحصول نصاباً فتجب فيه الزكاة ومقدار الواجب يكون 10% من الإنتاج إذا كانت المزروعات تسقى بما المطر أو مياه العيون بدون كلفة يتحملها المزارع أو 5% إذا كانت المزروعات تسقى بجهد من المزارع كمن يشتري المياه أو نحو ذلك أو 7. 5% إذا كانت المزروعات تسقى بكل من الطريقتين السابقتين. وعند تقدير الواجب على المزارع فإنه يحسب الناتج من المزروعات والثمار ويحسب ما أنفقه على الأرض من أجرة العمال أو أجرة معدات أو شراء أسمدة أو أدوية ونحوها ويخصمها ويزكي الباقي. ويجب أن يعلم أن المزارع إذا باع إنتاج أرضه قبل الجفاف كما هو الحال فيمن يبيع العنب قبل أن يصير زبيباً أو المزارع الذي يبيع إنتاجه من الخضار ونحوها فإن الزكاة واجبة في أثمانها إذا كانت تلك الخضار أو العنب قد بلغت نصاباً. فالمزارع الذي باع إنتاج بساتينه من الفواكة مثلا وكانت قد بلغت نصاباً وكانت تسقى بماء المطر فالواجب عليه ان يخرج عشر الثمن زكاة لله تعالى.

زكاة الأسهم

زكاة الأسهم يقول السائل: إن له أسهماً في شركة تجارية فهل تجب الزكاة في الأسهم أم لا؟ الجواب: السهم هو الحصة التي يقدمها الشريك في شركات المساهمة وهو يمثل جزءاً معيناً من رأس مال الشركة فالسهم مال كما هو في الغالب لأن بعض الأسهم قد تكون عيناً وبما أن السهم مال مملوك فتجب الزكاة فيه إذا توافرت شروط وجوب الزكاة وهذا ما قرره الفقهاء المعاصرون. ومن هؤلاء العلماء من يرى أنه تجب زكاة الأسهم على المساهم نفسه لأنه هو المالك لها فيقوم بإخراج زكاتها ومنهم من يرى أن الشركة هي المطالبة بإخراج زكاة الأسهم لأن الشركة لها شخصية اعتبارية مستقلة ولأن الزكاة حق متعلق بالمال نفسه فلا يشترط فيمن تجب عليه أن يكون مكلفاً شرعاً كما هو الحال في وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون. ومن العلماء من جمع بين القولين بأن قال إن زكاة الأسهم تجب على المساهم لأنه هو المالك الحقيقي للأسهم وتقوم الشركة بإخراج الزكاة نيابة عنه فإذا نص نظام الشركة الأساسي على أن الشركة تخرج زكاة الأسهم فتقوم الشركة بإخراجها ولا يطالب بها المساهمون وأما إذا لم تقم الشركة بإخراج الزكاة فيجب على المساهم أن يزكي أسهمه وهذا رأي حسن قرره مجمع الفقه الإسلامي في جدة بالسعودية. وعند قيام الشركة بإخراج زكاة الأسهم فإنها تخرجها كما يخرج الشخص العادي زكاة ماله بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال لشخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال وتعامل الأسهم في الشركة التجارية معاملة عروض التجارة فتقوم الأسهم وتزكى مع أرباحها في كل عام بنسبة 2. 5%.

صرف الزكاة لموظفي لجان الزكاة

وأما إذا كان الشخص مساهماً في شركة تجارية ولا تقوم هذه الشركة بإخراج الزكاة فإن الواجب على المساهم أن يخرج زكاة أسهمه بعد أن يعرف قيمة أسهمه وأرباحها. صرف الزكاة لموظفي لجان الزكاة باعتبارهم من العاملين عليها هل يجوز أن يعطى الموظفون العاملون في لجنة الزكاة من أموال الزكاة باعتبارهم من العاملين عليها؟ الجواب: من المعلوم أن مصارف الزكاة حددتها الآية الكريمة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). ونظراً لغياب الدولة الإسلامية التي من واجبها القيام على شؤون الزكاة يجوز صرف سهم (َالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) لموظفي لجان الزكاة بشرط أن يكون الموظف متفرغأ للعمل في مجال الزكاة وما يتعلق بها. فيجوز صرف رواتبهم منها، وكذلك يجوز أن يصرف للموظفين مكافآت عمل إضافية لمن كان يعمل بوظيفة أخرى إذا عمل لمصلحة الزكاة وقتاً خارج وقت وظيفته. وينبغي مراعاة ألا يطغى الصرف على العاملين في مجال الزكاة على أي مصرف آخر من مصارف الزكاة ويجب عدم المغالاة في رواتب هؤلاء الموظفين وإنما يعطون راتباً يماثل رواتب أقرانهم. صرف الزكاة للعمال العاطلين عن العمل هل يصح إعطاء الزكاة للعمال الذين حرموا ومنعوا من العمل بسبب الظروف الراهنة التي نعيشها؟

مصرف (وفي سبيل الله) في آية الصدقات

الجواب: إن الأصل في الزكاة أن تصرف في المصارف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). فهؤلاء الذين تصرف لهم الزكاة فمن كان غنياً أو قادراً على الكسب فلا يجوز أن تصرف له الزكاة لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. والمقصود بذي مرة سوي أي الإنسان القوي السليم الأعضاء الذي يستطيع العمل والذي يفهم من النصوص الشرعية أن المقصود من يستطع العمل ويجد العمل والطريق إلى كسب العيش وأما من سدت طرق التكسب في وجهه ولا يجد عملاً فيجوز أن يعطى من الزكاة وإن كان قوياً قادراً على الكسب ولكنه لا يجد السبيل إلى ذلك كما هو حال كثير من العمال في وقتنا الحاضر الذي سدت سبل طلب الرزق أمامهم فإذا أعطوا من الزكاة فلا بأس بذلك، قال الإمام النووي: [قال أصحابنا - أي الشافعية - وإذا لم يجد الكسوب من يستعمله حلت له الزكاة لأنه عاجز] المجموع 6/ 191. ويؤيد ما سبق ما رود في الحديث عن عبد الله بن عدي بن الخيار قال: (أخبرني رجلان أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين - أي قويين - فقال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الشيخ الألباني. مصرف (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) في آية الصدقات ما المراد بقوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) في آية مصارف الزكاة؟

الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى في بيان مصارف الزكاة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآية 60. وقد اختلف العلماء في المراد بعبارة (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) المذكورة في الآية فمنهم من رأى أن سبيل الله يراد بها سبيل الخير. [المصالح العامة التي تقوم عليها أمور الدين والدولة دون الأفراد بالإضافة إلى المجاهدين والمرابطين كبناء المستشفيات والملاجئ والمدارس الشرعية والمعاهد الإسلامية والمكتبات العامة ومساعدة الجمعيات الخيرية على أداء مهماتها الإنسانية ودعم المؤسسات التي تقدم خدمات عامة لأفراد المجتمع وكذا الإنفاق على الجهاد شريطة ألا يأكل ذلك أسهم الأصناف الأخرى التي ذكرت في آية الصدقات] إنفاق الزكاة في المصالح العامة ص 100 - 101. ومن العلماء من يرى أن (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) الغزاة في سبيل الله فقط ولا يصح صرف الزكاة فيما سواه. ومن العلماء من يرى أن مصرف في سبيل الله يقصد به الجهاد والحج والعمرة. وهنالك أقوال أخرى في المسألة ويجب أن نعلم أن لكل قول من الأقوال السابقة دليله. وأرجح الأقوال هو القول الأول الذي يرى جواز صرف الزكاة في المصالح العامة وقد اختار هذا القول جماعة من العلماء المتقدمين واللاحقين ولهم أدلة قوية على ما ذهبوا إليه منها. أولاً: لا يوجد نص صريح في كتاب الله أو سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يمنع أن يصرف جزء من سهم (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) في المصالح العامة أو يحصر الصرف في الجهاد. ثانياً: ثبت في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى دية رجل من الأنصار قتل بخيبر مئة من إبل الصدقة رواه البخاري ومسلم. وهذا من الإصلاح بين الناس وهو من المصالح العامة.

ثالثاً: إن المتأمل للآية التي حددت المصارف الثمانية للزكاة يجد أنها فرقت بين الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم من جهة وبين بقية الأصناف الأخرى وهي الرقاب والغارمون وسبيل الله وابن السبيل من جهة أخرى في حرف الجر الذي سبق كلاً من المجموعتين فقد سبق ذكر الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم حرف اللام وسبق الأصناف الأخرى حرف (في) واللام تفيد التمليك أما في فتفيد الوعاء وعلى هذا فالأصناف الأربعة الأوائل يملكون الزكاة والأصناف الأخرى يستحقون الزكاة فتصرف عليهم لتحقيق مصالحهم ومنافعهم وما جاءت المصالح العامة إلا لهذا. إنفاق الزكاة في المصالح العامة ص 103 - 104. رابعاً: زعم بعض العلماء المعاصرين أن عبارة (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) إذا اقترنت بالإنفاق كان معناها الجهاد جزماً ولا تحتمل غيره مطلقاً. النظام الاقتصادي في الإسلام ص 208. إن هذا الزعم غير صحيح وهذا الجزم غير مقبول وترده الآيات التي ذكر فيها (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ويراد بها غير الجهاد فمن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) سورة التوبة الآية 34. فالمراد بسبيل الله في الآية المعنى الأعم وليس الجهاد فقط وإلا لكان من أنفق ماله على بسبيل الله في الآية المعنى الأعم وليس الجهاد فقط وإلا لكان من أنفق ماله على الفقراء والمساكين واليتامى ونحوهم داخلاً ضمن الذين يكنزون وليس الأمر كذلك. ومن ذلك قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كلِّ سنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة الآية 261. ومن ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) سورة البقرة الآية 262. فهذه الأيات يفهم منها أن المراد بِ (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) المعنى العام وليس المعنى الخاص وخلاصة الأمر جواز الصرف في المصالح العامة للمسلمين ولكن يجب التدقيق والنظر العميق قبل الصرف حتى نتحقق أن ما نصرفه من هذا السهم هو فعلاً من المصالح العامة للمسلمين.

لمن تعطى زكاة الفطر

لمن تعطى زكاة الفطر لمن تعطى صدقة الفطر وهل يجوز نقلها من بلد إلى بلد آخر؟ الجواب: تُصرف صدقة الفطر للمساكين والفقراء والمحتاجين ولا تصرف في مصارف الزكاة الثمانية لورود الأحاديث في ذلك فمنها ما جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (طعمة للمساكين) أي طعام للمساكين وهذا واضح في صرفها للمساكين دون غيرهم. ولما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم عن الطواف هذا اليوم) رواه الحاكم والدارقطني وغيرهما. والمراد إغناء الفقراء عن المسألة في ذلك اليوم أي يوم العيد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ساق الحديثين السابقين: [ولهذا أوجبها الله طعاماً كما أوجب الكفارة وعلى هذا القول فلا يجزئ إطعامهما إلا لمن يستحق الكفارة وهم الآخذون لحاجة أنفسهم فلا يعطى منها المؤلفة قلوبهم ولا الرقاب ولا غير ذلك وهذا القول أقوى في الدليل] مجموع الفتاوى 25/ 73. وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: [وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تخصيص المساكين بهذه الصدقة ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة ولا أمر بذلك ولا فعله أحد من أصحابه ولا من بعدهم بل أحد القولين عندنا - أي عند الحنابلة - إنه لا يجوز أخراجها إلا على المساكين خاصة وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية] زاد لمعاد في هدي خير العباد 2/ 22. وقد اختار بعض الفقهاء المعاصرين مثل االدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله قولاً قريباً من ذلك وهو: [تقديم الفقراء على غيرهم إلا لحاجة

مضى العيد ولم يخرج زكاة الفطر

ومصلحة إسلامية معتبرة] فقه الزكاة 2/ 958. وأما بالنسبة لنقل صدقة الفطر فالحال فيها كنقل زكاة المال من بلد إلى بلد فإن الأصل أن توزع الزكاة في البلد الذي جمعت منه ويجوز نقلها من بلد إلى آخر إذا كان هنالك مصلحة في نقلها كأن يكتفي أهل البلد الذي وجبت فيه الزكاة فيجوز نقلها إلى بلد آخر وأن ينقلها ليعطيها للأرحام والأقارب فهذا نقل جائز ولا بأس به. وكذلك إذا كان فقراء البلدان الأخرى أشد حاجة من فقراء بلده فيجوز نقل الزكاة إليهم لا بأس في ذلك إن شاء الله. مضى العيد ولم يخرج زكاة الفطر ما حكم شخص لم يخرج زكاة الفطر حتى مضى العيد؟ الجواب: إن صدقة الفطر واجبة مؤقتة بوقت محدد وهو قبل صلاة العيد فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد وقد أورد ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: [يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) سورة الأعلى الآيتان 14 - 15. فإذا قامت صلاة العيد ولم يخرج صدقة الفطر فقد اتى مكروهاً كما قال جمهور الفقهاء وأما إن أخرها حتى انقضاء يوم العيد فأكثر الفقهاء على أن ذلك التأخير حرام ولكنها لا تسقط بل تبقى ديناً في ذمته حتى يخرجها. قال بعض أهل العلم إن تأخيرها عن يوم العيد حرام بالاتفاق لأنها زكاة واجبة فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج اصللاة عن وقتها. نيل الأوطار 4/ 207. ويدل على ذلك حديث ابن عباس قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة

الفطر طهرة لصلائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه قال ابن حزم: [فمن لم يؤدها حتى خرج وقتها فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له فهي دين لهم وحق من حقوقهم وقد وجب إخراجها من ماله وحرم عليه إمساكها في ماله فوجب عليه أداؤها أبداً وبالله تعالى التوفيق ويسقط بذلك حقهم ويبقى حق الله تعالى في تضييعه الوقت لا يقدر على جبره إلا بالاستغفار والندامة] المحلى 4/ 266.

الحج

الحج

الدين والحج

الدين والحج يقول السائل: إنه يريد الحج وعليه ديون للناس فماذا يفعل؟ الجواب: إن من شروط وجوب الحج على المسلم أن يكون مستطيعاً لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) والاستطاعة المالية داخلة في ذلك ومن كان عليه ديون للناس فعليه أن يسدد هذه الديون فإن استطاع تسديدها وفضل معه من المال ما يكفي للحج فيجب عليه الحج وإن لم يبق معه ما يكفي للحج فلا يجب عليه الحج، فهذا الأصل في هذه المسألة. ولكن نظراً لبعض الظروف المتعلقة بالحج في بلادنا فإن من كان عليه دين وعنده مال يكفي لذهابه إلى الحج فلو استئذن من أصحاب الديون وطلب منهم الإمهال وأذنوا له بالذهاب إلى الحج فلا بأس بذلك إن شاء الله هذا إذا كان ذهابه لأداء فريضة الحج وأما إن كان ذهابه لحج النافلة فالأولى في حقه أن يسدد ديونه لأن سداد الديون واجب وحجه نافلة والواجب يقدم على النافلة.

الحج عن الميت

الحج عن الميت هل يجوز للولد أن يحج عن والده المتوفى في حجة نافلة وهل يصل ثوابها إلى أبيه الميت؟ الجواب: يجوز للولد أن يحج عن أبيه الميت حجة نافلة وينتفع الأب بذلك ويصل إليه الثواب إن شاء الله. وهذا مذهب جمهور الفقهاء ويدل على ذلك أحاديث كثيرة وردت في حج الإنسان عن غيره. فمنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة قالت: (يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ أقضوا الله فالله أحق بالوفاء) رواه البخاري. ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت: (يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخاً كبيراً لايستطيع أن يستوي على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: حجي عنه) رواه البخاري ومسلم. ومنها حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: (جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه؟ قال: أنت أكبر ولده؟ قال: نعم. قال: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزي ذلك عنه؟ قال: نعم. قال: فاحجج عنه) رواه أحمد والنسائي بمعناه، وقال الحافظ: إسناده صالح. ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. قال: (ومن شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. وغير ذلك من الأحاديث وإن كانت واردة في حج الفريضة، فإن النافلة

داخلة فيها لأن العلماء قد نصوا على أن كل عبادة جازت النيابة في فرضها جازت النيابة في نفلها. وأما انتفاع الميت بثواب عمل الحي فثابت بأدلة كثيرة وهو مذهب جمهور أهل العلم. وبناء على ما سبق فيجوز للولد أن يحج نافلة عن والده وهذا من البر والإحسان ويدخل في عموم قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).

الجنائز

الجنائز

من يدخل المرأة الميتة في القبر؟

من يدخل المرأة الميتة في القبر؟ من هو الشخص الذي يجوز له أن يتولى وضع المرأة الميتة في قبرها وهل يشترط أن يكون من محارمها؟ الجواب: الأول والأفضل أن يتولى وضع المراة في قبرها محارمها أو زوجها وإذا تولى ذلك رجل أجنبي عنها يجوز ذلك ولا بأس به فلا يشترط فيمن يضع المرأة في قبرها أن يكون محرماً للمرأة فقد ثبت في الحديث: (أن أبا طلحة الأنصاري تولى دفن إحدى بنات الرسول صلى الله عليه وسلم عند موتها) رواه البخاري. قراءة القرآن على الأموات يقول السائل: أرجو بيان حكم قراءة القرآن على أرواح الأموات وهل يصل ثواب القراءة إليهم أم لا؟ الجواب: اتفق أهل العلم على أن الميت ينتفع بما عمله من خير في حياته ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم.

وكذلك اتفقوا على أن دعاء الحي للميت ينفعه ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) سورة الحشر الآية 10. وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من دعائه للأموات في صلاة الجنازة وغيرها كحديث عوف بن مالك قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله.) الحديث، رواه مسلم. وكذلك اتفقوا على أن صدقة الحي عن الميت تنفع الميت ويدل على ذلك حديث عائشة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله إن أمي افتلت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها؟ قال: نعم) رواه مسلم. ومعنى افتلت نفسها أي ماتت فجأة. كما اتفق جمهور العلماء على أن الحج عن الميت ينفعه لما ورد في الحديث عن بريدة أن امرأة قالت: (يا رسول الله، إن أمي ماتت ولم تحج أفيجزي أن أحج عنها؟ قال: نعم) رواه مسلم. وكذلك قال طائفة من أهل العلم بأن الميت ينتفع بصوم الحي عنه لما ورد في حديث عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) رواه البخاري ومسلم. هذه هي أهم الأعمال التي ينتفع بها الميت وتصل إليه والتي وردت فيها النصوص الشرعية. وأما قراءة القرآن وجعل ثواب ذلك للميت فمسألة اختلف فيها أهل العلم قال الإمام النووي رحمه الله: [واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يصل وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل] الأذكار ص 40. وقال الحنفية إن ثواب القرآن يصل إلى الميت وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم واختيار الإمام النووي وغيرهم من أهل العلم. وهو الذي أختاره وأقول به لأن الأدلة الواردة في انتفاع الميت بعمل

الحي في باب العبادات تدل على انتفاع الميت بقراءة القرآن إذ لا فرق بين انتفاعه بالصوم والحج وانتفاعه بقراءة القرآن، قال ابن قدامة رحمه الله: [وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله] المغني 2/ 423. ثم ذكر بعض الأدلة الدالة على انتفاع الميت بعمل الحي وقد سقت بعضها ثم قال: (وهذه أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار عبادات بدنية وقد أوصل الله نفعها إلى الميت فكذلك ما سواها] المغني 2/ 423. وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: [وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعاً بغير أجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج فإن قيل فهذا لم يكن معروفاً في السلف ولا يمكن نقله عن واحد منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم إليه ولكانوا يفعلونه. فالجواب إن مورد هذا السؤال إن كان معترفاً بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والاستغفار قيل له ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلات وإن لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع. وأما السبب الذي لأجله لم يظهر ذلك في السلف فهو أنهم لم يكن لهم أوقاف على من يقرأ ويهدي إلى الموتى ولا كانوا يعرفون ذلك البتة ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم ولا كان أحدهم يشهد من حضره من الناس على أن ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا ثواب هذه الصدقة والصوم. ثم يقال لهذا القائل لو كلفت أن تنقل عن واحد من السلف أنه قال اللهم ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت فإن القوم كانوا أحرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا يشهدوا على الله بإيصال ثوابها إلى أمواتهم. فإن قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرشدهم إلى الصوم

مأتم الأربعين

والصدقة والحج دون القراءة قيل هو - صلى الله عليه وسلم - لم يبتدئهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ولم يمنعهم مما سوى ذلك وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر .. ) الروح ص 142 - 143. .وأخيراً يجب التنبيه على أن القراءة التي تصل للميت وينتفع بها هي القراءة بدون أجر وأما إذا استأجر أهل الميت قارئاً يقرأ بأجره فلا يصل ثواب القراءة للميت ولا ينتفع بها ولا يصح الاستئجار على قراءة القرآن في هذه الحالة ولا ثواب في ذلك للقاريء ولا لذوي الميت ولا للميت قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وأما الاستئجار لنفس القراءة - أي قراءة القرآن - والإهداء فلا يصح ذلك .. فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه لا ما فعل لأجل عروض الدنيا .. وأما إذا كان لا يقرأ لأجل العروض فلا ثواب لهم على ذلك وإذا لم يكن في ذلك ثواب فلا يصل إلى الميت شيء .. ) مجموع الفتاوى 24/ 315 - 316. مأتم الأربعين ما حكم إقامة مآتم بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الميت ودعوة قاريء ليقرأ القرآن بأجر؟ والجواب: إن إقامة المآتم بمناسبة الأربعين من البدع المنكرة المنتشرة في مجتمعنا وهي مخالفة لهدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولما في ذلك من تجديد الأحزان على الميت ولما يصاحب ذلك من إضاعة الأموال فيما لا نفع فيه حيث إن بعض الناس قد يتكلفون في إعداد الطعام ويدفعون أموالاً طائلة قد يكون ورثة الميت بحاجة ماسة لها.

وهذا الأمر لم يؤثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو إحداث في الدين وتشريع لما لم يأذن به الله عز وجل يقول الله تعالى (أم لهم شركؤا شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) سورة الشورى الآية 21. وقد ثبت في الحديث الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي مردود عليه غير مقبول منه. وفي رواية أخرى (من عمل عملاً لس عليه أمرنا فهو رد). وأما بالنسبة لاستئجار القراء لقراءة القرآن في المآتم فهذا أيضاً من البدع وليس من الهدي النبوي في شيء. ودفع المال في هذا العمل لا أجر فيه ولا ينتفع به الميت ولا القاريء وأخذ المال فيه غير جائز لأن هذا القاريء وأمثاله يقرؤون من أجل المال ولا يقصدون بقراءتهم وجه الله سبحانه وتعالى. ولم يؤثر هذا الفعل عن الصحابة رضوان الله عليهم ولا عن السلف الصالح بل هو بدعة كما قلت والبدع من الضلالة فلا أجر في ذلك لا للقاريء ولا للميت ولا لمن دفع المال. وبدلاً من إنفاق المال في هذه الأمور غير المشروعة يفضل إنفاق المال فيما ينفع الميت كالتصدق عنه كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم. ولما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - توفيت أمه وهو غائب عنها فقال يا رسول الله: إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: (نعم .. ) رواه البخاري. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أبي مات وترك مالاً ولم يوص فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه؟ قال: (نعم) رواه مسلم.

وغير ذلك من الأحاديث. فعلى المسلمين أن يقلعوا عن هذه البدع السيئة وعليهم الالتزام بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). وقال أيضاً (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر).

المعاملات

المعاملات

البيع بإسقاط إلى أجل

البيع بإسقاط إلى أجل ما حكم البيع بالتقسيط مع العلم أن الثمن يزيد عن البيع الحال وهل تعتبر تلك الزيادة من الربا المحرم؟ الجواب: البيع بالتقسيط جائز شرعاً ولا مانع منه ويدل على ذلك قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) وكذلك ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال رسول الله من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم) رواه البخاري ومسلم. .وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يهودي طعاماً بنسيئة إلى أجل ورهنه درعاً من حديد رواه البخاري ومسلم. .وليس في بيع التقسيط ربا وليس فيه غرر ما دام العاقدان قد بتا البيع فإذا قال البائع للمشتري: أبيعك هذه السلعة بألف دينار حاله وبألف ومئة مؤجلة فقال المشتري: اشتريها بألف ومئة مؤجلة فالعقد صحيح ولا مانع منه وزيادة المئة ليست من الربا المحرم فالصورة المذكورة جائزة.

وأما إذا قال المشتري: قبلت ولم يحدد ما الذي قبله هل هو الثمن الحال أم الثمن المؤجل؟ فلا يجوز ذلك ويعتبر العقد باطلاً لأنه بيعتين في بيعة حيث أنه لم يجزم ببيع واحد. .والبيع بالتقسيط فيه توسعة على الناس فالبائع يزيد مبيعاته والمشتري يستطيع الحصول على السلعة دون أن يكون لديه ثمناً حالاً بل يسدد ثمنها على أقساط. .وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذا الموضوع وقرر جوازه مع مراعاة ما يلي: . 1. تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً وثمنه بالاقساط لمدد معلومة ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل. فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن محدد فهو غير جائز شرعاً. .2. لا يجوز شرعاً في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحال بحيث ترتبط بالأجل سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة . 3. إذا تأخر المشتري المدين في دفع القسط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم. .4. يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء. .5. يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد. .6. لا حق للبائع في الاحتفاظ بالمبيع بعد البيع ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.

بيع المرابحة للآمر بالشراء

بيع المرابحة للآمر بالشراء يقول السائل: ما هو المقصود بعقد المرابحة الذي تتعامل به بعض المؤسسات والبنوك التي تسير وفق أحكام الشريعة الإسلامية وما الفرق بينه وبين الربا؟ الجواب: عقد المرابحة هو في الأصل بيع المرابحة المعروف عند الفقهاء المتقدمين وإن اختلفت بعض صوره الحديثة التي تتعامل وفقها المؤسسات والبنوك الإسلامية كبيع المرابحة للآمر بالشراء فبيع المرابحة عند الفقهاء هو بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح. وصورة بيع المرابحة المستعملة الآن في البنوك والمؤسسات الإسلامية هي أن يتفق العميل والبنك على أن يقوم العميل بشراء البضاعة بربح معلوم بعد شراء البنك لها وهذه الصورة هي المسماة ببيع المرابحة للآمر بالشراء ومثال ذلك أن يطلب صاحب مصنع من البنك أو المؤسسة التي تتعامل وفق الشريعة الإسلامية أن يشتري له جهازاً من الأجهزة اللازمة له ويكون طلب الشراء مصحوباً باستعداد لشراء ذلك الجهاز من البنك أو المؤسسة إذا كانت مواصفاته كما طلب ويدفع المشتري ربحاً يتم الاتفاق عليه مقابل قيام البنك أو المؤسسة بشراء ذلك الجهاز وتأجيل الثمن وجعله على أقساط فيشتري البنك أو المؤسسة الجهاز ويحوزه في ملكه ثم يبيعه للآمر بالشراء حسب الشروط التي تم الاتفاق عليها، وإذا لحق بالجهاز ضرر يكون الضرر على البنك إلى أن يقوم بتسليمه للآمر بالشراء ويكون الآمر بالشراء ملزماً بشراء السلعة إذا كانت مواصفاتها كما طلب. فهذه الصورة من بيع المرابحة للآمر بالشراء هي أكثر صورة منتشرة الآن وهذه الصورة جائزة شرعاً عند كثير من فقهاء العصر وصدرت بجوازها فتاوى كثيرة والأدلة على جوازها، قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فالآية الكريمة تدل على حل جميع أنواع البيع إلا إذا ورد دليل بتحريم نوع معين والمرابحة من ضمن البيوع المباحة.

وكذلك فإن المعاملات مبنية على مراعاة العلل والمصالح كما قرر ذلك فقهاء الإسلام يقول د. يوسف القرضاوي حفظه الله: [إن الشرع لم يمنع من البيوع والمعاملات إلا ما اشتمل على ظلم وهو أساس تحريم الربا والاحتكار والغش ونحوها أو ما خشي منه أن يؤدي إلى نزاع وعداوة بين الناس وهو أساس تحريم الميسر والغرر.]. وكذلك فإن بيع المرابحة جائز قياساً على جواز عقد الاستصناع، وأما قول من قال إن هذه الصورة ما هي إلا نوع من الربا فكلام باطل ومردود وقد أجاب عن ذلك الشيخ القرضاوي فقال: [قالوا: إن القصد من العملية كلها هو الربا والحصول على النقود التي كان يحصل عليها العميل من البنك الربوي فالنتيجة واحدة وإن تغيرت الصورة والعنوان، فإنها ليست من البيع والشراء في شيء فإن المشتري الحقيقي ما لجأ إلى المصرف إلا من أجل المال والمصرف لم يشتر هذه السلعة إلا بقصد أن يبيعها بأجل إلى المشتري وليس له قصد في شرائها. ونقول إن هذا الكلام ليس صحيحاً في تصوير الواقع فالمصرف يشتري حقيقة ولكنه يشتري ليبيع لغيره كما يفعل أي تاجر وليس من ضرورة الشراء الحلال أن يشتري المرء للانتفاع أو القنية أو الاستهلاك الشخصي، والعميل الذي طلب من المصرف الإسلامي أن يشتري له السلعة يريد شراءها حقيقة لا صورة ولا حيلة كالطبيب الذي ذكرنا أنه يريد شراء أجهزة ولجوء مثله إلى المصرف الإسلامي ليشتري له السلعة المقصودة له أمر منطقي لأن مهمة المصرف أن يقدم الخدمة والمساعدة للمتعاملين معه. من ذلك أن يشتري لهم السلعة بما يملك من ماله ويبيعها لهم بربح مقبول. نقداً أو لأجل وأخذ الربح المعتاد على السلعة لا يجعلها حراماً وبيعها إلى المشتري بأجل لا يجعلها حراماً أيضاً. المهم أن هنا قصداً إلى بيع وشراء حقيقيين لا صوريين وليس المقصود الاحتيال لأخذ نقود بالربا والقول بأن هذه العملية هي نفس ما يجري في البنوك الربوية وإنما تغيرت الصورة فقط قول غير صحيح. فالواقع

أن الصورة والحقيقة تغيرتا كلتاهما فقد تحولت من استقراض بالربا إلى بيع وشراء وما أبعد الفرق بين الإثنين وقد حاول اليهود قديماً أن يستغلوا المشابهة بين البيع والربا ليصلوا منها إلى إباحة الربا فرد الله تعالى عليهم رداً حاسماً بقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) سورة البقرة الآية 275. على أن تغيير الصورة أحياناً يكون مهماً جداً وإن كانت نتيجة الأمرين واحدة في الظاهر فلو قال رجل لآخر أمام ملأ من الناس: خذ هذا المبلغ واسمح لي أن آخذ ابنتك لأزني بها فقبل وقبلت البنت لكان كل منهم مرتكباً منكراً من أشنع المنكرات ولو أنه قال له: زوجنيها وخذ هذا المبلغ مهراً لها. فقبل وقبلت لكان كل من الثلاثة محسناً والنتيجة في الظاهر واحدة ولكن يترتب على مجرد كلمة "زواج " من الحقوق والمسؤوليات شيء كثير. وكذلك كلمة " البيع " إذا دخلت بين المتعاملين فإنه يترتب عليها بأن يكون هلاك المبيع إذا هلك على ضمان البائع حتى يقبضه المشتري. وأن يتحمل تبعة الرد بالعيب إذا ظهر فيه عيب وكذلك إذا كان غائباً واشتراه على الصفة فجاء على غير المواصفات المطلوبة. كما أنه إذا تأخر في توفية الثمن في الأجل المحدد لعذر مقبول لم تفرض عليه أية زيادة كما يفعل البنك الربوي بل يمهل حتى يوسر كما قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) البقرة 280. وإن تأخر لغير عذر فهو حينئذ ظالم يستحق العقوبة كما في حديث: (مطل الغني ظلم) وحديث: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) فمن حق المصرف الإسلامي أن يطالبه بالتعويض عن الضرر الفعلي قلّ أو كثر عملاً بالقاعدة الشرعية التي عبر عنها حديث: (لا ضرر ولا ضرار) وأخذ منها الفقهاء أن الضرر يزال. وهذا يخالف ما تفعله البنوك الربوية لأنها تأخذ المبلغ المقترض والفائدة الربوية المقررة على كل حال من المعسر والموسر سواء حدث

تحديد ربح التجار

ضرر أم لم يحدث سواء كان الضرر قليلاً أم كثيراً بل تأخذه سواء سلمت السلعة المقترض لها المال أم لم يتسلمها أو هلكت فالبنك الربوي لا علاقة له بالسلعة بحال، انظر بيع المرابحة ص 27 - 31. تحديد ربح التجار يقول السائل: هل حدد الإسلام حداً معيناً لربح التجارة في تجارتهم؟ الجواب: إن المتتبع لآيات القرآن الكريم ولأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجد أنها حددت مقدار أرباحهم بل جعلت ذلك حسب ظروف التجارة والسماحة والتيسير وعدم الاستغلال. وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على جواز أن يربح التاجر ضعف ثمن البضاعة فقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام البخاري بإسناده عن شبيب بن غرقدة، قال: (سمعت الحي يحدثون عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب أربح فيه) وقول الراوي في الحديث: سمعت الحي أي قبيلته كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 7/ 445. وقد ورد هذا الحديث براوية أطول عند الإمام أحمد في مسنده عن عروة بن الجعد البارقي رضي الله عنه قال: (عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني ديناراً، وقال: أي عروة أنت الجلب فاشتر لنا شاة فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما فلقيني رجل فساومني فأبيعه شاة بدينار فجئت بالدينار وجئت بالشاة فقلت: يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم. قال: وصنعت كيف؟ قال فحدثته الحديث. فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه، فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة أي سوقها فأربح أربعين ألفاً قبل أن أصل إلى أهلي وكان يشتري الجواري ويبيع) الفتح الرباني 15/ 20.

بيع العنب لمن يعصره خمرا

ففي هذا الحديث نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقر عروة على بيعة الشاة بدينار مع أنه اشتراها بنصف دينار فقد ربح فيها ما نسبته 100% فهذا يدل على جواز أن يربح التجار هذه النسبة بشرط أن لا يكون في البيع غش أو خداع أو احتكار أو غبن فاحش. فالتاجر المسلم الملتزم بدينه لا يتعامل بهذه الطرق غير المشروعة وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي مسألة تحديد أرباح التجار وقرر ما يلي: أولاً: الأصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحراراً في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وضوابطها عملاً بمطلق قول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ). ثانياً: ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة وظروف التاجر والسلع مع مراعاة ما تقضي به الآداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير. ثالثاً: تضافرت نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته كالغش والخديعة والتدليس والاستغفال وتزييف حقيقة الربح والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة. رابعاً: لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللاً واضحاً في السوق والأسعار نائشاً من عوامل مصطنعة فإن لولي الأمر حينئذ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش. بيع العنب لمن يعصره خمراً ما حكم بيع العنب لمن يقوم بعصره وصنع الخمر منه؟

الجواب: يحرم على المسلم أن يبيع العنب لشخص يصنع منه خمراً سواء كان ذلك الشخص مسلماً أو غير مسلم ويشترط لتحريم ذلك علم البائع بأن المشتري يصنع من العنب خمراً وهذا مذهب المالكية والحنابلة والمعتمد عند الشافعية ومذهب الظاهرية، ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) قال ابن قدامة رحمه الله: [وهذا النهي يقتضي التحريم] المغني 4/ 167. ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في الحديث: (لعن الرسول عليه الصلاة والسلام في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمول إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له) رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. ويدل على ذلك ما روي في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمراً فقد تقحم النار على بصيرة) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن كما قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص 167. وقد خالفه بعض المحدثين في تحسينه الحديث وقد روى محمد بن سيرين أن قيماً كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له فأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيباً ولا يصلح إلا لمن يعصره - يجعله خمراً فأمر بقلعه وقال: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر) المغني 4/ 168. وروى ابن حزم بسنده عن عطاء قال: [لا تبعه لمن يجعله خمراً] المحلى 7/ 522. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مثل هذا السؤال فقال: [لا يجوز بيع العنب لمن يعصره خمراً بل قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعصر العنب لم يتخذه خمراً فكيف بالبائع له الذي هو أعظم معاونة ولا ضرورة لذلك فإنه إذا لم يمكن بيعه رطباً ولا تزبيبه فإنه يتخذه خلاً أو دبساً ونحو ذلك] مجموع الفتاوى 29/ 236.

فسخ البيع للغبن الفاحش

فسخ البيع للغبن الفاحش يقول السائل: إنه اشترى بيتاً من شخص آخر ووقعا عقد البيع بينهما حسب الأصول الشرعية إلا أن البائع وبعد مضي أكثر من سنة طلب فسخ عقد البيع بحجة أنه قد غبن غبناً فاحشاً في الصفقة فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إذا وقع عقد البيع حسب الأصول الشرعية بين المتبايعين كان العقد صحيحاً ولا يحق لأحدهما المطالبة بالفسخ لادعائه وقوع الغبن الفاحش في الصفقة لأن مجرد وقوع الغبن الفاحش في عقد البيع ليس مبرراً لفسخه كما ورد في المادة 356 من مجلة الأحكام العدلية ونصها: [إذا وجد غبن فاحش في البيع ولم يوجد تغرير فليس للمغبون أن يفسخ البيع.]. وما قررته المجلة هو مذهب الحنفية والشافعية والمالكية في المشهور عندهم والمقصود بالغبن أن يزيد في سعر السلعة عن سعرها الحقيقي إذا كان الغبن صادراً من البائع كأن يبيع ما قيمته عشرة بمائة. أو ينقص من قيمة السلعة ويشتريها بأقل من سعرها الحقيقي كأن يشتري ما يساوي مائة بعشرة هذا إذا كان الغبن من المشتري وقد يكون الغبن يسيراً أو فاحشاً وهناك خلاف في تقدير كل منهما وأما الغرر فهو وصف المبيع للمشتري بغير صفته الحقيقية. حق الشفعة يقول السائل: حدثت بعض المشكلات عند بيع الأراضي والعقارات بسبب اختلاف الناس في فهم موضع الشفعة أرجو بيان صاحب الحق في الشفعة؟ الجواب: الشفعة عند الفقهاء هي: حق تملك العقار المبيع جبراً عن المشتري بما قام عليه من ثمن وتكاليف.

والشفعة مشروعة وثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وردت فيها أحاديث كثيرة منها: عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا أوقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) رواه البخاري. وعن جابر رضي الله عنه أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذه وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) رواه مسلم. وعن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جار الدار أحق بالدار من غيره) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. وغير ذلك من الأحاديث. والحمكة من مشروعية الشفعة كما بينها العلامة ابن القيم: [من محاسن الشريعة وعدلها وقيامها بمصالح العباد ورودها بالشفعة ولا يليق به غير ذلك فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن فإن لم يمكن رفعه إلا بضرر أعظم منه أبقاه على حاله وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به ولما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض شرع الله سبحانه وتعالى رفع هذا بالقسمة تارة وانفراد كل من الشريكين بنصيبه وبالشفعة تارة وانفراد أحد الشريكين بالجملة إذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من الأجنبي وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي ويزول عنه ضرر الشركة ولا يتضرر البائع لأنه يصل إلى حقه من الثمن وكان هذا من أعظم العدل وأحسن الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد .. إعلام الموقعين 2/ 139. .وتثبت الشفعة للشريك فمثلاً إذا كان هنالك قطعة أرض أو عمارة يشترك في ملكها شخصان وملكهما مشاع فإذا أراد أحدهما بيع حصته فشريكه أحق بذلك من غيره وهذا مذهب جمهور الفقهاء عدا الحنفية. .وأما السادة الحنفية فعندهم تثبت الشفعة للشريك وللجار الملاصق

رد القرض للمقرض مع هدية

ولكل من الفريقين أدلته وحججه وردوده على الفريق الآخر، وقد اختار بعض أهل العلم قولاً وسطاً بين هذين القولين السابقين فقرروا أن الشفعة تثبت للشريك وللجار إذا كان شريكاً مع جاره في حقٍ من حقوق الإرتفاق الخاصة كأن يكون طريقهما واحداً، وهذا القول اختاره العلامة ابن القيم والإمام الشوكاني ونقل عن الإمام أحمد. .وقد استدل لهذا القول بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً)، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه. .قال ابن القيم: والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه أن كان بين الجارين حقٌ مشترك من حقوق الأملاك من طريقٍ أو ماء أو نحو ذلك تثبت الشفعة وأن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان كل واحدٍ منهما متميزاً ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة)، إعلام الموقعين 2/ 149. .وقال أيضاً: والقياس الصحيح يقتضي هذا القول فإن الإشتراك في حقوق الملك شقيق الإشتراك في الملك، والضرر الحاصل بالشركة فيها كالضرر الحاصل بالشركة في الملك أو أقرب إليه، ورفعه مصلحة للشريك من غير مضرة على البائع ولا على المشتري فالمعنى الذي وجبت لأجله شفعة الخلطة في الملك الموجود في الخلطة في حقوقه فهذا المذهب أوسط المذاهب وأجمعها للأدلة وأقربها إلى العدل .. )، إعلام الموقعين 2/ 150 - 151. وبناءً على ما تقدم فإن الشفعة تثبت للشريك وتثبت للجار إذا كان بينه وبين جاره حق مشترك لهما وفي ذلك تحقيق الحكمة من مشروعية الشفعة وهي إزالة الضرر. رد القرض للمقرض مع هدية يقول السائل: إنه استقرض مبلغاً من المال من شخص ولما قضاه القرض أهداه هدية فما حكم ذلك؟

الجواب: الإقراض من الأمور الطيبة التي يعين بها المسلم أخاه ويفك عسره ويفرج كربته وهو داخل في عمومات الأدلة التي تحض على قضاء حاجة المسلم وإعانته كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نفس على أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). وورد في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة) رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. الإرواء 5/ 226. وقد ثبت في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استقرض جملاً من أعرابي) رواه البخاري. وورد في الحديث عن عبد الله بن أبي ربيعة قال: (استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً فجاءه مال فدفعه إلي وقال: إنما جزاء السلف الحمد والأداء) رواه النسائي وابن ماجة وأحمد وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني. الإرواء 5/ 224، وغير ذلك من الأحاديث. والأصل في القرض أن يسدده المقترض كما اقترضه وأما إذا أقرض وشرط أن يزيد عند السداد فهذا من الربا المحرم. وأما إذا اقترض وزاده عند الوفاء وكانت تلك الزيادة غير مشروطة عند العقد فمذهب جمهور الفقهاء جواز ذلك. ولا تعد تلك الزيادة من الربا ومثل ذلك الهدية بعد سداد القرض كما في السؤال. ويدل على جواز ذلك أحاديث واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم منها: 1. عن أبي رافع رضي الله عنه قال: (استلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً - الفتي من الإبل - فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت: إني لم أجد من الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً - جملاً كبيراً له من العمر ست سنوات - فقال: أعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء) رواه مسلم.

2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سناً فأعطى سناً خيراً من سنه، وقال: خياركم أحاسنكم قضاء) رواه أحمد والترمذي وصححه. 3. وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مسن من الإبل فجاء يتقاضاه، فقال: أعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سناً فوقها، فقال: أعطوه. فقال: أوفيتني أوفاك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء) رواه البخاري ومسلم. 4. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ضحى فقال: صل ركعتين وكان لي عليه دين فقضاني وزادني) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري قال جابر: (فلما قدمنا المدينة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا بلال: اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطاً). 5. وعن مجاهد قال: (استلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم ثم قضاه دراهم خيراً منه فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي التي أسلفتك، فقال عبد الله بن عمر: قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة) رواه مالك في الموطأ. 6. وقال الإمام مالك رحمه الله: (لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئاً من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان ممن أسلفه ذلك أفضل مما أسلفه إذا لم يكن ذلك على شرط منهما). 7. وقال القرطبي: [أجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة ويجوز أن يرد أفضل مما استلف إذا لم يشترط ذلك عليه لأن ذلك من باب المعروف استدلالاً بحديث أبي هريرة في البكر: (إن خياركم أحسنكم قضاء) رواه الأئمة البخاري ومسلم. فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة.

صرف دولارات بعضها ببعض

وبهذا يظهر لنا أن الهدية المذكورة في السؤال جائزة ولا باس بها ولا تعتبر من الربا المحرم]. صرف دولارات بعضها ببعض يقول السائل: الدولار الأمريكي من الفئة الكبيرة هي المتداولة بين جمهور الناس في منطقتنا أما الفئة الصغيرة فهي غير متداولة ولكن البنوك تأخذ ثلاثة بالألف عمولة على تبديلها وتقول: إنها أجرة نقل للبنوك أما عامة الصرافين فيأخذونها بسعر أقل من ذلك أيضاً فهل يجوز تبديل الفئة الصغيرة بفئة كبيرة من البنوك وذلك بدفع ثلاثة بالألف أم أن تبدل بعملة أخرى بسعر أقل من السعر الحقيقي علماً بأنها لا تساوي قيمتها أي الفئة الصغيرة إلا في الولايات المتحدة الأمريكية؟ الجواب: لا يجوز شرعاً بيع الفئة الصغيرة من الدولار الأمريكي بفئة كبيرة من العملات الورقية - النقود - تقوم مقام الذهب والفضة وبالتالي فإن الربا يجري فيها كما يجري في الذهب والفضة فتأخذ النقود الورقية أحكام الذهب والفضة وبناء عليه لا يجوز بيع الجنس الواحد منها بعضه ببعض متفاضلاً سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم. وأرى أن يقوم الصراف بتبديل الفئات الصغيرة من الدولار بعملة أخرى بسعر أقل من السعر الذي تبدل به الفئات الكبيرة من الدولار فهذه الصورة جائزة ولا بأس بها.

شراء الذهب بأقساط إلى أجل مسمى

صرف العملة مع تأجيل القبض يقول السائل: طلب شخص من صراف أن يبيعه مبلغاً من الدولاات على أن يسدد قيمتها بالشيكل بعد شهر فما حكم ذلك؟ الجواب: إن بيع عملة بعملة أخرى يسمى عند الفقهاء عقد الصرف وقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من الجانبين في المجلس قبل اقترافهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد]. فلذلك يشترط في عملية بيع عملة بأخرى أن يتم تبادل العملتين في المجلس ولا يجوز تأجيل قبض إحداهما وإن حصل التأجيل فالعقد باطل ويدل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل يداً بيد والفضة بالفضة مثلاُ بمثل يداً بيد) رواه مسلم. وبما أن العملات الورقية تقوم مقام الذهب والفضة كما قال كثير من علماء العصر فأنه يشترط في بيع هذه العملات بغيرها من العملات التقابض ولا يجوز التأجيل وبناء على ما تقدم لا يجوز للسائل أن يشتري دولارات بشيكلات مؤجلة الدفع. شراء الذهب بأقساط إلى أجل مسمى تقول السائلة: اشتريت أساور ذهبية من الصائغ واتفقت معه على تسديد الثمن على أقساط فما حكم ذلك؟ الجواب: إن بيع الأساور الذهبية وتسديد ثمنها فيما بعد على أقساط غير جائز شرعاً بل هو محرم لأنه من الربا المحرم بالنص ولا بد في هذا البيع أن يكون دفع الثمن فوراً وفي مجلس العقد أي لا بد من

الكفالة في قرض بروي

التقابض من العاقدين البائع والمشتري فلا يصح تأجيل أحد البدلين. فمثلاً إذا قلت للصائغ: بعني أساور ذهبية. فقال: لا يوجد لدي الآن سآتيك بها في الاسبوع القادم وقبض منك ثمنها عند التعاقد فهذا أيضاً بيع باطل ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم. وقد قرر الفقهاء المعاصرون أن الأوراق النقدية المعمول بها الآن تقوم مقام الذهب والفضة في التعامل بيعاً وشراءً وبها تقدر الثروات وتدفع الرواتب، ولذا تأخذ أحكام الذهب والفضة ولا سيما وجوب التناجز في مبادلة بعضها ببعض وتحريم التأجيل فيها فلذلك لا يجوز بيع الذهب بالعملات الورقية ولا شراء الذهب بالعملات الورقية ولا شراء الذهب بها إلا إذا كان يداً بيد وإذا كان هنالك تأجيل لأحد البدلين فإن ذلك حرام شرعاً لأنه باب من أبواب الربا. الكفالة في قرض بروي يقول السائل: ما حكم أن يكفل شخصاً كفالة مالية من أجل سداد قرض ربوي؟ الجواب: إن الإسلام إذا حرم شيئاً سد كل الطرق الموصلة إليه والميسرة له، فالربا من أشد المحرمات وبالتالي حرم الإسلام كل ما يؤدي له أو يساعد فيه ومن هذا الباب يحرم على الشخص أن يكفل من اقترض قرضاً ربوياً ويحرم عليه أيضاً أن يشهد على ذلك ويحرم عليه أن يكتب معاملة ربوية، وقد ثبت في الحديث عن ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح وأصله في الصحيحين. وآكل الربا هو من يأخذ المال بالربا ومؤكل الربا هو دافعه ومطعمه غيره وهذا الحديث يدل دلالة صريحة على تحريم الربا وما

شركة الأبدان

لحق به من حيث الشهود والكاتب والكفيل أشد من ذلك. شركة الأبدان يقول السائل: ما حكم اشتراك شخصين في القيام بالأعمال للناس ويكون ما يكسبانه من الدخل بينهما حسب ما يتفقان؟ الجواب: إن الشركة المشار إليها تسمى شركة الأبدان عند الفقهاء ويسميها بعضهم شركة الأعمال أو شركة الصنائع وهذه الشركة تعتمد على عمل وجهد الشركاء ولا تعتمد على رأس المال مثل الخياطة والبناء وما يتعلق به كالقصارة والبلاط وتركيب الأدوات الصحية ونحو ذلك وهذه الشركة جائزة كما هو مذهب جمهور الفقهاء واحتجوا بما ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود قال: (اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال: فجاء سعد بأسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء) رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة ورجاله ثقات إلا أنه منقطع. وهذا الحديث يدل على جواز شركة الأبدان، وقد تعامل الناس بهذا النوع من الشركة في سائر الأمصار من غير إنكار من أحد عليهم وشركة الأبدان تشتمل على الوكالة، والوكالة جائزة والمشتمل على الجائز جائز كما أن المضاربة تنعقد على العمل فجاز أن تنعقد عليه شركة الأبدان قياساً عليها كما قال الحنفية. وشركة الأبدان ضرورة لا بد منها ولو قلنا بمنعها لأدى ذلك إلى تعطيل كثير من الأعمال التي تعارف الناس عليها ولفاتت كثير من المصالح. الشركات 2/ 37 - 41. ولا بد لصحة هذه الشركة من معرفة نصيب كل من الشركاء كأن يكون لكل منهما النصف مثلاً ولا يجوز أن يكون نصيب الشركاء مبلغاً محدوداً كأن، يكون لأحدهما مئة دينار في الشهر مثلاً.

الاقتطاع من أجر العامل

الاقتطاع من أجر العامل يقول السائل: إنه يقوم بإحضار عمال للعمل لدى أصحاب المصانع ويتفق مع أصحاب العمل على أن أجرة العامل عشرون ديناراً ويتفق مع العامل أن أجرة العمل خمسة عشر ديناراً ويأخذ خمسة دنانير عن كل عامل، فما الحكم في ذلك؟ الجواب: لا يجوز لهذا الشخص أن يأخذ الخمسة دنانير وهي الفرق بين ما اتفق عليه مع أصحاب العمل وما اتفق عليه مع العامل وإن هذا يعتبر أكلاً لأموال الناس بالباطل وخاصة انه لا يوجد أي جهد لهذا الشخص في عمل العامل والله سبحانه وتعالى يقول: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ). وهذا الرجل استغل العمال استغلالاً بشعاً فأخذ ثمرة جهدهم وتعبهم وهو لم يخسر شيئاً وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري. ديون الأب بعد وفاته يقول السائل: إن والده قد توفي وكانت عليه ديون كثيرة ولم يترك مالاً لقضائها فهل يجب على أولاده قضاء ديونه؟ الجواب: يجب أن يعلم أنه إذا مات الميت وترك مالاً فالواجب على ورثته أولاً أن يقوموا بتجهيز الميت وتكفينه وما يتعلق بذلك من تركته، وبعد ذلك يجب قضاء ديونه باتفاق الفقهاء وبعد ذلك تنفذ وصاياه من ثلث المال الباقي بعد تجهيزه وبعد سداد الديون. وينبغي أن يعلم أن قضاء الدين مقدم على تنفيذ وصايا الميت وإن

الميراث الانتقالي

كانت الوصية مقدمة على الدين في آية المواريث، يقول الله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ). وبعد ذلك يوزع الباقي على الورثة حسب التقسيم الشرعي لذلك، وأما بالنسبة لديون الميت فمنها ديون الله عز وجل مثل الزكاة والكفارات والنذور وأرجح الأقوال فيها أن تقضى عن الميت إن ترك مالاً سواء أوصى بقضائها أم لم يوص ويدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) رواه البخاري. وأما ديون العباد فيجب أن تقضى من مال الميت إن ترك مالاً كما ذكرت وأما إذا لم يترك مالاً وعليه ديون فيستحب للورثة أن يبادروا إلى سداد الديون على الميت إبراء لذمته ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن ولا يجب على الورثة أن يقضوا ديون الميت إن لم يترك وفاء لدينه وفي هذه الحالة يكون قضاء الدين على ولي أمر المسلمين ويدل على ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاءه ومن ترك مالاً فلورثته). وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى، عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه فضلاً؟ فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلّى وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً فعلي قضاءه ومن ترك مالاً فلورثته) رواه البخاري. وبهذا يظهر لنا أنه لا يجب على الابن قضاء الدين عن أبيه ولكن يستحب له ذلك إبراء لذمة والده ووفاء لوالده وبراً به. الميراث الانتقالي يقول السائل: ما هو الحكم الشرعي في توزيع الميراث حسب النظام

المسمى في المحاكم الشرعية بالانتقالي والذي يتضمن مساواة الأنثى للذكر في الأراضي الأميرية؟ وهل يتعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية؟ الجواب: إن الأرض الأميرية هي التي تعود ملكيتها لبيت مال المسلمين وهذه الأراضي لم تقسم على الفاتحين المسلمين وبقيت رقبتها ملكاً للدولة الإسلامية وأعطيت منفعتها لمن يقيمون عليها وأصل ذلك يعود إلى عهد عمر بن الخطاب عندما فتح العراق ولم يقسم الأراضي المفتوحة على المقاتيلن وإنما أبقى رقبتها ملكاً لبيت مال المسلمين وملك القائمين عليها منفعتها على أن يؤدوا نصيباً مفروضاً لبيت مال المسلمين فالذي يملك التصرف في الأراضي الأميرية هو الحاكم المسلم والأراضي الأميرية لا يجري فيها الميراث الشرعي لأنه إذا مات من بيده الأرض فهو في الحقيقة غير مالك لها وإنما يملك حق المنفعة فقط فإذا مات انتقل حق المنفعة لورثته ولا يجري فيها الميراث فلا تعتبر من ضمن تركة المتوفى ولا تقضى ديونه ولا تقسم قسمة المواريث بل تنتقل بحسب ما يرى السلطان. وقد قامت الحكومة العثمانية بسن قانون الانتقال بالأراضي الأميرية منذ عهد السلطان سليمان القانوني وقد جرى عليه تعديلات كثيرة وأصل أحكام هذا القانون مستندة لأحكام الشريعة الإسلامية ومن التعديلات التي أدخلت على هذا القانون في عهد السلطان عبد المجيد تساوي الذكور والإناث في أحكام قانون انتقال الأراضي. وقضية تساوي الذكر والأنثى في هذا القانون لا تتعارض مع تفاوت نصيب الذكر والأنثى في الميراث الشرعي وذلك لأن مالك الأراضي الأميرية هو بيت مال المسلمين والذي يحق له التصرف فيها هو الحاكم المسلم ويجوز للحاكم أن يملك المنفعة في الأراضي الأميرية بالتساوي بين الذكر والأنثى ولا مانع يمنع ذلك في الشريعة الإسلامية لأن للإمام ولاية عامة على المسلمين وله أن يتصرف في مصالح المسلمين ويضاف إلى ما قلت أن الأراضي الأميرية كما لا يجري فيها الإرث الشرعي لا يجري فيها الوقف ولا الرهن ولا البيع ولا الهبة ولا الشفعة وقانون الانتقال بالأراضي الأميرية

أنت ومالك لأبيك

استمر العمل به في بلادنا حتى 16/ 4/1991 ثم أوقف العمل به نظراً للظروف الخاصة التي تمر بها البلاد ومن اراد التوسع في معرفة أحكام الانتقال بالأراضي الأميرية فليرجع إلى كتاب الفريدة في حساب الفريضة للشيخ محمد نسيب البيطار رحمه الله. أنت ومالك لأبيك يقول السائل: هل يجوز للأب أن يتملك مال ولده ويأخذه له اعتماداً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك)؟ الجواب: لقد اتفق الفقهاء على أنه يجب على الولد الموسر أن ينفق على والده الفقير المحتاج وإن لم يفعل فهو آثم عند الله سبحانه وتعالى. ويجوز للأب أن يأكل من مال ولده ويأخذ منه قدر حاجته ما لم يكن في ذلك سرف أو سفه فقد ورد في الحديث عن عائشة قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم) رواه أصحاب السنن الأربعة وأحمد وابن حبان والحاكم وهو حديث حسن صحيح كما قال الترمذي وفي رواية لأحمد: (ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم هنيئاً) ورواه الحاكم وصححه. وينبغي للابن أن يبذل ماله لأبيه ولا يمنعه منه وليس معنى ذلك أن الأب يملك مال الابن من غير طيب نفس من ابنه وأما الحديث المذكور وهو قوله: (أنت ومالك لأبيك) فهو جزء من حديث ورد بروايات مختلفة منها عن جابر بن عبد الله أن رجلاً قال: (يا رسول الله إن لي مالاً وولداً وإن أبي يجتاح مالي. فقال عليه الصلاة والسلام: أنت ومالك لبيك) رواه ابن ماجة والطحاوي والطبراني وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني وقد ورد هذا الحديث من طرق كيثرة تكلم عليها الألباني بالتفصيل في كتابه إرواء الغليل 3/ 323 - 330.

ولم يأخذ أكثر الفقهاء بظاهر الحديث قال ابن حبان في صحيحه: تحت عنوان " ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة العلم أن مال الابن يكون للأب. " ثم ذكر الحديث وعقب عليه بقوله: [ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم زجر عن معاملته أباه بما يعامل به الأجنبي وأمره ببره والرفق به في القول والفعل معاً إلى أن يصل إليه ماله فقال له: (أنت ومالك لأبيك) لا أن مال الابن يملكه الأب في حياته عن غير طيب نفس من الابن له] صحيح ابن حبان 2/ 142 - 143. ويرى بعض أهل العلم أن اللام في قوله صلى الله عليه وسلم: (لأبيك) تفيد الإباحة لا التمليك فيباح للوالد أن يأخذ من مال الابن حاجته ولا تفيد أن الأب يملك مال الابن فإن مال الابن له وزكاته عليه وهو موروث عنه. وقال الشيخ علي الطنطاوي: [إن الحديث قوي الإسناد لكن لا يؤخذ عند جمهور الفقهاء على ظاهره بل يؤول ليوافق الأدلة الشرعية الأخرى الثابتة والقاعدة الشرعية المستنبطة منها وهي أن المالك العاقل البالغ يتصرف بماله وليس لأحد التصرف به بغير إذنه.] فتاوى الطنطاوي ص 137. وأخيراً أذكر رواية للحديث السابق لما فيها من العظة والعبرة وإن كان في سندها كلام فقد روي: (أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي أخذ مالي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: اذهب فائتني بأبيك. فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يقرئك السلام ويقول: إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله؟ فقال: سله يا رسول الله هل أنفقه إلا على عماته أو خالاته أو على نفسي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إيه دعنا من هذا وأخبرنا عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذاك. فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقيناً لقد قلت في نفسي شيئاً ما سمعته أذناي. فقال: قل وأنا أسمع. قال: قلت: غذوتك مولوداً ومنتك يافعاً إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت كأني أنا المطروق دونك بالذي ت فلما بلغت السن والغاية التي جعلت جزائي غلظة وفظاظة فليتك إذ لم ترع حق أبوتي تراه معداً للخلاف كأنه ... تعل بما أجني عليك وتنهل لسقمك إلا ساهراً أتململ طرقت به دوني فعيناي تهمل

كسب المال من الحرام

خاف الردى نفسي عليك وأنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل إليها مدى ما فيك كنت أؤمل كأنك أنت المنعم المتفضل فعلت كما الجار والمجرور يفعل برد على أهل الصواب موكل قال فحينئذ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه وقال: أنت ومالك لأبيك). كسب المال من الحرام يقول السائل: إنه يكتسب مالاً من حرام مع العلم أنه قادر على اكتساب المال بطريق حلال ولكن ما يكسبه من الحرام كثير وما يكسبه من الحلال قليل؟ فماذا يفعل؟ الجواب: لا يجوز للمسلم أن يكتسب المال بطريق حرام قليلاً كان المال أو كثيراً يقول سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) وكون المال الذي يكسبه بالحلال قليلاً وما يكسبه من الحرام أكثر ليس مبرراً لاكتساب المال بالحرام وليعلم السائل وغيره أن المسلم سيسأل يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه الألباني. الرشوة يقول السائل: هل تعتبر الهدايا التي تقدم لشخص مسوؤل عن صندوق

السمسرة

المدرسة من قبل أولياء أمور الطلبة من باب الرشوة؟ ويسأل فيما إذا كان حديث ابن اللتبية ينطبق عليه أم لا؟ الجواب: أبدأ أولاً بذكر الحديث المشار إليه في السؤال فقد روى الإمام البخاري بسنده عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: (استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا مالكم وهذا أهدي إلي. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لك وهذا لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر.) ورواه مسلم وغيره. وهذا الحديث الصحيح يدل على عدم جواز الهدية للمسؤولين إذا كانت الهدية جاءتهم بحكم المسؤولية التي يحملونها وتعتبر هذه الهدية في حكم الرشوة فإذا أهدى شخص هدية إلى موظف في وظيفة ما ولم يكن بينهما تهاد قبل توليه لتلك الوظيفة فلا يجوز أن يقبل الهدية. جاء في المغني عند الكلام على الهدية للقاضي قال: [ولا يقبل هدية من لم يكن يهدي إليه قبل ولايته وذلك لأن الهدية يقصد بها في الغالب استمالة قلبه ليعتني به في الحكم فتشبه الرشوة.] المغني 10/ 68. وبناء على ما تقدم نقول للسائل: إذا جاءت الهدية من قبل شخص كان يهديك قبل توليك لوظيفتك فلا بأس بها وكذلك إذا لم يكن للمهدي غرض عند الشخص المهدى إليه، وأما إذا كانت الهدية بسبب تولي المنصب أو الوظيفة فلا ينبغي قبولها لأنها في الظاهر هدية وفي الباطن رشوة. السمسرة يقول السائل: شخص يعمل سائق سيارة باص ويقوم بنقل الزوار إلى أماكن معينة للزيارة ويأخذهم إلى محلات تجارية مخصوصة ليشتروا منها

التصرف في المال المكتسب بالربا

والسائق متفق مع أصحاب المحلات على أن يدفعوا له نسبة معينة من الربح مثل 10% أو 20% فهل يجوز ذلك؟ الجواب: الذي يظهر أن ذلك جائز ولا بأس به فهذا نوع من السمسرة المعروفة لدى التجار لدى التجار فالتاجر يقول للسمسار بع لي هذه البضاعة ولك كذا وكذا على حسب ما يتفقان أو يقول شخص للسمسار اشتر لي قطعة أرض ولك كذا وكذا على حسب ما يتفقان فهذه معاملة جائزة ولا بأس بها إن شاء الله. التصرف في المال المكتسب بالربا يقول السائل: إن له أموالاً في أحد البنوك وأن البنك يعطيه على ذلك فوائد فما حكم ذلك؟ الجواب: لا شك أن الربا من أعظم المحرمات والربا المحرم هو الذي يسمى الآن الفائدة وهذه الفائدة مال حرام وكل مال حرام لا يجوز للمسلم أن ينتفع به انتفاعاَ شخصياً فلا يجوز أن يصرفه على نفسه ولا على زوجته وأولاده ومن يعولهم لأنه مال حرام بل هو من السحت ومصرف هذا المال الحرام وأمثاله هو إنفاقه على الفقراء والمحتاجين ومصارف الخير كدور الأيتام والمؤسسات الاجتماعية ونحوها. ولا يجوز ترك هذه الأموال للبنوك بل تؤخذ وتنفق في جهات الخير والبر. تفصيل كيفية التصرف بالمال الربوي كنت قد أجبت في حلقة يوم الجمعة الماضية عن سؤال يتعلق بالفوائد التي تدفعها البنوك وعن كيفية التصرف فيها وقلت في الجواب إن هذه

الأموال تصرف للفقراء والمحتاجين ومصارف الخير كدور الأيتام والمؤسسات الاجتماعية ونحوها وكان جواب السؤال مقتضباً وفي هذه الحلقة أفصل الجواب لتوضيح الأمر بالتفصيل فأقول: إن الربا من أكبر المحرمات وقد قامت الأدلة الصريحة من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم على تحريمه والأصل أنه يحرم على المسلم أن يضع أمواله في البنوك الربوية ابتداء إلا عند الضرورة فإذا حصل ووضع أمواله في البنك الربوي وأعطاه البنك الربوي ما يسمونه بالفائدة وهو الربا حقيقة وفعلاً فإن أمامه عدة احتمالات ليتصرف بهذا المال كما قرر ذلك بعض الفقهاء المعاصرين: أولاً: أن ينفق هذا المال على نفسه وعياله وفي شؤونه الخاصة. ثانياً: أن يترك هذا المال للبنك. ثالثاً: أن يأخذ هذا المال ويتلفه ليتخلص منه. رابعاً: أن يأخذه ويصرفه في مصارف الخير المختلفة للفقراء والمساكين والمؤسسات الخيرية. هذه هي الاحتمالات الأربعة القائمة في هذه المسألة ونريد أن نناقشها واحداً تلو الآخر. أما الخيار الأول وهو أن يأخذ هذا المال الحرام - الفائدة - من البنك وينفقه على نفسه وعياله وشؤونه الخاصة فهذا أمر محرم شرعاً بنص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه إن أخذه وأنفقه على نفسه وعياله يكون قد استحل الربا المحرم، يقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) ويقول أيضاً: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وأما الخيار الثاني الذي مفاده أن تترك الفائدة للبنوك فإنه مهما اعتبره بعض الناس اقتضاء التقوى وموافقة حكم الشرع ومهما ترجح هذا الرأي لديهم لا يشك في تحريم ذلك من له أدنى معرفة بنظام البنوك الربوية

وخاصة بنوك أوروبا وأميركا حيث تقوم هذه البنوك بتوزيع تلك الأموال على جمعيات معادية للإسلام والمسلمين. لذلك فإن إبقاء الفوائد للبنوك الربوية حرام ولا يجوز شرعاً، قال الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله: [والخلاصة أن ترك الفوائد للبنوك وبخاصة الأجنبي حرام بيقين وقد صدر ذلك عن أكثر من مجمع وخصوصاً مؤتمر المصارف الإسلامية الثاني في الكويت) فتاوى معاصرة 2/ 410. وذكر أحد علماء الهند المعاصرين أن تلك الفوائد التي كان المسلمون يتركونها للبنوك الربوية في الهند كانت تصرف على بناء الكنائس وعلى إرساليات التبشير وغير ذلك. راجع قضايا فقهية معاصرة ص 24. وأما الخيار الثالث وهو إتلاف تلك الأموال فلا يقول به عاقل لأن المال نعمة من الله سبحانه وتعالى وليس بنجس بنفسه وإنما يخبث المال إذا كسبه بطريق حرام فإتلافه إهدار لنعمة الله، قال الشيخ مصطفى الزرقا: [فالمال لا ذنب له حتى نحكم عليه بالإعدام فإتلافه إهدار لنعمة الله وهو عمل أخرق والشريعة الإسلامية حكمة كلها لأن شارعها حكيم]. فإذا بطلت الخيارات الثلاثة وبقي الخيار الرابع وهو أخذ المال من البنك وتوزيعه على الفقراء والمساكين وجهات الخير الأخرى وهذا شأن كل مال حرام يحوزه المسلم فيجب عليه أن يتصدق به، قال حجة الإسلام الغزالي موضحاً مسألة التصدق بالمال الحرام ما نصه: [فإن قيل: ما دليل جواز التصدق بما هو حرام وكيف يتصدق بما لا يملك؟ وقد ذهب جماعة إلى أن ذلك غير جائز لأنه حرام وحكى عن الفضيل أنه وقع في يده درهمان فلما علم أنهما من غير وجههما رماهما بين الحجارة وقال: لا أتصدق إلا بالطيب ولا أرضي لغيري مالاً لا أرضاه لنفسي؟ فنقول: نعم ذلك له وجه واحتمال وإنما اخترنا خلافه للخبر والأثر والقياس. أما الخبر: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق بالشاة المصلية التي قدمت فكلمته بأنها حرام إذ قال صلى الله عليه وسلم (أطعموها الأسارى) قال الحافظ العراقي

في تخريج هذا الحديث رواه أحمد وإسناده جيد. ولما نزل قوله تعالى: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) كذبه المشركون وقالوا للصحابة: ألا ترون ما يقول صاحبكم يزعم أن الروم ستغلب فخاطرهم أبو بكر بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حقق الله صدقه وجاء أبو بكر رضي الله عنه بما قامرهم به قال عليه الصلاة والسلام: (هذا سحت فتصدق به وفرح المؤمنون بنصر الله وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له في المخاطرة مع الكفار. قال الحافظ العراقي: حديث مخاطرة ابي المشركين بإذنه صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى:: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) وفيه فقال صلى الله عليه وسام: (هذا سحت فتصدق به) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من حديث ابن عباس وليس فيه إن ذلك كان بإذنه صلى الله عليه وسلم والحديث عند الترمذي وحسنه والحاكم وصححه دون قوله أيضاً: (هذا سحت فتصدق به). وأما الاثر فإن ابن مسعود رضي الله عنه اشترى جارية فلم يظفر بمالكها لينقده الثمن فطلبه كثيراً فلم يجده فتصدق بالثمن وقال: اللهم هذا عنه إن رضي وإلا فالأجر لي. وسئل الحسن رضي الله عنه عن توبة الغال-من يأخذ من مال الغنيمة قبل أن يقسم-وما يؤخذ منه بعد تفرق الجيش فقال: يتصدق به. وروي أن رجلاً سوّلت له نفسه فغلّ مائة دينار من الغنيمة ثم أتى أميره ليردها عليه فأبى أن يقبضها وقال له: تفرق الناس. فأتى معاوية فأبى أن يقبضها. فأتى بعض النّساك فقال: ادفع خمسها إلى معاوية وتصدّق بما يبقى فبلغ معاوية قوله فتلهف إذ لم يخطر له ذلك. وقد ذهب أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وجماعة من الورعين إلى ذلك. وأما القياس: فهو أن يقال أن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى خير إذ قد وقع اليأس من مالكه وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى من إلقائه في البحر فإنا إن رميناه في البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى المالك ولم تحصل منه فائدة وإذا رميناه في يد فقير يدعو لمالكه حصل للمالك بركة دعائه وحصل للفقير سد حاجته وحصول الأجر للمالك

أتعاب العامل

بغير اختياره في التصدق لا ينبغي أن ينكر فإن في الخبر الصحيح: (إن للزارع والغارس أجراً في كل ما يصيبه الناس من ثماره وزروعه) رواه البخاري. وأما قول القائل: لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر وترددنا بين التضييع وبين التصدق ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع. وقول القائل: لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك ولكنه علينا حرام لاستغنائنا عنه وللفقير حلال إذا حلّه دليل الشرع وإذا اقتضت المصلحة التحليل وجب التحليل وإذا حل فقد رضينا له الحلال. ونقول: إنه له أن يتصدق على نفسه وعياله إذا كان فقيراً أما عياله وأهله فلا يخفى لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله بل هم أولى ولو تصدق به على فقير لجاز وكذا إذا كان هو الفقير] فتاوى معاصرة 2/ 412 - 413. وبهذا يظهر لنا أن المصرف الوحيد لهذه الأموال-الفوائد- هو التصدق بها وقد قال بهذا القول عدد من الفقهاء المعاصرين في مؤتمر عقد سنة 1979 وشارك فيه عدد من العلماء المسلمين المعاصرين وهو قول سديد وفقه حسن وبه أقول. أتعاب العامل يقول السائل: إنه يملك محلاً لبيع الخضار وأنه شغل عاملاً لديه بأجرة شهرية وأن العامل ترك العمل بعد مدة وطالب بأتعاب عن المدة التي اشتغلها مع العلم أنه لا يوجد أي عقد بينهما فهل يحق للعامل أن يطالب بأتعاب؟ الجواب: إذا لم يكن هناك عقد بين صاحب العمل والعامل فإن المعاملة بين الاثنين تكون حسب العرف السائد بين أصحاب العمل والعمال

القرعة

فإذا جرت العادة بأن يعطى العمال ما يسمى بالأتعاب بعد انتهاء عملهم فيستحق ذلك العامل الأتعاب التي أخذها أمثاله ويقدر ذلك أهل الخبرة. وأما إذا كان العرف لا يعطي العامل إلا أجرته فقط ولا يعطيه أتعاباً فلا يستحق العامل ذلك والأصل المعتمد في هذه المسألة القواعد الفقهية المقررة عند أهل العمل منها: 1. العادة محكمة. 2. المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. 3. المعروف بين التجار كالمشروط بينهم. ويجب أن يعلم أن العادة المعتبرة هنا هي العادة أو العرف الغالب المطرد فقد جاء في القاعدة الفقهية " إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت ". القرعة يقول السائل: نحن ثلاثة شركاء في قطعة أرض قمنا بتقسيمها واختلفنا في تحديد حصة كل منا فعملنا قرعة لتحديد الحصص فما حكم الشرع في القرعة؟ الجواب: إن القرعة مشروعة في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبيان ذلك كما يلي: 1. يقول الله سبحانه وتعالى في قصة مريم عليها السلام: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) سورة آل عمران الآية 44. قال الإمام العربي المالكي في تفسيره للآية السابقة: [روي أن زكريا قال: أنا أحق بها خالتها عندي. وقال بنو إسرائيل: نحن أحق بها بنت عالمنا فاقترعوا عليها بالأقلام وجاء كل واحد منهم بقلمه واتفقوا أن

يجعلوا الأقلام في الماء الجاري فمن وقف قلمه ولم يجر في الماء فهو صاحبها ... ] أحكام القرآن 1/ 273. 2. ويقول الله عز وجل في قصة يونس عليه السلام: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) سوة الصافات الآيتان 139 - 141. ذكر الطبري: [أن يونس عليه السلام لما ركب في السفينة أصاب أهلها عاصفة من الريح فقالوا هذه بخطيئة احدكم فقال يونس وعرف أنه هو صاحب الذنب: هذه خطيئتي فألقوني في البحر وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم (فساهم فكان من المدحضين) فقال لهم قد أخبرتكم أن هذا الأمر بذنبي وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم الثانية فكان من المدحضين وأنهم أبوا أن يلقوه في البحر حتى أعادوا بسهامهم الثالثة فكان من المدحضين] تفسير القرطبي 15/ 124. وقد استدل العلماء بهاتين الآيتين على مشروعية القرعة بالإضافة إلى الأحاديث التي سأذكرها فيما بعد. قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب القرعة في المشكلات وقوله عز وجل إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم] وقال ابن عباس: [اقترعوا فجرت الأقلام مع الجرية وعال قلم زكريا الجرية فكفلها زكريا]. وقوله تعالى: (فَسَاهَمَ) أقرع-فكان من المدحضين-من المسهومين) صحيح البخاري مع الفتح 6/ 221. وقد ثبتت القرعة في شريعتنا الإسلامية بأحاديث كثيرة منها: أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا) رواه البخاري ومسلم. ب. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيهن خرج سهمها خرج بها معه) رواه البخاري ومسلم.

ج. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف) رواه البخاري. د. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثاً ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولاً شديداً) رواه مسلم. وقد أخذ جمهور أهل العلم بالقرعة واعتبروها من الطرق المشروعة لإظهار الحقوق واعتبروها طريقاً من طرق الحكم في القضاء الشرعي وقد ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد استعملها كما سبق. وقد بيّن الإمام القرافي ضابط استعمال القرعة فقال: [اعلم أنه متى تعنيت المصلحة أو الحق في جهة لا يجوز الإقراع بينه وبين غيره. لأن في القرعة ضياع ذلك الحق المتعين أو المصلحة المتعينة. ومتى تساوت الحقوق والمصالح فهذا هو موضع القرعة عند التنازع دفعاً للضغائن والأحقاد بما جرت به الأقدار وقضى بها الملك الجبار ... ] الفروق 4/ 111. وما قام به الشركاء في السؤال عمل صحيح لا شيء فيه لأنهم لجأوا إلى تحديد حصة كل منهم بالقرعة وهذا من المواضع التي تستعمل فيها القرعة، وقد أجاز الفقهاء ذلك، وفي استعمال القرعة تطييب للقلوب ورضا كل شريك بحصته.

الأيمان والنذور

الأيمان والنذور

حلف بالحرام على زوجته

حلف بالحرام على زوجته يقول السائل: إنه تشاجر مع زوجته وحلف عليها بالحرام أن لا تنام معه في غرفة النوم لمدة شهر كامل فما حكم ذلك: الجواب: لا يجوز للمسلم أن يحرم ما أحل الله سبحانه وتعالى ويعتبر هذا من التلاعب في الدين لقوله سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا) فالذي يحرم ما أحل الله يكون قد اعتدى وتجاوز الحد هذا من ناحية. وأما من الناحية الأخرى فما قام به السائل من الحلف بالحرام على زوجته أن لا تنام معه في غرفة النوم لمدة شهر كامل فيعتبر يميناً وعليه ألا يقرب زوجته ذلك الأشهر وإن حنث بيمينه فعليه كفارة اليمين، وهي المذكورة في قوله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ). الحلف على ترك زيارة الوالد حلفت امرأة على عدم زيارة والدها ولما مرض ذهبت لزيارته فماذا تصنع؟

حلف على ابنه يمينا أن لا يذهب إلى صلاة الجماعة

الجواب: هذه المرأة حلفت على أمر مطلوب فعله وهو زيارة والدها ولا يجوز لها أن تمتنع على زيارة والدها لأن ذلك حرام شرعاً فيمينها يمين محرمة ولا يجوز لها أن تبر بيمينها فتمتنع عن زيارة والدها لقوله عليه الصلاة ولاسلام: (لا يمين في قطيعة رحم) رواه أبو داود والبيهقي وسنده حسن. وما دام أنها زارته فقد فعلت ما هو مطلوب منها شرعاً وتلزمها كفارة يمين لقوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) رواه مسلم. وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة أو متفرقة. حلف على ابنه يميناً أن لا يذهب إلى صلاة الجماعة يقول السائل: إن أباه حلف عليه يميناً أن لا يذهب إلى صلاة الجماعة في المسجد فما حكم هذه اليمين وما موقف الابن من يمين أبيه؟ الجواب: إن أباك أخطأ في حلفه هذا ولا يجب عليك أن تبر بيمين أبيك ولا يصح للأب أن يجعل يمينه حائلاً دون فعل الطاعات لقوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ). وعلى أبيك كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد يصوم ثلاثة أيام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه) حديث صحيح. وكما قلت لا يجب عليك أن تبر بقسم أبيك لأن إبرار المقسم يكون مندوباً إذا لم يكن في اليمن مفسدة أو خوف ضرر أو أمر مكروه فإذا لم يكن في اليمين مثل ذلك يندب في حق المحلوف عليه أن يبر بقسم الحالف لما ثبت في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز

حلف يمينا ألا يزور بيت خاله ثم زاره

وتشميت العاطس وإبرار المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام ... إلخ الحديث). والأمر في الحديث على أمور مندوبة باتفاق أهل العلم كما قرره الإمام الشوكاني، وقد أقسم أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بتأويل الرؤيا فقال عليه الصلاة والسلام (لا تقسم) ولم يخبره كما ثبت ذلك في الصحيح. حلف يميناً ألا يزور بيت خاله ثم زاره يقول السائل: حلفت يميناً على ألا أزور بيت خالي ثم زرته في يوم العيد وصمت ثلاثة أيام كفارة يميني فما الحكم في ذلك؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أن اليمين التي حلفتها يمين مكروهة لأنها تضمنت الإمتناع عن بر خالك وزيارته ولا يجوز للمسلم أن يجعل اليمين حائلاً ومانعاً من القيام بالخيرات، قال الله تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ). فكل يمين تحول بين الإنسان وبين فعل الخيرات مكروهة. وقال الله سبحانه وتعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). سورة النور الاية 22. قال ابن كثير رحمه الله: [يقول الله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ) من الآلية وهي الحلف أي لا يحلف ... وهذه الآية نزلت في الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لاينفع مسطح بن أثاثة بنافعة أبداً بعد ما قاله في عائشة ما قال ............ فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة وطابت النفوس المؤمنة واستقرت وتاب الله على من تكلم من المؤمنين في ذلك وأقيم الحد على من أقيم عليه شرع تبارك وتعالى وله الفضل والمنّة يعطف الصديق على قريبه ونسيبه وهو مسطح بن أثاثة فإنه كان ابن خالة الصديق وكان مسكيناً لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر رضي الله عنه وكان من المهاجرين في

لا كفارة في اليمين الغموس

سبيل الله وقد زلق زلقة تاب الله عليه منها وضرب الحد عليها، وكان الصديق رضي الله عنه معروفاً بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب فلما نزلت هذه الاية إلى قوله تعالى: (أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ... ) الخ الآية، فأن الجزاء من جنس العمل فكما تغفر ذنب من أذنب إليك يغفر الله لك وكما تصفح يصفح عنك فعند ذلك قال الصديق: بلى والله نحب ان تغفر لنا يا ربنا ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة وقال: والله لا أنزعها منه ابداً-في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبداً-فلهذا كان الصديق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته] تفسير ابن كثير 3/ 276. هذا ما يتعلق بيمينك أما صيام الأيام الثلاثة فأنت مشيت على رأي عامة الناس الذين يظنون أن كفارة اليمين هي صيام ثلاثة أيام وهذا من الأخطاء الشائعة والمنتشرة بين الناس والصحيح أن كفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة المائدة الآية 89. فكفارة اليمين هي إما إطعام عشرة مساكين أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة على التخير أي أن الحالف يختار واحدة من هذه الخصال الثلاث فإذا كان فقيراً عاجزاً عن التكفير بإحدى هذه الخصال فإنه يصوم ثلاثة أيام وبناء على ذلك لا يجوز التكفير بصيام ثلاثة أيام إذا كان الشخص قادراً على ما سبق فإذا صام ثلاثة أيام وهو مستطيع للإطعام أو الكسوة فلا يعد مكفر عن يمينه وتبقى الكفارة ديناً في ذمته ولا تبرأ ذمته إلا إذا كفّر بالإطعام أو الكسوة واستثناء العتق لأنه لا يوجد في زمننا هذا تحرير رقاب. وأخيراً أنبه على جواز إخراج قيمة الإطعام أو الكسوة نقداً كما هو مذهب الحنفية. لا كفارة في اليمين الغموس يقول السائل: حلف رجل يميناً على قطعة أرض أنها له ولم تكن

الأرض له وقد راجع نفسه ويريد الآن أن يتوب فماذا يصنع؟ الجواب: إن هذه اليمين التي حلفها الرجل يمين محرمة بل كبيرة من الكبائر والعياذ بالله فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس). رواه الإمام البخاري في صحيحه. قال الحافظ ابن حجر: [اليمين الغموس .. قيل سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار] فتح الباري 14/ 363. وفي رواية أخرى للحديث السابق قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله. قال: ثم ماذا؟ قال: عقوق الوالدين؟ قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس) قلت-أي أحد رواة الحديث لعامر الشعبي-: [ما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم بيمين صبر هو فيها كاذب] حديث صحيح رواه ابن حبان في صحيحه 12/ 373. وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو غضبان) فأنزل الله تصديق ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا .. ) إلى آخر الآية. فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا. قال: فيّ أنزلت، كان لي بئر في أرض ابن عم لي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بينتك أو يمينه فقلت: إذا يحلف عليها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو غضبان) صحيح البخاري مع الفتح 14/ 367. ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتساهلون في أمر الأيمان فيقدمون على الحلف متعمدين للكذب وهم لا يعرفون عواقب تلك الأيمان الكاذبة أو يعرفونها ومع ذلك يتلاعبون في الأيمان ويظنون الأمر هيناً وهو عند الله عظيم. يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا

قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة آل عمران الآية 77 ففي هذه الآية عقوبات لمن يحلف كاذباً متعمداً ليأكل حقوق الناس وهي: 1. لا حظ له في الآخرة ولا نصيب له من رحمة الله. 2. لا يكلمه الله سبحانه وتعالى كلام أنس ولا لطف. 3. يعرض الله عنه يوم القيامة فلا ينظر إليه بعين الرحمة. 4. لا يطهره من الأوزار والذنوب. 5. يعذبه عذاباً أليماً على ما ارتكب من المعاصي. وقد ورد في أحاديث أخرى عقوبات غير ذلك منها ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح. وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: (لا يقتطع رجل حق امرئ مسلم بيمينه إلا حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقال رجل من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً قال عليه الصلاة والسلام: وإن كان سواكاً من أراك) رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح. وعلى هذا الرجل الذي حلف كاذباً وأراد أن يتوب الآن أن يعيد الأرض لأصحابها وأن يندم على ما فعل وأن يكثر من فعل الخيرات ولا يوجد كفارة ليمينه الغموس وليس له سوى التوبة الصادقة على الراجح من أقوال أهل العلم ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: (خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن والفرار يوم الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير الحق) رواه أحمد وإسناده جيد كما قال الشيخ الألباني. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كنا نعد الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذباً ليقتطعه.

الأكل من الشاة المنذورة

وقال الإمام القرطبي معلقاً على قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ .. ) وإلى آخر الآية: [فلم يذكر كفارة فلو أوجبنا عليه كفارة لسقط جرمه ولقي الله وهو عنه راضٍ ولم يستحق الوعيد المتوعد عليه وكيف لا يكون ذلك وقد جمع هذا الحالف الكذب واستحلال مال الغير والاستخفاف باليمين بالله تعالى والتهاون بها وتعظيم الدنيا. فأهان ما عظمه الله وعظم ما حقره الله سبحانه وتعالى وحسبك] تفسير القرطبي 6/ 268. الأكل من الشاة المنذورة يقول السائل: نذر إنسان أن يذبح شاة فهل يجوز أن يأكل منها هو وأهل بيته؟ الجواب: إن الوفاء بالنذر واجب لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه) رواه البخاري ومسلم. ويجب أن يعلم أن النذر حتى يعتبر نذراً لا بد أن يكون لفظاً يجري على اللسان وأما مجرد النية بالنذر فلا يعتبر ذلك نذراً ويدل على ذلك قوله تعالى: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا) سورة مريم الآية 26. إذا ثبت هذا فنقول: إن من نذر شاة لله تعالى فيجب عليه أن يفي بنذره ويجب أن يصرفها مصرف الصدقات فلا يجوز له أن يأكل منها ولا يجوز لأهل بيته أن يأكلوا منها لأن الشخص وأهل بيته لا يصح صرف الزكاة إليهم وكذلك في النذر لله تعالى لا يصح ولا يجوز أن يأكلوا منه. وإذا أكلها هو وأهل بيته فعليه أن يذبح شاة أخرى بدلاً منها ويوزعها على الفقراء والمحتاجين. وهذا هو الحكم في كل نذر لله تعالى إلا إذا كان الناذر قد نوى أن يذبح الشاة ويأكل منها هو وأهله وأقاربه وجيرانه مثلاً فإن كانت نيته كذلك

فله أن يأكل منها هو واهله ومن ذكر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وللكل امرئ ما نوى) رواه البخاري ومسلم.

الأضحية

الأضحية

في حق من تشرع الأضحية

في حق من تشرع الأضحية يقول السائل: في حق من تشرع الأضحية؟ الجواب: إن الأضحية سنة مؤكدة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد واظب على فعلها الصحابة الكرام وإن تركها بعضهم خشية أن يظن الناس وجوبها كما ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. رواه البيهقي بإسناد حسن كما قال النووي. والأضحية تطلب ممن كان موسراً مالكاً لنصاب الزكاة على قول بعض أهل العلم ومنهم من يرى أنها تشرع في حق من ملك ثمنها زائداً عن حوائجه الأصلية وأجاز بعض العلماء أن يستدين الشخص ليضحي إحياء لهذه السنة العظيمة. ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها يقول السائل: أيهما أفضل أن يضحي المسلم أو أن يتصدق بثمنها؟ الجواب: لا شك أن ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام لها ومواظبته على ذلك ولما ورد في الأحاديث في فضل الأضحية ومن ذلك:

التضحية بالخصي

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إهراق الدم وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وإن الدم ليقع من الله عز وجل قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً. رواه ابن ماجة والترمذي وقال حسن غريب ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. وعن زيد بن أرقم قال: قلت يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم. قالوا: ما لنا منها؟ قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة. رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وقال صحيح الإسناد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه وأقره الذهبي ورجح الحافظ ابن حجر أنه موقوف على الصحابي. وغير ذلك من الأحاديث وهي بمجموعها تدل على فضل الأضحية وأنها أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى يوم النحر إذا كانت الأضحية خالصة لوجه الله وإقتداء بسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. التضحية بالخصي هل يجوز التضحية بالحيوان الخصي؟ الجواب: نعم يجزئ الحيوان الخصي في الأضحية على قول اكثر أهل العلم وقد ورد في الحديث عن أبي رافع قال: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين موجؤين خصيين) رواه أحمد وقال الهيثمي إسناده حسن. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ضحى رسول الله بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجؤين) رواه أحمد. والأملح ما كان بياضه خالصاً، والأقرن: ما له قرون، والموجوء: الخصي.

حديث (استسمنوا ضحاياكم) وبيان درجته

وكون الكبش خصياً لا يعد عيباً مانعاً من صحة الأضحية بل إن الخصي قد يكون أسمن من غير الخصي فلا بأس بالتضحية بالخصي. حديث (استسمنوا ضحاياكم) وبيان درجته سمعت حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال استسمنوا ضحاياكم فاتها على الصراط مطاياكم، فهل ثبت الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: إن هذا الحديث ورد بألفاظ غير ما ذكر في السؤال منها: (استفرهوا ضحاياكم ... الخ) ومنها (عظموا ضحاياكم). وهذا الحديث بألفاظه المختلفة غير ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو حديث ضعيف جداً، قال الحافظ ابن حجر فيه: [ألم أره ... ] وقال ابن الصلاح: [هذا الحديث غير معروف ولا ثابت فيما علمناه] ثم ذكر أن صاحب مسند الفردوس قد رواه وفيه راو ضعيف جداً. التلخيص الحبير 4/ 138. وقال العجلوني: [إنه ضعيف جداً]. كشف الخفاء 1/ 138. وقال الألباني: [لا اصل له بهذا اللفظ (عظموا ضحايام .. الخ)] الضعيفة 1: 102 وقال في موضع آخر: [ضعيف جداً]. الضعفية 3/ 411. وينبغي أن يعلم أن تضعيف هذا الحديث وردّه لا يعني أن لا تكون الأضحية سمينة بل لا بد من ذلك وقد ورد في اختيار الأضحية السمينة أحاديث صحيحة تغني عن هذا الحديث الضعيف. الأضحية عن الميت يقول السائل: هل يجوز لي أن أذبح أضحية وأجعلها عن والدي المتوفى؟

الجواب: نعم يجوز للابن أن يضحي عن أبيه الميت على الراجح من أقوال أهل العلم ويصل ثوابها إلى أبيه الميت بإذن الله وهذا مذهب الحنابلة واختاره شيخ الإسلام ابن تيتمة ومن قبله وأبو داود صاحب السنن حيث قال: [باب الأضحية عن الميت ثم ذكر بإسناده عن حنش قال: رأيت علياً رضي الله عنه يضحي بكشبين فقلت له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه، وكان ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم]. وورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الكبش فأضجعه وقال: بسم الله اللهم تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد ثم ضحّى به صلى الله عليه وسلم). رواه أبو داود وقال الشخ الألباني حديث حسن. وقول بعض أهل العلم الذي رخص في الأضحية عن الأموات مطابق للأدلة ومن منعها ليس فيه حجة فلا يقبل كلامه إلا بدليل أقوى منه ولا دليل عليه. والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضحي عن أمته ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وعن نفسه وآل بيته ولا يخفى أن أمته صلى الله عليه وسلم ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ كان كثير منهم موجوداً زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكثير منهم توفوا في عهده صلى الله عليه وسلم فالأموات والأحياء كلهم من أمته صلى الله عليه وسلم دخلوا في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم والكبش الواحد كما كان للأحياء من أمته كذلك للأموات من أمته صلى الله عليه وسلم ولا تفرقة. عون المعبود 7/ 344. ويؤيد ذلك أن أكثر أهل العلم على أن الميت ينتفع بسعي الحي وقد احتجوا على ذلك بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ) سورة الحشر الآية 10. فأثنى الله سبحانه وتعالى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء. ومثل ذلك ما ثبت من أحاديث صحيحة في الدعاء والاستغفار للميت في صلاة الجنازة وبعد الدفن منها حديث عوف بن مالك قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت منه دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه

حكم العقيقة عن الإنسان في حال الكبر

وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسّع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعاذه من عذاب القبر ومن عذاب النار) رواه مسلم. وثبت في الصحيح أن الميت ينتفع بالصدقة عنه كما ورد في حديث ابن عباس أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها غن تصدقت عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أشهدك أن حائط المخراف صدقة عنها) رواه البخاري. وثبت في أحاديث أخرى انتفاع الميت بالحج عنه وبالصوم عنه وبقضاء النذر عنه والأضحية عن الميت مثل ذلك. قال بعض أهل العلم: [إن النصوص تتظاهر على وصول ثواب الأعمال إلى الميت إذا فعلها الحي عنه وهذا محض القياس فإن الثواب حق للعامل فإذا هبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك كما لم يمنع من هبته ماله في حياته وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول سائر العبادات المالية ونبّه بوصول ثواب الصوم على وصول سائر العبادات البدنية وأخبر بوصول الحج المركب من المالية والبدنية] أحكام الذبائح ص 153. وخلاصة الأمر أن الأضحية عن الميت جائزة وينتفع بثوابها الميت لأن الأضحية عن الميت تعتبر من باب الصدقة وهي جائزة عنه بالنص كما في حديث ابن عباس المتقدم. حكم العقيقة عن الإنسان في حال الكبر يقول السائل: سألت والدي هل عقّ عني في صغري فأجابني بأنه لم يعق فهل يصح أن أعق عن نفسي بعد أن كبرت؟

الجواب: العقيقة سنة مؤكدة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وقد وردت فيها أحاديث كثيرة منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى) رواه ابو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وهو حديث صحيح. وثبت في الحديث عن سلمان بن عامر الضبي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى) رواه البخاري وغير ذلك من الأحايث. والسنة أن تكون العقيقة بعد ولادة الطفل بأسبوع كما ثبت في الحديث وقد أجاز جماعة من أهل العلم للشخص الذي لم يعق عنه صغيراً أن يعق عن نفسه كبيراً وقد استدلوا بما روي: (أن النبي عليه الصلاة والسلام عق عن نفسه بعد النبوة) رواه البيهقي والبزار والطبراني. ولكن هذا الحديث باطل ولا يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام أحمد والنووي والبيهقي وغيرهم ومع عدم ثبوت الحديث المذكور قرر الفقهاء أنه لم يرد ما يمنع من العقيقة في حال الكبر وقد وردت آثار عن بعض السلف تجيز أن يعق الإنسان عن نفسه بعد الكبر منها: 1. عن الحسن البصري قال: [إذا لم يعق عنك فعق عن نفسك وإن كنت رجلاً] ذكره ابن حزم في المحلى والبغوي في شرح السنة. 2. وقال محمد بن سيرين: [عققت عن نفسي ببختية بعد أن كنت رجلاً] ذكره البغوي في شرح السنة، والبخت: نوع من الجمال. 3. ونقل عن الإمام أحمد أنه استحسن إن لم يعق عن الإنسان صغيراً أن يعق نفسه كبيراً وقال إن فعله إنسان لم أكرهه. نقل ذلك عنه ابن القيم في تحفة المودود. وبناء على ذلك لا مانع أن يعق الإنسان عن نفسه حال الكبر إن لم يعق عنه حال الصغر.

المرأة والأسرة

المرأة والأسرة

نظر الخاطب إلى مخطوبته

نظر الخاطب إلى مخطوبته يقول السائل: ما هو المباح في نظر الخاطب إلى مخطوبته؟ الجواب: نظر الخاطب إلى مخطوبته جائز ومشروع وثبت ذلك في أحاديث كثيرة منها: 1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امراة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها فإن في اعين الأنصار شيئاً. رواه مسلم. 2. وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما). 3. وعن جابر قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ووافقهما الألباني. 4. وعن محمد بن مسلمة رضي الله عنه قال سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا ألقى الله عز وجل في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها) رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححاه. وغير ذلك من الأحاديث التي تبيح نظر الخاطب للمخطوبة.

وقد اختلف أهل العلم في المقدار الذي يجوز رؤيته من المخطوبة فأكثر الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وإحدى الروايات عن أحمد أنه يجوز النظر إلى الوجه والكفين فقط. ونقل عن الإمام أحمد رواية أخرى أنه يجوز النظر إلى ما يظهر غالباً كالرقبة واليدين والقدمين. والقول الأول هو الصحيح الذي تؤيده الأدلة لأن النظر في الأصل محرم عدا نظر الفجأة وإنما أبيح النظر للحاجة والحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه والكفين فيبقى ما عدا ذلك على التحريم كما ذكره ابن قدامة في المغني 7/ 97 ويدل على ذلك قوله تعالى: (ولا يبدين زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) سورة النور الآية 31. وقد ورد عن ابن عباس أن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان. وقد رجح جماعة من العلماء المعاصرين قول الحنابلة الثاني وهو جواز النظر لما يظهر غالباً من المرأة عند الخدمة وأجاز بعضهم أن يراها حاسرة وقد احتجوا بأدلة منها: ما ورد في حديث جابر السابق: (فقدر أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل). ومما ورد عن جابر أنه قال: (فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها). رواه أبو داود وقال الحاكم حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. والذي يظهر لي أن هذه الرواية ليس فيها إثبات أنه كان ينظر منها إلى أكثر من الوجه والكفين لأن المرأة المسلمة إذا خرجت من بيتها لا يظهر منها سوى الوجه والكفان وجابر كان يختبئ لها تحت النخل أي خارج بيتها. وكذلك احتجوا بما ورد عن سهل بن أبي حثمة قال: رأيت محمد بن مسلمة يطارد امرأة ببصره فقلت تنظر إليها وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا ألقى الله في فلب امرئ) الحديث وقد سبق ذكره. قلت وما فعله محمد بن مسلمة لا يعدو أنه نظر إلى وجهها وكفيها

وليمة العرس

وإنما دقق فيها النظر وطارد المرأة ببصره حتى أنكر عليه ذلك سهل بن أبي حثمة. ولا دلالة فيه على أنه نظر إلى أزيد من من الوجه والكفين. واحتجوا أيضاً بما ورد عن عمر رضي الله عنه (أنه خطب ابنة علي رضي الله عنه فذكر منها صغرا ... فقال: نرسل بها إليك تنظر إليها فكشف عن ساقيها فقالت: أرسل لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينيك) رواه سعيد بن منصور في سننه وعبد الرزاق في المصنف. وهذه الرواية عن عمر مرسلة والمرسل من قسم الضعيف عند أهل الحديث ففي ثبوتها نظر ولا يصح الاحتجاج بها. وليمة العرس يقول السائل: ما حكم وليمة العرس وما وقتها وهل تكون قبل الدخول أم بعده؟ الجواب: إن وليمة العرس سنة مؤكدة على قول جماهير الفقهاء وقد ورد فيها عدد من الأحاديث منها: 1. عن أنس رضي الله عنه قال: لما قدموا المدينة نزل المهاجرون على الأنصار فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع فقال: أقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتي، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك فخرج إلى السوق فباع واشترى فأصاب شيئاً من إقط وسمن فتزوج فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أولم ولو بشاة) رواه البخاري ومسلم. 2. وعن بريدة بن الحصيب قال: لما خطب علي فاطمة رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه لا بد للعروس من وليمة) رواه أحمد وهو حديث حسن. 3. وعن أنس رضي الله عنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم

على امرأة من نسائه ما أولم على زينب فإنه أولم بشاة قال أنس: أطعمهم خبزاً ولحماً حتى تركوه) رواه البخاري ومسلم. 4. وعن أنس أيضاً في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل وليمتها التمر والسمن والأقط) رواه مسلم. وفي رواية أخرى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليالٍ يبني بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته ما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت فألقى عليها التمر والأقط والسمن) رواه البخاري ومسلم. والأنطاع بسط من الجلد وغير ذلك من الأحاديث التي تدل على مشروعية وليمة العرس والأحاديث التي ورد فيها الأمر بالوليمة محمولة على الاستحباب ومصروفة عن الوجوب وهو قول أكثر الفقهاء. ولا يشترط في الوليمة أن تكون على لحم فقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أولم بغير اللحم كما سبق قبل قليل. وإذا أولم بلحم فيجوز بشاة وبأكثر من شاة إذا كان موسراً. وأما وقت الوليمة الزفاف والعرس فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أولم بعد الدخول والأمر فيه سعة فلو كانت الوليمة قبل الدخول فلا بأس به. قال الحافظ ابن حجر: [وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقبه أو عند الدخول أو عقبه أو موسع مع ابتداء العقد وانتهاء الدخول؟ على أقوال] ثم ذكر أقوال العلماء في ذلك والذي يظهر لي أن الأمر فيه سعة كما قلت فإن أولم يوم الزفاف قبل الدخول كما هي العادة عند كثير من الناس فحسن وإن أولم بعد الدخول فهو أحسن اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم. وينبغي أن يُعلم أن أكثر الفقهاء يرون وجوب إجابة الدعوة لوليمة العرس ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) رواه البخاري.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب) رواه مسلم. وقوله عليه الصلاة والسلام أيضاً: (شر الطعام طعام الوليمة يدعى له الأغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله) رواه البخاري. وإجابة الدعوة مقيدة فيما إذا لم يكن هناك عذر للمدعو لتركها فإذا ترك إجابة الدعوة لعذر فلا بأس في ذلك. وكذلك يشترط لإجابة الدعوة ألا يكون هناك منكر من المنكرات فإن كان هنالك منكر واستطاع إزالته وتغييره فحضر فهو أمر حسن وإن لم يستطع تغيير المنكر فعليه ألا يحضر. فمثلاً إذا دعي إلى وليمة عرس مختلطة والنساء متبرجات وفيها خمر وهنالك فرقة موسيقية وغير ذلك من المنكرات فيحرم في حقه الحضور لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر) رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: [لا ندخل وليمة فيها طبل ولا معزاف] وسنده صحيح كما قال الشيخ الألباني. وقال ابن قدامة رحمه الله: [إذا دعي إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه وأمكنه الانكار وإزالة المنكر لزمه الحضور والإنكار وإن لم يقدر على الإنكار لم يحضر. وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر أزاله فإن لم يقد انصرف ... ] المغني 7/ 279. وأخيراً يستحب لمن حضر وليمة العرس أن يدعو بخير لصاحبها فقد ورد في ذلك أحاديث منها: عن عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي عليه الصلاة والسلام طعاماً فدعاه فأجابه فلما فرغ من طعامه قال: [اللهم اغفر لهم وارحمهم وبارك لهم فيه رزقتهم) رواه مسلم وغيره.

رفض الوالدة لزواج الابن

ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعد الفراغ من الدعوة بهذا الدعاء: (أكل طعامكم الأبرار وصلّت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون) رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح. وورد أنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو للزوجين بقوله: (اللهم بارك فيهما وبارك لهما في أبنائهما) رواه الطبراني بسند صحيح. وفي رواية أخرى كان يدعو بهذا الدعاء: (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير) رواه ابو داود والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. رفض الوالدة لزواج الابن يقول السائل: أنه يريد أن يتزوج فتاة أعجبته وفيها الصفات الحميدة ولكن والدته ترفض ذلك الزواج فهل يجب عليه أن يطيع والدته؟ الجواب: إن طاعة الوالدين فرض وقد دلت الآيات والأحاديث على ذلك ومنها قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا). ويقول الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... ) الآية. وثبت في الحديث عن أبي هريرة قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من احق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك) رواه البخاري ومسلم. ولا شك أن حق الأم على الإبن عظيم كما يشير ذلك الحديث السابق، ولكن الطاعة لا تكون إلا في المعروف، ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري ومسلم. وبناء على ذلك لا يجب على الإبن أن يطيع والدته في عدم الزواج من الفتاة التي يريدها خاصة إذا كانت الفتاة صاحبة خلق ودين وكذلك الحال فيما لو طلب أحد الوالدين من الإبن تطليق زوجته فلا يجب طاعتهما

راتب الزوجة

ولا يجب أن يطلق زوجته، وقد جاء رجل إلى الإمام أحمد بن حنبل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي؟ قال له الإمام أحمد: لا تطلقها، فقال الرجل: أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ فقال الإمام أحمد: وهل أبوك مثل عمر؟ وخلاصة الأمر أنه لا يجب على الإبن أن يطيع والدته فيما طلبت من ترك الزواج من الفتاة التي يريدها الإبن، لأن ذلك يعود بالضرر على الإبن ثم في زواج الإبن من تلك الفتاة الصالحة سعادة للإبن ولا يعود أي ضرر من ذلك على والدته. راتب الزوجة تقول السائلة: إنها موظفة ومتزوجة وتعطي والدتها من راتبها دون علم زوجها فهل يجوز ذلك؟ وهل يجوز له أن يطالبها ببعض راتبها؟ الجواب: إن المرأة لها ذمة مالية مستقلة عن زوجها وراتبها حق لها فيجوز لها أن تتصرف به إذا كانت عاقلة رشيدة. فلها الحق أن تعطي والدتها ولا يشترط علم الزوج أو إذنه. كما أنه لا يجوز لزوجها أن يتصرف في مال زوجته دون رضاها وموافقتها ولكن ما دامت هذه الزوجة موظفة فإن خروجها من بيت الزوجية يكون على حساب بعض حق الزوج فله أن يشترط عليها أن تعطيه بعض راتبها إذا أبت ذلك ورفضت فله الحق في منعها من العمل والأولى من كل ذلك أن يتفاهم الزوجان على هذه القضية حتى لا يؤثر عملها في وظيفتها على زواجهما. الحلف بالطلاق يقول السائل: حلف رجل على زوجته بالطلاق ثلاثاً إذا خرجت من بيته إلى بيت أهلها بدون إذنه ثم خرجت بدون إذنه وكانت الزوجة حاملاً

طلب الزوجة الطلاق لعقم الزوج

وبقيت في بيت أهلها حتى ولدت فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن الحلف بالطلاق من البدع المنكرة المنتشرة في مجتمعنا مع الأسف الشديد فقد اعتاد كثير من الناس على الحلف بالطلاق معرضين رباط الحياة الزوجية للخطر ولقد اختلف أهل العلم في الحلف بالطلاق فهل يقع الطلاق أم لا؟ فقد ذهب جمهور الفقهاء بما فيهم الأئمة الأربعة في المعتمد عندهم إلى أن الحلف بالطلاق يعتبر طلاقاً وخالف في ذلك جماعة من الفقهاء فقالوا لا يقع الطلاق بالحلف بالطلاق ويعتبر ذلك من لغو الكلام ومن الفقهاء من يرى أن الحلف بالطلاق يعتبر يميناً وإذا وقع الحنث فيه فتلزم كفارة اليمين وقد اعتبر قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية أن الحلف بالطلاق لا يقع به طلاق إذا كان يقصد به الحمل على فعل شيء أو تركه وبناء على ما تقدم أقول: إذا كان الزوج عندما حلف بالطلاق كان يقصد منع الزوجة من الخروج إلى بيت أهلها فلا يقع الطلاق وإنما هو يمين فتلزمه كفارة اليمين لأنها حنثت بيمينه فعليه ان يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد يصوم ثلاثة أيام، أما إذا كان قاصداً الطلاق فعلاً قيقع الطلاق طلقة واحدة وإن حلف عليها بالطلاق ثلاثاً لأن طلاق الثلاث بلفظ واحد يقع طلقة واحدة وبالتالي تكون هذه الزوجة قد وقع عليها طلقة. وبما أنها انقضت عدتها بوضع حملها حيث أنه لم يراجعها قبل وضع الحمل فتكون طلقة بائنة بينونة صغرى وبذلك لا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد. طلب الزوجة الطلاق لعقم الزوج تقول السائلة: ثبت لدى الأطباء أن زوجها عقيم لا ينجب وقد مضى على زواجهما سنوات ولها رغبة شديدة في الأولاد فهل يحق لها أن تطلب الطلاق من زوجها؟

فسق الزوجة المطلقة هل يسقط الحضانة

الجواب: يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها أن يطلقها إن ثبت أنه عقيم لا ينجب وتم التأكد من ذلك وإذا رفض الزوج أن يطلقها فللمرأة أن ترفع الأمر إلى القاضي الذي يحكم بالتفريق بينهما وهذا أرجح أقوال الفقهاء في المسألة لأن العقم من العيوب التي لا تتم معه مقاصد الزواج على أوجه الكمال لأن المرأة لها الحق في الأولاد ولها رغبة أكيدة أن تكون أماً، فلذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل تزوج وهو خصي: أأعلمتها أنك عقيم، قال: لا، قال: فانطلق فأعلمها ثم خيرها، رواه عبد الرزاق في المصنف ورجاله ثقات. فعمر رضي الله عنه جعل الخيار للمرأة فإن قبلت بعقم زوجها فبها ونعمت وإن لم تقبل فلها الحق في طلب الطلاق منه. ومع كل ما تقدم للمرأة أن لا تتعجل في طلب الطلاق من زوجها الذي لا ينجب وعلى الزوج أن يسعى في العلاج وخاصة في هذا الزمان الذي تقدم فيه علم الطب كثيراً وخاصة فيما يتعلق بعلاج العقم. وحبذا لو رضيت هذه الزوجة بما قسم الله لها ورضيت بزوجها العقيم لأن لله حكمه في ذلك يقول الله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) سورة الشورى 49 - 50، وإن لم تتقبل نفسها ذلك فلها الحق في طلب الطلاق كما أسلفت. فسق الزوجة المطلقة هل يسقط الحضانة يقول السائل: هل تسقط حضانة الزوجة المطلقة للأولاد إذا كانت فاسقة؟ الجواب: لقد اشترط أكثر الفقهاء في الحاضنة أن تتصف بالعدالة

الظاهرة والأمانة في الدين كما عبر فقهاء المالكية، وبناء على ذلك فإن فسق الحاضنة يسقط حقها في الحضانة فإذا كانت الزوجة المطلقة الحاضنة فاسقة بشرب الخمر ونحو ذلك فلا حضانة لها وينتزع المحضون منها وهذا القول قال به جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وبه أخذ قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا فقد جاء في المادة 155 منه " يشترط في الحاضنة أن تكون بالغة عاقلة أمينة ... قادرة على تربيته وصيانته ". ومع قوة هذا القول ووجاهته إلا أنه لم يرد عليه دليل شرعي صريح وكذلك فإن اعتبار هذا الشرط يوقع الناس في الحرج لأن الفسق مما يغلب وجوده بين كثير من الناس وفي اعتبار هذا الشرط أيضاً إلحاق الضرر بالأولاد ولأن الفسق لا يحول بين الحاضنة وبين العناية بأمر الأولاد في الأعم الأغلب وهذا ما قرره العلامة ابن القيم والإمام الشوكاني. قال ابن القيم مفنداً قول من يشترط العدالة في الحاضنة: [ومن العجب أنهم يقولون لا حضانة للفاسق فأي فسق أكبر من الكفر وأين الضرر المتوقع من الفاسق بنشوء الطفل على طريقته إلى الضرر المتوقع من الكافر مع أن الصواب أنه لا تشترط العدالة في الحاضنة قطعاً وإن شرطها أصحاب أحمد والشافعي وغيرهم واشتراطها في غاية البعد ولو اشترط في الحاضنة العدالة لضاع أطفال العالم ولعظمت المشقة على الأمة واشتد العنت ولم يزل من حين ما قام الإسلام إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق بينهم لا يتعرض لهم أحد في الدنيا مع كونهم الأكثرين، ومتى وقع في الإسلام انتزاع الطفل من أبويه أحدهما بفسقه؟ وهذا في الحرج والعسر - واستمرار العمل المتصل في سائر الأمصار والأعصار على خلافه - بمنزلة اشتراط العدالة في ولاية النكاح فإنه دائم الوقوع في الأمصار والأعصار والقرى والبوادي مع أن أكثر الأولياء الذين يلون ذلك فساق ولم يزل الفسق في الناس ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة فاسقاً من تربية ابنه وحضانته له ولا من تزويجه موليته والعادة شاهدة بأن الرجل ولو كان من الفساق فإنه يحتاط لابنته ولا يضيعها ويحرص على الخير لها وإن قدر خلاف ذلك فهو قليل بالنسبة إلى المعتاد والشارع يكتفي

كراهية الزوج مسوغ لطلب الطلاق

في ذلك بالباعث الطبيعي ولو كان الفاسق مسلوب الحضانة وولاية النكاح لكان بيان هذا للأمة من أهم الأمور واعتناء الأمة بنقله وتوارث العمل به مقدماً على كثير مما نقلوه وتوارثوا العمل به فكيف يجوز عليهم تضييعه واتصال العلم بخلافه ولو كان الفسق ينافي الحضانة لكان من زنى أو شرب الخمر أو أتى كبيرة فرق بينه وبين أولاده الصغار والتمس لهم غيره والله أعلم]. زاد المعاد 5/ 461. وقال الشوكاني: [ليس على هذا دليل - اعتبار العدالة - فإن العدالة معتبرة فيما اعتبره الشرع لا في كل أمر من الأمور واعتبارها في هذا الموضوع حرج عظيم وتعسير شديد فإن غالب النساء التساهل في كثير من الأمور الدينية ولو كانت العدالة معتبرة فيهن ومسوغة لنزع أولادهن من أيديهن لم يبق صبي بيد أمه إلا في أندر الأحوال وأقلها فيكون في ذلك أعظم جناية على الصبيان بنزعهم ممن يرعى مصالحهم ويدفع مفاسدهم، وجناية على الأم بتوليها بولدها والتفريق بينها وبينه ومخالفة لما عليه أهل الإسلام سابقهم ولاحقهم] السيل الجرار 2/ 439. ويرى بعض فقهاء الحنفية أن مطلق الفسق لا يسقط الحضانة وإنما الفسق الذي يؤدي إلى إلحاق الضرر بالأولاد هو المسقط لها فقد ورد في حاشية ابن عابدين ما يلي: [قال في البحر - من كتب الحنفية - وينبغي أن يكون المراد بالفسق في كلامهم هنا الزنى المقتضي لإشغال الأم عن الولد بالخروج من المنزل ونحوه لا مطلقة الصادق بترك الصلاة لما سيأتي أن الذمية أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان فالفاسقة المسلمة أولى ... والحاصل أن الحاضنة إذا كانت فاسقة فسقاً يلزم منه ضياع الولد عندها يسقط حقها وإلا فهي أحق به إلى أن يعقل فينزع منها كالكتابية] حاشية ابن عابدين 5/ 556. كراهية الزوج مسوغ لطلب الطلاق هل يجوز للزوجة التي تكره زوجها أن تطالبه بالطلاق وإذا رفض زوجها

تطليقها إلا إذا دفعت له مبلغاً من المال هل ما يأخذه من المال حلال له؟ الجواب: الأصل في الزواج أن يكون عن توافق وتراض وإذا وقعت كراهية بين الزوجين أو كرهت الزوجة زوجها فإنه يجوز لها أن تطالب زوجها بطلاقها بدون سبب مشروع لما ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وقال الترمذي حديث حسن وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وأما إن كان هنالك سبب مشروع لطلبها الطلاق فلا بأس بذلك ومن الأسباب التي تجيز ذلك إذا وقع الشقاق والتنازع بين الزوجين وتعذرت سبل الإصلاح أو كرهت الزوجة زوجها وتعذر عيشهما سوية لأسباب خلقية أو دينية أو صحية ونحو ذلك. ويدل على جواز مطالبة المرأة لزوجها أن يطلقها مقابل مال تدفعه إليه هو ما يسمى عند الفقهاء بالخلع، قوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّاءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة البقرة آية 229. ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني ما أعيب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 0 أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إقبل الحديقة وطلقها تطليقة) رواه البخاري. وينبغي على الرجل إذا طالبته امرأته أن يطلقها مقابل مال أن يقبل ذلك ويطلقها ولا ينبغي له إمساكها على خلاف رغبتها فليس من المروءة أن يعيش رجل مع امرأة وهي له كارهة. وما يأخذه الرجل من مال أو منافع مقابل تطليقه لزوجته حلال له ولا

الزواج الصوري

بأس به ويدل على ذلك قوله تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) سورة النساء آية 4. ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في الحديث المتقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس (اقبل الحديثة وطلقها تطليقة). وأما مقدار المال الذي يأخذه الزوج في المخالعة فاختلف فيه الفقهاء فمنهم من يرى أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ من زوجته أكثر مما أعطاها مهراً ومنهم من يرى جوز الزيادة على ذلك. ولكني أرى الرأي الأول هو الأصح فلا يأخذ الزوج أكثر مما دفع لها في المهر. ويؤيد ذلك ما ورد في إحدى الروايات لحديث ابن عباس المتقدم في قصة مخالعة ثابت بن قيس وزوجته: (فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد) رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني وفي رواية أخرى (ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: خذ ما أعطيتها ولا تزدد) رواه البيهقي وله شواهد تقويه. وفي رواية أخرى: (أتردين عليه حديقته؟ ثم قالت: نعم وزيادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الزيادة فلا) رواه الدارقطني وقال إسناده صحيح. وورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لا يأخذ منها فوق ما أعطاها) رواه عبد الرزاق في المصنف , وقال الزهري: [لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها]. وقال ميمون بن مهران: [إن أخذ منها أكثر مما أعطاها لم يسرح بإحسان]. الزواج الصوري يقول السائل: ما الحكم فيمن يعقد عقد زواج صوري من أجل تحقيق غرض معين ريثما يحقق غرضه ثم يطلقها أو العقد على فتاة لمدة محدودة؟

الطلاق الصوري

الجواب: إن موضوع الزواج من الأمور المهمة في حياة الناس ولا يجوز أن تكون عقود الزواج عرضة للتلاعب فيها لما يتريب على ذلك من أضرار بغض النظر عن الغاية من وراء ذلك، فمثلاً إذا عقد رجل على امرأة عقداً صورياً من أجل الحصول على هوية أو جمع شمل أو الحصول على مال أو نحو ذلك، فهذا لا يجوز وهو من الأمور المحرمة شرعاً ويجب أن يعلم أن الإسلام قد قرر أن الغاية لا تبرر الوسيلة بل الواجب أن تكون الغاية شريفة نبيلة مشروعة والوسيلة المؤدية إليها كذلك هذا بالنسبة للشطر الأول من السؤال. وأما الشطر الثاني المتعلق بالزواج لمدة محدودة ثم يطلقها بعد أن يحقق غرضه؟ الجواب: إن فقهاء الإسلام قرروا أن الأصل في عقد الزواج التأبيد لذلك قالوا إن العقد الذي ينص فيه على مدة معينة كسنة او سنتين يكون باطلاً، وذلك لأن المقصود بعقود الزواج تحقيق العشرة الدائمة وإنجاب الأولاد وتربيتهم وغير ذلك ولم يشرع الزواج لتحقيق متعة عابرة أو تحقيق غرض معين كمن يذهبون إلى أمريكا مثلاً فيتزوج امراة من أجل الحصول على الجنسية أو نحوها فهذا أمر غير مشروع. الطلاق الصوري يقول السائل: ذهب أحد الأشخاص المتزوجين إلى القاضي وأعلن أنه طلق زوجته وحصل على ورقة تثبت ذلك الطلاق ويقول هذا الشخص أنه لم ينو طلاق زوجته ولكن طلاقه طلاق صوري من أجل أن يحصل على ورقة تثبت الطلاق لتقوم زوجته بتقديم تلك الورقة إلى مؤسسة التأمين أو الشؤون الإجتماعية للحصول على راتب شهري لها ولأولادها بحجة أنها مطلقة وهذان الزوجان يستمران في الحياة بشكل طبيعي فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن رابطة الزوجية رابطة وثيقة مقدسة ومحترمة ولا يجوز

شرعاً التلاعب بها مهما كانت الغاية من ذلك وإن مما يؤسف له أن كثيراً من الأزواج لا يقدرون هذه الرابطة حق تقديرها وصاروا يتلاعبون بألفاظ الطلاق لغايات وأهداف دنيوية فاسدة فهذا يتزوج زواجاً صورياً كما يدعي ليحصل على هوية وذاك يطلق طلاقاً صورياً كما يدّعي للحصول على أموال أو لأجل أن يتزوج ثانية لأن القانون لا يجيز التعدد. وهكذا صرنا نسمع عن حالات فيها تلاعب واضح بالنكاح والطلاق ويجب أن يعلم أولاً أنه لا يجوز ذلك مهما كانت المسوغات التي يظن كثير من الناس أنها تجيز لهم ذلك التلاعب بحجة أن نيتهم عدم الطلاق وإنما يريدون التحايل على القانون فقط. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة). رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن وقد ورد عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: [كان الرجل في الجاهلية يطلق فيقول كنت لاعباً ويعتق ثم يراجع ويقول كنت لاعباً فأنزل الله: (وَلَا تَتَّخِذُواءَايَاتِ اللَّهِ هُزُوًا). فقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد ... الخ الحديث) ابطالاً لأمر الجاهلية]. رواه ابن أبي شيبة في المصنف وهو مرسل صحيح الإسناد إلى الحسن وروى مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب قال: [ثلاث ليس فيهن لعب النكاح والطلاق والعتق]. وروى الحسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: [ثلاث لا يلعب بهن النكاح والطلاق والعتاق] رواه ابن أبي شيبة في المصنف وإسناده صحيح إلى الحسن كما قال الشيخ الألباني. وبناء على ما تقدم لا يجوز التلاعب بالطلاق مهما كانت المغريات تدفع لذلك. فإذا ذهب الزوج إلى القاضي وأعلن أمام القاضي أنه طلق زوجته فإن الطلاق يقع وتحسب عليه طلقة وإن كان لا يقصد ذلك وإنما قصده الحصول على ورقة تثبت أنه طلق زوجته لتقدمها الزوجة إلى مؤسسات

ميراث الزوجة من زوجها المتوفى قبل الدخول

التأمين أو الشؤون الإجتماعية للحصول على راتب لها ولأولادها بحجة انها مطلقة مع استمرار الزوجين في حياتهما الزوجية فإنه إذا حصل ذلك وكان الطلاق بائناً فإن الزوجين يتعاشران بالحرام. وعلى من فعل ذلك أن يجدد عقد الزواج وأن يتوب إلى الله توبة صادقة ويندم على ما فات. ميراث الزوجة من زوجها المتوفى قبل الدخول يقول السائل: عقد شخص على امرأة ثم توفي الزوج قبل الدخول فما هو حقها في المهر وهل ترث منه؟ الجواب: اتفق العلماء أنه إذا مات أحد الزوجين فيجب المهر كاملاً ولو كان ذلك قبل الدخول ما دام أن المهر قد سمي في العقد. قال ابن رشد رحمه الله: [واتفق العلماء على أن الصداق يجب كله بالدخول أو الموت] بداية المجتهد 6/ 409. وقال بعض أهل العلم: [إن المهر صار واجباً بالعقد والعقد لم ينفسخ بالموت بل انتهى نهايته لأنه عقد للعمر فتنتهي نهايته عند انتهاء العمر وإذا انتهى يتأكد فيما مضى ويتقرر بجميع ما يستوجبه ولأن كل المهر لما وجب بنفس العقد صار ديناً في ذمة الزوج، والموت لا يكون مسقطاً للدين فلا يسقط شيء من المهر بالموت] المفصل في أحكام المرأة 7/ 90. وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية بما اتفق عليه الفقهاء ونص على أن الموت سبب لوجوب كامل المهر كم أشارت إلى ذلك المادة 48 من القانون المذكور ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن علقمة قال: (أتي عبد الله يعني ابن مسعود - في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها صداقاً ولم يكن دخل بها قال: فاختلفوا إليه فقال: أرى لها مثل مهر نسائها ولها الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن الرسول قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضى) وهو حديث صحيح.

المهر المؤجل بعد وفاة الزوجة

وأما بالنسبة لميراث الزوجة من زوجها المتوفى قبل الدخول بها فلا شك أن الزوجة ترث من زوجها سواء توفي قبل الدخول أو بعده وقد قررت الشريعة الإسلامية أن من أسباب الإرث الزوجية فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ... ) سورة النساء آية 12. ولا شك أن كلمة أزواجكم تشمل ما كان بعد الدخول وقبل الدخول والزوجة تكون زوجة بمجرد العقد الصحيح فإذا كان العقد صحيحاً صارت زوجة ولها حق الإرث والآية واضحة الدلالة على مشروعية الإرث بالنكاح سواء حصل فيه دخول أو لم يحصل وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم لبروع بنت واشق بالميراث وكان زوجها قد مات عنها قبل أن يدخل بها كما سبق في الحديث. المهر المؤجل بعد وفاة الزوجة يقول السائل: ما حكم المهر المؤجل إذا ماتت الزوجة؟ الجواب: إن المهر حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها يقول الله تعالى: (وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً). وقد اتفق العلماء على أنه يجوز التعجيل والتأجيل في المهر المسمى في عقد الزواج فيصح أن يكون بعض المهر معجلاً وبعضه مؤجلاً على حسب ما يتم عليه الاتفاق عند عقد الزواج وسواء كان المهر معجلاً أو مؤجلاً فهو حق ثابت للزوجة ودين واجب لها في ذمة الزوج. ومن المعلوم أن العرف في بلادنا جرى على أن يكون جزء من المهر مؤجلاً تأجيلاً مطلقاً وفي هذه الحالة يجب المهر المؤجل للمرأة في حالتين وهما: الطلاق والوفاة فإذا طلق الزوج امرأته وجب لها المؤجل من مهرها

اشتراط الزوجة الثانية طلاق الأولى

وكذا إذا مات زوجها وجب لها المهر المؤجل ويخرج من التركة قبل توزيعها على الورثة. وكذلك إذا ماتت الزوجة ولها مهر مؤجل في ذمة زوجها فيكون مهرها المؤجل من ضمن تركتها ويوزع على الورثة بقدر نصيب كل منهم. وقد نصت المادة " 46 " من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا على ذلك ( ... وإذا لم يكن الأجل معيناً اعتبر المهر مؤجلاً إلى وقوع الطلاق أو وفاة أحد الزوجين). اشتراط الزوجة الثانية طلاق الأولى يقول السائل: رجل متزوج ورغب أن يتزوج بثانية فاشترطت عليه أن يطلق الأولى فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يجوز شرعاً للمرأة أن تقرن موافقتها على الزواج بشرط أن يطلق الرجل زوجته الأولى وإن حصل ذلك فالشرط باطل ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها) رواه البخاري مسلم. وفي رواية أخرى صحيحة: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تشترط المرأة طلاق أختها). وفي رواية ثالثة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أو يبيع على بيعه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفي ما في صحفتها أو إنائها فإنما رزقها على الله تعالى) رواه البخاري ومسلم. وظاهر هذه الأحاديث تحريم اشتراط المرأة زواجها بطلاق زوجها للزوجة الأولى والمراد بأختها في الحديث الضرة فلا يجوز للمرأة أن تسأل زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به وحدها.

الزواج أولى من الدراسة

الزواج أولى من الدراسة تقول السائلة: إنها طالبة جامعية وتقدم لخطبتها شاب ترضاه لنفسها فأيهما أولى مواصلة الدراسة أم الزواج؟ الجواب: أن الأولى في حق هذه الفتاة أن تتزوج فإن الزواج مقدم على التعليم والزواج قد يفوت والتعليم يمكن استدراكه وقد حث الإسلام على تزويج الفتاة إذا تقدم لها خطاب كفؤ. فقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) رواه الترمذي وهو حديث حسن. وقد روي في حديث آخر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت كفؤاً) رواه الترمذي وقال حسن غريب. والأيم: هي المرأة التي لا زوج لها. وبهذا يظهر أن الزواج مقدم على الدراسة والتعلم وهو الأصلح للمراة خاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد في مجال التعليم وغيره من مجالات الحياة. والزواج فيه محافظة على المرأة وانسجام مع طبيعتها ووظيفتها الأساسية وقد يكون الاستمرار في التعلم سبباً من أسباب عدم الزواج وخاصة إذا واصلت المرأة تعليمها إلى مراحل عليا لأنها حينئذ تتقدم بها السن وتقل الرغبة في الزواج منها فالأفضل لهذه الفتاة أن تتزوج. زواج البنت الصغرى قبل البنت الكبرى تقول السائلة: إن لها أخوات أكبر منها سناً وتقدّم شاب لخطبتها فرفض والدها أن يزوجها حتى تتزوج أخواتها الأكبر منها سناً فما الحكم في ذلك؟

الرحلات المختلطة

الجواب: إن من العادات السيئة المنتشرة في مجتمعنا امتناع الأب عن تزويج البنت الصغرى قبل البنت الكبرى وقد يؤدي هذا التصرف الخاطئ إلى عدم زواج الإثنتين وهذا فيه مفاسد كبيرة، والأصل في هذه المسألة ما جاء في الحديث عن أبي حاتم المزني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: - (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، وإن لا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير، قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ... ثلاث مرات) رواه الترمذي وقال حديث غريب وحسنه الشيخ الألباني لشواهده. فلا ينبغي لهذا الأب وأمثاله منع زواج الصغيرة قبل الكبيرة لأن البنت الصغيرة قد ساق الله إليها زوجاً والكبيرة يرزقها الله زوجاً إن شاء والأمور كلها بيد الله، ولعل زواج الصغيرة يكون فاتحة خير وسبباً لزواج الكبيرة والبنتان أمانة بيد الأب فعليه أن يحسن القيام على هذه الأمانة فطالما تقدم لبنته الصغيرة الإنسان الكفؤ صاحب الخلق والدين فلا ينبغي له أن يمتنع عن تزويجها. الرحلات المختلطة تقول السائلة: هل يجوز للطالبة الجامعية الاشتراك في رحلة مختلطة مع الطلاب؟ الجواب: لا يجوز للطالبة أو للطالب المشاركة في رحلة مختلطة بل ذلك من المحرمات ويدل على ذلك أمور منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المراة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعه محرم) رواه البخاري. ومنها أن الرحلات المختلطة فيها من المفاسد الشيء الكثير ونظراً

تقبيل النساء لقريبهن الغائب

لما تنطوي عليه مثل هذه الرحلات من الفتنة فلا يجوز للآباء أن يسمحوا لبناتهم أو لأبنائهم بالمشاركة فيها لأن الرحلات المختلطة بؤرة من بؤر الفساد التي تؤدي إلى أمور لا تُحمد عقباها فيحرم الاشتراك فيها. تقبيل النساء لقريبهن الغائب تقول السائلة: جرت العادة عندنا أن يستقبل الرجل الغائب بالتقبيل فما حكم تقبيل النساء القريبات لقريبهن؟ الجواب: يحرم على الرجل أن يقبل غير زوجته ومحارمه وكذلك المرأة يحرم عليها تقبيل غير زوجها ومحارمها فتبادل القبلات عند قدوم المسافر أو غير ذلك من المناسبات بين الرجل وقريباته من النساء أو العكس كله محرم ما عدا المحارم منهن فيجوز للرجل أن يقبل ابنته وأخته وعمته وخالته وغيرهن من المحارم وكذلك يجوز للمرأة أن تقبل اباها وأخاها وخالها وعمها وغيرهم من المحارم ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها رحّبت به وقامت فأخذت بيده وقبلته) رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وهو حديث صحيح كما قال الشيبخ الألباني وورد: (أن أبا بكر قبل ابنته عائشة على خدها) رواه البخاري. ويشترط لجواز التقبيل بين المحارم أن يكون ذلك بغير شهوة بحيث يأمن الشهوة على نفسه وعليها وأن تكون القبلة على الخد أو على الرأس ولا ينبغي التقبيل على الفم لأنه يؤدي إلى تحريك الشهوة فينبغي تركه احتياطاً. وأما إذا قبل إحدى محارم مع الشهوة فهو حرام.

جلوس الطالبة مع مدرسها لوحدهما

جلوس الطالبة مع مدرسها لوحدهما تقول السائلة: ما هو الحكم في جلوس الطالبة مع مدرسها في مكتب لوحدهما بحجة السؤال عن المادة التي يدرسها؟ الجواب: إن جلوس الطالبة مع الأستاذ كما يحصل في كثير من الجامعات في مكتبه على انفراد ومع إغلاق الباب عليهما هو خلوة محرمة ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري ولا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه أحمد والحاكم وصححه. فعلى الطالبة إذا أرادت الاستفسار من أستاذها في مكتبه أن تصحب زميلة لها حتى تنتفي الشبهة وقطعاً لدابر الشيطان ودفعاً للشبهات. تدريب رجل للفتيات على لعبة الكراتيه يقول السائل: هل يجوز لرجل مدرب للكراتيه أن يدرب فتيات على هذه الرياضة في صالة مغلقة؟ الجواب: إن الإسلام حافظ على المرأة محافظة تامة ومن محافظته عليها أن جعل لها مجالات خاصة في عملها وشؤونها تتناسب مع طبيعة المرأة وأمر المرأة في الإسلام قائم على الستر والمحافظة ولا شك أن تدريب الرجل للنساء في لعبة الكراتيه يتنافى مع وضع المرأة في الشرع وهو أمر محرم لا يجوز لما يترتب على ذلك من انتهاك للحرمات، فهذا يقتضي أن تظهر المرأة أمام الرجل الأجنبي عنها بملابس غير شرعية وكذلك فإنه يقتضي أن تقوم المرأة بحركات رياضية وغير ذلك من المفاسد الكثيرة. وهذا من جانب ومن جانب آخر فما هي حاجة الفتيات لرياضة الكراتيه والكراتيه

ذهاب المرأة إلى نوادي اللياقة البدنية

رياضة فيها شدة وخشونة وكل ذلك لا يتناسب مع طبيعة المرأة وفطرتها التي فطرها الله عليها. وخلاصة الأمر أنه يحرم على الرجل أن يقوم بتدريب الفتيات على الكراتيه أو غيرها من الألعاب ولو كان ذلك في صالة مغلقة. ذهاب المرأة إلى نوادي اللياقة البدنية يقول السائل: هل يجوز للمرأة أن تذهب إلى المسابح ونوادي اللياقة البدنية لتسبح ولتخفف من وزنها حتى تكون رشيقة الجسم؟ الجواب: يحرم على المرأة المسلمة أن ترتاد المسابح ونوادي اللياقة البدنية لتسبح أو لتقوم بتمارين رياضية لتخفيف وزنها أو ما شابه ذلك لما يترتب على ذلك من تهتك وتبذل سواء كانت هذه الأماكن عامة يدخلها الرجال والنساء على حد سواء أو كانت خاصة بالنساء ودليل ذلك ما ورد من الأحاديث التي تمنع المرأة المسلمة أن تخلع ثيابها في غير بيت زوجها ومنها: عن أبي المليح الهذلي أن نساء من أهل حمص أو من أهل الشام دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت: أنتن اللاتي يدخلن نسائكن الحمامات؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها) رواه الترمذي وقال حديث حسن ورواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرطهما وقال الشيخ الألباني صحيح انظر صحيح الترغيب والترهيب ص 71. وفي حديث آخر عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما امراة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله عنها ستره) رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. صحيح الترغيب والترهيب ص72.

وعن أم الدرداء قالت: (خرجت من الحمام فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أين يا أم الدرداء؟ قالت: من الحمام. قال: والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت من بيوت أمهاتها وإلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن) رواه أحمد بإسناد صحيح. وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ... ) رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. والمراد بالحمام في هذه الأحاديث هو الحمام الذي يكون خارج المنزل كالحمامات العامة التي كانت معروفة في المدن في فترات سابقة. وقال صاحب عون المعبود: [إلا هتكت الستر وحجاب الحياء وجلباب الأدب ومعنى التهتك خرق الستر عما وراءه ما بينها وبين الله تعالى لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها أجنبي حتى لا ينبغي لهن أن يكشفن عورتهن في الخلوة إلا عند أزواجهن فإذا كشفت أعضاءها في الحمام في غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به] عون المعبود 11/ 32. ولا يقولن قائل إن هذه الأحاديث قد وردت في الحمام فقط ولا دليل فيها على المسابح أو نوادي اللياقة لأننا نقول إن المسابح ونوادي اللياقة البدنية في معنى الحمامات العامة بل قد تكون أولى بالحكم من الحمام. ومن جانب آخر فإن التحريم في هذه المسألة له جانب آخر وهو سد الذرائع فإن الشريعة الإسلامية تسعى دائماً إلى سد الطرق المفضية إلى الفساد والإفساد والحرام كما قال الله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) فالله سبحانه وتعالى حرم سب آلهة المشركين لكونه ذريعة إلى سب الله تعالى وكذلك نقول هنا: إن ذهاب النساء إلى المسابح ونوادي اللياقة البدنية لو سلمنا أنه جائز لمنعنا منه لأنه يفضي إلى الفساد.

من هو المحرم

من هو المحرم تقول السائلة: من هو المحرم وهل تكون البنت الصغيرة محرماً؟ الجواب: اختلف العلماء في تحديد من هو المحرم بناء على اختلاف فهمهم للأحاديث التي ورد فيها المحرم ومنها: 1. عن ابن عمر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم) رواه مسلم وبمعناه وردت أحاديث كثيرة. 2. عن أبي سعيد أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها) رواه مسلم. 3. وعنه أيضاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها) رواه مسلم. فمن العلماء من يرى أن ضابط المحرم هم من يحرم عليه نكاح المرأة على التأبيد لذلك لا يعد زوج الأخت محرماً قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري 4/ 448. ومنهم من يرى أن ضابط المحرم أعم من ذلك فالمحرم هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب كأبيها وأخيها أو سبب مباح كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج وكالإبن من الرضاع والأخ من الرضاع ونحوهما. ورى الإمام الشوكاني أن الزوج يدخل في مسمى المحرم أو أنه يقوم مقامه أخذاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال: - انطلق فحج مع امرأتك) رواه البخاري ومسلم. ويرى الحنابلة أن المحرم الذي يشترط للسفر مع المرأة للحج يشمل زوجها وأبو زوجها ودخول الزوج في مفهوم المحرم مع كونه يحل لها وتحل له لحصول المقصود بسفره معها وهو حفظها وصيانتها ويؤيد ذلك ظاهر النصوص التي ذكرت بعضها سابقاً. وعلى كل حال فإن

زوج الأخت ليس محرما

المرأة لا تكون محرماً للمرأة وإنما المحرم هو الرجل فقط. زوج الأخت ليس محرماً هل يعتبر زوج الأخت محرماً للمراة في سفرها للحج؟ الجواب: إن زوج الأخت لا يعتبر محرماً للمرأة في سفرها للحج أو لغيره وزوج الأخت يعتبر أجنبياً عن المرأة لا يجوز لها أن تتكشف أمامه. ولا يجوز أن يخلو بها ولا يثبت له من الأحكام التي تثبت للمحارم وكونها محرمة عليه من حيث الزواج لا يعني سوى ذلك. وتلك الحرمة حرمة مؤقتة فإذا ماتت زوجته أو طلقها فيجوز له أن يتزوج أختها. والمرأة لا تجد محرماً للحج فلا يجب عليها الحج لأن من ضمن الاستطاعة في حق المرأة أن يكون للمرأة محرم فإن لم يوجد فلا يجب عليها الحج. ولا بأس من التذكير بمحارم المرأة وهم: 1. الآباء والأجداد سواء من جهة الأب أو من جهة الأم. 2. الأبناء وأبناء الأبناء وأبناء البنات. 3. الأخوة مطلقاً. 4. الأعمام ويدخل في ذلك عم الأب وعم الأم. 5. الأخوال ويدخل في ذلك خال الأب وخال الأم. 6. أبناء الإخوة وأبناء أبنائهم وأبناء بناتهم. 7. أبناء الأخوات وأبناء أبنائهم وأبناء بناتهن. المحارم من المصاهرة: 1. أبناء زوج المرأة وأبناء أبنائه وأبناء بناته. 2. أبناء زوج المرأة وأجداده من جهة الأب ومن جهة الأم.

ما يجوز للمحرم رؤيته

3. أزواج بنات المرأة وأزواج بنات أبنائها وأزواج بنات بناتها. ما يجوز للمحرم رؤيته يقول السائل: ماذا يجوز للمحارم أن يروا من المرأة؟ الجواب: يقول الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْءَابَائِهِنَّ أَوْءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ... ) سورة النور آية 31. وقد اختلف أهل العلم في تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْءَابَائِهِنَّ أَوْءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ... ) على أقوال كثيرة أرجحها: أنه يجوز للمحارم أن ينظروا من المرأة إلى مواضع الزينة وإلى ما يظهر غالباً عند الخدمة كالرأس والشعر والعنق والخد والساعد والكف والساق والركبة وهذه الأعضاء يجوز النظر إليها إذا كان النظر بدون شهوة وأما مع النظر بشهوة فيحرم النظر من المحارم. حكم تناول الأدوية التي تقلل الوزن يقول السائل: ما حكم استعمال الأدوية التي تقلل الوزن؟ الجواب: لا مانع من استعمال الأدوية التي تقلل الوزن وتخفف السمنة بشرط ألا يلحق الإنسان بنفسه ضرر نتيجة استعمال هذه الأدوية وكذلك يشترط أن يكون الدواء مما يجوز استعماله شرعاً. وقد حثّ الإسلام على تقليل الطعام وعلى عدم الإفراط في تناول

موقف الإسلام من تنظيم النسل

الأطعمة وغالباً ما تكون السمنة ناتجة عن الإكثار من الأطعمة فقد جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) رواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وقال الألباني: صحيح. وورد في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عظيم البطن فقال بإصبعه لو كان هذا في غير هذا لكان خيراً لك) رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد وقال الهيثمي رجاله رجل الصحيح. وقال الشيخ الساعاتي: [لو كان العظم في غير البطن من أعضائه ... كان خيراً لأن عظم البطن يثقل الرجل ويضره ولا يفيده لأنه ينشأ عن كثرة الأكل وكثرة الأكل مذمومة فكأنه صلى الله عليه وسلم يحثه على التقليل من الأكل والشرب لأنه أصح للبدن) الفتح الرباني 17/ 218. موقف الإسلام من تنظيم النسل يقول السائل: ما هو موقف الإسلام من تنظيم النسل وتحديده؟ الجواب: إن الإسلام قد اعتنى بالنسل والمحافظة عليه بل إن المحافظة عليه من مقاصد الشريعة الإسلامية وقد ورد في ذلك كثير من النصوص الشرعية منها: 1. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) سورة الرعد آية 38. 2. ويقول سبحانه وتعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) سورة البقرة آية 187. 3. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فليصم فإنه له وجاء) رواه مسلم.

4. وقال أيضاً: (تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) رواه ابن ماجة وغير ذلك من الأحاديث. ولا شك أن بقاء النوع الإنساني من أهم أغراض الزواج وبقاء النوع الإنساني إنما يكون بدوام التناسل فلذلك حث الإسلام على الزواج وعلى التناسل وبارك الأولاد ذكوراً وإناثاً. وقد ظهرت دعوات كثيرة لتنظيم النسل أو تحديده أو قطعه كلياً في كثير من البلدان وأعدت لذلك برامج كثيرة وأنفقت أموال طائلة واستغلت وسائل الإعلام لذلك وقامت بعض الدول بتنظيم الحملات المتعلقة بذلك من أجل تحديد النسل وتقليله وما يجري في مصر خير مثال على ذلك. ولقد قرر الفقهاء المعاصرون أن تنظيم النسل بالنسبة للأمة محرم ولا يجوز إذا تبنته الدولة وفرضته على الناس بشكل إجباري وأما إذا كان تنظيم النسل باختيار الزوجين فيجوز ذلك متى كان لهما ما يبرره ويسوغه. ويجب أن يعلم أن هنالك فرقاً واضحاً بين تنظيم النسل وبين وتحديد النسل فتنظيم النسل عبارة عن تنظيم عملية الإنجاب باتباع وسائل معينة بحيث تكون هنالك مدة بين كل مولود وآخر. وأما تحديد النسل فهو الوقوف بالنسل عند حد معين باستعمال وسائل وقائية أو علاجية لقطع النسل كأن تنجب الزوجة ولداً واحداً فقط أو اثنين. وتنظيم النسل جائز إذا توفرت الدواعي لذلك كما سأبينها بعد قليل وأما تحديد النسل فهو محرم ولا يجوز شرعاً لما يلي: أولاً: لأن الوقوف بالنسل عند حد معين يؤدي إلى كف أجهزة النسل في الإنسان عن أدائها لوظائفها وإن تعاطي الوسائل التي تؤدي إلى قطع النسل كالإختصاء أو استئصال الرحم ونحوه من الوسائل يعد تغييراً لخلق الله. ثانياً: إن تحديد النسل فيه معارضة صريحة لقوانين الفطرة ووظائفها كما أن تحديد النسل خشية الفقر فيه مساس بالعقيدة الإسلامية ومعارضة صريحة لآيات الله البينات.

فالإسلام جعل للولد حق الحياة ولا يجوز لأبيه وأمه أن يتعديا على حياته بالقتل أو الوأد كما كان يصنع الجاهليون الذين قال الله فيهم: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ) سورة الأنعام آية 140. وقال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) سورة الإسراء آية 31. ثالثاً: إن تحديد النسل فيه معارضة للنصوص الشرعية الداعية إلى الإكثار من النسل وقد سبق ذكر بعضها. رابعاً: إن تحديد النسل يعارض أمراً ضرورياً من الضروريات الشرعية وهو حفظ النسل لذلك لا يجوز تحديد النسل فهو من المحرمات. وأما تنظيم النسل من قبل الزوجين إذا وجدت المسوغات له فجائز وأهم هذه المسوغات ما يلي: 1. الخشية على حياة الأم أو صحتها من الحمل وتبعاته فإن الولادات المتكررة مرهقة للمرأة فتحتاج المرأة إلى راحة بين الولادة والأخرى وهذه الراحة قد تطول وقد تقصر حسب حالتها الصحية وقد قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). 2. الخشية على الأولاد أن تسوء تربيتهم أو أن تضطرب تربيتهم فقد روى أسامة بن زيد أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أني أعزل عن امرأتي، فقال له صلى الله عليه وسلم: لم تفعل ذلك؟ فقال الرجل: أشفق على أولادها فقال صلى الله عليه وسلم: (لو كان ضاراً لضر فارس والروم) رواه مسلم. فكأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى أن هذه الحالات الفردية لا تضر الأمة في مجموعها بدليل أنها لم تضر فارس والروم وهما أقوى دول الأرض حينذاك. 3. الخشية من الوقوع في حرج دنيوي قد يؤدي إلى الوقوع في حرج ديني فيقع في الحرام ويرتكب المحظورات من أجل الأولاد يقول الله سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).

وخلاصة القول أن هذه الحالات الفردية هي التي يجوز فيها تنظيم النسل بشكل اختياري من الزوجين أما أن يكون ذلك سياسة عامة تفرضها الدولة على شعبها فلا يجوز ذلك. ***** تحنيط الجنين تقول السائلة: إنها أسقطت جنيناً عمره سبعة أشهر فأخذه الطبيب لوضعه في المختبر فما حكم ذلك؟ الجواب: إن ما فعله الطبيب من أخذ الجنين ووضعه في المختبر عمل محرم شرعاً لا يجوز لأن مثل هذا الجنين ينبغي أن يغسل ويصلى عليه ويدفن وهذا هو حكم الجنين إذا كان قد مضى عليه في بطن أمه أربعة أشهر فأكثر فقد ورد في الحديث: ( ... والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم والبيهقي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. فالسقط إذا نفخت فيه الروح يصلّى عليه وتُطبّق عليه الأحكام الشرعية التي تُطبّق على الميت البالغ وبالتالي لا يجوز تحنيطه ووضعه في المختبر. وينبغي أن يعلم أن الإسلام قد احترم الإنسان حياً وميتاً وتحنيط هذا الجنين امتهان لكرامته واعتداء على حرمته وقد ورد في الحديث: عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كسر عظم الميت ككسر عظم الحي). وفي رواية أخرى (في الإثم) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد والبيهقي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. لذلك يجب على والد الطفل أن يأخذ الجنين من الطبيب وأن يقوم بغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين.

تسمية الأولاد بالأسماء الأجنبية

تسمية الأولاد بالأسماء الأجنبية يقول السائل: ما حكم تسمية الأولاد بالأسماء الأجنبية؟ الجواب: إن من حقوق الأولاد على الآباء أن يختاروا لهم أسماء حسنة فقد ورد في الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسمائكم) رواه أبو داود بإسناد حسن. وهنالك أسماء مستحبة استحبها الرسول صلى الله عليه وسلم فينبغي أن يسمى الأولاد بها وهنالك أسماء غيرها الرسول صلى الله عليه وسلم لكراهيته لها. فمن الأسماء المستحبة المرغب فيها ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) رواه مسلم. فهذا الحديث يفيد أن هذين الإسمين: (عبد الله وعبد الرحمن) أفضل الأسماء ومن الأسماء المستحبة أيضاً أسماء الأنبياء كإبراهيم وموسى وعيسى ونوح ويونس وغيرها ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: [ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة) رواه مسلم. ولما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها الحارث وهمام وأقبحها حرب ومرة)] رواه أبو داود والنسائي وأحمد وفي سنده بعض الكلام وله شواهد تقويه، قال الإمام البغوي معلقاً على هذا الحديث: [إنما صار الحارث وهمام من أصدق الأسماء من أجل مطابقة الإسم معناه لأن الحارث الكاسب يقال حرث الرجل: إذا كسب قال الله سبحانه وتعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ). وهمام من هممت بالشيء: إذا أردته وما من أحد إلا وهو في كسب أو يهم بشيء وإنما صار حرب ومره من أقبح الأسماء لما في الحرب من

يحرم لعن المرأة لأولادها

المكاره وفي مره من المرارة والبشاعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والإسم الحسن] شرح السنة 12/ 334 ومن الأسماء التي لا يجوز تسمية الأولاد بها كل اسم معبد لغير الله سبحانه وتعالى مثل: عبد علي وعبد الحسين وعبد النبي ونحوها. ومنها أسماء الفراعنة والجبابرة كفرعون وقارون ونحوهما، وأما الأسماء الأجنبية فإني أكره أن يسمى بها أبناء المسلمين لأن ذلك يدخل في التشبه بغير المسلمين وقد نهينا عن ذلك، كما أن في الأسماء العربية الإسلامية ما يغني عن التسمية بالأسماء الأجنبية. كما أن الأسماء المعروفة بين المسلمين لها معان ودلالات معينة وليس كذلك الأسماء الأجنبية. يحرم لعن المرأة لأولادها يقول السائل: ما حكم لعن المراة لأولادها؟ الجواب: اللعن هو الإبعاد من رحمة الله سبحانه وتعالى واللعن من المحرمات بل من الكبائر فيحرم على المسلم أن يلعن شخصاً بعينه ويحرم على هذه المرأة أن تلعن أولادها ويدل على ذلك أحاديث كثيرة منها: ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ... ومن لعن مؤمناً فهو كقتله). وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه. وروى الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك بن مروان فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه فلما أصبح قالت له أم الدرداء، سمعت الليلة لعنت حين دعوته فقالت: سمعت أبا الدرداء

يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة) والأنجاد المذكورة في الحديث جمع نجد وهو متاع البيت الذي يزينه من فرش وستور ونحو ذلك. قال الإمام النووي: [وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أنهم لا يكونون شفعاء ولا شهداء) فمعناه: لا يشفعون يوم القيمة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 115. وقال عليه الصلاة والسلام: (إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تتلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بجهنم). رواه الترنمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتُغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتُغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يميمناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها) رواه أبو داود وأحمد وقال الشيخ الألباني حديث حسن. وعن ابن عباس أن رجلاً لعن الريح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنها فإنها مأمورة إنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه) رواه أبو داود والترمذي وقال الشيخ الألباني أنه حديث صحيح. والذي يؤخذ من هذه الأحاديث حرمة لعن الإنسان المعين وكذلك لعن غير الإنسان مثل لعن الريح كما في الحديث الأخير وورد في بعض الأحاديث النهي عن لعن الحيوان فكل ذلك من اللعن المحرم. قال الإمام البغوي: [اللعن المنهي عنه أن يلعن رجلاً بعينه مواجهة براً كان أو فاجراً لأن عليه أن يوقر البر ويرحم الفاجر فيستغفر له فإذا لعنه في وجهه زاده ذلك شراً فأما لعن الكفار على العموم والفجار كما جاء

الكذب على الزوجة

في الحديث من لعن شارب الخمر ولعن الواصلة والمستوصلة وآكل الربا ونحوها فغير منهي عنه] شرح السنة 13/ 138. أي أن لعن الكفار والفجار دون تعيين الأشخاص جائز كأن تلعن شارب الخمر أو تلعن آكل الربا لورود ذلك في الحديث. وأخيراً فعلى هذه المرأة التي لعنت أولادها أن تتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة وتكثر من الدعاء ولأولادها ويجب عليها أن لا تعود إلى لعن أولادها. الكذب على الزوجة تقول السائلة: أن زوجها يكذب عليها في حالات كثيرة ويدعي أن الكذب على الزوجة جائز شرعاً فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا شك أن الكذب خصلة ذميمة وذنب من أقبح الذنوب وقد تظاهرت الآيات والأحاديث على تحريم الكذب بشكل عام فقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن والرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) رواه البخاري ومسلم. وثبت في الحديث الصحيح أيضاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) رواه البخاري مسلم. والكذب ليس من صفات المؤمنين الصادقين يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ).

هذا هو الأصل في الكذب أنه محرم وأنه فاحشة من فواحش الذنوب ولكن هذا الأصل له استثناء فقد أجاز الشرع الكذب في بعض المواطن وجعله مباحاً قال الإمام النووي رحمه الله: [اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً فيجوز في بعض الأحوال إلى أن قال " إن الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً وإن كان واجباً كان الكذب واجباً فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وسئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائه والأحوط في ذلك كله أن يوري ومعنى التورية أن يقصد في كلامه مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ بالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال] رياض الصالحين ص592. وخلاصة الأمر أن هنالك أحوالاً يجوز فيها الكذب وقد وردت في أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها: 1. ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً). 2. ما رواه مسلم في صحيحه أن أم كلثوم بنت عقبة قالت: ولم أسمعه أي الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. وهذا الحديث يدل على جواز أن يكذب الرجل على زوجته وكذلك المرأة على زوجها ولكن أهل العلم قيدوا كذب الرجل على امرأته وعكسه بأن يكون الكذب فيما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بينهما. قال الخطابي: [كذب الرجل على زوجته أن يعدها ويمنيها ويظهر لها

الإنفاق على الزوجة من مال حرام

من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك صحبتها ويصلح من خلقها] عون المعبود 13/ 179. وقال الحافظ ابن حجر [واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقاً عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها] فتح الباري 6/ 228. وقال الإمام النووي: [وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك، فأما المخادعة في صنع ما عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين) شرح النووي على مسلم 16/ 158. وبهذا يظهر جواز الكذب بين الزوجين إذا كان في ذلك محافظة على الحياة الزوجية ومنع لهدمه فإذا سأل الزوج زوجته هل تحبه فعليها أن تجيبه بنعم وإن كانت تكرهه محافظة على بقاء الأسرة واستمرارية الحياة الزوجية وكما قال عمر رضي الله عنه لتلك المرأة: [فإن كانت أحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب]. الإنفاق على الزوجة من مال حرام تقول السائلة: إن زوجها يتعامل في تجارته بالمحرمات بالإضافة إلى المباحات وهو ينفق عليها وعلى أولاده من هذه الأموال فما حكم ذلك؟ الجواب: إن الواجب على المسلم أن يكسب ماله من حلال وبطريق مشروع ويدل على ذلك قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) سورة البقرة آية 172. وقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا) سورة البقرة آية 168. وما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله تعالى أمر المؤمنين

لبس الأساور الذهبية التي على شكل حيات

بما أمر به المرسلين، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) رواه مسلم. وبناءً على ما سبق لا يجوز للمسلم أن يكتسب المال بطريق محرم وفي السؤال أن زوج المرأة يكتسب المال من طريقين أحدهما حرام والآخر حلال ويقوم بالإنفاق على الأسرة من مجموع المالين. والواجب على زوجته وأولاده المكلفين أن ينصحوا أباهم أن يقلع عن المعصية وهي المتاجرة في المحرمات وأن يكتفي بالتجارة في الحلال فإن استجاب فبها ونعمت وإن لم يفعل واستطاعت الزوجة والأولاد أن يستغنوا عن أموال الزوج فهو الأفضل وإن لم يستطيعوا فلا بأس في أن يأكلوا من ماله وهذا المال المختلط من الحلال والحرام يجوز الأخذ منه والإنفاق منه والإثم يقع على الزوج، ولا شيء على زوجته وأولاده. لبس الأساور الذهبية التي على شكل حيات ما حكم لبس المرأة الأساور الذهبية التي تكون على شكل حيات؟ الجواب: لا يجوز لبس الأساور الذهبية أو غيرها التي تكون على شكل ما فيه روح سواء على شكل حيات أو طيور أو غير ذلك، فإن هذه التماثيل محرمة شرعاً فلا يجوز صنعها ولا بيعها ولا اقتناؤها ولا لبسها وكل ذلك حرام والإسلام حرم التماثيل محافظة على التوحيد فقد ورد في الحديث: (أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لأحد أصحابه ألا أبعثك على ما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبر مشرف إلا سويته) رواه مسلم.

انتساب الزوجة إلى زوجها

انتساب الزوجة إلى زوجها يقول السائل: لقد شاع بين كثير من الناس انتساب المراة إلى زوجها لا إلى أبيها وصار يستعمل في الكثير من المعاملات الرسمية فما حكم ذلك؟ الجواب: إن من أمراض الأمة الإسلامية الشائعة اليوم تشبهها بغيرها من الأمم وتقليدها في كثير من الأمور وهذا الأمر وهو أن تسمى الزوجة باسم زوجها من التقاليد الغربية الوافدة وهي تقاليد غريبة عن المجتمع المسلم وهذا الأمر صار شائعاً ومنتشراً بين الناس ومستعملاً في كثير من المعاملات، وهو تقليد سخيف لغير المسلمين وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة وللأسف تتبع الأمم الأخرى في كثير من أمورها وهذا دليل على الضعف وعلى الهوان، إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذعاً بذراع حتى لو دخل جحر ضب لدخلتموه). وجاء في حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم سنة سنة) رواه الترمذي وأحمد وقال الترمذي حسن صحيح. وانتساب المرأة لغير أبيها لا يجوز شرعاً وهو حرام. وإذا كانت الزوجة منكرة لنسبها قد يكون كفراً والعياذ بالله فقد ورد في جملة أحاديث صحيحة وثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام منها: 1. عن أبي ذر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من رجل ادعى لغير أبيه إلا كفر بالله ... ) رواه البخاري ومسلم وذكر الرجل في الحديث خرج مخرج الغالب والمرأة كذلك. 2. وعن وائلة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه ... ) رواه البخاري والفرى جمع فرية وهي الكذب. 3. وعن أبي بكر وسعد رضي الله عنهما كلاهما يقول: سمعته أذناي ووعاه قلبي محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: (من ادعى لغير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) رواه مسلم.

خدمة الزوجة لوالد زوجها

وهذه الأحاديث تحمل على من انتسب لغير أبيه واستحل ذلك. وأما الشائع اليوم من انتساب المرأة لزوجها وإن كان لا إنكار فيه للأبوة وللعائلة إلا أنه محرم أيضاً لأن فيه تشبهاً بغير المسلمين وفيه تلبيس على الناس فعلى المرأة أن تتسمى باسم أبيها فتقول فلانة بنت فلان وزوجة فلان. خدمة الزوجة لوالد زوجها يقول السائل: إن زوجته ترفض خدمة والده فهل يحق له أن يجبرها على ذلك؟ الجواب: لا يجب على الزوجة أن تخدم والد زوجها والشرع لا يلزمها بذلك ولا يجوز للزوج أن يجبر زوجته على خدمة والده أو أي أحد من أقاربه والأمر متروك للزوجة فإن خدمت والد زوجها فبها ونعمت وإن لم تفعل فلا حرج عليها. وإن كان الأفضل والأولى في حق هذه الزوجة أن تخدم والد زوجها من باب بر الزوج وطاعته إن أمرها بذلك وتكون تلك الخدمة تبرعاً منها وتفضلاً وإحساناً ولكن الأمر ليس واجباً عليها.

متفرقات

متفرقات

القول المبين في حكم التدخين

القول المبين في حكم التدخين يقول السائل: هل لكم أن تبينوا لنا حكم التدخين بياناً شافياً؟ الجواب: إن نبتة الدخان لم تكن معروفة في ديار الإسلام لذلك لم يتعرض لها الفقهاء المتقدمون في مؤلفاتهم وأول ما عرف الدخان في بلاد المسلمين في حوالي الألف للهجرة كما ذكر بعض العلماء ولما شاع التدخين اختلف الفقهاء في حكمه فمنهم من رأى أنه مباح ومنهم من رأى أنه حرام وخلافهم هذا كان قبل وقوفهم على أضرار التدخين أما الآن فقد أصبحت أضرار التدخين معلومة علماً تاماً ومقطوعاً بها. فقد اتفقت على أضراره الهيئات العلمية والمجامع الطبية وقرروا أنه سبب رئيس للسرطان وتليف الكبد وأمراض الشريان التاجي والذبحة الصدرية وسرطان الفم وغيرها من الأمراض الخبيثة لذلك رأى كثير من العلماء المعاصرين أن التدخين حرام وهذا هو القول الصحيح إن شاء الله وهذا التحريم مستند لما يلي: أولاً: ضرر التدخين المؤكد لصحة الإنسان المدخن وغيره: وهذا ما أكده أهل الخبرة والاختصاص من الأطباء والكيميائين وغيرهم فالدخان يتكون من مجموعة كثيرة من المواد منها أكثر من خمسة عشر نوعاً من السموم الفتاكة كالنيكوتين الذي يعد من السموم القوية والفعالة وله أثر سيء

على الكلية والجهاز العصبي والدم، ومنها أول أكسيد الكربون وهو معروف بتأثيره السام وله تأثير سيء على الدم. ومنها القطران وهو المادة اللزجة الصفراء التي تؤدي إلى اصفرار الأسنان ونخرها وإلى التهابات اللثة وهو أخطر محتويات الدخان على الصحة ويسبب السرطان والتهابات الشعب الهوائية وغير ذلك من المواد الضارة التي تلحق الضرر والأذى بصحة المدخن فالتدخين يضر بالفم وبالشفاه واللثة والأسنان واللسان واللوزتين والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والأعصاب والدورة الدموية والجهاز البولي كما أن للتدخين ضرراً على النسل لذلك تُنصح الحوامل بعدم التدخين وما كان ضرره كذلك فلا شك في حرمته لأن الإسلام يحرم كل ضار يقول عليه الصلاة والسلام: (لاضرر ولا ضرار) رواه البيهقي وغيرهما وهو حديثٌ صحيح. وقال الإمام النووي: كل ما أضر أكله كالزجاج والحجر والسم يحرم أكله]. ثانياً: ضرر التدخين المالي: لا شك أن الملايين تنفق على التدخين وما يتعلق به وكذلك فإن الملايين تنفق في علاج الأمراض التي تنتج عن التدخين وأن الأرقام التي تذكر في هذا المجال أرقام كبيرة جداً مما يؤكد الضرر البالغ للتدخين على الناحية الإقتصادية على مستوى الأفراد والشعوب والإسلام لا يقر أبداً إنفاق الأموال في هذه الجوانب فإن إنفاق المال في التدخين إنفاق له فيما لا ينفع لا في الدنيا ولا في الآخرة. ثالثاً: يقول الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله: [وهناك ضرر آخر يغفل عنه عادة الكاتبون في هذا الموضوع وهو الضرر النفسي وأقصد به أن الإعتياد على التدخين وأمثاله يستعبد إرادة الإنسان، ويجعلها أسيرة لهذه العادة السخيفة بحيث لا يستطيع أن يتخلص منها بسهولة إذا رغب في ذلك يوماً لسببٍ ما. كظهور ضررها على بدنه أو سوء أثرها في تربية ولده أو حاجته إلى ما ينفق فيها لصرفه في وجوه أخرى أنفع وألزم أو نحو ذلك من الأسباب لهذا الإستعباد النفسي لدى بعض المدخنين يجور على قوت أولاده

والضروري من نفقة أسرته ومن أجل إرضاء مزاجه هذا لأنه لم يعد قادراً على التحرر منه وإذا عجز مثل هذا يوماً عن التدخين لمانع داخلي أو خارجي فإن حياته تضطرب وميزانه يختل وحاله تسوء وفكره يتشوش وأعصابه تثور لسبب أو لغير سبب] ولا ريب في أن مثل هذا الضرر جدير بالإعتبار في إصدار حكم على التدخين. رابعاً: إن التدخين خبيث عند ذوي الطباع السليمة ولا ينكر ذلك إلا مكابر ولا يقول أحد من العقلاء إنه من الطيبات والله سبحانه وتعالى يقول: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) والدخان خبيث فهو من المحرمات. خامساً: إن الدخان مفتر من المفترات وهذا معروف عند المدخنين وكونه لا يفتر المدمنين عليه فهذا لا يعتبر في إثبات التحريم لأن بعض المدمنين على الخمر لا يسكر من كأس أو كأسين ويحتاج إلى كمية أكبر حتى يسكر فلا يقال إن الخمر في حقه غير محرم وكذلك الحال في الدخان وقد ثبت في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن كل مسكر ومفتر) حديثٌ صحيح رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، والأصل في النهي أنه يفيد التحريم ما لم ترد قرينه تصرفه عن ذلك. وبعد هذا العرض الموجز لأهم الأدلة الدالة على تحريم التدخين أقرر ما قاله بعض العلماء المعاصرين من حرمة التدخين بلا شك ولكن حرمته ليست كحرمة الخمر أو الزنا فالمحرمات تتفاوت فهي على درجات فبعضها يعد من الكبائر وبعضها صغائر وأظن أن التدخين من الأخيرة ومع ذلك فينبغي الإقلاع عن هذه العادة السيئة ولا يجوز التعامل مع كل ما يتعلق بالتدخين كصناعته وبيعه وتوزيعه والدعاية له وتقديمه للناس وغير ذلك. وأخيراً ينبغي أن تعلم أن قول من يرى أن التدخين مباح قول ضعيف لا وجه له بعد أن ثبت الضرر المؤكد للتدخين عند العامة والخاصة يقول

أهل البيت

الدكتور القرضاوي: [ويتبين من هذا التمحيص الذي ذكرناه أن إطلاق القول بإباحة التدخين لا وجه له بل هو غلط صريح وغفلة عن جوانب الموضوع كله ويكفي ما فيه من إضاعة لجزء من المال فيما لا نفع فيه وما يصحبه من نتن الرائحة المؤذية وما فيه من ضرر بعضه محقق وبعضه مظنون أو محتمل]. وإن كان لهذا القول وجه فيما مضى عند ظهور استعمال هذا النبات في سنة ألف من الهجرة حيث لم يتأكد علماء ذلك العصر من ثبوت ضرره فليس له أي وجه في عصرنا بعد أن أفاضت الهيئات العلمية الطبية في بيان أضراره وسيء آثاره وعلم بها الخاص والعام وأيدتها لغة الأرقام. أهل البيت يقول السائل: إنه قرأ في إحدى الصحف تعليقاً حول حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله وأهل بيتي) وقال المعلق على الحديث: بأن النص الصحيح عند أهل السنة وهم أهل هذه البلاد وبالمنطق السليم هو: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي) فهل صحيح ما قاله المعلق؟ الجواب: إن الحكم على الحديث لا يخضع لشيء اسمه المنطق السليم أو المنطق غير السليم وإنما الحكم على الحديث يكون خاضعاً للقواعد والضوابط التي وضعها أهل الحديث المتخصصون في الحكم على الحديث من حيث الثبوت أو الرد. والحديث الذي أنكره المعلق هو حديثٌ صحيح ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورد برواياتٍ كثيرةٍ أذكر بعضها: 1. عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال: (أما بعد ... ألا

أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأذكركم الله في أهل البيت ... ) رواه الإمام مسلم في صحيحه حديث رقم 1408. وعن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض) رواه الإمام أحمد في المسند ورواه الطبراني وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. وغير ذلك من الروايات وهي كثيرة وقد صححها جماعة من المحدثين كالحاكم والذهبي والطبراني وغيرهم، والمراد بالحديث إن عملتم بالقرآن واهتديتم بهدي عترتي العلماء العاملين لم تضلوا ومثلهم العلماء العاملون من غير العترة فالتمسك بهديهم يوصل إلى المقصود وإنما خص أهل بيته صلى الله عليه وسلم لأن التمسك بالعلماء منهم أقوى من علماء غيرهم في التأثير بالقلوب. انظر الفتح الرباني 1/ 186. ولعل الكاتب أنكر صحة الحديث لورود عبارة (أهل بيتي) أو (عترتي) فيه، وقد استكشل الكاتب ذلك مع أن المشهور من الحديث (وسنتي) كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي) رواه الحاكم وغيره وهو حديث صحيح. وقد أجاب الشيخ الألباني عن هذا الإشكال من وجهين فقال: [الأول: إن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: (عترتي) أكثر مما يريده الشيعة ولا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به وألا وهو أن العترة فيه هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم وقد جاء ذلك موضحاً في بعض طرقه كحديث: (وعترتي أهل بيتي) وأهل بيته في الأصل هم نساؤه صلى الله عليه وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعاً كما هو صريح قوله تعالى في الأحزاب: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ

الضرب وسيلة مشروعة للتربية

وَءَاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) وتخصيص الشيعة: (أَهْلَ الْبَيْتِ) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصاراً لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية ودخول علي وأهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره وكذلك حديث العترة قد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله، ولذلك قال التوربشتي، كما قال في المرقاة 5/ 600: عترة الرجل: أهل بيته رهطه الأدنون ولاستعمالهم (العترة) على أنحاء كثيرة بيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (أهل بيتي) ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه. الوجه الآخر: إن المقصود من أهل البيت إنما هم العلماء الصالحون منهم والمتمسكون بالكتاب والسنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: (العترة) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه وعلى التمسك بأمره) وذكر نحوه الشيخ علي القاري في الموضع المشار إليه آنفاً ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله: إن أهل البيت غالباً ما يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته والواقفون على طريقته العارفون بحكمه وحكمته وبهذا يصلح أن يكون مقابلاً لكتاب الله سبحانه كما قال: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). الضرب وسيلة مشروعة للتربية يقول السائل: هل يجوز استعمال الضرب كوسيلة من وسائل التربية في المدرسة من قبل المدرسين؟ الجواب: إن طرق وأساليب تربية الصغار كثيرة ومنها الضرب

والمقصود به الضرب غير المبرح، والضرب بشكل عام عقوبة يجوز استعمالها شرعاً فقد شرع الضرب في الحدود وفي التعزير وشرع ضرب الزوج لزوجته في حال النشوز وشرع ضرب الأولاد تأديباً لهم على ترك الصلاة وغير ذلك من الحالات ولكن ضرب الأولاد يحتاج إلى تفصيل وتوضيح. ولا يجوز للمدرس أن يضرب الولد لمجرد وقوع المخالفة منه وإنما يلجأ إلى الضرب بعد أن يستنفذ أساليب التربية الأخرى فالأصل في معاملة الأولاد والطلاب اللين والرحمة بهم والرفق بهم ثم يتدرج المربي من الأخف إلى الأشد إن لم ينفع الأخف كوسيلة للتربية فعلى المربي أن يرشد الطالب إلى الخطأ بالتوجيه كما ثبت في الحديث عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: (كنت غلاماً في حجر الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة - تتحرك في وعاء الطعام فيأكل من عدة أماكن-فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام سم الله وبكل بيمينك وكل مما يليك) رواه البخاري ومسلم. كما أن على المربي أن يرشد الطالب إلى الخطأ بالملاطفة أو بالإشارة ويجوز للمربي أن يوبخ الطالب المخطئ بالكلام الهادئ أولاً ويجوز أن يعنفه بشدة فإذا لم تفلح هذه الأساليب ولم تأت بالثمرة المرجوة منها فحينئذ يجوز استعمال الضرب كوسيلة من وسائل التربية وتقويم السلوك فقد ورد في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم (مروا أبنائكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر) رواه أبو داود والترمذي وهو حديثٌ حسن. والضرب المقصود هو الضرب غير المبرح وغير المؤلم وخاصة إذا كان الطالب قد وقع في الخطأ للمرة الأولى ولا يجوز الضرب على الوجه أو الرأس والمواضع الحساسة من الجسم حتى لا يلحق الضرر بالمضروب. وينبغي للمربي ألا يضرب وهو في حالة الغضب لئلا يفقد السيطرة على نفسه فيضرب الطالب ضرباً مبرحاً يلحق به الأذى. انظر تربية الأولاد في الإسلام 2/ 678.

عطور فيها بعض الكحول

كما أن بعض الفقهاء منعوا الضرب أكثر من ثلاث مرات كأن يضربه ثلاثة أسواط وأجاز بعض الفقهاء الضرب عشرة أسواط. وينبغي أن يعلم أن الدعوة إلى إلغاء عقوبة الضرب في المدارس وإلغاء ذلك فعلياً قد أثر على العملية التعليمية تأثيراً سلبياً لأن كثيراً من الطلاب لا يستقيم حالهم ولا يصلح أمرهم إلا بالعقوبة أو الخوف منها وهذا أمرٌ طبيعي في الإنسان رغم كل ما يدعيه دعاة إلغاء الضرب من مبررات لإلغائه وإن حصول بعض التجاوزات من بعض المعلمين بضرب الطالب ضرباً مبرحاً قد ينتج عنه ضرر به لا يعني إلغاء الضرب نهائياً، ومن المتفق عليه بين الفقهاء أنه لا يجوز التأديب بقصد الإتلاف ومن وقع منه ذلك فإنه يتحمل المسؤولية. وأخيراً فإني أؤكد على أهمية عقوبة الضرب في المدارس وفي التأديب بشكلٍ عام لأهميتها في إصلاح النفوس. وقد روي في الحديث: (رحم الله إمرءاً علق في بيته سوطاً يؤدب أهله). عطور فيها بعض الكحول يقول السائل: ما حكم استعمال العطور والأدوية التي تحتوي على نسبة من الكحول؟ الجواب: لا بأس باستعمال العطور والأدوية التي تشمل على نسبة من الكحول لأن ذلك لا يتخذ للأسكار ثم إن اختلاط قليل من الخمر بشيء مع عدم ظهور أثر له لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به لأنه لما لم يظهر له أثر لم يكن له حكم إذ أن علة الحكم هي الموجبة له فإذا فقدت العلة فقد الحكم عليه فإن النسبة التي تخلط بالعطور والأودية من الكحول لا تؤدي إلى الإسكار فلا يثبت لهذه الأشياء حكم الخمر، ومن المعلوم أن الأدوية التي تحتوي على الكحول لا تسكر بمقاديرها الطبية فلا مانع من استعمالها.

تعويض المضروب بالمال

تعويض المضروب بالمال يقول السائل: تشاجر شخصان فضرب أحدهما الآخر بآلة حادة فأصابه بجرح عميق ثم أخذت عطوة بين الطرفين ودفع الطرف المعتدى مبلغاً من المال للمعتدى عليه فما حكم المال المأخوذ وهل يجوز للمعتدى عليه أخذه؟ الجواب: يجوز للشخص المعتدى عليه أخذ المال الذي دفع له مقابل إصابته في الشجار ويعتبر هذا المال عند الفقهاء دية فيما دون النفس وهو أمر مشروع عند جماهير فقهاء المسلمين فقد أجازوا أخذ الدية في الجناية على ما دون النفس، والمراد بذلك الجناية على أعضاء جسم الإنسان كقطع يده أو رجله أو إصابة عينه أو أذنه أو أنفه أو جرحه ... الخ. ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها: ما ورد في حديث عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب له في كتابه: [وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الرجل الواحدة الدية] رواه النسائي ومالك في الموطأ وصححه أحمد والحاكم وابن حبان وغيرهم. وعن أبي شريح الخزاعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أصيب بدم أو خبل -والخبل الجراح- فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: إما أن يقتص أو يأخذ العقل-الدية-أو يعفو فإذا أراد رابعة فخذوا على يديه) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. وما ورد في الحديث أيضاً: ( ... وفي كل إصبع من أصابع اليد أو الرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل ... ) وهو جزء من الحديث الأول. وبناء على ما سبق يجوز أخذ المال المشار إليه في السؤال إذا كان تقدير ذلك المال مستنداً لما ورد في الشرع من الدية فيما دون النفس.

شجرة تضر الجيران

شجرة تضر الجيران يقول السائل: يوجد في أرض جيراني سجرة سرو قديمة وكبيرة وجذور هذه الشجرة تلحق الضرر بمنزلي وطلبت من جيراني قطعها فرفضوا قعطها فزرعت شجراً ليلحق الضرر بجيراني فما الحكم في ذلك؟ الجواب: ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجة والدارقطني والحاكم وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. ويدل هذا الحديث على أنه لا يجوز إلحاق الضرر بالآخرين وكذلك لا يجوز مقابلة الضرر بالضرر وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: (لا ضرر ولا ضرار) فيكون معنى الحديث لا يجوز إلحاق مفسدة بغيره مطلقاً ولا يجوز إلحاق مفسدة بغيره على وجه المقابلة. وقد جعل أهل العلم هذا الحديث قاعدة من القواعد المعروفة في الفقه الإسلامي: (لا ضرر ولا ضرار). وبناء على ما تقدم نقول: يجب على أصحاب الشجرة أن يقطعوها لأنها ألحقت ضرراً بمنزل جارهم لأن الواجب عليهم إزالة الضرر عن جارهم، وقد قرر الفقهاء وجوب إزالة الضرر بعد وقوعه فقالوا في القاعدة الفقهية: " الضرر يُزال ". وقد يقول قائل أن الشجرة تقع في أرض أصحابها والإنسان حرّ التصرف في ملكه فنقول نعم صحيح إن الإنسان حرّ التصرف في ملكه ولكن بشرط أن لا يتأذى غيره من هذا التصرف قال الحافظ ابن رجب: [ومنها-أي الأمور الممنوعة-أن يحدث في ملكه ما يضر ملك جاره من هز أو دق ونحوهما فإنه يمنع منه. وكذا إذا كان يضر بالسكان كما إذا كان له رائحة خبيثة ونحو ذلك] جامع العلوم والحكم ص 386. وقرر الفقهاء أنه إذا طالت أغصان شجرة لشخص وتدلت على جدار جاره فأضرته يكلف رفعها أو قطعها.

حكم الأكل من ثمار البساتين بدون إذن أصحابها

ولا يجوز للإنسان المتضرر من أفعال الآخرين أن يقابل الضرر بالضرر وهذا هو المعنى المشار إليه في قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا ضرار) وعليه فلا يجوز للسائل أن يزرع شجراً في أرضه يحلق الأذى بجيرانه. حكم الأكل من ثمار البساتين بدون إذن أصحابها يقول السائل: هل يجوز الأكل من ثمار البساتين بدون إذن أصحابها؟ الجواب: إن من القواعد المقررة شرعاً أنه لا يجوز أخذ مال المسلم إلا بإذنه ويدل على ذلك قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) سورة النساء الآية 29. ويدل على ذلك أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) رواه البخاري ومسلم. وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس) رواه الحاكم وابن حبان وصححاه وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس رواه البيهقي بإسناد صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فينتقل طعامه وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه) رواه البخاري ومسلم والمشربة بضم الراء الغرفة. قال الإمام النووي: [ومعنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه اللبن في الضرع بالطعام المخزن المحفوظ في الخزانة في أنه لا يحل أخذه بغير إذنه، وفي الحديث فوائد منها تحريم أخذ مال الإنسان بغير إذنه والأكل منه والتصرف فيه، وأنه لا فرق بين اللبن وغيره وسواء المحتاج وغيره إلا المضطر ... فيأكل الطعام للضرورة ويلزمه بدل عندنا وعند الجمهور ... ] شرح صحيح مسلم 4/ 391.

حكم سب الفقهاء والعلماء

وقال ابن عبد البر: [في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئاً إلا بإذنه وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه فنبه به على ما هو أولى منه] فتح الباري 6/ 14. وبناء على ما تقدم لا يجوز الأكل من ثمار الأشجار في البساتين أو على جوانب الطرقات إلا بإذن أصحابها وكذلك الأكل من الزروع لا يجوز إلا بإذن أصحابها وهذا القول الذي ذكرته هو الأقوى دليلاً والأحوط ديناً وأبعد عن الشبهات. قال ابن قدامة بعد أن ذكر الخلاف في المسألة: [والأولى في الثمار وغيرها ألا يأكل إلا بإذن لما فيه من الخلاف والأخبار الدالة على التحريم) المغني 9/ 418. حكم سب الفقهاء والعلماء يقول السائل: ما حكم من سب وشتم فقهاء المسلمين وما حكم الصلاة خلف ذلك الشخص؟ الجواب: لا شك أن سب وشتم فقهاء الإسلام من المعاصي الكبيرة وأن الطعن في علماء الإسلام طعن في دين الله وإن شتم الفقهاء والعلماء يدل على جهل وضاح وينبئ عن قلة تقوى ودين ويشير إلى جهل هذا الطاعن بمكانة العلماء في الإسلام، يقول الله سبحانه وتعالى: (ِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) سورة الزمر الآية 9، ويقول الله سبحانه وتعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) سورة المجادلة الآية 11. وروى ابو الدرداء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر والعلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهم إنما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر) رواه أبو داود والترمذي وهو حديث حسن.

صرف المال الموقوف في غير ما وقف له

ويجب أن يعلم أن احترام العلماء وتقديرهم واجب على المسلم، قال الإمام الطحاوي صاحب العقيدة الطحاوية المشهورة: [وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخبر والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل] شرح العقدية الطحاوية ص 554. وقال الشاعر: الناس من جهة التمثال أكفاء فإن يكن لهم في أصلهم نسب ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم وقدر كل امرئ ما كان يحسنه ... أبوهم آدم والأم حواء يفاخرون به فالطين والماء على الهدى لمن استهدى أدلاء والجاهلون لأهل العلم أعداء وقال الحافظ ابن عساكر رحمه الله: [اعلم يا أخي-وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإياك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته-أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب]. وأخيراً فإن على هذا الطاعن في الفقهاء والعلماء أن يتوب إلى الله توبة صادقة بأن يكف لسانه عن الوقيعة في أعراض العلماء ويستغفر ربه ويتوب إليه ويكثر من الدعاء والاستغفار للعلماء، وأما بالنسبة للصلاة خلف من يسب العلماء ويقع فيهم فالصلاة خلفه تصح وإن كان هذا وأمثاله لا ينبغي أن يكونوا من أئمة المساجد بل يجب أن يزجروا وينهروا حتى يرتدعوا عن ضلالتهم. صرف المال الموقوف في غير ما وقف له يقول السائل: إن شخصاً دفع مبلغاً من المال لفرش مسجد ولكن المسجد مفروش ولا يحتاج لفرش آخر فهل يجوز صرف المبلغ في شراء كتب للمسجد وهل تجب استشارة صاحب المال؟

قدم شخص بيته للصلاة فيه مؤقتا ثم استرده

الجواب: إن الأولى والأحوط في هذه المسألة أن يصرف المال فيما خصصه له من دفعه وأما إذا كان الواقع كما ذكر في السؤال من أن المسجد لا يحتاج إلى فرش فلا بأس بشراء كتب شرعية نافعة للمسجد وإذا أمكن استشارة ذلك الشخص فهو الأفضل وإن لم يمكن فلا بأس بفعل ذلك دون استشارته. قدم شخص بيته للصلاة فيه مؤقتاً ثم استرده يقول السائل: إن شخصاً قدم بيتاً له ليصلي فيه أهل الحي حتى يتمكنوا من بناء مسجد وشرط عليهم إعادة البيت في الوقت الذي يطلبه، وبعد مضي سنوات طلب ذلك الشخص بيته فما حكم ذلك؟ الجواب: ما دام أن الاتفاق تم كذلك بين صاحب البيت وأهل الحي فيجب إعادة البيت لصاحبه حيث أنه لم يوقفه مسجداً وإنما قدمه لهم ليصلوا فيه مدة من الزمان حتى يطلبه فلما طلبه وجبت إعادته إليه والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: [المسلمون على شروطهم] رواه أصحاب السنن وغيرهم وهو حديث صحيح. وجاء في رواية أخرى: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأما لو وقفه مسجداً فلا يحق له الرجوع في وقف المسجد كما اتفق على ذلك أكثر الفقهاء. لا يجوز استرداد الأرض الموقوفة على المسجد يقول السائل: أوقف رجل قطعة أرض لبناء مسجد وبعد أن تم البناء اقتطع الواقف جزءاً من الأرض الموقوفة وضمها إلى أرضه فما حكم ذلك؟

حكم الرحلات الترفيهية إلى منطقة البحر الميت

الجواب: إن الوقف من الأعمال الخيرية التي يتقرب بها العبد إلى الله وهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم. ولا شك أن الوقف على المساجد فيه أجر عظيم وأجر مستمر لا ينقطع وهذا الرجل الذي أوقف الأرض لبناء المسجد فعل خيراً ولكنه أخطأ عندما تراجع عن بعض ما وقف وضم جزءاً من الأرض الموقوفة لأرضه الخاصة وما فعله هذا الشخص لا يجوز لأن الوقف على المساجد باتفاق الفقهاء لا يجوز نقضه فهو وقف لازم فلا يجوز الرجوع في وقف المسجد سواء كان الرجوع من الواقف أو من ورثته لأن الوقف حين يتم يصير حقاً خالصاً لله تعالى لأن المساجد لله وخلوصه لله تعالى يقتضي عدم الرجوع فيه. ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (صدقة جارية) فهذا يشعر بأن الوقف يلزم ولا يجوز الرجوع فيه ولو جاز فيه الرجوع لكان صدقة منقطعة وقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث بعدم الانقطاع وبالتالي على هذا الشخص أن يعيد ذلك الجزء من الأرض ويلحقه بأرض المسجد حتى لا يبطل عمله. حكم الرحلات الترفيهية إلى منطقة البحر الميت يقول السائل: ما حكم الذهاب إلى منطقة البحر الميت في رحلات ترفيهية؟ الجواب: إن منطقة البحر الميت هي المنطقة التي كان يسكنها قوم لوط عليه الصلاة والسلام ومعلوم أن قوم لوط كذبوا نبيهم لوط وأن الله عاقبهم بتدمير قراهم ومدنهم كما قال الله تعالى: (قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ

أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) سورة هود الآيتان 81 - 82. والمطلوب من المسلم أن يتعظ ويعتبر مما أصاب الذين ظلموا أنفسهم ومنهم قوم لوط كما قال تعالى: (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) سورة الصافات الآيات 133 - 138. وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدخول على الأقوام المعذبين إلا إذا كان المسلم باكياً ومتعظاً فإن لم يكن حاله كذلك فلا يدخل فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم). قال الحافظ ابن حجر: [ ... ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكير والاعتبار فكأنه أمره بالتفكير في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك والمتفكر أيضاً في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتباراً بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال ودلّ على قساوة قلبه وعدم خشوعه فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم] شرح السنة 2/ 77. وقال الإمام الخطابي: [معناه أن الداخل في دار قوم هلكوا بخسف أو عذاب إذا لم يكن باكيا إما شفقة عليهم وإما خوفاً من حلول مثلها به كان قاسي القلب قليل الخشوع فلا يأمن إذا كان هكذا أن يصيبه ما أصابهم] شرح السنة 14/ 362. وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لما مر بديار ثمود مرّ مسرعاً لم ينزل

كتابة البسملة على الأوراق الرسمية

فيها فقد جاء في رواية لحديث ابن عمر قال: (مررنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر-ديار ثمود-فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم زجر فأسرع حتى خلفها) رواه مسلم وقوله زجر أي زجر ناقته وحثها على المسير. وبناء على ما سبق أرى أنه لا ينبغي الذهاب إلى منطقة البحر الميت في رحلات ترفيهية لأن من يذهبون في هذه الرحلات أبعد ما يكونون عن البكاء والاتعاظ والاعتبار. ويضاف إلى ذلك ما في تلك المناطق من المنكرات والمحظورات التي توجد عند شواطئ البحار من عري وتهتك واختلاط وفساد وإفساد. كتابة البسملة على الأوراق الرسمية يقول السائل: كثيراً ما نرى أوراقاً كتبت عليها البسملة وقد رميت في الطرقات والشوارع وغيرها فهل يجوز كتابة البسملة على مثل هذه الأوراق التي تُرمى؟ الجواب: لا بأس بكتابة البسملة والحمدلة في الكتب والنشرات والأوراق الرسمية وغير ذلك لما روي في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع) وفي رواية أخرى: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر) والحديث ورد بروايات أخرى غير ما ذكر وقد رواه أحمد ,وأبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وفي سنده كلام كثير وضعفه الألباني وجماعة من المحدثين. وحسنه ابن الصلاح والنووي حيث قال بعد أن ذكر الحديث السابق بألفاظه المختلفة: [روينا هذه الألفاظ كلها في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي وهو حديث حسن ... ] الأذكار ص 94.

دخول المطاعم التي تقدم الخمور

وبعد هذا أقول يستحب كتابة البسملة والحمدلة في أول الكتب والنشرات وغيرها وكل من وقعت في يده ورقة أو نشرة كتب فيها شيء من ذكر الله كالبسملة والحمدلة وغيرها يجب عليه أن يحافظ عليها محافظة تامة ولا يجوز له رميها في الطرقات والشوارع وأماكن القاذورات وإذا لم يكن له حاجة بها فليلقها في مكان لائق وإن استغنى عنها فلا بأس بدفنها في مكان طاهر أو حرقها. دخول المطاعم التي تقدم الخمور يقول السائل: ما حكم دخول المطاعم التي تقدم الخمور؟ الجواب: لا يجوز شرعاً دخول المطاعم التي تقدم الخمور والجلوس فيها بل إن على المسلم أن يقاطع كل مجلس للخمر فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة تدار عليها الخمر) رواه الترمذي وقال حديث حسن. وإن المسلم يُطلب منه إزالة المنكر فإن لم يستطع فلا أقل من أن يبتعد عن مواطن المنكر فلا يجلس في تلك المطاعم التي تقدم الخمور. يحرم استعمال جلد الخنزير في الملابس والأحذية يقول السائل: ما حكم استعمال جلد الخنزير في الملبوسة الجلدية والأحذية؟ الجواب: لا يجوز استعمال جلد الخنزير في صناعة الملابس والأحذية بل ذلك محرم على ما قرره أكثر الفقهاء حيث قالوا إن جلد الخنزير نجس لا يطهر بالدباغة ويدل على ذلك قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) سورة الأنعام الآية 145.

استعمال العدسات الملونة

والضمير في قوله تعالى: (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) يعود على الخنزير والرجس تعني النجس فالخنزير كله نجس كما قرره فقهاء الحنفية وغيرهم، قال العلامة ابن عابدين رحمه الله: [لأنه نجس العين بمعنى أن ذاته بجميع أجزائه نجسة حياً وميتاً فليست نجاسته لما فيه من الدم كنجاسة غيره من الحيوانات فلذا لم يقبل التطهير ... ] حاشية ابن عابدين 1/ 204. وقال أكثر العلماء إن جلد الخنزير لا يدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما إهاب دبغ فقط طهر) رواه مسلم وأحمد والترمذي. وقالوا إن العموم في الحديث مخصوص، قال القرطبي: [المشهور عندنا أن جلد الخنزير لا يدخل في الحديث ولا يتناوله العموم ... قال أبو عمر: يحتمل أن يكون أراد بهذا القول عموم الجلد المعهود الانتفاع بها فأما الخنزير فلم يدخل في المعنى لأنه غير معهود الانتفاع بجلده إذ لا تعمل فيه الذكاة ودليل آخر وهو ما قاله النضر بن شميل: إن الإهاب جلد البقر والغنم والإبل وما عداه فإنما يقال له جلد لا إهاب] تفسير القرطبي 10/ 15. وكلام النضر بن شميل فيه نظر. وعلى كل حال فهناك من العلماء من يرى أن جلد الخنزير يدخل في عموم الحديث السابق ولكن قول الجمهور أحوط وأبعد عن الشبهات فإن الشريعة قد حرمت أكل الخنزير ووصفت الخنزير بأنه رجس فالمفروض في المسلم أن يبتعد عن الخنزير وعن كل ما يتعلق به. استعمال العدسات الملونة يقول السائل: ما حكم استعمال الإنسان للعدسات الملونة في العيون؟ الجواب: إن لم تكن العدسات الملونة لازمة من الناحية الطبية فلا يجوز استعمالها لأنها تتضمن تغييراً لخلق الله سبحانه وتعالى وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالمرأة فإن ذلك يعتبر من الزينة الممنوعة وقد ينطوي على

حكم زراعة الشعر

الغش والخداع إذا كانت المرأة تستعملها لتخدع الخطاب. حكم زراعة الشعر يقول السائل: ما حكم زراعة الشعر؟ الجواب: إن زراعة الشعر فيما يظهر لي جائزة إذا دعت لذلك الحاجة كأن يتساقط شعر شخص فيعالج ذلك بزراعة الشعر وأرى أن هذا من باب العلاج ولا بأس به إن شاء الله. استعمال الآيات القرآنية في التعليقات الساخرة يقول السائل: ما حكم استعمال الآيات القرآنية في التعليقات الساخرة والمزاح؟ الجواب: إن القرآن الكريم كلام الله ولا يجوز للمسلم أن يتلاعب بكلام الله بأي حال من الأحوال لأن ذلك من الاستهانة بالقرآن، وكلام الله يجب احترامه وصيانته عن كل ما لا يليق به وبالتالي لا يجوز استعماله في المزاح أو التعليقات والرسوم الساخرة لأن ذلك يتضمن إستخفافاً واستهانة بل على المسلم عندما يقرأ كلام الله سبحانه وتعالى أن يقرأه بتدبر وتفكر وأن يكون على طهارة لأن قراءة كلام الله سبحانه وتعالى عبادة من العبادات والقرآن أنزل ليكون دستوراً ومنهج حياة، يقول سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) سورة القمر الآية 17. وقال تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) سورة الحشر الآية 21.

التوبة الصادقة

وقال تعالى: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) سورة مريم الآية 58. التوبة الصادقة يقول السائل: أنا شاب عصيت الله أربعة أعوام فأهملت الصيام وشتمت هذا وضربت ذاك، ووقعت في النميمة والغيبة والرياء والآن تبت إلى الله دون أن أعتذر لأصحاب الحقوق وما زلت أقع في الغيبة ولكن بشكل أقل من السابق فماذا أصنع؟ الجواب: لا شك أن التوبة من المعاصي والآثام واجبة على المسلم استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ولقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا). وهذا الأخ السائل عليه أن يحمد الله على توبته ولكن هذه التوبة ليست توبة نصوحاً لأن التوبة النصوح لا بد أن تتحقق فيها شروط أربعة وهي: الأول: أن يقلع الإنسان عن المعاصي والآثام فإذا كان يغتاب الناس فعليه أن يترك ذلك. الثاني: أن يندم ندماً حقيقاً وصادقاً على ما مضى. الثالث: أن يعزم عزماً أكيداً على أن لا يعود للمعاصي. الرابع: إذا كانت المعصية تتعلق بحق من حقوق الناس فلا بد من إعادتها لأصحابها. فعلى هذا السائل أن يحقق هذه الشروط في نفسه حتى تكون توبته صادقة وأما أن يتوب الإنسان من الذنب اليوم ويعود إليه غداً فما هذه بتوبة. وأما بالنسبة لتركك الصوم لأربعة أعوام فيلزمك القضاء فعيلك الصيام ولا تبرئ ذمتك إلا بالقضاء.

حكم الغش في الإمتحان

كما أن عليك أن تكثر من فعل الخيرات والأعمال الصالحات فهذه تمحو السيئات بإذن الله سبحانه وتعالى حيث يقول: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) وقال صلى الله عليه وسلم: (أتبع السيئة الحسنة تمحها) رواه أحمد والترمذي وهو حديث حسن. حكم الغش في الإمتحان يقول السائل: يغش بعض الطلبة في الامتحان ويزعمون أن في الغش تحقيق مصلحة لهم فما حكم ذلك؟ الجواب: لا شك أن الغش حرام مطلقاً سواء كان في المعاملات أو في الامتحانات أو غيرها ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام-كومة قمح أو شعير-فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بلللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله- أي المطر-قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس منا) رواه مسلم وغيره. ومن المعلوم عند أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فألفاظ الحديث تعم كل غش سواء كان في الامتحانات أو غيرها. وأما زعمهم بأن الغش يحقق مصلحة لهم فهذا زعم باطل وكلام مردود لا يصح أبداً فإن المصلحة المعتبرة عند أهل العلم يجب أن لا تعارض نصاً-من الكتاب أو السنة-أو إجماعاً أو قياساً صحيحاً. وما يسمونه مصلحة هنا هو في الحقيقة مصلحة موهومة وملغاة بنص الشارع، فأين هي المصلحة في غش؟ إنها كمصلحة المرابي في زيادة أمواله عن طريق الربا وينبغي أن يعلم أن كثيراً من الناس يحملون المصلحة أكثر مما تحتمل ويقومون بتصرفات كثيرة معارضة لكتاب الله وسنة رسوله ويزعمون

حكم ما يسمى (فراش العطوة)

أن دليلهم هو المصلحة، وهم في الحقيقة والواقع لا يعرفون المصلحة على حقيقتها فالمصلحة هي المنفعة التي يقصدها الشرع من أجل حفظ مقاصد الشريعة ولا ينطبق هذا الكلام على الغش في الامتحانات لأن الغش محرم بالنص ولأن الغش يتعارض مع مقاصد الشريعة المطهرة. حكم ما يسمى (فراش العطوة) يقول السائل: ما الحكم الشرعي فيما يسمية القضاء العشائري فراش العطوة والجلاء؟ الجواب: فراش العطوة هو عبارة عن المبلغ الذي يدفعه أهل الجاني وعشيرته في جرائم القتل العمد وحوادث السيارات ونحوها لذوي المجني عليه قبل الموافقة على إعطاء العطوة العشائرية ويكون دفع هذا المبلغ عن طريق رجال الجاهة الذين يتدخلون لاحتواء المشكلة التي قد تكون قد وقعت وحكم فراش العطوة في الشرع أنه أكل لأموال الناس بالباطل لأنه في حالات كثيرة لا يحسب مبلغ فراش العطوة من شروط الصلح أو الدية وبالتالي يكون من غير عوض، وهذا غير جائز شرعاً يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) وأما إذا اعتبر مبلغ فراش العطوة جزءاً من الدية أو من المبلغ الذي يدفع عند إجراء المصالحة بين الطرفين فيجوز ذلك. وأما الجلاء أو الجلوة كما يسيمها القضاء العشائري وتعني ترحيل ذوي الجاني من أماكن سكنهم القريبة من أهل المجني عليه إلى أماكن سكن بعيدة وغالباً ما تكون الجلوة في قضايا القتل العمد والجلوة في القضاء العشائري لا تقتصر على الجاني وإنما قد تشمل الآباء والأجداد والأخوة والأعمام وكل من له صلة بالجاني إلى الجد الثالث وأحياناً قد تصل إلى الجد الخامس وهذا يشمل النساء والأطفال. العرف العشائري ص 363. والجلاء أو الجلوة في نظر الشريعة أمر باطل لا يجوز وهي ظلم

التهنئة بحلول العيد

واضح لأن الشريعة الإسلامية تقرر أن كل إنسان مسؤول عما يفعل ولا يحاسب شخص سواه على ما فعل، قال تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى). وفي الجلاء ظلم يتضمن إخراج الناس من بيوتهم وترحيلهم عنها وإلحاق الضرر بهم من غير جريرة ذنب ارتكبوه وليس لهم علاقة بالجريمة فلماذا يعاقبون على شيء لم يفعلوه؟ وإن كان الأمر يقتضي المحافظة على أهل الجاني من فورة غضب أهل المجني عليه فلا بأس من إبعاد أهل الجاني عن أهل المجني عليه لمدة قصيرة لا تعدو أياماً قليلة حتى تهدأً ثورة غضبهم أما تهجيرهم من بيوتهم وأطفالهم ونساؤهم شهوراً وأحياناً سنوات فهذا أمر لا تقره الشريعة بحال من الأحوال وهذا من الظلم والعدوان يقول الرسول عليه الصلاة والسلام (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم. وعلى رجال الخير والإصلاح أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وليعلموا أنه لا يجوز لهم أن يحكموا بغير ما أنزل الله فعليهم الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى لأن الشريعة الإسلامية هي الكفيلة بتحقيق العدل بين الناس. التهنئة بحلول العيد يقول السائل: كيف تكون التهنئة بحلول العيد؟ الجواب: إن أصل التهنئة مشروع في الجملة فقد ثبت في الحديث الصحيح في قصة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تاب الله عليه بعد تخلفه عن غزوة تبوك حيث ورد في قصة توبته: (قال سمعت صوت صارخ يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك، أبشر فذهب الناس يبشروننا وأنطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم - أقصده - يتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنؤني بالتوبة ويقولون: ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا

رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني وكان كعب لا ينساها لطلحة قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) رواه البخاري ومسلم. وهذا الحديث في التهنئة بشكل عام وأما التهنئة بالعيد والدعاء فيه فقد ورد في الحديث عن محمد بن زياد قال: [كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض يتقبل الله منا ومنك] قال الإمام أحمد بن حنبل إسناده إسناد جيد وجوَّده أيضاً العلامة ابن التركماني، الجوهر النقي 3/ 319. ونقل ابن قدامة عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: [ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد تقبل الله منا ومنك]. وقال حرب: [سئل أحمد عن قول الناس في العيدين: تقبل الله منا ومنكم قال: لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبي أمامة قيل وواثلة بن الأسقع؟ قال: نعم، قيل فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد: قال: لا] المغني 2/ 295 - 296. وسئل الإمام مالك عن قول الرجل لأخيه يوم العيد تقبل الله منا ومنك يريد الصوم فقال: ما أعرفه ولا أنكره، قال ابن حبيب المالكي معناه لا يعرفه سنة ولا ينكره على من يقوله لأنه قول حسن ولأنه دعاء. وقد عقد الإمام البيهقي باباً في سننه الكبرى بعنوان: [باب ما روي في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك]. ثم ساق فيه بعض الأحاديث الواردة في ذلك وضعّفها وساق فيه أيضاً أثراً عن عمر بن عبد العزيز فقال: [عن أدهم مولى عمر بن عبد العزيز قال: كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيد تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين فيرد علينا ولا ينكر ذلك علينا] سنن البيهقي 3/ 319. وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فلا بأس أن يعمل بها في مثل هذا

ما يجب على المسلم أن يعلمه من أمر دينه

الأمر الذي يعد من فضائل الأعمال وخاصة إذا أضفنا إليها الحديث الذي لم يذكره البيهقي وهو حديث أبي أمامة المذكور سابقاً، وخلاصة الأمر أنه لا بأس أن يقال في التهنئة بالعيد تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال أو نحوها من العبارات. ما يجب على المسلم أن يعلمه من أمر دينه يقول السائل: ما هي الأمور التي يجب على المسلم أن يعلمها من أمر دينه؟ الجواب: إن العلماء قسموا العلم الشرعي إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما هو فرض عين والمقصود بفرض العين ما يجب على كل مسلم مكلف أن يحصله ولا يعذر بجهله، وحد هذا القسم هو ما تتوقف عليه صحة العبادة أو المعاملة فيجب على المسلم أن يتعلم كيفية الوضوء والصلاة والأحكام الأساسية في الصوم والزكاة وإن كان عنده نصاب والأحكام الأساسية في الحج إن كان من أهل الاستطاعة وكذلك يجب عليه أن يتعلم أحكام المعاملات التي يحتاج إليها فمثلاً لو كان شخص يعمل في الصرافة مثلاً فيجب عليه أن يتعلم أحكام الصرف في الشرعية الإسلامية وهكذا بالنسبة للأمور التي يحتاج لها في عباداته ومعاملاته. قال ابن عابدين في حاشيته نقلاً عن العلامي في فصوله: [من فرائض الإسلام تعلم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى ومعاشرة عباده وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد تعلمه علم الدين والهداية تعلم علم الوضوء والغسل والصلاة والصوم وعلم الزكاة لمن له نصاب والحج لمن وجب عليه والبيوع على التجار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات وكذا أهل الحرف وكل من اشتغل بشيء يفترض عليه علمه وحكمه ليمتنع عن الحرام فيه] حاشية ابن عابدين 1/ 42.

وقال الإمام النووي: [ ... فرض العين وهو تعلم المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به، ككيفة الوضوء والصلاة ونحوها وعليه حمل جماعات الحديث المروي في مسند أبي يعلى الموصلي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) وهذا الحديث وإن لم يكن ثابتاً فمعناه صحيح ... ] المجموع 1/ 24. والحديث الذي ذكره الإمام النووي وهو: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) حديث مختلف فيه فمن العلماء من يرى أنه حديث ضعيف، قال الإمام البيهقي: [وهذا حديث متنه مشهور وإسناده ضعيف وقد روي من أوجه كلها ضعيف] وضعفه الإمام أحمد أيضاً كما قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين. ويرى بعض أهل الحديث أن الحديث يصلح للاحتجاج لتعدد طرقه كالسيوطي والألباني وعلى كل حال فالمقصود بالعلم في الحديث هو العلم الذي يكون فرض عين فقط وليس مطلق العلم. الثاني: فرض الكفاية وهو ما إذا قام به البعض كفى، وعرّفه الإمام النووي بقوله: [وهو تحصيل ما لا بد للناس منه في إقامة دينهم من العلوم الشرعية كحفظ القرآن والأحايث وعلومهما والأصول والفقه والنحو واللغة والتصريف ومعرفة رواة الحديث والإجماع والخلاف. وأما ما ليس علماً شرعياً ويحتاج إليه في قوام أمر الدنيا كالطب والحساب ففرض كفاية أيضاً ... ] المجموع 1/ 26. الثالث: النفل: وهو كالتوسع في العلوم الشرعية. ويجب أن يعلم أن طلب العلم الشرعي أفضل من نوافل العبادات، قال الإمام النووي: [فصل في ترجيح الاشتغال بالعلم على الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات القاصرة على فاعلها] ثم ذكر عدداً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والتابعين والعلماء التي تدل على ذلك فمنها قوله تعالى: (ِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ومنها ما رواه ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا

في المسجد مجلسان مجلس يتفقهون ومجلس يدعون الله ويسألونه فقال: كلا المجلس إلى خير وأما هؤلاء فيدععون الله تعالى وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل هؤلاء أفضل بالتعليم أرسلت ثم قعد معهم). وقال عطاء: [مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وتحج وأشباه هذا]. وقال أبو هريرة: [باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوع]. وسأل رجل بان المبارك: [يا أبا عبد الرحمن في أي شيء أجعل فضل يويم في تعلم القرآن أو في تعلم العلم؟ فقال: هل تحسن من القرآن ما تقوم به صلاتك؟ قال: نعم. قال: عليك بالعلم] الآداب الشرعية 2/ 34. وينبغي أن يعلم أيضاً أنه لا يصح قول من يقول بوجوب ترك الصلاة النافلة أو ترك قراءة القرآن ووجوب الإنصات عندما يبدأ مدرس بإعطاء درس في المسجد احتجاجاً بالحديث السابق: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ولأن طلب العلم فرض والصلاة النافلة وقراءة القرآن مندوبة، فهذا الكلام لا يصح لأن العلم المقصود بالحديث هو ما كان فرض عين فقط كما بينت سابقاً وأما مطلق العلم فليس كذلك. وما قررته هنا لا يتنافى مع ما سبق من أن طلب العلم الشرعي بشكل عام أفضل من نافلة الصلاة وقراءة القرآن. وأما أنه يجب على كل مصلي قطع صلاته أو أنه يجب على كل قارئ للقرآن قطع قراءته والاستماع للدرس فهذا مما لا دليل عليه وليس بصحيح.

الاحتفال بالإسراء والمعراج لا أصل له في الشرع

الاحتفال بالإسراء والمعراج لا أصل له في الشرع يقول السائل: متى أسري بالنبي عليه الصلاة والسلام وما حكم الاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من رجب؟ الجواب: إن حادثة الإسراء والمعراج حق وصدق ولا شك في ذلك ولا ريب وقد ثبت ذلك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأشارت إلى ذلك أول آية من سورة الإسراء حيث يقول تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). وأما أنه صلى الله عليه وسلم أسري به في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب فلم يثبت ذلك بسند صحيح وقد اختلف العلماء في وقت الإسراء والمعراج وعلى أقوال كثيرة، قال الحافظ ابن حجر: [وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث ثم اختلفوا فقيل قبل الهجرة بسنة قاله ابن سعد وغيره وبه جزم النووي وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه وهو مردود فإن في ذلك اختلافاً كثير يزيد على عشرة أقوال] فتح الباري 8/ 201. ثم ذكر الحافظ هذه الأقوال وهي: - قبل الهجرة بثمانية أشهر. - قبل الهجرة بستة أشهر. - قبل الهجرة بسنة. - قبل الهجرة بأحد عشر شهراً. - قبل الهجرة بسنة وشهرين. - قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر. - قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر. - قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً.

- قبل الهجرة بثلاث سنوات. - قبل الهجرة بخمس سنوات. وكما أنهم اختلفوا في تحديد السنة التي وقعت فيها حادثة الإسراء والمعراج فكذلك اختلفوا في الشهر الذي وقعت فيه فقيل كان ذلك في السابع والشعرين من رجب، وقيل في شهر رمضان، وقيل في شهر شوال، وقيل في شهر ربيع الأول، وقيل في شهر ربيع الثاني وقد ذكر هذه الأقوال كلها الحافظ ابن حجر في فتح الباري 8/ 208. وقد بحث المسألة أيضاً الإمام القرطبي في تفسيره وذكر الاختلاف الكبير في تحديد وقت الإسراء والمعراج وزاد أنه قد روي أن الإسراء كان بعد مبعثه بخمس سنين. تفسير القرطبي 10/ 210. وأضاف الحافظ ابن كثير أن من العلماء من يرى أن الإسراء والمعراج وقع قبل الهجرة بستة عشر شهراً وكان ذلك في شعر ذي القعدة وذكر أن بعض الناس ادعى أن ذلك كان أول ليلة جعة من شهر رجب وعقب على ذلك بأنه لا أصل له. البداية والنهاية 3/ 107. وقال العلامة أبو شامة المقدسي: [وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب] الباعث ص 116. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ولم يصح شيء من ذلك فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة منه وأنه بعص في السابع والعشرين منه وقيل في الخامس والعشرين ولا يصح شيء من ذلك وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب وأنكر ذلك إبراهيم

الحربي وغيره وروي عن قيس بن عباد قال: في اليوم العاشر من رجب ... ] لطائف المعارف ص 233. وبعد هذا العرض للأقوال الواردة في وقت حادثة الإسراء والمعراج أقول إن لم يثبت بحديث صحيح توقيت هذه الحادثة لا في السابع والعشرين من رجب ولا غيره وبناء على ذلك فإن تحديد السابع والعشرين من رجب على أنه وقتها غير صحيح وينقصه الدليل الثابت وقد رأينا أن أهل العلم لم يثبتوا تلك الروايات الواردة في تعيين وقت هذه الحادثة وحتى لو سلمنا جدلاً أن وقت حادثة الإسراء والمعراج معلوم لا يجوز للمسلمين الاحتفال بهذه المناسبة لأن ذلك لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لهم أن يعتبروها عيداً من أعياد المسلمين تعطل فيه الأعمال وتقام فيه الاحتفالات لأن ذلك زيادة في الدين وشرع لم يأذن به الله قال بعض أهل العلم: [وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصّوها بشيء من العبادات فلم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة إما بالقول أو بفعل ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر ولنقله الصحابة رضي الله عنهم فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة ولم يفرطوا في شيء من الدين بل هم السابقون إلى كل خير فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس وقد بلغ الرسالة غاية البلاغ وأدى الأمانة فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليس من الإسلام في شيء وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها وأتم عليها النعمة وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ

دِينًا) وقال عز وجل في سورة الشورى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وثبت عن رسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التحذير من البدع والتصريح بأنها ضلالة تنبيهاً للأمة على عظم خطرها وتنفيراً لهم من اقترافها ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنها قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) فتاوى الهيئة الدائمة للبحوث العلمية 3/ 45. ***** حوار مكذوب بين الرسول صلى الله عليه وسلم وإبليس تقول السائلة: هناك ورقة مطبوعة يقوم بعض الناس بتوزيعها بعنوان: " حوار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وإبليس لعنه الله " وذكر تحت هذا العنوان حديث عن معاذ بن جبل عن ابن عباس قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت رجل من الأنصار في جماعة فنادى مناد يا أهل المنزل أتأذنون لي بالدخول ولكم إلي حاجة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعلمون من المنادي؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا إبليس لعنه الله تعالى ... الخ. ثم ساق حديثاً طويلاً جداً على شكل حوار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وإبليس وذكر في آخره أنه مأخوذ من كتاب شجرة الكون لمحي الدين بن عربي، وتسأل السائلة عن صحة هذا الحديث وهل ثبت ذلك عن الرسول عليه الصلاة والسلام؟ الجواب: لا شك أن هذا الحديث المشار إليه مكذوب مختلق ورسول الله صلى الله عليه وسلم منه بريء وهو محض اختلاق وعلامات الوضع عليه ظاهرة جداً فإن للحديث النبوي نوراً يدل عليه، قال بعض أهل العلم: [إن

حديث مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم

للحديث ضوءاً كضوء النهار يعرفه وظلمة كظلمة الليل تنكره] وقال ابن الجوزي: [الحديث المنكر يقشعر له جلد طالب العلم وينفر منه قلبه في الغالب]. وهذا الكلام وما قبله ينطبق على الحديث المشار إليه ويضاف إلى ذلك طوله المستغرب وركاكة ألفاظه كما أن المصدر الذي نقل منه لا يعتبر ولا يعتد به ولا بمؤلفه فهو دجال من الدجاجلة ومخرف من المخرفين وشيطان من شياطين الإنس والعياذ بالله. قال عنه العز بن عبد السلام سلطان العلماء: [شيخ سوء كذّاب]. وقال الحافظ الذهبي عنه: [ ... ومن أردأ مؤلفاته كتاب " الفصوص " فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر ... ] سير أعلام النبلاء 23/ 48. حديث مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم يقول السائل: ينتشر بين الناس حديث منسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ونصه: سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه همهم بطونهم ودينهم دراهمهم وقبلتهم نسائهم. فهل هذا حديث ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة ويتناقله كثير من الناس مع تفاوت في ألفاظه وعباراته وقد طبعه بعض الناس في نشرات وزعت على الناس وعلقت في بعض المساجد وهذا حديث باطل غير ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد روى بعض ألفاظه الديلمي في مسند الفردوس وهو موطن الروايات الواهية والموضوعة المكذوبة وذكر بعض ألفاظه صاحب كنز العمال وغيرهما وخلاصة الأمر أن الحديث غير ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

خاتم النبوة يقول السائل: ما قولكم في هذه الورقة المطبوعة والتي توزع في المساجد ومكتوب عليها ما يلي: هذا مثال خاتم النبوة الذي كان بين كتفيه صلى الله عليه وسلم ومكتوب من الشعر بقلم القدرة: توجه حيث شئت فإنك منصور الله وحده لا شريك له محمد رسول الله فإنك منصور. ثم كتب في أسفل الورقة ما يلي: ومن خواصه ما نقله الترمذي أن من توضأ ونظر إليه وقت الصبح حفظه الله تعالى إلى وقت المغرب ومن نظر إليه وقت المغرب حفظه الله تعالى إلى وقت الصبح ومن نظر إليه أول الشهر يحفظه الله إلى آخره ومن نظر إليه أول السنة يحفظه الله إلى آخرها من البلاء والآفات ومن نظر إليه أول الشهر يصير ذلك مباركاً عليه وإن مات في تلك السنة يختم له بالإيمان. الجواب: إن خاتم النبوة حق وصدق وكان بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو من علامات النبوة التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها وقد ورد ذكر خاتم النبوة في أحاديث كثيرة منها: عن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن ابن أختي وجع، فنمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: (فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة). وعن جابر بن سمرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته ... ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده) رواه مسلم. وعن عاصم بن عبد الله بن سرجس قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزاً ولحماً أو قال ثريداً قال: فقلت له: أستغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولك ثم تلا هذه الآية: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) قال:

ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل) رواه مسلم. وعن أبي نضرة العوقي قال: سألت أبي سعيد الخدري عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني خاتم النبوة فقال: كان في ظهره بضعة ناشزة) رواه الترمذي في مختصر الشمائل وقال الشيخ الألباني: وسنده جيد. ثم قال الألباني: [أي كان الخاتم في ظهره الشريف قطعة لحم ظاهرة]. هذه بعض الأحاديث التي وردت في إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده الشريف عليه الصلاة والسلام، وقد ورد في الخاتم أحاديث أخرى لا يعول عليها ولا يعتمد عليها وهي إما ضعيفة أو مكذوبة باطلة. ومن الأحاديث الباطلة الحديث المذكور في آخر الصفحة المشار إليها فإنه حديث باطل لم يروه الترمذي صاحب السنن ولعل الترمذي المذكور هو الحكيم الترمذي صاحب النوادر وكتابه موطن للأحاديث الضعيفة والواهية. وأما ما ذكر من أن خاتم النبوة مكتوب من الشعر بقلم القدرة وذكروا الكلمات التي كتبت على ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالشعر فهذا كلام باطل من الخرافات التي لا تصح. قال الحافظ ابن حجر: [وأما ما ورد من أنها-أي خاتم النبوة-كانت كأثر محجم أو كالشامة السوداء أو الخضراء أو مكتب عليها محمد رسول الله أو سر فأنت منصور أو نحو ذلك فلم يثبت منها شيء وقد أطنب الحافظ قطب الدين في استيعابها في شرح السيرة وتبعه مغلطاي في الزهر الباسم ولم يبين شيئاً من حالها. والحق ما ذكرته ولا تغتر بما وقع في صحيح ابن حبان فإنه غفل حيث صحح ذلك والله أعلم] فتح الباري 7/ 374. وقال الحافظ الهيثمي: [اختلط على بعض الرواة خاتم النبوة بالخاتم الذي كان يختم به الكتب] يعني أن الخاتم الذي اتخذه الرسول عليه الصلاة والسلام وكان يختم به الكتب نقش عليه محمد رسول الله كما ورد في بعض الأحاديث، فظنوا أن

وصية الشيخ أحمد المكذوبة

تلك الكلمات كانت على خاتم النبوة الذي كان في ظهره الشريف عليه الصلاة والسلام وليس الأمر كذلك. وصية الشيخ أحمد المكذوبة يسأل كثير من الناس في هذه الأيام عن صحة الوصية المذكورة لاحقاً والمنسوبة إلى الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم النبوي والتي توزع بكثرة وتداولها الناس وهذا هو نص الوصية وبعض نسخها يختلف عن البعض الآخر بزيادة أو نقصان. تقول الوصية: [هذه التوصية من المدينة المنورة من الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم الرسول صلى الله عليه وسلم في مشارق الأرض ومغاربها إليكم هذه التوصية: يقول الشيخ أحمد: إنه كان في ليلة يقرأ القرآن في حرم الرسول وفي تلك اللحظة غلبني النوم ورأيت في نومي رسول الله أتى إلي وقال: إنه قد مات هذا الأسبوع أربعون ألفاً من الناس على غير إيمانهم وإنهم ماتوا ميتة الجاهلية وإن النساء لا يطيعون أزواجهن ويظهرن أمام الرجال بزينتهن من غير ستر ولا حجاب عاريات الجسد ويخرجن من بيوتهن من غير علم أزواجهن وأن الأغنياء من الناس لا يؤدون الزكاة ولا يحجون إلى بيت الله الحرام ولا يساعدون الفقراء ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر. وقال لي رسول الله أن تبلغ الناس أن يوم القيامة قريب قريباً يظهر لكم نجمة في السماء ترونها جلياً وتقترب الأرض إلى السماء. ويقول الشيخ أحمد أن رسول الله قال إنه إذا قام أحد الناس بنشر هذه الوصية بين المسلمين فإنه سيحظى بشافعة رسول الله يوم القيامة ويحصل على الخير الكثير ويقضي حوائجه في الدنيا ويصونه من جميع البليات وشرور نفسه ويقضي الله دينه ويحصل على الخير الكثير والرزق الوفير ... أما إذا اطلع أحد على هذه الوصية ورماها بعيداً فإنه آثم إثماً كبيراً أو إذا اطلع عليها وما

قام بنشرها فإنه يحرم من رحمة الله يوم القيامة ... ولهذا أطلب من الذين يقرأون هذه الوصية أن يقوموا بقراءة الفاتحة للنبي هذا وقد طلب مني رسول الله أن أبلغ أحد خدم الحرم الشرف أن القيامة قريبة فاستغفروا الله ... وحلمت يوم الإثنين بأنه من قام بنشر ثلاثون ورقة من هذه الوصية بين المسلمين فإن الله يزيل عنه الهم والغم ويوسع الله عليه في رزقه ويحل كل مشاكله ويرزقه خلال أربعين يوماً تقريباً وقد علمت أن أحدهم قام بنشره فرزقه الله بستة آلاف روبية ... وأن شخصاً كذب الوصية فقد ابنه في نفس اليوم وأشهد أن هذه المعلومات لا شك فيها ولا عفو فآمنوا بالله واعملوا صالحاً حتى يوفقنا الله في أعمالنا ويصلح شأننا في الدنيا والآخرة ويرحمنا برحمته. ويقول الله تعالى: (فَالَّذِينَءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة الأعراف الىية 157. (الَّذِينَءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) سورة يونس الآية 63 - 64. (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) سورة إبراهيم الآية 27. لقد وزعت هذه التوصية حول العالم سبع مرات علماً أن هذه الوصية ستجلب لك بعد توزيعها الفلاح والخير بع أربعة أيام بإذن الله من وصولها إليك وليس الدين لهواً أو لعباً ... لذلك عليك أن تنشر نسخاً من هذه الوصية بعد ستة وتسعون ساعة من قرائتك لها ... وسبق أن وصلت هذه الوصية إلى أحد رجال الأعمال فوزعها فوراً ومن ثم جاءته أخبار بنجاح صفقة تجارية بتسعين ألف دينار بحيرني زيادة عما كان يتوقعه وأن أحد الأطباء وصلته هذه الوصية فأهملها فجاء مصرعه في حادث سيارة وغدا جثة هامدة تحدث عنها الجميع ... كما اغفلها أحد المقاولين توفي ابنه الأكبر في بلد عربي شقيق ... لذا يرجى إرسال خمسة وعشرين نسخة من هذه الوصية وينشر المرسل بما يحصل له في اليوم الرابع ... وحيث إن مهمة هذه الوصية الطواف حول العالم كله ... فيجب إرسال خمسة وعشرين نسخة متطابقة إلى أحد

أصدقائك إلى معارفك ... وبعد أيام إن شاء الله ستفاجئ بالأخبار الطيبة وكما أسلفنا فإن من سبق ذكره ليس هواجس أو وساوس ... فآمنوا بالله واعملوا صالحاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]. الجواب: إن هذه الوصية معروفة لدى أهل العلم منذ زمن طويل وليست جديدة وقد بين كثير من أهل العلم كذب هذه الوصية المزعومة ونشروا في ذلك فتاوى خاصة ولا بأس من توضيح بعض الأمور المتعلقة بهذه الوصية المكذوبة: أولاً: ذكر في الوصية المكذوبة أن عدد من مات من الناس خلال أسبوع بلغ أربعين الفاً ماتوا على غير الإيمان وهذا الكذب الصراح والتقول على الله سبحانه وتعالى لأن معرفة عدد الأموات سواء كانوا مؤمنين أو غيرهم لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى وهو من الغيب وطريق معرفة الغيب من الوحي ولا وحي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانياً: ما ورد في الوصية المكذوبة من أخبار عن قرب يوم القيامة وعن تحلل الناس من الأحكام الشرعية ونحو ذلك عن الأمور المعروفة والثابتة في الكتاب والسنة ولا يحتاج الأمر إلى هذه الوصية المكذوبة. ثالثاً: ما ورد في الوصية المكذوبة من الأجر العظيم على كتابتها وأنه يحظى بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو من أعظم الكذب والدجل لأن الأجر والثواب لا يعلمه إلا الله وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنال بمجرد كتابة القرآن كله فضلاً عن كتابة هذه الوصية المكذوبة وكذلك ما ورد من الوعيد الشديد لمن لم يكتبها أو ينشرها وأنه يحرم من رحمة الله فهو كذب على الله وافتراء عظيم. رابعاً: إن الله سبحانه وتعالى أتم الإسلام وأكمله قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) ففي كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يغني عن هذه الخزعبلات والترهات الفارغة.

الآيات التي تبطل السحر بإذن الله

خامساً: يحرم على المسلم نشر هذه الوصية المكذوبة وتداولها ويجب تنبيه الناس إلى أنها كذب وافتراء على دين الله. الآيات التي تبطل السحر بإذن الله يقول السائل: ما هي الآيات التي تنفع في إبطال السحر؟ الجواب: لا شك أن القرآن الكريم فيه شفاء للناس وقد ذكر العلماء عدداً من الآيات القرآنية على وجه الخصوص تنفع وتفيد في إبطال السحر بإذن الله سبحانه وتعالى وهذه الآيات هي: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ)، (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)،

(قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)، بسم الله الرحمن الرحيم (يس وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَءَابَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، بسم الله الرحمن الرحيم (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، بسم الله الرحمن الرحيم (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، بسم الله الرحمن الرحيم (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)، بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)،

الاستعانة بالجن

بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)، بسم الله الرحمن الرحيم (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ)، (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) آمين، اللهم إني أعيذ ... باسمائك وصفاتك العليا أن تحفظ من كل سوء وإني أعيذ ... بكلمات الله التامات من شر ما خلق. الاستعانة بالجن يقول السائل في رسالة طويلة ما ملخصه: أنه يوجد عندهم امرأة تستعين بالجن في علاج المرضى فما حكم ذلك؟ الجواب: استعانة الإنس بالجن على أحوال كما فصلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: [فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ويأمر الإنس بذلك فهذا من أفضل أولياء الله تعالى وهو في ذلك من خلفاء الرسول ونوابه.

فك السحر بالسحر

ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله تعالى فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك وإما في قتل معصوم الدم أو في العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك من الظلم وإما في فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات، مثل أن يستعين بهم على الحج أو أن يطيروا به عند السماع البدعي أو أن يحملوه إلى عرفات ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكرا به] مجموع فتاوى ابن تيمية 11/ 307 - 308. فك السحر بالسحر تقول السائلة: هل يجوز الذهاب إلى العراف لسؤاله هل فلان من الناس مسحور أم لا؟ وهل يجوز أن نطلب منه فك السحر أم لا؟ الجواب: يحرم شرعاً الذهاب إلى العرافين والسحرة والكهنة وأمثالهم ولا يجوز للمسلم أن يصدقهم فيما يقولون ويخبرون به فقد ثبت في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم. وورد في حديث آخر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهناً فصدقه فقد

كفر بما أنزل على محمد) رواه أصحاب السنن وغيرهم وهو حديث صحيح. ولا يجوز فك السحر بالسحر وهو المعروف بالنشرة أي حل السحر وإبطاله بسحر آخر ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له) رواه الطبراني وهو حديث حسن كما قال الألباني. وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن النشرة-فك السحر بالسحر-فقال: (هي من الشيطان) رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد. والطريق المشروع لفك السحر وإبطاله يكون بالقرآن الكريم والأدعية الشرعية الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قراءة آية الكرسي من سورة البقرة و (قل يا أيها الكافرون) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) و (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ) سورة الأعراف الآيات 117 - 119. وقوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) سورة يونس الآيات 79 - 82. والآيات من سورة طه:، (قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) سورة طه 65 - 69. ومن الأدعية الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في علاج السحر وغيره: (اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً). ومنه رقية جبريل التي رقى بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي: (باسم الله أرقيك من

الأشهر الحرم

كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك) ويكرر ذلك ثلاث مرات وغير ذلك من الأدعية والأذكار. الأشهر الحرم يقول السائل: ما هي الأشهر الحرم وما هي الأمور التي لا يجوز فعلها فيها؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) سورة التوبة الآية 36. الأشهر الحرم المقصودة في الآية هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب الذي هو بين جمادى الآخرة وشعبان وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم رجباً بهذا لأن بعض العرب كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً فقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) رواه البخاري ومسلم. والأشهر الحرم لها فضل عظيم فضلها الله سبحانه وتعالى على سائر الأشهر ولله سبحانه وتعالى حكمة عظيمة في ذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما خص الله من شهور العام أربعة أشهر فجعلهن حرماً وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم. وعن قتادة قال: [الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم في كل حال عظيماً ولكن الله يعظم من أمره إن شاء فإن الله تعالى اصطفى صفايا من خلقه اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً واصطفى من الكلام ذكره-جل وعلا-واصطفى من الأرض

المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم واصطفى من الأيام يوم الجمعة واصطفى من الليالي ليلة القدر]. قال قتادة: [فعظموا ما عظم الله إنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم والعقل]. وقد كان العرب في الجاهلية يحرمون القتال في الأشهر الحرم وأقر الإسلام هذا الحكم يقول الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) سورة البقرة الآية 217، ثم نسخ هذا الحكم كما قال جماعة من المفسرين بقوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) سورة التوبة الآية 36. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيام الأشهر الحرم كما ورد في الحديث عن رجل من باهلة قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنا الرجل الذي أتيتك عام الأول. فقال: مالي أرى جسمك ناحلاً؟ قال: يا رسول الله، ما أكلت طعاماً بالنهار ما أكلت إلا بالليل. قال: من أمرك أن تعذب نفسك؟ قلت: يا رسول الله إني أقوى. قال: صم شهر الصبر ويوماً بعده. قلت: إني أقوى. قال: صم شهر الصبر ويومين بعده. قلت: إني أقوى. قال صم شهر الصبر وثلاثة ايام بعده وثم أشهر الحرم) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وسنده جيد. وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (أي الصيام بعد رمضان أفضل؟ قال: شهر الله المحرم) رواه البخاري ومسلم. ونظراً لتعظيم هذه الأشهر وفضلها قال جماعة من الفقهاء بتغليظ الدية على من قتل في الأشهر الحرم خطأ. قال الإمام الشافعي: [تغلظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر الحرام وفي البلد الحرام وذوي الرحم] والصحيح عدم التغليظ. وأخيراً فإني أنبه على أن بعض الناس يظنون أن الصيد في الأشهر الحرم

فتوى حول الهجرة من فلسطين

ممنوع والصحيح أن الصيد لا يحرم في الأشهر الحرم ما عدا من يصيد في مكة والمدينة لأن كلا منها حرم فلا يحل الصيد فيهما وكذلك من كان محرماً بحج أو عمرة فلا يحل له صيد البر وأما ما عدا ذلك فيجوز الصيد سواء كان في الأشهر الحرم أو في غيرها. فتوى حول الهجرة من فلسطين يقول السائل: ما رأيكم فيما نقل عن الشيخ ناصر الدين الألباني في فتواه حول دعوته لأهل فلسطين للهجرة، وما رأيكم فيما نشر من ردود على تلك الفتوى؟ الجواب: لا شك لدي بأن ما نقل عن الشيخ الألباني-إن صح ذلك عنه-أنه خطأ واضح وأن الشيخ الألباني قد جانب الصواب في هذه الفتوى. ولا أريد أن أناقش هذه الفتوى لأن الحق فيها واضح ولكني أريد أن أتحدث عن بعض الردود وخاصة أن بعضها قد صدر عمن ينتسبون للعلم الشرعي ولا أعتب على بعض الصحافيين الذين وصفوا الشيخ الألباني بأوصاف لا تليق واستخدموا عبارات مجانبة للحوار والاختلاف البناء ولكني أسفت لما صدر عن بعض المشايخ من تفوهات وألفاظ مؤسفة وصف الشيخ الألباني بها بل أن بعضهم قد جرده من كل مؤهل وأنه يهرف بما لا يعرف وأنه دعي من الأدعياء ونقول لهؤلاء وأولئك: أنى لأي عالم مهما بلغ في العلم أن ينجو من الوقوع في الخطأ؟ فكل العلماء معرضون للوقوع في الأخطاء وكما يقال لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة ولا عصمة لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولله در الإمام مالك إمام جار الهجرة رحمه الله عندما قال: [كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر] وأشار بيده إلى قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم،

ولو ذهبنا نحصي أخطاء علماء المسلمين لما سلم من ذلك إلا من رحم الله منهم. إن وقوع أي عالم في خطأ ما مهما كان هذا الخطأ لا يعني أن نجرده من كل علم وأن نصفه بأقبح الأوصاف وأن نلصق به شتى التهم ومختلف النقائص فإن هذا ليس من منهج علماء المسلمين في نقد آراء العلماء لأن النقد العلمي يجب أن يبنى على الحجج والبراهين والأدلة بأسلوب يتضمن الأدب والخلق الرفيع وينطوي على احترام الآخرين فالتهجم والتجريح ليس من شيم علماء المسلمين وكذلك الطعن في المخالفين وتجريدهم من الدين والعلم والفضل والخلق ليس من منهج النقد العلمي البناء. إن علماء المسلمين لهم احترامهم ولهم مكانتهم في قلوب المسلمين وينبغي التعامل معهم بكل أدب واحترام يليق بهم وإن صدرت عنهم آراء مجانبة للحق والصواب ولا يحق لأحد مهما كان أن يتناول العلماء بلسانه فإن لحوم العلماء مسمومة كما قال الحافظ ابن عساكر في كلمته النيرة التي تستحق أن تكتب بحروف من ذهب: [اعلم يا أخي - وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإياك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب]. وأود ان أذّكر من لا يعرف الشيخ الألباني وفضله وخدمته الجليلة لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ببعض ذلك فأقول: لا شك أن الشيخ الألباني هو محدث الديار الشامية في القرن الرابع عشر الهجري بلا منازع وأن جهوده الضخمة في خدمة السنة النبوية لا ينكرها إلا مكابر ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل فالشيخ الألباني قام ومنذ سنين طويلة بالعمل على خدمة السنة النبوية وأصدر عشرات المؤلفات التي استفاد منها طلبة العلم الشرعي في الجامعات والمعاهد وفي حلقات العلم في المساجد وأذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

1. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، وهو كتاب ضخم يقع في ثمانية مجلدات خرج فيه أحاديث كتاب منار السبيل من كتب فقه الحنابلة وبلغ عدد أحاديثه أكثر من 2700 حديث. 2. سلسلة الأحاديث الصحيحة وصدر منها إلى الآن خمس مجلدات بلغت أحاديثها 2500 حديث. 3. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة صدر منها إلى الآن أربع مجلدات بلغت أحاديثها 2000 حديث. 4. صحيح الجامع الصغير وزيادته في ثلاثة مجلدات كبيرة مع ضعيف الجامع وبلغت أحاديثه أكثر من أربعة عشر ألف حديث. 5. صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. 6. أحكام الجنائز. 7. جلباب المرأة المسلمة. 8. تخريج أحاديث الحلال والحرام. 9. الأجوبة النافعة. هذه بعض مؤلفات الشيخ الألباني وله غيرها كثير. وفي الختام أدعو المنتسبين للعلم الشرعي أني يراعوا أدب الأسلام في الاختلاف وأن يتبعوا المنهج العلمي في النقد وأن يرتفعوا عن المهاترات وأن يلتزموا بقول الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). والله الهادي إلى سواء السبيل

الجزء الثالث

بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ المُقَدِمَة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران /102 (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) سورة النساء /1 (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب /71,70 وبعد .. فهذا هو الجزء الثالث من كتابي [يسألونك]، وأصله حلقات تنشر أسبوعياً، في جريدة القدس المقدسية، صباح كل يوم جمعة، وتتضمن

إجابات على الأسئلة التي تصلني من القراء وأرغب في هذا المقام أن أبين بعض الأمور التي ترسم المنهج الذي أسير عليه: - لما كان اختلاف المذاهب الفقهية في كثير من المسائل، له أسباب علمية إقتضته، ولله سبحانه وتعالى في ذلك حكمة بالغة منها: الرحمة بعباده، وتوسيع مجال استنباط الأحكام من النصوص، ثم هي بعد ذلك نعمة وثروة فقهية تشريعية، تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد، حصراً لا مناص منه إلى غيره، بل إذا ضاق بالأمة مذهب أحد الأئمة الفقهاء، في وقت ما، في أمر ما، وجدت في المذهب الآخر سعة ورفقاً ويسراً، مقتبس من قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي رقم 9 لسنة 1408 هـ. - وبناءً على ما سبق، فإني أبحث كل مسألة، وأعرف أقوال أهل العلم فيها، وأعرف اختلافهم، فمن لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم رائحة الفقه، ثم أختار من أقوال العلماء من أصحاب المذاهب الفقهية ومن غيرهم، كالصحابة - فهم سادات المفتين والعلماء - والتابعين وأتباعهم وغيرهم من العلماء. ولمعرفة أقوال أهل العلم في المسألة، فإني أرجع إلى أمهات المصادر، من كتب الفقه وكتب الحديث والآثار والتفسير. قال الحافظ الذهبي: " قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام - وكان أحد المجتهدين -: " ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل (المحلى) لابن حزم، وكتاب (المغني) للشيخ موفق الدين - يعني ابن قدامة المقدسي - "، قلت: - أي الذهبي -: لقد صدق الشيخ عز الدين، وثالثهما (السنن الكبير) للبيهقي، ورابعها (التمهيد) لابن عبد البر، فمن حصَّل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقاً "، سير أعلام النبلاء 18/ 193. وعلق الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد على كلام الذهبي: " قلت: وخامسها وسادسها: مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، ومؤلفات ابن قيم

الجوزية، وهما عندي في الكتب بمنزلة السمع والبصر، وصدق الشيخ الشوكاني رحمه الله تعالى في قوله: " لو أن رجلاً في الإسلام ليس عنده من الكتب إلا كتب هذين الشيخين لكفتاه "، وسابعها: (فتح الباري) لابن حجر وعند كلٍ خير، رحم الله علماء ملة الإسلام " المدخل المفصل 2/ 696. وأضيف إليها ثامناً، وهو المجموع شرح المهذب للإمام النووي، مع أنه لم يكمل، ولو قدر للإمام النووي أن يكمله، لكان من أعظم كتب الفقه مطلقاً، وهو في غاية الحسن والجودة كما قال الحافظ الذهبي، الإمام النووي لعبد الغني الدقر ص98. وأحاول أن أصل إلى القول الراجح في المسألة بناءً على الدليل، فإن جمال الفتوى وروحها الدليل، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية. وأرجح في المسألة وأختار ما يؤيده الدليل، حتى لا أدع القارئ حائراً بين أقوال الفقهاء، فإنه لا ينبغي للمفتي عندما يسأله العامة عن مسألة ما، أن يقول فيها مثلاً: قال الحنفية كذا، وقال الشافعية في أحد القولين كذا، وفيها رواية في مذهب أحمد، والمشهور من مذهب مالك كذا .... فإنه إن فعل ذلك، لم ينتفع العامة بقوله، بل يتركهم تائهين بين تلك الأقوال. وليس كل ما قاله فقيه من فقهائنا مسلَّمٌ به وصحيح، إلا قولاً له حظٌ من الأثر أو النظر، وقديماً قال الإمام مالك يرحمه الله: " كلٌ يؤخذ من كلامه ويترك، إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ". ولما كانت الأحكام الفقهية، مبنيةً على الأدلة الشرعية، من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقد عُنيتُ بتخريج الأحاديث التي أستدل بها، فما كان في صحيحي البخاري ومسلم، أو في أحدهما، اكتفيت بذلك، وما كان فيما عداهما من كتب السنة الأخرى، ذكرت أقوال المحدثين في الحكم عليه، كالإمام النووي والحافظ ابن حجر والحافظ الزيلعي من المتقدمين، ومن المتأخرين محدث العصر الشيخ العلاّمة ناصر الدين الألباني، فإني أعتمد غالباً على حكمه على الأحاديث، جزى الله علماءَنا خير الجزاء.

وأخيراً فإني لا أزعم أني أصبت الحق فيما ذكرت وكتبت، ولكن حسبي أني بذلت الجهد والوسع، فما أصبت فمن الله وحده، وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان. والله الهادي إلى سواء السبيل أبوديس - القدس، في صباح يوم الأربعاء الحادي عشر من ذي الحجة 1418 هـ وفق الثامن من نيسان 1998 م كَتبَه الدُكتُور حُسَامُ الدين عَفانِه الأستَاذُ المشَاركُ في الفِقهِ والأصُولِ كُليةُ الدَعوة وَأصُولُ الدين - جَامِعَةُ القُدسِ

الصلاة

الصلاة

الأذان الموحد

الأذان الموحد يقول السائل: ما قولكم في توحيد الأذان في المدينة الواحدة، أي ربط جميع مساجد المدينة الواحدة بشبكة للأذان الموحد، ويؤذن مؤذن واحد ويبث الأذان من جميع المساجد؟ الجواب: إن الأذان شعيرة من شعائر الإسلام، وينبغي المحافظة على شعائر الإسلام، وعدم إدخال أي تغيير أو تبديل فيها، لأن فتح هذا الباب يؤدي إلى الابتداع في الدين. ومسألة توحيد الأذان، وجعل جميع مساجد المدينة الواحدة، مربوطة بشبكة موحدة للأذان، ويؤذن مؤذن واحد فيها، ويبث أذانه في جميع المساجد مسألة حديثة بحاجة إلى بحث ونظر، وأقول فيها: أولاً: إن تعدد المؤذنين نظراً لتعدد المساجد أمر معروف ومشروع، وجرى عليه العمل عند المسلمين منذ عهد بعيد جداً، حتى ولو كانت المساجد متقاربة، إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بالأذان كل جماعة عند حضور الصلاة، فقد روى الإمام البخاري بسنده عن مالك بن الحويرث قال: (أتيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيماً رفيقاً، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا، قال: ارجعوا فكونوا فيهم، وعلموهم، وصلوا فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكبركم)، والأذان الموحد

فيه مخالفة لنص هذا الحديث، حيث إن مسجداً واحداً فقط يؤذن فيه، وبقية المساجد لا يؤذن فيها. ثانياً: إن الأذان الموحد فيه تفويت الأجر والثواب على المؤذنين، وقصر الأجر على مؤذن واحد، ومن المعلوم أن ثواب الأذان عظيم، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لأتوهما ولو حبواً) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي في شرح الحديث: " النداء هو الأذان، والإستهام الإقتراع، ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدرها وعظيم جزائه، ثم لم يجدوا طريقاً يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان، أو لكونه لا يؤذن إلا واحد، لاقترعوا في تحصيله ولو يعلمون ما في الصف الأول من فضيلة نحو ما سبق، وجاءوا دفعة واحدة وضاق عنهم ثم لم يسمح بعضهم لبعض لاقترعوا عليه .... " شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 118. وورد في الحديث أيضاً عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الملائكة يصلون على الصف المقدم، والمؤذن يغفر له مدى صوته، وصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله أجر من صلى معه) رواه أحمد والنّسائي بإسناد حسن جيد كما قال الحافظ المنذري وقال الشيخ الألباني: صحيح. وفي رواية أخرى عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المؤذن يغفر له مد صوته وأجره أجر من صلى معه) رواه الطبراني وقال الشيخ الألباني صحيح. وعن ابن عمر - رضي الله عنه -، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة وبكل إقامة ثلاثون حسنة) رواه ابن ماجة والدارقطني والحاكم وقال: صحيح على

قول الإمام للمصلين: " استحضروا النية " بدعة

شرط البخاري، ووافقه المنذري، وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر صحيح الترغيب والترهيب 97 - 103. ثالثاً: جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يلي: " إن الإكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها، لا يجزئ ولا يجوز في أداء العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وإنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلاة في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبينا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن والله الموفق" انظر القول المبين ص176. رابعاً: " أفتت هيئة كبار العلماء في السعودية، بأن إذاعة الأذان عند دخول وقت الصلاة في المساجد بواسطة آلة التسجيل ونحوها، لا تجزئ في هذه العبادة " القول المبين ص176. خامساً: " أفتت الهيئة الدائمة للإفتاء في السعودية بمثل الفتوى السابقة، بعدم جواز إذاعة الأذان من المساجد، ولا بد من الأذان في كل مسجد وإن تعددت المساجد " القول المبين ص177. سادساً: ويضاف لما سبق احتمال انقطاع التيار الكهربائي أو حصول عطل في أجهزة البث، أو تغيب المؤذن ونحو ذلك، مما يؤدي إلى تعطل الأذان. سابعاً: إن ادعاء بعض الناس بحصول التشويش بسبب كثرة المساجد والمؤذنين غير صحيح، لأن هذا أمر شرعي ولا بد من الإلتزام به. قول الإمام للمصلين: " استحضروا النية " بدعة يقول السائل: نسمع بعض الأئمة بعد إقامة الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام

موقف المأموم الواحد بمحاذاة الإمام

يأمرون المصلين بقولهم: " استحضروا النية "، فما حكم ذلك؟ الجواب: إن الأصل في العبادات التلقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقول بعض الأئمة للمصلين استحضروا النية لا أصل له في الشرع، وهو أمر مبتدع لم يرد ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤم المصلين في الصلوات الخمس يومياً، ولم ينقل عنه ذلك ولا علمه لأحد من الصحابة رضي الله عنهم. ولو كان هذا الأمر مشروعاً لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بتسوية الصفوف قبل أن يكبر بالصلاة، فقد ثبت في الحديث الشريف عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول: (تراصوا واعتدلوا) متفق عليه. وفي حديث آخر عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أيضاً قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة) رواه البخاري. وينبغي على الأئمة أن يلتزموا بهدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، فهو قدوتنا وأسوتنا وقد أمرنا بالإتباع ونهينا عن الإبتداع. موقف المأموم الواحد بمحاذاة الإمام يقول السائل: إذا صلى إثنان جماعة، فإن المأموم يقف بجانب الإمام كما هو معلوم، ولكن هل يكون المأموم محاذياً للإمام تماماً غير متأخر عنه، أم أنه يتأخر عنه قليلاً؟ الجواب: الأصل أن المأموم يقف إلى يمين الإمام لما ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بت عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه) رواه البخاري ومسلم.

وجمهور الفقهاء يرون أن المأموم لا يساوي الإمام في الوقوف ولكنه يتأخر عنه قليلاً. وقال الحنابلة يقف المأموم محاذياً للإمام تماماً غير متأخر عنه، قال الشيخ مرعي الكرمي: " ويقف الرجل الواحد عن يمينه محاذياً له " منار السبيل شرح الدليل 1/ 128. وهو قول الحنفية المعتمد، قال صاحب الفتاوى الهندية: " ولا يتأخر المأموم عن الإمام في ظاهر الرواية " الفتاوى الهندية 1/ 88. وقال صاحب الهداية: " ومن صلى مع واحد أقامه عن يمينه لحديث ابن عباس فإنه عليه الصلاة والسلام صلى به وأقامه عن يمينه ولا يتأخر عن الإمام " الهداية 1/ 307 - 308، وانظر حاشية ابن عابدين 1/ 566 - 567. وهذا قول الإمام البخاري حيث قال في صحيحه " باب يقوم الرجل عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين " ثم ساق حديث ابن عباس المتقدم. قال الحافظ ابن حجر: " قوله: باب يقوم - أي المأموم - .... بحذائه، أي بجنبه وقوله سواء أي لا يتقدم ولا يتأخر " فتح الباري 2/ 332. وروى الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آخر الليل فصليت خلفه فأخذ بيدي فجعلني حذائه فلما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خنست، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما انصرف قال لي: ما شأنك أجعلك حذائي فتخنس؟ فقلت يا رسول الله: أوَ ينبغي لأحد أن يصلي حذائك وأنت رسول الله الذي أعطاك الله، قال: فأعجبته فدعا الله أن يزيدني علماً وفهماً .. إلخ) والحديث صحيح أصله في الصحيحين، الفتح الرباني 5/ 291، ومعنى قوله (فخنس) أي تأخر قليلاً عن محاذاته، والمحاذاة الموازنة، وهذا يدل على أن المأموم يقف مساوياً للإمام. وروى عبد الرزاق ابن جريج قال: " قلت لعطاء: أرأيت الرجل يصلي مع الرجل فأين يكون معه؟ قال: إلى شقه الأيمن، قلت: أيحاذي به حتى

لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام

يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر؟ قال: نعم، قلت: أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجة؟ قال: نعم " مصنف عبد الرزاق 2/ 406. واختار هذا القول الشيخ الألباني حيث قال: " .... فهو مع الأحاديث المذكورة حجة قوية على المساواة المذكورة فالقول باستحباب أن يقف المأموم دون الإمام قليلاً، كما جاء في بعض المذاهب على تفصيل في ذلك لبعضها، مع أنه ما لا دليل عليه في السنة، فهو مخالف لظواهر هذه الأحاديث وأثر عمر هذا، وقول عطاء وهو الإمام التابعي الجليل ابن أبي رباح، وما كان من الأقوال كذلك، فالأحرى بالمؤمن أن يدعها لأصحابها معتقداً أنهم مأجورون عليها لأنهم اجتهدوا قاصدين الحق، وعليه هو أن يتبع ما ثبت في السنة فإن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - " السلسلة الصحيحة 1/ 2/62. وأثر عمر الذي يشير إليه الشيخ الألباني هو ما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: " دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح - يصلي النافلة - فقمت وراءه، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه " وإسناده صحيح كما قال الشيخ الألباني في المصدر السابق. لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام يقول السائل: إذا صلى الإمام بالمصلين، ثم ظهر أن الإمام لم يكن متوضأً، فهل يعيد المأمومون الصلاة أم لا؟ الجواب: هذه المسألة مبنية على أصل مختلف فيه عند الفقهاء، وهو علاقة صلاة المأمومين بالإمام، وهل صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام صحة وفساداً؟ وقد اختلف الفقهاء في هذا الأصل على ثلاثة أقوال:

الأول: لا ارتباط بين صلاة الإمام والمأموم، وإن كل امرئٍ يصلي لنفسه، وفائدة الإئتمام في تكثير الثواب بالجماعة، والمأموم يتابع الإمام في الأفعال الظاهرة، أي الإقتداء بالإمام في الركوع والسجود والتكبير والتسليم ونحوها. الثاني: إن صلاة المأموم تابعة لصلاة الإمام ومرتبطة بها، فكل خلل حصل في صلاة الإمام يسري إلى صلاة المأموم، وإذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم. الثالث: إن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام ومنعقدة بها، لكن إنما يسري النقص إلى صلاة المأموم إذا لم يكن هنالك عذر، فأما إذا وجد عذر فلا يسري النقص كما فصل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، مجموع الفتاوى 23/ 370 - 371. وبناءً على الأصل الذي ذكرت، نرجع إلى السؤال فنقول: إذا صلى الإمام بالمأمومين، ثم ظهر أنه لم يكن متوضأً، فصلاة المأمومين صحيحة، ويطالب الإمام بإعادة الصلاة إن تذكر في الوقت، أو القضاء إن كان التذكر بعد الوقت وهذا على الراجح من أقوال أهل العلم، ويدل على ذلك ما يلي: - روى الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) صحيح البخاري مع فتح الباري 2/ 329. قال الإمام البغوي: " فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم وكان جنباً أو محدثاً، فإن صلاة القوم صحيحة، وعلى الإمام الإعادة، سواء كان عالماً بحدثه متعمداً الإمامة، أو كان جاهلاً " شرح السنة 3/ 405. وقال ابن المنذر: " هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت، فسدت صلاة من خلفه " فتح الباري 2/ 329. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على الحديث السابق: " فهذا نص

بأن الإمام إذا أخطأ كان درك خطئِهِ عليه لا على المأمومين، فمن صلى معتقداً لطهارته وكان محدثاً أو جنباً أو كانت عليه نجاسة، وقلنا عليه الإعادة للنجاسة كما يعيد من الحدث، فهذا الإمام مخطئ في هذا الإعتقاد فيكون خطؤه عليه فيعيد صلاته، وأما المأمومون فلهم هذه الصلاة وليس عليهم من خطئه شيء كما صرح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا نص في إجزاء صلاتهم، وكذلك لو ترك الإمام بعض فرائض الصلاة بتأويل أخطأ فيه مثلاً .... أو يحتجم ويصلي، أو يترك قراءة البسملة، أو يصلي وعليه نجاسة لا يعفى عنها عند المأموم ونحو ذلك، فهذا الإمام أسوأ أحواله أن يكون مخطئاً إن لم يكن مصيباً، فتكون هذه الصلاة للمأموم وليس عليه من خطأ إمامه شيء " مجموع الفتاوى 23/ 372. - عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم ومن نقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم) رواه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة وأحمد وابن حبان وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني حسن صحيح. - روى ابن ماجة بسنده عن أبي حازم قال: كان سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - يقدم فتيان قومه يصلون بهم، فقيل له تفعل ذلك ولك من القدم ما لك؟ قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء يعني فعليه ولهم) قال الشيخ الألباني: حديث صحيح، السلسلة الصحيحة 4/ 366. - روى البيهقي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صلى بالناس الصبح ثم ظهر أنه كان جنباً فأعاد صلاة الصبح ولم يأمر أحداً بإعادة الصلاة، سنن البيهقي 2/ 399. وهذا القول منقول عن جماعة من الصحابة والتابعين وكثير من الفقهاء، حتى أن أبا يوسف صاحب أبي حنيفة عمل بهذا القول وهو على خلاف مذهبه، فقد ذُكر أن الخليفة استخلفه في صلاة الجمعة فصلى بالناس ثم ذكر أنه كان محدثاً، فأعاد ولم يأمر الناس بالإعادة فقيل له في ذلك

تكرار صلاة الجماعة في المسجد

فقال: " ربما ضاق علينا الشيء فأخذنا بقول إخواننا المدنيين " مجموع الفتاوى 20/ 364 وأما ما روي (أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس وهو جنب، وأعاد وأعادوا)، فهو حديث ضعيف جداً حيث أنه من رواية أبي جابر البياضي عن سعيد بن المسيب وأبو جابر البياضي، اتفق أهل الحديث على تضعيفه، وقالوا: هو متروك وهذه اللفظة أبلغ ألفاظ الجرح، وقال يحيى بن معين: هو كذاب، هكذا ذكره الإمام النووي في المجموع، المجموع شرح المهذب 4/ 261. وروى البيهقي بإسناده عن عبد الله بن المبارك قال: " ليس في الحديث قوة لمن يقول إذا صلى الإمام بغير وضوء أن أصحابه يعيدون، والحديث الآخر أثبت أن لا يعيد القوم هذا لمن أراد الإنصاف بالحديث " سنن البيهقي 2/ 401. وخلاصة الأمر، أن صلاة المأمومين صحيحة إن كان الإمام على غير وضوء أو ترك الإمام واجباً من واجبات الصلاة، والمأموم لا يعلم بذلك. تكرار صلاة الجماعة في المسجد يقول السائل: هل يجوز لجماعة حضروا إلى المسجد بعد انتهاء صلاة الجماعة مع الإمام الراتب أن يصلوا جماعة فقد وقع خلاف في المسألة في مسجدنا وقرأنا في كتب الفقه أن كثيراً من الفقهاء منعوا إقامة الجماعة الثانية في المسجد بعد انتهاء الجماعة الأولى، فما قولكم في هذه المسألة؟ الجواب: لقد حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الجماعة في المساجد، وورد في فضلها أحاديث كثيرة منها، ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية أخرى للبخاري، عن أبي سعيد الخدري (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة). وصلاة الجماعة من شعائر الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها، والمقصود بصلاة الجماعة أي صلاة الجماعة في المساجد مع الأئمة الراتبين، وليس صلاة الجماعة في البيوت وأماكن العمل، مع ترك جماعة المساجد. فقد ثبت عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - أنه قال: " من سرَّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم- صلى الله عليه وسلم - سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" رواه مسلم. ولقد اختلف أهل العلم في حكم من جاءوا المسجد وقد صُلّيَ فيه هل يصلون فرادى أم يصلون جماعة؟ فالمسألة خلافية، فكثير من العلماء قالوا يكره لمن حضر إلى المسجد وقد صُلّيَ فيه أن يصلي في جماعة أخرى، وهذا قول الشافعي وقد نص عليه في الأم 1/ 181، ونقل ذلك عن الإمامين مالك وأبي حنيفة وجماعة من الفقهاء، ولهم أدلتهم في هذه المسألة. وقالت طائفة أخرى من أهل العلم يجوز لمن حضروا المسجد وقد صُلّيَ فيه أن يصلوا جماعة أخرى ولا كراهة في ذلك، وبهذا قال الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ونقل هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين. وهذا القول هو أرجح القولين في المسألة وأقول به خاصة إذا كان أهل الجماعة الثانية لم يقصدوا ترك الصلاة مع الجماعة الأولى في المسجد لتفريق جماعة المصلين، على هذا دلت الأدلة الكثيرة وأبينها فيما يلي:

أولاً: عموم الأدلة التي تحض على صلاة الجماعة وأن صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد بسبعٍ وعشرين درجة، أو بخمس وعشرين درجة كما سبق. ثانياً: قال الإمام الترمذي في جامعه: " باب ما جاء في مسجد قد صُلّيَ فيه مرة " ثم روى بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: (جاء رجل، وقد صلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: أيكم يتجر على هذا؟ فقام رجل فصلى معه .. )، ثم قال الترمذي: " وحديث أبي سعيد حديث حسن وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم من التابعين، قالوا لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صُلّيَ فيه وبه يقول أحمد وإسحاق" جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 2/ 6 - 8. وهذا الحديث ورد بروايات أخرى وقد صححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 2/ 316. وقد رواه أبو داود أيضاً حيث قال: " باب في الجمع في المسجد مرتين " ثم ذكر بسنده عن أبي سعيد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلاً يصلي وحده فقال: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟) ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. قال الإمام البغوي بعد أن ذكر الحديث: " ففيه دليل على أنه يجوز لمن صلى في جماعة أن يصليها ثانياً مع جماعة آخرين، وأنه يجوز إقامة الجماعة في المسجد مرتين، وهو قول غير واحد من الصحابة والتابعين " شرح السنة 3/ 437. ثالثاً: روى الإمام البخاري في صحيحه تعليقاً " جاء أنس إلى مسجد قد صُلّيَ فيه، فأذّن وأقام وصلى جماعة "، قال الحافظ ابن حجر: " قوله (جاء أنس)، وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان قال: مرَّ بنا أنس بن مالك في مسجد .... فذكره .... وفيه " فأمر رجلاً فأذّن وأقام ثم صلى بأصحابه .... " وأخرجه ابن أبي شيبة من طرق عن الجعد، وعند البيهقي من طريق أبي عبد الصمد العمَّي عن الجعد نحوه .... وقال:

" فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه " فتح الباري 2/ 271. وما أشار إليه الحافظ هو عند ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 321، حيث قال: " في القوم يجيئون إلى المسجد وقد صُلّيَ فيه، من قال لا بأس أن يجمعوا " ثم ذكر الأثر عن أنس بن مالك، وذكر آثاراً أخرى عن إبراهيم النخعي وعن الحسن البصري وعدي بن ثابت وعطاء، وروى أيضاً أن عبد الله بن مسعود دخل المسجد وقد صلوا، فجمع بعلقمة ومسروق والأسود " المصنف 2/ 322. والأثر الذي ذكره عن ابن مسعود إسناده صحيح، انظر الفتح الرباني 5/ 344. رابعاً: قال ابن حزم: " ومن أتى مسجداً قد صُليتْ فيه صلاة فرض جماعة بإمام راتب، وهو لم يكن صلاها فليصلها في جماعة ويجزئه الأذان الذي أذن فيه قبل وكذلك الإقامة لكل من صلى تلك الصلاة في المسجد، ممن شهدهما أو ممن جاء بعدهما "، ثم ذكر ابن حزم الروايات السابقة عن أنس، ثم روى عن ابن جريج قال: " قلت لعطاء: نفر دخلوا مسجد مكة خلاف الصلاة ليلاً أو نهاراً أيؤمهم أحدهم؟ قال: نعم وما بأس ذلك؟ "، ثم روى عن حماد بن سلمة عن عثمان البتّي قال: دخلت مع الحسن البصري وثابت البناني مسجداً قد صلى فيه أهله، فأذّن ثابت وأقام، وتقدم الحسن فصلى بنا فقلت: يا أبا سعيد أما يكره هذا؟ قال: وما بأسه، ثم قال ابن حزم: " هذا مما لا يعرف فيه لأنس مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ثم ذكر حديث أبي سعيد المتقدم" المحلى 3/ 155 - 156. ونقل الشيخ ابن قدامة جواز إقامة الجماعة الثانية عن ابن مسعود وعطاء والحسن والنخعي وقتادة وإسحاق، المغني 2/ 133. خامساً: الذي يظهر لي أن العلماء الذين كرهوا إقامة صلاة جماعة أخرى في المسجد الذي صُلّيَ فيه، أنهم إنما قالوا بذلك سداً للذريعة، خشية تفريق كلمة المصلين في المسجد الواحد، وحتى لا يتخذ أهل الأهواء من ذلك ذريعة إلى التأخر عن الجماعة، ليصلوا جماعة أخرى

سنة الظهر القبلية

خلف إمام يوافق أهواءَهم، فسداً لباب الفرقة وقضاءً على مقاصد أهل الأهواء السيئة، نقتصر على صلاة جماعة واحدة في المسجد، وإلى هذا المعنى الذي ذكرته أشار البيهقي فقال: "باب الجماعة في مسجد قد صلي فيه، إذا لم يكن فيها تفرق الكلمة "، ثم ذكر حديث أبي سعيد المتقدم وأثر أنس أيضاً، وذكر رواية عن الحسن البصري أنه كره إقامة جماعة أخرى بعد الجماعة الراتبة، ثم قال البيهقي: " كراهية الحسن البصري محمولة على موضع تكون الجماعة فيه بعد أن صُلّيَ، تفرق الكلمة والله أعلم " سنن البيهقي 3/ 69 - 70. ويشير إلى هذا المعنى أيضاً ما ذكره أبو اسحاق الشيرازي في المهذب حيث قال: " وإن حضروا وقد فرغ الأمام من الصلاة فإن كان المسجد له إمام راتب كُرِه أن يستأنف فيه جماعة لأنه ربما اعتقد أنه قصد الكياد والإفساد، وإن كان المسجد في سوق أو في ممر الناس لم يكره أن يستأنف الجماعة لأنه لا يحتمل الأمر فيه على الكياد " المهذب مع المجموع 4/ 221. سنة الظهر القبلية يقول السائل: هل أصلي سنة الظهر القبلية ركعتين أم أربعاً؟ الجواب: لقد ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سنة الظهر القبلية أحاديث كثيرة: منها ما فيه أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي ركعتين، ومنها ما فيه أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي أربعاً، ومن هذه الأحاديث: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (حفظت من النبي- صلى الله عليه وسلم - عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل صلاة الصبح وكانت ساعة لا يُدخل على النبي- صلى الله عليه وسلم - فيها) رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع أربعاً قبل

الظهر وركعتين قبل الغداة - أي الفجر -) رواه البخاري. وعن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تطوعه فقالت: (كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر) رواه مسلم. وعن أم حبيبة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بُني له بيت في الجنة، أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الغداة) رواه الترمذي والنسائي. وعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان إذا لم يصل أربعاً قبل الظهر صلاهن بعدها) رواه الترمذي وهو حديث حسن. وعن أم حبيبة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى قبل الظهر أربعاً حرَّمه الله على النار) رواه الترمذي. وفي رواية أخرى قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرَّمه الله على النار) رواه أصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الشيخ الألباني: صحيح. وغير ذلك من الأحاديث. وهذه الأحاديث تدل على مشروعية صلاة ركعتين أو أربع ركعات، سنة الظهر القبلية، وأكثر أهل العلم على الأربع، قال الترمذي بعد أن ساق حديث علي: (كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الظهر أربعاً وبعدها ركعتين) وهو حديث حسن. قال الترمذي: " والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم -، ومن بعدهم يختارون أن يصلي الرجل قبل الظهر أربع ركعات .... " تحفة الأحوذي 2/ 410.

التسبيح باليدين بعد الصلاة المفروضة

وذكر الحافظ ابن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان تارة يصلي ركعتين، وتارة يصلي أربعاً، وعلى هذا حمل اختلاف الروايات، انظر فتح الباري 3/ 301. ويستحب أن تكون الركعات الأربع بتسليمة واحدة، لما ورد في الحديث عن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أربع ركعات قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حسن. التسبيح باليدين بعد الصلاة المفروضة يقول السائل: هل يسبح المصلي بعد كل صلاة بيمينه أم بكلتا يديه؟ الجواب: التسبيح بعد الصلاة من السنن الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وردت فيه أحاديث كثيرة منها: عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة، ثلاثاً وثلاثين تسبيحة وثلاثاً وثلاثين تحميدة وأربعاً وثلاثين تكبيرة) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من سبح لله في دبر كل صلاة، ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر ثلاثاً وثلاثين تكبيرة، وقال تمام المئة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه مسلم، وغير ذلك من الأحاديث. والسنة في التسبيح أن يكون باليدين، لما ورد في ذلك عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقد التسبيح بيده) رواه الترمذي والحاكم والبيهقي، وهو حديث صحيح. وجاء في رواية أخرى عند أبي داود (رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يعقد التسبيح بيمينه) وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 580.

وجاء في الحديث عن يسيرة بنت ياسر - وكانت إحدى المهاجرات - قالت: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ومستنطقات) رواه أبوداود والترمذي والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وحسنه النووي والحافظ ابن حجر والألباني. وهذا الحديث يدل على عقد التسبيح باليدين اليمنى واليسرى، ورواية أبي داود السابقة تدل على عقد التسبيح باليمنى فقط. وقد قال بعض أهل العلم: إن رواية أبي داود والتي فيها (بيمينه) مدرجة من الراوي إذ ليست في الأصول، إلا أن ابن علان في شرحه على الأذكار لم يرتض ذلك، ووفق بين الحديثين بقوله: " هذا وحديث يسيرة السابق، عقد الأنامل فيه شامل لكلا اليدين وحينئذ فإما أن يحمل على اليمين ليوافق حديث ابن عمرو أو يبقى على عمومه بالنسبة لحصول أصل السنة ويحمل خبر ابن عمرو على بيان الأفضل، أو يحمل حديثهما على ما احتيج إلى اليدين، وحديثه على ما إذا كفى أحدهما "، الفتوحات الربانية 1/ 255. وخلاصة الأمر أن من يسبح باليدين فقد أصاب أصل السنة لثبوت ذلك في الحديث، ولكن التسبيح باليد اليمنى أفضل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيامن دائماً. وما أشار إليه حديث يسيرة (فإنهن مسؤولات مستنطقات) فيه إشارة إلى قوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة النور /24. فالله سبحانه وتعالى ينطق الجوارح بقدرته فتخبر كل جارحة منها بما صدر عنها من أفاعيل صاحبها، كما قال الألوسي في تفسيره 9/ 324. وبناءً على ما سبق، يظهر لي أن التسبيح باليدين أولى وأفضل من التسبيح بالسبحة، قال المباركفوري: " وفي الحديث مشروعية عقد التسبيح بالأنامل وعلل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث يسيرة الذي أشار إليه الترمذي، بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات يعني أنهن يشهدن بذلك، فكان

بدعة ختم الصلاة جماعة

عقدهن التسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى " تحفة الأحوذي 9/ 322. ولم يثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - حديث صحيح في التسبيح بالسبحة وما ورد فضعيف لا يعول عليه. بدعة ختم الصلاة جماعة يقول السائل: صلينا الفجر في أحد المساجد، وبعد الصلاة استقبل الإمام المصلين وأخذ بالإستغفار والمصلون يرددون، ثم ختم الصلاة على الهيئة المعروفة في كثير من المساجد، فاعترض على ذلك أحد المصلين وقال: إن هذا الختم لم يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحدث جدال وصراخ في المسجد، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا شك أن ترك سنة المصطفى- صلى الله عليه وسلم - شؤم ما بعده شؤم، ويؤدي إلى وقوع مثل هذا الصياح في المساجد والتي صارت كالأسواق التي تعلو فيها الأصوات والصيحات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهنا لا بد أن نقرر أصلاً طالما ذكرته ألا وهو أن الأصل في العبادة التلقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا زيادة ولا نقصان. وهذا الإستغفار الجماعي وختم الصلاة على الهيئة المعروفة في كثير من مساجدنا لم يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه رضي الله عنهم. قال الشيخ علي محفوظ: " ومن البدع المكروهة، ختم الصلاة على الهيئة المعروفة من رفع الصوت به وفي المسجد والإجتماع له والمواظبة عليه، حتى اعتقد العامة أنه من تمام الصلاة، وأنه سنة لا بد منها، مع أنه مستحب انفراداً سراً، فهذه الهيئة محدثة لم تعهد عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ولا عن الصحابة، وقد اتخذها الناس شعاراً للصلوات المفروضة عقب الجماعة، وقد صرح كثير من الفقهاء بأن الشعار في الدين

مكروه، ولذا قال الإمام ابن الصلاح بكراهة ما يفعله الناس بعد فراغهم من السعي بين الصفا والمروة، من صلاة ركعتين على متسع المروة، وكيف يجوز رفع الصوت به والله تعالى يقول في كتابه الحكيم (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) سورة الأعراف /55، والتضرع من الضراعة وهي الذلة والخشوع والإستكانة والخفية بضم الخاء وكسرها، الإسرار به فإنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء، وانتصابهما على الحال أي ادعوه متضرعين بالدعاء مخفين له مسرين به، ثم علل ذلك بقوله (إنه لا يحب المعتدين) في الدعاء بترك ما أمروا به من التضرع والإخفاء، كما لا يحب الإعتداء في سائر الأشياء، والإعتداء تجاوز الحدود فيها، فمن جاوز ما أمره الله به في شيء من الأشياء فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين ولا يشملهم برحمته وإحسانه، وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا المفهوم دخولاً أوليا، وحسبك في تعيين الإسرار بالدعاء إقترانه بالتضرع في هذه الآية الكريمة، فالإخلال به كالإخلال بالتضرع في الدعاء، وإن دعاء لا تضرع فيه ولا خشوع لقليل الجدوى، فكذلك دعاء لا خفية فيه ولا إسرار ولا وقار " الإبداع 283 - 284. وقال العلامة ابن القيم: " وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة، أو المأمومين فلم يكن ذلك من هديه - صلى الله عليه وسلم - أصلاً ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن" زاد المعاد 1/ 257. ويكون الإستغفار ثلاثاً والتسبيح والتحميد والتكبير كل منها ثلاث وثلاثون مرة وختمها بالتهليل عقب الصلاة سراً، في أي حالة يكون عليها المصلون بعد الصلاة، من قيام وقعود ومشي وإن الإجتماع لذلك والإشتراك فيه ورفع الصوت بدع، هوّنها على الناس التعود " الفتح المبين ص306. وخلاصة الأمر أن الختم الجماعي للصلاة لم يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالتزام فعل ذلك بعد كل صلاة بدعة، وأخيراً ينبغي التذكير بأن النهي عن البدع والدعوة إلى إتباع السنة النبوية، يجب أن يكون بأسلوب هين لين فيه رفق بالناس، وليس بالشدة والصراخ في المساجد لأن المساجد لها حرمتها

صلاة المسافر خلف المقيم

فلا ينبغي الصراخ فيها ورفع الأصوات لما في ذلك من التشويش على المصلين وعلى الذاكرين. صلاة المسافر خلف المقيم يقول السائل: هل يصح للمسافر أن يصلي صلاة الظهر خلف إمام مقيم، فيقصر المسافر الصلاة ثم يقوم ويجمع العصر ركعتين؟ الجواب: إتفق أهل العلم على أن المسافر إذا اقتدى بالمقيم، فيجب الإتمام بحق المسافر ولا يصح القصر، لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما جعل الإمام ليؤتمّ به، فلا تختلفوا عليه) متفق عليه. وعن موسى بن سلمة الهذلي قال: سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام، فقال: (ركعتين سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -) رواه مسلم. وهذا يفيد أنه إذا صلى مع الإمام أتم الرباعية. ورواه أحمد بأصرح من ذلك، عن موسى بن سلمة قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إذا كنا معكم صلينا أربعاً - أي بالمسجد مقتدين بإمام مقيم - وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: (سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -) الفتح الرباني 5/ 102. وبناءً على ذلك لا يصح للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية إذا اقتدى بإمام مقيم بل يجب عليه أن يصلي الظهر تامة، فإذا سلم الإمام قام المسافر فجمع إليها العصر، ويصح له أن يقصر العصر فيصليها ركعتين. وبمناسبة الحديث عن صلاة المسافر أود التنبيه على بعض الأمور المتعلقة بصلاة المسافر: 1 - إن المسافر لا يصير مسافراً شرعاً إلا إذا شرع فعلاً بالسفر ولا تكفي النية في جعله مسافراً، وبناءً على ذلك لا يصح للمسافر أن يتلبس

بأي حكم من الأحكام المرخصة في السفر إلا إذا شرع في السفر فعلاً، ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث عن أنس بن مالك قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة أربعاً، وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين) رواه مسلم. وبداية السفر تكون بمفارقة البلد أو المحل الذي يسكن فيه من أراد السفر، فإذا كان ساكناً في مدينة أو قرية فيكون مسافراً إذا فارق البنيان، وإذا كان ساكناً في صحراء فيكون مسافراً إذا فارق بيوت الشعر. قال الإمام النووي: " وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه، إن كان من أهل الخيام " شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 322. 2 - إن المسافر يصير مقيماً إذا نوى الإقامة، فإذا سافر شخص إلى عمان مثلاً فبمجرد وصوله إلى عمان نوى أن يقيم فيها شهراً، فهو مقيم ولا يصح له أن يترخص برخص السفر. 3 - إذا كان المسافر سائراً فيجوز له أن يقصر وأن يجمع، كمن يسافر إلى الحج براً فطوال مسيره حتى يصل إلى مكة فيجوز له أن يجمع ويقصر، فإذا وصل مكة فإن صلى مع الإمام المقيم فإنه يتم ولا يجمع، وإن صلى وحده فيقصر ولا يجمع، وعلى ذلك دلت السنة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جد به المسير قصر وجمع، وإذا كان نازلاً قصر دون جمع. 4 - إذا نوى المسافر جمع التأخير، فإذا وصل إلى محل إقامته قبل خروج وقت الصلاة الأولى، فلا يجوز له الجمع بل يجب أن يصلي الصلاة التي أدرك وقتها تامة، فإذا فرضنا أن مسافراً نوى جمع التأخير بين الظهر والعصر فدخل إلى بلده قبل دخول وقت العصر فيجب عليه أن يصلي الظهر تامة في وقتها ولا يصح له أن يؤخرها حتى يجمعها مع العصر. 5 - ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يصلي السنن الرواتب في السفر، كسنة الظهر والمغرب، فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال:

صلاة الحاجة

صحبت ابن عمر في طريق مكة قال: " فصلى الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه، فحانت منه إلتفاتة نحو حيث صلى فرأى ناساً قياماً فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون - أي يصلون نافلة - قال لو كنت مسبحاً أتممت صلاتي، يا ابن أخي إني صحبت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) سورة الأحزاب /21. وأما مطلق النافلة، فقد ثبت أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - كان يتنفل في السفر، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن شهاب أن عبد الله بن عامر بن ربيعة أخبره، أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي السبحة - أي النافلة - بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت. صلاة الحاجة يقول السائل: قرأت عن صلاة الحاجة في بعض كتب الأدعية، أرجو بيان حكمها وكيفيتها؟ الجواب: اتفق كثير من الفقهاء على أن صلاة الحاجة مستحبة وأنها تكون عندما تعرض للإنسان حاجة من حوائج الدنيا المشروعة فيستحب له أن يتوضأ ويصلي ركعتين لله تعالى، ويسأل الله جل وعلا حاجته، فإن فعل ذلك مؤمناً بقدرة الله عز وجل، فأرجو أن يحقق الله له ما أراد فقد ورد في الحديث عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه - (أن أعمى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يكشف لي عن بصري، قال: أوَ أدعك قال: يا رسول الله إنه قد شق علي ذهاب بصري، قال فاذهب فتوضأ، ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك

وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي عن بصري، اللهم شفّعه في وشفّعني في نفسي، فرجع وقد كشف الله عن بصره) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم، وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر صحيح الترغيب والترهيب 280. وذكر الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب، أن الحديث رواه الطبراني، وذكر في أوله قصة، (وهو أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان- رضي الله عنه - في حاجة له، وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة فتوضأ، ثم إئت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي، وتذكر حاجتك ورح إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمته فيّ فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - أوَ تصبر، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم -: إئت الميضأة فتوضأ، ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات، فقال عثمان بن حنيف: فوَ الله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط) قال الطبراني بعد ذكر طرقه: والحديث صحيح الترغيب والترهيب 1/ 474 - 476. وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: (من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم صلى ركعتين بتمامهما، أعطاه الله عز وجل ما سأل معجلاً أو مؤخراً) رواه أحمد بإسناد صحيح كما قاله الشوكاني في تحفة الذاكرين ص196.

وروي في الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم، فليتوضأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي ثم يقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضاً إلا قضيتها يا أرحم الراحمين) رواه الترمذي والنّسائي والحاكم، وفي سنده كلام لأهل الحديث، ورواه بن ماجة وفيه زيادة (ثم يسأل الله من أمر الدنيا والآخرة ما شاء، فإنه يقدر). وأما كيفية صلاة الحاجة، فأكثر الفقهاء على أنها تصلى ركعتين، وهذا أصح ما ورد في صلاة الحاجة. والله الهادي إلى سواء السبيل

صلاة الجمعة

صلاة الجمعة

إذا صلت المرأة الجمعة فلا تصلي الظهر

إذا صلت المرأة الجمعة فلا تصلي الظهر تقول السائلة: إن أحدهم أفتى النساء اللواتي يصلين صلاة الجمعة بأنه يجب عليهن أن يصلين الظهر، لأن صلاة الجمعة ليست واجبة على النساء فلا تسقط فريضة الظهر عنهن، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن هذا القائل أخطأ فيما قال، وخرق إجماع الفقهاء على أن من لا تجب عليه صلاة الجمعة إن صلاها، فهي مسقطة لفريضة الظهر. قال الإمام النووي: " ذكرنا أن المعذورين كالعبد والمرأة والمسافر وغيرهم، فرضهم الظهر فإن صلوها صحت وإن تركوها وصلوا الجمعة أجزأهم بالإجماع، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وإمام الحرمين وغيرهما " المجموع 4/ 495. وقال الشيخ الخرقي الحنبلي: " وإن حضروها - أي المرأة والمسافر والعبد والمريض حضروا الجمعة - أجزأتهم، يعني تجزيهم عن الظهر ولا نعلم في هذا خلافاً ". ونقل الشيخ ابن قدامة المقدسي عن ابن المنذر قوله: " أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أنه لا جمعة على النساء، وأجمعوا على أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة أن ذلك يجزي عنهن " المغني 2/ 253.

تسليم الخطيب على المصلين

وقال السمرقندي الحنفي: " ثم هؤلاء الذين لا يجب عليهم الجمعة إذا حضروا الجمعة وصلوا، فإنه يجزئهم ويسقط عنهم فرض الوقت " تحفة الفقهاء 1/ 162. وبهذا يظهر لنا أن الفقهاء قد اتفقوا على أن من لا جمعة عليه، كالمسافر والمريض والمرأة، إن صلوا الجمعة فإن ذلك يجزئهم عن صلاة الظهر. وأخيراً أقول: إن على من يتصدى للفتوى في دين الله أن يكون على بينة مما يقول، فإنه يوقع عن رب العالمين، فلينظر إلى عظم هذه الأمانة وهذه المسؤولية التي أخذها على نفسه. تسليم الخطيب على المصلين يقول السائل: ما حكم تسليم الخطيب على المصلين عند صعوده المنبر للخطبة؟ الجواب: تسليم الخطيب على المصلين عندما يصعد المنبر سنة، وردت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - وعن جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم، ومما ورد في ذلك: عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان إذا صعد المنبر سلّم) رواه ابن ماجة والبغوي، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن صحيح، صحيح ابن ماجة 1/ 282 وذكره في سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/ 206. وعن عطاء قال: (كان النبي- صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس فقال: السلام عليكم) رواه عبد الرزاق في المصنف 3/ 192، وقال الشيخ الألباني: ورجاله ثقات رجال الشيخين السلسلة الصحيحة 5/ 207. وروى عبد الرزاق أيضاً عن أبي أسامة أنه سمع مجالداً يحدث عن الشعبي قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر أقبل بوجهه وقال: السلام

يكره السجع في الخطبة

عليكم، قال: فكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك بعد النبي- صلى الله عليه وسلم -)، ورواه أيضاً ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 114، وقال الشيخ الألباني: وهو مرسل لا بأس به في الشواهد، السلسلة الصحيحة 5/ 206. وقال الشيخ الألباني: " ومما يشهد للحديث ويقويه أيضاً - أي حديث جابر المتقدم - جريان عمل الخلفاء عليه، فأخرج ابن أبي شيبة عن نضرة قال: " كان عثمان قد كبر فإذا صعد المنبر سلّم .... الخ"، وإسناده صحيح. ثم روى عن عمرو بن مهاجر " أن عمر بن عبد العزيز كان إذا استوى على المنبر سلّم على الناس وردوا عليه " السلسلة الصحيحة 5/ 207. وهذا الذي ذكرته من استحباب تسليم الخطيب على المصلين هو مذهب الشافعية والحنابلة وجماعة من السلف، قال الإمام النووي: " إذا وصل - الخطيب - أعلى المنبر وأقبل على الناس بوجهه يسلّم عليهم .... وإذا سلّم لزم السامعين الرد عليه وهو فرض كفاية كالسلام في باقي المواضع وهذا الذي ذكرناه من استحباب السلام الثاني مذهبنا ومذهب الأكثرين وبه قال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وأحمد " المجموع 4/ 527. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: " يستحب للأمام إذا خرج أن يسلّم على الناس، ثم إذا صعد المنبر فاستقبل الحاضرين سلّم عليهم وجلس، إلى أن يفرغ المؤذنون من أذانهم، كان ابن الزبير إذا علا المنبر سلّم، وفعله عمر بن عبد العزيز وبه قال الأوزاعي والشافعي" المغني 2/ 219. يكره السجع في الخطبة يقول السائل: بعض الخطباء يستعملون السجع كثيراً في أدعيتهم وخطبهم، فما قولكم في ذلك؟

الجواب: ينبغي أن يعلم أن أفضل الأدعية هي المأثورة عن الرسول- صلى الله عليه وسلم -، وما ورد فيها من سجع فليس مقصوداً، كما في قوله- صلى الله عليه وسلم -: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب) وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: (صدق وعده وأعز جنده). وأما ما يفعله الخطباء من استخدام السجع فهو مكروه، لأنه في الغالب متكلف والسجع المتكلف لا يلائم الضراعة والذلة كما قال الإمام الغزالي، وقد كره النبي- صلى الله عليه وسلم - السجع، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول- صلى الله عليه وسلم - فقضى أن دية جنينها غرة أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن النابغة الهذلي: يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل؟ فمثل ذلك يُطلُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم وفي رواية عند مسلم (أسجع كسجع الأعراب). قال الإمام النووي: " واما قوله- صلى الله عليه وسلم - (إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه) وفي الرواية الأخرى (سجع كسجع الأعراب) فقال العلماء: إنما ذم سجعه لوجهين: أحدهما أنه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله، والثاني انه تكلفه في مخاطبته، وهذان الوجهان من السجع مذمومان. أما السجع الذي كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يقوله في بعض الأوقات، وهو مشهور في الحديث، فليس من هذا لأنه لا يعارض به حكم الشرع ولا يتكلفه فلا نهي فيه بل هو حسن .... " شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 327. وقال الإمام البخاري: باب ما يكره من السجع في الدعاء، ثم ذكر أثر ابن عباس - رضي الله عنه - وفيه " .... وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الإجتناب " انظر فتح الباري 13/ 388 - 389. وقال العز بن عبد السلام سلطان العلماء، جواباً على سؤال يتعلق

لا يجوز ذكر الأحاديث المكذوبة في الخطبة

بمن يقصد السجع في كلام الناس وفي الخطب ونحوها ما نصه: " إذا كان القصد بالسجع الرياء والسمعة والتصنع بالفصاحة فهو حرام، وإن كان القصد به وزن الكلام لتميل النفوس إلى قبوله والعمل بموجبه فلا بأس به في الخطب وغيرها، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يتصفح كتبه إذا فرغ منها، فإن وجد فيها كلاماً بليغاً فصيحاً نحّاه منها خوفاً من الرياء والسمعة والإفتخار بالفصاحة، ولا ينبغي للخطيب أن يذكر في الخطبة إلا ما كان يوافق مقاصدها، من الثناء والدعاء والترغيب والترهيب، بذكر الوعد والوعيد وكل ما يحث على طاعة أو يزجر عن معصية، وكذلك تلاوة القرآن، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم - يخطب بسورة (ق) في كثير من الأوقات لإشتمالها على ذكر الله والثناء عليه، ثم على علمه بما به توسوس النفوس وبما تكتبه الملائكة على الإنسان من طاعة وعصيان ثم يذكر الموت وسكرته ثم يذكر القيامة وأهوالها والشهادة على الخلائق بأعمالها، ثم يذكر الجنة والنار ثم يذكر الصيحة والنشور والخروج من القبور، ثم بالوصية في الصلوات، فما خرج عن هذه المقاصد فهو مبتدع "فتاوى شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام ص481 - 484. ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث، عن عبد الله بن عمرو أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة) رواه أبو داود والترمذي وأحمد، وقال الشيخ الألباني: صحيح، والمقصود بالحديث الرجل الذي يتشدق في الكلام بلسانه ويلفه، كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفاً كما قال ابن الأثير في النهاية. لا يجوز ذكر الأحاديث المكذوبة في الخطبة يقول السائل: نلاحظ كثيراً من الخطباء والوعاظ والمدرسين، يذكرون في خطبهم ومواعظهم ودروسهم، أحاديث ضعيفة بل مكذوبة أحياناً، فما حكم ذكر هذه الأحاديث في الخطب والمواعظ والدروس؟

الجواب: إن الأحاديث الضعيفة الواهية والموضوعة (المكذوبة) آفة قديمة، انتشرت بين المسلمين بشكل كبير، فتجد كثيراً من الكتب والمؤلفات تحوي الأحاديث الساقطة والمكذوبة، وكثير من الخطباء يرددونها دون علم بحالها، وهذا أمر جد خطير، لأن هؤلاء قد يدخلون في دائرة الكذب على الرسول- صلى الله عليه وسلم -، والكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبائر وعاقبته وخيمة، فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). قال الحافظ ابن حبان: " فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو غير عالم بصحته "، ثم روى بسنده عن أبي هريرة- رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)، وقال محققه شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن، الإحسان 1/ 210، وقال الشيخ الألباني: وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه السلسلة الضعيفة 1/ 12. ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (من حدث حديثاً وهو يُرى - بضم الياء ومعناه يظن - أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم في مقدمة صحيحه. وفي رواية عند ابن ماجة وغيره (من حدث عني حديثاً .... الخ). فهذه الأحاديث وغيرها تدل على وجوب التثبت من الأحاديث قبل روايتها وذكرها للناس، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يعرفون التمييز بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما بينهم، فيسهم هؤلاء الخطباء والوعاظ وأمثالهم في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. كما ينبغي أن يعلم أن في الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يغني ويكفي عن الأحاديث المكذوبة. وقد يقول قائل: أن رواية الأحاديث الضعيفة جائزة في فضائل الأعمال فمن هذا الباب يذكرها الخطباء والوعاظ وأمثالهم.

ونقول: إن قاعدة العمل بالحديث الضعيف ليست على إطلاقها، كما هو مقرر عند أهل الحديث، بل إن هناك شروطاً للعمل بالحديث الضعيف في باب فضائل الأعمال، نقلها الحافظ السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر وهي: 1 - أن يكون ضعف الحديث غير شديد، فيخرج من ذلك من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب. 2 - أن يكون الحديث الضعيف مندرجاً تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً. 3 - أن لا يعتقد عند العمل ثبوته، لئلا ينسب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله، مقدمة صحيح الترغيب والترهيب ص18. وبناءً على ما تقدم، فإني أنصح كل من يذكر حديثاً عن الرسول- صلى الله عليه وسلم - أن يتثبت من ذلك الحديث، وأن يرجع إلى كتب أهل الحديث ليعرف حال ذلك الحديث قبل أن يذكره للناس. ومن فضل الله وكرمه أن المكتبة الحديثية غنية، وقد خدم العلماء سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام خدمات عظيمة وجليلة، وبينوا أحوال الأحاديث من حيث الصحة أو الحسن أو الضعف، ولا يقبل أن نأخذ الأحاديث من كل من هب ودب وننسبها إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، فإن الكذب على الرسول- صلى الله عليه وسلم - ليس كالكذب على غيره، كما جاء في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). والله الهادي إلى سواء السبيل

صلاة الجنازة والقبور

صلاة الجنازة والقبور

صلاة الجنازة على قاتل نفسه

صلاة الجنازة على قاتل نفسه يقول السائل: هل تصح صلاة الجنازة على من قتل نفسه؟ الجواب: لا شك أن قتل النفس حرام شرعاً بل هو من الكبائر، فقاتل نفسه أشد وزراً من قاتل غيره، يقول سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) سورة الأنعام /151. وجاء في الحديث، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) رواه البخاري ومسلم. وظاهر هذا الحديث يدل على كفر المنتحر، لأن الخلود في النار والحرمان من الجنة جزاء الكفار عند أهل السنة والجماعة، ولكن لم يقل بكفر المنتحر أحد من علماء المذاهب الأربعة، لأن الكفر هو الإنكار والخروج عن دين الإسلام، وصاحب الكبيرة غير الشرك لا يخرج عن الإسلام عند أهل السنة والجماعة، وقد صحت الروايات أن العصاة من أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون من النار، الموسوعة الفقهية 6/ 291 - 292. وليس من مذهب أهل السنة والجماعة تكفير أحد من المسلمين بذنب أصابه، قال صاحب العقيدة الطحاوية " ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب

ما لم يستحله " شرح العقيدة الطحاوية /355. وكلام الإمام الطحاوي ينطبق على مرتكب الكبيرة ما عدا الشرك، فإن مذهب أهل السنة والجماعة عدم تكفير مرتكب الكبيرة كما أسلفت إذا مات على عقيدة التوحيد، وإن لم يتب من معصيته ويدل على ذلك قول الرسول- صلى الله عليه وسلم -: (يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ من كان في قَلْبِهِ ذَرَّة مِنْ إيمان) رواه البخاري، فلو كان مرتكب الكبيرة يكفر بكبيرته لما سماه الله ورسوله مؤمناً. وبعد هذه المقدمة أعود إلى جواب السؤال فأقول: إن جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية يرون أنه يصلى على قاتل نفسه، لأنه لم يخرج عن الإسلام بل هو فاسق والفسقة يصلى عليهم. ورأى الحنابلة أن إمام المسلمين لا يصلي على من قتل نفسه، ويصلي عليه بقية الناس، قال الخرقي: " ولا يصلي الأمام على الغال ولا على من قتل نفسه " وقال ابن قدامة شارحاً ذلك: الغال هو الذي يكتم الغنيمة أو بعضها ليأخذه لنفسه ويختص به، فهذا لا يصلي عليه الإمام ولا على من قتل نفسه متعمداً، ويصلي عليه سائر الناس، نص عليهما أحمد " المغني 2/ 415. ويدل على ذلك ما رواه مسلم، عن جابر بن سمرة قال: (أُتِيَ النَّبِي- صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ)، والمشاقص سهام عراض مفردها مشقص. وجاء الحديث في رواية أبي داود مفصلاً فعن جابر بن سمرة قال: (مَرِضَ رَجُلٌ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ جَارُهُ إِلَى النبي- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ، قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ، قَالَ: أَنَا رَأَيْتُهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، قال: فَرَجَعَ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبِرْهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ قَال: َ ثُمَّ انْطَلَقَ الرَّجُلُ فَرَآهُ قَدْ نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -

كيف يكون حال مشيع الجنازة

فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ، قَالَ: رَأَيْتُهُ يَنْحَرُ نَفْسَهُ بِمَشَقِصَ مَعَهُ، قَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِذًا لاَ أُصَلِّيَ عَلَيْهِ). قال الشيخ الألباني إسناده صحيح على شرط مسلم، أحكام الجنائز 85. فهذا الحديث يدل على أن النبي- صلى الله عليه وسلم - لم يصل على ذلك الرجل زجراً لغيره من الناس، ولكن الصحابة صلوا عليه. وبناء على ما سبق فإن قاتل نفسه يصلى عليه صلاة الجنازة. كيف يكون حال مشيع الجنازة يقول السائل: كيف ينبغي أن يكون حال من يشيع الجنازة فإننا نرى كثيراً من الناس يحضرون الجنازات ويجلسون في المقبرة ويتحدثون ويتضاحكون منتظرين دفن الميت ثم يعزون أهل الميت ثم ينصرفون؟ الجواب: إتباع الجنازة والصلاة عليها وحضور دفنها من الأمور الثابتة عن الرسول- صلى الله عليه وسلم -، فقد ثبت في الحديث الصحيح، عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (حق المسلم على المسلم خمس، ردُّ السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث أيضاً عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل: وما القيراطان، قال: مثل الجبلين العظيمين) رواه البخاري ومسلم. وينبغي للمسلم الذي يحضر الجنازة عند تشييعها ودفنها، أن يستذكر مصيبة الموت وأن يتعظ ويتفكر في هذا الميت، وأن حال هذا المشيع سيصير إلى مثل ما صار إليه الميت، وهذا التذكر يدفع الإنسان إلى محاسبة النفس والنظر والتفكر في أحواله، فإن كان محسناً إزداد إحساناً وإن كان مسيئاً رجع

وثاب إلى الرشد، وهذا التفكر والإتعاظ مقصود من حضور الجنائز فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (عودوا المرضى واتبعوا الجنائز تذكّركم الآخرة) رواه أحمد وابن حبان وصححه وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح أحكام الجنائز 67. وقد روي في الحديث (أنه عليه الصلاة والسلام، كان إذا اتبع جنازة أكثر الصمات، ورؤي عليه الكآبة وأكثر حديث النفس) رواه وكيع في الزهد، وله شاهد صحيح، فعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فانتهينا إلى القبر فجلس كأن على رؤوسنا الطير) رواه ابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر صحيح سنن ابن ماجة 1/ 259، وانظر المشكاة 15/ 537. وقال الفضيل بن عياض: " كانوا إذا اجتمعوا في جنازة يعرف فيهم ثلاثة أيام "، ورأى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - رجلاً يضحك في جنازة فقال: " أتضحك مع الجنازة! لا أكلمك أبداً ". وكره العلماء أن يتكلم أحد في الجنازة ولا بقول القائل: " إستغفروا لأخيكم "، فقد سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً في جنازة يصيح ويقول: إستغفروا لأخيكم، فقال ابن عمر: لا غفر الله لك. وسُئل سفيان بن عيينه عن السكوت في الجنازة وماذا يجيء به؟ قال: تذكر به حال يوم القيامة، ثم تلا قوله تعالى (وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا) سورة طه/108. وقال قتادة: " بلغنا أن أبا الدرداء- رضي الله عنه -، نظر إلى رجل يضحك في جنازة فقال له: أما كان فيما رأيت من هول الموت ما يُشغلك عن الضحك ". وكان مطرف يلقى الرجل من خاصة أهله في الجنازة فعسى أن يكون غائبا فما يزيده على السلام ثم يعرض عنه اشتغالاً بما هو فيه. ذكر هذه الآثار السيوطي ثم قال: " فهذا خوف هؤلاء السادات من

إعداد الكفن قبل الموت

الموت فأما اليوم فغالب من تراه يشهد الجنازة يلهون ويضحكون، وما يتكلمون إلا في ميراثه وما خلفه لورثته " الأمر بالإتباع ص255. وأخيراً نختم بما قاله الإمام النووي رحمه الله، قال: " يستحب له - أي الماشي مع الجنازة - أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى والفكر فيما يلقاه وما يكون مصيره وحاصل ما كان فيه، وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها، وليحذر كل الحذر من الحديث بما لا فائدة فيه، فإن هذا وقت فكر وذكر يقبح فيه الغفلة واللهو والإشتغال بالحديث الفارغ، فإن الكلام بما لا فائدة فيه منهيٌ عنه في جميع الأحوال فكيف هذا الحال. واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضوان الله عليهم السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوتاً بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق ولا تغترن بكثرة من يخالفه، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض- رضي الله عنه - ما معناه: إلزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين، الأذكار ص136. إعداد الكفن قبل الموت يقول السائل: هل يجوز للإنسان أن يُعد كفنه قبل موته، وإذا أوصى بأن يكفن في ثوب خاص فهل تنفذ وصيته، وهل يشترط في الكفن أن يكون غير مخيط، وورد أن أبا بكر - رضي الله عنه - أوصى بثوبه القديم أن يغسل ويكفن فيه، فهل يغني ذلك عن الكفن، أفيدونا؟ الجواب: إن تكفين الميت فرض على الكفاية، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك في أحاديث منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه - أي لا تطيبوه لأنه كان محرماً - ولا تخمروا

رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) رواه البخاري ومسلم. ويجوز للمسلم أن يعد كفنه ويحضره مسبقاً، قال الإمام البخاري: " باب من استعد الكفن في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم - فلم ينكر عليه "، ثم روى بسنده عن سهل - رضي الله عنه - (أن امرأة جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - ببردة منسوجة فيها حاشيتها، أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشملة، قال: نعم، قالت: نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها، فأخذها النبي- صلى الله عليه وسلم - محتاجاً إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فحسَّنها فلان فقال: أكسُنيها ما أحسنها، فقال القوم: ما أحسنت، لبسها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجاً إليها وعلمت أنه لا يرد، قال: إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني، قال سهل: فكانت كفنه). قال الحافظ ابن حجر: " .... فيستفاد منه جواز تحصيل ما لا بد منه للميت من كفن ونحوه في حال حياته " فتح الباري 3/ 385. وإذا أوصى الميت أن يكفن في كفن خاص، فلا بأس بتنفيذ وصيته إن لم يكن في ذلك حرمة، كمن يوصي بأن يكفن في ثوب من الحرير، فلا تنفذ وصيته إن كان رجلاً، وكذلك ما لم يكن هناك مغالاة بالكفن، فلا تنفذ وصيته لقوله- صلى الله عليه وسلم -: (لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلباً سريعاً) رواه أبوداود وإسناده حسن، قاله النووي في المجموع 5/ 196. وينبغي أن يكون الكفن حسناً، لما ثبت في الحديث عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل - أي غير كامل - وقبر ليلاً، فزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) رواه مسلم وغيره، والمراد بإحسان الكفن نظافته وستره وتوسطه وليس المراد به السرف فيه والمغالاة ونفاسته " شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 13. ولا يشترط في الكفن أن لا يكون مخيطاً لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - (ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات) رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر: " والمعنى أن التكفين في القميص ليس ممتنعاً .... وإلى أن التكفين

في غير قميص مستحب ولا يكره التكفين في القميص " فتح الباري 3/ 381. والأفضل أن لا تخاط الأكفان، وهو المأثور من لدن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى وقتنا الحاضر. قال الحافظ ابن عبد البر: " وقد أجمعوا أن لا تخاط اللفائف، فدلَّ على أن القميص ليس مما يختار لأنه مخيط " الإستذكار 8/ 212. ويدرج الميت في الكفن إدراجاً كما أدرج النبي- صلى الله عليه وسلم -، ولا ينبغي أن يزاد في الكفن عن ثلاثة أثواب، كما كُفّن الرسول- صلى الله عليه وسلم -، فقد ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) رواه البخاري، وسحولية نسبة إلى (سحول) بلد في اليمن. وأما ما ورد عن أبي بكر- رضي الله عنه - فقد روى البخاري عن عائشة في قصة وفاة أبيها قالت: " فنظر - أي أبو بكر- إلى ثوب عليه كان يمرّض فيه، به ردع من زعفران فقال: اغسلوا ثوبي هذا فزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما، قلت: إن هذا خلق، فقال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة - أي للصديد- ". وفي رواية أخرى قال أبو بكر لعائشة: " انظروا ثوبيَّ هذين فاغسلوهما ثم كفنوني فيهما فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت " رواه أحمد في كتاب الزهد. وروى عبد الرزاق نحوه وقال الحافظ إسناده صحيح نصب الراية 2/ 262. وقول أبي بكر ووصيته في أن يكفن في الثوب القديم، يحتمل أن يكون اختار ذلك الثوب بعينه لمعنى فيه من التبرك به، لكونه صار إليه من النبي- صلى الله عليه وسلم - أو لكونه جاهد فيه أو تعبد فيه ويؤيده ما ورد في إحدى الروايات أنه قال: " كفنوني في ثوبيَّ اللذين كنت أصلي فيهما " ذكره الحافظ في الفتح 3/ 497، وقول أبي بكر ووصيته لا يغني عن الكفن لما ثبت في الرواية التي ذكرتها وهي عند البخاري أنه قال: " وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما ".

حكم الدفن في الفساقي

حكم الدفن في الفساقي يقول السائل: ما حكم الدفن في الفساقي؟ الجواب: إن الأصل أن يدفن كل ميت في قبر لوحده، وينبغي أن يكون القبر عميقاً، يمنع خروج الرائحة ويمنع الحيوانات المفترسة من الوصول إلى جثة الميت، ويجوز دفن أكثر من ميت في قبر واحد عند الضرورة لما ثبت في الحديث عن جابر بن عبد الله قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين والثلاثة من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد .... ) رواه البخاري وغيره. وأما الدفن في الفسقية وهي كبيتٍ معقودٍ بالبناء يوضع فيه الأموات الواحد بجانب الآخر، فقد كره كثير من أهل العلم الدفن فيها، لمخالفتها للسنة، قال الإمام السبكي: " في الإكتفاء بالفساقي نظر، لأنها ليست على هيئة الدفن المعهود شرعاً قال: وقد أطلقوا تحريم إدخال ميت على ميت لما فيه من هتك حرمة الأول وظهور رائحته، فيجب إنكار ذلك، ونقل الخطيب الشربيني عن بعض شرَّاح المنهاج أنه قال: " إنه لا يكفي الدفن فيما يصنع الآن ببلاد مصر والشام وغيرهما من عقد أزج واسع أو مقتصد شبه بيت لمخالفته الخبر وإجماع السلف وحقيقته بيت تحت الأرض فهو كوضعه في غار ونحوه ويسد بابه، ثم قال الشربيني: وهذا ظاهر لأنه ليس بدفن كما أشار إلى ذلك ابن الصلاح والأذرُعي وغيرهما " مغني المحتاج 2/ 36 - 37. وقال الشيخ ابن عابدين: " ويكره الدفن في الفساقي .... لمخالفتها السنة، والكراهة من وجوه كثيرة: عدم اللحد ودفن جماعة في قبر واحد بلا ضرورة، واختلاط الرجال بالنساء بلا حاجز، وتجصيصها والبناء عليها .... وخصوصاً إن كان فيها ميت لم يبل " حاشية ابن عابدين 2/ 233. فإن وجدت ضرورة للدفن في الفساقي كما هو الحال في بعض المدن

زيارة النساء للقبور محظورة

بسبب ضيق المقابر، فيجب أن يراعى أن لا يفتح على ميت قبل أن تبلى عظامه، ولا بد من وضع حاجز بين كل ميت وآخر، وينبغي أن لا يكون الميت مكشوفاً، فقد أخبرني بعض الناس أنهم يضعون الميت في الفسقية دون أن يغطوه بشيء وهذا مخالف للسنة. وينبغي التذكير بالمحافظة على حرمة الأموات لأن المسلم محترم حياً وميتاً وقد جاء في الحديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان وغيرهم وهو صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 3/ 314. زيارة النساء للقبور محظورة يقول السائل: ما حكم زيارة النساء للقبور؟ الجواب: إن زيارة النساء للقبور ممنوعة شرعاً، على القول الراجح من أقوال أهل العلم، لأنه ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله زائرات القبور) رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد وابن حبان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان، وهو حديث صحيح. وعن علي- رضي الله عنه - قال: (خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فإذا نسوة جلوس فقال: ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة قال: هل تغسلن؟ قلن: لا، قال هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا، قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات) رواه البيهقي وابن ماجة وفي سنده اختلاف. وغير ذلك من الأحاديث التي دلت على تحريم زيارة النساء للقبور، فهذه أحاديث صريحة في معناها، فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام لعن

لا يشترط طهارة المرأة عند حضورها المحتضر

النساء على زيارة القبور، واللعن على الفعل من أول الدلائل على تحريمه، ولا سيما وقد قرنه في اللعن بالمتخذين عليها المساجد والسرج. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإن قيل فالنهي عن ذلك منسوخ، كما قال أهل القول الآخر، قيل هذا ليس بجيد، لأن قوله (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) هذا خطاب للرجال دون النساء فإن اللفظ لفظ مذكر وهو مختص بالذكور، أو متناول لغيرهم بطريق التبع فإن كان مختصاً بهم فلا ذكر للنساء وإن كان متناولاً لغيرهم كان هذا اللفظ عاماً وقوله: (لعن الله زوارات القبور) خاص بالنساء دون الرجال، ألا تراه يقول (لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)، فالذين يتخذون عليها المساجد والسرج لعنهم الله، سواء أكانوا ذكوراً أو إناثاً وأما الذين يزورون فإنما لعن النساء الزوارات دون الرجال، وإذا كان هذا خاصاً ولم يعلم أنه متقدم على الرخصة كان متقدماً على العام عند عامة أهل العلم كذلك لو علم أنه كان بعدها " مجموع فتاوى شيخ الإسلام 24/ 361,360 ملحوظة .. ظهر لي رجحان القول بمنع النساء من زيارة القبور، خلافاً لما قررته في الجزء الأول ص 76 الطبعة الثانية، من جواز زيارة النساء للقبور. وقد رجعت عن القول بالجواز وصرت إلى المنع نظراً لقوة الأدلة الواردة في ذلك فاقتضى التنويه. لا يشترط طهارة المرأة عند حضورها المحتضر يقول السائل: إنه سمع أحد أئمة المساجد يقول: إنه لا يجوز للمرأة الحائض أن تحضر عند المريض المحتضر الذي يكون على فراش الموت، فما قولكم في ذلك؟

الجواب: إن الحيض لا يمنع حضور المرأة عند المحتضر ولا أعلم دليلاً شرعياً على هذا المنع والحيض عند أهل العلم يمنع الصلاة والصيام ومس المصحف وقراءة القرآن، ولا أعلم أن أحداً من أهل العلم اشترط الطهارة من الحيض للحضور عند المحتضر، وكيف تُمنع المرأة من ذلك وقد يكون المحتضر أحد والديها أو زوجها أو أحد أبنائها أو أحد إخوتها أو أخواتها. وهذا الكلام لا يصح، إنما هو من أوهام العوام. والله الهادي إلى سواء السبيل

الزكاة

الزكاة

دفع الزكاة للأقارب

دفع الزكاة للأقارب يقول السائل: هل يجوز دفع الزكاة للأقارب؟ الجواب: من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد بين مصارف الزكاة في كتابه الكريم يقول تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة /60. وصرف الزكاة لأِقارب المزكي فيه تفصيل عند أهل العلم أبينه فيما يلي: أولاً: لا يجوز صرف الزكاة للوالدين بإتفاق أهل العلم، نقل الشيخ ابن قدامة المقدسي عن ابن المنذر قوله: " أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة، ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ويعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه " المغني 2/ 282. ثانياً: لا يجوز صرف الزكاة للأولاد ذكوراً وإناثاً، لأن أولاد الرجل جزء منه وهو ملزم بالإنفاق عليهم، ومن يدفع الزكاة لأولاده يكون كمن دفع المال إلى نفسه، انظر فقه الزكاة 2/ 781.

ثالثاً: لا يجوز للزوج أن يصرف الزكاة إلى زوجته، لأن نفقة الزوجة واجبة على زوجها بإتفاق أهل العلم، قال ابن رشد القرطبي المالكي: " واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على زوجها النفقة والكسوة، لقوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة البقرة /233، ولما ثبت من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، ولقوله عليه الصلاة والسلام لهند زوجة أبي سفيان: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) بداية المجتهد 2/ 45. فإذا أعطى الزوج زكاة ماله لزوجته فقد دفع المال إلى نفسه. رابعاً: يجوز للزوجة الغنية أن تدفع زكاة مالها الخاص بها لزوجها الفقير لأنه لا يجب على المرأة الإنفاق على زوجها الفقير. ويدل على الجواز ما ورد في الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد - أي فقير - وإن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بالصدقة فاته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها لغيركم، قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: إئت رسول الله فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن قالت: فدخل بلال فسأله فقال له: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب فقال الرسول: أي الزيانب؟ فقال امرأة عبد الله فقال - صلى الله عليه وسلم - لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة) متفق عليه. وذهب إلى العمل بمقتضى هذا الحديث جمهور أهل العلم فقالوا: يجوز للزوجة أن تعطي زكاة مالها لزوجها. قال الشيخ الشوكاني: " والظاهر أنه يجوز للزوجة صرف زكاتها إلى زوجها، أما أولاً: فلعدم المانع من ذلك ومن قال إنه لا يجوز فعليه

الدليل، وأما ثانياً: فلأن ترك استفصاله - صلى الله عليه وسلم - لها ينزل منزلة العموم، فلما لم يستفصلها عن الصدقة هل هي تطوع أو واجب، فكأنه قال: يجزي عنك فرضاً كان أو تطوعاً " نيل الأوطار 4/ 199. وقال القرطبي: " واختلفوا في إعطاء المرأة زكاتها لزوجها .... وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وخالفه صاحباه فقالا: يجوز، وهو الأصح لما ثبت أن زينب امرأة عبد الله أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر الحديث السابق - ثم قال: والصدقة المطلقة هي الزكاة ولأنه لا نفقة للزوج عليها .... " القرطبي 8/ 190. وقال الشيخ ابن قدامة: " وليس في المنع نص ولا إجماع " المغني 2/ 485. خامساً: لا يجوز إعطاء الزكاة لبقية الأقارب الذين تجب نفقتهم على المزكي، وهناك خلاف بين أهل العلم في النفقة على الأقارب غير الأصول والفروع والزوجة، مثل الأخ أو الأخت والعم والعمة والخال والخالة وغيرهم. والقول الراجح في ذلك هو: إن النفقة تجب على ذي الرحم الوارث، سواء ورث بفرض أو تعصيب أو برحم وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وبناء على ذلك لا يجوز أن يعطي الرجل زكاة ماله لمن وجبت عليه نفقته، فمثلاً أخرج المزكي زكاة ماله وله عمة وليس لها من ينفق عليها إلا المزكي المذكور، فلا يجوز أن يعطيها من زكاة ماله. وهذا الأساس الذي بني عليه الحكم في المنع من إعطاء الزكاة للأقارب إذا كانت النفقة واجبة على المزكي، قال به جماعة من أهل العلم من السلف والخلف فمن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي حفصة قال: " سألت سعيد بن جبير عن الخالة تعطى من الزكاة فقال: ما لم يغلق عليكم باباً " المصنف 3/ 192، - أي ما لم يضمها إلى عياله -.

وما رواه أيضاً بإسناده عن عبد الملك قال: قلت لعطاء: " أيجزي الرجل أن يضع زكاته في أقاربه، قال: نعم إذا لم يكونوا في عياله " المصنف 3/ 192. وما رواه أيضاً عن سفيان الثوري أنه قال: " لا يعطيها من تجب عليه نفقته" المصنف 3/ 192 وروى أبو عبيد القاسم بن سلام بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إذا لم تعط منها أحداً تعوله فلا بأس ". وقال أبو عبيد: قال لي عبد الرحمن: " إنما كرهوا ذلك لأن الرجل إذا ألزم نفسه نفقتهم وضمهم إليه ثم جعل ذلك بعده إلى الزكاة كان كأنه قد وقى ماله بزكاته" الأموال ص695 ورواه الأثرم في سننه بلفظ آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إذا كان ذووا قرابة فأعطهم من زكاة مالك وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لمن تعول " نيل الأوطار 4/ 200. سادساً: إن لم تكن نفقة القريب واجبة على المزكي، فيجوز إعطاؤه من الزكاة، فيجوز إعطاء عمك وخالك وعمتك وخالتك وأختك المتزوجة وأخيك وابن أخيك وابن أختك وزوج أختك ونحوهم إن كانوا فقراء، ولم تكن ملزماً بالإنفاق عليهم، بل هؤلاء الأقارب في هذه الحالة أولى بالزكاة من غيرهم، وللمزكي إن أعطى الزكاة لأقاربه أجران أجر الصدقة وأجر الصلة، لما ثبت في الحديث عن سلمان بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، ورواه الحاكم وقال: إسناده صحيح ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 3/ 387. وجاء في الفتاوى الهندية: " والأفضل في الزكاة والفطر والنذور والصرف أولاً إلى الأخوة والأخوات، ثم إلى أولادهم، ثم إلى الأعمام والعمات، ثم إلى أولادهم ثم إلى الأخوال والخالات، ثم إلى أولادهم، ثم

لا يجوز احتساب الدين من الزكاة

إلى ذوي الأرحام ثم إلى الجيران ثم إلى أهل حرفته ثم إلى أهل مصره أو قريته " الفتاوى الهندية 1/ 190. سابعاً: يجوز إعطاء الزكاة للبنت المتزوجة من فقير، لأن نفقة البنت بعد زواجها واجبة على الزوج لا على أبيها. ثامناً: يجوز قضاء ديون الأقارب من الزكاة، حتى وإن وجبت نفقتهم على المزكي فيجوز قضاء دين الأب ودين والأم ودين الإبن ودين البنت وغيرهم من الأقارب، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة على المزكي، لأن ديون الأقارب بما فيها ديون الوالدين والأولاد لا يجب شرعاً على المرء أن يؤديها عنهم، فيجوز قضاء الدين عنهم من الزكاة لأنهم يعتبرون هنا في هذه الحالة من الغارمين فهم يستحقون الزكاة هنا بوصف لا تأثير للقرابة فيه. قال الإمام النووي: " قال أصحابنا ويجوز أن يدفع إلى ولده ووالده من سهم العاملين والمكاتبين والغارمين والغزاة، إذا كان بهذه الصفة .... " المجموع 6/ 229، وراجع فقه الزكاة للقَرَضَاوي 2/ 716، وفتاوى الصيام للشيخ ابن عثيمين ص48 - 49. لا يجوز احتساب الدين من الزكاة يقول السائل: هل يجوز لمن وجبت عليه الزكاة وله ديون على شخص فقير، أن يسقط الدين عن الفقير ويحتسبه من الزكاة؟ الجواب: لا يجوز احتساب الدين الذي على الفقير من مال الزكاة، على الراجح من أقوال أهل العلم لما ورد في الحديث الشريف من قول الرسول- صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذاً إلى اليمن فقال له: ( .. أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم) رواه البخاري ومسلم. فلا بد في الزكاة من أخذها من الأغنياء، ثم ردها إلى الفقراء،

وإسقاط الدين عن الفقير لا يعتبر، لا أخذاً من الأغنياء ولا رداً على الفقراء، وهذا قول جماهير أهل العلم الحنفية والمالكية والحنابلة وهو أصح القولين في مذهب الشافعية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام وسفيان الثوري وغيرهم. قال الإمام النووي: " إذا كان لرجل على معسر دين، فأراد أن يجعله من زكاته وقال له جعلته عن زكاتي فوجهان حكاهما صاحب البيان أصحهما لا يجزئه، وبه قطع الصيمري، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، لأن الزكاة في ذمته فلا يبرأ إلا بإقباضها .... الخ " المجموع 6/ 210. وقال الإمام القرافي "لا يخرج في زكاته إسقاط دينه عن الفقير لأنه مستهلك عند الفقير" الذخيرة 3/ 153. وقال ابن قدامه: " قال مهنا: سألت أبا عبد الله - يعني الإمام أحمد - عن رجل له دين برهن وليس عنده قضاؤه، ولهذا الرجل زكاة مال يريد أن يفرقها على المساكين فيدفع إليه رهنه ويقول له: الدين الذي لي عليك هو لك ويحسبه من زكاة ماله، قال -أحمد- لا يجزيه ذلك، ثم قال ابن قدامة معللاً ذلك: لأن الزكاة لحق الله تعالى، فلا يجوز صرفها إلى نفعه، ولا يجوز أن يحتسب الدين الذي له من الزكاة قبل قبضه، لأنه مأمور بأدائها وإيتائها وهذا إسقاط، والله أعلم " المغني 2/ 487. وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إسقاط الدين عن المعسر، هل يجوز أن يحسبه من الزكاة؟ فأجاب: " وأما إسقاط الدين عن المعسر فلا يجزئ عن زكاة العين بلا نزاع" الفتاوى 25/ 84. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: " وكان سفيان بن سعيد الثوري فيما حكوا عنه يكرهه ولا يراه مجزئاً - أي إسقاط الدين واحتسابه من الزكاة - فسألت عنه عبد الرحمن، فإذا هو على مثل رأي سفيان، ولا أدري لعله قد ذكره عن مالك أيضاً، وكذلك هو عندي غير مجزئ عن صاحبه، لخلال اجتمعت فيه: أما إحداها: فإن سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في الصدقة كانت على خلاف

حكم استثمار أموال الزكاة

هذا الفعل، لأنه إنما كان يأخذها من أعيان المال عن ظهر الأغنياء ثم يردها في الفقراء، وكذلك كانت الخلفاء بعده ولم يأتنا عن أحد منهم أنه أذن لأحد في احتساب دين من زكاة، وقد علمنا أن الناس قد كانوا يدانون به في دهرهم - أي يتداينون -. الثانية: أن هذا المال ثاوٍ - أي هالك أو ضائع - غير موجود قد خرج من يد صاحبه على معنى القرض والدين، ثم هو يريد تحويله بعد التواء إلى غيره بالنية، فهذا ليس بجائز في معاملات الناس بينهم حتى يقبض ذلك الدين ثم يستأنف الوجه الأخر فكيف يجوز فيما بين العباد وبين الله عز وجل. الثالثة: أني لا آمن أن يكون إنما أراد أن يقي ماله بهذا الدين قد يئس منه فيجعله ردءاً لماله يقيه به إذا كان منه يائساً .... وليس يقبل الله تبارك وتعالى إلا ما كان له خالصاً " الأموال ص533 - 534. وبهذا يظهر لنا أنه لا يجوز إسقاط الدين واحتسابه من الزكاة. حكم استثمار أموال الزكاة يقول السائل: هل يجوز للجان الزكاة أن تقوم بإستثمار أموال الزكاة في مشاريع إقتصادية تعود بالنفع على الفقراء والمساكين وبقية المستحقين للزكاة؟ الجواب: من المعلوم أن الزكاة واجبة على الفور، على الراجح من أقوال أهل العلم ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) سورة الأنعام/141. ويدل على ذلك أيضاً، ما ثبت في الحديث الصحيح عن عقبة بن الحارث - رضي الله عنه - قال: (صلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - العصر فأسرع ثم دخل بيته فلم يلبث أن خرج، فقلت له، أو قيل له، فقال: كنت خلَّفت في البيت تبراً من الصدقة فكرهت أن أبيَّته فقسمته) رواه البخاري.

وقال الإمام النووي: " قد ذكرنا أن مذهبنا أنها إذا وجبت الزكاة وتمكن من إخراجها، وجب الإخراج على الفور، فإن أخرها أثم، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء " المجموع 5/ 335 واستثمار أموال الزكاة فيما أرى أنه يتعارض مع الفورية في إيصال الزكاة إلى مستحقيها، ممن ذكرهم الله سبحانه وتعالى في آية مصارف الزكاة، لأن استثمار أموال الزكاة في المشاريع المختلفة يؤدي إلى انتظار أرباحها، وبالتالي يؤدي إلى تأخير توزيعها. كما أن استثمار أموال الزكاة قد يعرضها للخسارة، لأن التجارة والإستثمار تحتمل الربح والخسارة. كما وأنه يخشى على أموال الزكاة إذا استثمرت من الضياع إذا تولتها أيد غير أمينة، وخاصة أننا نعيش في مجتمع قد خربت فيه ذمم كثير من الناس وكثر فيه الطمع وقَّل فيه الورع. هذا هو الأصل في المسألة. وبالرغم مما قلت وبينت، إلا أنه يجوز في ظروف خاصة استثمار أموال الزكاة إذا توفرت بعض الشروط وهي: أولاً: أن يتم تغطية الحاجات المستعجلة للفقراء والمساكين وبقية المستحقين للزكاة، فإن فاضت أموال الزكاة وزادت عن سد الحاجات الأساسية للمستحقين لها - وما أظنها في مجتمعنا تفيض أو تزيد - فحينئذ يجوز استثمار أموال الزكاة، وأما إن لم تكف أموال الزكاة الحاجات الأساسية للمستحقين لها فلا يصح تأخير صرف الزكاة بحجة استثمارها. ثانياً: أن يتم استثمار أموال الزكاة في مجالات مشروعة، فلا يجوز استثمارها في البنوك الربوية مقابل الربا (الفائدة). ثالثاً: أن لا توضع أموال الزكاة في مشاريع استثمارية إلا بعد دراسة الجدوى الإقتصادية من تلك المشاريع، وأنه يغلب على الظن أن تكون رابحة بإذن الله.

رابعاً: أن يتولى الإشراف على استثمار أموال الزكاة أيد أمينة تقية زاهدة في تلك الأموال ومتبرعة بالعمل لله تعالى، انظر أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2/ 516 فما بعدها. خامساً: أن ينتفع من الأموال المستثمرة وأرباحها المستحقون للزكاة فقط. وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي جواز استثمار أموال الزكاة من حيث المبدأ، فقد جاء في القرار ما يلي: يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع مال الزكاة وتوزيعها على أن تكون بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر، مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 3 ج1/ 421. ومما يستأنس به لجواز استثمار أموال الزكاة، ما ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين أنهم كانوا يستثمرون أموال الصدقة من إبل وغنم، كما في قصة العرنيين الذين وفدوا على المدينة ثم مرضوا، فأمرهم الرسول- صلى الله عليه وسلم - أن يأتوا إبل صدقة فيشربوا ألبانها .... الخ) الحديث الشريف الذي رواه البخاري في صحيحه. وكذلك ورد في الحديث عن أنس بن مالك- رضي الله عنه - قال: (أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ فقال: بلى، حلسٌ نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، فقال: إئتني بهما، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بيده وقال: من يشتري هذين؟ فقال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهم قال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً، فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال: إشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوماً فأتني به، فشد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عوداً بيده ثم قال: إذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع،

فجاء وقد أصاب خمسة عشر درهماً فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: هذا خير لك أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، وإن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع) رواه أبو داود والبيهقي، وقال الشيخ الألباني: صحيح لشواهده، انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/ 350. وقاسوا استثمار أموال الزكاة على استثمار أموال الأيتام كما ورد في الحديث (ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة) رواه الترمذي والدارقطني والبيهقي وهو مرسل رجاله ثقات ويتقوى بما ورد عن الصحابة، وقال العراقي إسناده صحيح، انظر إرواء الغليل 3/ 260. وقالوا أيضاً: إن معنى سداد العيش الوارد في الحديث الشريف، يدل على أن سداد العيش المستثمر بعمل الفقير القادر على العمل في أموال الزكاة المستمرة أولى وأفضل من أن يعطى لفترة قصيرة ويعود مستحقاً " مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 3 ج1/ 372. وقالوا أيضاً: إن أموال الزكاة التي تصرف مباشرة على المستحقين، فإن هؤلاء المستحقين ينتفعون منها انتفاعاً آنياً، أما الأموال التي تستثمر في مشاريع فإن نفعها سيستمر ويعود النفع على المستحقين باستمرار، وإن عملية استثمار أموال الزكاة ما هي إلا من باب تنظيم صرف الزكاة. وخلاصة الأمر، فإن الأصل العام في هذه المسألة هو عدم جواز استثمار أموال الزكاة إلا في حالات خاصة وبالشروط التي ذكرتها، لأن الفورية في إيصال الزكاة لمستحقيها أمر واضح من الأدلة الشرعية، ولأن الزكاة شعيرة من شعائر الإسلام التي يجب المحافظة عليها محافظة تامة، ولا ينبغي فتح هذا الباب خشية أن يؤدي إلى ضياع حقوق المستحقين للزكاة وحتى لا يدخل من هذا الباب الطامعون في أموال الزكاة، فتضيع هذه الأموال بحجة الاستثمار. وأخيراً أؤكد على أنه بالنظر إلى حالة الفقر المنتشرة في بلادنا، بسبب الظروف التي نعيشها، فإني أعتقد أن أموال الزكاة التي تجمع، لا تفي

يصح إعطاء المتضررين من السيول والعواصف من الزكاة

بحاجات الفقراء والمساكين الأصلية حتى تقوم لجان الزكاة باستثمارها. يصح إعطاء المتضررين من السيول والعواصف من الزكاة يقول السائل: هل يجوز أن أعطي الناس الذين تضرروا بسبب العواصف والسيول من أموال الزكاة؟ الجواب: نعم يجوز أن يُعطى من مال الزكاة الذين تضرروا من السيول والعواصف، فخربت بيوتهم وتلفت مزارعهم ولم يعد لهم شيء، لأن هؤلاء يعتبرون من الغارمين وهم أحد مصارف الزكاة الثمانية المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة/60. والغارمون هم الذين ركبهم الدين ولا مال عندهم، كما قال الشيخ القرطبي في تفسيره 5/ 183. ويُعتبر من أصابتهم الكوارث الطبيعية من هذا الصنف، قال د. يوسف القرضاوي: " وأخَصُ من ينطبق عليه هذا الوصف - الغارمون - أولئك الذين فاجأتهم كوارث الحياة ونزلت بهم جوائح اجتاحت مالهم واضطرتهم إلى الإستدانة لأنفسهم وأهليهم. فعن مجاهد قال: ثلاثة من الغارمين، رجل ذهب السيل بماله، ورجل أصابه حريق فذهب بماله، ورجل له عيال وليس له مال فهو يدان وينفق على عياله " رواه ابن أبي شيبة في المصنف 3/ 207، وانظر فقه الزكاة 2/ 623. ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، قال: ثم قال: (يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم

تعجيل الزكاة

يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش فما سواهن في المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) صحيح مسلم 3/ 109 - 110. والحمالة هي ما يتحمله عن غيره من دية أو غرامة، والجائحة هي الآفة المهلكة للثمار والأموال. قال صاحب عون المعبود: " من أصاب ماله آفة سماوية أو أرضية كالبرد والغرق ونحوه بحيث لم يبق له ما يقوم بعيشه حلت له المسألة حتى يحصل له ما يقوم بحاله ويسد خلته " عون المعبود 3/ 36. ويدل على دخول هؤلاء في الغارمين فتجوز لهم المسألة ويعطون من الزكاة ما ورد في الحديث"عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله إنا قوم نتساءَل أموالنا، قال: (يتساءَل الرجل في الجائحة والفتق ليصلح به بين قومه فإذا بلغ أو كرب استعف) رواه أحمد وذكره الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات، مجمع الزوائد 3/ 100. وقوله نتساءَل، أي يسأل بعضنا بعضاً في الأموال، وقوله والفتق أي الحرب تكون بين القوم تقع فيها الجراحات والدماء، وقوله فإذا بلغ أو كرب، أي فإذا بلغ مقصده بالسؤال أو قارب ذلك استعف " الفتح الرباني 9/ 67. تعجيل الزكاة يقول السائل: إن له قريباً فقيراً وبحاجة ماسة إلى المال، وقد أخرجت زكاة مالي لهذه السنة، فهل يجوز لي أن أعطي قريبي من زكاة مالي عن السنة القادمة؟

الجواب: يجوز تعجيل زكاة الأموال التي يشترط لها الحول قبل حلول الحول، على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول الحسن البصري وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي والحنفية والشافعية والحنابلة، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم ابن سلام وغيرهم، انظر المغني 2/ 470، ويدل على ذلك أحاديث منها: - عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (أن العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سأل الرسول عليه الصلاة والسلام في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخص له في ذلك) رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما. وقال الإمام النووي: " وإسناده حسن " المجموع 6/ 145، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن، صحيح سنن الترمذي 1/ 207. - وعن علي أيضاً، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر بن الخطاب: (إنا أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام) رواه أبو داود والترمذي، وقال الشيخ الألباني: حسن أيضاً صحيح سنن الترمذي 1/ 207، - وفي رواية أخرى عن علي أيضاً، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنا كنا احتجنا فاستسلفنا من العباس صدقة عامين) قال البيهقي: وهذا مرسل. قال الإمام النووي بعد أن ذكر الأدلة على جواز تعجيل الزكاة: " إذا عرفت هذا، حصل الاستدلال على جواز التعجيل من مجموع ما ذكرنا، وقد قدمنا في أول هذا الشرح أن الشافعي يحتج بالحديث المرسل إذا اعتضد بأحد أربعة أمور، وهي أن يسند من جهة أخرى أو يرسل، أو يقول بعض الصحابة أو أكثر العلماء به فمتى وجد واحد من هذه الأربعة جاز الاحتجاج به، وقد وجد في هذا الحديث المذكور عن علي - رضي الله عنه -، بأنه روي في الصحيحين معناه من حديث أبي هريرة السابق وروى هو أيضاً مرسلاً ومتصلاً كما سبق، وقال به من الصحابة ابن عمر، وقال به أكثر العلماء كما نقله الترمذي، فحصلت الدلائل المتظاهرة على صحة الاحتجاج به، والله أعلم " المجموع 6/ 146. وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه الإمام النووي، هو ما رواه

البخاري ومسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله رسوله، وأما خالد، فإنكم تظلمون خالداً فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس بن عبد المطلب، فعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهي عليه صدقة ومثلها معها). وفي رواية أخرى: (وأما العباس فهي عَلَيَّ ومثلها معها) رواه مسلم. وقد اختلف أهل العلم في المراد بكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حق صدقة العباس على أقوال منها ما قاله الحافظ ابن حجر: " وقيل معنى قوله (عَلَيَّ) أي هي عندي قرض، لأنني استلفت منه صدقة عامين، وقد ورد ذلك صريحاً بما أخرجه الترمذي وغيره من حديث علي "، - ثم ذكر الروايات الواردة في تعجيل العباس صدقته وبين حال إسنادها - ثم قال: " .... وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق، والله أعلم " فتح الباري 4/ 76. قال الشيخ الألباني: " قلت: وهو الذي نجزم به لصحة سندها مرسلاً وهذه شواهد لم يشتد ضعفها فهو يتقوى بها ويرتقي إلى درجة الحسن على أقل الأحوال" إرواء الغليل 3/ 49. وقال الإمام النووي في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فهي عليَّ ومثلها معها) " والصواب أن معناه تعجلتها منه وقد جاء في حديث آخر في غير مسلم (إنا تعجلنا منه صدقة عامين) شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 49. ومما يدل على جواز تعجيل الزكاة، ما ورد في جواز تعجيل صدقة الفطر قبل وقت الوجوب، كما هو مذهب جمهور أهل العلم، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، (أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة) رواه مالك في الموطأ والبيهقي في السنن وغيرهما. ومما احتج به العلماء على جواز تعجيل الزكاة قبل حلول الحول،

لا يصح تأخير صرف الزكاة لمستحقيها

قياس ذلك على جواز الكفارة قبل الحنث، لما ثبت في أحاديث كثيرة منها، قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير) رواه مسلم. وقد أجاز الحنفية تعجيل زكاة سنوات كثيرة، وأجاز الحسن البصري أن يعجلها لثلاث سنوات فقد روى أبو عبيد بإسناده عن حفص بن سليمان قال: " قلت للحسن: أأخرج زكاة ثلاثة أعوام ضربة - أي دفعة واحدة - فلم ير بذلك بأساً " الأموال ص703. والأولى هو ألا يزيد التعجيل عن حولين، لأنه هو الذي وردت به النصوص. لا يصح تأخير صرف الزكاة لمستحقيها يقول السائل: هل يجوز تأخير صرف الزكاة لمستحقيها، كأن تبقى أموال الزكاة لدى الموكَل بتوزيعها لمدة سنة أو سنتين ويقوم بتوزيعها على الفقراء بالتقسيط؟ الجواب: يرى جمهور الفقهاء أن الزكاة واجبة على الفور، فلا ينبغي تأخيرها إذا وجبت هذا في حق من وجبت عليه الزكاة، ومن باب أولى في حق من هو موكل بتوزيعها على المستحقين ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) سورة الأنعام/141، وهذه الآية في زكاة الزروع ويلحق بها غيرها. فالله سبحانه وتعالى أمر بإيتاء الزكاة، فمتى وجبت الزكاة في مال فيجب المبادرة إلى إخراجها وتوزيعها على مستحقيها، ولأنه لو جاز التأخير لجاز إلى غير غاية فتنتفي العقوبة على الترك، ولأن حاجة الفقراء والمساكين ناجزة وحقهم في الزكاة ثابت، فيكون تأخيرها منعاً لحقهم في وقته. وسُئل الإمام أحمد عن الرجل إذا ابتدأ في إخراج الزكاة فجعل

يخرجها أولاً فأولاً؟ فقال: " لا بل يخرجها كلها إن حال الحول ". وقال الإمام أحمد: " لا يجري على أقاربه من الزكاة في كل شهر يعني لا يؤخر إخراجها حتى يدفعها إليهم متفرقة في كل شهر شيئاً " المغني 2/ 510، الموسوعة الفقهية 23/ 295. ومما يدل على وجوب إخراج الزكاة على الفور والمبادرة إلى توزيعها على المستحقين عموم النصوص المرغبة في المبادرة إلى الطاعات كما في قوله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) سورة البقرة/148. وقوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) سورة آل عمران/133. ومما يدل على المبادرة في إخراج الزكاة وإيصالها إلى مستحقيها، ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عقبة بن الحارث - رضي الله عنه - قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر فأسرع ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج فقلت أو قيل له، فقال: كنت خلَّفت في البيت تبراً من الصدقة فكرهت أن أبيِّته فقسمته)، فانظر أخي المسلم يارعاك الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره أن يبيّت عنده شيء من مال الصدقة فسارع إلى قسمته وإعطائه لمستحقيه. وقال ابن بطال معلقاً على الحديث السابق: " فيه أن الخير ينبغي أن يُبادَر به، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود " فتح الباري 4/ 41. وقال الحافظ ابن حجر: " وزاد غيره - أي غير ابن بطال - وهو أخلص للذمة وأنقى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب " فتح الباري 4/ 41. وبناءً على ما تقدم، فلا يجوز شرعاً تأخير إخراج الزكاة أو تأخير توزيعها من الشخص أو الجهة الموكلة بتوزيعها، ومن يؤخرها بدون عذر شرعي فهو آثم. قال الإمام النووي: " قد ذكرنا أن مذهبنا أنها إذا وجبت الزكاة وتمكن

تقدير نصاب زكاة النقود بالذهب

من إخراجها، وجب الإخراج على الفور فإن أخرها أثم، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء " المجموع 5/ 335. فلذلك ننصح لجان الزكاة والقائمين على توزيع الزكاة، أنهم إذا جمعوا الزكاة فالواجب عليهم أن يبادروا إلى توزيعها على مستحقيها، ولا يؤخروها إلا لمدة يسيرة ولعذر مقبول، كأن تؤخر لتدفع إلى فقير غائب أشد حاجة وفقراً من الحاضرين. وعلى كل حال فالتأخير المسموح به هو التأخير اليسير، قال العلامة الدكتور القرضاوي: " وعندي أنه لا ينبغي العدول عن ظاهر ما جاء عن فقهاء المذاهب، وإن كان التسامح في يوم أو يومين بل أياماً أمراً ممكناً جرياً على قاعدة اليسر ورفع الحرج، أما التسامح في شهر أو شهرين بل أكثر إلى ما دون العام .... فلا يصح اعتباره حتى لا يتهاون الناس في الفورية الواجبة " فقه الزكاة 2/ 830. تقدير نصاب زكاة النقود بالذهب يقول السائل: لماذا يقدر نصاب النقود في الزكاة بالذهب دون الفضة، مع أن تقديره بالفضة يكون لمصلحة للفقير؟ الجواب: إن الزكاة فريضة على الأغنياء، وترد على الفقراء كما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن فقال: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني وسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم .... ) رواه البخاري. وجاء في حديث آخر أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إنما الصدقة عن ظهر غنى) رواه أحمد وإسناده صحيح.

والغنى الذي يوجب الزكاة عند الفقهاء، هو ملك النصاب، والمقصود بالنصاب هنا، عشرون ديناراً ذهباً، وتعادل خمسة وثمانين غراماً من الذهب، أو مئتا درهم من الفضة وتعادل خمسمئة وخمسة وتسعون غراماً من الفضة. ومن المعلوم أن مقدار النصاب من الذهب - عشرون ديناراً - كانت تساوي مقدار نصاب الفضة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن سعر الفضة أخذ في الهبوط بعد ذلك العهد إلى أن صار الفرق بين النصابين كبير جداً بينما بقي الذهب محافظاً على سعره إلى وقتنا الحاضر مع اختلاف يسير حيث إن القوة الشرائية للذهب في زمن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كانت تساوي (100% - 120%) مما هي عليه الآن لا أكثر، انظر مجلة المجمع الفقهي 5/ 3/1679. ونظراً للهبوط الكبير في سعر الفضة، رأى كثير من العلماء، أن تقدير النصاب في الزكاة بالذهب هو الصحيح، نظراً لثبات سعر الذهب دون الفضة. قال د. يوسف القرضاوي مرجحاً هذا القول: " ويبدو لي أن هذا القول سليم الوجهة قوي الحجة، فبالمقارنة بين الأنصبة المذكورة في أموال الزكاة، كخمس من الإبل أو أربعين من الغنم أو خمسة أوسق من الزبيب أو التمر، تجد أن الذي يقاربها في عصرنا الحاضر، هو نصاب الذهب لا نصاب الفضة " فقه الزكاة 1/ 264. ويقول د. وهبة الزحيلي: " ويجب اعتبار النصاب الحالي كما هو كان في أصل الشرع دون النظر إلى تفاوت السعر القائم بين الذهب والفضة، وتقدر الأوراق النقدية بسعر الذهب، ولأنه هو الأصل في التعامل، ولأن غطاء النقود هو بالذهب، ولأن المثقال كان في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعند أهل مكة هو أساس العملة .... " الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 760. وقال د. محمد الأشقر: " وقد مال في هذا العصر بعض الفقهاء في هذا العصر إلى الرجوع إلى التقويم في عروض التجارة والنقود الورقية إلى

نصاب الذهب خاصة، ولذلك وجه بيّن، وهو ثبات القدرة الشرائية للذهب فإن نصاب الذهب - العشرين ديناراً - كان يشترى بها في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرون شاة من شياه الحجاز تقريباً وكذلك نصاب الفضة - المئتا درهم - كان يُشتَرى بها عشرون شاةً تقريباً أيضاً، أما في عصرنا الحاضر فلا تكفي قيمة مئتي درهم من الفضة إلا لشراء شاة واحدة، بينما العشرون مثقالاً من الذهب تكفي الآن لشراء عشرين شاة من شياه الحجاز أو أقل قليلاً فهذا الثبات في قوة الذهب الشرائية تتحقق به حكمة تقدير النصاب على الوجه الأكمل، بخلاف نصاب الفضة " أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 1/ 30. والله الهادي إلى سواء السبيل

الصيام

الصيام

النية في الصيام

النية في الصيام يقول السائل: كيف تكون النية في الصيام، وما الحكم لو نوى الصائم أثناء النهار قطع الصوم ولكنه لم يفعل ما يفطره فعلاً؟ الجواب: النية فرض من فرائض العبادة، سواء أكانت العبادة صلاةً أو صياماً أو حجاً أو غيرها، وقد ثبت في الحديث الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) رواه البخاري وغيره. والصوم لا بد فيه من نية، فلا يصح الصوم بدون نية، سواء أكان الصوم فرضاً أو نفلاً أو قضاءً، وإن اختلف أهل العلم في وقت النية في أنواع الصيام المذكورة، وبالنسبة لصوم رمضان، فالراجح من أقوال أهل العلم أنه لا بد من تبييت النية، أي لابد أن ينوي المسلم الصيام قبل طلوع الفجر، ويدل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن أخته حفصة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صوم له) رواه أبو داود وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي وغيرهم، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ المحدث الألباني، انظر إرواء الغليل 4/ 25. ومعنى (يجمع) في الحديث أي يعزم، أي لا بد لمن أراد الصوم أن يعزم على الصيام خلال الليل، ويكون ذلك من وقت المغرب إلى طلوع الفجر، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا القول المرجح: " إنه أوسط

أقوال أهل العلم في المسألة "، انظر مجموع الفتاوى 25/ 120. وكما قلت فإن المقصود من النية العزم على الصوم، وليس المراد أن يتلفظ بالنية، كأن يقول بلسانه " نويت أن أصوم يوم غدٍ من شهر رمضان " أو نحو ذلك من العبارات فإن التلفظ بالنية بدعة لا أصل له في الشرع، لأن النية من عمل القلب وليست من عمل اللسان، وقد اتفق معظم العلماء على أن محل النية القلب والتلفظ بها بدعة لأن ذلك لم ينقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه علّم أصحابه التلفظ بالنية، ولا أمر به أحداً منهم فلو كان ذلك مشروعاً لبينه عليه الصلاة والسلام إما بالقول أو بالفعل أو بهما وكل ذلك لم يكن. وينبغي أن يعلم أن كل يوم من أيام رمضان يحتاج إلى نية مستقلة، على الراجح من أقوال أهل العلم لأن كل يوم من أيام رمضان عبادة مستقلة، وهذا بخلاف قول الإمام مالك أنه تجزئ نية واحدة لجميع شهر رمضان. قال الشيخ ابن قدامة مستدلاً للقول الراجح: " ولنا أنه صومٌ واجبٌ، فوجب أن ينوي كل يومٍ من ليلته كالقضاء، ولأن هذه الأيام عباداتٌ لا يفسد بعضها بفساد بعض ويتخللها ما ينافيها .... " المغني 4/ 111. وأما مسألة لو نوى الصائم في نهار رمضان قطع الصيام ولم يأكل ولم يشرب ولم يأت شهوته، فإن المسألة خلافية بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن من نوى الإفطار فقد أفطر وإن لم يأكل ولم يشرب، لأن الصوم عبادةٌ من شرطها النية، فيفسد الصوم بنية الخروج منه. ومن أهل العلم من يرى أن من نوى الفطر لا يفطر، لأنه لم يفعل ما يوجب الفطر، وهذا القول هو الذي أختاره وأرجحه، وهو قول الحنفية والأصح عند الشافعية، كما قال الإمام النووي في المجموع 3/ 285. وقاسوا ذلك على من نوى الكلام في صلاته ولم يتكلم فصلاته صحيحة ولأن الصوم ملحق بالتروك، انظر الموسوعة الفقهية 28/ 27.

المسائل الطبية في الصيام

المسائل الطبية في الصيام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. فهذه مجموعة من الأسئلة التي تتعلق بأمور طبية وعلاقتها بالصيام، أجبت عليها على وجه الإختصار، وقبل الشروع فيها أود أن أبين قضية هامة تتعلق بالمفطرات في رمضان فأقول: من المعلوم أن المفطرات المتفق عليها بين أهل العلم، هي الطعام والشراب والشهوة ويدل على ذلك قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) سورة البقرة/187. ويضاف للمفطرات الثلاثة ما اتفق عليه أهل العلم على أنه مفطر، مما هو في حكم الطعام والشراب، كالتدخين وتعاطي الأدوية عن طريق الفم وهو المنفذ الطبيعي للطعام والشراب، فما كان طعاماً أو شراباً ودخل من المدخل الطبيعي، فلا شك أنه يفطّر الصائم، وقد اجتهد فقهاء الإسلام في الأمور المفطرة للصائم، وذكروا أشياء كثيرة من المفطرات حتى صارت كتب الفقه طافحة بها على اختلاف في المذاهب في كل منها هل يعد مفطراً أم لا؟ والصحيح الذي أطمئن إليه وتؤيده الأدلة، أن كثيراً مما عدّه الفقهاء من المفطرات ليس كذلك، ولم تقم الأدلة الصحيحة على اعتباره مفطراً للصائم، وأنا أميل إلى التضييق في المفطرات وعدم التوسع فيها، لعدم ثبوت الأدلة على صحة ما عده كثير من الفقهاء من المفطرات أنه مفطر فعلاً، فمثلاً قال بعض الفقهاء إن مجرد دخول أي شيء إلى الجسم يعد مفطراً بغض النظر من أين دخل، فمثلاً إذا احتقن الصائم بدواء فإنه يفطر

بل قال بعضهم إذا استنجى الصائم فأدخل إصبعه في دبره أفطر، وإذا اكتحل أفطر .. الخ، وهذا الكلام غير مسلّم به وغير مقبول لماذا؟ لأن الصيام مما يبتلى به عامة الناس في دين الإسلام ولو كانت مثل هذه الأمور مفسدة للصوم لبينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بياناً عاماً مفصلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله: " وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة، فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، ومنهم من فطر بالجميع لا بالكحل، ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير، ومنهم من لم يفطر بالكحل ولا بالتقطير ويفطر بما سوى ذلك، والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك، لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة، كما بلغوا سائر شرعه فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً، عُلم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك " مجموع الفتاوى 25/ 233 - 234. وقال أيضاً: " إن الأحكام التي تحتاج الأمة معرفتها لا بد أن يبينها الرسول بياناً عاماً ولا بد أن تنقلها الأمة، فإذا انتفى هذا عُلم أن هذا ليس من دينه .... وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها - صلى الله عليه وسلم - بياناً عاماً، ولا بد أن تنقل الأمة، فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والإغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما بين الإفطار بغيره .... " مجموع الفتاوى 25/ 236 - 242. وقال ابن حزم: " إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي، وما علمنا أكلاً ولا شرباً يكون على دبر أو إحليل أو أذن أو عين أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس، وما نهينا قط أن نوصل إلى الجوف بغير الأكل والشرب ما لم يحرم علينا إيصاله " المحلى 4/ 348.

إذا تقرر ما قلت: فهذه هي الأسئلة وإجاباتها: 1 - ما هو تأثير الحقن على الصيام؟ الجواب: إن الحقن التي تعطى للمريض على نوعين: الحقن التي يقصد بها الدواء، وليست للتغذية فهذه لا تفطر الصائم، سواءً كانت في العضل أو في الوريد أو كانت في الشرج. الحقن التي يقصد بها الغذاء فهذه مفطرة لأنها في معنى الطعام والشراب. 2 - هل التحاميل تبطل الصوم؟ الجواب: التحاميل إن كانت علاجية ولا يقصد بها الغذاء، فلا تبطل الصيام، وإن كانت للتغذية فهي مبطلة للصوم. 3 - هل الحبوب التي توضع تحت اللسان تبطل الصوم؟ الجواب: هذه الحبوب التي توضع تحت اللسان تفطر الصائم. 4 - هل المراهم تبطل الصوم؟ الجواب: المراهم التي تدهن بها الأعضاء المريضة لا تبطل الصوم. 5 - هل القطرة تفطر الصائم؟ الجواب: القطرات سواء أكانت عن طريق الأذن أو العين أو الأنف لا تفطر الصائم لأنها ليست طعاماً ولا شراباً ولا تدخل إلى الجوف من المدخل الطبيعي للطعام والشراب، وهو الفم. 6 - هل البخاخ الذي يستعمله بعض المرضى لتوسيع الشرايين يفسد الصيام؟ الجواب: إن البخاخ المذكور سائل يستعمل لتوسيع شرايين الرئتين عند ضيق التنفس ولا يصل إلى المعدة عند استعماله كما قال بعض الأطباء وبناءً عليه لا يفسد الصيام.

7 - هل الدواء الذي يؤخذ للغرغرة في الفم يبطل الصيام؟ الجواب: لا يبطل الصوم بدواء الغرغرة طالما لم يبتلعه المريض، فإذا ابتلعه المريض بطل صيامه. 8 - هل الدواء الذي يعطى للمريض عن طريق التبخير، ويقوم المريض باستنشاقه يفسد الصوم؟ الجواب: الذي يظهر لي أنه غير مبطل للصوم. 9 - هل استخدام الأكسجين يبطل الصيام؟ الجواب: الأكسجين المذكور لا يبطل الصيام، لأنه ليس بطعام ولا شراب بل هو من مكونات الهواء الذي نتنفسه. 10 - هل سحب الدم يفطر الصائم؟ الجواب: سحب الدم لا يفطر الصائم. 11 - إذا أصيب الإنسان بنزيف وهو صائم هل يبطل صومه؟ الجواب: إن خروج الدم من الإنسان سواء كان من الفم أو الأنف أو الوجه أو الرأس لا يؤثر على الصيام، إلا إذا دخل الدم في الجوف، كمن خلع ضرسه فنزل الدم إلى جوفه فهذا يبطل الصوم وما عداه فلا. 12 - هل الفحص المهبلي للمرأة يبطل الصيام؟ الجواب: لا يبطل الصوم بالفحص المهبلي للمرأة. 13 - هل الفحص الشرجي للمريض يبطل الصوم؟ الجواب: لا يبطل الصيام بالفحص الشرجي. 14 - هل التدخين يبطل الصيام؟ الجواب: نعم اتفق أهل العلم المعاصرون وغيرهم، على أن التدخين يبطل الصيام. 15 - إذا استنشق الصائم الدخان دون أن يدخن، كأن يجلس في

مكان فيه مدخنون فهل يبطل صومه؟ الجواب: لا يبطل صومه إن شاء الله، ولا ينبغي للصائم أن يجالس المفطرين في رمضان باختياره. 16 - هل يجوز للمرأة استعمال أدوية لتأخير الحيض من أجل أن تصوم رمضان كله؟ الجواب: يجوز ذلك وإن كان الأولى أن تترك المرأة الأمور على طبيعتها، لأن الحيض شيء كتبه الله على النساء، فلا تتناول هذه الحبوب، وإن تناولتها فينبغي أخذ رأي الأطباء في أنه لا يلحق المرأة أذى من تناول هذه الحبوب. 17 - هل يجوز للصائم استعمال فرشاة الأسنان والمعجون أثناء الصيام؟ الجواب: ينبغي للصائم إن أراد استعمال فرشاة الأسنان والمعجون أن يستعملها قبل طلوع الفجر، أو بعد الإفطار، فهذا هو الأفضل والأحوط، وإن استعملهما أثناء النهار فلا بأس، بشرط أن لا يبتلع شيئاً من ذلك، فإن ابتلع شيئاً من ذلك فقد بطل صومه. 18 - هل القيء يبطل الصوم؟ الجواب: إذا خرج القيء من الصائم رغماً عنه فصومه صحيح، وأما إن استقاء بأن سعى في الإستفراغ فقد بطل صومه وعليه القضاء. 19 - هل يجوز للمرضع والحامل أن تفطرا في رمضان؟ الجواب: إذا استطاعت الحامل والمرضع الصوم دون أن يلحقهما ضرر فهو المطلوب، وإلا يجوز لهما الإفطار وتقضيا ما عليهما من صيام. والله الهادي إلى سواء السبيل

الأيمان

الأيمان

إبرار المقسم

إبرار المقسم يقول السائل: حلف شخصٌ يميناً عليَّ أن أفعل فعلاً معيناً، ووقعت في الحرج لأنه حلف عليَّ ولم يكن لي رغبة أن أفعل ما حلف، فماذا يترتب عليَّ؟ الجواب: تسمى هذه المسألة عند أهل العلم مسألة إبرار المقسم، وهي أن تفعل ما أراده الحالف لتصير بذلك باراً بيمينه، وهذه المسألة فيها تفصيل عند العلماء: 1 - فإذا حلف شخصٌ على آخر أن يفعل أمراً واجباً كأن يصلي الظهر مثلاً، فعلى المحلوف عليه أن يبر بيمين الحالف، وكذلك إذا حلف عليه أن يترك معصية فيجب عليه أن يبر بيمينه. 2 - وأما إذا حلف شخصٌ على آخر أن يترك واجباً أو أن يفعل معصية، فيجب على المحلوف عليه أن يحنث بيمين الحالف لأنه لا طاعة إلا في المعروف، لما ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: (لا طاعة في معصية الله) رواه البخاري ومسلم. 3 - أما إذا حلف شخصٌ على آخر أن يفعل أمراً مباحاً أو مندوباً إليه، فيندب إبرار المقسم في هذه الحالة، كمن حلف على آخر أن يتغدى عنده في بيته، فيندب إبرار المقسم، وقد ثبت في الحديث عن البراء بن

عازب - رضي الله عنه - قال: (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وإبرار القسم أو المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام، ونهانا عن خواتيم الذهب أو أن نتختم بالذهب وعن شربٍ بالفضة وعن المياثر وعن القسي وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم. قال الإمام النووي: " وأما إبرار المقسم فهو سنة أيضاً مستحبة متأكدة، وإنما يندب إليه إذا لم يكن فيه مفسدة أو ضرر أو نحو ذلك، فإن كان شيءٌ من هذا لم يبر قسمه كما ثبت أن أبا بكر - رضي الله عنه - لما عبر الرؤيا بحضرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) فقال أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني، فقال: (لا تقسم ولم يخبره) " شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 32. وقال الشوكاني مبيناً الأمر بإبرار المقسم ليس على سبيل الوجوب: " قوله (وإبرار المقسم) ظاهر الأمر الوجوب واقترانه ببعض ما هو متفق على عدم وجوبه كإفشاء السلام، قرينة صارفة عن الوجوب، وعدم إبراره - صلى الله عليه وسلم - لقسم أبي بكر وإن كان خلاف الأحسن لكونه - صلى الله عليه وسلم - فعله لبيان عدم الوجوب .... " نيل الأوطار 8/ 262. وقد ثبت في أحاديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبر المقسم كما في الحديث الشريف (أن ابنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إليه، ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسامة وسعد وأبيّ، أن ابني قد احتضر فاشهدنا، فأرسل يقرأ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وما أعطى وكل شيء عنده مسمى، فلتصبر وتحتسب، فأرسلت إليه وتقسم عليه، فقام وقمنا معه، فلما قعد رفع إليه فأقعده في حجره ونفس الصبي تقعقع، ففاضت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري: (تقسم عليه ليأتينها) فبرَّ النبي- صلى الله عليه وسلم - بقسم ابنته فذهب إليها.

وجاء في الحديث عن مجاهد قال: (كان رجل من المهاجرين يقال له عبد الرحمن بن صفوان وكان له بلاء في الإسلام حسن وكان صديقاً للعباس، فلما كان فتح مكة، جاء بأبيه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله بايعه على الهجرة فأبى وقال: إنها لا هجرة فانطلق إلى العباس وهو في السقاية فقال: يا أبا الفضل، أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي يبايعه على الهجرة فأبى، قال: فقام العباس معه وما عليه رداء، قال: فقال يا رسول الله، قد عرفت ما بيني وبين فلان وأتاك بأبيه لتبايعه على الهجرة فأبيت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إنها لا هجرة، فقال العباس: أقسمت عليك لتبايعنه، قال: فبسط رسول الله يده، قال: فقال له: هات أبررت قسم عمي ولا هجرة) رواه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة، وفي سنده ضعف. وذكر الشيخ ابن قدامة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبرَّ قسم عمه العباس وأجابه إلى صورة ما أقسم عليه دون معناه حقيقةً لتعذر المعنى الحقيقي " انظر المغني 9/ 535. وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أهدت إليها امرأة تمراً في طبق فأكلت بعضاً وبقي بعض فقالت: أقسمت عليك إلا أكلت بقيته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبريها، فإن الإثم على المحنث) رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد 4/ 183. والمحنث هو المتسبب في الحنث فيكون الإثم عليه. وجاء في الحديث عن أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرَّته، وإن أقسم عليها أبرَّته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله) رواه ابن ماجة. وعن أبي حازم أن (ابن عمر مرَّ على رجل ومعه غنيمات له فقال: بكم تبع غنمك هذه بكذا وكذا، فحلف ألا يبيعها، فانطلق ابن عمر فقضى حاجته فمر عليه فقال: يا أبا عبد الرحمن خذها بالذي أعطيتني، قال: حلفت على يمين فلم أكن لأعين الشيطان عليك وأن أحنثك) رواه الطبراني

حكم وضع الحالف يده على المصحف الشريف

في الكبير ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي، مجمع الزوائد 4/ 183. فبرَّ ابن عمر بيمين الرجل. وأخيراً أقول: إن هذا الذي أقسم عليك أن تفعل أمراً معيناً إن كان هذا الأمر مباحاً وجائزاً فينبغي عليك أن تبرَّ بيمينه لما ذكرت من الأدلة وإذا لم تبر بيمينه فعلى الحالف كفارة يمين. حكم وضع الحالف يده على المصحف الشريف يقول السائل: هل يشترط لصحة حلف اليمين بالله سبحانه وتعالى أن يضع الحالف يده على المصحف؟ الجواب: لا يشترط لصحة حلف اليمين بالله تعالى أن يضع الحالف يده على المصحف، فإن اليمين المشروع يكون بمجرد التلفظ باليمين فقط. ومن العلماء من يرى أن وضع اليد على المصحف أو وضع المصحف أمام الحالف أو في حجره، من باب تغليظ اليمين على الحالف، وتغليظ اليمين قال به جمهور الفقهاء ويكون ذلك في القضايا المهمة كقضايا الدماء والأموال الكثيرة ونحوها. وتغليظ الأيمان له أصل مشروع في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. أما من كتاب الله فقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنْ الآثِمِينَ) سورة المائدة /106. قال القرطبي: " هذه الآية أصل في التغليظ في الأيمان " تفسير القرطبي 6/ 353.

وتغليظ اليمين يكون بأمور: منها التغليظ في الزمان ومنه الحلف بعد صلاة العصر، وهو المذكور في الآية كما قال المفسرون، قال القرطبي: " قوله تعالى (من بعد الصلاة) يريد صلاة العصر، قاله الأكثر من العلماء، لأن أهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ويتجنبون فيه الكذب واليمين الكاذبة " تفسير القرطبي 6/ 353. وثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً بسلعةٍ، لا يبايعه إلا للدنيا، فإن أعطاه ما يريد وفّى وإلا، لم يف له، ورجل ساوم رجلاً بسلعةٍ بعد العصر، فحلف بالله لقد أعطى كذا وكذا فأخذها) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر: " قال المهلب: إنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الوقت بتعظيم الإثم على من حلف فيه كاذباً لشهود ملائكة الليل والنهار ذلك الوقت، انتهى. وفيه نظر لأن بعد صلاة الصبح يشاركه في شهود الملائكة ولم يأت فيه ما أتى في وقت العصر ويمكن أن يكون اختص بذلك لكونه وقت ارتفاع الأعمال " فتح الباري 6/ 212. ونقل الحافظ ابن حجر عن الخطابي قوله: " خُص وقت العصر بتعظيم الإثم فيه وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل وقت، لأن الله عظم شأن هذا الوقت بأن جعل الملائكة تجتمع فيه، وهو وقت ختام الأعمال، والأمور بخواتيمها، فغلظت العقوبة فيه لئلا يقدم عليها تجرؤاً، فإن من تجرأ عليها فيه، إعتادها في غيره، وكان السلف يحلفون بعد العصر، وجاء ذلك في الحديث أيضاً " فتح الباري 16/ 329. ومنها التغليظ في المكان، كالمسجد والمنبر، فقد ورد في الحديث، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة، ولو على سواك أخضر، إلا تبوأ مقعده من النار) رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان

والحاكم وغيرهم كما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح 6/ 213. وورد في الحديث عن أبي أمامة بن ثعلبة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئٍ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً) رواه النسائي، ورجاله ثقات، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح 6/ 213. ويرى الشافعية والمالكية، أن اليمين المغلظة، تكون في مكة المكرمة بين الركن والمقام وفي المدينة المنورة عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي بقية البلاد تكون في المسجد عند المنبر، قياساً على العمل من الخلف والسلف بالمدينة عند قبر النبي- صلى الله عليه وسلم -، كما قال ابن عبد البر في الإستذكار 22/ 90. ومنها التغليظ في حال الحالف، كأن يكون قائماً مستقبل القبلة. ومنها التغليظ في اللفظ، كأن يقول الحالف: أقسم بالله الذي لا إله إلا هو، ما له عندي حق، أو يقول: أحلف بالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ونحو ذلك. ومن هذا الباب ذكر بعض فقهاء الشافعية الحلف بالمصحف، ونُقل عن بعض السلف التحليف على المصحف. ولكن الصحيح أن الحلف على المصحف لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو بدعة كما قال ابن العربي المالكي: " وهو بدعة ما ذكرها أحد قط من الصحابة " أحكام القرآن 2/ 725. وقال ابن المنذر: "وأجمعوا على أنه لا ينبغي للحاكم أن يستحلف بالطلاق والعتاق والمصحف الشريف " تفسير القرطبي 6/ 354. وقال ابن قدامة: " قال ابن المنذر: ولم نجد أحداً يوجب اليمين بالمصحف. وقال الشافعي: رأيتهم يؤكدون بالمصحف، ورأيت ابن مازن وهو قاضي بصنعاء يغلظ اليمين بمصحف.

تعجيل العقوبة في الدنيا للحالف كاذبا

قال أصحابه: - أي أصحاب الشافعي - فيغلظ عليه بإحضار المصحف، لأنه يشتمل على كلام الله تعالى وأسمائه. قال ابن قدامة: " وهذا زيادة على ما أمر به رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في اليمين، وفعله الخلفاء الراشدون وقضاتهم من غير دليل ولا حجة يستند إليها، ولا يترك فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لفعل ابن مازن ولا لغيره " المغني 10/ 207. تعجيل العقوبة في الدنيا للحالف كاذباً يقول السائل: سمعت أنه من حلف يميناً يتعمد الكذب فيها، أن الله يعجل له العقوبة في الدنيا، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن اليمين الكاذبة المتعمدة، والتي تؤكل بها أموال الناس وحقوقهم، من الكبائر ومن الأسباب الموجبة لدخول النار والعياذ بالله وعلى ذلك تدل الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة آل عمران /77. ففي هذه الآية عقوبات لمن يحلف كاذباً متعمداً، ليأكل حقوق الناس وهي: 1. لا حظ له في الآخرة ولا نصيب له من رحمة الله. 2. لا يكلمه الله سبحانه وتعالى كلام أنس ولطف. 3. يعرض الله عنه يوم القيامة، فلا ينظر إليه بعين الرحمة. 4. لا يطهر من الأوزار والذنوب. 5. يعذبه الله عذاباً أليماً على ما ارتكب من المعاصي.

ومنها ما ثبت في الحديث، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حلف على يمين وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئٍ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح. ومنها ما ثبت في الحديث، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يقتطع رجل حق امرئٍ مسلمٍ بيمينه، إلا حرّم الله عليه الجنة، وأوجب عليه النار، فقال رجل من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً، قال عليه الصلاة والسلام: وإن كان سواكاً من أراك) رواه ابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر صحيح سنن ابن ماجة 2/ 36. وغير ذلك من النصوص، وكل ذلك في العقوبة الأخروية. وأما تعجيل العقوبة في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى قد يعجل العقوبة في الدنيا على بعض الذنوب، ومن ذلك تعجيل عقوبة قاطع الرحم والظالم وحالف الأيمان الكاذبة، فقد ورد في ذلك أحاديث منها: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس شيء أُطيعَ الله فيه، أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع) رواه البيهقي 10/ 350، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 706، وبلاقع، جمع بلقع وبلقعة، وهي الأرض القفر التي لا شجر فيها، ذكره الزبيدي ونقل عن بعض العلماء، أن معنى الحديث " أي يفتقر الحالف ويذهب ما في بيته من المال، أو يفرق الله شمله ويغيّر ما أولاه من نعمة " تاج العروس 11/ 30. 2 - وفي رواية أخرى: (إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم، وإن أهل البيت ليكونون فجاراً، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا وصلوا أرحامهم، وإن أعجل المعصية، عقوبة البغي والخيانة، واليمين الغموس يذهب المال ويثقل في الرحم، ويذر الديار بلاقع) رواه الطبراني في الأوسط وقال الشيخ الألباني: إنه صحيح بمجموع طرقه وشواهده. 3 - وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

(اليمين الفاجرة تذهب المال) رواه البزار بسند صحيح، كما قاله ابن حجر الهيتمي، الزواجر 2/ 404. وقد وقع تعجيل العقوبة الدنيوية لمن حلف كاذباً ليستحل دماء الناس وأموالهم، كما ثبت في صحيح البخاري في الحادثتين التاليتين: الأولى: روى الإمام البخاري بسنده، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إن أول قسامة كانت في الجاهلية، لفينا بني هاشم، كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش، من فخِذٍ أخرى، فانطلق معه في إبله فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه، فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطاه عقالاً، فشد به عروة جوالقه، فلما نزلوا، عقلت الإبل إلا بعيراً واحداً، فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ قال: ليس له عقال، قال: فأين عقاله؟ قال: فحذفه بعصاً كان فيها أجله، فمر رجل به من أهل اليمن فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد، وربما شهدته، قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر؟ قال: نعم، قال: فكتب، إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش، فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم، فإن أجابوك، فسل عن أبي طالب، فأخبره أن فلاناً قتلني في عقال، ومات المستأجَر، فلما قدم الذي استأجره، أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال مرض فأحسنت القيام عليه، فوليت دفنه، قال: قد كان أهل ذاك منك فمكث حيناً، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه، وافى الموسم فقال: يا آل قريش، قالوا هذه قريش، قال يا بني هاشم، قالوا: هذه بنو هاشم، قال: من أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة، أن فلاناً قتله في عقال، فأتاه أبو طالب فقال له: إختر منا إحدى ثلاث، إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل، فإنك قتلت صاحبنا وإن شئت، حلف خمسون من قومك، أنك لم تقتله، فإن أبيت، قتلناك به، فأتى قومه، فقالوا نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب، أحب أن تجيز أبني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر

يصح تقديم الكفارة على الحنث باليمين

يمينه حيث تصبر الأيمان، ففعل، فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب، أردت خمسين رجلاً أن يحلفوا مكان مئة من الإبل، يصيب كل رجل بعيران، هذان بعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون، فحلفوا، قال ابن عباس: فالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرف ". الثانية: روى الإمام البخاري بسنده عن أبي قلابة حديثاً طويلاً وفيه: " وقد كانت هذيل خلعوا خليعاً لهم في الجاهلية، فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء، فانتبه له رجل منهم، فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل فأخذوا اليماني، فرفعوه إلى عمر بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا، فقال: إنهم قد خلعوه، فقال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه، قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلاً، وقدم رجل منهم من الشام، فسألوه أن يقسم، فافتدى يمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجلاً آخر، فدفعه إلى أخي المقتول، فقرنت يده بيده، قالوا فانطلقنا والخمسون الذين أقسموا حتى إذا كانوا بنخلة أخذتهم السماء - أي المطر - فدخلوا في غار في الجبل، فانهجم الغار على الخمسين الذين أقسموا، فماتوا جميعاً وأفلت القرينان وأتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول فعاش حولاً ثم مات ". وهكذا ينتقم الله عز وجل في الدنيا من حالفي أيمان الزور والكذب، وفي ذلك عبرة للمعتبرين. يصح تقديم الكفارة على الحنث باليمين يقول السائل: إنه حلف على زوجته يميناً، أن لا تذهب إلى بيت أبيها، ثم ندم على ذلك وسمح لها بالذهاب إلى هناك، فهل يكفِّر كفارة اليمين قبل ذهاب زوجته إلى بيت أبيها، أم بعد ذلك؟ الجواب: ما كان لك أيها السائل أن تحلف هذا اليمين، الذي يؤدي إلى قطيعة الرحم، لأن للزوجة حقاً مؤكداً في زيارة أبيها وقد ورد في

الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يمين في قطيعة رحم) رواه أبو داود والبيهقي، وإسناده حسن. وما دام أنك قد تراجعت عن يمينك وأذنت لها بالذهاب إلى بيت أبيها، فقد أديت ما هو المطلوب شرعاً ويجب عليك أن تكفر عن يمينك وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم تجد فتصوم ثلاثة أيام لقوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة المائدة /89. هذا بالنسبة لكفارة اليمين، وأما متى تكفر عن يمينك، فيجوز لك أن تكفِّر قبل ذهاب زوجتك إلى بيت أبيها، أو بعد ذهابها إليه، على الراجح من أقوال أهل العلم، فإن في الأمر سعة إن شاء الله تعالى، ويدل على ذلك أن الأحاديث الواردة في كفارة اليمين جاء في بعضها تقديم الكفارة على الحنث وجاء في بعضها تأخير الكفارة على الحنث. ومن هذا أخذ أكثر العلماء جواز الأمرين، فمن ذلك ما ورد في الحديث، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خير منها، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها) متفق عليه. وفي رواية: (إلا كفَّرت عن يميني وفعلت الذي هو خير) متفق عليه. وفي رواية أخرى: (إلا أتيت الذي هو خير وكفَّرت عن يميني) متفق عليه. وجاء في حديث آخر، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا حلفت على يمين، فكفِّر عن يمينك، ثم ائت الخير) رواه أبو داود والنسائي. وفي حديث أخر: (إذا حلف أحدكم على يمين، ثم رأى غيرها خير اً منها فليكفِّرها وليأت الذي هو الخير) رواه مسلم.

يحرم على المسلم أن يحرم الحلال وكفارة ذلك

وفي رواية: (من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير، وليكفِّر عن يمينه) رواه مسلم. وبهذا يظهر لنا جواز الأمرين، فإن شئت كفَّرت عن يمينك بعد الحنث أو قبله. يحرم على المسلم أن يحرم الحلال وكفارة ذلك يقول السائل: قال شخص لزوجته: هذا الطعام حرام عليَّ، فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يجوز للمسلم أن يحرم ما أحل الله له، لأن ذلك من الإعتداء على شرع الله، ويدل على ذلك قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) سورة المائدة /87. ومن حرَّم شيئاً مما أحله الله، سواءً كان طعاماً أو شراباً أو لباساً، فهو كالحلف يميناً على تركه، فإذا أكل الطعام أو شرب الشراب أو لبس الثوب، فقد حنث بيمينه، وتلزمه كفارة يمين، وهذا قول الحنفية والحنابلة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: " ويروى نحو هذا عن ابن مسعود والحسن وجابر بن زيد وقتادة وإسحاق وأهل العراق، وقال سعيد بن جبير، فيمن قال الحلال حرام عليَّ، يمين من الأيمان يكفرها .... وعن الضحاك، أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا الحرام يمين .... " المغني 9/ 508. ويدل على ذلك قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) سورة التحريم /1 - 2.

فالله سبحانه وتعالى سمَّى تحريم ما أحل الله يميناً، وفرض تحلة اليمين، وهي كفارة اليمين، وقد ثبت في الحديث، عن عبيد بن عمير قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان يمكث عند زينب ابنة جحش، ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة، أنَّ أيَتنا دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلتقل: " إني لأجد ريح مغافير، أكلت مغافير؟ " - وهو نوع من النبات له رائحة كريهة - فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، فقال: لا بأس شربت عسلاً عند زينب ابنة جحش، ولن أعود، فنزلت الآية (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ .... إلى (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (لعائشة وحفصة)، (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) -لقوله بل شربت عسلاً) رواه البخاري ومسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وسبب نزول هذه الآية إما تحريمه العسل وإما تحريمه مارية القبطية، وعلى التقديرين فتحريم الحلال يمين على ظاهر الآية وليس يميناً بالله، ولهذا أفتى جمهور الصحابة، كعمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وغيرهم، أن تحريم الحلال يمين مكفرة " مجموع الفتاوى 35/ 271 - 272. ومما يدل على أن تحريم الإنسان الحلال من الطعام والشراب على نفسه يعتبر يميناً، ما جاء في الأثر عن ابن مسعود " أنه جيء عنده بطعام فتنحى رجل فقال: إني حرمته أن لا آكله، فقال: ادن فكل وكفِّر عن يمينك، ثم تلا هذه الآية (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) سورة المائدة /87، قال الحافظ ابن حجر وسنده صحيح فتح الباري 14/ 385. وروى عبد الرزاق في المصنف بسنده عن الحسن البصري قال: " إن قال: كل حلالٍ عليَّ حرام، فهو يمين، وكان قتادة يفتي به " المصنف 6/ 402. وروى ابن أبي شيبة بأسانيده عن عمر وعائشة وابن عباس أنهم قالوا: " الحرام يمين " المصنف 5/ 37.

وروى ابن أبي شيبة عن عمر بن ذر قال: " سألت الشعبي عن رجلٍ قال " كل حلالٍ عليَّ حرام "، قال: لا يوجب طلاقاً ولا يحرم حلالاً، يكفر عن يمينه " المصنف 5/ 75. والله الهادي إلى سواء السبيل

الأضحية

الأضحية

بعض أحكام الأضحية

بعض أحكام الأضحية بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك، كثرت الأسئلة والإستفسارات المتعلقة بالأضحية، وهذه مجموعة من الأحكام المتعلقة بالأضحية فيها إجابات واضحة على بعض تلك الأسئلة والإستفسارات: أولاً: ينبغي أن يعلم أن الأضحية سنة مؤكدة، على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول جمهور الفقهاء، ونقل عن أبي بكر وعمر وابن عباس، وجماعة من الصحابة والتابعين، ومن أصرح الأدلة على عدم وجوب الأضحية، ما ثبت في الحديث الشريف، عن أم سلمة رضي الله عنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره وبشره شيئاً) رواه مسلم. فجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أمر الأضحية مفوضاً إلى إرادة المسلم، وما كان كذلك لا يكون واجباً. وروى البيهقي عن أبي بكر وعمر، أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة، سنن البيهقي 9/ 264 - 265. والأسانيد إليهما صحيحة كما قال: الشيخ الألباني، انظر إصلاح المساجد ص21. وقال ابن حزم: " لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة، وصح أن الأضحية ليست واجبة عن سعيد بن المسيب والشعبي " المحلى 6/ 10.

وأما ما ورد في الحديث الشريف، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من وجد سعة فلم يضح، فلا يقربنَّ مصلانا) رواه ابن ماجة وأحمد والحاكم وغيرهم فقد صحح الأئمة وقفه على أبي هريرة، قال الحافظ ابن حجر: " .... لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحاً في الإيجاب " فتح الباري 12/ 98. وقال الحافظ ابن عبد البر نحوه في التمهيد، وممن قال بأنه موقوف الإمام المنذري في الترغيب والترهيب والحافظ البيهقي، والإمام الترمذي " انظر معرفة السنن والآثار 14/ 38. ثانياً: يستحب لمن أراد أن يضحي، ألا يقص شعره وأظافره، ابتداءً من أول ليلة من شهر ذي الحجة إلى أن يذبح أضحيته لما ثبت في الحديث السابق عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دخلت العشر - أي العشر الأول من ذي الحجة - وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً) رواه مسلم. وفي رواية أخرى: (إذا دخل العشر، وعنده أضحية يريد أن يضحي، فلا يأخذنَّ شعراً ولا يقلمنَّ ظفراً) رواه مسلم. وفي رواية أخرى: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) رواه مسلم. وفي رواية أخرى: ( .... فلا يأخذنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي) رواه مسلم. وقال جمهور أهل العلم: " إن هذا النهي محمول على الكراهة وليس على التحريم، فيكره في حق من نوى الأضحية أن يقص شيئاً من شعره أو من أظفاره شيئاً ويدل على أنه مكروه وليس حراماً، ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله حتى ينحر هديه) رواه البخاري مسلم.

قال الإمام النووي: " والحكمة في النهي أن يبقى - أي المضحي - كامل الأجزاء ليعتق من النار " شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 120. ثالثاً: يستحب في الأضحية أن تكون كبشاً أبيضاً أقرناً سميناً، فقد ثبت في الحديث، عن أنس - رضي الله عنه - قال: (ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبر ووضع رجله على صفاحهما) رواه مسلم. وعن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين موجوءين خصيين) رواه أحمد وهو صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 4/ 360. وروى الإمام البخاري تعليقاً، عن أبي أمامة بن سهل قال: (كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون)، قال الحافظ ابن حجر: " وصله أبو نعيم في المستخرج .... " فتح الباري 12/ 105. رابعاً: تصح النيابة في ذبح الأضحية باتفاق أهل العلم، فإذا أناب شخص شخصاً آخر في ذبح الأضحية وتوزيعها، فلا بأس في ذلك والمستحسن أن يتولى كل مضحٍ أضحيته بنفسه فيذبحها إن كان يحسن الذبح، فقد ثبت أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - ذبح أضحيته بيديه الشريفتين، كما في الأحاديث التي سبقت، فإن كان المضحي لا يحسن الذبح، وكَّل غيره بذبحها لما روي في الحديث الشريف أنه- صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: (قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك) رواه الحاكم وصححه ولكن فيه ضعف، كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 143. خامساً: لا بد من الإلتزام في الأضحية بالسن المقررة شرعاً، فلا يصح أن ينقص منه، ويصح أن يزيد عليه، ففي الإبل لا تصح التضحية بها إلا إذا بلغت خمس سنوات ودخلت في السادسة، وفي البقر يجب أن تتم سنتين وتدخل في الثالثة وفي الغنم تفصيل ففي الماعز، لا تجوز الأضحية بما له أقل من سنة، وفي البياض تجوز التضحية بما يمضي عليه أكثر العام

كسبعة أشهر أو ثمانية أشهر، إذا كان سميناً يخفى مع ما له سنة. ولا يجوز شرعاً التضحية بالعجول المسمنة التي لم تبلغ سنتين من عمرها، قال الإمام الشافعي: " ومن ضحى فأقل ما يجزيه الثني من المعز والإبل والبقر، ولا يجزي جذع إلا من الضأن وحدها " الأم 2/ 221. وقال الإمام الشافعي أيضاً: " الضحايا الجذع من الضأن والثني من المعز والإبل والبقر ولا يكون شيء دون هذا ضحية " الأم 2/ 223. قال الإمام النووي: " أجمعت الأمة على أنه لا تجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني .... " المجموع 8/ 394. ونقل ابن قدامة عن أئمة اللغة: " إذا مضت الخامسة على البعير، ودخل في السادسة وألقى ثنيته، فهو حينئذ ثني .... وأما البقرة، فهي التي لها سنتان لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تذبحوا إلا مسنة) رواه مسلم، والمسنة من البقر هي التي لها سنتان " المغني 9/ 440. وقال الإمام النووي: " قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء، من الإبل والغنم والبقر، فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه .... " شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 101 - 102. وقد اتفق العلماء على أنه لا يجزئ الجذع من البقر، والجذع من البقر هو من وقت ولادته إلى أن يبلغ السنتين من عمره، والعجل المسمن الذي يبلغ من العمر تسعة أشهر من عمره فهو جذع فلا يجزئ في الأضحية، وكونه سميناً وأكثر لحماً من الذي بلغ السنتين من عمره، ليس سبباً في ترك السن المعتمد، وهي سنتان فأكثر. وإن المدقق في الأحاديث الشريفة التي أشارت إلى السن، يرى أنه لا يجوز تجاوز تلك السن، ويدل على ذلك الأحاديث التالية: 1 - عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا،

ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء، فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال: " إن عندي جذعة " فقال: إذبحها، ولن تجزئ عن أحد بعدك) رواه البخاري. 2 - قال الإمام البخاري: " باب قول النبي- صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة: ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك، ثم ساق حديث البراء المتقدم براوية أخرى: (ضحى خال لي يقال له أبو بردة، قبل الصلاة، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: شاتك شاة لحم؟ فقال يا رسول الله: إن عندي داجناً جذعة من المعز فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: إذبحها ولا تصلح لغيرك). وقد ورد في عدة روايات اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز وشاركه في الإختصاص عقبة بن عامر، كما في حديث آخر. والألفاظ التي تدل على الإختصاص كما بينها الحافظ ابن حجر في فتح الباري هي (ولا رخصة فيها لأحد بعدك)، (ولا تجزئ عن أحد بعدك)، (وليست فيها رخصة لأحد بعدك). وهذا التخصيص من النبي- صلى الله عليه وسلم - يدل على أنه لا تصح التضحية بالجذع من الإبل والبقر والماعز، وهو الذي اعتمد عليه الفقهاء في القول بأنه لا يجوز التضحية بما دون السنتين من البقر. ويجب أن يعلم أنه ليس المقصود بالأضحية اللحم فقط وتوزيعه صدقة أو هدية وإنما المقصود بها أيضاً تعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى، كما قال جل جلاله: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج /32. وكذلك الإمتثال لأمر الله عز وجل بإراقة الدم إقتداءً بإبراهيم عليه السلام قال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) سورة الحج /37. وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إهراق الدم وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها

لا تصح الأضحية بالعجل السمين وعمره تسعة أشهر

وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً) رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: حسن غريب، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. لا تصح الأضحية بالعجل السمين وعمره تسعة أشهر يقول السائل: هل تجوز الأضحية بعجل سمين بلغ من العمر تسعة أشهر؟ الجواب: لقد وردت الأحاديث التي أشارت إلى السن المعتبر في الأضاحي والتي اعتمد عليها الفقهاء في تحديد السن المعتبر في الأضاحي، واعتبروا ذلك شرطاً من شروط صحة الأضحية فقد اتفق العلماء على أنه تجوز التضحية بالثني فما فوقه من الإبل والبقر والغنم والمراد بالثني من الإبل، ما أكمل خمس سنين ودخل في السادسة، ومن البقر ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة، ومن الغنم ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة. قال في المصباح المنير: " الثني الجمل يدخل في السادسة .... والثني أيضاً الذي يلقي ثنيته، يكون من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة، ومن ذوات الخف في السنة السادسة ". واتفق العلماء على أنه لا تجوز التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز واختلفوا في الجذع من الضأن. قال الإمام النووي: "وأجمعت الأمة على أنه لا تجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني" المجموع 8/ 394. ونقل ابن قدامة عن أئمة اللغة " إذا مضت الخامسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني .... وأما البقرة فهي التي لها سنتان، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تذبحوا إلا مسنة) ومسنة البقر التي لها سنتان " المغني 9/ 440.

وقال الإمام النووي: " قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء، من الإبل البقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه " شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 101 - 102. وقد اتفق العلماء على أنه لا يجزئ الجذع من البقر والجذع من البقر هو من وقت ولادته إلى أن يبلغ سنتين من عمره والعجل المسمن الذي يبلغ تسعة أشهر من عمره هو جذع، فلا يجزئ في الأضحية، وكونه سميناً وأكثر لحماً من الذي بلغ سنتين من عمره ليس سبباً في ترك السن المعتمدة، وهي سنتان فأكثر. وإن المدقق في الأحاديث التي أشارت إلى السن، يرى أنه لا يجوز تجاوز تلك السن ويدل على ذلك الأحاديث التالية: - عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا، أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء، فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال: إن عندي جذعة، فقال اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك) رواه البخاري. - قال الإمام البخاري: " باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة: (ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك) ثم ساق حديث البراء المتقدم، برواية أخرى: (ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: شاتك شاة لحم، فقال يا رسول الله: إن عندي داجناً جذعة من المعز، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: اذبحها ولا تصلح لغيرك). وقد ورد في عدة روايات اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز وشاركه في الاختصاص، عقبة بن عامر، والألفاظ التي تدل على الاختصاص كما بينها الحافظ ابن حجر في فتح الباري هي: (ولا رخصة فيها لأحد بعدك) (ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك) (وليست فيها رخصة لأحد بعدك).

حكم الذبح على مقدمة السيارة

وهذا التخصيص من النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على أنه لا تصح التضحية بالجذع من الإبل والبقر والماعز، وهو الذي اعتمد عليه الفقهاء في القول بأنه لا يجوز التضحية بما دون السنتين من البقر. وبناءً على ما تقدم أقول: لا تصح الأضحية بالعجول المسمنة مهما بلغ وزنها ولا بد من الالتزام بالسن وهو سنتان، قال في الفتاوى الهندية: " وتقدير هذه الأسنان بما قلنا يمنع النقصان ولا يمنع الزيادة، حتى ولو ضحى بأقل من ذلك شيئاً لا يجوز، ولو ضحى بأكثر من ذلك شيئاً يجوز ويكون أفضل ولا يجوز في الأضحية حمل ولا جدي ولا عجول ولا فصيل " الفتاوى الهندية 5/ 297. وينبغي أن يعلم أنه ليس المقصود من الأضحية اللحم فقط، وتوزيعه صدقة أو هدية وإنما يقصد بالأضحية أيضاً، تعظيم شعائر الله، وإراقة الدم كوسيلة من وسائل الشكر لله تعالى وإحياءً لذكرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام. حكم الذبح على مقدمة السيارة يقول السائل: إنه قد اشترى سيارة جديدة، ويريد أن يذبح على مقدمتها ذبيحة، فهل يجوز ذلك؟ الجواب: لقد جرت عادة كثير من الناس أن يذبحوا شاةً على مقدمة السيارة الجديدة، ويجعلون دم الشاة يسيل عليها، وذلك طلباً لسلامة السيارة وصاحبها، أو دفعاً لعيون الحساد، كما يعتقدون، أو لغير ذلك من المقاصد، وهذا العمل بالشكل الذي وصفت لا يجوز شرعاً، بل هو من الأمور المبتدعة لأن الأصل في الذبح أن يكون لله تعالى. يقول سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) سورة الأنعام/ 163,162.

فالمسلم عندما يذبح، يذبح بإسم الله تعالى، وحده لا شريك وهو تفسير قوله تعالى (ونسكي)، أي ذبحي، كما قال بعض السلف. وجاء في الحديث، عن علي - رضي الله عنه - قال حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربع كلمات: (لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من آوى محدثاً ولعن الله من غير منار الأرض) رواه مسلم. قال الإمام النووي: " وأما الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح بإسمٍ غير إسم الله كمن ذبح للصنم أو الصليب، أو لموسى أو لعيسى صلى الله عليهما، وللكعبة، فكل ذلك حرام، ونحو ذلك فكل ذلك حرام، ولا تحل هذه الذبيحة .... " شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 122. وهذا التفصيل الذي ذكرته فيما لو كان الذابح قد ذبح لغير الله تعالى، وأما إن ذبح الذبيحة بإسم الله تعالى، ومن باب شكر نعمة الله على هذا الإنسان لكونه قد اشترى سيارة جديدة، فلا بأس بذلك، ولا أرى له أن يذبح الذبيحة على مقدمة السيارة، لأن ذلك مشعرٌ بأن الذبح للسيارة، وتعليق سلامة السيارة وصاحبها على الذبح على مقدمتها. ولا بأس أن نذكر بهذه المناسبة، أن بعض الناس يذبح ذبيحة أو أكثر عندما يبني بيتاً جديداً، فمنهم من يذبح عند عقد البيت، أو عند السكن فيه، فهذا أيضاً فيه التفصيل الذي ذكرت، فإن كان الذبح من باب شكر نعمة الله، حيث أنعم الله على هذا الإنسان بأن سكن بيتاً جديداً، فيذبح ويطبخ ويدعو أصدقاءَه وأقرباءَه، ويسمى هذا الطعام، طعام الوكيرة، فهذا عمل لا بأس به، ويؤجر المرء عليه إن شاء الله. والأصل في ذلك هو النية الصالحة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المشهور: (إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئٍ ما نوى). والله الهادي إلى سواء السبيل

المعاملات

المعاملات

العربون في البيع جائز

العربون في البيع جائز يقول السائل: إنه صاحب محجر، واتفق مع شخص أن يبيعه حجارة للبناء، وأخذ منه مبلغاً من المال كعربون، ثم إن الشخص الآخر اتفق مع صاحب محجر آخر لتوريد الحجر، وجاء يطالبه بالعربون، فهل يحل له أن يأخذ العربون؟ الجواب: إن بيع العربون هو أن يبيع الإنسان الشيء ويأخذ من المشتري مبلغاً من المال يسمى عربوناً لتوثيق الارتباط بينهما على أساس أن المشتري إذا قام بتنفيذ عقده احتسب العربون من الثمن، وإن نكل كان العربون للبائع، المدخل الفقهي 1/ 495. وقد اختلف فيه الفقهاء، فجمهور الفقهاء على أنه غير صحيح، لما روي في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع العربان) رواه أحمد والنسائي وأبو داود ومالك، وهذا الحديث ضعيف. قال الحافظ ابن حجر: " وفيه راوٍ لم يسمَّ، وسمي في رواية لابن ماجة ضعيفه عبد الله بن عامر الأسلمي وقيل هو ابن لهيعة وهما ضعيفان " التلخيص الحبير3/ 17، وضعف الحديث الشيخ الألباني في تخريجه للمشكاة 2/ 866.

وأجاز الحنابلة بيع العربون وروي القول بصحة بيع العربون عن عمر وابنه عبد الله، وقال به محمد بن سيرين وسعيد بن المسيب، وقد ضعف الإمام أحمد الحديث الوارد في النهي عن بيع العربون، واحتج لصحته بما ورد عن نافع بن عبد الحارث " أنه اشترى لعمر دارالسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم فإن رضي عمر كان البيع نافذاً وإن لم يرض فلصفوان أربعمئة درهم "، قال الأثرم: قلت لأحمد: " تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر - رضي الله عنه -، وضعّف الحديث المروي " المغني 4/ 176. واحتجوا على صحته بما رواه عبد الرزاق في المصنف، عن زيد ابن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سئل عن بيع العربان فأحله)، ولكنه مرسل وفيه ضعيف كما قال الشوكاني في نيل الأوطار 5/ 173. والقول بصحة بيع العربون هو أرجح القولين في المسألة لما في ذلك من تحقيق مصالح العباد وخاصة أنه لم يثبت النهي عن بيع العربون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ومن المعلوم أن طريقة العربون، هي وثيقة الارتباط العامة في التعامل التجاري في العصور الحديثة، وتعتمدها قوانين التجارة وعرفها، وهي أساس لطريقة التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطل والإنتظار. وقد أيد ذلك ابن القيم رحمه الله بما رواه البخاري في صحيحه في باب ما يجوز من الاشتراط، عن ابن عون عن ابن سيرين أنه قال: " قال رجل لكرّيه: أرحل ركابك فان لم أرحل معك في يوم كذا، فلك مئة درهم، فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه " المدخل الفقهي 1/ 495 - 496، والكرّي هو المكاري الذي يؤجر الدواب للسفر، وأرحل ركابك، أي شدّ على دوابك رحالها استعداداً للسفر. وبناءً على ما تقدم، يجوز أخذ العربون إن تراجع المشتري عن الصفقة. وإن كنت أفضل أن يعاد العربون لصاحبه خروجاً من الخلاف ورحمة بالناس.

يحرم التعامل بالربا مطلقا سواء أكان مع مسلم أو مع غيره

يحرم التعامل بالربا مطلقاً سواءً أكان مع مسلم أو مع غيره يقول السائل: هل صحيح ما يقال، أنه يجوز التعامل بالربا بين المسلم وغير المسلم فيجوز للمسلم أن يضع أمواله في بنوك غير المسلمين، ويأخذ الربا ولا يكون ذلك حراماً؟ الجواب: إنّ الربا محرم بنصوص صريحة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمن ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة / 275 - 279. وإنَّ أكثر العلماء على تحريم الربا في جميع الظروف والأحوال فالربا في ديار الإسلام حرام، وكذلك هو حرام في ديار الكفر، والربا بين المسلم والمسلم حرام، وكذلك هو حرام بين المسلم وغير المسلم، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف من الحنفية، والزيدية وأهل الظاهر وغيرهم. ونقل عن أبي حنيفة أنه يجيز الربا بين المسلم والكافر في دار الحرب فقد ورد عن أبي حنيفة قوله: " لو أنَّ مسلماً دخل أرض حربٍ بأمان، فباعهم الدرهم بالدرهمين لم يكن بذلك بأس ". واستدل من أجاز الربا، بما ورد عن مكحول بن زيد الدمشقي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب)، وهذا

الحديث ليس بثابت عن الرسول- صلى الله عليه وسلم -، كما قال الإمام الشافعي " وما احتج به لأبي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه " معرفة السنن والآثار 13/ 276. وقال الإمام الزيلعي عن هذا الحديث: بأنه غريب، أي لا أصل له. وقال الإمام النووي عن حديث مكحول، أنه مرسل ضعيف، فلا حجة فيه. ومذهب الجمهور هو الحق إن شاء الله، فالربا حرام في حق المسلم في كل بلدٍ سواء أكان بلد إسلام أم بلد حرب. قال الإمام الشافعي: " ومما يوافق التنزيل والسنة ويعقله المسلمون، أنَّ الحلال في دار الإسلام حلالٌ في دار الكفر، والحرام في دار الإسلام حرامٌ في دار الكفر فمن أصاب حراماً فقد حدَّه الله على ما شاء منه، ولا تضع بلاد الكفر عنه شيئاً " الأم 4/ 165. وقال الإمام النووي: " يستوي في تحريم الربا الرجل والمرأة والعبد والمكاتب بالإجماع، ولا فرق بين دار الإسلام ودار الحرب، فما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب، سواءً جرى بين مسلمين أو مسلم وحربي، سواءً دخلها المسلم بأمان أم بغيره، هذا مذهبنا وبه قال الإمام مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور " المجموع 9/ 391 - 392. ومما يرد على القائلين بالجواز، أنَّ حديث مكحول ضعيفٌ لا يصلح للاستدلال به، ولو كان مقبولاً، فإنه معارضٌ لإطلاق النصوص من كتاب الله وسنة رسوله الواردة في تحريم الربا. قال ابن قدامة: " ولا يجوز ترك ما ورد تحريمه بالقرآن وتظاهرت به السنة، وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول لم يرد في صحيحٍ ولا مسند ولا كتاب موثوق، وهو مع ذلك مرسلٌ محتمل، ويحتمل أنَّ المراد بقوله (لا ربا) النهي عن الربا كقوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) سورة البقرة /197 " المغني 4/ 32. ومما يؤيد القول بالتحريم، قياس الربا على القمار وشرب الخمر

بجامع أنّ كل ذلك معصية، فالقمار وشرب الخمر لا يحلان في دار الحرب وكذلك الربا، فما كان حراماً في دار الإسلام فهو حرامٌ في دار الكفر، ولا فرق. ***** تعقيب على مقال " البنوك وفتوى شيخ الأزهر " كتب د. تيسير التميمي في جريدة القدس بتاريخ 9/ 2/1998 تعليقاً على فتوى شيخ الأزهر المتعلقة بالبنوك، وأشار إلى المكانة التي يتبوؤها شيخ الأزهر، وطرح موضوع الفتوى للمناقشة لمن يهمه الأمر. وقد كان يجول في خاطري منذ زمن أن أعلق على فتوى شيخ الأزهر، حول فوائد البنوك، إذ أنه قد طرح رأيه هذا منذ سنين مضت، ولكن كنت أحجم عن ذلك لأن عدداً من كبار العلماء قد ردوا على فتوى شيخ الأزهر ووضعوا في ذلك مؤلفات، مثل د. يوسف القَرَضَاوي، ود. علي السالوس وغيرهما. ولكن لما أعيد طرح هذه الفتوى مرة أخرى في الصحافة المحلية، أحببت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع، فأقول وبالله التوفيق: ينبغي أن يعلم أن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما الرجال هم الذين يعرفون بالحق، فصدور الفتوى من أي مرجع مهما كانت مكانة هذا المرجع، لا يعطيها صفة الحق والصواب، وإنما هذه الصفة تُستَمَد من الأدلة والمستندات التي تعتمد عليها تلك الفتوى، وقد قال الإمام مالك يرحمه الله: " كلٌ يؤخذ منه ويترك إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ". وإن كان صدور الفتوى من مرجع مرموق يتولى منصباً رفيعاً، له أثر كبير على عامة الناس، ولكن ذلك لا يعني شيئاً كثيراً عند أهل العلم، هذا من جهة، وأما من الجهة الأخرى، فإن الرد العلمي على فتوى شيخ الأزهر، لا يتسع له هذا المقام، حيث إنه يحتاج إلى صفحات وصفحات،

وقد كفانا المؤونة العلماء الذين أشرت لهم، ولكن لا بأس بذكر بعض الأمور التي تلقي الضوء على إبطال الفتوى، فأبدأ أولاً بذكر ما صدر عن شيخ الأزهر الحالي صاحب هذه الفتوى عندما كان مفتياً للديار المصرية، حيث إنه أصدر فتوى في تحريم فوائد البنوك، وأذكر هنا نص السؤال المقدم إليه، وجوابه عليه: ((سؤال ورد إلى دار الإفتاء من المواطن، يوسف فهمي حسين، وقيد برقم 515/ لسنة 1989، يقول فيه: إنه قد أحيل على المعاش، وصرفت له الشركة التي كان يعمل فيها مبلغاً - أربعين ألف جنيه -، والمعاش الذي يتقاضاه لا يفي بحاجته الأسرية، ولأجل أن يغطي حاجيات الأسرة، وضع المبلغ في بنك مصر، في صورة شهادات استثمار بعائد شهري، حيث لم يعد هناك أمان لوضع الأموال في شركات توظيف الأموال، وعندما فكر في وضعها في أي مشروع، لم يجد وخاصة أن حالته الصحية لا تسمح بالقيام بأي جهد، وقد قرأ تحقيقاً بجريدة أخبار اليوم، شارك فيه بعض المشايخ والعلماء الأفاضل، بأن الودائع التي تودع في البنوك تخدم في مشاريع صناعية وتجارية، وأن هذه الشهادات الإستثمارية تدر عائداً حلالاً لا رباً .... إلى أن قال السائل: وحيث إنه حريص على أن لا يدخل بيته حراماً، بعث إلى دار الإفتاء يستفسر عن رأي الدين في هذا الأمر، حيث إن بعض العلماء يقولون بأن العائد حلالٌ والبعض الآخر يقولون إنه رباً)). هذا هو نص السؤال الوارد إلى دار الإفتاء فماذا كان جواب المفتي؟ ((الجواب: بعد المقدمة ...... يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة / 278 - 279. ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي أبو سعيد قال: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى،

الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه أحمد والبخاري ومسلم. أجمع المسلمون على تحريم الربا، الربا في اصطلاح فقهاء المسلمين هو زيادة مال في معاوضة مال بمال دون مقابل، وتحريم الربا بهذا المعنى أمر مجمع عليه في كل الشرائع السماوية. لما كان ذلك وكان إيداع الأموال في البنوك، أو إقراضها، أو الإقتراض منها بأي صورة من الصور مقابل فائدة محدودة مقدماً زمناً ومقداراً، يعتبر قرضاً بفائدة، وكل قرض بفائدة محددةً مقدماً حرام، كانت تلك الفوائد التي تعود على السائل داخلة في نطاق ربا الزيادة المحرم شرعاً، بمقتضى النصوص الشرعية، وننصح كل مسلم بأن يتحرى الطريق الحلال لاستثمار أمواله، والبعد عن كل ما فيه شبهة حرام لأنه مسؤول يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)). أخي القارئ ما تقدم، هو نص الفتوى التي صدرت عن مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور. محمد طنطاوي، بتاريخ 20/ 2/1989، وسجلت برقم 41/ 124، وهو نفسه الذي صار شيخ الأزهر فيما بعد وما زال، وأصدر الفتوى التي تنص على أن فوائد البنوك ليست من الربا المحرم، وأن لا فرق بين بنك إسلامي وغير إسلامي. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا غيَّر الشيخ طنطاوي فتواه تغييراً جذرياً، ففي الفتوى الأولى الربا حرام، وفوائد البنوك حرام، وفي الثانية فوائد البنوك ليست من الربا المحرم. ومن المعلوم عند أهل العلم أن تغيير الفتوى في المسألة الواحدة من العالم الواحد لا بدَّ له من سبب صحيح، فإذا بنى المجتهد فتواه على اجتهاد، ثم بلغه حديث شريف لم يكن قد سمع به من قبل، والفتوى تعارضه يلزمه العدول فوراً عن قوله إلى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وإذا أفتى في واقعة ثم تغيرت الواقعة وجب أن تتغير الفتوى تبعاً لتغير الواقعة انظر فوائد البنوك هي الربا المحرم للدكتور. يوسف القرضاوي ص 140 - 142.

ومن المسلّم به والمؤكد أن البنوك الربوية لم تتغير طبيعة عملها وأنظمتها، ولم تختلف صورة تعاملها في الفترة ما بين الفتوى الأولى للشيخ طنطاوي، عندما كان مفتياً لمصر، والفتوى الثانية عندما صار شيخاً للأزهر. إن الأدلة التي ساقها الشيخ طنطاوي في الفتوى الأولى في تحريم فوائد البنوك لم تتغير، فالأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تحريم الربا ما زالت قائمة وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. بعد هذا أقول: إن فتوى شيخ الأزهر بإباحة فوائد البنوك الربوية، مناقضة تماماً للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الربا، ومخالفة لأقوال العلماء والفقهاء قديما ً وحديثاً في تحريم الربا بمختلف صوره وأشكاله، ولا شك لدى العلماء والفقهاء في هذا العصر، أن فوائد البنوك هي من الربا المحرم، وقد انعقدت مجامع علمية كثيرة في هذا العصر، وأقرت وأكدت على أن فوائد البنوك هي من الربا المحرم، فمن ذلك: 1 - قرار المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة سنة 1965 م والذي حضره عدد كبير من العلماء من مختلف العالم الإسلامي، ومن ضمن قراراته " الفائدة على أنواع القروض كلها رباً محرم ". 2 - قرار مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية سنة 1985 م والذي يضم ثلة من فقهاء العالم الإسلامي. 3 - قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1406 هـ. 4 - قرار المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية لسنة 1983 م. 5 - لجنة الفتوى بالأزهر الشريف لسنة 1988 م. 6 - البيان الصادر عن علماء الأزهر بمكة المكرمة، عن حرمة معاملات البنوك الربوية، رداً على مفتي مصر، ووقع عليه ثلاثة وثلاثون عالماً أزهرياً.

وغير ذلك من الفتاوى .... وقد ردَّ فتوى شيخ الأزهر عددٌ كبير من أهل العلم المعتبرين، وأبطلوا فتواه من وجوه كثيرة يضيق المقام عن ذكرها، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى: 1. كتاب الدكتور يوسف القَرَضَاوي [فوائد البنوك هي الربا المحرم]. 2. كتاب الدكتور علي السالوس [الإقتصاد الإسلامي]. 3. كتاب الدكتور وهبة الزُحَيّلي [الفقه الإسلامي وأدلته / ج 9]، وغيرها. " وإننا لنعجب كثيراً ونشفق على فضيلة المفتي، وعلى المسلمين إذ هو يشككهم في أمور مجمع عليها، بل تعتبر مما عُلمَ من الدين بالضرورة، وإذا تطرَّق الشك إلى هذه الأمور وصل الأمر إلى هدم الشريعة من الأساس، فهل يسمح لنا المفتي أن نسأله: إذا كانت فوائد البنوك ليست ربا، فما هو الربا المحرم شرعاً؟ " الإقتصاد الإسلامي 1/ 369. ***** لا يجوز الإشتراط في القرض دفع غرامة مالية إذا تأخر المقترض في السداد يقول السائل: إنه اقترض مبلغاً من المال لبناء مسكن له، على أن يسدد القرض على أقساط، واشترط عليه أنه إذا تأخر في سداد قسط من الأقساط أن يدفع غرامة مالية بسبب التأخير، واشترط عليه أنه لا يجوز له بيع المسكن إلا بموافقة المقرض وإذا باع مسكنه فإنه يدفع غرامة مالية للمقرض زيادة على القرض، فما الحكم في ذلك؟ الجواب: القرض الحسن مشروع بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) سورة البقرة /245.

ووجه الدلالة فيه، أن الله سبحانه وتعالى شبه الأعمال الصالحة والإنفاق في سبيل الله بالمال المقرَض، وشبه الجزاء المضاعف على ذلك ببدل القرض شيئاً ليأخذ عوضه، ومشروعية المشبه تدل على مشروعية المشبه به، عقد القرض ص13. وثبت في الحديث الصحيح، عن أبي رافع - رضي الله عنه -، (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف من رجل بكراً - أي جملاً فتياً - فقدمت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فقال: يا رسول الله، لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً - أي جملاً كبيراً -، فقال: أعطه، فإن خير الناس أحسنهم قضاءً) رواه مسلم. وإقراض المعسر وتفريج كربه أمر مرغَّب فيه شرعاً ويدخل ذلك في عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم. وللمقرِض أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى فقد جاء في الحديث عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين، إلا كان كصدقة مرة) رواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجة والطبراني وهو حديث حسن. وينبغي أن يعلم أنَّ القروض تقضى بأمثالها، ولا يجوز شرعاً الزيادة المشروطة في رد بدل القرض، وكل زيادة تعتبر من باب الربا. قال الحافظ ابن عبد البر: " وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط ". وقال ابن المنذر: " أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا " الموسوعة الفقهية 33/ 130.

وهنا لا بد من التنبيه على بعض القضايا المهمة والمتعلقة بالقروض: أولاً: يحرم على المدين الموسر أن يماطل في أداء ما حلَّ عليه من الأقساط، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. ثانياً: وإن ماطل المدين الموسر، يحرم شرعاً فرض أية غرامة مالية عليه، في حال التأخر عن السداد لأن ذلك يعتبر من الربا، وهذا ما قرره أكثر الفقهاء قديماً وحديثاً، وأخذت به المجامع الفقهية المعتمدة، فقد جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، بمكة المكرمة ما يلي: ((نظر المجمع الفقهي في موضوع السؤال التالي، إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل للبنك الحق أن يفرض على المدين غرامة مالية، جزائية بنسبة معينة بسبب التأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟ الجواب: وبعد البحث والدراسة، قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، ولا يحل سواءً أكان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه)). وفد يقول قائل: إن هذا الكلام يشجع المدينين على المماطلة وعدم الوفاء بالدين، ونقول يمكن للمقرض أن يشترط على المدين أنه في حالة تأخره عن سداد قسط من أقساط الدين تحلّ بقية الأقساط ويمكن اتخاذ أمور أخرى ضد المدين المماطل كمطالبة الكفلاء وغير ذلك. ثالثاً: لا يجوز شرعاً منع المقترض من بيع منزله الذي بناه بالقرض، لأن ذلك مخالف للقواعد المقررة شرعاً من حرية تصرف المالك في ملكه وغير ذلك.

لا يجوز فرض غرامة مالية على المدين المماطل

ولا يصح إلزام المقترض بأية غرامة مالية في حال بيعه مسكنه لأن ذلك نوع من الربا المحرم شرعاً. رابعاً: لا يجوز شرعاً ربط الديون بمستوى الأسعار أو جدول غلاء المعيشة، فقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة ما يلي: ((العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار)) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الثالث / ص 2261. لا يجوز فرض غرامة مالية على المدين المماطل يقول السائل: اشترى شخص مني عقاراً بالتقسيط، ودفع بعض الأقساط، ولم يكمل دفع بقية الأقساط، وقد استلم العقار، وهذا الشخص قادر على تسديد بقية الأقساط، إلا أنه يماطل وقد مضى على موعد تسديد آخر قسط ثلاث سنوات وما يزال يماطل فهل يحق لي أن أطالبه بتعويضٍ مالي مقابل العطل والضرر الذي ألحقه بي؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أنه يحرم على الغني أن يماطل فيما وجب عليه من حقوق، كالدين مثلاً، وكذلك من وجد أداءً لحق عليه وإن كان فقيراً تحرم عليه المماطلة، وقد ثبت في الحديث الصحيح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر: " والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، والغني مختلف في تعريفه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيراً " فتح الباري 5/ 371. وقال الحافظ أيضاً: " وفي الحديث الزجر عن المطل، واختلف هل

يعد فعله عمداً كبيرة أم لا؟ فالجمهور على أن فاعله يفسَّق " فتح الباري 5/ 372. وكما جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) رواه أبو داود والنسائي وأحمد بإسناد حسن كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 5/ 459. وذكره الإمام البخاري تعليقاً فقال: " باب لصاحب الحق مقالاً، ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته). قال سفيان: عرضه تقول: مطلتني، وعقوبته الحبس، والمراد بقوله (ليّ الواجد) أي مماطلة من يجد أداء الحقوق التي عليه، وقوله (يحل عرضه وعقوبته) المراد به كما فسره سفيان أن يقول صاحب الحق، أو صاحب الدين: مطلني فلان، وعقوبته أن يسجن. إذا تبين لنا حرمة مماطلة المقتدر على سداد ديونه، فنقول: اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز معاقبة المماطل بفرض غرامة مالية عليه، لأن ذلك يعتبر من باب الربا المحرم، وإنما يعاقب بالحبس فقط. ((وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه القضية بحثاً موسعاً، وخلص إلى ما يلي: 1 - إذا تأخر المشتري في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط أو بدون شرط، لأن ذلك رباً محرَّم. 2 - يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء. 3 - يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد)) مجلة المجمع الفقهي عدد 6 جزء 1، ص447 - 448. وأخيراً ينبغي أن ننبه إلى أن هذا الحكم إنما هو في حق الغني المماطل

لا يصح اشتراط عقد آخر مع القرض

وأما إذا كان المدين معسراً فإن الله سبحانه وتعالى طلب إنظاره إلى ميسرة، كما قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) سورة البقرة /280. لا يصح اشتراط عقدٍ آخر مع القرض يقول السائل: توفي شخص وترك ثلاث بنات وولد، وقد وزعت التركة حسب الشرع، فرغبت البنات في بيع حصتهن في قطعة أرض لشخص ما بسعر أقل من السعر المتعارف عليه والولد - أخو البنات - لا يملك ثمن الأرض ليتقدم بالشراء فعرض عليه أحد الأشخاص أن يقرضه ثمن الأرض، وشرط عليه أن يبيعه جزءاً من الأرض، فهل يجوز ذلك؟ الجواب: لا يجوز شرعاً للمقرض أن يشترط أي عقد آخر مع القرض، كالبيع أو الإجارة، أو يشترط أن يقرضه المقترض، وهذا مذهب جمهور أهل العلم لما ثبت في الحديث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل سلف وبيع) رواه أبو دلود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الشيخ الألباني: حسن، إرواء الغليل 5/ 146. قال الشيخ ملا علي القاري: " لا يحل سلف وبيع، أي معه يعني مع السلف، بأن يكون أحدهما مشروطاً في الآخر. قال القاضي رحمه الله: " السلف يطلق على السلم والقرض والمراد هنا شرط القرض .... أي لا يحل بيع مع شرط سلف بأن يقول مثلاً: بعتك هذا الثوب بعشرة على أن تقرضني عشرة نفي الحل اللازم للصحة ليدل على الفساد من طريق الملازمة " مرقاة المفاتيح 6/ 89. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " معنى الحديث أن لا يجمع بين معاوضته وتبرع لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة لا تبرعاً مطلقاً

سداد الدين بعملة أخرى

فيصير جزءاً من العوض" مجموع الفتاوى 29/ 62 - 63. وقال الشيخ ابن القيم: " وأما السلف والبيع فلأنه إذا أقرضه مئة إلى سنة، ثم باعه ما يساوي خمسين بمئة، فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه ردّ المثل ولولا هذا البيع لما أقرضه، ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك " تهذيب سنن أبي داود 9/ 295 - 296 وبناءً على ما تقدم، فإن اشتراط البيع المذكور في السؤال باطل شرعاً. سداد الدين بعملة أخرى يقول السائل: هل يجوز لمن أقرض شخصاً، مبلغ عشرة آلاف شيكل مثلاً أن يتفق مع المقرض على أن يسددها بما يعادلها من الدولارات عندما يحين موعد السداد؟ الجواب: لا يجوز لمن اقترض مبلغاً بعملة معينة أن يتفق مع المقترض على سداد القرض بعملة أخرى، فإذا استدان شخص ألف دينار أردني فإن الواجب عليه سداد ألف دينار أردني فقط، لأنها هي الثابتة في ذمته. وكذلك لا يجوز ربط قيمة الدين بالذهب عند الإستدانة ليتم السداد بالذهب يوم السداد لأن اختلاف العملة يفسح مجالاً للتفاضل مع التأجيل، فيصير قرضاً ربوياً كما تدل على ذلك الأحاديث النبوية على أن هذه المبادلة تصير بيعاً ممنوعاً، فالذهب بالفضة لا يجوز بالأجل لأنه يصير حينئذٍ صرفاً مؤجلاً، انظر الجامع في أصول الربا ص 283. إلا أنه يجوز اتفاق الدائن والمدين في يوم سداد الدين على قضاء الدين بعملة أخرى بسعر صرفها في يوم السداد، فمثلاً استدان شخص من آخر مبلغ ألف دولار، على أن يسددها بعد سنة، ولما حان يوم السداد، اتفق الدائن والمدين على أن يسدد المدين الألف دولار بقيمتها بالدينار

الأردني، فيجوز ذلك بشرط أن لا يبقى شيء لأحدهما في ذمة الآخر. وهذا مذهب جماعة من أهل العلم، ويدل عليه ما ورد في الحديث عن ابن عمر- رضي الله عنه - قال: (كنت أبيع الإبل في البقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا بأس، إذا أخذتهما بسعر يومهما فافترقتما وليس بينكما شيء) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الأرناؤوط: اسناده حسن على شرط مسلم. وعن يسار بن نمير قال: " كان لي على رجل دراهم، فعرض عليّ دنانير، فقلت: لا آخذها حتى أسأل عمر، فسألته فقال: إئت بها الصيارفة فاعرضها فإذا قامت على سعر فإن شئت فخذها، وإن شئت فخذ دراهمك " ذكره ابن حزم في المحلى. ((وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي ما يلي بالنسبة إلى هذه المسألة: أولاً: الدين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها. ثانياً: يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد لا قبله على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد، وكذلك يجوز الدين على أقساط بعملة معينة الاتفاق يوم سداد أي قسط على أدائِه كاملاً بعملة مغايرة بسعر صرفها في ذلك اليوم ويشترط في جميع الأحوال أن لا يبقى في ذمة المدين شيء مما تمت عليه المصارفة في الذمة)).

يحرم أخذ الأجرة على عسب الفحل

يحرم أخذ الأجرة على عسب الفحل يقول السائل: ما حكم أخذ صاحب الثور أو التيس أجرة مقابل تلقيح الإناث من البقر أو المعز؟ الجواب: ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عسب الفحل) رواه البخاري. قال الزبيدي: " العسب ضراب الفحل أو العسب ماؤه أي الفحل فرساً كان أو بعيراً .... والعسب إعطاء الكراء على الضراب " تاج العروس 2/ 231. وثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ضراب الجمل)، قال الإمام النووي: " معناه عن أجرة ضرابه وهو عسب الفحل المذكور في حديث آخر " شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 177. وقد أخذ جمهور الفقهاء من هذين الحديثين أنه لا يجوز شرعاً أخذ الأجرة على الفحل للتلقيح، وكذلك اتفق أهل العلم على حرمة بيع عسب الفحل. قال الحافظ ابن حجر: " .... وعلى كل تقدير، فبيعه وإجارته حرام لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه " فتح الباري 5/ 368. وأما إذا لم يكن هناك شرط مسبق على بيع ماء الفحل أو أخذ الأجرة عليه، فأهدى صاحب الإناث لصاحب الفحل شيئاً يكرمه به فلا بأس في ذلك، كما هو مذهب جماعة من أهل العلم، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أنس بن مالك (أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عسب الفحل فنهاه فقال: يا رسول الله، إنا نطرق الفحل فنكرم، فرخص له في الكرامة) رواه الترمذي وقال: حسن غريب، تحفة الأحوذي 4/ 412، وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر صحيح سنن الترمذي 2/ 22.

سماح صاحب الأرض لجاره بالمرور من الأرض لا يعطي الجار الحق في الطريق

وقال الإمام البغوي: " أما إعارة الفحل للإنزاء وإطراقه فلا بأس به، ثم لو أكرمه المستعير بشيء يجوز له قبول كرامته " شرح السنة 8/ 139. سماح صاحب الأرض لجاره بالمرور من الأرض لا يعطي الجار الحق في الطريق يقول السائل: إنه اشترى أرضاً من آخر بموجب عقد صحيح، وكان البائع يسمح لجار له بالمرور من أرضه التي باعها للمشتري، ولم يذكر في عقد البيع أي شيء عن الطريق، واستمر المشتري بالسماح للجار بالمرور من الأرض مدة من الزمن، ثم ادعى الجار أن له حقاً شرعياً في الطريق بالتقادم، وصاحب الأرض ينفي ذلك، فما قولكم في المسألة؟ الجواب: لا يحق لجار الأرض المذكور أن يطالب بالمرور من أرض جاره، وإن مضى على مروره فيها سنوات طويلة، لأن مالك الأرض أذن له بالمرور تفضلاً وإحساناً أو سكت عن ذلك، ثم إنه لما باع الأرض كاملة بحدودها المعروفة، ولم يبين للمشتري وجود حق للجار في الطريق، وبناءً على ذلك لا يثبت له حق المرور بالتقادم، فلا يعتبر التقادم في الشريعة الإسلامية سبباً صحيحاً من أسباب كسب الحقوق أو إسقاطها ديانة لأنه لا يجوز شرعاً أن يأخذ أحد مال آخر إلا بسبب شرعي، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس) رواه أحمد والبيهقي والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح، إرواء الغليل 5/ 279. ولأن الحق في الإسلام أبدي لا يزول إلا بمسوغ شرعي ولا مسوغ شرعي في هذه المسألة. وعليه لا يصح ادعاء جار الأرض بحقه في المرور عبر أرض جاره إلابإذن الجار ورضاه.

مضاربة فاسدة

مضاربة فاسدة يقول السائل: إنه يملك سيارة أجرة، واتفق مع سائق ليشتغل عليها، على أن يدفع السائق خمسين ديناراً في اليوم لصاحبها، فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن هذه المسألة من صور شركة المضاربة على قول بعض الفقهاء الذين يجيزون أن يكون رأس مال المضاربة، أدوات يمتلكها صاحب المال، وبهذا قال الشيخ ابن قدامة في المغني 5/ 8: " وإن دفع الرجل دابته إلى آخر ليعمل عليها وما يرزق الله بينهما نصفين أو أثلاثاً أو كيفما شرطا صح نص عليه في رواية الأثرم ومحمد بن أبي حرب وأحمد بن سعيد، ونقل الأوزاعي ما يدل على صحة هذا .... ". وقاس ابن قدامة جواز هذه المسألة على المزارعة لما ثبت في حديث جابر: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى خيبر على الشطر -أي النصف-) رواه البخاري. هذا ما يتعلق بأصل السؤال، وأما الشرط المذكور، وهو أن يدفع السائق خمسين ديناراً لصاحب السيارة فهو شرط باطل يؤدي إلى بطلان العقد، إذ لا يصح في عقد المضاربة أن يكون نصيب أحد الشريكين مبلغاً معيناً من المال ولا بد أن يكون جزءاً مشاعاً كأن يتفقا على أن لكل واحد منهما النصف أو لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان ونحو ذلك، كما يصح إذا اتفقا على أن يكون نصيب أحدهما نسبة مئوية مثل 15% أو 30% وهكذا. وبناءً على ما سبق فإن صورة التعاقد المذكورة في السؤال باطلة لا تصح. حقوق الناس لا تسقط بالشهادة يقول السائل: إذا كان من قُتل في سبيل الله يُكفَّر عنه كل شيء إلا الدين، فما الحال إذا كان هذا الشخص سارقاً أو آخذاً لحقوق الناس بغير الحق فهل تكفر هذه عنه، أفيدونا؟

حكم الرجوع في الهبة

الجواب: ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين) رواه مسلم. قال الإمام النووي: " وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إلا الدين) ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى " شرح صحيح مسلم للنووي 5/ 28. وقال التوربشتي: " أراد بالدين هنا ما يتعلق بذمته من حقوق المسلمين إذ ليس الدائن أحق بالوعيد والمطالبة منه من الجاني والغاصب والخائن والسارق " تحفة الأحوذي 5/ 302. ويؤخذ من هذا الحديث أن من كان في ذمته حقوق للعباد فلا تسقط عنه ولا تكفر، وأن التكفير خاص بما بين العبد وبين ربه من كبيرة أو صغيرة، وحقوق العباد لا تدخل ضمن ذلك، وذكر الدين لينبه على غيره من حقوق العباد، ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كانت عنده مظلمة لأحد فليتحلله، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاته وطرح عليه) رواه البخاري. حكم الرجوع في الهبة يقول السائل: هل يجوز لمن وهب آخر هبة، أن يعود ويرجع عن تلك الهبة؟ الجواب: الهبة مشروعة ومستحبة، ومن الأمور التي تقوي المودة بين الناس، وينبغي أن تكون الهبة بطيب نفس ورضاً تام، وتتم الهبة بالإيجاب والقبول والقبض، فإذا قبض الموهوب الهبة فلا يحل للواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما يهبه لولده لورود الأدلة المخصصة للوالد من

هذا الحكم، وهو حرمة الرجوع في الهبة ويدل على ذلك أحاديث منها: - عن قتادة قال: سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) رواه البخاري ومسلم. - عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه) رواه البخاري. - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب، يقيء ثم يعود في قيئه فيأكله) رواه مسلم. فهذه الأحاديث وغيرها تدل على تحريم الرجوع في الهبة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء وأهل الحديث. قال الإمام البخاري: " باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته ثم ذكر حديثي ابن عباس، الأول والثاني "، أنظر فتح الباري 6/ 162 - 163. وقال الإمام النووي: " باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض إلا ما وهبه لولده، وإن سفل " شرح صحيح مسلم 4/ 236. ويبغي للواهب أن يعلم أن العائد في هبته قد شبهه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالكلب الذي يقيء، ثم يعود فيأكل منه، وهذا مثل سوء فلا ينبغي للمسلم أن يتمثل بالكلب، وقد جاء في الحديث أنه ينبغي تعريف الواهب الذي يريد الرجوع في هبته بهذا المثل حتى يرتدع فلا يعود في هبته، فقد روى أبو داود بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (مثل الذي يسترد ما وهب كمثل الكلب، يقيء فيأكل قيئه، فإذا استرد الواهب فليتوقف فليعرف بما استرد ثم ليدفع إليه ما وهب) رواه ابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح، انظر صحيح سنن ابي داود 2/ 676.

حق التقادم

ويستثنى من حكم الرجوع في الهبة، الوالد فيما وهبه لولده، فيصح للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده، وقد دلت السنة الثابتة على ذلك، فقد ورد في الحديث عن طاووس، عن ابن عمر وابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل للرجل أن يعطي عطية أو يهب هبةً فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب، يأكل فإذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه) رواه أصحاب السنن، وأحمد، وقال الترمذي حسن صحيح، ورواه ابن حبان والحاكم وصححاه، وصححه الشيخ الألباني أيضاً. ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث، عن النعمان بن بشير أنه قال: إن أباه أتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أكلَّ ولدك نحلته مثل هذا، فقال: لا، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فأرجعه) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبشير: (فاردده). قال الحافظ ابن حجر: " وحجة الجمهور في استثناء الأب أن الولد وماله لأبيه فليس في الحقيقة رجوعاً وعلى تقدير كونه رجوعاً فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك " فتح الباري 6/ 143. وقد ألحق أكثر الفقهاء الأم بالأب في جواز الرجوع في الهبة. حق التقادم يقول السائل: يدّعي بعض الناس ملكيتهم بعض الأراضي عن طريق ما يسمّى حق التقادم، مع أن تلك الأراضي ليست من أملاكهم فعلاً، وإنما استعملوها لسنوات طويلة ثم اَدعوا ملكيتها، فما هو قولكم في هذه القضية؟ الجواب: حق التقادم، هو انقضاء زمان معين كخمسة عشر عاماً أو أكثر أو أقل على حق في ذمّة إنسان أو مرور تلك المدة على عين لغيره في

يده، دون أن يطالب صاحبها، وهو قادر على المطالبة، المدخل الفقهي العام 1/ 243. ويسمّى حق التقادم أيضاً مرور الزمان أو مضي المدة أو وضع اليد. ومن المقرر عند أهل العلم، أن أسباب الملكية في الشريعة الإسلامية أربعة وهي: 1 - إحراز المباحات. 2 - العقود، كالبيع والشراء. 3 - الخلفية، كالميراث. 4 - التولد من المملوك. وحق التقادم ليس سبباً من أسباب التملك الصحيحة في الشريعة الإسلامية، فلا يعتبر حق التقادم سبباً صحيحاً من أسباب كسب الحقوق أو إسقاطها ديانة، فلا يجوز شرعاً لأي إنسان أن يأخذ مال غيره بلا سبب شرعي، ويدل على ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس) رواه أحمد والبيهقي والطبراني، وقال الشيخ الألباني: صحيح، إرواء الغليل 5/ 279. ولأن الحق في الإسلام أبدي لا يزول إلا بمسوغ شرعي، ولكن المجتهدين من فقهاء الإسلام بيّنوا أن حق التقادم يكون سبباً في منع الاستماع للدعوى بعد مضيّ مدة معينة كست وثلاثين سنة أو ثلاثين سنة أو خمسة عشرة سنة أو غير ذلك، لأن إهمال صاحب الحق لحقه هذه السنوات الطويلة بلا عذر، مع تمكنه من التقاضي يدل على عدم الحق غالباً فلو كان الحق لشخص ومضى عليه زمن طويل، ولم يطالب به فلا يعني هذا زوال حقه وضياعه، ولكن العلماء اجتهدوا، فمنعوا ذلك الشخص أن يترافع أمام القضاء بعد مضي تلك السنوات الطويلة وذلك تجنباً لإثارة المشكلات في الإثبات وما يتعلق بالقضاء من أمور أخرى، فمرور الزمان أو التقادم لا يسقط الحقوق مطلقاً بل الحق يبقى لصاحبه فمن وضع يده على

ضمان صاحب الدابة لما تسببه من أضرار

قطعة أرض ليست له واستعملها سنوات طويلة لا يعني ذلك أن ملكيتها انتقلت إليه، فلا تبرأ ذمته إلا إذا أعادها إلى صاحبها، لأن الحقوق الثابتة لا يؤثر فيها مرور الزمن أو تقادم العهد. وحق التقادم المانع من سماع الدعوى أمام القضاء يكون مقبولاً إذا لم يكن هنالك عذر شرعي في عدم رفع الدعوى، وأما إذا وجد عذر شرعي في عدم رفع الدعوى فإن الدعوى تسمع ولا يعتبر حق التقادم حينئذ مانعاً من سماع الدعوى. جاء في المادة 1663 من مجلة الأحكام العدلية: " والمعتبر في هذا الباب، أي في مرور الزمن المانع لاستماع الدعوى هو مرور الزمن الواقع بلا عذر فقط، وأما في الزمن الحاصل بأحد الأعذار الشرعية ككون المدعي صغيراً أو مجنوناُ أو معتوهاً، سواء كان له وصيٌ، أو لم يكن له، أو كونه في ديار أخرى مدة السفر، أو كان خصمه من المتغلبة فلا اعتبار له، فلذلك يعتبر مبدأ مرور الزمن، من تاريخ زوال واندفاع العذر، مثلاً لا يعتبر الزمن الذي مرّ حال جنون أو عته أو صغر المدّعي، بل يعتبر مرور الزمن من تاريخ وصوله حد البلوغ، كذلك إذا كان لأحد مع أحد المتغلبة دعوى، ولم يمكنه الإدعاء لامتداد الزمن زمن تغلب خصمه وحصل مرور زمن لا يكون مانعاُ لاستماع الدعوى وإنما يعتبر مرور الزمن من تاريخ زوال التغلب ". وأخيراً يجب أن يعلم، أن القضاء في الإسلام مظهر للحق لا مثبت له، وأن حكم القاضي لا يغير حقيقة الأشياء، لأن القاضي يحكم حسب الظاهر وبحسب اجتهاده. ضمان صاحب الدابة لما تسببه من أضرار يقول السائل: دهس سائق سيارة دابة لرجل، فانحرفت السيارة فأصيب السائق بجروح، وتضررت السيارة، ونفقت الدابة، فعلى من الضمان؟

لا ضمان على صاحب البيت إن مات العامل بدون تقصير من صاحب البيت

الجواب: إن الضمان في هذه المسألة على صاحب الدابة لأنه قصّر في حفظ دابته فإن لم يربطها ولم يتخذ الوسائل الكفيلة بعدم وصولها إلى الطريق الذي تسير فيه السيارات فهو ضامن، وعليه أن يعوض السائق عن جروحه التي أصيب بها، وكذلك عليه أن يعوضه بدل الأضرار التي لحقت بسيارته، ولا يضمن السائق الدابة. والأصل في هذه المسألة ما رواه مالك في الموطأ، عن ابن شهاب، عن حرام بن سعد بن محيصة، أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائط -أي بستان- رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدته المواشي بالليل ضامن على أهلها) رواه أبو داود والنسائي، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بحوادث السيارات ما يلي: ((ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها إن كانوا مقصرين في ضبطها والفصل في ذلك للقضاء)). لا ضمان على صاحب البيت إن مات العامل بدون تقصير من صاحب البيت يقول السائل: سقط عامل عن سقالة أثناء عمله في بيت أحد الأشخاص، فأصيب العامل بكسور، والعامل يطالب صاحب البيت بالتعويض عن الضرر الذي لحق به، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إذا كان صاحب البيت ليس له علاقة بسقوط العامل لا من قريب ولا من بعيد كأن يكون العامل هو الذي نصب السقالة، فلا ضمان على صاحب البيت حتى لو أن العامل توفي، فلا شيء على صاحب

حكم المحكم لازم للمتخاصمين

البيت ما دام العامل يعرف طبيعة العمل وهو الذي تولى إعداد السقالة فجروحه هدر وكذا دمه هدر إذا مات. وقد ثبت في الحديث الصحيح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار .... ) رواه البخاري ومسلم. والعجماء هي الدابة، وجبار أي هدر. والمراد بقوله: (العجماء جبار) أي أن الدابة إذا أتلفت شيئاً، أو قتلت إنساناً من غير تقصير من صاحبها، فلا ضمان فيما فعلت. وقوله (البئر جبار) أي أنه إذا سقط أحد في بئر حفرها شخص في ملكه، فدخل أحد إلى ملك صاحب البئر فوقع فيها فمات، فدم الميت هدر، ولا شيء على صاحب البئر. (والمعدن جبار) إي إذا حفر رجل منجماً أو محجراً، فانهار على شخص فمات فدمه هدر ولا شيء على صاحب المنجم أو المحجر. وهذا ينطبق على العامل الذي يُستأجر للقيام بعمل ما فيسقط عليه جدار أو تنهار به السقالة أو يحدث حادث مفاجئ للآلة التي يعمل بها فلا ضمان على صاحب البيت ولا يجوز شرعاً تحميله شيئاً من دية الميت أو مطالبته بتعويض العامل عن الضرر الذي لحق به. حكم المحكم لازم للمتخاصمين يقول السائل: هل حكم المحكِّم أو المحكِّمين، ملزم للمتخاصمين اللذين رضيا بمبدأ التحكيم، ووافقا على المحكِّم أو المحكِّمين؟ الجواب: إن التحكيم بين الناس في الخصومات مشروع بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وثابت عن الصحابة والتابعين.

فمن كتاب الله قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) سورة النساء /35. وهذه الآية نص صريح في إثبات التحكيم كما قال القرطبي في تفسيرها، تفسير القرطبي 5/ 179. ومن السنة النبوية ما رواه البخاري في صحيحه في قصة تحكيم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - في يهود بني قريظة، وقد رضي الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسعدٍ - رضي الله عنه - حكماً. وكذلك ما رواه أبو داود بسنده عن يزيد بن المقدام عن شريح عن أبيه عن جده شريح عن أبيه هانئ: (أنه لما وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قومه، سمعهم يكّنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنّى أبا الحكم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الطرفين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أحسن هذا فما لك من الولد؟ قال: لي شريح ومسلم وعبد الله قال فمن أكبرهم؟ قال: قلت شريح فقال: أنت أبو شريح) ورواه النسائي أيضاً، وقال الشيخ الألباني: صحيح، إرواء الغليل 8/ 237. وقد وقعت حوادث كثيرة في زمن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحكّمون فيها بين المتخاصمين، فمن ذلك ما وقع لعمر - رضي الله عنه - حين ساوم على فرس لرجل فركبه فعطب الفرس، فقال عمر للرجل: خذ فرسك، فقال الرجل: لا، فقال: إجعل بيني بينك حكماً، فقال الرجل: شريح فتحاكما إليه .... الخ " رواه ابن سعد في الطبقات، وقال الشيخ الألباني: رجاله ثقات، رجال الشيخين إلا أن الشعبي لم يدرك عمر، وغير ذلك من الآثار. وإذا ثبت هذا فأقول: إن حكم المحكّم أو المحكّمين لازم للمتخاصمين، ولا يصح شرعاً رفض حكم المحكّم أو المحكّمين من قبل أحد المتخاصمين، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية في القول المعتمد عندهم، والحنابلة، وهو قول الظاهرية، ونقل عن جماعة من السلف.

يجوز الصلح بإسقاط الحق

ويدل على هذا، أن المتخاصمين ما داما قد قبلا بالتحكيم ورضيا بالمحكّم أو المحكّمين فلا بد لهما من قبول الحكم الذي يصدر عن المحكّم أو المحكمين. ولولا أن حكم المحكّم لازم للمتخاصمين لما كان للترافع إليه أي معنىً، قياساً على الحاكم المولّى من ولي الأمر. وقد جاء في المادة 1448 من مجلة الأحكام العدلية ما يلي: "كما أن حكم القضاة لازم الإجراء في حق جميع الأهالي الذين في داخل قضائهم كذلك حكم المحكّمين لازم الإجراء، على الوجه المذكور في حق من حكّمهم وفي الخصوص الذي حكموا به، فلذلك ليس لأي واحد من الطرفين الإمتناع عن قبول حكم المحكّمين بعد حكم المحكّمين حكماً موافقاً لأصوله المشروعة ". ومما ينبغي التنبيه عليه، أن حكم المحكّم أو المحكّمين يكون مقبولاً إذا كان موافقاً للأصول الشرعية، وينبغي أن يكون المحكّم أو المحكّمين من أهل العلم والخبرة في الشرع وفي القضية التي هي محل التحكيم. ومن العلماء من يشترط في المحكّم أن يكون أهلاً للقضاء. وينبغي أن لا يكون المحكّم قريباً لأحد المتخاصمين، قرابة تمنع الشهادة، حتى يكون أقرب إلى العدل، وأبعد عن التهمة. يجوز الصلح بإسقاط الحق يقول السائل: هل يجوز لمن أصلح بين اثنين في خلاف مالي أن يطلب من أحدهما إسقاط بعض حقه عن الآخر؟ الجواب: نعم، يجوز شرعاً للمصلح بين المتخاصمين أن يطلب من أحدهما إسقاط بعض حقه عن الآخر لإتمام الصلح بينهما، وإنهاء

النزاع والخصومة فمن المعلوم عند أهل العلم أن الصلح جائز ومشروع بنص كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد قال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) سورة النساء /114. وقال تعالى: (وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) سورة النساء /128. وورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصلح جائز بين المسلمين، إلا ما حرّم حلالاً أو أحل حراماً، والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما، وهو حديث حسن. وقد ثبت في الحديث الصحيح، عن كعب بن مالك - رضي الله عنه -، أنه كان له على عبد الله ابن بي حدرد الأسلمي مال، فلقيه فلزمه حتى ارتفعت أصواتهما، فمرّ بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا كعب، فأشار بيده كأنه يقول النصف، فأخذ نصف ماله عليه وترك نصفاً) رواه الإمام البخاري. وفي رواية للبخاري أيضاً، عن كعب أنه تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته - أي ستر البيت -، فنادى: (يا كعب قال: لبيك يا رسول الله، فقال: ضع من دينك هذا، وأومأ إليه، أي الشطر، قال: لقد فعلت، قال: قم فاقضه). وفي هذا الحديث دلالة على جواز الشفاعة لصاحب الحق أن يسقط شيئاً من حقه حيث أشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكعب لكي يسقط نصف دينه عن عبد الله بن أبي حدرد ثم أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد أن يسدد الشطر الثاني من الدين لكعب بن مالك. والله الهادي إلى سواء السبيل

المرأة والأسرة

المرأة والأسرة

تغريب النكاح

تغريب النكاح يقول السائل: ما المقصود بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (غربوا النكاح، لا تضووا)؟ الجواب: إن الحديث المذكور، لم يثبت عن الرسول- صلى الله عليه وسلم -، وإنما ورد من كلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقد روى إبراهيم الحربي في غريب الحديث، عن عبد الله بن المؤمل، عن أبي مليكة قال: قال عمر لآل السائب: قد أضوأتم، فانكحوا في النوابغ، قال الحربي: يعني تزوجوا الغرائب، ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير 3/ 146. وورد في رواية أخرى، أن عمر بن الخطاب قال لبني السائب - وقد اعتادوا الزواج بقريباتهم -: " مالي أراكم يا بني السائب قد ضويتم، غربوا النكاح لا تضووا ". قال العلامة ابن منظور في لسان العرب: " وغلام ضاوي، وكذلك غير الإنسان من أنواع الحيوان، وما أدري ما أضواه، وأضوى الرجل، ولد له ولد ضاويٍ، وكذلك المرأة وفي الحديث اغتربوا لا تضووا، أي تزوجوا في البعاد الأنساب لا في الأقارب لئلا تضووا أولادكم، وقيل معناه، انكحوا في الغرائب دون القرائب فإن ولد الغريبة أنجب وأقوى وولد القريبة أضعف

قراءة الفاتحة عند عقد الزواج بدعة

وأضوى، .... ومعنى لا تضووا، أي لا تأتوا بأولاد ضاوين أي ضعفاء .... الخ " لسان العرب / مادة ضوى. وتغريب النكاح مطلوب لأن زواج الأقارب وخاصة إذا كان متكرراً في نطاق الأسرة الواحدة فإنه قد ينتج عنه نسل ضعيف، والزواج من الأقارب هو واسطة لإظهار الصفات المَرَضيِّة الكامنة وتكثيفها في النسل. وقال الإمام الشافعي: " ليس من قوم لا يخرجون نسائهم إلى رجال غيرهم ولا يخرجون رجالهم إلى نساء غيرهم إلا جاء أولادهم حمقى " الإنتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء ص98. قراءة الفاتحة عند عقد الزواج بدعة يقول السائل: جرت عادة كثير من الناس أنه عندما يتم عقد قران رجل على امرأة وبعد أن يتم الإتفاق على المهر وتوابعه، فإنهم يقرأون الفاتحة، فما حكم ذلك؟ الجواب: إن الناس قد ابتدعوا أموراً كثيرة مخالفة لهدي النبي- صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بقراءة القرآن الكريم بشكل عام، وقراءة سورة الفاتحة بشكل خاص. فترى وتسمع قارئ القرآن بعد أن ينهي قراءته، يقول الفاتحة، ونرى المدرس بعد أن ينهي درسه يقول الفاتحة، وكذلك فإنهم يقرأون الفاتحة عند اتفاق الناس على أمر ما، مثل إقامة شركة بين اثنين مثلاً، فبعد الإتفاق يقولون الفاتحة، وكذلك بعد إجراء مراسم الصلح يقولون الفاتحة، وكذلك ما جاء في السؤال، فإنهم يقرأون الفاتحة بعد الإتفاق على التفاصيل المتعلقة بعقد النكاح، وغير ذلك من الحالات التي تقرأ فيها سورة الفاتحة. وكل ذلك من الأمور المبتدعة في الدين التي ليس عليها دليل من الشرع، ولم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء في ذلك، ولا يجوز شرعاً لأحد أن يخص سورة الفاتحة أو آية من القرآن الكريم بالتلاوة قي وقت معين أو

لغرض معين، إلا ما خصه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما ثبت في السنة من تخصيص قراءة سورة الفاتحة للرقية، وقراءة آية الكرسي عندما يريد الإنسان النوم حفظاً من الشيطان، وقراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) للرقية فهذا وأمثاله جائز لثبوته عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأدلة صحيحة. وأما تخصيص قراءة الفاتحة في الحالات الذي ذكرتها سابقاً فلا يجوز، لأنه أمر محدث، والرسول- صلى الله عليه وسلم - يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم. وقال- صلى الله عليه وسلم - (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) رواه أبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح. وقد شرع لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عند النكاح، خطبة النكاح، قال الإمام الترمذي: " باب ما جاء في خطبة النكاح، ثم ذكر حديث ابن مسعود، الذي ذكره ابن القيم مضمونه في كلامه الآتي. وقال العلامة ابن القيم: " فصل في هديه - صلى الله عليه وسلم - في أذكار النكاح، ثم قال: ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه علمهم خطبة الحاجة، وهي (الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم يقرأ الآيات الثلاث: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران /102 (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ

ماذا يترتب على العدول عن الخطبة

مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) سورة النساء /1 (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب /72,71. قال شعبة: " قلت لأبي اسحاق هذه في خطبة النكاح أو في غيرها؟ قال: في كل حاجة " زاد المعاد 2/ 454 - 455. هذه هي السنة الثابتة عن الرسول- صلى الله عليه وسلم -، فعلينا إتباعها، فإن الخير كل الخير في الإتباع، وإن الشر كل الشر في الإبتداع. ماذا يترتب على العدول عن الخطبة يقول السائل: خطب رجل امرأة، ثم تراجع أهل الزوجة عن الخطبة، فماذا يترتب على رجوعهم عن الخطبة، حيث أنه أعطى المرأة جزءاً من المهر وأهداها حلياً وملابس وتكلّف مبلغاً من المال في حفل الخطبة، وهو يطالب بذلك؟ الجواب: إن الخطبة عند الفقهاء، هي وعد بالزواج، وليست عقد زواج، ويجوز شرعاً العدول عن الخطبة إذا كان العدول لسبب شرعي، كأن يظهر في أحد الخاطبين عيب يخل بالزواج أو يعرف أحد الخاطبين عن الآخر أمراً مخلاً بدينه. ويرى جماعة من أهل العلم أنه يحرم الرجوع عن الخطبة لغير سبب شرعي، لأن الخطبة وعد بالزواج، والوفاء بالوعد واجب شرعاً، فإذا أخل أحد الخاطبين بذلك فهو آثم شرعاً، وهو مذهب قوي تؤيده عمومات الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، الآمرة بالوفاء بالوعود والعهود. وبالنسبة لما دفعه الخاطب، فما دفعه على سبيل المهر، فله استرداده،

إخبار الطبيب الخاطب عن مرض المخطوبة

فإذا دفع لها ألف دينار مثلاً، فله الحق في استرداد المبلغ كاملاً، فإذا كانت المخطوبة قد اشترت بالمبلغ ذهباً، وجب رد المبلغ إليه، وهو غير ملزم بأخذ الذهب الذي اشتري بما دفع. وأما إذا أعطاها ذهباً، فإنه يسترد الذهب الذي دفعه إليها، فإن كانت المخطوبة قد باعت الذهب مثلاً، فله أن يسترد مثل الذهب الذي أعطاها، إن كان له مثل أو قيمته. وأما بالنسبة للهدايا التي أهداها الخاطب للمخطوبة، فللخاطب أن يسترد الهدايا التي ما زالت موجودة أو قائمة، وأما الهدايا المستهلكة، فليس له استرداد قيمتها وهذا ما أخذ به قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا وأما بالنسبة للنفقات التي بذلها الخاطب في حفل الخطوبة، فليس له المطالبة بها. إخبار الطبيب الخاطب عن مرض المخطوبة يقول السائل: إنه يريد أن يتقدم لخطبة فتاة، وقد علم أنها مريضة بمرض في القلب فذهب إلى الطبيب الذي يعالجها وسأله عن مرض الفتاة فرفض الطبيب أن يخبره بأي شيء يتعلق بمرض الفتاة، وأخبره أن ذلك من الأسرار المتعلقة بالمريض، ولا يجوز للطبيب أن يبوح بها، فما قولكم في هذه القضية؟ الجواب: لا شك أن من واجبات الطبيب أن يكتم أسرار المريض فلا يبوح بها إلا في حالات خاصة، سأذكرها فيما بعد. وكتمان الأسرار أمر مطلوب شرعاً في كثير من شؤون الحياة، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، أو تفضي إليه، ثم ينشر سرها) رواه مسلم.

وعن أنس بن مالك قال: (أتى عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا ألعب مع الغلمان قال: فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك، قلت بعثني رسول الله في حاجة، قالت ما حاجته، قال: إنها سر، قالت: لا تحدثن بسر رسول الله أحداً) رواه مسلم. فانظر رعاك الله، إلى هذا الموقف العظيم من هذا الغلام وأمه في المحافظة على سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكشف الأسرار يلحق الأذى والضرر بالناس، وهو من خيانة الأمانة والمطلوب من الطبيب أن يكتم أسرار المريض، لأن المريض غالباً ما يبوح للطبيب المعالج بأسراره، فالأصل هو الكتمان. ((جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بقضية السر في مهنة الطب ما يلي: 1) أ. السر هو ما يفضي به الإنسان إلى آخر مستكتماً إياه من قبل أو من بعد ويشمل ما حفت به قرائن دالة على طلب الكتمان، إذا كان العرف يقضي بكتمانه كما يشمل خصوصيات الإنسان وعيوبه التي يكره أن يطلع عليها الناس. ب. السر أمانة لدى من استودع حفظه، إلتزاماً بما جاءت به الشريعة الإسلامية وهو ما تقضي به المروءة وآداب التعامل. ج. الأصل حظر إفشاء السر، وإفشاؤه بدون مقتضٍ معتبر موجب للمؤاخذة شرعاً. د. يتأكد واجب حفظ السر على من يعمل في المهن التي يعود الإفشاء فيها على أصل المهنة بالخلل، كالمهن الطبية، إذ يركن إلى هؤلاء ذوو الحاجة إلى محض النصح وتقديم العون، فيفضون إليهم بكل ما يساعد على حسن أداء هذه المهام الحيوية، ومنها أسرار لا يكشفها المرء لغيرهم حتى الأقربين إليه. 2) تستثنى من وجوب كتمان السر، حالات يؤدي فيها كتمانه إلى

ضرر يفوق ضرر إفشائه بالنسبة إلى صاحبه، أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح على مضرة الكتمان، وهذه الحالات على ضربين: أ. حالات يجب فيها إفشاء السر بناءً على قاعدة ارتكاب أهون الضررين، لتفويت أشدهما وقاعدة تحقيق المصلحة العامة التي تقضي بتحمل الضرر الخاص لدرء الضرر العام، إذا تعين ذلك لدرئه، وهذه الحالات نوعان: . ما فيه درء مفسدة عن المجتمع. وما فيه درء مفسدة عن الفرد ب. حالات يجوز فيها إفشاء السر لما فيه: . جلب مصلحة للمجتمع. أو درء مفسدة عامة وهذه الحالات يجب الإلتزام فيها بمقاصد الشريعة وأولياتها من حيث حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل. ج. الإستثناءات بشأن مواطن وجوب الإفشاء أو جوازه، ينبغي أن ينص عليها في نظام مزاولة المهن الطبية وغيرها من الأنظمة موضحة ومنصوصاً عليها، على سبيل الحصر مع تفصيل كيفية الإفشاء، ولمن يكون، وتقوم الجهات المسؤولة بتوعية الكافة بهذه المواطن. 3) يوصي المجمع نقابات المهن الطبية ووزارات الصحة وكليات العلوم الصحية، بإدراج هذا الموضوع ضمن برامج الكليات والإهتمام به وتوعية العاملين في هذا المجال بهذا الموضوع ووضع المقررات المتعلقة به والإستفادة من الأبحاث المقدمة في هذا الموضوع)) مجلة المجمع الفقهي 8/ 3/409 - 410. وبناءً على ما سبق، أنصح السائل أن يتوجه لأهل تلك الفتاة التي يريد خطبتها ويعلمهم أنه يريد خطبة ابنتهم وأنه علم أنها مريضة بالقلب ويريد أن يعرف عن مرضها من الطبيب المعالج، ويكون ذلك برفقة واحد من أهلها فيخبره الطبيب حينئذ بحقيقة مرضها وهو مطمئن أنه لا يكشف سراً. وأما ذهابه إلى الطبيب مباشرة ليسأله عن المريضة فهو غير مقبول،

بطلان الدعوة إلى تأخير سن الزواج

لأن بعض الناس قد يستغل مثل هذه الحالات في أمور لا تحمد عقباها. بطلان الدعوة إلى تأخير سن الزواج يقول السائل: يطالب بعض الناس بتأخير سن الزواج، ويرفضون الزواج المبكر، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: حض الإسلام على الزواج ورغّب فيه والزواج من سنة النبي- صلى الله عليه وسلم - ومن طريقته وهديه عليه الصلاة والسلام، والزواج المبكر أفضل وأولى من تأخير سن الزواج في حق الذكر والأنثى على السواء، يقول الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) سورة النور /32. قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: "هذه المخاطبة تدخل في باب الستر والصلاح أي زوجوا من لا زوج له منكم، فإنه طريق التعفف، والخطاب للأولياء .... وقوله (الأيامى منكم)، أي الذين لا أزواج لهم من النساء والرجال " تفسير القرطبي 12/ 236. وقد حض الرسول - صلى الله عليه وسلم - على التبكير في الزواج وعدم تأخيره فمن ذلك - ما جاء في حديث طويل، عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حيث قال: (اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد الطلب فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين قالا لي وللفضل بن عباس، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .... إلى أن قال: وقد بلغنا النكاح .... فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمحمية - رجل كان مسؤولاً عن الصدقات -: (أنكح هذا الغلام ابنتك -للفضل بن عباس- فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك -لي- عبد المطلب بن ربيعة، فأنكحني .... الخ الحديث) رواه مسلم. والشاهد في هذا، قول عبد المطلب " وقد بلغنا النكاح " أي الحلم كقوله تعالى: (حتى إذا بلغوا النكاح) أي أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر بتزويجهما وهما غلامان.

- ما رواه مسلم بإسناده عن فاطمة بنت قيس، وفيه أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تتزوج أسامة بن زيد، حيث قال لها: (أنكحي أسامة بن زيد، فكرهته، ثم قال أنكحي أسامة بن زيد، فنكحته فجعل الله فيه خيراً كثيراً، واغتبطت به)، وقد كان أسامة بن زيد يوم زوجه النبي- صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت قيس، دون السادسة عشرة من عمره. - وعن عائشة رضي الله عنها، أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قال: (لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أُنفِقَهُ) رواه ابن ماجة وأحمد، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 16. والمراد أنه لو كان أسامة بن زيد بنتاً لزينه وألبسه الحلي حتى يتزوج. - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم، وهو حديث حسن، كما قال الشيخ الألباني، صحيح سنن الترمذي 1/ 315. - وعن علي - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (يا علي، ثلاثٌ لا تؤخرها، الصلاة إذا آنت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفؤاً) رواه الترمذي وقال: غريب حسن، كما نقله الألباني في المشكاة 1/ 192. والأيم هي المرأة التي لا زوج لها. وبناءً على ما تقدم، نرى أن الأصل في الفتاة أن تتزوج إذا تقدم لها الخاطب الكفؤ ما دامت بالغة عاقلة، ولا يجوز لوليها أن يتأخر في تزويجها إذا وجد الكفؤ وقد ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: " زوجوا أولادكم إذا بلغوا لا تحملوا آثامهم " ذكره ابن الجوزي في أحكام النساء ص304. وهذا يشمل الذكور والإناث فينبغي للولي أن لا يتأخر في تزويج أولاده وبناته حتى لا يقعوا في المعاصي والآثام. وورد عن الحسن البصري أنه قال: " بادروا نساءَكم التزويج ".

أخذ الزوجة من مال زوجها البخيل دون إذنه

وذكر ابن الجوزي عن بعض السلف أنه قال: " كان يقال العجلة من الشيطان إلا في خمس، إطعام الطعام إذا حضر الضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب " أحكام النساء ص304. وقد أورد بعض أهل العلم أضرار تأخير زواج الفتاة فقال: "والواقع أن في تأخير زواج الأنثى إذا بلغت، أضراراً كثيرة. منها: احتمال انزلاقها إلى الفاحشة. ومنها: أن يفوتها الزوج الكفؤ. ومنها: قد يفوتها قطار الزواج بالكلية. ومنها: كدورة نفسها، وكراهية وليها الذي أخر زواجها بعدم قبوله من تقدم إليها من الخطّاب الأكفاء وقد يصدر منها ما لا تحمد عقباه. ومنها: قد يصيب نفسها شيء من التعقيد والسخط على كل من حولها، ولا شك أن الولي يتحمل قسطه من هذه النتائج والآثام بسبب تأخيره تزويجها " المفصل في أحكام المرأة 6/ 309 وينبغي التذكير بأن قانون الأحوال الشخصية المعمول به في بلادنا، قد حدد أقل سن للزواج كما جاء في المادة الخامسة منه ما يلي: ((يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين، وأن يتم الخاطب السنة السادسة عشرة وأن تتم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر)). وهذا تحديد مقبول ينبغي العمل به. ***** أخذ الزوجة من مال زوجها البخيل دون إذنه تقول السائلة: إن زوجها بخيل جداً في الإنفاق عليها وعلى أولاده فتأخذ نقوداً منه خفية، فهل يجوز لها ذلك؟

الجواب: إن إنفاق الزوج على زوجته وأولاده واجب باتفاق أهل العلم، ويدل على ذلك: قوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة البقرة/233. وقوله تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) سورة الطلاق/7. قال الإمام البخاري في صحيحه: " باب وجوب النفقة على الأهل والعيال ". وقال الحافظ ابن حجر: " الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة، وعطف العيال عليها من العام بعد الخاص .... ، ثم ساق الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وإبدأ بمن تعول، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني إلى من تدعني). وقد حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الإنفاق على الأهل والعيال والمنفق مأجور إن شاء الله حيث قال: (إذا أنفق المسلم نفقة على أهله، وهو يحتسبها كانت له صدقة) رواه البخاري. ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن المهلب قوله: " النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع " فتح الباري 11/ 425. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة - عتق رقبة -، ودينار أنفقته على أهلك) رواه مسلم.

يحرم استئصال القدرة على الحمل إلا لضرورة ملحة

وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله) رواه مسلم. وإذا تقرر هذا، فنعود إلى جواب السؤال فنقول: يجوز لزوجة البخيل أن تأخذ من مال زوجها البخيل ما يكفي للإنفاق عليها وعلى أولادها بالمعروف أي ما تحصل به الكفاية من غير تقتير ولا إسراف. ويدل على ذلك ما ورد في قصة هند زوج أبي سفيان كما رواها الإمام البخاري في صحيحه حيث قال البخاري: " باب إذا لم ينفق الرجل، فللمرأة أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف، ثم روى بسنده عن عائشة رضي الله عنها، أن هنداً بنت عتبة قالت: " يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال رسول الله: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). والمراد بالمعروف، أي أنها تأخذ القدر الذي عرف بالعادة أن فيه الكفاية لها ولولدها. يحرم استئصال القدرة على الحمل إلا لضرورة ملحة تقول السائلة: إنها أصيبت بمرض الأزمة وضيق التنفس، ونصحها بعض الأطباء بإغلاق مواسير الحمل، وفعلت ذلك، والآن ضميرها يؤنبها، وتسأل إن كان عليها كفارة لذلك؟ الجواب: إن نعمة التناسل من أعظم النعم على الإنسان وقد منَّ الله سبحانه وتعالى على عباده بهذه النعمة في آيات كثيرة منها، قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة الحجرات /13. وقوله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ

أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ) سورة النحل /72. وحث النبي- صلى الله عليه وسلم - على الزواج وعلى تكثير الأولاد فقال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) رواه ابن حبان وأحمد والطبراني وغيرهم، وقال الشيخ الألباني: صحيح، إرواء الغليل 6/ 195. وغير ذلك من النصوص الشرعية. وبناءً على ما تقدم، يحرم اتخاذ وسيلة تؤدي إلى قطع النسل نهائياً إلا في حالات الضرورة بضوابطها الشرعية. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الخاص بتنظيم النسل ما يلي: ((وبناءً على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية، الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني، وإنه لا يجوز إهدار هذا المقصد، لأن إهداره يتنافى مع النصوص الشرعية وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها قرر ما يلي: 1 - لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب. 2 - يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل والمرأة، وهو ما يعرف (بالإعقام) أو (التعقيم)، ما لم تدع إلى ذلك ضرورة بمعاييرها الشرعية. 3 - يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب، بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة بحسب تقدير الزوجين، عن تشاور بينهما وتراضٍ بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم)). وعليه فإن هذه المرأة قد ارتكبت إثماً عندما أقدمت على إغلاق مواسير الحمل، لأن مرضها ليس داعياً لمنع الحمل نهائيا، وكذلك فقد أثم الطبيب الذي أشار عليها بذلك.

يحرم تمزيق الملابس عند الحزن والغضب

وعلى هذه المرأة والطبيب أن يتوبا إلى الله توبة صادقة، ويكثرا من فعل الخيرات ولا أعلم كفارة معينة تلزمهما، إلا ما ذكرت من التوبة. يحرم تمزيق الملابس عند الحزن والغضب يقول السائل: ما حكم المرأة التي تمزق ملابسها عند الغضب من زوجها وأولادها؟ الجواب: لقد ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) رواه البخاري ومسلم قال الحافظ ابن حجر: " قوله (ليس منا) أي ليس من أهل سنتنا وطريقتنا، وليس المراد به إخراجه عن الدين، ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ، المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك " فتح الباري 3/ 406. وشق الجيوب يقصد به شق الملابس وتمزيقها، والأصل أن الجيب هو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس، وشق الجيوب من أفعال الجاهلية وهو من علامات السخط وعدم الرضا، وكثير من النساء يقمن بشق الجيوب عند وفاة الزوج أو أحد الأقارب أو عند الغضب الشديد، وهذا أمر لا يجوز شرعاً، فقد ثبت في الحديث عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: "وجع أبو موسى وجعاً فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً فلما أفاق قال: أنا بريء مما برئ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (برئ من الصالقة والحالقة والشاقة) رواه البخاري ومسلم. والصالقة هي التي ترفع صوتها بالبكاء وتصيح، والحالقة التي تحلق شعر رأسها عند المصيبة، كما كانت نساء الجاهلية يفعلن، والشاقة التي تشق ثوبها.

المعتدة عدة وفاة لا تسافر لحج أو عمرة

وفي رواية أخرى عن أبي بردة قال: أغمي على أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه -، فأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة، ثم أفاق فقال: ألم تعلمي؟، وكان يحدثها أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قال: (أنا بريء ممن حلق وصلق وخرق) رواه البخاري ومسلم. قال صاحب مرقاة المفاتيح: " وكان الجميع من صنع الجاهلية، وكان ذلك في أغلب الأحوال من صنيع النساء " مرقاة المفاتيح 4/ 209. وجاء في حديث آخر، عن أسيد بن أبي أسيد عن امرأة من المبايعات قالت: (كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا، أن لا نعصيه فيه، أن لا نخمش وجهاً، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، ولا ننشر شعراً) رواه أبو داود، وقال الشيخ الألباني: صحيح. وجاء في حديث آخر عن أبي أمامة: (أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور) رواه ابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: صحيح. وخلاصة الأمر أن هذه الأحاديث تدل على حرمة الأمور المذكورة من لطم الخدود، وشق الجيوب ونشر الشعر، لأن ذلك يعني عدم الرضا بالقضاء. المعتدة عدة وفاة لا تسافر لحج أو عمرة يقول السائل: امرأة توفي عنها زوجها، وتريد أن تسافر إلى مكة المكرمة لتؤدي العمرة، وهي ما زالت في عدتها، فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يجوز للمعتدة عدة الوفاة، السفر إلى الحج أو العمرة على الراجح من أقوال أهل العلم، والأصل أن المرأة التي يموت زوجها، ينبغي عليها أن تمكث في بيتها ولا تخرج منه إلا لحاجاتها الأساسية، ويدل على ذلك ما جاء في الحديث، أن أخت أبي سعيد الخدري، وهي

حكم خروج المعتدة عدة وفاة من بيتها

الفريعة بنت مالك مات زوجها، فسألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ترجع إلى أهلها، فقال لها النبي- صلى الله عليه وسلم -: ( .... أمكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله) قالت: " فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً " رواه أبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - وغيرهم لم يروا للمعتدة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها، تحفة الأحوذي 4/ 329. وقد ورد عن عمر - رضي الله عنه -، " انه كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج " رواه مالك في الموطأ والبيهقي وعبد الرزاق. وروى عبد الرزاق عن مجاهد قال: " كان عمر وعثمان يرجعانهن حواج ومعتمرات من الجحفة وذي الحليفة " المصنف 7/ 33. قال الشيخ ابن قدامة: " إن المعتدة من الوفاة، ليس لها أن تخرج إلى الحج ولا إلى غيره رُويَ ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي والثوري " المغني 8/ 166. وقال الشيخ ابن قدامة أيضاً: " ولو كانت عليها حجة الإسلام فمات زوجها، لزمتها العدة في منزلها، وإن فاتها الحج، لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام " المغني 8/ 168. حكم خروج المعتدة عدة وفاة من بيتها يقول السائل: ما حكم خروج المرأة المتوفى عنها زوجها من بيتها أثناء عدتها؟ وهل يجوز لها أن تسافر للحج أو للعمرة خلال العدة؟ الجواب: إن الأصل في عدة المعتدة عدة وفاة أن تبقى في البيت

الذي توفي فيه زوجها، وأن لا تخرج منه نهاراً إلا لحاجة، وأن لا تخرج منه ليلاً إلا لضرورة ويدل على ذلك، ما ورد في الحديث، عن فُرَيعة بنت مالك قالت: " خرج زوجي في طلب عبيد له قد هربوا فأدركهم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دارٍ شاسعة من دور أهلي، فأتيت النبي- صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته وليس المسكن له، فتحولت إلى أهلي وإخواني، فكان أرفق لي في بعض شأني، فقال: (تحولي)، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني فقال: (امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله)، قالت: فاعتددت أربعة أشهر وعشراً " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، وقال الترمذي: حسن صحيح. قال الشيخ الشوكاني: " وقد استدل بحديثها - أي الفريعة - هذا على أن المتوفى زوجها عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه ولا تخرج منه إلى غيره، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين من بعدهم " نيل الأوطار 6/ 336. ثم إن هذا القول نقل عن عمر وعثمان وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء، وهو قول المالكية والحنفية والشافعية، قال ابن عبد البر: " وقد قال بحديث الفريعة جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر ولم يَطعَن فيه أحد منهم " نيل الأوطار 6/ 336. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " المعتدة عدة الوفاة تتربص أربعة أشهر وعشرا، وتتجنب الزينة والطيب في بدنها وثيابها، ولا تتزين ولا تتطيب ولا تلبس ثياب الزينة، وتلزم منزلها ولها أن تأكل كل ما أباحه الله .... ولا يحرم عليها عمل شغل من الأشغال المباحة، مثل التطريز والخياطة والغزل وغير ذلك مما تفعله النساء، ويجوز لها ما يباح لها في غير العدة، مثل كلام من تحتاج إلى كلامه من الرجال إذا كانت مستترة وغير ذلك، وهذا الذي ذكرته هو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يفعله نساء الصحابة إذا مات أزواجهن، مجموع الفتاوى 34/ 27 - 28.

وبناءً على ما سبق، يجوز للمعتدة عدة الوفاة أن تخرج في حوائجها الأصلية، كخروجها للتداوي أو لزيارة والديها المريضين أو للاكتساب إن لم يوجد من ينفق عليها كأن تكون موظفة فيجوز لها الخروج إلى وظيفتها، ويجوز لها الخروج ليلاً إن اضطرت إلى ذلك، كأن تضطر للذهب إلى المستشفى ليلاً ونحو ذلك. وأما خروجها إلى غير حوائجها فلا يجوز، وقد نص الفقهاء على أنها لا تخرج لزيارة قريب ولا لتجارة ولا لتهنئة ولا لتعزية. وأما سفر المعتدة عدة الوفاة إلى الحج أو العمرة فلا يجوز حتى لو كان حج الفرض، قال الشيخ ابن قدامة: " إن المعتدة من وفاة ليس لها أن تخرج إلى الحج أو لغيره وروي ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي والثوري " المغني 8/ 167. وهو قول الحنابلة أيضاً. وقال الشيخ ابن قدامة أيضاً: " ولو كانت حجة الإسلام، فمات زوجها، لزمتها العدة في منزلها وإن فاتها الحج، لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها، والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام " المغني 8/ 168. ومما يدل على ذلك ما رواه سعيد بن منصور بسنده عن مجاهد عن سعيد بن المسيب قال: " ردّ عمر بن الخطاب نساءً حاجات أو معتمرات توفي أزواجهن من ذي الحليفة ". وروى عبد الرزاق بسنده عن مجاهد قال: " كان عمر وعثمان يرجعانهن حواج ومعتمرات من الجحفة وذي الحليفة " المصنف 7/ 33. وأما ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها حجت بأختها في عدتها، فقد ورد أن القاسم بن محمد قال: " أبى الناس ذلك عليها " المصنف لعبد الرزاق 7/ 30.

ضرب الزوج زوجته مشروع بشروط

وكذلك لا يجوز للمعتدة عدة وفاة أن تسافر لأي غرض آخر، ويجب أن يعلم أن العدة فرض في حق المرأة المتوفى عنها زوجها، سواء دخل بها أو لم يدخل بها لأنها في الحالتين زوجته شرعاً. ضرب الزوج زوجته مشروع بشروط تقول السائلة: إن زوجها يضربها باستمرار، فهو يضربها عند حصول أي نقاش بينهما ويضربها إن قصرت في شيء، وتقول إنه يضربها ضرباً مبرحاً يترك آثاراً على وجهها وجسمها، فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: يقول الله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) سورة النساء /34. قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: " قوله تعالى (واضربوهن) أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولاً، ثم بالهجران، فإن لم ينجعا فالضرب، فإنه هو الذي يصلحها ويحملها على توفية حقه، والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح .... " تفسير القرطبي 5/ 172. لا شك أن ضرب الزوج لزوجته مشروع، والضرب إحدى وسائل التأديب، ولكن لا يجوز للزوج أن يبادر إلى ضرب زوجته ابتداءً، ولا بد أن يعظها أولاً، فإن نفع الوعظ فبها ونعمت، وإن لم ينفعها الوعظ هجرها في المضجع، فإن أخفق الهجر في ردها إلى جادة الصواب، فإنه حينئذ يلجأ إلى الضرب، وليس المقصود بالضرب إلحاق الأذى بالزوجة كأن يكسر أسنانها أو يشوه وجهها، وإنما المقصود بالضرب هو إصلاح حال المرأة، ويكون الضرب غير مبرح، وكذلك لا يجوز الضرب على الوجه والمواضع الحساسة في الجسد، وقد ورد في ذلك أحاديث منها: - قوله - صلى الله عليه وسلم -: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح) رواه مسلم.

- قوله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع: (ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فأنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. - وقال الإمام البخاري: باب ما يكره من ضرب النساء، وقول الله تعالى (واضربوهن) أي ضرباً غير مبرح "، ثم ساق البخاري بإسناده إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم) وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على عنوان الباب: وفيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقاً، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم " فتح الباري 11/ 214. - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل) رواه مسلم. - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا ضرب أحدكم، فليتق الوجه) رواه مسلم. - وعن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) رواه أبو داود، وقال الألباني: صحيح. وخلاصة الأمر، أنه لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ابتداءً، وإنما يكون ذلك بعد الوعظ، وبعد الهجران. ويجب أن يكون الضرب غير مبرح، فإن الضرب المبرح حرام لما سبق في الأحاديث، قال عطاء: " الضرب غير المبرح بالسواك ونحوه،

نظام الأحوال الشخصية بين الثبات والتطور

وقال الحافظ ابن حجر: " إن كان لا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير " فتح الباري 11/ 215. وعلى الزوج أن يتجنب ضرب الوجه والمواضع الحساسة في الجسد. نظام الأحوال الشخصية بين الثبات والتطور يقول السائل: ما قولكم في الاعتراضات التي أثيرت حول قانون الأحوال الشخصية؟ الجواب: اطلعت على دراسة لقانوني الأحوال الشخصية في الضفة الغربية وقطاع غزة أعدها المحامي كارم نشوان، وناقشها البرلمان الصوري الفلسطيني وأود أن أبين وأناقش بإيجاز بعض القضايا التي وردت في الدراسة المذكورة. 1 - عرضت الدراسة لبعض التوجهات، وأكدت عليها واعتبرتها مرتكزات للتعديلات المقترحة، وقد تبين لي ضعف هذه الأسس والمرتكزات، وأنها تشتمل على مغالطات تصادم الأحكام الشرعية المستمدة من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأول تلك التوجهات كما جاء في الدراسة: " الشريعة الإسلامية هي مصدر أساسي من مصادر القاعدة القانونية لقانون الأحوال الشخصية ". وأقول: إن الشريعة الإسلامية، هي المصدر الأساسي والوحيد لنظام الأحوال الشخصية، فأحكام الأحوال الشخصية تؤخذ وتستمد من القرآن الكريم ومن السنة النبوية وما اعتمد عليهما من اجتهادات فقهاء الإسلام، ولا تؤخذ من أي مصدر آخر. وإذا قلنا إن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي، فمعنى ذلك أنه يوجد مصادر أخرى وإن كانت غير أساسية، وهذا منطق مرفوض رفضاً باتّاً مخالف لشرع الله تعالى.

2 - قال كاتب الدراسة: إنه يريد أن يفرق في الشريعة الإسلامية بين حدود دين الله سبحانه وتعالى والتي لا يجوز شرعاً تغييرها وبين حدود البشر واجتهاداتهم. وأقول: إن هذا الفهم خاطئ لمبدأ الاجتهاد في دين الإسلام فإن الفقهاء المسلمين لما اختلفوا في الأحكام الشرعية الفرعية، بنوا اجتهاداتهم على قواعد وأسس شرعية صحيحة فكل اجتهاد لفقيه من فقهاء الإسلام يقع ضمن دائرة الإسلام ولا يخرج عنها إلا من شذ ولا عبرة بالشاذ، والأئمة المجتهدون لا يقولون في دين الله بأهوائهم ولا برغباتهم، وإنما يعتمدون على مصادر الشريعة الإسلامية من كتاب وسنة وإجماع وقياس وغيرها من المصادر. 3 - إن القول بأن الأحكام الشرعية تقبل التطوير والتغيير والاستدلال على ذلك بأن الإمام الشافعي غيّر مذهبه القديم إلى مذهبه الجديد. إن هذا الكلام غير صحيح ولا يستند على أسس علمية معتبرة، وينم عن عدم معرفة بما غيره الإمام الشافعي في مصر من مذهبه القديم فإن علماء الإسلام متفقون إتفاقاً تاماً على أن الأحكام الشرعية الثابتة بكتاب الله وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم - لا تقبل التغيير ولا التبديل إلى يوم القيامة، وأما الأحكام التي يمكن أن يدخلها التغيير، فإنها بعض الأحكام المبنية على الاجتهاد، كالأحكام التي تبنى على المصلحة والعرف، والإمام الشافعي لما تراجع عن مذهبه القديم في العراق، وأنشأ المذهب الجديد في مصر لم يغير أي حكم من الأحكام المبنية على النصوص الصريحة من الكتاب أو السنة. وبناءً على ذلك، فكل حكم ثبت بالنصوص الصريحة من الكتاب أو السنة لا يقول مسلم بأنه قابل للتغيير والتبديل. فقضية تعدد الزوجات لا تقبل تغيراً ولا تبديلاً. وقضية الولاية في الزواج لا تقبل تغييراً ولا تبديلاً. وحق الرجل في الطلاق لا يقبل تغييراً ولا تبديلاً.

وأحكام الميراث لا تقبل تغييراً ولا تبديلاً. وهكذا بقية الأحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة لا يدخلها التغيير ولا التبديل. 4 - ينبغي أن يعلم علماً تاماً أنه لا يجوز في دين الله سبحانه أن يلتزم المسلمون بأي قانون وضعي، وضعه الإنسان مع مخالفته لشرع الله، بغض النظر عن واضع القانون البشري. 5 - زعم كاتب الدراسة أن " القانون الحالي، يحمل مضامين قاسية ومجحفة بحق المرأة الفلسطينية تصل إلى التمييز الواضح والسافر، ليس لشيء، إنما لكونها امرأة .... ". وأقول: إن هذا الكلام جد خطير وفيه تهجم وجرأة على شرع الله عز وجل. إن شريعة الله عدل كلها، ورحمة كلها بالإنسان ذكراً كان أو أنثى. إن الإسلام أعطى للمرأة حقوقاً لم تنلها في ظل أي نظام آخر، وإن الإسلام قد عامل المرأة معاملة كريمة حسنة، لم تنلها في ظل أي نظام، لا في القديم ولا في الحديث. 6 - إن كاتب الدراسة يتجاهل الفوارق الطبيعية بين المرأة والرجل ويريد أن يساوي بينهما مساواة تامة، ولا يدري أنه بعمله هذا يقف ضد المرأة من حيث لا يشعر. فلا ينكر عاقل وجود فوارق بين المرأة والرجل، وأن المساواة التي ينادي بها دعاة تحرير المرأة، ستعود على المرأة بالوبال والخسران. ويا معشر النساء اتعظن بحال المرأة في الغرب، حيث إنها صارت سلعة تباع وتشترى، والسعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه. فكاتب الدراسة يريد أن يساوي في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، وهذا إجحاف في حق المرأة، فكيف يساوي بينهما والرجل هو

الملزم شرعاً بالإنفاق على زوجته وأولاده، والزوجة غير ملزمة بالإنفاق على الزوج والأولاد فكيف يساوي بينهما والزوج ملزم بتأمين المسكن ومتطلباته للزوجة والأولاد، والزوجة ليست ملزمة بذلك، فكيف يساوي بينهما، وهل المساواة بين الزوجة والزوج إنصاف للمرأة؟ 7 - طالب كاتب الدراسة بتعديل قانوني الأحوال الشخصية في مسائل كثيرة، أشير إلى بعضها إشارات سريعة: زعم أن تعريف الزواج في القانون لم ينص على ديمومة العقد، ودعا إلى النص على ذلك ولم يعلم أن الأصل في عقد الزواج في الشريعة الإسلامية هو التأبيد. دعا إلى تغيير سن الزواج وجعلها 18 سنة للذكر والأنثى، وهذا ضد مصلحة المجتمع عامة، وضد المرأة بشكل خاص. دعا إلى إلغاء الولاية في الزواج وهذا يعارض النصوص الشرعية في إثبات الولاية في الزواج، والتي هي لمصلحة المرأة ولحمايتها من الذئاب البشرية. زعم أن الزوجة تستحق المهر كاملاً إذا وقع الطلاق قبل الخلوة الصحيحة، وهذا مصادم للنص الصريح من كتاب الله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) سورة البقرة/237. دعا إلى مشاركة المرأة لزوجها في أمواله الخاصة وإن لم يكن لها دور في جني المال، وهذا أكل لأموال الناس بالباطل. دعا إلى غلّ يد الرجل في الطلاق وهذا مصادم للنصوص الشرعية في إعطاء الزوج حق الطلاق، وأن الطلاق لا يتوقف على حكم الحاكم مع القيود والضوابط التي فرضتها الشريعة الإسلامية في هذا المجال. دعا إلى الحد من تعدد الزوجات تحت ذرائع واهية، واعتمد على أقوال ضعيفة لبعض الكتاب، وهذا مخالف للنصوص الشرعية.

ألمح إلى إعادة النظر في الميراث وأنه لا بد من مساواة الرجل بالمرأة في الميراث، وهذا هدم للأحكام الشرعية الصريحة من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك من القضايا التي يضيق المقام عن تفصيل الرد عليها. وخلاصة الأمر: أن هذه التعديلات المطروحة لنظام الأحوال الشخصية المطبق عندنا ما هي إلا دعوة خطيرة لهدم الأسس الشرعية التي قامت عليها أحكام الأحوال الشخصية. وإن الكاتب قد استمد أكثر اقتراحاته من الفكر الغربي المنحرف، ويدعو بطريقة أو بأخرى، إلى تنحية الشرعية الإسلامية جانباً. وختاماً: أدعو الغيورين من هذه الأمة من القضاة الشرعيين والمفتين وأهل العلم وغيرهم للوقوف أمام الهجمة الشرسة الموجهة إلى آخر ما بقي من شريعة الإسلام في الأنظمة والقوانين. والله الهادي إلى سواء السبيل

المتفرقات

المتفرقات

الاستماع لقراءة القرآن الكريم

الاستماع لقراءة القرآن الكريم يقول السائل: هل الاستماع والإنصات لقارئ القرآن الكريم، إذا كان يقرأ من الإذاعة أو في المسجد واجب لقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)؟ الجواب: يرى كثير من أهل العلم أن هذه الآية الكريمة (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) سورة الأعراف /204، قد نزلت في الصلاة، وهذا يدل على أن الإستماع لقراءة القرآن يكون واجباً حال قراءة الإمام للقرآن في الصلاة سواء كانت فرضاً أو نفلاً، ونقل ابن جرير الطبري شيخ المفسرين، أن هذه الآية نزلت في الصلاة عن جماعة من السلف، فقد روى ابن جرير بسنده عن أبي هريرة قال: (كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ)، أمروا بالإنصات. ورويَ مثل ذلك عن ابن عباس وابن مسعود والزهري وعطاء وعبيد بن عمير وعن سعيد بن المسيب ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم النخعي وقتادة وغيرهم. وهذا أرجح أقوال أهل العلم في سبب نزول هذه الآية وبناءً عليه يكون الإستماع واجباً لقراءة الإمام في الصلاة.

وأما الإستماع والإنصات لقراءة القارئ خارج الصلاة، سواء كان يقرأ من الإذاعة أو في المسجد أو كان يقرأ من المسجل فمندوبة، قال ابن عبد البر: " في قول الله عز وجل: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، مع إجماع أهل العلم أن مراد الله من ذلك في الصلوات المكتوبة أوضح الدلائل على أن المأموم إذا جهر إمامه في الصلاة أنه لا يقرأ معه بشيء، وأن يستمع له وينصت " فتح المالك بترتيب التمهيد لابن عبد البر على موطأ مالك 2/ 126. وذكر ابن عبد البر في الإستذكار وفي التمهيد خبر أبي عياض عن أبي هريرة قال: (كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت هذه الآية (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا)). وقال إبراهيم بن مسلم: " فقلت لأبي عياض: لقد كنت أظن أن لا ينبغي لأحد يسمع القرآن ألا يسمع، قال: إنما ذلك في الصلاة المكتوبة، فأما في الصلاة غير المكتوبة فإن شئت سمعت وإن شئت مضيت ولم تسمع " الإستذكار 4/ 230. وقال ابن جرير الطبري بعد أن ساق أقوال العلماء في تأويل الآية السابقة: " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: أمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإمام وكان من خلفه ممن يأتم به يسمعه في الخطبة، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا قرأ الإمام فأنصتوا) وإجماع الجميع على أن من سمع خطبة الإمام ممن عليه الجمعة الإستماع والإنصات لها مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه لا وقت يجب على أحد استماع القرآن والإنصات لسماعه من قارئه إلا في هاتين الحالتين على اختلاف في إحداهما وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتم به، وقد صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ذكر من قوله: (إذا قرأ الإمام فأنصتوا)، فالإنصات خلفه لقراءته واجب على من كان مؤتماً سامعاً قراءته بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تفسير الطبري 6/ 166.

وروى الطبري بإسناده عن سعيد بن جبير أن الآية (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) قال: "الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر به الإمام في الصلاة" تفسير الطبري 6/ 165. وعلق القرطبي على قول سعيد بن جبير بعد أن نقله بقوله: " وهو الصحيح لأنه يجمع ما أوجبته هذه الآية وغيرها من السنة في الإنصات " تفسير القرطبي 7/ 353 - 354. ثم نقل القرطبي عن النقاش قوله: " أجمع أهل التفسير أن هذا الإستماع في الصلاة المكتوبة وغير المكتوبة ". وحكى ابن المنذر الإجماع على عدم وجوب الاستماع والإنصات في غير الصلاة والخطبة وذلك أن إيجابهما على كل من يسمع أحداً يقرأ فيه حرج عظيم لأنه يقتضي أن يترك له المشتغل بالعلم علمه والمشتغل بالحكم حكمه، والمتبايعان مساومتهما وتعاقدهما وكل ذي شغلٍ شغله " تفسير المنار 9/ 552 - 553. وقال العز بن عبد السلام: " الاستماع للقرآن والتفهم لمعانيه من الآداب المشروعة المحثوث عليها، والاشتغال عن ذلك بالتحدث بما لا يكون أفضل من الاستماع سوء أدب على الشرع " فتاوى العز بن عبد السلام ص485 - 486. وقال جلال الدين السيوطي: " يسن الاستماع لقراءة القرآن، وترك اللغط والحديث بحضور القراءة، قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) " الإتقان 1/ 145. ومما يدل على أن الاستماع لقراءة القرآن خارج الصلاة والخطبة مندوب ما ورد من الأدلة في جواز الكلام خارج الصلاة والخطبة. ومما ينبغي التنبيه عليه، أن ترك الاستماع والإنصات للقرآن والاشتغال بالأحاديث المختلفة مكروه كراهة شديدة، وتكون الكراهة أشد إذا كان المتحدثون بأمور الدنيا قرب قارئ القرآن، وأما إذا كان المجلس فيه كثير

أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار

من الناس يستمعون وينصتون فتنحى بعضهم وتحدثوا بصوت منخفض من غير تشويش على الآخرين فالخطب هين ويسير. ولا يعني قولنا إن الاستماع لقارئ القرآن في المسجد أو في الإذاعة أو من المسجل مندوب أن يتساهل الناس في الاستماع لكلام الله، فينبغي لكل مسلم أن يحرص على الاستماع والإنصات لقراءة القرآن وأن يتأدب في مجلس قراءة القرآن. كما وينبغي التنبيه أن بعض القراء يسيئون في قرائتهم للقرآن الكريم، ويشوشون على عباد الله، كالقراء الذين يقرأون في المآتم عبر مكبرات الصوت، فإن ذلك حرام شرعاً، وكذلك القراء الذين يقرأون عبر مكبرات الصوت قبل صلاة الجمعة وقبل الأذان للصلوات الخمس، فكل ذلك من البدع المخالفة للشرع لأن هؤلاء وأولئك يشوشون على عباد الله، وخاصة يوم الجمعة، فإن الوقت قبل صلاة الجمعة هو وقت للتنفل وللدعاء وللذكر والاستغفار، ولا ينبغي لأحد أن يشوش على عباد الله في قراءة القرآن ولا بالدروس ولا بالمواعظ، وإنما كل مسلم يقرأ إن رغب أو يصلي أو يدعو أو يستغفر لوحده. وقد ورد في الحديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) رواه الإمام مالك، وقال الشيخ الألباني: سنده صحيح. أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار يقول السائل: ما قولكم فيمن يفتون في دين الله بغير علم ولا هدى؟ الجواب: كثر المجترئون من طلبة العلم الشرعي وغيرهم على الإفتاء في دين الله سبحانه وتعالى، ويظنون أن الأمر هين، وهو عند الله عظيم، وكثر الخائضون في دين الله بغير علم، حتى إنك إذا جلست في

مجلس وطرحت مسألة شرعية، ترى كثيراً من الجالسين يدلون برأيهم من غير أن يُطلب منهم، ويعضهم قد لا يحسن الوضوء. وصار دين الله وشرعه مع الأسف الشديد حمىً مستباحاً لأشباه المتعلمين، وظن كثيرٌ من طلبة العلم الشرعي، أنهم بمجرد حصولهم على الشهادة الجامعية الأولى يحق لهم الإفتاء في دين الله، وما دروا أن شهادة (البكالوريوس) في الشريعة الإسلامية في زماننا هذا، تعني محو أمية في العلوم الشرعية فقط، هذا إذا وزناها بالميزان الصحيح ولا يشذ عن هذا إلا القليل جداً. وإلى المجترئين على الفتوى في أيامنا هذه، أسُوق بعض كلام أهل العلم في الفتيا لعل أحدهم يعرف قدره وحده فيقف عنده فلا يتجاوزه. قال العلاّمة ابن القيم في بيان الشروط التي تجب فيمن يبلغ عن الله ورسوله: " ولما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ صادقاً فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات؟، فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، ويتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب، فقال تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) سورة النساء /127، وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالة إذ يقول في كتابه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) سورة النساء /176، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غداً وموقوف بين يدي الله " إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/ 11.

ولكن كثيراً من المجترئين على الفتوى لا يفهم هذا الكلام لا من قريب ولا من بعيد، والمهم عندهم أن يظهروا أمام العامة بمختلف الوسائل ليشار إليهم بالبنان، فيجيبوا عن كل مسألة توجه لهم ولا يعرفون قول (لا أدري)، لأنهم يعتبرون ذلك عاراً وشناراً أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل لأن الناس يصفونهم بالجهل إن فعلوا ذلك، وما دروا أن سلفنا الصالح كانوا يحرصون على قول لا أدري، كحرص هؤلاء المتعالمين على الإجابة، وقديماً قال العلماء: " لا أدري نصف العلم "، قال ابن أبي ليلى: " أدركت مئة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول، وما منهم أحد يحدث بحديث أو يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه. وقال عمر بن الخطاب: " أجرؤكم على الفتيا، أجرؤكم على النار. وقال ابن عباس: " إذا أخطأ العالم (لا أدري) أصيبت مقاتله ". فلا ينبغي لأحد أن يقتحم حمى الفتوى ولما يتأهل لذلك، وقد قرر أهل العلم أن من أفتى وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية شديد الإنكار على أدعياء العلم الذين يتصدرون للفتيا فقال له بعضهم يوماً: أجعلت محتسباً على الفتوى؟ فقال له: " يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب " انظر الفتوى - د. يوسف القرضاوي ص24. وأدعياء العلم هؤلاء اقتحموا هذه العقبة الكؤود، ولم يستعدوا لها، فلو سألت أحدهم عن مبادئ وقواعد أصول الفقه، لما عرفها، فلو سألته ما العام؟ وما الخاص؟ وما المطلق وما المقيد؟ وما القياس؟ وما الحديث المرسل؟ لما أحرى جواباً. ولو سألته عن أمهات كتب الفقه المعتبرة لما عرفها، ولو سألته عن

كتاب (مولد العروس) مكذوب على الإمام ابن الجوزي

آيات الأحكام من كتاب الله وعن أحاديث الأحكام من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لما عرف شيئاً. ويزداد الأمر سوءاً عندما نرى هؤلاء الناس المتعالمين يجعلون واقع الناس حاكماً على النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترى وتسمع من الفتاوى الغريبة والعجيبة، فترى من يحلل الربا المحرم في كتاب الله وسنة رسوله، لأنه ضرورة اقتصادية كما يدعي، أو لأن ربا الجاهلية لا ينطبق على ربا البنوك الربوية كما يزعم. وهكذا ترى من هؤلاء العجب العجاب في اتباع الأهواء وإرضاء الأسياد، ونسوا أو تناسوا قول الله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) سورة الجاثية /18. وقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) سورة المائدة /49. وختاماً، فعلى كل من يتصدى للفتوى أن يتق الله سبحانه وتعالى، وأن يأخذ للأمر عدته، وليعلم أنه يوقع عن رب العالمين، ويبلغ عن الرسول الأمين - صلى الله عليه وسلم -. كتاب (مولد العروس) مكذوب على الإمام ابن الجوزي أحضر لي أحد طلابي كتاباً صغير الحجم، بعنوان (مولد العروس) للعلاّمة والحبر الفهامة، الإمام ابن الجوزي، هكذا جاء في على غلافه، ويحتوي على نثر وشعر يتعلق بالمولد النبوي، وسألني عن هذا الكتاب؟ الجواب: إن هذا الكتاب المسمى (مولد العروس) والمنسوب لابن الجوزي مكذوب عليه وفيه كثير من المخالفات الشرعية، ولم تثبت نسبته بطريق صحيح إلى الإمام ابن الجوزي ولم ينسبه أحد إليه إلا كارل بروكلمان، وفي نسبة هذه المخطوطة لإبن الجوزي - أي مخطوط مولد

احذروا هذين الكتابين

العروس - نظر، فهو يخلو من الإسناد الذي اعتاد عليه ابن الجوزي في كتبه، كما يخلو من تعليق أو نقد ابن الجوزي لما يرد فيه من أخبار، وكل ما ورد فيه يتعلق بولادة الرسول- صلى الله عليه وسلم -، وأشعار مدحه، مما يدل على أن أحد العوام قد وضعه ثم إن الذين ترجموا لابن الجوزي، لم يذكروه ضمن كتبه. وورد فيه أيضاً أمور كثيرة مخالفة للعقيدة الإسلامية وللنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما ورد في ص15 منه (وفي الحديث الصحيح أن البيت الذي فيه اسم محمد وأحمد فإن الملائكة تزوره في كل يوم وليلة سبعين مرة)، ومن المعلوم أن هذا الحديث مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل إن ابن الجوزي نفسه ذكره في كتابه الموضوعات وحكم عليه بالوضع والكذب، انظر كتب حذر منها العلماء 2/ 303 - 304 وانظر أيضاً نفس المصدر 2/ 388 - 389. احذروا هذين الكتابين السؤال: أحضرت لي سائلة كتاباً بعنوان (عرائس المجالس في قصص الأنبياء) وذكرت لي أن فيه أموراً غريبة وطلبت بيان القول فيما اشتمل عليه من الأخبار؟ وسائلة أخرى، أحضرت لي كتيباً بعنوان (المجموعة المباركة في الصلوات المأثورة والأعمال المبرورة)، وسألتني عن صحة الأحاديث المذكورة فيه؟ الجواب: أما الكتاب الأول وهو (عرائس المجالس في قصص الأنبياء) تأليف أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المتوفى 427 هـ. وهو كتاب يشتمل على قصص الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم، وفيه كثير من الإسرائيليات والأخبار الواهيات والغرائب وفيه أيضاً بلايا ورزايا، انظر كتب حذر منها العلماء 2/ 20.

والثعلبي معروف عند أهل العلم أنه ينقل في كتبه كثيراً من الأحاديث المكذوبة ولهذا قالوا عنه إنه كحاطب ليل، كما قال العلامة اللكنوي في الأجوبة الفاضلة ص101 - 102. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " علماء الجمهور متفقون على أن ما يرويه الثعلبي وأمثاله لا يحتجون به، لا في فضيلة أبي بكر وعمر، ولا في إثبات حكم من الأحكام، إلا أن يعلم ثبوته بطريقه " منهاج السنة 4/ 25، نقلاً عن المصدر السابق. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: " والثعلبي هو نفسه كان فيه خير ودين، ولكنه كان حاطب ليل، ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع ". وقال الشيخ ابن كثير عن الثعلبي: " وكان كثير الحديث واسع السماع، ولهذا يوجد في كتبه الغرائب شيء كثير " انظر التعليق على سير أعلام النبلاء 17/ 436. وخلاصة القول في كتاب (عرائس المجالس) للثعلبي، أنه لا يجوز شرعاً الإعتماد عليه في الأحاديث التي ينقلها، إلا بعد البحث والتنقيب عن حال تلك الأحاديث، ولذا لا أنصح أحداً باقتناء هذا الكتاب إلا أن يكون من أهل العلم بالحديث. وأما الكتاب الثاني وهو (المجموعة المباركة في الصلوات المأثورة والأعمال المبرورة) فإنه كتاب دجل وخرافات وكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معظم ما احتواه، كما في الخبر الذي ساقه "عن صحابي يقال له عبد الله السلطان، هكذا زعم، وأن عبد الله السلطان هذا كان مشهوراً بشرب الخمر والزنا والفسق والفجور وترك الصلاة وترك الصوم .... ، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سأل زوجة عبد الله السلطان عن حاله وما كان يفعل، فقالت: ما رأيت منه إلا الأفعال القبيحة وشرب الخمر والفسوق والفجور، ولا رأيته يصلي في جميع عمره ركعة واحدة ولا يصوم أبداً، ولكني رأيته إذا جاء شهر رجب

يقوم ويدعو بهذا الدعاء، ثم ذكرته .... فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ هذا الإستغفار وجعله في بيته أو في متاعه جعل الله له ثواب ألف صديق وثواب ثمانين ألف حجة وثمانين ألف مسجد .... " إلى آخر ما قاله من الدجل بلا خجل، والكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وهذه أخبار مكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وضعها وكذبها أدعياء الزهد والمنحرفون عن منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الذكر والعبادة. وقد قال الشيخ علي الطنطاوي في فتاويه ص287 تحت عنوان كتاب يجب أن يمنع، ما نصه: " سألني كثيرون عن كتيب صغير ما أدري من أين يشترونه اسمه (المجموعة المباركة)، وليس مباركاً ولا صحيحاً، لأن فيه أحاديث موضوعة مكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا يجوز للمسلم أن يصدقة، ولا يقرأه ولا يبيعه وينبغي لمن قدر على إنكار هذا المنكر أن ينكره ويمنع تداول هذا الكتاب وأن يبيد النسخ الموجودة منه في الأسواق ". وينبغي تذكير أصحاب المكتبات وأصحاب دور النشر، أن يتقوا الله عندما يبيعوا كتاباً أو ينشرونه، فليس كل كتاب ينشر أو يباع. فإن كتب أهل البدعة والضلالة يحرم بيعها ونشرها، وكذا كتب السحر والشعوذة والتمائم الشركية وتحضير الأرواح، والكتب الساقطة الهابطة، كالقصص والروايات الجنسية، والمجلات الخليعة التي تنشر الصور العارية الفاضحة والمقالات الجنسية وأمثالها. قال الشيخ ابن القيم: " وكذلك الكتب المشتملة على الشرك وعبادة غير الله، فهذه كلها يجب إزالتها وإعدامها، وبيعها ذريعة إلى اقتنائها واتخاذها، فهو أولى بتحريم البيع من كل ما عداها، فإن مفسدة بيعها بحسب مفسدتها في نفسها ". وقد نص كثير من العلماء على حرمة المتاجرة بكتب أهل البدع والضلالة، راجع الكتاب النافع المفيد بعنوان كتب حذر منها العلماء للشيخ مشهور سلمان 1/ 52 - 53.

إحذروا هذه الخرافة

إحذروا هذه الخرافة السؤال: أحضر لي أحد طلابي في الكلية، قطعة من اللحم -- هكذا تبدو --، وقال إن هذه القطعة تنمو وتكبر إذا وضعت في سائل كالشاي مثلاً، وزعم بعض الناس أن السائل الذي ينتج عنها مفيد في علاج الأمراض المستعصية، وأن هذه القطعة أحضرت من الخارج، وتداولها الناس، فتباع وتشترى، وهنالك إشاعات كثيرة حول فوائدها، فما قولكم في القضية؟ الجواب: إن الإسلام شرع التداوي، والتداوي من باب الأخذ بالأسباب، فقد روي في الحديث قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بالحرام) رواه أبو داود. وجاء في حديث أسامة بن شريك - رضي الله عنه - قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: (نعم عباد الله، تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحداً، قالوا يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم) رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. وقد قرر العلماء أن الذي يتولى المداواة لا بد أن يكون من أهل الطب والخبرة وقد ورد في الحديث، أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من طبب ولم يُعلم منه طب فهو ضامن) رواه أبو داود وابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. وجاء في رواية أخرى (أيما طبيب تطبب على قوم لا يُعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن) رواه أبو داود، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن، انظر صحيح سنن أبي داود 3/ 866 - 867. فهذا الحديث أصل من أصول الطب الإسلامي وتصريح بأن العلاج يكون بالدواء لا بالتعزيمات السحرية أو الدجل الذي يدعيه بعض الجهلة لأكل أموال الناس بالباطل. وقد جرد الإسلام علم الطب من الخرافات والتعاويذ السحرية في دفع

الأمراض ووضع الأسس الأولية التي تصلح لدفع جميع الأمراض البدنية، راجع الطب النبوي ص261. فالمشروع في حق المسلم إذا مرض وأراد التداوي أن يسأل الأطباء، فهم أدرى الناس بالداء والدواء، ولا يجوز له الذهاب إلى الدجالين والمشعوذين والسحرة والكهان وأضرابهم. وقد أردت أن أمهد بهذا الكلام قبل الحديث عن قطعة اللحم المزعومة حتى نكون على بينة من أمر التداوي الصحيح. فإذا ثبت هذا أقول بالنسبة لقطعة اللحم المزعومة، إن بعض الصحف نشرت صورة لها وأجرت مقابلات مع بعض الناس الذين ادّعوا أنهم استعملوها، وزعم بعضهم أنه شرب من الشاي الذي تحول إلى خل بعد وضع قطعة اللحم المشار إليها فيه، وأنه كان يعاني من التهاب شديد في المفاصل، فاستخدم ذلك السائل لمرة واحدة، فمسح على مفاصله فتلاشى المرض، وزعم آخر أنه كان يعاني من آلام في الظهر، فمسح ظهره بذلك السائل فشفي، وغير ذلك من الادعاءات. وحتى نكون على بينة من أمر قطعة اللحم المزعومة، فقد طلبت من رئيس قسم التصنيع الغذائي، في كلية العلوم والتكنلوجيا - جامعة القدس، إجراء الفحوص المخبرية على قطعة اللحم المزعومة، فقام مشكوراً بإجراء الفحوصات عليها بالتعاون بين مختبري التصنيع الغذائي والعلوم البحرية في الكلية وكانت النتيجة في الخطاب التالي: ((الدكتور حسام الدين عفانة المحترم .. تحية طيبة وبعد. رداً على تساؤلات بعض الأخوة حول كتلة اللحم المزعومة ومضار استعمالها أو منافعها، فإنه وبناءً على نتائج الفحوصات المخبرية التي أجريناها على هذه المادة نؤكد ما يلي: - إن هذه الكتلة ليست قطعة من اللحم ولا حيواناً بحرياً كما يعتقد

البعض، حيث إن فحصها مجهرياً دل على أنها لا تتكون من أنسجة أو خلايا سواء كانت حيوانية أو نباتية. - إن هذه المادة ما هي إلا إفرازات لكائنات حية دقيقة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولكن يمكن رؤيتها فقط عند فحص هذه الكتلة مجهرياً. - إن اللون اللحمي الذي تأخذه هذه الإفرازات هو ناتج عن مادة الشاي، فعند نقل جزء من هذه الكتلة إلى محلول السكر في الماء، ينتج عنها كتلة من الإفرازات الشفافة. - إن رائحة الخل التي تنبعث عن هذه الكتلة هي دليل على عملية تخمر مادة السكر المضافة إلى محاول الشاي، والتي تقوم بها بعض الكائنات الدقيقة الموجودة داخل هذه الإفرازات كما أن درجة الحامضية العالية للسائل تدل على تكوين أحماض منها حامض الخل، نتيجة عملية التخمر. - من المعروف أن أنواعاً مختلفة من الكائنات الحية الدقيقة تسبب الأمراض المعدية للإنسان كما أن هناك أنواعاً أخرى تفيد الإنسان، غير أننا في هذه الحالة وبما أننا لا زلنا نجهل كنه هذه المادة، لا يمكننا الإشارة إلى أي فائدة من استعمالها أو اقتنائها، بل نخشى من أن تسبب هذه الكائنات الدقيقة أو السائل الحامضي مضاراً للذين يستعملونها)) أ. هـ. وأخيراً وبناءً على هذا التحليل العلمي، أنصح الأخوة القراء ألا يستعملوا قطعة اللحم المزعومة وألا يصدقوا الشائعات التي تقال حولها، وألا يدفعوا أموالهم لشرائها، وأن يتعالجوا حسب الطرق المعروفة للعلاج من خلال الأطباء وليس من خلال الدجالين والمشعوذين وآكلي أموال الناس بالباطل.

مداراة الناس

مداراة الناس يقول السائل: ما المقصود بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إنا لنبش في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم)؟ الجواب: إن النص المذكور، ذكره الإمام البخاري معلقاً غير مجزوم به عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، حيث قال الإمام البخاري: " باب مداراة الناس، ويذكر عن أبي الدرداء، وإنا لنكشر في وجوه أقوام إن قلوبنا لتلعنهم ". فهذا الكلام ليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من كلا م أبي الدرداء - رضي الله عنه -. والكشر هو ظهور الأسنان وأكثر ما يطلق عند الضحك قاله الحافظ في فتح الباري 13/ 144. ومن المعروف عند أهل العلم أن التعليقات في صحيح البخاري كثيرة، والتعليق هو حذف راوٍ أو أكثر من أول السند ولو إلى آخر الإسناد. وحكم التعليقات في صحيح البخاري أن ما كان منها بصيغة الجزم، كقال وروى وجاء ونحو ذلك مما بني الفعل فيه للمعلوم فهو صحيح إلى من علقه عنه. وما كان بصيغة منها التمريض، كقيل وروي ويروى ويذكر ونحو ذلك مما بني الفعل فيه للمجهول، فلا يستفاد منها صحة ولا ينافيها، هذا ما قرره أئمة المحدثين. قال الحافظ ابن حجر: " إن الأثر المذكور الموقوف على أبي الدرداء، قد وصله جماعة من المحدثين ولكنه ضعيف "، وقد بين وصله في الفتح 13/ 144. وقال الشيخ الألباني: " لا أصل له مرفوعاً " أي إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: " وبالجملة فالحديث لا أصل له مرفوعاً، والغالب أنه ثابت موقوفاً " أي على أبي الدرداء، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 252.

يكره تسمية العنب كرما

وإذا تقرر هذا فأقول: إن المراد بالنص السابق المنسوب إلى أبي الدرداء، هو مداراة الناس، وهي أمر مطلوب شرعاً، نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال قوله: " المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة. وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فأخطأ لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة بالاتفاق والفرق أن المداهنة من الدهان، الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه. والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حتى لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك " فتح الباري 13/ 144 - 145. وقد ذكر الحافظ أيضاً حديث جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مداراة الناس صدقة) ثم بين الحافظ ابن حجر من رواه وذكره أنه ضعيف. وروى حديث جابر المذكور الحافظ ابن حبان، ثم قال: " المداراة التي تكون صدقة للمداري هي تخلق الإنسان الأشياء المستحسنة مع من يدفع إلى عشرته ما لم يشبها بمعصية الله. والمداهنة هي استعمال المرء الخصال التي تستحسن منه في العشرة، وقد يشوبها ما يكره الله جل وعلا " صحيح ابن حبان 2/ 218. يكره تسمية العنب كرماً يقول السائل: لماذا نه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تسمية العنب بالكرم؟ الجواب: ثبت في الحديث الصحيح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -

بدعة إقامة المولد عند ختان المولود

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تسموا العنب الكرم، ولا تقولوا خيبة الدهر، فإن الدهر هو الله) رواه البخاري. وفي رواية لمسلم: (ولا يقولن أحدكم للعنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم) رواه مسلم. وفي رواية أخرى: (لا تقولوا كرم فإن الكرم قلب المؤمن) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية ثالثة: (لا تقولوا الكرم، ولكن قولوا الحبلة، يعني العنب) رواه مسلم. وغير ذلك من الروايات الصحيحة الثابتة عن الرسول- صلى الله عليه وسلم - التي تدل على كراهة تسمية العنب كرماً. قال الإمام النووي: " قال العلماء: سبب كراهة ذلك أن لفظة الكرم كانت العرب تطلقهاعلى شجر العنب، وعلى العنب، وعلى الخمرالمتخذة من العنب، سموها كرماً لكونها متخذة منه ولأنها تحمل على الكرم والسخاء، فكره الشرع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره، لأنهم إذا سمعوا اللفظة ربما تذكروا بها الخمر وهيجت نفوسهم إليها فوقعوا فيها أو قاربوا ذلك، وقال: إنما يستحق هذا الاسم الرجل المسلم أو قلب المؤمن، لأن الكرم مشتق من الكَرَم بفتح الراء، وقد قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) سورة الحجرات /13. فسمى قلب المؤمن كرماً لما فيه من الإيمان والهدى والنور والتقوى والصفات المستحقة لهذا الاسم " شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 407. بدعة إقامة المولد عند ختان المولود يقول السائل: ما حكم عمل وليمة عند ختان المولود، وعمل مولد بهذه

المناسبة، ودعوة الأقارب والأصدقاء والجيران؟ الجواب: من المعلوم أن الختان من سنن الفطرة، وهو واجب في حق الذكور دون الإناث والوليمة عند الختان تسمّى الإعذاريقال أعذر إعذاراً كما ذكره في المصباح المنير. ووليمة الختان ليست واجبة بل مستحبة، قال الإمام البغوي: " ويستحب للمرء إذا أحدث الله له نعمة أن يحدث له شكراً، ومثله العقيقة، والدعوة على الختان، وعند القدوم من الغيبة، كلها سنن مستحبة شكراً لله تعالى على ما أحدث له من النعمة وآكدها استحباباً، وليمة العرس والإعذار والخُرس، الإعذار دعوة الختان، والخرس دعوة السلامة من الطلق " شرح السنة 9/ 137 - 138. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: " .... فحكم الدعوة للختان وسائر الدعوات غير الوليمة - أي وليمة الزواج - أنها مستحبة لما فيها من إطعام الطعام، والإجابة إليها مستحبة غير واجبة وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه .... ، وإجابة كل داعٍ مستحبة لهذا الخبر، ولأن فيه جبر قلب الداعي، وتطييب قلبه، وقد دعي الإمام أحمد إلى ختان فأجاب وأكل .... " المغني 7/ 286. وقد وردت أحاديث كثيرة في إجابة الدعوة للوليمة سواءً أكانت وليمة عرس أو غير عرس، ويدخل في ذلك وليمة الختان، فمن ذلك: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها) رواه البخاري ومسلم. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من دعي إلى طعام فليجب، فإن شاء أكل وإن شاء ترك) رواه مسلم. وعن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه) رواه مسلم. وهذه الأحاديث وغيرها تدل على استحباب دعوة الختان وعلى

استحباب إجابتها، وهذا مذهب جمهور أهل العلم. وأما ما ورد في الحديث عن الحسن البصري قال: " دعي عثمان بن أبي العاص فأبى أن يجيب، فقيل له، فقال: إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا ندعى له " رواه أحمد في المسند فهذا الحديث لا يقتضي منع دعوة الختان. وقد أجاب الإمام أحمد الدعوة إلى ختان كما سبق في كلام ابن قدامة والأئمة الثلاثة على استحباب الدعوة لها والإجابة. هذا ما يتعلق بالدعوة إلى وليمة الختان، وأما ما يتعلق بعمل المولد عند الختان فأقول: إن عمل المولد ليس مشروعاً في الدين، بل هو من الأمور المبتدعة التي لا أصل لها، فعمل المولد بدعة منكرة، سواء كان ذلك بمناسبة المولد النبوي أو بمناسبة ختان أو غير ذلك من المناسبات التي اعتاد عوام الناس عمل المولد فيها فلا يجوز شرعاً إقامة الموالد، لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - لم يفعلها ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون الثلاثة المفضلة، التي شهد لها الرسول- صلى الله عليه وسلم - بالخيرية، وهم أعلم الناس بالسنة النبوية، وقد صحّ الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ) متفق عليه، أي مردود. وفي رواية أخرى: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ). وثبت في الحديث الصحيح أيضاً، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم، وغير ذلك من الأحاديث. وهذه الموالد أحدثت في الإسلام بعد أكثر من أربعمئة عام من تاريخ

العدوى في المرض

الإسلام، فأين كان المسلمون الأوائل عنها، أين كان الصحابة والتابعون والعلماء والأعلام الذين عاشوا في تلك القرون المفضلة؟ ومن المعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بين لنا أحكام الشرع الحنيف وبلغ عن ربه البلاغ المبين، وما ترك طريقاً يقربنا من الجنة، ويباعدنا من النار إلا وبينه للأمة، كما ورد في الحديث الصحيح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: (ما بعث الله من نبيٍ إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه، وينذرهم شر ما يعلمه لهم) رواه مسلم. فالموالد غير مشروعة من حيث أصلها، ومن حيث ما يصاحبها من الأمور المنكرة كالغلو في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفه بأوصاف مخالفة للشرع، واختلاط الرجال بالنساء، واستعمال آلات الملاهي، وغير ذلك من الأمور المنكرة. وأخيراً أقول للسائل، إن شئت أن تدعو الأقارب والجيران والأصدقاء بمناسبة ختان ولدك فافعل، واصنع لهم طعاماً وأطهمهم، ولا تصنع لهم مولداً، لأنه بدعة، ولا تَنسَ أن تدعو الفقراء والمحتاجين إلى وليمتك، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين) رواه البخاري ومسلم. العدوى في المرض تقول السائلة: هل هناك عدوى في المرض وكيف نوفق بين قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (لا عدوى)، وبين قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؟ الجواب: روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من الجذام كما تفر من الأسد) ورواه مسلم أيضاً. وقد اختلف أهل العلم في التوفيق بين الأحاديث التي تنفي العدوى

يحرم الطعن في العلماء

وهذا منها، وبين الأحاديث التي تأمر باجتناب المرضى المصابين بأمراض خطيرة، كالجذام والطاعون وغيرهما. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح عدة مسالك في ذلك، أحسنها ما قاله الإمام البيهقي: " وأما ما ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا عدوى) فهو على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من هذه العيوب، سبباً لحدوث ذلك، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، وقال: (لا يورد ممرض على مصح) وقال في الطاعون: (من سمع به بأرض فلا يقدم عليه) وكل ذلك بتقدير الله تعالى" فتح الباري 12/ 367. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لا ينكر العدوى ولا ينفيها، وعلى الناس ألا يعتقدوا أن العدوى تضر بنفسها، وإنما تضر بأمر الله تعالى، فهي سبب من الأسباب. يحرم الطعن في العلماء يقول السائل: إنه سمع بعض المدرسين يطعن في الفقهاء، ويصفهم بأنهم علماء الحيض والنفاس، لأنهم يتكلمون في مسائل الحيض والنفاس ومسائل الطهارة والصلاة والزكاة ونحوها، ويهملون على زعمه مسائل مهمة تتعلق بالحكم والسياسة، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا شك لدي بأن قائل هذا الكلام جاهلٌ متغطرس، لا يعرف منزلة العلم ولا العلماء، ولا يعرف شيئاً عن جهود العلماء والفقهاء في نشر العلم وتبيانه للناس وأكبر دليلٍ على ذلك كتب العلماء التي خلفوها، وهي ناطقة بصدق حالهم، وأنهم أخذوا الإسلام جملةً واحدة، فما قصروه على جانب واحد من جوانبه، فإذا استعرضت أي كتاب من كتب فقهائنا وعلمائنا لوجدتها تتحدث عن الأحكام الشرعية في جميع أبواب الفقه، وليست مقصورة على أحكام الحيض والنفاس، كما زعم القائل.

إن هذا التطاول على العلماء والفقهاء حرامٌ شرعاً، وإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يدينون الله سبحانه وتعالى باحترام العلماء الهداة ولا بد أن نعرف لعلمائنا فضلهم. ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء فالتطاول على العلماء والفقهاء وإيذاؤهم حرامٌ شرعاً، ويودي بالمتطاول المؤذي للعلماء، وقد قال بعض أهل العلم: " أعراض العلماء على حفرةٍ من حفر جهنم " وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: " من آذى فقيهاً، فقد آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد آذى الله عز وجل ". ويضاف لما سبق، أن المتطاول ما عرف مكانة أحكام الحيض والنفاس في الفقه الإسلامي، وأهميتها وكثرة الأحكام المترتبة على معرفة أحكام الحيض والنفاس. فقد قال الإمام النووي يرحمه الله: ((إعلم أن باب الحيض من عويص الأبواب ومما غلط فيه كثيرون من الكبار لدقة مسائله واعتنى به المحققون وأفردوه بالتصنيف في كتب مستقلة. وأفرد أبو الفرج الدارمي من أئمة العراقيين مسألة المتحيرة في مجلد ضخم ليس فيه إلا مسألة المتحيرة وما يتعلق بها، وأتى فيه بنفائس لم يُسبق إليها، وحقق أشياء مهمة من أحكامها، وقد اختصرت أنا مقاصده في كراريس، وسأذكر في هذا الشرح ما يليق به منها إن شاء الله. وجمع إمام الحرمين في النهاية في باب الحيض نحو نصف مجلد وقال بعد مسائل الصفرة والكدرة: لا ينبغي للناظر في أحكام الإستحاضة أن يضجر من تكرير الصور وإعادتها في الأبواب. وبسط أصحابنا رحمهم الله مسائل الحيض أبلغ بسط وأوضحوه كامل إيضاح واعتنوا بتفاريعه أشد اعتناء وبالغوا في تقريب مسائله بتكثير الأمثلة

وتكرير الأحكام، وكنت جمعت في الحيض في شرح المهذب مجلداً كبيراً مشتملاً على نفائس، ثم رأيت الآن اختصاره والإتيان بمقاصده، ومقصودي بما نبهت عليه، ألا يضجر مطالعه بإطالته فإني أحرص إن شاء الله على ألا أطيله إلا بمهمات وقواعد مطلوبات وما ينشرح به قلب من به طلب مليح وقصد صحيح، ولا ألتفت إلى كراهة ذوي المهانة والبطالة، فإن مسائل الحيض يكثر الإحتياج إليها لعموم وقوعها وقد رأيت ما لا يحصى من المرات من يسأل من الرجال والنساء عن مسائل دقيقة وقعت فيه، لا يهتدي إلى الجواب الصحيح فيها، إلا أفراد من الحذاق المعتنين بباب الحيض، ومعلوم أن الحيض من الأمور العامة المتكررة ويترتب عليه ما لا يحصى من الأحكام، كالطهارة والصلاة والقراءة، والصوم والإعتكاف والحج، والبلوغ والوطء، والطلاق والخلع والإيلاء، وكفارة القتل وغيرها والعدة والإستبراء، وغير ذلك من الأحكام، فيجب الإعتناء بما هذه حاله، وقد قال الدارمي في كتاب المتحيرة: الحيض كتاب ضائع لم يصنف فيه تصنيف يقوم بحقه ويشفي القلب، وأنا أرجو من فضل الله تعالى أن ما أجمعه في هذا الشرح يقوم بحقه أكمل قيام وإنه لا تقع مسألة إلا وتوجد فيه نصاً أو استنباطاً، لكن قد يخفى موضعها على من لا تكمل مطالعته وبالله التوفيق)) المجموع 2/ 344 - 345. وقال العلاّمة البركوي: " فقد اتفق الفقهاء على فرضية علم الحال على كل من آمن بالله واليوم الآخر من نسوة ورجال. فمعرفة أحكام الدماء المختصة بالنساء واجبة عليهن، وعلى الأزواج والأولياء ولكن هذا العلم كان في زماننا مهجوراً، بل صار كأن لم يكن شيئاً مذكوراً، لا يفرقون بين الحيض والنفاس والإستحاضة .... ". ونقل ابن عابدين عن ابن نجيم قال: " واعلم أن باب الحيض من غوامض الأبواب خصوصاً المتحيرة وتفاريعها، ولهذا اعتنى به المحققون. وأفرده محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة رحمه الله في كتاب مستقل ومعرفة مسائله من أعظم المهمات، لما يترتب عليها مما لا

الفرق بين كبائر الذنوب وصغائرها

يحصى من الأحكام، كالطهارة والصلاة وقراءة القرآن والصوم والاعتكاف والحج والبلوغ والوطء والطلاق والعدة والإستبراء، وغير ذلك من الأحكام، وكان من أعظم الواجبات لأن عظم منزلة العلم بالشيء بحسب منزلة ضرر الجهل به، وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها، فيجب الاعتناء بمعرفتها وإن كان الكلام فيها طويلاً، فإن المحصل يتشوف إلى ذلك ولا التفات إلى كراهة أهل البطالة " انظر الرسالة الرابعة من مجموعة رسائل ابن عابدين المسماة منهل الواردين من بحار الفيض، على ذخر المتأهلين في مسائل الحيض ص69 - 70. وأخيراً، فإن على طلبة العلم أن يتأدبوا مع العلماء، ويعرفوا للعلماء مكانتهم وفضلهم: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ) سورة الزمر /9. وقال تعالى: (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) سورة المجادلة 11 قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله: " اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإياك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة النور /63. الفرق بين كبائر الذنوب وصغائرها يقول السائل: ما المقصود بكبائر الذنوب، وما الفرق بينها وبين صغائر الذنوب وما هي كبائر الذنوب؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن كل مخالفة لأوامر الله أو نواهيه قبيحة، سواءً كان الذنب كبيراً أو صغيراً، وعلى المسلم أن يعلم أنه عندما

يرتكب ذنباً أنه يعصي الله عز وجل، وقد قال بعض السلف: " لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر من عصيت ". فالمسلم ملتزم بشرع الله التزاماً كاملاً ولا يدفعه أن هذا الذنب صغير إلى التساهل في الوقوع في المعاصي، فإن الله عز وجل قال: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) سورة النساء /123. فالأصل في المسلم أن يجتنب كل ما نهى الشارع الحكيم عنه، ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح أن عليه الصلاة والسلام قال: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم. إذا تقرر ذلك فأقول إن جماهير العلماء قالوا: إن المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقد اختلفوا في حقيقة الكبيرة، وهذه بعض أقوالهم: فمنهم من يرى أن الكبيرة هي ما لحق صاحبها بخصوصها وعيد شديد بنص من القرآن الكريم أو السنة النبوية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب " تفسير القرطبي 5/ 159. ومن العلماء من يرى أن الكبيرة هي كل معصية أوجبت الحد. ومنهم من يرى أن الكبيرة هي كل محرم لعينه منهيٌ عنه لمعنى في نفسه فأن فعل على وجه يجمع وجهين أو وجوهاً من التحريم كان فاحشة، فالزنا كبيرة، وأن يزني الرجل بزوجة جاره فاحشة. وقال المفسر الواحدي: " الصحيح أن الكبيرة ليس لها حد يعرفها العباد به، وإلا لاقتحم الناس الصغائر واستباحوها، ولكن الله عز وجل أخفى ذلك عن العباد ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه رجاءً أن تجتنب الكبائر، ونظائره إخفاء الصلاة الوسطى وليلة القدر وساعة الإجابة ونحو ذلك، وغير ذلك من الأقوال " الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 14 - 16. وكل ما ذكره أهل العلم في تعريف الكبيرة إنما هو على وجه التقريب، وليس على وجه التحديد.

وكبائر الذنوب كثيرة، وليس محصورة في عدد معين عند أهل العلم، وإن ذكر في بعض الأحاديث عددها، فليس المراد الحصر، فمن ذلك ما ورد في الحديث، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا يا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس ابن مالك - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: (الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال قول الزور، أو قال شهادة الزور) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: " وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - (الكبائر سبع) فالمراد به من الكبائر سبع، فإن هذه الصيغة وإن كانت للعموم، فهي مخصوصة بلا شك، وإنما وقع الاقتصار على هذه السبع وفي الأخرى ثلاث، وفي الرواية الأخرى أربع، لكونها من أفحش الكبائر مع كثرة وقوعها لا سيما فيما كانت عليه الجاهلية ولم يذكر في بعضها ما ذكر في الأخرى، وهذا مصرح بما ذكرته من أن المراد البعض" شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 264. ويؤيد عدم انحصار الكبائر في سبع أو ثلاث أو أربع ما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه -، أنه لما سئل عن الكبائر أسبع هي؟ فقال: هي إلى سبعين أقرب. وقال سعيد بن جبير: قال رجل لابن عباس الكبائر سبع؟ قال: هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار " تفسير القرطبي 5/ 159.

حكم الإكرام بالقيام

وهذا هو الراجح إن شاء الله، وهو أن الكبائر ليست محصورة في عدد معين، وقد ذكر الإمام ابن حجر المكي يرحمه الله عدداً كبيراً من الذنوب التي تعد من الكبائر وساق الأدلة على ذلك فمن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتابه القيم الزواجر عن اقتراف الكبائر. حكم الإكرام بالقيام يقول السائل: ما حكم قيام الناس لشخص يدخل إلى مجلسهم؟ الجواب: يجوز القيام للقادم إذا كان القيام بقصد إكرام أهل الفضل كالعلماء والوالدين لأن احترام هؤلاء وأمثالهم مطلوب شرعاً. وقد ثبت في الحديث الصحيح، عن أبي سعيد الخدري، أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه فجاء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قوموا إلى سيدكم، أو قال خيركم .... الحديث) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. قال الإمام النووي: " قوله - صلى الله عليه وسلم -: قوموا إلى سيدكم أو خيركم فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم بالقيام لهم إذا أقبلوا، هكذا احتج به جماهير العلماء لاستحباب القيام .... ، قلت القيام للقادم من أهل الفضل مستحب، وقد جاء فيه أحاديث ولم يصح في النهي عنه شيء صريح " شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 440. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة، قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأها قد أقبلت، رحب بها ثم قام إليها فقبلها، ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه، وكانت إذا أتاها النبي - صلى الله عليه وسلم - رحبت به، ثم قامت إليه فأخذت بيده فقبلته .... ) رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني، انظر صحيح الأدب المفرد ص356.

ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث الطويل في قصة توبة كعب بن مالك، حين تخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فتاب الله عليه، وفيه: (وآذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني .... ) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الأحاديث. وينبغي التنبيه، أنه ورد النهي عن القيام للقادم إذا كان بقصد المباهاة والتفاخر والسمعة والكبرياء، فقد ورد في الحديث عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من سرّه أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) رواه أبو داود والترمذي وحسنه. وقد جعل ابن رشد المالكي، القيام للقادم على أربعة أوجه: 1 - محظور، وهو أن يقع لمن يريد أن يقام له تكبراً وتعاظماً على القائمين إليه. 2 - مكروه، وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين، ولكن يخشى أن يدخل إلى نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة. 3 - جائز، وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك، ويؤمن معه التشبه بالجبابرة. 4 - مندوب، وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحاً بقدومه، أو إلى من تجددت له نعمة، فهنئه بحصولها، أو مصيبة فيعزيه بسببها. " فتح الباري 13/ 290. قال الشيخ أحمد بن قدامة المقدسي: " وقد قال العلماء: يستحب القيام للوالدين والإمام العادل، وفضلاء الناس، وقد صار هذا كالشعار بين الأفاضل، فإذا تركه الإنسان في حق من يصلح أن يفعله في حقه، لم يأمن أن ينسبه إلى إهانته والتقصير في حقه، فيوجب ذلك حقداً، واستحباب هذا

فساد ذات البين

في حق القادم لا يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك ويرى أنه ليس بأهل لذلك " مختصر منهاج القاصدين ص 251. فساد ذات البين يقول السائل: ما المراد بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: (فإن فساد البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين)؟ الجواب: إن المذكور في السؤال جزء من حديث رواه أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة) قال الترمذي هذا حديث صحيح. وقال: يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين). وهذا الحديث فيه حث وترغيب على إصلاح ذات البين وقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن فساد ذات البين هي الحالقة)، أي هي الخصلة التي من شأنها أن تحلق الدين وتستأصله كما يستأصل الموسى الشعر، كما قال صاحب، عون المعبود 13/ 178. وقال ابن منظور: " الحالقة أي التي من شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما تستأصل الموسى الشعر .... " لسان العرب 3/ 293. استخدام الجن في العلاج يقول السائل: يدّعي بعض الناس معالجة المرضى، عن طريق استخدام

الجن وقراءة القرآن على الماء أو على بعض الأشربة، وكذلك القراءة على بعض الأدوات كالموسى، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لقد كثر في زماننا هذا الذين يدَّعون العلاج بالقرآن الكريم، والذين يدَّعون أنهم يتعاملون مع الجن في معالجة المرضى، وأكثر هؤلاء من الدجالين والمشعوذين الذين يستغلون جهل الناس وضعف المرضى، فيبتزونهم ويأخذون منهم الأموال الكثيرة بغير حق ويرتكبون مخالفات شرعية كثيرة، ولا بد من توضيح الأمور التالية: 1 - إذا مرض الإنسان فعليه مراجعة الأطباء أهل الاختصاص، لأن الله تعالى خلق الداء والدواء، فقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما أنزل الله من داء، إلا أنزل له شفاء) رواه البخاري ومسلم. وجاء في حديث آخر أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله) رواه مسلم. 2 - إن العلاج بالقرآن والرقية بآياته من الأمور المشروعة، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) سورة الإسراء /82. وروى الإمام البخاري في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه -، أن رهطاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انطلقوا في سفرة سافروها حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم لعله أن عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحدكم شيء، فقال بعضهم: نعم والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، فصالحهم على قطيع من الغنم فانطلق فجعل يتفل ويقرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمينَ) حتى لكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة، قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: أقسموا، فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له فقال: (وما يدريك أنها رقية، أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم). وثبت في الحديث الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذتين) رواه مسلم. 3 - لا ينبغي لأحد من الناس أن يتفرغ لعلاج الناس بالرقى القرآنية أو بالأذكار الواردة، والإعلان عن نفسه بأنه المعالج بالقرآن والبديل الشرعي لفك السحر ومس الجان والعين والعقم والأمراض المستعصية، أو يعلن عن نفسه العيادة القرآنية، ويوزع الكروت، ويحدد المواعيد كالأطباء المختصين، لأن ذلك ليس من منهج الصحابة والتابعين والصالحين، ولم يكن معروفاً مثل هذا التفرغ عندهم مع أن الناس لا زالوا يمرضون على مر العصور والأزمان، ولأن فتح هذا الباب قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة، ويلج منه الدجالون والمشعوذون وأمثالهم. 4 - لا بأس بقراءة آيات من القرآن الكريم على إناء فيه ماء، ثم يشربه المريض ويغتسل به قال ابن القيم: " ورأى جماعة من السلف أن يكتب له الآيات من القرآن ثم يشربها قال مجاهد: لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض ومثله عن أبي قلابة ". 5 - إن مس الجن للإنسان ثابت، وقد قامت الأدلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والواقع يؤيد ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك، فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك " مجموع الفتاوى 24/ 276. ويكون العلاج من صرع الجن للإنسان بقراءة الآيات القرآنية والأوراد النبوية الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

حديث مكذوب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -

6 - لا يجوز اللجوء لأي إنسان يدعي المعالجة بالقرآن أو أنه يستطيع إخراج الجن من المصروع إلا بعد التأكد أن هذا الشخص من الصالحين الملتزمين بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يتبع الطرق المشروعة في الرقية والعلاج ولا يستخدم شياطين الجن الذين لا يخدمونه إلا إذا وقع في المحرمات. وكذلك فإن بعض هؤلاء المعالجين يستخدمون الطلاسم في المعالجة، أو يذكرون كلاماً غير مفهوم المعنى، فهذا لا يجوز استعماله. حديث مكذوب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول السائل: يتداول بعض الخطباء والمدرسين حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو (الناس كلهم هلكى إلا العالمون، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم) فهل هذا الحديث ثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ الجواب: هذا الحديث حديث مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الصغاني: "وهذا الحديث مفترى ملحون والصواب في الإعراب العالمين والعاملين والمخلصين ". وقال الشيخ الألباني: موضوع أي مكذوب، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة1/ 102 وكشف الخفاء2/ 312. صيغة مكذوبة في الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول السائل: وزع بعض الناس الورقة المطبوعة التالية، وفيها صيغة للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهل هذه الصيغة واردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ونصها كما يلي:

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد المرسلين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد المرسلين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الشاهدين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الخائفين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الخاشعين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الطائعين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد التائبين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد العابدين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الحامدين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الصالحين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الراكعين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الساجدين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد القائمين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد القاعدين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد المتقين. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد المستغفرين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد النادمين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الشاكرين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الحافظين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الذاكرين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد العاقلين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد المحسنين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الأكرمين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد المنذرين

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد المبشرين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد الطيبين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد النبيين. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيد العالمين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد سيدنا النبي الزكي النقي اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد القرشي الهاشمي اللهم صل وسلم على سيدنا محمد المدني العربي المكرم يوم القيامة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد سيد أهل الجنة اللهم صل وسلم على سيدنا محمد صاحب المقام المحمود اللهم صل وسلم على سيدنا صاحب الصراط المستقيم اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد أفضل الأولين والآخرين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى جميع الملائكة المقربين، وعلى عباد الله الصالحين من أهل السماوات وأهل الأرضين وعلينا معهم أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين- صلى الله عليه وسلم -. روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً من دعا بهذه الصلاة في عمره مرةً أو ساعةً أو جمعةً أو شهراً إلا أدخله الله الجنة بغير حساب وقال - صلى الله عليه وسلم - من كتبها وعلقها على نفسه كفاه الله شر من يخاف، ومن مات وجعلها في كفنه كانت له شهيداً يوم القيامة ويوكل الله به ملائكة يحفظونه من كل هول وشدة. وقال - صلى الله عليه وسلم - بينما أنا أصلي خلف المقام فلما فرغت دعوت الله عز وجل، وسألته المغفرة لأمتي إنه غفور رحيم، فنزل عليَّ جبريل عليه السلام فقلت يا أخي يا جبريل أنت حبيبي وحبيب أمتي، علمني شيئاً يكون لي ولأمتي من بعدي، لينالوا إحساناً لهم ورحمة بهم، فقال جبريل عليه السلام، ما من مسلم يدعو بهذه الصلاة في عمره مرة واحدةً إلا جاء يوم القيامة ووجهه يتلألأ نوراً كالقمر ليلة البدر، فيتعجب الناس منه ويقولون هذا نبي مرسل أو ملك مقرب، إنه عبد دعا بهذه الصلاة في عمره مرةً.

وقال جبريل عليه السلام يا محمد ما دعا بهذه الصلاة أحد خمسة عشر مرة في عمره إلا قمت أنا وأنت يوم القيامة على قبره ويهدي الله فرساً من الجنة سرجها من الياقوت الأحمر فيأتونه ويقولون يا عبد الله ما جزاؤك اليوم إلى الجنة إنزل في جوار النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال جبريل يا محمد هذه الصلاة فيها اسم الله الأعظم فمن قرأها كان آمناً يوم القيامة من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أخي يا جبريل ما ثواب من يدعو بهذ الصلاة، فقال يا محمد سألتني عن شيء لا يعلمه إلا الله تعالى، يا محمد لو كانت الأشجار أقلاماً والبحار مداداً والجن والإنس كتاباً ما قدروا على كتابة ثواب هذه الصلاة يا محمد ما من أحد من أمتك يدعو بهذه الصلاة إلا كتب الله له ثواب أربعة من الملائكة واربعة من الأنبياء فأما الأنبياء فثوابك يا محمد صلوات الله عليك وسلامه وموسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين وأما الملائكة فثوابي أنا وميكائيل واسرافيل وعزرائيل عليهم السلام فعجبت من هذه الصلاة وأن الملائكة يستغفرون لمن يدعو بها ثم قال الرسول- صلى الله عليه وسلم - من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ولم يؤمن بهذه الصلاة فأنا بريء منه وهو بريء مني ومن كانت هذه الصلاة عنده ولم يعلمها للمسلمين فأنا بريء منه وهو بريء مني وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك هذه الصلاة يوماً قط وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كنت لم أحفظ القرآن فعلمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الصلاة فرزقني الله حفظ القرأن ...... الخ)). الجواب: هذه الصيغة في الصلاة والسلام على النبي- صلى الله عليه وسلم - صيغة باطلة لم ترد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي افتراء وكذب على الرسول- صلى الله عليه وسلم - وتعتبر من الغلو في الدين، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وصححه الإمام النووي. وقد وردت صيغ معتمدة عند المحدثين في الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم -

أحاديث الأبدال

تغني عن هذه الصورة الباطلة، فعلى المسلم أن يلتزم بالصيغ الصحيحة، ويتجنب الصيغ المكذوبة، فإن الخير كل الخير في الإتباع، والشر كل الشر في الإبتداع. أحاديث الأبدال يقول السائل: إنه قرأ في إحدى المجلات مقالة حول الأبدال وأنهم يكونون بالشام كما ورد في الحديث المذكور في المقال، وهو عن الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الأبدال يكونون بالشام، وهم أربعون رجلاً، كلما مات منهم رجل، أبدل الله مكانه رجلاً، يسقى بهم الغيث، وينصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الأرض البلاء) رواه الترمذي، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لم يثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - حديث صحيح في الأبدال وكل ما ورد من الأحاديث في الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد، كلها أحاديث باطلة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم حديثاً وقديماً. ومن هذه الأحاديث الباطلة، الحديث المذكور أعلاه، فإنه حديث منقطع وهو ضعيف قال الشيخ أحمد محمد شاكر يرحمه الله في تعليقه على مسند الإمام أحمد 2/ 171، قال: " وإسناده ضعيف لانقطاعه .... ". وقال ابن القيم: " ذكره الإمام أحمد ولا يصح أيضاً فإنه منقطع " المنار المنيف ص136. وقال الشيخ الألباني: ضعيف، انظر ضعيف الجامع الصغير ص334. ويضاف إلى ذلك كله أن الحديث لم يروه الترمذي كما ورد في السؤال. وأحاديث الأبدال لم يروها أحد من أصحاب الكتب الستة إلا حديثاً

واحداً رواه أبو داود في سننه، وورد فيه ذكر الأبدال، وهو حديث أم سلمة وهو حديث ضعيف لا يصح وفيه " فإذا رأى الناس ذلك، أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه .... " وهذا الحديث ضعيف، فهو من رواية قتادة عن صالح أبي الخليل عن صاحب له لم يسمَّ عن أم سلمة، فالحديث ضعيف، كما أن قتادة لم بصرح بالسماع، وقد ضعفه الشيخ الألباني وغيره. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والحديث المروي في الأبدال، أربعون رجلاً، حديث ضعيف، فإن أولياء الله المتقين، يزيدون وينقصون بحسب كثرة الإيمان والتقوى، وبحسب قلة ذلك، كانوا في أول الإسلام أقل من أربعين، فلما انتشر الإسلام كانوا أكثر من ذلك " مجموع الفتاوى 27/ 498. وخلاصة الأمر كما قال العلاّمة ابن القيم: " إن أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد، كلها باطلة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " المنار المنيف ص136. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " .... كل حديث يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدة الأولياء والأبدال والنقباء والنجباء والأوتاد والأقطاب مثل أربعة أو سبعة أو اثني عشر أو أربعين أو سبعين أو ثلاثمئة وثلاثة عشر، أو القطب الواحد، فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ إلا بلفظ الأبدال، وروي فيهم حديث أنهم أربعون رجلاً وأنهم بالشام وهو في المسند من حديث علي - رضي الله عنه -، وهو حديث منقطع ليس بثابت " مجموع الفتاوى 11/ 167. وقال الحافظ السخاوي: " حديث الأبدال له طرق عن أنس- رضي الله عنه - مرفوعاً بألفاظ كثيرة كلها ضعيفة " المقاصد الحسنة ص8. وقد ضعف الشيخ الألباني حفظه الله الأحاديث الواردة في الأبدال كما في السلسلة الضعيفة 2/ 340 - 341. ورد الشيخ الألباني على السيوطي تصحيحه لها، وذكر حديث عبادة:

" الأبدال في هذه الأمة ثلاثون، مثل إبراهيم خليل الرحمن عز وجل، كلما مات رجل، أبدل الله تبارك وتعالى مكانه رجلاً "، ثم قال: " منكر رواه الأمام أحمد .... وقال أحمد عقبه: وهو حديث منكر .... الخ ". كما ضعف الشيخ الألباني أحاديث الأبدال الواردة عن أنس رواه الخلال في كرامات الأولياء، وقال الشيخ الألباني: ضعيف. وحديث عون بن مالك رواه الطبراني، وقال الشيخ الألباني: ضعيف. وحديث عطاء مرسلاً رواه الحاكم في الكنى، وقال الشيخ الألباني: ضعيف، انظر ضعيف الجامع الصغير، الأحاديث من رقم 2265 إلى 2270 وانظر أيضاً السلسلة الضعيفة 3/ 677 حيث ذكر الشيخ الألباني حديث عطاء السابق وقال: منكر. ونقل عن الذهبي أنه قال: " والخبر منكر ". ولا ينخدعن أحد بما ذكره السيوطي في رسالته: " الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال " فإنها أحاديث ضعيفة مثخنة بالجراح. وذكر الحافظ ابن الجوزي أحاديث الأبدال وطعن فيها واحداً واحداً وحكم بوضعها. وقال الشيخ ملا علي القاري: " حديث الأبدال من الأولياء، له طرق عن أنس مرفوعاً بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة " ذكره ابن الديبع. وعن ابن الصلاح: أقوى ما روينا في الأبدال قول علي أنه بالشام يكون الأبدال وأما الأدباء والنجباء والنقباء، فقد ذكرها بعض مشايخ الطريقة، ولا يثبت ذلك " الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص101 - 102. وجاء في تذكرة الموضوعات للفتني الهندي: " وعن أبي هريرة: " لن تخلو الأرض من ثلاثين، مثل إبراهيم خليل الرحمن، بهم يعانون وبهم يرزقون وبهم يمطرون " وفيه واضع ضعيف، .... وعن أنس: البدلاء

هل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكرر الحديث في أكثر من مجلس

أربعون .... فيه العلاء روى عن أنس نسخة موضوعة .... ، وعن أنس بطريق آخر: الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة كلما مات .... الخ فيه مجاهيل .... الخ " تذكرة الموضوعات 194. وقال ابن عرَّاق الكناني بعد أن ساق عدداً من أحاديث الأبدال: " .... ولا يصح منها شيء ". هل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكرر الحديث في أكثر من مجلس يقول السائل: هل كان الرسول عيه الصلاة والسلام يكرر الحديث الواحد في أكثر من مجلس؟ الجواب: إن تعدد روايات الصحابة للحديث الواحد مع اختلاف هذه الروايات، إما بزيادة أو نقص، يشير إلى تكرار الحديث في عدة مواطن، ولا نزعم أن هذا كان ديدناً له عليه الصلاة والسلام، ولعل في المثال التالي ما يشير إلى ذلك، وهو روايات حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا .... الخ) من مسند أحمد، فهذا الحديث، رواه جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وأبو بكر وأنس وجابر وأوس وغيرهم، وكلهم يروي الحديث نفسه مع زيادة أو نقص، وبعضهم يذكر مناسبة للحديث وهذه الروايات هي: 1 - عن أبي هريرة: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها، عصموا مني دماءَهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله). 2 - قال عمر: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه , وحسابه على الله تعالى). 3 - عن أبي هريرة (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله

إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءَهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله). 4 - عن أبي هريرة (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ثم قد حُرِّم عليَّ دماؤُهم وأموالهم، وحسابهم على الله عز وجل). 5 - حديث أنس (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا، فقد حُرِّمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم). 6 - حديث جابر (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عَصَموا مني دماءَهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عز وجل). 7 - حديث جابر (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عَصَموا مني بها دماءَهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ثم قرأ: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) سورة الغاشية /22,21). 8 - حديث أوس (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد ثقيف، فكنا في قبة فقام من كان فيها غيري وغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل فقال: اذهب فاقتله، ثم قال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله، قال بلى، ولكن يقولها تعوذاً، فقال ردَّه قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حُرِّمت عليَّ دماؤُهم وأموالهم إلا بحقها .... ). والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب

الجزء الرابع

بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران الآية 102. (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء الآية 1. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71. وبعد. فهذا هو الجزء الرابع من كتابي [يسألونك] وأصله حلقات تنشر أسبوعياً، في جريدة القدس المقدسية، صباح كل يوم جمعة، أجيب فيها على أسئلة القراء. وقد احتوى هذا الجزء على أجوبة لكثير من المسائل والمشكلات،

التي تقع للناس، وخاصة بعض القضايا المعاصرة، حيث إن الفقه الإسلامي لا يقف جامداً، أمام المشكلات التي تتجدد للناس، وإنما يدرس الموضوعات، والقضايا الجديدة التي تمخضت عنها الحياة المعاصرة، بما جدَّ فيها من أنظمة وقوانين، ومخترعات واكتشافات، وتقدم علمي واقتصادي، وفكري وطبي، واجتماعي وإعلامي، وغير ذلك مما يلح العصر على دراستها (¬1)، وبيان حكم الشرع فيها، اعتماداً على الأدلة الشرعية، والضوابط والقواعد، التي أرسى قواعدها، فقهاؤنا الأجلاء، لنسير على هديها، ولا نخرج عنها؛ فإن في ذلك تحقيقاً لمصالح العباد، في المعاش والمعاد؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدلٌ كلها، ورحمةٌ كلها، ومصالح كلها، وحكمةٌ كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - أتم دلالة وأصدَقَها، وهي نوره الذي أبصر به المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قُرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح؛ فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير من الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطُويَ العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه وتعال خرابَ الدنيا وطَي العالم رفَع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة (¬2). ¬

(¬1) منهج البحث في الفقه الإسلامي ص 82. (¬2) إعلام الموقعين عن رب العالمين للعلامة ابن القيم ج 3 ص 3.

وأخيرأً فإني لا أزعم أني أصبت الحق فيما كتبت، ولكن حسبي أني بذلت الجهد والوسع، فما كنت أجيب على سؤال، إلا بعد مراجعة كتب أهل العلم، الذين نعيش على فتات موائدهم، من المفسرين والمحدثين والفقهاء. وأذكر الأخوة القراء، أنني أعتمد في تخريج الأحاديث الواردة في هذا الكتاب، وغيره من كتبي، على ما حققه محدث العصر، العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله ورعاه، ومنحه الصحة والعافية، وجزاه الله خير الجزاء على خدمته للسنة النبوية الشريفة. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والله الهادي إلى سواء السبيل أبوديس / القدس في صباح يوم الجمعة 20 ربيع الأول 1420 وفق 2 تموز 1999. كتبه الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه الأستاذ المشارك في الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس

الطهارة والصلاة

الطهارة والصلاة

المسح على الجبيرة

المسح على الجبيرة يقول السائل: إنه قد كسرت يده ووضعها في الجبس فكيف يصنع في الطهارة في حالتي الوضوء والغسل؟ الجواب: إذا تعذر على المسلم غسل عضو من أعضاء بدنه لعذر كأن يكون العضو مكسوراً وموضوعاً في الجبس أو مجروحاً وعليه دواء ومنعه الأطباء من استعمال الماء أو محروقاً أو نحو ذلك فإنه يشرع له المسح عليه دون الغسل بالماء وهذا يسمى عند العلماء المسح على العصائب والجبائر. والعصائب والجبائر قد تحتاج إلى مدة لإزالتها حسب حالة الجرح أو الكسر والمسلم في هذه المدة يحتاج إلى الطهارة سواء كانت الوضوء أو الغسل ودين الإسلام جاء باليسر والتسهيل على العباد فشرع المسح على العصائب والجبائر لرفع الحرج وإزالة المشقة عن الناس لأن في إزالة العصائب والجبائر حرجاً وضرراً يلحق بالمرضى. ومما يدل على مشروعية المسح على العصائب والجبائر ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: [من كان له جرح معصوب عليه توضأ ومسح على العصائب ويغسل ما حول العصائب].

وفي رواية أخرى عن ابن عمر: [أنه توضأ وكفه معصوبة فمسح على العصائب وغسل سوى ذلك] رواه البيهقي وقال: وهو عن ابن عمر صحيح. سنن البيهقي 1/ 228. وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض الأحاديث الضعيفة في المسح على الجبائر ولكنها غير ثابتة. قال البيهقي: [ولا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء - أي باب المسح على العصائب والجبائر - وأصح ما روي فيه حديث عطاء بن أبي رباح وليس بالقوي وإنما فيه قول الفقهاء من التابعين ممن بعدهم مع ما روينا عن ابن عمر في المسح على العصابة] سنن البيهقي 1/ 228. وقد قال بمشروعية المسح على العصائب والجبائر جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة وقد روى البيهقي عن جماعة من كبار التابعين جواز المسح على الجبائر منهم عبيد بن عمير وطاووس والحسن البصري وإبراهيم النخعي. والمسح على العصائب والجبائر واجب لا يصح الوضوء والغسل بدونه بالشروط التالية: 1. أن يكون غسل العضو المريض الذي عليه عصابة أو جبيرة ضاراً بالإنسان بحيث يخشى من غسله زيادة الألم أو تأخر الشفاء. 2. أن لا تغطي الجبيرة أو العصابة من العضو الصحيح إلا ما لا بد منه وهذا معروف وخاصة في الجبيرة فإنه يحتاج فيها إلى تغطية جزء من العضو الصحيح بالإضافة إلى محل الكسر حتى تتماسك الجبيرة. وأما إذا تجاوزت الجبيرة المحل المصاب بدون حاجة فلا بد من نزعها عن المحل السليم لغسله ولا يصح مسحه هذا إذا كان نزعها لا يضر بالمريض. وصفة طهارة من كان على بدنه عصابة أو جبيرة أن يغسل الأعضاء

كيف يتيمم المريض في المستشفى؟

السليمة ويمسح على العضو الموضوع في الجبيرة ويجب أن يستوعب جميع الجبيرة بالمسح على مذهب جمهور الفقهاء. وهذه بعض أحكام المسح على العصائب والجبائر: 1. إن المسح على العصائب والجبائر غير مؤقت بمدة معينة بل يجوز المسح بدون توقيت ما دام هنالك حاجة للعصائب والجبائر فمثلاً قد يحتاج وضع الرجل المكسورة في الجبس إلى شهر أو شهرين فيمسح طوال تلك المدة بخلاف المسح على الخفين والجوربين فإنه محدد بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر. أي أن المسح على العصائب والجبائر مؤقت بالشفاء وليس بالأيام. 2. لا يشترط أن توضع العصائب والجبائر على طهارة سابقة على الراجح من أقوال أهل العلم لما في ذلك من الحرج والمشقة فإن الإنسان قد يصاب في حادث مفاجئ ويحمل إلى المستشفى وتوضع يده أو رجله في الجبس ولا يمكنه التطهر قبل ذلك. 3. يمسح على الجبيرة والعصابة في الوضوء والغسل بخلاف المسح على الخفين فلا يصح إلا في الوضوء فقط. 4. لا يجوز المسح على العصائب والجبائر إن برء العضو وشفي من الجرح أو الكسر لأن المسح عليها رخصة مرهونة بالعذر فإذا زال العذر بطل المسح. 5. إن مسح على العصابة أو الجبيرة ثم نزعها للبرء أو الشفاء فإن طهارته لا تنتقض لأنها تمت على وجه شرعي. كيف يتيمم المريض في المستشفى؟ يقول السائل: إنه مريض ويرقد في المستشفى ولا يستطيع استعمال الماء للوضوء لأن الأطباء قد منعوه من استعماله فكيف يتيمم للصلاة؟

النظافة لدخول المسجد

الجواب: يقول الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة المائدة آلآية 6. إذا تعذر على المسلم استعمال الماء لأي سبب من الأسباب المبيحة للتيمم فإنه يتيمم والأصل في التيمم استعمال الصعيد الطيب كما في الآية السابقة. وهذا المريض عليه أن يتيمم بالتراب إن استطاع ذلك سواء وصل إلى التراب بنفسه أو أحضر له التراب فإن تعذر ذلك تيمم بالأرض الطاهرة وإن تعذر ذلك تيمم على الفراش والله سبحانه وتعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). والراجح في صفة التيمم أنه ضربة واحدة يضرب الأرض بيديه فيمسح بهما وجهه وكفيه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار: (إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ضربة واحدة ثم تمسح بهما وجهك وكفيك) رواه البخاري ومسلم. النظافة لدخول المسجد يقول السائل: إن بعض المصلين يحضرون إلى المسجد بملابس ليست نظيفة وتخرج منهم روائح كريهة وخاصة في أيام الصيف الحارة فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن الإسلام دين النظافة ويظهر ذلك واضحاً جلياً في كثير من النصوص الشرعية التي تحث على النظافة والطهارة والتطيب وإزالة ما يجب إزالته من الروائح الكريهة أو ما يؤدي إليها فالمسلم يتوضأ في اليوم

عدة مرات ليصلي ومطلوب منه أن يستعمل السواك عدة مرات أو ما يقوم مقام السواك من فرشاة أسنان ومعجون ومطلوب من المسلم الاغتسال مرة في الأسبوع على أقل تقدير. وقد حثَّ الإسلام المسلمين على الطهارة والنظافة في البدن والثياب عند حضور مجامع المسلمين كصلاة الجماعة والجمعة والعيدين وغيرها وهذه بعض النصوص الشرعية التي تؤكد على هذه الحقيقة: 1. يقول الله تعالى:: (يا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) سورة المائدة الآية 6. 2. ويقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) سورة المدثر الآيات 1 - 4. 3. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل) رواه البخاري ومسلم. 4. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (غسلُ يوم الجمعة واجب على كل محتلم - أي بالغ - والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسده) رواه البخاري ومسلم. 6. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من النصوص التي تحث المسلم وتوجب عليه الطهارة والنظافة بشكل عام وفي يوم الجمعة بشكل خاص نظراً لاجتماع المصلين في المسجد وحتى لا يؤذي بعضهم بعضاً بروائحهم الكريهة.

وقد جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء فيصيبهم الغبار والعرق فتخرج منهم الريح فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - إنسان منهم وهو عندي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا؟) رواه البخاري ومسلم. وقد حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسلم أن يلبس ملابس نظيفة وخاصة يوم الجمعة غير ملابسه التي يلبسها لعمله خلال أيام الأسبوع فقد جاء في الحديث عن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -: (أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر يوم الجمعة: ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته) رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح على شرط مسلم كما قال الشيخ الألباني في غاية المرام ص 64. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه وإن كان له طيب مس منه) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح، الفتح الرباني 6/ 48. وكذلك فإن من السنة أن يتطيب المسلم عند ذهابه إلى المسجد لصلاة الجمعة ولغيرها فقد جاء في الحديث عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى) رواه البخاري. وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى) رواه أحمد ورجاله ثقات كما قال الهيثمي. كما وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى من أكل بصلاً أو ثوماً عن الحضور إلى

المسجد لما في ذلك من إيذاء للمصلين بالروائح الكريهة فقد ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم: (من أكل هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مساجدنا). وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم: (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلين معنا). وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: (لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ريحهما - البصل والثوم - من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع) رواه البخاري ومسلم. وينبغي أن يعلم أن كل رائحة كريهة تلحق برائحة البصل والثوم فمن كانت رائحة جواربه ورجليه نتنة فينبغي له أن لا يدخل المسجد حتى يغسلهما وكذلك رائحة المدخنين الكريهة تلحق برائحة آكلي البصل والثوم وهكذا كل رائحة كريهة لأن المساجد تصان عن جميع الروائح الكريهة. قال القرطبي: [قال العلماء: إذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى به ففي القياس أن كل من تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيهاً عليهم أو كان ذا رائحة قبيحة لا تريمه - أي لا تفارقه - لسوء صناعته أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه وكل ما يتأذى به الناس كان لهم إخراجه ما كانت العلة موجودة حتى تزول. وكذلك يجتنب مجتمع الناس حيث كانت لصلاة أو غيرها كمجالس العلم والولائم وما أشبهها من أكل الثوم وما في معناه مما له رائحة كريهة تؤذي الناس) تفسير القرطبي 2/ 267 - 268 وأخيراً أذكر ما قاله الإمام الشافعي في حق من يحضر الجمعة وغيرها: (فنحب للرجل أن يتنظف يوم الجمعة بغسل وأخذ شعر وظفر وعلاج لما يقطع تغير الريح من جميع جسده وسواك وكل ما نظفه وطيبه

الأذان الجماعي

وأن يمس طيباً مع هذا إن قدر عليه ويستحسن من ثيابه ما قدر عليه ويلبسها عليه ويطيبها اتباعاً للسنه ولا يؤذي أحداً قاربه بحال. وكذلك أحب له في كل عيد وآمره به وأحبه في كل صلاة جماعة وآمره به وأحبه في كل أمر جامع للناس وإن كنت له في الأعياد من الجمع وغيرها أشد استحباباً للسنة وكثرة حاضرها) الأم 1/ 117. الأذان الجماعي يقول السائل: إنه سمع من الإذاعة الأذان يؤدى من مجموعة من المؤذنين في وقت واحد فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن الأذان الجماعي بدعة ليست مشروعة ومخالفة لما كان عليه الهدي النبوي لأن الأصل في الأذان المأثور منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يؤذن شخص واحد فقط. قال الشيخ علي محفوظ: [ومن البدع أذان الجماعة المعروف بالأذان السلطاني أو أذان الجوقة فإنه لا خلاف في أنه مذموم مكروه لما فيه من التلحين والتغني وإخراج كلمات الأذان عن أوضاعها العربية وكيفياتها الشرعية بصورة قبيحة. وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك.] الإبداع ص 176. وقد أجاب الشيخ محمد مصطفى المراغي لما سئل عن الأذان الجماعي بقوله: [إن الأذان السلطاني لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] الإبداع ص 176. وقال الشيخ محمد عبد السلام: [والأذان جماعة على وتيرة واحدة بدعة] السنن ص 49. وقد أجاز بعض أهل العلم أن يؤذن أكثر من واحد في آن واحد إذا كان صوت المؤذن الواحد لا يصل مختلف أرجاء البلد فقالوا: يجوز حينئذ

يستحب الأذان في أذن المولود

أن يقوم أربعة مؤذنين مثلاً على عدة مآذن فيؤذنوا ليصل صوتهم إلى أرجاء البلد. وهذه العلة التي ذكروها زالت اليوم نظراً لاستخدام مكبرات الصوت التي توصل صوت المؤذن الواحد إلى أرجاء البلد فكيف إذا كان الأذان بواسطة الإذاعة فإن عدد الذين يستمعون له أكبر وأكثر ويصل إلى مختلف أنحاء الدولة وأبعد من ذلك. قال الإمام الشافعي: [. ولا يؤذن جماعة معاً وإن كان مسجداً كبيراً له مؤذنون عدد فلا بأس أن يؤذن في كل منارة له مؤذن فيسمع من يليه في وقت واحد] الأم 1/ 84. وقال الماوردي: [. لأن الصوت يختلط باجتماعهم فلا يفهم إلا أن يكون البلد كبيراً والمسجد واسعاً فلا بأس أن يجتمعوا في الأذان دفعة واحدة كالبصرة.] الحاوي الكبير 2/ 58 - 59. يستحب الأذان في أذن المولود يقول السائل: سمعت أنه من السنة أن يؤذن في أذن المولود بعد ولادته فهل لهذا مستند من الشرع؟ الجواب: جاء في الحديث عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه - رضي الله عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة رضي الله عنهما) رواه الترمذي وقال: هذا حديث صحيح والعمل عليه - أي عند العلماء - ورواه أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي وغيرهم وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. صحيح سنن الترمذي 2/ 93. وذكر الشيخ الألباني حديثاً آخر يقوي الحديث المتقدم ويشهد له وهو ما رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن

النبي - صلى الله عليه وسلم - أذنّ في أذن الحسن بن علي يوم ولد وأقام في أذنه اليسرى) سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 331. وبناء على هذين الحديثين استحب جمهور أهل العلم أن يؤذن في أذن المولود اليمنى وان تقام الصلاة في أذنه اليسرى. وهذا في مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة. الموسوعة الفقهية 2/ 373، الأذكار ص 244 وذكر عن الحسن البصري أنه كان يفعل ذلك. وروى ابن المنذر عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا وُلِدَ له ولد أذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى. الفتح الرباني 13/ 135، شرح السنة 11/ 273. ورواه أيضاً عبد الرزاق في المصنّف عن عمر بن عبد العزيز. المصنف 4/ 336. والمقصود بالأذان المذكور هو الأذان للصلاة وكذا الإقامة الإقامة للصلاة. قال العلامة ابن القيم مبيناً الحكمة من هذه السنة: [وسر التأذين والله أعلم: أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته - أي كلمات الأذان - المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر مع ما في ذلك من فائدة أخرى وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان وهو كان يرصده حتى يولد فيقارنه للمحنة التي قدّرها الله وشاءها فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به. وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان. كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها

سابقة على تغيير الشيطان ونقله عنها ولغير ذلك من الحكم] تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم ص25 - 26. وقال العلامة ابن علان: [قوله (أذن في أذن الحسن) أي أتى بكلمات الأذان المعروفة في أذن الحسن عقب ولادته ليكون الذِكْرُ أول شيء يقرع سمعه وشرع في قلبه وقياً لأن الشيطان ينخس فيه عند الولادة فاستحب الأذان حينئذ لأن الشيطان يدبر عند سماعه] الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 6/ 94 - 95. ومن جهة أخرى فإن من السنة أيضاً في حق المولود أن يحنَّك بالتمر فقد ثبت في الحديث عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: (ولد لي غلام فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمّاه إبراهيم وحنَّكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ وكان أكبر ولد أبي موسى) رواه البخاري. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة قالت: (فخرجت وأنا متم - أي أتمت مدة الحمل - فأتيت المدينة فنزلت بقباء فولدت بقباء ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعته ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم حنَّكه بالتمرة ثم دعا له فبرَّك عليه وكان أول مولود في الإسلام) أي في المدينة بعد الهجرة. رواه البخاري ومسلم. وكذلك فقد ثبت من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في قصة ابن أبي طلحة: (لمّا ولد غلام لأبي طلحة من زوجته أم سليم حيث حمل أنس الطفل إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - تمراً فمضغه ثم أخذه من فيه فجعله في فم الصبي ثم حنَّكه وسماه عبد الله) والحديث في الصحيحين. والتحنيك هو مضغ تمر أو غيره حتى يصير مائعاً ثم يوضع في فم الطفل ويدلك به فم الطفل. والتحنيك سنة بالإجماع كما قال الإمام النووي ويستحب أن يحنَّكه إنسان صالح من رجل أو امرأة.

حكم صلاة المرأة في البنطال

والتحنيك يكون بالتمر كما هو مذكور في الأحاديث السابقة فإن لم يتيسر فبالرطب وإلا فشيء حلو وعسل النحل أولى من غيره. والتحنيك بالتمر له فوائد عديدة فالتمر من الفواكه الجافة وهو غني بالسكر والسليلوز ويحتوي نسبة كبيرة من المواد السكرية ويستطيع الجهاز الهضمي هضمه وامتصاصه خلال ساعة تقريباً وفي التمر نسبة من المواد البروتينية والمواد الدسمة ويحتوي على نسبة من المواد المعدنية وهو غني بالفيتامينات. وأفادت بعض الدراسات العلمية أن جعل شيء من التمر بعد مضغه في فم الطفل يخفف المغص والآلام عند الأطفال ويهدئ الأطفال. قال صاحب كتاب " الغذاء لا الدواء ": [لذلك فإننا ننصح الأطباء بإعطاء كل طفل ثائر عصبي المزاج بضع تمرات في صباح كل يوم لتضفي السكينة والهدوء على نفسه فتحد من تصرفاته واضطراباته.] الغذاء لا الدواء ص 122 للدكتور صبري القباني. وللتمر فوائد أخرى كثيرة ذكرها العلماء قديماً وحديثاً. الطب النبوي ص 216 - 217. وقال الله سبحانه وتعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) سورة مريم الآية 25. حكم صلاة المرأة في البنطال تقول السائلة: هل يجوز للمرأة أن تصلي في بيتها وهي تلبس البنطلون ولا يراها أحد من الرجال الأجانب؟ الجواب: نص أهل العلم على أنه يجب على المرأة إذا صلت أن تستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين ومن ضمن شروط لباس المرأة أن

يكون لباسها فضفاضاً غير ضيق فيصف شيئاً من جسمها. ويدل على ذلك ما جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (كساني رسول الله قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي. فقال: مالك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي. فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها) رواه أحمد والبيهقي والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني. جلباب المرأة المسلمة ص 131 - 132. ففي هذا الحديث أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة - وهي شعار يلبس تحت الثوب - ليمنع وصف بدنها والأمر يفيد الوجوب كما هو معلوم عند الأصوليين. وقد نص أهل العلم أيضاً على أن أقل اللباس المجزئ للمرأة في صلاتها هو درع وخمار فالخمار تغطي به رأسها وعنقها والدرع تغطي به البدن والرجلين. فقد جاء في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ فقال: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها) رواه أبو داود بإسناد جيد كما قال الإمام النووي ورواه الحاكم وقال: حديث صحيح على شرط البخاري. انظر المجموع 3/ 172. وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: [تصلي المرأة في ثلاثة أثواب درع وخمار وإزار] رواه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 235. وقالت عائشة رضي الله عنها: [لا بد للمرأة من ثلاثة أثواب تصلي

فيها: درع وجلباب وخمار وكانت عائشة تحل إزارها فتتجلبب به] رواه ابن سعد بإسناد صحيح على شرط مسلم. وإنما كانت عائشة تفعل ذلك لئلا يصفها شيء من ثيابها وقولها: (لا بد) دليل على وجوب ذلك. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: [إذا صلت المرأة فلتصل في ثيابها كلها الدرع والخمار والملحفة] رواه ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح كما قال الشيخ الألباني. انظر جلباب المرأة المسلمة ص 134 - 135. والملحفة هي الجلباب. وسئلت أم سلمة رضي الله عنها: [ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها] رواه مالك في الموطأ. وقال مكحول سألت عائشة: [فبكم تصلي المرأة؟ فقالت: ائت علياً فاسأله ثم ارجع إلي. فقال: في درع سابغ وخمار فرجع إليها فأخبرها فقالت: صدق] رواه عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة أيضاً انظر الاستذكار 5/ 441. وهذه النصوص المذكورة عن الصحابة قال بها الأئمة من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم. قال الحافظ ابن عبد البر: [والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيقٍ سابغٍ وتخمر رأسها فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها] الاستذكار 5/ 443. وقد سئل الإمام أحمد: [المرأة في كم ثوب تصلي؟ قال: أقله درع وخمار وتغطي رجليها ويكون درعاً سابغاً يغطي رجلها] مسائل إبراهيم بن هانيء للإمام أحمد رقم 286 عن القول المبين ص 28.

حكم قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين

وقال الإمام أحمد أيضاً: [قد اتفق عامتهم - أي العلماء - على الدرع والخمار وما زاد فهو خير وأستر ولأنه إذا كان عليها جلباب فإنها تجافيه راكعة وساجدة لئلا تصفها ثيابها فتبين عجيزتها ومواضع عورتها] المغني 1/ 432. وبهذا يظهر لنا أن صلاة المرأة في البنطلون ولو كانت في بيتها لا يراها أحد غير صحيحة لأنها أخلت بشرط من شروط ستر العورة وهو أن يكون لباسها فضفاضاً سابغاً والبنطلون ليس كذلك بل هو ضيق ملتصق بلحمها وعظمها يصف حجم أعضائها. وما ينسب لمذهب الشافعية من جواز صلاة المرأة في الملابس الضيقة غير مسلّم به بل إن الإمام الشافعي على خلاف ذلك فقد قال الإمام الشافعي في كتابه الأم: [وإن صلى - أي الرجل - في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة. فإن صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة والمرأة أشد حالاً من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها وأحب إليّ أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع] الأم 1/ 90 - 91. فانظر إلى حرص الإمام الشافعي على أن يكون الجلباب فضفاضاً واسعاً حتى لا يصف أعضاء المرأة. حكم قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين يقول السائل: هل يقرأ المصلي في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية سورة بالإضافة إلى سورة الفاتحة؟ الجواب: إن الأصل في الصلاة هو اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن نفعل مثلما فعل بغير زيادة ولا نقصان فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري. وقد اتفق أهل العلم على أن المصلي إذا كان إماماً أو منفرداً فإنه يقرأ

في الركعتين الأوليين الفاتحة وسورة بعدها فقد ثبت في الحديث عن أبي قتادة - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا ويطول في الركعة الأولى مالا يطيل في الركعة الثانية وهكذا في العصر وهكذا في الصبح) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة ويسمعنا الآية أحياناً ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب). وقد بوب الإمام البخاري لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - بقوله باب (يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب). قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [يعني بغير زيادة وسكت عن ثالثة المغرب رعاية للفظ الحديث مع أن حكمهما حكم الأخريين من الرباعية.] فتح الباري 2/ 403. وبناءاً على هذه الأحاديث فإن المصلي يقتصر على قراءة الفاتحة فقط في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية وكذا الثالثة من الصلاة الثلاثية وهذا في معظم صلاته وهو مذهب جماعة كثيرة من أهل العلم. وإن قرأ المصلي في الثالثة والرابعة وكذا في ثالثة المغرب سورة مع الفاتحة فلا بأس ولكن دون أن يداوم على ذلك. فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحياناً يقرأ السورة في الثالثة والرابعة بعد الفاتحة كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية أو قال نصف ذلك وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية وفي الأخريين قدر نصف ذلك) رواه مسلم. فقول أبي سعيد - رضي الله عنه -: (وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية)

الدعاء قبل السلام من الصلاة

يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الأخريين من الظهر بزيادة على الفاتحة لأنها ليست إلا سبع آيات. انظر نيل الأوطار 2/ 254 والفتح الرباني 3/ 209. وقال الشيخ الألباني معلقاً على هذا الحديث: [وفي الحديث دليل على أن الزيادة على الفاتحة في الركعتين الأخريين سنة وعليه جمع من الصحابة منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو قول الإمام الشافعي سواء ذلك في الظهر أو غيرها.] صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 94. قال الإمام الماوردي بعد أن ذكر أن في المسألة قولين للإمام الشافعي: [والقول الثاني إنها سنة في الأخريين كما كانت سنة في الأوليين وهو في الصحابة قول أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما لرواية رفاعة بن رافع - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال للرجل حين علمه الصلاة: (ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله عز وجل أن تقرأ به ثم اصنع ذلك في كل ركعة) الحاوي الكبير 2/ 135. وذكر الإمام النووي أن القول الثاني للشافعي في سنية قراءة سورة مع الفاتحة في الأخريين هو نص الشافعي في الأم وقد صححه جماعة من فقهاء الشافعية. المجموع 4/ 386. الدعاء قبل السلام من الصلاة يقول السائل: ما هو المشروع من الدعاء قبل أن يسلّم المصلي؟ الجواب: ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحاديث في الدعاء قبل السلام في الصلاة منها: 1. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم

ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال) رواه مسلم. 2. ومنها ما رواه مسلم بسنده عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: (قولوا اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات). قال الإمام مسلم صاحب الصحيح: [بلغني أن طاووساً قال لابنه: أدعوت بها في صلاتك؟ فقال: لا. قال: أعد صلاتك] لأن طاووساً رواه عن ثلاثة أو أربعة أو كما قال. صحيح مسلم مع شرح النووي 2/ 240. وظاهر هذه الأحاديث يدل على وجوب الاستعاذة من هذه الأربع المذكورة في الحديث وقال بالوجوب جماعة من أهل العلم كطاووس وابن حزم الظاهري والشوكاني والصنعاني والشيخ الألباني. ولكن جمهور أهل العلم على أن الاستعاذة من الأربعة المذكورة مستحبة وليست واجبة وهذا أرجح القولين في المسألة. قال الإمام النووي: [باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم]. ثم قال: [قوله: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن وإن طاووساً رحمه الله تعالى أمر ابنه حين لم يدع بهذا الدعاء فيها بإعادة الصلاة. هذا كله يدل على تأكيد هذا الدعاء والتعوذ والحث الشديد عليه. وظاهر كلام طاووس رحمه الله تعالى أنه حمل الأمر به على الوجوب فأوجب إعادة الصلاة لفواته. وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب. ولعل طاووساً أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 240.

صيغة التسليم من الصلاة

وطاووس المذكور هو طاووس بن كسيان الفقيه القدوة عالم اليمن من التابعين. وقال ابن المنذر: [لولا حديث ابن مسعود (ثم ليتخير من الدعاء) لقلت بوجوبها] فتح الباري 2/ 465. صيغة التسليم من الصلاة يقول السائل: نسمع بعض المصلين عندما يسلم عن يمينه من الصلاة يقول: [السلام عليكم ورحمة الله وبركاته] ثم يسلم عن يساره بقوله: [السلام عليكم ورحمة الله] بدون لفظ وبركاته فما قولكم في ذلك؟ الجواب: ثبت التسليم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفظه المتفق عليه عند أكثر أهل العلم هو السلام عليكم ورحمة الله [على اليمين] ثم السلام عليكم ورحمة الله [على الشمال] والسلام بهذا اللفظ وبدون زيادة لفظ [وبركاته] قد ورد عن جماعة من الصحابة ذكرهم العلامة ابن القيم في زاد المعاد 1/ 258. ومنها حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - الوارد في التسليم بدون زيادة [وبركاته] ونصه: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (كان يسلم عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) رواه الترمذي وقال حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق. سنن الترمذي 2/ 90. وغيره من الأحاديث وجمهور أهل العلم على الاقتصار في التسليم على [السلام عليكم ورحمة الله] بدون زيادة [وبركاته]. وأما زيادة لفظة [وبركاته] فقد وردت في بعض الروايات فمن ذلك ما جاء في إحدى روايات حديث ابن مسعود السابق عند ابن حبان: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده: السلام

عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فقد ورد في هذه الرواية زيادة [وبركاته] في التسليمة الثانية. وروى أبو داود بإسناده عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: (صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة وبركاته وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله) ففي هذه الرواية وردت لفظة [وبركاته] في التسليمة الأولى. وقد ذكر الإمام النووي في المجموع وفي الخلاصة هذا الحديث بزيادة وبركاته في التسليمتين ثم قال: رواه أبو داود بإسناد صحيح. المجموع 3/ 379 والخلاصة 1/ 444 - 445. كما ذكر الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام رواية حديث وائل السابق بزيادة وبركاته في التسليمتين: (صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته). ثم قال الحافظ ابن حجر: رواه أبو داود بإسناد صحيح. بلوغ المرام ص 342. وقد علق الشيخ الألباني على ذلك بقوله: [ولكنهما - النووي وابن حجر - أورداه مع الزيادة في التسليمتين فلا أدري أذلك وَهمٌ منهما أو هو من اختلاف النسخ فإن الذي في نسختنا وغيرها من المطبوعات ليس فيه هذه الزيادة في التسليمة الثانية وهو الموافق لحديث ابن مسعود في مسند الطيالسي.] ارواء الغليل 2/ 32 وانظر تمام المنة ص 171. وما قاله الشيخ الألباني صحيح فلا يوجد في نسخة سنن أبي داود المطبوعة مع شرحه عون المعبود لفظة وبركاته في التسليمة الثانية. انظر عون المعبود 3/ 207. ولا توجد هذه اللفظة كذلك في نسخة سنن أبي داود المطبوعة مع شرحه المنهل العذب المورود 6/ 116.

وخلاصة الأمر أن الثابت المشهور في التسليم من الصلاة أن يقول المصلي: [السلام عليكم ورحمة الله] في التسليمتين عن يمينه وعن يساره. وإن زاد [وبركاته] في التسليمة الأولى أحياناً فلا بأس به. انظر صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 168. وقد اختار هذه الزيادة جماعة من الفقهاء والمحدثين كما في المجموع للنووي 3/ 478. وقال الصنعاني: [وحديث التسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة بأحاديث مختلفة ففيها صحيح وحسن وضعيف ومتروك وكلها بدون زيادة [وبركاته] إلا في رواية وائل هذه ورواية عن ابن مسعود عند ابن ماجة وعند ابن حبان ومع صحة إسناد حديث وائل كما قال المصنف - الحافظ ابن حجر - هنا يتعين قبول زيادته إذ هي زيادة عدل وعدم ذكرها في رواية غيره ليست رواية لعدمها. وقد عرفت أن الوارد زيادة [وبركاته] وقد صحت ولا عذر عن القول بها وقال به السرخسي والإمام والروياني في الحلية. وقول ابن الصلاح: إنها لم تثبت قد تعجب منه المصنف وقال هي ثابتة عند ابن حبان في صحيحه وعند أبي داود وعند ابن ماجة قال المصنف: إلا أنه قال ابن رسلان في شرح السنن: لم نجدها في ابن ماجة. قلت - أي الصنعاني -: راجعنا سنن ابن ماجة من نسخة صحيحة مقروءة فوجدنا فيه ما لفظه: باب التسليم حدثنا. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) انتهى بلفظه. وفي تلقيح الأفكار تخريج الأذكار للحافظ ابن حجر لما ذكر النووي أن زيادة وبركاته زيادة فردة ساق الحافظ طرقاً لزيادة وبركاته ثم قال هذه عدة طرق ثبتت بها وبركاته بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها رواية فردة] انتهى كلامه. سبل السلام 1/ 376 - 377.

يجوز إيقاف الهاتف النقال [البلفون] أثناء الصلاة

يجوز إيقاف الهاتف النقال [البلفون] أثناء الصلاة يقول السائل: إنه نسي جهاز الهاتف النقال (البلفون) مفتوحاً ودخل في الصلاة مع الجماعة وأثناء الصلاة رنَّ الهاتف عدة مرات فهل يجوز له أن يوقفه خلال الصلاة أم يتركه. مع العلم أن الشخص الذي اتصل عليه قد يعيد الاتصال أكثر من مرة وفي ذلك إزعاج للمصلين فما قولكم؟ الجواب: ينبغي أولاً على من يحمل الهاتف النقال (البلفون) أن يوقفه عن العمل عند دخوله المسجد سواء أكان ذلك في صلاة الجمعة أو غيرها من الصلوات. لأن احتمال أن يتصل به أحد قائم وفي الرنين الصادر من الهاتف إزعاج وتشويش على المصلين والمساجد لها حرمتها ولا ينبغي لأحد أن يشوش على من في المسجد سواء كانوا في صلاة أو ذكر أو قراءة قرآن أو سماع درس علم بأي نوع من أنواع التشويش والإزعاج. فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الشيخ الألباني. إذا تقرر هذا فأقول إنه يجوز لحامل الهاتف النقال (البلفون) أن يوقفه عن العمل أثناء الصلاة وإن اقتضى ذلك أن يتحرك المصلي في صلاته فإن هذه الحركة مباحة على أقل تقدير إن لم تكن مستحبة نظراً للحاجة حيث إنه يترتب عليها منع ما يشوش على المصلين وقد ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمَّ الناس في المسجد فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب وإذا سجد وضعها) رواه البخاري ومسلم. كما وأنه يجوز قتل الحية والعقرب في الصلاة وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك. رواه أصحاب السنن وقال الإمام الترمذي حديث حسن.

جذب مصل من الصف إذا كانت الصفوف مكتملة

فيؤخذ من هذين الحديثين أن الحركة في الصلاة إن كانت لحاجة جائزةٌ ولا تبطل الصلاة أقول هذا مع التأكيد على إغلاق الهاتف عند الدخول إلى المسجد فإن نسيه مفتوحاً ورنَّ أثناء الصلاة فيغلقه ولا شيء عليه. جذب مصل من الصف إذا كانت الصفوف مكتملة يقول السائل: دخلت المسجد فوجدت الصفوف تامة فهل أقف وحدي خلف الصف أم أسحب أحد المصلين لأقف معه فما قولكم؟ الجواب: من دخل المسجد ووجد الصفوف تامة مكتملة فليحاول أن يقرّب بين اثنين من المصلين ليجد له فرجة حتى يقف فيها فإن تعذّر عليه ذلك صلى خلف الصف وحده وصلاته صحيحة إن شاء الله ولا شيء عليه لأنه معذور في ترك هذا الواجب وهو الوقوف في الصف. وأما جذب رجل من الصف فلا ينبغي لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف لا يثبت. وهو ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل صلى خلف الصف: (أيها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلاً من الصف أعد صلاتك) قال الحافظ ابن حجر رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي من حديث وابصة وفيه السري بن إسماعيل وهو متروك. ثم ذكر الحافظ حديثاً آخر وهو ضعيف أيضاً رواه أبو داود في المراسيل: (إن جاء رجل فلم يجد أحداً فليختلج إليه رجلاً من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج) ثم ذكر حديثاً واهي الإسناد أيضاً. التلخيص الحبير 2/ 37. وضعف الحديث الأول البيهقي والهيثمي والألباني. انظر إرواء الغليل 3/ 326. وضعف الألباني الحديث الثاني أيضاً. انظر إرواء الغليل 3/ 328.

لا يجوز ترك صلاة الجماعة إذا رفض الإمام الجمع بين الصلاتين

ثم قال الشيخ الألباني: (إذ لم يستطع الرجل أن ينضم إلى الصف فصلى وحده فهل تصح صلاته؟ الأرجح الصحة والأمر بالإعادة محمول على من لم يستطع القيام بواجب الانضمام وبهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية.] إرواء الغليل 2/ 329. وخلاصة الأمر أنه لا ينبغي لمن لم يستطع الانضمام إلى الصف أن يجذب رجلاً لما في ذلك من المفاسد منها سحب رجل من المكان الفاضل إلى المكان المفضول ومنها التشويش على الشخص المسحوب ومنها ترك فرجة في الصف. انظر فتاوى منار الإسلام 1/ 235. لا يجوز ترك صلاة الجماعة إذا رفض الإمام الجمع بين الصلاتين يقول السائل: ما حكم المصلي الذي طلب من إمام المسجد أن يجمع بين المغرب والعشاء مع العلم أنه لم يكن هنالك مطر فلم يجبه الإمام إلى طلبه فخرج من المسجد دون أن يصلي لأن إمام المسجد لم ينو الجمع بين المغرب والعشاء؟ الجواب: لا ينبغي لهذا المصلي أن يخرج من المسجد ويترك صلاة الجماعة لأن إمام المسجد رفض طلبه في الجمع بين المغرب والعشاء. ويجب أن يعلم أن المصلين يتبعون الإمام في هذه المسألة فإذا جمع الإمام جمعوا وإذا لم يجمع الإمام لا ينبغي لأحد أن يجمع لأن في ذلك افتياتاً على إمام المسجد والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنما جعل الإمام ليؤتم به.) رواه البخاري ومسلم. وإمام المسجد هو السلطان في المسجد فلا يجوز لأحد أن يتعدى على سلطانه.

كما أنه قد ورد النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر شرعي فقد روى مسلم بإسناده عن أبي الشعثاء قال: (كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -). قال الإمام النووي: [فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصليَ المكتوبة] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 157. وروى مالك أن بلغه أن سعيد بن المسيب قال: [يقال: لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه إلا منافق]. قال الحافظ ابن عبد البر: [وهذا لا يقال مثله من جهة الرأي ولا يكون إلا توقيفاً وقد روي معناه مسنداً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] فتح المالك 3/ 216. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق) رواه الطبراني في الأوسط ورواته محتج بهم في الصحيح قاله الإمام المنذري وقال الشيخ الألباني: صحيح. وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق) رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني صحيح. انظر صحيح الترغيب والترهيب ص107. وقال الحافظ ابن عبد البر معلقاً على حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي ذكرته أولاً: [أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصل وكان على طهارة]. فتح المالك 3/ 217. وهذا المصلي الذي خرج من المسجد لكون الإمام لم ينو الجمع بين المغرب والعشاء قد أخطأ لأن عدم الجمع بين المغرب والعشاء من الإمام ليس عذراً في الخروج من المسجد وترك صلاة الجماعة والجمع رخصة إن وجد سببها.

الاقتداء بالإمام المخالف في المذهب

وأخيراً على هذا المصلي أن يتوب ويستغفر الله سبحانه وتعالى وألا يعود لمثل ذلك. الاقتداء بالإمام المخالف في المذهب يقول السائل: إنه صلى الفجر في أحد المساجد فقنت الإمام في صلاة الفجر والسائل لا يقنت في صلاة الفجر لأنه يقلد إماماً لا يرى القنوت في صلاة الفجر فما قولكم؟ الجواب: اتفق أكثر أهل العلم على صحة الإقتداء بالإمام المخالف في الفروع فإذا صلى أحد أتباع المذاهب خلف غيره من المذاهب الأخرى فالصلاة صحيحة وهذا هو الراجح في هذه المسألة. والاختلاف في الفروع معروف منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في الفروع وكانوا يصلون خلف بعضهم بعضاً وهذا هو منهج الأئمة المعتبرين من علماء المسلمين. قال الشيخ ولي الله الدهلوي: [وقد كان في الصحابة والتابعين ومن بعدهم من يقرأ البسملة ومنهم من لا يقرؤها ومنهم من يجهر بها ومنهم من لا يجهر بها وكان منهم من يقنت في الفجر ومنهم من لا يقنت في الفجر ومنهم من يتوضأ من الحجامة والرعاف والقيء ومنهم من لا يتوضأ من ذلك. ومنهم من يتوضأ من مس الذكر ومس النساء بشهوة ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ومع هذا فكان بعضهم يصلي خلف بعض مثل ما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم رضي الله عنهم يصلون خلف أئمة المدينة من المالكية وغيرهم وإن كانوا لا يقرؤون البسملة لا سراً ولا جهراً. وصلى الرشيد إماماً وقد احتجم فصلى الإمام أبو يوسف خلفه ولم يعد.

وكان الإمام أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الرعاف والحجامة فقيل له: [فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ هل تصلي خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف الإمام مالك وسعيد بن المسيب]. وروي أن أبا يوسف ومحمداً كانا يكبّران في العيدين تكبير ابن عباس لأن هارون الرشيد كان يحب تكبير جده. وصلى الشافعي رحمه الله الصبح قريباً من مقبرة أبي حنيفة رحمه الله فلم يقنت تأدباً معه وقال أيضاً: [ربما انحدرنا إلى مذهب أهل العراق]. وفي البزازية عن الإمام الثاني - وهو أبو يوسف - رحمه الله أنه صلى يوم الجمعة مغتسلاً من الحمام وصلى بالناس وتفرقوا ثم أخبر بوجود فأرة ميتة في بئر الحمام فقال: إذاً نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً. وسئل الإمام الخجندي رحمه الله عن رجل شافعي المذهب ترك صلاة سنة أو سنتين ثم انتقل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله كيف يجب عليه القضاء أيقضيها على مذهب الشافعي أم على مذهب أبي حنيفة؟ فقال: [على أي المذهبين قضى بعد أن يعتقد جوازها جاز]. وفي جامع الفتاوى أنه إن قال حنفي إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثاً ثم استفتى شافعياً فأجاب أنها لا تطلق ويمينه باطل فلا بأس باقتدائه بالشافعي في هذه المسألة لأن كثيراً من الصحابة في جانبه. قال محمد رحمه الله في أماليه: [لو أن فقيهاً قال لامرأته: أنت طالق البتة وهو ممن يراها ثلاثاً ثم قضى عليه قاض بأنها رجعية وسعه المقام معها.] حجة الله البالغة 1/ 295 - 296. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية قصة جرت لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة عندما استخلفه الخليفة في صلاة الجمعة فصلى بالناس ثم ذكر أنه كان محدثاً فأعاد ولم يأمر الناس بالإعادة فقيل له في ذلك فقال: [ربما ضاق علينا الشيء فأخذنا بقول إخواننا المدنيين.].

الدعاء المشروع في القنوت

ثم قال شيخ الإسلام: [ثم من المعلوم بالتواتر عن سلف الأمة أن بعضهم ما زال يصلي خلف بعض. فما زال الشافعي وأمثاله يصلون خلف أهل المدينة وهم لا يقرؤون البسملة سراً ولا جهراً]. ومن المأثور أن الرشيد احتجم فاستفتى مالكاً فأفتاه بأنه لا وضوء عليه فصلى خلفه أبو يوسف ومذهب أبي حنيفة وأحمد أن خروج النجاسة من غير السبيلين ينقض الوضوء ومذهب مالك والشافعي أنه لا ينقض الوضوء فقيل لأبي يوسف: [أتصلي خلفه؟ فقال: سبحان الله! أمير المؤمنين!]. فإنَّ ترك الصلاة خلف الأئمة لمثل ذلك من شعائر أهل البدع كالرافضة والمعتزلة. ولهذا لما سئل الإمام أحمد عن هذا فأفتى بوجوب الوضوء فقال له السائل: [فإن كان الإمام لا يتوضأ أصلي خلفه؟ فقال: سبحان الله! ألا تصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك بن أنس؟!]. إذا تقرر هذا فإن على المأموم أن يتابع إمامه في القنوت لعموم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا. الحديث) رواه البخاري ومسلم. وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: [لو صلى الفجر خلف إمام يقنت يتابعه لئلا يخالف إمامه] الاختيار لتعليل المختار 1/ 55. الدعاء المشروع في القنوت يقول السائل: ما هو الدعاء المشروع في القنوت وماذا يقول المأمومون عند الدعاء؟ الجواب: ثبت القنوت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الوتر وفي الصلوات الخمس إذا نزلت بالمسلمين نازلة وقنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفجر ثم تركه لذا فإنه ليس من السنة المداومة على القنوت في الفجر. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء التالي في القنوت وهو عن الحسن بن

علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: (علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت لا منجا منك إلا إليك) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وقال الترمذي: (حديث حسن. ولا نعرف في القنوت شيئاً أحسن من هذا الدعاء) وصححه جماعة من المحدثين. انظر صفة الصلاة ص 161 والخلاصة 1/ 455. وجاء في رواية عند النسائي قال: (تباركت وتعاليت وصلى الله على النبي) قال النووي: وإسناده حسن أو صحيح. الخلاصة 1/ 458 والأذكار ص 49. وقد ذكر الإمام النووي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يقنت بهذا الدعاء: (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجدّ بالكفار ملحق، اللهم عذّب الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وللمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسولك - صلى الله عليه وسلم -، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم، إله الحق واجعلنا منهم) الأذكار ص 49. وجاء في رواية أخرى عن عمر أنه قنت بعد الركوع فقال: (اللهم اغفر لنا، وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك، وعدوهم. اللهم العن كفرة أهل الكتاب، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك،

ونستغفرك، ونثني عليك، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نخشى عذابك الجد، ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق) الخلاصة 1/ 458 - 459. قال البيهقي: وهو صحيح عن عمر. قال الإمام النووي: [هذه إحدى روايات البيهقي التي اختارها ورجحها على غيرها] الخلاصة 1/ 459. قال الشيخ الألباني: [ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع ومن الزيادة عليه لعن الكفرة والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر - رضي الله عنه - فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبدٍ القاري: وكانوا يلعنون الكفرة في النصف. اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يوفون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق. ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.] قيام رمضان ص31 - 32 ويجهر الإمام بهذه الأدعية فقد صح الحديث في ذلك فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر بالقنوت في قنوت النازلة) رواه البخاري. ويؤَمّن المصلون بعد دعاء الإمام فقد ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الأخيرة يدعو على أحياء بني سليم ويؤَمّن من خلفه) رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح كما قال الإمام النووي. الخلاصة 1/ 461. قال بعض أهل العلم: [ولم يرد عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حال القنوت في الصلاة إلا التأمين ومن أخطاء المأمومين زيادة عبارات لم يرد

صلوات الأيام والليالي المكذوبة

بها الأثر وإنما هي مجرد نظر من مثل قولهم "حق" و "أشهد" وكذلك قلب أياديهم عند الدعاء على الكفرة أو عند الدعاء برفع الشر والبلاء] القول المبين ص 132. وقال بعض أهل العلم أيضا: [وتقليب أيديهم في دعاء القنوت عند قولهم إنه: " لا يذل من واليت " بدعة وحركة في الصلاة سيئة وقولهم "حق، حق" أثناء قراءة الإمام للقنوت بدعة إن لم تكن مفسدة للصلاة فأقل أحوالها الكراهة.] السنن والمبتدعات ص 62. وتقليب الكفين عند الدعاء ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الاستسقاء خاصة ولعل الحكمة في الإشارة بظهر الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقليب الحال كما قيل في تحويل الرداء. قاله الشوكاني في نيل الأوطار 4/ 10. صلوات الأيام والليالي المكذوبة يقول السائل: أطلعني أحد الأصدقاء على نشرة يوزعها الناس بعنوان " أدعية مختارة "تتضمن عدداً من أدعية الاستغفار وصلوات على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومجموعة من الأحاديث في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومجموعة أخرى من الأحاديث في صلوات الأيام والليالي. وسألني هل هذه الأدعية والأذكار والأحاديث ثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ الجواب: من المعلوم عند أهل العلم أن الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد انتشر انتشاراً كبيراً وقد كانت الدوافع وراء ذلك الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - عديدة كالزندقة والتعصب المذهبي أو لغرض دنيوي أو نحو ذلك. وكان من أخطر دوافع الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما قام به جماعة من الزهاد والعباد الذين أرادوا أن يحثوا الناس على فعل الخيرات كما زعموا فكذبوا الأحاديث في الترغيب والترهيب.

قال العلامة اللكنوي مبيناً أصناف الكذابين على الرسول - صلى الله عليه وسلم -: [. الثالث قوم كانوا يضعون الأحاديث في الترغيب والترهيب ليحثوا الناس على الخير ويزجروهم عن الشر وأكثر أحاديث صلوات الأيام والليالي من وضع هؤلاء ومن هؤلاء من كان يظن أن هذا جائز في الشرع لأنه كذب للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا عليه.] الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص 15. ثم نقل اللكنوي عن أحد الكذابين على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والذي اخترع مجموعة من الأحاديث في فضائل القرآن سورة سورة فقال: [إني رأيت الناس أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة.] المصدر السابق ص 15. أقول: وكاتب هذه النشرة محل السؤال من هذا الصنف فإنه كما يزعم يرغب الناس في الذكر والاستغفار والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرغبهم في صلوات محددة لكل ليلة من ليالي الأسبوع وكل ذلك بواسطة ذكر أحاديث مكذوبة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما درى هذا المغفل أن الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كبائر الذنوب وأنه لا فرق بين الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والكذب له كما زعم جهلة العباد والزهاد. وأسوق لك أخي القارئ بعض الأحاديث المكذوبة في صلوات الأيام والليالي كما ذكرها كاتب النشرة ثم أبين كلام العلماء فيها: 1. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الزلزلة خمس عشرة مرة فإذا فرغ من صلاته يقول: " يا حيّ يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام " مائة مرة آمنه الله من عذاب القبر وظلمته وضيقه ومن أهوال يوم القيام ولا يقوم من مقامه لا جائعاً ولا ظمآناً ويكسى حلة من النور ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده في الجنة). 2. عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى ليلة السبت ست ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة

الإخلاص إحدى وثلاثين مرة أخرج الغل والمكر والوسواس والعجب والرياء من قلبه ويجمع الله في قلبه النور والرحمة والرأفة ويلبسه يوم القيامة المغفرة ويبقى وجهه كالقمر ليلة البدر ويبنى له بكل ركعة قصراً في الجنة). 3. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى ليلة الأحد ست ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الإخلاص سبع مرات أعطاه الله ثواب الشاكرين والصابرين وأعمال المطيعين وكتب الله له عبادة سنتين ولا يقوم من مقامه إلا مغفوراً له ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده من الجنة). 4. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى ليلة الاثنين عشر ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة فينادي منادي يوم القيامة أين فلان بن فلانة يقوم يأخذ ثوابه من الله تعالى فأول ما يعطيه من الثواب ألف حلة من النور ويتوج بتاج من نور ويدخل الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين ويستقبله ألف مَلَكْ يسير كل مَلَكٍ بهدية وترون له ألف قصر من النور يتلألأ). 5. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى ليلة الثلاثاء ست ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الإخلاص والمعوذتين فإذا فرغ من صلاته يقول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت أبداً بيده الخير وهو على كل شيء قدير " سبعين مرة أعطاه الله بكل حرف عشر حوريات من الحور العين على كل واحدة منهن سبعون حلة من النور ويبني له عشر مدينات في كل مدينة ألف قصر وله من الثواب ما لا يصفه الواصفون). 6. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى ليلة الأربعاء أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الإخلاص مائة مرة فإذا فرغ من صلاته ينام ووجهه إلى القبلة فإنه يراني وكأنما اشترى نفسه من الله تعالى). 7. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من

صلى ليلة الخميس ثماني ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الإخلاص عشر مرات فإذا فرغ من صلاته يقول: " لا إله إلا الله الملك الحق المبين محمد رسول الله الصادق الوعد الأمين " مائة مرة بنى الله له في الجنة ثمانمائة قصر من ياقوتة حمراء ويصرف عنه كل شيطان مريد). هكذا وردت هذه الأحاديث المكذوبة في النشرة المشار إليها. وقد وردت عدة روايات أخرى كثيرة لهذه الأحاديث المكذوبة في بعض الكتب وقد بين المحققون من علماء الحديث حال هذه الأحاديث وبينوا أنها مكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال العلامة ابن القيم مبيناً الأمور الكلية التي يعرف بها كون الحديث موضوعاً أي مكذوباً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: [ومنها أحاديث صلوات الأيام والليالي كصلاة يوم الأحد وليلة الأحد ويوم الاثنين وليلة الاثنين إلى آخر الأسبوع كل أحاديثها كذب.] المنار المنيف ص 95. وقال العلامة ابن القيم في موضع آخر مبيناً كذب أحاديث صلوات الأيام والليالي: [ومن ذلك حديث: من صلى يوم الأحد أربع ركعات بتسليمة واحدة يقرأ في كل ركعة (الحمد لله.) و (آمن الرسول.) كتب الله له ألف حجة وألف عمرة وألف غزوة وبكل ركعة ألف صلاة وجعل بينه وبين النار ألف خندق.] فقبح الله واضعه ما أجرأه على الله ورسوله. [ومن ذلك حديث: من صلى ليلة الأحد أربع ركعات يقرأ في كلى ركعة فاتحة الكتاب مرة و (قٌلْ هُوَ الله أَحَدْ) خمس عشرة مرة أعطاه الله يوم القيامة ثواب من قرأ القرآن عشر مرات وعمل بما في القرآن ويخرج يوم القيامة من قبره ووجه مثل القمر ليلة البدر ويعطيه الله بكل ركعة ألف مدينة من لؤلؤ في كل مدينة ألف قصر من زبرجد في كل قصر ألف دار من ياقوت في كل دار ألف بيت من المسك في كل بيت ألف سرير.] واستمر هذا الكذاب الأشر على الألف.

[ومن ذلك حديث: من صلى ليلة الاثنين ست ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وعشرين مرة (قٌلْ هُوَ الله أَحَدْ) ويستغفر الله بعد ذلك عشرة مرات أعطاه الله يوم القيامة ثواب ألف صدّيق وألف عابد وألف زاهد.] فقبح الله واضعه ومختلقه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من عمل الجويباري الخبيث. [ومن ذلك حديث: من صلى يوم الاثنين أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة و (قٌلْ هُوَ الله أَحَدْ) مرة و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ الفَلَقْ) مرة كفرت ذنوبه كلها وأعطاه الله قصراً إلى الجنة من درة بيضاء في جوف القصر سبعة أبيات طول كل بيت ثلاثة آلاف ذراع.]. واستمر هذا الكذاب الخبيث على حديث طويل فيه من هذه المجازفات!! وهو من عمل الحسين بن إبراهيم كذاب يروي عن محمد بن طاهر وضع من هذا الضرب أحاديث صلاة يوم الأحد وليلة الأحد وصلاة يوم الاثنين وليلة الاثنين ويوم الثلاثاء وليلة الثلاثاء وهكذا في سائر أيام الأسبوع ولياليه. المنار المنيف ص 48 - 50. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر طائفة من الأحاديث المكذوبة: [. وأشد من ذلك ما يذكره بعض المصنفين في الرقائق والفضائل في الصلوات الأسبوعية والحولية كصلاة يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت المذكورة في كتاب أبي طالب وأبي حامد وعبد القادر غيرهم. وكصلاة الألفية التي في أول رجب ونصف شعبان والصلاة الإثني عشرية التي في أول ليلة جمعة من رجب والصلاة التي في ليلة سبع وعشرين من رجب وصلوات أخرى تذكر في الأشهر الثلاثة وصلاة ليلتي العيدين وصلاة يوم عاشوراء وأمثال ذلك من الصلوات المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع اتفاق أهل المعرفة بحديثه - صلى الله عليه وسلم -- أن ذلك كذب عليه.] مجموع فتاوى ابن تيمية 24/ 201 - 202.

التنكيس حقيقته وحكمه

وقال شارح إحياء علوم الدين: [وليس يصح في صلوات أيام الأسبوع ولياليه شيء]. وقد ضعف الحافظ العراقي أحاديث صلوات الليالي والأيام التي ذكرها الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين. انظر تخريج العراقي لأحاديث إحياء علوم الدين 1/ 198 - 201. وأخيراً ينبغي التنبيه على أن الأحاديث الصحيحة في الترغيب والترهيب تغنينا عن هذه الموضوعات والمكذوبات على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. التنكيس حقيقته وحكمه يقول السائل: ما هو التنكيس في قراءة القرآن الكريم وما حكمه؟ الجواب: التنكيس مأخوذ من النكس وهو قلب الشيء ورده وجعل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره. والتنكيس في قراءة القرآن له معنيان هما: 1. أن يبدأ من آخره أي من المعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة ويختم بالفاتحة. 2. أن يبدأ من آخر السورة فيقرأها إلى أولها مقلوباً. تاج العروس 9/ 22. إذا تقرر هذا فينبغي أن يعلم أن السنة لقارئ القرآن سواء أكان في الصلاة أم خارجها أن يقرأ حسب ترتيب السور في المصحف. قال الإمام النووي: [قال العلماء: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأ الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب سواء قرأ في الصلاة أو في غيرها حتى قال بعض أصحابنا: إذا قرأ في الركعة الأولى سورة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ النَاسِ) يقرأ في الثانية بعد الفاتحة من البقرة. قال بعض أصحابنا: يستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ التي تليها ودليل هذا

أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة فينبغي أن يحافظ عليها.] التبيان في آداب حملة القرآن ص51 - 52. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والمستحب أن يقرأ في الركعة الثانية سورة بعد السورة التي قرأها في الركعة الأولى في النظم لأن ذلك هو المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] المغني 1/ 356. فإذا لم يلتزم القارئ في قراءته بترتيب السور في القرآن الكريم فقرأ في الركعة الثانية سورة تقع في المصحف قبل السورة التي قرأها في الركعة الأولى جازت قراءته ولا شيء في ذلك وصلاته جائزة باتفاق العلماء. فقد ثبت في الحديث عن حذيفة رضي الله عنه قال: [صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلاً إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح وإذا مرّ بسؤال سأل وإذا مرّ بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه] رواه مسلم. ففي هذا الحديث نرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ النساء ثم آل عمران وهذا على خلاف ترتيب المصحف وهو يدل على جواز ترك الترتيب ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام البخاري: [أن الأحنف قرأ بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف أو يونس وذكر أنه صلى مع عمر رضي الله عنه الصبح بهما] رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به. صحيح البخاري مع الفتح 2/ 399. قال القاضي عياض: [لا خلا ف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 395. وبهذا يظهر لنا أن التنكيس بالمعنى الأول وهو أن يقرأ في الركعة الثانية بسورة قبل التي قرأ في الركعة الأولى جائز إن شاء الله ولا كراهة فيه والأولى أن تكون قراءته حسب ترتيب المصحف.

وأما التنكيس بالمعنى الثاني وهو أن يبدأ من آخر السورة فيقرؤها إلى أولها مقلوباً فقد ذكر كثير من أهل العلم أن ذلك محرم. قال الإمام النووي: [وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فممنوع منعاً متأكداً فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز ويزيل حكمة ترتيب الآيات] التبيان في آداب حملة القرآن ص 52. وهذا التنكيس الممنوع هو الذي حمل عليه قول ابن مسعود: [عندما سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوساً. قال: ذلك منكوس القلب] رواه الطبراني بإسناد جيد ورواه ابن أبي داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي في التبيان ص 52. قال القاضي عياض: [وتأول نهي بعض السلف عن قراءة القرآن منكوساً على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 395. وقال ابن مفلح: [وتنكيس الكلمات محرم مُبْطِل] أي مُبْطِل للصلاة. الفروع 1/ 422. وقال الدسوقي: [وحَرُمَ تنكيس الآيات المتلاصقة في ركعة واحدة وأبطل الصلاة لأنه ككلام أجنبي] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 242. وقال القرطبي: [وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوساً وقالا: ذلك منكوس القلب. فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة ويبتدئ من آخرها إلى أولها لأن ذلك حرام محظور ومن الناس من يتعاطى هذا في القرآن والشعر ليذلل لسانه بذلك ويقدر على الحفظ وهذا حظره الله تعالى ومنعه في القرآن لأنه إفساد لسوره ومخالفة لما قصد بها] تفسير القرطبي 1/ 61.

حكم قراءة سورة الفاتحة في ختام الدروس وتلاوة القرآن

حكم قراءة سورة الفاتحة في ختام الدروس وتلاوة القرآن يقول السائل: ما حكم ما يفعله كثير من القراء عند انتهائهم من تلاوة القرآن أن يقول الفاتحة وكذلك ما يفعله بعض الوعاظ عند انتهائهم من دروسهم يقولون الفاتحة وكذلك بعد الصلاة على الجنازة حيث يقولون الفاتحة والناس يقرؤون الفاتحة في هذه المواضع، أفيدونا؟ الجواب: سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم وهي السبع المثاني كما قال تعالى: (َوَلَقَدْءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ) سورة الحجر الآية 87. قال القرطبي: [سميت بذلك لأنها تثنى في كلى ركعة] تفسير القرطبي 1/ 112. وقد ثبت فضل سورة الفاتحة في عدة أحاديث منها: عن أبي سعيد بن يعلى - رضي الله عنه - قال: (كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله: إني كنت أصلي. فقال: ألم يقل الله: (واستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم). ثم قال لي: ألا علمك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك أعظم سورة في القرآن. قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) رواه البخاري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينما جبريل قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب السماء فتح لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ منها حرفاً إلا أعطيته) رواه مسلم.

العمل المشروع عند دخول المسجد

وغير ذلك من الأحاديث. وقراءة الفاتحة وغيرها من سور القرآن الكريم عبادة من العبادات والأصل في العبادات التلقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ الفاتحة بعد وعظه وإرشاده ولا بعد صلاة الجنازة ولا عند الزواج ولا في المناسبات التي شاع فيها قراءة الفاتحة في زماننا هذا. وكل ذلك من الأمور المبتدعة المخالفة لهدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، قال الشيخ محمد رشيد رضا: [فاعلم أن ما اشتهر وعمَّ البدو والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف فهو من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية ولكنه صار بِسُكُوتِ اللابسين لباس العلماء وبإقرارهم له ثم بمجاراة العامة عليه من قبيل السنن المؤكدة أو الفرائض المحتمة] تفسير المنار 8/ 268. وقال الشيخ الألباني: [. ومما سبق تعلم أن قول الناس اليوم في بعض البلاد: " الفاتحة على روح فلان " مخالف للسنة المذكورة فهو بدعة بلا شك] أحكام الجنائز ص 33. وقراءة الفاتحة بنية قضاء الحاجات وتفريج الكربات وهلاك الأعداء بدعة لم يأذن بها الدين. وقراءة الفاتحة عند خطبة الزواج واعتقاد الناس أن قراءتها عهد لا ينقض بدعة اعتقاد فاسد جاهل. السنن والمبتدعات ص217. وكذلك قراءة الفاتحة بعد ما يسميه العامة ختم الصلاة بدعة لا أصل لها في الشرع الحنيف وكذلك قراءة الفاتحة بعد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الأذان بدعة. العمل المشروع عند دخول المسجد يقول السائل: ما هو المسنون والمشروع في حق من يدخل المسجد هل يصلي تحية المسجد أولاً ثم يسلم على من فيه أم أنه يبدأ بالسلام على الموجودين فيه ثم يصلي تحية المسجد؟

الجواب: المشروع والمسنون في حق الداخل إلى المسجد أن يدخل برجله اليمنى لأنها السنة فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحب التيامن في كل أموره. ويقول الداخل للمسجد أحد الأذكار الواردة في الأحاديث التالية: 1. قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك) رواه مسلم. 2. كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد يقول: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) رواه أبو داود وإسناده صحيح وحسنه النووي. الأذكار ص 26. 3. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد صلَّى على محمد وعلى آله وسلم ثم يقول: (اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح قاله الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 93. وبعد ذلك يسن على التأكيد في حق الداخل إلى المسجد أن يصلي ركعتين تحية المسجد فقد ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) رواه البخاري. وفي حديث آخر عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: (دخلت المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس بين ظهراني الناس. قال: فجلست فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟ قال: فقلت: يا رسول الله رأيتك جالساً والناس جلوس. قال: فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين) رواه مسلم. فإذا صلى الداخل تحية المسجد طرح السلام على من كان فيه بصوت خفيض حتى لا يشوش على المصلين والذاكرين لأنه لا ينبغي رفع الصوت في المسجد.

وضع جهاز لقتل الحشرات في المسجد

قال العلامة ابن القيم: [ومن هديه - صلى الله عليه وسلم -أن الداخل إلى المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد ثم يجيء فيسلم على القوم فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله فإن تلك حق الله تعالى والسلام على الخلق هو حق لهم وحق الله في مثل هذا أحق بالتقديم بخلاف الحقوق المالية فإن فيها نزاعاً معروفاً والفرق بينهما حاجة الآدمي وعدم اتساع الحق المالي لأداء الحقين بخلاف السلام. وكانت عادة القوم معه هكذا يدخل أحدهم المسجد فيصلي ركعتين ثم يجيء فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولهذا جاء في حديث رفاعة بن رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد يوماً قال رفاعة: ونحن معه إذا جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل.) وذكر الحديث فأنكر عليه صلاته ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه - صلى الله عليه وسلم - إلى ما بعد الصلاة. وعلى هذا: فيسن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مترتبة: أن يقول عند دخوله: بسم الله والصلاة على رسول الله ثم يصلي ركعتين تحية المسجد ثم يسلم على القوم] زاد المعاد 2/ 413 - 414. وضع جهاز لقتل الحشرات في المسجد يقول السائل: وضع في المسجد الذي أصلي فيه جهاز كهربائي لقتل الذباب والناموس فاعترض بعض المصلين على ذلك مستندين إلى ما ورد في الحديث الشريف من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لا يعذب بالنار إلا رب النار)، فما قولكم؟ الجواب: لا شك أن الذباب والناموس من الحشرات الضارة التي يسعى الإنسان إلى التخلص منها بشتى الوسائل والسبل وهذا أمر مشروع وجائز بل مطلوب شرعاً لما في القضاء على هذه الحشرات من النفع

حكم بناء مسجد وجعل أعلاه مسكنا

للإنسان ودفع الضرر عنه وخاصة إذا كانت أعدادها كبيرة. وقد قرر العلماء جواز قتل كل حيوان مؤذ. والقضاء على هذه الحشرات جائز فيما أرى بأي وسيلة تتخذ لذلك سواء كان عن طريق رشها بالمبيدات الحشرية أو باستخدام الأجهزة الكهربائية أو غير ذلك وأعتقد أن قتلها بواسطة الجهاز الكهربائي المشار إليه في السؤال لا بأس فيه ولا حرج في ذلك ولا يدخل استعماله تحت الحديث المشار إليه. وأصل هذا الحديث هو ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث، فقال: إذا وجدتم فلاناً وفلاناً - وهما من كفار قريش - فأحرقوهما بالنار. ثم قال - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً وإن النار لا يُعَذِبُ بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما). فقتل الذباب والناموس بالجهاز الكهربائي لا يدخل في هذا النهي الوارد في الحديث لأنه يطلب شرعاً قتل الحيوانات والحشرات الضارة. وبناءاً على ما سبق لا حرج في وضع الجهاز المذكور في المسجد وينبغي وضعه في مؤخرة المسجد مثلاً حتى لا يشغل المصلين عن صلاتهم لأنه لا يجوز وضع شيء في المسجد فيه تشويش على المصلين. حكم بناء مسجد وجعل أعلاه مسكناً يقول السائل: يريد شخص أن يتبرع بقطعة أرض لبناء مسجد عليها ولكنه يشترط أن يكون سطح المسجد ملكاً له ليبني عليه مسكناً له فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا شك أن التبرع بقطعة أرض ليقام عليها مسجد عمل

مبرور ومن أعمال الخير ويعد مشاركة في بناء المسجد وجزى الله هذا المتبرع خير الجزاء. وقد ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة في فضل بناء المساجد والمشاركة في بنائها فمن ذلك: عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من بنى لله مسجداً قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه ابن حبان والبزار والطبراني في الصغير وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. وهذا الحديث يدل على المشاركة في بناء المسجد لأن مفحص القطاة لا يكفي ليكون مسجداً. ومفحص القطاة هو المكان الذي تفحصه القطاة لتضع فيه بيضها وترقد عليه. وعن أنس - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من بنى لله مسجداً صغيراً كان أو كبيراً بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علَّمه ونشره أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً ورثه أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجة وابن خزيمة والبيهقي وقال الشيخ الألباني: وإسناد ابن ماجة حسن. انظر صحيح الترغيب والترهيب ص 109 - 111. إذا تقرر هذا فأقول إن المسجد في الإسلام له مكانته الخاصة وله أحكامه الخاصة فلا ينبغي أن يكون سطح المسجد مسكناً وإنما ينبغي أن يكون المسجد مستقلاً فإذا بني على ظهر المسجد مسكن فإن ذلك قد

يحدث تشويشاً على المصلين كما أن بعض الفقهاء يرون أن هواء المسجد يعتبر مسجداً وإلى عنان السماء وبالتالي يمنعون السكن فوقه لأن الساكن فوق المسجد تقع منه أمور طبيعية لا تفعل في المسجد مطلقاً. قال صاحب الدر المختار من علماء الحنفية: [وكره تحريماً الوطء فوقه والبول والتغوط لأنه مسجد إلى عنان السماء] الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 1/ 656. وقال الإمام بدر الدين الزركشي: [كره مالك أن يبني مسجداً ويتخذ فوقه مسكناً يسكن فيه بأهله. قلت - أي الزركشي -: وفي فتاوى البغوي ما يقتضي منع مكوث الجنب فيه لأنه جعل ذلك هواء المسجد وهواء المسجد حكمه حكم المسجد] إعلام الساجد بأحكام المساجد ص 283. وبمناسبة الحديث عن بناء المساجد لا بد من التنبيه إلى أن كثيراً من المساجد التي تبنى في أيامنا هذه يلاحظ فيها المبالغة في البناء وإنفاق الأموال الطائلة في زخرفة المسجد وتزيينه حتى سمعنا عن بعض المساجد التي كلف الواحد منها مئات الملايين مع أن الناس يعانون من الفقر في تلك البلاد فكان أولى أن تنفق تلك الأموال لسد حاجات الناس الضرورية. ويجب أن يعلم أنه ليس من منهج الإسلام الصحيح المبالغة في بناء المسجد ولا إنفاق الملايين عليه مباهاةً وتفاخراً. وقد أخبر الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - في الحديث عن ذلك فقد جاء في الحديث عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد وصححه ابن خزيمة وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 1237. وقال الشيخ الشوكاني: [أي يتفاخرون في بناء المساجد والمباهاة بها] نيل الأوطار 2/ 169. وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب بنيان المسجد وقال أبو

سعيد: كان سقف المسجد من جريد النخل. وأمر عمر ببناء المسجد وقال: أكن الناس من المطر وإياك أن تحمِّر أو تصَفّر فتفتن الناس. وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلاً]. وقال الحافظ ابن حجر قوله: [ثم لايعمرونها: المراد به عمارتها بالصلاة وذكر الله وليس المراد به بنيانها.] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 2/ 85 - 86. وخلاصة الأمر أنه يجب الاقتصاد عند بناء المسجد فليس هنالك داع للزخارف الفخمة والثريات الباهظة الثمن والقباب المذهبة والمآذن الطويلة بل يجب أن يكون المسجد في غاية البساطة مع الاتساع وتوفر المرافق المريحة للمصلين كالحمامات النظيفة ووسائل التبريد والتدفئة والإضاءة الجيدة وغير ذلك فإذا اقتصدنا في بناء المسجد فإن الأموال الفائضة يمكن أن نبني بها مسجداً آخر فعوضاً عن صرف الملايين على مسجد واحد يمكن بناء مساجد عديدة في مناطق بحاجة للمسجد. وأخيراً أذكر حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ما أمرت بتشييد المساجد) رواه أبو داود وابن حبان وصححه. قال الإمام البغوي: (والمراد من التشييد: رفع البناء وتطويله ومنه قوله سبحانه وتعالى: (فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) وهي التي طول بناؤها. وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: إذا حليتم مصاحفكم وزوقتم مساجدكم فالدمار عليكم) شرح السنة 2/ 349 - 350. وقال ابن رسلان معلقاً على حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - السابق: [وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة إخباره - صلى الله عليه وسلم - عما يقع بعده فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس بأخذهم أموال الناس ظلماً وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع نسأل الله السلامة والعافية] نيل الأوطار 2/ 168.

حكم دخول الحائض للمسجد

حكم دخول الحائض للمسجد تقول السائلة: هل يجوز للمرأة الحائض دخول المسجد لحضور دروس العلم؟ الجواب: إن دخول الحائض للمسجد ممنوع عند أكثر الفقهاء وعمدتهم في المنع ما روي في الحديث عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب) رواه أبو داود وابن ماجة. وفي سنده كلام كثير لأهل الحديث وسيأتي بعضه. وبعض أهل العلم احتج على منع الحائض من دخول المسجد بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) سورة النساء الآية 43. ومع أن هذه الآية لم تذكر الحائض إلا أنهم ألحقوها بالجنب. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى جواز دخول الحائض للمسجد وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه وهو قول المزني صاحب الإمام الشافعي وبه قال الإمام داود وابن حزم الظاهريان. وقال الإمام أحمد في رواية أخرى إن للحائض دخول المسجد إن توضأت وأمنت تلويث المسجد. انظر الإنصاف 1/ 347. واختار هذا القول العلامة المحدّث الشيخ ناصر الدين الألباني كما في تمام المنة ص 119. وهذا القول هو الذي أطمئن إليه فيجوز للمرأة الحائض دخول المسجد لحضور دروس العلم. ويدل لهذا القول ما يلي: 1. البراءة الأصلية لأن الأصل عدم التحريم ولم يقم دليل صحيح صريح على تحريم دخول الحائض للمسجد. قال الإمام النووي: [وأحسن ما يوجه به هذا المذهب أن الأصل عدم

التحريم وليس لمن حرم دليل صحيح صريح] المجموع 2/ 160. وقال الشيخ الألباني: [والقول عندنا في هذه المسألة من الناحية الفقهية كالقول في مس القرآن من الجنب للبراءة الأصلية وعدم وجود ما ينهض على التحريم وبه قال الإمام أحمد وغيره.] تمام المنة ص 119. 2. إن الحديث الذي استدل به جمهور العلماء وهو: (لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض) اختلف فيه أهل الحديث اختلافاً كبيراً لأنه من رواية أفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة وقد ضعفهما جماعة من أهل الحديث كالخطابي والبيهقي وعبد الحق الاشبيلي وابن حزم ونقل التضعيف عن الإمام أحمد أيضاً. وقال الإمام البغوي: [وجَوَّزَ أحمد والمزني المكث فيه وضعّف أحمد الحديث لأن راويه وهو أفلت بن خليفة مجهول وتأوّل الآية على أن - عابري السبيل - هم المسافرون تصيبهم الجنابة فيتيممون ويصلون وقد روي ذلك عن ابن عباس] شرح السنة 2/ 46. ومن المعاصرين الشيخ الألباني حيث قال: [قال البيهقي: ليس بالقوي]. وقال عبد الحق الإشبيلي: [لا يثبت]، وبالغ ابن حزم فقال: [إنه باطل]. وللحديث شاهدان لا ينهضان لتقويته ودعمه لأن في أحدهما متروكاً وفي الآخر كذاباً.] تمام المنة 119، وضعّفه الشيخ الألباني أيضاً في إرواء الغليل 1/ 162. وقد ضعف الإمام النووي هذا الحديث في كتابه خلاصة الأحكام حيث قال: [باب ذكر المحدث والجنب والحائض وقراءتهم ومسهم المصحف ودخولهم المسجد] ثم ساق بعض الأحاديث الصحيحة في الباب ثم قال: فصل في ضعيفه وذكر عدة أحاديث ضعفها ومنها حديث: (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) انظر خلاصة الأحكام 1/ 206 - 210. وقال الحافظ ابن حجر عن أفلت بن خليفة بأنه مجهول الحال. التخليص الحبير 1/ 140.

وقال الخطابي: [وضعفوا هذا الحديث وقالوا أفلت راويه مجهول ولا يصح الاحتجاج بحديثه.] معالم السنن 1/ 67. وضعف الحديث برواية ابن ماجة أيضاً صاحب الزوائد حيث قال: [إسناده ضعيف مخدوج لم يوثق وأبو الخطاب مجهول] سنن ابن ماجة 1/ 212. وقال الإمام البخاري عند جسرة عجائب. المجموع 2/ 160. وقد اعتبر كثير من العلماء كلام البخاري هذا تضعيفاً للحديث. كما أن ابن حزم قد ضعف الحديث برواياته كلها فقال: [وهذا كله باطل أما أفلت فغير مشهور ولا معروف بالثقة وأما مخدوج فساقط يروي المعضلات عن جسرة وأبو الخطاب الهجري مجهول وأما عطاء الخفاف فهو عطاء بن مسلم منكر الحديث وإسماعيل مجهول ومحمد بن الحسن مذكور بالكذب وكثير بن زيد مثله فسقط كل ما في هذا الخبر جملة] المحلى 1/ 401. ولا يخفى أن كثيراً من العلماء قد حسنوا هذا الحديث. انظر نصب الراية 1/ 194. 3. ومما يقوي القول بجواز دخول الحائض للمسجد عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم لا ينجس) رواه البخاري ومسلم. 4. ومما يدل على الجواز أيضاً أن العلماء أجازوا للكافر دخول المسجد رجلاً كان أو امرأة فالمسلم أولى وإن كان جنباً والمسلمة كذلك وإن كانت حائضاً. 5. ومما يدل على الجواز أيضاً ما رواه البخاري ومسلم في قصة المرأة السوداء التي كان لها خباء في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب نوم المرأة في المسجد] ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها: (أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت عائشة فكان لها خباء في المسجد أو حفش قالت: فكانت تأتيني فتحدث عني. الخ).

حكم الصلاة في مسجد بني من مال حرام

قال الحافظ ابن حجر: [والخباء الخيمة من وبر وغيره والحفش البيت الصغير] فتح الباري 2/ 80. وقال ابن حزم مبيناُ وجه الاستدلال بهذا الحديث: [فهذه امرأة ساكنة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمعهود من النساء الحيض فما منعها عليه الصلاة السلام من ذلك ولا نهى عنه وكل ما لم ينه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمباح وقد ذكرنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: (جعلت لي الأرض مسجداً) ولا خلاف في أن الحائض والجنب مباح لهما جميع الأرض وهي مسجد فلا يجوز أن يخص بالمنع من بعض المساجد دون بعض ولو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك عليه الصلاة والسلام عائشة إذا حاضت فلم ينهها إلا عن الطواف بالبيت فقط ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا ينهاها عليه الصلاة والسلام عن ذلك ويقتصر على منعها من الطواف وهذا قول المزني وداود وغيرهما وبالله تعالى التوفيق] المحلى 1/ 401 - 402. وخلاصة الأمر أنه يجوز للمرأة الحائض دخول المسجد لطلب العلم إن أمنت تلويثه وذلك لحاجة النساء الماسة إلى العلم والتفقه في الدين وإن كنت أفضل أن تكون دروس العلم للنساء في مرافق ملحقة بالمسجد كما هو الحال في المسجد الأقصى المبارك حيث تعقد بعض دروس النساء في قاعة باب الرحمة. حكم الصلاة في مسجد بني من مال حرام يقول السائل: ما حكم الصلاة في مسجد بناه شخص من أموال الربا؟ الجواب: إن الإسلام قد حض على بناء المساجد والعناية بها قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَءَاتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) سورة التوبة الآية 18.

وعمارة المساجد تكون ببنائها كما تكون بالصلاة فيها. وجاء في الحديث عن عثمان بن عفان رضي - رضي الله عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه البخاري ومسلم. وقوله عليه الصلاة والسلام: (من بنى لله) أي كان مخلصاً في عمله لله سبحانه وتعالى لا يريد مباهاة ولا رياءً ولا سمعة فمن بنى مسجداً لهذه الخصال الذميمة لم يكن بانياً لله سبحانه وتعالى. نيل الأوطار 2/ 166. والمسجد الذي يبنى لله سبحانه وتعالى يجب أن يكون مبيناً من مال طيب حلال ولا يجوز شرعاً بناء المساجد من المال الحرام كمال الربا " الفائدة " ومال الميسر " اليانصيب والقمار " والمال المسروق وغيرها من الأموال التي تكتسب بطرق محرمة. ومال الربا الذي بني منه المسجد مال خبيث لأن الربا من أشد المحرمات فقد جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية] رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد 4/ 117. وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 29. والله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ومال الربا خبيث والمرابي ليس من المتقين. يقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) سورة المائدة الآية 27. ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تبارك وتعالى يقبل الصدقات ولا يقبل منها إلا الطيب) رواه الترمذي وأحمد بنحوه وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الإمام البغوي: هذا حديث صحيح. شرح السنة 6/ 130 وعارضة الأحوذي 3/ 132 والفتح الرباني 8/ 180

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما تصدق أحد من صدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه. الحديث) رواه البخاري ومسلم. وفي حديث آخر قال - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً ولا يصعد إلى السماء إلا الطيب كأنما يضعها في يد الرحمن. الحديث] رواه الشافعي وإسناده حسن. وعن أبي هريرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من جمع مالاً حراماً ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره عليه) رواه ابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز بناء المساجد من المال الحرام لأن المال الحرام خبيث كما سبق ولا يصلح أن يدخل في بناء بيوت الله تعالى وصيانة لبيوت الله عن كل خبث وعن كل مال حرام وإذا كانت بيوت الله تصان عن النجاسات الصغيرة والقاذورات كالبصاق والمخاط فمن باب أولى أن تصان عن هذه المحرمات الكبيرة. وقد كانت العرب في جاهليتها تحرص أشد الحرص على أن تبقى الكعبة المشرفة وهي بيت الله الحرام بعيدة عن أي درهم حرام حيث ذكر ابن هشام في سيرته أن قريشاً لما أجمعوا أمرهم على هدم الكعبة وإعادة بنائها من جديد قام أبو وهب عائذ بن عمران بن مخزوم خال أب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتناول من الكعبة حجراً فوثب في يده حتى رجع إلى موضعه فقال: [يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيباً لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد الناس]. فإذا كان الجاهليون حريصين على ألا يبنى بيت الله من مال حرام فنحن المسلمين أولى بهذا منهم. أحكام المال الحرام ص 310. وأما الصلاة في المسجد الذي بني من مال حرام فهي صلاة صحيحة

حكم بناء مسجد جديد بالقرب من مسجد قديم

إن شاء الله ولا شيء على المصلي وإنما الإثم على باني المسجد بالمال الحرام. وينبغي أن يمنع بناء المساجد من الأموال المحرمة إن كان ذلك معلوماً. حكم بناء مسجد جديد بالقرب من مسجد قديم يقول السائل: ما حكم بناء مسجد جديد بجوار مسجد قديم مع العلم أن المسافة التي تفصل بين المسجدين لا تزيد عن مئتي متر تقريباً ومع أن المسجد القديم يتسع لأهل الحيّ؟ الجواب: لا يجوز بناء المسجد الجديد بقرب المسجد القديم ما دام أن المسجد القديم يتسع لأهل الحي وكذلك لا يجوز بناء المسجد الجديد بجوار المسجد القديم حتى لو ضاق المسجد القديم بأهل الحيّ وإنما المطلوب في هذه الحالة العمل على توسعة المسجد القديم وزيادة البناء فيه ليتسع لأهل الحي. لأن من المقاصد التي بنيت لها المساجد جمع أكبر عدد من المصلين في المسجد الواحد ليتعاونوا ويتعارفوا. كما أن الله سبحانه وتعالى جعل الثواب العظيم لمن يمشي إلى المسجد للصلاة ولو كان بعيداً كما صح في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى) رواه البخاري ومسلم. وإنّ بناء المسجد الجديد بجوار المسجد القديم يعتبر من باب الضرار عند العلماء لأنه سيؤدي إلى تفريق جماعة المسلمين. وقد اعتبر السيوطي أن كثرة المساجد في المحلة الواحدة من

المحدثات المخالفة لهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -. انظر كتاب الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ص 300. وذلك لما فيه من تفريق الجمع وتشتيت الشمل وحل عروة الانضمام في العبادة وذهاب رونق وفرة المتعبدين وتعديد الكلمة واختلاف المشارب ومضادة حكمة مشروعية الجماعات. كما أن في ذلك مضارة للمسجد القديم أو شبه مضارة أو محبة الشهرة أو السمعة وفيه أيضاً صرف الأموال فيما لا ضرورة له. انظر كتاب إصلاح المساجد ص 96. قال ابن مفلح: [ولا يُبنىَ مسجدٌ ضراراً وقال محمد بن موسى: يَبني مسجداً إلى جنب مسجد. وقال: لا تبني المساجد ليعدى بعضها بعضاً] الفروع 2/ 38. وجاء في المنتهى من كتب الحنابلة: [ويحرم بناء مسجد يراد به الضرر لمسجد قربه]. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يحرم بناء مسجد بقرب مسجد وأنه ينبغي هدم المسجد الجديد لأنه مسجد ضرار، وصححه المرداوي في تصحيح الفروع 2/ 39 وقال القرطبي: (قال علماؤنا: لا يجوز أن يُبنى مسجدٌ إلى جنب مسجد ويجب هدمه والمنع من بنائه لئلا ينصرف أهل المسجد الأول فيبقى شاغراً إلا أن تكون المحلة كبيرة فلا يكفي أهلها مسجدٌ واحدٌ فَيُبنَى حينئذ.). تفسير القرطبي 8/ 254 ثم إن المسجد كلما كان قديماً كلما كان أفضل والأجر فيه أعظم وعتق المسجد من الأمور المحمودة قال الله تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ). وقال تعالى: (إن أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى

زيادة التبرعات للمسجد عن حاجته

لِلْعَالَمِينَ) فإن قِدَمَهُ يقتضي كثرة العبادة فيه وذلك يقتضي زيادة فضله. مجموع الفتاوى 17/ 469. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز بناء المسجد الجديد المذكور في السؤال قرب المسجد القديم لما بينت. زيادة التبرعات للمسجد عن حاجته يقول السائل: إن لجنة المسجد عندهم جمعت تبرعات لإصلاح المسجد وقد زادت تلك التبرعات عن حاجة المسجد فكيف يتصرفون بها؟ الجواب: إن الأصل في هذه التبرعات أن تصرف لذات المسجد الذي تم التبرع له لأن هذه الأموال صارت موقوفة على ذلك المسجد. ولا يصح صرفها لغير ذلك المسجد ما دامت الحاجة قائمة لذلك المسجد. وأما إذا فاضت تلك التبرعات عن حاجات المسجد فيجوز صرفها لمسجد آخر في الحي أو أقرب مسجد إلى المسجد الأول وإن لم يتيسر ذلك صرفت للفقراء والمساكين. قال الشيخ ابن قدامة: [وما فضل من حصر المسجد وزيته ولم يحتج إليه جاز أن يجعل في مسجد آخر أو يتصدق من ذلك على فقراء جيرانه أو غيرهم وكذلك إن فضل من قصبه أو شيء من نقضه. قال أحمد في مسجد بني فبقي من خشبه أو قصبه أو شيء من نقضه فقال: يعان به في مسجد آخر. وقال المروزي: سألت أبا عبد الله - يعني الإمام أحمد- عن بواري المسجد أي حصر المسجد إذا فضل منه الشيء أو الخشبة قال: يتصدق به. قال: وأرى أنه قد احتج بكسوة البيت - الكعبة المشرفة - إذا تخرقت تصدق بها.

وقال في موضع آخر: قد كان شيبة يتصدق بخلقان الكعبة - أي كسوة الكعبة التي بليت ونزعت عنها -. وروى الخلال بإسناده عن علقمة عن أمه أن شيبة بن عثمان الحجبي جاء إلى عائشة رضي الله عنها فقال يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تكثر عليها فننزعها فنحفر لها آباراً فندفنها فيها حتى لا تلبسها الحائض والجنب. قالت عائشة: بئس ما صنعت ولم تصب. إن ثياب الكعبة إذا نزعت لم يضرها من لبسها من حائض أو جنب ولكن لو بعتها وجعلت ثمنها في سبيل الله والمساكين. فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع فيضع ثمنها حيث أمرته عائشة. وهذه قصة مثلها ينتشر ولم ينكر فيكون إجماعاً ولأنه مال الله تعالى لم يبق له مصرف فصرف إلى المساكين كالوقف المنقطع] المغني 6/ 31. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وما فضل من ريع وقف عن مصلحته صرف في نظيره أو مصلحة المسلمين من أهل ناحيته ولم يحبس المال دائماً بلا فائدة فقد كان عمر بن الخطاب كل عام يقسم كسوة الكعبة بين الحجيج ونظير كسوة الكعبة المسجد المستغنى عنه من الحصر ونحوها وأمر بتحويل مسجد الكوفة من مكان إلى مكان حتى صار موضع الأول سوقاً] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 31/ 93. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الوقف إذا فضل من ريعه واستغني عنه؟ فأجاب: [يصرف في نظير تلك الجهة كالمسجد إذا فضل عن مصالحه صرف في مسجد آخر لأن الواقف غرضه في الجنس والجنس واحد فلو قدر أن المسجد الأول خرّب ولم ينتفع به أحد صرف ريعه في مسجد آخر فكذلك إذا فضل عن مصلحته شيء فإن هذا الفاضل لا سبيل إلى صرفه إليه ولا إلى تعطيله فصرفه في جنس المقصود أولى وهو أقرب الطرق إلى مقصود الواقف وقد روى أحمد عن علي رضي الله عنه أنه حض الناس على إعطاء مكاتب ففضل شيء عن حاجته فصرفه في المكاتبين] المصدر السابق 31/ 206 - 207.

صلاة الجمعة

صلاة الجمعة

حكم البيع والشراء وقت النداء لصلاة الجمعة

حكم البيع والشراء وقت النداء لصلاة الجمعة يقول السائل: إنه يملك محلاً تجارياً وفي يوم الجمعة يذهب إلى الصلاة ويترك زوجته في المحل تبيع الناس فما الحكم في ذلك؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة الجمعة الآية 9. وصلاة الجمعة فرض على كل مسلم بإجماع الأمة والأئمة إلا من استثني وقد أمر الله بالسعي إلى ذكر الله وأمر بترك البيع لما فيه من إشغال عن الصلاة. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: (وَذَرُوا الْبَيْعَ) منع الله عز وجل منه عند صلاة الجمعة وحرَّمه في وقتها على من كان مخاطباً بفرضها. والبيع لا يخلو من شراء فاكتفى بذكر أحدهما. وخص البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق] تفسير القرطبي 18/ 107. والأمر بالسعي في الآية يفيد الوجوب والأمر بترك البيع بمعنى النهي يفيد التحريم وقد قال جمهور أهل العلم إن المقصود بقوله تعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)

الأذان الذي يكون بين يدي الإمام والذي يبدأ الإمام عقبه بالخطبة لأنه الأذان الذي كان موجوداً على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الحديث عن السائب بن يزيد قال: [كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلمّا كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء. قال الإمام البخاري: والزوراء موضع بالسوق من المدينة] رواه البخاري. وفي هذا الحديث أنه كان على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أذان واحد للجمعة وهو الذي يكون بين يدي الإمام وبعده تكون الخطبة، ثم لمّا كان عثمان أحدث الأذان الثاني لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياساً على بقية الصلوات فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب. فتح الباري 3/ 44. وسماه الحديث ثانياً باعتباره وجد بعد الأذان الأول الذي كان في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وسماه في الحديث ثالثاً: باعتباره مزيداً على الأذان الأول والإقامة ولأن الإقامة تسمى أذاناً كما في الحديث: (بين كل أذانين صلاة) رواه البخاري ومسلم. وقد اتفق جمهور أهل العلم على تحريم البيع والشراء وقت النداء وأن هذا التحريم خاص بالمخاطبين بفرض الجمعة وأما من لا جمعة عليهم فلا حرج عليهم إذا باعوا وشروا مع أمثالهم ممن لا يخاطب بالجمعة وهؤلاء غير المخاطبين بالجمعة هم: 1. الصبي وهو من كان دون البلوغ. 2. المرأة فليس على النساء جمعة. 3. المسافر فلا جمعة على المسافر. 4. المريض فلا جمعة على المريض العاجز عن إجابة النداء.

وهناك أعذار خاصة تسقط الجمعة ليس هذا محل بحثها. فهؤلاء المذكورون ومن في حكمهم ممن لا جمعة عليهم يجوز لهم البيع والشراء وقت النداء لأن الله سبحانه وتعالى إنما نهى عن البيع من أمره بالسعي للجمعة وهؤلاء غير مخاطبين بالسعي إلى الجمعة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وتحريم البيع ووجوب السعي يختص بالمخاطبين بالجمعة فأما غيرهم من النساء والصبيان والمسافرين فلا يثبت في حقه ذلك. فإن الله تعالى إنما نهى عن البيع من أمره بالسعي فغير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي ولأن تحريم البيع معلل بما يحصل به من الاشتغال عن الجمعة وهذا معدوم في حقهم] المغني 2/ 220. فزوجتك أيها السائل إن باعت لصبي أو لامرأة مثلها أو لمسافر أو لمريض ومن في حكمهم فلا حرج في ذلك إن شاء الله. وأما إن باعت لمن وجبت عليه الجمعة وهو تارك لها فإن زوجتك قد أعانت على المعصية والإثم فذاك تارك الجمعة لا شك أنه آثم لتركه الجمعة وزوجتك قد باعته فأعانته على المعصية والله سبحانه وتعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ومن المعلوم أن ترك الجمعة لغير عذر ذنب عظيم فقد ثبت في الحديث الشريف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) رواه مسلم. وقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه) رواه أحمد وأصحاب السنن وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين) رواه الطبراني وقال الشيخ الألباني حديث حسن. وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (من ترك الجمعة ثلاث

حكم تعدد صلاة الجمعة في البلدة الواحدة

مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه) رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الشيخ الألباني ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. صحيح الترغيب ص 306 - 307. ويجب أن يعلم أن الأمر بترك البيع وقت النداء لصلاة الجمعة ليس خاصاً بالبيع وإنما النهي يشمل البيع والشراء والإجارة والنكاح وباقي العقود لأن الحكمة في ذلك أن البيع يشغل عن تلبية النداء فكذا بقية العقود ويلحق بذلك الألعاب المختلفة فتحرم إقامة المباريات الرياضية أو الثقافية وقت النداء لصلاة الجمعة. روى الإمام البخاري عن عطاء أحد أئمة التابعين أنه قال: [تحرم الصناعات كلها - أي وقت النداء للجمعة -]. وذكر الحافظ ابن حجر رواية أخرى عن عطاء بلفظ آخر: [إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتاباً]. وقال الحافظ: [وبهذا قال الجمهور أيضاً] فتح الباري 3/ 41. ويستمر تحريم هذه العقود حتى انقضاء صلاة الجمعة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادي للصلاة فإذا قضيت الصلاة فبع واشتر] ذكره الحافظ في فتح الباري 3/ 41. حكم تعدد صلاة الجمعة في البلدة الواحدة يقول السائل: تقام الجمعة في بلدتهم في مسجدين كبيرين وقد بني حديثاً مسجد ثالث لا يبعد كثيراً عن أحد المسجدين والذي يتسع لأعداد كبيرة من المصلين ويرغب المصلون في إقامة صلاة الجمعة في المسجد الجديد فما الحكم في ذلك؟

الجواب: إن صلاة الجمعة بمثابة مؤتمر أسبوعي يحضره المسلمون في البلد عامة ولها أحكامها الخاصة بها ولا يصح إلحاقها بالصلوات الخمس فيقال بجواز تعدد الجمعة كما تتعدد الجماعة في الصلوات الخمس. بل الصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجمعة يجوز التعدد فيها إذا دعت الحاجة إلى ذلك فقط كأن يضيق المسجد بأهل البلدة فيبنى مسجد آخر فتقام فيه الجمعة أو يكون هناك حرج في وصول المصلين إلى المسجد الذي تقام فيه صلاة الجمعة فتقام جمعة أخرى أو يكون البلد واسعاً مترامي الأطراف وسكانه كثيرون فتتعدد الجمعة لذلك وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم من الفقهاء. قال الإمام النووي: [والصحيح هو الجواز في موضعين أو أكثر بحسب الحاجة وعسر الاجتماع به] المجموع 4/ 586. ومما يدل على ذلك أنه كان في المدينة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - عدة مساجد تقام فيها الصلوات الخمس كالمسجد الذي كان معاذ بن جبل يصلي فيه بقومه صلاة العشاء بعد أن يصليها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن ما كانت تقام الجمعة إلا في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا يدل على أن تعدد الجمعة بدون الحاجة خلاف السنة. وقد ذكر الشيخ تقي الدين السبكي في رسالته المسماة " الاعتصام بالواحد الأحد من إقامة جمعتين في بلد " أقوال أهل العلم في المسألة وأدلتهم ورجح القول بعدم جواز تعدد الجمعة إلا للحاجة ثم قال: [وأما تخيل أن ذلك - أي تعدد الجمعة - يجوز في كل المساجد عند عدم الحاجة فهذا من المنكر بالضرورة في دين الإسلام] فتاوى السبكي 1/ 180. وقد جاء عن عمر بن الخطاب ما يؤيد منع تعدد الجمعة فقد روى ابن عساكر عن عطاء قال: [لما افتتح عمر بن الخطاب البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً ويتخذ للقبائل مسجداً فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة].

وكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك. وكتب عمر أيضاً إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك. وكان الصحابة رضي الله عنهم يأتون إلى الجمعة من مسافة بعيدة فقد كان عبد الله بن رواحة يأتي الجمعة من مسافة ميلين وكان أبو هريرة يأتي الجمعة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذي الحليفة " آبار علي ". وذكر الحافظ ابن حجر: [قال الأثرم للإمام أحمد بن حنبل: أجُمِعَ جمعتان في مصر؟ قال لا أعلم أحداً فعله] انظر إصلاح المساجد ص 52 - 54. وقد بين الإمام السبكي أن قول من قال من العلماء بجواز تعدد الجمعة لا يحمل على تعددها مطلقاً وإنما يكون ذلك للحاجة إلى التعدد فقال: [وينبغي أن يفهم أن مذهبه هذا عند الحاجة لأنه إنما تكلم في ذلك فيتقيد بحسب الحاجة ولا يحمل على إجازة تعددها مطلقاً في كل المساجد فتصير كالصلوات الخمس حتى لا يبقى للجمعة خصوصية فإن هذا معلوم بطلانه بالضرورة لاستمرار عمل الناس عليه من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم] فتاوى السبكي 1/ 179. وقال الشيخ القاسمي: [فالذي أراه في الخروج من عهدة هذه الحالة أن يترك التجميع في كل مسجد صغير - سواء أكان بين البيوت أو في الشوارع - وفي كل مسجد كبير أيضاً يستغنى عنه بغيره وأن ينضم كل أهل محلة كبرى إلى جامعها الأكبر ولتفرض كل محلة كبرى كقرية على حدة فيستغنى بذلك عن كثير من زوائد المساجد ويظهر الشعار في تلك الجوامع الجامعة فيخرج من عهدة التعدد] إصلاح المساجد من البدع والعوائد ص 62. وخلاصة الأمر أنه يجوز تعدد الجمعة لحاجة وهذا يوافق مقاصد الشرع الحنيف قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) سورة الحج الآية 78. والحاجة كالضرورة تقدر بقدرها فلا ينبغي تعدد الجمعة بدون حاجة لما في ذلك من تفويت مقاصد الجمعة وحكمة مشروعيتها.

الجنائز

الجنائز

حكم رفع اليدين في صلاة الجنازة

حكم رفع اليدين في صلاة الجنازة يقول السائل: هل يرفع المصلي في صلاة الجنازة يديه مع كل تكبيرة أم لا؟ وما قولكم فيما يفعله إمام المسجد عندهم حيث إنه ينكر على من يرفع يديه؟ الجواب: لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث صحيح في رفع اليدين مع كل تكبيرة من تكبيرات صلاة الجنازة سوى التكبيرة الأولى فلذلك قالت طائفة من أهل العلم ترفع الأيدي مع التكبيرة الأولى فقط وهذا مذهب أبي حنيفة في ظاهر الرواية عنه وهو اختيار ابن حزم الظاهري وهوقول الشوكاني ونقل عن جماعة من السلف كابن عباس وابن مسعود وسفيان الثوري وغيرهم. وقد روى الترمذي بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى) ورواه أيضاً الدارقطني والبيهقي وهو حديث ضعيف. وقال الشيخ الألباني: [يشهد له الحديث الآتي وهو: (عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود)] أحكام الجنائز ص 116.

وقال ابن حزم: [وأما رفع الأيدي فإنه لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رفع شيء من تكبير الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط فلا يجوز فعل ذلك لأنه عمل في الصلاة لم يأت به نص] المحلى 3/ 351. وقال الشوكاني: [والحاصل أنه لم يثبت في غير التكبيرة الأولى شيء يصلح للاحتجاج به عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] نيل الأوطار 4/ 71. وقال الشيخ الألباني: [ولم نجد في السنة ما يدل على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الأولى فلا نرى مشروعية ذلك وهو مذهب الحنفية وغيرهم واختاره الشوكاني وغيره من المحققين وإليه ذهب ابن حزم] أحكام الجنائز ص 116. وقد عارض ما تقدم آثار وردت عن بعض الصحابة كابن عمر تنص على رفع الأيدي مع كل تكبيرة وهي مستند العلماء القائلين بذلك إلا أنه قد ورد عنه خلافه فتعارضت. ولا ينبغي لإمام المسجد أن ينكر على المصلين الذين يرفعون أيديهم مع كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة لأن هؤلاء المصلين يقلدون العلماء القائلين بذلك كالشافعي وأحمد وغيرهما. والمسألة خلافية ولا ينبغي الإنكار في مسائل الخلاف ما دام أن المخالف من العلماء أهل الاجتهاد وله أدلته وليس في المسألة نص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى إمام المسجد إن كان لا يأخذ برفع اليدين أن يبين قوله للناس وأدلته فقط ولا ينكر عليهم مخالفته فإن الأمر فيه سعة. قال الإمام سفيان الثوري: [إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه]. وقال الإمام أحمد: [لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس عل مذهب.]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [. وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً] الآداب الشرعية 1/ 169، دراسات في الاختلافات الفقهية 103/ 104.

اتباع النساء للجنائز غير مشروع

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه، وإذا كان في المسألة قولان فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 20/ 207. اتباع النساء للجنائز غير مشروع يقول السائل: ما حكم اتباع النساء للجنائز؟ الجواب: لا ينبغي للنساء اتباع الجنازة خاصة في زماننا هذا نظراً لفساد أحوال كثير من النساء والرجال على حد سواء. وقد قال كثير من أهل العلم بكراهة خروج النساء في الجنازة ونقله الإمام النووي عن جماهير أهل العلم ومنهم جماعة من الصحابة كابن مسعود وابن عمر وأبي أمامة وعائشة وغيرهم. المجموع 5/ 278. وقد نص فقهاء الحنفية على أن خروجهن مكروه تحريماً. قال صاحب الدر المختار: [ويكره خروجهن تحريماً]. وقال الشيخ ابن عابدين معلقاً على ذلك: [. ولكن يعضده المعنى الحادث باختلاف الزمان الذي أشارت إليه عائشة بقولها: لو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رأى ما أحدثت النساء بعده لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل وهذا في نساء زمانها فما ظنك بنساء زماننا] حاشية ابن عابدين 2/ 232. وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - النساء عن اتباع الجنائز فقد ورد في الحديث عن أم عطية رضي الله عنها قالت: [نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا] رواه البخاري ومسلم وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن النهي في الحديث نهي تنزيه قال القرطبي:

[ظاهر سياق حديث أم عطية أن النهي نهي تنزيه وبه قال جمهور أهل العلم] فتح الباري 3/ 378. والذي تطمئن إليه نفسي هو منع النساء من اتباع الجنائز في هذا الزمان نظراً للمفاسد المرافقة لخروجهن من التبرج واختلاط الرجال بالنساء ولِما تقوم به بعض النسوة من مخالفات شرعية أخرى كالزغاريد المنكرة خلف الجنازة أو الصياح والنواح وغير ذلك من المنكرات فلذلك ينبغي منعهن. قال الشيخ ابن عابدين: [وأما ما في الصحيحين عن أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا). أي أنه نهي تنزيه فينبغي أن يختص بذلك الزمن حيث كان يباح لهن الخروج للمساجد والأعياد] حاشية ابن عابدين 2/ 232. وإنه مما يؤسف له أن كثيراً مما يفعله المشيعون للجنازة في بلادنا مخالف للسنة تماماً فترى المشيعين في الجنازة يهتفون ويصيحون ويرفعون أصواتهم بالتكبير والهتافات المخالفة للشرع بل إن بعض الجنائز تتحول إلى ما يشبه المظاهرات وهذا كله ليس مشروعاً بحال من الأحوال مهما كان حال الميت فإن من السنة أن يسير المشيعون للجنازة بصمت وسكوت ويتفكرون في الموت لعلهم يتعظون ويعتبرون. فقد جاء في الحديث عن البراء - رضي الله عنه - قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فانتهينا إلى القبر فجلس كأنّ على رؤوسنا الطير) رواه ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني. صحيح سنن ابن ماجة 1/ 259. وقد كره العلماء أن يتكلم أحد في الجنازة ولا بقول القائل: [استغفروا لأخيكم] فقد سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً في جنازة يصيح ويقول: [استغفروا لأخيكم. فقال: ابن عمر: لا غفر الله لك]. قال الإمام النووي: [يستحب له - أي الماشي مع الجنازة - أن يكون

تلقين الميت بعد دفنه بدعة

مشتغلاً بذكر الله تعالى والفكر فيما يلقاه وما يكون مصيره وحاصل ما كان فيه وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها وليحذر كل الحذر من الحديث بما لا فائدة فيه فإن هذا وقت فكر وذكر يقبح فيه الغفلة واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ فإن الكلام بما لا فائدة فيه منهي عنه في جميع الأحوال فكيف في هذا الحال. واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضوان الله عليهم السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوتاً بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك والحكمة فيه ظاهرة وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال. فهذا هو الحق ولا تغترنّ بكثرة من يخالفه فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض ما معناه: [الزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين] الأذكار ص 136. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار) رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني: له شواهد تقويه. وقد كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرهون رفع الصوت عند الجنائز. رواه البيهقي بسند رجاله ثقات قاله الشيخ الألباني. أحكام الجنائز 70 - 71. تلقين الميت بعد دفنه بدعة يقول السائل: ما حكم ما يفعله كثير من الناس عند الانتهاء من دفن الميت حيث يقوم أحدهم عند رأسه فيلقنه بقوله: (يا عبد الله وابن أَمَتِهِ إذا جاءك المَلَكَان الموكلان بك وبأمثالك من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلا يزعجاك ولا يرعباك واعلم أنهما خلق من خلق الله كما أنت خلق من خلق الله فإذا سألاك ما ربك وما ملتك وما دينك وما منهاجك وما الذي عشت ومت عليه؟ فقل لهما بلسان طلق لبق من غير تلجلج ولا وجل ولا خوف منهما

ولا جزع فقل لهما الله ربي حقاً ومحمدٌ نبيي صدقاً وإبراهيم الخليل أبي وملته ملتي والكعبة قبلتي وعشت ومت على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله. فإذا عادا وسألاك ثانية ماذا تقول في الرجل المبعوث فيكم؟ فقل لهما نبينا وشفيعنا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -. الخ)؟ الجواب: هذا التلقين مبتدع وليس له سند من السنة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد نصّ على أنه بدعة طائفة من أهل العلم. قال الإمام العز بن عبد السلام: [لم يصح في التلقين شيء وهو بدعة وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) محمول على من دنا موته ويئس من حياته] فتاوى العز بن عبد السلام ص427. ونقل عن الإمام مالك القول بكراهة التلقين بعد الموت. انظر كفاية الطالب الرباني نقلاً عن الآيات البينات للألوسي ص63 - 64. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما التلقين بعد الدفن فلم أجد فيه عن أحمد شيئاً ولا أعلم فيه للأئمة قولاً سوى ما رواه الأثرم قال قلت لأبي عبد الله: فهذا الذي يصنعون إذا دفن الميت، يقف الرجل ويقول: يا فلان ابن فلان اذكر ما فارقت عليه شهادة أن لا إله إلا الله؟ فقال: ما رأيت أحداً فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء إنسان فقال ذلك. قال: وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه.] المغني 2/ 377. وقال الشيخ المرداوي بعد أن ذكر أن مذهب الحنابلة إثبات التلقين بعد الدفن: [. والنفس تميل إلى عدمه.] الإنصاف 2/ 549. وقال شمس الحق العظيم آبادي: [والتلقين بعد الموت قد جزم كثير أنه حادث] عون المعبود 8/ 268. وقال الشيخ ابن القيم: [ولم يكن يجلس - أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عند القبر ولا يلقن الميت كما يفعله الناس اليوم] زاد المعاد 1/ 522.

وأما ما يروى في الحديث عن جابر بن سعيد الأزدي قال: (دخلت على أبي أمامة وهو في النزع فقال لي: يا أبا سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصنع بموتانا فإنه قال: إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل: يا فلان ابن فلانة! فإنه يستوي قاعداً فليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه سيقول أرشدني رحمك الله فليقل: اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول له: ما نصنع عند رجل لقن حجته؟ فيكون الله حجيجهما دونه) قال الشيخ الألباني: منكر. أخرجه القاضي الخلعي في الفوائد 2/ 55. قلت - أي الألباني -: [وهذا إسناد ضعيف جداً لم أعرف أحداً منهم غير عتبة بن السكن. قال الدارقطني: متروك الحديث. وقال البيهقي: واهٍ منسوب إلى الوضع. والحديث أورده الهيثمي. وقال: رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده جماعة لم أعرفهم] ثم ذكر الشيخ الألباني أن الأئمة النووي وابن الصلاح والحافظ العراقي قد ضعفوا الحديث. السلسلة الضعيفة 2/ 64 - 65. وقال الشيخ ابن القيم بعد أن ساق الحديث: [فهذا حديث لا يصح رفعه] زاد المعاد 1/ 523. ونقل ابن علان قول الحافظ ابن حجر بعد تخريج حديث أبي أمامة: [هذا حديث غريب وسند الحديثين من الطريقين ضعيف جداً] الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 4/ 196. وقال الصنعاني: [ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة ولا يغتر بكثرة من يفعله] سبل السلام 2/ 234. وقد احتج المثبتون للتلقين بما جاء في الحديث عن أبي سعيد

الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) رواه مسلم. انظر صحيح مسلم بشرح النووي 2/ 519. وهذا الحديث ليس فيه التلقين بعد الموت وبعد الدفن وإنما هو في التلقين عند الاحتضار. قال الإمام النووي: [قوله: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) معناه من حضره الموت والمراد ذكروه لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه كما جاء في الحديث: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) والأمر بهذا التلقين أمر ندب وأجمع العلماء على هذا التلقين] شرح صحيح مسلم 2/ 512. وسبق كلام العز بن عبد السلام أن هذا الحديث محمول على من دنا موته ويئس من حياته. وقال صاحب الهداية الحنفي: [ولقن الشهادتين لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله) والمراد الذي قرب من موته] الهداية 2/ 68. ومما يؤيد تفسير الميت بالمحتضر كما ذهب إليه كثير من أهل العلم ما ورد في الحديث عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ الألباني. ومما يؤيد ذلك أيضاً ما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنه من كان آخر كلمته لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوماً من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه) رواه ابن حبان والبزار وقال محقق صحيح ابن حبان: حديث صحيح. صحيح ابن حبان 7/ 272 والمشروع عند الانتهاء من دفن الميت هو الاستغفار للميت والدعاء له قال الشيخ ابن القيم: [وكان - أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن ميت قام على قبره هو وأصحابه وسأل له التثبيت وأمرهم أن يسألوا له التثبيت] زاد المعاد 1/ 522.

حكم الدفن ليلا

ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عثمان - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الإمام النووي: إسناده جيد. وصححه الشيخ الألباني أيضاً. حكم الدفن ليلاً يقول السائل: هل يجوز دفن الميت في الليل أم ينتظر به النهار؟ الجواب: قال أكثر أهل العلم يجوز دفن الميت ليلاً ولا كراهة في ذلك ولكن الدفن في النهار أفضل. قال الحافظ ابن عبد البر: [وفي هذا الحديث إباحة الدفن بالليل وعلى إجازته أكثر العلماء وجماعة الفقهاء لأن الليل ليس فيه وقت تكره فيه الصلاة] الاستذكار 8/ 290 وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب الدفن بالليل ودفن أبي بكر - رضي الله عنه - ليلاً]. ثم روى البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على رجل بعدما دفن بليلة. قام هو وأصحابه وكان سأل عنه فقال: من هذا؟ فقالوا: فلان دفن البارحة فصلوا عليه) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 451. ومما يدل على جواز الدفن بالليل ما جاء في الحديث عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقبر دفن ليلاً فقال: (متى دفن هذا؟ فقالوا: البارحة. قال: أفلا آذنتموني. قالوا: دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك. فصلى عليه) رواه البخاري. وعن جابر قال: (رأى ناسٌ ناراً في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

في القبر وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم. وإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر). رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم كما قال الإمام النووي. المجموع 5/ 302. وروى الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أن أبا بكر الصديق لم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح) صحيح البخاري 3/ 297. وهذا هو الحديث الذي ذكره الإمام البخاري معلقاً في ترجمة الباب السابق. وأما ما جاء عن جابر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قبض وكفن في غير طائل وقبر ليلاً فزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلي عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) رواه مسلم. فقد أجاب عنه العلماء بأجوبة قوية منها ما قاله الإمام النووي: [وأما النهي عن القبر ليلاً حتى يصلي عليه فقيل سببه أن الدفن نهاراً يحضره كثيرون من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد. وقيل لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن فلا يبين في الليل ويؤيده أول الحديث وآخره.] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 12. وقال العلامة ابن القيم: [قال الإمام أحمد: لا بأس بذلك - أي الدفن ليلاً - وقال: أبو بكر دفن ليلاً وعليٌ دفن فاطمة ليلاً وحديث عائشة: (سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وممن دفن ليلاً عثمان وعائشة وابن مسعود ورخص فيه عقبة بن عامر وابن المسيب وعطاء والثوري والشافعي واسحاق وكرهه الحسن وأحمد في إحدى الروايتين.

وقد روى مسلم في صحيحه:. فذكر حديث جابر السابق]. ثم قال ابن القيم: [والآثار في جواز الدفن بالليل أكثر. وفي الترمذي من حديث الحجاج بن أرطأة عن عطاء عن ابن عباس: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل قبراً ليلاً فأسرج له بسراج فأخذه من قبل القبلة وقال: رحمك الله إن كنت لأواهاً تلاءً القرآن وكبر عليه أربعاً). قال: وفي الباب عن جابر ويزيد بن ثابت وهو أخو زيد بن ثابت أكبر منه. قال: وحديث ابن عباس حديث حسن. قال: ورخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل وقد نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - في قبر ذي البجادين ليلاً. وفي صحيح البخاري: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل عن قبر رجل، فقال: من هذا؟ قالوا: فلان، دفن البارحة فصلى عليه). وهذه الآثار أكثر واشهر من حديث مسلم. وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: (مات إنسان كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده فمات بالليل فدفنوه ليلاً فلما أصبح أخبروه. فقال: ما منعكم أن تعلموني؟ فقالوا: كان الليل وكرهنا - كانت ظلمة - أن نشق عليك فأتى قبره فصلى عليه). قيل: وحديث النهي محمول على النزاهة والتأديب. والذي ينبغي أن يقال في ذلك - والله أعلم -: أنه متى كان الدفن ليلاً لا يفوت به شيء من حقوق الميت والصلاة عليه فلا بأس به وعليه تدل أحاديث الجواز وإن كان يفوت بذلك حقوقه والصلاة عليه وتمام القيام عليه نهي عن ذلك وعليه يدل الزجر وبالله التوفيق] شرح ابن القيم على سنن أبي داود 8/ 309. وقال الحافظ ابن حجر في الجواب عن حديث جابر: [بأن النهي عن

الاحتفال بذكرى مرور عام على الميت بدعة

الدفن ليلاً كان بسبب تحسين الكفن وقوله: (حتى يصلي عليه) مضبوط بكسر اللام أي النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا سبب آخر يقتضي أنه إن رجي بتأخير الميت إلى الصباح صلاة من ترجى بركته عليه استحب تأخيره وإلا فلا وبه جزم الطحاوي واستدل المُصَنْف - أي الإمام البخاري - للجواز بما ذكره من حديث ابن عباس ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - دفنهم إياه بالليل بل أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره وأيد ذلك بما صنع الصحابة بأبي بكر وكان ذلك كالإجماع منهم على الجواز] فتح الباري 3/ 451. الاحتفال بذكرى مرور عام على الميت بدعة يقول السائل: ما قولكم فيما يفعله بعض الناس من إحياء ذكرى مرور عام على وفاة شخص ما بدعوة الأقارب والأصدقاء لإحياء تلك المناسبة بتلاوة آيات من القرآن؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أنه ليس من منهج الإسلام تجديد الأحزان وإثارة الأشجان فليس من هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - إحياء ذكرى الميت سواء كان ذلك في ذكرى الأربعين أو مرور سنة أو مرور سنتين أو مرور سنين على وفاته وليس من منهج الإسلام إقامة حفلات التأبين وإلقاء الخطب والكلمات في مدح الأموات وكل ذلك من البدع والمنكرات. يقول الله سبحانه وتعالى: (أم لَهُمْ شرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) سورة الشورى الآية 21. وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم. وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (. إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ) رواه مسلم. وإحياء ذكرى الأموات بدعوة الأصدقاء والأقارب وتلاوة القرآن واستئجار القراء وتكرار التعازي كل ذلك ليس له سند من الشرع وما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا علمه للصحابة وما فعلوه ولا نقل عن التابعين وقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز تكرار التعزية لما في ذلك من تجديد الأحزان بل إن الإمام الشافعي قال: [وأكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤونة مع ما مضى فيه من الأثر] الأم 1/ 279. ونقل الشيخ ابن عابدين عن الفتاوى التتارخانية: [لا ينبغي لمن عزى مرة أن يعزي مرة أخرى رواه الحسن عن أبي حنيفة]. وقد ذكر هذا الكلام عند قول صاحب الدر المختار: [وتكره التعزية ثانياً] حاشية ابن عابدين 2/ 241. وقال الإمام النووي: [قال أصحابنا وتكره التعزية بعد الثلاثة لأن المقصود فيها تسكين قلب المصاب والغالب سكونه بعد الثلاثة فلا يجدد له الحزن] المجموع 5/ 306. وأخيراً فينبغي على المسلم أن يلتزم بهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقتدي بالصحابة والتابعين وسلف الأمة قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) سورة الأنعام الآية 90. ولا ينخدعن أحد بما اعتاده كثير من الناس من فعل هذه البدع وشيوعها ومشاركة بعض المشايخ فيها فلا حجة لهم في ذلك والحجة في الاقتداء بصاحب الشرع الشريف - صلى الله عليه وسلم - فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع.

حكم نبش القبور

حكم نبش القبور يقول السائل: في أي الأحوال يجوز نبش القبور ونقلها من مكانها؟ الجواب: إن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً فلا يجوز الاعتداء عليه وهو ميت في قبره كما لا يجوز الاعتداء عليه حال حياته لما ورد في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً) رواه أبو داود وابن ماجة واحمد وغيرهم. وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 3/ 214. وجاء في رواية أخرى عند ابن ماجة: (كسر عظم الميت ككسر عظم الحيّ في الإثم) سنن ابن ماجة 1/ 516. وقد قرر الفقهاء أنه لا يجوز نبش قبر الميت إلا لعذر شرعي وغرض صحيح فالأصل هو عدم جواز نبش القبور إلا في حالاتٍ خاصة وقد ذكر كثير من الفقهاء تفصيلاً للحالات التي يجوز فيها نبش القبور فمنها: إذا دفن الميت في أرض مغصوبة كمن دفن في أرضٍ بغير إذن مالكها وكذلك إذا كان الكفن مغصوباً أو وقع في القبر مال لغير الميت قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخرج]. قال أحمد: [إذا نسي الحفّار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها. وقال - أي أحمد - في الشيء يسقط في القبر مثل الفأس والدراهم ينبش قال: إذا كان له قيمة يعني ينبش.] المغني 2/ 412. وقال الشوكاني رداً على صاحب حدائق الأزهار في قوله: [ولا ينبش لغصب قبر ولا كفن]. أقول: [قد علم بالضرورة الدينية عصمة مال المسلم وأنه لا يخرج عن ملكه إلا بوجه مسوغ فمن زعم أن الدفن من مسوغات ذلك فعليه الدليل ولا دليل.

وقد تقدم أنه يشق بطنه لاستخرج ماله في نفسه لكون ذلك إضاعة مال فكيف لا ينبش للمال الذي اغتصبه وهو الكفن أو الأرض التي دفن فيها مع كونه إتلاف لمال محترم ومعصوم بعصمة الإسلام. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من اغتصب شبراً من الأرض طوقه الله من سبع أرضين) فكيف بمن اغتصب قبراً هو عدة أشبار. وهكذا ينبش إذا ترك بغير غسل لأن الغسل واجب شرعي لا يسقطه الدفن إلا بدليل ولا دليل هذا إذا كان يظن أن جسمه لم يتفسخ وأن غسله ممكن وهكذا التكفين لا يسقطه الدفن إلا بدليل ولا دليل لأنه واجب شرعي لا يسقط إلا بمسقط شرعي] السيل الجرار على حدائق الأزهار 1/ 369. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [لا ينبش الميت من قبره إلا لحاجة مثل أن يكون المدفن الأول فيه ما يؤذي الميت فينقل إلى غيره كما نقل بعض الصحابة في مثل ذلك] مجموع الفتاوى 24/ 303. وقد ذكر الفقهاء حالات كثيرة يجوز فيها نبش القبور فصلها الخطيب الشربيني في مغني المحتاج 2/ 58 - 60، وإن كنا لا نسلم بجميع ما ذكره من الأعذار التي تبيح نبش القبور. وقد أجاز بعض الفقهاء نبش القبر من أجل توسيع المسجد الجامع أو دفن ميت آخر معه عند الضيق فيجوز نبشه ودفنه في قبر لوحده. قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب هل يخرج من القبر واللحد] ثم ذكر بسنده حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (لما حضر أحدٌ دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإني لا أترك بعدي أعزَّ عليَّ منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن عليَّ ديناً فاقض واستوص بأخوتك خيراً فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في القبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير هينة في أذنه].

وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى أن الإمام البخاري يرى جواز إخراج الميت من قبره لغرض صحيح كما إذا كان في نبشه مصلحة تتعلق بالميت من زيادة البركة له أو إخراجه لمصلحة تتعلق بالحيِّ لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه وقد بين جابر ذلك بقوله: (فلم تطب نفسي). انظر فتح الباري 3/ 457 - 458. ومما يستأنس به لجواز نبش القبور لغرض صحيح ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن شريح بن عبيد الحضرمي أن رجالاً قبروا صاحباً لهم لم يغسلوه ولم يجدوا له كفناً ثم لقوا معاذ بن جبل فأخبروه فأمرهم أن يخرجوه فأخرجوه من قبره ثم غسل وكفن وحنط ثم صلى عليه. نيل الأوطار 4/ 128. ومما يدل على جواز نبش القبور الدارسة لبناء المسجد وتوسيعه ما رواه الإمام البخاري في صحيحه في قصة بناء النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجده لما هاجر إلى المدينة وفيه: (وأنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ بني النجار فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا. قالوا: والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى. فقال انس: فكان فيه ما أقول لكم: قبور المشركين وفيه خرب وفيه نخل فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع.) صحيح البخاري مع الفتح 2/ 72. وبعد كل هذا أقول إنه ينبغي التحرز والاحتياط في مسألة نبش القبور لأن الأصل عدم النبش فينبغي دراسة الحالات التي يسأل فيها عن نبش القبر دراسة متأنية ودقيقة لأن كثيراً من الجهات تتساهل في هذا الأمر تساهلاً كبيراً فلا تراعي حرمة الأموات فتتعدى على المقابر من أجل توسيع الطرقات أو من أجل التنظيم العمراني مع عدم الحاجة الحقيقية إلى ذلك. وقد ذكر الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله ضوابط لا بد من مراعاتها إذا أجزنا نبش القبور وهي:

1. مرور زمن طويل على القبر بحيث يعرف أن الميت قد بلي وصار تراباً ويعرف ذلك بالخبرة فإن البلاد والأرض تختلف طبيعتها. 2. إذا كان الميت يتأذى بوجوده في هذا القبر كما إذا صار موضع القبر رديئاً لوجود مياه أو قذارة تنز عليه أو نحو ذلك. 3. إذا تعلق حق لآدمي بالقبر أو بالميت نفسه. 4. أن تتعلق بالمقبرة مصلحة عامة ضرورية للمسلمين لا يتم تحقيقها إلا بأخذ أرض المقبرة أو جزء منها ونقل ما فيها من رفات. وذلك أن من القواعد الشرعية العامة أن المصلحة الكلية مقدمة على المصلحة الجزئية وأن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام فإذا كان هذا يطبق على الحي حتى إن الشرع ليجيز نزع ملكية أرضه وداره وإخراجه من مسكنه من أجل حفر نهر أو إنشاء طريق أو إقامة مسجد أو توسيعه أو نحو ذلك فأولى أن يطبق على الميت الذي لو كان حياً ما رضي أن نؤذي إخوانه لأجله. وأخيراً لا بد من التذكير أنه إذا أردنا نبش مقبرة أو بعض مقبرة أن يحرص العاملون في الحفر على عدم كسر عظام الأموات وأن يقوموا بجمع تلك العظام ونقلها بكل احترام إلى مكان آخر تدفن فيه بمعرفة أهل الرأي والدين. انظر فتاوى معاصرة 1/ 730 - 733.

الصيام

الصيام

الحامل والمرضع تقضيان ما أفطرتا من رمضان فقط

الحامل والمرضع تقضيان ما أفطرتا من رمضان فقط يقول السائل: ما المطلوب من المرأة الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان؟ الجواب: اختلف أهل العلم في هذه المسألة اختلافاً كبيراً حتى قال الإمام ابن العربي المالكي: [وأما الحامل والمرضع فالاختلاف فيهما كثير ومتباين] عارضة الأحوذي 3/ 189. ثم ذكر أربعة أقوال لأهل العلم في المسألة وهي: 1. إن على الحامل والمرضع الفدية فقط ولا قضاء عليهما وهذا منقول عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما. 2. عليهما القضاء فقط ولا فدية وهو قول جماعة من أهل العلم سأذكرهم فيما بعد. 3. عليهما القضاء والفدية وهو قول مجاهد والشافعي في أحد قوليه وأحمد. 4. على المرضع القضاء والفدية وعلى الحامل القضاء فقط وهو قول مالك وقول الشافعي الآخر. والذي أختاره من هذه الأقوال وأرجحه هو القول الثاني بأن على

الحامل والمرضع القضاء فقط ولا فدية عليهما وبهذا قال: الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء والزهري والضحاك والأوزاعي وربيعة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد والطبري وأبو ثور وأبو عبيد وغيرهم. انظر الاستذكار لابن عبد البر 10/ 222. وقال ابن المنذر بعد أن ذكر أقوال العلماء في المسألة: [وبقول عطاء أقول]. قال الإمام البخاري في صحيحه: [وقال الحسن وإبراهيم في المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما تفطران ثم تقضيان]. وعقب الحافظ ابن حجر على ذلك بقوله: [فأما أثر الحسن فوصله عبد بن حميد عن طريق يونس بن حميد عن الحسن هو البصري: قال المرضع إذا خافت على ولدها أفطرت وأطعمت والحامل إذا خافت على نفسها أفطرت وقضت وهي بمنزلة المريض. ومن طريق قتادة عن الحسن: تفطران وتقضيان. وأما قول إبراهيم وهو النخعي فوصله عبد بن حميد أيضاً من طريق أبي معشر عن النخعي قال: الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وقضتا صوماً] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 9/ 245 - 246. وروى عبد الرزاق بإسناده عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: [تفطر الحامل والمرضع في رمضان وتقضيان صياماً ولا تطعمان]. وروى أيضاً بإسناده عن عكرمة قال: [تفطر الحامل والمرضع في رمضان وتقضيان صياماً ولا طعام عليهما]. وروى أيضاً بإسناده عن الحسن قال: [تقضيان صياماً بمنزلة المريض يفطر ويقضي والمرضع كذلك] المصنف 4/ 218. وهذا القول هو أقوى المذاهب في رأيي من حيث الدليل: ويدل على ذلك أن الحامل والمرضع حالهما كحال المريض الذي يرجى شفاؤه فتفطران وتقضيان فالحامل لا تبقى حاملاً والمرضع لا تبقى

مرضعاً فإذا ولدت الحامل وأرضعت وفطمت ولدها فإنها تقضي ما أفطرت من رمضان تماماً مثل المريض الذي مرض مدة من الزمان ثم كتب الله له الشفاء فإنه يقضي ما أفطره من رمضان. قال الإمام الأوزاعي: [الحمل والإرضاع عندنا مرض من الأمراض تقضيان ولا إطعام عليهما] الاستذكار 10/ 222. ومما يدل على هذا ما ورد في الحديث عن أنس بن مالك - رجل من بني عبد الله بن كعب - رضي الله عنه -: [قال أغارت علينا خيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدته يتغدى فقال: ادن فكل. فقلت: إني صائم. فقال: ادن أحدثك عن الصوم أو الصيام إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام. واللهِ لقد قالهما النبي - صلى الله عليه وسلم - كليهما أو أحدهما فيا لهف نفسي أن أكون طعمت من طعام النبي - صلى الله عليه وسلم -] رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث أنس بن مالك الكعبي حديث حسن. والعمل على هذا عند أهل العلم. عارضة الأحوذي 3/ 188. وقال الشيخ الألباني: [حسن صحيح] انظر صحيح سنن الترمذي 1/ 218. وظاهر حديث أنس الكعبي أن الحامل والمرضع في حكم المسافر فالمسافر إذا أفطر يقضي فقط. قال الإمام ابن العربي المالكي: [وظاهر حديث أنس الكعبي يقتضي أن يفطرا ويقضيا خاصة لأن الصوم موضوع عنهما كوضعه عن المسافر إلى عدة أخرى.] عارضة الأحوذي 3/ 189. قال أبو بكر الجصاص الحنفي: [ووجه دلالته - أي حديث أنس الكعبي - على ما ذكرنا إخباره عليه الصلاة والسلام بأن وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو كوضعه عن المسافر ألا ترى أن وضع الصوم الذي جعله من حكم المسافر هو بعينه جعله من حكم المرضع والحامل لأن عطفهما عليه من غير استئناف ذكر شيء غيره ثبت بذلك أن حكم وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو في حكم وضعه عن المسافر لا فرق بينهما ومعلوم أن وضع الصوم إنما هو على جهة إيجاب قضائه بالإفطار

من غير فدية فوجب أن يكون ذلك حكم الحامل والمرضع وفيه دلالة على أنه لا فرق بين الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما إذ لم يفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما وأيضاً لما كانت الحامل والمرضع يرجى لهما القضاء وإنما أبيح لهما الإفطار للخوف على النفس أو الولد مع إمكان القضاء وجب أن تكونا كالمريض والمسافر] أحكام القرآن 1/ 224. ومما يدل على أن الحامل والمرضع تقضيان فقط قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) سورة البقرة الآية 184. فهذه الآية الكريمة بينت الحكم في حق المريض والمسافر وأن عليهما القضاء فقط (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وفي حديث أنس الكعبي عطفت الحامل والمرضع على المسافر فالظاهر اتحاد الحكم في حق الثلاثة إلا إذا دل دليل قوي على خلاف ذلك ولم يوجد. انظر إعلاء السنن 9/ 151 - 152. وقد قال الإمام مالك بعد أن ذكر أثر ابن عمر عندما سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام قال تفطر وتطعم. الخ. قال مالك: [وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)] الموطأ 1/ 254. وقد رجح هذا القول جماعة من أهل العلم منهم العلامة ولي الله الدهلوي حيث قال: [والظاهر عندي أنهما - الحامل والمرضع - في حكم المريض فيلزم عليهما القضاء فقط] تحفة الأحوذي 3/ 331. واختارت هذا القول اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية حيث جاء في فتواها: [إن خافت الحامل على نفسها أو جنينها من الصوم أفطرت وعليها القضاء فقط شأنها في ذلك شأن المريض الذي لا يقوى على الصوم أو يخشى منه على نفسه قال الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)] فتاوى إسلامية 1/ 396.

الفرق بين الفدية والكفارة

واختار هذا القول أيضاً الدكتور يوسف القرضاوي إلا أنه جعله في حق المرأة التي تتباعد فترات حملها كما هو الشأن في معظم نساء زماننا في معظم المجتمعات الإسلامية وخصوصاً في المدن والتي قد لا تعاني الحمل والإرضاع في حياتها إلا مرتين أو ثلاثاً فالأرجح أن تقضي كما هو رأي الجمهور. فقه الصيام ص 74. الفرق بين الفدية والكفارة يقول السائل: ما الفرق بين الفدية والكفارة في الصيام ومتى تلزم كل منهما؟ الجواب: كثير من الناس يلتبس عليه الفرق بين الفدية والكفارة في الصوم. والفرق بينهما أن الفدية هي المذكورة في قول الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة البقرة الآية 184. وهذه الآية في حق الشيخ الكبير ومن في حكمه ممن لا يستطيع الصوم فإنه يفطر ويخرج عن كل يوم أفطره فدية طعام مسكين. ويلحق بالشيخ الكبير المرأة الكبيرة الهرمة والمريض مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه. وألحق بعض العلماء بهم الحامل والمرضع التي تخاف على ولدها تقضي وتطعم مسكيناً ولكن الراجح من أقوال العلماء أن الحامل والمرضع تقضيان فقط. وقال جمهور الفقهاء من كان عليه قضاء من رمضان فلم يقضه حتى دخل رمضان التالي فعليه القضاء والفدية وقال الحنفية يلزمه القضاء بدون فدية وهو أرجح قولي العلماء في المسألة.

ومقدار الفدية مُدُّ بِمُدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ويساوي في زماننا هذا نصف كيلوغرام ويزيد قليلاً عليه وهذا مذهب جمهور أهل العلم. وأما الكفارة فهي التي ورد ذكرها في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هلكت يا رسول الله. قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تتطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا. قال: ثم جلس. فأوتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فيه تمر، فقال - صلى الله عليه وسلم -: تصدق بهذا. قال: أفقر منا، فما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك) رواه البخاري ومسلم. والعَرَق هو القفة والمكتل ويسع خمسة عشر صاعاً وهي ستون مُدَّاً لستين مسكيناً لكل مسكين مُدّ، قاله الإمام النووي. شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 184. وهذه الكفارة لها خصال ثلاث: الأولى: عتق رقبة. والثانية: صيام شهرين متتابعين دون أن يكون بينهما فاصل إلا من عذر شرعي كالمرض. والثالثة: إطعام ستين مسكيناً لكل منهم مُدٌّ بمدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الإمام البغوي: [وفيه- أي حديث أبي هريرة - دلالة من حيث الظاهر أن طعام الكفارة مُدُّ لكل مسكين لا يجوز أقل منه ولا يجب أكثر

لأن خمسة عشر صاعاً إذا قسمت بين ستين مسكيناً يخص كل واحد منهم مُدٌّ وإلى هذا ذهب الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد] شرح السنة 6/ 285. والكفارة خاصة عند جمهور أهل العلم بمن جامع زوجته في نهار رمضان متعمداً فقط وقال بعض أهل العلم: تجب الكفارة في حق من تعمد انتهاك حرمة صوم رمضان سواء كان ذلك بأكل أو شرب أو جماع. وقول الجمهور أرجح. والكفارة واجبة عند جمهور العلماء على الترتيب فيبدأ بالعتق أولاً ونظراً لعدم وجود رقيق في عصرنا الحاضر فيبدأ بصوم ستين يوماً متتابعةً لا يصح قطعها إلا بعذر شرعي. فإن كان عاجزاً عن الصيام فإنه يطعم ستين مسكيناً. قال الإمام البغوي: [وكفارة الجماع مرتبة مثل الظهار فعليه عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فعليه أن يصوم شهرين متتابعين فإن لم يستطع فعليه أن يطعم ستين مسكيناً هذا قول أكثر العلماء.] شرح السنة 6/ 285. ومما يدل على الترتيب في الكفارة ما جاء في رواية لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للرجل: (أعتق رقبة. قال: لا أجد. قال: صم شهرين متتابعين. قال: لا أطيق. قال: أطعم ستين مسكيناً. قال: لا أجد.) رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح سنن ابن ماجة 1/ 280. قال ابن تيمية الجَدُّ رحمه الله: [وفيه - أي الرواية السابقة للحديث - دلالة قوية على الترتيب] نيل الأوطار 4/ 240. وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم أن الكفارة على الترتيب وقد رجحه ابن قدامة المقدسي في المغني 3/ 140 والشوكاني في نيل الأوطار 4/ 240. ويجب على من أفطر بالجماع في نهار رمضان بالإضافة للكفارة أن

يقضي ذلك اليوم لأنه قد ورد في بعض روايات حديث أبي هريرة السابق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل: (وصم يوماً واستغفر الله) وقد صححها الشيخ الألباني في كتابه " إرواء الغليل " 4/ 90 - 93. قال الإمام البغوي: [وقوله: (صم يوماً واستغفر الله) فيه بيان أن قضاء ذلك اليوم لا يدخل في صيام الشهرين عن الكفارة وهو قول عامة أهل العلم غير الأوزاعي] شرح السنة 6/ 288 - 289. فإن عجز عن الكفارة بخصالها الثلاث لم تسقط عنه وتبقى ديناً في ذمته على الراجح من أقوال العلماء إلى أن تتيسر له الكفارة فيكفر. قال الإمام النووي: [فإن عجز عن الخصال الثلاث فللشافعي قولان أحدهما: لا شيء عليه وإن استطاع بعد ذلك فلا شيء عليه. والقول الثاني وهو الصحيح عند أصحابنا وهو المختار أن الكفارة لا تسقط بل تستقر في ذمته حتى يتمكن قياساً على سائر الديون والحقوق والمؤآخذات كجزاء الصيد وغيره. وأما الحديث فليس فيه نفي استقرار الكفارة بل فيه دليل لاستقرارها لأنه أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه عاجز عن الخصال الثلاث ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق التمر فأمره بإخراجه في الكفارة فلو كانت تسقط بالعجز لم يكن عليه شيء ولم يأمره بإخراجه فدل على ثبوتها في ذمته وإنما أذن له في إطعام عياله لأنه كان محتاجاً ومضطراً إلى الإنفاق على عياله في الحال والكفارة على التراخي فأذن له في أكله وإطعام عياله وبقيت الكفارة في ذمته.] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 182 - 183 وينبغي أن يعلم أن الكفارة تجب في حالة إفساد صوم رمضان فقط دون غيره من أنواع الصوم الأخرى كصوم القضاء وصوم النذر وصوم النافلة وصوم الكفارة فإن أفسد صوماً منها فعليه القضاء فقط. قال الشيخ ابن قدامة: [ولا تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان في

يصح صوم من أصبح جنبا

قول أهل العلم وجمهور الفقهاء] المغني 3/ 138. يصح صوم من أصبح جنباً يقول السائل: أصابته جنابة في ليلة من رمضان ولم يغتسل إلا بعد أذان الفجر فهل صومه صحيح أم لا؟ الجواب: لا تشترط الطهارة من الجنابة للصيام فيجوز للجنب أن يدخل عليه وقت الفجر وهو جنب ولكن ينبغي له أن يغتسل حتى يصلي الفجر. قال الإمام النووي: [فقد أجمع أهل هذه الأمصار على صحة صوم الجنب سواء كان من احتلام أو جماع وبه قال جماهير الصحابة والتابعين.] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 181. ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: (قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حلم فيغتسل ويصوم) رواه مسلم. وروى مسلم بإسناده: (أن مروان أرسل إلى أم سلمة رضي الله عنها يسأل عن الرجل يصبح جنباً أيصوم؟ فقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنباً من جماعٍ لا من حلم ثم لا يفطر ولا يقضي). وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب فقال: (يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب أفأصوم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم. فقال: لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي) رواه مسلم.

عقوبة من أفطر عامدا في رمضان

عقوبة من أفطر عامداً في رمضان يقول السائل: ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أفطر يوماً في رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه صوم الدهر وإن صامه) فهل معنى هذا الحديث أن من أفطر عامداً في رمضان أنه لا يقضي اليوم الذي أفطره؟ الجواب: إن هذا الحديث المذكور رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد وذكره البخاري تعليقاً بصيغة التمريض عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو حديث ضعيف عند المحدثين. قال الحافظ ابن عبد البر: [وهذا - أي الحديث - يحتمل أن يكون لو صح على التغليظ وهو حديث ضعيف لا يحتج به] الاستذكار 10/ 104. وقال الإمام الترمذي: [حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمعت محمداً - يعني الإمام البخاري - يقول: أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 3/ 341. وقال الحافظ ابن حجر: [. وقال البخاري في التاريخ أيضاً: تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا؟ قلت: - أي الحافظ - واختلف فيه على حبيب ابن أبي ثابت اختلافاً كثيراً فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب، والجهل بحال أبي المطوس، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة، وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء.] فتح الباري 5/ 63. وضعفه الحافظ ابن بطال شارح صحيح البخاري. عون المعبود 7/ 21. وضعف الحديث أيضاً الشيخ الألباني حيث قال: [. الحديث ضعيف وقد أشار لذلك البخاري بقوله: (ويذكر) وضعفه ابن خزيمة في صحيحه والمنذري والبغوي والقرطبي والذهبي والدميري فيما نقله المناوي والحافظ ابن حجر.] تمام المنة ص 396.

التشريك في النية في الصيام

والحاصل أن الحديث ضعيف وعلى من أفطر يوماً من رمضان عامداً بالأكل أو الشرب أن يقضي يوماً مكانه وأن يتوب إلى الله توبةً صادقة لأنه أتى ذنباً عظيماً. قال الإمام البغوي: [هذا- أي الحديث - على طريق الإنذار والإعلام بما لحقه من الإثم وفاته من الأجر فالعلماء مجمعون على أنه يقضي يوماً مكانه] شرح السنة 6/ 290. التشريك في النية في الصيام تقول السائلة: إنها صامت الأيام الستة من شوال ونوت صيام الأيام الستة وقضاء ستة أيام أفطرتها من رمضان لعذر الحيض فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن مسألة التشريك في النية من المسائل التي يكثر السؤال عنها وخاصة في حالة صوم الأيام الستة المندوبة من شوال وهل تقع عن الصوم المندوب وعن القضاء؟ وكذلك صوم يومي الاثنين والخميس ندباً وقضاءً وكذلك التشريك في النية في صلاة ركعتين تحية المسجد وسنة الظهر القبلية والتشريك في نية الغسل عن غسل الجنابة وغسل الجمعة وغير ذلك من المسائل. وهذه المسائل فيها تفصيل: قال الحافظ ابن رجب: [إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد في وقت واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت تداخلت أفعالهما واكتفي فيهما بفعل واحد] تقرير القواعد وتحرير الفوائد 1/ 142. وهذه القاعدة التي ذكرها الحافظ ابن رجب تقع على أنواع: النوع الأول: أن يكون مبنى العبادتين على التداخل كغسل الجمعة

والجنابة ومثل الوضوء والغسل من الجنابة فإذا اغتسل شخص ونوى بغسله غسل الجمعة وهو مندوب وغسل الجنابة وهو فرض فالراجح من أقوال أهل العلم أن ذلك يجزئه عنهما ويكفيه الغسل الواحد ويحصل له كلا الغسلين. قال الإمام الشافعي: [وإن كان جنباً فاغتسل لهما جميعاً أجزأه]. قال الماوردي: [وصورتها في رجل أصبح يوم الجمعة جنباً فعليه غسلان واجب وهو الجنابة ومسنون وهو الجمعة فإن اغتسل لهما غسلين كان أفضل ويقدم غسل الجنابة وإن اغتسل لهما غسلاً واحداً ينويهما معاً أجزأه] الحاوي الكبير 1/ 375. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا اجتمع شيئان يوجبان الغسل كالحيض والجنابة أو التقاء الختانين والإنزال ونواهما بطهارته أجزأه عنهما قاله أكثر أهل العلم منهم عطاء وأبو الزناد وربيعة ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. ولأنهما سببان يوجبان الغسل فأجزأ الغسل الواحد عنهما كالحدث والنجاسة]. المغني 1/ 163. وقال بعض أهل العلم لا يجزئه غسل واحد ولا بد من غسلين وعلى هذا ابن حزم الظاهري والشيخ الألباني وغيرهما. انظر المحلى 1/ 289، تمام المنة 126 - 127. والصحيح القول الأول أنه يكفي غسل واحد في هذه الحالة لأن مراد الشارع يتحقق بحصول الفعل وقد حصل بالغسل مرة واحدة فالمراد أن يتطهر الإنسان وقد تطهر ولا حاجة للاغتسال مرة ثانية. قال الإمام النووي: [ولو نوى بغسله غسل الجنابة والجمعة حصلا جميعاً هذا هو الصحيح] المجموع 3/ 326. وضعف الإمام النووي القول المخالف. وكذلك يقال فيمن نوى بغسله للجنابة رفع الحدث الأصغر أيضاً يصح لأن الله تعالى يقول: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) سورة المائدة آية 6.

ولم يذكر وجوب الوضوء ولا وجوب نيته وهذا هو القول الراجح على أنه يجزئ إذا نوى رفع الحدث الأكبر أدى عن الأصغر لأن الله تعالى لم يذكر شيئاً آخر سوى أن يتطَّهر الإنسان] تعليق الشيخ ابن عثيمين على قواعد ابن رجب 1/ 144. وقال الإمام البيهقي: [باب الدليل على دخول الوضوء في الغسل.]. ثم ساق الأحاديث في غسل النبي - صلى الله عليه وسلم -. سنن البيهقي 1/ 177 - 178. وأما النوع الثاني: وهو أن تحصل له إحدى العبادتين بنيتها وتسقط عنه الأخرى فمن ذلك إذا دخل شخص المسجد وقد أقيمت صلاة الفجر فصلى مع الجماعة فإنه ينوي الفريضة ولا بد وتسقط عنه تحية المسجد. لأن تحية المسجد تحصل بأداء الفريضة نوى التحية أولم ينوها لأن المراد شغل البقعة بالعبادة كما ثبت في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: [إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين] رواه البخاري ومسلم. وكذلك إذا دخل المسجد قبل إقامة صلاة الظهر ولا يتسع الوقت لصلاة سنة الظهر القبلية وصلاة تحية المسجد فإنه يصلي السنة الراتبة وتجزؤه عن تحية المسجد. قال ابن نجيم الحنفي: [. وسنة الوضوء وتحية المسجد وينوب عنها كل صلاة أداها عند الدخول. كذلك تنوب عنها كل صلاة فرضاً كانت أو نفلاً] الأشباه والنظائر 1/ 123. ومن ذلك إذا أخر طواف الإفاضة إلى وقت مغادرته مكة فطاف فيجزؤه عن طواف الوداع. النوع الثالث: لا يصح التشريك في النية في عبادتين مقصودتين لذاتهما كأن ينوي شخص أداء فريضة الظهر وأربع ركعات السنة القبلية فهذا لا يصح ولا يجزئ لأنهما عبادتان مستقلتان لا تندرج إحداهما في الأخرى ومثل ذلك لو نوى بصلاة العصر أدائها وقضاء صلاة الظهر فإن ذلك لا يصح ولا يجزؤه.

ومثل ذلك من ينوي بصيام الستة من شوال القضاء وصيام الستة معاً فهذا لا يجزئ لأن صوم القضاء عبادة مستقلة وصيام الستة من شوال عبادة مستقلة فلا يصح التداخل بينهما وينبغي على الشخص في هذه الحالة أن يحدد بنيته أي العبادتين يريد فإما أن ينوي القضاء مستقلاً وإما أن ينوي صيام الستة من شوال مستقلة وأما الجمع بينهما بنية واحدة فلا يصح ولا يجزئ عنهما. فإذا فعل ذلك فاختلف العلماء عن أي العبادتين يقع؟ والأقرب أنه يقع عن القضاء لأنه فرض ولا يقع عن صيام الستة من شوال لأنها مندوبة والعبادة الأوجب لها الأولوية. انظر مقاصد المكلفين ص 257.

الحج

الحج

تكفير الحج للذنوب

تكفير الحج للذنوب يقول السائل: إنه يريد أداء فريضة الحج وقد قارف كثيراً من المعاصي والآثام في أيامه السابقة فهل الحج يكفر هذه الذنوب كما جاء في الحديث إن الحاج يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أن على من أراد الحج المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والخطايا لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة النور الآية 31. وحقيقة التوبة الإقلاع عن الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزيمة على عدم العودة إليها. وإن كان عنده مظالم للناس فعليه أن يردها وأن يتحلل منها قبل سفره لما صح في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحللها من صاحبه من قبل أن يؤخذ منه حين لا يكون دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري. وعليه أن يقضي ديونه فإن لم يتمكن من قضائها فعليه أن يوكل بقضائها وعليه أن يترك لأهله نفقة تكفيهم حال غيابه ويجب عليه أن يسعى لإرضاء والديه ومن يتوجه عليه بره وطاعته.

ويجب أن تكون نفقته للحج ولغيره حلالاً طيباً لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) سورة البقرة الآية 267. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً) رواه مسلم انظر التحقيق والإيضاح ص10 - 11. ومما تجب العناية به على من أراد الحج أن يتعلم الأحكام الشرعية اللازمة للحج وللسفر ونحوها. قال الإمام النووي: [إذا أراد سفر حج أو غزو لزمه تعلم كيفيتهما إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها ويستحب لمن يريد الحج أن يستصحب معه كتاباً واضحاً في المناسك جامعاً لمقاصدها ويديم مطالعته ويكررها في جميع طرقه لتصير محققة عنده. ومن أخل بهذا من العوام يخاف أن لا يصح حجه لإخلاله بشرط من شروط أركانه ونحو ذلك. وربما قلد بعضهم بعض عوام مكة وتوهم أنهم يعرفون المناسك محققة فاغتر بهم وذلك خطأ فاحش] المجموع 4/ 386. وهناك أحكام وآداب أخرى ينبغي للمسلم أن يتحلى بها وليس هذا محل بحثها. وأما جواب السؤال فأقول إن الحديث الذي أشار إليه السائل هو ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه] رواه البخاري ومسلم. وهذا الحديث عام مخصوص على الصحيح من أقوال أهل العلم فإن الحج وغيره من الطاعات كالوضوء والصلاة والعمرة تكفر صغائر الذنوب دون كبائرها ولا أثر للطاعات في إسقاط حقوق العباد فلا بد من رد الحقوق لأصحابها ولا بد للمسلم من التوبة الصادقة من كبائر الذنوب. قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) سورة التحريم الآية 8.

وقال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة النور الآية 31. قال الحافظ ابن عبد البر: [ولو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البر مكفرةً للكبائر والمتطهر المصلي غير ذاكر لذنبه الموبق ولا قاصد إليه ولا حضره في حينه ذلك أنه نادم عليه ولا خطرت خطيئته المحيطة به بباله لما كان لأمر الله عز وجل بالتوبة معنى ولكان كل من توضأ وصلى يشهد له بالجنة بأثر سلامه من الصلاة وإن ارتكب قبلها ما شاء من الموبقات الكبائر وهذا لا يقوله أحد ممن له فهم صحيح وقد أجمع المسلمون أن التوبة على المذنب فرض والفروض لا يصح شيء منها إلا بقصد ونية واعتقاد أن لا عودة فأما أن يصلي وهو غير ذاكر لما ارتكب من الكبائر وغير نادم على ذلك فمحال فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الندم توبة) - رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح قاله الشيخ الألباني - وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة إلى ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر). وفي رواية أخرى قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن من الخطايا ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما لمن اجتنب الكبائر) رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح. ومما سبق يتضح لك أن الصغائر تكفر بالصلوات الخمس لمن اجتنب الكبائر فيكون على هذا معنى قول الله عز وجل: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) الصغائر بالصلاة والصوم والحج وأداء الفرائض وأعمال البر وإن لم تجتنبوا الكبائر ولم تتوبوا منها لم تنتفعوا بتكفير الصغائر إذا واقعتم الموبقات المهلكات والله أعلم. وهذا كله قبل الموت فإن مات صاحب الكبيرة فمصيره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه فإن عذبه فبجرمه وإن عفا عنه فهو أهل العفو وأهل المغفرة. وإن تاب قبل الموت وقبل حضوره ومعاينته واعتقد أن لا يعود

واستغفر ووجل كان كمن لم يذنب وبهذا كله الآثار الصحاح عن السلف قد جاءت وعليه جماعة علماء المسلمين] فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ الإمام مالك 1/ 55 - 57 بتصرف. وهذا الذي بينه الحافظ ابن عبد البر هو القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى ذلك يحمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وهو من أحاديث الأربعين نووية. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [وقد حكى ابن عطية في تفسيره في معنى هذا الحديث قولين. الثاني: أنه تكفر الصغائر مطلقاً ولا يكفر الكبائر إن وجدت لكن يشترط التوبة من الصغائر وعدم الإصرار عليها.]. ثم قال الحافظ ابن رجب: [والصحيح قول الجمهور أن الكبائر لا تكفر بدون التوبة لأن التوبة فرض على العباد وقد قال عز وجل: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة الحجرات الآية 11] جامع العلوم والحكم 214 - 216. ولا يصح التمسك بظاهر قوله تعالى (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) سورة هود الآية 114. على أن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة وصغيرة. وعند جمهور أهل العلم لا بد من تقييد ذلك بما صح في الحديث من قول - صلى الله عليه وسلم -: [إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر} وغيره من الأحاديث المقيدة لمطلق الآية. انظر فتح الباري 9/ 427. وبناءاً على ما تقدم فإن الحج يكفر صغائر الذنوب مطلقاً وأما الكبائر المتعلقة بحقوق الناس فإن كانت مالية كدين عليه أكله ظلماً وعدواناً فلا يكفره الحج ولا بد من وفاء دينه. وأما الكبائر المتعلقة بحق الله تعالى فإن كانت مثل الإفطار في رمضان بغير عذر فيجب عليه قضاؤه ولا يكفره الحج.

لا يجوز الحج بالمال الحرام

وإن كانت مثل تأخير الصلاة عن وقتها لغير عذر فإن الحج يكفره وعليه أن يتوب توبة صادقة. قال الإمام الترمذي: [هو مخصوص - أي حديث أبي هريرة - بالمعاصي المتعلقة بحق الله تعالى خاصة دون العباد ولا تسقط الحقوق أنفسها فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوها من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه لأنها حقوق لا ذنوب وإنما الذنوب تأخيرها فنفس التأخير يسقط بالحج لا هي نفسها فلو أخرها بعده تجدد إثم آخر فالحج المبرور يسقط إثم المخالفة لا الحقوق] الفتح الرباني 19/ 7. لا يجوز الحج بالمال الحرام يقول السائل: إنه فاز بمبلغ من المال في اللوتو " اليانصيب " ويريد أن يحج من ذلك المال ويتصدق ببعضه على الفقراء والمحتاجين فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن اليانصيب أو اللوتو شكل من أشكال القمار المحرم بنص كتاب الله تعالى حيث قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) سورة المائدة الآيات 90 - 91. وهذا المال الذي حصل عليه هذا الشخص من اللوتو مال حرام لأنه مكتسب بطريق محرم وهو القمار أو الميسر حيث إن اللوتو أو اليانصيب يعتمد على الحظ وقد ورد عن محمد بن سيرين ومجاهد وعطاء أنهم قالوا: [الميسر كل شيء فيه حظ] انظر الميسر والقمار ص 28. وينبغي على السائل أن يتخلص من هذا المال الحرام بصرفه كله إلى الفقراء والمساكين أو صرفه في مصالح المسلمين العامة كبناء مدرسة أو

مستشفى أو إصلاح طريق ونحو ذلك ولا يحل له أن ينتفع به هو وأهله وعياله ولا يحل له أن يحتفظ بهذا المال لأنه اكتسبه من طريق غير مشروع. وقد نص كثير من أهل العلم على أن التخلص من المال الحرام يكون بالتصدق به فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: [عن رجل مرابٍ خلَّف مالاً وولداً وهو يعلم بحاله فهل يكون المال حلالاً للولد بالميراث؟ أم لا؟ فأجاب: أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربا فيخرجه إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن وإلا تصدق به. والباقي لا يحرم عليه.] مجموع الفتاوى 29/ 307. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [عن امرأة كانت مغنية واكتسبت في جهلها مالاً كثيراً وقد تابت. فهل هذا المال الذي اكتسبته. إذا أكلت وتصدقت منه تؤجر عليه؟ فأجاب بأن هذا المال لا يحل للمغنية التائبة ولكن يصرف في مصالح المسلمين. إلخ) انظر مجموع الفتاوى 29/ 308 - 309. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [عن الرجل يختلط ماله الحلال بالحرام؟ فأجاب بأنه يخرج قدر المال الحرام فيرده إلى صاحبه وإن تعذر عليه ذلك تصدق به] مجموع الفتاوى 29/ 308. وقال الشيخ القرطبي عند تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة الآية 297. ما نصه: [قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت رباً فليردها على من أربى عليه ويطلبه إن لم يكن حاضراً فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك.

وإن أخذ بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه فإن التبس عليه الأمر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب رده حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عٌرف ممن ظلمه أو أربى عليه فإن أيس من وجوده تصدق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبداً لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين.] تفسير القرطبي 3/ 366. ومما يدل على ذلك ما رواه أبو داود بإسناده عن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على القبر يوصي الحافر أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه. فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوك لقمة في فمه ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها. فأرسلت المرأة فقالت: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إليَّ بها بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إليَّ بها. فقال: أطعميه الأسارى] وسكت عليه أبو داود والمنذري وقال الشيخ الألباني: رواه ابن منده في المعرفه ثم قال: وهذا سند صحيح. سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 394 وانظر المشكاة 3/ 1672. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتصدق بالشاة المطبوخة التي قدمت له ولأصحابه لما علم أن الشاة أخذت بغير إذن صاحبها. قال العلامة علي القاري: [فظهر أن شراءها غير صحيح لأن إذن جارها ورضاه غير صحيح] مرقاة المفاتيح 10/ 297. ومما يدل على ذلك أيضاً ما تعددت به الروايات في قصة رهان

أبي بكر - رضي الله عنه - لبعض الكفار عندما نزل قوله تعالى: (الم، غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بضع سنين) سورة الروم الآيات 1 - 3. وجاء في بعض روايات هذه الحادثة: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: (هذا سحت فتصدق به) وكان هذا قبل تحريم القمار كما قال القرطبي، وقد ذكر ابن كثير والقرطبي عدة روايات لهذه الحادثة. تفسير القرطبي 14/ 2 - 4، تفسير ابن كثير 3/ 422 - 424. وقال الإمام ابن كثير بعد أن ساق عدداً من روايات هذه الحادثة: [وقد روي نحو هذا مرسلاً عن جماعة من التابعين مثل عكرمة والشعبي ومجاهد وقتادة والسدي والزهري وغيرهم] تفسير ابن كثير 3/ 423. وقد قاس بعض أهل العلم التخلص من المال الحرام بالتصدق به قاسوه على اللقطة إن تعذر ردها إلى مالكها فإن الملتقط يتصدق بها. انظر أحكام المال الحرام ص 362. وينبغي أن يعلم أن إخراج المال الحرام والتحلل منه ودفعه إلى الفقراء والمساكين ويسمى هذا الدفع صدقة بالنظر إلى الفقير لا بالنظر إلى المعطي ذلك أن التائب من المال الحرام بإخراجه إلى الفقراء والمساكين لأجل أن تقبل توبته لا لأجل الأجر والثواب فهذا الإخراج من مكملات التوبة وشروطها ولا أجر لهذا الشخص في تخلصه من المال الحرام. أحكام المال الحرام ص 411 - 412. ولا ينبغي لك أيها السائل أن تحج من هذا المال الحرام فالحج من أعظم الطاعات فينبغي أن يكون المال الذي ينفق فيه من أطيب المال وأحله. يقول الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) سورة البقرة الآية 117. ويقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) سورة المائدة الآية 27. ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (إن الله تبارك وتعال يقبل الصدقات ولا يقبل

الخاطب ليس محرما لخطيبته في الحج

منها إلا الطيب) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح وقال الإمام البغوي: هذا حديث صحيح. شرح السنة 6/ 130. وفي حديث آخر قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً ولا يصعد إلى السماء إلا الطيب كأنما يضعها في يد الرحمن.) رواه الشافعي وإسناده حسن. وفي حديث آخر قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ما تصدق أحد من صدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه. الحديث) متفق عليه. الخاطب ليس محرماً لخطيبته في الحج يقول السائل: رجل خاطب وأرادت خطيبته وأم خطيبته الذهاب إلى الحج أو العمرة فهل يكون هذا الرجل محرماً لها ولأمها؟ الجواب: من المعلوم عند أهل العلم أن الخطبة مقدمة للزواج وهي مجرد وعد بالزواج وليست زواجاً. وبناءاً على ذلك فيعتبر كل من الخاطب والمخطوبة أجنبياً عن الآخر فلا يحل لهما الاختلاط دون وجود محرم وما يفعله كثير من الخاطبين اليوم من الذهاب إلى الأماكن العامة والجلوس على انفراد والذهاب والإياب معاً مخالف للشرع لأن الخاطب ما زال أجنبياً عن المخطوبة ولا يحل له من المخطوبة سوى ما أباحه الشرع الحكيم ألا وهو النظر عند الخطبة فقد جاء في الحديث عن جابر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا خطب أحدكم المرأة فاستطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ووافقهما الألباني. وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (انظر إليها فإنه

تجوز العمرة قبل أن يحج حجة الفرض

أحرى أن يؤدم بينكما) رواه النسائي والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديث صحيح. ومعنى يؤدم بينكما: أن تقع الألفة والملائمة بينكما. والخاطب لا يكون محرماً لمخطوبته ولا لأمها في السفر سواء كان لحج أو عمرة أو لغيرهما لأنه أجنبي عنهما ولا يجوز له السفر بهما فقد جاء في الحديث عن ابن عمر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم) رواه مسلم. وجاء في حديث آخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجةً وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا. قال: انطلق فحج مع امرأتك) رواه البخاري ومسلم. وأخيراً ينبغي التنبيه على أن كثيراً من عامة الناس في بلادنا يطلقون لفظ الخاطب على من كان قد عقد الزواج ولم يدخل بزوجته فإن كان الأمر كذلك فمن عقد على امرأته ولم يدخل بها فهي زوجته شرعاً فيجوز له أن يسافر بها وهو محرم على أمها فيجوز لها أن تسافر معه. تجوز العمرة قبل أن يحج حجة الفرض يقول السائل: إنه يريد أن يسافر إلى مكة المكرمة لأداء العمرة وينوي أن يعتمر بعد ذلك عن أبيه الميت فقال له بعض الناس لا يجوز لك أن تعتمر عن أبيك حتى تحج عن نفسك والسائل لم يحج عن نفسه حتى الآن فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن فضل العمرة عظيم وثوابها كبير فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (العمرة إلى العمرة

كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه البخاري مسلم. ويجوز للمسلم أن يعتمر قبل أن يحج وقد فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب من اعتمر قبل الحج] ثم روى بإسناده عن ابن جريح أن عكرمة بن خالد سأل ابن عمر رضي الله عنهما عن العمرة قبل الحج فقال: لا بأس. قال عكرمة قال ابن عمر: اعتمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يحج. صحيح البخاري مع فتح الباري 8/ 348. وقد أجاز العلماء أن يحج المسلم وأن يعتمر عن غيره كأمه وأبيه وزوجته وإخوته وغيرهم. فقد جاء في الحديث عن ابن عباس أن امرأة من خثعم قالت: (يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره. قال: فحجي عنه) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: حج عن أبيك واعتمر) رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح وإنما ذكرت العمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث أن يعتمر الرجل عن غيره] سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي 3/ 127. فقد دل الحديث السابق على جواز أن يعتمر الشخص عن غيره ولا أعلم أحداً من أهل العلم يشترط فيمن يعتمر عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه فإن هذا الاشتراط هو في الحج فقط فمن أراد أن يحج عن غيره فينبغي أن يكون قد حج عن نفسه كما هو مذهب جمهور أهل العلم لما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: لبيك اللهم عن شبرمة. قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب. قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن

شبرمة) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان والبيهقي وقال: هذا إسناد صحيح ليس في هذا الباب أصح منه. ومال إلى تصحيحه الحافظ ابن حجر وصححه الشيخ الألباني أيضاً. وما دام السائل يريد أن يعتمر عن نفسه أولاً فلا بأس أن يعتمر عن أبيه بعد ذلك وإن لم يكن قد حج عن نفسه ولا ارتباط بين الأمرين في هذا. وإن قلنا بقياس العمرة على الحج في أنه يشترط فيمن يحج عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه فنقول ينبغي لمن أراد أن يعتمر عن غيره أن يكون قد اعتمر عن نفسه وهذا هو الغالب من حال المعتمرين إذ المعهود أن يعتمر الإنسان عن نفسه أولاً ثم يعتمر عن غيره ثانياً.

الأضحية

الأضحية

كيفية توزيع الأضحية

كيفية توزيع الأضحية يقول السائل: كيف توزع الأضحية؟ الجواب: قال أهل العلم يكون التصرف بالأضحية بالأكل والصدقة والهدية وتفصيل ذلك كما يلي: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأكل من الأضحية مندوب. وقد استدلوا بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (. فكلوا وادخروا وتصدقوا) متفق عليه. وما ورد في حديث جابر - رضي الله عنه - أنه عليه الصلاة والسلام قال: (. كلوا وتزودوا) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: (. كلوا وتزودوا وادخروا). وقد حمل الجمهور الأوامر في هذه الأحاديث على الندب، لأن الأمر فيها جاء بعد الحظر فيحمل على الندب أو الإباحة. قال الحافظ ابن عبد البر: [وأما قوله: (فكلوا وتصدقوا وادخروا) فكلام خرج بلفظ الأمر، ومعناه الإباحة لأنه أمر ورد بعد نهي، وهكذا شأن كل أمر يرد بعد حظر أنه إباحة لا إيجاب] الاستذكار 15/ 173.

وأما مقدار الأكل فقال الحنفية والحنابلة: يأكل ثلثها ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها. ولو أكل أكثر من الثلث جاز. بدائع الصنائع 4/ 223، المغني 9/ 448. وجاء عن الشافعي أنه يستحب قسمتها أثلاثاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كلوا وتصدقوا وأطعموا) فتح الباري 12/ 123. واحتج ابن قدامة المقدسي بما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - في صفة أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ويطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث ويتصدق على السؤَّال بالثلث] رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال: حديث حسن. المغني 9/ 448 - 449. وقالوا لأنه قول ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما ولم نعرف لهما مخالفاً من الصحابة فكان إجماعاً كما قال ابن قدامة في المغني 9/ 449. ومن أهل العلم من استحب أن يأكل نصفاً ويطعم نصفاً لقول الله تعالى في الهدايا: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) سورة الحج الآية 36. وأما الإمام مالك فلم يحدد في ذلك شيئاً ويقول: يأكل ويتصدق. والدليل على أنه لا تحديد في المسألة بل الأمر على الاستحباب حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: (ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحيته ثم قال: يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية. قال: فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة) رواه مسلم. ويستحب لمن أراد أن يضحي في يوم الأضحى أن يخرج إلى صلاة العيد ولا يأكل شيئاً حتى يصلي ثم يذبح أضحيته فيأكل منها وهذا قول أكثر العلماء. قال الشيخ ابن قدامة: [. ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي وهذا قول أكثر أهل العلم منهم علي وابن عباس ومالك والشافعي وغيرهم لا نعلم فيه خلافاً]. المغني 2/ 275.

ومما يدل على ذلك ما جاء في الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) رواه الترمذي، ثم قال: [وقد استحب قوم من أهل العلم أن لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم شيئاً ويستحب له أن يفطر على تمر ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع]. والحديث رواه أيضاً ابن ماجة وابن حبان وقال الشيخ الألباني: صحيح. سنن الترمذي مع شرحه التحفة 3/ 80، صحيح سنن الترمذي 1/ 168 والحكمة في امتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأكل قبل الصلاة يوم الأضحى هي: [ليكون أول ما يطعم من لحم أضحيته فيكون مبنياً على امتثال الأمر] المرقاة 3/ 544 - 545. وقال الإمام أحمد: [والأضحى لا يأكل فيها حتى يرجع إذا كان له ذبح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من ذبيحته وإذا لم يكن له ذبح لم يبالِ أن يأكل] المغني 2/ 275. وقال الشعبي: [إن من السنة أن تطعم يوم الفطر قبل أن تغدو، وأن تؤخر الطعام يوم النحر حتى ترجع]. وقال سعيد بن المسيب: [كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل المصلى ولا يفعلون ذلك يوم النحر] الاستذكار 7/ 40. وأما التصدق منها فقال الحنفية والمالكية إن التصدق من الأضحية مندوب وليس بواجب. وحجتهم ما سبق في الأكل من الأضحية وهو أرجح أقوال العلماء في المسألة. ويتصدق منها على المسلمين من الفقراء والمحتاجين ويهدي إلى الأقارب والأصدقاء والجيران وإن كانوا أغنياء. ونقل النووي عن ابن المنذر قوله: [أجمعت الأمة على جواز إطعام

فقراء المسلمين من الأضحية واختلفوا في إطعام فقراء أهل الذمة فرخص فيه الحسن البصري وأبو حنيفة وأبو ثور. وقال مالك: غيرهم أحب إلينا. وكره مالك أيضاً إعطاء النصراني جلد الأضحية أو شيئاً من لحمها. وكرهه الليث قال: فإن طبخ لحماً فلا بأس بأكل الذمي مع المسلمين منه]. ثم قال النووي: [ومقتضى المذهب أنه يجوز إطعامهم من ضحية التطوع دون الواجبة] المجموع 8/ 425. وقال الشيخ ابن قدامة: [ويجوز أن يطعم منها كافراً وبهذا قال الحسن وأبو ثور وأصحاب الرأي. لأنه طعام له أكله فجاز إطعامه للذمي كسائر الأطعمة ولأنه صدقة تطوع فجاز إطعامها للذمي والأسير كسائر صدقة التطوع] المغني 9/ 450. والراجح من أقوال العلماء أنه يجوز إطعام أهل الذمة منها، وخاصةً إن كانوا فقراء أو جيراناً للمضحي أو قرابته أو تأليفاً لقلوبهم. وأما الهدية من الأضحية فقد اتفق أهل العلم على أن الهدية من الأضحية مندوبة. وكثير من العلماء يرون أن يهدي ثلثاً منها كما مرَّ في حديث ابن عباس فإنه يجعل الأضحية أثلاثاً ثلث لأهل البيت وثلث صدقة وثلث هدية. ونقل هذا عن ابن مسعود وابن عمر وعطاء وإسحاق وأحمد وهو أحد قولي الشافعي. ويسن أن يجمع بين الأكل والتصدق والإهداء وأن يجعل ذلك أثلاثاً وإذا أكل البعض وتصدق بالبعض فله ثواب الأضحية بالكل والتصدق بالبعض.

لا يجوز إعطاء الجزار أجرته من الأضحية

لا يجوز إعطاء الجزار أجرته من الأضحية يقول السائل: هل يجوز أن يعطى الجزَّار الذي يتولى ذبح الأضحية أجرته من لحمها؟ الجواب: قال جمهور أهل العلم لا يجوز أن يُعطى الجزَّار شيئاً من الأضحية مقابل ذبحها وسلخها واحتجوا على ذلك بما جاء في الحديث عن علي - رضي الله عنه - قال: (أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه أي الإبل وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزَّار منها. وقال: نحن نعطيه من عندنا) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: (ولا يعطي في جزارتها منها شيئاً). فهذا الحديث يدل على عدم جواز إعطاء الجزَّار منها لأن عطيته عوض عن عمله فيكون في معنى بيع جزء منها وذلك لا يجوز. وأما إن كان الجزَّار فقيراً أو صديقاً فأعطاه منها لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس لأنه مستحق للأخذ فهو كغيره بل هو أولى لأنه باشرها وتاقت نفسه إليها. المغني 9/ 450. ولا يجوز بيع شيء من الأضحية لا لحمها ولا جلدها ولا أطرافها واجبة كانت أو تطوعاً. قال الإمام أحمد: [لا يبيعها ولا يبيع شيئاً منها]. وقال أيضاً: [سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله تبارك وتعالى؟]. ويجوز أن ينتفع بالجلد بأن يجعله سقاءً أو فرواً أو نعلاً أو غير ذلك. فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: [يجعل من جلد الأضحية سقاء ينبذ فيه] ويدل على أنه لا يجوز بيع شيء من الأضحية، بما في ذلك جلدها

حكم الجمع بين الأضحية والعقيقة

وأطرافها. ما ورد في حديث علي - رضي الله عنه - قال: (أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزَّار منها. وقال نحن نعطيه من عندنا) رواه البخاري ومسلم. فقد أمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يتصدق بلحومها وجلودها وجلالها كما أنه قد جعلها قربة لله تعالى فلم يجز بيع شيء منها كالوقف. وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من باع جلد أضحيته فلا أضحية له) رواه الحاكم وقال: حديث صحيح. ورواه البيهقي وقال الشيخ الألباني: حسن. حكم الجمع بين الأضحية والعقيقة يقول السائل: إنه رزق مولوداً ويريد أن يعق عنه عقيقة وسيذبحها يوم عيد الأضحى وينوي بها الأضحية والعقيقة فهل يجوز ذلك؟ وهل تقع الذبيحة عن العقيقة وعن الأضحية؟ الجواب: إذا اجتمعت الأضحية والعقيقة كأن أراد شخصٌ أن يعقَ عن ولده يوم عيد الأضحى كما ورد في السؤال أو في أيام التشريق فلا تجزئ الأضحية عن العقيقة على الراجح من أقوال أهل العلم. وهذا قول المالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد فقد روى الخلال عن عبد الله بن أحمد قال: [سألت أبي عن العقيقة يوم الأضحى تجزئ أن تكون أضحية وعقيقة؟ قال: إما أضحية وإما عقيقة على ما سمّى] وعلى هذه الرواية أكثر الحنابلة. انظر تصحيح الفروع 3/ 565، تحفة المودود ص 68 والذخيرة 4/ 166. وحجة هؤلاء العلماء أن كلاً من الأضحية والعقيقة ذبحان بسببين مختلفين فلا يقوم الواحد عنهما كدم التمتع ودم الفدية.

وقالوا أيضاً إن المقصود بالأضحية إراقة الدم في كل منهما ولا تقوم إراقة مقام إراقتين. وسئل الشيخ ابن حجر المكي عن ذبح شاة أيام الأضحية بنيتها ونية العقيقة فهل يحصلان أو لا؟ فأجاب: [الذي دل عليه كلام الأصحاب وجرينا عليه منذ سنين أنه لا تداخل في ذلك لأن كلاً من الأضحية والعقيقة سنةٌ مقصودةٌ لذاتها ولها سبب يخالف سبب الأخرى والمقصود منها غير المقصود من الأخرى إذ الأضحيةُ فداءٌ عن النفس والعقيقةُ فداءٌ عن الولد إذ بها نُمُّوهُ وصلاحهُ ورجاءُ بِرِّهِ وشفاعته وبالقول بالتداخل يبطل المقصود من كلٍ منهما فلم يمكن القول به نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد وسنة الظهر وسنة العصر وأما تحية المسجد ونحوها فهي ليست مقصودة لذاتها بل لعدم هتك حرمة المسجد وذلك حاصلٌ بصلاة غيرها وكذا صوم نحو الاثنين لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة وذلك حاصلٌ بأي صومٍ وقع فيه. وأما الأضحية والعقيقة فليستا كذلك كما ظهر مما قررته وهو واضح والكلام حيث اقتصر على نحو شاة أو سبع بدنة أو بقرة أما لو ذبح بدنة أو بقرة عن سبعة أسباب منها ضحية وعقيقة والباقي كفارات كنحو الحلق في النسك فيجزي ذلك وليس هو من باب التداخل في شيء لأن كل سبع يقع مجزياً عما نوى به. وفي شرح العباب: لو ولد له ولدان ولو في بطن واحدة فذبح عنهما شاة لم يتأدى بها أصل السنة كما في المجموع وغيره. وقال ابن عبد البر: لا أعلم فيه خلافاً أ. هـ. وبهذا يعلم أنه لا يجزي التداخل في الأضحية والعقيقة من باب أولى لأنه إذا امتنع مع اتحاد الجنس فأولى مع اختلافه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب] الفتاوى الكبرى الفقهية 4/ 256. وذهب بعض العلماء إلى القول بالإجزاء وقد نقل ذلك عن جماعة من فقهاء السلف. فتح الباري 12/ 13 وشرح السنة 11/ 267 والفروع 3/ 567.

الأضحية أفضل من التصدق بثمنها

ورأوا أنه يجوز أن يصلي المصلي ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة ويجوز أن يصلي بعد الطواف فرضاً أوسنة مكتوبة ويقع ذلك عنه وعن ركعتي الطواف وقالوا لو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النحر أجزأ عن دم المتعة وعن الأضحية. تحفة المودود ص 69. والذي أراه راجحاً هو عدم إجزاء الأضحية عن العقيقة وعدم إجزاء العقيقة عن الأضحية لأن كلاً منهما لها سببها الخاص في إراقة الدم ولا تقوم إحداهما مقام الأخرى. والمسائل التي ذكروها ليست مسلَّمةً عند جميع العلماء فحصول عبادتين بنية واحدة أجازه من أجازه من أهل العلم لأنهم عدُّوها من قبيل الوسائل لا المقاصد كما لو نوى بغسله رفع الحدث الأصغر والأكبر أو نوى بالغسل الجمعة والجنابة وخالف في ذلك ابن حزم، وأمَّا حصول تحية المسجد وسنَّة المكتوبة، فلأن تحية المسجد تحصل وإن لم يقصدها وأمَّا ما صححوه من تجويز عبادتين بنيَّةٍ واحدةٍ فالذي يظهر أنَّ الشارع قد اعتبر فيه الأمرين المقصودين ولو لم يقصدهما الفاعل كمن يتصدق على ذي رحمه ينال أجرين: أجر الصدقة وأجر صلة الرحم. انظر مقاصد المكلفين ص 255 - 256. الأضحية أفضل من التصدق بثمنها يقول السائل: أيهما أفضل الأضحية أم التصدق بثمنها؟ الجواب: إن الأضحية شعيرة من شعائر الله وسنة مؤكدة من سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. والمطلوب من المسلم أن يعظم شعائر الله وأن يقتدي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج الآية 32.

وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) سورة الأحزاب الآية 21. لذا كانت الأضحية أفضل من التصدق بثمنها كما هو مذهب جمهور أهل العلم بما فيهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وربيعة وأبو الزناد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم. المجموع 8/ 425 والمغني 9/ 436 ومجموع الفتاوى 26/ 304. روى عبد الرزاق بإسناده عن سعيد بن المسيب قال: [لأن أضحي بشاة أحب إليَّ من أن أتصدق بمئة درهم] المصنف 4/ 338. قال الحافظ ابن عبد البر: [الضحية عندنا أفضل من الصدقة] وذكر أن هذا هو الصحيح من مذهب مالك وأصحابه. فتح المالك 7/ 17 - 18. وقال ابن قدامة: [والأضحية أفضل من الصدقة بقيمتها نص عليه أحمد]. المغني 9/ 436. ونقل عن جماعة من أهل العلم أن التصدق بقيمة الأضحية أفضل فروي عن بلال - رضي الله عنه - قال: [ما أبالي أن لا أضحي إلا بديك ولأن أضعها في يتيم قد ترب فوه أحبُ إليَّ من أن أضحي] وبهذا قال الشعبي وأبو ثور. والقول الأول هو الراجح، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى والخلفاء من بعده ولو علموا أن الصدقة أفضل من الأضحية لعدلوا إليها. ولأن إيثار الصدقة على الأضحية يفضي إلى ترك سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأن فضل الأضحية لا يخفى وما يترتب عليها من منافع شيء عظيم. قال الحافظ ابن عبد البر: [الضحية عندنا أفضل من الصدقة لأن الأضحية سنة وكيدة كصلاة العيد ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من سائر النوافل وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوع كله] فتح المالك 7/ 18.

من تشرع في حقه الأضحية

وقال الإمام النووي: [مذهبنا أن الأضحية أفضل من صدقة التطوع للأحاديث الصحيحة المشهورة في فضل الأضحية ولأنها مختلف في وجوبها بخلاف صدقة التطوع، ولأن الأضحية شعار ظاهر] المجموع 8/ 425. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك فإذا كان معه مال يريد التقرب إلى الله كان له أن يضحي به والأكل من الأضحية أفضل من الصدقة] مجموع الفتاوى 26/ 304. ولا ينبغي لأحد أن يؤثر الصدقة على الأضحية لكون الصدقة أخف مئونة ولما في الأضحية من المشقة من حيث شراؤها والعناية بها وحفظها إلى أن يذبحها ولما في ذبحها وتوزيع بعضها من العناء والتعب فالمسلم له الأجر والثواب على كل ذلك إن أخلص نيته لله تعالى. منْ تشرع في حقه الأضحية يقول السائل: في حق من تشرع الأضحية؟ الجواب: يرى الحنفية أنه يشترط في المضحي أن يكون غنياً أي مالكاً لنصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية، ودليلهم على ذلك ما ورد في الحديث: (من وجد سعةً فلم يضح فلا يقربنَّ مصلانا) فالرسول - صلى الله عليه وسلم - شرط عليه السعة وهي الغنى وهو أن يكون في ملكه مئتا درهم أو عشرون ديناراً أو شيء تبلغ قيمته ذلك سوى مسكنه وما يتأثث به وكسوته وكسوة من يمونهم .. تبيين الحقائق 6/ 3. وقال المالكية إن الأضحية لا تسن في حق الفقير الذي لا يملك قوت عامه وتشرع بحيث لا تجحف بمال المضحي بأن لا يحتاج لثمنها في ضرورياته في عامه فإن احتاج فهو فقير وقالوا إن من ليس معه ثمن الأضحية فلا يتسلف ليضحي. الذخيرة 4/ 142، شرح الخرشي 3/ 33. وقال الشافعية تشرع الأضحية في حق من ملك ثمنها فاضلاً عن

تجوز الاستعانة في ذبح الأضحية

حاجته وحاجة من يمونه في يومه وليلته وكسوة فصله أي ينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق. مغني المحتاج 6/ 123. وأما الحنابلة فقالوا تشرع الأضحية في حق القادر عليها الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدَّين إذا كان يقدر على وفاء دينه. كشاف القناع 3/ 18. والذي أرجحه أن الأضحية مشروعة في حق الغني الذي يملك نصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية ومقداره في وقتنا الحالي (سنة 1420هجرية وفق 1999 م) حوالي خمسمائة وخمسون ديناراً أردنياً وثمن ما يصح أضحية لا يقل عن مائة وخمسين ديناراً تقريباً ومن لا يملك النصاب فهو فقير. تجوز الاستعانة في ذبح الأضحية يقول السائل: ما حكم الاستعانة في ذبح الأضحية والإنابة في ذبحها؟ الجواب: يجوز لمن أراد أن يذبح أضحيته أن يستعين بغيره ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن أبي الخير: (أن رجلاً من الأنصار حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أضجع أضحيته ليذبحها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: للرجل أعنِّي على أضحيتي فأعانه) رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ ابن حجر: ورجاله ثقات. مجمع الزوائد 4/ 25 وفتح الباري 12/ 115 وذكر الإمام البخاري تعليقاً: [وأعان رجل ابن عمر في بدنته]. وقال الحافظ ابن حجر: [أي عند ذبحها وهذا وصله عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: رأيت ابن عمر ينحر بدنة بمنى وهي باركة معقولة ورجلٌ يمسك بحبل في رأسها وابن عمر يطعن] فتح الباري 12/ 115.

وأما الإنابة في ذبح الأضحية فجائزة وينبغي أن يوكل في ذبحها صاحب دين له معرفة بالذبح وأحكامه. قال القرافي: [كان الناس يتخيرون لضحاياهم أهل الدين لأنهم أولى بالتقرب فإن وكَّل تارك صلاة استحب له الإعادة للخلاف في حل ذكاته] الذخيرة 4/ 155. ولا ينبغي أن يوكل فاسقاً في ذبحها ولا ذمياً فإن فعل جاز مع الكراهة على قول جمهور أهل العلم. وينبغي أن يعلم أن بعض المسلمين من الموسرين من دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا يوكلون لجان الزكاة في بلادنا في التضحية عنهم ويدفعون أثمان الأضاحي لدى بعض الجمعيات الخيرية في بلادهم ثم تنقل هذه المبالغ إلى لجان الزكاة في فلسطين والتي تتولى شرائها ومن ثم ذبحها وتوزيعها على الناس ولا بد هنا من بيان بعض الأمور التي يجب أن تتنبه لها لجان الزكاة: أولاً: يجب أن تكون الأضحية مستكملة للشروط الشرعية ولذا يجب إعلام أمثال هؤلاء الناس قبل وقت الأضحية بثمن الضحايا في بلادنا لأن أسعارها تختلف من بلد إلى آخر فيمكن أن نشتري أضحية مجزئة بثمانين ديناراً في عمان ونحتاج إلى ضعف هذا المبلغ في فلسطين لشراء أضحية مجزئة ولا يصح أن نشتري أضاحي غير مستكملة للشروط الشرعية بحجة أن المبلغ الذي دفع لا يشترى به أضحية مستكملة للشروط ولا يجوز جمع المبالغ القليلة لشراء شاة واحدة لأن الاشتراك في الشاة لا يصح. ثانياً: لا بد من الالتزام بذبح هذه الأضاحي في الوقت المقرر شرعاً وإن تأخر وصول أثمان الأضاحي من الخارج لا يعتبر عذراً في ذبح الأضاحي بعد مضي وقتها المقرر شرعاً فإن حصل ذلك فلا تعد أضحية. وإن لم يتم ذبحها في الوقت المقرر شرعاً فيجب إعلام الذين دفعوا ثمنها أنه لم يتم التضحية عنهم.

حكم تخدير الدجاج قبل ذبحه

ثالثاً: يجب الالتزام بتوزيع تلك الأضاحي على الفقراء والمحتاجين أولاً لأن الغالب في الناس الذين يبعثون بأثمان الأضاحي أنهم يقصدون التصدق بها على الفقراء والمحتاجين فلذلك فإني أكره أن يُعطى الأغنياء منها. حكم تخدير الدجاج قبل ذبحه يقول السائل: إنه صاحب مسلخ للدواجن ويقوم بذبح الدجاج حسب أحكام الشريعة الإسلامية ويكون الدجاج معلقاً على خط الإنتاج إلا أن الدجاجة وبعد ذبحها تقوم بالرفرفة الشديدة مما يعرّض أجنحتها للتكسير وتصبح غير قابلة للتسويق نتيجة تكسر الأجنحة وحدوث احمرار تحت الجناح وحتى يتم التغلب على هذه المشكلة يمرر الدجاج وهو معلق على حوض ماء به كهرباء بقوة خفيفة فيلامس منقار الدجاجة حوض الماء المكهرب فتصبح الدجاجة في حالة تخدير إلا أنها بوعيها وعلى قيد الحياة وتتحرك عيناها حركة طبيعية إلا أن حركتها تكون ضعيفة وتبقى الدجاجة على هذا الحال عدة دقائق وتعود إلى طبيعتها فيما لو لم تذبح أرجو بيان الحكم الشرعي في مشروعية هذا الذبح؟ الجواب: إذا كانت الصعقة الكهربائية لم تؤد إلى قتل الدجاجة وتم بعد ذلك ذبحها بالطريقة الشرعية فإن هذه الطريقة جائزة شرعاً ولا بأس بها ولكن يجب التأكيد على أن الصعقة الكهربائية لم تقتل الدجاجة فإن قتلت الدجاجة من الصعقة الكهربائية فهي حينئذ ميتة كما ويجب الانتباه إلى أن تكون هنالك مدة من الوقت بعد ذبح الدجاجة وقبل إدخالها في الماء حتى لا تموت الدجاجة خنقاً ولكي يسيل الدم منها.

المعاملات

المعاملات

تقضى الديون بأمثالها لا بقيمتها

تقضى الديون بأمثالها لا بقيمتها يقول السائل: إنه اشترى سيارة بمبلغ تسعين ألف شيكل ودفع بعض ثمنها للبائع واتفقا على أن يسدد الباقي بعد شهر ثم هبطت قيمة الشيكل ويطالبه البائع الآن بتسديد الثمن حسب سعر صرف الشيكل بالنسبة للدينار في يوم الشراء فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا يجوز للبائع أن يطالب بتسديد ثمن السيارة حسب سعر صرف الشيكل بالنسبة للدينار في يوم شراء السيارة لأن الدين قد استقر في ذمة المشتري وهو تسعون ألف شيكل فعلى المشتري أن يسدد الثمن الذي استقر في ذمته عدداً لا قيمةً أي تسعون ألف شيكل فقط. وهذا مذهب أكثر الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وكثير من الفقهاء والعلماء المعاصرين حيث إنهم يرون أن الدين إذا استقر في ذمة المشتري بمقدار محدد فالواجب هو تسديد ذلك المقدار بدون زيادة أو نقصان فالديون تقضى بأمثالها في حالة الرخص والغلاء ولا تقضى بقيمتها جاء في المدونة: [كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا] المدونة 4/ 25. وقال أبو إسحاق الشيرازي: [ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل لأن مقتضى القرض رد المثل] المهذب مع المجموع 12/ 185.

تغير قيمة العملة

وقال الكاساني: [ولو لم تكسد - النقود - ولكنها رخصت قيمتها أو غلت لا ينفسخ البيع بالإجماع وعلى المشتري أن ينقد مثلها عدداً ولا يلتفت إلى القيمة هاهنا] بدائع الصنائع 5/ 542. وقال الشيخ ابن عابدين في رسالته عن النقود: [. لأن الإمام الإسبيجاني في شرح الطحاوي قال: وأجمعوا على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد] رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود 2/ 60 ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين. ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً وجوب رد المثل بلا زيادة. مجموع الفتاوى 29/ 535. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 3/ 2261. وقد يقول بعض الناس إن رد المثل في القرض والديون فيه ضررٌ للمقرض والبائع فنقول لهم: إن الضرر لا يزال بضرر مثله كما قرر ذلك الفقهاء. تغير قيمة العملة يقول السائل: هل صاحب العمل ملزم شرعاً بتعويض عمّاله في حالة نقص قيمة العملة كما حصل مؤخراً؟ الجواب: إن صاحب العمل غير ملزم شرعاً بتعويض العامل عن النقص الحاصل بسبب رخص العملة كما أن العامل غير ملزم برد أي شيء من أجره إذا ارتفعت قيمة العملة.

ولكن لما كان الطابع العام هو انخفاض قيمة العملة المستعملة حالياً وهي الشيكل فلا مانع شرعاً من أن يكون هنالك اتفاقٌ بين صاحب العمل والعامل على تعديل أجر العامل دورياً مثلاً كل شهر أو شهرين بنسبة تعادل انخفاض قيمة العملة. كأن يتفق العامل مع صاحب العمل على أن يعطيه زيادة على أجره كل آخر شهر بنسبة 2% أو 3% أو نحو ذلك من أجل المحافظة على أجر العامل من انخفاض قوته الشرائية. وسبق لمجمع الفقه الإسلامي أن ناقش هذه القضية وأصدر القرار التالي: [يجوز أن تتضمن أنظمة العمل واللوائح والترتيبات الخاصة بعقود العمل التي تتحدد فيها الأجور بالنقود شرط الربط القياسي للأجور على أن لا ينشأ عن ذلك ضرر للاقتصاد العام. والمقصود هنا بالربط القياسي للأجور تعديل الأجور بصورة دورية تبعاً للتغير في مستوى الأسعار وفقاً لما تقدره جهة الخبرة والاختصاص والغرض من هذا التعديل حماية الأجر النقدي للعاملين من انخفاض القدرة الشرائية لمقدار الأجر بفعل التضخم النقدي وما ينتج عنه من الارتفاع المتزايد في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات. وذلك لأن الأصل في الشروط الجواز إلا الشرط الذي يحل حراماً أو يحرم حلالاً] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 8 ج 3 ص 787. بيع المزايدة يقول السائل: ما حكم بيع المزايدة وما الفرق بينه وبين البيع على بيع أخيه؟ الجواب: بيع المزايدة هو أن ينادى على السلعة ويزيد فيها بعضهم

على بعض حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها. القوانين الفقهية ص 175. وبيع المزايدة مشروع وجائز ويدخل في عموم قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) ومما يدل على مشروعيته ما يلي: 1. قال الإمام البخاري في صحيحه: (باب بيع المزايدة) ثم ذكر قول عطاء بن أبي رباح من أئمة التابعين: [أدركت الناس لا يرون بأساً في بيع المغانم فيمن يزيد]. ثم ذكر بإسناده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر - أي بعد وفاته يكون العبد حراً - فاحتاج فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا فدفعه إليه). وذكر الحافظ ابن حجر عن مجاهد قال: لا بأس ببيع من يزيد. والشاهد في الحديث قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من يشتريه مني) فعرضه للزيادة. صحيح البخاري مع الفتح 5/ 257 - 258. 2. قال الإمام الترمذي: (ما جاء في بيع من يزيد) ثم روى بإسناده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باع حلساً وقدحاً وقال: (من يشتري هذا الحلس والقدح؟ فقال رجل: أخذتهما بدرهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من يزيد على درهم؟ من يزيد على درهم؟ فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه) وقال الترمذي: حديث حسن. تحفة الأحوذي 4/ 343. وجمهور الفقهاء على جواز بيع المزايدة. نيل الأوطار 5/ 191. وبيع المزايدة ليس من باب البيع على بيع أخيه الذي ورد النهي عنه في حديث ابن عمر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يبع بعضكم على بيع أخيه) رواه البخاري ومسلم. والمراد بالبيع على بيع أخيه: قال العلماء البيع على البيع حرام وكذلك الشراء على الشراء وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص أو يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد وهو مجمع عليه.

وأما السوم فصورته أن يأخذ شيئاً يشتريه فيقول له: رده لأبيعك خيراً منه بثمنه أو مثله بأرخص. أو يقول للمالك استرده لأشتريه منك بأكثر ومحله بعد استقرار الثمن وركون أحدهما للآخر. فتح الباري 5/ 257. وقال الحافظ ابن عبد البر في بيانه: [هو أن يستحسن المشتري السلعة ويهواها ويركن إلى البائع ويميل إليه ويتذاكرن الثمن ولم يبق إلا العقد والرضا الذي يتم به البيع فإذا كان البائع والمشتري على مثل هذه الحال لم يجز لأحد أن يعترضه فيعرض على أحدهما ما به يفسد به ما هما عليه من التبايع فإن فعل أحد ذلك فقد أساء وبئس ما فعل فإن كان عالماً بالنهي عن ذلك فهو عاص لله] فتح المالك 8/ 180. وبهذا يظهر لنا الفرق بين بيع المزايدة والبيع على بيع أخيه ففي بيع المزايدة البائع يعرض سلعته لمن يزيد فإن عرض أحد الناس عليه مبلغاً فلم يرض به البائع فيطلب أكثر منه فيزيده شخص آخر وهكذا، وهذا كله قبل أن يستقر البيع وقبل أن يرضى البائع بالثمن. ومن الأمور التي تصاحب بيع المزايدة وخاصة المزادات العلنية ما يسمى عند العلماء بالنجش وهو أن يزيد شخص في ثمن السلعة وهو لا يريد شرائها ولكن ليغر غيره وغالباً ما يكون النجش باتفاق بين صاحب السلعة والناجش وهو حرام شرعاً لما فيه من الخديعة فقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النجش) رواه البخاري. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بعقد المزايدة ما يلي: [وحيث إن عقد المزايدة من العقود الشائعة في الوقت الحاضر وقد صاحب تنفيذه في بعض الحالات تجاوزات دعت لضبط طريقة التعامل به ضبطاً يحفظ حقوق المتعاقدين طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية كما اعتمدته

المؤسسات والحكومات وضبطته بتراتيب إدارية ومن أجل بيان الأحكام الشرعية لهذا العقد قرر ما يلي: 1. عقد المزايدة: عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين نداء أو كتابة للمشاركة في المزاد ويتم عند رضا البائع. 2. يتنوع عقد المزايدة بحسب موضوعه إلى بيع وإجارة وغير ذلك وبحسب طبيعته إلى اختياري كالمزادات العادية بين الأفراد وإلى إجباري كالمزادات التي يوجبها القضاء وتحتاج إليه المؤسسات العامة والخاصة والهيئات الحكومية والأفراد. 3. إن الإجراءات المتبعة في عقود المزايدات من تحرير كتابي وتنظيم وضوابط وشروط إدارية أو قانونية يجب ألا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. 4. طلب الضمان ممن يريد دخول الشراء في المزايدة جائز شرعاً ويجب أن يرد لكل مشارك لم يرس عليه العطاء ويحتسب الضمان المالي من الثمن لمن فاز في الصفقة. 5. لا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول (قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد عن القيمة الفعلية) لكونه ثمنا له. 6. يجوز أن يعرض المصرف الإسلامي أو غيره مشاريع استثمارية ليحقق لنفسه نسبة أعلى من الربح سواء أكان المستثمر عاملاً في عقد مضاربة مع المصرف أم لا. 7. النجش حرام ومن صوره: أ. أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شرائها ليغري المشتري بالزيادة. ب. أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها ويمدحها ليغر المشتري فيرفع ثمنها.

حكم الإعلانات التجارية

ج. أن يدعي صاحب السلعة أو الوكيل أو السمسار ادعاءاً كاذباً أنه دُفعَ فيها ثمنٌ معينٌ ليدلس على من يسوم. د. ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعاً اعتماد الوسائل السمعية والمرئية والمقروءة التي تذكر أوصافاً رفيعة لا تمثل الحقيقة أو ترفع الثمن لتغر المشتري وتحمله على التعاقد] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 8 ج 2/ 169 - 170. حكم الإعلانات التجارية يقول السائل: ما قولكم في الإعلانات التجارية عن السلع والبضائع والتي يذكر فيها أوصاف السلعة بالثناء والمدح وعندما نشتري تلك السلعة لا نجدها حسب الأوصاف التي وردت في الإعلان وإنما هي على خلاف ذلك؟ الجواب: الإعلانات التجارية عن السلع أمر جائز ومشروع بضوابط سأذكرها لاحقاً لأن الإعلانات تعرف الناس بأنواع السلع والبضائع وتعرفهم على أماكن بيعها وتسهل عليهم أموراً كثيرة. ومن المعروف اليوم أن الإعلان صار فناً قائماً بذاته وله طرقه ووسائله المتقدمة والمتعددة. ولكن يجب على التاجر المسلم ومن يرغب في الإعلان عن سلعه وبضائعه وغير ذلك أن يلتزم بالضوابط التالية حتى يكون إعلانه مشروعاً: 1. أن يكون الإعلان سالماً وخالياً من المحظورات الشرعية فلا يجوز الإعلان عن السلع والأمور المحرمة كالخمور والمخدرات ونوادي القمار وأفلام الجنس ونحوها. كما لا يجوز أن تستعمل في الإعلان وسائل محرمة كظهور النساء العاريات أو يظهر في الإعلان أناس يشربون الخمر ونحو ذلك.

2. أن يكون الإعلان صادقاً في التعبير عن حقيقة السلعة لأننا نلاحظ أن كثيراً من الإعلانات التجارية فيها مبالغة واضحة في وصف السلع وغالباً ما تكون هذه الأوصاف كاذبة وغير حقيقية ويعرف صدق هذا الكلام بالتجربة. إن الإعلان الكاذب عن السلع والذي يظهرها على غير حقيقتها يعتبر تغريراً وغشاً وخداعاً وكل ذلك محرم شرعاً في شريعتنا الإسلامية ويؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) سورة النساء الآية 29. وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (مرََّ على صُبرة طعام - كومة - فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، أي المطر. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس مني) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: (من غشنا فليس منا). ويدخل ضمن الغش والخداع أن يذكر في الإعلان أوصاف للسلعة ولا تكون فيها حقيقة. وكذلك إذا كان في السلعة عيب أخفاه المعلن ولم يذكره وباع السلعة مع علمه أنها معيبة. فقد جاء في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعاً فيه عيب أن لا يبينه) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه وقال الشيخ الألباني: صحيح. إرواء الغليل 5/ 165. وعن أبي سباع قال: [اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسفع - رضي الله عنه - فلما خرجت بها أدركني رجل فقال: اشتريت؟ قلت: نعم. قال: وبين

لك ما فيها. قلت: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة. قال: أردت بها سفراً أو أردت بها لحماً؟ قلت: أردت بها الحج. قال: ارتجعها. فقال صاحبها: ما أردت إلى هذا أصلحك الله تفسد عليَّ. قال: إني سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يحل لأحد أن يبيع شيئاً إلا بين ما فيه ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار) رواه ابن حبان والطبراني وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني، إرواء الغليل 5/ 164. 3. أن لا يترتب على الإعلان عن السلعة إلحاق الضرر بسلع الناس الآخرين كأن يذم الأصناف المشابهة. انظر الإعلان ص 96 - 98. لأن هذا من الضرر الممنوع شرعاً وقد صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني، السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. كما لا يجوز استغلال التشابه في الاسم التجاري أو العلامة التجارية من أجل التغرير بالمستهلكين وإيهامهم بأن سلعته مماثلة لتلك السلع المشهورة والمعروفة. وينبغي أن يعلم أن النصح واجب في المعاملة وقد ثبت في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم. وقد بين الإمام الغزالي ضوابط النصح المأمور به في المعاملة وهي: 1. أن لا يثني على السلعة بما ليس فيها لأن ذلك يعد كذباً ولا بأس أن يذكر الصفات الحقيقية الموجودة في السلعة من غير مبالغة. 2. أن يظهر جميع عيوب المبيع ولا يكتم منها شيئاً فذلك واجب

حكم شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا أحيانا

فإن أخفى شيئاً من العيوب كان ظالماً غاشاً والغش حرام وكان تاركاً للنصح في المعاملة والنصح واجب. 3. أن لا يكتم من مقدار السلعة شيئاً وذلك بتعديل الميزان والمكيال والاحتياط في ذلك. قال الله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) سورة المطففين الآيات 1 - 3. 4. أن يصدق في سعر الوقت ولا يخفي منه شيئاً. ثم قال الغزالي بعد ذلك: [فليس له أن يغتنم فرصة وينتهز غفلة صاحب المتاع ويخفي من البائع غلاء السعر أو من المشتري تراجع الأسعار فإن فعل ذلك كان ظالماً تاركاً للعدل والنصح للمسلمين] انظر إحياء علوم الدين 4/ 76 - 80 حكم شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا أحياناً يقول السائل: ما حكم شراء أسهم الشركات التي يكون مجال عملها مباحاً ولكن تلك الشركات قد تقرض وتقترض بالربا؟ وما حكم من له أسهم في تلك الشركات وماذا يصنع بأرباح تلك الأسهم والربا يشكل جزءاً من تلك الأرباح؟ الجواب: لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً كما هو حال كثير من الشركات المساهمة التي ينص في أنظمتها على أن من موارد الشركة الإقراض والاقتراض بالربا. والنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - صريحة في تحريم الربا تحريماً قاطعاً لا شك فيه. ومن المسلّم به عند أهل العلم أن فوائد البنوك هي من الربا المحرم.

وإن في طرق الاستثمار الشرعية غنىً عن الاستثمار بالطرق المحرمة كالمساهمة في شركات تتعامل بالحرام أو تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً وهذا القول هو أصح قولي العلماء في هذه المسألة وأقربها للتقوى إن شاء الله. ولكن بعض أهل العلم المعاصرين لهم رأي آخر في المسألة ولا بأس من ذكره وهو أنه قد تكون الشركة المساهمة ذات أغراض مشروعة وموضع نشاطها حلالاً وتؤدي خدمات عامة للاقتصاد لكنها تتعامل مع البنوك الربوية بالفائدة فتضع أموالها في تلك البنوك وتتقاضى عليها فوائد ربوية تدخل في مواردها وأرباحها كما تقترض في بعض الحالات ما تحتاج إليه من تلك البنوك لقاء فائدة تدفعها وتدخل تلك القروض في إنتاج ما تنتجه والربح الذي تحققه، فالربا يدخل في بعض أعمالها أخذاً وإعطاءً فلا ينبغي أن نُحرِّم على الناس اقتناء أسهم هذه الشركات بصورة مطلقة ولا أن نبيحها لهم بصورة مطلقة بل نراعي ضرورة قيام هذه المؤسسات في المجتمعات ومنها المجتمعات الإسلامية وحاجة كثير من الناس إلى اقتناء أسهمها ولا سيما الذين لا يجدون طريقاً آخر لاستثمار مدخراتهم الصغيرة دون أن يجمدوها حتى تتآكل وفي الوقت نفسه يجب استبعاد العنصر الحرام من أرباح هذه الأسهم. وذلك بأن يحسب مالك الأسهم بصورة دقيقة أو تقريبية جداً عند تعذر الحساب الدقيق ما دخل على عائدات كل سهم من العنصر الحرام في ربحه فيقرر مقداره من عائدات الأسهم ويوزعه على الفقراء دون أن ينتفع به أية منفعة ولا أن يحتسبه من زكاته ولا يعتبره صدقة من خالص ماله ولا أن يدفع به ضريبة حكومية ولو كانت من الضرائب الجائرة الظالمة لأن كل ذلك انتفاع بذلك العنصر الحرام من عائدات أسهمه. وإن حساب هذا العنصر ولا سيما بصورة تقريبية جداً قد أصبح ميسوراً بالوسائل والأجهزة الحديثة والاستعانة بأهل الخبرة. وهذا يدخل في عموم البلوى وبهذا نيسر على الناس ونجنبهم الحرام دون أن نحرمهم من طريق استثماري لا يجدون بديلاً له بسب صغر مدخراتهم مع ملاحظة أن طريق المشاركات الصغيرة التجارية والمضاربة قد أصبح شديد الخطورة بسب ندرة الأمانة - مع الأسف - في هذا الزمان حيث أصبح الذي يضع

ماله في يد غيره لاستثماره يدخل في مخاطرة كبيرة لفساد الذمم ويعرضه للتبخر ولا سيما أيضاً أن كثيراً من المدخرين الصغار أيتام وأرامل لا يستطيعون العمل بأنفسهم لأنفسهم. ولكل زمان حكمه وقد قرر الفقهاء في مناسبات كثيرة أموراً استثنائية عللوها بفساد الزمان. هذا وفي حالة توافر شركات مساهمة تسد الحاجة وتلتزم بعدم التعامل بالربا أخذاً وإعطاءً يجب على المسلمين عدم التعامل مع الشركات المساهمة التي تقترض بالربا عند الحاجة وتودع أموالها بفائدة. المعاملات المالية المعاصرة ص 170. ويعلق صاحب الكتاب السابق على الفتوى المذكورة بقوله: نستخلص من هذه الفتوى عدة أمور: 1. إن هذه الفتوى خاصة بالشركات الحيوية التي تؤدي خدمات عامة للناس ويقع الناس في حرج ومشقة نتيجة انهيارها ولا تعم جميع الشركات ويؤكد هذا الدكتور عبد الله الكيلاني في رسالته حيث يقول: [سألت الأستاذ الزرقاء حول موضوع الشركات المساهمة هل هي على إطلاقها أو لا؟ فأجاب: بأن الشركة التي لا تؤمِّن مرفقاً حيوياً ضرورياً أو حاجياً للمجتمع وكانت تتعامل بالربا في ادخار أموالها فأفتي بحرمة الاكتتاب بأسهمها لأنه لا يضر المجتمع انهيارها]. 2. إن هذه الفتوى تستند إلى عدة أمور وهي: أ. سد حاجة حيوية عامة للمسلمين لا تستطيع رؤوس الأموال الفردية ولا رؤوس أموال الدولة أن تقوم بها فتعين وجودها من خلال شركات المساهمة التي قد تتعامل بالربا في إيداع أموالها والإقتراض من المصارف. ب. تخريج المسألة على قاعدة (عموم البلوى ورفع الحرج عن الناس) ففي حالة فساد الزمان وخراب الذمم يمكن أن يفتى الناس بالأحكام الاستثنائية، فقد قرر الفقهاء عند فساد الزمان وشيوع الفسق وندرة العدالة قبول شهادة غير العدل فتقبل شهادة الأمثل فالأمثل لعموم البلوى كيلا يتعطل القضاء إذا طلبت العدالة الكاملة في الشاهد. ج. سد حاجة فردية لصغار المساهمين الذين لا يجدون بديلاً

استثمارياً بسب صغر مدخراتهم وعجزهم عن القيام بأنفسهم بالاستثمار بالإضافة إلى عدم الثقة بكثير ممن يقومون بالمشاركات الأخرى كالمضاربة لفساد ذممهم وقلة الأمانة لديهم. 3. الفتوى تمنع انتفاع صاحب الأسهم بالمال الحرام الذي دخل في عوائدها، وينبغي تقديره والتخلص منه بإعطائه للفقراء والمستحقين. انظر كتاب المعاملات المالية المعاصرة ص 171. وخلاصة الأمر أني لا أجيز لمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً ابتداءً. ومن له أسهم في مثل هذه الشركات فإن أراد التقوى والورع فعليه أن يبيع أسهمه تلك وأن يخلَّص رأس ماله من شوائب الربا. قال تعالى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة الآية 279. وإن اختار الطريق الآخر وأخذ بالرأي الثاني - وله حظ من النظر والفقه - فذلك شأنه. حكم السندات يقول السائل: إنه أراد أن يشتري أسهماً في إحدى الشركات المساهمة العامة واطلع على النظام الداخلي للشركة فوجد أن الشركة يحق لها إصدار سندات عند الحاجة لزيادة رأس المال ويسأل عن هذه السندات وما حكمها؟ الجواب: السندات نوع من الأوراق المالية التي يجري التعامل بها في الأسواق المالية المعاصرة وتسمى أحياناً شهادات الاستثمار وهي عبارة عن قرض طويل الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبه أن تسدد قيمته في تواريخ محددة. المعاملات المالية المعاصرة ص 176. أو هو صك قابل للتداول يمثل قرضاً يعقد عادة بواسطة الاكتتاب العام وتصدره الشركات أو الحكومات ويعتبر حامل سند الشركة دائناً للشركة

ويعطى حامل السند فائدة ثابتة سنوياً وله الحق في استيفاء قيمته عند حلول أجل معين. مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 6 جزء 2 ص 1283. ويلاحظ في تعريف السندات أن السند عبارة عن دين ثابت على الشركة ويستوفي حامل السند فائدة ثابتة سواء ربحت الشركة أو خسرت. وخلاصة الأمر أن السند عبارة عن قرض ربوي مهما اختلفت أسماؤه وتعددت أوصافه. وبناءً على أن السند قرض ربوي فيحرم التعامل بالسندات ما دامت تصدر بفائدة ثابتة معينة لذا لا يجوز إصدار السندات ولا تداولها والقول بتحريم السندات واعتبارها من الربا المحرم هو مذهب أكثر العلماء والفقهاء المعاصرين. لأن السند قرض على الشركة أو الجهة التي أصدرته لأجل معين وبفائدة معينة ثابتة ومشروطة وهذا هو ربا النسيئة بعينه الذي حرمته الشريعة الإسلامية بالنصوص الصريحة في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة الآية 275. وقد حاول بعض العلماء أن يخرج مسألة السندات على عقد المضاربة المعروف في الفقه الإسلامي ولكن هذا التخريج غير صحيح مطلقاً لأن السندات في حقيقتها قروض ربوية ولو سلمنا جدلاً بصحة تخريجها على المضاربة الشرعية فهي مضاربة فقدت شروط صحتها شرعاً كما قال الدكتور القرضاوي: [والخلاصة أن شهادات الاستثمار من فئة (أ) و (ب) إما أنها من باب القرض بفائدة وهو الأمر الواضح بحسب قانون إنشائها أو من باب المضاربة التي فقدت شروطها الشرعية ففقدت بذلك إذن الشرع فيها فهي محرمة على كلا الاحتمالين] فوائد البنوك هي الربا الحرام ص 102.

والقول بتحريم السندات هو القول الفصل في المسألة وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي الذي ضم عدداً كبيراً من العلماء والفقهاء المعاصرين فقد جاء في قرار المجمع ما يلي: [وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم حسماً (خصماً). قرر: 1. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً. 2. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات. 3. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار. 4. من البدائل للسندات المحرمة - إصداراً أو شراءً أو تداولاً - السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً. ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها في القرار رقم 5 للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة] مجلة مجمع الفقه الإسلامي 6/ 2/1725 - 1726.

وختاماً أقول إن تعامل الناس بالربا في هذا الزمان قد عمّ وطمّ وغلب التعامل بالربا على أكثر معاملات الناس المعاصرة بسبب ارتباط الحياة الحديثة بالبنوك الربوية وقد وقع مصداق حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: (ليأتينّ على الناس زمان لا يبقى أحد منهم إلا أكل الربا ومن لم يأكله أصابه من غباره) رواه أبو داود وابن ماجة والنسائي. ومع انتشار التعامل بالربا في زماننا إلا أن كثيراً من الناس يقدمون على التعامل به مختارين غير مكرهين ولا مضطرين وإلى هؤلاء وغيرهم أسوق بعض النصوص الشرعية التي تحرم الربا والتعامل به: 1. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة الآيتان 276 - 277. 2. عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. 3. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. 4. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الربا إثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 488. 5. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. 6. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من

أجرة السمسار في البيع وغيره

ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636 وغير ذلك من الأحاديث. أجرة السمسار في البيع وغيره يقول السائل: هل يجوز للوسيط [السمسار] أن يأخذ لأجرة من البائع والمشتري؟ الجواب: الوساطة التجارية أو السمسرة أو الدلالة من الأمور المشهورة والمتعارف عليها ويتعامل بها الناس منذ عهد بعيد وهي مشروعة وجائزة. وقد ورد في الحديث عن قيس بن أبي غرزة قال: (كنا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسمَّى السماسرة فمر بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمانا باسم هو أحسن منه. فقال: يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة) رواه أبو داود وسكت عنه وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 640. وعن ابن عباس قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد - قال طاووس راوي الحديث - فقلت لابن عباس: ما قوله (لا يبع حاضر لباد؟) قال: لا يكون له سمساراً) رواه البخاري ومسلم. وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب أجرة السمسرة ولم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأساً. وقال ابن عباس: لا بأس أن يقول بع هذا الثوب فما زاد على كذا وكذا فهو لك. وقال ابن سيرين: إذا قال له بعه بكذا فما كان من ربح فهو لك أو بيني وبينك فلا بأس به.

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون عند شروطهم). ثم ساق الإمام البخاري حديث ابن عباس السابق] صحيح البخاري مع الفتح 5/ 357 - 358. وينبغي أن تكون أجرة السمسار معلومة باتفاق الفقهاء حتى لا يقع أي نزاع فيما بعد. ويصح أن تكون الأجرة مبلغاً مقطوعاً كعشرة دنانير مثلاً ويجوز أن تكون الأجرة نسبة مئوية كأن يقول شخص لسمسار: بع لي هذه الأرض ولك 1% من ثمنها مقابل سعيك وسمسرتك. وأما أخذ السمسار أجرة من البائع والمشتري فلا بأس به إذا كان مشروطاً أو جرى العرف بذلك فمثلاً لو قال شخص لسمسار: بع لي هذه العمارة ولك 1% من ثمنها. وقال شخص آخر لنفس السمسار اشتر لي تلك العمارة ولك 1% من ثمنها فيجوز ذلك ولا بأس به. لأن الشرط المذكور شرط جائز ينبغي الوفاء به وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلمون عند شروطهم) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 143. وأخيراً ينبغي التنبيه على أن السمسرة من الأمور المهمة في عالم التجارة ولكن يجب على السماسرة أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في أعمالهم وأن يبتعدوا عن التغرير والتدليس والغش ليكون كسبهم حلالاً طيباً وقد ثبت في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من غشناً فليس منا) رواه مسلم. وعلى السماسرة ألا يخدعوا الناس في معاملاتهم فيزينوا لهم شراء السلع والبضائع بأكثر من أسعارها الحقيقية أو يزينوا للبائعين أن يبيعوا بضائعهم بأبخس الأثمان فكل ذلك غير جائز شرعاً فلا يجوز إلحاق الضرر بالناس فلا ضَرَرَ ولا ضِرار. حكم بيع الأغذية المصنعة المنتهية الصلاحية يقول السائل: ما حكم بيع الأغذية المصنّعة بعد انتهاء صلاحيتها كما هو مثبت عليها من قبل صانعيها؟

الجواب: إن الأغذية التي لها تاريخ لانتهاء الصلاحية ومثلها الأدوية، ما وضع عليها تاريخ انتهاء الصلاحية عبثاً وإنما بعد دراسة لصلاحية مركباتها وهذا يعتمد على دراسات علمية يقررها صانعو الأدوية والأغذية. وبناءاً على ذلك وبعد سؤال أهل الخبرة في هذا الشأن فإن استعمال الأدوية والأغذية التي انتهت صلاحيتها قد يلحق الضرر والأذى بمن يستهلكها. وعليه فإنه لا يجوز شرعاً بيع الأغذية والأدوية بعد انتهاء صلاحيتها لأن في ذلك إضراراً بالناس وإلحاقاً للأذى بهم ويحرم على المسلم أن يلحق الضرر بغيره لما ورد في الحديث الشريف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني: صحيح. إرواء الغليل 3/ 408. وإذا ثبت أنه قد لحق ضرر بمن استهلك الأغذية أو الأدوية المنتهية الصلاحية فإن من باعها يكون مسؤولاً عن ذلك وينبغي أن يعاقب على ذلك. ومن جهة أخرى فإن بيع الأغذية والأدوية المنتهية الصلاحية مع علم البائع بذلك يعتبر غشاً وكتماناً لعيب السلعة عن المشتري والغش محرم في الشريعة الإسلامية. فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (مرَّ على صُبرة طعام - كومة - فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، أي المطر. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني) رواه مسلم. وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حمل السلاح علينا فليس منا ومن غشنا فليس منا) رواه مسلم. والحديثان ظاهران في الدلالة على تحريم الغش باعتباره وسيلة لأكل

يجوز بيع خثى الأبقار

أموال الناس بالباطل إذ أن حقيقة الغش هي إخفاء وكتمان ما في السلعة من نقص أو عيب. وهذا ينافي عصمة أموال المسلمين التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لما جاء في الحديث الشريف من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه احمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 279. والغش حرام بصورته السلبية وهي مجرد السكوت عن العيب والنقص وبصورته الإيجابية وهي القيام بجهد ما في إخفاء العيب أو تزيين السلعة. يجوز بيع خثى الأبقار يقول السائل: يوجد عندي مزرعة أبقار أبيع خثاها إلى المزارعين الذين يستعملونه في تسميد مزروعاتهم فما حكم ذلك؟ الجواب: يجوز بيع خثى الأبقار على الراجح من أقوال أهل العلم وكذلك روث وبعر كل ما يؤكل لحمه من الحيوان كما أنه يجوز استعمالها في تسميد المزروعات وهذا قول جماعة من الفقهاء منهم الحنفية والحنابلة وهو قول في مذهب المالكية وقال به جماعة من فقهاء الشافعية. قال صاحب الدرّ المختار من الحنفية: [لا يكره بل يصح بيع السرقين أي الزبل خلافاً للشافعي وصح بيعها مخلوطة بتراب أو رماد غلب عليها على الصحيح] حاشية ابن عابدين على الدرّ المختار 6/ 385. وقال في الفتاوى الخانية: [وبيع السرقين والبعر جائز] 2/ 133. وقال الشيخ ملا علي القاري: [وصحّ بيع السرقين لأنه ينتفع به ويدخر لوقت الحاجة فإنه يلقى في الأرض لاستكثار الزرع] فتح باب العناية 3/ 22.

ونقل عن أبي حنيفة أنه يجوز بيع السرقين - الزبل - لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على بيعه من غير إنكار ولأنه يجوز الانتفاع به فجاز بيعه كسائر الأشياء. انظر المجموع 9/ 230. ومما يؤيد القول بجواز بيع الزبل الناتج من الحيوانات مأكولة اللحم أن روثها طاهر على الصحيح من أقوال أهل العلم وبيع الشيء الطاهر جائز بلا خلاف وأما كونه طاهراً فلأنه لم يثبت في الشرع دليل صحيح صريح في نجاسته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الأصل الجامع طهارة جميع الأعيان حتى تتبين نجاستها فكل ما لم يبين لنا أنه نجس فهو طاهر وهذه الأعيان لم يبين لنا نجاستها فهي طاهرة] مجموع الفتاوى 21/ 542 وقال شيخ الإسلام أيضاً: [إن هذه الأعيان لو كانت نجسة لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبينه فليست نجسة وذلك لأن هذه الأعيان تكثر ملابسة الناس لها ومباشرتهم لكثير منها خصوصاً الأمة التي بعث فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الإبل والغنم غالب أموالهم ولا يزالون يباشرونها ويباشرون أماكنها في مقامهم وسفرهم مع كثرة الاحتفاء فيهم. ومحالب الألبان كثيراً ما يقع فيها من أبوالها وليس ابتلاؤهم بها بأقل من ولوغ الكلب في أوانيهم فلو كانت نجسة يجب غسل الأبدان والثياب والأواني منها وعدم مخالطته ويمنع الصلاة مع ذلك ويجب تطهير الأرض مما فيه ذلك إذا صلى فيها والصلاة فيها تكثر في أسفارهم وفي مراعي أغنامهم ويحرم شرب اللبن الذي يقع فيه بعرها وتغسل اليد إذا أصابها البول أو رطوبة البعر إلى غير ذلك من أحكام النجاسة لوجب أن يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - بياناً تحصل به معرفة الحكم ولو بين ذلك لنقل جميعه أو بعضه فإن الشريعة وعادة القوم توجب مثل ذلك فلما لم ينقل ذلك علم أنه لم يبين لهم نجاستها. وعدم ذكر نجاستها دليل على طهارتها من جهة تقريره لهم على مباشرتها وعدم النهي عنه والتقرير دليل الإباحة ومن وجه أن مثل هذا يجب بيانه بالخطاب ولا تحال الأمة فيه على الرأي لأنه من الأصول لا من الفروع ومن

بيع العقار دون تسجيله قانونيا

جهة أن ما سكت الله عنه فهو مما عفى عنه لا سيما إذا وصل بهذا الوجه. كما أن الصحابة والتابعين وعامة السلف قد ابتلي الناس في أزمانهم بأضعاف ما ابتلوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يشكّ عاقل في كثرة وقوع الحوادث المتعلقة بهذه المسألة ثم المنقول عنهم أحد شيئين: إما القول بالطهارة أو عدم الحكم بالنجاسة.] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/ 578 - 579. وقال الشيخ الشوكاني بعد أن ناقش أدلة من قال بنجاسة أرواث مأكول اللحوم: [والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه تمسكاً بالأصل واستصحاباً للبراءة الأصلية والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلاً كذلك. وغاية ما جاؤوا به حديث صاحب القبر وهو مع كونه مراد به الخصوص كما سلف عموم ظني الدلالة لا ينتهض على معارضة تلك الأدلة المعتضدة بما سلف.] نيل الأوطار 1/ 64 - 65. بيع العقار دون تسجيله قانونياً يقول السائل: تعاقدت مع صاحب عقار في الأردن واتفقت معه على الثمن وبارك لي في العقار بحضور عدد من الشهود ولكني لم أدفع العربون لاعتبار أني سأعود بعد أسبوع إلى الأردن لاستكمال الإجراءات القانونية من عقود وتنازل وغيره وفوجئت بخبر عبر الهاتف بأن العقار قد بيع لشخص آخر وعندما استفسرت عن الأمر قيل إني لم أدفع العربون وقد علمت أن الشاري الجديد دفع في العقار زيادة عما دفعت. فهل يجوز للمالك أن يتصرف بالبيع بعد الاتفاق معه مع العلم أنه يقول إن القانون يقف معه بحجة عدم دفع العربون أفيدونا مأجورين؟

حكم المماطلة وعقوبتها

الجواب: إن عقد البيع قد تم بين البائع والمشتري إذا كانت الأمور قد جرت مثلما ذُكر في السؤال وعقد البيع من العقود اللازمة عند الفقهاء فمتى صدر الإيجاب والقبول من المتعاقدين فقد تم العقد ولا يملك أحدهما فسخه إلا برضى الآخر إذا لم يكن بينهما خيار وفي السؤال لم يرد ذكر للخيار فالعقد لازم والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: [البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا] رواه البخاري ومسلم. وهنا قد تم التفرق بينهما فلزمهما البيع فلا يجوز شرعاً للبائع أن يفسخ العقد أو يلغيه بإرادة منفردة وهذا البائع وقد فسخ العقد وباع العقار لشخص آخر فقد أثم ووقع في الحرام والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) سورة المائدة الآية 1. وأما بالنسبة لما ذكره السائل عن الناحية القانونية فإن القانون المدني لا يعترف بأي عقد لبيع العقار ولو كان العقد خطياً إلا إذا تم تسجيله في الدائرة المختصة وبما أنه لم يتم عقد خطي ومسجل في الدوائر الرسمية فإن الموقف القانوني للمشتري ضعيف جداً. حكم المماطلة وعقوبتها يقول السائل: ما المقصود بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)؟ الجواب: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي وورد في مسند أحمد بلفظ: (لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته). والحديث قال عنه الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ ابن حجر وحسنه الشيخ الألباني أيضاً. فتح الباري 5/ 259، إرواء الغليل 5/ 259. ولي الواجد معناه مطل القادر على قضاء دينه. عون المعبود 10/ 41.

وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صلى الله عليه وسلم - (مطل الغني ظلم) قال القاضي وغيره: المطل منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغني ظلم وحرام، ومطل غير الغني ليس بظلم ولا حرام لمفهوم الحديث ولأنه معذور.] شرح الإمام النووي على صحيح مسلم 4/ 174 - 175. وهذان الحديثان الشريفان فيهما التحذير الشديد للمماطل القادر على سداد دينه ومع ذلك يماطل في سداد الدين لينتفع بالمال لنفسه ولا يؤدي حقوق العباد وهذه المماطلة سماها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ظلماً والظلم ظلمات يوم القيامة. قال الحافظ ابن عبد البر: [وقد أتى الوعيد الشديد في الظالمين بما يجب أن يكون من فقهه عن قليل الظلم وكثيره منتهياً وإن كان الظلم ينصرف على وجوه بعضها أعظم من بعض. قال الله عز وجل: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) سورة لقمان الآية 13. وقال تعالى: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) سورة طه الآية 111. أي خاب من رحمة الله تعالى ومن بعضها أو من كثير منها على حسب ما ارتكب من الظلم والله يغفر لمن يشاء. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال حاكياً عن الله تبارك وتعالى: (يا عبادي إني حرمت عليكم الظلم فلا تظالموا) رواه مسلم. ومن الدليل على أن مطل الغني ظلم محرم موجب للإثم ما ورد به الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من استحلال عرضه والقول فيه ولولا مطله لم يحل ذلك.] الاستذكار 20/ 268 - 269. والغني المماطل يعدُّ فاسقاً عند جمهور أهل العلم ويدل على ذلك بأن منع الحق بعد طلبه وانتفاء العذر عن أدائه كالغصب والغصب كبيرة وتسميته ظلماً يشعر بكونه كبيرة. فتح الباري 5/ 372.

وقال بعض العلماء إن مطل الغني بعد مطالبته وامتناعه عن الأداء لغير عذر يعتبر من كبائر الذنوب وقد عده ابن حجر المكي من الكبائر: [إذ الظلم وحل العرض والعقوبة أكبر الوعيد] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 570. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الغني المماطل مردود الشهادة قال سحنون بن سعيد: [إذا مطل الغني بدين عليه لم تجز شهادته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه ظالماً] الاستذكار 20/ 270. وجاء في الحديث عن خولة زوجة حمزة رضي الله عنهما: (أن رجلاً كان له على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسق تمر فأمر أنصارياً أن يقضيه فقضاه دون تمره فأبى أن يقبضه فقال: أترد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: نعم ومن أحق بالعدل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتحلت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدموعه ثم قال: صدق ومن أحق مني بالعدل لا قدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من شديدها ولا يتعتعه. ثم قال: يا خوله عديه واقضيه فإنه ليس من غريم يخرج من عنده غريمه راضياً إلا صلت عليه دواب الأرض ونون البحار وليس من عبد يلوى غريمه وهو يجد إلا كتب الله عليه في كل يوم وليلة إثماً) رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 140. وتعتعه أي أقلقه وأتعبه بكثرة تردده إليه ومطله إياه، ويلوي أي يمطل ويسوف. وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقاضاه ديناً كان عليه فاشتد عليه حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك تدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هلاّ مع صاحب الحق كنتم؟ ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك. فقالت: نعم بأبي أنت يا رسول الله. قال: فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه. فقال: أوفيت أوفى الله لك. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أولئك خيار الناس إنه لا قدّست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع) رواه ابن

حكم الاختلاس من محل العمل

ماجة وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 55 وانظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 570. ومعنى غير متعتع: أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه. كما وينبغي أن يعلم هذا الغني المماطل أن الموت قد يخطفه فجأة ويبقى الدين في ذمته إلى يوم القيامة وقد صح الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كانت عنده مظلمة لأحد فليتحلله فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاته وطرح عليه) رواه البخاري. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يحل عرضه وعقوبته فمعناه كما قال عبد الله بن المبارك: [يحل عرضه يغلظ له وعقوبته يحبس] عون المعبود 10/ 40. وأخيراً ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز فرض غرامة مالية على المدين المماطل لأن ذلك يعتبر من الربا المحرم شرعاً. حكم الاختلاس من محل العمل يقول السائل: إنه يعمل في إحدى المؤسسات التي تقدم وجبة الغداء للعاملين فيها حسب نظام التذاكر ويسأل هل يجوز له أن يأخذ الطعام بدون تذكرة ودون أن يراه الموظف الذي يقدم الطعام؟ ويسأل هل يجوز للموظف الذي يقدم الطعام أن يعطي بعض زملائه طعاماً بدون تذكرة؟ ويسأل أيضاً هل يجوز له أن يأخذ بعض الأشياء من تلك المؤسسة مثل أدوات التنظيف والأدوية والقرطاسية ونحوها بدون إذن المسؤولين؟ الجواب: إن الموظف مؤتمن على عمله ويجب عليه أن يحافظ على كل ما يتعلق بعمله ولا يجوز له أن يستعمل شيئاً مما أؤتمن عليه في غير محله المقرر له. ويحرم على الموظف خيانة الأمانة التي أؤتمن عليها فلا يجوز شرعاً

أن يأخذ وجبة طعام بدون ثمنها ما دام أن الطعام يباع للموظفين بيعاً وبواسطة التذاكر وكذلك لا يجوز للموظف الذي يقدم الطعام أن يعطي أحداً منه بدون تذكرة ما دام أن النظام يقضي بأن لا يعطى أحد طعاماً إلا بتذكرة وعمله هذا يعتبر خيانة للأمانة. وكذلك يحرم على الموظفين أخذ شيء من أموال المؤسسة مهما كانت قليلة وقد أمر الله سبحانه وتعالى بأداء الأمانة وحذّر من خيانتها فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) سورة النساء الآية 58. وهذه الآية عامة تشمل كل الأمانات كما نقل القرطبي ذلك عن جماعة من الصحابة كالبراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم قالوا: [الأمانة في كل شيء في الوضوء والصلاة والزكاة والجنابة والصوم والكيل والوزن والودائع]. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [لم يرخص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة]. وقال القرطبي: [وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها الأبرار منهم والفجار] تفسير القرطبي 5/ 256. وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة الأنفال الآية 27. فنهى الله سبحانه وتعالى عن خيانة الله سبحانه وتعالى وخيانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخيانة بعضهم لبعض. وخيانة الأمانة من صفات المنافقين كما صحَّ في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية عند مسلم: (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم). وجاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ومسلم. وقد اعتبر العلماء خيانة الأمانة من كبائر الذنوب. انظر الزواجر 1/ 617. وقد وردت أحاديث كثيرة في الترهيب من خيانة الأمانة منها: عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال في الخطبة: لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) رواه ابن حبان والبيهقي والبغوي، ثم قال: هذا حديث حسن. شرح السنة 1/ 75. وحسّنه الشيخ الألباني لشواهده المشكاة 1/ 17. وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم) رواه أحمد والبيهقي والحاكم وابن حبان وصححه الشيخ الألباني. السلسلة الصحيحة 3/ 454 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [لا يغرنَّك صلاة امرئ ولا صيامه من شاء صلى ومن شاء صام ولكن لا دين لمن لا أمانة له] شرح السنة 1/ 75. وخلاصة الأمر أن الموظف مؤتمن على العمل الذي أنيط به ومؤتمن على ما كان تحت يده من أموال أو أدوات أو طعام وغير ذلك ولا يجوز التصرف بأي شيء من ذلك إلا بإذن مسؤوله ولا يجوز أن يأخذ شيئاً من عمله دون أن يؤذن له فإن فعل فقد خان الأمانة وارتكب الإثم ووقع في المعصية.

الهدية إلى الموظف مقابل خدمة تعد رشوة

الهدية إلى الموظف مقابل خدمة تعد رشوة يقول السائل: إن أحد الموظفين أنجز له إحدى المعاملات فقام صاحب المعاملة بإهداء الموظف هدية فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن ما سميته هدية ما هو في الحقيقة إلا رشوة والهدايا التي تهدى إلى الموظفين بحكم وظائفهم هي رشوة ولا يجوز لك شرعاً أن تهدي الموظف كما تقول على إنجاز معاملة أو نحوها وكذلك يحرم على الموظفين قبول ذلك لأن هذه الهدية " الرشوة " إنما أعطيت لهم لأنهم في هذه الوظائف ولم تعط لهم بحكم العلاقة الشخصية بين المعطي والآخذ. وقد ثبت في الحديث عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: (استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأزد على صدقات بني سليم يقال له ابن اللتبيه فلما جاء حاسبه قال: هذا مالكم وهذا هدية. فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه ثم قال: اللهم هل بلغت. بصر عيني وسمع أذني) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: (وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول لأنه خان في ولايته وأمانته ولهذا ذكر في الحديث في عقوبته وحمله ما أهدي إليه يوم القيامة كما ذكر مثله في الغال وقد بين - صلى الله عليه وسلم - في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه وأنها بسبب الولاية بخلاف الهدية لغير العامل فإنها مستحبة) شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 533.

وجاء في الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول) رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني: صحيح. أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 330. فهذا الحديث يدل على أنه لا يحل للموظف أن يأخذ على وظيفته إلا راتبه المخصص له وإن أخذ ما زاد على ذلك فهو غلول أي خيانة. عون المعبود 8/ 114 وجاء في الحديث عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (هدايا العمال غلول) رواه أحمد والبيهقي وغيرهما وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 8/ 246. ويدخل الموظفون في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (العمال). وروى الإمام البخاري عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: [كانت الهدية في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدية واليوم رشوة]. قال الحافظ ابن حجر: [وصله ابن سعد بقصة فيه فروى من طريق فرات بن مسلم قال: اشتهى عمر بن عبد العزيز التفاح فلم يجد في بيته شيئاً يشتري به فركبنا معه فتلقاه غلمان الدير بأطباق تفاح فتناول واحدة فشمها ثم رد الأطباق فقلت له في ذلك فقال: لا حاجة لي فيه. فقلت: ألم يكن رسول الله وأبو بكر وعمر يقبلون الهدية. فقال: إنها لأؤلئك هدية وهي للعمال بعدهم رشوة] فتح الباري مع الصحيح 6/ 148. وجاء في الحديث عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: (الهدية إلى الإمام غلول) رواه الطبراني وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع 2/ 1186. وهذه الهدايا التي تقدم للموظفين لقيامهم بأعمال هي من ضمن اختصاصهم وصلب عملهم هي من باب الرشوة وإن سماها الناس هدية وقد صح في الحديث: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الراشي والمرتشي) رواه أبو داود

والترمذي وابن ماجة وغيرهم وصححه الشيخ الألباني. إرواء الغليل 8/ 244. ومما يلحق بالرشوة الهدايا التي تهدى بسبب الشفاعة للمهدي في أمر من الأمور فقد جاء في الحديث عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا) رواه أحمد وأبو داود وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 27. قال صاحب فتح الودود: [وذلك لأن الشفاعة الحسنة مندوب إليها وقد تكون واجبة فأخذ الهدية عليها يضيع أجرها كما أن الربا يضيع الحلال] عون المعبود 10/ 331 وقد اعتبر الشيخ ابن حجر المكي قبول الهدية بسبب الشفاعة من الكبائر ونقل عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (السحت أن تطلب لأخيك الحاجة فتقضى فيهدي إليك هدية فتقبلها منه). وفي رواية أخرى عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: (من رد عن مسلم مظلمة فأعطاه على ذلك قليلاً أو كثيراً فهو سحت) انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 428 - 429. وينبغي أن يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر في أحاديث صحيحة أن من يتلقى رشوة أو هدية في ثوب رشوة فإنه يأتي يوم القيامة حاملاً لها على ظهره وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشفع له يوم القيامة كما ثبت ذلك في حديث أبي حميد السابق وكما ثبت في الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني ممسك بحجزكم عن النار: هلم عن النار وتغلبونني تقاحمون فيه تقاحم الفراش أو الجنادب فأوشك أن أرسل بحجزكم وأنا فرطكم عن الحوض فتردون علي معاً وأشتاتاً فأعرفكم بسيماكم وأسمائكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله ويذهب بكم ذات الشمال وأناشد فيكم رب العالمين فأقول: أي رب أمتي. فيقول يا محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على أعقابهم فلا أعرفن أحدكم يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء فينادي: يا محمد يا محمد. فأقول:

ما هو السحت

لا أملك لك شيئاً قد بلغتك. فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيراً له رغاء فينادي: يا محمد يا محمد. فأقول لا أملك لك شيئاً قد بلغتك. فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمة فينادي: يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك شيئاً قد بلغتك. فلا أعرفن أحدكم يوم القيامة يحمل سقاء من أدم ينادي: يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك شيئاً قد بلغتك) رواه أبو يعلى والبزار وقال الحافظ المنذري: إسنادهما جيد إن شاء الله. وقال الشيخ الألباني: حسن. انظر صحيح الترغيب والترهيب ص 332 - 333. ما هو السحت يقول السائل: ما المقصود بأكل السحت؟ الجواب: ورد الوصف بأكل السحت في ثلاث آيات من القرآن الكريم وذلك في سورة المائدة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) سورة المائدة الآيتان 41 - 42. وقال الله تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة المائدة الآية 62. وقوله تعالى: (لوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) سورة المائدة الآية 63.

قال أهل التفسير في قوله تعالى: (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) أي الحرام وسمي المال الحرام سحتاً لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها. انظر تفسير القرطبي 6/ 183. وقيل لأنه لا بركة فيه لأهله فيهلك هلاك الاستئصال غالباً. وقيل لأنه يسحت مروءة الإنسان. والسحت المقصود في الآية هو الرشوة على الحكم وذلك على المشهور عند المفسرين وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري. تفسير الألوسي 3/ 309. وروى الإمام البخاري تعليقاً عن محمد بن سيرين أنه قال: [كان يقال السحت الرشوة في الحكم]. وقال الحافظ ابن حجر: [وأشار ابن سيرين بذلك إلى ما جاء عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت من قوله في تفسير السحت أنه الرشوة في الحكم أخرجه ابن جرير بأسانيد عنهم. ورواه من وجه آخر مرفوعاً ورجاله ثقات ولكنه مرسل ولفظه: كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به. قيل: يا رسول الله وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم] فتح الباري 5/ 360. قال الحافظ ابن عبد البر: [وفيه دليل على أن كل ما أخذه الحاكم والشاهد على الحكم بالحق أو الشهادة بالحق سحت وكل رشوة سحت وكل سحت حرام ولا يحل لمسلم أكله وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء المسلمين. وقال جماعة من أهل التفسير في قول الله عز وجل: (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) قالوا: السحت الرشوة في الحكم وفي السحت كل ما لا يحل كسبه] فتح المالك 8/ 223 ويدخل تحت السحت كل مال حرام لا يحل كسبه ولا أكله ومن السحت الربا والغصب والقمار والسرقة ومهر البغي وثمن الخمر والخنزير والميتة والأصنام والتماثيل والمال المأكول بالباطل كمن يسأل الناس وهو

ليس بحاجة فإن ما يأكله من المال يعتبر سحتاً فقد جاء في الحديث عن قبيصة بن مخارق الهلالي - رضي الله عنه - قال: (تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها. قال ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال سداداً من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال سداداً من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) رواه مسلم. وجاء في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به) رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان. وفي رواية أخرى: [كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به] رواه أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم وقال الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 831. قال الشيخ المناوي بعد أن ذكر الحديث: [هذا وعيد شديد يفيد أن أكل أموال الناس بالباطل من الكبائر] فيض القدير 5/ 23. وعن كعب بن عجرة قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون بعدي فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد عليَّ الحوض ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه ويرد عليَّ الحوض. يا كعب بن عجرة: الصلاة برهان والصوم جنة حصينة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به)

رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وصححه الألباني. صحيح سنن الترمذي 1/ 189. وعن أبي بكر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام) رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أبي يعلى ثقات وفي بعضهم اختلاف قاله الهيثمي. مجمع الزوائد 10/ 293.

الأسرة والمجتمع

الأسرة والمجتمع

يحرم تزويج تارك الصلاة

يحرم تزويج تارك الصلاة تقول السائلة: إنها فتاة ملتزمة بأحكام الإسلام وقد تقدم لخطبتها شاب تارك للصلاة ويريد أبوها أن يزوجها منه وهي ترفض ذلك فما قولكم؟ الجواب: إن واجب الآباء النظر والفحص في أحوال من يتقدم لخطبة بناتهم وأن يجعلوا المعيار للقبول والرد هو ما قرره الشرع فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حسن. وجاء في الحديث عن أبي حاتم المزني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد. قالوا: وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ثلاث مرات. رواه الترمذي وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني. صحيح سنن الترمذي 1/ 315. وهذا الحديث يقرر أصلاً مهماً في الزواج وهو اعتبار الكفاءة في الدين فإن تارك الصلاة ليس كفؤاً للمرأة الصالحة المصلية وتارك الصلاة لا ينبغي أن يزوج لأن أمره دائر بين الكفر والفسق على اختلافٍ بين العلماء في حاله.

قال العلامة ابن القيم: [لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة] كتاب الصلاة ص 3 - 4. قال الله تعالى مخبراً عن أصحاب الجحيم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) المدثر الآيتان 42 - 43. وقال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) سورة مريم الآية 59. وقد وردت أحاديث كثيرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الترهيب من ترك الصلاة تعمداً وكذلك آثار عن الصحابة والسلف أذكر طائفة منها: عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم. وفي رواية: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. وفي رواية أخرى: (بين الكفر والإيمان ترك الصلاة) رواه الترمذي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني. وجاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (عُرَى الإسلام وقواعد الدين ثلاث عليهن أٌسُ الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة المكتوبة وصوم رمضان) وإسناده حسن كما قال المنذري والهيثمي. وفي رواية أخرى: (من ترك منهن واحد فهو بالله كافر ولا يقبل منه صرف ولا عدل وقد حل دمه وماله) وسندها حسن كما قال الشيخ ابن حجر المكي في الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 284. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله) رواه البخاري ومسلم.

وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح وصححه الشيخ الألباني. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الصلاة يوماً فقال: من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف) رواه أحمد والدارمي وقال المنذري: إسناده جيد. قال بعض العلماء: وإنما حشر مع هؤلاء لأنه إن اشتغل عن الصلاة بماله أشبه قارون فيحشر معه أو بملكه أشبه فرعون فيحشر معه أو بوزارته أشبه هامان فيحشر معه أو بتجارته أشبه أبي بن خلف تاجر كفار مكة فيحشر معه. الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 289. وعن عبد الله بن شقيق العقيلي - رضي الله عنه - قال: (كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) رواه الترمذي والحاكم وصححه. وقال الشيخ الألباني: صحيح. وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: (أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - أن لا تشرك بالله شيئاً وإن قطعت أو حرقت ولا تترك صلاة مكتوبة متعمداً فمن تركها فقد برئت منه الذمة ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر) رواه ابن ماجة والبيهقي وصححه الشيخ الألباني. وعن أم أيمن رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تترك الصلاة متعمداً فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله) رواه أحمد والبيهقي وصححه الشيخ الألباني. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (من ترك الصلاة فلا دين له) رواه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان والطبراني في المعجم الكبير وحسنه الشيخ الألباني.

وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: (لا إيمان لمن لا صلاة له ولا صلاة لمن لا وضوء له) رواه ابن عبد البر وصححه الشيخ الألباني. انظر هذه الأحاديث والآثار وحكم الشيخ الألباني عليها صحيح الترغيب والترهيب ص 226 - 230. وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: (لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة) الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 295. قال الشيخ ابن حجر المكي بعد أن ساق عدداً كبيراً من الأحاديث والآثار في تارك الصلاة: [اختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة وقد مرّ في الأحاديث الكثيرة السابقة التصريح بكفره وشركه وخروجه من الملة وبأنه تبرأ منه ذمة الله وذمة رسوله وبأنه يحبط عمله وبأنه لا دين له وبأنه لا إيمان له وبنحو ذلك من التغليظات وأخذ بظاهرها جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فقالوا من ترك صلاة متعمداً حتى خرج جميع وقتها كان كافراً مراق الدم منهم عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبو هريرة وابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله وأبو الدرداء ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك والنخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وغيرهم فهؤلاء الأئمة كلهم قائلون بكفر تارك الصلاة وإباحة دمه] الزواجر 1/ 298. وقد سقت هذه النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وآثار السلف لأؤكد على قضية خطيرة جداً ألا وهي إن ترك الصلاة الذي هو من كبائر الذنوب قد صار أمراً عادياً في مجتمعنا ولا يثير في نفوساً شيئاً ولا يحرك ساكناً ولا يعتبره كثير من الناس وبعض المشايخ مما يطعن في شخصية تارك الصلاة بل إن بعض هؤلاء يتعاملون مع تارك الصلاة بكل الحب والاحترام والتقدير الذي لا يحظى به كثير من عباد الله المصلين المحافظين على حدود الله فإنا لله وإنا إليه راجعون. ويجب التأكيد على أن تارك الصلاة لا يجوز أن يزوج والولي أباً كان

اشتراط المرأة في عقد زواجها أن لا يتزوج عليها بأخرى

أو أخاً إن أجبر ابنته أو أخته على الزواج من تارك للصلاة فقد ارتكب جرماً عظيماً. وقد ورد عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: [من زوج ابنته لتارك صلاة فكأنما ألقاها في نار جهنم]. فتارك الصلاة أقل أحواله أنه فاسق والفاسق ليس كفؤاً للمرأة المصلية الملتزمة بشرع الله. وتارك الصلاة هذا يجب أن ينصح وأن يعاد عليه النصح مراراً وتكراراً لعله يعود ويرجع ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى. وأخيراً لا يجوز لهذا الأب أن يجبر ابنته على الزواج من تارك الصلاة فإن فعل فقد وقع في الحرام وعليه وزر عظيم والعياذ بالله. اشتراط المرأة في عقد زواجها أن لا يتزوج عليها بأخرى يقول السائل: هل يجوز للمرأة أن تشترط في عقد زواجها أن لا يتزوج زوجها عليها وما الحكم لو حصل هذا الشرط وقبل به الزوج عند العقد ثم ندم على ذلك بعد مدة فهل عليه الوفاء بالشرط المذكور أم لا؟ الجواب: اتفق أهل العلم على وجوب الوفاء بالشروط التي يقتضيها عقد الزواج كالإنفاق على الزوجة مثلاً. واختلفوا في الشروط التي لا تنافي مقتضى عقد الزواج ولا تخل بمقصوده الأصلي كالشرط المذكور في السؤال. والذي أختاره في هذه المسألة أنه يجوز للمرأة أن تشترط في عقد زواجها أن لا يتزوج زوجها عليها وأنه يلزم الزوج الوفاء بهذا الشرط ما دام أنه قبل به عند عقد الزواج وهذا قول الحنابلة في هذه المسألة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عند حديثه على الشروط في النكاح:

[ما يلزم الوفاء به وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها ولا يسافر بها أو لا يتزوج عليها. فهذا يلزمه الوفاء لها به فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاووس والأوزاعي وإسحاق] المغني 7/ 93. ومما يدل لهذا القول عموم النصوص الشرعية الآمرة بالوفاء بالعهد كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) سورة المائدة آية 1. ومما يدل عليه أيضاً ما جاء في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) رواه البخاري ومسلم. وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب الشروط في النكاح وقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط. وقال المسور بن مخرمة: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر صهراً له فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن، قال: حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي] وقال الحافظ ابن حجر عن أثر عمر بأنه قد وصله سعيد بن منصور في سننه. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 11/ 124. وقد صحح الشيخ الألباني أثر عمر المذكور. ومما يدل لهذا القول ما جاء في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا بقول الحنابلة في هذه المسألة فقد جاء في المادة 19 من القانون المذكور ما يلي: [إذا شرط في العقد شرط نافع لأحد الطرفين ولم يكن

زوج الأخت أجنبي على أخت الزوجة

منافياً لمقاصد الزواج ولم يلتزم فيه بما هو محظور شرعاً وسجل في وثيقة العقد وجبت مراعاته وفقاً لما يلي: 1. إذا اشترطت الزوجة على زوجها شرطاً تتحقق به مصلحة غير محظورة شرعاً ولا يمس حق الغير كأن تشترط عليه أن لا يخرجها من يلدها أو لا يتزوج عليها أو أن يجعل أمرها بيدها تطلق نفسها إذا شاءت أو أن يسكنها في بلد معين كان الشرط صحيحاً وملزماً فإن لم يف به الزوج فسخ العقد بطلب الزوجة ولها مطالبته بسائر حقوقها الزوجية. الخ]. وبناءاً على ما سبق أقول بأنه يجب على الزوج الوفاء بالشرط المذكور ما دام أنه قبل به ابتداءً وعليه الالتزام بذلك. ولكني أنصح المقبلين على الزواج أن لا يقبلوا بهذا الشرط ابتداءً فلا ينبغي للرجل أن يقبل أن يشرط عليه في عقد الزواج أن لا يتزوج عليها. لأنه لا يدري ماذا يحصل معه في مستقبل أيامه فقد تمرض زوجته مرضاً يمنع استمرار الحياة الزوجية بالشكل المطلوب كأن تصاب بمرض مزمن أو معد أو قد تصيبها أمور أخرى أو قد تقع العداوة والبغضاء بينهما ولا يستطيع تطليقها لسبب ما فإنه حينئذ يستطيع أن يتزوج عليها ثانية فإن كان قد شرط على نفسه ألا يتزوج عليها فقد قطع الطريق على نفسه. زوج الأخت أجنبي على أخت الزوجة يقول السائل: إنه وأخوه متزوجان من أختين ويسكنان في بيت واحد وزوجة كل منهما تظهر على زوج أختها بدون جلباب مع إظهار الزينة لأنهما تعتقدان أن زوج الأخت محرم فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن زوج الأخت يعتبر أجنبياً على أخت زوجته ولا يختلف حكمه عن الرجال الأجانب إلا في حكم واحد فقط وهو أنه لا يجوز أن يتزوج أخت زوجته ما دامت أختها في عصمته. وهنالك خطأ شائع بين الناس أن زوج الأخت محرم لأخت زوجته

وهذا الفهم مغلوط ولا يستند إلى أي دليل شرعي وإنما فهم الناس هذه المحرمية غير الصحيحة شرعاً من كونه لا يجوز شرعاً الجمع بين الأختين ففهم كثير من الناس ثبوت المحرمية بين زوج الأخت وأخت زوجته. ويجب أن يعلم أن هذا التحريم المؤقت في الجمع بين الأختين في الزواج لا يجعل زوج الأخت محرماً لأخت زوجته. ومحارم المرأة هم الذين يحرم عليهم نكاحها على التأبيد وهذه المحرمية تكون بسبب النسب أو بسبب الرضاع أو بسبب المصاهرة. والمحارم من النسب هم الآباء وإن علوا من جهة الذكور والإناث كآباء الآباء وآباء الأمهات. والمحارم من الأبناء أي أبناء النساء فيدخل فيهم أولاد الأولاد وإن نزلوا من الذكور والإناث مثل بني البنين وبني البنات أما أبناء بعولتهن فهم آبناء أزواجهن من غيرهن وهؤلاء محارم بسبب المصاهرة لا بسبب النسب. المحارم من الأخوة وهم إخوانهن سواء أكانوا أخوة لأم وأب أو لأب فقط أو لأم فقط. المحارم من بني إخوانهن وإن نزلوا من ذكران وإناث كبني بني الإخوان. المحارم من بني أخواتهن وإن نزلوا من ذكران وإناث كبني بنات الأخوات. العم والخال وهما من المحارم بالنسب ولم يذكروا في الآية الكريمة لأنهما يجريان مجرى الوالدين وهما عند الناس بمنزلة الوالدين. وأما المحارم من الرضاع فهم مثل المحارم من النسب لما ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) رواه مسلم. وأما المحارم من المصاهرة فهم الذين يحرم عليهم نكاحها على التأبيد

مثل زوجة الأب وزوجة الابن وأم الزوجة فالمحرم بالمصاهرة بالنسبة لزوجة الأب هو ابنه من غيرها وبالنسبة لزوجة الابن هو أبوه وبالنسبة لأم الزوجة هو الزوج. المفصل في أحكام المرأة 3/ 161 - 162. وبين الله سبحانه وتعالى المحرمات من النساء بقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة النساء الآيتان 22 - 23. ولم يقل الله سبحانه وتعالى: (وأخوات نسائكم) وإنما قال: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) فالأمر المحظور هو الجمع بين الأختين أي في الزواج، وبهذا يظهر لنا بوضوح أن زوج الأخت ليس محرماً لأخت زوجته. وبناءاً على ذلك فإن زوج الأخت يعتبر أجنبياً على أخت زوجته وتنطبق عليه جميع الأحكام المتعلقة بالأجانب من حيث النظر واللمس والدخول والخلوة فلا يجوز أن ينظر زوج الأخت من أخت زوجته إلى شيء سوى الوجه والكفين ولا يجوز له لمسها ولا مصافحتها ولا يجوز أن يخلو بها. ولا يجوز لها أن تبدي زينتها أمام زوج أختها لقوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْءَابَائِهِنَّ أَوْءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) سورة النور الآية 31. وأخو الزوج ليس من هؤلاء المذكورين في الآية. وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجال من الدخول على النساء وخاصة أخو

الزوج فقد صح في الحديث عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الحمو الموت) قال الليث بن سعد: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج: ابن العم ونحوه. اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وأخيه وابن أخيه وابن العم ونحوهم، والأختان أقارب زوجة الرجل والأصهار يقع على النوعين. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الحمو الموت) فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم. وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي. وقال ابن الأعرابي: هي كلمة تقولها العرب كما يقال: الأسد الموت. أي لقاؤه مثل الموت، وقال القاضي: معناه الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت فورد الكلام مورد غليظ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 329. وقال أبو العباس القرطبي: [وقوله: (الحمو الموت) أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم التحريم وإنما بالغ في الزجر عن ذلك وشبهه بالموت لتسامح الناس في ذلك من جهة الزوج والزوجة لإلْفهم لذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة عادة وخرج هذا مخرج قول العرب: الأسد الموت والحرب الموت أي لقاءه يفضي إلى الموت وكذلك دخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 5/ 501 - 502.

مسألة لبن الفحل

ونقل الحافظ ابن حجر عن الطبري قوله: [المعنى أن خلوة الرجل بامرأة أخيه وابن أخيه - أي زوجة ابن أخيه - تنزل منزلة الموت والعرب تصف الشيء المكروه بالموت] فتح الباري 11/ 245. مسألة لبن الفحل يقول السائل: رجل له زوجتان وكل منهما قد أنجبت والأولى منهما أرضعت ولداً لأحد الأقارب فهل يجوز لهذا أن يتزوج ابنة ذلك الرجل من زوجته الثانية؟ الجواب: ثبت في الحديث الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الرضاعة تحرم ما يحرم من النسب) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وهو حديث صحيح. وقد اتفق العلماء على ذلك وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وفي السؤال المذكور فإن الولد المشار إليه قد رضع من زوجة الرجل فيصير الرجل أباً لذلك الولد من الرضاعة والبنت التي أراد أن يتزوجها هي أخت لأب من الرضاعة فلا تحل له. وإن كانت البنت من الزوجة الثانية للرجل. وهذه المسألة يكون التحريم فيها بسبب الرجل وتسمى عند الفقهاء مسألة لبن الفحل وهي التي تكون الحرمة فيها في جانب زوج المرضعة التي نزل لبنها بسبب من الرجل ومعنى ذلك أن المرأة إذا أرضعت طفلاً بلبن هذا الفحل أي الرجل الذي كان وطؤه لها سبباً في إدرار لبن هذه المرأة فإن الطفل الرضيع يصير ولداً لهما فالمرأة تصير أمه بالرضاعة وهو ولدها بالرضاعة والرجل أي زوج المرأة يصير أباً له وهو ولده بالرضاعة وعلى هذا

تصير علاقة الرضيع بالرجل وزوجته وبأقاربهما مثل علاقة ولدهما بالنسب. المفصل في أحكام المرأة 6/ 238. قال الإمام النووي: [وأما الرجل المنسوب ذلك اللبن إليه لكونه زوج المرأة. فمذهبنا ومذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولداً له وأولاد الرجل أخوة الرضيع وأخواته ويكون أخو الرجل أعمام الرضيع وأخواته عماته] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 18. ومما يدل على هذا الحكم ما ثبت في الحديث عن عروة بن الزبير عن عائشة: (أنها أخبرته أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن أنزل الله الحجاب. قالت: فأبيت أن آذن له فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته بالذي صنعته فأمرني أن آذن له عليَّ) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى: (أن عائشة أخبرته أنه جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها بعدما نزل الحجاب وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة. فقلت: والله لا آذن لأفلح حتى أستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته. قالت عائشة: فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: يا رسول الله إن أفلح أخا أبي القعيس جاءني يستأذن عليَّ فكرهت أن آذن له حتى استأذنك. قالت: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إئذني له. قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول حرموا من الرضاع ما تحرمون من النسب] رواه مسلم. وقد ثبت في الحديث أيضاً أنه طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينكح درة بنت أبي سلمة فقال: (لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثويبة) رواه البخاري ومسلم. وقد سئل ابن عباس عن رجل تزوج امرأتين فأرضعت إحداهما جارية وأخرى غلاماً فهل يتزوج الغلام بالجارية. فقال: لا اللقاح واحد. رواه مالك والترمذي وإسناده صحيح. والقول بأن لبن الفحل يحرم هو القول الصحيح في هذه المسألة وحديث عائشة في قصة استئذان أفلح أخي أبي القعيس نص صريح في أن لبن الفحل يحرم.

قال الشيخ ابن قدامة بعد أن ساق الحديث: [وهذا نص قاطع في محل النزاع فلا يعول على ما خالفه] المغني 7/ 114. وقال العلامة ابن القيم: [الحكم الثاني: المستفاد من هذه السنة أن لبن الفحل يحرم والتحريم ينتشر منه كما ينتشر من المرأة وهذا هو الحق الذي لا يجوز أن يقال بغيره وإن خالف فيه من خالف من الصحابة ومن بعدهم فسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع ويترك ما خالفها لأجلها ولا تترك هي لأجل قول أحد كائناً من كان ولو تركت السنن لخلاف من خالفها لعدم بلوغها له أو لتأويلها أو غير ذلك لترك سنن كثيرة جداً وتركت الحجة إلى غيرها وقول من يجب اتباعه إلى قول من لايجب اتباعه وقول المعصوم إلى قول غير المعصوم وهذه بلية نسأل الله العافية منها وأن لا نلقاه بها يوم القيامة. قال الأعمش: كان عمارة وإبراهيم وأصحابنا لا يرون بلبن الفحل بأساً حتى أتاهم الحكم بن عتيبة بخبر أبي القعيس فتركوا قولهم ورجعوا عنه وهكذا يصنع أهل العلم إذا أتتهم السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجعوا إليها وتركوا قولهم بغيرها] زاد المعاد 5/ 564 - 565. وتعليل التحريم بلبن الفحل أن اللبن هو سبب التحريم لأنه ينبت اللحم وينشز العظم واللبن في المرأة يوجد بسب ماء الرجل وماء المرأة وبارتضاعه تثبت الجزئية بين الرضيع وبين المرأة وزوجها وهما اللذان بسبب مائهما حصل اللبن واللبن هو سبب إنبات اللحم وانتشاز العظم وهذا بدوره سبب الجزئية بين الرضيع وبين مسببي الجزئية أي الرجل وامرأته والسبب يقوم مقام المسبب خصوصاً في باب الحرمات ألا ترى أن المرأة تحرم على جدها كما تحرم على أبيها وإن لم يكن تحريمها على جدها منصوصاً عليه في القرآن الكريم لأن البنت وإن حدثت من ماء الأب حقيقة دون ماء الجد ولكن الجد سبب ماء الأب فأقيم السبب مقام المسبب في حق حرمة النكاح احتياطاً كذا هاهنا. وقد أشار عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إلى هذا المعنى فقد روي

ما هو النمص؟

أنه سئل عن رجل له امرأتان أرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاماً هل يصلح للغلام أن يتزوج الجارية؟ فقال ابن عباس: لا، لأن اللقاح واحد. وبهذا الجواب بين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الحكم وأشار إلى المعنى وهو اتحاد اللقاح لأن المحرم هو اللبن وسبب اللبن هو ماء الرجل وماء امرأته جميعا فيجب أن يكون الرضاع منهما جميعاً كما كان الولد لهما جميعاً] المفصل في أحكام المرأة 6/ 240. ما هو النمص؟ تقول السائلة: هل إزالة الشعر الذي يكون بين الحاجبين من النمص المنهي عنه؟ الجواب: النمص هو نتف الشعر وإزالته كما ذكره أهل اللغة. انظر تاج العروس من جواهر القاموس 9/ 374. وقد ورد النهي عن النمص في أحاديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن نتف الشعر وإزالته ليست ممنوعة على إطلاقها بل هناك مواقع في الجسم يندب إزالة الشعر منها. وقد فسر العلماء النمص الوارد في الأحاديث بأنه إزالة شعر الحاجب أو ترقيقه وهو قول وجيه. قال أبو داود صاحب السنن: (والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه والمتنمصة المعمول بها) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 11/ 152. وقد اتفق أهل العلم على أن ترقيق الحاجب ونتفه داخل في النمص المنهي عنه وأن فاعلته ملعونة كما ثبت في الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات

والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله؟ قالت: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته. فقال: لئن كنت قرأتيه وجدتيه، قال عز وجل: (وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). فقالت المرأة: فإني أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن. قال: اذهبي فانظري. قال: فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً. فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئاً. فقال: أما لوكان ذلك لم نجامعها) رواه مسلم وفي رواية لأبي داود: [قالت: إني أرى بعض هذا على امرأتك. قال: فادخلي فانظري. فدخلت ثم خرجت فقالت: ما رأيت. فقال: لو كان ذلك ما كانت معنا] عون المعبود 11/ 151. قال الإمام النووي: [وأما النامصة. فهي التي تزيل الشعر من الوجه والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها. وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية وشوارب فلا تحرم إزالته بل يستحب عندنا.] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 288. وقول ابن مسعود في آخر الحديث: (أما لو كان ذلك لم نجامعها) معناه لم نصاحبها ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نفارقها ونطلقها. هذا هو بيان قول ابن مسعود عند جماهير العلماء كما قال الإمام النووي وعليه تدل رواية أبي داود الأخرى.

وطلاقها وفراقها بسبب النمص لأنه من كبائر الذنوب نظراً للعن فاعله كما ذكره ابن حجر المكي لأن من علامات كبائر الذنوب اللعن وقد صحت الأحاديث بذلك. انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 308. واللعن هو الطرد من رحمة الله ويستحق فاعله ذلك لأنه تغيير لخلق الله وهو من إغواء الشيطان للإنسان في تغيير خلق الله كما قال جل جلاله: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّءَاذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا) سورة الأنعام الآيات 117 - 119. وقد نص أهل العلم على أن الشعر الذي يكون بين الحاجبين لا تجوز إزالته لأن ذلك داخل في النمص المنهي عنه. فإذا كانت المرأة مقرونة الحاجبين فلا يجوز لها إزالة ذلك لما فيه من تغيير لخلق الله. ومن شر النمص ما تفعله بعض النسوة من إزالة جميع شعر الحاجبين واستبدال ذلك بخط بقلم المكياج فهذا العمل محرم لا شك في حرمته كما أن له آثاراً ضارة من الناحية الصحية كما بين الأطباء ذلك حيث يقول د. وهبه حسون - الأستاذ بكلية الطب في جامعة الإسكندرية -: [إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها من ماكياجات الجلد لها تأثيرها الضار فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة مثل الرصاص والزئبق تذاب في مركبات دهنية مثل زيت الكاكاو كما أن كل المواد الملونة تدخل فيها بعض المشتقات البترولية وكلها أكسيدات مختلفة تضر بالجلد وإن امتصاص المسام الجلدية لهذه المواد يحدث التهابات وحساسية أما لو استمر استخدام هذه الماكياجات فإن له تأثيراً ضاراً على الأنسجة المكونة للدم والكبد والكلى فهذه المواد الداخلة لها خاصية الترسيب المتكامل فلا يتخلص منها الجسم بسرعة. إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشط الحلمات الجلدية فتتكاثر خلايا الجلد وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة

المسؤولية الطبية

ملحوظة وإن كنا نلاحظ أن الحواجب الطبيعة تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه] التبرج ص 191. وقد أجاز بعض العلماء إزالة ما ينبت من الشعر على وجه المرأة غير الحاجبين، قال الإمام العيني: [ولا تمنع الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج وكذا أخذ الشعر منه] عمدة القاري شرح صحيح البخاري 2/ 193. وقال الشيخ ابن قدامة: [فأما حف الوجه فقال مهنا: سألت أبا عبد الله - أي الإمام أحمد - عن الحف فقال: ليس به بأس للنساء] المغني 1/ 91. ويؤيد ذلك ما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني أن الطبري أخرج من طريق أبي إسحاق عن امرأته: [أنها دخلت على عائشة وكانت شابة يعجبها الجمال فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها. قالت: أميطي الأذى عنك ما استطعت] فتح الباري 12/ 500. وقال الحافظ ابن الجوزي: [وأما الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج فلا أرى بها بأساً وكذلك أخذ الشعر من الوجه للتحسن للزوج. ثم نقل عن شيخه عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي قوله: إذا أخذت المرأة الشعر من وجهها لأجل زوجها بعد رؤيته إياها فلا بأس به] أحكام النساء ص341 - 342. المسؤولية الطبية يقول السائل: متى يتحمل الطبيب المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بالمريض أو التي تؤدي إلى وفاة المريض؟ الجواب: من المعلوم أنه لا يجوز لأي إنسان ممارسة مهنة الطبيب إلا من درس الطب في كليات الطب وأتم سنوات الدراسة بنجاح وأعطي الشهادة الأولى في الطب وقام بالممارسة العملية تحت إشراف الأطباء الأكثر خبرة منه من خلال ما يعرف بسنة الامتياز.

وأما من يمارس التطبيب دونما دراسة ودراية فهو متطبب جاهل يضمن كل تصرف يصدر عنه فقد ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. وجاء في حديث آخر قول عليه الصلاة والسلام: (أيما طبيبُ تَطَببَ على قوم لا يعرف له تَطَبُبٌ قبل ذلك فأعنت فهو ضامن) رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. انظر صحيح سنن أبي داود 3/ 866 - 867. وقال العلامة ابن القيم شارحاً الحديث الأول: [. وأما الأمر الشرعي فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل. فإذا تعاطى علم الطب وعمله ولم يتقدم له به معرفة فقد هجم بجهل على إتلاف الأنفس وأقدم بالتهور على ما لم يعلم فيكون قد غرر بالعليل فيلزمه الضمان لذلك وهذا إجماع من أهل العلم. قال الخطابي: لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً. والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه متعدٍ. فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية وسقط عنه القود - أي القصاص - لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض.]. ثم بين العلامة ابن القيم الحالات التي يكون فيها الطبيب مسئولاً عن وفاة المريض أو عن الأضرار التي تلحق بالمريض وألخصها فيما يلي: الأولى: أن يكون الطبيب حاذقاً ماهراً أعطى المهنة حقها ولم تجن يده فتولد من فعله المأذون به من جهة الشارع ومن جهة المريض تلف العضو أو موت المريض فهذا الطبيب لا يتحمل شيئاً من المسؤولية باتفاق الفقهاء لأن وفاة المريض أو تلف العضو ناتج عن فعل مأذون به شرعاً ومأذون به من المريض أو وليه إذا كان عمل الطبيب وفق قواعد الطب المعروفة ولم تخطئ يده.

الثانية: متطبب جاهل باشرت يده المريض فتلف عضو منه أو مات فإن هذا المتطبب ضامن لما جنت يداه ويجب أن يعاقب أيضاً على تعديه وممارسته الطب دون أن يكون مؤهلاً لذلك. الثالثة: أن يكون الطبيب حاذقاً ماهراً أذن له وأعطى الصنعة حقها ولكن أخطأت يده وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفته فتقوم لجنة طبية من أهل الاختصاص بفحص ما أقدم عليه الطبيب وتبين أن ما قام به خطأً فحينئذ فإن الطبيب يضمن ما أقدم عليه. الرابعة: أن يكون الطبيب ماهراً حاذقاً اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده فقتله فهذا يخَّرج على قولين عند الفقهاء: فمنهم من يرى أن دية المريض القتيل على بيت المال. ومنهم من يرى أن الدية على عاقلة الطبيب. الطب النبوي بتصرف ص264 - 266. ويرى العلماء المعاصرون أن المسؤولية الطبية تنقسم إلى قسمين: 1. المسؤولية الأخلاقية الأدبية والجنائية: وهي متعلقة بسلوك الطبيب والهيئة الطبية من ممرضين وفنيين في المختبرات والأشعة. الخ. ومن أمثلتها: قضايا الغش والكذب والتزوير في الشهادات والتقارير الطبية سواء أكانت لمصلحة المريض أو ضده. ومن أمثلتها: إجراء عملية جراحية مثل الزائدة الدودية لشخص لا يعاني من التهاب الزائدة ويجريها الطبيب للحصول على المال. وكذلك المستشفيات الخاصة التي تطلب من الأطباء في بعض الأحيان أن يزيدوا من الفحوص الطبية وإن كانت غير مطلوبة لتشخيص المرض ولكن للحصول على المال فينبغي تحميل الأطباء والمشرفين على المستشفيات المسؤولية عن مثل هذه الحالات وخاصة إذا لحق ضرر بالمريض.

2. المسؤولية المهنية: ويسأل الطبيب والهيئة الطبية عن الأضرار التي تلحق بالمريض عمداً أو جهلاً أو خطأً. أما العمد فلا يتصور من الطبيب أن يتعمد الإضرار بالمريض لأن وظيفة الطبيب هي مساعدة المريض على الشفاء. ولكن إن ثبت بالأدلة الصحيحة وجود الاعتداء عن عمد فإن الطبيب يعاقب ويضمن ما لحق بالمريض من الأضرار. وأما الجهل: فإن الطبيب يسأل عن الجهل بالمهنة سواء أكان جاهلاً بجميع الطب كمن ادعى الطب وهو لا يعلمه أو كان جاهلاً بجزء من الطب كالطبيب يعلم فرعاً من الطب ولا يعرف غيره كالطبيب الباطني إذا أجرى عملية لمريض في عينه فأتلفها فإنه يضمن. وأما الخطأ فإن الطبيب يسأل عن الخطأ الفاحش الذي يتجاوز فيه الطبيب الحد المعتبر عند أهل الاختصاص ولم يلتزم بأصول الطب المعتبرة حسب الزمان والمكان كأن يجري الطبيب عملية جراحية قد استغني عنها بعملية جراحية أخرى أو أن يداوي قرحة الإثني عشر بإزالة جزء من المعدة والإثني عشر مع وجود أدوية تقوم بمداوة القرحة وشفائها. وكأن يخطئ الجراح نتيجة الإهمال وعدم الانتباه مثل نسيان الشاش وبعض أدوات الجراحة في جوف المريض أو إصابة شريان أو عضو بسبب من خطأ الجراح أو مساعده أو حدوث إنتان بسبب عدم تعقيم الأدوات الجراحية. فإن الطبيب وطاقمه الطبي يضمنون كل ضرر يلحق بالمريض لأن ما قاموا به يعتبر خروجاً عن الأصول الطبية المعتبرة. وينبغي أن يعلم أن الخطأ الذي يقع فيه الطبيب يضمنه الطبيب أولاً وكذلك المستشفى أو الجهة التي يعمل فيها الطبيب فإن إدارة المستشفى تتحمل جزءاً من المسؤولية لأن المريض عندما يتعامل مع المستشفى فإنه يتعامل مع شخص معنوي وهو لا يتعامل مع الطبيب بصفته الشخصية ولكن بصفته موظفاً لدى المستشفى. لذلك فإذا حصل خطأ أو تقصير من الطبيب أو أي فرد في الهيئة الطبية في المستشفى فإن إدارة المستشفى مسؤولة بالتضامن مع موظفيها

حيث إن إدارة المستشفى تملك سلطة التوجيه والإشراف والرقابة. انظر المسؤولية الطبية ص 123. وأخيراً ينبغي التنبيه على أن تكون العلاقة بين الطبيب ومريضه علاقة طيبة فيتلطف الطبيب بالمريض ويكون به رحيماً وعليه حليماً وبجيبه رفيقاً فلا يطلب منه الأموال الطائلة ولا يحمله ما لا يطيق. ونلاحظ في أيامنا هذه أن مهنة الطب تلك المهنة الإنسانية تحولت عند بعض الأطباء وعند كثير من أصحاب المستشفيات إلى حسابات مادية خالصة. وختاماً أذكر وصف الطبيب المسلم كما تبنته الجمعية الطبية الإسلامية بأمريكا الشمالية سنة 1977 م والذي يعكس الفكرة الإسلامية لآداب مهنة الطب فالطبيب المسلم: [يجب أن يؤمن بالله وبتعاليم الإسلام وسلوكياته في حياته الخاصة والعامة. وأن يكون عارفاً لجميل والديه ومعلميه ومن هم أكبر منه. وأن يكون بسيطاً متواضعاً رفيقاً رحيماً صبوراً متحملاً. وأن يسلك الطريق المستقيم ويطلب من الله دوام التوفيق. وأن يظل دائماً على دراية بالعلوم الطبية الحديثة وينمي مهارته باستمرار طلب العون عندما يلزمه ذلك. وأن يستشعر أن الله هو الذي يخلق ويملك جسد المريض وعقله فيعامل المريض في إطار تعاليم الله متذكراً أن الحياة هي هبة الله للإنسان وأن الحياة الآدمية تبدأ من لحظة الإخصاب ولا يمكن سلبها إلا بيد الله أو برخصة منه ويتذكر أن الله يراقب كل فكر وعمل. وأن يلتزم بالقوانين التي تنظم مهنته وأن يتبع أوامر الله كمنهج وحيد حتى لو اختلفت مع متطلبات الناس أو رغبات المريض. وألا يصف أو يعطي أي شيء ضارٍ وأن يقدم المساعدة اللازمة دون

علاج الطبيب للمرأة

اعتبار للقدرة المادية أو أصل المريض أو عمله وأن يقدم النصيحة اللازمة للجسم والعقل وأن يحفظ سر المريض. وأن يتوخى الأسلوب المناسب في التخاطب وأن يفحص المريض من الجنس الآخر في وجود شخص ثالث ما تيسر ذلك. وألا ينتقد زملاءه الأطباء أمام المرضى أو العاملين في الحقل الطبي. وأن يسعى دائماً إلى تبني الحكمة في كل قراراته]. مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 8 ج 3/ 114. علاج الطبيب للمرأة يقول السائل: هل يعتبر دخول المرأة إلى عيادة الطبيب منفردة لأجل الكشف والمعالجة خلوة محرمة؟ الجواب: إن دخول المرأة منفردة إلى عيادة الطبيب لأجل الكشف والمعالجة يعتبر خلوة محرمة والأصل في المرأة المسلمة إذا مرضت واحتاجت للعلاج أن تراجع طبيبة مسلمة كانت أو غير مسلمة ولا يحل لها مراجعة الطبيب الرجل إذا وجدت الطبيبة وكان بإمكانها مراجعتها فإن لم توجد الطبيبة أو تعذرت مراجعتها أو لم تكن من أهل الاختصاص بمرض تلك المرأة فيجوز حينئذ أن تراجع الطبيب الرجل وهنا لا بدّ من الالتزام بالضوابط التالية في تعامل الطبيب مع المرأة الأجنبية: 1. أن تتم المعاينة والكشف بحضور محرم للمرأة أو زوجها أو امرأة موثوقة خشية الوقوع في الخلوة المنهي عنها شرعاً. 2. ألا يطلع الطبيب على شيء من بدنها إلا بمقدار ما تقتضيه ضرورة العلاج فيجب على الطبيب أن يستر جسد المريضة إلا موضع المعالجة.

تقليم الأظفار

3. إذا استطاع الطبيب معالجة المرأة بالنظر دون اللمس فهو الواجب وعلى الطبيب أن يغض بصره وأن يتق الله ربه في ذلك. 4. ينبغي للمرأة المسلمة إذا احتاجت للمعالجة عند طبيب رجل أن تختار الطبيب الثقة الأمين صاحب الخلق والدين. تقليم الأظفار يقول السائل: إن بعض النساء لا يقلمن أظفارهن ويجعلنها تطول وبعضهن يطولنها للزينة كما يزعمن فما الحكم في ذلك؟ الجواب: اتفق أهل العلم على أن تقليم الأظفار من سنن الفطرة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ثبت ذلك في أحاديث منها: 1. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشوارب) رواه البخاري ومسلم. 2. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب) رواه البخاري. قال الإمام النووي: [وأما الفطرة فقد اختلف في المراد بها هنا. فقال أبو سليمان الخطابي: ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة. وكذا ذكره جماعة غير الخطابي. قالوا: ومعناه أنها من سنن الأنبياء صلوات الله وسلامهم عليهم. وقيل هي الدين] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 492. وبناء على ما سبق قال العلماء إن تقليم الأظفار سنة في حق الرجل والمرأة وفي أظفار اليدين والرجلين على حد سواء. ولا ينبغي تطويل الأظفار لما في ذلك من الضرر حيث إن الأوساخ قد تجتمع تحتها كما أن الجراثيم تجد مرتعاً خصباً تحت الأظفار الطويلة القذرة التي تترك بدون

تقليم وقد تجتمع تحتها البكتيريا والفطريات والفيروسات والطفيليات والتي قد تنتقل إلى الفم والأسنان أثناء تناول الطعام وتسبب مشكلات صحية كثيرة. فمن السنة والدين تقليمها فهي نظافة من سمات الإيمان والإسلام ودين الإسلام هو دين النظافة والطهارة. انظر الاستذكار 26/ 239 الحاشية. وينبغي للمسلم ذكراً كان أو أنثى أن يقلم أظفاره كلما طالت عن رؤوس الأصابع ولا بأس أن يتفقد أظفاره من الجمعة إلى الجمعة. ويرى بعض أهل العلم أن يقصها كل أربعين يوم مرة على الأقل كما ثبت في صحيح مسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: (وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة) صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 492. وفي رواية أخرى عند أصحاب السنن: (وقت لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.). وهذا التوقيت قد يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والضابط في ذلك هو الحاجة كما قال الحافظ ابن حجر. فتح الباري 12/ 467. وأما أن النساء يطلن أظفارهن زينة فهذا أمر مصادم للفطرة فإن الفطرة السوية تأبى أن يكون للإنسان أظفار طويلة لأن طول الأظفار والمخالب ليس لبني البشر. وأي زينة في طول الأظفار؟ وما أصدق قول الشاعر: قل للجميلة أرسلت أظفارها إني لخوف كدت أمضي هارباً إن المخالب للوحوش نخالها فمتى رأينا للظباء مخالباً؟ من علم الحسناء أن جمالها في أن تخالف خلقها وتجانبا؟ إن تطويل الأظفار وتركها بدون تقليم ليس من صفات المرأة المسلمة وهو مخالف للفطرة البشرية السوية كما قلت. فإن فعلته المرأة تقليداً للكافرات فهو حرام شرعاً لأن التشبه بأهل

يجوز للزوج منع زوجته من التدخين

الكفر ممنوع شرعاً وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني: صحيح. غاية المرام ص 86. يجوز للزوج منع زوجته من التدخين يقول السائل: إن زوجته تدخن وهو لا يدخن فهل يحق له أن يمنعها من التدخين؟ الجواب: لا شك لدي أن التدخين خبيث من الخبائث وقد ثبت ضرره قطعاً بما لا يدع مجالاً للشك في تحريمه وهذا أصح أقوال أهل العلم في حكم التدخين. وقد بين الأطباء والعلماء الأضرار الناتجة عن التدخين وآثاره السيئة على المدخن ومن حوله وآثاره الضارة على المجتمع بشكل عام. وقد سنت بعض الدول قوانين لمنع التدخين في الأماكن العامة وألزمت مصانع الدخان إثبات العبارات الدالة على ضرر التدخين على كل علبة سجائر كما وأن بعض الدول منعت الإعلان عن السجائر عبر وسائل الإعلام العامة وكل هذا وغيره من الإجراءات تمت بعد التأكد من أضرار التدخين القطعية على الإنسان. وأقول بعد هذا إنه يجب على الزوج أن يمنع زوجته من التدخين لأنه يمنعها من ارتكاب حرام لأن التدخين حرام كما قلت. والواجب على هذه الزوجة المدخنة أن تطيع زوجها وأن تمتنع عن التدخين حتى وإن لم تقتنع بحرمته فإن التدخين يترك رائحة كريهة وللزوج أن يمنع زوجته عن كل ما يؤدي للرائحة الكريهة من أكل الثوم والبصل وقد نص العلماء على حق الزوج في منع الزوجة من أكل الثوم والبصل. قال ابن عابدين: [وفي شرح العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي والد سيدنا عبد الغني، على شرح الدرر بعد نقله أن للزوج منع الزوجة من أكل

حكم إسقاط الجنين المشوه

الثوم والبصل وكل ما ينتن رائحة الفم. قال: ومقتضاه المنع من شربها التتن - الدخان - لأنه ينتن الفم خصوصاً إذا كان الزوج لا يشربه أعاذنا الله تعالى منه وقد أفتى بالمنع من شربه شيخ مشايخنا المسيري وغيره] حاشية ابن عابدين 6/ 459. ومن المعلوم أنه ينبغي للزوجين أن تكون رائحتهما طيبة لأن ذلك من حق أحدهما على الآخر والتدخين يجعل الأسنان صفراء ورائحة الفم كريهة. وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي النساء خير قال: (التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره) رواه النسائي وأبو داود وإسناده صحيح. وفي رواية أخرى: (خير النساء من تسرك إذا أبصرت وتطيعك إذا أمرت وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك) رواه الطبراني بإسناد صحيح. حكم إسقاط الجنين المشوه يقول السائل: إن زوجته حامل وقرر الأطباء أن الجنين مشوه ونصحوها بإسقاطه فما الحكم في ذلك؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً حكم الإجهاض وإسقاط الحمل بشكل عام قبل الحديث عن إسقاط الجنين المشوه. اتفق أهل العلم على تحريم الإجهاض بعد مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل لأن الروح تنفخ في الجنين عند مرور تلك المدة على رأي كثير من العلماء لما ثبت في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيأمر بأربع: برزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح.) رواه البخاري.

ويستثنى من هذا الحكم حالة واحدة فقط وهي إذا ثبت بتقرير لجنة من الأطباء الثقات أهل الاختصاص أن استمرار الحمل يشكل خطراً مؤكداً على حياة الأم فحينئذ يجوز إسقاط الحمل. وقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ما يلي: [إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً لا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوهاً أم لا دفعاً لأعظم الضررين] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ص 123. وأما الإجهاض قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل ففي حكمه خلاف بين العلماء والذي عليه جمهور العلماء هو تحريم الإجهاض بمجرد ثبوت الحمل إلا لعذر شرعي وهذا هو القول المعتمد عند المالكية والإمام الغزالي من الشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقول بعض الحنفية والحنابلة وأهل الظاهر. واختاره كثير من العلماء المعاصرين كالشيوخ محمود شلتوت والقرضاوي والزحيلي وغيرهم. وهذا القول هو الذي أميل إليه وتطمئن إليه نفسي. وأما إسقاط الجنين المشوه فلا بد من إثبات أن الجنين مشوه حقيقة والفحوصات الحالية قد لا تتيح التأكد من التشخيص والتأكد من التشوهات في الأسابيع الأولى للحمل. أما بعد ستة عشر أسبوعاً من الحمل فإن معظم التشوهات القاتلة في الجنين يمكن تشخيصها فعند ذلك الوقت يمكن تشخيص تشوهات القلب والدماغ وغيرها بصورة واضحة وقاطعة. والتشوهات الخلقية لدى الجنين يمكن تشخيصها من قبل اختصاصي

الأمراض النسائية أو اختصاصي الأشعة التشخيصية عن طريق السونار وغيره. ويمكن تقسيم التشوهات الخلقية عند الجنين إلى ثلاثة أقسام: 1. تشوهات لا تؤثر على حياة الجنين. 2. تشوهات يمكن للجنين أن يعيش معها بعد الولادة. وبعض هذه التشوهات يمكن إصلاحها بعد الولادة مثل تشوهات المعدة والأمعاء. وبعضها قد يتدرج في شدته وفي المدة الزمنية التي يعيشها الطفل بعد الولادة مثل استسقاء الرأس الذي قد يكون بسيطاً أو شديداً يولد معه الطفل حياً ويموت خلال أيام أو أشهر. والطفل الذي يولد مختل العقل أو لديه شلل جزئي فإنه يمكن أن يعيش وكذلك الطفل الذي يولد بكلية واحدة فهو يعيش بالكلية الأخرى. 3. وهناك تشوهات خطيرة لا يرجى معها للجنيين حياة بعد الولادة فهو سيموت قطعاً عند الولادة أو بعيدها مباشرة. انظر كتاب " قضايا طبية معاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية " ص 274 - 280. وينبغي أن يعلم أن ضرر الإجهاض قد يكون أكبر بكثير من الضرر المتوقع لاستمرار الحمل كما يقول الأطباء فالتدخل الطبي المبكر قد تنتج عنه أخطار في بعض الحالات فإذا قارنَّا ووازنا بين نسبة المشاكل التي قد تحدث نتيجة لإنهاء الحمل عند 16 - 24 أسبوعاً سواءً بالأدوية المعتادة أو بإجراء تنظيفات فإذا قارنها بالمشاكل التي قد تحدث للأم نتيجة لاستمرار الحمل إلى حين الولادة الطبيعية فإننا نجد أن المشاكل المحتملة للأم هي أكثر بكثير منها في حالة التدخل المبكر عنها في الولادات الطبيعية. انظر كتاب " قضايا طبية معاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية " ص 275. إذا تقرر هذا فإن العلماء قد قرروا جواز إسقاط الجنين المشوه تشويهاً خطيراً قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل فقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي ما يلي:

لا يجوز استئصال القدرة على الحمل مطلقا

[قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات وبناءً على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية أن الجنين مشوه تشويهاً خطيراً غير قابل للعلاج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلاماً عليه وعلى أهله فعندئذٍ يجوز إسقاطه بناءً على طلب الوالدين. والمجلس إذ يقرر ذلك يوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله والتثبت في هذا الأمر] قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص 123. وأخيراً لا بد من التنبيه على أن بعض النساء قد يبادرن إلى الإجهاض بمجرد أن يقول طبيب واحد إن الجنين مشوه. وهذا أمر خطير لا يقبل فيه رأي طبيب واحد لأن احتمالات خطأ الطبيب واردة ولا بد من وجود لجنة طبية من ثلاثة أطباء على الأقل من الأطباء الثقات العدول ومن أهل الاختصاص ومن ذوي الخبرة قبل القيام بإسقاط الجنين. وأخيراً أدعو نقابة الأطباء وغيرها من الجهات الصحية إلى تشكيل لجنة موسعة من الاختصاصيين في الأمراض النسائية والتوليد وغيرهم من ذوي التخصصات المتعلقة بهذه القضية لوضع قواعد وضوابط للحالات التي تعتبر تشوهات خطيرة في الجنين ولا يرجى للجنين معها حياة حتى لا يبقى الأمر خاضعاً لتخمينات بعض الأطباء لما قد يترتب على ذلك من مفاسد وأضرار. لا يجوز استئصال القدرة على الحمل مطلقاً تقول السائلة: إنها مرضت قبل مدة وراجعت أحد الأطباء فنصحها بإغلاق مواسير الحمل فأغلقتها ثم كتب الله لها الشفاء التام وهي نادمة الآن على إغلاق مواسير الحمل فهل عليها كفّارة؟

الجواب: لا يجوز شرعاً استئصال القدرة على الإنجاب مطلقاً سواء كان عند الرجل أو المرأة إلا في حالات الضرورة التي يقدرها أهل العلم الثقات من الفقهاء والأطباء. فلا يجوز إجراء عمليات التعقيم ولا ربط قناتي الرحم أو استعمال أي وسيلة تؤدي إلى ذلك. ومنع الحمل الدائم من الأمور المحرمة شرعاً كما قلت ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّءَاذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا) سورة النساء الآيات 117 - 119. قال أهل التفسير إن تغيير خلق الله من تزيين الشيطان ويدخل في ذلك خصاء بني آدم لأنه تغيير لخلق الله. قال القرطبي: [وأما الخصاء في الآدمي فمصيبة فإنه إذا خصي بطل قلبه وقوته عكس الحيوان وانقطع نسله المأمور به ثم هذه مثلة وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المثلة] تفسير القرطبي 5/ 391. وروى البخاري ومسلم عن إسماعيل بن قيس قال عبد الله - ابن مسعود -: (كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس لنا نساء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك). وروى البخاري ومسلم أيضاً عن سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو أجاز ذلك لاختصينا). قال الإمام النووي: [الاختصاء في الآدمي حرام صغيراً كان أو كبيراً] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 526. وقال الحافظ ابن حجر: [وقوله (فنهانا عن ذلك) هو نهي تحريم بلا خلاف في بني آدم] فتح الباري 12/ 19 - 20.

وينبغي أن يعلم أن الوسائل الحديثة لمنع الحمل منعاً نهائياً تقوم مقام الخصاء في الرجل فهي تستأصل القدرة على الإنجاب نهائياً كما أنها تغيير لخلق الله لذلك فإنها تلحق بالخصاء فتكون محرمة. وقد بحث الفقهاء المعاصرون هذه القضية وقرروا حرمة قطع المقدرة على الإنجاب فقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العلم الإسلامي ما يلي: [نظراً إلى أن الشريعة الإسلامية تحض على تكثير نسل المسلمين وانتشاره وتعتبر النسل نعمة كبرى ومنة عظيمة منَّ الله بها على عباده وقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ودلت على أن القول بتحديد النسل أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الله تعالى لعباده ونظراً إلى أن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين لتقليل عددهم بصفة عامة وللأمة العربية المسلمة والشعوب المستضعفة بصفة خاصة حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد واستعباد أهلها والتمتع بثروات البلاد الإسلامية وحيث إن في الأخذ بذلك ضرباً من أعمال الجاهلية وسوء ظن بالله تعالى وإضعافاً للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها. لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر بالإجماع أنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها أو كان ذلك لأسباب أخرى غير معتبرة شرعياً. أما تعاطي أسباب منع الحمل أو تأخيره في حالات فردية لضرر محقق ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين فإنه لا مانع من ذلك شرعاً وهكذا إذا كان تأخيره لأسباب أخرى شرعية أو صحية يقرها طبيب مسلم ثقة بل قد يتعين منع الحمل في

سداد ديون الأب

حالة ثبوت الضرر المحقق على أمه إذا كان يخشى على حياتها منه بتقرير من يوثق به من الأطباء المسلمين. أما الدعوة إلى تحديد النسل أو منع الحمل بصفة عامة فلا تجوز شرعاً للأسباب المتقدم ذكرها وأشد من ذلك في الإثم والمنع إلزام الشعوب بذلك وفرضه عليها في الوقت الذي تنفق فيه الأموال الضخمة على سباق التسلح العلمي للسيطرة والتدمير بدلاً من إنفاقه في التنمية الاقتصادية والتعمير وحاجات الشعوب] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ص 62 - 63. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: [يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية. ويجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر وأن تكون الوسيلة مشروعة وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم] مجلة المجمع الفقهي العدد 5 جزء1 ص748. وأخيراً فعلى السائلة أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى توبة صادقة وأن تستغفر وتكثر من عمل الخيرات والطاعات لعل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لها كما وأني أذكر الأطباء أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وألا يبيعوا آخرتهم من أجل دراهم معدودة يقبضونها أجرة لأمثال هذه العمليات وهذه المعالجات المحرمة. سداد ديون الأب يقول السائل: توفي والدي وعليه ديون كثيرة ولم يترك مالاً لسداد الديون فهل أولاده ملزمون بسداد الديون عنه؟

الجواب: إذا مات المسلم وعليه ديون وكان له أموال فأول عمل يقوم به ورثته هو تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ومن ثم تسديد ديونه وبعد ذلك إنفاذ وصيته إن كان قد أوصى وبعد ذلك يوزع باقي المال على الورثة , وأما إذا لم يكن له أموال وقد ترك ديوناً فيندب للورثة أن يسددوا ديونه عنه وهذا من باب البر والوفاء للميت وخاصة إذا كان الميت هو أحد الوالدين وليس ذلك واجباً على الورثة ولكنه مندوب إليه. فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الإمام النووي. قال الشيخ الشوكاني معلقاً على هذا الحديث: [فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه دينه. وأما من لا مال له ومات عازماً على القضاء فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه.] نيل الأوطار 4/ 26. وقد ورد في أحاديث أخرى أن نفس المؤمن معلقة بدينه فمن ذلك: عن سعد بن الأطول - رضي الله عنه -: (أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالاً. قال: فأردت أن أنفقها على عياله. قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أخاك محبوس بدينه فاذهب فاقضه عنه. فذهبت فقضيت عنه ثم جئت. قلت يا رسول الله: قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليست لها بينة. قال: أعطها فإنها محقة) وفي رواية أخرى: (صادقة) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي وصححه الشيخ الألباني. انظر أحكام الجنائز ص 15. وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على جنازة فلما انصرف قال: أههنا من آل فلان أحد؟ فسكت القوم وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا فقال ذلك مراراً. فقال رجل: هو ذا. قال: فقام رجل يجر

إزاره من مؤخر الناس. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما منعك في المرتين الأوليين أن تكون أجبتني؟ أما أنّي لم أنوه باسمك إلا لخير: إن فلاناً - رجل منهم - مأسور بدينه عن الجنة فإن شئتم فافدوه وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله. فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه حتى ما أحد يطلبه بشيء) رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني، أحكام الجنائز ص 15. وينبغي أن يعلم أن أمر الدين عظيم ولا ينبغي أن يدّان الإنسان إلا إذا احتاج للمال فعلاً وعليه أن ينوي سداد الديون حتى لو لم يكن لديه ما يقضي دينه فإن مات بهذه النية فإن الله يسدد عنه كما ورد في أحاديث سأذكر بعضها فيما بعد. والدين قد يكون سبباً في حبس المؤمن والشهيد عن الجنة لما ثبت في الحديث أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر يكفر الله عني خطاياي؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم. فلمّا أدبر ناداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أمر به فنودي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف قلت؟ فأعاد عليه قوله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم إلا الدين كذلك قال جبريل) رواه مسلم. وجاء في حديث آخر عن محمد بن جحش أنه قال: (كنا جلوساً في موضع الجنائز مع رسول الله فرفع رأسه في السماء ثم وضع راحته على جبهته فقال: سبحان الله ماذا أنزل الله من التشديد؟ فسكتنا وفرقنا. فلما كان الغد سألته: يا رسول الله ما هذا التشديد الذي نزل؟ قال: في الدين والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه) رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري. فالمسلم إذا استدان لحاجة حقيقية وكان ينوي أداء الدين لأصحابه

المنكرات في الحفلات

فإن الله ييسر أمر قضاء الدين فقد ورد في الحديث عن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من مسلم يدّان ديناً يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا) رواه ابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من دان بدين في نفسه وفاءه ومات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء ومن دان بدين وليس في نفسه وفاءه ومات اقتص الله لغريمه منه يوم القيامة) رواه الطبراني. وعن ابن عمر - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدين دينان فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك الذي يؤخذ من حسناته ليس يومئذ دينار ولا درهم) رواه الطبراني في الكبير وصححه الشيخ الألباني. أحكام الجنائز ص 5. المنكرات في الحفلات يقول السائل: إذا دعي المسلم إلى حفلة وكان هنالك منكر من المنكرات فما موقف المسلم حينئذ؟ الجواب: إذا كان المدعو يعلم مسبقاً بوجود المنكر في الحفلة التي دعي إليها فلا يجوز له أن يلبي الدعوة فقد نص الفقهاء على أن من شروط إجابة الدعوة عدم وجود منكر من المنكرات. وإذا لم يعلم بالمنكر إلا وقت حضوره فإن استطاع الإنكار وإزالة المنكر فبها ونعمت وإن لم يستطع انصرف. فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان) رواه مسلم. والأصل في المسلم ألا يحضر أو يجلس في الأماكن التي يعصى فيها الله سبحانه وتعالى أو يستهان فيها بأحكام الشرع قال الله تعالى: (وَقَدْ

نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) سورة النساء الآية 140. قال الشيخ القرطبي في تفسير هذه الآية: [. (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم والرضا بالكفر كفر قال الله تعالى: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء. وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذا الآية. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أنه أخذ قوماً يشربون الخمر فقيل له عن أحد الحاضرين إنه صائم فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) أي أن الرضا بالمعصية معصية ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة العاصي حتى يهلكوا بأجمعهم.]. تفسير القرطبي 5/ 418. وقد ورد في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر) رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الحافظ ابن حجر: إسناده جيد. قال الإمام الأوزاعي يرحمه الله: [لا تدخل وليمة فيها طبل ولا معزاف]. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا دعي إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه وأمكنه الإنكار وإزالة المنكر لزمه الحضور والإنكار لأنه يؤدي فرضين إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر. وإن لم يقدر على الإنكار لم يحضر. وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر أزاله فإن لم يقدر انصرف.] المغني 7/ 279. وينبغي أن يعلم أن مراتب تغيير المنكر ثلاث وهي المذكورة في الحديث المتقدم:

(من رأى منكم منكراً فليغير بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم وغيره. قال القاضي عياض فيما نقله عنه الإمام النووي: [. هذا الحديث أصل في صفة التغيير فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولاً كان أو فعلاً فيكسر آلات الباطل ويريق المسكر بنفسه أو يأمر من يفعله وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه أو بأمره إذا أمكنه ويرفق في التغيير جهده بالجاهل وبذي العزة الظالم المخوف شره إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله. كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى. ويغلظ على المتمادي في غيه والمسرف في بطالته إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكراً أشد مما غيره لكون جانبه محمياً عن سطوة الظالم. فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكراً أشد منه من قتله أو قتل غيره بسببه كفَ يده واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه وكان في سعة وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله، وإن وجد من يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من غيره أو يقتصر على تغييره بقلبه. هذا هو فقه المسألة وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين خلافاً لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال وإن قتل ونيل منه كل أذى] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 211 - 220. وبناءاً على ما سبق فإن المرتبة الأولى هي التغيير باليد وهي أعلى مراتب تغيير المنكر وأفضلها في حق من قدر عليها فمثلاً إذا وجد الرجل في بيته منكراً فعليه أن يغيره بيده لأنه يستطيع ذلك. ويجب أن يعلم أن تغيير المنكر باليد واجب على المسلم إذا كان قادراً عليه كما قلت وإذا لم يترتب مفسدة أكبر من المنكر إذا غيّره. وفي زماننا هذا منكرات كثيرة لا يستطيع الأفراد تغييرها ولا ينبغي لهم ذلك لأن ذلك سيجر منكرات أعظم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله: [وليس لأحد أن يزيل المنكر

لا يجوز هجر المسلم إلا لسبب شرعي

بما هو أنكر منه مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق ويجلد الشارب ويقيم الحدود لأنه لو فعل لأفضى إلى الهرج والفساد. فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على وليّ الأمر.] مختصر الفتاوى المصرية ص 579. والمرتبة الثانية هي التغيير باللسان: وتكون هذه المرتبة لمن يعجز عن التغيير باليد وينبغي أن يكون التغيير باللسان بأسلوب حسن لطيف كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة النحل الآية 125. وقد قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً موسى وهارون عليهما السلام لما أرسلهما إلى فرعون: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) سورة طه الآية 44. والمرتبة الثالثة هي الإنكار بالقلب: وهي أدنى المراتب الثلاث ولا رخصة لمسلم في تركها أبداً بل يجب على المسلم أن يبغض المنكر ويكرهه دائماً وباستمرار. وأما إذا كان القلب لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر فهذا دليل على موته. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله مبيناً قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (وذلك أضعف الإيمان) مراده: [أنه لم يبق بعد هذا الإنكار ما يدخل في الإيمان حتى يفعله المؤمن بل الإنكار بالقلب آخر حدود الإيمان ليس مراده أن من لم ينكر لم يكن معه من الإيمان حبة خردل ولهذا قال: ليس وراء ذلك. فجعل المؤمنين ثلاث طبقات فكل منهم فعل الإيمان الذي يجب عليه.] مجموع الفتاوى 28/ 127. لا يجوز هجر المسلم إلا لسبب شرعي يقول السائل: ورد في الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا يحل

لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال.) فما موقف المسلم من أخيه المسلم الذي يأكل حقوق الناس وحقوقه ألا يجوز هجره أكثر من ثلاث ليال؟ الجواب: إن رابطة الأخوة الإيمانية التي تربط المسلم بالمسلم تمنع من هجر المسلم لأخيه المسلم فوق ثلاث ليال إلا لعذر شرعي كما سأبين. يقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات الآية 10. فإذا حصل خلاف أو تشاحن أو غضب بين مسلمين فلا يجوز هجر أحدهما للآخر أكثر من ثلاث ليال وجعلت الثلاث حداً لانتهاء الغضب وسكونه لأن الآدمي مجبول على الغضب فسمح بذلك القدر ليرجع إلى رشده بعد زوال غضبه. وقد ثبت في أحاديث كثيرة عن الرسول ا- صلى الله عليه وسلم - النهي عن هجران المسلم منها: 1. عن أبي أيوب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري ومسلم. 2. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تعرض الأعمال في كل إثنين وخميس فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا ًإلا امرءاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم. 3. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار) رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم كما قال الإمام النووي. 4. وعن أبي خراش - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قاله الإمام النووي. رياض الصالحين ص 611.

5. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمناً فوق ثلاث فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه فإن ردَّ عليه السلام فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم وخرج المسلِّمُ من الهجرة) رواه أبو داود بإسناد حسن كما قال الإمام النووي في المصدر السابق. يؤخذ من هذه الأحاديث أنه يحرم على المسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليال فإذا حصلت مشاحنة بين مسلمين فيجوز الهجر أقل من ثلاث ليال ويحرم أكثر من ذلك وهذا الهجر يكون لحق الإنسان وأما هجر المسلم للمسلم لارتكابه معصية من المعاصي وهو الهجر لحق الله فهو جائز ومشروع ثلاث ليال وأكثر حتى يرجع المهجور عن المعصية ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى. قال الشيخ ابن العربي المالكي: [وأما إن كانت الهجرة لأمر أنكر عليه من الدين كمعصية فعلها أو بدعة اعتقدها فيهجره حتى ينزع عن فعله وعقده فقد أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هجران الثلاثة الذين خلفوا خمسين ليلة حتى صحت توبتهم عند الله فأعلمه فعاد إليهم] عارضة الأحوذي 8/ 91. وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب ما يجوز من الهجران لمن عصى. وقال كعب حين تخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا وذكر خمسين ليلة]. وقال الحافظ ابن حجر: [أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز لأن عموم النهي مخصوص لمن لم يكن لهجره سبب مشروع فبين هنا السبب المسوغ للهجر وهو لمن صدرت منه معصية فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 13/ 109. وقال الإمام مالك: [ويهجر أهل الأهواء والبدع والفسوق لأن الحب والبغض فيه واجب ولما في ذلك من الحث على الخير والتنفير من الشر والفسوق]. الذخيرة 13/ 313.

وهجران أهل المعاصي مشروع وثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما سبق في كلام البخاري في قصة هجر كعب بن مالك وذلك حدث بعد تخلف الثلاثة عن غزوة تبوك فهجرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة خمسين يوماً حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ولم يكن أحد يجالسهم أو يكلمهم أو يحيهم حتى أنزل الله في كتابه توبته عليهم وهذه الرواية ثابتة في الصحيحين. كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هجر بعض نسائه شهراً. رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم كما قال الشيخ الألباني. غاية المرام ص 233. وهجر عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - ابناً له إلى أن مات فقد روى الإمام أحمد أن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يمنعن رجل أهله أن يأتوا المساجد. فقال ابن لعبد الله بن عمر: فإنا نمنعهن. فقال عبد الله: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول هذا؟ قال: فما كلمه عبد الله حتى مات) وإسناده صحيح كما قال الشيخ الألباني. غاية المرام 235. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً أنواع الهجر: [النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب وهو هجر من يظهر المنكرات يهجر حتى يتوب منها كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون - الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم - حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر ولم يهجر من أظهر بالخير وإن كان منافقاً فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير. والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل المحرمات كتارك الصلاة والزكاة والتظاهر بالمظالم والفواحش والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع] مجموع الفتاوى 28/ 204 - 205. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله فالطاعة لا بد أن تكون خالصة لله وأن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صواباً فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجراً غير مأمورٍ به كان خارجاً عن هذا وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهوى ظانةً أنها تفعله طاعةً لله.

الإصابة بالعين

والهجر لأجل حظ الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث كما جاء في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فلم يرخص في هذا أكثر من ثلاث كما لم يرخص في إحداد غير الزوجة أكثر من ثلاث وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (تفتح أبواب الجنة كل إثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا) فهذا الهجر بحق الإنسان حرام وإنما رخص في بعضه كما رخص للزوج أن يهجر امرأته في المضجع إذا نشزت وكما رخص في هجر الثلاث. فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق نفسه فالأول مأمور به والثاني منهي عنه لأن المؤمنين إخوة] مجموع الفتاوى 28/ 207 - 208. وخلاصة الأمر أن على المسلم إن رأى من أخيه معصية كأكل حقوق الناس بالباطل فعليه أن ينصحه بالحكمة والموعظة الحسنة فإن استجاب فبها ونعمت وإن لم يستجب فيجوز له أن يهجره إلى أن يقلع عن المعصية. الإصابة بالعين يقول السائل: ما قولكم فيما يعلقه بعض الناس على بيوتهم أو سياراتهم لدفع الإصابة بالعين كتعليق الخرزة الزرقاء أو حذوة الحصان أو صورة كف فيها عين ونحو ذلك؟ الجواب: ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أنه قال: (العين حق) رواه البخاري ومسلم. ومعنى ذلك كما قال الحافظ ابن حجر: [أي أن الإصابة بالعين شيء ثابت وموجود وأكثر أهل العلم على إثبات الإصابة بالعين والمقصود

بالإصابة بالعين هو نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر]. فتح الباري 12/ 308. وقال العلامة ابن القيم: [وعقلاء الأمم - على اختلاف مللهم ونحلهم - لا تدفع أمر العين ولا تنكره وإن اختلفوا في سببه ووجهة تأثير العين. ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى خلق في الأجسام والأرواح قوىً وطبائع مختلفة وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ولا يمكن للعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام فإنه مشاهد ومحسوس.] الطب النبوي ص 290. ومما يدل على الإصابة بالعين قوله تعالى: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) سورة القلم الآية 51. قال القرطبي: [يزلقونك بأبصارهم أي يعتانونك بأبصارهم أخبر بشدة عدواتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرادوا أن يصيبوه بالعين.] تفسير القرطبي 18/ 254. وقال الله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) سورة الفلق. قال ابن القيم: [فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائناً فلما كان الحاسد أعم من العائن كانت الإستعاذة منه استعاذة من العائن] الطب النبوي ص 291. والعلاج من الإصابة بالعين يكون بالطرق الشرعية الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأول تلك الطرق أن على المسلم إذا رأى شيئاً يعجبه فعليه التبريك والمراد به الدعاء من العائن للمعين بالبركة عند نظره إليه فذلك بإرادة الله ومشيئته يحول دون إحداث أي ضرر بالمعين ويبطل كل أثر من آثار العين. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعامر بن ربيعة لما أصاب سهل بن حنيف لما رأى بدنه فقال - صلى الله عليه وسلم -: (سبحان الله علام يقتل أحدكم أخاه؟ وإذا رأى شيئاً يعجبه

فليدع له بالبركة) رواه مالك في الموطأ وأحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وقوله - صلى الله عليه وسلم - (ألا بركت) يدل على أن من أعجبه شيء فقال: تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه ونحو هذا لم يضره إن شاء الله] الاستذكار 27/ 9. ومما تدفع به إصابة العين أن يقول الإنسان: ما شاء الله لا قوة إلا بالله فقد جاء عن بعض السلف أنه كان إذا رأى شيئاً يعجبه يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وقد جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه فإن العين حق) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني. صحيح الكلم الطيب ص 90. وثاني طرق العلاج من الإصابة بالعين استعمال الرقية الشرعية فإنها تنفع بإذن الله وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرقية من العين فقد ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسترقى من العين) رواه البخاري , وفي حديث آخر عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة) رواه البخاري. والسفعة هو سواد في الوجه أو لون يخالف لون الوجه وهو محل الإصابة بالعين والنظرة أي الإصابة بالعين. فمن التعوذات والرقى المأثورة النافعة بإذن الله تعالى في رد الإصابة بالعين الإكثار من قراءة فاتحة الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي. ومن التعوذيات النبوية: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق). ومنها: (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة ومن كل عين لامة).

ومن ذلك رقية جبريل عليه السلام التي رقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواها مسلم في صحيحه وهي: (باسم الله أرقيكَ من كل داءٍ يُؤذيكَ من شرِّ كلِ نفس أو عينِ حاسدٍ الله يشفيك باسم الله أرقيك). ومن ذلك أيضاً: (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون). ومنها: (اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أن تكشف المأثم والمغرم اللهم إنه لا يهزم جنُدكَ ولا يُخلف وعدك سبحانك وبحمدك). ومنها: (أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شيء أعظم منه وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وبأسماء الله الحسنى - ما علمت منها وما لم أعلم - من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته إن ربي على صراط مستقيم). ومنها: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا بالله. أعلمُ أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً. اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم). وإن شاء قال: (تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء. واعتصمت بربي ورب كل شيء. وتوكلت على الحي الذي لا يموت واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله. حسبي الله ونعم الوكيل. حسبي الرب من العباد. حسبي الخالق من المخلوق. حسبي الرازق من المرزوق. حسبي الله هو حسبي. حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه. حسبي الله وكفى. سمع الله لمن دعا وليس وراء الله مرمى. حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) الطب النبوي ص 293.

لا يجوز تعليق التمائم

وثالث الطرق الشرعية في معالجة الإصابة بالعين هي: الاغتسال أي أن العائن وهو الذي يصيب بالعين يغتسل ويؤخذ الماء فيصب على المعين وهو المصاب بالعين فيبرأ بإذن الله وقد ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا) رواه مسلم. وثبت في حديث سهل بن حنيف عندما أصابه عامر بن ربيعة بالعين حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعامر: (اغتسل له. فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب ذلك الماء على المعين فيبرأ بإذن الله. ومما ينفع في دفع الإصابة بالعين والاحتراز من ذلك ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه كما قال العلامة ابن القيم في كتابه الطب النبوي ص 297. هذه هي الطرق الشرعية في دفع الإصابة بالعين وأما ما ذكره السائل من طرق لدفع الإصابة بالعين كتعليق الخرزة الزرقاء أو تعليق حذوة حصان أو صورة كف وفيها عين وتعليق ذلك على الإنسان أو الحيوان أو السيارة أو البيت فهذا كله ليس له أصل في الشرع ولا يصح التعامل به. لا يجوز تعليق التمائم تقول السائلة: إنها لا تحمل إلا بعمل حجاب خاص بها من قبل أحد الشيوخ وهذا الحجاب يلازمها طوال حملها ويمنعها الشيخ من الذهاب إلى الأفراح أو المآتم خشية نزول حملها وتقول إن الحجاب مكتوب فيه آيات قرآنية وبعض الكلمات غير المفهومة وتسأل عن حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: إن كثيراً من الدجالين والمشعوذين يستغلون الدين للكسب

المادي ويستغلون حالات الضعف البشري عند المرضى وعند النساء وخاصة إذا واجهتهن مشكلة عدم الإنجاب. إن معالجة عدم الإنجاب لا تكون بالذهاب إلى الدجالين والسحرة والمشعوذين وإنما تكون بالمعالجة الطبية الصحيحة والحجاب لا علاقة له بالحمل أو عدم سقوطه وكل ذلك دجل وكذب ولا يجوز تعليق الحجاب فقد جاء في الحديث عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له) رواه أحمد. وجاء في رواية أخرى: (من علق تميمة فقد أشرك) رواه أحمد وصححه الشيخ الألباني. السلسلة الصحيحة حديث رقم 492. وعن عبد الله بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان وصححه الشيخ الألباني. السلسلة الصحيحة حديث رقم 331. ولو كان الحجاب من الآيات القرآنية فقط فلا يجوز تعليقه لعموم نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تعليق التمائم. وكذلك سداً للذريعة لأن تعليقه يؤدي إلى تعليق غيره ولأن تعليق الآيات القرآنية قد يؤدي إلى امتهانها لأن الإنسان الذي تعلق عليه يحملها في أحواله كلها ومنها وقت قضاء الحاجة ونحوها. انظر فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 166. هذا إذا كان الحجاب من الآيات القرآنية فقط فكيف والسائلة تقول إن فيه كلمات غير مفهومة فهذه الطلاسم أولى بالمنع من الآيات القرآنية. وأخيراً ينبغي على السائلة أن تنزع هذه التميمة وعليها أن تراجع الأطباء ذوي الاختصاص لمعرفة أسباب سقوط حملها.

المتفرقات

المتفرقات

ملك الموت لا يقال له عزرائيل

ملك الموت لا يقال له عزرائيل يقول السائل: إنه قرأ في إحدى المجلات الدينية أن ملاك الموت هو عزرائيل فهل صحيح أن ملك الموت يسمى [عزرائيل]؟ الجواب: لا شك أن الإيمان بالملائكة هو أحد أركان الإيمان والملائكة من عالم الغيب وطريق معرفة الغيب الخبر الصحيح فقط أي ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهذا هو السبيل الوحيد لمعرفة أي شيء عن الملائكة وملك الموت ورد ذكره في القرآن الكريم في آية واحدة فقط قال تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) سورة السجدة الآية 11. ولم يذكر في القرآن الكريم اسمه وإنما قال الله تعالى: (مَلَكُ الْمَوْتِ). وكذلك لم يسمَّ ملك الموت في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد ورد ذكر ملك الموت في خمسة عشر حديثاً في كتب السنة التسعة وهي صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجة وموطأ مالك ومسند أحمد وسنن الدارمي وفي جميع هذه الأحاديث ورد ذكره بملك الموت ولم يسمَّ بعزرائيل أو بغيره.

(اطلبوا العلم ولو في الصين) ليس حديثا

وقد ذكر الحافظ ابن كثير أن ملك الموت قد سمي بعزرائيل في بعض الآثار. تفسير ابن كثير 3/ 458. قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: [. ولم يجئ مصرحاً باسمه في القرآن ولا في الأحاديث الصحيحة.] أصول الإيمان ص 14. وبناءً على ذلك فمن عقيدة المسلم الصحيحة الثابتة الإيمان بملك الموت ولا نسميه إلا بذلك ولا نسميه عزرائيل لأن ذلك لم يثبت. قال صاحب العقيدة الطحاوية: [ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين] شرح العقيدة الطحاوية ص 404. (اطلبوا العلم ولو في الصين) ليس حديثاً يقول السائل: إنه سمع خطيب الجمعة يقول: صح الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (اطلبوا العلم ولو في الصين) فهل هذا الحديث صحيح كما زعم ذلك الخطيب؟ الجواب: إن هذا الحديث باطل بل قد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات أي الأحاديث المكذوبة على الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقال الشوكاني: (رواه العقيلي وابن عدي عن أنس مرفوعاً. قال ابن حبان: وهو باطل لا أصل له وفي إسناده أبو عاتكة وهومنكر الحديث.) الفوائد المجموعة ص 272 وانظر المقاصد الحسنة ص 93 وكشف الخفاء 1/ 138. وقال الشيخ الألباني عن الحديث بأنه باطل ثم ذكر من رواه ثم قال: [وخلاصة القول أن هذا الحديث بشطره الأول - أي اطلبوا العلم ولو بالصين - الحق فيه ما قاله ابن حبان وابن الجوزي - أي باطل ومكذوب - إذ ليس له طريق يصلح للاعتضاد به] السلسلة الضعيفة 1/ 415 - 416.

حكم غيبة الفاسق

وأخيراً فإن من الواجب على خطباء المساجد أن يتأكدوا من درجة الأحاديث التي يذكرونها في خطبهم حتى لا يسهموا في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن في الأحاديث الصحيحة والحسنة ما يغني ويكفي عن الأحاديث الباطلة والمكذوبة. حكم غيبة الفاسق يقول السائل: ورد في الحديث: (لا غيبة لفاسق) فهل هذا الحديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وهل تجوز غيبة الفاسق؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن الغيبة هي أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو خلقه أو في فعله أو قوله أو دينه أو دنياه كما قال أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين 3/ 140. وقد جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) رواه مسلم. والغيبة من كبائر الذنوب عند جمهور أهل العلم. قال القرطبي: [لا خلاف أن الغيبة من الكبائر وأن من اغتاب أحداً عليه أن يتوب إلى الله عز وجل] تفسير القرطبي 16/ 337. والغيبة من المعاصي التي يتساهل فيها كثير من الناس لأنها كلام يجري على اللسان ومعظم الناس لا يلقون بالاً لما يتكلمون ولا يقدرون عواقب أمر الغيبة فقد ورد في شأنها من الترهيب ما تقشعر له قلوب المؤمنين فمن ذلك قول الله تعالى: (ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) سورة الحجرات الآية 12.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه مسلم , وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: حسبك من صفية كذا وكذا - قال بعض الرواة: تعني قصيرة - فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) رواه الترمذي وأبو داود والبيهقي وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 923. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) رواه أحمد وأبو داود وصححه الشيخ الألباني في السلسة الصحيحة 2/ 59. وغير ذلك من الأحاديث راجعها إن شئت في كتاب " الزواجر عن اقتراف الكبائر " لابن حجر الهيتمي المكي 2/ 16 - 24. إذا تقرر هذا فنعود إلى السؤال فأقول أما ما ورد أنه (لا غيبة لفاسق) فهذا ليس حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ورد من طرق كلها لا تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال العلامة ابن القيم: [قال الدارقطني والخطيب قد روي من طرق وهو باطل] المنار المنيف ص 134. وقال الشيخ الألباني: [باطل رواه الطبراني في الكبير وأبو الشيخ في التاريخ وابن عدي. الخ] سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 53. وقال الشيخ المناوي: [قال الحاكم هذا حديث غير صحيح ولا يعتمد عليه وقال ابن عدي عن أحمد بن حنبل حديث منكر] فيض القدير 5/ 481. وقال الشيخ العجلوني بعد أن ذكر أقوال المحدثين في الحديث: [وبالجملة فالحديث كما قال العقيلي ليس له أصل وقال الفلاس إنه منكر] كشف الخفاء ومزيل الإلباس 2/ 172.

وذكر مثل كلامه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين 7/ 558. وبهذا يظهر لنا أن هذا الحديث باطل وغير ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن أهل العلم يرون أن الفاسق المجاهر بفسقه تجوز غيبته ضمن الحالات التي تجوز فيها الغيبة. قال الإمام النووي: [اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها وهو ستة أسباب: الأول: التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول ظلمني فلان بكذا. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر فإن لم يقصد ذلك كان حراماً. الثالث: الاستفتاء فيقول للمفتي ظلمني أبي أو أخي أو زوجي أو فلان بكذا فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه وتحصيل حقي ودفع الظلم؟ ونحو ذلك فهذا جائز للحاجة ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص أو زوج كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ومع ذلك فالتعيين جائز. الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائز بإجماع المسلمين بل واجب للحاجة. ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو إيداعه أو معاملته أو غير ذلك أو مجاورته. ويجب على المشاوَر أن لا يخفي حاله بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.

ومنها إذا رأى متفقهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك فعليه نصيحته ببيان حاله بشرط أن يقصد النصيحة وهذا مما يغلط فيه وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد ويلبس الشيطان عليه ذلك ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك. ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها إما بأن لا يكون صالحاً لها وإما بأن يكون فاسقاً أو مغفلاً ونحو ذلك. فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله ويولي من يصلح أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله ولا يغتر به وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به. الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس وأخذ المكس وجباية الأموال ظلماً وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه. السادس: التعريف فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب كالأعمش والأعرج والأصم والأعمى والأحول وغيرهم جاز تعريفهم بذلك ويحرم إطلاقه على جهة التنقص ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى. فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة فمن ذلك: عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة - أي القبيلة -) متفق عليه. احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب. وعنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما أظن فلاناً وفلاناً يعرفان من ديننا شيئاً) رواه البخاري. قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: [هذان الرجلان كانا من المنافقين]. وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني؟

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما معاوية فصعلوك - أي فقير - لا مال له. وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه) متفق عليه. وفي رواية لمسلم: (فأما أبو الجهم فضرَّاب للنساء). وهو تفسير لرواية (لا يضع العصا عن عاتقه) وقيل معناه كثير الأسفار] رياض الصالحين ص 580 - 583. والفاسق الذي تجوز غيبته هو المجاهر بفسقه والفسق هو الخروج عن الطاعة وتجاوز الحد بالمعصية والفسق يقع بالقليل من الذنوب إذا كانت كبائر وبالكثير وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقرَّ به ثم أخلَّ بجميع أحكامه أو ببعضها. الموسوعة الفقهية 33/ 140. فتارك الصلاة فاسق عند كثير من العلماء وبعضهم يكفره وشارب الخمر فاسق ومرتكب المحرمات فاسق كالزاني والديوث فاسق وهو الذي يرى المنكر في أهله ويسكت فهؤلاء الفسقة وأمثالهم تجوز غيبتهم ليحذرهم الناس ويعرفوا حالهم. قال القرطبي: [ليس من هذا الباب غيبة الفاسق المعلن به المجاهر. وروي عن الحسن أنه قال: ثلاثة ليست لهم حرمة صاحب الهوى والفاسق المعلن والإمام الجائر] تفسير القرطبي 16/ 339. وقال الحسن البصري: [أترغبون عن ذكر الفاجر اذكروه بما فيه يحذره الناس] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 28/ 219. وقال إبراهيم النخعي: [ثلاث كانوا لا يعدونهن من الغيبة: الإمام الجائر والمبتدع والفاسق المجاهر بفسقه]. وعن الحسن البصري قال: [ليس بينك وبين الفاسق حرمة]. وورد عن عمر بن الخطاب أنه قال: [ليس للفاجر حرمة]. روى هذه الآثار ابن أبي الدنيا في كتابه الصمت ص 128 - 130.

لا حياء في الدين

وخلاصة الأمر أن غيبة الفاسق المجاهر بفسقه جائزة بل قد تكون واجبة في بعض الحالات. والمجاهرة بالمعاصي من المصائب التي ابتلي بها الناس ومن كثرة المجاهرة بالمعاصي صار كثير من الناس لا يعدونها شيئا ًكترك الصلاة فهو عند كثير من الناس شيء هين وسهل والعياذ بالله. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) رواه مسلم. وهم الذين يجاهرون بمعاصيهم. وأخيراً ينبغي التنبيه على أمر مهم ألا وهو نصيحة الفسقة بأن يتوبوا ويرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى وأنه لا بد من الإنكار عليهم لما ثبت في الحديث من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم. لا حياء في الدين ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام يقول السائل: يتداول الناس عبارتين تتعلقان بالحياء الأولى قولهم: [لا حياء في الدين] والثانية: [ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام] فما قولكم في العبارتين؟ الجواب: ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) متفق عليه. وجاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يعظ أخاه في الحياء فقال: (الحياء من الإيمان) رواه مسلم. وفي حديث عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحياء لا يأتي إلا بخير) رواه مسلم.

وفي رواية أخرى: (الحياء خير كله) أو قال: (الحياء كله خير) رواه مسلم. والحياء خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق كما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري 1/ 58. والحياء من الخصال المطلوبة في المسلم الصادق مع الله سبحانه وتعالى وقال العلماء: [الحياء من الحياة وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء وقلة الحياء من موت القلب والروح] الموسوعة الفقهية 18/ 262. وأولى الحياء هو الحياء من الله سبحانه وتعالى والحياء من الله سبحانه وتعالى ألا يراك حيث نهاك فيكون ذلك عن معرفة ومراقبة وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (استحيوا من الله حق الحياء. قلنا يا نبي الله إنا لنستحي والحمد الله. قال: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء هو أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى وتتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا - يعني من الله - حق الحياء) رواه الترمذي وحسّنه الشيخ الألباني. صحيح سنن الترمذي 2/ 299. إذا تقرر هذا فنعود إلى الجملة الأولى وهي: [لاحياء في الدين] إن مراد العامة من هذه الجملة هو أن الحياء لا يمنع من السؤال في الدين ولو كان السؤال مما يستحي منه الناس وهذه الجملة صحيحة المعنى فقد ورد في حديث أم سلمة رضي الله عنه قال: (جاءت أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم إذا رأت الماء. فقالت أم سلمة: يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ فقال: تربت يداك فبم يشبهها ولدها) رواه مسلم.

حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث ثابت صحيح

قال الإمام النووي: [قولها " إن الله لا يستحي من الحق " معناه لا يمتنع من بيان الحق وضرب المثل.] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 550. وروى مسلم في صحيحه أن عائشة رضي الله عنه قالت: (نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين). فينبغي على المسلم أن يسأل عن أمر دينه ولا يمنعه الحياء من ذلك. وأما العبارة الثانية وهي: [ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام] فمعناها صحيح أيضاً فلا يجوز للمسلم أن يأخذ مال غيره بالحياء فيمد يده إلى مال أخيه المسلم والآخذ يعلم أن صاحب المال يمنعه من أخذه ويؤيد هذا المعنى ما ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وصححه الشيخ الألباني. إرواء الغليل 5/ 279. وجاء في رواية أخرى: (لا يحل للرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه) رواه أحمد وغيره. حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث ثابت صحيح يقول السائل: إنه سمع أحد المشايخ على إحدى المحطات الفضائية ينكر حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه بزعمه يتنافى مع عصمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: ما قاله الشيخ المذكور أثار تساؤلات كثيرة عند من شاهدوا برنامجه وقد طرح آرائه حول الإمام البخاري وحديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك. وقد شاهدت بعض حديثه المتعلق بهذه المسألة وسمعته يقول: [إن كان النبي صلى الله عليه وسلم سحر فإن نصف أحكام الإسلام الثوابت تسقط].

واحتج بحديث مكذوب من وضع الزنادقة لتأكيد كلامه وهو أنه عليه الصلاة والسلام قال: (ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإلا فاضربوا به عرض الحائط). واعتبر رده لحديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - دفاعاً عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن دينه وأن البخاري مجرد راوٍ للأحاديث. إلى آخر كلامه. وأقول: إن الشيخ المذكور ليس أول من أنكر حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولن يكون آخرهم فإن كثيراً من الفلاسفة والعقلانيين الذين يحكّمون العقل في النصوص قد ردّوا هذا الحديث. وحديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث صحيح رواه الإمامان الجليلان البخاري ومسلم في صحيحيهما فهو حديث متفق عليه ومعلوم عند أهل العلم أن الحديث الذي يرويه الإمامان البخاري ومسلم هو في أعلى درجات الحديث الصحيح كما أن الحديث قد رواه غيرهما أيضاً كالإمام أحمد وابن ماجة وابن حبان. فحديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث ثابت صحيح لا شك في ذلك ولا ريب وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سحر لا يطعن في نبوته ولا في عصمته ولا في رسالته - صلى الله عليه وسلم -. وقد أجاب علماء الحديث وشرّاحه عن هذا الحديث وبينوا المراد منه. قال الحافظ ابن حجر: [قال المازري: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، قالوا: وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثَمَ، وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء. قال المازري: وهذا كله مردود لأن الدليل قد قام على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ والمعجزات شاهدات بتصديقه فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل وأما ما يتعلق

ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين. قال: وقد قال بعض الناس إن المراد بالحديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطئهن وهذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة. قلت - أي الحافظ ابن حجر -: وهذا قد ورد صريحاً في رواية ابن عيينة في الباب الذي يلي هذا ولفظه (حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن) وفي رواية الحميدي (أنه يأتي أهله ولا يأتيهم) قال الداودي: يُرى بضم أوله أي يظن. قال عياض: فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وسائر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده.] فتح الباري 12/ 337 - 338. وقال العلامة ابن القيم: فصل في هديه - صلى الله عليه وسلم - في علاج السحر الذي سحرته اليهود به وقد أنكر هذا طائفة من الناس وقالوا لا يجوز هذا عليه وظنوه نقصاً أو عيباً وليس الأمر كما زعموا بل هو من جنس ما كان يضرّ به - صلى الله عليه وسلم - من الأسقام والأوجاع وهو مرض من الأمراض وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن وذلك أشد ما يكون من السحر. قال القاضي عياض: والسحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا وإنما هذا فيما يجوز طروه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث لسببها ولا فضل من أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر فغير بعيد من أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه لما كان] زاد المعاد في هدي خير العباد 4/ 124. وقال الإمام الخطابي: [قد أنكر قوم من أصحاب الطبائع السحر

وأبطلوا حقيقته ودفع آخرون من أهل الكلام هذا الحديث وقالوا: لو جاز أن يكون له تأثير في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمن أن يؤثر ذلك فيما يوحى إليه من أمر الشرع فيكون فيه ضلال الأمة. والجواب أن السحر ثابت وحقيقته موجودة. وقد قال الله تعالى: (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) وأمر بالاستعاذة منه فقال عز وجل: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ). وورد في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبار لا ينكرها إلا من أنكر العيان والضرورة. فأما ما زعموا من دخول الضرر في الشرع بإثباته فليس كذلك لأن السحر إنما يعمل في أبدانهم وهم بشرٌ يجوز عليهم من العلل والأمراض ما يجوز على غيرهم وليس تأثير السحر في أبدانهم بأكثر من القتل وتأثير السم وعوارض الأسقام فيهم وقد قتل زكريا وابنه وَسُمَّ نبينا - صلى الله عليه وسلم - بخيبر فأما أمر الدين فإنهم معصومون فيما بعثهم الله جلّ ذكره وأرصدهم له وهو جل ذكره حافظ لدينه وحارس لوحيه أن يلحقه فساد أو تبديل وإنما كان خيّل إليه أنه يفعل الشيء من أمر النساء خصوصاً وهذا من جملة ما تضمنه قوله: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) فلا ضرر إذاً يلحقه فيما لحقه من السحر على نبوته وشريعته والحمد لله على ذلك] شرح السنة 12/ 187 - 188. وبهذه النقول عن هؤلاء العلماء الأعلام يظهر لنا جلياً أنه لا يجوز أن تكذب الأحاديث الصحيحة بمجرد فهم سيء فهمه من فهمه. وإني لأعجب من هذا الشيخ إذ يردّ حديثاً في الصحيحين ويستدل على ذلك بحديث مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو: [ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإلا فاضربوا به عرض الحائط]. قال الحافظ ابن عبد البر: [قال عبد الرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث يعني ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق كتاب الله فأنا قلته وإن خالف كتاب الله فأنا لم أقله وإنما أنا موافق كتاب الله وبه هداني].

وهذه الألفاظ لا تصح عنه - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه وقد عارض هذا الحديث قوم من أهل الحديث وقالوا نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء ونعتمد على ذلك قالوا فلما عرضناه على كتاب الله وجدناه مخالفاً لكتاب الله لأنا لم نجد في كتاب الله ألا يقبل من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما وافق كتاب الله بل وجدنا كتاب الله يطلق التآسي به والأمر بطاعته ويحذر من المخالفة عن أمره جملة على أي حال] جامع بيان العلم وفضله 2/ 191. وقال البيهقي: [والحديث الذي روي في عرض الحديث على القرآن باطل لا يصح وهو ينعكس على نفسه بالبطلان فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث] مفتاح الجنة ص 6 نقلاً عن السنة ومكانتها في التشريع ص161. وقال الإمام يحيى بن معين عن الحديث السابق: وضعته الزنادقة. ومثل قوله قال الخطابي وابن حزم والصغاني والشوكاني وذكره ابن الجوزي في الموضوعات. انظر الفوائد المجموعة ص291 والإحكام لابن حزم 1/ 249 - 253 وكشف الخفاء 1/ 86 والمقاصد الحسنة ص 36. وقد فصل الشيخ الألباني الكلام على هذا الحديث وما في معناه في السلسلة الضعيفة 3/ 203 - 211. وأما ما قاله ذلك الشيخ عن الإمام البخاري: [أنه مجرد راوٍ للحديث] فهذا كلام لا يقال في حق إمام أهل الحديث في زمانه والمقتدى به في أوانه والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه كما وصفه الحافظ ابن كثير. وقال ابن السبكي عن الإمام البخاري: [هو إمام المسلمين وقدوة الموحدين وشيخ المؤمنين والمعول عليه في أحاديث سيد المرسلين وحافظ نظام الدين]. وقد كتب العلماء عنه كثيراً وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكر كلام العلماء فيه: [ولو فتحت باب ثناء الأئمة عليه ممن تأخر عن عصره لفني القرطاس ونفدت الأنفاس فذاك بحر لا ساحل له] هدى الساري 2/ 258.

لا أثر للبيئة في تغير الأحكام الشرعية الثابتة بالنصوص

وأما صحيح الإمام البخاري فهو أصح كتاب في الدنيا بعد كتاب الله عز وجل قال الإمام النووي: [اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد الكتاب العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد.]. وقال ابن السبكي: [وأما كتابه الجامع الصحيح فأجل كتب الإسلام بعد كتاب الله] انظر عشرون حديثاً من صحيح البخاري ص 8 فما بعدها. ولا يتسع المقام لذكر ما قاله العلماء في الإمام البخاري وفي صحيحه. وأخيراً فهل مثل الإمام البخاري يقال فيه: إنه مجرد راوٍ؟ هذا كلام من لا يعرف مكانة الإمام البخاري ولا عرف فضله! لا أثر للبيئة في تغير الأحكام الشرعية الثابتة بالنصوص يقول السائل: إنه قرأ مقالاً يذكر فيه كاتبه أن الإمام الشافعي رحمه الله كان له مذهب فقهي في العراق ولمّا سافر إلى مصر كان له مذهب آخر وأن الشافعي غيَّر مذهبه الأول بسبب اختلاف البيئتين والمجتمعين العراقي والمصري. فما قولكم في ذلك؟ الجواب: الإمام الشافعي ثالث الأئمة الأربعة ومدوّن علم أصول الفقه في كتابه العظيم " الرسالة " وصاحب كتاب " الأم " في الفقه. هذا الإمام العظيم قال عنه تلميذه الإمام أحمد: [كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن فهل ترى لهذين من خَلَفٍ أو عنهما من عوض]. وقال فيه الإمام الحافظ المحدّث عبد الرحمن بن مهدي: [لما نظرت الرسالة للشافعي أذهلتني لأنني رأيت كلام رجل عاقل فصيح ناصح فإني لأكثر الدعاء له ما ظننت أن الله خلق مثل هذا الرجل]. وقد أثنى عليه العلماء المتقدمون والمتأخرون وهو أهل لذلك. انظر الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر ص 5.

ومن المعلوم أن فقه الإمام الشافعي مرّ بعدة مراحل أثناء حياة الإمام ومن المشهور أن الشافعي له مذهبان قديم وجديد أما القديم فكان في العراق وأما الجديد فكان في مصر ومن هنا جاءت المقولة المشهورة بين طلبة العلم أن الشافعي قد غيَّر مذهبه عندما سكن مصر ونريد أن ندقق في هذه القضية ونسأل هل فعلاً أن الإمام الشافعي غيَّر مذهبه؟ وما مدى هذا التغيير؟ الحقيقة أنه ليس صحيحاً أن الإمام الشافعي غير مذهبه القديم وألغاه تماماً ثم وضع مذهباً جديداً في مصر وخاصة أن فترة إقامته في مصر كانت قصيرة حيث إن إقامته لم تزد على أربع سنوات وهذه مدة لا تكفي لتغيير المذهب جملة وتفصيلاً. إن الفترة التي عاشها الشافعي في مصر جاءت بعد أن نضجت آراؤه وتكامل اجتهاده فأخذ يمحص آرائه السابقة ويعيد النظر فيها ودرس فيها أصوله التي بنى أقواله عليها ناقداً لها فاحصاً كاشفاً فهذا الإمام الذي كان يتسامى فلا يترك قولاً من غير نقد ولا تمحيص وكشف لمحاسنه ومساويه، وقربه من السنة أو بعده عنها قد أخذ أيضاً يدرس آراء نفسه هذه الدراسة الناقدة الفاحصة الكاشفة. ثم هو يدون ما انتهى إليه من دراسته فيدون رسالته ويكتب مسائل كثيرة له أو يملي أخرى ويروي عنه أصحابه جملة آرائه في تلك الفترة وينقلون خلافاته مع غيره من الفقهاء. انظر كتاب " الإمام الشافعي حياته وعصره - آراؤه وفقهه " للشيخ محمد أبو زهرة ص 129. وفي مدة إقامته في مصر أعاد كتابة رسالته في الأصول كتابة جديدة زاد فيها وحذف منها وأبقى لب رسالته القديمة ودرس آراءه في الفروع فعدل عن بعضها إلى جديد لم يقله وكان له بذلك قديم قد رجع عنه وجديد قد اهتدى إليه وقد يتردد بين الجديد والقديم فيذكر الرأيين من غير أن يرجع عن أولهما. المرجع السابق ص 128.

وليس صحيحاً أنه بدّل جميع أقواله أو أكثرها وإنما بدّل بعضها وليس عليه في ذلك جناح فالعالم المجتهد المتجرد لطلب الحق يدور مع الحق حيث دار ومن الطبيعي لإمام مثل الشافعي له ذكاؤه وعقله وفهمه وله الثروة الضخمة من الأدلة وأقوال الصحابة ومن بعدهم وفتاوى العلماء وأدلة أولئك وهؤلاء - أن يقارن ويوازن ويهمل رأياً كان يراه ويعود إلى رأي لم يكن يراه أو يأتي برأي جديد. وليس الشافعي في هذا بدعاً من المجتهدين فالأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم كثيراً ما رأوا رأياً فثبت لديهم غيره بالأثر أو النظر فرجعوا عن الأول وكثيراً ما ينقل رواة المذهب روايتين أو أكثر في مسألة واحدة عن إمامهم. الإمام الشافعي / عبد الغني الدقر ص 153 - 154. إن الإمام الشافعي كما سبق في بداية الجواب هو أول من دوّن علم أصول الفقه فهو رأس هذا العلم ومعلوم أن علم أصول الفقه هو العلم الذي يبين فيه قواعد وضوابط استنباط الأحكام الشرعية أي الفقه فالشافعي أعلم العلماء في قواعد الاستنباط وأصول الاجتهاد وقد بين الأصول التي بنى عليها مذهبه وليس من هذه الأصول تغير المجتمعات أو البيئات فأصول مذهب الشافعي الجديد هي: 1. الكتاب والسنة. 2. الإجماع فيما ليس فيه نص كتاب أو سنة. 3. قول الصحابي الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة. 4. التخير من أقوال الصحابة عند اختلافهم. 5. القياس على ما سبق. ونلاحظ أن اختلاف البيئات أو المجتمعات ليس من أصول الشافعي ولا من أصول أحد من أئمة الإسلام فأصول الأحكام الشرعية ثابتة لا تقبل التغيير ولا التبديل. كما لو أننا لو ألقينا نظرة سريعة على بعض المسائل التي اختلف فيها

اجتهاد الإمام الشافعي وغير رأيه فيها فكان له فيها قولان قديم وجديد لرأينا يقيناً أن لا علاقة لتغير البيئات والمجتمعات بها وسأورد ثلاث مسائل من التي اختلف فيها اجتهاد الشافعي فكان له فيها مذهبان: المسألة الأولى: قال الإمام الشافعي في القديم: لا يُسن قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة. وقال في الجديد: يستحب قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة. المجموع 3/ 386 وفرائد الفوائد ص 61. المسألة الثانية: قضاء الصوم عن الميت قال في القديم: يصوم عنه وليه. وقال في الجديد: لا يصوم عنه وليه. الأشباه والنظائر للسيوطي ص 813 والمجموع 6/ 368. المسألة الثالثة: اشترط الإمام الشافعي في الركاز الذي يجب فيه الخمس أن يبلغ نصاباً وهذا قوله في الجديد أما في القديم فلم يشترط ذلك. المجموع 6/ 77. ونلاحظ أنه لا أثر لاختلاف البيئة والمجتمع في اختلاف قولي الإمام الشافعي القديم والجديد في هذه المسائل. وإنما يرجع سبب اختلاف قولي الإمام الشافعي في هذه المسائل إلى الأدلة الشرعية في كل منها. ففي المسألة الأولى لماّ ثبت عند الإمام الشافعي حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - قال به وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة وكان يسمعنا الآية أحياناً وكان يطيل في الأولى ما لا يطيل في الثانية وكان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب) رواه البخاري ومسلم. وفي المسألة الثانية احتج الشافعي بما جاء عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من مات وعليه صيام فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين).

وحجة القديم بصحة صوم الولي عنه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) وقد نقل عن الشافعي أنه قال: قد روي في ذلك خبر فإن صح قلت به. المجموع 6/ 368 - 369. وفي المسألة الثالثة: استدل الشافعي لعدم اشتراط بلوغ النصاب في الركاز بعموم الحديث (وفي الركاز الخمس) حيث لم يحدد فيه نصاب. وفي الجديد اشترط النصاب اعتماداً على أن الركاز مال مستفاد من الأرض فاختص بما تجب فيه الزكاة قدراً أو نوعاً كالمعدن. مغني المحتاج 2/ 103. وهكذا يمكن أن يقال في جميع المسائل التي رجع فيها الشافعي عن قوله القديم وقال بالقول الجديد لأن المجتهد يرجع عن قول اجتهد فيه بناءاً على الدليل. فمن المعلوم عند أهل العلم أن تغيير الفتوى في المسألة الواحدة من العالم الواحد لا بدّ له من سبب صحيح فإذا بنى المجتهد فتواه على اجتهاد ثم بلغه حديث نبوي لم يكن قد سمع به من قبل والفتوى تعارضه يلزمه العدول فوراً عن قوله إلى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وأخيراً ينبغي التنبيه على أن الفقهاء والعلماء قد قرروا أن الأحكام الاجتهادية التي تبنى على العرف والمصلحة يمكن أن تتغير بتغير الأزمنة نظراً لاختلاف الأعراف من زمان إلى زمان وأما الأحكام المنصوص عليها فهذه ثابتة لا يمكن أن يدخلها التغيير والتبديل. قال العلامة ابن عابدين: [كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو لفساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً للزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة الإسلامية المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لهذا نرى مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذاً من قواعد مذهبه] المدخل الفقهي العام 2/ 983.

التزام المسلمين بالأحكام الشرعية في بلاد غير المسلمين

وقال علي حيدر شارح المجلة: (إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس وبناءً على هذا التغير يتبدل أيضاً العرف والعادة وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام حسبما أوضحنا آنفاً بخلاف الأحكام المستندة إلى الأدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإنها لا تتغير.) درر الحكام 1/ 47. وقال الشيخ مصطفى الزرقا: [وقد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان وأخلاق الناس هي الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحية أي التي قررها الاجتهاد بناءاً على القياس أو على دواعي المصلحة وهي المقصودة بالقاعدة الآنفة الذكر. أما الأحكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها وتوطيدها بنصوصها الأصلية الآمرة الناهية كحرمة المحرمات المطلقة وكوجوب التراضي في العقود. إلى غير ذلك من الأحكام والمبادئ الشرعية الثابتة التي جاءت الشريعة لتأسيسها ومقاومة خلافها فهذه لا تتبدل بتبدل الأزمان] المدخل الفقهي العام 2/ 934 - 935. وبعد هذا البيان يظهر لنا جليا أن القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه لما حلَّ في مصر نظراً لاختلاف البيئة والمجتمع قول باطل يؤدي إلى نقض أصول الشريعة والتلاعب بها والإمام الشافعي ذلك الأصولي العظيم مبرؤ مما ينسب إليه. التزام المسلمين بالأحكام الشرعية في بلاد غير المسلمين يقول السائل: إنه سمع قولاً لأحد العلماء حول التزام المسلم الذي يعيش في بلاد غير المسلمين بالقوانين التي يضعها غير المسلمين وأن على المسلم احترام تلك الأنظمة وإن خالفت الدين الإسلامي مثل منع المرأة

المسلمة من ارتداء الجلباب الشرعي فعلى المسلمة أن تطيع ذلك ولا تلبس الجلباب الشرعي فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن على المسلم الذي يقيم في ديار غير المسلمين أن يفرق بين الأنظمة التي يضعها أهل تلك البلاد والتي لا تتعارض مع أحكام ديننا الإسلامي الحنيف وبين الأنظمة والقوانين التي تعارض أحكام الشرع الثابتة بنصوص صريحة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو التي اتفق عليها أكثر أهل العلم. فمثلاً إذا كان نظام السير في دولة غربية يفرض على السائق أن لا يحصل على رخصة السياقة إلا إذا بلغ سناً معيناً وأن على السائق أن يجري فحصاً سنوياً لسمعه وبصره أو نحو ذلك فالمسلم الذي يعيش في تلك البلاد يطيع ذلك النظام ولا بأس عليه. وأما إذا فرض القانون على المسلم الذي يعيش في ديار غير المسلمين أن لا يصلي أو أن لا يصوم أو فرضوا على المرأة المسلمة ألا تلبس الجلباب الشرعي وأن تخرج سافرة فيحرم على المسلم طاعتهم لأن الطاعة لها حدود لا يجوز تجاوزها فإذ أُمِرَ المسلم بالقيام بمعصية سواء أكان الآمر مسلماً أو غير مسلم حاكماً أو غير حاكم فلا يجوز للمسلم الطاعة في المعصية. وقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) رواه البخاري. وقد نص العلماء على أن الطاعة تكون في غير معصية فقد روى الإمام البخاري الحديث السابق في (باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية) صحيح البخاري مع فتح الباري 16/ 239. وقال ابن خواز منداد من كبار فقهاء المالكية: [وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان لله فيه طاعة ولا تجب فيما كان فيه معصية] تفسير القرطبي 5/ 259.

ومما يدل على أن الطاعة تكون في المعروف ما ثبت في الحديث الصحيح عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية وأمَّر عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه. فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: عزمت عليكم لما جمعتم حطباً وأوقدتم ناراً ثم دخلتم فيها. فجمعوا حطباً فأوقدوا ولما هموا بالدخول نظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنما تبعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراراً من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري. وجاء في حديث آخر عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا طاعة لأحد في معصية الخالق) رواه احمد والبزار وقال الحافظ ابن حجر: وسنده قوي. فتح الباري 5/ 241، وقال الألباني: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وجاء في رواية أخرى: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهي رواية صحيحة. راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني 1/ 137 - 144. إذا ثبت هذا فأقول إن على المسلم الذي يعيش في ديار غير المسلمين أن ينظر وأن يقيس الأمور بمقياس الشرع فإذا كان ما ألزم به من أنظمة وقوانين تلك البلاد لا يعد معصية فلا بأس أن يعمل بها وأما إن كان في ذلك معصية ومخالفة واضحة لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فتحرم عليه الطاعة. قال الحافظ ابن حجر: (فإذا داهن فعليه الإثم ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض) فتح الباري 5/ 241. وأوضح الأمر بمثال عملي مما يتعرض له المسلمون في بعض البلاد الغربية فقد ألزمت بعض المؤسسات التعليمية في إحدى الدول الغربية الفتيات المسلمات بخلع الجلباب الشرعي ومنعتهن من الدخول إلى تلك المؤسسات إلا باللباس الذي يظهر العورة ولا يستر البدن.

والسؤال الذي طرح نفسه هو: ما حكم ارتداء المرأة المسلمة للجلباب الشرعي؟ الجواب: إن اللباس الشرعي الذي يستر ما أمر الله بستره فرض في حق المرأة المسلمة فلا يجوز لها الخروج من البيت إلا إذا سترت ما أمر الله بستره قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة الأحزاب 59. وقال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) سورة النور الآية 31. وبناءاً على هذه النصوص الشرعية وغيرها يحرم على المرأة المسلمة أن تخرج من بيتها إلى السوق أو المدرسة أو الجامعة أو المؤسسة التي تعمل فيها إلا وهي ملتزمة باللباس الشرعي الذي أوجبه الله تعالى فإذا ألزمت المرأة المسلمة بنظام أو قانون بأن تخلع اللباس الشرعي فلا يجوز لها أن تطيع من أمرها بذلك لأنه يأمرها بمعصية الله تبارك وتعالى ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وينبغي التنبيه على أنه لو تعلق الأمر بمسألة خلافية بين فقهاء المسلمين فاخذ الإنسان بالرأي الأخف فلا حرج في ذلك وإن كان فيه موافقة لنظام وقوانين غير المسلمين. فمثلاً لو منعت امرأة من تغطية وجهها في مؤسسة أو جامعة أو مصنع فالتزمت بذلك فلا حرج عليها إن لم تغط وجهها لأن تغطية الوجه ليس فرضاً متفقاً عليه بين علماء المسلمين فكثير من الفقهاء يرون عدم وجوب تغطية المرأة لوجهها وهذا الرأي معتبر ومستند على أدلة قوية فلو أن المرأة المسلمة أخذت بهذا الرأي فلا حرج عليها إن شاء الله. *****

إخفاء العمل عن الناس ثم علمهم

إخفاء العمل عن الناس ثم علمهم يقول السائل: ما قولكم في رجل يُسئل: هل صليت العصر؟ فيقول: لقد أتيت الآن من المسجد الأقصى حيث صليت جماعة. وفي آخر صائم ويسر أشد السرور إذا دعاه أحد لتناول شراب أو طعام لينتهز الفرصة ويقول: إني صائم. وفي آخر تصدق بصدقة وأخفاها ثم انكشف أمرها فانتعش صدره فرحاً بأن الناس عرفوا أنه قصد إخفاءها. وفي آخر أيضاً تبرع ببناء مسجد وعندما يذكر الموضوع أمامه يقول: بل وتنازلت أيضاً عن أجرة دكان لي لتنفق على ذلك المسجد. أفتونا مأجورين؟ الجواب: إن السرور الحاصل للإنسان عندما تعرف طاعته وفرحه بعلم الناس بعبادته ليس من الرياء لأن هذا الأمر طرأ بعد الفراغ من العبادة. وليس من الرياء أيضاً أن يسر الإنسان بفعل الطاعة لأن ذلك دليل إيمانه وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من سرته حسنته وساءته سيئتة فذلك المؤمن) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قلت يا رسول الله: بينما أنا في بيتي في مصلاي إذا دخل عليَّ رجل فأعجبني الحال التي رآني عليها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رحمك الله يا أبا هريرة لك أجران أجر السر وأجر العلانية) رواه البغوي في شرح السنة 14/ 328. وجاء في رواية أخرى عن أبي هريرة: (أن رجلاً قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الرجل يعمل العمل ويُسِرُهُ - أي يخفيه - فإذا اطُّلع عليه سَرَّهَ؟ قال: له أجران أجر السر وأجر العلانية) رواه الترمذي وقال: حديث غريب؟ ورواه ابن حبان وصححه ورواه ابن ماجة. وقال الإمام الترمذي: [وقد فسر بعض أهل العلم هذا الحديث بأن معناه أن يعجبه ثناء الناس عليه بالخير لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنتم شهداء الله في الأرض) فيعجبه ثناء الناس عليه لهذا فأما إذا أعجبه ليعلم الناس منه الخير ويكرّم ويعظّم على ذلك فهذا رياء.

حكم اقتناء الكلاب في البيوت

وقال بعض أهل العلم: إذا اطلع عليه فأعجبه رجاء أن يعمل بعمله فتكون له مثل أجورهم] تحفة الأحوذي 7/ 50. وقال ابن حبان: [- قوله إن الرجل يعمل العمل ويُسِرُهُ فإذا اطُّلع عليه سَرَّهَ - فمعناه أنه يُسُرُه أن الله تعالى وفقه لذلك العمل فعسى أن يستن به فيه فإذا كان كذلك كتب له أجران وإذا سره ذلك لتعظيم الناس إياه أو ميلهم إليه كان ضرباً من الرياء لا يكون له أجران ولا أجر واحد] صحيح ابن حبان 2/ 100. وروى مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - قال: (قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال تلك عاجل بشرى المؤمن). قال الإمام النووي: [قال العلماء معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق كما سبق في الحديث ثم يوضع له القبول في الأرض. هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض مذموم] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 144. وخلاصة الأمر أن الأمور المذكورة في السؤال وأن معرفة الناس بها بعد حصولها ليس من الرياء وسرور الإنسان بعمله ليس من الرياء ولكن إن أحب أن يحمده الناس لتعرف مكانته وتقضى حوائجه ولكي يعظموه ويمدحوه فهذا مكروه مذموم. حكم اقتناء الكلاب في البيوت يقول السائل: ما حكم تربية الكلاب في البيوت؟

الجواب: يجوز اقتناء الكلاب في البيوت لحاجة نافعة ككلاب الصيد والحراسة وكذا الكلاب التي تستعمل في الكشف عن المخدارت ونحوها فيصح اقتناؤها. وقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان) رواه مسلم. وفي رواية أخرى أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من اتخذ كلباً إلا كلب زرع أو غنم أو صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط) رواه مسلم. وفي حديث آخر عن السائب بن يزيد أنه سمع سفيان بن أبي زهير وهو رجل من أزد شنؤة - وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص كل يوم من عمله قيراط. قلت: أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إي ورب هذا المسجد) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. وقد أخذا الفقهاء من هذه الأحاديث أنه لا يجوز اقتناء الكلب إلا لحاجة كالصيد والحرث والحراسة ونحوها من وجوه الانتفاع التي أجازها الشرع الحنيف. قال الحافظ ابن عبد البر: [وفي معنى هذا الحديث تدخل عندي إباحة اقتناء الكلاب للمنافع كلها ودفع المضار إذا احتاج الإنسان إلى ذلك إلا أنه مكروه اقتناؤها في غير الوجوه المذكورة في هذه الآثار لنقصان أجر مقتنيها والله أعلم. وقد أجاز مالك وغيره من الفقهاء اقتناء الكلاب للزرع والصيد والماشية ولم يجز ابن عمر اقتناؤه للزرع ووقف عندما سمعه. وزيادة من زاد في هذا الحديث: الحرث والزرع مقبولة فلا بأس باقتناء الكلب للزرع والكرم وأنها داخلة في معنى الحرث وكذلك ما كان مثل ذلك كما يقتنى للصيد والماشية وما أشبه ذلك.

وإنما كره من ذلك اقتناؤها لغير منفعة وحاجة وكيدة فيكون حينئذ فيه ترويع للناس وامتناع دخول الملائكة في البيت والموضع الذي فيه الكلب فمن هاهنا والله أعلم كره اتخاذها. وأما اتخاذها للمنافع فما أظن شيئاً من ذلك مكروهاً لأن الناس يستعملون اتخاذها للمنافع ودفع المضرة - قرناً بعد قرن في كل مصر وبادية فيما بلغنا - والله أعلم. وبالأمصار علماء ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف ويسمع السلطان منهم فما بلغنا عنهم تغيير ذلك إلا عند أذى يحدث من عقر الكلب ونحوه وإن كنت ما أحب لأحد أن يتخذ كلباً ولا يقتنيه إلا لصيد ماشية أو في بادية أو ما يجري مجرى البادية من المواضع المخوف فيها الطرق والسرق فيجوز حينئذ اتخاذ الكلاب فيها للمزارع وغيرها لما يخشى من عادية الوحش وغيره والله اعلم. وقد سئل هشام بن عروة عن الكلب يتخذ للدار فقال: لا بأس به إذا كانت الدار مخوفة] فتح المالك 10/ 308. وأما نقصان العمل المذكور في الأحاديث السابقة بسبب اقتناء الكلاب لغير حاجة فقد اختلف أهل العلم في سبب ذلك النقصان. قال الإمام النووي: [واختلف العلماء في سبب نقصان الأجر باقتناء الكلب. فقيل: لامتناع الملائكة من دخول بيته بسببه. وقيل: لما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم. وقيل: إن ذلك عقوبة له لاتخاذه ما نهي عن اتخاذه وعصيانه في ذلك.

وقيل: لما يبتلى به من ولوغه في غفلة صاحبه ولا يغسله بالماء والتراب. والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 184. وقال الحافظ ابن عبد البر: [ووجه قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث من نقصان الأجر محمول عندي والله أعلم على أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعاً إذا ولغت فيه لا يكاد يقام بها ولا يكاد يتحفظ منها لأن متخذها لا يسلم من ولوغها في إنائه ولا يكاد يؤدي حق الله في عبادة الغسلات من ذلك الولوغ فيدخل عليه الإثم والعصيان فيكون ذلك نقصاً في أجره بدخول السيئات عليه وقد يكون ذلك من أجل أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ونحو ذلك. وقد يكون ذلك بذهاب أجره في إحسانه إلى الكلاب لأن معلوماً أن في الإحسان إلى كل ذي كبد رطبة أجراً لكن الإحسان إلى الكلب ينقص الأجر فيه أو يبلغه ما يلحق مقتنيه ومتخذه من السيئات لترك أدبه لتلك العبادات في التحفظ من ولوغه والتهاون بالغسلات منه ونحو ذلك مثل ترويع المسلم وشبهه والله أعلم بما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله ذلك. روى حماد بن زيد عن واصل مولى أبي عيينة قال: [سأل الرجل الحسن فقال: يا أبا سعيد أرأيت ما ذكر من الكلب أنه ينقص من أجر أهله كل يوم قيراط. قال: يذكر ذلك. فقيل له: مم ذلك يا أبا سعيد؟ قال: لترويعه المسلم]. وذكر ابن سعدان عن الأصمعي قال: [قال أبو جعفر المنصور لعمرو بن عبيد: ما بلغك في الكلب؟ فقال: بلغني أنه من اقتنى كلباً لغير زرع ولا حراسة نقص من أجره كل يوم قيراط. قال: ولما ذلك؟ قال: هكذا جاء الحديث. قال: خذها بحقها إنما ذلك لأنه ينبح الضيف ويروع السائل] فتح المالك 10/ 310. إذا تقرر هذا فينبغي التحذير من اقتناء الكلاب لغير حاجة والاعتناء بها عناية كبيرة قد تصل إلى أكثر من العناية بالإنسان كما هو الحال في الحضارة

رسم الكاريكاتير

الغربية الحديثة التي تهتم بالكلاب أكثر من اهتمامها بالإنسان ففي الوقت الذي يموت فيه الناس جوعاً ومرضاً في مناطق كثيرة من العالم نرى أن الدول الغربية تنفق الملايين على الكلاب وهذا من انحدار الحضارة الغربية وانحطاطها. وأخيراً يجب التنبيه أنه في حالة اقتناء الكلب لحاجة فيجب أن يعلم أنه نجس فإذا ولغ في إناء فيجب غسل الإناء سبعاً لما ثبت في الحديث من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) رواه مسلم. كما يجب الإحسان إلى الكلب إذا اقتني لحاجة ولا يجوز إلحاق الأذى والضرر به فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال: قد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب. قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً؟ قال: في كل كبد رطبة أجر) رواه البخاري ومسلم. رسم الكاريكاتير يقول السائل: ما قولكم في الرسم المسمى - الكاريكاتير - وما يتضمنه من إشارات ساخرة واستعمال بعض النصوص الشرعية في الرمز والتعبير فيه؟ الجواب: الرسم الساخر المعروف بالكاريكاتير من الأمور المشهورة في الصحافة بحيث لا تكاد تخلو منه صحيفة أو مجلة ويقدم رسام الكاريكاتير الأحداث والأشخاص بقالب نقدي أو حالة هزلية مضحكة. وهو وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي إن أحسن استخدامه ولكن الواقع والمشاهد في الصحافة المحلية والعربية أن بعض رسامي الكاريكاتير

يطلقون العنان لرسوماتهم فنراهم يسخرون من بعض الأمور الدينية ويستهزؤون ببعض الناس وبعضهم قد يرسم النساء في صور لا تقرها الشريعة الإسلامية كما أن بعضهم قد يستخدمون الآيات القرآنية بطريقة تنطوي على السخرية والاستهزاء. ولا بد من وضع الضوابط لرسم الكاريكاتير وأهمها عندي: أولاً: لا ينبغي أن يكون المقصد من الكاريكاتير السخرية والتشهير بل لا بد أن يكون المقصد منه هو النقد البناء والإصلاح. فالسخرية بالأشخاص من الأمور الممنوعة شرعاً يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة الحجرات الآية 11. وقال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) سورة الهمزة الآية 1. وجاء في الحديث عن أبي هريرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) رواه مسلم في صحيحه. ثانياً: لا يجوز أن يمس رسم الكاريكاتير بعقيدة الأمة وتحرم السخرية بأمور الدين وقد تؤدي إلى الكفر والعياذ بالله كالاستهزاء بالصلاة أو باللحية ونحوهما. قال الله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) سورة التوبة الآيتان 65 - 66. ثالثاً: لا يجوز استخدام النصوص الشرعية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في التعليقات الساخرة مع رسم الكاريكاتير لما في ذلك من التلاعب بها وخاصة كلام رب العالمين سبحانه وتعالى الذي يجب احترامه والتأدب معه وصيانته عن كل مالا يليق بل المطلوب من المسلم أن يقرأ كلام الله جل جلاله بتدبر وتفكر. قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) سورة القمر الآية 17.

كتاب (الرحمة في الطب والحكمة) فيه دجل وأكاذيب

رابعاً: ينبغي أن يكون رسم الكاريكاتير متفقاً في عرضه للأحداث والأشخاص مع الأحكام الشرعية والآداب المرعية فلا تستعمل فيه العبارات البذيئة والألفاظ الخسيسة ولا تستعمل فيه رسومات للأشخاص بأشكال وأوضاع لا يقرها الشرع الحنيف. انظر الشريعة الإسلامية والفنون ص 103 - 104. كتاب (الرحمة في الطب والحكمة) فيه دجل وأكاذيب أحضر لي أحد طلابي كتاباً بعنوان (الرحمة في الطب والحكمة) تأليف جلال الدين السيوطي وقال إنه قرأ فيه أموراً غريبة عجيبة، وطلب مني أن أبين رأيي في هذا الكتاب. الجواب: هذا الكتاب المنسوب للعلامة جلال الدين السيوطي كتاب مكذوب عليه ونسبته إلى السيوطي باطلة فهو من الكتب المنحولة حيث إن السيوطي لم يورده في ثبت كتبه ولا في (التحدث بنعمة الله). والسيوطي عالم جليل يصان عن مثل ما في هذا الكتاب من أباطيل وترهات وخزعبلات كما سأذكر أمثلة منها بعد قليل. وقد نسبه صاحب كتاب (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) لمهدي بن علي بن إبراهيم الصبنري اليمني المهجمي المتوفى سنة 815 هجرية. قال ابن الجزري في ترجمته [. وطبيب حاذق وهو مؤلف كتاب الرحمة في الطب والحكمة]. انظر كتب حذر منها العلماء 2/ 330. وهذا الكتاب مملوء بالدجل والخرافات والترهات والخزعبلات والأمور الساقطة التي لا يقرها شرع ولا عقل، وفيه وصفات لعلاج كثير من الأمراض التي لا يقول بها إلا جاهل أو دجال أو مخرف. وقد تصفحت الكتاب ورأيت فيه العجب العجاب وطلاسم وكلمات

غير مفهومات فمنها ما جاء في ص32 [علاج وجع الرأس تكتب هذه الأحرف م ح أك ك ح ع ح أم ألصداع الرأس قال الرقيشي: من كتب في رق ظبي خشن عشرين دالاً كاملة وأضاف إليها ثلاث ياآت. الخ. لوجع الرأس تكتب البسملة. وبحرمة أنوش فريوش بربوش أنوش أحياش ترش تربوش. الخ هذه الطلاسم. وجاء في ص99 من الكتاب [في علاج الطحال بالكتابة. وهذا ما تكتب ح أب فاح ناخ وديوح ع هرخ ماع ويروج وحاميا وطايرا ووع ع ع محا حا وسلوهم ليكطاع لح دلي أجيبوا يا خدام هذه الأسماء برفع الطحال عن هذا الآدمي بحق هذه الأحرف] إلى آخر هذا الدجل والخزعبلات. وخلاصة الأمر أن هذا الكتاب كتاب دجل وخرافة وأباطيل فلا يجوز اقتناؤه ولا القراءة فيه لما فيه من الأباطيل وينبغي إتلافه. ولا يصح الاعتماد على الوصفات الواردة فيه لعلاج الأمراض وإنما ينبغي مراجعة الأطباء أهل الاختصاص لتشخيص الداء ومن ثم وصف الدواء. والله الهادي إلى سواء السبيل تمَّ الكتاب بحمد الله تعالى

الجزء الخامس

[الجزء الخامس] الطهارة المسح على الجوربين ثابت شرعاً يقول السائل: إنه سأل إمام المسجد عن المسح على الجوربين عند الوضوء فأجابه بأنه لا يجوز المسح على الجوارب التي اعتاد الناس لبسها ولا بد من غسل الرجلين، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: بعض الناس يحجرون واسعاً على الأمة ويشددون عليهم ويظنون أن في هذا التشدد التزاماً تاماً بالدين. يقول الدكتور يوسف القرضاوي: [إن جمهور الناس في عصرنا أحوج ما يكونون إلى التيسير والرفق رعايةً لظروفهم وما غلب على أكثرهم من رقة الدين وضعف اليقين وما ابتلوا به من كثرة المغريات بالإثم والمعوقات عن الخير ولهذا كان على أهل الفقه والدعوة أن ييسروا عليهم في مسائل الفروع على حين لا يتساهلون في قضايا الأصول ومن كان يعمل بالأحوط فهذا حسن إذا كان ذلك لنفسه ولأولي العزم من المؤمنين أما من كان يفتي الناس عامة أو يكتب للجماهير كافة فينبغي أن يكون شعاره التيسير لا التعسير والتبشير لا التنفير اتباعاً لوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن فقال: (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) وقال: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين). وهذا يجعل الفقيه يستحضر الرخص فإن الله يحب أن تؤتى رخصه

ويقدر الأعذار والضرورات ويبحث عن التيسير ورفع الحرج والتخفيف عن العامة (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) ... ويسرني أن أذكر هنا كلمة لإمام كبير انعقدت له الإمامة في ثلاثة مجالات في الفقه حيث كان له مذهب وأتباع لمدة من الزمن ثم انقرضوا، وفي الحديث والرواية، حيث كان يسمى أمير المؤمنين في الحديث وفي الورع والزهد حيث عد من أئمة التقوى وأعني به الإمام سفيان بن سعيد الثوري فقد روى عنه الإمام النووي في مقدمات المجموع هذه الكلمة المضيئة: إنما الفقه الرخصة من ثقة أما التشديد فيحسنه كل أحد!!] بيع المرابحة للآمر بالشراء ص 22 - 23. ومسألة المسح على الجوربين فيها تيسير وتسهيل على الناس وخاصة في أيام الشتاء الباردة حيث إن كثيراً من الناس وخاصة كبار السن يجدون صعوبة في غسل أرجلهم عند كل وضوء فيمسحون على جواربهم ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، والمسح على الجوربين ثابت بالسنة وبه عمل الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون ولا ينكره إلا جاهل لم يشم رائحة العلم الشرعي. وهذه بعض الأدلة والشواهد الشرعية على جواز المسح على الجوربين: 1. قال أبو داود صاحب السنن باب المسح على الجوربين ثم روى بإسناده عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه -: (أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. ورواه ابن ماجة وابن حبان والبيهقي وابن خزيمة وابن أبي شيبة وغيرهم وصححه ابن حبان. قال العلامة أحمد محمد شاكر: [والحديث صحيح وإسناده كلهم ثقات] مقدمة رسالة المسح على الجوربين للقاسمي ص 7، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 33. 2. وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية

فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني والشيخ شعيب الأرناؤوط، وقال الشيخ أحمد محمد شاكر: [حديث متصل صحيح الإسناد] مقدمة رسالة المسح على الجوربين ص 6. وانظر صحيح ابن حبان 4/ 167، صحيح سنن أبي داود 1/ 30. 3. وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول - صلى الله عليه وسلم -: (توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) رواه ابن ماجة والطحاوي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 91. وقد ثبت المسح على الجوربين عن جماعة كبيرة من الصحابة رضي الله عنهم، قال الإمام النووي: [وحكى ابن المنذر إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من الصحابة علي وابن مسعود وابن عمر وأنس وعمار بن ياسر وبلال والبراء وأبي أمامة وسهل بن سعد] المجموع 1/ 499. وقال العلامة ابن القيم: [قال ابن المنذر روي المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - علي وعمار وأبي مسعود الأنصاري وأنس وابن عمر والبراء وبلال وعبد الله ابن أبي أوفى وسهل بن سعد. وزاد أبو داود - صاحب السنن - أبو أمامة وعمرو بن حريث وعمر وابن عباس فهؤلاء ثلاثة عشر صحابياً والعمدة في الجواز على هؤلاء رضي الله عنهم ... وقد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبي قيس. وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه ... ولا نعرف في الصحابة مخالفاً لمن سمينا] تهذيب سنن أبي داود 1/ 187 - 189. ومن الروايات المنقولة عن الصحابة في المسح على الجوربين: 1. ما رواه الدولابي في الكنى والأسماء من طريق أحمد بن شعيب عن عمرو بن علي أخبرني سهل بن زياد أبو زياد الطحان حدثنا الأزرق بن

قيس قال: [رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح على جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما فقال: إنهما خفان ولكن من صوف]. قال العلامة أحمد شاكر: [وهذا إسناد صحيح ... وهذا الحديث موقوف على أنس من فعله وقوله ولكن وجه الحجة فيه أنه لم يكتف بالفعل بل صرح بأن الجوربين خفان ولكنهما من صوف) مقدمة رسالة المسح على الجوربين ص13. 2. روى عبد الرزاق بإسناده عن كعب بن عبد الله قال: [رأيت علياً بال فمسح على جوربيه ونعليه ثم قام يصلي] مصنف عبد الرزاق 1/ 199، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/ 188. 3. وروى عبد الرزاق بإسناده عن خالد بن سعد قال: [كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على جوربين له من شعر ونعليه] مصنف عبد الرزاق 1/ 199، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 188. 4. وروى عبد الرزاق بإسناده عن ابن عمر أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه. مصنف عبد الرزاق 1/ 199. 5. وروى عبد الرزاق عن أبي مسعود أنه كان يمسح على الجوربين والنعلين. مصنف عبد الرزاق 1/ 200. 6. وروى عبد الرزاق بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال: [رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه] مصنف عبد الرزاق 1/ 200، ورواه أبن أبي شيبة في مصنفه 1/ 189. 7. وروى عبد الرزاق بإسناده عن يحيى البكاء قال: سمعت ابن عمر يقول: المسح على الجوربين كالمسح على الخفين. مصنف عبد الرزاق 1/ 201. 8. وروى ابن أبي شيبة بإسناده أن عمر توضأ يوم جمعة ومسح على جوربيه ونعليه. مصنف ابن أبي شيبة 1/ 188.

9. وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة بإسناديهما عن أنس بن مالك: [أنه كان يمسح على الجوربين قال: نعم، يمسح عليهما مثل الخفين] مصنف عبد الرزاق 1/ 200، مصنف ابن أبي شيبة 1/ 188. 10. وورى ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي غالب قال: رأيت أبا أمامة يمسح على الجوربين. مصنف ابن أبي شيبة 1/ 188. وهنالك روايات أخرى كثيرة في المصنفين المذكورين والمحلى 1/ 323 راجعها إن شئت. وقد قال بالمسح على الجوربين كبار الفقهاء من التابعين والأئمة المجتهدين وغيرهم كسعيد بن المسيب وعطاء والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والأعمش والثوري والحسن بن صالح وعبد الله بن المبارك وإسحاق وأبي ثور وهو قول الإمام أحمد وأهل الظاهر وأبي يوسف ومحمد وزفر أصحاب أبي حنيفة، ورجع إليه أبو حنيفة في آخر أيامه وهو قول الإمام الشافعي بشروط، ومالك في أحد القولين عنه كما في الاستذكار لابن عبد البر 2/ 253 .. وقد ذكر الإمام الكاساني: [أن أبا حنيفة كان يقول بعدم جواز المسح على الجوربين وكان أبو يوسف ومحمد يخالفانه في ذلك ويريان جواز المسح وأن الإمام رجع عن قوله إلى قولهما في آخر عمره وذلك أنه مسح على جوربيه في مرضه ثم قال لعواده: فعلت ما كنت أمنع الناس عنه، فاستدلوا به على رجوعه] بدائع الصنائع 1/ 83. والقول بالمسح على الجوربين هو الذي عليه الفتوى عند الحنفية كما ذكره صاحب الهداية وشارحها ابن الهمام شرح فتح القدير1/ 139. وأما ما ذكره بعض الفقهاء من شروط للجوربين الذين يمسح عليهما بأن يكونا منعلين أو مجلدين أو ثخينين وغير ذلك من الشروط فلم يقم دليل صحيح على اعتبار هذه الشروط ولم يرد دليل على تقييد الجوربين بهذه الشروط. قال ابن حزم: [اشتراط التجليد خطأ لا معنى له لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا قياس صاحب. والمنع من المسح على الجوربين خطأ لأنه خلاف السنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلاف الآثار ولم يخص عليه الصلاة والسلام في الأخبار التي ذكرنا خفين من غيرهما] المحلى 1/ 324.

وعقب الشيخ القاسمي على كلام ابن حزم المذكور بقوله: [يؤيده أن كل المروي في المسح على الجوربين مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه قيد ولا شرط ولا يفهم ذلك لا من منطوقه ولا من مفهومه ولا من إشارته وجلي أن النصوص تحمل على عمومها إلى ورود مخصص وعلى إطلاقها حتى يأتي ما يقيدها ولم يأت هنا مخصص ولا مقيد لا في حديث ولا أثر. هذا أولاً وثانياً قدمنا أن الإمام أبا داود روى في سننه عن عدة من الصحابة المسح على الجوربين مطلقاً غير مقيد كما قدمناه وهكذا كل من نقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين المسح على الجوربين لم يروه بقيد ولا شرط مما يدل على أن تقييده لم يكن معروفاً في عصورهم التي هي خير القرون، وثالثاً الجورب بين بنفسه في اللغة والعرف كما نقلنا معناه عن أئمة اللغة والفقه ولم يشرط أحد في مفهومه ومسماه نعلاً ولا ثخانة وإذا كان موضوعه في الفقه واللغة مطلقاً فيصدق بالجورب الرقيق والغليظ والمنعل وغيره] رسالة المسح على الجوربين 70 - 71. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [نعم يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما سواء أكانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء ففي السنن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على جوربيه ونعليه وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك فإن الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة فلا فرق بين أن يكون جلوداً أو قطناً أو كتاناً أو صوفاً كما لم يفرق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه ومحظوره ومباحه وغايته أن الجلد أبقى من الصوف فهذا لا تأثير له كما لا تأثير لكون الجلد قوياً بل يجوز المسح على ما يبقى وما لا يبقى. وأيضاً فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا سواء. ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقاً بين المتماثلين، وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة، وما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله. ومن فرق بكون هذا ينفذ الماء منه وهذا لا ينفذ منه: فقد ذكر فرقاً طردياً عديم التأثير] مجموع الفتاوى 21/ 214.

حكم عدم انتظام الحيض

وسئل الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين عما اشترطه بعض العلماء من كون الجورب والخف ساترين لمحل الفرض فأجاب بقوله: [هذا الشرط ليس بصحيح لأنه لا دليل عليه فإن اسم الخف أو الجورب ما دام باقياً فإنه يجوز المسح عليه لأن السنة جاءت بالمسح على الخف على وجه مطلق وما أطلقه الشارع فإنه ليس لأحد أن يقيده إلا إذا كان لديه نص من الشارع أو إجماع أو قياس صحيح وبناءً على ذلك فإنه يجوز المسح على الخف المخرق ويجوز المسح على الخف الخفيف لأن كثيراً من الصحابة كانوا فقراء وغالب الفقراء لا تخلو خفافهم من خروق فإذا كان هذا غالباً أو كثيراً في قوم في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم ينبه عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - دل ذلك على أنه ليس بشرط، ولأنه ليس المقصود من الخف ستر البشرة، وإنما المقصود من الخف أن يكون مدفئاً للرجل ونافعاً لها، وإنما أجيز المسح على الخف لأن نزعه يشق وهذا لا فرق فيه بين الجورب الخفيف والجورب الثقيل ولا بين الجورب المخرق والجورب السليم والمهم أنه ما دام اسم الخف باقياً فإن المسح عليه جائز لما سبق من الدليل] مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ص 165 - 166. وخلاصة الأمر أن المسح على الجوربين جائز ولا حرج فيه أبداً، وأقول للقراء امسحوا على جواربكم مطمئنين. حكم عدم انتظام الحيض تقول السائلة: عند اقتراب المرأة من سن اليأس يختل انتظام العادة الشهرية فتزداد الأيام التي ينزل فيها الدم وقد تستمر إلى عشرين يوماً بل وأكثر وتكون الأيام التي لا ينزل فيها الدم قليلة فكيف تصلي المرأة وتصوم في هذه الحال؟ الجواب: قال الله سبحانه وتعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) سورة البقرة الآية 222.

فهذه الآية الكريمة ذكرت أن نهاية المنع من قربان الحائض هو الطهر وبالتالي ما دام أن هذا الدم الذي تراه المرأة هو دم حيض فهي حائض وإن زادت أيامه فلا تصلي ولا تصوم حتى تتطهر فإن الراجح من أقوال أهل العلم أن الحيض لا حد لأكثره ولا حد لأقله لأن علة الحكم المذكور في الآية السابقة هي الحيض وجوداً وعدماً فمتى وجد الحيض ثبت الحكم الشرعي ومتى عدم الحيض أي طهرت زال الحكم وانتفى. وقد اختار طائفة من أهل العلم هذا القول ورجحوه لأن الحيض أمر طبيعي خلقه الله في النساء ويختلف من امرأة إلى أخرى وللبيئة أثر في اختلاف عادات النساء. ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة. قالت: فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إفعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) رواه البخاري. فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن غاية المنع من الطواف الطهر أي انقطاع الحيض. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [فصل جامع نافع: الأسماء التي علق الله بها الأحكام في الكتاب والسنة منها ما يعرف حده ومسماه بالشرع فقد بينه الله ورسوله كاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج ... ومنه ما يرجع حده إلى عادة الناس وعرفهم فيتنوع بحسب عادتهم ... ومن ذلك اسم الحيض علق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة ولم يقدر لا أقله ولا أكثره ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم بلوى الأمة بذلك واحتياجهم إليه واللغة لا تفرق بين قدر وقدر فمن قدر في ذلك حداً فقد خالف الكتاب والسنة والعلماء منهم من يحد أكثره وأقله ثم يختلفون في التحديد ومنهم من يحد أكثره دون أقله والقول الثالث أصح: أنه لا حد لأقله ولا لأكثره بل ما رأته المرأة عادة مستمرة فهو حيض وإن قدر أنه أقل من يوم استمر بها على ذلك فهو حيض وإن قدر أن أكثره سبعة عشر استمر بها على

ذلك فهو حيض وأما إذا استمر الدم بها دائماً فهذا قد علم أنه ليس بحيض لأنه قد علم من الشرع واللغة أن المرأة تارة تكون طاهراً وتارة تكون حائضاً ولطهرها أحكام ولحيضها أحكام]. ثم قال شيخ الإسلام: [والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم ترخية الرحم ودم الفساد دم عرق ينفجر وذلك كالمرض والأصل الصحة لا المرض فمتى رأت المرأة الدم جارياً من رحمها فهو حيض تترك لأجله الصلاة ... ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 19/ 235 - 238. وبناءً على كل ما سبق فإن هذه المرأة تترك الصلاة والصوم ولا يأتيها زوجها ما دام أن الدم الذي ينزل عليها دم حيض وإن تجاوز مدة العادة الشهرية، وأما إن اختلف الدم كأن يكون دم فساد وعلة - أي نزيف - فهو استحاضة لما ثبت في الحديث أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا رسول الله إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي) رواه البخاري. ففي هذا الحديث أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض فإذا انقضى قدر دم الحيض اغتسلت منه وصلت وتتوضأ لوقت كل صلاة. فتح الباري 1/ 425.

الصلاة

الصلاة

مسألة الفتح على الإمام في الصلاة

مسألة الفتح على الإمام في الصلاة يقول السائل: أرجو توضيح مسألة الفتح على الإمام في الصلاة لأننا نرى كثيراً من المصلين يفتحون على الإمام مما يؤدي إلى حصول تشويش في الصلاة؟ الجواب: الفتح على الإمام في الصلاة معناه إرشاد الإمام إلى الصواب في القراءة أو هو تلقين المأموم الإمام الآية عند التوقف فيها. والفتح على الإمام مشروع عند جمهور أهل العلم وحكاه ابن المنذر عن عثمان وعلي وابن عمر من الصحابة وحكاه أيضاً عن جماعة من التابعين كعطاء والحسن ومحمد بن سيرين وهو قول الأئمة الأربعة. انظر المجموع 4/ 240، المغني 2/ 42. ومما يدل على مشروعية الفتح على الإمام ما ورد في الحديث عن مسور بن يزيد المالكي قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترك آية فقال له رجل: يا رسول الله آية كذا وكذا. قال: فهلا ذكرتنيها) رواه أبو داود وقال الإمام النووي: إسناده جيد. المجموع 4/ 241. وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. صحيح سنن أبي داود 1/ 171. وعن عبد الله بن عمر: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه

فلما انصرف قال لأبيّ بن كعب: أصليت معنا؟ قال: نعم. فقال: فما منعك؟) أي ما منعك أن تذكرنيها. رواه أبو داود، وقال الإمام النووي: رواه أبو داود بإسناد صحيح كامل الصحة وهو حديث صحيح. المجموع 4/ 241. وصححه أيضاً الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 171. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: (كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه - قال: (إذا استطعمك الإمام فأطعمه) رواه البيهقي والحاكم وصححه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/ 284. فهذه الأحاديث والآثار تدل على مشروعية الفتح على الإمام في الجملة. ولكن ينبغي بيان بعض الأمور المتعلقة بالفتح على الإمام: 1. لا ينبغي للمأموم أن يبادر بالفتح على الإمام ما دام الإمام يتردد في القراءة فلعل الإمام يصلح قراءته وإنما إذا سكت الإمام فتح عليه المأموم. 2. يكره للإمام أن يُلجىء المأمومين للفتح عليه فإذا كان الإمام قد قرأ ما تصح به الصلاة - آية طويلة أو ثلاث آيات قصار - فإنه يركع أو ينتقل إلى آية أخرى ولا يُلجىء المصلين للفتح عليه. 3. لا ينبغي للمأمومين في الصفوف المتأخرة والبعيدة عن الإمام أن يفتحوا على الإمام بل يتركون ذلك للمأمومين الذين يقفون خلف الإمام لأن الإمام في الغالب لا يسمع صوت من كان في آخر المسجد. 4. لا ينبغي أن يفتح على الإمام إلا من كان حافظاً للآيات التي وقف فيها الإمام حتى لا يلقن الإمام خطأ ولما في ذلك من التشويش على المصلين. 5. ينبغي أن يفتح على الإمام شخص واحد فقط لا أن يفتح عليه جماعة من المصلين

قضاء صلاة الصبح

6. إذا فتحت المرأة على الإمام فلا بأس بذلك إن كانت الجماعة جماعة نساء، وإن كانت الجماعة جماعة رجال فالأولى أن لا تفتح المرأة على الإمام اللهم إلا إذا ألجأها إليه ولم يفتح عليه أحد من الرجال فيجوز ولا تفسد به صلاتها. انظر إعلاء السنن 3/ 59. 7. ويجوز لغير المصلي أن يفتح على المصلي. قال الشيخ ابن قدامة: [ولا بأس أن يفتح على المصلي من ليس معه في الصلاة وقد روى النجاد بإسناده قال: كنت قاعداً بمكة فإذا رجل عند المقام يصلي وإذا رجل قاعد خلفه يلقنه فإذا هو عثمان - رضي الله عنه -] المغني 2/ 45. قضاء صلاة الصبح يقول السائل: قد فاتته صلاة الصبح لنومه عنها ثم لما استيقظ صلاها فهل يعتبر مؤدياً لها في وقتها؟ الجواب: الأصل في المسلم أن يحافظ على أداء الصلوات في أوقاتها لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) أي مؤقتاً. وإن من أفضل الأعمال أداء الصلاة في وقتها المقدّر لها شرعاً فقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أي العمل أفضل؟ فقال: الصلاة على وقتها) رواه البخاري ومسلم. ولكن قد ينام المسلم عن الصلاة أو ينساها فالواجب عليه أن يصلي الصلاة الفائتة إذا استيقظ من نومه أو تذكر فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قفل من غزوة خيبر سار ليله حتى إذا أدركه الكرى عرَّس - التعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم - وقال لبلال: إكلأ لنا الليل فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله وأصحابه

فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالاً عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولهم استيقاظاً ففزع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: أي بلال فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسك. قال: اقتادوا، فاقتادوا رواحلهم شيئاً ثم توضأ رسول الله وأمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال: من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) رواه مسلم. وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نسي صلاة فليصل إذا ذكر لا كفارة لها إلا ذاك) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه مسلم. وفي رواية ثالثة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) رواه مسلم. وهذه الأحاديث تدل على وجوب قضاء الصلاة الفائتة بمجرد أن يتذكر الناسي أو يستيقظ النائم. وكثير من الفقهاء يرون أن قضاء الفائتة واجب على الفور أي أن الناسي إذا تذكر والنائم إذا استيقظ وجب عليهما قضاء ما فات ولا يجوز لهما تأخير ذلك. وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: (لا كفارة لها إلا ذاك) قال الخطابي: [يحتمل وجهين أحدهما: أنه لا يكفرها غير قضائها والآخر أنه لا يلزمه في نسيانها غرامة ولا زيادة تضعيف ولا كفارة من صدقة ونحوها كما تلزم في ترك الصوم من رمضان من غير عذر الكفارة وكما تلزم المحرم إذا ترك شيئاً من نسكه فدية من دم أو إطعام إنما يصلي ما ترك سواء وليس هذا على العموم حتى يلزمه إن كان في صلاة أن يقطعها ولكن معناه: أن لا يغفل أمرها ويشتغل بغيرها فإن في حديث أبي قتادة أنهم لما ناموا عن صلاة الفجر ثم

انتبهوا بعد طلوع الشمس أمرهم النبي- صلى الله عليه وسلم - أن يقودوا رواحلهم ثم صلاها] شرح السنة 2/ 244. وأما قول هذا المصلي الذي فاتته الصلاة فصلاها بعدما استيقظ من نومه فهل يوصف فعله بالأداء أم القضاء فالذي عليه الأصوليون أن الأداء هو فعل الواجب في وقته المقيد به شرعاً والقضاء هو فعل الواجب خارج وقته المقيد به شرعاً. انظر تيسير التحرير 2/ 198. فإذا نظرنا في صلاة هذا النائم وقد صلاها خارج وقتها أي بعد طلوع الشمس فإنه يكون قاضياً لها لا مؤدياً بناءً على هذا الاصطلاح ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) رواه البخاري ومسلم. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن صلاة النائم والناسي خارج الوقت تعتبر أداءً لما ورد في بعض روايات حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها). فهذا الحديث رواه البيهقي والدارقطني والطبراني وقد ضعفه البخاري والبيهقي والهيثمي وغيرهم. قال البيهقي بعد أن ذكر رواية أبي هريرة السابقة: [كذا رواه حفص بن عمر بن أبي العطاف عنه عن أبي الزناد عن القعقاع بن حكيم أو عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو منكر الحديث. قال البخاري وغيره: الصحيح عن أبي هريرة وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ذكرنا ليس فيه: (فوقتها إذا ذكرها)] سنن البيهقي 2/ 219. وقال الهيثمي: [وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها) رواه الطبراني في الأوسط وفيه حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو ضعيف جداً] مجمع الزوائد 1/ 322. وضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/ 155. وكذا ضعفه صاحب التعليق المغني على سنن الدارقطني 1/ 433.

وأما ما قاله الإمام الشوكاني: [واعلم أن الصلاة المتروكة في وقتها لعذر النوم والنسيان لا يكون فعلها بعد خروج وقتها المقدر لها لهذا العذر قضاء وإن لزم ذلك باصطلاح الأصول لكن الظاهر من الأدلة أنها أداء لا قضاء فالواجب الوقوف عند مقتضى الأدلة حتى ينتهض دليل يدل على القضاء] نيل الأوطار 2/ 30. فهو أخذ منه بظاهر النصوص ولكن ورد في نصوص أخرى ما يوافق ما عليه أهل الأصول أن ذلك يعتبر قضاءً لا أداء وسواء قلنا إن الفعل في هذه الحالة يوصف بالأداء أو القضاء فلا يترتب عليه كبير أثر وإنما الواجب هو أن يصلي المصلي تلك الصلاة بمجرد انتباهه من نومه أو تذكره. ويجب أن يعلم أنه يجب الترتيب في قضاء الصلوات الفوائت كما هو مذهب جمهور الفقهاء ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (جاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول: يا رسول الله: والله ما صليت صلاة العصر حتى كادت أن تغيب - أي الشمس - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وأنا والله ما صليتها بعد. قال فنزل إلى بُطحان - وهو واد بالمدينة - فتوضأ وصلى العصر بعد ما غابت الشمس ثم صلى المغرب بعدها) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (أن المشركين شغلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله قال فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء) رواه الترمذي والنسائي ومالك وسنده جيد. الفتح الرباني 2/ 33. وكذلك فينبغي التنبيه على أن الصلوات التي تقضى هي الصلوات الخمس باتفاق الفقهاء لما سبق من الأدلة، وتقضى السنن الرواتب عند كثير من الفقهاء فقد ثبت في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - لما فاتته صلاة الفجر صلى سنتها قبلها. رواه مسلم.

الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من لم يصل ركعتي الفجر فليصلها بعدما تطلع الشمس) رواه الترمذي والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين. وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 133. وقال أكثر أهل العلم إن صلاة الوتر إذا فاتت تقضى فقد ورد في الحديث عنى أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نام عن الوتر أو نسيه فليوتر إذا ذكره أو استيقظ) رواه أبو داود والترمذي وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 145. الأوقات المنهي عن الصلاة فيها يقول السائل: ما هي الأوقات المنهي عن الصلاة فيها وهل يجوز قضاء الفوائت فيها وصلاة تحية المسجد والاستخارة وكيف نستطيع معرفتها عن طريق الساعة؟ الجواب: وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها وقد فصل الفقهاء الكلام عليها وذكروا الأحكام المتعلقة بها وأوجزها فيما يلي: عن عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب) رواه مسلم. ففي هذا الحديث ثلاثة أوقات منهي عن الصلاة فيها: الأول: عند شروق الشمس. الثاني: عند استواء الشمس. الثالث: عندما تميل الشمس للغروب.

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس) رواه مسلم. وهذا الحديث اشتمل على وقتين نهي عن الصلاة فيهما وهما: الرابع: بعد صلاة فريضة العصر. الخامس: بعد صلاة فريضة الفجر. فهذه الأوقات الخمسة لا يصح أن يتنفل فيها ولكن يجوز فيها قضاء الصلوات الفائتة لما ثبت في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث وما في معناه مخصص لعموم النهي السابق. فمثلاً إذا استيقظ شخص وكادت الشمس أن تشرق فإنه يصلي الفجر وكذا إذا نام واستيقظ وقت الغروب فإنه يصلي العصر كما ويجوز أن يصلي في أوقات النهي تحية المسجد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين) رواه الترمذي وقال: ومعنى هذا الحديث إنما يقول: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر. وقال الترمذي: [وهو ما اجتمع عليه أهل العلم: كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر] سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 2/ 179 - 180. وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. إرواء الغليل 2/ 232. وحديث ابن عمر متضمن النهي عن الصلاة في هذا الوقت وهو السادس وهو ما بين أذان الفجر وإقامة الصلاة للفجر فيكره التنفل في هذا الوقت ويستثنى من ذلك صلاة سنة الفجر وكذا تحية المسجد للداخل إلى المسجد.

ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث عن حفصة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين) رواه البخاري ومسلم. وأما الوقت السابع من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها فهو ما ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم والترمذي وقال: [والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم إذا أقيمت الصلاة أن لا يصلي الرجل إلا الصلاة المكتوبة وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق] سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 2/ 182. فإذا أقيمت الصلاة فلا ينبغي لأحد أن يشتغل بنافلة ولو كانت سنة الفجر وإنما عليه أن يدخل في صلاة الجماعة. وأما الوقت الثامن من الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها فهو قبل صلاة العيدين فقد ورد في الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) رواه البخاري ومسلم. وأما الوقت التاسع من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها فهو عند صعود خطيب الجمعة إلى المنبر إلى أن ينهي خطبته لما ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) رواه البخاري. ويستثنى من ذلك تحية المسجد لمن دخل المسجد والخطيب يخطب فإنه يصلي ركعتي التحية ويخففهما. لما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (دخل رجل يوم الجمعة المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب. فقال له: أصليت ركعتين؟ قال: لا. قال: فصل ركعتين) رواه البخاري ومسلم.

ما الذي يقطع الصلاة؟

وجاء في رواية أخرى عن جابر - رضي الله عنه - قال: (جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجلس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين ثم يجلس) رواه مسلم. وأوقات النهي يمكن معرفتها بالتوقيت فإذا كان لدى الشخص توقيت للصلوات فإنه يبين فيه أوقات شروق الشمس وغروبها وغير ذلك وأما بالنسبة للنهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر فإن النهي مرتبط بفعل الصلاة لا بالوقت فإذا صلى شخص العصر في أول وقتها فإنه يكون منهياً عن الصلاة بعدها. وإذا لم يصل العصر إلا بعد دخول الوقت بنصف ساعة مثلاً فإنه يجوز له أن يتنفل حتى يصلي العصر فإذا صلى العصر فلا نافلة ويدل على ذلك ما جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس) رواه مسلم. ما الذي يقطع الصلاة؟ يقول السائل: إنه سمع حديثاً عن النبي- صلى الله عليه وسلم - فيه أن الصلاة يقطعها مرور المرأة والحمار والكلب فهل هذا الحديث وارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولماذا تقطع المرأة الصلاة؟ الجواب: إن الحديث الذي ذكره السائل حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل) صحيح مسلم بشرح النووي 3/ 169. وروى مسلم أيضاً بإسناده عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قلت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر، قال: يا ابن أخي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان) صحيح مسلم بشرح النووي 3/ 169. وقد وردت أحاديث أخرى بمعنى الحديثين السابقين. وقد اختلف العلماء منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم من أهل العلم في هذه المسألة، هل هذه الأمور المذكورة في الحديث تقطع الصلاة أم لا؟ وقد قال بعض أهل العلم بأن مرور المرأة يقطع الصلاة فعلاً ويبطلها وهذا قول ابن حزم الظاهري والإمام أحمد في رواية عنه ونقل عن بعض الصحابة ولكن أكثر أهل العلم قالوا بخلاف ذلك فهم يرون أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة وهذا قول الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الرواية التي اختارها أكثر أصحاب أحمد وقد صح ذلك عن أكثر الصحابة وقد ذكر الإمام الترمذي أن أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من التابعين قالوا: لا يقطع الصلاة شيء. سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 2/ 115، وانظر المغني 2/ 183، الذخيرة 2/ 159. قال الإمام النووي: [وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهم وجمهور العلماء من السلف والخلف لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 170 وقال الإمام ابن العربي المالكي: [وقالت طائفة لا يقطع الصلاة شيء وهم علماء الإسلام ومحققوه] عارضة الأحوذي 2/ 116. وقد أجاب هؤلاء العلماء على الحديثين السابقين بأنهما إما منسوخين أو أن المراد بالقطع هو قطع الخشوع وليس القطع حقيقة وهذا الجواب أقوى من الأول لأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال. قال الإمام النووي: [وأما الجواب عن الأحاديث الصحيحة التي

احتجوا بها فمن وجهين أصحهما وأحسنهما ما أجاب به الشافعي والخطابي والمحققون من الفقهاء والمحدثين أن المراد بالقطع القطع عن الخشوع والذكر للشغل بها والالتفات إليها لا أنها تفسد الصلاة ... فهذا الجواب هو الذي نعتمده وأما ما يدعيه أصحابنا وغيرهم من النسخ فليس بمقبول] المجموع 3/ 251. وقال الحافظ القرطبي: [ ... لما كان الكلب الأسود أشد ضرراً من غيره وأشد ترويعاً كان المصلي إذا رآه اشتغل عن صلاته فانقطعت عليه لذلك وكذا تأول الجمهور قوله: (يقطع الصلاة المرأة والحمار) فإن ذلك مبالغة في الخوف على قطعها وإفسادها بالشغل بهذه المذكورات ذلك أن المرأة تفتن والحمار ينهق والكلب يروع فيتشوش المتفكر في ذلك حتى تنقطع عليه الصلاة وتفسد فلما كانت هذه الأمور تفيد آيلة إلى القطع جعلها قاطعة كما قال للمادح: قطعت عنق أخيك، أي فعلت به فعلاً يخاف هلاكه فيه كمن انقطع عنقه] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/ 109. وقد احتج جمهور أهل العلم على أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة بما ثبت في الحديث عن عائشة أنها قالت: (كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجليَّ فإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) رواه البخاري ومسلم. وكذلك احتجوا بما جاء في رواية أخرى عن عائشة أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة - الكلب والحمار والمرأة - فقالت عائشة: (شبهتمونا بالحمر والكلاب والله لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنسل من عند رجليه) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عباس قال: (كنت رديف الفضل على أتان فجئنا والنبي - صلى الله عليه وسلم -يصلي بأصحابه بمنى فنزلنا عنها فوصلنا الصف فمرت بين أيديهم فلم تقطع صلاتهم) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 107.

وعن صهيب مولى ابن عباس قال: (تذاكرنا ما يقطع الصلاة عند ابن عباس فقال: جئت وغلام من بني عبد المطلب على حمار ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فنزل ونزلت وتركنا الحمار أمام الصف فما بالاه وجاءت جاريتان من بني عبد المطلب فدخلتا بين الصف فما بالى ذلك) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 138. وقد وردت بعض الآثار عن جماعة من الصحابة أنه لا يقطع الصلاة شيء فمن ذلك ما رواه مالك في الموطأ أن ابن عمر كان يقول: [لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي]. قال الحافظ ابن عبد البر: [لا خلاف عن ابن عمر في ذلك] التمهيد 6/ 179، وعن علي بن أبي طالب مثل ذلك رواه مالك وعبد الرزاق في المصنف 2/ 29 والبيهقي في السنن 2/ 278. وروى ابن أبي شيبة بإسناده أن ابن عمر قيل له: [إن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة يقول: يقطع الصلاة الحمار والكلب، قال: لا يقطع صلاة المسلم شيء] مصنف ابن أبي شيبة 1/ 280، وذكره الحافظ ابن عبد البر في التمهيد 6/ 180. وقال سعيد ابن المسيب لما سئل عن ذلك: [لا يقطع الصلاة إلا الحدث]. وقال عروة بن الزبير: [لا يقطع الصلاة إلا الكفر] المصدران السابقان. وروى الإمام البخاري بإسناده: [أن ابن أخي ابن شهاب أنه سأل عمه عن الصلاة يقطعها شيء؟ فقال: لا يقطعها شيء] صحيح البخاري مع الفتح 2/ 137. وبهذا يظهر لنا أن المراد بقطع الصلاة هو قطع الخشوع وليس القطع بمعنى الإبطال.

صفة سجود التلاوة

صفة سجود التلاوة يقول السائل: هل يشرع لمن أراد أن يسجد سجود التلاوة خارج الصلاة وهو جالس أن يقوم فيهوي إلى السجود من قيام؟ الجواب: صفة سجود التلاوة لمن كان خارج الصلاة وقرأ سورة فيها سجدة أن يكبر ويسجد سجدة واحدة بدون رفع يديه وبدون تشهد ولا تسليم، وهذا قول أكثر العلماء. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا القرآن فإذا مرّ بالسجدة كبر وسجد وسجدنا) رواه البخاري ومسلم. وقد قال بعض الفقهاء إنه يشرع في حق من أراد السجود للتلاوة أن يستوي قائماً ثم يكبر ويهوي للسجود. قال الشيخ المرداوي: [الأفضل أن يكون سجوده عن قيام جزم به المجد في شرحه ومجمع البحرين وغيره وقدمه في الفروع وغيره واختاره الشيخ تقي الدين، وقال: قاله طائفة من أصحاب الإمام أحمد] الإنصاف 2/ 198. وقال ابن مفلح: [والأفضل سجوده عن قيام] الفروع 1/ 504. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية: [عن الرجل إذا كان يتلو الكتاب العزيز بين جماعة فقرأ سجدة فقام على قدميه وسجد فهل قيامه أفضل من سجوده وهو قاعد؟ أم لا؟ وهل فعله ذلك رياء ونفاق؟ فأجاب: بل سجود التلاوة قائماً أفضل منه قاعداً كما ذكر ذلك من ذكره من العلماء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما وكما نقل عن عائشة بل وكذلك سجود الشكر كما روى أبو داود في سننه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من سجوده للشكر قائماً وهذا ظاهر في الاعتبار فإن صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد.

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أحياناً يصلي قاعداً فإذا قرب من الركوع فإنه يركع ويسجد وهو قائم وأحياناً يركع ويسجد وهو قاعد فهذا قد يكون للعذر أو للجواز ولكن تحريه مع قعوده أن يقوم ليركع ويسجد وهو قائم دليل على أنه أفضل إذ هو أكمل وأعظم خشوعاً لما فيه من هبوط رأسه وأعضائه الساجدة لله من القيام ... ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 23/ 173. واستحب القيام لسجدة التلاوة بعض متأخري الحنفية فقد جاء في الدرّ المختار وحاشية ابن عابدين عليه: [قوله بين قيامين مستحبين أي قيام قبل السجود ليكون خروراً وهو السقوط من القيام وقيام بعد رفع رأسه] رد المحتار 2/ 107. وحجة هؤلاء الفقهاء القائلين باستحباب القيام لسجود التلاوة أن الله تعالى قال: (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) سورة الإسراء الآية 107. فالخرور سقوط من قيام. واحتجوا بما رواه ابن أبي شيبة عن وكيع قال: [حدثنا شعبة عن شمسية أم سلمة عن عائشة رضي الله عنها: (أنها كانت تقرأ في المصحف فإذا مرّت بالسجدة قامت فسجدت)] مصنف ابن أبي شيبة 2/ 499. وكل ما ذكره هؤلاء الفقهاء الأجلاء لا يصلح لإثبات مشروعية القيام لمن أراد سجود التلاوة فمن المعلوم أن سجدة التلاوة عبادة والأصل في العبادات التوقيف على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. أما الآية الكريمة فلا دلالة فيها على القيام لسجدة التلاوة وأما أثر عائشة فضعيف غير ثابت عنها فلا يصلح دليلاً، قال الإمام النووي: [وهل يستحب لمن أراد السجود أن يقوم فيستوي قائماً ثم يكبر للإحرام ثم يهوي للسجود بالتكبيرة الثانية فيه وجهان: أحدهما: يستحب، قاله الشيخ أبو محمد الجويني والقاضي حسين والبغوي والمتولي وتابعهم الرافعي.

والثاني: وهو الأصح لا يستحب، وهذا اختيار إمام الحرمين والمحققين، قال الإمام: ولم أر لهذا القيام ذكراً ولا أصلاً. قلت - أي النووي -: ولم يذكر الشافعي وجمهور الأصحاب هذا القيام ولا ثبت فيه شيء يعتمد مما يحتجّ به فالاختيار تركه لأنه من جملة المحدثات وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على النهي عن المحدثات. وأما ما رواه البيهقي بإسناده عن أم سلمة الأزدية قالت: (رأيت عائشة تقرأ في المصحف فإذا مرّت بسجدة قامت فسجدت) فهو ضعيف، أم سلمة هذه مجهولة. والله أعلم] المجموع 4/ 65. وقد سئل الإمام أحمد عن ذلك فقيل له: [يقوم ثم يسجد؟ فقال: يسجد وهو قاعد] الإنصاف 2/ 198. وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية عن هذه المسألة: [إذا كان الإنسان يقرأ القرآن في المسجد أو غيره وهو جالس ووصل إلى سجدة من السجدات هل الأفضل أن يقوم قائماً ويسجد أم يسجد في مكانه وهو جالس، أيهما أفضل؟ الجواب: لا نعلم دليلاً على شرعية القيام من أجل سجود التلاوة] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/ 265. وأخيراً أنقل ما ذكره العلامة ابن القيم في هديه- صلى الله عليه وسلم - في سجود القرآن " التلاوة " حيث قال: [كان - صلى الله عليه وسلم - إذا مرّ بسجدة كبّر وسجد وربما قال في سجوده: (سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته). وربما قال: (اللهم احطط عني بها وزراً واكتب لي بها أجراً واجعلها لي عندك ذخراً وتقبّلها مني كما تقبلتها من عبدك داود). ذكرهما أهل السنن. ولم يذكر عنه انه كان يكبر للرفع من هذا السجود ولذلك لم يذكره الخرقي ومتقدمو الأصحاب ولا نقل فيه عنه تشهد ولا سلام البتة. وأنكر أحمد والشافعي السلام فيه فالمنصوص عن الشافعي: أنه لا تشهد فيه ولا تسليم، وقال أحمد أما التسليم فلا أدري ما هو وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي غيره] زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 362 - 363.

صلاة الجمعة

صلاة الجمعة

حكم ترك صلاة الجمعة

حكم ترك صلاة الجمعة يقول السائل: إن كثيراً من الناس يظن أنه إذا ترك صلاة الجمعة مرة أو مرتين لا بأس عليه وإنما الإثم أن يترك ثلاث جمع متواليات فما قولكم؟ الجواب: صلاة الجمعة فريضة ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة الجمعة الآية 9. فأمر الله سبحانه وتعالى بالسعي إليها والأصل أن الأمر يفيد الوجوب كما أنه سبحانه وتعالى أمر بترك البيع وهو في معنى النهي عن البيع والنهي يفيد التحريم وهذا يدل دلالة واضحة على وجوبها. وثبت في الحديث عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الخاسرين) رواه مسلم. وهذا الحديث يدل على أن الجمعة فرض عين كما قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم 2/ 463. ولا شك أن من ترك صلاة جمعة واحدة بغير عذر فهو آثم وتارك لفريضة من فرائض الله سبحانه وتعالى.

حكم قراءة خطبة الجمعة من ورقة مكتوبة

وأما ما يستدل به بعض الناس على أنه يجوز ترك جمعة أو جمعتين ولا يأثم الإنسان إلا إذا ترك ثلاث جمع متواليات وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه) رواه أصحاب السنن وأحمد وهو حديث صحيح صححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الإمام الترمذي والبغوي والحافظ ابن حجر، وجاء في رواية أخرى: (من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر فهو منافق) رواه ابن خزيمة والحاكم. فهذا الحديث بروايتيه لا يدل على جواز ترك جمعة أو جمعتين وأن المسلم لا يأثم إلا بترك الجمعة ثلاثاً فهذا الفهم غير صحيح. وإنما يدل الحديث على أن من ترك ثلاث جمع من غير عذر فإن الله يطبع على قلبه أو أنه يصير منافقاً والعياذ بالله. والطبع على القلب هو الختم عليه كما في قوله تعالى: (وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ) ومعنى ذلك أن الإنسان إذا استمر على ارتكاب المحظورات ولا يكون منه رجوع إلى الحق يورثه ذلك هيئة تمرنه على استحسان المعاصي وكأنما يختم بذلك على قلبه. انظر المفردات في غريب القرآن ص 143. فمن يترك ثلاث جمع بغير عذر يختم الله على قلبه ويصل به الأمر إلى حد النفاق. ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن كعب بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لينتهين أقوام يسمعون النداء يوم الجمعة ثم لا يأتونها أو ليطبعن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 194. حكم قراءة خطبة الجمعة من ورقة مكتوبة يقول السائل: ما حكم قراءة خطبة الجمعة من ورقة مكتوبة؟ الجواب: لا مانع أن تكون خطبة الجمعة مكتوبة بل إنه من الأفضل في هذا الزمان أن يكتب الخطيب خطبته وأن لا يرتجلها نظراً لأن كثيراً

رفع اليدين عند الدعاء في خطبة الجمعة

من الخطباء هم خطباء بحكم الوظيفة ولا يملكون مقومات الخطابة الحقيقية فعندما يرتجل أمثال هؤلاء خطبة الجمعة فإنهم لا يحسنونها أبداً وترى العجب العجاب منهم فأخطاء في الآيات القرآنية وخلط للأحكام الشرعية وأفكار ينقصها الترتيب والتنسيق ولا أبالغ إن قلت إن الواحد منا يخرج يوم الجمعة من المسجد ولم يستفد شيئاً من الخطبة. فيجب على الخطباء أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في المسلمين وأن يعدوا جيداً لخطبة الجمعة فجمهور المصلين فيهم المعلمون والمثقفون وطلاب الجامعات وغيرهم فلا يصح أن يستهين الخطيب بعقول الناس فيقول كلاماً صار ممجوجاً لدى السامعين. لذا أؤكد مرةً أخرى أن تكون الخطبة مكتوبة ومعدة مسبقاً على أن تعالج قضايا الناس الشرعية والعامة. رفع اليدين عند الدعاء في خطبة الجمعة يقول السائل: نرى كثيراً من الخطباء حين يدعون في خطبة الجمعة يرفعون أيديهم فهل هذا من السنة؟ الجواب: إن الدعاء خلال خطبة الجمعة من السنة فيدعو الخطيب للمسلمين والمسلمات ويستغفر لهم فقد ورد في الحديث عن سمرة بن جندب: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات كل جمعة) رواه الطبراني في الكبير والبزار بإسناد ضعيف كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 191. ولكن رفع الخطيب يديه أثناء الدعاء ليس من السنة بل هو بدعة عند كثير من أهل العلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يشير بإصبعه إذا دعا] الاختيارات العلمية ص 48.

الخطبة على المنبر

وقال العلامة ابن القيم: [وكان - صلى الله عليه وسلم - يشير بإصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله سبحانه وتعالى ودعائه] زاد المعاد 1/ 428. ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث أن عمارة بن رؤيبة رأى بشر بن مروان رفع يديه في الخطبة فقال: [قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يزيد أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبِّحة] رواه مسلم. قال الإمام النووي: [هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 162. وقد اعتبر كثير من العلماء رفع الخطيب يديه أثناء الدعاء بدعة ومنهم الشيخ جلال الدين السيوطي في كتابه الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ص 247. والعلامة أبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 84. الخطبة على المنبر يقول السائل: إن الخطيب في مسجدهم يرفض أن يخطب على المنبر ويخطب واقفاً على الأرض فما قولكم؟ الجواب: من السنة أن يخطب الخطيب على المنبر ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن عبد العزيز بن حازم عن أبيه: (أن نفراً جاؤوا إلى سهل بن سعد قد تماروا في المنبر من أي عود هو؟ فقال: أما والله إني لأعرف من أي عود هو ومن عمله ورأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول يوم جلس عليه قال: فقلت له: يا أبا عباس فحدثنا قال: أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى امرأة قال أبو حازم: إنه ليسميها يومئذ انظري غلامك النجار يعمل لي أعواداً أكلم الناس عليها فعمل هذه الثلاث درجات ثم أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعت هذا الموضع فهي من طرفاء الغابة ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر ثم رفع

حكم صلاة الظهر بعد الجمعة

فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس إني إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [فيه صلاته - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ونزوله القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته. قال العلماء: كان المنبر الكريم ثلاث درجات كما صرّح به مسلم في روايته فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بخطوتين إلى أصل المنبر ثم سجد في جنبه ففيه فوائد منها استحباب اتخاذ المنبر واستحباب كون الخطيب ونحوه على مرتفع كمنبر أو غيره] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 200. فعلى هذا الخطيب أن يقتدي بالرسول الله فيرقى المنبر لخطبة الجمعة فإذا كان المنبر على خلاف السنة كما هو الحال في كثير من المساجد رقي الخطيب ثلاث درجات فقط من المنبر ليخطب. حكم صلاة الظهر بعد الجمعة السؤال: أحضر لي أحد طلبة العلم نشرة وزعت في بعض المساجد حول صلاة الظهر بعد الجمعة ذكر فيها كاتبها كلاماً كثيراً في المسألة وذكر عنواناً يقول: تاريخ صلاة الظهر بعد الجمعة في الإسلام، وما جاء بشيء يشير إلى العنوان السابق ثم ذكر أقوال المذاهب الأربعة في حكم تعدد الجمعة في البلد الواحد ثم خلص إلى القول [أخيراً أخي المسلم ينبغي أن نعلمك أن صلاة الظهر بعد الجمعة استنبطت من السنة المطهرة باحتياط المرء لدينه من قبل الأئمة الأربعة وهي مدونة في كتبهم جميعاً وكتب التاريخ وهي دائرة بينهم في فلك الواجب والمندوب حيث إنها لم تصل في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وعصر الخلفاء الراشدين والتابعين من بعدهم إلا في مسجد واحد] وسألني طالب العلم عن صحة هذا الكلام. الجواب: إن مما ابتلي به المسلمون في هذا الزمان أن يتسور على العلم الشرعي من ليس له بأهل حتى صارت الفتوى في أمور الدين حمىً

مستباحاً للذين ليس بينهم وبين العلم نسب ولا علاقة مودة أو قربى، إن ما جاء في هذه النشرة في جعل صلاة الظهر بعد الجمعة إما واجبة وإما مندوبة كلام باطل لم يقم عليه دليل والزعم بأن صلاة الظهر بعد الجمعة استنبطت من السنة المطهرة باحتياط المرء لدينه فرية عظيمة على السنة النبوية ولم يذكر الكاتب دليلاً واحداً من السنة يثبت صحة زعمه وأقول في رد هذه الفرية: يجب أن يعلم أن هذه المسألة وهي صلاة الظهر بعد الجمعة قد بنيت على مسألة أخرى وهي حكم تعدد الجمعة في البلد الواحد فأقول إن تعدد صلاة الجمعة في البلد الواحد جائز عند أهل العلم نظراً للحاجة الداعية إلى تعدد الجمعة فإذا كان البلد كبيراً وأهله كثير لا يسعهم مسجد واحد فلا مانع من تعدد الجمعة. وبهذا قال المحققون من العلماء من أتباع المذاهب الأربعة وغيرهم قال السرخسي: [والصحيح من قول أبي حنيفة في هذه المسالة أنه يجوز إقامة الجمعة في مصر واحد في موضعين وأكثر] المبسوط 2/ 102. وقال الزيلعي شارحاً ومحللاً لقول النسفي: [وتؤدى في مصر في مواضع أي تؤدى الجمعة في مصر واحد في مواضع كثيرة وهو قول أبي حنيفة ومحمد وهو الأصح لأن في الاجتماع في موضع واحد في مدينة كبيرة حرجاً بيناً وهو مدفوع] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 1/ 218. وأجاز فقهاء المالكية تعدد الجمعة للضرورة كما في شرح الخرشي وحاشية العدوي عليه 2/ 74 - 75. وذكر الإمام النووي أن الصحيح من مذهب الشافعية جواز تعدد الجمعة في موضعين وأكثر وقال: [وقد دخل الشافعي بغداد وهم يقيمون الجمعة في موضعين وقيل في ثلاثة فلم ينكر ذلك واختلف أصحابنا في الجواب عن ذلك وفي حكم بغداد في الجمعة على أربعة أوجه ذكر المصنف الثلاثة الأولى منها هنا وكلامه في التنبيه يقتضي الجزم بالرابع، أحدها أن الزيادة على جمعة في بغداد جائزة وإنما جازت لأنه بلد كبير يشق اجتماعهم في موضع منه قال أصحابنا فعلى هذا تجوز الزيادة على جمعة

في جميع البلاد التي يكثر الناس فيها ويعسر اجتماعهم في موضع وهذا الوجه هو الصحيح وبه قال أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق المروزي، قال الرافعي: واختاره أكثر أصحابنا تصريحاً وتعريضاً وممن رجحه ابن كج والحناطي بالحاء المهملة والقاضي أبو الطيب في كتابه المجرد والروياني والغزالي وآخرون، قال الماوردي وهو اختيار المزني ودليله قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)] المجموع 4/ 585 - 586. وقال الخرقي من الحنابلة: [وإذا كان البلد كبيراً يحتاج إلى جوامع فصلاة الجمعة في جميعها جائزة] وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً كلام الخرقي السابق: [وجملته: أن البلد متى كان يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره أو ضيق مسجده عن أهله كبغداد وأصبهان ونحوهما من الأمصار الكبيرة جازت إقامة الجمعة فيما يحتاج إليه من جوامعهما وهذا قول عطاء وأجازه أبو يوسف في بغداد دون غيرها، لأن الحدود تقام فيها في موضعين والجمعة حيث تقام الحدود، ومقتضى قوله: أنه لو وجد بلد آخر تقام فيه الحدود في موضعين جازت إقامة الجمعة في موضعين منه. لأن الجمعة حيث تقام الحدود وهذا قول ابن المبارك ... ولنا: أنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع كصلاة العيد. وقد ثبت أن علياً - رضي الله عنه - كان يخرج يوم العيد إلى المصلى ويستخلف على ضَعَفَةِ الناس أبا مسعود البدري فيصلي بهم. فأما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إقامة جمعتين فلغناهم عن إحداهما ولأن أصحابه كانوا يرون سماع خطبته وشهود جمعته وإن بعدت منازلهم. لأنه المبلغ عن الله تعالى وشارع الأحكام ولما دعت الحاجة إلى ذلك في الأمصار صليت في أماكن ولم ينكر فصار إجماعاً] المغني 2/ 248. وبهذا يظهر لنا أن المعتمد في المذاهب الأربعة جواز تعدد الجمعة للحاجة وهذا القول هو الصواب الموافق لقواعد الشرع المطهر ولعمل المسلمين فيما مضى من الأعصار في جميع الأمصار.

وكيف يصنع المسلمون في المدن الكبيرة التي تغص بالسكان وقد يبلغ سكانها الملايين وكيف يجتمعون في مسجد واحد فمدينة كالقاهرة مثلاً فيها أكثر من عشرة ملايين نسمة، كيف يصلون في مكان واحد؟! إن نصوص الشريعة وقواعدها القاضية برفع الحرج ودفع المشقة تجيز تعدد الجمعة في مساجد كثيرة مهما بلغ عددها ما دامت الحاجة تدعو لذلك. إذا تقرر هذا نعود إلى مسألة صلاة الظهر بعد الجمعة فأقول إن إقامة صلاة الظهر بعد الجمعة بدعة منكرة ليس لها أصل في الدين وهي تشريع لما لم يأذن به الله. ولم تثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن الأئمة المهديين وزعم كاتب النشرة أنها ثبتت بالسنة المطهرة زعم باطل ليس عليه أدنى دليل بل هو لم يقدم أي دليل على ذلك. وهذه البدعة وإن قال بها بعض متأخري أتباع المذاهب ليس عليها دليل صحيح فقد صح في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ) رواه مسلم. وقد ثبت أن الإمام الشافعي رحمه الله قد دخل بغداد وأقام بها مدة من الزمن وكانت الجمعة تقام بأكثر من موضع ولم ينقل عنه أنه كان يصلي الظهر بعد الجمعة. القول المبين ص 384. قال الشيخ القاسمي: [والذي اعتمده الإمام ابن نجيم والعلامة ابن عبد الحق الأخير ووافقه غيره من أن لا وجوب للظهر - أي بعد الجمعة - هو الحق لما فيه من رفع الحرج وهل يطالب مكلف بفريضتين في وقت واحد مع ما في أدائه جماعة من صورة نقض الجمعة وإيقاع العامة في اعتقاد أن ليوم الجمعة بعد زواله فرضين صلاة الجمعة وصلاة الظهر بل هو الذي لا يرتابون فيه ويزيدون عليه أنه لا يصح إلا جماعة بل تنطع بعض الغلاة المتصولحين مرة فقال لي: كيف السبيل إلى سنة الظهر القبلية قبل فرض يوم الجمعة وهي تفوتني بعجلة أداء الظهر. فتأمل كيف رحم الله العباد ففرض عليهم ركعتين في ذلك اليوم وأمرهم إذا قضوهما أن ينتشروا في الأرض ويبتغوا من فضله تيسيراً عليهم

إذ يحتاجون لصرف حصة في سماع الخطبة، وانظر كيف شددوا على أنفسهم وربما المتنطع منهم يطالب بأداء اثنتين وعشرين ركعة بعد الزوال إذا يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً كالظهر وكلاهما مع الجمعة عشر، ثم يتطوع بأربع قبل الظهر وأربع بعدها وكلاهما مع الظهر اثنا عشر أيضاً، فالجملة ما ذكرنا ولا يخفى أن محو اعتقاد غير الصواب من صدور العامة لتمحيص الحق باب عظيم من أبواب الدعوة إلى سبيل الله وهدى نبيه عليه السلام، وقد اتفق في عهد حسين باشا والي مصر المذاكرة لديه في بدعة الظهر جماعة بعد الجمعة فمنع أهل الأزهر منها، نقله الشبراملسي في رسالته التي ألفها في سبب صلاة الظهر يومئذ فرحمه الله على منعه من هذه البدعة وأثابه خيراً ووفق من تنبه لمنعها بمنّه وكرمه] إصلاح المساجد ص 50 - 51. وقال الشيخ الغلايني: [ومن الأدلة على عدم طلب الظهر بعد الجمعة بل على عدم مشروعيتها يوم الجمعة مطلقاً صليت الجمعة أم لم تصل ما ورد من اجتماع عيد وجمعة في عهد الرسول الأكرم فصلى العيد ورخص في الجمعة ولم يرد أنه أمرهم بالظهر لأنه لم يثبت ذلك وهاك النصوص: عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - وسأله معاوية: (هل شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيدين اجتمعا؟ قال: نعم، صلى العيد أول النهار ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يجمع فليجمع) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزئه من الجمعة وإنا مجمعون) رواه أبو داود وابن ماجة. وعن وهب بن كيسان قال: (اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب ثم نزل ثم صلى ولم يصل للناس بوم الجمعة فذكرت ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة) رواه النسائي وأبو داود بنحوه لكن من رواية عطاء. ولأبي داود عن عطاء قال:

اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد

(اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر على ابن الزبير في يوم واحد فجعلهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر). فهذه الأحاديث ناطقة بلسان فصيح على منبر الحق بأنه لا ظهر بعد الجمعة بل إن الظهر لم تشرع ذلك اليوم أقيمت الجمعة أم لم تقم] البدعة في صلاة الظهر بعد الجمعة ص 138 - 139. وأما ما احتج به بعضهم على مشروعية الظهر بعد الجمعة بأن الجمعة لمن سبق فقد قال الشيخ الألباني: [وأما ما اشتهر على الألسنة في هذه الأزمنة وهو قولهم الجمعة لمن سبق فلا أصل له في السنة وليس بحديث وإنما هو رأي لبعض الشافعية ظنه من لا علم عنده حديثاً نبوياً] الأجوبة النافعة ص 46. وقال د. وهبة الزحيلي: [وينبغي العمل على منع الظهر بجماعة بعد الجمعة حفاظاً على وحدة المسلمين ولا يصح قياس حالة البلدان وكثرة سكانها على حالة المدينة في صدر الإسلام حيث كان المسلمون قلة والخليفة خطيب المسلمين وخبره وسيلة إعلام جميع المسلمين في الجهاد وعلاج أزمة القحط والوباء ونحو ذلك من الأحداث الكبرى] الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 311. اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد يقول السائل: قد يوافق يوم الجمعة القادم عيد الفطر فماذا نفعل بالنسبة لصلاة الجمعة حيث أنني أنوي أن أصلي العيد إن شاء الله تعالى؟ الجواب: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة اختلافاً كبيراً، فقال الحنفية يجب إقامة صلاة الجمعة ولا تسقط عمن شهد العيد وهذا هو المشهور عن المالكية كما في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 391.

وهؤلاء العلماء يرون أن عموم الأدلة التي أوجبت الجمعة لم يقم دليل على تخصيصها وما ورد من أحاديث وآثار في المسألة لا يصح تخصيصها للعموم عندهم لما فيها من مقال. وذهب الشافعية إلى أن الجمعة تسقط عن أهل القرى والبوادي الذين يصلون العيد مع أهل البلد، وأما أهل البلد فمطالبون بصلاة الجمعة وهذا أيضاً رواية عن الإمام مالك ويدل لهذا القول ما ورد عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال في خطبته: (أيها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد من أهل العالية أن يصلي معنا الجمعة فليصل ومن أراد أن ينصرف فلينصرف) رواه مالك في الموطأ. وذهب الحنابلة وعامة أهل الحديث إلى أن الجمعة تسقط عمن حضر العيد سواء أكان من البلد أو من القرى إلا الإمام فينبغي أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ويدل على هذا القول ما ورد في الحديث عن إياس بن أبي رملة الشامي قال: (شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: أشهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم. قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يصلي فليصلِ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وفي سنده اختلاف فصححه جماعة من أهل الحديث وضعّفه آخرون. وعن عطاء بن أبي رباح قال: [صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له. فقال: أصاب السنة] رواه أبو داود والنسائي. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وصحح الإمام أحمد والدارقطني إرساله وقال الخطابي: [في إسناد حديث أبي هريرة مقال ويشبه أن يكون معناه لو صح أن يكون المراد بقوله (فمن شاء أجزأه من الجمعة) أي عن حضور الجمعة

ولا يسقط عنه الظهر] عون المعبود شرح سنن أبي داود 3/ 289. وضعّفه الحافظ ابن عبد البرّ، فتح المالك 3/ 337، وقال الإمام النووي: إسناده ضعيف، المجموع 4/ 392. وانظر أيضاً التلخيص الحبير 2/ 87 - 88، إعلاء السنن 4/ 93 - 98، الفتح الرباني 6/ 32 - 36. وهذه الأحاديث والآثار لو صحّت ينبغي المصير إليها ولكن في النفس من صحتها شيء نظراً للخلاف فيها بين المحدثين. قال الحافظ ابن عبد البرّ: [فقد اختلف العلماء في تأويل قول عثمان هذا واختلفت الآثار في ذلك أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلف العلماء في تأويلها والأخذ بها] فتح المالك 3/ 335. وقال الحافظ ابن عبد البرّ أيضاً بعد أن ذكر حديث أبي هريرة السابق وضعّفه وذكر روايات أخرى له قال: [فقد بان في هذه الرواية ورواية الثوري لهذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع ذلك اليوم بالناس وفي ذلك دليل على أن فرض الجمعة والظهر لازم وأنها غير ساقطة وأن الرخصة إنما أريد بها من لم تجب عليه الجمعة ممن شهد العيد من أهل البوادي والله أعلم وهذا تأويل تعضده الأصول وتقوم عليه الدلائل ومن خالفه فلا دليل معه ولا حجة له] فتح المالك 3/ 337. وقال الحافظ ابن عبد البرّ أيضاً: [وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه لأن الله عزّ وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) سورة الجمعة الآية 9. ولم يخص الله ورسوله يوم عيد من غيره من وجه تجب حجته فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث] فتح المالك 3/ 338 - 339. وقد رجحّ جماعة من العلماء القول بسقوط الجمعة عمن صلى العيد كشيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني والصنعاني وغيرهم.

وخلاصة الأمر أنه ينبغي على من صلى العيد أن يصلي الجمعة خروجاً من خلاف العلماء فإن مراعاة الخلاف مطلوبة لأن المسألة فيها احتمالات قوية ومن لم يفعل فأخذ بقول من قال بسقوط الجمعة عمن صلى العيد فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.

صلاة الكسوف

صلاة الكسوف

كسوف الشمس آية من آيات الله سبحانه وتعالى

كسوف الشمس آية من آيات الله سبحانه وتعالى يقول السائل: ما قولكم فيما تنشره وسائل الإعلام عن ظاهرة كسوف الشمس وكيف كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - عند حدوث الكسوف؟ الجواب: اهتمت وسائل الإعلام المختلفة بظاهرة كسوف الشمس وبينت أسبابها وحذرت الناس من آثارها الضارة على العين عند نظرهم إلى الشمس في حال الكسوف. وأغفلت جانباً هاماً يتعلق بكسوف الشمس وهو أن هذه الحادثة هي جزء من النظام العجيب والدقيق الدال على قدرة الله سبحانه وتعالى: قال الله تعالى: (خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) سورة الزمر الآية 5. وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) سورة النحل الآية 12. وقال تعالى: (وَيُرِيكُمْءَايَاتِهِ فَأَيَّءَايَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ) سورة غافر الآية 81. وقال تعالى: (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) سورة يس الآية 40.

وقال تعالى: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) سورة فاطر الآية 13. وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة لقمان 29. وقال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) سورة الحج 46. وقد قرر علماء الفلك أسباباً معينة لكسوف الشمس وظن كثير من الناس أن هذا يتنافى مع كون الكسوف آية من آيات الله سبحانه وتعالى يخوف الله بهما عباده. فقد ورد في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده وإنهما لا ينخسفان لموت أحد من الناس فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام ابن دقيق العيد: [وفي قوله عليه الصلاة والسلام (يخوف بهما عباده) إشارة إلى أنه ينبغي الخوف عند وقوع التغيرات العلوية. وقد ذكر أصحاب الحساب لكسوف الشمس والقمر أسباباً عادية. وربما يعتقد معتقد أن ذلك ينافي قوله عليه السلام (يخوف الله بهما عباده) وهذا الاعتقاد فاسد. لأن لله تعالى أفعالاً على حسب الأسباب العادية وأفعالاً خارجة عن تلك الأسباب. فإن قدرته تعالى حاكمة على كل سبب ومسبب فيقطع ما شاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض فإذا كان ذلك كذلك فأصحاب المراقبة لله تعالى ولأفعاله الذين عقدوا أبصار قلوبهم بوحدانيته وعموم قدرته على خرق العادة واقتطاع المسببات عن أسبابها إذا وقع شيء غريب، حدث عندهم الخوف لقوة اعتقادهم في فعل الله تعالى ما شاء.

وذلك لا يمنع أن يكون ثمة أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله تعالى خرقها. ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند اشتداد هبوب الريح يتغير ويدخل ويخرج خشية أن تكون كريح عاد وإن كان هبوب الريح موجوداً في العادة. والمقصود بهذا الكلام: أن يعلم أن ما ذكره أهل الحساب من سبب الكسوف لا ينافي كون ذلك مخوفاً لعباد الله تعالى. وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الكلام لأن الكسوف كان عند موت ابنه إبراهيم. فقيل: إنها إنما كسفت لموت إبراهيم. فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك] إحكام الأحكام 1/ 349 - 350. على أن في ظاهرة الكسوف أمراً يتنبه له المؤمن ويلتفت إليه إذا كان غيره لا يلتفت إليه وهو التذكير بقيام الساعة وانتهاء هذا العالم فإن مما ثبت بطريق الوحي اليقيني أن هذا الكون سيأتي عليه يوم ينفرط فيه عقده وينتثر نظامه فإذا سماؤه قد انفطرت وكواكبه قد انتثرت وشمسه قد كورت وجباله قد سيرت وأرضه قد زلزلت زلزالها وأخرجت أثقالها وآذن ذلك كله بتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبروز الخلق لله الواحد القهار. إن الشمس والقمر ليسا أبديين ككل شيء في هذا العالم إنهما يجريان كما قال الله خالقهما إلى أجل مسمى، نعم مسمى معلوم عند الله خفي مجهول عند الناس ولكن المؤمن يوقن به ولا يغفل عنه فإذا شاهد ظاهرة كالكسوف والخسوف انتقل قلبه من اليوم إلى الغد ومن الحاضر إلى المستقبل وخصوصاً إذا تذكر قول الله تعالى: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) ولعل هذا سر ما جاء في رواية بعض الصحابة في حديث الكسوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام فزعاً يخشى أن تكون الساعة - مع أن للساعة مقدمات وعلامات وأشراط كثيرة اخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه ولم تقع بعد - ولهذا استشكل بعض العلماء هذه الرواية ولكن يمكن حملها على أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك تعليماً لأمته وإرشاداً لها لتكون على ذكر من أمر الساعة على كل حال ولا سيما إذا تأخر الزمان وظهرت معظم الأشراط والأمارات. فتاوى معاصرة 1/ 242.

وبهذا يظهر لنا أنه لا إشكال في كون الكسوف يقع حسب أسباب فلكية معروفة لتوسط القمر بين الأرض والشمس فيحجب ضوء الشمس وأنه يحدث في مواعيد معروفة مسبقاً ومحسوبة بدقة وبين كون الكسوف آية من آيات الله يخوف الله بها عباده فإن المؤمن يتيقن أن كل سبب ومسبب خاضع لإرادته تعالى مخلوق بقدرته سبحانه فإذا وقع شيء غريب حدث عند المؤمن الخوف لقوة اعتقاده بأن الله تعالى يفعل ما يشاء وأنه ذو العظمة الباهرة التي لا نهاية لها وذلك لا يمنع أن يكون ثمة أسباب أدت إلى تلك الحادثة الغريبة التي خرقت النظام المعتاد. وذلك كمثل من ضبط الساعة ذات الجرس المنبه كي يرن جرسها في وقت معين فهل يمتنع عن الاستيقاظ والانتباه لكونه يعلم ذلك من قبل؟ فكذلك أعلمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذه التغييرات جعلها الله لحكمة عظيمة ألا وهي العظة والذكرى فهل من مدكر) هدي النبي- صلى الله عليه وسلم - في الصلوات الخاصة ص 163. هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف: لما كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السنة العاشرة للهجرة خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد فزعاً يجر رداءه فتقدم فصلى ركعتين قرأ في الأولى فاتحة الكتاب وسورة طويلة جهر بالقراءة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه من الركوع فأطال القيام وهو دون القيام الأول وقال لما رفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم أخذ في القراءة ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم رفع رأسه من الركوع ثم سجد سجدة طويلة فأطال السجود ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الأولى فكان في كل ركعة ركوعان وسجودان ... ثم انصرف فخطب بهم خطبة بليغة حفظ منها قوله: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا يا أمة محمد والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً).

وقال: (لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم به حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني أتقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت). وفي لفظ: (ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع منها. ورأيت أكثر أهل النار النساء. قالوا: وبم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن. قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط) زاد المعاد 1/ 450 - 451. أحكام صلاة الكسوف وما يتعلق بها: 1. صلاة الكسوف سنة مؤكدة عند أكثر أهل العلم. 2. صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان تصلى جماعة في المسجد يقرأ الإمام جهراً الفاتحة ثم سورة طويلة كالبقرة ثم يركع ركوعاً طويلاً ثم يقوم من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة كآل عمران ثم يركع ركوعاً طويلاً ثم يرفع ثم يسجد وفي الركعة الثانية يفعل مثلما فعل في الأولى. 3. يشرع للإمام أن يخطب بعد انتهاء صلاة الكسوف اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الإمام البخاري باب خطبة الإمام في الكسوف وقالت عائشة وأسماء: (خطب النبي - صلى الله عليه وسلم -) ثم ساق الإمام البخاري حديث عائشة رضي الله عنها وفيه: (ثم قام - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: هما آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة) ورواه مسلم أيضاً. وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم، أيضاً عن عائشة رضي الله عنها ذكرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد انتهائه من صلاة الكسوف: (خطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا

ثم قال: يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً). 4. علّمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عند حدوث الكسوف فعلينا أن نفزع إلى الصلاة وإلى ذكر الله والتكبير والصدقة والتعوذ من عذاب القبر ودعانا إلى الإقلاع عن المعاصي وخاصة الزنا وما أدى إليه لما في هذه الفاحشة من خطورة وفظاعة وتدمير للمجتمع وتحطيم للقيم والأخلاق. فعلى المسلمين أن يتذكروا هذه التوجيهات النبوية وأن يعملوا بمقتضاها وأن يقلعوا عن الذنوب والمعاصي التي عمت وطغت وانتشرت وظهرت في كل مكان.

الزكاة

الزكاة

زكاة المحاجر

زكاة المحاجر يقول السائل: إنه صاحب محجر يستخرج الحجارة من الأرض على شكل كتل كبيرة ثم يقوم بتقطيعها وبيعها فكيف يؤدي زكاة ذلك؟ الجواب: يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) سورة البقرة الآية 267. هذه الآية أصل عظيم اعتمد عليه العلماء في وجوب الزكاة فيما تخرج الأرض من نبات ومعادن وركاز كما قال القرطبي في تفسيره 3/ 321. وقد صح في الحديث عن أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: [العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس] رواه البخاري ومسلم. ففي هذا الحديث ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - المعدن وقد قال العلماء: المعدن: اسم للمال المخلوق في الأرض. التهذيب في فقه الإمام الشافعي 3/ 116. والمعدن يشمل الذهب والفضة والحديد والنحاس والفحم الحجري ويشمل أيضاً الرخام وحجارة المحاجر محل السؤال. وقد ذكر بعض أهل العلم أن المعدن والركاز شيء واحد لذا أوجبوا فيهما الخمس كما هو نص الحديث السابق. ولكن الراجح من أقوال أهل العلم في نظري التفريق بين المعدن والركاز.

قال الإمام البخاري: [باب في الركاز الخمس وقال مالك وابن إدريس - يعني الشافعي - الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيرة الخمس. وليس المعدن بركاز وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (في المعدن جبار وفي الركاز الخمس ... ) وقال بعض الناس: المعدن ركاز مثل دفن الجاهلية لأنه يقال أركز المعدن إذا خرج منه شيء قيل له قد يقال لمن وهب له شيء أو ربح ربحاً كثيراً أو كثر ثمره أركزت] صحيح البخاري مع الفتح 3/ 106 - 107. وما ذكره الإمام البخاري في التفريق بين الركاز والمعدن هو الراجح وهو الذي عليه الإمام مالك حيث قال: [الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي سمعت أهل العلم يقولون إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال ولم يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل ولا مؤونة فأما ما طلب بمال وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز] الموطأ 1/ 214. وقال الحافظ ابن عبد البر: [ومن حجة مالك أيضاً في تفريقه بين ما يؤخذ من المعدن وما يؤخذ من الركاز قوله- صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة: ( ... والمعدن جبار وفي الركاز الخمس) فرق بين المعدن والركاز ب " و " فاصلة فدل ذلك على أن الخمس في الركاز لا في المعدن] الاستذكار 9/ 56. وقال القرطبي: [وأما المعدن فروى الأئمة عن أبي هريرة عن رسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس). قال علماؤنا: لمّا قال - صلى الله عليه وسلم -: (وفي الركاز الخمس) دلّ على أن الحكم في المعادن غير الحكم في الركاز لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد فصل بين المعدن والركاز بالواو الفاصلة ولو كان الحكم فيهما سواء لقال والمعدن جبار وفيه الخمس فلما قال: (وفي الركاز الخمس) علم أن حكم الركاز غير حكم المعدن فيما يؤخذ منه، والله أعلم] تفسير القرطبي 3/ 322. وقال الشيخ أحمد محمد شاكر: [الركاز عند أهل الحجاز كنوز

الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن، والقولان تحتملها اللغة. لأن كلاً منهما مركوز في الأرض أي ثابت والحديث إنما جاء في التفسير الأول وهو الكنز الجاهلي وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه] تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على الموطأ 1/ 214. إذا تقررت التفرقة بين المعدن والركاز فأقول إن الواجب في زكاة المعدن ربع العشر أي 2. 5% وهذا قول عمر بن عبد العزيز والإمام مالك في رواية ابن نافع عنه وهو القول الصحيح عند الشافعية وقول الحنابلة. روى الإمام البخاري في صحيحه تعليقاً: [وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مئتين خمسة]. قال الحافظ ابن حجر: [وصله أبو عبيد في كتاب الأموال] صحيح البخاري مع الفتح 3/ 107. وما أشار إليه الحافظ رواه أبو عبيد أن عمر بن عبد العزيز أخذ من المعادن الزكاة. وفي رواية أخرى أن عمر بن عبد العزيز كتب أن خذ من المعادن الصدقة ولا تأخذ منها الخمس. الأموال ص 424. وروى مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة) الموطأ 1/ 211. قال الحافظ ابن عبد البر: [هذا الخبر منقطع في الموطأ وقد روي متصلاً مسنداً ... من رواية الداروردي عن ربيعة ... ] الاستذكار 9/ 55. وقال ابن عبد البر أيضاً: [وإسناد ربيعة فيه صالح حسن وهو حجة لمالك ومن ذهب مذهبه في المعادن] فتح المالك 5/ 23. ورواه أبو داود في سننه، انظر عون المعبود 8/ 216 وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 592 - 593.

قضاء الديون من الزكاة

وبناءً على ما تقدم فإن المحاجر تجب الزكاة فيها بنسبة 2. 5% ولا يشترط لذلك حولان الحول. وأما النصاب فالمعروف من حال أصحاب المحاجر أن ما يستخرجونه يبلغ أنصبة كثيرة لا نصاباً واحداً وعليه فإن صاحب المحجر كلما استخرج كمية من الحجارة فباعها فإنه يخرج الزكاة بنسبة 2. 5% بعد أن يخصم من ذلك أجور العمال وتكلفة تشغيل الآلات والمعدات فمثلاً لو أن صاحب محجر جعل له حساباً شهرياً يحسب فيه ثمن الحجارة المستخرجة التي يتم بيعها محسوماً منها أجور العمال وتكلفة تشغيل الأجهزة والمعدات وما يبقى بعد ذلك يزكيه بنسبة 2. 5% وهكذا في كل شهر. ومما يؤيد تقدير الزكاة في المعادن بربع العشر 2. 5% وليس الخمس 20% أنه قد جرت عادة الشرع أن ما غلظت مؤونته خفف عنه في قدر الزكاة وما خفت مؤونته زيد في زكاته. انظر فتح الباري 3/ 107، التهذيب في فقه الإمام الشافعي 3/ 115. قضاء الديون من الزكاة يقول السائل: توفي شخص وعليه ديون ولم يترك وفاءً لديونه فهل يجوز أن نقضي ديونه من أموال الزكاة؟ الجواب: إن من مصارف الزكاة مصرف الغارمين كما نصت على ذلك الآية الكريمة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآية 60. والأصل عند أهل العلم أن الميت إذا كان عليه ديون وترك أموالاً أن تسدد ديونه من تركته فإن لم يترك أموالاً تفي بقضاء الدين فإن على بيت

مال المسلمين قضاء ديونه لما صح في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاءً لدينه فعلينا قضاؤه ومن ترك مالاً فلورثته) رواه البخاري ومسلم. فإن لم يتيسر سداد الدين من بيت مال المسلمين كما هو الحال الآن في زماننا فيجوز على الراجح من قولي العلماء قضاء الدين عن الميت لأن الميت المدين داخل في عموم قوله تعالى: (وَالْغَارِمِينَ) لأنها شاملة لكل غارم حياً كان أو ميتاً. بل إن بعض العلماء قد قال: قضاء دين الميت أحق من قضاء دين الحي لأن دين الميت لا يرجى قضاؤه. قال الشيخ ابن العربي المالكي: [فإن كان ميتاً - أي الغارم - قضي منها دينه لأنه من الغارمين] أحكام القرآن 2/ 968. وقال الشيخ القرطبي: [وقال علماؤنا وغيرهم: يقضى منها دين الميت لأنه من الغارمين، قال - صلى الله عليه وسلم -: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعاً - أي عيال - فإلي وعليّ] تفسير القرطبي 8/ 185. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأما الدين الذي على الميت فيجوز أن يوفى من الزكاة في أحد قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأن الله تعالى قال: (وَالْغَارِمِينَ) ولم يقل: (وللغارمين) فالغارم لا يشترط تمليكه وعلى هذا يجوز الوفاء عنه وأن يملك لوارثه ولغيره] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/ 80. والقول بجواز قضاء دين الميت من الزكاة هو قول مالك وأكثر أصحابه والشافعي في وجه وأصحابه وأحمد في إحدى الروايتين عنه وبه قال أبو ثور وأبو جعفر الطحاوي وغيرهم من أهل العلم.

إعطاء من يريد الزواج من أموال الزكاة

قال العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله: [والذي نرجحه: أن نصوص الشريعة وروحها لا تمنع قضاء دين الميت من الزكاة لأن الله تعالى جعل مصارف الزكاة نوعين: نوع عبر عنه استحقاقهم باللام التي تفيد التمليك وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم - وهؤلاء هم الذين يملكون -. ونوع عبر عنه بـ (فِي) وهم بقية الأصناف: (وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ) فكأنه قال: الصدقات في الغارمين ولم يقل: للغارمين ... فالغارم على هذا لا يشترط تمليكه وعلى هذا يجوز الوفاء عنه وهذا ما اختاره وأفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية ويؤيد هذا حديث: (من ترك ديناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ)] فقه الزكاة 2/ 633. إعطاء من يريد الزواج من أموال الزكاة يقول السائل: هل يجوز صرف الزكاة لشاب يريد الزواج وكما تعلمون فإن تكاليف الزواج صارت باهظة في وقتنا الحالي؟ الجواب: لا شك أن الزواج من الحاجات الأساسية للإنسان وقد نصّ بعض أهل العلم على أن الزواج من تمام الكفاية فيجوز إعطاء الشاب من الزكاة ليستعين على الزواج إذا كان لا يستطيع الزواج بإمكاناته المادية أي أنه فقير. وكذلك يجوز إعطاء من تزوج فتحمّل ديوناً بسبب زواجه ولا وفاء عنده فيعطى من مال الزكاة ليقضي ديونه وينبغي الانتباه عند صرف الزكاة لمن يريد الزواج أن ينفق ذلك في الأمور الأساسية للزواج ودون مبالغة في تكاليف الزواج.

إعطاء طلبة العلم من الزكاة

إعطاء طلبة العلم من الزكاة يقول السائل: هل يجوز إعطاء طلبة العلم من الزكاة؟ الجواب: من المعلوم أن مصارف الزكاة هي المنصوص عليها في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآية 60. ومن المتفق عليه بين أهل العلم أن طالب العلم إن كان فقيراً يعطى من الزكاة لفقره. ومن العلماء من قال: يعطى طالب العلم لكونه طالب علم وإن كان قادراً على الكسب إذا تفرغ لطلب العلم. ومنهم من أجاز لطالب العلم أن يأخذ من الزكاة باعتباره داخلاً في مصرف: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) حيث فسر قوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) بأنه طلبة العلم كما في الدر المختار 2/ 343، وحاشية الطحطاوي ص 392. ونقل ابن عابدين عن بعض الحنفية أن تفسير: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) بطلب العلم وجيه. حاشية ابن عابدين 2/ 343. وهذا بناءً على التوسع في مصرف في سبيل الله وهو قول جيد ولكن ليس على إطلاقه بل لا بد من ضوابط معينة لكل حالة من الحالات التي تدخل في هذا المصرف. قال العلامة الشيخ صديق حسن خان: [ومن جملة سبيل الله: الصرف في العلماء الذين يقومون بمصالح المسلمين الدينية فإن لهم في مال الله نصيباً سواء أكانوا أغنياء أو فقراء بل الصرف في هذه الجهة من أهم الأمور لأن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين وبهم تحفظ بيضة الإسلام وشريعة سيد الأنام وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما يقوم بما

يحتاجون إليه مع زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من يرد عليهم من الفقراء وغيرهم والأمر في ذلك مشهور ومنهم من كان يأخذ زيادة على مئة ألف درهم. ومن جملة هذه الأموال التي كانت تفرق بين المسلمين على هذه الصفة الزكاة وقد قال - صلى الله عليه وسلم -لعمر لما قاله له يعطي من هو أحوج منه: ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك، كما في الصحيح والأمر ظاهر] الروضة الندية 1/ 533 - 534. وقال الدكتور محمد أبو فارس: [المراد بقوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) طلبة العلم. أورد هذا القول صاحب الفتاوى الظهيرية من الحنفية واقتصر عليه وهذا قول في مذهب الأباضية كما ذكره كتاب شرح النيل عن التاج. وذكر صاحب منهاج الصالحين من الإمامية جواز أخذ طالب العلم من سهم سبيل الله. أقول: إنني لم أعثر على دليل من الكتاب والسنة استدل به أصحاب هذا القول على مدعاهم وكل الذي استندوا إليه القياس وصورته إذا كان للعامل على الزكاة أن يأخذ منها لأنه يصرف وقته أو جزءاً منه في منفعة للمسلمين فكذلك الذي يتفرغ لطلب العلم فإن مآله إلى نفع المسلمين. وقياس الطالب المتفرغ للعلم على العامل على الزكاة بجامع حبس النفس لمصلحة المسلمين قياس موفق نؤيده ونراه. إلا أننا لا نحصر سهم سبيل الله في طلبة العلم بل نقول يجوز أن يصرف من هذا السهم لطلبة العلم المتفرغين. ونقول أيضاً: أن طلب العلم جهاد إذ الجهاد مجاهدة النفس على حمل الحق وتعلم العلم وتعليمه للآخرين. ونقول أيضاً: إذا كان طالب العلم فقيراً عاجزاً عن الكسب فيعطى من

سهم الفقراء لفقره وحاجته وعجزه عن الكسب وإذا كان فقيراً قادراً على الكسب فيعطى من سهم سبيل الله ولا يعطى من سهم الفقراء لأنه غني بقوته وقدرته على الكسب إلا أنه حبس نفسه لمجاهدتها على تعلم العلم وتعليم الناس فدخل بهذا تحت المجاهدين الذين يستحقون سهم سبيل الله مع قدرتهم على الكسب والله سبحانه وتعالى أعلم] إنفاق الزكاة في المصالح العامة ص 82 - 83. وقال الدكتور يوسف القرضاوي: [المتفرغ للعلم يأخذ من الزكاة فإذا ما تفرغ لطلب علم نافع وتعذر الجمع بين الكسب وطلب العلم فإنه يعطى من الزكاة قدر ما يعينه على أداء مهمته وما يشبع حاجاته ومنها كتب العلم التي لا بد منها لمصلحة دينه ودنياه. وإنما أعطي طالب العلم لأنه يقوم بفرض كفاية ولأن فائدة علمه ليست مقصورة عليه بل هي لمجموع الأمة. فمن حقه أن يعان من مال الزكاة لأنها لأحد رجلين: إما لمحتاج من المسلمين أو لمن يحتاج إليه المسلمون وهذا قد جمع بين الأمرين. واشترط بعضهم أن يكون نجيباً يرجى تفوقه ونفع المسلمين به وإلا لم يستحق الأخذ من الزكاة ما دام قادراً على الكسب وهو قول وجيه. وهو الذي تسير عليه الدول الحديثة حيث تنفق على النجباء بأن تتيح لهم دراسات خاصة أو ترسلهم في بعثات خارجية أو داخلية] فقه الزكاة 2/ 560 - 561. وقد ذكر الإمام النووي أن المشتغل بتحصيل بعض العلوم الشرعية بحيث لو أقبل على الكسب لانقطع عن التحصيل حلت له الزكاة لأن تحصيل العلم فرض كفاية. المجموع 6/ 190. وقال بعض فقهاء الحنفية يجوز لطالب العلم الأخذ من الزكاة ولو

كان غنياً إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته لعجزه عن الكسب والحاجة داعية إلى ما لا بد منه. حاشية الطحطاوي ص 392. وخلاصة الأمر أنه يجوز صرف الزكاة إلى طلبة العلم بشكل عام والمبدعون منهم على وجه الخصوص.

الصيام

الصيام

الاختلاف في بداية الصيام

الاختلاف في بداية الصيام يقول السائل: ما قولكم فيمن ابتدأ صيام رمضان هذا العام يوم الأربعاء اتباعاً لما أعلن في اليمن من ثبوت رؤية الهلال مساء الثلاثاء؟ الجواب: إن قضية بداية شهر الصوم ونهايته تشكل مثاراً للنزاع والاختلاف في كل عام تقريباً والمسألة محل اختلاف بين أهل العلم منذ عهد بعيد فمن العلماء من يرى أن لا عبرة باختلاف المطالع وأن على المسلمين جميعاً أن يصوموا إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد والرأي الآخر في المسالة وهو أن لكل بلد رؤيتهم قال به جماعة من أهل العلم والمسألة مسألة اجتهادية محتملة واستدل كل فريق بأدلة من الكتاب والسنة والقياس ولم يكن لهذا الاختلاف بينهم أثر سيىء على الأمة تخشى عاقبته، لحسن قصدهم واحترام كل مجتهد منهم اجتهاد الآخر. وإن كنت أعتقد رجحان القول الأول بعد النظر في أدلته ولكن هذا القول وهو عدم اعتبار اختلاف المطالع رأي نظري لم يجد طريقه إلى التطبيق العملي في تاريخ المسلمين من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عصرنا الحاضر لعدم توفر وسائل الاتصال التي تربط أنحاء الدولة الإسلامية بعضها مع بعض ومعلوم أن وسائل الاتصال حديثة العهد.

إذا تقرر هذا فأقول إن الأمل كبير أن تتوحد الأمة الإسلامية تحت راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله وأن تلتزم بشرع الله كاملاً. ومن ضمن ذلك بداية الصوم ونهايته ولكن إلى أن يتحقق هذا الأمل المنشود أرى أن على مسلمي كل بلد أن يلتزموا بالصوم جميعا بناءً على ما تعلنه الجهة المخولة في كل بلد كالقضاء الشرعي أو الإفتاء أو المراكز الإسلامية. ويدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحّون) رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وهو حديث صحيح. قال الإمام الترمذي: [وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس]. إن المحافظة على وحدة المسلمين الجزئية في البلد الواحد مطلوبة ويجب العمل لها إلى أن تتحقق وحدة المسلمين الكلية أقول هذا ونحن قد وجدنا تمزق هذه الوحدة في البلد الواحد بل في الأسرة الواحدة فبعض الناس صام يوم الأربعاء والأكثر صاموا يوم الخميس وقلة صامت يوم الجمعة فهل هذا مقبول في شرع الله أن تكون بداية رمضان في ثلاثة أيام وماذا سنصنع في العيد، هل سيكون عيد الفطر ثلاثة أعياد وهل ستقام صلاة العيد على مدى ثلاثة أيام؟ ويزعم الذين صاموا يوم الأربعاء أن رأيهم هو الصواب لأنهم أخذوا بالحديث النبوي: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) متفق عليه، وعلى الناس أن يتبعوا ذلك. ولكن أقول لهم ما هي نتيجة صومكم يوم الأربعاء اتباعاً لليمن؟ النتيجة هي تفرق الأسرة الواحدة في الصيام وتفرق البلدة الواحدة!! ثم هل تتحقق وحدة المسلمين إن صاموا في يوم واحد وأفطروا في يوم واحد مع هذا التمزق السياسي الموجود!!؟

إن الحديث عن وحدة المسلمين في الصيام وفي العبادة في ظل الواقع السياسي الممزق للأمة الإسلامية ما هو إلا ترف فكري وقصور في الهمة وتعامي عن مواجهة الحقيقة والواقع فلو فرضنا جدلاً أن جميع دول مسلمي اليوم صامت في يوم واحد فهل توحدت الأمة؟ الجواب بالتأكيد لا. إن وحدة الأمة الإسلامية أعمق من وحدتهم في الصيام والعيد وإن وحدة المسلمين الحقيقية تكون بتحكيم شرع الله تعالى في جميع شؤونهم! إن الذين صاموا يوم الأربعاء لم يتعلموا الدرس مما حصل في رمضان سنة 1413 هـ عندما اختلف المسلمون في نهاية رمضان ولم يستخلصوا العبر مما حدث حينذاك. السؤال الآن ما هو المخرج من هذا الخلاف والنزاع في بداية رمضان ونهايته فالذين يقولون نصوم مع أول بلد يعلن الصوم، ليس لديهم السلطان ليلتزم الناس بقولهم فالخلاف سيستمر ولن ينقطع. وأعتقد أنه يسع المسلمين اليوم ما وسع المسلمين خلال تاريخهم الطويل وحين كانت لهم دولة واحدة فما كانوا يصومون في يوم واحد وما كان عيدهم واحداً. وبناءً على ما تقدم أرى أن الحل الصحيح لهذه القضية هو الالتزام بما تعلنه الجهة المخولة في كل بلد كالقاضي الشرعي أو دار الإفتاء فيصوم أهل القطر الواحد جمعياً ويفطرون جميعاً وإذا أطعنا هؤلاء القضاة والمفتين في هذا الأمر فإنما نطيعهم في المعروف بغض النظر عمن عينهم فحكم الحاكم الشرعي في مثل هذه المسألة يقطع النزاع ويرفع الخلاف. ومعلوم أن جميع المسلمين في هذه البلاد يرجعون إلى القضاء الشرعي في قضاياهم المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث وغيرها فيقبلون قولهم فلم لا يقبلون قولهم في هذه المسألة؟ كما وإني لأستغرب لم لا تثار هذه القضية عند بداية شهر ذي الحجة الذي ترتبط به فريضة الحج!! ولا فرق بين هلال رمضان وبين هلال ذي الحجة!! ولماذا يقبل جميع المسلمين ما يقرره مجلس القضاء الأعلى في

المشقة المبيحة للفطر

السعودية؟!! ولا نسمع أحداً من الناس يدعي خلاف ذلك فيقف في عرفات حسب رؤيته!! كما وأود أن أبين أنه ينبغي الاستئناس بما يقرره علم الفلك وإن كان الأصل هو رؤية العين المجردة ولكن أصول الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة لا تمنع أن نستعين بعلم الفلك وخاصة أنه علم متقدم ومتطور وعلم الفلك ليس مجرد حسابات وإنما هو رؤية ولكن بالمراصد والآلات فلا مانع شرعاً من الاستفادة من التقدم العلمي في هذا المجال وبالذات في حالة النفي أي إذا نفى علم الفلك احتمال رؤية الهلال بشكل قطعي فينبغى حينئذ عدم قبول ادعاء الرؤية وهذا هو ما حصل في هذا العام فإن علم الفلك نفى احتمال رؤية الهلال مساء الثلاثاء وأن الهلال لم يكن قد تولد لذا فإني أعتقد أن إعلان اليمن عن ثبوت الرؤية ما هو إلا قرار سياسي ولم يكن القرار بناءً على رؤية حقيقية للهلال لاستحالة ذلك كلياً، وأعتقد أن بداية الصوم الصحيحة كانت يوم الخميس. وأخيراً أقول إن على المنادين بوحدة المسلمين في الصوم أن يكفوا عن هذه الدعوى لما فيها من تفريق للمسلمين في البلد الواحد وأن يسعوا سعياً حقيقياً إلى الوحدة الحقيقية للمسلمين لا مجرد كلام وتنظير فلسفي وعليهم أن يتركوا قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في دول مسلمي اليوم وإن الذي يكفل وحدة المسلمين الحقيقية هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في جميع شؤونهم وليس مجرد اتفاقهم على الصيام والعيد في يوم واحد. المشقة المبيحة للفطر يقول السائل: ما هي المشقة التي تبيح الفطر في رمضان؟ الجواب: يظن بعض الناس أن اشتغالهم بالأعمال التي فيها شيء من المشقة يبيح لهم الفطر في رمضان كالخباز الذي يقف أمام بيت النار طوال

النهار والحداد والحجار ولا بد من بيان متى يجوز الفطر في رمضان بسب المشقة فأقول: إن الشريعة الإسلامية جاءت برفع الحرج ودفع المشقة عن الناس بل إن هذا أصل من أصول الشريعة الإسلامية وقد قامت الأدلة الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على اعتبار هذا الأصل يقول الله سبحانه وتعالى: (ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة المائدة الآية 6. وقال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) سورة الحج الآية 78. وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة الآية 185. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وبشروا) رواه البخاري. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما لمّا بعثهما إلى اليمن: (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) رواه البخاري. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً) رواه مسلم، وغير ذلك من النصوص الشرعية. ومن خلال هذه النصوص نرى أن الشريعة الإسلامية شريعة يسر وسهولة رفعت الحرج ودفعت المشقة عن الناس وليس معنى هذا أن يتحلل الناس من الأحكام الشرعية لأدنى مشقة تلحق بهم فإنه لا يكاد عمل في الدنيا يخلو من نوع من المشقة وقد جعل العلماء المشقة على نوعين: 1. مشقة معتادة يتحملها الناس عادة ولا تخلو منها التكاليف الشرعية كالوضوء بالماء البارد وكالصوم في اليوم الحارّ والحج في أشهر الصيف وغيرها فهذه المشاق كلها لا أثر لها في إسقاط العبادات والطاعات

ولا في تخفيفها كما قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام 2/ 7. 2. ومشقة غير معتادة لا يستطيع الناس أن يداوموا عليها باستمرار كالوصال في الصوم وقيام الليل كله باستمرار ونحو ذلك. فهذه المشاق لا يجوز شرعاً للمكلف أن يجلبها على نفسه فيقع في الحرج والمشقة وإن حصلت في التكاليف الشرعية فيجوز حينئذ الأخذ بالرخصة الشرعية. وبناءً على ما تقدم أقول لا يجوز للإنسان أن يفطر في رمضان إلا إذا لحقه أذى شديد بسبب الصوم فالمريض الذي منعه الأطباء من الصوم لأن الصوم يزيد المرض أو يؤخر الشفاء يجوز له الفطر وأما أصحاب المهن كالنجار والحداد والخباز والحجار فعليهم أن يصوموا ولا يجوز لهم الفطر لأن هؤلاء قد اعتادوا على مهنتهم وصارت حياتهم منسجمة تماماً مع أعمالهم فالخباز الذي يقف أمام بيت النار يومياً صار ذلك بالنسبة له شيء عادي فلا يجوز له أن يفطر. ومن المعلوم أن صيام رمضان فرض لا يجوز للمكلف تركه إلا لعذر شرعي والذين يدعون أنهم يعملون في أشغال شاقة بإمكانهم أن يأخذوا إجازة من عملهم في شهر رمضان أو أن يبحثوا عن أعمال أخرى لا مشقة شديدة فيها فإن لم يتيسر لهم ذلك واضطروا للعمل كما يضطر الإنسان إلى أكل الميتة فإن عليهم أن يصوموا فإذا شعروا بالحرج والضيق من الصوم أفطروا ثم أمسكوا بقية يومهم وعليهم القضاء فيما بعد. قال الله جل جلاله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق الآيتان 2 - 3.

فتح المطاعم في نهار رمضان

فتح المطاعم في نهار رمضان يقول السائل: إنه صاحب مطعم في مدينة القدس ويسأل عن فتح مطعمه في نهار رمضان مع العلم أن الزبائن هم من السياح الأجانب فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يجوز فتح المطاعم والمقاهي ونحوها في نهار رمضان وإن كان زبائنها من غير المسلمين محافظةً على حرمة شهر رمضان فإن الواجب على كل مسلم أن يسعى جاهداً لمنع مظاهر التهاون في الصيام بشكل عام فلا يجوز تقديم الطعام والشراب للمفطرين في رمضان من المسلمين وكذلك لغير المسلمين لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان والمفروض في الشخص المسلم الذي يبتلى بالإفطار في رمضان لعذر شرعي كالمرض أو السفر أو الحيض أو النفاس أو غير ذلك من الأعذار أن لا يجاهر بالفطر على مرأى من الصائمين وعلى هؤلاء أن يستتروا عن أعين الصائمين. وأما الذين يفطرون عمداً دونما عذر فهؤلاء فسقة فاسدون فإذا جاهروا بالفطر فقد ازدادوا فسقاً على فسقهم وأما غير المسلمين فينبغي لهم أن يراعوا مشاعر المسلمين في الصوم فلا يجاهروا بالأكل والشرب بين المسلمين. فإن جاهروا ولا حول ولا قوة للمسلمين كما هو حال المسلمين الآن فالمطلوب من المسلم ألا يعينهم على هذا الأمر وهذا أقل الواجب. وبناءاً على ذلك لا يجوز فتح المطاعم والمقاهي في نهار رمضان ويحرم على المسلم أن يقدم الطعام للمسلم المفطر في نهار رمضان المجاهر بالمعصية فإن أعانه على ذلك فهو آثم وهذا من التعاون على الإثم والعدوان.

صيام يوم عاشوراء

صيام يوم عاشوراء يقول السائل: إنه سمع أحد المشايخ يمنع من صيام يوم عاشوراء هذا العام لأنه صادف يوم السبت لما ورد في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) فما قولكم؟ الجواب: قد أخطأ هذا الشيخ في منعه صيام يوم عاشوراء لأنه صادف يوم السبت اعتماداً على الحديث وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجر فليمضغه) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم. وهذا الحديث اختلف فيه أهل الحديث اختلافاً كبيراً فصححه بعضهم وأعله آخرون بالاضطراب وقد فصل الكلام عليه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 4/ 118 - 125 وحكم بصحته. وقال أبو داود صاحب السنن إنه منسوخ ولم يسلم له ذلك. وعلى كل حال فإن الحديث ثابت إلا أنه لا يؤخذ منه منع صوم يوم عاشوراء إن صادف يوم سبت فهذا الفهم غريب عجيب وإذا قلنا به فمعنى ذلك أنه لا ينبغي لنا أن نصوم يوم عرفة أيضاً إن وافق يوم سبت وهذا لم يقل به أحد من العلماء فيما أعلم. فنحن نصوم يوم عاشوراء لأنه يوم عاشوراء بغض النظر صادف الجمعة أو السبت أو الأحد، وكذلك نصوم يوم عرفة بغض النظر صادف الجمعة أو السبت أو الأحد اقتداءً بهدي المصطفى- صلى الله عليه وسلم - وقد قال العلماء إن المقصود بالنهي في الحديث هو إفراد يوم السبت بالصيام، قال الإمام الترمذي بعد أن ذكر الحديث: [ومعنى كراهته في هذا أن يخص الرجل يوم السبت بصيام لأن اليهود تعظم السبت] سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 2/ 220. وقال العلامة ابن القيم: [وقال جماعة من أهل العلم: لا تعارض بينه وبين حديث أم سلمة فإن النهي عن صومه إنما هو عن إفراده وعلى ذلك

ترجم أبو داود فقال: باب النهي أن يخص يوم السبت بالصوم وحديث صيامه إنما هو مع يوم الأحد. قال: ونظير هذا أنه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده وبهذا يزول الإشكال الذي ظنه من قال: إن صومه نوع تعظيم له فهو موافقة لأهل الكتاب في تعظيمه وإن تضمن مخالفتهم في صومه فإن التعظيم إنما يكون إذا أفرد بالصوم ولا ريب أن الحديث لم يجىء بإفراده وأما إذا صامه مع غيره لم يكن فيه تعظيم. والله أعلم] زاد المعاد 2/ 79 - 80. وقال العلامة علي القاري: [قال الطيبي: قالوا النهي عن الإفراد كما في الجمعة والمقصود مخالفة اليهود فيهما والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور وما افترض يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة وفي معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء، أو وافق ورداً] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 4/ 599. وقال الإمام النووي: [والصواب على الجملة ما قدمناه عن أصحابنا أنه يكره إفراد السبت بالصيام إذا لم يوافق عادة له] المجموع 6/ 440. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي بعد أن ذكر الحديث: [والمكروه إفراده فإن صام معه غيره لم يكره لحديث أبي هريرة وجويرية وإن وافق صوماً لإنسان لم يكره .. ] المغني 3/ 171. ويوم السبت وافق صوماً لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فنصومه ولا نسمع لقول من منع صومه لجموده على ظاهر النص.

الحج

الحج

إبراء الذمة من الحقوق قبل الحج

إبراء الذمة من الحقوق قبل الحج يقول السائل: يقول السائل إن أحد الأشخاص ينوي الحج وأن في ذمته حقوقاً للسائل ويرفض إعطاءه هذه الحقوق حتى يعود من الحج فما حكم ذلك؟ الجواب: الواجب على المسلم إذا نوى الحج أن يبرئ ذمته من حقوق العباد بأن يخلص نفسه وينقيها مما وجب عليه شرعاً لعباد الله، يقول الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة البقرة الآية 188. ويقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) سورة المائدة الآية 1. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) رواه مسلم. وعنه أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري. وعنه أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أتدرون من المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت

حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم. وغير ذلك من الأحاديث التي يؤخذ منها أن على المسلم أن يبرئ ذمته من حقوق العباد وقد أكد العلماء على إبراء الذمة من حقوق العباد لمن أراد الحج فينبغي عليه أن يبرئ ذمته. قال الأمام النووي: [إذا استقر عزمه لسفر حج أو غزو أو غيرهما فينبغي أن يبدأ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات ويخرج من مظالم الخلق ويقضي ما أمكنه من ديونهم ويرد الودائع ويستحل كل من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة ويكتب وصيته ويشهد عليه بها ويوكل من يقضي ما لم يتمكن من قضائه من ديون ويترك لأهله ومن يلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه] المجموع 4/ 385. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: [إذا عزم المسلم السفر إلى الحج أو العمرة استحب له أن يوصي أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل وهي فعل أوامره واجتناب نواهيه وينبغي أن يكتب ماله وما عليه من الدين ويشهد على ذلك ويجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وحقيقة التوبة الإقلاع من الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزيمة على عدم العودة فيها وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم أو تحللهم منها قبل سفره لما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من كان عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحلل اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)] التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة ص 10 - 11. فالواجب على هذا الشخص أن يبرىء ذمته من جميع حقوق العباد قبل سفره للحج.

هل الردة مبطلة للحج؟

هل الردة مبطلة للحج؟ يقول السائل: حج شخص قبل مدة ثم ارتد عن الإسلام وبقي مرتداً مدة من الزمن ثم هداه الله وعاد الآن إلى الإسلام وندم على ما حصل منه ويسأل عن حجته التي حجها هل تعد مسقطة لحجة الإسلام أم يلزمه أن يحج مرة أخرى؟ الجواب: الردة هي خروج المسلم عن الإسلام وكفره به والعياذ بالله وقد اختلف أهل العلم في إحباط العمل بالردة واختلفوا في تفسير الآيات الواردة في ذلك. يقول الله تعالى: (ومن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة الآية 217. ويقول الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) سورة المائدة الآية 5. فمن العلماء من قال إن الردة التي تحبط الأعمال وتبطلها هي الردة المستمرة حتى الوفاة بأن يموت الشخص على الكفر لما في الآية الكريمة (فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ) فإذا لم يمت على الكفر بأن عاد إلى الإسلام فإن ثواب عمله يحبط ولا يطالب بإعادة العمل. ومنهم من رأى أن الأعمال تبطل بمجرد الارتداد لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ). والمراد بحبوط الأعمال: [أي صارت أعمالهم الحسنة التي عملوها في حالة الإسلام فاسدة بمنزلة ما لم تكن. قيل وأصل الحبط فساد يلحق الماشية بأكل الحباط وهو ضرب من الكلأ مضر وفي النهاية أحبط الله تعالى عمله أبطله، يقال: حبط عمله وأحبط وأحبطه غيره وهو من قولهم حبطت الدابة حبطاً بالتحريك إذا أصابت مرعى طيباً فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت وقرء حبطت بالفتح وهو لغة فيه] تفسير الألوسي 1/ 505.

قال الإمام النووي: [ومن حج ثم ارتد ثم أسلم لم يلزمه الحج بل يجزئه حجته السابقة عندنا وقال أبو حنيفة وآخرون يلزمه الحج ومبنى الخلاف على أن الردة متى تحبط العمل؟ فعندهم تحبطه في الحال سواء أسلم بعدها أم لا فيصير كمن لم يحج. وعندنا لا تحبطه إلا إذا اتصلت بالموت لقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)] المجموع 7/ 9. وقال الإمام النووي أيضاً: [إذا صلى المسلم ثم ارتد ثم أسلم ووقت تلك الصلاة باق لم يجب إعادتها وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه يجب والمسألة مبنية على أصل سبق وهو أن عندنا لا تبطل الأعمال بالردة إلا أن تتصل بالموت وعندهم يبطل بنفس الارتداد احتجوا بقول الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) واحتج أصحابنا بقول الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) فعلق الحبوط بشرطين الردة والموت عليها والمعلق بشرطين لا يثبت بأحدهما والآية التي احتجوا بها مطلقة وهذه مقيدة فيحمل المطلق على المقيد، قال الشافعي والأصحاب يلزم المرتد إذا أسلم أن يقضي كل ما فاته في الردة أو قبلها وهو مخاطب في حال الردة بجميع ما يخاطب به المسلم وإذا أسلم لا يلزمه إعادة ما كان فعله قبل الردة من حج وصلاة وغيرهما والله أعلم] المجموع 3/ 5. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [اختلف العلماء رحمة الله عليهم في المرتد هل يحبط عمله نفس الردة أم لا يحبط إلا على الموافاة على الكفر؟ فقال الشافعي: لا يحبط له عمل إلا بالموافاة كافراً وقال مالك يحبط بنفس الردة ويظهر الخلاف في المسلم إذا حج ثم ارتد ثم أسلم فقال مالك: يلزمه الحج لأن الأول قد حبط بالردة. وقال الشافعي: لا إعادة عليه لأن عمله باق، واستظهر عليه علماؤنا بقول الله تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ ليَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وقالوا: هو خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به أمته

لأنه - صلى الله عليه وسلم - يستحيل منه الردة شرعاً، وقال أصحاب الشافعي: بل هو خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - على طريق التغليظ على الأمة وبيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله فكيف أنتم؟ لكنه لا يشرك لفضل مرتبته، كما قال الله تعالى: (يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) وذلك لشرف منزلتهن وإلا فلا يتصور إتيان فاحشة منهن صيانة لصاحبهن المكرم المعظم، قال ابن عباس حين قرأ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) والله ما بغت امرأة نبي قط ولكنهما كفرتا. وقال علماؤنا: إنما ذكر الموافاة شرطاً هاهنا لأنه علق عليها الخلود في النار جزاءً فمن وافى كافراً خلّده الله في النار بهذه الآية ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين مختلفين وحكمين متغايرين وما خوطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو لأمته حتى يثبت اختصاصه به وما ورد في أزواجه - صلى الله عليه وسلم -فإنما قيل ذلك فيهن ليبين أنه لو تصور لكان هتكاً لحرمة الدين وحرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكل هتك حرمة عقاب وينزل ذلك منزلة من عصى في شهر حرام أو في البلد الحرام أو في المسجد الحرام فإن العذاب يضاعف عليه بعدد ما هتك من الحرمات والله الواقي لا رب غيره] أحكام القرآن 1/ 147 - 148، وانظر تفسير القرطبي 3/ 48 - 49. وقال الألوسي: [واستدل الشافعي بالآية على أن الردة لا تحبط الأعمال حتى يموت عليها وذلك بناءً على أنها لو أحبطت مطلقاً لما كان للتقييد بقوله سبحانه: (فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ) فائدة والقول بأن فائدته أن إحباط جميع الأعمال حتى لا يكون له عمل أصلاً موقوف على الموت على الكفر حتى لو مات مؤمناً لا يحبط إيمانه ولا عمل يقارنه وذلك لا ينافي إحباط الأعمال السابقة على الارتداد بمجرد الارتداد مما لا معنى له لأن المراد من الأعمال في الآية الأعمال السابقة على الارتداد إذ لا معنى لحبوط ما لم يفعل فحينئذ لا يتأتى هذا القول كما لا يخفى وقيل بناءً على أنه جعل الموت عليها شرطاً في الإحباط وعند انتفاء الشرط ينتفي المشروط

واعترض بأن الشرط النحوي والتعليقي ليس بهذا المعنى بل غايته السببية والملزومية وانتفاء السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاء المسبب أو اللازم لجواز تعدد الأسباب ولو كان شرطاً بهذا المعنى لم يتصور اختلاف القول بمفهوم الشرط. وذهب إمامنا أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إلى أن مجرد الارتداد يوجب الإحباط لقوله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) المائدة الآية 5. وما استدل به الشافعي ليس صريحاً في المقصود لأنه إنما يتم إذا كان جملة: (وأؤلئك) الخ، تذييلاً معطوفاً على الجملة الشرطية وأما لو كانت معطوفة على الجزاء وكان مجموع الإحباط والخلود في النار مرتباً على الموت على الردة فلا نسلم تماميته ومن زعم ذلك اعترض على الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه بأن اللازم عليه حمل المطلق على المقيد عملاً بالدليلين وأجيب بأن حمل المطلق على المقيد مشروط عنده بكون الإطلاق والتقييد في الحكم واتحاد الحادثة وما هنا في السبب فلا يجوز الحمل لجواز أن يكون المطلق سبباً كالمقيد] تفسير الألوسي 1/ 505. وبعد هذا العرض لأقوال العلماء يظهر أن حمل المطلق على المقيد وجيه جداً. قال الشوكاني: [والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضع على ما في هذه الآية من التقييد] تفسير فتح القدير 1/ 218. وقال الشيخ الشنقيطي: [ومقتضى الأصول حمل هذا المطلق على هذا المقيد فيقيد إحباط العمل بالموت على الكفر وهو قول الشافعي ومن وافقه خلافاً لمالك القائل بإحباط الردة العمل مطلقاً] أضواء البيان 2/ 6. ومع وجاهة هذا القول وقوته وهو أن الحج السابق على الردة معتبر ولا يلزم إعادته فأقول خروجاً من خلاف أهل العلم أرى أن يحج هذا

الشخص مرة أخرى وقد صح في الحديث قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (دع ما يريبك إلا ما لا يريبك) رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.

الأضحية

الأضحية

الأضحية عن الأسرة الواحدة

الأضحية عن الأسرة الواحدة يقول السائل: نحن أسرة كبيرة مكونة من الوالدين وعدد من الأبناء المتزوجين وكلنا نسكن في بيت واحد ونأكل جميعاً فهل تجزىء عنا أضحية واحدة؟ الجواب: قال جمهور أهل العلم إن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت الواحد، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت، تأدى الشعار والسنة بجميعهم، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي. المغني 9/ 438 المجموع 8/ 384. ويدل على ذلك ما يلي: 1. روى الترمذي بإسناده عن عُمارة بن عبد الله قال: (سمعت عطاء بن يسار يقول: سألت أبا أيوب: (كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما ترى) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجة ومالك. قال الإمام النووي: هذا حديث صحيح. والصحيح أن هذه الصيغة تقتضي أنه حديث مرفوع. وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 203. 2. وروى ابن ماجة بإسناده عن الشعبي عن أبي سريحة - رضي الله عنه - وهو صحابي شهد الحديبية - قال: (حملني أهلي على الجفاء بعد ما

علمت من السنة. كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يُبَخِّلُنا جيراننا). قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله موثقون. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد. المستدرك 4/ 245، صحيح سنن ابن ماجه 2/ 203. 3. ومما يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (شهدتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى في المصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبشٍ فذبحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وقال: باسم الله والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي). رواه أبو داود في باب: الشاة يضحى بها عن جماعة وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 540. 4. وعن عبد الله بن هشام قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. المستدرك 4/ 255. 5. وعن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأُتِيَ به ليضحي به فقال لها: يا عائشة هلمي المدية. ثم قال: اشحذيها بحجر ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد ثم ضحى به) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما. قال النووي: [واستدل بهذا من جوَّز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته واشتراكهم معه في الثواب، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور ... ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 105 - 106. وقال الخطابي: [وفي قوله: (تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد) دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهله وإن كثروا، وروي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا يفعلان ذلك، وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد، وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة] معالم السنن 2/ 197.

أفضل أنواع الأضحية

6. ونقل ابن قدامة عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: [قلت لأبي: يُضَحَّى بالشاة عن أهل البيت؟ قال: نعم لا بأس. قد ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - كبشين فقرَّب أحدهما فقال: بسم الله اللهم هذا عن محمد وأهل بيته. وقرَّب الآخر فقال: بسم الله اللهم هذا منك ولك عمن وَحَّدَكَ من أمتي] المغني 9/ 438. وحكى عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أنه كان يضحي بالشاة فتجئ ابنته فتقول: عني، فيقول: وعنك) المغني 9/ 438. قال العلامة ابن القيم: [وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم] ثم ذكر حديث أبي أيوب السابق. زاد المعاد 2/ 323. وقال الشوكاني: [قوله: (يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته) فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت، لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهده - صلى الله عليه وسلم - والظاهر اطلاعه فلا ينكر عليهم ... والحق أنها تجزئ عن أهل البيت، وإن كانوا مئة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة] نيل الأوطار 5/ 137. وبهذا يظهر لي بأن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته، مهما كان عددهم لقوة الأدلة على ذلك. أفضل أنواع الأضحية يقول السائل: ما هو الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام؟ الجواب: اختلف الفقهاء في الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام فمنهم من قال أفضل الأضاحي هي البدنة ثم البقرة ثم الشاة. ومنهم من قال أفضلها ما كان أكثر لحماً وأطيب، ومنهم من قال أفضلها الضأن ثم البقر ثم الإبل.

والذي يظهر لي رجحان قول من قال إن الأفضل في الأضحية الغنم ثم الإبل ثم البقر وهو قول المالكية ويدل على ذلك قول الله تعالى: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) سورة الصافات الآية 107. وكان الذبح العظيم كبشاً، فالله سبحانه وتعالى وصفه بالعظيم، ولم يحصل هذا الوصف لغيره. الذخيرة 4/ 143. وقال القرطبي: [(وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)، أي ضخم الجثة سمين، وذلك كبشٌ لا جملٌ ولا بقرة] تفسير القرطبي 15/ 107. وقال ابن دقيق العيد: [وقد يستدل للمالكية باختيار النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأضاحي للغنم، وباختيار الله تعالى في فداء الذبيح] إحكام الأحكام 2/ 291. ولأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يضحي بالغنم بل بالكباش وقد ثبت ذلك في أحاديث منها: ما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد ... وأخذ الكبش فأضجعه ... ) رواه مسلم. قال الشنقيطي: [وقد تكرر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - التضحية بالغنم، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يضحي مكرراً ذلك عاماً بعد عام، إلا بما هو الأفضل في الأضحية، فلو كانت التضحية بالإبل والبقر أفضل لفعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك الأفضل] أضواء البيان 5/ 435. فعن أنس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين) رواه البخاري ومسلم. وفي قول أنس (كان يضحي) ما يدل على المداومة. وعن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به ... الخ) رواه مسلم.

حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد بكبشين ... ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة. وعن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كان إذ أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين ... الخ) رواه أحمد وابن ماجة. وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: (ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبش أقرن فحيل، يأكل في سواد، ويمشي في سواد، وينظر في سواد) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (شهدتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى بالمصلى فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبش فذبحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ... الخ) رواه أبو داود والترمذي. وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: (ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: يا ثوبان أصلح لنا لحم هذه الشاة. فما زلت أطعمه منها حتى قدمنا المدينة) رواه مسلم. وعن علي - رضي الله عنه -: (أنه كإن يضحي بكبشين أحدهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر عن نفسه. فقيل له. فقال: أمرني به يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا أدعه أبداً) رواه الترمذي وأبو داود. ومما يدل على أفضلية التضحية بالكبش، أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقتدون بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في تضحيته بالكبش، كما في حديث أنس - رضي الله عنه - السابق وفيه: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين). فهذا يدل على اتباع أنس - رضي الله عنه - للرسول - صلى الله عليه وسلم - في التضحية بالكبشين، كما يدل الحديث أيضاً على مداومة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على التضحية بالكبش.

وعن يونس بن ميسرة بن حلس قال: (خرجت مع أبي سعيد الزرقي صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شراء الضحايا. قال يونس: فأشار أبو سعيد إلى كبش أدغم ليس بالمرتفع ولا المتضع في جسمه فقال: اشتر لي هذا. كأنه شبهه بكبش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رواه ابن ماجة، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح. وصححه الشيخ الألباني ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. وعن النعمان بن أبي فاطمة - رضي الله عنه -: (أنه اشترى كبشاً أعين أقرن، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه فقال: كأنَّ هذا الكبش الذي ذبح إبراهيم. فعمد رجل من الأنصار فاشترى للنبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه الصفة، فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فضحى به) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات قاله الهيثمي. وغير ذلك من النصوص.

الأَيمان

الأيمان

كثرة حلف الأيمان يقول السائل: كثير من الناس وخاصة التجار يكثرون من الحلف في تعاملهم مع بعضهم بعضاً فتسمع التاجر يحلف والسائق يحلف وصاحب الحرفة يحلف، فما حكم هذه الأيمان؟ الجواب: إن كثرة حلف الأيمان من الناس تدل على نقصان ثقتهم بعضهم ببعض فيلجئون للحلف حتى يصدقوا فيما يقولون وهذه حال أكثر التجار فإنهم يكثرون من الأيمان ليصدقهم الناس في كلامهم. وكثرة الحلف مكروهة هذا إذا كان الحالف صادقاً قال الله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) سورة المائدة الآية 89. قال القرطبي: [أي بترك الحلف فإنكم إذا لم تحلفوا لم تتوجه عليكم هذه التكليفات] تفسير القرطبي 6/ 285. ونقل القرطبي أيضاً عن بعض المفسرين في قوله تعالى: (ولآ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة الآية 224، [بأن المعنى لا تكثروا من اليمين بالله تعالى فإنه أهيب للقلوب ولهذا قال الله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) وذمَّ من كثّر اليمين فقال الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) والعرب تمتدح بقلة الأيمان ... ] تفسير القرطبي 3/ 97.

وأما إذا كان الحالف كاذباً متعمداً للكذب فقد وقع في الحرام قال الله تعالى: (إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة آل عمران الآية 77. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كثرة الحلف في البيع والشراء ويلحق به غيرهما من وجوه التعامل بين الناس فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي قتادة الأنصاري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [وفيه النهي عن كثرة الحلف في البيع فإن الحلف من غير حاجة مكروه وينضم إليه ترويج السلعة وربما اغتر المشتري باليمين] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 220. وقال الحافظ أبو العباس القرطبي المحدّث - وهو شيخ القرطبي المفسر -: [وقوله: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للربح) الرواية: منفقة ممحقة - بفتح الميم وسكون ما بعدها وفتح مابعدها - وهما في الأصل مصدران مزيدان محدودان بمعنى: النَّفاق. والمحق أي الحلف الفاجرة تنفق السلعة وتمحق بسببها البركة فهي ذات نفاق وذات محق. ومعنى تمحق البركة أي تذهبها وقد تذهب رأس المال كما قال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) وقد يتعدى المحق إلى الحالف فيعاقب بإهلاكه وبتوالي المصائب عليه وقد يتعدى ذلك إلى خراب بيته وبلده كما روي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع) أي: خالية من سكانها إذا توافقوا على التجرؤ على الأيمان الفاجرة. وأما محق الحسنات في الآخرة فلا بد منه لمن لم يتب وسبب هذا كله أن اليمين الكاذبة يمين غموس يؤكل بها مال المسلم بالباطل. وقوله: (إياكم وكثرة الحلف فإنه ينفق ثم يمحق) إياكم معناه الزجر

والتحذير ... أي: إحذره واتقه وإنما حذر من كثرة الحلف لأن الغالب ممن كثرت أيمانه وقوعه في الكذب والفجور وإن سلم من ذلك على بعده لم يسلم من الحنث أو الندم لأن اليمين حنث أو مندمة وإن سلم من ذلك لم يسلم من مدح السلعة المحلوف عليها والإفراط في تزيينها ليروجها على المشتري مع ما في ذلك من ذكر الله تعالى لا على جهة التعظيم بل على جهة مدح السلعة فاليمين على ذلك تعظيم للسلع لا تعظيم لله تعالى وهذه كلها أنواع من المفاسد لا يقدم عليها إلا من عقله ودينه فاسد] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 4/ 522 - 523. وجاء في الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -: (أن رجلاً أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلاً من المسلمين فنزلت: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا)) رواه البخاري. وعن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم قال: فقرأها رسول الله ثلاث مرار. قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) رواه مسلم. والمسبل هو الذي يجر رداءه تكبراً واختيالاً والمنان هو الذي لا يعطي شيئاً إلا منة. وعن سلمان - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: أشيمط زان وعائل مستكبر ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه) رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 589. وجاء في رواية أخرى: (رجل اتخذ الأيمان بضاعة يحلف في كل حق وباطل) رواه الطبراني وقال الشيخ الألباني: حسن، كما في المصدر السابق. والأشيمط الزاني هو الرجل الكبير في العمر ومع ذلك يزني والعائل المستكبر هو ذو العيال المتكبر وغير ذلك من الأحاديث.

إذا حلف يمينا ثم ندم عليه

فعلى التجار أن يتقوا الله في أنفسهم وأن لا يكثروا من الأيمان. قال أبو حامد الغزالي: [ولا ينبغي أن يحلف عليه البتة فإنه إن كان كاذباً فقد جاء باليمين الغموس وهي من الكبائر التي تذر الديار بلاقع. وإن كان صادقاً فقد جعل الله عرضة لأيمانه وقد أساء فيه إذا الدنيا أخس من أن يقصد ترويجها بذكر اسم الله من غير ضرورة ... فإذا كان الثناء على السلعة مع الصدق مكروهاً من حيث أنه فضول لا يزيد في الرزق فلا يخفى التغليظ في أمر اليمين] إحياء علوم الدين 2/ 77. وأخيراً فإن التاجر إذا كثر منه الحلف فعليه أن يكثر من الصدقة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة) أي اخلطوه بالصدقة رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 640. إذا حلف يميناً ثم ندم عليه يقول السائل: إن متسولاً ألح عليه في الطلب ليتصدق عليه وإن السائل حلف يمينأً ألا يتصدق عليه ثم ندم على يمينه فماذا يصنع؟ الجواب: يقول الله تعالى: (ولآ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة الآية 224. لا يجوز للمسلم أن يجعل الأيمان حائلاً دون فعل الخيرات ومن ذلك التصدق على الفقراء والمحتاجين فيجب على السائل أن يكفر عن يمينه ثم يتصدق على ذلك المتسول إن كان مستحقاً للصدقة. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) رواه مسلم. وقد ذكر الإمام القرطبي: [أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - لما

من أحكام كفارة اليمين

وقعت حادثة الإفك حلف أبو بكر - رضي الله عنه - ألا ينفق على مسطح بن أثاثة وكان قد شارك في حادثة الإفك وكان أبو بكر - رضي الله عنه - ينفق على مسطح حيث كان ابن خالته ومن المهاجرين البدريين المساكين فنزل قول الله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة النور الآية 22. فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: والله إني لأحب أن يغفر لي، فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال أبو بكر: لا أنزعها منه أبداً. ومعنى قوله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ) أي لا يحلف مأخوذ من الألية وهي اليمين] تفسير القرطبي 12/ 207 - 208. من أحكام كفارة اليمين يقول السائل: هل يجوز للشخص أن يكفر عن يمين أو أكثر كفارة واحدة؟ وما هو مقدار الإطعام في الكفارة؟ وما هو مقدار النقود في الكفارة؟ وهل يجوز أن تعطى الكفارة لشخص واحد أم يجب تفريقها على عشرة مساكين؟ الجواب: إذا حلف المسلم يميناً ثم حنث بها فتجب الكفارة في حقه وقد صح في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حلف على يمين فرأى خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) رواه مسلم. وسواء كفر عن يمينه قبل الحنث أو بعده فإن ذلك جائز على الراجح من أقوال أهل العلم. والأصل أن الكفارة تكون عن اليمين الواحدة ولكن هنالك حالات قال الفقهاء تتداخل فيها الكفارة فتجزئ الكفارة الواحدة عن الأيمان المتعددة فمن ذلك:

إذا حلف شخص أيماناً مكررة على شيء واحد كأن يحلف قائلاً: والله لا آكل هذا الطعام، والله لا آكل هذا الطعام، والله لا آكل هذا الطعام. فإذا حنث بهذه الأيمان فتلزمه كفارة واحدة فقط على الراجح من أقوال العلماء وهذا هو القول المعتمد عند الشافعية وهو قول الحنابلة ونقل عن جماعة من الصحابة والتابعين كابن عمر رضي الله عنهما والحسن البصري وعروة بن الزبير وهو قول إسحاق بن راهويه والإمام الأوزاعي وابن حزم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. المغني 9/ 514، المحلى 6/ 312، الاستذكار 15/ 82. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: حدثت أن ابن جريج قال: حدثت أن ابن عمر قال لغلام له ومجاهد يسمع وكان يبعث غلامه ذاك إلى الشام: [إنك تزمن عند امرأتك (أي تطيل المكث) فطلقها. فقال الغلام: لا. فقال ابن عمر: والله لتطلقنها. فقال الغلام: والله لا أفعل، حتى حلف ابن عمر ثلاث مرات لتطلقنها وحلف العبد أن لا يفعل. فقال ابن عمر: غلبني العبد. قال مجاهد: فقلت لابن عمر: فكم تكفرها؟ قال: كفارة واحدة] المصنف 8/ 503 - 504، ورواه ابن حزم في المحلى 6/ 312، وقال التهانوي: سنده صحيح، إعلاء السنن 11/ 471. وقال البيهقي: [ويذكر عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقسم مراراً فكفر كفارة واحدة] سنن البيهقي 10/ 56. وروى عبد الرزاق بإسناده أن إنساناً استفتى عروة بن الزبير فقال: [يا أبا عبد الله إن جارية لي قد تعرضت لي فأقسمت أن لا أقربها ثم تعرضت لي فأقسمت أن لا أقربها ثم تعرضت لي فأقسمت أن لا أقربها، فأكفر كفارة واحدة أو كفارات متفرقات؟ قال: هي كفارة واحدة] المصنف 8/ 504 - 505. وقال التهانوي: [أخرجه ابن حزم من طريق عبد الرزاق وسنده صحيح] إعلاء السنن 11/ 472. وأما إذا حلف شخص أيماناً متعددة على أشياء متعددة كأن يقول:

والله لا أزورك والله لا أكلمك والله لا أزوجك. فهذه أيمان متعددة على أمور مختلفة فإذا حنث بها جميعاً فتلزمه عن كل يمين كفارة على الراجح من أقوال العلماء وهو قول جمهور الفقهاء. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإن حلف أيماناً على أجناس فقال: والله لا أكلت والله لا شربت والله لا لبست فحنث في واحدة منها فعليه كفارة فإن أخرجها ثم حنث في يمين أخرى لزمته كفارة أخرى ... ورواه المروزي عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم] المغني 9/ 515. ثم قال ابن قدامة: [ولنا أنهن أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى فلم تتكفر إحداهما بكفارة الأخرى] المغني 9/ 515. وأما مقدار الإطعام في الكفارة فينبغي القول أولاً بأن خصال الكفارة على التخيير كما قال الله تعالى: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) سورة المائدة الآية 89. فخصال الكفارة هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة فإذا عجز الحانث عن هذه الخصال الثلاث انتقل إلى الصوم. وأما مقدار الإطعام فقال: جمهور أهل العلم يطعم كل مسكين مداً بمقدار مدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - من غالب قوت البلد. فقد ذكر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مدً من حنطة. وروى مالك عن سليمان بن يسار أنه قال: [أدركت الناس وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مداً من حنطة بالمد الأصغر ورأوا ذلك مجزئاً عنهم] قال الحافظ ابن عبد البر: [والمد الأصغر عندهم مد النبي - صلى الله عليه وسلم -] الاستذكار 15/ 87 - 88. والمد يساوي في زماننا نصف كيلو وزيادة قليلة.

ويرى بعض العلماء أنه يكفي في الإطعام أن يطعم المساكين العشرة وجبتي غداء وعشاء. قال الإمام مالك: [إن غدى عشرة مساكين وعشاهم أجزأه] الاستذكار 15/ 89. ويجوز إخراج قيمة الطعام والكسوة في الكفارة على أرجح قولي العلماء في المسألة وهو قول الحنفية والإمام الأوزاعي إمام أهل الشام. لأن من مقاصد الكفارة بالإضافة إلى تكفير ذنب الحانث سد حاجة المسكين وسد الحاجة يقع بالقيمة كما يقع بالإطعام والكسوة بل لعل الأنفع للمسكين في زماننا أن يعطى القيمة فهي أقرب لسد حاجته فالمسكين ينتفع بالنقود أكثر من انتفاعه بالقمح أو الأرز أو الطبيخ فيستطيع المسكين أن يقضي حاجاته وحاجات أسرته ومصالحهم بالنقود. وأما إعطاء الكفارة لشخص واحد فظاهر الآية الكريمة يدل على إطعام عشرة مساكين وليس إطعام مسكين واحد وهذا قول أكثر العلماء أنه لا يجزئ إعطاء مسكين واحد بل لا بد من إطعام عشرة مساكين وقال الإمام الأوزاعي يجوز أن يعطيها لمسكين واحد. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: [إن خص بها أهل بيت شديدي الحاجة جاز بدليل أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمجامع في رمضان حين أخبره بشدة حاجته وحاجة أهله: أطعمه أهلك] متفق عليه، انظر المغني 9/ 443. وهذا الرأي يظهر لي أنه الأقوى في المسألة، فإذا أعطى الكفارة أو قيمتها لعائلة محتاجة فأرجو أن يجزئه إن شاء الله.

المعاملات

المعاملات

دفاع عن فقيه العصر الشيخ العلامة يوسف القرضاوي

دفاع عن فقيه العصر الشيخ العلامة يوسف القرضاوي يقول السائل: ما قولكم في ما نسب إلى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أنه أباح الربا وذلك في مقال نشر في إحدى المجلات الإسلامية حيث رد الكاتب على الدكتور القرضاوي وبين أنه أحلّ الربا. الجواب: قرأت المقال المشار إليه وأسفت أسفاً شديداً أن مجلة إسلامية تنشر مثل هذا المقال الذي يغلف النقد فيه بالسبّ والشتم والطعن واتهام نيات العلماء. أهكذا يكون النقد العلمي؟ هل هذا هو أدب الاختلاف؟ أهكذا يوجه الكلام إلى العلماء؟ إن العبارات النابية التي استخدمها الكاتب لا توجد في كتب الاختلاف، إنها ألفاظ نابية سوقية بذيئة لا يجوز شرعاً أن توجه لعالم جليل من علماء العصر ولا لغيره من الناس وحتى لا يظن أحد أني أبالغ فيما نسبته لكاتب المقال، أسوق بعض عباراته: قال الكاتب: [ ... الذين يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال]، [ ... لكنهم يدسون السموم لهذه الأمة بأساليب تضليلية]، [ ... والجريمة أنه يقول ... ]، [وقوله هذا ضابط جريمة أكبر ... ]، [ ... لنبين نموذجاً من خطورة فتاوى مثل هؤلاء وكيف أنهم يحكمون عقولهم في شرع الله اتباعاً

للهوى دون دليل أو شبهة دليل]، [ ... وإظهار من يخرب على المسلمين دينهم]. هذه بعض العبارات التي قالها الكاتب في حقّ الدكتور القرضاوي حفظه الله من سهام الحاقدين. وقد ألصق الكاتب بالدكتور القرضاوي أموراً لا تصدر عن طويلب علم مبتدئ فضلاً أن تصدر من طالب علم فكيف تصدر من عالم كالشيخ القرضاوي مضى عليه أكثر من نصف قرن من الزمان وهو يدعو إلى الله ويكتب ويؤلف ويعلّم ويحاضر؟! زعم الكاتب أن القرضاوي يخالف القطعيات التي هي من المحكمات غير المتشابهات؟! وزعم أن القرضاوي يعتبر عقله من مصادر التشريع وهذا كلام لا يقوله أحد ينسب إلى العلم فهو تجنٍ واضح على الشيخ، وزعم الكاتب أنه سيحاكم القرضاوي ونصب الكاتب نفسه قاضياً ومدعياً وشاهداً باسم النصوص الشرعية التي يتباكى على مخالفتها، فكان خصماً لدوداً وحكماً ظالماً وأنّى له أن يكون حكماً عادلاً وهو لا يملك شيئاً من مقومات الحَكَم العدل؟! وزعم الكاتب أنه لا يصح لأحد أن يعترض على تفنيد مثل هذه الفتاوى وإدحاضها. ثم استدل على ذلك بحديث رواه الدارقطني أنه- صلى الله عليه وسلم - قال: [من غش أمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. قالوا: يا رسول الله، ما الغش؟ قال: أن يبتدع لهم بدعة فيعملوا بها] وأقول للكاتب إن هذا الحديث ضعيف جداً لا يصلح دليلاً ومن يعترض على القرضاوي وأمثاله من العلماء لا بد أن يعرف ما يصدر منه حتى لا يحتج بما لا يصلح دليلاً، وعليه أن يراجع تخريج العراقي لإحياء علوم الدين ليرى الحكم على الحديث السابق. وقد زعم الكاتب أن الشيخ القرضاوي أباح قليل الربا اعتماداً على قول الله تعالى: (لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) وقد قوّل القرضاوي ما لم يقل وأعظَمَ الفرية على الشيخ وما قرأ الكاتب كلام الشيخ القرضاوي ولا يريد أن

يقرأ ما كتبه العلامة القرضاوي حول هذه الآية في كتابه " فوائد البنوك هي الربا الحرام " قال الشيخ القرضاوي حفظه الله تحت عنوان ربا الأضعاف المضاعفة: [ومما قيل في تبرير فوائد اليوم: إن الربا الذي حرمه القرآن هو ما كان (أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) أما الربا القليل مثل 8% أو 10% ونحوه فهذا لا يدخل في الربا المحظور. وهي شبهات أثيرت منذ أوائل هذا القرن الميلادي بدعوى الاستناد إلى الآية الكريمة من سورة آل عمران: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). ومن المعلوم لمن يتذوقون العربية ويفقهون أساليبها: أن هذا الوصف للربا (أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) إنما سيق لبيان الواقع وتبشيعه وأنهم بلغوا فيه إلى هذا الحدّ عن طريق الربا المركب المتصاعد. ومثل هذا الوصف لا يعتبر قيداً في المنع بحيث يجوز ما لم يكن أضعافاً مضاعفة. وهذا مثل أن نقول اليوم: قاوموا المخدرات القاتلة التي تقتل الإنسان من أول شمة! هذا الوصف لهذا النوع من المخدرات المنتشر في الواقع والذي فاق خطره كل خطر لا يعني إخراج الأنواع الأخرى من المخدرات عن دائرة الحظر والمقاومة بل هو تفظيع وتبشيع للواقع المؤسف حتى يعمل الجميع على تغييره. وقد جرت سنة التحريم في الإسلام أن يمنع القليل خشية الوقوع في الكثير وأن يغلق الباب الذي يمكن أن تهب منه رياح الفساد والإفساد. ثم ما هو القليل والكثير؟ وما الذي يجعل الـ 10% قليلاً؟ والـ 12% كثيراً؟ وما المعيار الذي يحتكم إليه؟ ولو أخذنا بظاهر ألفاظ الآية الكريمة لكانت الأضعاف المضاعفة ما بلغ 600% " ستمائة في المائة " كما قال شيخنا الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله. لأن كلمة " أضعاف " جمع وأقله ثلاثة فإذا ضوعفت الثلاثة - ولو مرة واحدة - كانت ستة! فهل يقول بهذا أحد؟ على أن البيان الحاسم هنا هو ما جاءت به آيات سورة البقرة وهي من أواخر ما نزل من القرآن الكريم وفيها إبطال لكلّ تعلّة. يقول تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا

خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) سورة البقرة الآيتان 278 - 279] ص 55 - 57. وزعم الكاتب أن الشيخ القرضاوي أباح قليل الربا عندما تحدث عن الشركات المساهمة التي معظم عملها في الحلال ولكنها قد تقرض وتقترض بالربا. واعتبر الكاتب أن كلام القرضاوي فيه إباحة قليل الربا فقال الكاتب في مقاله: [إنه افترض أن الربا المحرم هو الربا الكثير] وسبق كلام الشيخ القرضاوي في تحريم قليل الربا وكثيره، وفي الحقيقة إن الكاتب لم يحرر المسألة محل النزاع التي كان القرضاوي يتحدث فيها وحتى تتضح الصورة لا بد من توضيح ما يلي: أولاً: إن الشركات المساهمة التي زعم الكاتب أنها باطلة من أساسها سواء تعاملت بالربا أم لم تتعامل، إن هذا الرأي الذي يتبناه الكاتب هو الباطل بعينه وإن هذا الرأي بني على أسس واهية هي أوهى من بيت العنكبوت وإذا أراد أن يعرف حقيقة فساد وبطلان هذا القول فليرجع إلى ما كتبه الدكتور عبد العزيز الخياط في نقض هذا القول في كتابه " الشركات " وأظنه كان يتبنى هذا القول من قبل ورجع عنه. فالشركات المساهمة صحيحة عند العلماء المعاصرين ضمن الضوابط والشروط التي وضعها أهل العلم والقول ببطلانها قول شاذ وليس هذا محل بحثها. ثانياً: إن الشيخ القرضاوي تكلم عن شركات مساهمة كبيرة قائمة فعلاً مثل: شركة الكهرباء وشركة النفط وشركة الاتصالات، وهذه الشركات معظم تعاملها بالحلال ولكنها تتعامل بالربا فيرى الشيخ القرضاوي أنه ما دام معظم كسب هذه الشركات من حلال فلا بأس إن خالطه شيء من حرام أي لا ينبغي للمسلمين أن يتركوا هذه الشركات لغيرهم خاصة وأنها شركات تسيطر على مرافق أساسية في البلاد وإنما عليهم الدخول في مثل هذه الشركات لمحاولة أسلمتها، وضرب مثلاً بأحد رجال الأعمال المسلمين الذي دخل في عدة شركات واستطاع أن يغير أحوال كثير فيها. وقال الشيخ القرضاوي إنّه إذا لم نستطع أن نصل إلى أسلمة هذه الشركات فعلينا أن

نخرج ما يقابل الفوائد الربوية. وما ذهب إليه الشيخ القرضاوي في هذه المسألة ووافقه عليه عدد من العلماء المعاصرين لا يعني إباحة الربا القليل كما زعم الكاتب وادعى. وإن كان بعض العلماء قد خالفوا الشيخ فيما ذهب إليه. ثالثاً: إن ما ذكره الكاتب حول قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيه مغالطات وسوء فهم للقاعدة وبيان ذلك: أن الكاتب قال: [صحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولكن العبرة بخصوص الموضوع ... ] وكلام الكاتب الأخير يبطل العمل بالقاعدة الأصولية لأن خصوص الموضوع هو السبب الخاص الذي ورد فيه العام فإذا حصرنا العام بالموضوع الخاص فعنئذ لا نعمل بالقاعدة ونبطل مفعولها وبيان ذلك أنه قد ثبت في حديث جابر في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( ... ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أبدأ بما بدأ الله به) رواه مسلم، وفي رواية أخرى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إبدأوا بما بدأ الله به) رواه النسائي. فسبب ورود هذا الحديث كان في السعي بين الصفا والمروة وأن بداية السعي تكون بالصفا. والموضوع الذي ورد فيه الحديث هو السعي. ومع ذلك قال العلماء العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فعندما بحث العلماء مسألة الترتيب في الوضوء احتجوا بهذا الحديث مع أنه ورد في موضوع السعي وليس في الوضوء، قال الصنعاني معلقاً على إيراد الحافظ ابن حجر لهذه القطعة من حديث جابر في باب الوضوء: [وذكر المصنف هذه القطعة من حديث جابر هنا لأنه أفاد أن ما بدأ الله به ذكراً نبتدئ به فعلاً ... فإن اللفظ عام والعام لا يقتصر على سببه أعني بما بدأ الله به لأن كلمة " ما " موصولة والموصولات من ألفاظ العموم وآية الوضوء وهي قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) داخلة تحت الأمر بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ابدأوا ما بدأ الله به) فيجب البداءة بغسل الوجه ثم ما بعده على الترتيب] سبل السلام 1/ 52. فها هم العلماء يحتجون بالقاعدة المذكورة في غير الموضوع الذي وردت فيه وهذا هو

المعروف عند الأصوليين وأما قول الكاتب بأن العبرة بخصوص الموضوع فهذا كلام غير صحيح. وذكر الكاتب أيضاً: [قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ... أيصح لنا أن نقول استناداً إلى هذه الآية إن العطايا والمنح والهبات التي يقدمها الرجل لأبنائه في حياته ينبغي أن تكون للذكر مثل حظ الأنثيين ونعتمد على القاعدة " العبرة بعموم اللفظ " لأن أولادكم لفظ عام لأنه مضاف ومضاف إليه. والإضافة تفيد العموم، أيصح لنا ذلك؟ إن جعل حصة الذكر مثل حظ الأنثيين خاص بالإرث فلا ينبغي أن يتعدى ذلك ويستدل به على غير هذا الموضوع] وأقول رداً على هذا الكلام نعم يصح لنا ذلك وقد استدل العلماء بهذه الآية وأجازوا ما زعم الكاتب أنه غير جائز. ففي مسألة عطية الأب لأولاده قال جماعة من أهل العلم بأنه يجوز للأب إذا أراد أن يعطي أولاده من أمواله أن يعاملهم وفق آية المواريث فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، قال الشوكاني: [فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث] نيل الأوطار 6/ 10، وانظر الاستذكار لابن عبد البر 22/ 297، والفقه الإسلامي وأدلته 5/ 34. وبهذا يظهر لنا أن فهم الكاتب لقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فهم غير صحيح. وأخيراً أذكِّر الكاتب وأمثاله ممن يتبنون مثل هذه الأساليب في التعرض للعلماء أنّ عليهم أن يتقوا الله عزّ وجلّ وأن يتأدبوا بأدب الإسلام في التعامل مع العلماء وأن يفرقوا بين النقد العلمي وبين السبّ والشتم فالعلماء غير معصومين من الوقوع في الخطأ فنقدهم شيء وسبهم والنيل من أعراضهم شيء آخر. قال الحافظ ابن عساكر: [اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حقّ تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله

الفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية

قبل موته بموت القلب (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)]. الفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية يقول السائل: إنه سمع خطيب المسجد يقول إنه لا فرق بين البنوك الإسلامية وبين البنوك الربوية وأن البنوك الإسلامية تتحايل لأكل الربا فما قولكم في ذلك؟ الجواب: كثير من الناس يلقون الكلام جزافاً دون معرفة أو اطلاع على حقائق الأمور وأمثال هذا الكلام الذي قاله خطيب الجمعة يردده كثير من الوعاظ والعامة وبعض المنتسبين إلى العلم الشرعي من أرباع المثقفين وليس من أنصافهم الذين ما عرفوا الأسس الشرعية التي تقوم عليها فكرة البنوك الإسلامية وما عرفوا كيفية تطبيق المعاملات في البنوك الإسلامية ومن جهل شيئاً عاداه وبعض هؤلاء المعادين لفكرة البنوك الإسلامية يرفضونها لأنهم يعتبرونها ترقيعاً ويظنون أنه عندما تقوم للمسلمين دولة سيضغط الخليفة على زر فتتحول البنوك الربوية إلى بنوك إسلامية في لحظة واحدة ولكن هؤلاء واهمون ومخطئون. ولو سألت هؤلاء ما هو الحل لهذه المشكلة العظيمة التي يعاني منها العالم الإسلامي وهي هذا الطوفان الربوي الجارف فلا يحرون جواباً سديداً. والغريب في مقولة المحاربين لفكرة البنوك الإسلامية أنهم يسوون بين الحلال والحرام دونما بصر أو بصيرة ودعواهم هذه قالها المشركون قديماً كما حكى الله سبحانه وتعالى قولهم: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) وقد رد الله سبحانه وتعالى عليهم رداً قاطعاً واضحاً فقال جل جلاله: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).

وأقول لهؤلاء هل درستم نظام المعاملات في الشريعة الإسلامية دراسة واعية ودرستم كيفية تطبيق البنوك الإسلامية لمعاملاتها قبل أن تلقوا الكلام على عواهنه. إن الفكرة الأساسية التي تقوم عليها البنوك الإسلامية هي البعد عن الربا في جميع معاملاتها أخذاً وإعطاءً فكيف تسوون بينها وبين البنوك الربوية التي تقوم أكثر معاملاتها على الربا أخذاً وإعطاءً. إن البنوك الإسلامية تعلن جهاراً نهاراً أنها لا تتعامل بالربا بجميع أشكاله وتنص أنظمتها ولوائحها الداخلية على ذلك ويأتي هؤلاء ويقولون إنه لا فرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية!!؟ إن خاصية البنوك الإسلامية في عدم التعامل بالربا هي الخاصية الأساسية التي يتميز بها البنك الإسلامي عن البنك الربوي لأن الربا كما هو معلوم محرم بالنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، يقول الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أثيم إن الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َفإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة الآيات 275 - 279. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. يقول الدكتور غريب الجمال: [تشكل خاصية استبعاد الفوائد من معاملات المصارف الإسلامية المعلم الرئيسي لها وتجعل وجودها متسقاً مع البنية السليمة للمجتمع الإسلامي وتصبغ أنشطتها بروح راسية ودوافع عقائدية تجعل القائمين عليها يستشعرون دائماً أن العمل الذي يمارسونه ليس مجرد عمل تجاري يهدف إلى تحقيق الربح فحسب بل إضافة إلى ذلك أسلوب من أساليب الجهاد في حمل عبء الرسالة والإعداد لاستنقاذ الأمة من مباشرة أعمال مجافية للأصول الشرعية وفوق كل ذلك وقبله يستشعر هؤلاء العاملون

أن العمل عبادة وتقوى مثاب عليها من الله سبحانه وتعالى إضافة إلى الجزاء المادي الدنيوي] عن المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ص 192 - 193. كما أن البنوك الإسلامية توجه كل جهودها نحو استثمار المال بالحلال فمن المعلوم أن المصارف الإسلامية مصارف تنموية بالدرجة الأولى ولما كانت هذه المصارف تقوم على اتباع منهج الله المتمثل بأحكام الشريعة الغراء، لذا فإنها وفي جميع أعمالها تكون محكومة بما أحله الله وهذا يدفعها إلى استثمار وتمويل المشاريع التي تحقق الخير للبلاد والعباد والتقيد في ذلك بقاعدة الحلال والحرام التي يحددها الإسلام مما يترتب عليه ما يأتي: أ. توجيه الاستثمار وتركيزه في دائرة إنتاج السلع والخدمات التي تشبع الحاجات السوية للإنسان المسلم. ب. تحري أن يقع المنتج - سلعة كان أو خدمة - في دائرة الحلال. ج. تحري أن تكون كل مراحل العملية الإنتاجية (تمويل - تصنيع - بيع - شراء) ضمن دائرة الحلال. د. تحري أن تكون كل أسباب الإنتاج (أجور - نظام عمل) منسجمة مع دائرة الحلال. هـ. تحكيم مبدأ احتياجات المجتمع ومصلحة الجماعة قبل النظر إلى العائد الذي يعود على الفرد]. المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ص 193. ويضاف إلى ذلك ما للبنوك الإسلامية من دور هام في إحياء نظام الزكاة من خلال صندوق الزكاة وتوزيع الزكاة على المستحقين لها. وكذلك دور البنوك الإسلامية الذي لا ينكره إلا مكابر أو جاهل في بعث الروح في فقه المعاملات في الشريعة الإسلامية الذي طالما كان

مهجوراً فتوجهت همم الباحثين والدارسين لنفض الغبار عنه وبدأت الدراسات الكثيرة عن مفردات هذا النظام فحفلت المكتبة الإسلامية بمئات المؤلفات التي درست المرابحة والمضاربة والشركات والصرف وغير ذلك. وينبغي أن يعلم أن كلامي هذا عن البنوك الإسلامية لا يعني أنها بلغت الدرجة العالية في التطبيق والتنفيذ وأنها لا تخطئ وأنها كلها تسير على المنهج الشرعي بشكل تام. لا فإن البنوك الإسلامية حالها كحال الناس تماماً فكما أنك تجد في أفراد المسلمين من هو ملتزم تماماً بالحكم الشرعي وتجد فيهم من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فكذلك البنوك الإسلامية تجد بعضها لديه التزام عال بالمنهج الشرعي وبعضها يخلط الخطأ بالصواب وإن وجود الأخطاء في التطبيق لدى البنوك الإسلامية لا يعني بحال من الأحوال أن الخطأ في الفكرة والقاعدة التي تسير عليها البنوك الإسلامية ولكن وجود الأخطاء من العاملين أمر عادي جداً فالذي لا يعمل هو الذي لا يخطئ أما الذي يعمل فلا بد أن يقع منه الخطأ. وأخيراً يجب التنبيه إلى أن البنوك الإسلامية تسير في مسيرتها التي تشهد تقدماً ونجاحاً بمرور الأيام - والحمد لله - معتمدةً على أسس وقواعد وضعها عدد كبير من علماء المسلمين في هذا العصر من خلال دراسات وأبحاث ومجامع علمية وفقهية ومن خلال مؤتمرات علمية يشارك فيها خبراء في الاقتصاد بجانب علماء الشريعة كما أن لكل بنك إسلامي هيئة للرقابة الشرعية مؤلفة من أهل الخبرة والاختصاص الشرعيين والاقتصاديين لمراقبة أعمال البنك تتولى التوجيه والإرشاد والتدقيق وغير ذلك. وأختم كلامي بعبارات نيرة لأستاذنا فقيه العصر الدكتور العلامة يوسف القرضاوي حفظه الله ورعاه فقد قال: [ ... كلمة أوجهها للناقدين للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أيا كانت دوافعهم وأعتقد أن بعضهم مخلص في نقده وكلمتي إليهم تتمثل في أمور ثلاثة:

أ. أن يكونوا واقعيين ولا ينشدوا الكمال في البنوك الإسلامية وحدها في مجتمع يعج بالنواقص في كل ميدان وأن يصبروا على التجربة فهي لا زالت في بدايتها وأن يقدموا لها العون بدل أن يوجهوا إليها الطعن من أمام ومن خلف. وان يذكروا هذه الحكمة جيداً: إن من السهل أن نقول ونحسن القول ولكن من الصعب كل الصعب أن يتحول القول إلى عمل. ب. أن يقدموا حسن الظن بالناس بدل المسارعة بالاتهام للغير وسوء الظن بالآخرين وأن يتخلوا عن الإعجاب بالرأي فهو أحد المهلكات وعن الغرور بالنفس فهو أحد الموبقات وأن يذكروا قول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) سورة الحجرات الآية 12. وقول رسوله الكريم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) متفق عليه. ج. أن يذكروا أن المصارف الإسلامية - وإن كان لها بعض السلبيات وعليها بعض المآخذ - لها إيجابيات مذكورة وإنجازات مشكورة نذكر منها: 1. أنها يسرت للفرد المسلم سبيل التعامل الحلال وأراحت ضمائر المسلمين من التعامل مع البنوك الربوية. 2. زرعت الثقة والأمل في أنفس المسلمين بإمكان قيام بنوك بغير ربا وأن تطبيق الشريعة عندما تتجه الإرادة الجماعية إليه ميسور غير معسور. 3. شجعت قاعدة كبيرة من جماهير الشعوب المسلمة على الادخار والاستثمار على حين قلما تتعامل البنوك الربوية إلا مع الأغنياء. 4. هيئت فرصة مساعدة الفقراء ومساعدة المؤسسات الخيرية والجمعيات الإسلامية عن طريق صناديق الزكاة والبر والقرض الحسن.

الاقتراض بالربا للضرورة!!

5. ساهمت في تنمية الجانب التربوي الثقافي] بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية ص 86 - 87. الاقتراض بالربا للضرورة!! يقول السائل: ما قولكم فيمن اقترض قرضاً ربوياً [بالفائدة] لشراء سيارة جديدة معللاً ذلك بأن السيارة شيء أساسي في حياة الإنسان وأنه لم يجد من يقرضه قرضاً حسناً فاضطر للاقتراض بالفائدة والضرورات تبيح المحظورات؟ الجواب: لا بد أولاً من معرفة الضرورة عند العلماء وما هي المحظورات التي تباح بالضرورة لنرى هل ما فعله هذا الشخص يدخل ضمن ذلك أم لا؟ فنقول إن الشريعة الإسلامية جاءت باليسر والسماحة ودفع المشقة ورفع الحرج عن الناس. يقول الله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة البقرة الآية 173. ويقول الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة المائدة الآية 3. ويقول الله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ

لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة الأنعام الآية 145. ويقول الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) سورة الأنعام الآية 119. فهذه الآيات الكريمات بينت أن حالات الضرورة مستثناة من التحريم وبناءً على ذلك قال الفقهاء: [الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع] نظرية الضرورة الشرعية ص 67 - 68. وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات ليست على عمومها ولم يقل أحد من أهل العلم أن كل محظور يباح عند الضرورة. فالضرورة لا تدخل في كل الأمور المحرمة بمعنى أن هنالك محرمات لا تباح بالضرورة كالقتل فلا يباح قتل المسلم بحجة الضرورة فلا يجوز لمسلم أن يقتل مسلماً ولو كان مضطراً أو مكرهاً لأن قتل النفس لا يباح إلا بالحق يقول الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) سورة الإسراء الآية 33. فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للمسلم أن يقدم على قتل غيره بحجة الضرورة. وكذلك فإن الزنا لا يباح بحجة الضرورة فلا يحل لمسلم أن يزني بحجة الضرورة ولو كان مكرهاً. ولكن يجوز أكل الميتة وأكل لحم الخنزير في حال الاضطرار وكذا إساغة اللقمة بالخمر عند الغصة أو عند العطش الشديد أو عند الإكراه الملجىء فهذه الأمور ونحوها تباح عند الضرورة. وقد ذكر الفقهاء قديماً وحديثاً قواعد وضوابط للضرورة منها: أن

يحصل فعلاً خوف الهلاك أو التلف على النفس أو المال وذلك بغلبة الظن. أو يتحقق المرء من وجود خطر حقيقي على إحدى الضرورات الخمس وهي الدين والنفس والعرض والعقل والمال ومنها ألا يتمكن الشخص من دفع الضرورة بوسيلة أخرى من المباحات. ومنها أن الضرورة تقدر بقدرها فلا يصح التوسع في باب الضرورات فيقتصر المضطر على الحد الأدنى لدفع الضرر. نظرية الضرورة الشرعية ص 69 - 70. إذا تقرر هذا فأقول: إنه لا يجوز شرعاً الاقتراض بالربا لشراء السيارة لأن اقتناء السيارة ليس من باب الضرورة التي تبيح الحرام " الربا ". لا شك أن السيارة حاجة مهمة في الحياة ولكن لا يصل الحال إلى اعتبارها من الأمور الضرورية التي يتوقف عليها حفظ إحدى الضروريات الخمس فكم من الناس لا يملكون سيارة وحياتهم تسير بشكل طبيعي. فلا يجوز شرعاً أن نبيح الربا باسم الضرورة وخاصة إذا كانت هذه الضرورة متوهمة وليست حقيقية كما هو الحال في شراء سيارة جديدة بقرض ربوي باسم الضرورة. قال الشيخ المودودي: [لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا. فإن التبذير في مجالس الزواج ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية. وكذلك شراء السيارة أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية وكذلك ليس استجماع الكماليات أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضروري. فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. فإذا كانت الشريعة تسمح بإعطاء الربا في حالة من الاضطرار فإنما هي حالة قد يحل فيها الحرام كأن تعرض للإنسان نازلة لا بد له فيها من

الاستقراض بالربا أو حلت به مصيبة في عرضه أو نفسه أو يكون يخاف خوفاً حقيقياً حدوث مشقة أو ضرر لا قبل له باحتمالها ففي مثل هذه الحالات يجوز للمسلم أن يستقرض بالربا ما دام لا يجد سبيلاً غيره للحصول على المال غير أنه يأثم بذلك جميع أولي الفضل والسعة من المسلمين الذين ما أخذوا بيد أخيهم في مثل هذه العاهة النازلة به حتى اضطروه لاستقراض المال بالربا. بل أقول فوق ذلك أن الأمة بأجمعها لا بد أن تذوق وبال هذا الإثم لأنها هي التي غفلت وتقاعست عن تنظيم أموال الزكاة والصدقات والأوقاف مما نتج عنه أن أصبح أفرادها لا يستندون إلى أحد ولم يبق لهم من بدّ من استجداء المرابين عند حاجاتهم. لا يجوز الاستقراض حتى عند الاضطرار إلا على قدر الحاجة ومن الواجب التخلص منه ما استطاع الإنسان إليه سبيلاً لأنه من الحرام له قطعاً أن يعطي قرشاً واحداً من الربا بعد ارتفاع حاجته وانتفاء اضطراره. أما: هل الحاجة شديدة؟ .. أم لا .. ؟ وإذا كانت فإلى أي حدّ؟ .. ومتى قد زالت؟ فكل هذا مما له علاقة بعقل الإنسان المبتلى بمثل هذه الحالة وشعوره بمقتضى الدين والمسؤولية الأخروية. فهو على قدر ما يكون متديناً يتقي الله ويرجو حساب الآخرة يكون معتصماً بعروة الحيطة والورع في هذا الباب] الربا ص 157 - 158. وأخيراً يجب أن يعلم أن كثيراً من الناس يدخلون إلى الربا الحرام من باب الضرورة كما يزعمون وهذه دعوى باطلة كما بينت فالربا محرم بالنص القطعي من كتاب الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة الآية 275 - 279. وقد صح في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم.

كل قرض جر نفعا فهو ربا

كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا يقول السائل: ما معنى الحديث: (كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا) وهل يدخل فيه أي منفعة صارت إلى المقرض مهما كانت؟ الجواب: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروي بلفظ آخر وهو: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قرض جر منفعة) فقد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 34. ورواه البيهقي في السنن 5/ 350، بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/ 169 والحديث ضعيف، ضعفه ابن حجر كما سبق وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 235. ومعنى الحديث صحيح ولكن ليس على إطلاقه، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. وأما إذا لم يشترط ذلك فرد المقترض للمقرض القرض وهدية مثلاً بدون شرط سابق فهذا جائز ولا بأس به، بل هو من باب مكافأة الإحسان بالإحسان وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم أحسنكم قضاء) رواه البخاري ومسلم. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد ضحى فقال: صل ركعتين وكان لي عنده دين فقضاني وزادني) رواه البخاري. ومن هذا يتبين لنا أن المنفعة التي يجرها القرض تكون محرمة إذا كانت مشروطة وينطبق عليها كل قرض جر منفعة فهو ربا.

تحديد مقدار الربح مسبقا في المصارف الإسلامية

ويلحق بالمنفعة المشروطة الهدية أو المنفعة التي يقدمها المقترض للمقرض قبل السداد. ولم تجر العادة في التهادي بينهما ففيها شبه بالربا وقد ورد في آثار عن الصحابة المنع من ذلك. فقد روى البخاري عن أبي بردة قال: (أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لي: ألا تجيء إلى البيت حتى أطعمك سويقاً وتمراً فذهبنا فأطعمنا سويقاً وتمراً، ثم قال: إنك بأرض الربا فيها فاش - أي منتشر - فإذا كان لك على رجل دين فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تقبله فإن ذلك من الربا). وعن سالم بن أبي الجعد قال: (كان لنا سماك عليه لرجل خمسون درهماً فكان يهدي إليه السمك فأتى ابن عباس فسأله عن ذلك؟ فقال: قاصه بما أهدى إليك) رواه البيهقي وقال الألباني إسناده صحيح. وله رواية أخرى: (أن ابن عباس قال في رجل كان له على رجل عشرون درهماً فجعل يهدي إليه وجعل كلما أهدى إليه هدية باعها حتى بلغ ثمنها ثلاثة عشر درهما فقال ابن عباس: لا تأخذ منه إلا سبعة دراهم) سنن البيهقي 5/ 349 - 350 وقال الألباني إسناده صحيح. إرواء الغليل 5/ 234. تحديد مقدار الربح مسبقاً في المصارف الإسلامية يقول السائل: هل يجوز شرعاً تحديد مقدار الربح مسبقاً للمستثمرين في المصارف الإسلامية بنسبة مئوية ثابتة وهل يعتبر هذا التحديد من الربا؟ الجواب: كثير من الاستثمارات التي تقوم بها المصارف الإسلامية والتي يستثمر فيها المستثمرون من غير المساهمين في البنك هي في حقيقتها عقد مضاربة حيث إن المستثمر أو المستثمرين هم أصحاب الأموال والمصرف الإسلامي هو العامل. والمضاربة جائزة شرعاً باتفاق الفقهاء وقامت الأدلة العامة على مشروعيتها من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو المأثور عن الصحابة والتابعين

رسوم خدمات القروض

فقد كانوا يتعاملون بها من غير نكير فهذا بمثابة الإجماع على جوازها. انظر الشركات للخياط 2/ 53. ومن شروط عقد المضاربة أن يتم الاتفاق على تحديد نصيب كل من الشريكين أو الشركاء من الربح نصاً صريحاً يمنع النزاع والخلاف وليكون كل منهم على بصيرة من الأمر. وقال الفقهاء: لا بد أن يكون الربح نصيباً شائعاً كأن يكون مثلاً ربعاً أو ثلثاً أو نصفاً. قال ابن المنذر: [أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوماً جزءاً من أجزاء] المغني 5/ 23. وحساب الربح بالنسبة المئوية جائز شرعاً ولا بأس به وهو بمعنى حساب الربح بالربع أو الثلث أو النصف، فإن الربع يساوي 25% والثلث 33% وهكذا ولا مانع مطلقاً من حساب الربح بالنسبة المئوية وما يظنه كثير من الناس أن حساب الربح بالنسبة المئوية هو من باب الربا غير صحيح ويرجع هذا الظن الخاطىء إلى تعامل الناس مع البنوك الربوية التي تحسب فوائدها بالنسبة المئوية كأن يقترض شخص من البنك الربوي عشرة آلاف دينار لمدة سنتين فيقال له إن عليك فائدة بنسبة 9% مثلاً وفي الحقيقة والواقع أن حساب المصارف الإسلامية للأرباح بالنسبة المئوية ليس له علاقة بالربا ولا بمعدلات الفائدة الربوية. رسوم خدمات القروض يقول السائل: هنالك إحدى المؤسسات تقدم قروضاً لمشاريع صغيرة لتوسيعها وتطويرها وجاء في النشرة التي تصدرها المؤسسة المذكورة تحت عنوان: [فوائد ورسوم القروض بأنهم لا يأخذون أية فائدة أو رسوم ولكن

الأشخاص الذين يحصلون على القروض يدفعون رسوم خدمات وهذه الرسوم تختلف تبعاً لحجم وشروط القرض] فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لقد صار شائعاً عند كثير من المتعاملين بالربا التلاعب بالألفاظ والعبارات محاولةً منهم لتغيير الحقائق والمسميات بتغيير أسمائها فقط فالربا يسمى فائدة ويسمى رسم خدمات كما في السؤال وتغيير الأسماء لا يغير من حقائق المسميات شيئاً وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا التلاعب من تغيير الناس لأسماء المحرمات كما جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في غاية المرام ص 24، وفي السلسلة الصحيحة 1/ 136. وجاء في رواية أخرى: (إن ناساً من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه الحاكم والبيهقي وله شواهد تقويه، وقد صدق الصادق المصدوق فإن الخمور تسمى في زماننا بالمشروبات الروحية. وروي في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (يأتي على الناس زمان يستحلون الربا باسم البيع) ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/ 352، وضعفه الشيخ الألباني في غاية المرام ص 25 ثم قال: [ ... معنى الحديث واقع كما هو مشاهد اليوم]. والملاحظ في السؤال أن ما سموه رسم خدمات يختلف مقداره تبعاً لحجم القرض وشروطه وهذه إشارة واضحة إلى أنه ربا لأنه لو كان رسماً للخدمات فعلاً لما اختلف مقداره باختلاف حجم القرض وشروطه إذ أن الخدمات التي تؤدى لمن يقترض ألفاً هي ذاتها الخدمات التي تؤدى لمن يقترض عشرة آلاف ولكنه التلاعب ومحاولة تغيير الأسماء ليخدع الناس ويظنوا أن ذلك لا شيء فيه ويجب أن يعلم أن هذه الرسوم هي ربا وإن غيرت أسماؤها لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا.

الوفاء بالوعد

الوفاء بالوعد يقول السائل: ما حكم الوفاء بالوعد في الشريعة الإسلامية؟ الجواب: إن كثيراً من النصوص من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمرت بالوفاء بالوعد وحثت على ذلك وذمت من لم يف بوعده فمن هذه النصوص قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) سورة المائدة الآية 1. فهذه الآية الكريمة تأمر بالوفاء بالعقود والوعد داخل في ذلك. قال الزجاج: [المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم مع بعضكم مع بعض] نقله عنه القرطبي في تفسيره 6/ 33. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) سورة الصف الآية 3. وهذه الآية من أشد الآيات في وجوب الوفاء بالوعد لأنها تضمنت الذم الشديد لمن لم يف بما يعد. قال القرافي: [والوعد إذا أخلف قول لم يفعل فيلزم أن يكون كذباً وأن يحرم إخلاف الوعد مطلقاً] الفروق 4/ 20. وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) سورة النحل الآية 91. وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) سورة الإسراء الآية 34. كما أن الله سبحانه وتعالى ذم بعض المنافقين الذين لم يفوا بوعودهم كما في قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْءَاتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّاءَاتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) سورة التوبة الآيات 75 - 77. كما أن الله سبحانه وتعالى مدح الموفين بعهودهم ووعودهم وأثنى عليهم كما في قول الله تعالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) سورة البقرة الآية 177.

وقال تعالى: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) سورة النجم الآية 37. ومدح الله سبحانه وتعالى إسماعيل بقوله: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) سورة مريم الآية 54. وورد في السنة النبوية ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد فمن ذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اله - صلى الله عليه وسلم - قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى عند مسلم: (من علامات المنافق ثلاث ... ). وفي رواية ثالثة عند مسلم أيضاً: (آية المنافق ثلاث ... وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم). وجاء في حديث آخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث عن عبد الله بن عامر - رضي الله عنه - قال: (دعتني أمي يوماً ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في بيتها فقالت: تعال أعطك. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أردت أن تعطيه؟ فقالت: أعطيه تمراً. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة) رواه أبو داود وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 943، وفي السلسة الصحيحة 2/ 384. وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستعيذ في صلاته كثيراً من المأثم والمغرم - الإثم والدين - فقيل له: يا رسول الله، ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم - أي استدان - حدث فكذب ووعد فأخلف) رواه البخاري. وبعد عرض هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية أقول إن أهل

العلم اختلفوا في حكم الوفاء بالوعد فمنهم من قال بأنه مندوب ومنهم من قال بأنه واجب ومنهم من قال بالتفصيل ففي حالات يجب الوفاء وفي أخرى يندب. والذي أميل إليه وأختاره وجوب الوفاء بالوعد ديانة وقضاء وهذا قول جماعة من أهل العلم منهم جماعة من فقهاء السلف كالفقيه المعروف ابن شبرمة والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والقاضي سعيد بن الأشوع وإسحاق بن راهويه وغيرهم. قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب من أمر بإنجاز الوعد وفعله الحسن - (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) - وقضى ابن الاشوع بالوعد وذكر ذلك عن سمرة. وقال المسور بن مخرمة سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر صهراً له فقال: وعدني فوفاني. قال أبو عبد الله - أي البخاري - رأيت إسحاق بن إبراهيم يحتج بحديث ابن أشوع] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 6/ 217 - 218. ثم ساق البخاري أربعة أحاديث في الوفاء بالوعد منها قصة أبي سفيان مع هرقل وفيه: (سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. قال: وهذه صفة نبي). ثم ذكر حديث أبي هريرة السابق في علامات المنافق ثم ذكر حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء أبا بكر مالٌ من قبل العلاء بن الحضرمي. فقال أبو بكر: من كان له على النبي - صلى الله عليه وسلم - دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا. قال جابر: فقلت: وعدني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا فبسط يديه ثلاث مرات. قال جابر: فعدَّ في يدي خمسمئة ثم خمسمئة ثم خمسمئة). ثم ذكر حديث ابن عباس في قصة وفاء موسى عليه السلام بوعده لوالد الفتاتين. فهذه الأدلة وغيرها تدل على وجوب الوفاء بالوعد. وقد ذكر الحافظ السخاوي تفصيلاً أكثر من هذا في كتابه القيم " التماس السعد في الوفاء بالوعد " وبين قوة هذا القول فقال في مقدمة كتابه: [وبعد،

المواعدة على الصرف

فهذا تصنيف لطيف سميته التماس السعد في الوفاء بالوعد، جمعت فيه ما تيسر لي الوقوف عليه من الأحاديث والآثار ومناسبات الأشعار وافتتحته بآية في المعنى مع طرف من تفسيرها الأسنى ليتوافق دليل السنة والكتاب ويظهر قوة من جنح في ذلك للوجوب من الأصحاب] التماس السعد في الوفاء بالوعد ص 30. ومن لطيف ما ذكره الحافظ السخاوي: [أن مطرفاً بن عبد الله الشخير وكان من فضلاء السلف سمع رجلاً يقول: أستغفر الله وأتوب إليه. فأخذ بذراعه وقال: لعلك لا تفعل من وعد فقد أوجب]. وذكر أيضاً: [أنه قيل لبعض الصالحين وقد أصبح صائماً تطوعاً: أفطر فإن المتطوع أمير نفسه. فقال: إني لأستحي من ربي عز وجل أن أعده وعداً وهو أن أصوم ولا أوفي له بوعدي] التماس السعد ص 57 - 58. ومن كلمات السلف: [الوعد سحابة والإنجاز مطر وأحسن المواعيد ما صدقه الإمطار] التماس السعد ص 96. وأخيراً ينبغي أن يقال إن الأخذ بقول من أوجب الوفاء بالوعد يضبط معاملات الناس وخاصة في الأمور المالية وقد أخذت كثير من المصارف الإسلامية التي تتعامل وفق الأحكام الشرعية بمبدأ الإلزام بالوعد لما في ذلك من ضبط للمعاملات المالية. المواعدة على الصرف يقول السائل: هل يجوز شرعاً أن أتفق مع شخص على أن أبيعه عشرة آلاف دولار بما يعادلها من الدنانير بالسعر الحاضر على أن يتم التسليم والاستلام بعد شهرين؟ الجواب: هذه العملية تسمى مواعدة على الصرف وهي محل خلاف

بين أهل العلم قديماً وحديثاً، ومن المعروف أن الصرف هو بيع الثمن بالثمن جنساً بجنس أو بغير جنس. وشروط الصرف تقابض البدلين في مجلس العقد وأن يخلو عقد الصرف من الأجل ومن خيار الشرط لأنه يخل بالقبض كما قرر ذلك جمهور الفقهاء. انظر الموسوعة الفقهية 24/ 348 فما بعدها. وبناءً على اشتراط عدم التأجيل في عقد الصرف اختلف الفقهاء في جواز المواعدة على الصرف والذي أميل إليه وأطمئن إليه هو جواز المواعدة على الصرف على أن تكون المواعدة غير لازمة. فإذا تواعد شخصان على المصارفة بعد ستة أشهر مثلاً بأن حدَّدا نوع العملة وسعرها اليوم واتفقا على أن يتم التقابض عندما يحل الأجل وعندما حل الأجل عقد الطرفان عقداً جديداً وتم التسليم والاستلام فهذا العقد جائز ولا بأس به حيث إن المواعدة في هذه الحال ليست لازمة. وأما إن كانت المواعدة لازمة في عقد الصرف فلا تصح المعاملة لأن كلاً من الطرفين يكون ملزماً بتنفيذ الوعد عند حلول الأجل ولا يحتاج إلى إنشاء عقد جديد فحينئذ يكون ذلك بمثابة عقد صرف تأخر فيه تقابض البدلين وتقابض البدلين قبل التفرق شرط لصحة عقد الصرف ولا عبرة بتسمية اتفاقهم الأول مواعدة إذ العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني. وقد قال بجواز هذه المعاملة الإمام الشافعي وابن حزم الظاهري وابن نافع من المالكية وبعض العلماء المعاصرين. قال الإمام الشافعي: [وإذا تواعد الرجلان الصرف فلا بأس أن يشتري الرجلان الفضة ثم يقرانها عند أحدهما حتى يتبايعاها ويصنعا بها ما شاءا] الأم 3/ 32. وقال ابن حزم: [والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة وفي بيع الفضة بالفضة وفي سائر الأصناف الأربعة بعضها ببعض جائز تبايعا بعد ذلك

أو لم يتبايعا لأن التواعد ليس بيعاً. وكذلك المساومة أيضاً جائزة - تبايعا أو لم يتبايعا - لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك وكل ما حرم علينا فقد فصل باسمه قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ). فكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال بنص القرآن إذ ليس في الدين إلا فرض أو حرام أو حلال فالفرض مأمور به في القرآن والسنة والحرام مفصل باسمه في القرآن والسنة وما عدا هذين فليس فرضاً ولا حراماً بالضرورة حلال إذ ليس هنالك قسم رابع - وبالله التوفيق] المحلى 76/ 465 - 466. وقال الشيخ العدوي: [ ... وأما لو أراد أن يعقدا بعد ذلك فلا ضرر كأن يقول له سر بنا إلى السوق بدراهمك فإن كانت جياداً تصارفنا أي أوقعنا عقد الصرف بعد ذلك يوافقه الآخر فلا ضرر فيه] حاشية العدوي على شرح الخرشي على مختصر خليل 5/ 38. وقد أجازت المواعدة على الصرف عدد من الهيئات العلمية الشرعية فقد جاء في فتاوى ندوات البركة ما يلي: 1. ما هو الرأي في المواعدة بشراء العملات مختلفة الجنس بسعر يوم الاتفاق " يوم المواعدة " على أن يكون تسليم كل من البدلين مؤجلاً لكي يتم التبادل في المستقبل يداً بيد وذلك في حالة كون مثل هذه المواعدة ملزمة وحالة كونها غير ملزمة؟ الفتوى: إن هذه المواعدة إذا كانت ملزمة للطرفين فإنها تدخل في عموم النهي عن بيع الكالئ بالكالئ " بيع الدين بالدين " فلا تكون جائزة وإذا كانت غير ملزمة للطرفين فإنها جائزة. فتاوى ندوات البركة ص 28. 2. ما حكم المواعدة في صرف العملات؟ الفتوى: يؤكد على ما جاء في قرارات المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت في مارس 1983 من أن المواعدة في بيع العملات مع تأجيل الثمن جائزة إذا كانت المواعدة غير ملزمة " هذا رأي الأغلبية " أما

المواعدة إذا كانت ملزمة فهذه المعاملة غير جائزة شرعاً. فتاوى ندوات البركة ص 107. وجاء في الفتاوى الشرعية للبنك الإسلامي الأردني السؤال التالي: [تسهيلاً لحجاج بيت الله الحرام ترغب وزارة الأوقاف بأن يتفق البنك الإسلامي الأردني معها لبيعها ريالات سعودية بسعر محدد مسبقاً - اليوم مثلاً - خلال فترة مستقبلية محددة - ستين يوماً من تاريخه مثلاً - على أن تقوم وزارة الأوقاف بتسليم البنك خلال أي يوم من الستين يوماً ثمن الريالات السعودية بالدنانير الأردنية وأن يقوم البنك في ذات اليوم بتسليمها شيكاً بالريالات السعودية محسوباً على أساس السعر المحدد سابقاً لهذه الغاية - والذي قد يزيد أو يقل عن سعر صرف الريال في ذلك اليوم - فهل يجوز شرعاً السير في هذه المعاملة؟ الجواب: إن الاتفاق على تبادل العملات مختلفة الأجناس بسعر يحدد حين الاتفاق على أن يتم التسليم والتسلم من قبل البنك والوزارة في وقت واحد على أساس السعر المتفق عليه سابقاً بغض النظر عن سعر العملة يوم التنفيذ يشمله ما جاء في نيل الأوطار من أن مذهب الحنفية والشافعية أنه يجوز التبادل بسعر يومها وأغلى وأرخص وإن هذا الاتجاه وإن كان يخالف ما جاء في حديث ابن عمر الذي يتضمن الإجازة بسعر يومها إلا أنه يظهر أن الأمامين أخذا بالحديث العام وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) وعليه فإني أوافق على السير في معاملة الاتفاق على الوجه المشروح عملاً برأي الحنفية والشافعية المشار إليه والله سبحانه وتعالى أعلم] فتاوى البنك الإسلامي الأردني 2/ 10 - 11. وجاء في فتاوى بيت التمويل الكويتي: [ما الرأي الشرعي في مدى جواز الاتفاق على بيع أو شراء العملة وبسعر يتفق عليه مقدماً على أن تنفذ العملية في زمن لاحق ويكون التسليم والاستلام بالنقد في وقت واحد؟ الجواب: مثل هذه المعاملة تعتبر وعداً بالبيع فإن أنفذاه على الصورة الواردة في السؤال فلا مانع شرعاً والله أعلم.

وزيادة في إيضاح هذه المسألة أقول: إن تنفيذ هذا الوعد على الصورة الواردة في السؤال يكون مشروعاً ولكنه إذا اقترن الوعد بما يدل على أنه عقد بيع بأن دفع بعض الثمن دون بعض فيكون من قبيل بيع الكالئ بالكالئ " المؤجل بالمؤجل " وهو ممنوع مطلقاً ولا سيما في عقد الصرف الذي يشترط لصحته تقابض كلا البدلين في مجلس العقد ويعتبر اشتراط التأجيل مفسداً له عند جميع الأئمة] فتاوى بيت التمويل 1/ 203. ومما يدل على جواز هذه المعاملة أن المواعدة في الصرف خارجة عن نطاق النصوص التي تحرم تأخير تسليم العوضين أو أحدهما لأن المراد من هذه النصوص النهي عن قبض أحد العوضين فقط دون الآخر لأن ذلك يؤدي إلى ربا النسيئة فوجود الفترة الزمنية بين قبض أحد العوضين وتأجيل قبض الآخر هو الذي أوجد الربا وهذه الصورة لا خلاف في تحريمها وهي تختلف عن المواعدة في الصرف في أن المواعدة في الصرف لا يحصل فيها تسليم أحد البدلين وتأجيل الآخر وإنما يكون فيها التسليم والتسلم في المستقبل معاً فليس هناك تسليم مسبق وتأجيل بل التسليم يتم في الموعد المحدد في نفس اللحظة التي يتم فيها تسليم العملة المحلية يتم تسلم العملة الأجنبية وما يتم حين التواعد هو تحديد السعر الذي يتم على أساسه هذا التسليم في المستقبل وليس إنشاء عقد الصرف. أحكام صرف النقود والعملات في الفقه الإسلامي ص 123. وهذه المعاملة تحقق مصلحة للمتعاملين بها كما أنه ليس في هذه العملية ما يقضي بحرمتها لانتفاء الغرر والجهالة والربا، غاية ما في الأمر أن العميل يطمئن من خلال هذه العملية أنه سيحصل على المبلغ الذي يريده في زمن محدد، يقول الدكتور سامي حمود: [وإذا نظرنا إلى واقع الحال بالنسبة لما تؤديه العملية من خدمة للمستورد في حال المواعدة على الشراء وللمصدِّر في حال المواعدة على البيع نجد أن اطمئنان كل من المستورد لما سيدفعه من ثمن والمصدر لما سيقتضيه أمر له اعتباره، أما المصرف فإنه إذا كانت لديه عمليات واسعة فإنه يستطيع أن يوازن بين المواعدة بالبيع مع

حكم بيع الحلي الذهبية القديمة بجديدة

المواعدة بالشراء] تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية ص 320، أحكام صرف النقود والعملات ص 126. وخلاصة الأمر أن هذه المعاملة جائزة شرعاً بشرط أن تكون المواعدة غير لازمة. حكم بيع الحلي الذهبية القديمة بجديدة يقول السائل: كثير من النساء عندما يردن بيع الحلي الذهبية القديمة التي لديهن يذهبن إلى الصائغ فيعطينه الذهب القديم ويأخذن ذهباً جديداً ويدفعن فرق السعر، فما حكم ذلك؟ الجواب: هذا البيع باطل ولا يجوز شرعاً لأنه يشترط في بيع الذهب بالذهب أمران أولهما اتحاد الوزن أي التساوي في الوزن والثاني التقابض في مجلس البيع والشراء وفي صورة السؤال فإن الذهب الجديد لم يساو الذهب القديم في الوزن حيث إنه تم دفع الفرق في السعر بينهما. وحتى يكون هذا البيع صحيحاً فإن المرأة تبيع الذهب القديم إلى الصائغ بالسعر الذي يتم الاتفاق عليه وتقبض الثمن ثم تشتري منه ذهباً جديداً بالسعر الذي يتم الاتفاق عليه والأولى والأفضل أن تبيع المرأة الذهب القديم إلى الصائغ وتقبض الثمن ثم تذهب إلى السوق فتطلب حاجتها من الذهب من غيره من الصاغة فهذا أحسن كما ذهب إليه الإمام أحمد. المغني 4/ 42 وقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض - أي لا تزيدوا - ولا تبيعوا الورق - الفضة - بالورق إلا مثلاً بمثل بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق

بالورق إلا سواء بسواء)، قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك وسواء الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه] شرح النووي على مسلم 4/ 195. وقال ابن قدامة المقدسي: (والجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل وهذا قول أكثر أهل العلم) المغني 4/ 8. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا) رواه مسلم. وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن) رواه مسلم. ويؤخذ من هذه الأحاديث وغيرها أن الأموال الربوية أي التي يجري فيها الربا لا يجوز بيع بعضها ببعض إلا إذا تساوى الوزن وتم القبض في مجلس العقد. فلا يصح بيع الرديء منها بالجيد مع اختلاف الوزن وكذلك القديم بالجديد ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (بعث أخا عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب - أي جيد - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع - تمر رديء -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تفعلوا ولكن مثلاً بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (فلا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً). ويدل على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث عن أبي سعيد قال: (جاء

استلام الشيك الحال بمثابة قبض النقود

بلال بتمر برني - تمر جيد - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أين هذا؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوه عين الربا لا تفعل لكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا). وخلاصة الأمر أن الصحيح في هذه المعاملة أن يباع الذهب القديم بالنقود وبعد قبضها من الصائغ يشترى الذهب الجديد ولا ينبغي أن يكون هنالك تواطئ على العقدين والأفضل هو بيع القديم لصائغ وشراء الجديد من صائغ آخر. استلام الشيك الحالّ بمثابة قبض النقود يقول السائل: هل استلام الشيك في الصرف يعتبر بمثابة قبض النقود وما حكم أخذ العمولة على الشيكات الحالة والمؤجلة وما تعليقكم على ما جاء في إحدى الفتاوى التي نشرت في جريدة القدس من منع استعمال الشيك في عمليات الصرف وعدم جواز دفع العمولة عليها؟ الجواب: إن الأصل في نظام المعاملات في الشريعة الإسلامية الإباحة مع الإلتزام بالقواعد العامة الحاكمة لنظام المعاملات المالية الشرعية وإن التطور الملموس الذي ظهر في باب المعاملات المالية يحتاج إلى دراسة وبحث لصور المعاملات المالية الحديثة على ضوء القواعد الشرعية وينبغي التروي في إصدار الأحكام ودراستها دراسة عميقة ومن المعروف أن التعامل بالشيكات صار من الأمور المشهورة والمعروفة والتي لا يستغني عنها الناس في معاملاتهم المالية والشيك عبارة عن أمر من العميل إلى المصرف ليدفع إلى شخص ثالث المبلغ المدون في الشيك من حسابه الجاري في المصرف. المصارف الإسلامية ص 314.

والشيكات على أنواع وأشكال مختلفة ولا يتسع المقام للحديث عن تفاصيل ذلك ولكن سأذكر حكم استعمال الشيك في الصرف وهل يقوم استلام الشيك مقام قبض المبلغ في الصرف لأنه من المعلوم فقهاً أنه يشترط لصحة عقد الصرف تقابض البدلين في المجلس فإذا ما تصارف اثنان أحدهما لديه ألف دينار مثلاً ويريد أن يصرفها إلى دولارات فدفع الأول الألف دينار للصراف فأعطاه الصراف شيكاً حال الأجل بالدولارات التي تقابل الدنانير فهل عملية الصرف هذه صحيحة أم لا؟ الجواب: إذا نظرنا إلى حقيقة التعامل بالشيكات وأن منزلتها لا تقل عن منزلة التعامل بالأوراق النقدية وإذا اشترطنا في الشيك الحلول بمعنى أن يكتب تاريخ الشيك في تاريخ المصارفة وأن يكون المبلغ المكتوب فيه محدداً فإنه يجوز استعمال الشيك في هذه الحالة ويعتبر استلام الشيك بمثابة قبض المبلغ المدون فيه فقبض الشيك في هذه الحالة يقوم مقام قبض بدل الصرف ذاته. يقول الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله: [فإذا نظرنا إلى أن الشيكات تعتبر في نظر الناس وعرفهم وثقتهم بمثابة النقود الورقية وأنها يجري تداولها بينهم كالنقود تظهيراً وتحويلاً وأنها محمية في قوانين جميع الدول من حيث أن سحب الشيك على بنك ليس للساحب فيه رصيد يفي بقيمة الشيك المسحوب يعتبر جريمة شديدة تعاقب عليها قوانين العقوبات في الدول جميعاً، إذا نظرنا إلى هذه الاعتبارات يمكن القول معها بأن تسليم المصرف الوسيط شيكاً بقيمة ما قبض من طالب التحويل يعتبر بمثابة دفع بدل الصرف في المجلس أي أن قبض ورقة الشيك كقبض مضمونه فيكون الصرف قد استوفى شريطته الشرعية في التقابض] أحكام صرف النقود والعملات ص 101. وبهذا يتضح لنا أن إعطاء شيك حال بمنزلة التقابض في المجلس فلا مانع من ذلك شرعاً وأما أخذ العمولة على الشيكات المؤجلة كأن تكون قيمة الشيك ألف دينار مثلاً وتاريخ الشيك بعد شهرين فيذهب حامل الشيك

إلى الصراف فيعطيه 950 ديناراً فأرى أن هذه الصورة ممنوعة شرعاً لاشتمالها على الربا. وأما إذا كان الشيك حالاً فلا مانع من أخذ العمولة عليه كما جرت عادة المصارف والصرافين من خصم 1% مثلاً على الشيك فهذه الصورة تخرج على أنها وكالة والوكالة تجوز بأجر وبدون أجر فهذه العملية ظاهر فيها الجواز شرعاً لأن العمولة التي يأخذها البنك هي أجرة له على التحصيل فهو وكيل مفوّض من قبل أصحاب هذه الأوراق علماً أن تحصيلها يتطلب جهداً كبيراً من البنك ويكلفه مصاريف انتقال المحصلين وإرسال الإخطارات للمدينين والإشعارات بسدادهم يقول الأستاذ الهمشري: [وبالتأمل في مفهوم كل من التحصيل للأوراق التجارية والوكالة أستطيع أن أقرر أن عملية التحصيل للأوراق التجارية لا تخرج عن كونها عملية توكيل للبنك بأجر وإذا أجزنا للمحامي الأجر مقابل وكالته في الدفاع سواء أكسب القضية أم خسرها فإن الوكيل - البنك - في عملية التحصيل للدين يستحق الأجر سواء تم التحصيل أم لا لأنه قام بالوكالة وحقق المطالبة بسداد الدين في ميعاد الاستحقاق واتخذ كافة وسائل التحصيل الممكنة ... ] البنوك الإسلامية ص 137 - 138. وأما ما جاء في الفتوى المنشورة في جريدة القدس قبل حوالي أسبوعين حيث ورد فيها ما يلي: [وأما إذا كان قبض المبلغ غير مؤجل أي أنه حال ويستطيع الصيرفي قبض المبلغ من الجهة الموجه إليها الشيك في أي وقت يريد فالأمر فيه تفصيل فإذا كانت العملية تسمى صرفاً فتكون العملية غير جائزة وذلك لأن صورة الصرف الشرعية هي مبادلة مال بمال مثلاً بمثل دون زيادة وفي نفس المجلس يستلم الطرفان كل من الآخر دون أن يفترقا وفي هذه الصورة قد استلم صاحب الشيك مبلغه نقداً وأما الصيرفي فقد استلم ورقة فيها أمر بالدفع ولم يستلم نقوداً وقدم المبلغ أيضاً ناقصاً. وأما إذا كانت العملية غير صورة الصرف ... فصاحب الشيك

المضمون قبضه حالاً غير مؤجل لسبب من الأسباب لا يتمكن من الذهاب للجهة الموجه إليها الأمر بالقبض فيكلف شخصاً آخر سواء الصيرفي أو غيره بأن يقوم بهذه المهمة مقابل أجرة معينة فيستلم الصيرفي الشيك المضمون قبضه حالاً ويعطي صاحبه مبلغه باستثناء الأجرة المتفق عليها ... فهذه الصورة ليست فيها مخالفة شرعية ... الخ]. أقول هذه الفتوى فرقت بين المتماثلين في الحقيقة والواقع واعتمدت في التفريق على اختلاف الاسم فقط ففي الصورة الأولى التي تسمى صرفاً لا تجوز وفي الصورة الثانية التي تسمى مهمة مقابل الأجر تجوز وليس فيها مخالفة شرعية. إن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين المتماثلين وإن مضمون الصورتين واحد وإن اختلفت التسمية كما جاء في الفتوى. إن من القواعد المعلومة في الشريعة الإسلامية أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني وهذه القاعدة مستمدة من القاعدة الكلية الأخرى وهي الأمور بمقاصدها. قال العلامة ابن القيم: [قواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعي في العقود حقائقها ومعانيها لا صورها وألفاظها] زاد المعاد 5/ 200. وقال في موضع آخر: [والتحقيق أنه لا فرق بين لفظ ولفظ فالاعتبار في العقود بحقائقها ومقاصدها لا بمجرد ألفاظها] زاد المعاد 5/ 813. وبهذا يظهر لنا أن تفريق الفتوى بين الصورتين المذكورتين في صرف الشيك الحال تفريق غير صحيح لأن حقيقة الصورتين واحدة وإن اختلفت التسمية كما ورد في الفتوى. وختاماً فالذي يظهر لي هو جواز صرف الشيكات الحالة مع دفع عمولة عليها كما هو متعارف الآن لدى البنوك والصرافين وأن هذه العمولة تخرج على أنها وكالة بأجر.

توثيق المعاملات بالكتابة

توثيق المعاملات بالكتابة يقول السائل: كثير من معاملات الناس التي تحتاج كتابة عقود واتفاقيات يعتمد الناس فيها على عامل الثقة بينهم فلا يكتبونها ولا يوثقونها فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن كتابة العقود وتوثيقها بمختلف أنواعها أمر مطلوب شرعاً وخاصة في هذا الزمان حيث خربت ذمم كثير من الناس وقل دينهم وورعهم وزاد طمعهم وجشعهم. وإن الاعتماد على عامل الثقة بين الناس ليس مضموناً لأن قلوب الناس متقلبة وأحوالهم متغيرة وقد يكون المتعاقدان متحابين وصديقين حميمين وقت العقد ووقت الإقراض ثم يقع بينهما من العداوة والبغضاء ما الله به عليم فتضيع الحقوق. أو تنكر أو تنقض لذا كان من الأمور المندوبة شرعاً توثيق الدين وغيره من العقود والاتفاقيات. ومما يدل على مشروعية ذلك آية الدين وهي أطول آية في القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌوَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُءَاثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) سورة البقرة الآيتان 282 - 283.

ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على مشروعية كتابة الدين وتوثيقه. قال الإمام ابن العربي المالكي: [قوله تعالى: (فَاكْتُبُوهُ) يريد أن يكون صكاً ليستذكر به عند أجله لما يتوقع من الغفلة في المدة التي بين المعاملة وبين حلول الأجل والنسيان موكل بالإنسان والشيطان ربما حمل على الإنكار والعوارض من موت وغيره تطرأ فشُرِع الكتاب والإشهاد] أحكام القرآن 1/ 247. ومما يرشد إلى مشروعية كتابة العقود وتوثيقها ما جاء في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) رواه البخاري ومسلم. وقد روى الترمذي بإسناده عن عبد المجيد بن وهب قال: (قال لي العداء بن خالد بن هوذة: ألا أقرئك كتاباً كتبه لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: قلت بلى، فأخرج لي كتاباً: هذا ما اشترى العداء ابن خالد بن هوذة من محمد - صلى الله عليه وسلم - اشترى منه عبداً أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم) رواه الترمذي وحسّنه ورواه ابن ماجة ورواه البخاري تعليقاً وقال الشيخ الألباني: حسن. سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 5/ 176، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 5/ 213، صحيح سنن الترمذي 2/ 5. وبناءً على هذه الأدلة قال جمهور أهل العلم إن كتابة الدين وتوثيقه أمر مندوب إليه وقال بعض العلماء بوجوب ذلك أخذاً بظاهر الآية وهو قول وجيه له حظ من النظر وينبغي حمل الناس عليه في هذا الزمان قطعاً لأكل حقوق الآخرين بالباطل وسداً لأبواب النزاع والخصومات ولما نرى في مجتمعنا من نزاع وشقاق وخلاف بسبب عدم توثيق الديون والعقود وكتابتها فكم من المنازعات حدثت بين المؤجر والمستأجر بسبب عدم كتابة عقد الإجارة وكم من خصومات حصلت بين الشركاء لاختلافهم في قضية ما ويعود ذلك لعدم كتابة اتفاق الشراكة وهكذا الحال في كل المعاملات التي لم توثق.

لذا فإني أنصح كل متعاقدين في أي من العقود الشرعية أن يوثقا العقد بجميع شروطه وتفصيلاته الصغيرة قبل الكبيرة، قال الله تعالى: (ولا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ). قال ابن العربي المالكي: [هذا تأكيد من الله تعالى في الإشهاد بالدين تنبيهاً لمن كسل فقال: هذا قليل لا أحتاج إلى كتبه والإشهاد عليه. لأن أمر الله تعالى فيه والتحضيض عليه واحد والقليل والكثير في ذلك سواء] أحكام القرآن 1/ 257. كما أن المعاملة التي لا تكتب ولا يستشهد عليها يترتب عليها مفاسد كثيرة منها ما يكون عن عمد إذا كان أحد المتداينين ضعيف الأمانة فيدعي بعد طول الزمن خلاف الواقع ومنها ما يكون عن خطأ ونسيان فإذا ارتاب المتعاملان واختلفا ولا شيء يُرجع إليه في إزالة الريبة ورفع الخلاف من كتابة أو شهود أساء كل منهما الظن بالآخر ولم يسهل عليه الرجوع عن اعتقاده إلى قول خصمه فلج خصامه وعدائه وكان وراء ذلك من شرور المنازعات ما يرهقهما عسراً ويرميهما بأشد الحرج وربما ارتكبا في ذلك محارم كثيرة. تفسير المنار 3/ 134 بتصرف. وكتابة الدين وتوثيقه تعود بالمنفعة على الناس من عدة وجوه: 1. صيانة الأموال وقد أمرنا بصيانتها ونهينا عن إضاعتها. 2. قطع المنازعة فإن الوثيقة تصير حكماً بين المتعاملين ويرجعان إليها عند المنازعة تكون سبباً لتسكين الفتنة ولا يجحد أحدهما حق صاحبه مخافة أن تخرج الوثيقة وتشهد الشهود عليه بذلك فينفضح أمره بين الناس. 3. التحرز عن العقود الفاسدة لأن المتعاملين بها ربما لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد ليتحرزا عنها فيحملهما الكاتب على ذلك إذا رجعا إليه ليكتب.

4. رفع الارتياب فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ومقدار الأجل فإذا رجعا إلى الوثيقة لا يبقى لواحد منهما ريبة] الموسوعة الفقهية 14/ 135. ويجب التنبيه على أن كاتب الديون أو العقود بين الناس لا ينبغي أن يكون أحد المتعاقدين حتى يكون أقرب للعدل المشار إليه في قوله تعالى: (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ). قال القرطبي: [قوله تعالى: (بِالْعَدْلِ) أي بالحق والمعدلة أي لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما قاله ولا أقل وإنما قال: (بَيْنَكُمْ) ولم يقل أحدكم لأنه لما كان الذي له الدين يهتم في الكتابة الذي عليه الدين وكذلك بالعكس شرع الله سبحانه وتعالى كاتباً غيرهما يكتب بالعدل لا يكون في قلبه ولا قلمه موادة لأحدهما على الآخر] تفسير القرطبي 3/ 383. وأخيراً فينبغي الإشارة إلى قوله تعالى: (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) إن المدين - الذي عليه الحق - هو الذي يملي على الكاتب اعترافه بالدين ومقدار الدين وشرطه وأجله ذلك خيفة أن يقع الغبن على المدين لو أملى الدائن فزاد في الدين أو قرب الأجل أو ذكر شروطاً معينة في مصلحته والمدين في موقف ضعيف قد لا يملك معه إعلان المعارضة رغبةً في إتمام الصفقة لحاجته إليها فيقع عليه الغبن فإذا كان المدين هو الذي يملي لم يمل إلا ما يريد الارتباط به عن طيب خاطر ثم ليكون إقراره بالدين أقوى وأثبت وهو الذي يملي وفي الوقت ذاته يناشد ضمير المدين وهو يملي أن يتقي الله ربه وأن لا يبخس شيئاً من الدين الذي يقرّ به) ظلال القرآن 1/ 492.

المماطلة في سداد الدين

المماطلة في سداد الدين يقول السائل: إنه صاحب محل تجاري وإن بعض الناس يشتري منه البضاعة بالدين على أن يقضيه في آخر الشهر ثم يمضي الشهر والشهران والشهور وهذا المدين لا يسدد دينه مع أنه مستطيع فما قولكم في ذلك؟ الجواب: مما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتساهلون في الدين تساهلاً كبيراً فتراهم يشترون البضاعة ويطلبون من البائع أن يمهلهم حتى استلام رواتبهم أو حتى نهاية الشهر أو نحو ذلك ثم يماطلون ويسوفون في سداد الدين وقد تمضي عليهم الشهور والسنون وهم كذلك مع مقدرتهم على قضاء ديونهم، إن ما يقوم به هؤلاء الناس ما هو إلا أكل لأموال الناس بالباطل وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) سورة النساء الآية 29. وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمثال هؤلاء الذين يأخذون أموال الناس ويماطلون فيها فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري. وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: (كانت ميمونة تدان فتكثر فقال لها أهلها في ذلك ولاموها ووجدوا عليها فقالت: لا أترك الدين وقد سمعت خليلي وصفيي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من أحد يدان ديناً يعلم الله منه أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه في الدنيا) رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجة 2/ 52. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته ليس ثم دينار ولا درهم) رواه ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 53. وعن صهيب- رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما رجل يدين

ديناً وهو مجمع على أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقاً) رواه ابن ماجة والبيهقي وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح. المصدر السابق 2/ 52. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الدين كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة جالساً فيه فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلّمك كلاماً إذا قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ فقال: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من البخل والجبن وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني) رواه أبو داود. فلا ينبغي لأحد من الناس أن يتساهل في الدين وخاصة أن الإنسان قد يموت وهو مدين ويكون بذلك على خطر عظيم لأن نفس المؤمن تكون معلقة بدينه، فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: (توفي رجل فغسّلناه وكفّناه وحنّطناه ثم أتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا نحوه خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران عليّ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ قلت: إنما مات أمس، فعاد إليه من الغد فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الآن بردت جلدته) رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 2/ 591. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمتنع عن الصلاة عمن عليه دين حتى يقضى دينه

فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلّى عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكم. فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعليّ قضاؤه ومن ترك مالاً فهو لورثته) رواه مسلم. ويجب أن يعلم أن هؤلاء الذين يتلاعبون بأموال الناس ويماطلون في تسديد الدين أن المماطلة في أداء الدين محرمة مع القدرة على الأداء فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (مطل الغني ظلم) متفق عليه. قال الإمام النووي: [قوله - صلى الله عليه وسلم - (مطل الغني ظلم) قال القاضي وغيره: المطل منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغني ظلم وحرام] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 174 - 175. ومن المعلوم عند أهل العلم أن أداء الدين واجب باتفاق بدلالة الأحاديث الصحيحة الواردة في تحريم مال الغير كما قال القرطبي في تفسيره 3/ 415. ولأهمية قضاء الدين من أموال الميت فهو مقدم على الوصية وإن ذكرت قبله في قول الله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) سورة النساء الآية 12، وعلى هذا أكثر أهل العلم. وكذلك فإن الدين يقضى عن الميت قبل توزيع تركته. وأخيراً أنبه الدائنين أن يوثقوا ديونهم ويكتبوها ويشهدوا على ذلك لأن ذمم كثير من الناس قد خربت وفسدت وكثير من هؤلاء ينكرون الدين إن لم يكن موثقاً بالكتابة وقد قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ

تبديل السيارة القديمة بسيارة جديدة

يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة البقرة الآية 282. تبديل السيارة القديمة بسيارة جديدة يقول السائل: ما حكم من يبدل سيارته بسيارة أخرى مع دفع الفرق وهل يعتبر هذا البيع من الربا؟ الجواب: هذا البيع جائز ولا ربا فيه لأن الربا لا يجري في بيع سيارة بسيارة فالسيارات ليست من الأموال الربوية وعادة كثير من الناس أن يتم هذا البيع باستبدال السيارة القديمة بأخرى أحدث منها ودفع الفرق. وهذا العقد يتم فيه شراء السيارة الثانية بثمن مكون من السيارة الأولى مضافاً إلى ذلك الفرق في السعر بين السيارتين وهذا البيع داخل في عموم قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) فهو جائز ولا بأس به. بيع الكلاب يقول السائل: ما حكم بيع الكلاب؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أنه لا يجوز اقتناء الكلب في البيوت إلا لحاجة نافعة ككلاب الصيد وكلاب الحراسة لما ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من اقتنى كلباً إلا كلب

صيد أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان) رواه مسلم. وأما بيع الكلاب فمحل خلاف كبير بين أهل العلم وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم بيع الكلب وأن ثمنه حرام واستدلوا على ذلك بما يلي: 1. عن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب) رواه البخاري ومسلم. 2. وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: (سمعت رسول الله يقول: شر الكسب مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث وكسب الحجام خبيث) وغير ذلك من الأحاديث. وأجاز جماعة من أهل العلم بيع الكلاب التي ينتفع بها ككلاب الحراسة والصيد ويلحق بها في زماننا الكلاب التي تقتفي الأثر والتي تستعمل في تعقب آثار المجرمين والكشف عن المخدرات ونحوها فيجوز بيع هذه الكلاب، وهذا قول أبي حنيفة ومالك في رواية عنه وبه قال عطاء وإبراهيم النخعي. شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 179. وسحنون من المالكية حيث قال: [أبيعه وأحج بثمنه] أي كلب الصيد كما نقله عنه في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/ 11، وهو قول بعض الحنابلة. الإنصاف 4/ 28. ومال إلى هذا القول الإمام الشوكاني والألباني وغيرهما وهو الذي أميل إليه، لما يلي: أولاً: قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) سورة المائدة الآية 4. ووجه الدليل في الآية الكريمة قوله تعالى: (مُكَلِّبِينَ)، قال القرطبي: [معنى: (مُكَلِّبِينَ)، أصحاب الكلاب وهو كالمؤدب صاحب التأديب] تفسير القرطبي 6/ 66.

وهذه الآية تدل على جواز اتخاذ الكلاب للصيد ويفهم من ذلك أنها أداة للصيد ينتفع بها وما كان كذلك يجوز بيعه ما دام أنه يجوز اقتناؤه. ثانياً: وردت بعض الأحاديث التي تستثني كلب الصيد وكلب الماشية وما في معناهما من عموم النهي المذكور في الأحاديث التي احتج بها الجمهور على المنع فمن ذلك: 1. عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نهى عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد) رواه الترمذي وقال لا يصح من هذا الوجه، ولكن الشيخ الألباني ذكر أن الحديث حسن، صحيح سنن الترمذي 2/ 24. وقد ذكر الشيخ أحمد الغماري عدة طرق يتقوى بها حديث أبي هريرة السابق، الهداية في تخريج أحاديث البداية 7/ 169 فما بعدها. 2. وعن جابر قال: (نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب إلا الكلب المعلم) رواه النسائي وأحمد والدارقطني وطعن النسائي في سنده ولكن قال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات، إلا أن النسائي طعن في صحته فتح الباري 5/ 331. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 4: [ورد الاستثناء من حديث جابر ورجاله ثقات] وقال الشيخ أحمد الغماري: [هذا سند على شرط الصحيح] ثم ذكر له طرقا تقويه وذكر رواية عن ابن عباس فيها استثناء كلب الصيد. الهداية 7/ 171. وقال الإمام الشوكاني بعد أن ذكر حديث جابر: [فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صلح هذا المقيد للاحتجاج به] نيل الأوطار 5/ 163. وقال الشيخ الألباني: [ ... ولكن معنى الاستثناء صحيح دراية للأحاديث الصحيحة التي تبيح اقتناء كلب الصيد وما كان كذلك حل بيعه وحل ثمنه كسائر الأشياء المباحة كما حققه الإمام أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار ... ] السلسلة الصحيحة 6/ 1156.

والذي حققه أبو جعفر الطحاوي أن النهي عن ثمن الكلب كان في الوقت الذي أمر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب كما ثبت في أحاديث كثيرة، ثم استثنى من القتل كلب الصيد والماشية والحراسة فجاز بيع هذه دون مطلق الكلاب. قال الطحاوي: [إن الكلاب قد كان حكمها أن تقتل كلها ولا يحل إمساك شيء منها فلم يكن بيعها حينئذ بجائز ولا ثمنها بحلال] شرح معاني الآثار 4/ 53. ثم ذكر طائفة من الأحاديث في قتل الكلاب ثم قال: [فكان هذا حكم الكلاب أن تقتل ولا يحل إمساكها ولا الانتفاع بها فما كان الانتفاع به حراماً وإمساكه حراماً فثمنه حرام فإن كان نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب كان وهذا حكمها فإن ذلك قد نسخ فأبيح الانتفاع بالكلاب] ثم ذكر طائفة من الأحاديث التي تبيح الانتفاع بكلاب الصيد والماشية ثم قال: [فلما ثبتت الإباحة بعد النهي أباح الله عز وجلّ في كتابه ما أباح بقوله: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ) اعتبرنا حكم ما ينتفع به هل يجوز بيعه ويحل ثمنه أم لا؟ فرأينا الحمار الأهلي قد نهي عن أكله وأبيح كسبه والانتفاع به فكان بيعه إن كان هذا حكمه حلالاً وثمنه حلالاً وكان يجيء في النظرأيضاً أن يكون كذلك الكلاب لما أبيح الانتفاع بها حل بيعها وأكل ثمنها ويكون ما روي في حرمة أثمانها كان وقت حرمة الانتفاع بها وما روي في إباحة الانتفاع بها دليل على حل أثمانها. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين] شرح معاني الآثار 4/ 57. وذكر الشيخ الألباني في موضع آخر أن حديث جابر وهو: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد) قد رواه النسائي والبيهقي وهو على شرط مسلم وذكر له شاهدين ثم قال: [فلعل هذا الاستثناء يقوى بهذه الطرق والشواهد] التعليقات الرضية 2/ 347. وذكر صاحب إعلاء السنن - 14/ 486 فما بعدها - عدداً من الشواهد تتقوى بها هذه الأحاديث ويدل على أن الحديث الوارد في استثناء كلب الصيد لا يقل عن درجة الحسن وعليه فيجوز بيع الكلاب التي ينتفع بها في الحراسة والصيد وكلاب الأثر وغير ذلك.

ضوابط الكسب

ضوابط الكسب يقول السائل: في عالم التجارة والمال والأعمال مجالات واسعة للكسب والحصول على الأموال ولكن هنالك أمور كثيرة يقف المرء حائراً أمامها متسائلاً، هل يجوز هذا العمل شرعاً؟! وهل هذا الكسب حلال أم حرام؟ أرجو بيان ضوابط تضبط ذلك. الجواب: إن المسلم ينطلق في حياته من عقيدته الإسلامية وأنه عبد لله سبحانه وتعالى ملتزم بشرعه فالإسلام لا يعطي الفرد الحرية المطلقة في أن يفعل ما يشاء وكيفما يشاء كما هو الحال في النظام الرأسمالي. إن الحرية المطلقة رذيلة ممقوتة حيث إنها تؤدي بالانسان إلى الشرود والجموح والانفلات من جميع القيم والمبادئ، يقول الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله: [إن الحرية التي شرعها الإسلام في مجال الاقتصاد ليست حرية مطلقة من كل قيد كالحرية التي توهمها قوم شعيب (أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ) بل هي حرية منضبطة مقيدة بالعدل الذي فرضه الله تعالى. ذلك أن في الطبيعة الإنسانية نوعاً من التناقض خلقها الله عليه لحكمة اقتضاها عمران الأرض واستمرار الحياة. فمن طبيعة الإنسان الشغف بجمع المال وحبه حباً قد يخرجه عن حد الاعتدال كما قال تعال في وصف الإنسان: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) وكما صوّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مدى طمع الإنسان بقوله: (لو كان لابن آدم واديان من تراب لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملاً جوف ابن آدم إلا التراب) متفق عليه. ومن طبيعة الإنسان الشح والحرص كما قال تعالى: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ)، (وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (يشيب ابن آدم وتشب معه خصلتان: الحرص، وطول الأمل) رواه البخاري. ومن طبيعته حب الخلود إن لم يكن بنفسه فبذريته من بعده وحب الاستعلاء والسيطرة على الآخرين وهاتان الغريزتان كانتا الأحبولة التي أوقع إبليس بها آدم أبا البشر في شرك المخالفة بالأكل من الشجرة: (فَوَسْوَسَ

إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى)] دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي ص 371 - 372. إذا تقرر هذا فإن الإسلام حث على العمل والسعي في الأرض للكسب، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) سورة الملك الآية 15. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا) سورة البقرة الآية 168. وقد وضع العلماء أصولاً وضوابط لما يحل ويحرم في باب المعاملات فمن هذه الضوابط والأصول تحريم الربا فهو محرم بنص كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فنتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأؤلئك أصحَابُ النّارِ هُمْ فِيْها خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) سورة البقرة الآيتان 275 - 276. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. ويترتب على تحريم الربا تحريم العمل في البنوك الربوية مهما كان العمل لأن العمل فيها إما إعانة على الربا أو رضىً بهذا العمل المحرم وكلاهما ممنوع شرعاً. يقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سورة المائدة الآية 2. ويدخل في ذلك تأجير المحلات والمباني للبنوك الربوية فهو حرام لما سبق من أنه تعاون على الإثم والعدوان. ومن هذه الضوابط تحريم كل معاملة فيها غش وخداع وقد ثبت في

الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم. فهذا الحديث عام ويشمل المعاملات كلها والعمل كذلك. وصور الغش والخداع في زماننا كثيرةٌ جداً وخاصة في التجارة والأعمال المختلفة فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: 1. بيع المواد الفاسدة والمنتهية الصلاحية. 2. التلاعب في الأوزان كأن يكتب على العبوة وزن معين ثم لا يكون وزنها في الحقيقة كذلك. 3. تسويق بضاعة رديئة على أنها بضاعة جيدة وذلك بوضع العلامة التجارية للبضاعة الجيدة على الرديئة. 4. بيع المواد الضارة بالصحة والتي تسبب الأمراض المستعصية. 5. وصف مكونات المواد المصنعة بأوصاف غير حقيقية. 6. الغش في تنفيذ المقاولات وأعمال البناء مثل تقليل الحديد والإسمنت في البنايات مما قد يتسبب في انهيار المبنى ومقتل سكانه أو إصابتهم بأذى. ومن الضوابط التي تحكم عالم التجارة والعمل تحريم الاتجار والعمل بالمحرمات سواء كان ذلك بانتهاك محرم أو ترك واجب. يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) سورة المنافقون الآية 9. ومن صور الاتجار في المحرمات وكذا العمل فيها: التجارة في الخمر بمختلف أسمائها وكذا العمل في صناعتها والعمل في قطف العنب لتصنيعها وبيع العنب لمن يعصره خمراً. وقد صح في الحديث من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تعالى حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) رواه بالبخاري ومسلم. وجاء في الحديث: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الخمر وشاربها وساقيها وبائعها

ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمول إليه وآكل ثمنها) رواه أبو داود والحاكم وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/ 907. ويلحق بتحريم الاتجار بالخمر الاتجار بالمخدرات والسموم القاتلة كالهيروين والأفيون والحشيش. ومن الصور المحرمة المتاجرة في الأفلام الساقطة الخليعة والصحف والمجلات التي تنشر الفحشاء والمنكر وكذا العمل في طباعتها وطباعة أي مادة تحارب الله ورسوله ودينه. ومن صور العمل المحرمة الأعمال التي يجبر فيها الإنسان على ترك الفرائض كمن يعمل في مصنع ويمنع من أداء الصلاة المفروضة في وقتها فهذا عمل محرم. وكذا العمل الذي تكون فيه خلوة محرمة شرعاً كعمل السكرتيرة في مكتب المدير أو المحامي أو الطبيب إذا وجدت الخلوة المحرمة. وكذا العمل الذي يقتضي أن تتخلى المرأة المسلمة عن لباسها الشرعي المفروض. وكذا العمل الذي تنتهك فيه المحرمات كعمل الراقصات والمغنيات والممثلات ومن يشاركهن في ذلك من الرجال والنساء كالمصورين والمخرجين وغيرهم فهذا العبث الذي يسميه الناس في زماننا فناً والمتضمن انتهاك المحرمات كالعري والتقبيل والمعاشرة الجنسية وإن لم تكن تامة كل ذلك من المحرمات ويمنع ترويج وبيع هذه الأفلام والأشرطة أو تأجيرها أو الإعلان عنها وغير ذلك. ومن الأعمال المحرمة الحفلات الغنائية المختلطة وما يصاحبها من رقص ماجن وعري وتهتك. ومن الأعمال المحرمة الاشتغال بعمل أو وظيفة من شأنها الإعانة على ظلم أو حرام فهي حرام كمن يشتغل في عمل ربوي أو محل للخمر أو في مرقص أو ملهى أو نحو ذلك. الحلال والحرام ص 141.

إيثار المؤسس والمساهم في الشركات المساهمة

وكذلك العمل في وظيفة تلحق الضرر والأذى بالمسلمين سواء كان الضرر أو الأذى مادياً أو معنوياً. ومن الأعمال المحرمة المتاجرة بالمواد المسروقة والمغصوبة وهي التي أخذت من أصحابها بغير رضا كالمواد التي تصادر من الناس ظلماً وعدواناً. ومن الضوابط في هذا المجال تحريم المعاملات التي فيها غرر وخطر كالقمار الذي هو الميسر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) سورة المائدة الآيتان 90 - 91. ومن ذلك ما يعرف باللوتو والتوتو وكذلك اليانصيب المسمى زوراً وبهتاناً باليانصيب الخيري فكل ذلك حرام. وأخيراً لا يظنن أحد أن فيما تقدم من المحرمات تضييق لموارد الرزق على الناس بل إن طرق الكسب الحلال مفتوحة وهي أكثر من أن تعد وتحصى. إيثار المؤسس والمساهم في الشركات المساهمة يقول السائل: هل يجوز إيثار المؤسس والمساهم في الشركات المساهمة على غيره في معاملات تلك الشركات عملاً بقوله تعالى: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)؟ الجواب: كثير من الناس يخطئ في فهم الآية الكريمة المذكورة في السؤال ويحملونها على غير وجهها الصحيح فيفهمون أن معنى الآية: أن الأقرب هو الأولى بالمعروف أو بالمعاملة وبعضهم يقول الأقرب فالأقرب، وهذا فهم خاطئ تماماً وحتى نفهم الآية فهماً صحيحاً لا بد من فهم ما يسبقها من الآيات وما يلحقها وكيف فسرها علماء التفسير.

يقول الله تعالى: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) سورة القيامة 31 - 40. قال أهل التفسير في معنى قوله تعال: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) أي ويل لك يا أيها الشقي ثم ويل لك. وقال المفسرون هذه العبارة في لغة العرب ذهبت مذهب المثل في التخويف والتحذير والتهديد فاحذر وانتبه لأمرك. قال الراغب الأصفهاني: [وقوله تعالى: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) كلمة تهديد وتخويف يخاطب به من أشرف على هلاك فيحث به على التحرز أو يخاطب به من نجا ذليلاً منه فينهى عن مثله ثانياً وأكثر ما يستعمل مكرراً وكأنه حث على تأمل ما يئول إليه أمره ليتنبه للتحرز منه] المفردات في غريب القرآن ص 32. وقال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) تهديد بعد تهديد ووعيد بعد وعيد أي فهو وعيد أربعة لأربعة كما روي أنها نزلت في أبي جهل الجاهل بربه فقال: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أي لا صدق رسول الله ولا وقف بين يدي فصلى، ولكن كذب رسولي وتولى عن التصلية بين يدي. فترك التصديق خصلة والتكذيب خصلة وترك الصلاة خصلة والتولي عن الله تعالى خصلة فجاء الوعيد أربعة مقابلة لترك الخصال الأربع والله أعلم. لا يقال: فإن قوله: (ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) خصلة خامسة فإنا نقول: تلك كانت عادته قبل التكذيب والتولي فأخبر عنها وذلك بين في قول قتادة على ما نذكره. وقيل: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - خرج من المسجد ذات يوم فاستقبله أبو جهل على باب المسجد مما يلي باب بني مخزوم فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده فهزه مرةً أو مرتين ثم قال: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) فقال له أبو جهل:

أتهددني؟ فوالله إني لأعز أهل الوادي وأكرمه. ونزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال لأبي جهل وهي كلمة وعيد ... قال قتادة: أقبل أبو جهل بن هشام يتبختر فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده فقال: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى). فقال: ما تستطيع أنت ولا ربك لي شيئاً إني لأعز من بين جبليها. فلما كان يوم بدر أشرف على المسلمين فقال: لا يعبد الله بعد هذا اليوم أبداً. فضرب الله عنقه وقتله شرّ قتلة. وقيل: معناه الويل لك ... وعلى هذا التأويل قيل: هو من المقلوب كأنه قيل: أويل ثم أخر الحرف المعتل والمعنى: الويل لك حياً والويل لك ميتاً والويل لك يوم البعث والويل لك يوم تدخل النار ... وقيل: المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب. وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: قال الأصمعي (أَوْلَى) في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك كأنه يقول: قد وليت الهلاك، قد دانيت الهلاك، وأصله من الولى وهو القرب. قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) أي يقربون منكم ... وكان أبو العباس ثعلب يستحسن قول الأصمعي ويقول: ليس أحد يفسر كتفسير الأصمعي. وقال النحاس: العرب تقول أولى لك: كدت تهلك ثم أفلت وكأن تقديره: أولى لك وأولى بك الهلكة] تفسير القرطبي 19/ 114 - 116. وقال ابن منظور: [وقوله عز وجل (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) معناه التوعد والتهدد أي الشر أقرب إليك وقال ثعلب: معناه دنوت من الهلكة وكذلك قوله تعالى: (فَأَوْلَى لَهُمْ) أي وليهم المكروه وهو اسم لدنوت أو قاربت وقال الأصمعي: أولى لك قاربك ما تكره أي نزل بك يا أبا جهل ما تكره ... ، قال ثعلب: ولم يقل أحد في أولى لك أحسن مما قال الأصمعي وقال غيرهما: أولى يقولها الرجل لآخر يحسره على ما فاته وبقول له: يا محروم أي شيء فاتك؟ وقال الجوهري: أولى لك تهدد ووعيد] لسان العرب 15/ 404، وراجع أيضاً تفسير الألوسي 15/ 164، وتفسير ابن كثير 4/ 451.

خلو الرجل

إذا تقرر أن المراد بالآية التهديد والوعيد والآية لا تدل على الفهم الخاطئ الذي يفهمه كثير من الناس من هذه الآية، أقول بالنسبة لإيثار المساهم والمؤسس بمعاملات الشركة التي أسسها وأسهم فيها بأن ذلك لا يجوز لأن محاباة بعض المؤسسين يجعل الشركة شركة خاصة ويؤدي إلى الإضرار بمصالح جمهور المساهمين. والواجب على إدارة الشركة هو القيام على مصالح جميع المساهمين ومعاملة الجميع على قدم المساواة، بل إن بعض أنظمة الشركات المساهمة تمنع التعامل مع بعض المساهمين في الشركة كأعضاء مجلس الإدارة من أجل المحافظة على مصالح الشركة بشكل عام. خُلو الرِجل يقول السائل: ما قولكم فيما يعرف بِخُلو الرِجل المعمول به حالياً؟ الجواب: بدل خلو الرجل أو المفتاحية هو مبلغ من المال يدفعه الشخص نظير تنازل المنتفع بعقار عن حقه في الانتفاع. ومسألة خلو الرجل من المسائل الشائكة التي خاض فيها العلماء واختلفوا في حكمها اختلافاً بيناً وخاصة أنه لا يوجد فيها نصوص شرعية لأنها من المسائل المتأخرة الحدوث. وعلى كل حال فقد صار خلو الرجال معروفاً ومعمولاً به في كثير من بلاد المسلمين وخاصة في بلادنا. وتنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صور وهي: 1. أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد وتسمى هذه الصورة المفتاحية. فإذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغاً

مقطوعاً زائداً عن الأجرة الدورية فلا مانع شرعاً من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءاً من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة. 2. أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها. فإذا تم الاتفاق بين المالك والمستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك للمستأجر مبلغاً مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك. أما إذا انقضت مدة الإجارة ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمناً عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له فلا يحل بدل الخلو لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر. 3. أن يكون الاتفاق بين المستأجر ومستأجر جديد في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها. 4. أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة أو بعد انتهائها. فإذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية. على أنه في الإجارات الطويلة المدة خلافاً لنص عقد الإجارة طبقاً لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك. أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد

عزل المحكمين

انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين. هذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة، انظر مجلة المجمع عدد 4/ ج3/ص 2329/ 2330. وبناءً على ذلك يتبين لنا أن ما يفعله كثير من مستأجري الدور السكنية والشقق والمحلات التجارية الذين يطالبون ببدل خلو مقابل إخلاء المأجور بعد انتهاء مدة الإجارة أن مطالبتهم تلك باطلة وإن أخذوا بدل الخلو فإنه يكون أكلاً لأموال الناس بالباطل. ويظهر الظلم واضحاً في كثير من قضايا المطالبة بالخلو وخاصة إذا كان المستأجر قد استأجر منزلاً للسكن منذ مدة طويلة كعشرين سنة خلت والأجرة زهيدة وبقية الأجرة على حالها لأن المستأجر محمي بحكم القانون ويطالب صاحب المنزل الآن بإخلائه والمستأجر يرفض الإخلاء ويطالب بالخلو والمبلغ الذي يطلبه أضعاف الأجرة التي دفعها طوال العشرين عاماً، أليس هذا ظلماً وأكلاً لأموال الناس بالباطل. وأخيراً أدعو المالكين والمستأجرين إلى التراحم فيما بينهم والاحتكام إلى شرع الله سبحانه وتعالى. عزل المحكمين يقول السائل: هل يجوز لأحد الخصمين اللذين اتفقا على التحكيم في نزاع بينهما عزل المحكم قبل أن يصدر الحكم؟ الجواب: إن تعيين المحكم أو المحكمين في قضية ما لا بد أن يكون بتراضي الخصمين في النزاع فإذا اتفق الخصمان على تعيين المحكم بينهما وشرع المحكم في النظر في القضية فلا ينبغي لأحد الخصمين عزل المحكم

ولا بد من استمرار المحكم في القضية إلى أن يصدر الحكم لأن ذلك يؤدي إلى عدم استقرار أمور التحكيم ويقلل من هيبة المحكم وهذا قول جماعة من الفقهاء وهو رأي القانون المدني في كثير من البلاد العربية فلا يصح عزل المحكمين إلا بتراضي الخصوم جميعاً.

الأسرة والمجتمع

الأسرة والمجتمع

عرض المرء ابنته على شخص ليتزوجها

عرض المرء ابنته على شخص ليتزوجها يقول السائل: من المعلوم أن الرجل هو الذي يختار المرأة عند رغبته في الزواج فهل يجوز أن يعرض الإنسان ابنته على شخص ليتزوجها؟ الجواب: لا مانع شرعاً من أن يعرض المسلم ابنته أو أخته على من يرى فيه الصلاح للزواج منها. قال الله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع والد الفتاتين اللتين سقى لهما موسى الغنم: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءَتهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَه وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) سورة القصص الآيات 23 - 28.

قال القرطبي: [قوله (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) الآية. فيه عرض الولي بنته على الرجل وهذه سنة قائمة عرض صالح مدين ابنته على صالح بني اسرائيل وعرض عمر ابن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وعرضت الموهوبة نفسها على النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن الحسن عرض الرجل وليته والمرأة نفسها على الرجل الصالح اقتداء بالسلف الصالح] تفسير القرطبي 13/ 271. وقال الإمام البخاري في صحيحه " باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير " ثم روى بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدَّث: (أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوفي في المدينة، فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئاً، وكنت أوجد عليه مني على عثمان. فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لقد وجدت عليَّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً. قال عمر: قلت: نعم، قال: أبوبكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلا أنني كنت علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلتها). قال الحافظ ابن حجر في أول شرحه للباب بأن الإمام البخاري أورد عرض البنت في الحديث الأول وعرض الأخت في الحديث الثاني - وسيأتي ذكره - فتح الباري 11/ 80. ثم قال الحافظ ابن حجر: [وفيه - أي الحديث - عرض الانسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه وأنه لا استحياء في ذلك] فتح الباري 11/ 82. ثم ذكر الإمام البخاري الحديث الثاني وفيه إشارة إلى عرض أم حبيبة

رضي الله عنها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج أختها وقد ذكر البخاري الرواية المصرحة بذلك في موضع آخر من صحيحه ونصها: (عن أم حبيبة قالت: قلت يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان؟ قال: فأفعل ماذا؟ قلت: تنكح، قال: أتحبين؟ قلت: لست لك بمخلية وأحب من شركني فيك أختي، قال: إنها لا تحل لي ... الخ) الحديث. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 11/ 62 وأم حبيبة هي بنت أبي سفيان عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج أختها. وكذلك يجوز للمرأة أن تعرض نفسها على الرجل الصالح ليتزوج بها. قال الإمام البخاري في صحيحه " باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح " ثم روى بسنده عن أنس - رضي الله عنه -: (جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعرض عليه نفسها قالت: يا رسول الله، ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه، واسوأتاه، قال هي خير منك، رغبت في النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرضت عليه نفسها). وروى البخاري أيضاً بسنده عن سهل بن سعد: (أن امرأة عرضت نفسها على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له رجل: يا رسول الله زوجنيها، فقال: ما عندك؟ قال: ما عندي شيء، قال: اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد، فذهب ثم رجع فقال: لا، ما وجدت شيئاً ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري ولها نصفه. قال سهل: وماله رداء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعاه أو دعي له، فقال له: ماذا معك من القرآن؟ فقال: معي سورة كذا وسورة كذا، لسور يعددها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أملكناكها بما معك من القرآن). صحيح البخاري 11/ 79. وقال الحافظ ابن حجر: [وفي الحديثين جواز عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه وأن لا غضاضة عليها في ذلك وأن الذي تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار لكن لا ينبغي أن يصرح لها بالرد بل يكفي السكوت] فتح الباري 11/ 80.

وعرض الرجل ابنته على الرجل الصالح ليتزوج بها أمر لا بأس به كما سبق وفعله جماعة من السلف كما جاء في قصة سعيد بن المسيب أن عبد الملك بن مروان خطب ابنته لولده الوليد حين ولاه العهد، فأبى أن يزوجها، قال أبو وداعة: [كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياماً، فلما جئت قال: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي، فاشتغلت، قال: فهّلا أخبرتنا فشهدناها؟ قال: ثم أردت أن أقوم. فقال: هل أحدثت أمرأة غيرها؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ فقال: إن أنا فعلت تفعل؟ قلت: نعم، فحمد الله تعالى وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجني على درهمين أو على ثلاثة، فقال: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، وصرت إلى منزلي. وجعلت أفكر ممن آخذ وأستدين؟ وصليت المغرب، وكنت صائماً فقدمت عشائي لأفطر، وكان خبزاً وزيتاً، وإذا بالباب يقرع، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم ير منذ أربعين سنة إلا ما بين بيته والمسجد، فقمت وخرجت، وإذا سعيد بن المسيب، وظننت أنه بدا له، فقلت: يا أبا محمد! هلا أرسلت إليّ فأتيتك؟ قال: لا، أنت أحق أن تزار، قلت: فما تأمرني؟ قال: رأيتك رجلاً عزباً قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، فإذا هي قائمة خلفه في طوله، ثم دفعها في الباب، ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم صعدت إلى السطح، وناديت الجيران، فجاءوني وقالوا: ما شأنك؟ قلت: زوجني سعيد بن المسيب ابنته، وقد جاء بها على غفلة وها هي في الدار، فنزلوا إليها، وبلغ أمي فجاءت، وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثاً ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظهم لكتاب الله تعالى، وأعلمهم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأعرفهم بحق الزوج، قال: فمكثت شهراً لا يأتيني ولا آتيه، ثم أتيته بعد شهر وهو في حلقته فسلمت عليه فردَّ عليَّ ولم يكلمني حتى انفض من في المسجد، فلما لما يبق غيري، قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: على ما يحب الصديق ويكره العدو) عن عشرة النساء ص 87 - 88.

معاملة الزوجة بالحسنى

معاملة الزوجة بالحسنى تقول السائلة: إن زوجها يسيء معاملتها ويهينها أمام أولادها ويقتّر عليها في الإنفاق مع العلم أنه يحافظ على الصلوات في المسجد فما قولكم في ذلك؟ الجواب: كثير من الناس عندهم انفصال ما بين القول والعمل ويعرفون الأحكام الشرعية معرفة نظرية فقط ولا يحولون تلك المعرفة إلى ممارسة عملية في الحياة وقد قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) سورة الصف الآيتان 2 - 3. وكثير من أمثال هذا الشخص المشار إليه في السؤال يفهمون الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة بطريقة غير صحيحة فهم يفهمون القوامة على أنها تسلط على المرأة وهكذا. وينسى هؤلاء النصوص الشرعية الكثيرة التي حثت على حسن التعامل مع الزوجة حيث إن الزوجة آية من آيات الله تعالى التي منَّ بها على عباده كما قال تعالى: (وَمِنْءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم الآية 21. إن الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة وتعني عطف قلوبهم بعضهم على بعض وقال بعض أهل التفسير: المودة المحبة والرحمة الشفقة وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها سوء] تفسير القرطبي 14/ 17. وقد أمر الله تعالى بحسن معاشرة الزوجة فقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَاءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) سورة النساء الآية 19. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي على ما

أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عشرة زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة ... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج ولا يلزمه في القضاء وقال بعضهم: هو أن يتصنع لها كما تتصنع له، قال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي: أتيت محمد بن الحنفية فخرج إلي في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية - نوع من الطيب - فقلت: ما هذا؟ قال: إن هذه الملحفة ألقتها عليّ امراتي ودهنتني بالطيب وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن. وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين المرأة لي] تفسير القرطبي 5/ 97. وقد حثّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على حسن معاملة الزوجة وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة وقد بوب على بعضها الإمام البخاري بتراجم مناسبة فقال: " باب الوصاة بالنساء "، وقال الإمام البخاري أيضاً: " باب المداراة مع النساء "، وقال الإمام البخاري أيضاً: " باب حسن المعاشرة مع الأهل ". ومن هذه الأحاديث حديث أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً). قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذا الحديث: [وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفي سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه] فتح الباري 11/ 163.

وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إني أحرج عليكم حق الضعيفين اليتيم والمرأة) رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة حجة الوداع: (واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهم ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجة وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 341. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (اتقوا الله في النساء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. قال العلامة ابن علان المكي: [(وخياركم خياركم لنسائهم) وفي رواية (خيركم خيركم لأهله) قال في النهاية هو إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها، قيل ولعل المراد من حديث الباب أن يعامل زوجته بطلاقة الوجه وكف الأذى والإحسان إليها والصبر على أذاها قلت ويحتمل أن الإضافة فيه للعهد والمعهود هو النبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد (أنا خيركم لأهلي) وقد كان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس لأهله وأصبرهم على اختلاف أحوالهم] دليل الفالحين 3/ 106. ويجب أن يعلم أن الإنفاق على الزوجة واجب على الزوج كما قال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة البقرة الآية 233، وقال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّاءَاتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَاءَاتَاهَا) سورة الطلاق الآية 7. وهذا الإنفاق يؤجر عليه الزوج أجراً عظيماً فقد جاء في الحديث عن

أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله) رواه مسلم. وعن أبي مسعود البدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) رواه البخاري ومسلم. وقال الحافظ ابن حجر: [وقال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي من صدقة التطوع وقال المهلب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرّفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع] فتح الباري 11/ 425. وعن سعد - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك) رواه البخاري ومسلم. والأصل في الإنفاق على الزوجة والأولاد هو الإنفاق بالمعروف كما في الآية المذكورة أولاً. والمعروف هو المتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط ويقدر ذلك بحسب حال الزوج يسراً أو عسراً ويدل على ذلك قوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّاءَاتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَاءَاتَاهَا) سورة الطلاق الآية 7، وقوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) سورة الطلاق الآية 6.

منع الزوجة من الذهاب إلى المسجد

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 402. وإذا كان الزوج بخيلاً شحيحاً فإنه يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها بالمعروف لتنفق على نفسها وأولادها من دون علم الزوج فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) رواه البخاري ومسلم. منع الزوجة من الذهاب إلى المسجد تقول السائلة: إنها سيدة متزوجة وملتزمة بالدين وزوجها ليس كذلك وهو يمنعها من الذهاب إلى المسجد لحضور الصلوات والدروس الدينية وتقول إنها لم تدخل المسجد ولا مرة ولكنها تعوض ذلك بسماع القرآن الكريم وسماع الأشرطة الدينية وتسأل هل ينطبق عليها ما ورد في الحديث من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا غشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة ... الخ) أفيدونا جزاكم الله خيراً. الجواب: كثيرون من الناس يسيؤون فهم وضع المرأة في الإسلام، وكثيرون يعاملون المرأة بشدة وقسوة بحكم عاداتهم وتقاليدهم الموروثة والتي لا تقرها الشريعة الإسلامية ويبدو أن زوج السائلة من هذا النوع. إن معاملة الإسلام للمرأة أكرم وأعظم مما يظن كثير من الناس ولا يتسع المقام لتفصيل ذلك وأقتصر على ما يتعلق بالسؤال فقط فينبغي أن يعلم أن للمرأة الحق في الذهاب إلى المسجد للصلاة وحضور الدروس وليس الأمر خاصاً بالرجال فقد ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما

النساء شقائق الرجال) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني، صحيح الجامع الصغير 1/ 461. ومن المعلوم عند أهل العلم أن النساء كن في العهد النبوي يحضرن صلاة الجماعة بما في ذلك صلاتي الفجر والعشاء وهما وقت الظلمة فعن عائشة رضي الله عنها قالت (كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن - أي أكسيتهن - ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس) رواه البخاري ومسلم. وكذلك كن النساء يحضرن صلاة الجمعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: (ما حفظت: " ق " إلا من فيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بها كل جمعة) رواه مسلم. وثبت في الحديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها) متفق عليه. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن) رواه أبو داود وإسناده صحيح كما قال الشيخ الألباني في تعليقه على إعلام الساجد ص 225. وغير ذلك من الأحاديث الواردة في حضور النساء لصلاة العيدين وصلاة الكسوف وطلب النساء من النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً ليعظهن ... الخ، فلا يجوز لهذا الزوج أن يمنع زوجته من الخروج للمسجد. وأما الحديث الذي ذكرته في السؤال وهو: (ما اجتمع قوم ... الخ) فهذا الحديث في حق من يجتمعون على تلاوة القرآن ويذكرون الله عز وجل، وأما السائلة فلها الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى لصبرها على زوجها الظالم لها ولقيامها بما أوجب الله عليها ولسماعها للقرآن ولما تقوم به من ذكر وعبادة قال الله تعالى (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب الآية 35. ووردت أحاديث كثيرة في فضل الذكر والذاكرين منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من

المعاشرة الزوجية قبل الزفاف

قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل) متفق عليه وغير ذلك من الأحاديث. المعاشرة الزوجية قبل الزفاف يقول السائل: ما حكم المعاشرة الزوجية بين الزوجين بعد العقد وقبل الزفاف؟ الجواب: من المعلوم أن عقد الزواج إذا وقع صحيحاً ترتبت عليه آثاره الشرعية ومنها حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر فهذا الأمر واضح ومعلوم. ولكن العرف قد جرى بأن المعاشرة الزوجية لا تكون إلا بعد الزفاف لا قبله أي بعد أن ينقل الزوج زوجته إلى بيت الزوجية. لذا فإني أرى تقييد هذا المباح بالعرف حيث إن هذا العرف صحيح ويحقق مقاصد الشارع الحكيم وبيان ذلك بما يلي: إن العرف قد جرى في بلادنا أن يتم عقد الزواج ويكتب وتبقى الزوجة في بيت أبيها مدة من الزمن قد تطول وقد تقصر فأحياناً تمكث الزوجة في بيت أبيها سنة أو اكثر أو أقل. وفي هذه الحال يتردد الزوج لزيارة زوجته في بيت أبيها ويسميه الناس خاطباً مع أن هذه التسمية فيها نظر لأنه ليس بخاطب وإنما هو زوج شرعاً. وعندما يتفق الزوجان وأهلهما على الزفاف ويعين موعد لذلك وتقام الأفراح وفي يوم الزواج يحضر الزوج وأقاربه لأخذ الزوجة من بيت أبيها إلى بيت الزوج فعندها تتم المعاشرة الزوجية بينهما وأما قبل ذلك فينبغي

منع إقامة أي علاقة جنسية بينهما لما قد يترتب على إقامة العلاقة الزوجية في الفترة التي تسبق الزفاف من مفاسد. فمثلاً إذا تمت معاشرة بينهما في تلك الفترة وحصل الحمل فقد لا يستطيع الزوج إتمام الزفاف لسبب من الأسباب فعندئذ تظهر علامات الحمل على الفتاة وهذا ينعكس عليها سلباً وعلى زوجها، وماذا لو قدر الله سبحانه وتعالى وفاة هذا الزوج قبل الزفاف وكان قد عاشرها وحملت منه فلا شك أن مشكلات كثيرة ستقوم وتؤدي إلى نزاع وخصام. وهنالك احتمال أن يقع سوء تفاهم بينهما وقد يصل الأمر إلى الفراق بالطلاق أو غيره فحينئذ ستكون الفتاة في موقف صعب جداً وكذلك إذا تم الزفاف وكانت العلاقة الجنسية قد تمت قبله فقد يطعن الزوج في عفاف زوجته وهذا يوقع الفتاة وأهلها في مشكلات عويصة. وقد يقول قائل ما دام أن العقد قد وقع صحيحاً فهي زوجته شرعاً وقانوناً فلماذا تحرمون استمتاع كل منهما بالآخر. وأقول إنني لا أحرم ما أحل الله سبحانه وتعالى ولكن نقيد هذا المباح حفظاً لمصالح العباد ودفعاً للمفاسد التي قد تترتب على هذا الفعل. والعرف الصحيح الذي لا يصادم النصوص الشرعية معتبر عند أهل العلم. قال الإمام القرافي: [وأما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها] شرح تنقيح الفصول ص 488. وقال الشيخ ابن عابدين: والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار رسالة " نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف " ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 2/ 112. وقد قامت الأدلة الكثيرة على اعتبار العرف ووضع الفقهاء القواعد

الفقهية في ذلك كما في قولهم: العادة محكمة، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً واستعمال الناس حجة يجب العمل بها وغير ذلك. [وسلطان العرف العملي كبير في أحكام الأفعال المعتادة والمعاملات المختلفة المتعلقة بحقوق الناس أو أحوالهم الشخصية أو القضاء أو الشهادات والعقوبات وغيرها ويعمل بالعرف ما لم يصادم نصاً شرعياً من القرآن أو السنة واضح الدلالة قطعياً أو نصاً تشريعياً كالقياس ويعتبر ما ثبت بالعرف حينئذ ثابتاً بالنص اتباعاً للقاعدة الشرعية الثابت بالعرف كالثابت بالنص أو الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي] نظرية العرف ص 48. ومن أوسع مجالات اتباع العرف ما يتعلق بالأسرة مثل عشرة النساء والنفقة عليهن ومن ضمن ذلك ما تعارف عليه الناس أن الزوج لا يعاشر زوجته المعاشرة الزوجية إلا بعد الزفاف وهذا عرف صحيح ينبغي اعتباره والعمل به فهو لا يصادم النصوص الشرعية بل يؤكد مقاصد الشارع الحكيم. كما أنه يمكن منع المعاشرة الزوجية بين الزوجين قبل الزفاف استناداً إلى قاعدة سد الذرائع وهي قاعدة معتبرة عند أهل العلم فمعلوم كم هي المفاسد التي قد تترتب على إقامة مثل هذه العلاقات وقد صرح بعض الآباء الذين سئلوا عن رأيهم في ذلك لو حصل هذا الأمر مع بناتهم بأن بعضهم سيقتل ابنته وزوجها لما في ذلك من مس بشرفه وشرف عائلته. وصرح بعضهم بأمور أفظع من ذلك وقد جاء هذا في دراسة واستطلاع لرأي بعض الناس قام به بعض طلبة العلم. وهذا على سبيل المثال لا على سبيل الحصر من ردود الأفعال التي قد تقع من الآباء والأهل تجاه بناتهم إن حصلت هذه المعاشرة. ومن المفاسد التي قد تقع ووقعت فعلاً أنه في إحدى الحالات التي

إصلاح غشاء البكارة

تمت فيها المعاشرة قبل الزفاف وحصل الحمل ولم يتمكن الزوج من إتمام إجراءات الزفاف أقدم على إجهاض زوجته وأدى ذلك إلى قتل الجنين؟! فَسَدّاً لطرق الفساد هذه وغيرها ينبغي منع الزوجين من ذلك وحصره على ما بعد الزفاف فقط. إصلاح غشاء البكارة تقول السائلة: إنها شابة في العشرينات من عمرها وأنها قد انحرفت ووقعت في الرذيلة وعاشت عدة سنوات في المنكرات والآن كما تقول فقد رجعت إلى الله وتابت توبة صادقة وتسأل عن حكم إصلاح غشاء البكارة بعملية جراحية لإعادته لوضعه السابق وتسأل عن حكم استعمال العادة السرية؟ الجواب: إنه لشيء طيب أن يعود الإنسان عن غيه وضلاله وأن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويتوب توبة صادقة ولكن يجب على الأسرة أن تربي أبناءها على شرع الله وأن تؤدبهم بأدب الإسلام كي تجنبهم الوقوع في الفواحش والمنكرات ابتداءً فأسرة هذه الفتاة التي استمرت في انحرافها لعدة سنوات كما جاء في رسالتها عليها مسؤولية عظيمة لأنها قصرت في ذلك. وما دام أنها عادت إلى الله وصارت محافظة على الصلاة ولبست الجلباب الشرعي كما قالت فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يقبل توبتها ويغفر لها وأن يثبتها على طاعته وأما بالنسبة للشق الأول من السؤال حول إصلاح البكارة بعملية جراحية فإن إصلاح البكارة يسمى عند العلماء رتق غشاء البكارة أو عملية الرتق العذري ومن المعروف أن البكارة هي الجلدة التي تكون على فرج المرأة وتسمى عذرة ولذا يقال للفتاة البكر عذراء ورتق البكارة معناه إصلاحها وإعادتها لوضعها السابق قبل التمزق. وهنالك أسباب عديدة لزوال غشاء البكارة منها: 1. الدخول في الزواج.

2. الزنى والاغتصاب. 3. حصول حادثة للفتاة كالقفز مثلاً ونحو ذلك. إذا تقرر هذا فإن هذه المسألة من المسائل الحديثة التي لم يرد فيها نص ولم يتعرض الفقهاء المتقدمون لها لعدم إمكان حصولها في زمانهم وإنما بحثها العلماء المعاصرون على ضوء أحكام الشرع وقواعده العامة. والذي يظهر لي بعد دراسة أقوال العلماء المعاصرين وما اعتمدوا عليه في هذه المسألة أن عملية الرتق العذري أو إصلاح غشاء البكارة غير جائزة شرعاً ولا يجوز الإقدام عليها لا من الفتاة التي زالت بكارتها بأي سبب من الأسباب ولا من الطبيبة أو الطبيب المعالج لما يلي: أولاً: إن رتق غشاء البكارة قد يؤدي إلى اختلاط الأنساب فقد تحمل المرأة من الجماع السابق ثم تتزوج بعد رتق غشاء بكارتها وهذا يؤدي إلى إلحاق الحمل بالزوج واختلاط الحلال بالحرام. ثانياً: إن رتق غشاء البكارة فيه اطلاع على المنكر. ثالثاً: إن رتق غشاء البكارة يسهل على الفتيات ارتكاب جريمة الزنا لعلمهن بإمكان رتق غشاء البكارة بعد الزنا. رابعاً: إذا اجتمعت المصالح والمفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك وإن تعذر درء المفاسد وتحصيل المصالح فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة كما قرر ذلك فقهاء الإسلام. وتطبيقاً لهذه القاعدة فإننا إذا نظرنا إلى رتق غشاء البكارة وما يترتب عليه من مفاسد حكمنا بعدم جواز الرتق لعظيم المفاسد المترتبة عليه. خامسا ً: إن من قواعد الشريعة الإسلامية أن الضرر لا يزال بالضرر ومن فروع هذه القاعدة أنه لا يجوز للإنسان أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره ومثل ذلك لا يجوز للفتاة وأهلها أن يزيلوا الضرر عن الفتاة برتق الغشاء ويلحقونه بالزوج.

سادساً: إن مبدأ رتق غشاء البكارة مبدأ غير شرعي لأنه نوع من الغش والغش محرم شرعاً. سابعاً: إن رتق غشاء البكارة يفتح أبواب الكذب للفتيات وأهليهن لإخفاء حقيقة سبب زوال البكارة والكذب محرم شرعاً. ثامناً: إن رتق غشاء البكارة يفتح الباب للأطباء أن يلجأوا إلى إجراء عمليات الأجهاض وإسقاط الأجنة بحجة الستر على الفتيات. أحكام الجراحة الطبية ص 429 - 430. وما يقال من أن الرتق العذري فيه ستر على الفتاة التي أزيلت بكارتها باغتصاب أو إكراه على الزنا والستر مطلوب شرعاً. أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة ص 229. فيجاب عن ذلك بأن الستر الذي ندبت إليه الشريعة الإسلامية هو المحقق لمصالح معتبرة ورتق غشاء البكارة فيه كشف للعورة بدون حاجة وفيه فتح لباب الشر وهو الزنا كما أن الحكم بجواز رتق غشاء البكارة في حالة الزنا الذي لم يشتهر فيه فتح لباب من الشر عظيم والله يأمرنا أن يشهد عذاب الزاني طائفة من المؤمنين نكاية به وتأديباً لغيره من مغبة الوقوع في الفاحشة فجواز هذه الصورة لا يعتبر ستراً بل هو ترك لمبدأ معاقبته وإشعاره بذنبه فرفض الطبيب إجراء هذه العملية فيه ردع للزانية وتأديب لغيرها. الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء ص 218. ويضاف لذلك أن الستر المطلوب شرعاً هو الذي شهدت له نصوص الشرع باعتبار وسيلته ورتق غشاء البكارة لم يتحقق فيه ذلك بل الأصل حرمته لمكان كشف العورة وفتح باب الفساد. أحكام الجراحة الطبية ص 432. وإن القول بجواز هذه العملية يؤدي إلى فتح أبواب الفساد وانتشار الرذيلة وما زعم من مصالح قد تترتب على ذلك إنما هي مصالح وهمية وليست حقيقية كما أن حالات تمزق غشاء البكارة بسبب حادث ما غير الزنا والاغتصاب تعتبر نادرة وقليلة ويمكن إذا حصل ذلك الحصول على تقرير

طبي موثق لبيان السبب الحقيقي لزوال غشاء البكارة حتى تكون الفتاة بعيدة عن تهمة الزنا. وأخيراً فإن على الأطباء المسلمين أن يكونوا دعاة صدق فيرشدوا الفتاة وأهلها إلى عدم إجراء هذه العملية وأخذ تقرير طبي يثبت براءة الفتاة فيكونوا بذلك قد وجهوا الناس إلى الأخذ بالصدق قولاً وفعلاً كما أن على الأطباء أن يرفضوا إجراء هذه العملية لكي يسدوا على المجتمع باب الزنا والتلاعب في الأعراض وأن يحاربوا الكسب غير المشروع بإجراء هذه العمليات مهما تنوعت الأسباب فإذا انتهج الأطباء هذه السبل لمعالجة فقد الفتاة لبكارتها أمكن إقناع الناس بأن فقدها بغير الفاحشة ليس أمراً معيباً ولا يمنع من الزواج منها. الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء ص222. وأما بالنسبة للشق الثاني من السؤال والمتعلق بالعادة السرية أو الاستمناء فإن هذا الأمر حرام في حق الشاب والفتاة على حد سواء كما هو مذهب جماهير علماء المسلمين ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) سورة المؤمنون الآيات 5 - 7، والعادون هم الظالمون المتجاوزون الحلال إلى الحرام. وقال تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) سورة النور الآية 33. وقد أرشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أنه عند ثوران الشهوة فالمطلوب هو اللجوء إلى تسكينها ويكون ذلك بالزواج إن كان مستطيعاً له وإلا فعلى الإنسان أن يصوم لما للصوم من أثر في تسكين الشهوة فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه البخاري ومسلم. فعلى هذه الفتاة السائلة أن تكثر من الصوم وأن تحاول أن تشغل نفسها بالأمور النافعة والمفيدة كتلاوة القرآن ومطالعة الكتب الثقافية وعليها

الزواج المبكر

أن تبتعد عن المثيرات بشتى أنواعها وخاصة الأفلام والمسلسلات وأن تحاول أن تنسى الماضي وألا تجلس لوحدها وإنما تختلط مع أسرتها لأن ذلك أصون لها وأبعد عن الشيطان. الزواج المبكر يقول السائل: زعم بعض المنادين بتأخير سن الزواج والمعارضين للزواج المبكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تزوج عائشة رضي الله عنها أنها كانت في سن ثلاث وعشرين سنة أو سبع عشرين فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لقد كثر الكلام حول قضية الزواج المبكر وكثر اللغط حول تأخير سن الزواج في هذه الأيام وأقدم قبل الجواب عن السؤال كلاماً موجزاً حول الزواج المبكر وأذكر بعض النصوص الشرعية التي تحض على الزواج: قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) سورة النور 32. وقال تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) سورة النساء الآية 3. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه البخاري. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) رواه البخاري. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم. ويجب أن يعلم أن الشريعة الإسلامية لم تحدد سناً معيناً بالسنوات لعقد الزواج بل أجاز جمهور الفقهاء المتقدمين زواج الصغير والصغيرة أي دون البلوغ ولكن قوانين الأحوال الشخصية في البلاد الإسلامية حددت سناً للزواج فقد نصّ القانون الأردني للأحوال الشخصية في المادة الخامسة منه

على ما يلي: [يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين، وأن يتم الخاطب السن السادسة عشرة وأن تتم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر]. [ونصَّ قانون الأحوال الشخصية لدولة الإمارات العربية في الفقرة الأولى من المادة عشرين على أن سن الزواج للفتى ثمانية عشر عاماً وللفتاة ستة عشر]. وكذلك فإن القوانين الأوروبية قد حددت سن الزواج فالقانون الفرنسي قد جعل سن الثامنة عشرة للفتى والخامسة عشر للفتاة. وكذلك فإن الديانات الأخرى حددت سناً للزواج ففي الشريعة اليهودية جعلت سن زواج الرجل الثالثة عشرة والمرأة الثانية عشرة. إن المعنى الحقيقي للزواج المبكر من الناحية الطبية والعلمية هو الزواج قبل البلوغ فبالنسبة للفتاة الزواج المبكر هو زواجها قبل الحيض. وأما تسمية من تتزوج قبل الثامنة عشرة بأنه زواج مبكر فهذا لا يستند إلى قاعدة علمية أو قاعدة شرعية فأمر الزواج مربوط بالبلوغ والبلوغ عند الفتاة هو الفترة الزمنية التي تتحول فيها الفتاة من طفلة إلى بالغة وعندها تصبح الفتاة بالغة. وأما سن البلوغ فيتراوح عالمياً ما بين 9 - 16 سنة وفي بلادنا ما بين 11 - 12 سنة حسب دراسة علمية صادرة عن الجامعة الأردنية. ويقال لمعارضي الزواج المبكر ما يلي: إن قانون الأحوال الشخصية قد منع زواج الصغار أخذاً بالرأي الفقهي الذي يمنع ذلك واشترط بلوغ الزوجة خمسة عشرة عاماً وأما الزوج فستة عشرة عاماً وهذا السن بالنسبة للرجل والمرأة هو سن يكون كل منهما قد بلغ ويدخل سن الأهلية والتكليف، والدعوة إلى تأخير الزواج هو انتقاص لأهلية الرجل والمرأة وحجر على حريتهما التي تتبجح هذه المراكز بالمناداة بها.

وكذلك فقد جاء في كتاب " القانون ومستقبل المرأة الفلسطينية " لمؤلفته أسمى خضر ص 131: [الدعوة إلى تأخير سن الزواج إلى 18 عاماً للفتاة والفتى وذلك تمشياً مع تعريف الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل إذ أن نهاية سن الطفولة بلوغ 18 عاماً]. وأقول إنه لأمر عجيب حقاً تمديد سن الطفولة إلى بلوغ 18 عاماً ليتمشى ذلك مع الاتفاقيات الدولية ولماذا لا نسير وفق ما جاء في ديننا وتاريخنا وحضارتنا، لقد دق محمد بن القاسم أبواب الصين وهو دون الثامنة عشرة وقاد أسامة بن زيد جيوش المسلمين وهو ابن ستة عشرة عاماً فهل تأخير سن الطفولة إلى ثمانية عشرة عاماً في مصلحة الأمة والمجتمع. وبالنظر إلى سجلات عقود الزواج في المحاكم الشرعية نجد أنه قلما تتزوج فتاة دون سن السابعة عشر أو دون سن العشرين للشباب. إن أولياء الأمور يستطيعون تقدير أمور الزواج المتعلقة ببناتهم فإذا وجد في ابنته القدرة على ذلك زوَّجها، وإذا لم يجد فيها القدرة على ذلك لم يزوِّجها. إن البحوث العلمية والدراسات العالمية تثبت أنه لا يوجد زيادة في مضاعفات الحمل عند النساء اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 - 19 سنة. وإن المضاعفات التي تحصل عند الحوامل أقل من 15 سنة هي نسبياً قليلة كما أن أورام الثدي والرحم والمبايض هي أقل عند النساء اللواتي يبدأن الحمل والإنجاب في السنين المبكرة. إن العمليات القيصرية والولادة المبكرة والتشوهات الخلقية ووفاة الجنين داخل الرحم ووفاة الأطفال بعد الولادة جميعها تزداد نسبياً كلما زاد عمر الحامل. إن الحمل والإنجاب هو عمل متكرر وإن المرأة بحاجة إلى فترة زمنية طويلة لإنجاب ما كتب الله لها من أطفال. فالمرأة التي تتزوج في سن متأخر فإنها سوف تنجب أطفالها وهي في سن متأخر، ومن المثبت طبياً أن الأمراض المزمنة تبدأ بالظهور أو تزيد استفحالاً كلما تقدم الإنسان عمراً

وهذه الأمراض المزمنة تزيد مخاطر الحمل والإنجاب وأحياناً تقف عائقاً للحمل والإنجاب. إذا ثبت هذا فنعود إلى جواب السؤال ونقول إنه قد ثبت عند المحققين من أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها لما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت ابنة تسع سنين ولم ينقل خلاف ذلك فيما اطلعت عليه من المصادر، فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني النبي - صلى الله عليه وسلم - أي عقد عليّ - وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج فوعكت فتمزق شعري فوفى جميمة فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ضحى فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين) وفي حديث آخر روى البخاري عن عروة قال: (توفيت خديجة قبل مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريباً من ذلك ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين) صحيح البخاري مع الفتح 8/ 224 - 225. وذكر الإمام النووي في ترجمة عائشة: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع] تهذيب الأسماء واللغات 2/ 351. وذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة عائشة أن قد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت ست وقيل سبع ودخل بها وهي بنت تسع وكان دخوله بها في شوال في السنة الأولى ثم ذكر الحافظ ابن حجر ما ثبت في الصحيح من رواية الأسود عن عائشة قال: (تزوجني الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت ست سنين وبنى بي وأنا بنت تسع وقبض وأنا بنت ثمان عشرة سنة) الإصابة 8/ 139.

الحجاب الشرعي

ومثل ذلك ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 8/ 95 ومثله ذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء 2/ 135. وختاماً فإني أقول إنه لا يجوز شرعاً سن قانون يحظر الزواج قبل الثامنة عشرة لما يترتب على ذلك من مفاسد كثيرة. ومع أنني من أنصار التبكير في الزواج وأحث على ذلك ولكنني أرى أنه ينبغي أن يكون الزوجان قد أتما المرحلة الجامعية الأولى وهذا لا يعني منع حالات الزواج في أقل من ذلك وحسب ما حدده قانون الأحوال الشخصية. الحجاب الشرعي تقول السائلة: نشرت إحدى الصحف مقالاً تعترض فيه كاتبته على الحجاب الشرعي وتقول إن قضية اللباس قضية شخصية وإن الحجاب من القشور وإن قضية الحجاب هي قضية فقهية وهي محل خلاف بين الفقهاء، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن الحملة المعادية للباس الشرعي ليست جديدة وإنما لها جذور قديمة وقد حمل وزرها دعاة كثر مثل رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وهدى شعراوي ونوال السعداوي وغيرهم كثير. وزعم هؤلاء أنهم من أنصار المرأة وأنهم يدافعون عن حقوقها ويعتبرون اللباس الشرعي عائقاً في سبيل تقدم المرأة المسلمة ولهم شبهات كثيرة حول هذه القضية لا يتسع المقام لبيانها والرد عليها وقد بحثت هذه القضية عشرات المؤلفات. ولكن لا بد من توضيح ما جاء في السؤال حول الإدعاء بأن اللباس الشرعي قضية شخصية، صحيح أن اللباس قضية شخصية من حيث إن الإنسان ذكراً كان أو أنثى حرّ فيما يختاره من ملابس فيختار لونها وشكلها وقماشها وغير ذلك من المواصفات ولكن اللباس ليس قضية شخصية من

حيثيات أخرى فهل نقبل أن يمشي رجل في السوق وليس عليه إلا لباس البحر " المايوه "!!؟ إن الشريعة الإسلامية وضعت قواعد عامة للباس سواء كان لباس الرجل أو لباس المرأة فأوجبت أن يكون لباس الرجل وكذا لباس المرأة ساتراً لعورة كل منهما. فالإنسان المسلم عليه أن يلتزم بشرع الله سبحانه وتعالى في جميع مجالات حياته ومن ضمن ذلك اللباس فليس اللباس الشرعي اختيارياً للمرأة بل إنه أمر واجب وفريضة شرعية كما سأذكر فيما بعد. كما أن وصف اللباس الشرعي للمرأة بأنه من القشور وأن المهم هو ما في داخل النفوس، مغالطة وخطأ واضح فأحكام الشريعة الإسلامية ليس فيها ما يوصف بأنه قشور أو لباب، فأحكام الشريعة الإسلامية كلها لباب ولا قشور فيها لأنها تعالج كل قضايا الناس فلا يصح أن نقول هذا الحكم من القشور وهذا من اللباب فهي جميعاً من عند الله سبحانه وتعالى اللطيف الخبير. وأما الادعاء بأن اللباس الشرعي أو قضية الحجاب هي قضية فقهية مثارة بين الفقهاء فهذا الكلام غير صحيح أبداً فإن قضية الحجاب أو الجلباب الشرعي قضية مسلَّمة بين الفقهاء لأنها ثابتة بالنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو فريضة من فرائض الله سبحانه وتعالى، وأما الخلاف بين الفقهاء فقد وقع في قضايا تابعة لقضية الجلباب المتفق عليها. مثلاً هل يجب على المرأة أن تغطي وجهها وكفيها أم لا؟ وكذا الخلاف في بعض التفاصيل المتعلقة بالجلباب وليس الخلاف في أصل وجوب الجلباب فهذه مسألة متفق عليها بين علماء المسلمين يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة الأحزاب الآية 59.

دية المرأة نصف دية الرجل

فهذه الآية الكريمة أوجبت اللباس الشرعي على جميع النساء المسلمات. وقال تعالى: (قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) سورة النور الآيتان 30 - 31. وعن أم عطية الأنصارية قالت: (أمرنا أن نخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدون جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن. قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها) رواه البخاري ومسلم. وجاء في حديث أسماء بنت أبي بكر: (أنها كانت عند أختها عائشة وعليها ثياب واسعة الأكمام فلما نظر إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - قام فخرج. فقالت عائشة رضي الله عنها تنحي فقد رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمراً كرهه فتنحت فدخل رسول الله فسألته عائشة رضي الله عنها لم قام؟ قال: أو لم تري هيئتها إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا - أي وجهها وكفيها -) رواه الطبراني والبيهقي وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص 59. وغير ذلك من الأدلة. دية المرأة نصف دية الرجل يقول السائل: إن أحد المدرسين استنكر أن تكون دية المرأة نصف دية الرجل واعتبر أن هذا القول غير صحيح فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن بعض الناس يحاول أن يظهر أنه من أنصار المرأة والمدافعين عن حقوقها ويجعله ذلك يتمسك بما هو أوهى من بيت العنكبوت في الاحتجاج لما يراه من أحكام يزعم أن فيها نصرة للمرأة ولا

يتسع المقام للرد على أمثال هؤلاء وبيان ما أعطاه الإسلام للمرأة في جميع جوانب الحياة. والمسلم الصادق لا ينخدع بالدعوات الزائفة التي تدعو لنصرة المرأة والتخلي عن الأحكام الشرعية المنصوصة في حق المرأة كإعطاء الأنثى نصف ميراث الذكر ونحو ذلك من الأحكام. وأما بالنسبة لدية المرأة فيجب أن يعلم أولاً أن العلماء قد بينوا أن الرجل يقتل بالمرأة إن قتلها عمداً وأما إن قتلت المرأة خطأً فإن ديتها على النصف من دية الرجل وهذا باتفاق أهل العلم إلا من شذ ولا عبرة بالأقوال الشاذة التي يحاول بعض الناس نفخ الروح فيها وأنّى لهم ذلك!! قال الحافظ ابن عبد البر: [أجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل] الاستذكار 25/ 63. وقال الإمام القرطبي: [وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل قال أبو عمر - يعني ابن عبد البر -: إنما صارت ديتها والله أعلم على النصف من دية الرجل من أجل أن لها نصف ميراث الرجل وشهادة امرأتين بشهادة رجل وهذا إنما هو في دية الخطأ وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء لقوله عز وجل: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ... الخ] تفسير القرطبي 5/ 325. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي معلقاً على قول الخرقي: [ودية الحرة المسلمة نصف دية الحر المسلم. قال ابن المنذر وابن عبد البر أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل] المغني 8/ 402. وهذا قول الأئمة الأربعة وأتباعهم وعلماء السلف والخلف ونقل عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ولا يعرف لهم مخالف فصار إجماعاً، الحاوي الكبير 12/ 289.

وقد شذّ الأصم وابن علية فقالا دية المرأة كدية الرجل وتابعهما على ذلك بعض المعاصرين كالمالكي في نظام العقوبات ص 121. ومما يدل على قول جماهير أهل العلم ما رواه الشافعي وغيره عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قوَّم دية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل] رواه الشافعي في الأم 6/ 91 - 92 والبيهقي في السنن 8/ 95. وقد ذكر عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عدة روايات عن الصحابة تفيد أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، انظر مصنف عبد الرزاق 9/ 393 - 397، مصنف ابن أبي شيبة 9/ 299 - 302، سنن البيهقي 8/ 95 - 96. وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن شريح القاضي عن عمر - رضي الله عنه - قال: [ ... دية المرأة على النصف من دية الرجل] مصنف ابن أبي شيبة 9/ 300، وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح. إرواء الغليل 7/ 307. وقد رويت بعض الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ولكنها غير ثابتة ولكن ثبوت تنصيف دية المرأة عن عدد من الصحابة ونقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك يكفي في ثبوت هذا الحكم لأن مثل هذا الأمر لا يعرف إلا توقيفاً لأنه من المقدرات التي لا مجال للعقل فيها فيكون له حكم الرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وخاصة أن عدداً كبيراً من الفقهاء والأئمة قالوا بذلك كسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري وعطاء ومكحول والليث وابن شبرمة وهو قول الأئمة الأربعة كما سبق. انظر فقه عمر في الجنايات 2/ 474، فتح باب العناية 3/ 348. وأما حجة من شذ فخالف فقد قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وحكي عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها كدية الرجل لقوله عليه الصلاة والسلام: (في النفس المؤمنة مئة من الإبل) وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -] المغني 8/ 402.

القتل على خلفية شرف العائلة

وأما ما استدل به المالكي في نظام العقوبات ص 121 - 122 من العمومات التي تسوي بين الذكر والأنثى في الدية فغير مسلّم لأن هذه النصوص مخصوصة يخصصها إجماع الصحابة الذي نقله العلماء ولم يعرف لهم مخالف والإجماع يخصص عموم الكتاب والسنة كما قال الأصوليون. قال الآمدي: [لا أعرف خلافاً في تخصيص القرآن والسنة بالإجماع ودليله المنقول والمعقول أما المنقول فهو إن إجماع الأمة خصص آية القذف بتنصيف الجلد في حقّ العبد كالأمة وأما المعقول فهو أن الإجماع دليل قاطع والعام غير قاطع في آحاد مسمياته ... فإذا رأينا أهل الإجماع قاضين بما يخالف العموم في بعض الصور علمنا أنهم ما قضوا به إلا وقد اطلعوا على دليل مخصص له نفياً للخطأ عنهم وعلى هذا فمعنى إطلاقنا أن الإجماع مخصص للنص أنه معرّ ف للدليل المخصص لا أنه في نفسه هو المخصص] الإحكام للآمدي 2/ 327. وانظر إرشاد الفحول ص 169، شرح الكوكب المنير 3/ 369. وأما قول المالكي: [ ... إن الذين يقولون إن دية المرأة نصف دية الرجل لا يوجد لهم دليل صحيح ... ] فكلامه غير صحيح وليس عنده إلا العمومات وقد قام الدليل على تخصيصها بالإجماع كما سبق بيانه. القتل على خلفية شرف العائلة تقول السائلة: ما قولكم فيما يسمى بالقتل على خلفية شرف العائلة وهل يجوز للأب أو الأخ قتل ابنته أو أخته الزانية مع العلم أنه قد يقع القتل بمجرد الشك في سلوك الفتاة ودون إثبات لواقعة الزنا؟ الجواب: لا شك أن الزنا من كبائر الذنوب ومن الجرائم الاجتماعية الفظيعة، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) سورة الإسراء الآية 32.

قال الإمام القرطبي: [قال العلماء، قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) أبلغ من أن يقول ولا تزنوا فإن معناه لا تدنوا من الزنا] تفسير القرطبي 10/ 253. وقد جعل الله سبحانه وتعالى من صفات عباد الرحمن ترك الزنا فقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) سورة الفرقان الآيتان 68 - 69. وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة التحذير من الزنا وبيان ضرر الزنا فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) رواه البخاري ومسلم. وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه تضمنت له بالجنة) رواه البخاري، وما بين لحييه أي اللسان وما بين رجليه أي فرجه. وورد في حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. وقد قرر الإسلام عقوبة للزاني المحصن " المتزوج " وللزاني غير المحصن قال الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) سورة النور الآية 2. وهذه الآية في حق الزانية والزاني غير المحصنين وعند جمهور الفقهاء يغرب الزاني لمدة عام بعد الجلد لما جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مئة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مئة والرجم) رواه مسلم، ويرى بعض أهل العلم أن التغريب خاص بالزاني الرجل دون المرأة.

وأما الزانيان المحصنين فعقوبتهما الرجم لما ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر برجم ماعز عندما اعترف بالزنا وكان محصناً فقال عليه الصلاة والسلام: (اذهبوا به فارجموه) رواه مسلم. وغير ذلك من النصوص. إذا ثبت هذا فإن تنفيذ العقوبات من اختصاص الدولة المسلمة بأمر الإمام ولي أمر المسلمين وليس من اختصاص الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب أو غيرها. قال الشيخ عبد القادر عوده رحمه الله تحت عنوان " من الذي يقيم الحدّ ": [من المتفق عليه بين الفقهاء أنه لا يجوز أن يقيم الحدّ إلا الإمام أو نائبه لأن الحدّ حق الله تعالى ومشروع لصالح الجماعة فوجب تفويضه إلى نائب الجماعة وهو الإمام ولأن الحدّ يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن في استيفائه من الحيف والزيادة على الواجب فوجب تركه لولي الأمر يقيمه إن شاء بنفسه أو بواسطة نائبه وحضور الإمام ليس شرطاً في إقامة الحد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير حضوره لازماً فقال: اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. وأمر عليه الصلاة والسلام برجم ماعز ولم يحضر الرجم وأتي بسارق فقال: اذهبوا به فاقطعوه. لكن إذن الإمام بإقامة الحدّ واجب، فما أقيم حدّ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بإذنه وما أقيم حدّ في عهد الخلفاء إلا بإذنهم] التشريع الجنائي الإسلامي 2/ 444. وجاء في الموسوعة الفقهية: [اتفق الفقهاء على أنه لا يقيم الحدّ إلا الإمام أو نائبه وذلك لمصلحة العباد وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم والإمام قادر على الإقامة لشوكته ومنعته وانقياد الرعية له قهراً وجبراً كما أن تهمة الميل والمحاباة والتواني منتفية عن الإقامة في حقه فيقيهما على وجهه فيحصل الغرض المشروع بيقين، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقيم الحدود وكذا خلفاءه من بعده] 17/ 144 - 145. ومما يدل على أن تنفيذ العقوبات من اختصاص الدولة المسلمة ممثلة بالإمام أو من يقوم مقامه قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) سورة النور الآية 2.

قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: [لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر الإمام ومن ناب منابه] تفسير القرطبي 12/ 161. وبناء على ما سبق لا يجوز لشخص مهما كان أن يتولى تنفيذ العقوبات الشرعية بنفسه سواء أكان أباً أو أخاً أو عمّاً أو خالاً أو غير ذلك فلا يجوز لهؤلاء أن يقتلوا من تتهم بالزنا لتطهير شرف العائلة كما يدعون. وهنا لا بد من بيان عدة أمور: أولاً: إن الزنا يثبت بأحد أمور ثلاثة: الشهادة والإقرار والقرائن. وقد شدد الإسلام في قضية الشهادة على الزنا واشترط أربعة شهود، قال تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) سورة النساء الآية 15. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثمَانِينَ جَلْدَةً) سورة النور الآية 4. والشهادة في الزنا لها شروط مفصلة مذكورة في كتب الفقه، ولا بد في الإقرار من أن يكون مفصلاً مبيناً كما في قصة ماعز، والقرائن لا بد أن تكون صحيحة ومعتبرة عند العلماء حتى يثبت الزنا. انظر الموسوعة الفقهية 24/ 37 فما بعدها. ثانياً: إن كثيراً من حالات القتل على خلفية شرف العائلة تكون الفتاة فيها مظلومة ظلماً شديداً فقد تقتل لمجرد الشك في تصرفاتها ولا يكون زناها قد ثبت فعلاً أو تكون قد ارتكبت مخالفة أقل من الزنا غير موجبة للحد وإنما توجب التعزير فقط. ثالثاً: ورد في بعض النصوص الشرعية جواز قتل الزناة حال تلبسهم بالجريمة فقط فقد ورد في الحديث أن سعد بن عبادة قال: (لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير منا) رواه البخاري.

ومعنى قوله: (لضربته بالسيف غير مصفح) أي أضربه بحد السيف لأقتله لا بعرض السيف تأديباً. وورد عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -: (أنه كان يوماً يتغذى إذ جاءه رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بالدم ووراءه قوم يعدون خلفه فجاء حتى جلس مع عمر فجاء الآخرون فقالوا: يا أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا. فقال له عمر: ما يقولون؟ قال: يا أمير المؤمنين إني ضربت فخذي امرأتي فإن كان بينهما أحد فقد قتلته. فقال عمر: ما يقول؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين إنه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة فأخذ عمر سيفه فهزه ثم دفعه إليه وقال: إن عادوا فعد) فقه عمر 1/ 334. وبناءاً على ذلك قال جمهور الفقهاء يجوز للزوج أن يقتل رجلاً شاهده مع زوجته متلبساً بجريمة الزنا سواء أكانت الزوجة مطاوعة أو مكرهة ودم المتلبس بالجريمة هدر إن ثبت ذلك عند القاضي بالشهادة أو بالإقرار. انظر فقه عمر 1/ 337 - 338. وهذا القتل قال الفقهاء إنه يكون في حالة ضبط الزاني متلبساً بجريمته لأن الزوج في هذه الحالة يكون في حالة غضب شديد جداً. رابعاً: إن كثيراً من حالات القتل على خلفية شرف العائلة تقع بعد حصول حادثة الزنا بفترة طويلة وغالباً ما تكون بعد أن تظهر على الفتاة علامات الحمل من الزنا وفي مثل هذه الحالات تكون الفتاة بكراً فلا يجوز قتلها لأن عقوبتها الشرعية ليست القتل ولو كانت متزوجة فلا تقتل لأن تنفيذ العقوبة كما سبق من اختصاص إمام المسلمين وليس الأمر للزوج أو الأب أو الأخ أو غيرهم. خامساً: إن الآباء والأمهات والأخوة يتحملون جزءاً من المسؤولية عن وقوع ابنتهم في الفاحشة فالواجب هو تحصين البنات والشباب وتربيتهم تربية صحيحة وسد المنافذ التي تؤدي إلى وقوعهم في الفحشاء والمنكر فإن الوقاية خير من العلاج. سادساً: إذا تم قتل الفتاة الزانية غير المحصنة فإن قاتلها يتحمل

المنكرات في الأعراس

مسؤولية قتلها وينبغي أن يعاقب العقوبة الشرعية إلا إذا وجد مانع من ذلك كالأبوة فهي مانعة من القصاص عند جماهير أهل العلم. والمسألة فيها تفصيل لا يحتمله المقام. المنكرات في الأعراس يقول السائل: ظهرت في الآونة الأخيرة في حفلات الأعراس عادات مشينة وظواهر غريبة عن تعاليم ديننا منها: 1. الرقص المشترك للعروسين أمام الحاضرات من النساء وهو ما يسمى رقصة " سلو "، " slow ". 2. تقبيل العريس للعروس أمام النساء. 3. كثير من النساء يلبسن ملابس فاضحة. فما قولكم فيها، وما حكم حضور هذه الأعراس؟ الجواب: إن أغلب الأعراس اليوم مخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى من جوانب كثيرة ويستسيغ الناس ذلك لأنهم يريدون أن يفرحوا كما زعموا. فالفرح عندهم لا يتم إلا بالاختلاط الماجن بين الرجال والنساء وفرحهم لا يتم إلا باستعمال المفرقعات المزعجة والتي قد تؤدي إلى حوادث مؤسفة. وفرحهم لا يتم إلا بالرقص المختلط والعري والتهتك وبشرب الخمور ولا يتم فرحهم إلا بالفرق الموسيقية ومكبرات الصوت التي تزعج أهل الحي وأهل البلد إلى ساعة متأخرة من الليل مع أن الناس فيهم المريض الذي يحتاج إلى الراحة والهدوء وفيهم طالب العلم الذي لا يستطيع الدراسة بسبب إزعاج الأفراح وفيهم العامل الذي يريد النوم ليستيقظ مبكراً ليذهب إلى عمله.

وهكذا يبدأ الزوجان حياتهما بالمنكرات وانتهاك المحرمات الموجبة لغضب الله سبحانه وتعالى. ولا شك لدي أن الرقص فيه خفة ورعونة ويكون حراماً إذا رقصت النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك إلا الفاسقات الفاجرات كما تفعله الراقصات في زماننا هذا. وأما رقص النساء فيما بينهن فإذا لم يكن كرقص الفاسقات الفاجرات فلا بأس به وأما إن كان كرقص الفاجرات الفاسقات فهو ممنوع وغير جائز شرعاً وقد عده كثير من الفقهاء من منكرات الأعراس. وأما رقص العروسين وسط النساء فمنكر قبيح وحرمته أشد وخاصة أنهما يقلدان في الرقص أهل الكفر والفسق والفجور. وأما تقبيل العريس لعروسه أمام النساء فمنكر وخلاعة وقلة أدب وفعل ذلك أمام الناس يدل على قلة الدين ويدعو إلى الفحش والوقوع في المنكرات. وأما الملابس الفاضحة التي تلبسها النساء في الأعراس فإن فعلن ذلك بحضور الرجال فهو حرام ومن يرضَ ذلك لزوجته أو بنته فهو ديوث كما ورد في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث) رواه أحمد والنسائي وابن حبان وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح أنظر صحيح سنن النسائي 2/ 541. والديوث هو الذي يرى المنكر في أهله ثم يسكت ولا ينكره كما ورد تفسيره في رواية أخرى عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن خمر والعاق والديوث الذي يقر في أهله الخبث) رواه أحمد. وأما إن لم يكن بحضور الرجال فلا يخرج عن كونه تقليداً للفاسقات الفاجرات الكافرات فالصحيح المنع منه.

الحداد على الأخ الميت

وواجب المسلمة ألا تحضر مثل هذه الأعراس التي تقع فيها هذه المنكرات والمخالفات ولا يكفي في هذا المقام الإنكار بالقلب وإنما الواجب هو عدم الحضور خشية الفتنة والاندفاع إلى اقتراف الحرام. الحداد على الأخ الميت تقول السائلة: إن أخاها قد مات فحدت عليه لمدة عام وكانت لا تلبس إلا الملابس السوداء في ذلك العام فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يشرع الإحداد على الأخ الميت أو أي قريب مات أكثر من ثلاثة أيام أما زوج المرأة إن مات فتحد زوجته عليه أربعة أشهر وعشرة أيام إلا إذا كانت حاملاً عند الوفاة فتحدّ حتى تضع حملها وهي عدة الوفاة في حقها في الحالتين. والمقصود بالإحداد هو امتناع المرأة من الزينة وما في معناها خلال مدة الإحداد الشرعي. ومما يدل على مشروعية الإحداد ما ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) رواه البخاري ومسلم. وعن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة اشهر وعشراً ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار) رواه البخاري ومسلم. وثوب العصب نوع من الثياب اليمانية. وقوله نبذة من قسط أو أظفار - وهما نوعان من البخور - أي قطعة منهما.

من هذين الحديثين يؤخذ أنه لا يجوز للمرأة أن تحدّ على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام فإحداد المرأة على زوجها في عدة الوفاة واجب طوال العدة وأما إحدادها على غير زوجها كأبيها وأمها وأخيها وأختها وابنها وابنتها وغيرهم من الأقارب فليس بواجب بل هو جائز إن شاءت حدت وإن شاءت لم تحد. ونقل الحافظ ابن حجر عن الحافظ ابن بطال قوله: [الإحداد امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها من لباس وطيب وغيرهما وكل ما كان من دواعي الجماع وأباح الشارع للمرأة أن تحدّ على غير زوجها ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من ألم الوجد وليس ذلك واجباً] فتح الباري 3/ 388. ويحرم على المرأة أن تزيد مدة الإحداد عن ثلاثة أيام لموت أي قريب من أقربائها فلا يجوز الإحداد لمدة أسبوع ولا لأربعين يوماً ولا لسنة ولا لغير ذلك كما اعتاده كثير من النساء وللمرأة المسلمة اليوم أسوة حسنة في نساء النبي- صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابيات فقد ثبت في الحديث عن زينب بنت أبي سلمة قالت: (لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله عنها - وهي أم المؤمنين - بصفرة في اليوم الثالث فمسحت عارضيها وذراعيها وقالت: إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحدّ عليه أربعة أشِهر وعشراً) رواه البخاري ومسلم. فهذه أم حبيبة لما مات أبوها وفي رواية أخرى أخوها وبعد مرور ثلاثة أيام طلبت صفرة والصفرة نوع من الطيب فدعت به فمسحت عارضيها أي خديها وذراعيها مع أنها ليست محتاجة للتطيب وإنما لتثبت التزامها بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وثبت في الحديث عن محمد بن سيرين قال: (توفي ابن لأم عطية رضي الله عنها فلما كان اليوم الثالث دعت بصفرة فتمسحت به وقالت: نهينا أن نحد أكثر من ثلاث إلا على زوج) رواه البخاري.

وأما لبس السواد في الإحداد واتخاذ ذلك شعاراً للنساء في فترة الإحداد فليس مشروعاً وإنما يجوز للمرأة أن تلبس ما تشاء من ثيابها بشرط ألا يكون زينة في نفسه. ويجب أن يعلم أن الإحداد خاص بالنساء وليس على الرجال إحداد بإجماع أهل العلم. الموسوعة الفقهية 2/ 104. لذلك فليس مشروعاً ما يفعله بعض الرجال عند موت قريب لهم من لبس ملابس سوداء وإعفاء بعض الرجال لحاهم لعدة أيام حزناً على ميتهم مع أنهم كانوا يعتادون حلق لحاهم. فإذا انقضت أيام الحزن عادوا إلى حلق لحاهم فهذا الأمر في معنى نشر الشعر المنهي عنه كما قال الشيخ الألباني عند ذكره لما لا يجوز فعله عند الوفاة فقال: [- نشر الشعر، لحديث امرأة من المبايعات قالت: (كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه وأن لا نخمش وجهاً ولا ندعو ويلاً ولا نشق جيباً وأن لا ننشر شعراً) أخرجه أبو داود ... بسند صحيح - إعفاء بعض الرجال لحاهم أياماً قليلة حزناً على ميتهم فإذا مضت عادوا إلى حلقها! فهذا الإعفاء في معنى نشر الشعر كما هو ظاهر يضاف إلى ذلك أنه بدعة وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) رواه النسائي والبيهقي في الأسماء والصفات بسند صحيح عن جابر) أحكام الجنائز وبدعها ص 30. ومن صور الإحداد الجاهلي المعاصر الإحداد العام في الدول لموت رئيس أو عظيم أو حلول مصاب عام ومن مظاهر هذا الإحداد إيقاف الأعمال وتنكيس الأعلام وتغيير برامج الإعلام بما يناسب المقام من ثناء على الميت وذكر أعماله وغير ذلك مما يندرج تحت تقديس الأشخاص وتعظيمهم. ولا يشك عالم بقواعد الشريعة ونصوصها عارف بسيرة أهل القرون الفاضلة أن هذا الفعل ليس مما يجيء بمثله الشرع الحنيف ولا فعله السلف الصالح مع كثرة من فقدوا رحمهم الله من العظماء والأكابر فهؤلاء الصحابة

خير القرون رضي الله عنهم مات فيهم خير الخلق وسيد البشر وخليل الرحمن النعمة المسداة والرحمة المهداة رسولنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يفعلوا ما فعله المتأخرون مع الصعاليك العظماء فدل ذلك على عدم مشروعيته إذ لو كان مشروعاً لفعلوه مع إمام العظماء نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. وتقدم نقل الإجماع على أن الإحداد مما اختصت به النساء دون الرجال وهي إنما تحدّ على زوجها المتوفى عنها أربعة أشهر وعشراً أو على غيره ثلاثة أيام وأما ما سوى ذلك فهو من الإحداد الممنوع. ولا شك أن تعطيل أعمال الناس لأجل موت أحدهم فيه إفساد لمصالح الأحياء وإهدار لطاقاتهم وربطهم بالموتى وكأن الحياة لا تصلح ولا تطيب إلا بمن فقدوا ومن جهة أخرى فإن هذا الإحداد المبتدع مما أخذه بعض المسلمين عن الكفار ومعلوم من نصوص الكتاب والسنة أن التشبه بهم ممنوع قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) والتشبه بهم من موالاتهم. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التشبه بهم فعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) رواه أحمد وأبو دواد. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد هذا الحديث: [وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم] اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 236 أحكام الإحداد ص 29 - 30. ومن الأمور التي أحدثها الناس في الإحداد امتناع أحدهم عن الزواج لمدة سنة بعد وفاة قريب له أو أكثر أو أقل، ومثل ذلك عدم حضورهم للأعراس بعد وفاة قريب لهم لمدة قد تطول أو تقصر حسب أهوائهم. فكل ذلك ليس له أصل في الشرع والخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع.

الاحتفاظ بالبييضات الملقحة في عمليات أطفال الأنابيب

الاحتفاظ بالبييضات الملقحة في عمليات أطفال الأنابيب يقول السائل: في عمليات أطفال الأنابيب يتم تلقيح عدد من البييضات ويتم زرعها في رحم الزوجة ويبقى بعد ذلك فائض من البييضات الملقحة يحتفظ بها مجمدة فما حكم ذلك؟ الجواب: كثر إقبال الناس الذين لا ينجبون بالطريقة الطبيعية على مراكز أطفال الأنابيب التي انتشرت في الفترة الأخيرة وهذه المراكز الطبية تقوم بممارسة أعمالها دون وجود قانون أو نظام ينظم عملها ودون وجود هيئة طبية وشرعية تشرف على أعمالها وإن الموضوع جد خطير لما قد يترتب عليه من آثار سلبية كاختلاط الأنساب مثلاً. لذلك لا بد من وضع ضوابط وقواعد للعمل في هذه المراكز وخاصة أن غلبة الجانب التجاري واضح في بعضها تماماً. ومن المشكلات التي نشأت عن قضية أطفال الأنابيب القضية محل السؤال فمن المعلوم أن الأطباء يحرصون على إفراز أكبر عدد من البييضات بواسطة العقاقير وقد ذكر أحد الباحثين أنه أمكن استخراج خمسين بييضة من امرأة واحدة وأن أحد مراكز أطفال الأنابيب كان لديه أكثر من ألف ومئتي جنين فائض أودعت الثلاجة وجمدت وقد أخذت من أكثر من أربعين امرأة أجريت لهن عملية طفل الأنبوب وهذه الأجنة سميت أجنة تجاوزاً وإلا فهي في مرحلة ما قبل الجنين. انظر بحث د. محمد علي البار لمجمع الفقه الإسلامي ص 1803، مجلة المجمع عدد6/ج3. والأطباء يسحبون البييضات الكثيرة لأن عملية طفل الأنابيب تتطلب استنبات العديد من البييضات من المبيض عند المرأة يصل عددها في المتوسط ما بين 4 - 8 بويضات وفي العادة تسحب كل تلك البييضات من المبيض وتلقح في المختبر وينقل منها ثلاثة أجنة فقط إلى رحم الأم والفائض من تلك الأجنة يحتفظ به بعد تبريده وتجميده. انظر بحث د.

التخارج في الميراث

عبد الله باسلامة لمجمع الفقه الإسلامي ص 1841 مجلة المجمع عدد6/ج3. إن الاحتفاظ بالبييضات الملقحة لفترة طويلة يعتبر مشكلة قد تنتج عنها أمور لا يحمد عقباها. فقد يحتفظ بالبييضات الملقحة ريثما يثبت نجاح عملية طفل الأنبوب وثبوت الحمل وقد يحتفظ بها حتى تتم عملية زرع أخرى وهكذا. إن الأصل الذي قرره العلماء المعاصرون في هذه المسألة هو أن لا يكون هناك فائض من البييضات الملقحة وأن لا يتم تلقيح البييضات إلا بالعدد الذي لا يؤدي إلى وجود فائض منها وإذا ما بقي شيء من البييضات الملقحة بعد عملية الزرع فلا بد من التخلص منها. وقد درس مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة في دورته السادسة سنة 1410 هـ وقرر ما يلي: [ 1. في ضوء ما تحقق علمياً من إمكان حفظ البييضات غير ملقحة للسحب منها يجب عند تلقيح البييضات الاقتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة تفادياً لوجود فائض من البييضات الملقحة. 2. إذا حصل فائض من البييضات الملقحة بأي وجه من الوجوه تترك دون عناية طبية إلى أن تنتهي حياة ذلك الفائض على الوجه الطبيعي. 3. يحرم استخدام البييضة الملقحة في امرأة أخرى ويجب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البييضة الملقحة في حمل غير مشروع] مجلة المجمع الفقهي العدد السادس ج3ص2151 - 2152. التخارج في الميراث يقول السائل: باع شخص حصته من الميراث لأخيه قبل القسمة والآن قد باع الورثة حصصهم ويطالبهم هذا الشخص بجزء من حصته وهذا الجزء هو

حصته من ثُمن والدته مع العلم أن الوالدة كانت متوفاة لما باع حصته من أخيه فهل يحق له ذلك؟ الجواب: ما فعله هذا الوارث من بيع حصته في التركة لأخيه يسمى عند الفقهاء التخارج وهو أن يتصالح الورثة على إخراج بعضهم عن الميراث بشيء معلوم. والتخارج جائز شرعاً بشرط التراضي من الورثة وقد روى الإمام البخاري تعليقاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (يتخارج الشريكان وأهل الميراث) وقال الحافظ ابن حجر وصله ابن أبي شيبة بمعناه. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 5/ 370. وعن عمرو بن دينار: (أن امرأة عبد الرحمن بن عوف أخرجها أهله من ثلث الثمن بثلاثة وثمانين ألف درهم) رواه عبد الرزاق في المصنف 8/ 289، ورواه البيهقي بنحوه في السنن الكبرى 6/ 65. وما دام أن هذا الشخص قد باع حصته لأخيه قبل تقسيم الميراث وكانت الوالدة قد توفيت قبل ذلك فلا يجوز له أن يطالب بأي شيء لأنه قد خرج من الميراث بشرط أن يكون التخارج قد تم بالتراضي.

متفرقات

متفرقات

شروط الفتوى في دين الإسلام

شروط الفتوى في دين الإسلام يقول السائل: هنالك عدة أصناف من الناس يتحدثون ويكتبون في الأمور الشرعية فمنهم حملة الشهادات الشرعية ومنهم الموظفون الرسميون في الوظائف الدينية ومنهم المثقفون الذين ثقفوا أنفسهم بأنفسهم وجميع هؤلاء يتكلمون في قضايا الدين وقد يفتي بعضهم في المسائل الشرعية، فمن يجوز له أن يتكلم في أمور الدين من هؤلاء؟ الجواب: كثر في زماننا المتسورون على العلم الشرعي والمتصدون له من غير أن يكونوا أهلاً لذلك وهذه سيئة من سيئات الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية في هذا العصر والأوان، ولعل انتشار وسائل الإعلام العصرية قد أسهم في ذلك وأذكر مثالاً واحداً على ذلك وهو أن محطات التلفزة العربية والمحلية كثرت بشكل واضح، ومن ضمن الديكورات التي تقدمها تخصيص برامج دينية للإجابة على المسائل المختلفة وهذه المحطات تستضيف أصنافاً من المنتسبين للعلم الشرعي للإجابة على أسئلة المشاهدين وهؤلاء المشايخ منهم من هو أهل للإفتاء والحديث في العلم الشرعي بلا ريب ومنهم من ليس كذلك، فبعض محطات التلفزيون المحلية تستضيف مشايخ ليتحدثوا في أمور الدين وهم ليسوا أهلاً لذلك فتصدر منهم أخطاء بشعة وتقول على دين الله وخاصة إذا كان الحديث على الهواء مباشرة

وكانت الأسئلة في موضوعات مختلفة فيخبطون خبط عشواء. ويظن كثير من الناس أن إطلاق لقب شيخ على شخص ما يكفي ليكون فقيهاً ومفتياً كما ويظن آخرون أنه إذا حصل أحد المشايخ على شهادة جامعية عليا كانت أو دنيا فهذا مؤهل كاف للفتوى في دين الله كما يظن آخرون أن أئمة المساجد هم أهل الفتوى. ويظن آخرون أنه إذا قرأ كتاباً من الكتب الشرعية فإنه قد صار شافعي زمانه، وهكذا. وأود أن أنبه أننا نعيش في عصر اعتبر فيه الاختصاص شيئاً أساسياً فالاختصاص معتبر في جميع نواحي الحياة تقريباً. فمثلاً يشترط في أعضاء هيئة التدريس في الجامعات أن يكون الواحد منهم متخصصاً في العلم الذي يدرّسه وكذلك يشترط الاختصاص في الطب وفروعه المتعددة وكذلك يشترط الاختصاص في الحرف والمهن وغيرها. بل إن الاختصاص تطور وصار هنالك في العلم الواحد تخصصات كثيرة وقد يكون المتخصص في أحد فروع العلم المعاصر عامياً في فرع آخر من فروع ذلك العلم. وإذا كان الاختصاص له كل هذا الاعتبار في مجتمعنا فلماذا لا يعتبر في العلوم الشرعية؟ إن العلم الشرعي بحر لا ساحل له وفروع العلم الشرعي عديدة كعلوم القرآن وعلوم الحديث والفقه وأصول الفقه والعقيدة وغيرها ونحن في هذا الزمان كدنا نفقد ذلك العالم الموسوعي الذي يحيط بمعظم العلوم الشرعية فنحن نقرأ في كتب التراجم في وصف عالم من علمائنا المتقدمين أنه كان مفسراً محدثاً فقيهاً عالماً بالأصلين. الخ. وهذا في زماننا صار نادراً بل إن كثيراً من حملة الشهادات في العلوم الشرعية لا يكادون يتقنون تخصصهم الذي كانت معظم دراستهم فيه فضلاً أن يتقنوا تخصصاً آخر من التخصصات الشرعية.

وبناء على ذلك أقول: إنه لا يكفي أن يتعرض للفتوى في دين الله من ليس له صلة بالفقه والأصول وإن كان قد درس التفسير أو علوم القرآن أو الحديث أو السياسة الشرعية وكذلك فإن كثيراً من الموظفين الرسميين في الوظائف الدينية ليسوا أهلاً للإفتاء في دين الله وإن لبسوا لباس العلماء. وكذلك المثقفون بالثقافة الدينية الذين قرأوا الكتب بأنفسهم أو على أقرانهم فهؤلاء لا يوثق بعلمهم لأن العلم الشرعي لا بد فيه من التلقي على أيدي العلماء والشيوخ ولا يكفي أخذه من الكتب أو أن يأخذه طالب علم عن طالب علم مثله بل الصحيح أن يأخذه طالب العلم عن شيخه، قال الإمام الشافعي: [من تفقه من الكتب ضيع الأحكام] مقدمة المجموع للنووي 2/ 38. وقال الإمام النووي: [قالوا ولا تأخذ العلم ممن كان أخذه له من بطون الكتب من غير قراءة على شيوخ أو شيخ حاذق فمن لم يأخذه إلا من الكتب يقع في التصحيف ويكثر منه الغلط والتحريف] مقدمة المجموع للنووي 1/ 36. وقديماً قالوا: [من كان شيخه كتابه غلب خطؤه صوابَه]. ويضاف إلى ذلك أن من المشاهد في الذين يثقفون أنفسهم بأنفسهم أو يتثقفون على أقرانهم أنه يغلب عليهم الغرور والكبر فيتيهون على الناس لأنهم لم يجالسوا العلماء ولم يتأدبوا بأدبهم. وقد ذكر العلماء كثيراً من الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يفتون ويوقعون عن رب العالمين. فمن ذلك أن يكون عالماً بالكتاب والسنة بشكل عام وبآيات وأحاديث الأحكام على وجه الخصوص فلابد أن يعرف وجوه دلالات النصوص على الأحكام وأن يعرف أسباب نزول الآيات وأسباب ورود الحديث لما لذلك من فائدة عظيمة في معرفة المقصود بالنصوص الشرعية وإن كان الراجح عند الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولابد من معرفة الناسخ والمنسوخ في الكتاب والسنة ولا بد من معرفة ما يتعلق بعلم أصول

الحديث، فلا بد أن يكون ممن له تمييز بين الصحيح والحسن والضعيف من الأحاديث ولا بد أن يكون عارفاً بمسائل الإجماع حتى لا يفتي بخلاف ما وقع الإجماع عليه ولابد من معرفة اللغة العربية معرفة تيسر له فهم لغة العرب ليفهم كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فهما عربيان. ومما لا بد من معرفته والتمكن منه علم أصول الفقه فإن هذا العلم هو عماد فسطاط الاجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه كما قال الإمام الشوكاني في إرشاد الفحول ص 252. وقال العلامة الدكتور يوسف القرضاوي: [وقد رأينا عجباً ممن يقحمون أنفسهم في ميدان الاجتهاد والفتوى وهم لم يتقنوا علم الأصول بل أحياناً دون أن يقرأوا كتاباً واحداً فيه فكثيراً ما يستدلون بالمطلق وينسون المقيد ويحتجون بالعام ويهملون الخاص ويأخذون بالقياس ويغفلون النص أو يقيسون على غير أصل أو يقيسون مع عدم وجود علة مشتركة أو مع وجود فارق معتبر بين الفرع المقيس والأصل المقيس عليه] الاجتهاد في الشريعة الإسلامية ص 26. ولا بد من معرفة مقاصد الشرع الحكيم ولا بد من معرفة اختلاف الفقهاء، قال قتادة: [من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه] وقال غيره: [من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه]. وقال الإمام أحمد: [ينبغي لمن أفتى أن يكون عالماً بقول من تقدم وإلا فلا يفتي] وقال عطاء: [لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالماً باختلاف الناس فإن لم يكن كذلك ردَّ من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه]، وقال سعيد بن أبي عروبة: [من لم يسمع الاختلاف فلا تعدوه عالماً]. وقال سفيان بن عيينة [أجسر الناس على الفتوى أقلهم علماً باختلاف العلماء] الاجتهاد في الشريعة الإسلامية ص 36. وفوق كل ذلك لا بد أن يكون هؤلاء المتصدين للفتوى وبيان الأحكام الشرعية من أهل التقوى والورع الذين يخافون الله سبحانه وتعالى ولا يبيعون آخرتهم بدنياهم أو بدنيا غيرهم.

فقد ورد في الحديث عن علي بن أبي طالب قال: (قلت يا رسول الله: إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرني؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا فيه رأي خاصة) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون من أهل الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 178. وروى الدارمي في سننه عن أبي سلمة الحمصي أن النبي- صلى الله عليه وسلم -: (سئل عن الأمر يحدث ليس في كتاب ولا سنة؟ فقال: ينظر فيه العابدون من المؤمنين) ورجاله رجال الصحيح، انظر شرح الدارمي 2/ 65. وما أحسن ما قاله الإمام أحمد بن حنبل [لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال، أولها: أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور. والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة. والثالثة: أن يكون قوياً على ما هو فيه وعلى معرفته. والرابعة: الكفاية وإلا مضغه الناس. والخامسة: معرفة الناس] قال العلامة ابن القيم معلقاً على كلام الإمام أحمد: [وهذا مما يدل على جلالة أحمد ومحله من العلم والمعرفة فإن هذه الخمسة هي دعائم الفتوى وأي شىء نقص منها ظهر الخلل في المفتي بحسبه]. ثم شرح ابن القيم عبارة الإمام أحمد وأذكر بعض كلامه: [فأما النية فهي رأس الأمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى فإنها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع لها يبنى عليها يصح بصحتها ويفسد بفسادها ... وقد جرت عادة الله التي لا تبدل وسنته التي لا تحول أن يُلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضاء ما هو اللائق به فالمخلص له المهابة والمحبة وللآخر المقت والبغضاء. وأما قوله أن يكون له حلم ووقار وسكينة فليس صاحب العلم والفتيا إلى شيء أحوج منه إلى الحلم والسكينة والوقار فإنها كسوة علمه وجماله

مسألة اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم -

وإذا فقدها كان علمه كالبدن العاري من اللباس وقال بعض السلف: ما قرن شيء إلى شيء أحسن من علم إلى حلم] إعلام الموقعين 4/ 199 فما بعدها. مسألة اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول السائل: إنه سمع الدكتور يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة يتكلم عن مسألة اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه قال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكن أن يخطئ في الاجتهاد في الأمور الدنيوية وأن كثيراً من الناس قد احتجوا عليه واستفظعوا صدور ذلك منه ونالوا من الدكتور القرضاوي وطعنوا فيه، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: جزى الله خيراً الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على جهوده العلمية المميزة في التأليف والمحاضرات والبرامج التلفزيونية وغيرها، فإنه حقاً فقيه العصر والأوان ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل. وإن من مصائب الأمة الإسلامية في هذا الزمان أن يتكلم في مسائل العلم الشرعي أشباه طلبة العلم الذين إن قرأ الواحد منهم كتاباً أو كتابين ظن نفسه من كبار العلماء ومن أهل الاجتهاد المطلق فيجعل من نفسه حكماً يحكم بين العلماء فيرد عليهم ويصحح ويخطىء كما يشاء ويهوى من دون سند ولا أثارة من علم وهذا مع الأسف نشاهده ونسمعه باستمرار. إن ما قاله الدكتور يوسف القرضاوي سبقه إليه عدد من كبار علماء الإسلام وهو مسطور في كتب أصول الفقه من مئات السنين ولكن ما ذنب الشيخ القرضاوي أن شاتميه لا يقرأون ولا يفقهون. إن مسألة اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - مسألة اختلف فيها العلماء قديماً وتفرع عليها مسألة جواز خطأ اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - وليست من المسائل الجديدة وقد ذكرها

العلماء في كتبهم وحكوا فيها اختلاف العلماء فما سبوا ولا شتموا وإن كان بعض العلماء قد خطأ بعض الآراء وصوب غيرها. ولكنهم علماء علماء علماء وليسوا طلبة علم مبتدئين في طلب العلم، قال أبو إسحاق الشيرازي: [كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجتهد في الحوادث ويحكم فيها بالاجتهاد وكذلك سائر الأنبياء عليهم السلام. ومن أصحابنا من قال ما كان له ذلك وبه قال بعض المعتزلة] التبصرة في أصول الفقه ص 521. وجاء في جمع الجوامع وشرحه لجلال الدين المحلي 2/ 386: [والصحيح جواز الاجتهاد للنبي - صلى الله عليه وسلم - ووقوعه لقوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ)، (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) عوتب على استبقاء أسرى بدر بالفداء وعلى الإذن لمن ظهر نفاقهم في التخلف عن غزوة تبوك ولا يكون العتاب فيما صدر من الوحي فيكون عن اجتهاد. وقيل يمنع ... الخ]. وفصل الشوكاني مسألة اجتهاد الأنبياء فذكر خلاف العلماء فقال: [المذهب الأول ليس لهم ذلك لقدرتهم على النص بنزول الوحي ... المذهب الثاني أنه يجوز لنبينا - صلى الله عليه وسلم - ولغيره من الأنبياء وإليه ذهب الجمهور ... ] إرشاد الفحول ص 255 - 256. هذه بعض النقول في مسألة الاجتهاد وأما في مسألة الخطأ في الاجتهاد فقال أبو إسحاق الشيرازي: [يجوز الخطأ على رسول - صلى الله عليه وسلم - في اجتهاده إلا أنه لا يقر عليه بل ينبه عليه. ومن أصحابنا من قال لا يجوز عليه الخطأ] التبصرة في أصول الفقه ص 524 ثم ساق أدلة الفريقين وانتصر للقول الأول. وقال الآمدي: [القائلون بجواز الاجتهاد للنبي عليه الصلاة والسلام اختلفوا في جواز الخطأ عليه في اجتهاده فذهب بعض أصحابنا إلى المنع من ذلك. وذهب أكثر أصحابنا والحنابلة وأصحاب الحديث والجبائي وجماعة من المعتزلة إلى جوازه لكن بشرط أن لا يقر عليه وهو المختار ودليله

المنقول والمعقول ... الخ] الإحكام في أصول الأحكام 4/ 216. وقال الكمال بن الهمام: [وقد ظهر أن المختار جواز الخطأ في اجتهاده عليه الصلاة والسلام إلا أنه لا يقر على خطأ بخلاف غيره] تيسير التحرير 4/ 190. ويكفي هذا من كتب الأصول لأن المقام لا يتسع لاستقصاء ما قال الأصوليون في المسألة. وأنا هنا لست في مقام بحث مسألة اجتهاد النبي- صلى الله عليه وسلم - وهل يخطئ في اجتهاده أم لا؟ ولست في مقام الترجيح بين أقوال العلماء في ذلك والذي أريد أن أصل إليه هو أن هذه المسائل وغيرها لا يبحثها ولا يناقشها العوام من طلبة العلم وأشباه المتعلمين وأنه ليس في مقدرتهم الترجيح بين أقوال العلماء في هذه المسائل الاجتهادية الخلافية وكون عالم قال بأحد الأقوال في المسألة لا ينبغي الإنكار عليه والهجوم عليه وسبه وشتمه لأن قوله لا يوافق ما نهوى ونتمنى. إن العلماء كما ترى أخي القارئ قد اختلفوا في هذه المسألة الاجتهادية وأمثالها من المسائل التي لا يوجد فيها نص صريح من كتاب الله أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلا يصح الإنكار على عالم قال برأي فيها. وقديماً قال العلماء: [لا يصح الإنكار في مسائل الخلاف] والمقصود بذلك مسائل الخلاف الاجتهادية التي لا يوجد فيها نصوص صريحة من الكتاب أو السنة. فكل مسألة اختلف فيها العلماء ولم يثبت فيها نص صريح يدل على صحة أحد الأقوال فيها وإنما المستند فيها الاجتهاد فلا يجوز الإنكار على العالم فيما قال باجتهاده. لأن المجتهد لم يخالف نصاً بل خالف اجتهاد مجتهد آخر وهذه المسائل لا يعرف فيها المجتهد المصيب على وجه القطع لذا لا ينبغي الإنكار على من خالف رأياً لم يثبت بأنه صواب قطعاً. راجع حكم الإنكار في مسائل الخلاف ص 72 - 73.

قال الإمام النووي: [ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره وكذلك قالوا ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 24. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن يقلد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد فهل ينكر عليه أم يهجر؟ وكذلك من يعمل بأحد القولين؟ فأجاب: [الحمد لله، مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 20/ 207. وختاماً فينبغي على طلبة العلم وعلى عامة الناس أن تتسع صدورهم لسماع خلاف العلماء في مسائل العلم الشرعي وعلى هؤلاء وأولئك أن يعلموا أن العلماء عندما يختلفون فإنهم لا يصدرون في اختلافهم عن هوى أو تشهي أو قول في دين الله بغير علم أو مستند. وعليهم أن يعلموا أن الخلافات العلمية في المسائل التي لا يوجد فيها نصوص قطعية ليست مذمومة والخلاف فيها قديم والأمر فيه سعة، فلا تحجروا واسعاً. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فإن الله برحمته وطوله وقوته وحوله ضمن بقاء طائفة من هذه الأمة على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك وجعل السبب في بقائهم بقاء علمائهم واقتدائهم بأئمتهم وفقهائهم وجعل هذه الأمة مع علمائها كالأمم الخالية مع أنبيائها وأظهر في كل طبقة من فقهائها أئمة يقتدى بها وينتهى إلى رأيها وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام مهد بهم قواعد الإسلام وأوضح بهم مشكلات الأحكام اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة تحيا القلوب بأخبارهم وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم ثم اختص منهم نفراً أعلى قدرهم ومناصبهم وأبقى ذكرهم ومذاهبهم فعلى أقوالهم مدار الأحكام وبمذاهبهم يفتي فقهاء الإسلام] المغني 1/ 4 - 5.

حديث طلب العلم فريضة

ولا بد أن يتأدب طلبة العلم وعامة الناس مع العلماء وأن ينزلوهم منزلة الإكرام والاحترام وإن لم ترق لبعضنا آراؤهم واجتهاداتهم، فلكل مجتهد نصيب. حديث طلب العلم فريضة يقول السائل: هل حديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) حديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ الجواب: إن هذا الحديث المشهور على الألسنة محل اختلاف بين علماء الحديث فمنهم من يضعفه ومنهم من يرى أنه حديث حسن أو صحيح. والحديث ورد بدون زيادة (ومسلمة) فهذه اللفظة لم ترد في أي من طرق الحديث الكثيرة، قال الحافظ السخاوي [تنبيه: قد ألحق بعض المصنفين بآخر هذا الحديث (ومسلمة) وليس لها ذكر في شيء من طرقه وإن كان معناها صحيحاً] المقاصد الحسنة ص 277. ولفظ مسلم الوارد في الحديث يشمل المسلمة. قال الإمام النووي: [وهذا الحديث وإن لم يكن ثابتاً فمعناه صحيح] المجموع 1/ 24. وقال البيهقي [متنه مشهور وإسناده ضعيف وقد روي من أوجه كلها ضعيفه] المقاصد الحسنة ص 276. وضعفه آخرون كأحمد وإسحاق وابن الصلاح وغيرهم. وترى طائفة من أهل العلم أن الحديث وإن ورد من طرق ضعيفة إلا أنه يتقوى ويرتقي إلى درجة الحسن أو الصحيح لغيره. قال السيوطي: [جمعت له خمسين طريقاً وحكمت بصحته لغيره. ولم

أصحح حديثاً لم أسبق لتصحيحه سواه] فيض القدير 4/ 353. وقال السخاوي [ ... ولكن له شاهد عند ابن شاهين في الأفراد ... ورجاله ثقات بل يروى عن نحو عشرين تابعياً عن أنس ... ] المقاصد ص 275. وقال العلامة القاري [لكن كثرة الطرق تدل على ثبوته ويقوى بعضه ببعض. قال المزي تلميذ النووي إن طرقه تبلغ رتبة الحسن] المرقاة 1/ 478. وحكم بصحة الحديث الشيخ أبو الفيض الغماري بعد أن استوعب طرقه، وحكم بصحته أيضاً الألباني فقد صححه في صحيح الترغيب والترهيب ص 34، وفي صحيح سنن ابن ماجه 1/ 44 ونقل تصحيح الحديث عن غيرهم من العلماء، انظر شرح السنة 1/ 290، الحطة ص 48. وخلاصة الأمر أن الحديث لا يقل عن درجة الحسن والله أعلم. إذا تقرر هذا فلا بد من الإشارة إلى أن أهل العلم قد اختلفوا في المراد من الحديث وما هو العلم الذي طلبه فريضة على أكثر من عشرين قولاً وأجود ما قيل فيه ما قاله الحافظ ابن عبد البر: [ ... قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع واختلفوا في تلخيص ذلك والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه نحو الشهادة باللسان والإقرار باللقب بأن الله وحده لا شريك له لا شبه له ولا مثل لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد خالق كل شيء وإليه مرجع كل شيء المحيي المميت الحي الذي لا يموت والذي عليه جماعة أهل السنة أنه لم يزل بصفاته وأسمائه ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء وهو على العرش استوى. والشهادة بأن محمداً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه حق وأن البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة

حديث يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله

في الجنة ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق وأن القرآن كلام الله وما فيه حق من عند الله يجب الإيمان بجميعه واستعمال محكمه وأن الصلوات الخمس فرض ويلزمه من علمها علم ما لا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها وأن صوم رمضان فرض ويلزمه علم ما يفسد صومه ومالا يتم إلا به وإن كان ذا مال وقدرة على الحج لزمه فرضاً أن يعرف ما تجب فيه الزكاة ومتى تجب وفي كم تجب ويلزمه أن يعلم بان الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إن استطاع إليه سبيلاً إلى أشياء يلزمه معرفة جملها ولا يعذر بجهلها نحو تحريم الزنا والربا وتحريم الخمر والخنزير وأكل الميتة والأنجاس كلها والغصب والرشوة على الحكم والشهادة بالزور وأكل أموال الناس بالباطل وبغير طيب من أنفسهم إلا إذا كان شيئاً لا يتشاح فيه ولا يرغب في مثله وتحريم الظلم كله وتحريم نكاح الأمهات والأخوات ومن ذكر معهن وتحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق وما كان مثل هذا كله مما قد نطق الكتاب به وأجمعت الأمة عليه] جامع بيان العلم وفضله 1/ 10 - 11. حديث يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله يقول السائل: ورد في الحديث قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) فكيف نفهم هذا الحديث ونحن نرى أن هنالك ممن ينتسب إلى العلم وهم من الفسقة؟ الجواب: روى هذا الحديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ولهذا الحديث طرق كثيرة عنهم وهو حديث حسن لتعدد طرقه قال العلامة إبراهيم بن الوزير: [وهو حديث مشهور صححه ابن عبد البر]. وروي عن أحمد أنه قال: هو حديث صحيح.

قال زين الدين: [وفي كتاب العلل للخلال عن أحمد سئل عنه فقيل له كأنه كلام موضوع؟ فقال: لا هو صحيح فقيل له: ممن سمعته؟ فقال من غير واحد ... ] العواصم والقواصم 1/ 308، وذكر العلامة ابن القيم طرق الحديث في مفتاح دار السعادة ص 163 - 164، وجزم الحافظ العلائي بأن الحديث حسن. انظر الحطة ص 71. والمقصود بهذا الحديث أن علم الكتاب والسنة يحمله من كل قرن يخلف السلف عدوله أي ثقاته يعني من كان عدلاً صاحب التقوى والديانة نافين عنه أي طاردين عن هذا العلم تحريف الغالين أي المبتدعة الذين يتجاوزون في كتاب الله وسنة رسوله عن المعنى المراد فينحرفون عن جهته. وانتحال المبطلين أي الادعاءات الكاذبة وتأويل الجاهلين أي تأويل الجهلة لبعض القرآن والسنة إلى ما ليس بصواب. المرقاة 1/ 508 - 509. وقال الإمام النووي: [ ... وفي الحديث الآخر (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) وهذا إخبار منه - صلى الله عليه وسلم - بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفاً من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وما بعد فلا يضيع وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر وهكذا وقع ولله الحمد وهذا من أعلام النبوة ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئاً من العلم فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئاً منه والله أعلم] تهذيب الأسماء واللغات 1/ 17. فالأصل في أهل العلم أن يكونوا عدولاً ثقاة يجمعون بين العلم والعمل كما كان علماؤنا المتقدمون ولكن كثيراً ممن ينتسبون للعلم أغرتهم الدنيا بملذاتها ومتعها وشهواتها المادية والمعنوية فانغمسوا فيها. وواجب العلماء أن يصونوا العلم وأن يبتعدوا عن مواطن الريب ومن ذلك إتيان السلاطين والحكام فقد جاء في الحديث عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من سكن البادية فقد جفا ومن اتبع الصيد فقد غفل ومن أتى أبواب السلاطين فقد افتتن) رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي

قصة الظبية التي تكلمت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مكذوبة

والبيهقي وغيرهم وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/ 1079. وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: [لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا به أهل زمانهم ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم فهانوا عليهم] رواه ابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان. انظر ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين ص 54 - 55. وقال الشاعر: ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما قصة الظبية التي تكلمت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مكذوبة يقول السائل: إنه سمع خطيب الجمعة يذكر قصة الظبية التي تكلمت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الظبية نطقت بالشهادتين فهل هذه القصة ثابتة أفيدونا؟ الجواب: كثير من الخطباء والمدرسين لا يهتمون بمعرفة درجة الأحاديث التي يذكرونها في خطبهم ودروسهم مع أن ذلك واجب عليهم لأن المصلين يتلقون كلامهم ويسمعونه ومعظم المصلين لا يعرفون شيئاً عن الحكم على الأحاديث وأن هنالك أحاديث باطلة وأخرى مكذوبة وأخرى ضعيفة. إن واجب كل من يتصدى للتدريس أو الخطابة أو الوعظ أو التأليف أن يكون على بينة وبصيرة من الأحاديث التي يذكرها وينسبها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس كالكذب على غيره فقد صح في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كذب عليَّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم. فإن هؤلاء الخطباء والوعاظ وإن لم يتعمدوا الكذب على

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة فقد ارتكبوه تبعاً لنقلهم الأحاديث التي يقفون عليها جميعاً وهم يعلمون أن فيها ما هو ضعيف وما هو مكذوب قطعاً وقد أشار إلى هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كفى بالمرء إثماً أن يحدّث بكل ما سمع) رواه مسلم. قال ابن حبان في صحيحه: فصل: " ذكر أسباب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو غير عالم بصحته " ثم ساق بسنده عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه. ثم ذكر حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من حدّث بحديث يُرى - بضم الياء- أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم. يتبين من هذه الأحاديث أنه لا يجوز نشر الأحاديث وروايتها دون التثبت من صحتها ومن فعل ذلك فهو حسبه من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل: إن كذباً عليّ ليس كالكذب على أحد فمن كذب عليّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) رواه مسلم. ولو قلنا بأنه يجوز التساهل في الترغيب والترهيب ولكن لا يجوز أن يصل الأمر إلى ذكر الأحاديث الباطلة والمكذوبة وإنما العلماء تساهلوا بذكر الأحاديث الضعيفة في باب الترغيب والترهيب ولكنهم بينوا أسانيدها. قال الحافظ ابن الصلاح: [ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع - أي المكذوب - من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد] علوم الحديث ص 113. إذا تقرر هذا فنعود إلى حديث الظبية لبيان حاله وقبل ذلك أذكر نصه: عن زيد بن أرقم قال: (كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض سكك المدينة

فمررنا بخباء أعرابي فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء فقالت: يا رسول الله إن هذا الأعرابي صادني ولي خشفان - ولدان - في البرية وقد تعقد اللبن في أخلافي - ضرعي - فلا هو يذبحني فأستريح ولا يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن تركتك ترجعين؟ قالت: نعم، وإلا عذبني الله عذاب العشار - قابض العشور أي الضرائب - فأطلقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم تلبث أن جاءت تلمظ فشدها رسول الله إلى الخباء وأقبل الأعرابي ومعه قربة. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أتبيعها مني؟ فقال الأعرابي: هي لك يا رسول الله. قال: فأطلقها رسول - صلى الله عليه وسلم -. قال زيد بن أرقم: وأنا والله رأيتها تسيح في البر وهي تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله]. وقد وردت روايات أخر لهذه القصة الطريفة وقد رواها أبو نُعَيم في دلائل النبوة والبيهقي في دلائل النبوة أيضاً. قال العلامة ملا علي القاري: [حديث تسليم الغزالة اشتهر على الألسنة وفي المدائح النبوية. قال ابن كثير ليس له أصل ومن نسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كذب] المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص 80. وقال الحافظ ابن حجر: [وأما تسليم الغزالة فلم نجد له إسناداً لا من وجه قوي ولا من وجه ضعيف والله أعلم] فتح الباري 7/ 404. وقد تكلم الحافظ ابن حجر بالتفصيل على هذه القصة وذكر عدة روايات لها في كتابه " تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب " فقال: [وأما تسليم الغزالة فمشتهر على الألسنة وفي المدائح النبوية ولم أقف لخصوص السلام على سند وإنما ورد الكلام في الجملة. وبالسند الماضي إلى البيهقي قال: باب كلام الظبية إن صح الخبر]. ثم ذكر أن هذه القصة وردت منسوبة إلى عيسى عليه السلام. ثم قال الحافظ ابن حجر: [وقد ورد كلام الظبية من طرق أخرى أشد وهاءً من الأول] انظر تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب 1/ 245 - 246. كما أن الحافظ الذهبي ذكره في ميزان الاعتدال وأشار إلى أنه خبر

حديث ضعيف

باطل. ميزان الاعتدال 4/ 456، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن هذا الحديث باطل موضوع في " لسان الميزان " 6/ 311. وقد ضعف هذه القصة بروايتها المختلفة الحافظ ابن كثير أيضاً في تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ص 186 - 189. وقال العلامة السخاوي: [حديث تسليم الغزالة الذي اشتهر على الألسنة وفي المدائح النبوية وليس له أصل كما قال ابن كثير ومن نسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كذب] المقاصد الحسنة ص 156. وقال العجلوني مثل كلام السخاوي انظر كشف الخفاء 1/ 306. وذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غده يرحمه الله كلام الحافظ ابن حجر والسخاوي وابن كثير وذكر أن للقصة روايات متعددة. ثم قال الشيخ أبو غدة: [هي أحاديث ضعيفة واهية لا يصح الاعتماد عليها في إثبات ما هو خرق للعادة وإن كانت لتعدد طرقها لا يحكم الحديثي عليها بالوضع فإن إثبات مضمونها لا يقبل ولا يثبت إلا بالحديث الصحيح الرجيح ولدى النظر في أسانيدها يتبين أنها لا تخلو من مطاعن شديدة مردية فلا تغفل. وبالنظر في متونها يتبدّى تعارض شديد فيما بينها وفي الجمع بينها تعسف ظاهر] المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص 80. حديث ضعيف يقول السائل: قرأت حديثاً معلقاً في المسجد ونصه: (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وإن كانت عدد ورق الشجر وإن كانت عدد رمال عالج وإن كانت عدد أيام الدنيا) فما درجة هذا الحديث؟ الجواب: هذا الحديث رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب

استعمال الأشهر الميلادية

لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الوصافي عبيد الله بن الوليد، سنن الترمذي 5/ 439، ورواه أحمد في المسند كما في الفتح الرباني 14/ 248. وقد ضّعف العلماء هذا الحديث، قال الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار: [هذا الحديث غريب والوصافي وشيخه - يعني عطية العوفي - ضعيفان لكن رواه غيره عن عطية عن أبي سعيد بنحوه] الأذكار ص 77. وضعف الحديث أيضاً الشيخ الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 444، وفي ضعيف الجامع الصغير الحديث رقم 5728. ويغني عن هذا الحديث الضعيف ما ثبت من أحاديث صحيحة في الذكر قبل النوم ومنها: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) رواه البخاري ومسلم. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول) رواه البخاري ومسلم. استعمال الأشهر الميلادية يقول السائل: ما قولكم في أن كثيراً من الناس والمؤسسات الرسمية وغيرها تستعمل الأشهر الميلادية في التأريخ لمراسلاتها وكتاباتها وقد أدى هذا الأمر إلى أن كثيراً من الناس لا يكادون يعرفون الأشهر الهجرية وكذلك

فهنالك دعاوى لتغيير الأرقام العربية إلى أرقام أوروبية، أفيدونا وجزاكم الله خيراً؟ الجواب: مما يؤسف له أن هجمة التغريب التي تعرضت لها الأمة المسلمة قد امتدت إلى كل ما يتعلق بالأمة الإسلامية، دينها ولغتها وعاداتها وتقاليدها. وقد لقيت دعوات التغريب آذاناً صاغيةً وأيادٍ منفذة لهذه الأفكار ولم يسلم شيء تقريباً من هذه الهجمات التغريبية ومن ضمن ذلك اعتماد التأريخ الميلادي في مختلف شؤون الحياة والدعوة إلى استبدال رسم الأرقام العربية بالأرقام الأوروبية. أما بالنسبة لاعتماد التأريخ الميلادي فيجب أن يعلم أن التاريخ الهجري هو سمة من سمات الأمة الإسلامية لا يجوز الاستغناء عنه واستبداله بالتاريخ الميلادي بشكل تام. ومن المعلوم أن عمر بن الخطاب هو الذي سن فكرة التأريخ من أول محرم، قال ابن الأثير: [والصحيح المشهور أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر بوضع التأريخ والسبب في ذلك: أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تأريخ. فجمع عمر الناس للمشورة فقال بعضهم: أرخ بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم: بمهاجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر: بل نؤرخ بمهاجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل، قال الشعبي: وقال محمد بن سيرين: قام رجل إلى عمر، فقال: أرخوا، فقال عمر: ما أرخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر حسن فأرخوا فاتفقوا على الهجرة ثم قالوا: من أي الشهور؟ فقالوا: من رمضان، ثم قالوا: فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام فأجمعوا عليه] التشبه المنهي عنه ص 543 - 544. إن علماء الأمة كرهوا استعمال التقويم الميلادي لما له من ارتباط ديني عند النصارى وهو ميلاد عيسى عليه السلام ولا يجوز التشبه بهم في أمر دينهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وما زال السلف يكرهون تغيير

شعائر العرب في المعاملات وهو التكلم بغير العربية إلا لحاجة كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد. بل قال مالك من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه مع أن سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها ولكن سوغوها للحاجة وكرهوها لغير الحاجة. ولحفظ شعائر الإسلام فإن الله أنزل كتابه باللسان العربي وبعث نبيه العربي وجعل الأمة العربية خير الأمم فصار حفظ شعارهم من تمام حفظ الإسلام] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 32/ 255. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [وأما الرطانة وتسمية شهورهم بالأسماء العجمية فقال أبو محمد الكرماني - المسمى بحرب -: باب تسمية الشهور بالفارسية: قلت لأحمد: فإن للفرس أياماً وشهوراً يسمونها بأسماء لا تعرف؟ فكره ذلك أشد الكراهة وروى فيه عن مجاهد حديثاً أنه كره أن يقال: آذرماه، وذي ماه - أسماء شهور فارسية - قلت: فإن كان اسم رجل أسميه به؟ فكرهه. قال: وسألت إسحاق قلت: تاريخ الكتاب يكتب بالشهور الفارسية مثل: آذرماه، وذي ماه؟ قال: إن لم يكن في تلك الأسامي اسم يكره فأرجو. قال وكان ابن المبارك يكره إيزدان يحلف به، وقال: لا آمن أن يكون أضيف إلى شيء يعبد وكذلك الأسماء الفارسية قال: وكذلك أسماء العرب كل شيء مضاف. قال: وسألت إسحاق مرة أخرى قلت: الرجل يتعلم شهور الروم والفرس؟ قال: كل اسم معروف في كلامهم فلا بأس. فما قاله أحمد من كراهة الأسماء له وجهان: أحدهما: إذا لم يعرف معنى الاسم جاز أن يكون معنى محرماً فلا ينطق المسلم بما لا يعرف معناه ولهذا كرهت الرقى العجمية كالعبرانية أو السريانية أو غيرها خوفاً أن يكون فيها معان لا تجوز. وهذا المعنى هو الذي اعتبره إسحاق لكن إن علم أن المعنى مكروه فلا ريب في كراهته وإن جهل معناه فأحمد كرهه وكلام إسحاق يحتمل أنه لم يكرهه.

الوجه الثاني: كراهته أن يتعود الرجل النطق بغير العربية فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون] اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 518 - 519. وكذلك فإن في اعتماد التأريخ الميلادي ربطاً لأجيال المسلمين بتأريخ النصارى وأعيادهم وإبعاداً لهم عن تأريخهم الهجري الذي ارتبط برسولهم عليه الصلاة والسلام وبشعائر دينهم وعبادتهم. قال القرطبي: تعليقاً على قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) سورة التوبة الآية 36. قال: [هذه الآية تدل على أن تعلق الأحكام في العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهراً لأنها مختلفة الأعداد منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص] التشبه المنهي عنه ص 544 - 545. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز إهمال استعمال التقويم الهجري واستعمال التقويم الميلادي بدلاً عنه. والأصل أن نستعمل التقويم الهجري ولا بأس باستعمال التقويم الميلادي إلى جانبه. وأما بالنسبة لتغيير الأرقام العربية إلى الأرقام الأوروبية فيجب أن يعلم أن الزعم بأن الأرقام التي نستعملها حالياً " 1، 2، 3 ... " هي أرقام هندية وأن الأرقام الأوروبية " 1,2,3 ... " هي الأرقام العربية كلام غير صحيح لم تقم عليه أدلة معتبرة وإنما ذلك مجرد دعوى وقد بحث هذه المسألة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي وكذلك هيئة كبار العلماء السعودية وقد صدر عن المجمع القرار التالي: [فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في الكتاب الوارد ... المتضمن أن هناك نظرية تشيع بين بعض المثقفين مفادها أن الأرقام العربية

في رسمها الراهن هي أرقام هندية وأن الأرقام الأوروبية هي الأرقام العربية الأصلية ويقودهم هذا الإستنتاج إلى خطوة أخرى هي الدعوة إلى اعتماد الأرقام في رسمها الأوروبي في البلاد العربية داعمين هذا المطلب بأن الأرقام الأوروبية أصبحت وسيلة للتعامل الحسابي مع الدول والمؤسسات الأجنبية التي باتت تملك نفوذاً واسعاً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية وإن ظهور أنواع الآلات الحسابية والكمبيوتر التي لا تستخدم إلا هذه الأرقام يجعل اعتماد رسم الأرقام الأوروبي في البلاد العربية أمراً مرغوباً فيه إن لم يكن شيئاً محتوماً لا يمكن تفاديه. واطلع المجلس على قرار مجلس هيئة كبار العلماء ... في هذا الموضوع والمتضمن أنه لا يجوز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حالياً إلى رسم الأرقام المستعملة في العالم الغربي للأسباب التالية: أولاً: أنه لم يثبت ما ذكره دعاة التغيير من أن الأرقام المستعملة في الغرب هي الأرقام العربية بل إن المعروف غير ذلك والواقع يشهد له كما أن مضي القرون الطويلة على استعمال الأرقام الحالية في مختلف الأحوال والمجالات يجعلها أرقاماً عربيةً وقد وردت في اللغة العربية كلمات لم تكن في أصولها عربية وباستعمالها أصبحت من اللغة العربية حتى أنه وجد شيء منها في كلمات القرآن الكريم - وهي التي توصف بأنها كلمات معربة -. ثانياً: إن الفكرة لها نتائج سيئة وآثار ضارة فهي خطوة من خطوات التغريب للمجتمع الإسلامي تدريجياً يدل لذلك ما ورد في الفقرة الرابعة من التقرير المرفق بالمعاملة ونصها: [صدرت وثيقة من وزراء الإعلام في الكويت تفيد بضرورة تعميم الأرقام المستخدمة في أوروبا لأسباب أساسها وجوب التركيز على دواعي الوحدة الثقافية والعلمية وحتى السياحية على الصعيد العالمي]. ثالثاً: إنها- أي هذه الفكرة - ستكون ممهدة لتغيير الحروف العربية واستعمال الحروف اللاتينية بدل العربية ولو على المدى البعيد. رابعاً: إنها أيضاً مظهر من مظاهر التقليد للغرب واستحسان طرائقه.

خامساً: إن جميع المصاحف والتفاسير والمعاجم والكتب المؤلفة كلها تستعمل الأرقام الحالية في ترقيمها أو في الإشارة إلى المراجع وهي ثروة عظيمة هائلة وفي استعمال الأرقام الإفرنجية الحالية - عوضاً عنها - ما يجعل الأجيال القادمة لا تستفيد من ذلك التراث بسهولة ويسر. سادساً: ليس من الضروري متابعة بعض البلاد العربية التي درجت على استعمال رسم الأرقام الأوروبية فإن كثيراً من تلك البلاد قد عطلت ما هو أعظم من هذا وأهم وهو تحكيم شريعة الله كلها مصدر العز والسيادة والسعادة في الدنيا والآخرة فليس عملها حجة. وفي ضوء ما تقدم يقرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ما يلي: أولاً: التأكيد على مضمون القرار الصادر عن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في هذا الموضوع والمذكور آنفاً والمتضمن عدم جواز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حالياً برسم الأرقام الأوروبية المستعملة في العالم الغربي للأسباب المبينة في القرار المذكور. ثانياً: عدم جواز قبول الرأي القائل بتعميم رسم الأرقام المستخدمة في أوروبا بالحجة التي استند إليها من قال ذلك، وذلك أن الأمة لا ينبغي أن تدع ما اصطلحت عليه قروناً طويلة لمصلحة ظاهرة وتتخلى عنه تبعاً لغيرها. ثالثاُ: تنبيه ولاة الأمور في البلاد العربية إلى خطورة هذا الأمر والحيلولة دون الوقوع في شرك هذه الفكرة الخطيرة العواقب على التراث العربي والإسلامي] قرارات المجمع الفقهي والإسلامي ص 129 - 131. وخلاصة الأمر أن استعمال رطانة الأعاجم في شهورهم وسنينهم وحساباتهم وغيرها تضعف الأمة بجعلها تابعة لغيرها مفضلة له على نفسها وتضعف لغتها وسائر روابطها كما هو مشاهد في الأمصار التي قلدت الإفرنج في هذه الأمور وأمثالها حتى ضاع استقلالهم وعزهم. الآداب الشرعية 3/ 432.

الكلام باللغات الأجنبية

الكلام باللغات الأجنبية يقول السائل: بعض الناس يتحدثون باللغة الإنجليزية في بيوتهم مع أولادهم وكذلك في أعمالهم يكون معظم كلامهم بالإنجليزية ويعتبرون ذلك نوعاً من التقدم والرقي فما قولكم في ذلك؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن تعلم اللغات الأخرى أمر لا بد منه وخاصة اللغات الحية كالإنجليزية، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طلب من بعض الصحابة أن يتعلموا بعض اللغات. ونص العلماء على جواز ذلك وخاصة في زماننا حيث إن اللغة الإنجليزية هي لغة العلوم والتقدم في مختلف مجالات الحياة. ويجب أن يعلم أن تعلم اللغات الأخرى لا يجوز أن يكون على حساب لغتنا الأصلية اللغة العربية، ومن المؤسف جداً أن بعض الناس يتفاخرون بأنهم يدرسون أبنائهم اللغات الأجنبية في المدارس الأجنبية مع تقصيرهم الشديد في تعليمهم اللغة العربية إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ولغة رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا) سورة يوسف الآية 2، وقال تعالى: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) سورة الشعراء الآية 195، وقال تعالى: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) سورة النحل 103. والمسلم مطلوب منه أن يتعلم اللغة العربية وأن يعلمها أبنائه وأن يتحدث بها وقد كره العلماء أن يخلط الإنسان في كلامه بين العربية وغيرها من اللغات فقد ورد عن عمر- رضي الله عنه - قال: [تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل والمروءة]. وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: [أن مر من قبلك بتعلم العربية فإنها تدل على صواب الكلام ومرهم برواية الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق]. وورد عن عمر - رضي الله عنه -: [أنه مرَّ على قوم يقرئ بعضهم بعضاً فقال: اقرأوا ولا تلحنوا].

وورد عنه أنه قال: [عليكم بالفقه في الدين والتفهم في العربية وحسن العباره]. وورد عنه أنه قال: [لا تعلموا رطانة الأعاجم]. وسئل الحسن البصري: [ما تقول في قوم يتعلمون العربية؟ فقال: أحسنوا، يتعلمون لغة نبيهم]. وقال ابن شهاب الزهري: [ما أحدث الناس مروءة أعجب من تعلم الفصاحة] انظر الصقعة الغضبية ص 243 - 250. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشافعي قوله: [سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجاراً ولم تزل العرب تسميهم التجار ثم سماهم رسول الله بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب والسماسرة اسم من أسماء العجم فلا نحب أن يسمى رجل يعرف العربية تاجراً إلا تاجراً ولا ينطق بالعربية فيسمي شيئاً بالعجمية وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه - صلى الله عليه وسلم - ولهذا نقول ينبغي لكل واحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولى مرغوباً فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية] اقتضاء الصراط المستقيم ص 204. وبين شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يكره تعود الرجل النطق بغير العربية فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون. المصدر السابق ص 203. وقال شيخ الإسلام: [وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه] الاقتضاء ص 206. وقال ابن تيمية أيضاً: [وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب

حتى في المعاملات وهو - التكلم بغير العربية - إلا لحاجة كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد بل قال مالك: من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه] مجموع الفتاوى 32/ 255. وهذا الذي ذكره الشافعي وشيخ الإسلام من كراهة الرطانة أي الحديث بغير العربية قال به كثير من أهل العلم من الأئمة والصحابة والتابعين وغيرهم. وقال حرب الكرماني - من أصحاب الإمام أحمد -: [باب تسمية الشهور بالفارسية، قلت لأحمد: فإن للفرس أياماً وشهوراً يسمونها بأسماء لا تعرف؟ فكره ذلك أشد الكراهة!] اقتضاء الصراط المستقيم ص 202، الآداب الشرعية لابن مفلح 3/ 432 - 433. واللغة العربية التي وسعت القرآن الكريم وسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ووسعت شعر العرب وأدبهم قادرة على أن تسع أسماء المخترعات الجديدة والعلوم الحديثة فلا يظنن أحد أن اللغة العربية عاجزة وإنما العجز في الناطقين بها. قال الإمام الشافعي: [ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً وأكثر ألفاظاً] الرسالة ص 42. وقال الشافعي منبهاً إلى فضل العربية: [وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز والله أعلم أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد بل كل لسان تبع للسانه وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) وقال تعالى: (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وقال تعالى: (قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ... الخ] الرسالة ص 46 - 47.

لا يسمى المسجد الأقصى حرما

وصدق حافظ إبراهيم شاعر النيل عندما قال مدافعاً عن اللغة العربية: رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي وناديت قومي فاحتسبت حياتي رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتي ولدت ولما لم أجد لعرائسي رجالاً وأكفاءً وأدت بناتي وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً وما ضقت عن آي به وعظات فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي لا يسمى المسجد الأقصى حرماً يقول السائل: هل تصح تسمية المسجد الأقصى " بالحرم "؟ الجواب: شاعت تسمية المسجد الأقصى المبارك بالحرم عند عامة الناس في ديار فلسطين وعند بعض الكاتبين المعاصرين فنجدهم يطلقون على المسجد الأقصى الحرم. وهذه التسمية غير صحيحة لأن المعلوم عند أهل العلم أنه لا يوجد عند المسلمين إلا حرمان وهما حرم مكة وحرم المدينة وهذا باتفاق أكثر العلماء وأضاف الشافعية ثالثاً وهو وادي وج بالقرب من الطائف، المجموع 7/ 483. وإليك تفصيل ذلك: أولاً: قال الله تعالى: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًاءَامِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) سورة القصص الآية 57. والمقصود بالحرم في هذه الآية الكريمة هو حرم مكة المكرمة. وقال تعالى: (أو لم يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًاءَامِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) سورة العنكبوت الآية 67. والمقصود أيضاً بالحرم في هذه الآية الكريمة هو حرم مكة المكرمة.

وثبت في الحديث عن عبد الله بن زيد- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أن إبراهيم حرّم مكة ودعا لها وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة) متفق عليه. وحرم مكة وحرم المدينة ثابتان بالأدلة الصحيحة واتفق أهل العلم على ذلك وأما وادي وج بالقرب من الطائف فقد اعتبره الشافعية حرماً وخالفهم بقية العلماء واحتج الشافعية بما ورد في حديث الزبير- رضي الله عنه - قال: (لما أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طرف القرن الأسود حذوها فاستقبل نخباً ببصره وقال: مرة واديه ووقف حتى اتقف الناس كلهم ثم قال: إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره لثقيف) رواه أبو داود وأحمد والبيهقي. وقوله: (من لية) هو جبل قرب الطائف، (وطرف القرن) جبل قرب الطائف أيضاً وقوله: (فاستقبل نخباً)، هو واد بالطائف وقوله: (اتقف) أي حتى وقف الناس وقوله: (وعضاهه) هو كل شجر فيه شوك. عون المعبود 6/ 9 وهذا الحديث ضعفه جماعة من أهل العلم. قال البخاري: لا يصح. ونحوه قال الأزدي وذكر الخلال أن أحمد ضعّفه، وضعّفه ابن حبان وضعّفه النووي. التلخيص الحبير 2/ 280. والراجح من أقوال أهل العلم أن " وج " ليس بحرم لضعف الحديث كما سبق. وبناء على ما تقدم لا يصح إطلاق اسم الحرم إلا على الحرمين حرم مكة وحرم المدينة ولا يجوز شرعاً إطلاق اسم الحرم على المسجد الأقصى المبارك ولا على المسجد الإبراهيمي في الخليل وتسميتهما حرماً بدعة لا أصل لها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وليس ببيت المقدس مكان يسمى حرماً ولا بتربة الخليل ولا بغير ذلك من البقاع إلا ثلاثة أماكن أحدها: هو حرم باتفاق المسلمين وهو حرم مكة شرفها الله تعالى والثاني حرم عند جمهور

ماذا أصنع بالمصحف القديم؟

العلماء وهو حرم النبي - صلى الله عليه وسلم - من عير إلى ثور بريد في بريد فإن هذا حرم عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد وفيه أحاديث صحيحة مستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والثالث " وج " وهو واد بالطائف فإن هذا روي فيه حديث رواه أحمد في المسند وليس في الصحاح وهذا حرم عند الشافعي لاعتقاده صحة الحديث وليس حرماً عند أكثر العلماء وأحمد ضعف الحديث المروي فيه فلم يأخذ به وأما ما سوى هذه الأماكن الثلاثة فليس حرماً عند أحد من علماء المسلمين فإن الحرم ما حرّم الله صيده ونباته ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجاً عن هذه الأماكن الثلاثة] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 27/ 14 - 15. وقال شيخ الإسلام أيضاً: [ ... والأقصى اسم للمسجد كله ولا يسمى هو ولا غيره حرماً وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصة. وفي وادي وج بالطائف نزاع بين العلماء] اقتضاء الصراط المستقيم ص 434. ولم تثبت تسمية المسجد الأقصى حرماً عن أحد من العلماء المحققين ولما تكلم الإمام بدر الدين الزركشي عن الأحكام المتعلقة بالمسجد الأقصى لم يذكر منها شيئاً في تسميته حرماً وإنما سماه المسجد الأقصى كما هو شأن بقية العلماء. إعلام الساجد بأحكام المساجد ص 191 فما بعدها. كما أن الشيخ مجير الدين الحنبلي لم يستعمل كلمة الحرم في وصف المسجد الأقصى في كتابه " الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل " وكذلك الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه " الحضرة الأنسية في الرحلة المقدسية ". ماذا أصنع بالمصحف القديم؟ يقول السائل: لدي مصحف قديم قد بلي وتمزقت أوراقه فماذا أصنع فيه؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أنه يجب على المسلم المحافظة على المصحف والاعتناء به جيداً على أكمل الوجوه، قال الإمام النووي: [أجمع

المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] التبيان في آداب حملة القرآن ص 108. ومن المحافظة على المصحف صيانته من التمزق والعناية بتجليده ولا ينبغي وضع أي كتاب عليه. وإنما يوضع المصحف فوق الكتب واستحب بعض أهل العلم أن يوضع المصحف في مكان خاص كأن يوضع على كرسي خاص به كذا ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية 2/ 333. وأما إذا بلي المصحف وتمزقت أوراقه ولم يعد صالحاً للقراءة فيه فحينئذ يجوز حرقه على رأي جماعة من أهل العلم، أو دفنه في أرض طيبه على قول آخرين من العلماء. وأما حرق المصحف إذا بلي فيؤيده ما رواه الإمام البخاري في صحيحه بإسناده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة، إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق). والشاهد من هذا الحديث قوله: (وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق). وقد ورد في بعض روايات الحديث السابق: (أن يخرق) بالخاء وليس بالحاء ولكن صحح كثير من العلماء رواية (أن يحرق) بالحاء ورجحوها على الرواية بالخاء.

قال الحافظ ابن حجر: [وقد وقع في رواية شعيب عند ابن أبي داود والطبراني وغيرهما: وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به، قال: فذلك زمان حرقت المصاحف في العراق بالنار، وفي رواية سويد بن غفلة عن علي قال: لا تقولوا لعثمان في إحراق المصاحف إلا خيراً، وفي رواية بكير بن الأشج: فأمر بجمع المصاحف فأحرقها ثم بث في الأجناد التي كتب. ومن طريق مصعب بن سعد قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك أو قال لم ينكر ذلك منهم أحد، وفي رواية أبي قلابة: فلما فرغ عثمان من المصحف كتب إلى أهل الأمصار: إني قد صنعت كذا وكذا، ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم، والمحو أعم أن يكون بالغسل أو التحريق. وأكثر الروايات صريح في التحريق فهو الذي وقع ويحتمل وقوع كل منهما بحسب ما رأى من كان بيده شيء من ذلك وقد جزم عياض بأنهم غسلوها بالماء ثم أحرقوها مبالغة في إذهابها، قال ابن بطال: في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار وأن ذلك إكرام لها وصون عن وطئها بالأقدام، وقد أخرج عبد الرزاق من طريق طاووس أنه كان يحرق الرسائل التي فيها البسملة إذا اجتمعت وكذا فعل عروة وكرهه إبراهيم وقال ابن عطية: الرواية بالحاء المهملة أصح، وهذا الحكم هو الذي وقع في ذلك الوقت وأما الآن فالغسل أولى لما دعت الحاجة إلى إزالته] فتح الباري 10/ 395. وروى أبو بكر بن أبي داود عن طاووس بإسناده: [أنه لم يكن يرى بأساً أن تحرق الكتب، وقال: إن الماء والنار خلق من خلق الله] وإسناده صحيح غاية المرام 2/ 122. وروى عبد الرزاق بإسناده عن ابن طاووس قال: [كان أبي يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده فيها الرسائل فيها: بسم الله الرحمن الرحيم] مصنف عبد الرزاق 11/ 425. وقال ابن جرير الطبري فيما فعله عثمان: [وجمعهم على مصحف

واحد وحرف واحد وحرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه وعزم على كل من كان عنده مصحف مخالف للمصحف الذي جمعهم عليه أن يحرقه فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية] تفسير ابن جرير الطبري 1/ 64 - 65، نقلاً عن مباحث في علوم القرآن ص 132. وقال الشيخ القرطبي: [وذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد عن سويد بن غفلة، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: يا معشر الناس اتقوا الله! وإياكم والغلو في عثمان وقولكم: حرّاق المصاحف فوالله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم -. وعن عمير بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان. قال أبو الحسن بن بطال: وفي أمر عثمان بتحريق الصحف والمصاحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى وأن ذلك إكرام لها وصيانة عن الوطء بالأقدام وطرحها في ضياع من الأرض. روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه: أنه كان يحرق الصحف إذا اجتمعت عند الرسائل فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرّه، وكره إبراهيم أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله تعالى وقول من حرقها أولى بالصواب وقد فعله عثمان وقد قال القاضي أبو بكر لسان الأمة: جائز للإمام تحريق الصحف التي فيها القرآن إذا أداه الاجتهاد إلى ذلك] تفسير القرطبي 1/ 54 - 55. وأما دفن المصحف إذا بلي وتمزق فنص عليه الإمام أحمد رحمه الله وذكر الإمام أحمد أن أبا الجوزاء بلي له مصحف فحفر له في مسجده فدفنه، ذكره ابن مفلح في الفروع 1/ 194. وروى عبد الرزاق بإسناده عن إبراهيم النخعي أنه كره أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله. مصنف عبد الرزاق 11/ 425. وعند الحنفية يدفن المصحف في أرض طيبة كما قال الإمام العيني: [قال أصحابنا الحنفية إن المصحف إذا بلي بحيث لا ينتفع به يدفن في

مكان طاهر بعيد عن وطء الناس] عمدة القاري شرح صحيح البخاري 13/ 537، وانظر الفتاوى الهندية 5/ 323. وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: [وأما المصحف العتيق والذي تخرق وصار بحيث لا ينتفع به بالقراءة فيه فإنه يدفن في مكان يصان فيه كما أن كرامة بدن المؤمن دفنه في موضع يصان فيه] مجموع الفتاوي 12/ 599. وخلاصة الرأي الذي أراه جواز الأمرين وهما الحرق والدفن في أرض طيبة لأن فيهما صيانة للمصحف من الإهانة ومحافظة على حرمته وقد أجازت الأمرين اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية. فتاوى اللجنة 4/ 52. وأخيراً ينبغي أن يعلم أنه يلحق بالمصحف الذي بلي ولم يعد صالحاً للقراءة فيه المصحف الذي يقع في طباعته أخطاء كإسقاط بعض الآيات أو تقديم بعض الآيات عن محلها أو تأخيره وأود تنبيه الأخوة القراء بأن هنالك طبعة للقرآن الكريم مع تفسير الجلالين ومعه أسباب النزول للسيوطي صادرة عن دار العربية للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت لبنان سنة 1968 م قد وقع فيها سقط في بعض آيات القرآن الكريم كما يلي: - في الآية 197 من سورة البقرة حيث سقط آخر الآية. - وسقط أول الآية 198. - وسقط جزء من الآية 201. - وفي سورة الأعراف سقط جزء من الآية 44. - وسقط آخر الآية 55. - وفي سورة الإسراء سقط معظم الآية 35. - وفي سورة الحج كتب أول الآية الثانية بشكل معكوس. فينبغي الانتباه إلى ذلك وأنصح بإتلاف نسخ الطبعة المشار إليها بحرقها أو دفنها في مكان طاهر.

حكم إقامة نصب للشهداء

حكم إقامة نصب للشهداء يقول السائل: ما حكم إقامة نصب للشهداء تكتب عليه أسماؤهم وبعض الآيات القرآنية؟ الجواب: ليس من منهج الإسلام في تكريم الشهداء إقامة ما يسمى بنصب الشهداء أو نصب الجندي المجهول أو نحو ذلك من الأمور المبتدعة والتي عملها بعض المسلمين تقليداً لغير المسلمين. ومن المعلوم عند أهل العلم أن البناء على القبور محرم شرعاً وعلى ذلك دلت الأحاديث النبوية الشريفة فقد ثبت في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه) رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها) رواه أبو يعلى وقال الهيثمي: رجاله ثقات وغير ذلك من الأحاديث. وقد اتفق العلماء من لدن صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الوقت على حرمة البناء على القبور. ويضاف إلى ذلك أن إقامة نصب للشهداء ما هو إلا تشبه بغير المسلمين وقد نهينا عن التشبه بهم في مثل هذه الأمور وقد قامت على إثبات هذا الأصل الأدلة الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمن ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) سورة الحديد الآية 16. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فقوله (وَلَا يَكُونُوا) نهي مطلق عن مشابهتهم وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي] اقتضاء الصراط المستقيم ص 43.

لا يجوز المزاح في الأمور الشرعية

وكما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (خالفوا المشركين) رواه البخاري ومسلم. ومن المعلوم أن الشهداء لهم مكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى فلا يحتاجون إلى إقامة هذه النصب لتكريمهم. قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) سورة النساء الآية 69. وقال تعالى: (وَالَّذِينَءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) سورة الحديد الآية 19. وثبت في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة) رواه البخاري. وغير ذلك من الأحاديث. لا يجوز المزاح في الأمور الشرعية يقول السائل: كنا في أحد المجالس وكان هنالك شخص يمازح الآخرين ويذكر بعض النكت التي تتضمن الاستخفاف بالأمور الشرعية كالاستخفاف بمعرفة الله سبحانه وتعالى والاستخفاف بالجنة فما حكم ذلك؟ الجواب: المزاح مفتاح من مفاتيح الشر كما هو معلوم لأنه قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة ولكن الإنسان لا يستغني عن شيء من المزاح فلذا وضع العلماء له ضوابط معينة حتى يكون المزاح جائزاً فلذلك قال العلماء: لا بأس بالمزاح إذا راعى المازح فيه الحق وتحرى الصدق فيما يقوله في مزاحه وتحاشى عن فحش القول. الموسوعة الفقهية 37/ 43. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يمزح فمن ذلك ما ورد في الحديث عن الحسن قال: (إن امرأة عجوزاً جاءته تقول: يا رسول الله ادع الله أن

يدخلني الجنة، فقال لها: يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز. وانزعجت المرأة وبكت ظناً منها أنها لن تدخل الجنة فلما رأى ذلك منها، بين لها غرضه: أن العجوز لن تدخل الجنة عجوزاً بل ينشئها الله خلقاً آخر فتدخلها شابة بكراً ... ) رواه الترمذي في الشمائل وقال الشيخ الألباني حديث حسن. مختصر الشمائل المحمدية ص 128، غاية المرام 215. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قالوا: يا رسول الله! إنك تداعبنا. قال: نعم غير أني لا أقول إلا حقاً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الشيخ الألباني في مختصر الشمائل المحمدية ص 126، وفي السلسلة الصحيحة 4/ 304. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (أن رجلاً استحمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أي سأله أن يحمله على دابه - فقال - صلى الله عليه وسلم -: إني حاملك على ولد ناقة. فقال الرجل: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: وهل تلد الإبل إلا النوق) رواه الترمذي في الشمائل وابن حبان وأحمد وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين. مختصر الشمائل المحمدية ص 127. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: يا ذا الأذنين - يعني يمازحه -) رواه الترمذي في الشمائل وأبو داود وصححه الشيخ الألباني، مختصر الشمائل ص 124. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أيضاً: (أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام، قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحبه وكان دميماً فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصر فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عرفه وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: من يشتري العبد. فقال: يا رسول الله إذاً والله تجدني كاسداً. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ولكن عند الله لست بكاسد - أو قال: لكن عند الله غال) رواه الترمذي في الشمائل وأحمد وصححه الحافظ ابن حجر والألباني. مختصر الشمائل المحمدية ص 127.

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (كان ابن لأم سليم يقال له أبو عمير، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما مازحه إذا جاء فدخل يوماً يمازحه فوجده حزيناً فقال: ما لي أرى أبا عمير حزيناً؟ فقالوا: يا رسول الله مات نغره الذي كان يلعب به. فجعل يناديه - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا عمير ما فعل النغير) رواه البخاري. وغير ذلك من الأحاديث. ولكن المزاح قد يخرج عن الإباحة إلى التحريم إذا اشتمل المزاح على سخرية واستهزاء فيحرم شرعاً المزاح الذي يشتمل على تحقير مسلم أو استخفاف به، يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) سورة الحجرات الآية 11. وثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) رواه مسلم. ولا يجوز أن يشتمل المزاح على اللمز والتنابز بالألقاب لقوله تعالى: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) سورة الحجرات الآية 11. ولا يجوز أن يشتمل المزاح على ترويع المسلم وإخافته لما جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) رواه أبو داود وأحمد والطبراني وصححه الشيخ الألباني في غاية المرام ص 257. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً ومن أخذ عصا أخيه فليردها) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. صحيح سنن أبي داود 3/ 944. وكذلك لا يجوز أن يشتمل المزاح على الكذب من أجل أن يضحك الناس لما ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له! ويل له) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وحسّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 268. فالحديث نص صريح مؤكد على حرمة اختلاق أفعال وأقوال ذريعة لإضحاك الناس.

قال المناوي في الحكمة من تكرار الويل في الحديث: [كرره إيذاناً بشدة هلكته، وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم وجماع كل فضيحة فإذا انضم إليه استجلاب الضحك الذي يميت القلب ويجلب النسيان ويورث الرعونة كان أقبح القبائح ومن ثم قال الحكماء: إيراد المضحكات على سبيل السخف نهاية القباحة] فيض القدير 6/ 369. والحكمة من هذا المنع أنه يجرّ إلى وضع أكاذيب ملفقة على أشخاص معينين يؤذيهم الحديث عنهم كما أنه يعطي ملكة التدرب على اصطناع الكذب وإشاعته فيختلط في المجتمع الحقّ بالباطل والباطل بالحقّ ومن هذا المنطلق حرّم الإسلام الكذب على وجه العموم وتوعّد المتخلق به عاقبة سوء فقد جاء في الحديث عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) رواه البخاري ومسلم] قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية ص 210 - 211. هذا بالنسبة للمزاح وأما اشتمال النكات والمزاح على الاستخفاف بالأمور الشرعية فهذا حرام شرعاً وقد يكون في بعض الحالات كفراً مخرجاً من الملة والعياذ بالله. فالاستخفاف بالله سبحانه وتعالى كوصف الله سبحانه وتعالى بما لا يليق فهذا كفر صريح مخرج من الملة والعياذ بالله كوصف الله سبحانه وتعالى بالإجرام عند وفاة شخص عزيز على الإنسان فهذا كفر لا شك فيه. وقد اتفق العلماء على أن الاستخفاف بالله تعالى بالقول أو الفعل أو الاعتقاد حرام وفاعله مرتد عن الإسلام سواء أكان مازحاً أم جاداً. الموسوعة الفقهية 3/ 249. ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا

حكم التسليم بالإشارة

نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) سورة التوبة الآية 65. وكذلك الاستخفاف بالعقيدة الإسلامية بشكل عام كالاستخفاف والاستهزاء بالملائكة والأنبياء والمرسلين، قال تعالى: (إن الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) سورة الأحزاب الآية 57. ومن ذلك الاستخفاف بالجنة والاستهزاء بما أعده الله من جزاء للطائعين فيها كمن يستهزئ بما أعده الله لعباده الصالحين من الحور العين وغير ذلك فهذا حرام قطعاً. ومثله الاستخفاف والاستهزاء بالأحكام الشرعية ومثله الاستهزاء والاستخفاف بالصحابة رضوان الله عليهم. حكم التسليم بالإشارة يقول السائل: ما حكم التسليم على المسلم بالإشارة، وما قولكم في استعمال عبارات صباح الخير ومساء الخير ونحوها بدلاً من لفظ السلام عليكم؟ الجواب: التسليم أي طرح السلام من السنن الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد صح في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) رواه البخاري ومسلم. وثبت في الحديث أيضاً عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع: بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ونصر الضعيف وعون المظلوم وإفشاء السلام وإبرار المقسم) رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم. والأصل في التسليم أن يكون باللسان أي باللفظ وليس باليد أو بالرأس بدون تلفظ. والسلام بالإشارة باليد أو بالرأس بدون تلفظ مكروه عند أهل العلم لما ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى بالكف) رواه الترمذي وضعفه ولكن له شواهد تقويه لذا حسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 346، وفي السلسلة الصحيحة 5/ 227. ويؤيد ذلك ويقويه ما رواه النسائي في عمل اليوم والليلة ص 288 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف والإشارة)، قال الحافظ ابن حجر: أخرجه النسائي بسند جيد. فتح الباري 13/ 255. ويؤيد ذلك أيضاً أن السلف كانوا يكرهون التسليم باليد فقد روى الإمام البخاري في الأدب المفرد عن عطاء بن أبي رباح قال: كانوا يكرهون التسليم باليد. وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد. صحيح الأدب المفرد 1/ 385. وقال الشيخ الألباني في موضع آخر: وإسناده صحيح على شرطه في الصحيح. حجاب المرأة المسلمة ص 99. ويجوز التسليم بالإشارة مع التلفظ إذا كان المسلًّم عليه بعيداً بحيث لا يسمع التسليم قال العلامة فضل الله الجيلاني: [والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حساً وشرعاً وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والأخرس وكذا الأصم] فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد 2/ 489. وقال الحافظ ابن حجر: [واستدل بالأمر بإفشاء السلام على أنه لا

يكفي سراً بل يشترط الجهر وأقله أن يسمع في الابتداء وفي الجواب. ولا تكفي الإشارة باليد ونحوه ... ويستثنى من ذلك حالة الصلاة فقد وردت أحاديث جيدة أنه - صلى الله عليه وسلم - ردَّ السلام وهو يصلي إشارة ... وكذا من كان بعيداً بحيث لا يسمع التسليم يجوز السلام عليه إشارة ويتلفظ مع ذلك بالسلام) فتح الباري 13/ 255. ويجب أن يعلم أن تحية المسلمين هي السلام وليس صباح الخير ولا مساء الخير ولا أي عبارة أخرى سواء أكانت بالعربية أو بغيرها من اللغات كما يفعل بعض الناس حيث إنهم يحيون بعضهم بعضاً بألفاظ غير عربية. فالسلام هو تحية أهل الإسلام بل إنها تحية أهل الجنة أيضاً، قال الله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) سورة الرعد الآيتان 23 - 24. وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة النور الآية 27. وقال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) سورة الذاريات الآيتان 24 - 25. فتحية الأنبياء والملائكة والمسلمين هي السلام فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خلق الله عز وجل آدم على صورته - أي صورة آدم - فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أؤلئك، نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله) رواه البخاري ومسلم. فالسلام هي تحيتنا التي ينبغي أن نستعملها وهي تحية عظيمة تحمل معنى عظيماً فهي دعاء بالسلامة من الآفات في الدين والنفس ولأن في تحية

قبول هدية غير المسلم

المسلمين بعضهم لبعض بهذا اللفظ عهداً بينهم على صيانة دمائهم وأعراضهم وأموالهم. الموسوعة الفقهية 25/ 156. ولا ينبغي للمسلمين أن يستبدلوا هذه التحية العظيمة بألفاظ مستوردة مثل: Good morning، أو بونجور، أو صباح الخير، أو مساء الخير. قال الله تعالى: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) سورة البقرة الآية 61. وقد كره العلماء استعمال هذه الألفاظ وأمثالها، قال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي: [مطلب على أنه تكره التحية بصباح الخير بخلاف صبحك الله بالخير] الفتاوى الحديثية ص 133. وقال الأستاذ عمر فروخ: [ومعظم الناس إذا حيا بعضهم بعضاً قالوا: صباح الخير أو مساء الخير! والرد على هذه التحية هو: صباح النور، مساء النور، وهذه التحية هي التحية المجوسية يعتقد المجوسي بقوتين: الخير والشر يمثلهما النور والظلمة. وللمجوسي إله للخير أو النور، وإله للشر أو الظلمة وهما يتنازعان السيطرة على العالم فكان من المعقول أن يحي المجوس بعضهم بعضاً بقولهم: صباح الخير - صباح النور! ومع أن الإسلام قد أمرنا بأن نأخذ تحية الإسلام: (السلام عليكم) مكان كل تحية أخرى فلا يزال العرب في معظمهم - من المسلمين ومن غير المسلمين - يتبادلون التحية بقولهم صباح الخير-صباح النور] معجم المناهي اللفظية ص 334 - 335. قبول هدية غير المسلم يقول السائل: إنه يعمل عند شخص غير مسلم وقد أهداه هدية فقبلها فما حكم ذلك؟ الجواب: يجوز للمسلم أن يقبل الهدية من غير المسلم بشرطها كما سأذكر فيما بعد ويدل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل هدية غير المسلمين وأهدى لهم.

قال الإمام البخاري: [" باب قبول الهدية من المشركين " وقال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هاجر ابراهيم عليه السلام بسارة فدخل قرية فيها ملك أو جبار، فقال: أعطوها آجر - هاجر -. وأُهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم. وقال أبو حميد: أهدى ملك أيلة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلة بيضاء فكساه برداً وكتب إليه ببجرهم]. ثم روى البخاري بسنده عن أنس قال: (أهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - جبة من سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال: والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا. وقال سعيد عن قتادة عن أنس: إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (أن يهودية أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقيل: ألا نقتلها؟ قال: لا. فما زلت أعرفها في لهوات - جمع لهات وهي سقف الحلق - رسول الله- صلى الله عليه وسلم -). وعن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: (كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين ومائة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بيعاً أم عطية؟ أو قال: أم هبة؟ قال: لا، بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بسواد البطن أن يشوى وأيم الله ما في الثلاثين ومائة إلا وقد حز النبي - صلى الله عليه وسلم - له حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاها إياه وإن كان غائباً خبأ له فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا ففضلت القصعتان فحملناه على البعير أو كما قال] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 6/ 158 - 160. قال الحافظ ابن حجر: [قوله باب قبول الهدية من المشركين، أي جواز ذلك وكأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك وهو ما أخرجه أبو موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مشرك فأهدى له

فقال: إني لا أقبل هدية مشرك، الحديث. رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد وصله بعضهم عن الزهري ولا يصح. وفي الباب حديث عياض بن حمار أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من طريق قتادة عن يزيد بن عبد الله عن عياض قال: أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة فقال: أسلمت؟ قلت: لا، قال: إني نهيت عن زبد المشركين. والزبد بفتح الزاي وسكون الموحدة الرفد صححه الترمذي وابن خزيمة] فتح الباري 6/ 158. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن النهي عن قبول هدية المشركين المذكور في الحديث السابق منسوخ كما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح 6/ 158. ونقل العيني عن الخطابي قوله: [يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخاً لأنه - صلى الله عليه وسلم - قبل هدية غير واحد من المشركين أهدى له المقوقس مارية والبغلة وأهدى له أكيدر دومة فقبل منهما] عمدة القاري 9/ 436. وقد ذكر العيني عدداً من الأحاديث في قبول النبي- صلى الله عليه وسلم - لهدايا الكفار منها: (عن أنس أن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبة من سندس) رواه مسلم. ومنها حديث بلال - رضي الله عنه - الطويل في قصة الدين الذي تحمله بلال - رضي الله عنه - فقال له رسول الله: (أبشر فقد جاء الله بقضائك. ثم قال: ألم تر الركائب المناخات الأربع؟ فقلت: بلى. فقال: إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إلي عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك. ففعلت) رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني صحيح الإسناد. صحيح سنن أبي داود 2/ 592. وعن عبد الله بن الزبير قال: (قدمت قتيلة ابنة عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما بهدايا ضباب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله عز وجل: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) فأمرها أن تقبل

هديتها وتدخلها بيتها) رواه أحمد والطبراني وجوّده، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 152. وغير ذلك من الأحاديث. وخلاصة الأمر أنه يجوز قبول هدية غير المسلمين بشرط أن تكون الهدية مما له قيمة في عرف الشرع فلا يجوز للمسلم أن يقبل الخمر كهدية لأن الخمر مال غير متقوم شرعاً. كما أنه يجوز أن للمسلم أن يهدي لغير المسلم وخاصة إذا كان ذا رحم للمسلم، قال الإمام البخاري: [باب الهدية للمشركين وقوله الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). ثم روى البخاري بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رأى عمر حلة على رجل تباع، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ابتع هذه الحلة تلبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفد، فقال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها بحلل فأرسل إلى عمر منها بحلة فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟ قال: إني لم أكسكها لتلبسها تبيعها أو تكسوها فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم). وروى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك) صحيح البخاري مع الفتح 6/ 160 - 162. وذكر الحافظ ابن حجر أن المراد من سياق الآية التي ذكرها البخاري بيان من يجوز بره من المشركين وأن الهدية للمشرك إثباتاً ونفياً والتواد المنهي عنه في قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فتح الباري 6/ 160.

تعزية غير المسلم

تعزية غير المسلم يقول السائل: كيف نعزي غير المسلمين بموتاهم؟ الجواب: يجوز للمسلم أن يعزي غير المسلم في ميته وهذا قول جمهور أهل العلم وذكر العلماء عدة عبارات تقال في هذه التعزية منها: - أخلف الله عليك ولا نقص عددك. - أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحداً من أهل دينك. المغني 2/ 46. - ألهمك الله الصبر وأصلح بالك، ومنها: أكثر الله مالك وأطال حياتك أو عمرك. - ومنها لا يصيبك إلا خير. أحكام أهل الذمة 1/ 161. دخول النجاسة في المصنوعات يقول السائل: إن كثيراً من الأدوية ومواد التنظيف مثل بعض أنواع الصابون والشامبو يدخل في تركيبها عناصر مأخوذة من حيوانات ميتة أو من الخنزير أو الكحول، فما حكم استعمالها؟ الجواب: لا شك أن التقدم العلمي الكبير في مجال الصناعة وما يتبعها حمل في طياته مشكلات عويصة للناس وخاصة في معرفة مركبات المصنوعات التي يتناولها المسلم كالأغذية والأدوية والأشربة المختلفة الأشكال والأنواع ومما زاد في صعوبة الأمر أن العناصر المكونة للمنتج غذاءً كان أو دواءً - وإن كتبت على العبوات - إلا أن كثيراً منها عبارة عن اصطلاحات علمية لا يعرف حقيقتها كثير من الناس لذا صار الأمر عسراً على المسلم وخاصة إذا علمنا أن كثيراً من هذه المنتجات مستوردة.

وإزاء هذا الوضع يمكننا القول إن على المسلم أن يتعرف على المواد التي يتناولها ويسأل أهل الخبرة في ذلك بقدر الاستطاعة ولا يجوز للمسلم أن يطلق الأحكام بالتحريم دونما تثبت لأن الأصل في الأشياء الإباحة، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) سورة لقمان الآية 20. وقال تعالى أيضاً: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَميعًا) سورة البقرة الآية 29. وجاء في الحديث عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرَّم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو. فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً وتلا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسّنه الشيخ الألباني. غاية المرام ص 14. ومطلوب من المسلم أيضاً أن يتقي الشبهات بقدر الوسع والطاقة. إذا تقرر هذا فنعود إلى السؤال ونقول إن الإسلام حرّم الميتة وحرّم استعمالها وكذا حرّم الخنزير ويترتب على ذلك حرمة استعمالهما في المأكل والمشرب باتفاق العلماء وإثبات نجاستهما. وأما الكحول فهو محرم وليس بنجس لأنه لم يثبت دليل على نجاسته وليس كل محرم نجس فالحرير محرم على الذكور وليس بنجس والسمَّ حرام وليس بنجس. وقد قرر الفقهاء أن هذه المواد المحرّمة تبقى محرمة ما دامت على حالها لم تتغير صفاتها وطبائعها ولكن إن تغيرت تلك الأوصاف والطبائع فيتغير الحكم وهذا ما يعرف عند الفقهاء بالاستحالة وهي تغير الشيء عن صفته وطبعه. الموسوعة الفقهية 10/ 278. أو هي تغير حقيقة المادة النجسة أو المحرم تناولها وانقلاب عينها إلى مادة مباينة لها في الاسم والخصائص والصفات ويعبر عنها في المصطلح

العلمي الشائع بأنها كل تفاعل كيميائي يحول المادة إلى مركب آخر كتحول الزيوت والشحوم على اختلاف مصادرها إلى صابون وتحلل المادة إلى مكوناتها المختلفة كتفكك الزيوت والدهون إلى حموض دسمة وغليسرين وكما يحصل التفاعل الكيميائي بالقصد إليه بالوسائل العلمية الفنية يحصل أيضاً - بصورة غير منظورة - في الصورة التي أوردها الفقهاء على سبيل المثال: كالتخلل والدباغة والإحراق، وبناءً على ذلك تعتبر: 1. المركبات الإضافية ذات المنشأ الحيواني المحرَّم أو النجس التي تتحقق فيها الاستحالة - كما سبقت الإشارة إليها - تعتبر طاهرة حلال التناول في الغذاء والدواء. 2. المركبات الكيميائية المستخرجة من أصول نجسة أو محرّمة كالدم المسفوح أو مياه المجاري والتي لم تتحقق فيها الاستحالة بالمصطلح المشار إليه لا يجوز استخدامها في الغذاء والدواء مثل: الأغذية التي يضاف إليها الدم المسفوح كالنقانق المحشوة بالدم، والعصائد المدماة " البودينغ الأسود " والهابمرجر المدمى وأغذية الأطفال المحتوية على الدم وعجائن الدم والحساء بالدم ونحوها، تعتبر طعاماً نجساً محرّم الأكل لاحتوائها على الدم المسفوح الذي لم تتحقق به الاستحالة. أما بلازما الدم - التي تعتبر بديلاً رخيصاً لزلال البيض - وقد تستخدم في الفطائر والحساء والعصائد [بودينغ] والخبز ومشتقات الألبان وأدوية الأطفال وأغذيتهم والتي قد تضاف إلى الدقيق فقد رأت الندوة أنها مادة مباينة للدم في الاسم والخصائص والصفات فليس لها حكم الدم. الاستهلاك: ويكون ذلك بامتزاج مادة محرّمة أو نجسة بمادة أخرى طاهرة حلال غالبة مما يذهب عنها صفة النجاسة والحرمة شرعاً إذا زالت صفات ذلك المخالط المغلوب من الطعم واللون والرائحة حيث يصير المغلوب مستهلكاً بالغالب ويكون الحكم للغالب ومثال ذلك:

1. المركبات الإضافية التي يستعمل من محلولها في الكحول كمية قليلة جداً في الغذاء والدواء كالملونات والحافظات والمستحلبات مضادات الزنخ. 2. الليستين والكوليسترول المستخرجان من أصول نجسة بدون استحالة يجوز استخدامهما في الغذاء والدواء بمقادير قليلة جداً مستهلكة في المخالط الغالب الحلال الطاهر. 3. الأنزيمات الخنزيرية المنشأ كالببسين وسائر الخمائر الهاضمة ونحوها المستخدمة بكميات زهيدة مستهلكة في الغذاء والدواء الغالب. وترى الندوة ما يلي: 1. إن المذيبات الصناعية والمواد الحاملة والدافعة للمادة الفعالة في العبوات المضغوطة إذا استخدمت وسيلة لغرض أو منفعة مشروعة جائزة شرعاً أما استعمالها من أجل الحصول على تأثيرها المخدر أو المهلوس باستنشاقها فهو حرام شرعاً اعتباراً للمقاصد ومآلات الأفعال] توصيات الندوة الفقهية الطبية التاسعة / مجلة المجمع الفقهي عدد10 ج 2/ 461 - 463. وقد بحثت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية موضوع المواد المحرمة في الغذاء والدواء وقررت ما يلي: [- مادة الكحول غير نجسة شرعاً بناءً على ما سبق تقريره من أن الأصل في الأشياء الطهارة سواء كان الكحول صرفاً أم مخففاً بالماء ترجيحاً للقول بأن نجاسة الخمر وسائر المسكرات معنوية غير حسية لاعتبارها رجساً من عمل الشيطان. وعليه فلا حرج شرعاً من استخدام الكحول طبياً كمطهر للجلد والجروح والأدوات وقاتل للجراثيم أو استعمال الروائح العطرية [ماء الكولونيا] التي يستخدم الكحول فيها كمذيب للمواد العطرية الطيارة أو استخدام الكريمات التي يدخل الكحول فيها. ولا ينطبق ذلك على الخمر لحرمة الانتفاع به.

- لما كان الكحول مادة مسكرة فيحرم تناولها وريثما يتحقق ما يتطلع إليه المسلمون من تصنيع أدوية لا يدخل الكحول في تركيبها ولا سيما أدوية الأطفال والحوامل فإنه لا مانع شرعاً من تناول الأدوية التي تصنع حالياً ويدخل في تركيبها نسبة ضئيلة من الكحول لغرض الحفظ أو إذابة بعض المواد الدوائية التي لا تذوب في الماء على ألا يستعمل الكحول فيها كمهدىء وهذا حيث لا يتوافر بديل عن تلك الأدوية. - لا يجوز تناول المواد الغذائية التي تحتوي على نسبة من الخمور مهما كانت ضئيلة ولا سيما الشائعة في البلاد الغربية كبعض الشكولاته وبعض أنواع المثلجات " الآيس كريم، الجيلاتي، البوظة " وبعض المشروبات الغازية اعتباراً للأصل الشرعي في أن ما أسكر كثيره فقليله حرام ولعدم قيام موجب شرعي استثنائي للترخيص فيها. - المواد الغذائية التي يستعمل في تصنيعها نسبة ضئيلة من الكحول لإذابة بعض المواد التي لا تذوب بالماء من ملونات وحافظات وما إلى ذلك يجوز تناولها لعموم البلوى ولتبخر معظم الكحول المضاف أثناء تصنيع الغذاء. - المواد الغذائية التي يدخل شحم الخنزير في تركيبها دون استحالة عينه مثل بعض الأجبان وبعض أنواع الزيت والدهن والسمن والزبد وبعض أنواع البسكويت والشكولاته والآيس كريم، هي محرمة ولا يحل أكلها مطلقاً اعتباراً لإجماع أهل العلم على نجاسة شحم الخنزير وعدم حل أكله ولانتفاء الاضطرار إلى تناول هذه المواد. - الأنسولين الخنزيري المنشأ يباح لمرضى السكري التداوي به للضرورة بضوابطها الشرعية. -الاستحالة التي تعني انقلاب العين إلى عين أخرى تغايرها في صفاتها تحول المواد النجسة أو المتنجسة إلى مواد طاهرة وتحول المواد المحرمة إلى مواد مباحة شرعاً. وبناءً على ذلك:

حديثان مكذوبان

- الجيلاتين المتكون من استحالة عظم الحيوان النجس وجلده وأوتاره: طاهر وأكله حلال. -الصابون الذي ينتج من استحالة شحم الخنزير أو الميتة يصير طاهراً بتلك الاستحالة ويجوز استعماله. - الجبن المنعقد بفعل إنفحة ميتة الحيوان المأكول اللحم طاهر ويجوز تناوله. - المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير لا يجوز استعمالها إلا إذا تحققت فيها استحالة الشحم وانقلاب عينه. أما إذا لم يتحقق ذلك فهي نجسة. - المواد المخدرة محرمة لا يحل تناولها إلا لغرض المعالجة الطبية المتعينة وبالمقادير التي يحددها الأطباء وهي طاهرة العين. ولا حرج في استعمال جوزة الطيب ونحوها في إصلاح نكهة الطعام بمقادير قليلة لا تؤدي إلى التفتير أو التخدير] توصيات الندوة الثامنة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية / الفقه الإسلامي وأدلته 9/ 662 - 664. وأخيراً فإن على أصحاب مصانع الأغذية والمشروبات وألأدوية أن يراعوا الحلال والحرام في منتوجاتهم وأن يتقوا الله في ذلك وأن يعلموا أنهم مسؤولون أمام الله عز وجل الذي لا تخفى عليه خافية وأن يجنبوا الناس تناول المحرمات ويبعدوهم عن الشبهات. حديثان مكذوبان أعطاني أحد المصلين نشرتين وجدهما معلقتين في المسجد تتضمن الأولى منهما حديثاً قدسياً وتتضمن الأخرى حديثاً طويلاً وسألني هل هذين الحديثين ثابتين؟! عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا هو نص الحديث الأول كما جاء في النشرة وعنوانها " حديث قدسي جليل ": [عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: قال الله

عز وجل: يا ابن آدم لا تخف من ذي سلطان ما دام سلطاني باقياً وسلطاني لا يزول أبداً، يا ابن آدم لا تخشى من ضيق رزق ما دامت خزائني مملوءة وخزائني لا تنفذ أبداً، يا ابن آدم لا تطلب غيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني وإن فتني فتك وفاتك الخير كله، يا ابن آدم خلقتك للعبادة فلا تلعب وقسمت لك رزقاً فلا تتعب فإن أنت رضيت بما قسمته لك أرحت لك قلبك وبدنك وكنت عندي محموداً وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك وكنت عندي مذموماً، يا ابن آدم خلقت السموات السبع والأرضين السبع ولم أعيَ بخلقهنّ أَفيعييني رغيف عيش أسوقه لك بلا تعب! يا ابن آدم إنه لم أنسى من عصاني فكيف من أطاعني وأنا رب رحيم وعلى كل شيْ قدير! يا ابن آدم لا تسألني رزق غدٍ كما لم أطلب منك عمل غد، يا ابن آدم أنا لك محب فبحقي عليك كن لي محباً] عن أحمد والترمذي وابن ماجه. وأما نص الحديث الثاني فقد جاء في النشرة بعنوان " الحديث الشريف الذي جمع فأوعى ": [عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: جئت أسألك عما يغنيني في الدنيا والآخرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سل عما بدا لك: قال: أريد أن أكون أعلم الناس. فقال - صلى الله عليه وسلم -: اتق الله تكن أعلم الناس. قال: أريد أن أكون أغنى الناس. فقال - صلى الله عليه وسلم -: كن قانعاً تكن أغنى الناس. قال: أحب أن أكون أعدل الناس. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أحب للناس ما تحب لنفسك تكن أعدل الناس. قال: أحب أن أكون خير الناس. فقال - صلى الله عليه وسلم -: كن نافعاً للناس تكن خير الناس. قال: أحب أن أكون أخص الناس إلى الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أكثر ذكر الله تكن أخص الناس إلى الله. قال: أحب أن يكمل إيماني. فقال - صلى الله عليه وسلم -: حسن خلقك يكمل إيمانك. قال: أحب أن أكون من المحسنين. فقال - صلى الله عليه وسلم -: اعبد الله كأنك تراه وإن لم تكن تراه فإنه يراك تكن من المحسنين. قال: أحب أن أكون من المطيعين. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أد فرائض الله تكن من المطيعين. قال: أحب أن ألقى الله نقياً من الذنوب.

فقال - صلى الله عليه وسلم -: اغتسل من الجنابة متطهراً تلقى الله نقياً من الذنوب. قال: أحب أن أحشر يوم القيامة في النور. فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا تظلم أحداً تحشر يوم القيامة في النور. قال: أحب أن يرحمني ربي يوم القيامة. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ارحم نفسك وارحم عباده يرحمك ربك يوم القيامة. قال: أحب أن تقل ذنوبي. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أكثر من الاستغفار تقل ذنوبك. قال: أحب أن أكون أكرم الناس. فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا تشكو من أمرك شيئاً إلى الخلق تكن أكرم الناس. قال: أحب أن أكون أقوى الناس. قال - صلى الله عليه وسلم -: توكل على الله تكن أقوى الناس. قال: أحب أن يوسع الله علي في الرزق. قال - صلى الله عليه وسلم -: دم على الطهارة يوسع الله عليك في الرزق. قال: أحب أن أكون من أحباب الله ورسوله. قال - صلى الله عليه وسلم -: أحب ما أحبه الله ورسوله تكن من أحبابهم. قال: أحب أن أكون آمناً من سخط الله يوم القيامة. قال - صلى الله عليه وسلم -: لا تغضب على أحدٍ من خلق الله تكن آمناً من سخط الله يوم القيامة. قال: أحب أن تٌستجاب دعوتي. قال - صلى الله عليه وسلم -: اجتنب أكل الحرام تستجاب دعوتك. قال: أحب أن يسترني ربي يوم القيامة. قال - صلى الله عليه وسلم -: استر عيوب إخوانك يسترك الله يوم القيامة. قال: ما الذي ينجي من الذنوب؟ أو قال من الخطايا؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: الدموع والخضوع والأمراض. قال: أي حسنة أعظم عند الله تعالى؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: حسن الخلق والتواضع والصبر على البلاء. قال: أي سيئة أعظم عند الله تعالى؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: سوء الخلق والشح المناع. قال: ما الذي يسكن غضب الرب في الدنيا والآخرة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: الصدقة الخفية وصلة الرحم. قال: ما الذي يطفئ نار جهنم يوم القيامة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: الصبر في الدنيا على البلاء والمصائب]. قال الإمام المستغفري: ما رأيت حديثاً أعظم وأشمل لمحاسن الدين وأنفع من هذا الحديث جمع فأوعى. رواه الإمام أحمد بن حنبل. الجواب: هذان الحديثان الطويلان ليس لهما أصل في كتب السنة النبوية وعلامات الوضع ظاهرة عليهما أي الكذب ومن المعلوم أن الحديث الموضوع هو الكذب المختلق كما ذكره الشيخ القاسمي في قواعد التحديث ص 155.

فالحديث الأول وهو حديث قدسي كما جاء في النشرة ما هو إلا كذب على الله سبحانه وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أنه كذب على الأئمة الذين ذكروا في النشرة على أنهم خرجوا الحديث في كتبهم وهم أحمد والترمذي وابن ماجة وقد بحثت عنه في كتبهم وهي المسند للإمام أحمد وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة فلم أجد الحديث فيها ولا ذكره أحد من الذين صنفوا الفهارس الحديثية، وكذلك فإن الحديث لا يوجد في الكتب التي اعتنت بالأحاديث القدسية. وأما الحديث الثاني فواضح أنه مكذوب باطل. وينبغي أن يعلم أن جماعة من أدعياء الزهد والورع والدجاجلة يزعمون أنهم يرغبون الناس في السنة النبوية فيكذبون على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فيحتسبون وضعهم للأحاديث في الترغيب والترهيب ظناً منهم أنهم يتقربون إلى الله ويخدمون دين الإسلام ويحببون الناس في العبادات والطاعات ولما أنكر العلماء عليهم ذلك وذكروهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من كذب عليّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) قالوا: نحن نكذب له - صلى الله عليه وسلم - لا عليه، وهذا كله من الجهل بالدين وغلبة الهوى والغفلة ومن أمثلة ما وضعوه في هذا السبيل حديث فضائل القرآن سورة سورة فقد اعترف بوضعه نوح بن أبي مريم واعتذر لذلك بأنه رأى الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق ومن هؤلاء الوضاعين غلام خليل وقد كان زاهداً متخلياً عن الدنيا وشهواتها منقطعاً إلى العبادة والتقوى محبوباً من العامة حتى أن بغداد أغلقت أسواقها يوم وفاته حزناً عليه ومع ذلك فقد زين له الشيطان وضع أحاديث في فضائل الأذكار والأوراد حتى قيل له: هذه الأحاديث التي تحديث بها من الرقائق؟ فقال: وضعناها لنرقق بها قلوب العامة انظر كتاب السنة ومكانتها في التشريع ص 87. وقال الإمام أبو حامد الغزالي: [وقد ظن ظانون أنه يجوز وضع الأحاديث في فضائل الأعمال وفي التشدد في المعاصي وزعموا أن القصد منه صحيح وهو خطأ محض إذ قال - صلى الله عليه وسلم -: (من كذب علي عامداً متعمداً

فليتبوأ مقعده من النار) وهذا لا يترك إلا لضرورة ولا ضرورة إذ في الصدق مندوحة عن الكذب ففيما ورد من الآيات والأخبار كفاية عن غيرها وقول القائل: إن ذلك قد تكرر على الأسماع وسقط وقعه وما هو جديد فوقعه أعظم فهذا هوس إذ ليس هذا من الأغراض التي تقاوم محذور الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى الله تعالى ويؤدي فتح بابه إلى أمور تشوش الشريعة فلا يقاوم خير هذا شره أصلاً والكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من الكبائر التي لا يقاومها شيء نسأل الله العفو عنا وعن جميع المسلمين] إحياء علوم الدين 2/ 68. إن من واجب أهل العلم أن يتصدوا لهؤلاء الذين ينشرون مثل هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس ويعلقونها في المساجد وأن يبينوا لهؤلاء أن في الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يغني ويكفي عن مثل هذه المكذوبات. قال الإمام الشوكاني: [فلما كان تمييز الموضوع من الحديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل الفنون وأعظم العلوم وأنبل الفوائد من جهات يكثر تعدادها ولو لم يكن منها إلا تنبيه المقصرين من علم السنة على ما هو مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحذروا من العمل به واعتقاد ما فيه وإرشاد الناس إليه. كما وقع لكثير من المصنفين في الفقه والمتصدرين للوعظ والمشتغلين بالعبادة والمتعرضين للتصنيف في الزهد فيكون لمن بين لهؤلاء ما هو كذب من السنة أجر من قام بالبيان الذي أوجبه الله مع ما في ذلك من تخليص عباد الله من معرة العمل بالكذب وأخذه على أيدي المتعرضين لما ليس من شأنه من التأليف والاستدلال والقيل والقال، وقد أكثر العلماء رحمهم الله من البيان للأحاديث الموضوعة وهتكوا أستار الكذابين ونفوا عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتحال المبطلين وتحريف الغالين وافتراء المفترين وزور المزورين] الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 3.

قول عبارة "عليه السلام " عند ذكر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -

قول عبارة "عليه السلام " عند ذكر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول السائل: إنه لاحظ أن بعض كتب الحديث كلما ذكر فيها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قالوا: علي عليه السلام. فلماذا يخص علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بذلك دون غيره من الصحابة؟ الجواب: اتفق أهل العلم على أن آل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى عليهم بغير خلاف بين الأمة كما قال العلامة ابن القيم في جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ص 259 والمسلمون يصلون على النبي وآله في صلواتهم. وأما إفراد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالسلام فهذا من فعل الشيعة وتأثر بهم بعض نساخ الكتب الدينية على مرّ العصور والأزمان. قال العلامة القسطلاني: [وقد جرت عادة بعض النساخ أن يفردوا علياً وفاطمة رضي الله عنهما بالسلام فيقولوا عليه أو عليها السلام من دون سائر الصحابة رضي الله عنهم في ذلك. وهذا وإن كان معناه صحيحاً لكن ينبغي أن يساوى بين الصحابة رضي الله عنهم في ذلك فإن هذا من باب التعظيم والتكريم والشيخان وعثمان أولى بذلك منهما] المواهب اللدنية 3/ 355 وقد كره أهل العلم إفراد علي- رضي الله عنه - بالسلام دون غيره من الصحابة ولم يرد دليل يخصص علياً - صلى الله عليه وسلم - بذلك بل هو من فعل الشيعة وسرى ذلك إلى أهل السنة. قال الإمام النووي: [وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا هو في معنى الصلاة فلا يستعمل في الغائب فلا يفرد به غير الأنبياء فلا يقال علي عليه السلام وسواء في هذا الأحياء والأموات] الأذكار ص 100.

محدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني

وعلل الحافظ ابن حجر المنع من ذلك لكونه صار شعاراً للرافضة. فتح الباري 13/ 424. وما ذكره السائل في رسالته عن استعمال هذه العبارة كثيراً في نيل الأوطار للشوكاني وأحياناً في صحيح البخاري فهذا من فعل النساخ والعلم عند الله تعالى. وأخيراً أنبه على عبارة دارجة ومستعملة أيضاً في حق علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حيث يقولون عند ذكر علي كرّم الله وجهه، فاستعمال هذه العبارة من غلو الشيعة في علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - وليس لتخصيصه بذلك أي دليل شرعي فلا ينبغي استعمالها. محدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني إن هذا العام لجدير أن يسمى عام الحزن على العلماء، لقد فقد العالم الإسلامي ثلة خيرة طيبة من علماء المسلمين، فقدنا الشيخ الشعراوي والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ علي الطنطاوي والشيخ مصطفى الزرقا وفقدنا أول أمس السبت محدث هذا العصر والأوان العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمهم الله رحمة واسعة وتقبلهم في الصالحين وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري ومسلم. وفي هذه المقالة القصيرة أحببت أن أقوم ببعض الواجب تجاه محدثنا الراحل فأذكر بعض ما كان فيه وبعض جوانب خدمته للسنة النبوية الشريفة وأنا أعلم أنني لن أوفيه حقه في هذه المقالة فإن الأمر يحتاج إلى مؤلفات ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله فأقول، هو محدث هذا العصر والزمان العالم الرباني أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الأرناؤوط

الألباني وكما يظهر من سياق نسبه أنه ليس عربي الأصل وإنما هو من مسلمي ألبانيا وهذا لا يضيره فإن كبار علماء المسلمين كانوا من غير العرب كالبخاري ومسلم وإمام الحرمين الجويني والغزالي وغيرهم كثير جداً. اشتغل الشيخ الألباني بالحديث النبوي الشريف منذ عهد بعيد وقام على خدمة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقدم لنا أعمالاً جليلة وترك ثروة علمية كبيرة فقد مضى عليه أكثر من ستين عاماً وهو في هذا العمل الجليل دراسةً وتدريساً تأليفاً وتحقيقاً وعملاً ودعوة فرسخ في رياض الفقه قدمه وسبح في بحار التخريج قلمه فأتى بتحقيقات جليلة خلت عنها الدفاتر وأشار إلى تدقيقات نفيسة لم تحوها كتب الأكابر شهد له بذلك شائنوه قبل محبيه ومخالفوه قبل موافقيه. ولذلك فإنني لست بمبالغ إذا قلت: إنه لا يستغني باحث هذه الأيام عن الرجوع إلى آرائه في التضعيف والتصحيح فإنها محض النصح النصيح ومخض عن زبد الحق الصريح ينقح فيها ما لا يستغني عن التنقيح ويرجح ما هو مفتقر إلى الترجيح ويوضح ما لا بد من التوضيح. انظر مقدمة الجامع المفهرس 1/ 11 - 12. كان الشيخ الألباني يرحمه الله كما وصفه الشيخ محمد إبراهيم شقرة: [راحلة علم عالية السنام تامة الخلق متماسكة البناء تغدو إليها رواحل العلم خفافاً خماصاً وتروح عنها ثقالاً بطاناً فقد أنعم الله عليه بعلم أوثقه إلى القرون الأولى وأقامه على جادتها وأراه فيها من آيات العلم الكبرى فكان لزاماً عليها أن تقصده في رغبة مقسطة تعرف له بها حقاً لا تؤديه إياه إلا أن تأتيه بهذه الرغبة فلا يرتد طرفها عنه إلا بأخذها منه حظاً وافراً تعرف به أنه حظ لا يكون إلا منه وأن الشيخ ما نيل منه بأذى ولا ينال - إن نيل - إلا بسب الحسد فالحسد في الناس قديم ... وللشيخ - نفع الله بعلومه - تفرد علمي يقوم على أسس قوية وأهمها: 1. وضوح منهجه العلمي بكل مراحله وسماته وقواعده وأصوله التي يقوم عليها.

2. قدرته الحوارية التي أمكنت لها في عقله إحاطته الواسعة بالسنن والآثار والأخبار. 3. حجته البالغة التي تداعت إليها الحجج وتناهت عندها الأدلة فأصاب منها قدراً وأعجز بها خصمه. وهذه الثلاثة أفضت به إلى رابعة وهي: 4. شدته في الحق الذي يراه بما عنده من دليل وجرأته فيه لو عاد عليه بعداوة رعاع الناس فالعالم لا ترهبه عداوة الأعداء ولا ينعشه حب الأصدقاء والأولياء. وفتاواه الصريحة الجريئة التي تناقلها الناس وشاعت في أرجاء الأرض في مناسبات شتى، شاهد عدل على ذلك] فتاوى الشيخ الألباني ص 3 - 4. ولقد استفاد من علم الشيخ الألباني طلاب العلم الشرعي بل إن العلماء كانوا يطلبون منه أن يخرج لهم الأحاديث النبوية التي وردت في كتبهم كما في كتاب فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي يرحمه الله وكتاب الحلال والحرام للشيخ العلامة يوسف القرضاوي يحفظه الله. خلف الشيخ الألباني ثروة علمية ضخمة أذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر: 1. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل. وهذا الكتاب أعظم مؤلفات الشيخ الألباني وقد خرج فيه 2707 حديثاً أوردها العلامة الشيخ إبراهيم بن محمد بن ضويان في كتابه منار السبيل شرح الدليل للشيخ مرعي الكرمي ويقع في ثماني مجلدات وكانت مدة عمل الشيخ الألباني فيه أكثر من عشر سنوات وألحق به جزء للفهارس. 2. سلسلة الأحاديث الصحيحة وصدر منها سبع مجلدات تضم ثلاثة ألاف حديث خرجها تخريجاً علمياً دقيقاً وموسعاً. 3. سلسلة الأحاديث الضعيفة وصدر منها خمس مجلدات تضم ألفين وخمسمئة حديث.

4. صحيح الجامع الصغير وزيادته في ثلاثة مجلدات كبيرة مع ضعيف الجامع وبلغ مجموع أحاديثه أربعة عشر ألف حديث. 5. صحيح السنن الأربعة وضعيفها. وهو مشروع علمي جليل حيث قام العلامة الألباني بالحكم على الأحاديث الواردة في كتب السنن الأربعة وهي سنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجة وجعل عمله على قسمين: قسم لصحيح السنن وقسم آخر لضعيفها وأخرج لنا مجموعة علمية قيمة يقع الصحيح منها في أحد عشر مجلداً من الحجم الكبير ويقع الضعيف منها في أربع مجلدات. هذا غيض من فيض من مؤلفات العلامة الألباني يرحمه الله والتي بلغت أكثر من ثمانين كتاباً مطبوعاً وخمسين كتاباً مخطوطاً. وقد أثنى على الشيخ الألباني عدد كبير من علماء العصر كالشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين والشيخ محمد المجذوب رحمهم الله والشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله. ومن شعر الشيخ محمد المجذوب في الشيخ الألباني: فما عسى أن يقول الشعر في رجل ... يدعوه حتى عداه ناصر الدين وأي خير إذا فرد تجاهله ... وقد فشا فضله بين الملايين وقال فيه الشيخ ابن عثيمين: [ .. فالرجل طويل الباع واسع الاطلاع قوي الإقناع]. وقال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: [كان ناصر الدين وما زال كالمطر لا يبالي على أي أرض سقط] انظر حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه. وأخيراً فإن هذا العالم الرباني قد تطاول عليه كثيرون من أشباه طلبة العلم حسداً أو جهلاً أو إنكاراً لجهوده أو لأنهم لا يعترفون بأي عالم في

عالمنا الإسلامي إلا إذا كان على مشربهم فإلى هؤلاء وأؤلئك أسوق كلمة الحافظ ابن عساكر النيرة وهي: [إعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب]. رحم الله الشيخ الألباني رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ونفعنا والمسلمين بعلمه. والله الهادي إلى سواء السبيل تم الكتاب بحمد الله

الجزء السادس

مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران الآية 102. (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء الآية 1. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71. أما بعد، فإن أشرف الأمور قدراً وأعظمها أجراً تعليمُ العلم. وقد منَّ الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالعلم فقال: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) سورة النساء الآية 113. وأظهر فضل آدم - صلى الله عليه وسلم - على الملائكة بالعلم فقال: (وَعَلَّمَءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ) سورة البقرة الآية 31. وورد عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يقول من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات، ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وهو حديث صحيح. وورد عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: [ذُكِرَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي وهو حديث صحيح. وأولى العلم بالتعلم بعد معرفة الله تعالى بالوحدانية والصفات والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، علمُ الفقه ومعرفة أحكام الشرع، لأن الله تعالى خلق الخلق للعبادة، فقال جلَّ ذكره: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات الآية 56. وأرسل الرسل إلى العباد، وأنزل معهم الكتاب ليبينوا لهم الشرائع والأحكام قال الله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) سورة البقرة الآية 213. وقال جلَّ ذكره: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) سورة النساء الآية 105. وقال جلَّ ذكره: (قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ... الآية) سورة المائدة الآيتان 15 - 16.

وقال جلَّ ذكره: (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ... ) سورة آل عمران الآية 79. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أي حكماء فقهاء). وورد عن ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) رواه البخاري ومسلم. وقال سفيان الثوري رحمة الله عليه: (ليس عملاً يُعملُ من الفرائض أفضل من طلب العلم). وقال الإمام الشافعي رحمة الله عليه: (طلب العلم أفضل من صلاة النافلة) وهو كما قال، لأن نفع صلاته لا تتعدى عنه، ونفع علمه يتعدى إلى كافة الناس، ولأن طلب العلم فريضة. (¬1) ولما كان العلم والفقه بالمكانة الجليلة التي ذكرت، كان الواجب على أهل العلم والمنتسبين إليه، أن يمضوا على خطى الأئمة الأعلام، من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، في نشر العلم الشرعي وتدريسه لطلبة العلم. وإني لأرجو أن يكون هذا الكتاب - وهو الجزء السادس من كتابي يسألونك - لبنة في إعادة بناء صرح العلم الشرعي في بلادنا، فنحن في أمس الحاجة إلى إحياء المنهج الصحيح في التعاطي مع العلم الشرعي من حيث الطريقة والمكان. أما من حيث الطريقة فلا بد لنا من سلوك سبيل العلماء المحققين الجامعين بين الفقه والحديث فإن العلم مدينة أحد بابيها الرواية والثاني الدراية. وأما من حيث المكان فلا بد من إحياء دور المسجد في نشر العلوم الشرعية، حيث كان المسجد قديماً هو المدرسة والجامعة، فكان المسجد ¬

(¬1) مقتبس من مقدمة التهذيب للإمام البغوي 1/ 99 - 104.

موئلاً لتدريس القرآن الكريم وعلومه، والحديث النبوي وعلومه، وكذا الفقه والأصول، وغير ذلك من العلوم الشرعية وعلوم العربية. ولكن دور المسجد في زماننا قد تقلص وتراجع تراجعاً كبيراً، وفرغت المساجد من العلماء، وحلَّ محلهم الوعاظ والقصاص والمتعالمون، الذين يخبطون خبط عشواء، والذين يشوهون حقائق الإسلام الناصعة، ويتطاولون على العلم وأهله، لذا فإنني أدعو أهل العلم في هذه الديار أن يعودوا إلى المسجد، لنشر العلم الصحيح، المعتمد على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وليسدوا الفراغ في المساجد ويحيوا سنة العلماء الأعلام في عقد حلقات العلم في المساجد. والحمد لله أننا قد بدأنا نرى بعض حلقات العلم تعقد في المسجد الأقصى المبارك وبعض المساجد في أكناف بيت المقدس ولعل ذلك يكون أول الخير إن شاء الله تعالى. وختاماً فإنني أشير إلى أن أصل هذا الجزء السادس كسابقيه إنما هو حلقات تنشر في جريدة القدس المقدسية صباح كل يوم جمعة أجيب فيها على أسئلة القراء. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أبوديس / القدس ... كتبه د. حسام الدين بن موسى عفانه 7 رجب 1422 هـ ... الأستاذ المشارك في الفقه والأصول وفق 24/ 9/2001 ... كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس

الأذان والإقامة

الأذان والإقامة

الصلاة خير من النوم في أذان الفجر

الصلاة خير من النوم في أذان الفجر يقول السائل: إنه مؤذن مسجد وعندما يؤذن للفجر كان يقول في أذانه الصلاة خير من النوم مرتين ثم قال له بعض المصلين إن الصواب أن تقال عبارة الصلاة خير من النوم في الأذان الأول الذي يسبق أذان صلاة الفجر فما قولكم في ذلك؟ الجواب: قول المؤذن في أذان صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم مرتين يسمى التثويب على قول جماعة من أهل العلم، قال الإمام الترمذي: [وقد اختلف أهل العلم في تفسير التثويب، قال بعضهم: التثويب أن يقول في أذان الفجر الصلاة خير من النوم وهو قول ابن المبارك وأحمد] ثم ذكر الترمذي قولاً آخر ثم قال: [والذي فسر ابن المبارك وأحمد أن التثويب أن يقول المؤذن في أذان الفجر الصلاة خير من النوم وهو قول صحيح ويقال له التثويب أيضاً وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه وروي عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 1/ 506 - 507. والتثويب سنة مشروعة عند جمهور أهل العلم وبه قال عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأنس رضي الله عنهم والحسن البصري ومحمد بن سيرين والزهري ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والشافعي

في الصحيح عنه وكثير من أهل العلم. انظر المجموع 3/ 94 المغني 1/ 296 نيل الأوطار 2/ 43. وقد ورد إثبات مشروعية التثويب المذكور في عدة أحاديث منها: عن أبي محذورة - رضي الله عنه - قال: (كنت أؤذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنت أقول في أذان الفجر الأول حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) رواه النسائي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي 1/ 140. وفي رواية عند أبي داود: (عن أبي محذورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح) وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ... أبي داود 1/ 100. وفي رواية أخرى عند أبي داود عن أبي محذورة قال: (قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان قال: فمسح مقدم رأسي وقال: تقول الله أكبر ... إلى أن قال: فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) وهي رواية صحيحة كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 100. وفي رواية أخرى عند أبي داود أيضاً عن أبي محذورة قال: (قال ألقى عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان حرفاً حرفاً) وفي آخر الحديث: (وكان يقول في الفجر الصلاة خير من النوم) وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن ... أبي داود 1/ 101. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: (من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم) رواه ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي وصححه ابن السكن كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/ 201. وعن سعيد بن المسيب عن بلال - رضي الله عنه - أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه بصلاة الفجر فقيل: هو نائم فقال: (الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، فأقرت في تأذين الفجر فثبت الأمر على ذلك) رواه ابن ماجة،

وقال في الزوائد: إسناده ثقات إلا أن فيه انقطاعاً سعيد بن المسيب لم يسمع من بلال. سنن ابن ماجة 1/ 237، ونحوه قال الحافظ ابن حجر وذكر له طرقاً أخرى، التلخيص الحبير 1/ 201. إذا ثبت أن التثويب مشروع في أذان الفجر فإن الراجح من أقوال العلماء أن التثويب يكون في أذان الفجر وهو أذان الصلاة وليس محله الأذان الذي يكون قبل دخول وقت الفجر كما قال بعض أهل العلم وليس محله في الأذانين كما قال آخرون من أهل العلم والذي يرجح أن التثويب يكون في أذان الفجر وهو أذان الصلاة ما ورد في حديث أبي محذورة: (فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم)، وفي الرواية الأخرى: (وكان يقول في الفجر الصلاة خير من النوم). وما ورد عن أنس أنه قال: (من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم). فالمقصود بهذه الروايات هو أذان صلاة الفجر وليس الأذان الذي يكون قبل ذلك لأن ذلك الأذان لا يسمى أذان الفجر أو أذان الصبح لأن صلاة الفجر لا يدخل وقتها به وإنما يدخل وقتها بأذان الفجر ويدل على ذلك ما ورد في الحديث: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن مكتوم) رواه البخاري ومسلم. وأما ما ورد في رواية حديث أبي محذورة وفيها: (في أذان الفجر الأول) وفي الرواية الأخرى: (الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح) فالمراد بذلك أيضاً هو أذان الفجر أي أذان الصلاة لأنه هو المقصود بالأذان الأول وأما الأذان الثاني فهو الإقامة لما ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بين كل أذانين صلاة) فالأذان الأول هو أذان الصلاة والأذان الثاني هو الإقامة. قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين يرحمه الله: [كلمة (الصلاة خير من النوم) في الأذان الأول كما جاء في الحديث: فإذا أذنت أذان الصبح الأول فقل (الصلاة خير من النوم) فهي في الأذان الأول لا

الثاني ولكن يجب أن تعلم ما هو الأذان الأول في هذا الحديث؟ هو الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت والأذان الثاني هو الإقامة لأن الإقامة تسمى أذاناً قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بين كل أذانين صلاة) والمراد الأذان والإقامة. وفي صحيح البخاري أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان زاد الأذان الثالث في الجمعة، الأذان الأول الذي أمر فيه بلالاً أن يقول: (الصلاة خير من النوم) هو الأذان لصلاة الفجر. أما الأذان الذي قبل طلوع الفجر فليس أذاناً للفجر فالناس يسمون أذان آخر الليل بأنه الأذان الأول لصلاة الفجر والحقيقة أنه ليس لصلاة الفجر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم) أي لأجل النائم يقوم ويتسحر والقائم يرجع ويتسحر. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاً لمالك بن الحويرث: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) ومعلوم أن الصلاة لا تحضر إلا بعد طلوع الفجر. إذن الأذان الذي قبل طلوع الفجر ليس أذاناً للفجر. وعليه فعمل الناس اليوم وقولهم (الصلاة خير من النوم) في الأذان الذي للفجر هذا هو الصواب. وأما من توهم بأن المراد هو الأذان الأول في الحديث هو الأذان الذي قبل طلوع الفجر فليس له حظ من النظر] دروس وفتاوى في الحرم المكي ص 113 - 114. وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية برئاسة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله جواباً على سؤال نصه: [ما المانع من الإتيان بسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في التثويب في الأذان الأول للفجر كما جاء في سنن النسائي وابن خزيمة والبيهقي؟ الجواب: نعم ينبغي الإتيان بالتثويب في الأذان الأول للفجر امتثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وواضح من الحديث أنه الأذان الذي يكون عند طلوع الفجر الصادق وسمي أولاً بالنسبة للإقامة فإنها أذان شرعاً كما في حديث (بين كل أذانين صلاة) وليس المراد بالأذان الأول ما ينادى به قبل ظهور الفجر

الصادق فإنه شرع ليلاً ليستيقظ النائم وليرجع القائم وليس أذاناً للإعلام بالفجر ومن تدبر أحاديث التثويب لم يفهم منها إلا أن التثويب في أذان الإعلام بوقت الفجر لا الأذان الذي يكون ليلاً قبيل الفجر] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 6/ 61. واختارت لجنة الموسوعة الفقهية الكويتية هذا الرأي أيضاً فقالت: [اللجنة ترى أن المعمول به الآن من تخصيص الأذان الثاني للفجر بالتثويب أقوى لما فيه من تتابع عمل المسلمين وهو مرجح] الموسوعة الفقهية 10/ 150. وقد ذهب الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني يرحمه الله إلى أن التثويب يكون في الأذان الأول للصبح الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة وذكر الأدلة على ما ذهب إليه وهو اجتهاد له حظ من النظر والأثر إلا أنه قول مرجوح كما أنني أخالفه فيما قاله بعد ذلك: [ومما سبق يتبين أن جعل التثويب في الأذان الثاني بدعة مخالفة للسنة] انظر تمام المنة ص 146 - 148. أقول ما ذهب إليه القائلون بأن التثويب يكون في أذان الفجر وهو أذان الصلاة ليس بدعة وليس مخالفاً للسنة النبوية لأن المسألة اجتهادية وليس فيها نص صريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يقال: إن قولهم بدعة مخالف للسنة النبوية كما قال الشيخ الألباني. بل إن الإمام النووي يرى أن الظاهر أن التثويب يشرع في كل أذان للصبح سواء ما قبل الفجر وبعده، أي في الأذانين. المجموع 3/ 92. ويرى نحو ذلك بعض الشافعية والحنابلة. انظر غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام 3/ 108 - 109. وكذلك فإن القول بأن التثويب يكون في أذان الفجر وهو أذان الصلاة ليس فيه مخالفة للسنة لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص صريح في محل التثويب وإنما المسألة محل بحث واجتهاد وفي مثل هذه المسألة لا يقال إنه مخالف للسنة وخاصة أن من كبار العلماء من أهل الحديث والفقه قالوا

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان

بذلك الرأي كالعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز والعلامة محمد صالح العثيمين والعلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي من المعاصرين وغيرهم. يقول العلامة عبد العزيز بن باز يرحمه الله: [الأفضل أن يقال ذلك في الأذان الأخير الذي هو الثاني: الذي يقال بعد طلوع الفجر كما جاء في حديث عائشة أن المؤذن كان يقوله فإذا فرغ المؤذن قام النبي - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الفجر ثم أدى سنة الفجر ثم خرج للناس فهذا يقال في الأذان الأخير لأنه هو محل الإيقاظ الواجب أما الأول فهو للتنبيه لإنهاء التهجد وإيقاظ النائم وصلاة الوتر ونحو ذلك] مجلة الدعوة العدد1547 بتاريخ 11/ 2/1417 هـ. وخلاصة الأمر أن عبارة الصلاة خير من النوم تقال في أذان الفجر الذي يكون عند دخول وقت صلاة الفجر ولا تقال في الأذان الذي يسبق الوقت. * * * حكم الخروج من المسجد بعد الأذان يقول السائل: ورد في الحديث أن أبا هريرة - رضي الله عنه -: (رأى رجلاً قد خرج من المسجد بعد الأذان فقال: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) فما معنى قول أبي هريرة بأن الرجل قد عصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخروجه من المسجد بعد الأذان؟ الجواب: وردت عدة أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان منها ما ذكره السائل في سؤاله وهو ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن أبي الشعثاء قال: (كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -).

وجاء في رواية أخرى عند مسلم عن أبي الشعثاء قال: (سمعت أبا هريرة ورأى رجلاً يجتاز المسجد خارجاً بعد الأذان فقال: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق) رواه الطبراني في الأوسط وروايته محتج بها في الصحيح كما قال المنذري في الترغيب والترهيب 1/ 260 وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح. انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/ 224. وورد عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق) رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني صحيح لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/ 224. وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا منافق إلا أحد أخرجته حاجة وهو يريد الرجوع) رواه أبو داود في مراسيله، وقال الشيخ الألباني: صحيح لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/ 224. فهذه الاحاديث تدل على النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لحاجة وقد حمل بعض أهل العلم النهي في هذه الأحاديث على التحريم ويؤكد ذلك على حسب حملهم أن أبا هريرة اعتبر الخروج من المسجد بعد الأذان عصياناً لأبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -. قال القرطبي المحدّث: [قول أبي هريرة في الخارج من المسجد: (أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم) محمول على أنه حديث مرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدليل ظاهر نسبته إليه في معرض الاحتجاج به وما كان يليق بواحد منهم للذي علم من دينهم وأمانتهم وضبطهم وبعدهم عن التدليس ومواقع الإيهام وكأنه سمع ما يقتضي تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان فأطلق لفظ المعصية فإذا ثبت هذا استثمر منه أن من دخل المسجد لصلاة فرض فأذن مؤذن ذلك الوقت حرم عليها أن يخرج منه لغير ضرورة حتى يصلي فيه تلك الصلاة لأن ذلك المسجد تعين لتلك الصلاة أو لأنه إذا خرج قد يمنعه مانع من الرجوع إليه أو إلى غيره فتفوته الصلاة] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/ 281.

ولكن أكثر أهل العلم يرون أن النهي في هذه الأحاديث محمول على الكراهة، قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب هل يخرج من المسجد لعلة] ثم روى بسنده عن أبي هريرة: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف، قال: على مكانكم فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه وقد اغتسل). قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: [قوله باب هل يخرج من المسجد لعلة أي ضرورة وكأنه يشير إلى تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق أبي الشعثاء عن أبي هريرة: (أنه رأى رجلاً خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -) فإن حديث الباب يدل على أن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورة. فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إماماً لمسجد آخر ومن في معناه] فتح الباري 2/ 261. وقال الإمام الترمذي بعد أن ذكر حديث أبي هريرة: [وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر أن يكون على غير وضوء أو أمر لا بد منه. ويروى عن إبراهيم النخعي أنه قال: يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة، قال أبو عيسى - الترمذي -: وهذا عندنا لمن له عذر في الخروج منه] سنن الترمذي مع شرحه التحفة 1/ 518. وقال الإمام النووي: [يكره الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي إلا لعذر لحديث أبي الشعثاء قال: (كنا قعوداً مع أبي هريرة - رضي الله عنه - في المسجد فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي ... )] المجموع 2/ 179. وقال الإمام النووي في شرح حديث أبي هريرة: [فيه كراهة الخروج

من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 290. وذهب إلى القول بكراهة الخروج من المسجد بعد الأذان الحنفية والمالكية والشافعية. وقال مالك: [بلغني أن رجلاً قدم حاجاً وأنه جلس إلى سعيد بن المسيب وقد أذن المؤذن وأراد أن يخرج من المسجد واستبطأ الصلاة فقال له سعيد: لا تخرج فإنه بلغني أنه من خرج بعد الأذان خروجاً لا يرجع إليه أصابه أمر سوء. قال: فقعد الرجل ثم إنه استبطأ الإقامة فقال: ما أراه إلا قد حبسني فخرج فركب راحلته فصرع فكسر فبلغ ذلك ابن المسيب فقال: قد ظننت أنه سيصيبه ما يكره]. قال ابن رشد: قول ابن المسيب بلغني معناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لا يقال مثله بالرأي وهي عقوبة معجلة لمن خرج بعد الأذان من المسجد على أنه لا يعود إليه لإيثاره تعجيل حوائج دنياه على الصلاة التي أذن لها وحضر وقتها. قال أبو عمر بن عبد البر: [أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصل وكان على طهارة وكذا إن كان قد صلى وحده إلا ما لا يعاد من الصلوات فلا يحل الخروج من المسجد بإجماع إلا أن يخرج للوضوء وينوي الرجوع. أهـ ملخصاً ومن الأعذار المبيحة أيضاً الخروج من المسجد بعد الأذان ما أحدث أهل زماننا في المساجد من البدع كرفع الصوت بقراءة قرآن أو ذكر لأنه يشوش على المتعبدين وكالتبليغ لغير حاجة إليه ... ويدل لذلك ما يأتي للمصنف في باب التثويب عن مجاهد قال كنت مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فثوب رجل أي قال الصلاة خير من النوم في الظهر أو العصر فقال ابن عمر لمجاهد: اخرج بنا فإن هذه بدعة] المنهل العذب المورود 4/ 218 - 219. * * *

حكم إقامة الصلاة للمنفرد

حكم إقامة الصلاة للمنفرد يقول السائل: إنه يصلي أحياناً منفرداً في بيته بدون إقامة للصلاة فما حكم صلاته؟ الجواب: الإقامة من السنن المؤكدة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي مشروعة في صلاة الجماعة ولمن صلى منفرداً من الرجال دون النساء فليس على النساء أذان ولا إقامة. فقد ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) متفق عليه. وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يَعْجَبُ ربك من راعي غنم في رأس الشظية للجبل يؤذن ويصلي فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة) رواه أبو داود والنسائي وأحمد وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر صحيح سنن ... أبي داود 1/ 223. وإذا صلى المنفرد بدون إقامة فصلاته صحيحة ولا شيء عليه، قال الإمام النووي: [فرع في مذاهب العلماء في الأذان والإقامة: مذهبنا المشهور أنهما سنة لكل الصلوات في الحضر والسفر للجماعة والمنفرد لا يجبان بحال فإن تركهما صحت صلاة المنفرد والجماعة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه ونقله السرخسي عن جمهور العلماء] المجموع 3/ 82. وقال الخرقي الحنبلي: [ومن صلى بلا أذان ولا إقامة كرهنا له ذلك ولا يعيد] وذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي في شرحه لكلام الخرقي أنه لا يعرف مخالف في ذلك إلا عطاء ثم قال: [والصحيح قول الجمهور لما ذكرنا ولأن الإقامة أحد الأذانين فلم تفسد الصلاة بتركها كالأخر] المغني 1/ 302 - 303. ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن إبراهيم النخعي عن الأسود

وعلقمة قالا: (أتينا عبد الله بن مسعود في داره فقال: أصلى هؤلاء خلفكم. فقلنا: لا. قال: فقوموا فصلوا فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة ... ) رواه مسلم. وخلاصة الأمر أن من صلى منفرداً بدون إقامة فصلاته صحيحة ولكن الأولى والأفضل أن يقيم الصلاة خروجاً من خلاف من أوجبها من أهل العلم. * * *

الصلاة

الصلاة

المحافظة على أداء الصلاة في وقتها وحكم السهر بعد العشاء

المحافظة على أداء الصلاة في وقتها وحكم السهر بعد العشاء يقول السائل: ما قولكم في ظاهرة السهر التي يعاني منها كثير من الناس حيث إنهم يسهرون إلى ساعة متأخرة من الليل ثم ينامون وتضيع عليهم صلاة الفجر فلا يصلونها في وقتها الشرعي؟ الجواب: إن من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان نعمة الوقت أو الزمن، يقول الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَءَاتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) سورة إبراهيم الآيات 32 - 34. وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) سورة النحل الآية 12. وقد اعتنى الإسلام عناية فائقة بالوقت وحث المسلم على تنظيم وقته فكثير من الأحكام الشرعية مرتبطة بالوقت ارتباطاً وثيقاً قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله: [وقد رسم الشرع الحنيف: التوقيت في تكاليف كثيرة غير الصلاة، فوقت في أحكام الحج والزكاة والصوم وزكاة الفطر والأضحية

والسفر والتيمم والمسح على الخفين، والرضاع والطلاق والعدة والرجعة والنفقة والدين والرهن والضيافة والعقيقة والحيض والنفاس وغيرها. وما ذلك إلا لمعنى هام رتب الشرع التوقيت عليه ولحظ المصلحة والنفع به. وقد غفل كثير من المسلمين اليوم عن هذا التوجيه الإسلامي الدقيق لهم من جانب الشرع الأغر، فجعلوا يأخذون ويتعلمون أهمية ربط الأعمال بالتوقيت المناسب، من غيرهم! وكأنهم لم يمرنوا أو يربوا على ذلك من أول يوم كلفوا فيه بأحكام الشريعة الغراء وفي أولها الصلاة. فيجب على المسلم أن ينتبه إلى الوقت في حياته وإلى تنفيذ كل عمل من أعماله في توقيته المناسب، فالوقت من حيث هو معيار زمني: من أغلى ما وهب الله تعالى للإنسان وهو في حياة العالم وطالب العلم رأس المال والربح جميعاً فلا يسوغ للعاقل أن يضيعه سدى، ويعيش فيه هملاً سبهللاً ومن أجل هذا دونت هذه الصفحات حافزاً لنفسي ولأبناء جنسي رجاء الانتفاع بما فيها من أخبار آبائنا وسلفنا الماضين والله ولي التوفيق] قيمة الزمن عند العلماء ص10 - 11. وعلى الرغم من عظم نعمة الوقت وأهميتها في حياة المسلم إلا أن أكثر المسلمين عنها غافلون وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) رواه البخاري. فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مغبون فيهما كثير من الناس) يدل على أن المنتفعين من أوقاتهم وصحتهم قلة قليلة. ويجب على المسلم ان يستفيد من وقته وينتفع به، قال العلامة الشيخ القرضاوي: [وأول واجب على الإنسان المسلم نحو وقته أن يحافظ عليه كما يحافظ على ماله بل أكثر منه، وأن يحرص على الاستفادة من وقته كله، فيما ينفعه في دينه ودنياه، وما يعود على أمته بالخير والسعادة والنماء الروحي والمادي. وقد كان السلف - رضي الله عنهم - أحرص ما يكونون على أوقاتهم، لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها.

يقول الحسن البصري: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم! ومن هنا كان حرصهم البالغ على عمارة أوقاتهم بالعمل الدائب والحذر أن يضيع شيء منه في غير جدوى، يقول عمر بن عبد العزيز: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما! وكانوا يقولون: من علامة المقت إضاعة الوقت. ويقولون: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك. وكانوا يحاولون دائماً الترقي من حال إلى حال أحسن منها، بحيث يكون يوم أحدهم أفضل من أمسه وغده أفضل من يومه ويقول في هذا قائلهم: من كان يومه كأمسه فهو مغبون ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون! وكانوا يحرصون كل الحرص على ألا يمر يوم أو بعض يوم أو برهة من الزمان وإن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع إلى الغير حتى لا تتسرب الأعمار سدى وتضيع هباء وتذهب جفاء وهم لا يشعرون. وكانوا يعتبرون من كفران النعمة ومن العقوق للزمن: أن يمضي يوم لا يستفيدون منه لأنفسهم ولا للحياة من حولهم نمواً في المعرفة ونموا في الإيمان ونمواً في عمل الصالحات. يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي! وقال آخر: كل يوم يمر بي لا أزداد فيه علماً يقربني من الله عز وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم] الوقت في حياة المسلم ص12 - 13. وبعد هذا الكلام الموجز في بيان أهمية الوقت في حياة المسلم أعود إلى إجابة السؤال فأقول بأنه قد صح في الحديث عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... (كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية لمسلم: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحب النوم قبلها ولا الحديث بعدها). ورواه الترمذي بلفظ: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها) وقال الترمذي بعد رواية الحديث السابق: [وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 1/ 435. وورد في الحديث عن عائشة - رضي الله عنه - قالت: (ما نام رسول الله قبل العشاء ولا سمر بعدها) رواه ابن ماجة وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح سنن ... ابن ماجة 1/ 117. وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (جدب لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السمر بعد العشاء يعني زجرنا) رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 117، وانظر السلسلة الصحيحة 5/ 562. قال الإمام النووي: [وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو وفي وقتها المختار أو الأفضل ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا. قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها. أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه، وذلك كمدارسة العلم وحكايات الصالحين ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك، فكل هذا لا كراهة فيه وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه والباقي في معناه] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 282. وقال الإمام النووي أيضاً: [ويكره لمن صلى العشاء الآخرة أن

يتحدث بالحديث المباح في غير هذا الوقت وأعني بالمباح الذي استوى فعله وتركه فأما الحديث المحرم في غير هذا الوقت أو المكروه فهو في هذا الوقت أشد تحريماً وكراهة وأما الحديث في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين ومكارم الأخلاق والحديث مع الضيف فلا كراهة فيه بل هو مستحب وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة به وكذلك الحديث للعذر والأمور العارضة لا بأس به وقد اشتهرت الأحاديث بكل ما ذكرته] الأذكار ص 321. ثم ذكر الإمام النووي طائفة من الأحاديث التي تدل على جواز السمر في الأمور النافعة وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه ليدل على جواز ذلك بقوله: [باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء]. ثم ذكر حديث أنس - رضي الله عنه - قال: (نظرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة حتى كان شطر الليل يبلغه فجاء فصلى لنا ثم خطبنا فقال: ألا إن الناس قد صلوا ثم رقدوا وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة؟ قال الحسن: وإن القوم لا يزالون بخير ما انتظروا الخير. قال قرة: هو من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) صحيح البخاري مع الفتح 2/ 213 - 214. ثم ذكر البخاري حديثاً آخر. ثم ترجم في الباب الذي بعده بقوله: [باب السمر مع الأهل والضيف] ثم ذكر حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أصحاب الصفة. المصدر ... السابق 2/ 215 - 216. وخلاصة الأمر أن السهر بعد صلاة العشاء مكروه بشكل عام إلا إذا كان في الأمور النافعة كما سبق. وأما السهر في الأمور التافهة كالسهر لمتابعة الأفلام والتمثيليات الساقطة وفي غيرها من الأمور المنكرة فهو محرم. كما أن السهر الذي يؤدي إلى ضياع صلاة الفجر محرم لأن ما أدى إلى الحرام فهو حرام. وإذا حصل أن بعض الناس لا يستطيع أن ينام مبكراً ولا بد له من

متى يقوم المسبوق لإتمام صلاته؟

السهر فعليه أن ينتفع بوقته في الأمور النافعة كما ويجب عليه ان يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء صلاة الفجر في وقتها الشرعي. * * * متى يقوم المسبوق لإتمام صلاته؟ يقول السائل: هل يقوم المسبوق في الصلاة لإتمام صلاته بعد تسليم إمامه التسليمتين أم بعد التسليمة الأولى، وما حكم صلاة المسبوق إذا قام بعد التسليمة الأولى ولم ينتظر التسليمة الثانية؟ الجواب: اتفق أكثر أهل العلم على أن التسليم فريضة من فرائض الصلاة وقد ثبتت الأحاديث بذلك ومنها عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريها التكبير وتحليلها التسليم) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وصححه الترمذي والنووي وابن حجر والألباني، انظر إرواء الغليل 2/ 9. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يختم الصلاة بالتسليم) رواه مسلم. وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: (كنت أرى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده) رواه مسلم. وبعد اتفاق جمهور أهل العلم على أن التسليم فرض اختلفوا هل المطلوب تسليمة واحدة أو تسليمتان؟ فذهب جمهور العلماء إلى أن التسليمة الأولى واجبة والثانية سنة، قال ابن المنذر: [أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة] المجموع 32/ 482. وقال الإمام النووي: [وأجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 236.

وقال الداودي: [وأجمع العلماء على أن من سلم واحدة فقد تمت صلاته] المفهم 2/ 204. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة] المغني 1/ 396. ثم استدل الشيخ ابن قدامة لما قرره بقوله: [والصحيح: ما ذكرناه. وليس نص أحمد بصريح بوجوب التسليمتين، إنما قال: التسليمتان أصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث ابن مسعود وغيره أذهب إليه، ويجوز أن يذهب إليه في المشروعية والاستحباب دون الإيجاب كما ذهب إلى ذلك غيره، وقد دل عليه قوله في رواية مُهنَّا: أعجب إليَّ التسليمتان، ولأن عائشة وسلمة بن الأكوع وسهل بن سعد قد رووا: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمة واحدة) وكان المهاجرون يسلّمون تسليمة واحدة، ففيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة رضي الله عنهم في أن يكون المشروع والمسنون تسليمتين والواجب واحدة. وقد دل على صحة هذا: الإجماع الذي حكاه ابن المنذر فلا معدل عنه، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحملُ على المشروعية والسنة فإن أكثر أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة مسنونة غير واجبة فلا يمتنع حمل فعله لهذه التسليمة على السنة عند قيام الدليل عليها والله أعلم. ولأن التسليمة الواحدة يخرج بها من الصلاة فلم يجب عليه شيء آخر فيها] المغني 1/ 396 - 397. إذا تقرر هذا فنعود إلى السؤال حيث إن صلاة المسبوق مرتبطة بصلاة الإمام في المتابعة فأقول: الأكمل في حق المسبوق أن لا يقوم إلى قضاء ما فاته من الصلاة إلا بعد أن يفرغ إمامه من التسليمتين لأن الإمام جعل ليؤتم به كما هو ثابت في الحديث والمسبوق يأتي بما فاته بعد انتهاء الإمام من الصلاة. فقد جاء في الحديث عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: (تخلفت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك فتبرز، وذكر وضوءه ثم عمد

الناس وعبد الرحمن يصلي بهم فصلى مع الناس الركعة الأخيرة فلما سلّم عبد الرحمن قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتم صلاته فلما قضاها أقبل عليهم فقال: قد أحسنتم وأصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها) متفق عليه. فيؤخذ من هذا الحديث أن المسبوق يقوم لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه والظاهر من الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام لقضاء الركعة الفائتة بعد أن سلم الإمام التسليمتين وهذا مستحب. قال الحافظ ابن عبد البر: [ولم يختلف قول مالك أن المسبوق لا يقوم إلى القضاء حتى يفرغ الإمام من التسليمتين إذا كان ممن يسلم التسليمتين] الاستذكار 4/ 290. وأما إذا قام المسبوق لقضاء ما فاته من صلاته بعد فراغ إمامه من التسليمة الأولى ولم ينتظر التسليمة الثانية فصلاته صحيحة ولا شيء عليه لأن صلاة الإمام ينقضي الواجب فيها بالتسليمة الأولى والتسليمة الثانية سنة. نقل الحافظ ابن عبد البر عن الليث بن سعد فقيه مصر أنه قال في المسبوق ببعض الصلاة: [لا أرى بأساً أن يقوم بعد التسليمة الأولى] الاستذكار 4/ 291. وقال الإمام النووي: [اتفق أصحابنا على أنه يستحب للمسبوق أن لا يقوم ليأتي بما بقي عليه إلا بعد فراغ الإمام من التسليمتين وممن صرح به البغوي والمتولي وآخرون ونص عليه الشافعي رحمه الله في مختصر البويطي فقال ومن سبقه الإمام بشيء من الصلاة فلا يقوم لقضاء ما عليه إلا بعد فراغ الإمام من التسليمتين. قال أصحابنا فإن قام بعد فراغه من قوله السلام عليكم في الأولى جاز لأنه خرج من الصلاة] المجموع 3/ 483. وقال الإمام النووي أيضاً: [إذا سلم الإمام التسليمة الأولى انقضت قدوة المأموم الموافق والمسبوق لخروجه من الصلاة] المجموع 3/ 384. * * *

الجهر والإسرار في الصلاة للمنفرد

الجهر والإسرار في الصلاة للمنفرد يقول السائل: إنه يصلي أحياناً في بيته فهل يجهر أم يسر في القراءة؟ الجواب: من الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يجهر في صلاة الفجر وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء وهذا الجهر مشروع في حق الإمام. وأما المنفرد فالراجح من أقوال أهل العلم أنه يجهر وهذا قول المالكية والشافعية ورواية في مذهب الحنابلة. ومن العلماء من خيَّر المنفرد بين الجهر والإسرار وهذا قول الحنفية ورواية أخرى في مذهب الحنابلة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [الجهر في مواضع الجهر والإسرار في مواضع الإسرار لا اختلاف في استحبابه والأصل فيه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السف فإن جهر في موضع الإسرار أو أسر في موضع الجهر ترك السنة وصحت صلاته ... وهذا الجهر مشروع للإمام ولا يشرع للمأموم بغير اختلاف وذلك لأن المأموم مأمور بالإنصات والاستماع له، بل قد منع من القراءة لأجل ذلك. وأما المنفرد فظاهر كلام أحمد أنه يخير، وكذلك من فاته بعض الصلاة فقام ليقضيه، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله - أي للإمام أحمد -: رجل فاتته ركعة مع الإمام من المغرب أو العشاء فقام ليقضي أيجهر أو يخافت؟ قال: إن شاء جهر وإن شاء خافت ثم قال إنما الجهر للجماعة. وكذلك قال طاووس فيمن فاته بعض الصلاة وهو قول الأوزاعي ولا فرق بين القضاء والأداء] المغني 1/ 407 - 408. وقال الإمام النووي: [وأما المنفرد فيسن له الجهر عندنا وعند الجمهور، قال العبدري: هو مذهب العلماء كافة إلا أبا حنيفة فقال: جهر المنفرد وإسراره سواء. دليلنا أن المنفرد كالإمام في الحاجة إلى الجهر للتدبر فسن له الجهر كالإمام وأولى لأنه أكثر تدبراً لقراءته لعدم ارتباط غيره وقدرته على إطاقة القراءة ويجهر بها للتدبر كيف شاء] المجموع 3/ 389 - 390. ويؤيد ذلك ما رواه مالك في الموطأ أن عبد الله بن عمر رضي الله

زيادة لفظة سيدنا في الصلاة الإبراهيمة غير مشروع

عنهما كان إذا فاته شيء من الصلاة مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة أنه إذا سلَّم الإمام قام عبد الله بن عمر فقرأ لنفسه فيما يقضي وجهر] موطأ مالك 1/ 90. ومع أن الحنفية خيَّروا المنفرد بين الإسرار والجهر إلا أن الجهر أفضل عندهم، قال الزيلعي: [ ... أي إن شاء جهر وهو أفضل ليكون الأداء على هيئة الجماعة] تبيين الحقائق 1/ 127. * * * زيادة لفظة سيدنا في الصلاة الإبراهيمة غير مشروع السؤال: أعطاني أحد طلبة العلم نشرات وزعت في بعض المساجد باسم نشرات فقهية وتضمنت إحداها كلاماً حول لفظ السيادة في الصلاة الإبراهيمية أي زيادة لفظ " سيدنا "، وطلب مني بيان الحكم الشرعي في هذه المسألة؟ الجواب: قرأت هذه النشرة وغيرها مما وزع في بعض المساجد وقبل الجواب التفصيلي عن السؤال أقول: إن هذه النشرات غفل عن ذكر اسم الفقيه!!! الذي كتبها والفقه لا يؤخذ عن النكرات والمجاهيل، فلا بد من معرفة كاتب هذه النشرات لنعرف هل هو من أهل هذا الشأن أم لا؟ إن الفقه له أهله ورجاله وليس من أهله ولا رجاله طلبة العلم المبتدئون ولا الدراويش الذين لا يعرفون ألف باء الفقه، أما أن تسود الصفحات وتنشر ويكذب فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باسم الفقه فهذا منكر من القول وزور. بعد هذا أعود إلى المسألة المتعلقة بزيادة لفظ " سيدنا " في الصلاة الإبراهيمية فأقول: من المعلوم عند أهل العلم أن الأصل في العبادات هو التلقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد صح في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري وغيره، وقد علّم النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة

رضوان الله عليهم الصلاة وكيفيتها وهيئتها وأذكارها ونقل الصحابة رضي الله عنهم ذلك لمن بعدهم ومن ضمن ما نقلوه الصلاة الإبراهيمة في التشهد ولم يثبت في أي حديث من الأحاديث الواردة في ذلك زيادة لفظ " سيدنا " مع أن هذه الأحاديث كثيرة العدد فلم يرد في أي منها زيادة لفظ " سيدنا " لذلك يجب الاقتصار على الألفاظ النبوية كما وردت في الصلاة الإبراهيمية ولا يجوز زيادة لفظ " سيدنا " في الصلاة. ويجب أن يعلم أن ما جاء في النشرة المشار إليها أن: [رعاية الأدب خير من الامتثال] كلام مغلوط بل إن كمال الأدب هو في الامتثال لأن من كان متؤدباً مع غيره يكون ممتثلاً لكلامه وهذا حال المسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن التزم بهديه - صلى الله عليه وسلم - فهو في غاية الأدب معه - صلى الله عليه وسلم -. كما ينبغي أن يعلم أننا عندما نقول لا تجوز زيادة لفظ " سيدنا " في الصلاة الإبراهيمية فهذا لا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس هو سيدنا بل هو سيدنا - صلى الله عليه وسلم -. ولكن في العبادة لا بد من الاتباع ولو فتح باب الزيادة في العبادة بهذه الحجة وهي احترام النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقديره لكان ينبغي زيادة لفظ " سيدنا " في الأذان وفي الإقامة فلا فرق بين الصلاة وبين الأذان والإقامة فكلها عبادات. فهل يقول هؤلاء أن نزيد لفظ سيدنا في الأذان فنقول: [أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله] ولو كان هذا الاحترام مشروعاً بهذه الزيادة لسبقنا إليها من هم أشد احتراماً وحباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء أعني الصحابة رضوان الله عليهم. إذا ثبت هذا فأقول إن أهل الفقه وأهل العلم الحقيقين وليس الأدعياء قد قرروا أنه لا تجوز زيادة لفظ " سيدنا " لا في الصلاة الإبراهيمية ولا في الأذان ولا في الإقامة وهذا لا يتنافى مع تقدير النبي - صلى الله عليه وسلم - واحترامه لأن احترامه - صلى الله عليه وسلم - يكون باتباعه والتزام سنته - صلى الله عليه وسلم -. قال العلامة الشيخ الألباني بعد كلام طويل حول المسألة وأنه لم يثبت في شيء من الأحاديث زيادة لفظ السيادة قال: [والمسألة مشهورة في كتب

الفقه والغرض منها أن كل من ذكر هذه المسألة من الفقهاء قاطبة لم يقع في كلام أحد منهم "سيدنا" ولو كانت هذه الزيادة مندوبة ما خفيت عليهم كلهم حتى أغفلوها والخير كله في الاتباع والله أعلم. قلت - الألباني -: وما ذهب إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله من عدم مشروعية تسويده - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عليه اتباعاً للأمر الكريم هو الذي عليه الحنفية وهو الذي ينبغي التمسك به لأنه الدليل الصادق على حبه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) سورة آل عمران الآية 31. ولذلك قال الإمام النووي في الروضة: وأكمل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: اللهم صلى على محمد ... الخ ... فلم يذكر فيه السيادة!] صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 155. وقال الشيخ الدكتور بكر أبو زيد حفظه الله: [من استقرأ صيغ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - الواردة لم يجد فيها لفظ السيادة لا داخل الصلاة ولا خارجها ومن استقرأ أحاديث الأذان لم يجدها في ذكر الشهادة بأن محمداً رسول الله. والمحدثون كافة في كتب السنة لا يذكرون لفظ السيادة عند ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد استقرأ جماعة من المحققين ومنهم الحافظ ابن حجر كما نقله عنه السخاوي في " القول البديع "، والقاسمي في " الفضل المبين في شرح الأربعين " للعجلوني إذ قرر رحمه الله تعالى أن لفظ السيادة لم يثبت في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في الشهادة له بالرسالة - صلى الله عليه وسلم - وأنها داخل الصلاة لا تشرع لعدم التوقيف بالنص وأما خارجها فلا بأس] معجم المناهي اللفظية ص 304 - 305. ثم نقل عن الفضل المبين ما يلي: [سئل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عن صفة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة أو خارج الصلاة سواء قيل بوجوبها أو بندبها هل يشترط فيها أن يصفه - صلى الله عليه وسلم - بالسيادة بأن يقول مثلاً: صل على سيدنا محمد، أو على سيد الخلق أو سيد ولد آدم؟ أو يقتصر على قوله: اللهم صل على محمد؟ وأيهما أفضل: الإتيان بلفظ السيادة،

لكونها صفة ثابتة له - صلى الله عليه وسلم - أو عدم الاتيان لعدم ورود ذلك في الآثار؟ فأجاب رضي الله عنه: نعم اتباع الألفاظ المأثورة أرجح ولا يقال: لعله ترك ذلك تواضعاً منه - صلى الله عليه وسلم - كما لم يكن يقول عند ذكره - صلى الله عليه وسلم -: وأمته مندوبة إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك وهذا الإمام الشافعي - أعلى الله درجته - وهو من أكثر الناس تعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة كتابه الذي هو عمدة أهل مذهبه: اللهم صل على محمد إلى آخر ما أداه إليه اجتهاده وهو قوله: كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون وكأنه استنبط ذلك من الحديث الصحيح الذي فيه سبحان الله عدد خلقه وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأم المؤمنين ورآها قد أكثرت التسبيح وأطالته: (لقد قلت بعدك كلمات لو وزنت بما قلت لوزنتهن. وذكر ذلك وكان - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الجوامع في الدعاء)] معجم المناهي ... اللفظية ص 305 - 306. وقال الشيخ العلامة القاسمي: [رأيت أيام رحلتي إلى بيت المقدس من يقيم الصلاة وأحياناً يؤم بالقوم وكالة فيزيد لفظ " سيدنا " في قوله أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله. فقلت له بعد الصلاة: لم تزيد هذه اللفظة وهي سيدنا وليست مشروعة في الإقامة؟ فقال لي: هذه مسألة كان وقع فيها نزاع بين علماء القدس ويافا - يعني أحدثها مبتدع - فمن قائل ينبغي الاقتصار في ألفاظ الأذان والإقامة على الوارد دون زيادة ومن قائل تستحب زيادة سيدنا عند ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ثم اشتد النزاع وتراسلوا وكاد الأمر يفضي إلى تجاوز الحد والآن نحن نقولها اتباعاً لمن استحبها وقطعاً للقالة فيها. فقلت: يا أخي إن ألفاظ الأذانيين مأثورة متعبد بها رويت بالتواتر خلفاً عن سلف في كتب الحديث الصحاح والحسان والمسانيد والمعاجم ولم يرو أحد قط استحباب هذه الزيادة عن صحابي ولا تابعي بل ولا فقيه من فقهاء الأمة ولا أتباعهم وهذه كتبهم بين أيديكم وأنتم تقلدونهم ولا تخالفونهم فما هذا الابتداع وليس تعظيمه صلوات الله عليه بزيادة ألفاظ في عبارات

الضحك مبطل للصلاة

مشروعة لم يسنها هو ولم يستحبها خلفاؤه الراشدون مما يرضاه صلوات الله عليه لأن لكل مقام مقالاً على أنه ثبت أنه نهى من خاطبه بقوله: يا سيدنا وابن سيدنا، روى النسائي بإسناد جيد عن أنس - رضي الله عنه - أن ناساً قالوا: (يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا. فقال: يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل)] والحديث صححه الشيخ الألباني في تخريجه، إصلاح المساجد من البدع والعوائد ص 138 - 139. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز إضافة لفظة " سيدنا " في الصلاة الإبراهيمية في التشهد ولا في الأذان ولا في الإقامة، لأن هذه عبادات والأصل في العبادات الاتباع. * * * الضحك مبطل للصلاة يقول السائل: ما حكم من ضحك في الصلاة؟ الجواب: إن الصلاة من مقامات وقوف العبد بين يدي ربه عز وجل وهذا المقام يقتضي الخشوع والخضوع لله تعالى وقد قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) سورة المؤمنون الآيتان 1 - 2. قال ابن كثير: [ ... عن ابن عباس (خَاشِعُونَ) خائفون ساكنون وكذا روي عن الحسن ومجاهد وقتادة والزهري ... وقال الحسن البصري كان خضوعهم في قلوبهم فغضوا بذلك أبصارهم وخفضوا الجناح ... والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها واشتغل بها عمن عداها وآثرها على غيرها وحينئذ تكون راحة له وقرة عين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة)] تفسير ابن كثير 3/ 238.

وقال الألوسي: [وفي تقديم وصفهم في الخشوع بالصلاة على سائر ما يذكر بعد ما لا يخفى من التنويه بشأن الخشوع وجاء أن الخشوع أول ما يرفع من الناس ففي خبر رواه الحاكم وصححه أن عبادة بن الصامت قال: يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحاكم وصححه عن حذيفة قال: (أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة وتنتقض عرى الإسلام عروة عروة)] تفسير الألوسي 9/ 208. وقال العلماء أكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح وقد ورد عن سعيد بن المسيب أنه لما رأى رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة قال: [لو خشع قلبه لخشعت جوارحه]. والمطلوب من المسلم إذا قام في صلاته أن يخشع بقلبه وجوارحه فقلبه يخضع وجوارحه تهدأ وتسكن ولا تتحرك وقد ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة) رواه مسلم. وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ولا تكلم بكلام تعتذر منه وأجمع الإياس مما في أيدي الناس) رواه أحمد والبيهقي وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 190. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه) رواه الحاكم وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 320. وقد وردت عن السلف حكايات كثيرة في خشوعهم في صلاتهم حريّ بنا أن نقرأها ونستفيد منها وانظر بعضها في إحياء علوم الدين 1/ 149 - 151. إذا تقرر هذا وأن الخشوع مطلوب في الصلاة فلا شك أن الضحك في الصلاة مما ينافي الخشوع ويدل على اشتغال العبد عن ربه وانصرافه عنه.

لحن الإمام في القراءة في الصلاة

وقرر العلماء أن الضحك بصوت مبطل للصلاة، قال الإمام النووي: [وأما الضحك والبكاء والأنين والتأوه والنفخ فإن بان - أي ظهر - منه حرفان بطلت صلاته وإلا فلا] المجموع 4/ 79. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإن ضحك فبان حرفان فسدت صلاته وكذلك إن قهقه ولم يكن حرفان وبهذا قال جابر بن عبد الله وعطاء ومجاهد والحسن وقتادة والنخعي والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً. قال ابن المنذر أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة. وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها] المغني 2/ 39 - 40. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والأظهر أن الصلاة تبطل بالقهقهة إذا كان فيها أصوات عالية فإنها تنافي الخشوع الواجب في الصلاة وفيها من الاستخفاف والتلاعب ما يناقض مقصود الصلاة فأبطلت لذلك لا لكونها كلاماً] الاختيارات العلمية ص 59. والضحك يكون مع الصوت بحيث يسمع نفسه ومن قرب منه والقهقهة تكون بصوت مرتفع وأما التبسم فيكون بدون صوت والضحك والقهقهة يبطلان الصلاة كما سبق وأما التبسم فلا يبطلها وإن كان مخلاً بالخشوع. وخلاصة الأمر أن من ضحك في صلاته فصلاته باطلة ويجب عليه أن يعيدها ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويكثر من الاستغفار ولا يعود لمثل ذلك مستقبلاً. * * * لحن الإمام في القراءة في الصلاة يقول السائل: إن إمام المسجد عندهم يخطىء في قراءة سورة الفاتحة وينطق الحروف نطقاً غير صحيح فما حكم الصلاة خلفه؟ الجواب: ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) رواه مسلم.

والأقرأ هو الأحسن تلاوة وقراءة أو الأكثر قراءة ومن العلماء من قال الأقرأ هو الأفقه. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 301. وقد أخذ العلماء من الحديث السابق أنه يشترط في إمام الصلاة أن يكون صحيح اللسان بحيث ينطق الحروف على وجهها الصحيح وخاصة في قراءته للفاتحة. فإذا كان الإمام يخطئ في القراءة أو يلحن ففي حكم إمامته تفصيل عند أهل العلم فإذا كان اللحن في الفاتحة وكان لحناً جلياً وهو الذي يغير المعنى فلا يصح أن يكون إماماً ولا يصح الاقتداء به واللحن الذي يغير المعنى مثل أن يضم التاء في قوله تعالى: (أَنْعَمْتَ) أو يكسرها أو يبدل الميم نوناً في قوله تعالى: (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أو يفتح الهمزة في قوله تعالى: (اهْدِنَا) فإذا كان حال الإمام كذلك فكثير من الفقهاء يمنعون الاقتداء به ولا يصح أن يكون إماماً إذا كان في المصلين من لا يلحن كلحنه. وأما إذا كان اللحن لا يغير المعنى وهو اللحن الخفي فتصح الصلاة خلفه مع الكراهة ومثال اللحن الذي لا يغير المعنى أن يضم الهاء في قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أو يفتح الدال في قوله تعالى: (نَعْبُدُ) أو يبدل الضاد ظاءً في قوله تعالى: (وَلَا الضَّالِّينَ) قال الحافظ ابن كثير: [والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ولأن كلاً من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة ولهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك] تفسير ابن كثير 1/ 30. قال الإمام النووي: [إذا لحن في القراءة كرهت إمامته مطلقاً فإن كان لحناً لا يغير المعنى كرفع الهاء من الحمد لله كانت كراهة تنزيه وصحت صلاته وصلاة من اقتدى به وإن كان لحناً يغير المعنى كضم التاء من

حكم قول بلى ونحوها في الصلاة

أنعمت أو كسرها أو يبطله بأن يقول الصراط المستقين فإن كان لسانه يطاوعه وأمكنه التعلم فهو مرتكب للحرام ويلزمه المبادرة بالتعلم فإن قصر وضاق الوقت لزمه أن يصلي ويقضي ولا يصح الاقتداء به وإن لم يطاوعه لسانه أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه فصلاة مثله خلفه صحيحة وصلاة صحيح اللسان خلفه كصلاة قارئ خلف أمي وإن كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة كل أحد خلفه لأن ترك السورة لا يبطل الصلاة فلا يمنع الاقتداء] المجموع 4/ 268 - 269. وأما اللحَّان في غير الفاتحة فتكره إمامته أيضاً ولكنها صحيحة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [تكره إمامة اللحان الذي لا يحيل المعنى، نص عليه أحمد وتصح صلاته بمن لا يلحن لأنه أتى بفرض القراءة فإن أحال المعنى في غير الفاتحة لم يمنع صحة الصلاة ولا الإئتمام به إلا أن يتعمده فتبطل صلاتهما] المغني 2/ 146. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [أما اللحن في الفاتحة الذي لايحيل المعنى فتصح صلاة صاحبه إماماً أو منفرداً] غاية المرام 6/ 261. وعلى الإمام الذي يلحن في صلاته أن يتعلم النطق الصحيح بالحروف وأن يتدرب على تقويم لسانه فإن استقام لسانه فبها ونعمت وإلا فلا يجوز أن يستمر في إمامة الناس بالصلاة ويجب تغييره. * * * حكم قول بلى ونحوها في الصلاة يقول السائل: إن الإمام في صلاة المغرب قرأ سورة التين ولما قرأ قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) قال بعض المصلين [بلى] وبعد انتهاء الصلاة قام رجل وقال: من قال بلى بعد قراءة الإمام فصلاته باطلة. فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن كثيراً من الناس يفتون بغير علم ويتجرؤون على دين الله

سبحانه وتعالى وهذا يدل على قلة العلم وقلة التقوى والورع والعياذ بالله. وقد كان السلف ينكرون أشد الإنكار على من اقتحم حمى الفتوى ولم يتأهل لها ويعتبرون ذلك ثلمة في الإسلام ومنكراً عظيماً يجب أن يمنع. وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء. فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا). وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أُفتِيَ بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه) وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في المشكاة 1/ 81. وذلك لأن المستفتي معذور إذا كان من أفتاه لبس لبوس أهل العلم وحشر نفسه في زمرتهم وغر الناس بمظهره وسمته. ومن ثم قرر العلماء: أن من أفتى وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص ومن أقره على ذلك فهو عاص أيضاً. وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب وليس له علم بالطريق. وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطب الناس بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم. وإذا كان يتعين منع من لم يحسن التطبيب من مداواة المرضى فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين؟ وكان شيخ الإسلام ابن تيمية شديد الإنكار على هؤلاء ولما قال له بعضهم يوماً: أجعلت محتسباً على الفتوى؟ قال له: يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب. الفتوى بين الانضباط والتسيب ص22 - 24

بتصرف. إذا تقرر هذا فأعود إلى موضوع السؤال فأقول أولاً: إن الادعاء بإبطال صلاة المصلين لقولهم بلى في الصلاة المذكورة إدعاء بلا دليل ولا يجوز لأحد أن يقدم على إبطال صلاة أحد بدون دليل شرعي معتبر. ثانياً: إن قول بعض المصلين بلى عند قراءة الإمام لقوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) له دليل ومستند وإن كان فيه كلام لأهل العلم فمن العلماء من يرى أن المصلي يقول ذلك في الصلاة إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً ويقوله المستمع خارج الصلاة وبه قال جمهور العلماء كما في المجموع للنووي 4/ 67. ومن العلماء من قال يقوله خارج الصلاة لا داخلها ولو قال ذلك داخل الصلاة لا تبطل صلاته. انظر المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود 5/ 336. ومما يدل على أن المصلي يقول ذلك في صلاته ما رواه أبو داود بإسناده عن موسى بن أبي عائشة قال: (كان رجل يصلي فوق بيته وكان إذا قرأ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) قال: سبحانك فبلى. فسألوه عن ذلك فقال: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 168. وقال الشيخ الألباني في تمام المنة: [أخرجه أبو داوود بسند صحيح عن الرجل وهو صحابي وجهالته لا تضر كما هو معروف عند العلماء] تمام المنة ... ص 186. وورد في حديث آخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من قرأ منكم بـ: (والتينِ وَالزَّيْتُونِ) فانتهى إلى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. ومن قرأ (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) فانتهى إلى ... : (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فليقل: بلى. ومن قرأ المرسلات فبلغ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) فليقل آمنا بالله) رواه أبو داود وروى الترمذي بعضه إلى قوله:

(وأنا من الشاهدين) والحديث ضعيف عند أكثر المحدثين. انظر المجموع للنووي 4/ 67 وتمام المنة في التعليق على فقه السنة ص 186 وشرح السنة 3/ 105. وقواه الحافظ ابن حجر بتعدد الطرق والشواهد كما فصله ابن علان في شرح الأذكار 2/ 236 - 238 فيما نقله عن الحافظ ابن حجر في كلام طويل أذكر بعضه: [قال الحافظ هذا حديث حسن يتقوى بكثرة طرقه] ثم ذكر من أخرجه. ثم قال الحافظ: [وإطلاق الضعف على هذا الحديث متعقب فإنه قد جاء عن غير أبي هريرة فجاء من حديث البراء بن عازب أخرجه عنه ابن مردويه ... ومن حديث جابر أخرجه ابن المنذر في تفسيره ... ومن حديث ابن عباس ... ومن حديث صحابي لم يسم أخرجه أبو داود عنه ... وورد مرسلاً عن قتادة ... أخرجه الطبري وسنده صحيح أو حسن لشواهده ومع تعدد هذه الطرق يتضح أن إطلاق كون هذا الحديث ضعيفاً ليس بمتجه] انتهى كلام الحافظ ملخصاً من شرح ابن علان على الأذكار. وأشار الحافظ إلى أن هذا الحديث من فضائل الأعمال فيعمل به وإن كان فيه اختلاف. انظر مرقاة المفاتيح 2/ 586. وقال الإمام النووي: [ويستحب له أن يقول ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من قرأ والتين والزيتون فقال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين) رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف عن رجل عن أعرابي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. قال الترمذي: هذا الحديث إنما يروى بهذا الإسناد عن الأعرابي عن أبي هريرة قال ولا يسمى. وروى ابن أبي داود والترمذي: (ومن قرأ آخر (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فليقل: بلى. ومن قرأ: (فَبِأَيِّءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) أو (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) فليقل آمنت بالله).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما وابن الزبير وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا قرأ أحدهم (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال: سبحان ربي الأعلى. وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يقول فيها سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات. وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه صلى فقرأ آخر سورة بني إسرائيل ثم قال: الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً. وقد نص بعض أصحابنا على أنه يستحب أن يقال في الصلاة ما قدمناه، وفي حديث أبي هريرة في السور الثلاث وكذلك يستحب أن يقال باقي ما ذكرناه وما كان في معناه والله أعلم]. التبيان في آداب حملة القرآن ص 65 - 66. وقال الإمام النووي أيضاً: [قال الشافعي وأصحابنا يسن للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مرّ بآية رحمة أن يسأل الله تعالى الرحمة أو بآية عذاب أن يستعيذ به من العذاب أو بآية تسبيح أن يسبح أو بآية مثل أن يتدبر قال أصحابنا ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد وإذا قرأ (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) قال بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وإذا قرأ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) قال آمنا بالله. وكل هذا يستحب لكل قارئ في صلاته أو غيرها وسواء صلاة الفرض والنفل والمأموم والإمام والمنفرد لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين ... ثم ذكر أدلة ذلك ثم قال: هذا تفصيل مذهبنا وقال أبو حنيفة رحمه الله يكره السؤال عند آية الرحمة والاستعاذة في الصلاة. وقال بمذهبنا جمهور العلماء من السلف فمن بعدهم] المجموع 4/ 66 - 67 والذي يظهر لي من كلام أهل العلم أنه يجوز للمصلي أن يقول بلى في المواقع التي سبقت سواء أكان إماماً أو مأموماً أو منفرداً وسواء صلى فريضة أم نافلة. ولا يصح القول ببطلان صلاة المصلي إن قال ذلك حتى

حديث مكذوب في قضاء الصلاة الفائتة

عند من يمنع من قول ذلك في الصلاة المفروضة وهو قول الحنفية حيث قالوا: [ولو عمل به أحد في الصلاة لا تفسد] إعلاء السنن 4/ 168. * * * حديث مكذوب في قضاء الصلاة الفائتة تقول السائلة: إنها قرأت في كتاب بعنوان سور من القرن الكريم حديثاً عن الصلاة لما فات من الأوقات، وهذا نصه: [عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من فاته في عمره صلاة ولم يقضها فليقم آخر جمعة من شهر رمضان يصلي أربع ركعات يتشهد وأخذ يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة القدر وسورة الكوثر خمسة عشر مرة ويقول في النية: نويت أن أصلي أربع ركعات كفارة لما فاتني من الصلاة. قال أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: هي كفارة أربعمئة سنة فقال علي هي كفارة ألف، قالوا يا رسول الله: ابن آدم يعيش مائة سنة فلمن تكون الصلاة الزائدة؟ قال: تكون لأبويه وزوجته وأولاده وأقاربه، فإذا فرغ من الصلاة صلى على النبي مائة مرة ثم يدعو بهذا الدعاء: اللهم يا من لا تنفعك طاعتي ولا تضرك معصيتي تقبل ما لا ينفعك واغفر لي ما لا يضرك يا من إذا وعد وفى وإذا توعد تجاوز وعفا اغفر لعبد ظلم نفسه وأساء اللهم إني أعوذ بك من بطر الغنى وجهد الفقر إلهي خلقتني ولم أكن شيئاً ورزقتني ولم أكن شيئاً وارتكبت المعاصي فإني مقر لك بذنوبي فإن عفوت عني فلا ينقص من ملكك شيء وإن عذبتني فلا يزيد في سلطانك شيء إلهي أنت تجد من تعذبه غيري وأنا لا أجد من يرحمني غيرك اغفر لي ما بيني واغفر ما بيني وبين خلقك يا ارحم الراحمين ويا رجاء السائلين ويا أمان الخائفين ارحمني برحمتك الواسعة اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين] فما قولكم في هذا الكلام؟ الجواب: لا شك أن هذا الحديث مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الصلاة في مسجد فيه قبر

وعلامات الوضع ظاهرة عليه وهذا الحديث تكذبه القواعد الشرعية، قال الشيخ العلامة عبد الحي اللكنوي: [حديث من قضى صلوات من الفرائض في آخر جمعة من رمضان كان ذلك جابرا لكل صلاة فائتة من عمره إلى سبعين سنة. قال علي القاري في موضوعاته الصغرى والكبرى باطل قطعياً لأنه مناقض للإجماع على أن شيئاً من العبادات لا يقوم مقام فائتة سنوات ثم لا عبرة بنقل صاحب النهاية ولا بقية شراح الهداية لأنهم ليسوا من المحدثين ولا أسندوا الحديث إلى أحد المخرجين، انتهى] الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص 85. وقال الشيخ الشوكاني: [حديث من صلى في آخر جمعة من رمضان الخمس الصلوات المفروضة في اليوم الليلة قضت عنه ما أخل به من صلاة سنته. هذا: موضوع لا إشكال فيه ولم أجده في شيء من الكتب التي جمع مصنفوها فيها الأحاديث الموضوعة ولكنه اشتهر عند جماعة من المتفقهة بمدينة صنعاء في عصرنا هذا. وصار كثير منهم يفعلون ذلك ولا أدرى من وضعه لهم. فقبح الله الكذابين] الفوائد المجموعة ص 54. وخلاصة الأمر أن هذا من الكذب والافتراء على النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * الصلاة في مسجد فيه قبر يقول السائل: ما حكم الصلاة في مسجد مبني على قبر والقبر في قبلة المسجد وما الجواب عمن يجيز الصلاة في المساجد التي فيها قبور بحجة أن المسجد النبوي فيه قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصا حبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟ الجواب: إن الإسلام قد سد الطرق التي تؤدي إلى خدش التوحيد ومن ذلك النهي عن اتخاذ القبور مساجد لأنه قد يوقع في الشرك وذلك

بعبادة أصحاب القبور بالاستعانة بهم ودعائهم وتقديم النذور لهم وغير ذلك من مظاهر الشرك. وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد] رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها: (لما كان مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها مارية وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة فذكرن من حسنها وتصاويرها، قالت: فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه فقال: أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين] انظر تحذير الساجد ص 17. وعن جندب بن جنادة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( ... ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم، وغير ذلك من الأحاديث. وبناء على ما تقدم فإنه يحرم بناء مسجد على قبر بمعنى أن يكون القبر سابقاً ثم بني عليه لاحقاً مسجد وهذا با تفاق أهل العلم فيما أعلم وهو ما تدل عليه النصوص الشرعية فالقبور ليست محلاً للصلاة فلا يجوز لأحد أن يصلي على قبر أو إليه ولا يستثنى من ذلك إلا صلاة الجنازة كما هو مبين في محله من كتب العلماء. وقد صح في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) رواه مسلم.

قال القرطبي المحدث: [أي لا تتخذوها قبلة ... وكل ذلك لقطع الذريعة أن يعتقد الجهال في الصلاة إليها أو عليها الصلاة لها فيؤدي ذلك إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/ 628. وأما إذا كان المسجد هو السابق ووضع القبر فيه لاحقاً فإن الصلاة تكره في هذا المسجد وينبغي نبش القبر وإخراجه من المسجد. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: [هل تصح الصلاة في المسجد إذا كان فيه قبر والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا؟ وهل يمهد القبر أو يعمل عليه حاجز أو حائط؟ فأجاب: الحمد لله، اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غير إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديداً. وإن كان المسجد بني بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما أن تزال صورة القبر فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل فإنه منهي عنه] مجموع الفتاوى 22/ 194 - 195. وأما الاحتجاج بوجود قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه لأنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما مات - صلى الله عليه وسلم - دفنوه في حجرته التي كانت بجانب مسجده وكان يفصل بينهما جدار فيه باب كان - صلى الله عليه وسلم - يخرج منه إلى المسجد وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه - صلى الله عليه وسلم - في الحجرة إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً] تحذير الساجد ص 84. والوليد بن عبد الملك هو الذي أمر سنة ثمان وثمانين هجرية بإضافة حجرات أزواج الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد النبوي وكان ذلك بعد موت عامة الصحابة رضي الله عنهم. انظر تحذير الساجد ص 84.

لا تشترط الطهارة للمس شريط تسجيل القرآن

وعلى كل حال فالمسجد النبوي مستثنى من الحكم السابق لما للمسجد النبوي من فضائل معروفة وثابتة عند أهل العلم. انظر تحذير الساجد ص 195 فما بعدها. وأخيراً ينبغي التنبيه على أنه لا يجوز دفن أحد من الأموات في المساجد وإنما السنة المعروفة هي الدفن في المقابر والمساجد ليست مقابر وإنما هي لعبادة الله سبحانه وتعالى فينبغي أن تكون المساجد خالية من المقابر لما يترتب على وجود القبر في المسجد من مفاسد عظيمة تخل بالعقيدة. وقد سئل العلامة محمد بن صالح العثيمين عن رجل بنى مسجداً وأوصى أن يدفن فيه فدفن فما العمل الآن؟ فأجاب: [هذه الوصية أعني الوصية أن يدفن في المسجد غير صحيحة لأن المساجد ليست مقابر ولا يجوز الدفن في المسجد وتنفيذ هذه الوصية محرم والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين] فتاوى العقيدة ص 461. وخلاصة الأمر أن الصلاة تصح مع الكراهة في المسجد الذي به قبر إلا إذا كان القبر في قبلة المسجد مباشرة فلا تصح. لا تشترط الطهارة للمس شريط تسجيل القرآن يقول السائل: هل يشترط لمس الشريط المسجل عليه القرآن الكريم الطهارة؟ الجواب: لا شك أن ما نسمعه من الشريط المسجل عليه آيات من كتاب الله بصوت القارىء هو القرآن الكريم ولكن هذا الشريط لا يأخذ نفس الحكم المتعلق بالقرآن الكريم من حيث أنه لا يجوز مسه إلا على طهارة كما هو مذهب أكثر أهل العلم فيجوز مس الشريط بدون طهارة. * * *

بناء مدرسة على ظهر المسجد الموقوف

بناء مدرسة على ظهر المسجد الموقوف يقول السائل: عندنا أرض موقوفة بني عليها مسجد وقام أهل الحي ببناء طابق ثان فوق المسجد ويريدون أن يجعلوه مدرسة فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يجوز بناء مدرسة فوق المسجد حيث إن الأرض موقوفة على بناء المسجد فقط، ولا يجوز لأهل الحي أو غيرهم التغيير في الوقف لأن شرط الواقف كنص الشارع. وكذلك فإن الأصل أن يكون بناء المسجد مستقلاً ومتميزاً ومنفصلاً عن أي بناء آخر سواء أكان مدرسة أو عيادة طبية أو غير ذلك، والمدرسة وأمثالها من الأبنية العامة يختار لها مكان مناسب غير سطح المسجد. * * *

صلاة الجمعة

صلاة الجمعة

تلاوة آية فيها سجدة أثناء خطبة الجمعة

تلاوة آية فيها سجدة أثناء خطبة الجمعة يقول السائل: إذا قرأ خطيب الجمعة وهو على المنبر آية فيها سجدة فماذا يعمل بالنسبة لسجود التلاوة؟ الجواب: إذا قرأ خطيب الجمعة وهو على المنبر آية فيها سجدة فإن أمكنه السجود على المنبر فبها ونعمت، وإن لم يمكنه السجود على المنبر فإن شاء نزل وسجد وإن شاء ترك السجود ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى. وهذا قول جماعة من أهل العلم وقد فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمحضر من الصحابة فهو بمثابة الإجماع. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإن قرأ السجدة في أثناء الخطبة فإن شاء نزل فسجد وإن أمكنه السجود على المنبر سجد عليه وإن ترك السجود فلا حرج، فعله عمر وترك وبهذا قال الشافعي وترك عثمان وأبو موسى وعمار والنعمان بن بشير وعقبة بن عامر ... ] المغني 2/ 230. وفعل عمر الذي أشار إليه ابن قدامة رواه البخاري في صحيحه بإسناده أن عمر بن الخطاب: (قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ

بها حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يسجد عمر - رضي الله عنه -. صحيح البخاري مع فتح الباري 3/ 213. وفعل عمر - رضي الله عنه - وقوله في هذا الموطن والمجمع العظيم من الصحابة دليل على جواز السجود وتركه وأن لا حرج في ذلك. وقال الحافظ ابن حجر: [وفي الحديث من الفوائد أن للخطيب أن يقرأ القرآن في الخطبة وأنه إذا مر بآية سجدة ينزل إلى الأرض ليسجد بها إذا لم يتمكن من السجود فوق المنبر وأن ذلك لا يقطع الخطبة ووجه ذلك فعل عمر مع حضور الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم] فتح الباري 3/ 213. ومما يدل على أنه يجوز للخطيب أن ينزل عن المنبر ليسجد سجود التلاوة ما جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر " ص" فلما بلغ السجدة نزل سجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزَّن الناس للسجود فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزل فسجد وسجدوا) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 265. والتشزن معناه التأهب والتهيؤ للشيء والاستعداد له، أي استعدوا للسجود. وأخيراً فإن بعض العلماء يرون أن الأولى في الخطيب أن لا يقرأ آية فيها سجدة أثناء الخطبة. قال الماوردي: [والأولى بالإمام أن لا يقرأ في خطبته آية سجدة] الحاوي الكبير 2/ 444. * * *

الاعتراض على خطيب الجمعة أثناء الخطبة

الاعتراض على خطيب الجمعة أثناء الخطبة يقول السائل: إن خطيب الجمعة في مسجد بلدتهم أطال الخطبة فاعترض عليه عدد من المصلين أثناء الخطبة وطلبوا منه أن ينهي خطبته وحصل كلام ولغط في المسجد أثناء الخطبة، فما حكم ذلك؟ الجواب: إن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم تقصير خطبة الجمعة وغيرها من الخطب إلا نادراً فقد ثبت في الحديث عن أبي وائل قال: (خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فلما نزل قلنا يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان سحراً) رواه مسلم. وقوله لو تنفست أي لو أطلت قليلاً، وقوله مئنة من فقهه أي علامة على فقهه قاله الإمام النووي في شرح صحيح مسلم 6/ 158. وورد في رواية أخرى عن أبي راشد قال: (خطبنا عمار فتجوز في الخطبة فقال رجل: قد قلت قولاً شفاءً لو أنك أطلت، فقال عمار: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن نطيل الخطبة) رواه ابن أبي شيبة. وجاء في الحديث عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإقصار الخطب) رواه أبو داود والبيهقي، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 205 - 206. وجاء في الحديث عن جابر بن سمرة قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هن كلمات يسيرات) رواه أبو داود وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 206. وورد في رواية أخرى عن جابر بن سمرة قال: (كانت صلاة رسول - صلى الله عليه وسلم - قصداً وخطبته قصداً يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس) رواه مسلم.

وقوله: (قصداً وخطبته قصداً) القصد في الشيء هو الاقتصاد فيه وترك التطويل وإنما كانت صلاته صلى الله عليه وسلم وخطبته كذلك لئلا يمل الناس والحديث فيه مشروعية إقصار الخطبة ولا خلاف في ذلك بين العلماء، عون المعبود شرح سنن أبي داود 3/ 316 - 317. وهذه الأحاديث تدل على أن السنة تقصير خطبة الجمعة وتطويل الصلاة فهذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن أكثر خطباء الجمعة اليوم لا يقتدون بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بل إنهم يعكسون الأمر فيطيلون الخطبة ويقصرون الصلاة. إذا تقرر هذا فنعود إلى السؤال حيث إن الخطيب قد أطال الخطبة فاعترض عليه عدد من المصلين فأقول لا ينبغي لأحد أن يعترض على خطيب الجمعة ولا يجوز لأحد أن يتكلم أثناء الخطبة فإذا أطال الخطيب فعلى المصلين أن يصبروا ويحتسبوا وقال جمهور أهل العلم يمنع جميع أنواع الكلام أثناء الخطبة ويدل على ذلك عموم قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) سورة الأعراف الآية 204. ومن المعلوم أن الخطبة تشتمل على آيات من القرآن الكريم فتدخل في وجوب الإنصات والاستماع إليها وقد ذكر جماعة من التابعين كمجاهد وعطاء وسعيد بن جبير أن هذه الآية نزلت في الخطبة وضعف ذلك الإمام القرطبي في تفسيره 7/ 353. وأقوى من ذلك في الاستدلال على منع الكلام أثناء الخطبة ما جاء في الحديث عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر: [واستدل به على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة وبه قال الجمهور في حق من سمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة] فتح الباري 3/ 66. ويدل على ذلك أيضاً ما جاء في الحديث عن أبي ذر أنه قال: (دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجلست قريباً من أبي بن

كعب فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة براءة فقلت لأبي: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهمني ولم يكلمني ثم مكثت ساعة ثم سألته فتجهمني ولم يكلمني ثم مكثت ساعة ثم سألته فتجهمني ولم يكلمني فلما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت لأبي: سألتك فتجهمتني ولم تكلمني، قال أبي: مالك من صلاتك إلا ما لغوت. فذهبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا نبي الله: كنت بجنب أبي وأنت تقرأ براءة فسألته متى نزلت هذه السورة؟ فتجهمني ولم يكلمني ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: صدق أبي) رواه ابن خزيمة وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ص 303. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: (دخل عبد الله من مسعود المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - فجلس إلى جنب أبي بن كعب فسأله عن شيء أو كلمه بشيء فلم يرد عليه أبي وظن ابن مسعود أنها موجدة - أي غضب - فلما انفتل النبي - صلى الله عليه وسلم - من صلاته قال ابن مسعود: يا أبي ما منعك أن ترد علي؟ قال: إنك لم تحضر معنا الجمعة. قال: لمَ؟ قال: تكلمت والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب. فقام ابن مسعود فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صدق أبي، صدق أبي، أطع أبياً) رواه أبو يعلى بإسناد جيد وابن حبان وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ص 304. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كان كفارة لما بينهما ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) رواه ابو داود وابن خزيمة وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ص 305. وعن عبد الله بن عمرو أيضاً قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يحضر الجمعة ثلاثة نفر فرجل حضرها يلغو فذلك حظه منها ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة

لا سنة قبلية يوم الجمعة

أيام وذلك أن الله يقول: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)) رواه أبو داود وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في المصدر السابق. وقد شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - من يتكلم أثناء خطبة الجمعة بالحمار يحمل أسفاراً فقد جاء في الحديث عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً والذي يقول له أنصت ليست له جمعة) قال الحافظ ابن حجر: رواه أحمد بإسناد لا بأس به. وهو يفسر حديث أبي هريرة في الصحيحين مرفوعاً: (إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) بلوغ المرام ص 91. وذكر ابن حزم بإسناده عن بكر بن عبد الله المزني: (أن علقمة بن عبد الله المزني كان بمكة فجاء كريه - أي الذي أجره الدابة - والإمام يخطب يوم الجمعة فقال له: حسبت القوم قد ارتحلوا فقال له: لا تعجل حتى تنصرف فلما قضى صلاته قال له ابن عمر: أما صاحبك فحمار وأما أنت فلا جمعة لك) ... المحلى 3/ 269 - 270. وأخيراً أبين أن جماعة من أهل العلم يرون أن من تكلم عامداً أثناء الخطبة فلا جمعة له وتحسب له ظهراً لما جاء في الحديث: (ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) وقد سبق. ومن العلماء من قال إن الجمعة تجزئ ولكن أجرها قد بطل ولم ينل الفضيلة. * * * لا سنة قبلية يوم الجمعة يقول السائل: إنه قد صلى الجمعة في أحد المساجد وبعد انتهاء الصلاة قام ليبين للمصلين حكماً شرعياً يتعلق بصلاة السنة القبلية للجمعة وأنها غير ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره إمام المسجد بالسكوت لأنه يثير فتنة بين المصلين كما زعم وحصل بعد ذلك صياح في المسجد من المصلين فكانوا بين مؤيد له بالكلام ومعارض، ويسأل عن حكم ذلك؟ الجواب: مما يؤسف له أن بيان الحكم الشرعي الصحيح المستند

على الأدلة القوية الثابتة صار في عرف بعض أئمة المساجد يثير فتنة بين المصلين ويحدث النزاع والشقاق بينهم. إن بعض أئمة المساجد يعتبر نفسه قيماً على أفكار الناس وحارساً على عقولهم فلا يريد أن يسمعوا إلا ما يوافق رأيه وهواه إن ما فعله الإمام المذكور خطأ واضح وليس له الحق في الحجر على أفكار الناس ما دام أن هذا الشخص يريد أن يبين حكماً شرعياً بأدلته وقد أطلعني على الورقة التي كان يريد أن يقرأها وفيها بيان حكم سنة الجمعة القبلية وأنها لم تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل بها أحد من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية ولم يثبتها المحققون من أهل الحديث وهذا هو القول الصحيح في المسألة. والقول بإثبات سنة الجمعة القبلية ضعيف ولم يأت القائلون به بشيء يركن إليه ولا يعول عليه وكثرة الفاعلين لها لا يدل على مشروعيتها بل هؤلاء مجرد مقلدة لبعض المتأخرين من أتباع المذاهب. وقد نص العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن يمنع الناس من الأخذ برأي فقهي وإن كان المانع إماماً للمسلمين - خليفة - أو قاضياً أو والياً ومن باب أولى إمام المسجد لا يجوز له أن يمنع الناس من رأي معين بحجة أن ذلك قد يثير الفتنة كما زعم. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه عمن ولي أمراً من أمور المسلمين ومذهبه لا يجوز " شركة الأبدان " فهل يجوز له منع الناس؟ فأجاب: [ليس له منع الناس من مثل ذلك ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد، وليس معه بالمنع نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا ما هو معنى ذلك لا سيما وأكثر العلماء على جواز ذلك وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الأمصار. وهذا كما أن الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناس باتباعه في مثل هذه المسائل، ولهذا لما استشار الرشيد مالكاً أن يحمل الناس على " موطئه " في مثل هذه المسائل منعه من ذلك، وقال: إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا في

الأمصار، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم. وصنف رجل كتاباً في الاختلاف، فقال أحمد: لا تسمه " كتاب الاختلاف " ولكن سمه " كتاب السنة ". ولهذا كان بعض العلماء يقول: إجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة. وكان عمر بن عبد العزيز يقول: ما يسرني أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يختلفوا لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة. وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه. ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره: إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه. ونظائر هذه المسائل كثيرة: مثل تنازع الناس في بيع الباقلاء الأخضر في قشريه، وفي بيع المقاثي جملة واحدة، وبيع المعاطاة والسلم الحال، واستعمال الماء الكثير بعد وقوع النجاسة فيه إذا لم تغيره والتوضؤ من مس الذكر والنساء، وخروج النجاسات من غير السبيلين والقهقهة وترك الوضوء من ذلك، والقراءة بالبسملة سراً أو جهراً، وترك ذلك. وتنجيس بول ما يؤكل لحمه وروثه، أو القول بطهارة ذلك، وبيع الأعيان الغائبة بالصفة وترك ذلك والتيمم بضربة أو ضربتين إلى الكوعين أو المرفقين والتيمم لكل صلاة أو لوقت كل صلاة أو الاكتفاء بتيمم واحد وقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض أو المنع من قبول شهادتهم. ومن هذا الباب الشركة بالعروض وشركة الوجوه والمساقاة على جميع أنواع الشجر والمزارعة على الأرض البيضاء، فإن هذه المسائل من جنس شركة الأبدان بل المانعون من هذه المشاركات أكثر من المانعين من مشاركة الأبدان ومع هذا فما زال المسلمون من عهد نبيهم وإلى اليوم في جميع الأعصار والأمصار يتعاملون بالمزارعة والمساقاة ولم ينكره عليهم أحد ولو منع الناس مثل هذه المعاملات لتعطل كثير من مصالحهم التي لا يتم دينهم ولا دنياهم إلا بها. ولهذا كان أبو

حنيفة يفتي بأن المزارعة لا تجوز ثم يفرع على القول بجوازها ويقول: إن الناس لا يأخذون بقولي في المنع، ولهذا صار صاحباه إلى القول بجوازها كما اختار ذلك من اختاره من أصحاب الشافعي وغيره] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 30/ 79 - 81. * * *

صلاة التراويح

صلاة التراويح

عدد ركعات صلاة التراويح

عدد ركعات صلاة التراويح يقول السائل: نشرت إحدى المجلات الإسلامية مقالاً حول عدد ركعات صلاة التراويح وخلص الكاتب إلى أن عدد الإحدى عشر ركعة هو الأولى والأحرى أن يستمسك به ويعض عليه بالنواجذ بل هو الذي يجب أن يصار إليه ولا يلتف إلى سواه لأنه وحده هو السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة أجمعين والتي لم يثبت عنهم سواها. فما قولكم في ذلك؟ الجواب: صلاة التراويح من السنن الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد اختلف أهل العلم في عدد ركعاتها فمنهم من يرى أنها إحدى عشرة ركعة مع الوتر. ويرى جمهور الفقهاء أنها عشرون ركعة والوتر ثلاث ركعات وهذا قول مشهور من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا الحاضر وكثير من مساجد المسلمين تصلى فيها التراويح كذلك ومنهم من زاد على العشرين فقيل تسع وثلاثين وقيل إحدى وأربعين وقيل غير ذلك. ومن أهل العلم من يرى أنه لا حد لعدد ركعات صلاة التراويح فيجوز أن يزيد على إحدى عشرة ركعة ولا حرج في ذلك. وأقول من يزعم أنه لا تجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة فقد حجر واسعاً وضيق على المسلمين بدون دليل يركن إليه أو يعول عليه، فصلاة التراويح من السنن والسنن يتساهل فيها ما لا يتساهل في الفرائض،

وزعم صاحب المقال المشار إليه بأنه يجب الأخذ بالإحدى عشرة ركعة ولا يلتف إلى سواه زعم غير صحيح وإيجاب لما لم يوجبه الشارع الحكيم فصلاة التراويح ذاتها ليست واجبة فضلاً أن يوجب هذا العدد من الركعات. ولم يأت دليل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إيجاب هذا العدد وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بمجرده لا يدل على الإيجاب حتى تدل القرائن على ذلك والحديث الصحيح الوارد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) رواه البخاري ومسلم، لا يدل على إيجاب ذلك العدد كما قاله المحققون من أهل العلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه عدداً معيناً بل كان هو - صلى الله عليه وسلم - لا يزيد في رمضان ولا في غيره على ثلاث عشرة ركعة ولكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن. والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين فإنه وسط بين العشر والأربعين وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك. وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره. ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 22/ 272. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر: [ ... ويشبه ذلك من بعض الوجوه تنازع العلماء في مقدار القيام في رمضان فإنه قد ثبت أن

أبي بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان ويوتر بثلاث فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره منكر واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم. وقال طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة) واضطرب قوم في هذا الأصل لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين. والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما قد نص على ذلك الإمام أحمد - رضي الله عنه - وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقت فيها عدداً، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل القيام بالليل حتى إنه قد ثبت عنه في الصحيح من حديث حذيفة (أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة والنساء وآل عمران فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات) وأبي بن كعب لما قام بهم - وهم جماعة واحدة - لم يمكن أن يطيل بهم القيام فكثر الركعات ليكون ذلك عوضاً عن طول القيام وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ثم بعد ذلك كأن الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام فكثروا الركعات حتى بلغت تسعاً وثلاثين] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/ 112 - 113. وقال الإمام الشوكاني: [والحاصل أن الذي دلت عليه أحاديث الباب وما يشبهها هو مشروعية القيام في رمضان والصلاة فيه جماعة وفرادى فقصر الصلاة بالتراويح على عدد معين وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرد به سنة] نيل الأوطار 3/ 61. وقال الشيخ المرداوي: [قوله وهي عشرون ركعة هكذا قال الأصحاب وقال في الرعاية عشرون وقيل أو أزيد. قال: في الفروع والفائق ولا بأس بالزيادة، نص عليه، وقال: روي في هذا ألوان ولم يقض فيها

بشيء، وقال الشيخ تقي الدين: كل ذلك أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة حسن كما نص عليه أحمد لعدم التوقيت فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره] الإنصاف 2/ 180. وقد أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية برئاسة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله عن سؤال حول عدد ركعات صلاة التراويح بما يلي: [صلاة التراويح سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد دلت الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ... وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في بعض الليالي ثلاث عشرة ركعة فوجب أن يحمل كلام عائشة رضي الله عنها في قولها (ما كان يزيد - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) على الأغلب جمعاً بين الأحاديث ولا حرج في الزيادة على ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحدد في صلاة الليل شيئاً بل لما سئل عن صلاة الليل قال: (مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) متفق عليه، ولم يحدد إحدى عشرة ركعة ولا غيرها فدل على التوسعة في صلاة الليل في رمضان وغيره] فتاوى اللجنة الدائمة 7/ 194 - 196. وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله: [وليس في قيام رمضان حد محدود لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقت لأمته في ذلك شيئاً وإنما حثهم على قيام رمضان ولم يحدد ذلك بركعات محدودة ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن قيام الليل قال: (مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) ... فدل ذلك على التوسعة في هذا الأمر فمن أحب أن يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث فلا بأس ومن أحب أن يصلي عشر ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس ومن أحب أن يصلي ثمان ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس ومن زاد عن ذلك أو نقص عنه فلا حرج عليه والأفضل ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله غالباً وهو أن يقوم بثماني ركعات يسلم من كل ركعتين ويوتر بثلاث مع الخشوع والطمأنينة وترتيل القراءة] فضل الصوم وقيامه ص 7. وبعد هذه النقول عن هؤلاء العلماء يظهر لنا أن الإنصاف يقضي بأن

إمام يصلي صلاة التراويح قاعدا

القول بأن الواجب إحدى عشرة ركعة في التراويح قولٌ غير مسلّم وأن الراجح من أقوال أهل العلم جواز الزيادة على ذلك العدد وأن الأمر فيه سعة ولا دليل على قصر التراويح على إحدى عشرة ركعة فقط. * * * إمام يصلي صلاة التراويح قاعداً يقول السائل: إن إمام المسجد عندهم اعتاد في صلاة التراويح في كل رمضان أن يصلي قاعداً في الركعة الثانية من كل ترويحة والناس خلفه قعود وتعليل إمام المسجد لفعله هذا أنه يريد أن يسهل على المصلين صلاتهم، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: من المعلوم عند أهل العلم أن الأصل هو القيام في صلاة الفريضة والنافلة فالإمام يصلي قائماً والمأمومون يصلون قياماً كما في الصلوات الخمس والجمعة وكما في صلوات الكسوف والاستسقاء والعيدين وكذلك الحال في صلاة التراويح عند صلاتها جماعة فالأصل أن يقوم الإمام وكذا المأمومون وإن لم يكن القيام فرضاً في صلاة النافلة حيث اتفق الفقهاء على جواز التنفل قاعداً بعذر ولغير عذر. ولكن المحفوظ من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - القيام في صلوات النافلة التي تصلى جماعة كالتراويح فقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة التراويح بالصحابة ولم ينقل قعوده ولا قعود المأمومين خلفه. وما نقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قعد وهو يؤم الصحابة إلا في حالات مرضه فقط كما رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وأما عدا ذلك فلا أعرف خبراً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته قاعداً والناس خلفه قعود. والذي توارثه المسلمون من لدن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - والصحابة من بعده إلى

حكم الأذكار بين كل ترويحتين

عصرنا الحاضر أن الإمام في صلاة التراويح يصلي قائماً والمصلون من خلفه قيام. وبناء على ما سبق فإن هذا الإمام قد خالف الهدي النبوي والمأثور عن الصحابة والتابعين من بعدهم ولا أقول إن صلاته ومن معه باطلة لأن القيام ليس ركناً في النافلة كما هو الحال في الفريضة ولكن أقول ينبغي لهذا الإمام وأهل مسجده أن يجعلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوتهم فيصلوا قياماً فإذا أصاب أحدهم تعب أو كان أحدهم مريضاً لا يستطيع الوقوف فإنه يجوز له الجلوس باتفاق العلماء. أما أن يكون الإمام وجميع المصلين جلوساً فهذا أمر مستغرب وخاصة أنه يقع بدون عذر للإمام ولا للمأمومين. * * * حكم الأذكار بين كل ترويحتين يقول السائل: ما حكم الأذكار التي يقولها المؤذنون بين كل ترويحتين في صلاة التراويح وهل لذلك مستند من الشرع؟ الجواب: إن الأصل الذي قرره العلماء في العبادات عامة والصلاة بشكل خاص هو التلقي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فالأصل فيها التوقيف أو الحظر كما يعبر بعض العلماء أي أن الأصل أن لا نفعل شيئاً في باب العبادات ما لم يكن وارداً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، وهذا أمر نبوي يجب الالتزام به وقد وقع كثير من المسلمين في مخالفات كثيرة في باب العبادات وخاصة في الصلاة ومن المخالفات في صلاة التراويح ما ذكره السائل وهو الأذكار المبتدعة التي يقولوها المؤذنون بين كل ترويحتين فهذه الأذكار لا أصل لها في السنة بين الترويحتين في صلاة التراويح فهي بدعة مخالفة لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

كيف يفعل من فاتته صلاة العيد

ومن ذلك قول بعض المؤذنين سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير وقولهم صلوا يا حضار على النبي المختار وغير ذلك من الأذكار فيكرر المصلون هذه الأذكار بصوت جماعي فهذا ليس عليه دليل من الشرع ومخالف للهدي النبوي وتشويش في بيوت الله. انظر السنن والمبتدعات ص 53. وقال الإمام ابن الحاج: [فصل في الذكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح وينبغي له - أي الإمام - أن يتجنب ما أحدثوه من الذكر بعد كل تسليمتين من صلاة التراويح ومن رفع أصواتهم بذلك والمشي على صوت واحد فإن ذلك كله من البدع وكذلك ينهى عن قول المؤذن بعد ذكرهم بعد التسلميتين من صلاة التراويح الصلاة يرحمكم الله فإنه محدث أيضاً والحدث في الدين ممنوع وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم الخلفاء بعده ثم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولم يذكر عن أحد من السلف فعل ذلك فيسعنا ما وسعهم] المدخل 1/ 443. * * * كيف يفعل من فاتته صلاة العيد يقول السائل: ماذا يفعل من فاتته صلاة العيد مع الإمام؟ الجواب: يشرع لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يقضيها على صفتها أي أنه يصلي ركعتين ويكبر التكبيرات الزوائد، سبع في الركعة الأولى وخمس في الركعة الثانية لأن هذا أصح ما ورد في عدد التكبيرات الزوائد. ومن فاتته صلاة العيد يصليها بدون خطبة لأن الخطبة مشروعة مع الجماعة. قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب إذا فاتته صلاة العيد يصلي ركعتين، وكذلك النساء ومن كان في البيوت والقرى لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: هذا عيدنا أهل الإسلام وأمر أنس بن مالك مولاه ابن أبي عتبة بالزاوية فجمع أهله وبنيه وصلى كصلاة أهل المصر وتكبيرهم.

وقال عكرمة: أهل السواد يجتمعون في العيد يصلون ركعتين كما يصنع الإمام. وقال عطاء: إذا فاته العيد صلى ركعتين. وذكر الحافظ ابن حجر أن أثر أنس المذكور قد وصله ابن أبي شيبة في المصنف وقوله الزاوية اسم موضع بالقرب من البصرة كان به لأنس قصر وأرض وكان يقيم هناك كثيراً. وقول عكرمة وعطاء وصلهما ابن أبي شيبة أيضاً] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 3/ 127 - 128. وروى البيهقي بإسناده عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [كان أنس إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام، جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد]. ثم قال البيهقي: [ويذكر عن أنس بن مالك أنه كان بمنزله بالزاوية فلم يشهد العيد بالبصرة جمع مواليه وولده ثم يأمر مولاه عبد الله بن أبي عتبة فيصلي بهم كصلاة أهل المصر ركعتين ويكبر بهم كتكبيرهم]. وذكر البيهقي أن عكرمة قال: [أهل السواد - أهل الريف - يجتمعون في العيد يصلون ركعتين كما يصنع الإمام. وعن محمد بن سيرين قال: كانوا يستحبون إذا فات الرجل الصلاة في العيدين أن يمضي إلى الجبان فيصنع كما يصنع الإمام. وعن عطاء إذا فاته العيد صلى ركعتين ليس فيهما تكبيرة] سنن البيهقي 3/ 305. وروى عبد الرزاق بإسناده عن قتادة قال: [من فاتته صلاة يوم الفطر صلى كما يصلي الإمام. قال معمر: إن فاتت إنساناً الخطبة أو الصلاة يوم فطر أو أضحى ثم حضر بعد ذلك فإنه يصلي ركعتين] مصنف عبد الرزاق 3/ 300 - 301. وروى ابن أبي شيبة أيضاً بإسناده عن الحسن البصري قال: [فيمن فاته العيد يصلي مثل صلاة الإمام.

وروى أيضاً عن إبراهيم النخعي قال: إذا فاتتك الصلاة مع الإمام فصل مثل صلاته]. قال إبراهيم: [وإذا استقبل الناس راجعين فلتدخل أدنى مسجد ثم فلتصل صلاة الإمام ومن لا يخرج إلى العيد فليصل مثل صلاة الإمام]. وروى عن حماد في من لم يدرك الصلاة يوم العيد قال: [يصلي مثل صلاته ويكبر مثل تكبيره] مصنف ابن أبي شيبة 2/ 183 - 184. وبمقتضى هذه الآثار قال جمهور أهل العلم أن من فاتته صلاة العيد صلى ركعتين كما صلى الإمام مع التكبيرات الزوائد. ومن العلماء من قال: يصليها أربعاً واحتج بأثر وارد عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: من فاته العيد فليصل أربعاً] ولكنه منقطع كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 3/ 121. ومن العلماء من خيره بين صلاة ركعتين أو أربع ركعات. وأولى الأقوال هو القول الأول وهو أنه يقضيها ركعتين كأصلها، ولا يصح قياسها على الجمعة فمن فاتته الجمعة صلى أربعاً أي الظهر لأن الجمعة إنما تفوت إلى بدل وهو الظهر. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإن شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير، نقل ذلك عن أحمد إسماعيل بن سعد واختاره الجوزجاني وهذا قول النخعي ومالك والشافعي وأبي ثور وابن المنذر لما روي عن أنس: أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما ولأنه قضاء صلاة فكان على صفتها كسائر الصلوات وهو مخير إن شاء صلاها وحده وإن شاء في جماعة. قيل لأبي عبد الله: أين يصلي؟ قال: إن شاء مضى إلى المصلى وإن شاء حيث شاء] المغني 2/ 290. ونقل القرافي أن مذهب الإمام مالك كما في المدونة أنه يستحب لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يصليها على هيئتها. الذخيرة 2/ 423.

أخذ المصاحف من المسجد

وقال الإمام الشافعي: [ونحن نقول: إذا صلاها أحد صلاها كما يفعل الإمام يكبر في الأولى سبعاً وفي الآخرة خمساً قبل القراءة] معرفة السنن والآثار 5/ 103. وذكر المرداوي الحنبلي أن المذهب عند الحنابلة هو أنها تقضى على صفتها. الإنصاف 2/ 433. واختارت هذا القول اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية برئاسة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز - يرحمه الله - فقد جاء في فتواها: [ومن فاتته وأحب قضاءها استحب له ذلك فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد والنخعي وغيرهم من أهل العلم والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) وما روي عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين يكبر فيهما. ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتين] فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 306. وخلاصة الأمر أن من فاتته صلاة العيد فإنه يقضيها كما صلاها الإمام أي مع التكبيرات الزوائد. * * * أخذ المصاحف من المسجد يقول السائل: يوجد في المسجد الذي يصلي فيه عدد كبير من المصاحف وإن أحد المصلين أخذ مصحفاً منها لنفسه ليقرأ في منزله فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يجوز لأحد أن يأخذ شيئاً مما هو موقوف على المساجد كالمصاحف والكتب والسجاد والحصير وغير ذلك من الأشياء فهذه الأشياء

الموقوفة يكون الانتفاع بها داخل المسجد فقط ولا يجوز لأحد أن يأخذ شيئاً لنفسه منها وإن أذن بذلك إمام المسجد أو مؤذنه لأنهما يتصرفان فيما لا يملكان فالمصاحف والكتب الموقوفة على المسجد لا يملك أحد أن يبطل وقفيتها على المسجد ويحولها إلى ملكية خاصة لبعض المصلين. وقد نص العلماء على تحريم مثل هذه التصرفات، قال الإمام النووي: [لا يجوز أخذ شيء من أجزاء المسجد كحجر وحصاة وتراب وغيره ... وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال بعض الرواة أراه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد) المجموع 2/ 179. وقال الزركشي: [يحرم إخراج الحصى والحجر والتراب من أجزاء المسجد منه .. ومثله الزيت والشمع] إعلام الساجد بأحكام المساجد ص 239. ثم ذكر الحديث الذي ذكره الإمام النووي في كلامه السابق، وهذا الحديث قال عنه المنذري: [رواه أبو داود بإسناد جيد، وذكر أن الدارقطني رجح وقفه على أبي هريرة الترغيب والترهيب 1/ 279. والحديث يدل على منع إخراج الحصى من المسجد وقد كان المسجد في العهد النبوي مفروشاً بالحصى فإذا كان لا يجوز إخراج الحصى فغير الحصى أولى بالمنع من باب أولى. وخلاصة الأمر أنه يحرم على المسلم أن يأخذ لنفسه شيئاً من الأشياء الموقوفة على المسجد ولو ادعى أنه سينتفع به أكثر مما ينتفع به لو بقيت في المسجد كمن يقول إنه يوجد في المسجد مصاحف كثيرة وليس لديَّ مصحف فآخذ مصحفاً لأقرأ في بيتي فهذا لا يجوز. كما وأنبه على قضية أخرى لها ارتباط بالمسألة وهي أنه يوجد في بعض المساجد صندوق لجمع التبرعات وتكون مسؤولية هذا الصندوق مناطة بشخص معين فيتصرف هذا الشخص في الأموال التي تجمع للمسجد فإما أن يأخذ منها لنفسه أو لغيره على أن تسدد فيما بعد فهذه التصرفات باطلة

شرعاً لأن هذا المسؤول عن هذه الأموال يده عليها يد أمانة فإذا تصرف فيها لنفسه أو لغيره فقد خان الأمانة. ويضاف إلى ذلك أن بعض هؤلاء الناس قد يتصرف في أموال المسجد في مصالح عامة للناس فهذا أيضاً ممنوع شرعاً لأن هذه الأموال جمعت للمسجد فتصرف في مصالح المسجد فقط وليس في أي مصلحة عامة أخرى. وأما إذا زادت الأموال التي جمعت لمسجد معين عن حاجته فيمكن أن تصرف في مسجد آخر وكذا لو زادت المصاحف والكتب والسجاد عن حاجة مسجد معين فيمكن أن توضع في مسجد آخر. * * *

الجنائز

الجنائز

وضع الجنائز إذا اجتمعت أمام الإمام

وضع الجنائز إذا اجتمعت أمام الإمام يقول السائل: إذا اجتمعت جنائز فكيف توضع أمام الإمام في صلاة الجنازة؟ الجواب: إذا اجتمعت عدة جنائز فيجوز أن يصلى عليها صلاة واحدة كما يجوز أن يصلى على كل منها صلاة مستقلة فإن صلي عليها صلاة واحدة فتوضع الجنائز أمام الإمام صفاً مما يلي القبلة بعضها خلف بعض ويكون الرجال مما يلي الإمام ثم النساء مما يلي القبلة فإذا كان الأموات رجالاً ونساءً وأطفالاً فيوضع الرجال أولاً ثم الأطفال الذكور ثم النساء وبهذا القول قال أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء فبه قال عثمان وعلي وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأبو قتادة الأنصاري وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري وواثلة بن الأسقع والحسن والحسين من الصحابة والشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن المسيب والزهري من التابعين وهو قول مالك والثوري والحنفية والشافعية وإسحاق وابن المنذر وغيرهم، انظر الاستذكار لابن عبد البر 8/ 278، المجموع للنووي 5/ 288 معرفة السنن والآثار 5/ 288. قال الزرقاني: [وعلى هذا أكثر العلماء وقال به جماعة من الصحابة والتابعين وقال ابن عباس وأبو هريرة وأبو قتادة هي السنة وقول الصحابي ذلك له حكم الرفع] عون المعبود 8/ 335.

ويدل لهذا القول ما يلي: عن نافع عن ابن عمر (أنه صلى على تسع جنائز جميعاً فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة فصفهن صفاً واحداً ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له: زيد، وضعا جميعاً والإمام يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي الإمام فقال رجل فأنكرت ذلك فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السنة) رواه النسائي والبيهقي والدارقطني وقال الإمام النووي إسناده صحيح، المجموع 5/ 224. وقال الشيخ الألباني: صحيح على شرط الشيخين، أحكام الجنائز ص 103. وعن عمار مولى الحارث بن نوفل: (أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها فجعل الغلام مما يلي الإمام ووضعت المرأة وراءه فصلى عليها، فأنكرت ذلك وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وأبو هريرة فسألتهم عن ذلك فقالوا: هذه السنة) رواه أبو داود والنسائي والبيهقي وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم، أحكام الجنائز ص 104. وقال البيهقي بعد أن ذكر الحديث السابق: [ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار دون كيفية الوضع بنحوه وذكر أن الإمام كان ابن عمر قال: وكان في القوم الحسن والحسين وأبو هريرة وابن عمر ونحو ثمانين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم] سنن البيهقي 4/ 33. وروى البيهقي بإسناده: [أن واثلة بن الأسقع في الطاعون كان بالشام مات فيه بشر كثير فكان يصلي على جنائز الرجال والنساء جميعاً الرجال مما يليه والنساء مما يلي القبلة] سنن البيهقي 4/ 23. وروى عبد الرزاق بإسناده عن علي قال: [إذا كان الرجال والنساء كان الرجال يلون الإمام والنساء من وراء ذلك]، وروى أيضاً بإسناده عن علي قال: [الرجال قبل النساء والكبار قبل الصغار]، وروى أيضاً قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة: [أنه كان يصلي على الجنائز فيجعل الرجال يلون الإمام والنساء أمام ذلك وبه نأخذ].

وروى أيضاً عن عثمان بن موهب قال: [صليت مع أبي هريرة ومع ابن عمر على رجل وامرأة فجعل الرجل يلي الإمام والمرأة وراء ذلك وكبّر أربعاً]. وروى أيضاً عن الزهري قال: [الرجال يلون الإمام والنساء وراء ذلك]. وروى أيضاً عن عثمان: [أنه جعل الرجل يلي الإمام والمرأة أمام ذلك]. وروى أيضاً عن إبراهيم أنه قال: [إذا اجتمعت جنائز الرجال والنساء كان الرجال يلون الإمام والنساء أمام ذلك]. وروى أيضاً عن عطاء قال: [الرجال مما يلي الإمام والنساء أمام ذلك]. وروى أيضاً عن الشعبي قال: [رأيته جاء إلى جنائز رجال ونساء ... قال: ثم جعل الرجال مما يلون الإمام والنساء أمام ذلك، بعضهم على إثر بعض، ثم ذكر أن ابن عمر فعل ذلك بأم كلثوم وزيد، وثم رجال من بني هاشم قال: أراه ذكر حسناً وحسيناً]. وروى أيضاً عن أبي إسحاق قال: [رأيت الشعبي صلى على جنازة رجلين وصف أحدهما خلف الآخر، ثم قال: اصنعوا بهم هكذا، وإن كان عشرة]. مصنف عبد الرزاق 3/ 463 - 466. وفي المسألة أقوال أخرى أرجحها ما ذكرته. قال الحافظ ابن عبد البر بعد أن ذكر أقوال العلماء في المسألة مرجحاً ما ذكرته: [القول الأول أعلى وأولى لما فيه من الصحابة وقد قالوا إنها السنة وعليه جماعة الفقهاء] الاستذكار 8/ 279. وينبغي أن يقدم أمام الإمام أفضل الأموات وأورعهم قال الإمام النووي: ... [قال إمام الحرمين وغيره والمعتبر في الفضيلة هنا الورع والتقوى وسائر الخصال المرعية في الصلاة عليه والغلبة على الظن كونه أقرب من رحمة الله تعالى] المجموع 5/ 266 - 277.

تقبيل أهل الميت عند التعزية

تقبيل أهل الميت عند التعزية يقول السائل: إن بعض الناس يقبلون أقارب الميت عند تعزيتهم فما حكم ذلك؟ الجواب: إن التعزية مستحبة عند أهل العلم فقد ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة) رواه ابن ماجة والبيهقي بإسناد حسن كما قال الإمام النووي في الأذكار ص 126. قال الإمام النووي: [وأما لفظ التعزية فلا حجر فيه فبأي لفظ عزاه حصلت واستحب أصحابنا أن يقول في تعزية المسلم للمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك ... وأحسن ما يعزى به ما روينا في صحيح البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت إحدى بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً في الموت فقال للرسول: ارجع إليها فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر وتحتسب ... ] الأذكار ص 127. ولم يثبت التقبيل ولا المعانقة في التعزية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد كره كثير من أهل العلم المعانقة والتقبيل من الرجل للرجل إلا للقادم من السفر. وعليه فينبغي الاقتصار في التعزية على المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو التعزية بالكلام وليس بالمعانقة ولا بالتقبيل. * * * دفن رجل وامرأة في قبر واحد يقول السائل: ما حكم دفن رجل مع امرأة في قبر واحد؟ الجواب: السنة أن يدفن كل ميت في قبر منفرد كذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا معروف من سنته - صلى الله عليه وسلم - بالاستقراء كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير 2/ 136.

وأجاز العلماء دفن اثنين فأكثر في قبر واحد عند الضرورة والضيق والشدة قال الإمام الشافعي: [ويدفن في موضع الضرورة من الضيق والعجلة الميتان والثلاثة في القبر] الأم 1/ 276. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا يدفن اثنان في قبر واحد إلا لضرورة وسئل أحمد عن الاثنين والثلاثة يدفنون في قبر واحد، قال أما في المصر فلا، وأما في بلاد الروم فتكثر القتلى فيحفر شبه النهر رأس هذا عند رجل هذا ويجعل بينهما حاجزاً لا يلتزق واحد بالآخر وهذا قول الشافعي وذلك أنه لا يتعذر في الغالب إفراد كل واحد بقبر في المصر ويتعذر ذلك غالباً في دار الحرب وفي موضع المعترك وإن وجدت الضرورة جاز دفن الاثنين والثلاثة وأكثر في القبر الواحد حيثما كان من مصر أو غيره] المغني 2/ 420. ويدل على ذلك ما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين والثلاثة من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد ... ) رواه البخاري. وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: (أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله! أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ وكانت رجله عرجاء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم فقتلوا يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم فمر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد) رواه أحمد بسند حسن كما قال الحافظ ابن حجر، انظر أحكام الجنائز ص 146. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وأما دفن الرجل مع المرأة فروى عبد الرزاق بإسناد حسن عن واثلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه] وكأنه كان يجعل بينهما حائلاً من تراب ولا سيما إن كانا أجنبيين. فتح الباري 3/ 455.

الدفن في غرفة مقامة على وجه الأرض

وبناءً على ذلك فيجوز دفن الرجل مع المرأة في قبر واحد عند الضرورة ويوضع حاجز بينهما وأما في الأحوال العادية فينبغي أن يدفن كل ميت في قبر لوحده قال الإمام الشافعي (ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال وإن كانت ضرورة ولا سبيل إلى غيرها كان الرجل أمامها وهي خلفه ويجعل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب) الأم 1/ 276. * * * الدفن في غرفة مقامة على وجه الأرض يقول السائل: ما قولكم فيما يفعله بعض الناس حيث إن المقبرة عندهم عبارة عن بناء قائم على وجه الأرض أشبه ما تكون بغرفة فإذا مات الميت فتحوا باب الغرفة ووضعوا الميت على الأرض بدون دفن فإذا مات آخر فتحوا الغرفة ووضعوا الميت الآخر بجانبه وهكذا فهل هذه المقبرة معتبرة شرعاً؟ أفيدونا. الجواب: الأصل الثابت من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الفعلية والقولية أن الميت يدفن تحت التراب ولا يترك على وجه الأرض ولو كان في غرفة مغلقة كما في السؤال. ودفن الميت فرض كفاية ومعنى الدفن أن يخفى الشيء في التراب ودفن الميت جعله تحت التراب وقد جاء في الحديث عن هشام بن عامر قال: (شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فقلنا يا رسول الله: الحفر علينا لكل إنسان شديد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، فقالوا: فمن نقدم يا رسول الله؟ قال: قدموا أكثرهم قرآنا، وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وقال الشيخ الألباني إسناد الحديث صحيح كما قال الترمذي وهو على شرط الشيخين. أحكام الجنائز ص143.

فهذا الحديث يدل على أن الميت يدفن تحت التراب ويدل على تعميق القبر، قال الشوكاني: [فيه دليل على مشروعية إعماق القبر وإحسانه وقد اختلف في حد الإعماق فقال الشافعي: قامة. وقال عمر بن عبد العزيز إلى السرة، وقال الإمام يحيى إلى الثدي وأقله ما يواري الميت ويمنع السبع] نيل الأوطار 4/ 89. والمراد بقول الشافعي في حد الإعماق قامة أي قامة رجل معتدل فقد أوصى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يعمق قبره إلى قامة وبسطة. رواه ابن أبي شيبة في المصنف 3/ 326 وانظر نيل الأوطار 4/ 89، الموسوعة الفقهية 32/ 246. وجاء في الحديث عن رجل من الأنصار قال: (خرجنا في جنازة فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حفيرة القبر فجعل يوصي الحافر ويقول: أوسع من قبل الرأس وأوسع من قبل الرجلين) رواه أبو داود والبيهقي وإسناده صحيح كما قال الإمام النووي في المجموع 5/ 286. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال أحمد رحمه الله: يعمق القبر إلى الصدر الرجل والمرأة في ذلك سواء كان الحسن وابن سيرين يستحبان أن يعمق القبر إلى الصدر. وقال سعيد: حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر: أن عمر بن عبد العزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره إلى السرة ولا يعمقوا فإن ما على ظهر الأرض أفضل مما سفل منها. وذكر أبو الخطاب: أنه يستحب أن يعمق قدر قامة وبسطة وهو قول الشافعي. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (احفروا وأوسعوا وأعمقوا) رواه أبو داود. ولأن ابن عمر أوصى بذلك في قبره ولأنه أحرى ألا تناله السباع وأبعد على من ينبشه. والمنصوص عن أحمد: أن المستحب تعميقه إلى الصدر لأن التعميق قدر قامة وبسطة يشق ويخرج عن العادة. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أعمقوا) ليس فيه بيان لقدر التعميق ولم يصح عن ابن عمر أنه أوصى بذلك في قبره ولو صح عند أبي عبد الله لم يعده إلى غيره. إذا ثبت هذا فإنه يستحب تحسينه وتعميقه وتوسيعه للخبر، وقد روى

صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي

زيد بن أسلم قال: (وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر. فقال: اصنعوا كذا، اصنعوا كذا، ثم قال: ما بي أن يكون يغني عنه شيئاً ولكن الله يحب إذا عمل العمل أن يحكم) قال معمر: وبلغني أنه قال: (ولكنه أطيب لأنفس أهله) رواه عبد الرزاق في كتاب الجنائز] المغني 2/ 371. وبناء على ما تقدم فإن ترك الأموات في غرفة بدون دفن كما في السؤال هو خلاف سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وينبغي تخصيص قطعة أرض لتكون مقبرة كما توارثه المسلمون منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحتى الآن. * * * صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي يقول السائل: إنه سمع أحد الوعاظ يذكر صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي ويقول إن جثمان النجاشي أحضر أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن ذلك كان من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم - فما قولكم في ذلك؟ الجواب: وردت روايات كثيرة في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي منها: 1. روى الإمام البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث). 2. وروى الإمام البخاري بسنده عن عطاء أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه قال فصففنا فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه ونحن صفوف). 3. وروى الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (نعى النبي - صلى الله عليه وسلم - النجاشي ثم تقدم فصفوا خلفه فكبر أربعاً). 4. وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي الزبير عن جابر ابن عبد الله

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أخا لكم قد مات فقوموا فصلوا عليه. قال فقمنا فصفنا صفين). وغير ذلك من الروايات التي تثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صلى على النجاشي صلاة الغائب. وقد زعم بعض أهل العلم أنه قد جيىء بجثمان النجاشي أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أنه أريه فقالوا إن الأرض دحيت له - صلى الله عليه وسلم - جنوباً وشمالاً حتى رأى نعش النجاشي كما دحيت له جنوباً وشمالاً حين رأى المسجد الأقصى صباح ليلة الإسراء والمعراج حين وصفه لكفار قريش. تفسير القرطبي 2/ 81 - 82. قال ابن عابدين: [لأنه رفع سريره - أي النجاشي- حتى رآه عليه الصلاة والسلام بحضرته فتكون صلاة من خلفه على ميت يراه الإمام وبحضرته دون المأمومين وغير مانع من الإقتداء] حاشية ابن عابدين 2/ 209 وأيدوا قولهم بما ورد من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أخاكم النجاشي توفي فقوموا فصلوا عليه فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفوا خلفه فكبر أربعاً وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه) رواه ابن حبان وإسناده صحيح كما قال الشيخ الأرناؤوط، صحيح ابن حبان 7/ 369. وهذا الإدعاء غير مسلم لأن الأصل عدم الخصوصية. قال الإمام الخطابي: [وزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مخصوصاً بهذا الفعل إذ كان في حكم المشاهدين للنجاشي لما روي في بعض الأخبار أنه قد سويت له أعلام الأرض حتى كان يبصر مكانه. وهذا تأويل فاسد لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فعل شيئاً من افعاله الشريفة كان علينا متابعته والإيتساء به والتخصيص لا يعلم إلا بدليل. ومما يبين ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس إلى المصلى فصف بهم فصلوا معه فعلمت ان هذا التأويل فاسد] معالم السنن 1/ 270 - 271.

وقال الإمام البغوي: [وزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مخصوصاً به، وهذا ضعيف لأن الإقتداء به في أفعاله واجب على الكافة ما لم يقم دليل التخصيص ولا تجوز دعوى التخصيص هاهنا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل عليه وحده إنما صلى مع الناس] شرح السنة 5/ 341 - 342. وقال صاحب عون المعبود: [قلت دعوى الخصوصية ليس عليها دليل ولا برهان بل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فهلموا فصلوا عليه) وقوله: (فقوموا فصلوا عليه) وقول جابر: (فصففنا خلفه فصلى عليه ونحن صفوف) وقول أبي هريرة: (ثم قال: استغفروا له ثم خرج بأصحابه فصلى بهم كما يصلى على الجنازة) وقول عمران: (فقمنا فصففنا عليه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت) وتقدم هذه الروايات يبطل دعوى الخصوصية لأن صلاة الغائب إن كان خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فلا معنى لأمره - صلى الله عليه وسلم - بتلك الصلاة بل نهى عنها لأن ما كان خاصاً به - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز فعله لأمته. ألا ترى صوم الوصال لم يرخص لهم به مع شدة حرصهم لأدائه والأصل في كل أمر من الأمور الشرعية عدم الخصوصية حتى يقوم الدليل عليها وليس هنا دليل على الخصوصية بل قام الدليل على عدمها] عون المعبود 9/ 9. وأما قولهم إن الأرض دحيت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى نعش النجاشي أو أحضر النعش بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكلام ينقصه الدليل وقد ردّ ذلك كثير من أهل العلم: قال الإمام النووي: [إنه لو فتح هذا الباب لم يبق وثوق بشيء من ظواهر الشرع لاحتمال انحراف العادة في تلك القضية مع أنه لو كان شيء من ذلك لتوفرت الدواعي بنقله] المجموع 5/ 253 وانظر المغني 2/ 382. وقال الإمام ابن العربي المالكي جواباً على هذا الزعم بأن الأرض طويت وأحضرت الجنازة بين يديه - صلى الله عليه وسلم -: [قلنا إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا لأهل لذلك ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا من عند أنفسكم ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف فإنها سبيل تلاف إلى ما ليس له تلاف] عارضة الأحوذي 4/ 260.

وقال شمس الحق العظيم آبادي: [وأما قولهم رفع له سريره أو أحضر روحه بين يديه فجوابه: أن الله تبارك وتعالى لقادر عليه وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - لأهل لذلك لكن لم يثبت ذلك في حديث النجاشي بسند صحيح أو حسن وإنما ذكره الواحدي عن إبن عباس بلا سند فلا يحتج به. ولهذا قال ابن العربي: ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف. وأما ما رواه أبو عوانه وابن حبان من حديث عمران بن حصين، فلا يدل على ذلك فإن لفظه "وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه " وفي لفظ " ونحن لا نرى إلا الجنازة قدَّامنا " ومعنى هذا القول أنا صلينا عليه خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يصلي على الميت والحال أنا لم نر الميت لكن صففنا عليه كما يصف على الميت كأن الميت قدَّامنا ونظن أن جنازته بين يدي - صلى الله عليه وسلم - لصلاته - صلى الله عليه وسلم - كعلى الحاضر المشاهد فحينئذ يؤول معنى لفظ هذا الحديث الى معنى لفظ أحمد ويؤيد هذا المعنى حديث مجمع عند الطبراني " فصففنا خلفه صفين وما نرى شيئا "] عون المعبود 9/ 9 - 10. وخلاصة الأمر أن ما ادعاه الواعظ المشار إليه غير صحيح والصواب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صلى على النجاشي صلاة الغائب. * * *

الزكاة

الزكاة

اشتراط الحول في الزكاة

اشتراط الحول في الزكاة يقول السائل: إنه قرأ في كتاب فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي أنه لم يثبت حديث صحيح في اشتراط الحول في الزكاة فما قولكم في ذلك؟ الجواب: من المعروف عند أهل العلم أن أهم مصدر في المكتبة الإسلامية المعاصرة في موضوع الزكاة هو كتاب فقه الزكاة للدكتور العلامة الشيخ يوسف القرضاوي فقيه العصر والأوان بلا منازع حيث إنه بحث الزكاة بتوسع وعمق يشكر عليه. وقد تعرض لمسألة اشتراط الحول في الزكاة في موضعين من كتابه ففي الموضع الأول ذكر حولان الحول ضمن شروط المال الذي تجب فيه الزكاة فقد ذكر أنه يشترط فيه ... ما يلي: 1. الملك التام. 2. النماء. 3. بلوغ النصاب. 4. الفضل عن الحوائج الأصلية. 5. السلامة من الدين. 6. حولان الحول.

فقال: [ومعناه: أن يمر على الملك في ملك المالك اثنا عشر شهراً عربياً وهذا الشرط إنما هو بالنسبة للأنعام والنقود والسلع التجارية " وهو ما يدخل تحت اسم زكاة رأس المال " أما الزروع والثمار والعسل والمستخرج من المعادن والكنوز ونحوها فلا يشترط لها حول وهو ما يمكن أن يدخل تحت اسم " زكاة المدخل "] فقه الزكاة 1/ 161. ثم نقل الشيخ القرضاوي كلام بعض أهل العلم في اشتراط الحول وخلاف بعض العلماء في عدم اشتراط الحول ثم قال: [وقد ذكر ابن رشد في سبب الاختلاف أنه لم يرد في ذلك حديث ثابت، ثم عقب الشيخ القرضاوي على ذلك بقوله: وهو توجيه صحيح كما سنبينه في موضعه إن شاء الله] فقه الزكاة 1/ 163. وقد وفى الشيخ القرضاوي بما وعد فقد فصل الكلام على الأحاديث الواردة في اشتراط الحول فقال: [روي اشتراط الحول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أربعة من الصحابة هم علي وابن عمر وأنس وعائشة رضي الله عنهم ولكن هذه الأحاديث كلها ضعيفة لا تصلح للحجة] فقه الزكاة 1/ 492. ثم فصل الكلام على الأحاديث الأربعة من حيث السند. وبعد كلام طويل عن الأحاديث السابقة قال العلامة القرضاوي حفظه الله ورعاه: [وبهذا البيان يتضح لنا أنه ليس في اشتراط الحول حديث ثابت مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -] فقه الزكاة 1/ 497. ثم قال في موضع آخر: [إن اشتراط الحول في كل مال - حتى المستفاد منه - ليس فيه نص في مرتبة الصحيح أو الحسن الذي يؤخذ منه حكم شرعي عام للأمة وتقيد به النصوص المطلقة وهذا ما صرح به علماء الحديث وإنما صح ذلك من قول بعض الصحابة كما ذكرنا] فقه الزكاة 1/ 505. هذا مختصر كلام العلامة القرضاوي في المسألة وقد اعتمد فيما ذهب إليه على كلام بعض أهل الحديث في الحكم على الأحاديث الواردة في اشتراط الحول وأنها ضعيفة لا تصلح للحجة ولكنني أخالفه فيما ذهب

وأرى أن ما ذهب إليه الشيخ القرضاوي من عدم اشتراط الحول في الزكاة هو قول ضعيف ومخالف لما عليه جماهير الصحابة وأئمة الفتوى من الفقهاء، انظر المجموع 5/ 361، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/ 14. وقد وقفت بعد البحث والتقصي على كلام لبعض أهل العلم يقوى الأحاديث التي اشترطت الحول في الزكاة فأقول وبالله التوفيق: إن كلام العلامة ابن رشد الذي ساقه الشيخ القرضاوي وصوبه فيه إثبات قوي لاشتراط الحول وإليك نص كلام ابن رشد: [وأما وقت الزكاة فإن جمهور الفقهاء يشترطون في وجوب الزكاة في الذهب والفضة والماشية الحول لثبوت ذلك عن الخلفاء الأربعة ولانتشاره في الصحابة رضي الله عنهم ولانتشار العمل به ولاعتقادهم أن مثل هذا الانتشار من غير خلاف لا يجوز أن يكون إلا عن توقيف. وقد روي مرفوعاً من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) وهذا مجمع عليه عند فقهاء الأمصار وليس فيه في الصدر الأول خلاف إلا ما روي عن ابن عباس ومعاوية وسبب الاختلاف أنه لم يرد في ذلك حديث ثابت] بداية المجتهد 5/ 78 - 79. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وأما الذهب والورق فلا تجب الزكاة في شيء منها إلا بعد تمام الحول أيضاً وعلى هذا جمهور العلماء والخلاف فيه شذوذ ولا أعلمه إلا شيء روي عن ابن عباس ومعاوية أنهما قالا: من ملك النصاب من الذهب والورق وجبت عليه الزكاة في الوقت. وهذا قول لم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أئمة الصحابة ولا قال به أحد من أئمة الفتوى إلا رواية عن الأوزاعي ... ] فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ مالك 5/ 20. وذكر الحافظ ابن عبد البر أن القول باشتراط الحول في الزكاة عليه جماعة الفقهاء قديماً وحديثاً لا يختلفون فيه أنه لا يجب في مال من العين ولا في ماشية زكاة حتى يحول عليه الحول إلا ما روي عن ابن عباس وعن

معاوية أيضاً ... ولا أعلم أحداً من الفقهاء قال بقول معاوية وابن عباس في اطراح مرور الحول إلا مسألة جاءت عن الأوزاعي وعقب الحافظ ابن عبد البر بقوله: [هذا قول ضعيف متناقض] انظر الاستذكار 9/ 32 - 33. إن القول باشتراط الحول في الزكاة قال به الأئمة الأربعة وثبت ذلك عن الخلفاء الأربعة وهو قول مشهور بين الصحابة وعملوا به وهذا الانتشار لا يجوز إلا أن يكون عن توقيف كما قال العلامة ابن رشد. بداية المجتهد 5/ 78. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام مؤيداً اشتراط الحول: [فقد تواترت الآثار عن علية أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا] كتاب الأموال ص 505. إذا ثبت هذا فنعود إلى أقوال المحدثين في الأحاديث الواردة في اشتراط الحول وهي عدة أحاديث، منها حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول] رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي والدارقطني وغيرهم. وقد ورد بهذا اللفظ ونحوه عن جماعة من الصحابة منهم علي وعائشة وأنس وأم سعد الأنصارية وسراء بنت نبهان رضي الله عنهم. وهذه الأحاديث فيها كلام طويل لأهل الحديث لا يتسع المقام لإيراده وهذه الأحاديث حكم عليها بعض أهل الحديث بالضعف كما فصله الشيخ القرضاوي في كتابه إلا أن جماعة أخرى من أهل الحديث يرون أن هذه الأحاديث تصلح للاستدلال بمجموع طرقها بل إن بعض طرقها صحيح أو حسن. قال الشيخ أحمد الغماري بعد أن تكلم على أسانيد هذه الأحاديث: ... [ ... إلا أن مجموع هذه الأحاديث مع حديث علي الذي هو حسن يصل إلى درجة المعمول به لا سيما مع تواتر ذلك عن الصحابة كما قال أبو عبيد في الأموال: قد تواترت الآثار عن علية أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا ثم

أسند ذلك عن علي وابن عمر وأبي بكر وعثمان وابن مسعود وطارق بن شهاب وفي مصنف ابن أبي شيبة زيادة أبي بكرة وعائشة وبعض ذلك في الموطأ كأثر ابن عمر وعثمان] الهداية في تخريج أحاديث البداية 5/ 84 - 86 وحديث علي الذي أشار إليه الشيخ الغماري هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا من الرقة ربع العشر من كل مئتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين ديناراً نصف دينار وليس في مئتي درهم شيء حتى يحول عليها الحول ففيها خمسة دراهم ... الخ) رواه أبو داود والبيهقي وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 296. وكذلك فإن الشيخ الألباني صحح حديث ابن عمر المذكور بمجوع طرقه وذكر أن حديث علي السابق يقويه فقال: [ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى بسند صحيح عن علي - رضي الله عنه - خرجته في صحيح أبي داود فصح الحديث والحمد لله] إرواء الغليل 3/ 258. وقال الإمام الزيلعي عن حديث علي المذكور: [ ... فالحديث حسن ... قال النووي رحمه الله في الخلاصة وهو حديث صحيح أو حسن] نصب الراية 2/ 328. وقال الحافظ ابن حجر: [ ... حديث علي لا بأس بإسناده والآثار تعضده فيصلح للحجة والله أعلم] التلخيص الحبير 2/ 156. وقال الحافظ أيضاً: إنه حديث حسن. بلوغ المرام ص 121. كما أن الحافظ العراقي قد جود إسناد حديث علي كما في إتحاف السادة المتقين 4/ 16. وقال الإمام الشوكاني بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في اشتراط الحول: ... [ومجموع هذه الأحاديث تقوم به الحجة في اعتبار الحول] السيل الجرار 2/ 13. وأما ما نقله العلامة القرضاوي عن الشيخ ابن حزم من تضعيفه لحديث علي المذكور فقد رجع ابن حزم عن كلامه هذا في كتابه المحلى

التهرب من أداء الزكاة

فقال في آخر المسألة: [ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير ابن حازم مسند صحيح لا يجوز خلافه ... الخ كلامه] تهذيب السنن 8/ 312. وبعد هذا العرض الموجز لأقوال العلماء يظهر لي أن اشتراط الحول في الزكاة ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول وما كان أكثر الصحابة رضي الله عنهم ليقولوا بهذا القول لولا وقوفهم فيه على شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أن هذا الشرط متعلق بعبادة من العبادات والأصل في العبادات التوقيف على النبي - صلى الله عليه وسلم - فما ورد عن الصحابة في هذا الشرط له حكم الرفع إذ لا مسرح للاجتهاد في ذلك. انظر سبل السلام 2/ 263. * * * التهرب من أداء الزكاة يقول السائل: ما حكم ما يفعله بعض الناس من التهرب من أداء الزكاة بطرق ملتوية كمن لديه مال أوشك أن يحول عليه الحول فيقوم بشراء عمارة وهو ليس بحاجة لها حتى لا يزكي ماله ثم بعد مدة وجيزة يقوم ببيعها ليستأنف حولاً جديداً؟ الجواب: صح في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فالله سبحانه وتعالى مطلع على النوايا ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فالمسلم يجب أن يلتزم بما أمر الله سبحانه وتعالى به والزكاة من جملة فرائض الله سبحانه وتعالى فعلى من وجبت عليه الزكاة أن يلتزم بإخراجها وأن يضعها في مصارفها الشرعية ولا يجوز لأحد أن يحتال لإسقاط الزكاة ويحرم الفرار من الزكاة وهذا مذهب جماهير أهل العلم وقالوا إن من حاول الفرار من الزكاة فإنها تؤخذ منه ويعامل على خلاف قصده كما في قصة أصحاب الجنة التي قصها الله علينا قال الله تعالى: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا

يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ) سورة القلم 17 - 32. فأصحاب البستان عزموا على حرمان المساكين من الصدقة فعاقبهم الله سبحانه وتعالى بخلاف قصدهم، قال العلامة ابن كثير: [هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة وأعطاهم من النعمة الجسيمة وهو بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة ولهذا قال تعالى (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ) أي اختبرناهم (كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) أي فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلاً لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء (وَلَا يَسْتَثْنُونَ) أي فيما حلفوا به، ولهذا حنثهم الله في أيمانهم فقال تعالى (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) أي أصابتها آفة سماوية (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ)]. ثم قال ابن كثير أيضاً: [قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن، قال سعيد بن جبير: كانوا من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء، وقيل كانوا من أهل الحبشة وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة، وكانوا من أهل الكتاب وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه ويدخر لعياله قوت سنتهم ويتصدق بالفاضل فلما مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئاً للفقراء ولو أنا منعناهم لنوفر ذلك علينا، فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية رأس المال والربح والصدقة فلم يبق لهم شيء قال الله تعالى (كَذَلِكَ الْعَذَابُ) أي هكذا عذاب من خالف أمر الله وبخل بما أتاه الله وأنعم عليه ومنع حق المساكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفراً (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) أي هذه عقوبة

الدنيا كما سمعتم وعذاب الآخرة أشق] تفسير ... ابن كثير 4/ 406 - 407. ومما يدل على تحريم الفرار من الزكاة ما ورد عن أنس - رضي الله عنه -: (أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) رواه البخاري. وقد ذكر الإمام البخاري هذا الحديث في صحيحه في كتاب الحيل باب الزكاة أي ترك الحيل في الزكاة لإسقاطها. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 15/ 363. قال الحافظ ابن حجر: [قال مالك في الموطأ: معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة. وقال الشافعي: هو خطاب لرب المال من جهة وللساعي من جهة فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئاً من الجمع والتفريق خشية الصدقة. فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر، فمعنى قوله (خشية الصدقة) أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة فلما كان محتملاً للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الآخر فحمل عليهما معا. لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر والله أعلم] فتح ... الباري 4/ 56. وقال العلامة ابن القيم: [ويدل على تحريم الحيل الحديث الصحيح وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) وهذا نص في تحريم الحيلة المفضية إلى إسقاط الزكاة أو تنقيصها بسبب الجمع والتفريق فإذا باع بعض النصاب قبل تمام الحول تحيلاً على إسقاط الزكاة فقد فرق بين المجتمع فلا تسقط الزكاة عنه بالفرار منها] إعلام الموقعين 3/ 172.

وذكر الخرقي في مختصره مسألة الفرار من الزكاة فقال: [من كانت عنده ماشية فباعها قبل الحول بدراهم فراراً من الزكاة لم تسقط الزكاة عنه]. وقد فصل الشيخ ابن قدامة المقدسي المسألة بقوله: [قد ذكرنا أن إبدال النصاب بغير جنسه يقطع الحول ويستأنف حولاً آخر فإن فعل هذا فراراً من الزكاة لم تسقط عنه سواء أكان المُبدل ماشية أو غيرها من النصب. وكذا لو أتلف جزءاً من النصاب قصداً للتنقيص لتسقط عنه الزكاة، لم تسقط وتؤخذ الزكاة منه في آخر الحول إذا كان إبداله أو إتلافه عند قرب الوجوب ولو فعل ذلك في أول الحول لم تجب الزكاة. لأن ذلك ليس بمظنة للفرار، وبما ذكرناه قال مالك والأوزاعي وابن الماجشون وإسحاق وأبو عبيد .... ولنا: قول الله تعالى: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) فعاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة ولأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه، فلم يسقط كما لو طلّق امرأته في مرض موته، ولأنه لمّا قصد قصداً فاسداً اقتضت الحكمة معاقبته بنقيض قصده كمن قتل مورثه لاستعجال ميراثه عاقبه الشرع بالحرمان وإذا أتلفه لحاجته لم يقصد قصداً فاسداً] المغني 2/ 504. وخلاصة الأمر أنه يحرم على المسلم أن يفر من أداء الزكاة بأي وسيلة كانت لأن ذلك من الحيل المحرمة في الشرع وقد نعى الله سبحانه وتعالى تحيل اليهود لانتهاك المحرمات فقال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) سورة الأعراف الآية 163. ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (لا ترتكبوا ما ارتكبت يهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) رواه ابن بطة في إبطال الحيل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [هذا إسناد جيد يصحح مثله الترمذي وغيره تارة ويحسنه تارة] إبطال الحيل ص 112.

زكاة الزيتون على المالك دون الأجير

وقال الشيخ الألباني: [وحسن إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير] صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 33. وبناءً على كل ماسبق يجب على هذا الشخص أن يؤدي الزكاة التي وجبت عليه وهي باقية في ذمته إلى أن يؤديها ولا تسقط عنه بما فعل من الحيلة. * * * زكاة الزيتون على المالك دون الأجير يقول السائل: إنه اتفق مع شخص يملك أشجار زيتون على أن يقوم بقطف الزيتون على أن يكون له ربع المحصول فعلى من تكون الزكاة؟ الجواب: هذه المعاملة تعتبر إجارة والأجرة بعض المعمول بعد العمل كما وسبق أن بينت ذلك في حلقة سابقة وهذا الأجير لا زكاة عليه فيما يحصل عليه من المحصول. وإنما الزكاة على مالك الشجر فهو الذي يزكي المحصول. ولكن أهل العلم اختلفوا هل يزكي جميع المحصول قبل خصم أجرة من قام بالقطف؟ أم أنه يزكي المحصول بعد خصم حصة الأجير؟ اتجاهان لأهل العلم فمنهم من يرى أن المزارع يخصم النفقات التي تحملها في الإنفاق على زرعه ويدخل في ذلك ما أنفقه على الحراثة والتسميد وأجرة العمال والحصادين فيخصم قبل إخراج الزكاة، باستثناء نفقات الري التي أنزل الشارع الواجب في مقابلها من العشر إلى نصفه وهذا ما اختاره العلامة القرضاوي في فقه الزكاة وهو الذي أرجّحه وأختاره. انظر فقه الزكاة 1/ 396 - 397. قال الإمام أحمد: [من استدان ما أنفق على زرعه واستدان ما أنفق على أهله - عياله - احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله] وعلل الحنابلة ذلك بأنه من مئونة الزرع كما بينه الشيخ ابن قدامة في المغني 3/ 30.

وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه قال في الرجل ينفق على ثمرته، فقال: يرفع النفقة ويزكي ما بقي) وعن عطاء قال: [إنه يسقط مما أصاب النفقة فإن بقي مقدار الزكاة زكى وإلا فلا] المحلى 4/ 66. وروى يحيى بن آدم عن وكيع عن إسماعيل بن عبد الملك قال: [قلت لعطاء: الأرض أزرعها؟ قال فقال: ارفع نفقتك وزك ما بقي] الخراج ص 152. وروى يحيى بن آدم بإسناده عن ابن عباس وابن عمر في الرجل: [يستقرض فينفق على ثمرته وأهله قال: قال ابن عمر: يبدأ بما استقرض فيقضيه ويزكي ما بقي. قال: وقال ابن عباس: يقضي ما أنفق على الثمرة ثم يزكي ما بقي]. قال الشيخ أحمد محمد شاكر يرحمه الله: هذا إسناد صحيح. كتاب الخراج ص 153. وروى يحيى بن آدم أيضاً عن الثوري، قال: [فيما أخرجت الأرض الخراج قال: ارفع دينك وخراجك فإن بلغ خمسة أوسق بعد ذلك فزكها] الخراج ص 153. قال القرطبي: [قال مالك وما استهلكه منه ربه - أي صاحب الثمر - بعد بدو صلاحه أو بعدما أفرك حسب عليه. وما أعطاه ربه منه في حصاده وجذاذه ومن الزيتون في التقاطه تحرى ذلك وحسب عليه. وأكثر الفقهاء يخالفونه في ذلك ولا يوجبون الزكاة إلا فيما حصل في يده بعد الدرس] تفسير القرطبي 7/ 108. وقال العلامة الشيخ القرضاوي: [والذي يلوح أن الشارع حكم بتفاوت الواجب في الخارج بناء على تفاوت المشقة والجهد المبذول في سقي الأرض فقد كان ذلك أبرز ما تتفاوت به الأراضي الزراعية أما النفقات الأخرى فلم يأت نص باعتبارها ولا بإلغائها ولكن الأشبه بروح الشريعة إسقاط الزكاة عما يقابل المؤنة من الخارج والذي يؤيد هذا أمران:

الأول: أن للكلفة والمؤونة تأثيراً في نظر الشارع فقد تقلل مقدار الواجب كما في السقي بآلة جعل الشارع فيه نصف العشر فقط، وقد تمنع الوجوب أصلاً كما في الأنعام المعلوفة أكثر العام، فلا عجب أن تؤثر في إسقاط ما يقابلها من الخارج من الأرض. الثاني: أن حقيقة النماء هي الزيادة ولا يعد المال زيادة وكسباً إذا كان قد أنفق مثله في الحصول عليه ولهذا قال بعض الفقهاء: إن قدر المؤنة بمنزلة ما سلم له بعوض فكأنه اشتراه وهذا صحيح. هذا على ألا تحسب في ذلك نفقات الري التي أنزل الشارع الواجب في مقابلها من العشر إلى نصفه. فمن كانت له أرض أخرجت عشرة قناطير من القطن تساوي مائتي جنيه وقد أنفق عليها - في غير الري - مع الضريبة العقارية مبلغ ستين جنيهاً (أي ما يعادل ثلاثة قناطير) فإنه يخرج الزكاة عن سبعة قناطير فقط، فإذا كانت سقيت سيحاً ففيها العشر أو بآلة فنصف العشر. والله أعلم] فقه الزكاة 1/ 396 - 397. ومما يؤيد هذا القول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الخارص - وهو الذي يقدر كمية الثمار التي تجب فيها الزكاة - أن يترك ثلث الثمر أو ربعه لأصحاب الثمر ولا يحسب فيه زكاة فقد جاء في حديث سهل بن أبي حثمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... : (إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) رواه أبو داود وسكت عليه هو والمنذري ورواه الترمذي وابن خزيمة وصححه ورواه ابن حبان وصححه ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وضعفه آخرون. قال الحاكم: [هذا حديث صحيح الإسناد وله شاهد بإسناد متفق على صحته. عمر بن الخطاب أمر به ثم روى الحاكم بسنده عن سهل بن أبي حثمة: (أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعثه إلى خرص التمر وقال: إذا أتيت أرضاً فاخرصها ودع لهم قدر ما يأكلون) المستدرك 2/ 22 - 23. ومعنى ترك الثلث أو الربع على أحد قولي العلماء هو ما قاله الشيخ

ابن قدامة المقدسي: [وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع توسعة على أرباب الأموال لأنهم يحتاجون إلى الأكل هم وأضيافهم ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقاءهم وسؤالهم ويكون في الثمرة السقاطة وينتابها الطير وتأكل منه المارة فلو استوفى الكل منهم أضر بهم وبهذا قال إسحاق ونحوه قال الليث وأبو عبيد والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهاده فإن رأى الأكلة كثيراً ترك الثلث وإن كانوا قليلاً ترك الربع. لما روى سهل بن أبي حثمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) رواه أبو عبيد وأبو داود والنسائي والترمذي وروى أبو عبيد بإسناده عن مكحول قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث الخراص قال: خففوا على الناس فإن في المال العرية والواطئة والآكلة) قال أبو عبيد: الواطئة: السابلة، سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين، والآكلة: أرباب الثمار وأهلوهم ومن لصق بهم. ومنه حديث سهل في مال سعد بن أبي سعد حين قال: لولا أني وجدت فيه أربعين عريشاً لخرصته تسعمائة وسق. وكانت تلك العرش لهؤلاء الآكلة، والعرية: النخلة أو النخلات يهب إنساناً ثمرتها، فجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ليس في العرايا صدقة). وروى ابن المنذر عن عمر - رضي الله عنه - انه قال لسهل بن أبي حثمة: (إذا أتيت على نخل قد حضرها قوم فدع لهم ما يأكلون) والحكم في العنب كالحكم في النخيل سواء فإن لم يترك لهم الخارص شيئاً فلهم الأكل قدر ذلك ولا يحتسب عليهم به، نصّ عليه. لأنه حق لهم] المغني 3/ 16 - 17. وقال الشيخ ابن العربي المالكي: [وكذلك اختلف قول علمائنا هل تحط المؤنة من المال المزكى وحينئذ تجب الزكاة أو تكون مؤنة المال وخدمته حتى يصير حاصلا في حصة رب المال وتؤخذ من الرأس؟ والصحيح أنها محسوبة وأن الباقي هو الذي يؤخذ عشره ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (دعوا الثلث أو الربع) وهو قدر المؤنة ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب وبما يأكل رطباً ويحتسب المؤنة يتخلص الباقي ثلاثة

زكاة الزيتون على المالك والمتضمن

أرباع أو [ثلثين] والله أعلم. ومن حديث ابن لهيعة وغيره عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (خففوا في الخرص فإن في المال العرية والرطبة والأكل والوصية والعامل والنوائب). وقد روى سهل بن أبي حثمة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا حثمة خارصا، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إن أبا حثمة قد زاد علي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن ابن عمك يزعم أنك زدت عليه. فقال: يا رسول الله لقد تركت له قدر عرية أهله وما يطعم المساكين وما تسقط الريح. فقال: قد زادك ابن عمك في نصفك) فقال الطحاوي: ترك له واخطأ إنما زاده ما تسقط الريح لأنه يجمعه لنفسه وكان حقه أن يعيده عليه وأما الذي يأكل أهله ومن نزل به أو مرّ عليه فقد تقدم في الحديث أنه لا يعيد عليه في الزكاة. قال القاضي أبو بكر بن العربي - رضي الله عنه -: والمتحصل من صحيح النظر أن يترك له قدر الثلث أو الربع كما بيناه في مقابلة المؤنة من واجب فيها ومندوب إليها منه والله أعلم] عارضة الأحوذي 3/ 116. * * * زكاة الزيتون على المالك والمتضمن يقول السائل: إنه قد اتفق مع أحد أصحاب شجر الزيتون على أن يقوم بما يلزم شجر الزيتون من حراثة وتسميد وتقليم وقطاف على أن له نصف المحصول فهل تلزمه الزكاة؟ الجواب: هذا الاتفاق بين صاحب شجر الزيتون والسائل هو عقد مساقاة وهي إعطاء الشجر المثمر لمن يقوم عليه بخدمته من حرث وسقي وتسميد وتقليم ونحو ذلك على أن يكون للعامل نصيب من الثمر. والمساقاة عقد صحيح جائز شرعاً كما هو مذهب أكثر أهل العلم، وقد صح في الحديث: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى خيبر على الشطر) متفق عليه، ويشترط لصحة عقد المساقاة أن يكون نصيب كل من المتعاقدين نسبة شائعة كالنصف

استيعاب مصارف الزكاة

أو الثلث أو الربع فمهما رزق الله من ثمر فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها. إذا تقرر هذا فأقول إن الزكاة تكون في هذه الحالة على المتعاقدين جميعاً فكل منهما يزكي حصته إذا بلغت نصاباً وهو خمسة أوسق ويقدر في زماننا بحوالي 653 كيلو غراماً. فإذا قل نصيب أحدهما عن النصاب فلا زكاة حينئذ إلا أن يكون لهما أو لأحدهما أرضاً أخرى تنتج فعندها يكمل النصاب منها قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإن زارع رجلاً مزارعة فاسدة فالعشر على من يجب الزرع له وإن كانت صحيحة فعلى كل واحد منهما عشر حصته إن بلغت خمسة أوسق أو كان له من الزرع ما يبلغ بضمه إليها خمسة أوسق وإلا فلا عشر عليه وإن بلغت حصة أحدهما دون صاحبه النصاب فعلى من بلغت حصته النصاب عشرها ولا شيء على الآخر لأن الخلطة لا تؤثر في غير السائمة في الصحيح] المغني 30 - 31 وينبغي أن يعلم أن هذه المسألة تختلف فيما لو كان الشخص مجرد أجير لقطف الزيتون وأجرته نسبة شائعة من الثمر كالربع أو الثلث فلا زكاة عليه كما بينته في حلقة سابقة. * * * استيعاب مصارف الزكاة يقول السائل: إذا قامت لجنة الزكاة بجمع الزكاة فهل المطلوب منها أن توزع الزكاة على جميع المستحقين للزكاة من الأصناف المذكورين في آية مصارف الزكاة؟ الجواب: بين الله سبحانه وتعالى مصارف الزكاة وحصرها في ثمانية مصارف، فقال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآية 60.

وقد اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلا لهذه الأصناف التي ذكرت في الآية الكريمة ولكنهم اختلفوا بعد ذلك هل يجب استيعاب هذه المصارف؟ أم أنه يجوز الصرف لبعض هذه المصارف دون بعض. والذي عليه أكثر أهل العلم أنه لا يجب صرف الزكاة لجميع الأصناف المذكورين في الآية ويجوز صرفها إلى صنف واحد وهذا قول الحنفية والمالكية والحنابلة ومنقول عن جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول الخرقي: [وإن أعطاها كلها في صنف واحد أجزأه] وجملته أنه يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانية ويجوز أن يعطيها شخصاً واحداً وهو قول عمر وحذيفة وابن عباس وبه قال سعيد بن جبير والحسن والنخعي وعطاء وإليه ذهب الثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي] المغني 2/ 498 - 499. وقال الإمام النووي: [وقال الحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشعبي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأبو عبيد له صرفها إلى صنف واحد قال ابن المنذر وغيره وروي هذا عن حذيفة وابن عباس قال أبو حنيفة وله صرفها إلى شخص واحد من أحد الأصناف قال مالك ويصرفها إلى أمسهم حاجة وقال إبراهيم النخعي إن كانت قليلة جاز صرفها إلى صنف وإلا وجب استيعاب الأصناف] المجموع 6/ 186. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: [باب تفريق الصدقة في الأصناف الثمانية وإعطائها بعضهم دون بعض، ثم روى بإسناده عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: [إذا وضعت الزكاة في صنف واحد من الأصناف الثمانية أجزأك. قال أبو معاوية: قال حجاج وسألت عطاء عن ذلك فقال لا بأس به، قال: حدثنا ... عن سعيد بن جبير وعن عطاء قالا إذا وضعتها في صنف واحد أجزأك ... وعن ابن عباس أنه قال: إذا وضعتها في صنف واحد من هذه الأصناف فحسبك إنما قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) وكذا وكذا لئلا يجعلها في غير هذه

الأصناف ... وعن الحسن قال: إنما الزكاة علم حيث وضعت أجزأت عنك. وقال عكرمة: فرقها في الأصناف. وعن إبراهيم قال: إذا كان المال ذا مز - أي كثيراً -ففرقه في الأصناف وإذا كان قليلاً فأعطه صنفاً واحداً] الأموال ص 688 - 689. وروى البيهقي نحو ذلك عن سعيد بن جبير وعطاء وابراهيم النخعي والحسن البصري. انظر سنن البيهقي 7/ 8. وقال الطحاوي والحافظ ابن عبد البر: [لا نعلم لابن عباس وحذيفة في ذلك مخالفاً من الصحابة. وقال أبو بكر الرازي - الجصاص - روي ذلك عن عمر وحذيفة وابن عباس ولا يروى عن أحد من الصحابة خلافه] الجوهر النقي 7/ 7. وقال الكمال ابن الهمام: [إن ذلك قد ورد عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وأبي العالية وميمون بن مهران بأسانيد حسنة] شرح فتح القدير 2/ 206. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية قول الإمام أبي جعفر الطبري [عامة أهل العلم يقولون: للمتولي قسمتها ووضعها في أي الأصناف الثمانية شاء وإنما سمى الله الأصناف الثمانية إعلاماً منه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها لا إيجاباً لقسمتها بين الأصناف الثمانية وروى بإسناده عن حذيفة وعن ابن عباس أنهما قالا: إن شئت جعلته في صنف أو صنفين أو ثلاثة. قال وروى عن عمر أنه قال: أيما صنف أعطيته أجزأك وروى عنه أنه كان عمر يأخذ الفرض في الصدقة فيجعله في الصنف الواحد وهو قول أبي العالية وميمون بن مهران وإبراهيم النخعي] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/ 40. ويدل لما ذهب إليه جمهور أهل العلم من جواز إعطاء صنف واحد من أصناف الزكاة وأنه لا يجب تعميمها على الأصناف الثمانية ما قاله القرطبي:

[وتمسك علماؤنا بقوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) سورة البقرة الآية 271. والصدقة متى أطلقت في القرآن فهي صدقة الفرض] تفسير القرطبي 8/ 168. ومراد القرطبي أن الآية لم تذكر إلا صنفاً واحداً - الفقراء - من الأصناف الثمانية. واحتج الشيخ ابن قدامة المقدسي لقول الجمهور بحديث معاذ - رضي الله عنه - لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فقال: [(أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) فأخبر أنه مأمور برد جملتها في الفقراء وهم صنف واحد ولم يذكر سواهم ثم أتاه بعد ذلك مال فجعله في صنف ثان سوى الفقراء وهم المؤلفة: الأقرع بن حابس وعينية بن حصن وعلقمة ابن علاثة وزيد الخيل قسّم فيهم الذهبية التي بعث بها إليه علي من اليمن وإنما يؤخذ من أهل اليمن الصدقة ثم أتاه مال آخر: فجعله في صنف آخر لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمل حمالة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله فقال: (أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) وفي حديث سلمة بن صخر البياضي: أنه أمر له بصدقة قومه ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد] المغني 2/ 499. وحديث معاذ الذي ذكره ابن قدامة رواه البخاري ومسلم، وأما حديث الذهبية فهو ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: (بعث علي - رضي الله عنه - وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة نفر الأقرع بن حابس الحنظلي وعينية بن بدر الفزاري وعلقمة بن ملائة العامري ثم أحد بني كلاب وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان فغضبت قريش فقالوا: أيعطي صناديد نجد ويدعنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم ... ) الحديث، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى هؤلاء المؤلفة قلوبهم فقط ولو كان استيعاب الأصناف واجباً لاستوعبها. وأما حديث قبيصة فهو ما رواه مسلم بإسناده عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: (تحملت حمالة فأتيت رسول الله أسأله فيها فقال: أقم حتى

تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) قال: ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) صحيح مسلم مع شرح ... النووي 3/ 110. والشاهد في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع الزكاة إلى صنف واحد بل إلى شخص واحد من مصرف واحد وهو مصرف الغارمين وأما حديث سلمة بن صخر البياضي فقد جاء فيه أنه قد ظاهر من زوجته ثم واقعها ثم ذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلب عونه في الكفارة فقال له رسول الله: (انطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك) رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي حديث حسن. والشاهد في هذا الحديث كسابقه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بدفع الزكاة لصنف واحد بل لشخص واحد. قال العلامة صديق حسن خان: [والحاصل أن الله سبحانه جعل الصدقة مختصة بالأصناف الثمانية غير سائغة لغيرهم واختصاصها بهم لا يستلزم أن تكون موزعة بينهم على السوية ولا أن يقسط كل ما حصل من قليل أو كثير عليهم بل المعنى أن جنس الصدقات لجنس هذه الأصناف من وجب عليه شيء من جنس الصدقة ووضعه في جنس الأصناف فقد فعل ما أمره الله به وسقط عنه ما أوجبه الله عليه.] الروضة الندية 1/ 534. وخلاصة الأمر في هذه المسألة أنه يجب أخذ الأمور الآتية بالاعتبار عند توزيع الزكاة من قبل لجان الزكاة أو من الأفراد: أولاً: إذا كان مال الزكاة كثيراً فينبغي تعميم المال على المصارف الثمانية إذا وجدت. قال الشيخ ابن قدامة: [فإن المستحب صرفها إلى جميع الأصناف أو إلى من أمكن منهم لأنه يخرج بذلك عن الخلاف ويحصل الإجزاء يقيناً] المغني 2/ 499. وهذا ما رجحه الشيخ يوسف القرضاوي إذا كانت الزكاة توزع من قبل إمام المسلمين.

ثانياً: إذا كان المال قليلاً فيعجبني ما ذهب إليه إبراهيم النخعي حيث قال: [إذا كان المال ذا مز - أي ذا فضل وكثرة - ففرقه في الأصناف وإذا كان قليلاً فأعطه صنفاً واحداً] الأموال ص 689. فإذا كان لدى شخص ألف دينار فزكاتها خمسة وعشرون ديناراً فأرى له أن يعطيها فقيراً واحداً أو مسكيناً واحداً ولا أرى له أن يفرقها لقلة النفع بها حينئذ. ثالثاً: إذا كان في أحد الأصناف الثمانية حاجة ماسة وظاهرة فينبغي العناية بالصرف إليه وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك حيث إنه يرى أنه إن وجدت الأصناف كلها فينبغي إيثار أهل الحاجة. الذخيرة 3/ 149. رابعاً: قال الشيخ يوسف القرضاوي: [ينبغي أن يكون الفقراء والمساكين هم أول الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة، فإن كفايتهم وإغنائهم هو الهدف الأول للزكاة حتى إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر في حديث معاذ وغيره إلا هذا المصرف: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وذلك لما لهذا المصرف من أهمية خاصة] فقه الزكاة 2/ 693. * * *

الصيام

الصيام

أحاديث مشهورة في شهر رمضان

أحاديث مشهورة في شهر رمضان هنالك أحاديث يكثر ترديدها في شهر رمضان المبارك على ألسنة الوعاظ والخطباء وهي منتشرة وشائعة وتكرر السؤال عنها فرغبت في ذكرها وبيان ما قاله أهل الحديث في الحكم عليها وهذه الأحاديث هي: الحديث الأول: عن سلمان - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر يوم من شعبان قال: (يا أيها الناس! قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: يا رسول الله! ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار واستكثروا فيه من أربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه وأما

الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار ومن أسقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة). قال الحافظ المنذري: [رواه ابن خزيمة في صحيحه] ثم قال: [إن صح الخبر ورواه من طريقه البيهقي]. ثم ذكر المنذري رواية أخرى للحديث وقال: [وفي أسانيدهم علي بن زيد بن جدعان] الترغيب والترهيب 2/ 24 - 25. وعلي بن زيد ضعيف ضعفه جماعة من أهل الحديث، قال الحافظ ابن حجر: [مداره - أي الحديث على علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ويوسف بن زياد الراوي عنه ضعيف جداً] نقل كلام الحافظ محقق شعب الإيمان 3/ 305. وقال الشيخ الألباني عن الحديث السابق إنه منكر. سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 263. الحديث الثاني: (صوموا تصحوا). قال الزبيدي: [قال العراقي رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الطب النبوي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف] إتحاف السادة المتقين 7/ 401. فالحديث ضعيف وممن ضعفه أيضاً الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة 1/ 277، وفي ضعيف الجامع الصغير أيضاً ص 512. وقد اعتبر الإمام الصاغاني الحديث من الأحاديث الموضوعة كما في رسالته في الأحاديث الموضوعة ص 104. وأنظر أيضاً المقاصد الحسنة ص 236 كشف الخفاء 1/ 445، تمييز الطيب من الخبيث ص 146. الحديث الثالث: عن أبي مسعود الغفاري - رضي الله عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وأهلَّ رمضان فقال: لو يعلم العباد ما رمضان

لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان. فقال رجل من خزاعة: يا نبي الله حدثناّ. فقال: إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق أشجار الجنة فتنظر الحور العين إلى ذلك فيقلن: يا ربنا! اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجاً تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا. قال: فما من عبد يصوم يوماً من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة كما نعت الله عز وجلّ: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) سورة الرحمن الآية 72. على كل امرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى وتعطى سبعين لوناً من الطيب ليس منه لون على ريح الآخر لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها وسبعون ألف وصيف مع كل وصيف صحفة من ذهب فيها لون طعام يجد لآخر لقمة منها لذة لم يجد لأوله ولكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوتة حمراء على كل سرير سبعون فراشاً بطائنها من استبرق فوق كل فراش سبعون أريكة ويعطي زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر موشحاً بالدر عليه سواران من ذهب هذا بكل يوم صامه من رمضان سوى ما عمل من الحسنات) رواه ابن خزيمة والبيهقي في شعب الإيمان والطبراني في الكبير وغيرهم وهو حديث موضوع أي مكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قرر ذلك أهل الحديث وقد ذكره في الموضوعات ابن الجوزي والشوكاني وغيرهما. انظر الفوائد المجموعة ص 88، الترغيب والترهيب 2/ 31 - 32. الحديث الرابع: حديث: (يوم صومكم يوم نحركم يوم رأس سنتكم). قال الإمام أحمد لا أصل له، وذكره في الموضوعات ابن الصلاح وابن عراق وملا علي القاري وابن القيم وغيرهم. انظر المنار المنيف ص 124، المقاصد الحسنة ص 480، المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص 219، تمييز الطيب من الخبيث ص 313. الحديث الخامس: حديث: (السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس، قريب من النار وجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل) رواه الترمذي وضعفه ورواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان.

بداية الصوم ونهايته

وقد عده الشيخ ابن الجوزي في الموضوعات وكذلك ابن القيم، وقال الشيخ الألباني: ضعيف جداً. وقال الحافظ أبو حاتم هذا حديث منكر، وقال أيضا عن رواية أخرى للحديث هذا حديث باطل. انظر السلسلة الضعيفة 1/ 184 - 185، المنار المنيف ص 26. وأخيراً ينبغي التنبيه على أن في صحيح السنة النبوية وحسنها ما يغني عن ذكر هذه الأحاديث الموضوعة والواهية وينبغي على الخطباء والوعاظ أن يعتنوا عناية خاصة بالأحاديث التي يذكرونها في خطبهم ودروسهم وأن يراجعوا كلام أهل الحديث عليها حتى لا يقعوا في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يقصدون أو لا يقصدون فإن الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس كالكذب على سواه. * * * بداية الصوم ونهايته يقول السائل: ما قولكم فيما يفعله بعض طلبة العلم الشرعي في رمضان حيث إنهم يستمرون في الأكل والشرب إلى ما بعد أذان الفجر الثاني ويزعمون أنهم بهذا يتحققون من طلوع الفجر الصادق ويفطرون قبل أذان المغرب بعدة دقائق لأن الشمس قد غابت بزعمهم؟ الجواب: يقول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) سورة البقرة الآية 187. فهذه الآية الكريمة قد حددت بداية الصوم ونهايته وقد ذكر الإمام القرطبي قولين لأهل العلم في تفسير بداية الصوم فقال: [واختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك، فقال الجمهور: ذلك الفجر المعترض في الأفق يمنة ويسرة وبهذا جاءت الأخبار ومضت عليه الأمصار. روى مسلم عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا) وحكاه حماد بيديه قال: يعني معترضاً.

وفي حديث ابن مسعود: (إن الفجر ليس الذي يقول هكذا - وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ولكن الذي يقول هكذا ووضع المسبحة ومد يديه) وروى الدارقطني عن عبد الرحمن بن عباس أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (هما فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئاً ولا يحرمه وأما المستطيل الذي عارض الأفق ففيه تحل الصلاة ويحرم الطعام) هذا مرسل. وقالت طائفة ذلك بعد طلوع الفجر وتبينه في الطرق والبيوت روى ذلك عن عمر وحذيفة وابن عباس وطلق بن علي وعطاء بن أبي رباح والأعمش بن سليمان وغيرهم أن الإمساك بحيث يتبين الفجر في الطرق وعلى رؤوس الجبال وقال مسروق لم يكن يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت وروى النسائي عن عاصم عن زر قال، قلنا لحذيفة: أي ساعة تسحرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع. وروى الدارقطني عن طلق بن علي أن نبي الله قال: (كلوا واشربوا ولا يغرنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعرض لكم الأحمر) قال الدارقطني: قيس بن طلق ليس بالقوي، وقال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل اليمامة. قال الطبري: [والذي قادهم إلى هذا أن الصوم إنما هو في النهار والنهار عندهم من طلوع الشمس وآخره غروبها وقد مضى الخلاف في هذا بين اللغويين وتفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: (إنما هو سواد الليل وبياض النهار) الفيصل في ذلك وقوله: (أياماً معدودات). وروى الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له) تفرد به عبد الله بن عبادة عن المفضل بن فضالة بهذا الإسناد وكلهم ثقات وروى عن حفصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) رفعه عبد الله بن أبي بكر وهو من الثقات الرفعاء وروى عن حفصة مرفوعاً من قولها ففي هذين الحديثين دليل على ما قاله الجمهور في الفجر] تفسير القرطبي 2/ 318 - 319.

وذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي قول جمهور أهل العلم، ثم ذكر قول مسروق والأعمش أن الفجر هو الذي يملأ البيوت والطرق، ثم قال الشيخ ابن قدامة مستدلاً لقول الجمهور: [ولنا قول الله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) يعني بياض النهار من سواد الليل وهذا يحصل بطلوع الفجر قال ابن عبد البر في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن مكتوم) دليل على أن الخيط الأبيض هو الصباح وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر وهذا إجماع لم يخالف فيه إلا الأعمش وحده فشذ ولم يعرج أحد على قوله والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس قال: هذا قول جماعة علماء المسلمين] المغني 3/ 105. وقال الإمام النووي: [هذا الذي ذكرناه من الدخول في الصوم بطلوع الفجر وتحريم الطعام والشراب والجماع به هو مذهبنا ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم قال ابن المنذر وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعلماء الأمصار قال وبه نقول، قال روينا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال حين صلى الفجر الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال وروي عن حذيفة أنه لما طلع الفجر تسحر ثم صلى قال وروي معناه عن ابن مسعود وقال مسروق لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق قال وكان إسحاق يميل إلى القول الأول من غير أن يطعن على الآخرين قال إسحاق ولا قضاء على من أكل في الوقت الذي قاله هؤلاء هذا كلام ابن المنذر، وحكى أصحابنا عن الأعمش وإسحاق بن راهويه إنهما جوزا الأكل وغيره إلى طلوع الشمس ولا أظنه يصح عنهما] المجموع 6/ 305. ثم استدل الإمام النووي لقول الجمهور بالأحاديث التالية: حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: (لما نزلت: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) قلت يا رسول الله: إني أجعل تحت وسادتي عقالين عقالاً أبيض وعقالاً أسود أعرف الليل من النهار.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن وسادك لعريض إنما هو سواد الليل وبياض النهار) رواه البخاري ومسلم. وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: (أنزلت (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله تعالى من الفجر فعلموا أنه يعني به الليل من النهار) رواه البخاري ومسلم. وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا العارض لعمود الصبح حتى يستطير) رواه مسلم. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يمنعن أحدكم أو أحداً منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم وليس أن يقول الفجر أو الصبح وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا وقال بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدّ هما عن يمينه وشماله) رواه البخاري ومسلم. المجموع 6/ 305 - 306. وبعد هذا البيان والاستدلال أوضح الأمور التالية: أولاً: يجب أن يعلم أن الصوم والفطر يكون مع عامة المسلمين لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) رواه الترمذي وقال: [هذا حديث غريب حسن وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس] وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح كما في صحيح سنن الترمذي 1/ 213. فلا ينبغي لفرد أو لجماعة أن تنفرد عن جمهور المسلمين فيجعلون لأنفسهم وقتاً خاصاً يبدؤون به الصوم ووقتاً خاصاً يفطرون فيه ويخالفون عامة الناس لأن هذا شذوذ منبوذ. ثانياً: إن الذين يسكنون اليوم في المدن والقرى الكبيرة لا يمكنهم أن

يتحققوا من طلوع الفجر الصادق أو غروب الشمس المؤكد لعوامل كثيرة منها: عدم معرفة كثير من الناس بالتمييز بين الفجر الصادق والكاذب فإن عرف بعضهم ذلك صعب عليه بسبب الأضواء الكهربائية المنتشرة في المدن والقرى ولا يصح أن يقاس حال هؤلاء على سكان الصحارى والمدن في العهد النبوي وما بعده من عهود الصحابة والتابعين لأن ذلك قياس مع الفارق. لذا فإن الاعتماد على التوقيت المعتبر والمعتمد على الدراسات والحسابات الفلكية وآلات الرصد ونحوها اعتماد صحيح. وأما الزعم بأن أحكام الصوم متعلقة بالرؤية البصرية " العين البشرية " ولا ينبغي التكلف والتنطع ورصد الهلال ومراقبة الفجر بالآلات الفلكية الحديثة كما ورد في صفة صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 41 - 42. فهذا القول مردود جملة وتفصيلاً فالاستعانة بعلم الفلك والأجهزة والآلات الحديثة لا مانع منه شرعاً وهذه الوسائل الحديثة تعين الإنسان في ضبط هذه الأمور ويجب أن يعلم أن هنالك فرقاً شاسعاً بين علم الفلك والتنجيم حيث إن بعض الناس يظنهما شيئاً واحداً وهما مختلفان فالفلك علم معروف وله قواعد وأسس والآخر دجل وباطل. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية برئاسة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز يرحمه الله في جواب سؤال مضمونه أن بعض المسلمين الملتزمين لا يصومون حتى يروا الهلال بالعين المجردة ولا يفطرون حتى يروه بالعين المجردة ولا يعترفون بالرؤية بالأجهزة الحديثة ويخالفون الناس في صلاة العيد في وقتها ... الخ. فأجابت اللجنة بقولها: [يجب عليهم أن يصوموا مع الناس ويفطروا مع الناس ويصلوا العيدين مع المسلمين في بلادهم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة) متفق عليه والمراد بالأمر بالصوم والفطر إذا ثبتت الرؤية بالعين المجردة أو بالوسائل التي تعين

العين على الرؤية لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الصوم يوم تصومون والإفطار يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون)] فتاوى اللجنة الدائمة 10/ 95. ثالثاً: إن إفطار هؤلاء قبل أذان المغرب وزعمهم أن الشمس قد غابت قبل أذان المغرب بعدة دقائق أقول إن هذا خطأ واضح فقد ورد في الحديث عن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغابت الشمس فقد أفطر الصائم) رواه البخاري ومسلم. والمراد بالحديث أنه لا بد من إقبال الليل وليس مجرد مغيب الشمس عن أعين الناس بل لا بد أن تغرب الشمس حقيقة وأما قول بعضهم إن الإفطار يتحقق بعد غروب الشمس مباشرة وإن كان ضوؤها ظاهراً. صفة صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 40. أقول هذا كلام ينقض آخره أوله فكيف يغيب قرص الشمس ويبقى ضوؤها ظاهراً فإذا كان شخص يمشي في واد وغاب عنه قرص الشمس فلا يجوز له أن يفطر حتى يتحقق من غروب الشمس. قال الإمام النووي: [قال العلماء إنما ذكر غروب الشمس وإقبال الليل وإدبار النهار ليبين أن غروبها عن العيون لا يكفي لأنها قد تغيب في بعض الأماكن عن العيون ولا تكون قد غربت حقيقة فلا بد من إقبال الليل وإدبار النهار] المجموع 6/ 303. وقال الإمام النووي أيضا: [وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أقبل الليل وأدبر النهار وغربت الشمس) قال العلماء كل واحد من هذه الثلاثة يتضمن الآخرين ويلازمهما وإنما جمع بينها لأنه قد يكون في واد ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء] شرح النووي على صحيح مسلم 7/ 209. وقال الحافظ ابن حجر: [وذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقبال حقيقة بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والإدبار وأنهما بواسطة غروب

الشمس لا سبب آخر] فتح الباري 5/ 99. وخلاصة الأمر يجب على هؤلاء وأمثالهم أن يصوموا ويفطروا مع الناس وألا يشذوا فإن الشذوذ شر عظيم. * * *

الحج

الحجّ

لا شيء على من منع من الحج وأعيد من الحدود

لا شيء على من مُنِعَ من الحج وأعيد من الحدود يقول السائل: إنه سافر إلى الأردن في طريقه لأداء فريضة الحج ولكنه أعيد عن الجسر ومنع من السفر فأفتاه أحدهم بأنه يجب عليه أن يذبح شاة لأنه محصر فما قولكم في ذلك؟ الجواب: يقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) سورة البقرة الآية 196. وهذه الآية الكريمة أصل في بيان حكم المحصر ولكن لا بد أولاً من بيان معنى الإحصار عند العلماء فقد قال فقهاء الحنفية: [الإحصار هو المنع من الوقوف بعرفة والطواف جميعاً بعد الإحرام بالحج الفرض والنقل وفي العمرة عن الطواف] طلبة الطلبة ص 118. وبمثل هذا التعريف قال بقية فقهاء المذاهب وكل الفقهاء فيما أعلم متفقون على أن الحاج لا يكون محصراً إلا إذا تلبس بالإحرام أي أنه لا إحصار قبل الإحرام. انظر الموسوعة الفقهية 2/ 199. فإذا أحرم الحاج ثم عرض له عدو منعه من إتمام النسك فإنه يتحلل من إحرامه وعليه ذبح قال الله تعالى: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) والمقصود به عند جمهور أهل العلم ذبح شاة. تفسير القرطبي 2/ 378.

الحج عن الوالدين

وثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قد أحصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر عاماً قابلاً) رواه البخاري وبناء على ما تقدم فإن هذا الشخص الذي منع من السفر وأعيد عن الجسر لا يعتبر محصراً حيث إنه لم يحرم فلا شيء عليه ومن أفتاه بأن عليه شاة فقد أفتاه بغير علم وجاء بشيء منكر لم يقل به أحد من أهل العلم وإنها لجرأة كبيرة على العلم الشرعي أن يفتى بدون علم ولا فقه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ). * * * الحج عن الوالدين يقول السائل: إن والديه قد ماتا ولم يؤديا فريضة الحج لفقرهما وهو رجل غني يريد أن يحج عنهما فهل يحج عن أبيه أولاً أم عن أمه أفيدونا؟ الجواب: إن الحج عن الوالدين الذين قد ماتا وهما فقيرين ولم يؤديا فريضة الحج هو من باب البر بهما والإحسان إليهما، قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الإسراء الآية 23، وهذا الولد له الأجر والثواب الجزيل إن شاء الله تعالى ويقع الحج عن الوالدين الميتين وينتفعان به بإذن الله تعالى. ويدل على جواز الحج عن الغير أدلة كثيرة من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - منها: عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟

قال: نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟! اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) رواه البخاري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الفضل بن عباس رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم وذلك في حجة الوداع) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية مسلم: (قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم). وعن أبي رزين العقيلي أنه قال: (يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال: حج عن أبيك واعتمر) رواه النسائي، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي 2/ 556، والظعن أي الارتحال والسفر. وعن عبد الله بن الزبير قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الركوب وأدركته فريضة الله في الحج فهل يجزىء أن أحج عنه قال: آنت أكبر ولده؟ قال: نعم، قال: أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟ قال: نعم، قال: فحج عنه) رواه النسائي وأحمد والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صالح. التلخيص الحبير 2/ 225. وقد أخذ جمهور أهل العلم بمقتضى هذه الأحاديث فأجازوا الحج عن الميت وأجازوا الحج عن المريض مرضاً لا يرجى برؤه ولا يستطيع تحمل مشاق السفر وكذلك الكبير الذي لا يحتمل مشاق السفر فيجوز الحج عن هؤلاء بشرط أن يكون النائب وهو من يحج عن غيره قد حج عن نفسه وهذا قول الشافعية والحنابلة والأوزاعي وإسحاق بن راهويه كما قال الشيخ ابن قدامة في المغني 3/ 235.

ويدل على هذا الإشتراط ما ورد في الحديث عن ابن عباس: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: هل حججت قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 4/ 171. إذا تقرر جواز الحج عن الغير وبما في ذلك الأب والأم بالشرط السابق فينبغي أن يبدأ بالحج عن أمه أولاً ثم يحج عن أبيه في عام آخر لأن الأم مقدمة في البر على الأب، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [يستحب أن يحج الإنسان عن أبويه إذا كانا ميتين أو عاجزين لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا رزين فقال: (حج عن أبيك واعتمر) و (سألت امرأة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أبيها مات ولم يحج فقال: حجي عن أبيك) ويستحب البداءة بالحج عن الأم إن كان تطوعاً أو واجباً عليهما نص عليه أحمد في التطوع لأن الأم مقدمة في البر، قال أبو هريرة: (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك) رواه مسلم والبخاري، وإن كان الحج واجباً على الأب دونها بدأ به لأنه واجب فكان أولى من التطوع. وروى زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا حج الرجل عن والديه يقبل منه ومنهما واستبشرت أرواحهما في السماء وكتب عند الله براً). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرماً بعث يوم القيامة مع الأبرار)] المغني 3/ 235. والحديثان الأخيران اللذان وردا في كلام ابن قدامة ضعيفان عند أهل الحديث، قال الشيخ الألباني عن حديث زيد بن أرقم: (إذا حج الرجل عن والديه يقبل منه ... الخ) ضعيف أخرجه الدارقطني وابن شاهين، السلسلة الضعيفة 3/ 626. وقال الشيخ الألباني عن حديث ابن عباس: (من حج عن أبويه ... )

لا يجوز الحلف كذبا ليتمكن من الحج

ضعيف جداً أخرجه ابن شاهين والطبراني في الأوسط والدارقطني. السلسة الضعيفة 3/ 628. ومع ضعف الحديثين السابقين إلا أنه يستأنس بهما لأنهما يدخلان تحت أصل صحيح كما سبق في حديث الخثعمية وحديث أبي رزين وغيرهما. * * * لا يجوز الحلف كذباً ليتمكن من الحج يقول السائل: إنه قد أدى فريضة الحج سابقاً ويريد أن يحج مرة ثانية وقد طلب منه أن يحلف يميناً أنه لم يحج فهل يجوز له أن يحلف أم لا؟ الجواب: من المعلوم أن فريضة الحج مطلوبة من المسلم مرة في العمر، ويسن أن يحج نافلة إن استطاع لذلك سبيلاً وبما أنه قد فرضت في زماننا هذا قيود على من يريد الحج وأحياناً يطلب من الشخص أن يحلف يميناً أنه لم يحج فإذا كان الشخص لم يحج فعلاً فلا حرج عليه إن حلف اليمين وأما إن كان قد حج سابقاً فيحرم عليه أن يحلف اليمين لأنها يمين كاذبة محرمة. قال تعالى: (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) سورة المجادلة الآية 14. وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة آل عمران الآية 77. وجاء في الحديث عن عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حلف على يمين مصبورة كاذبة فليتبوأ مقعده من النار) رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي. واليمين المصبورة هي اللازمة لصاحبها، وخلاصة الأمر أنه يحرم على هذا السائل أن يحلف هذه اليمين الكاذبة وإن كان يريد الحج فالحج طاعة ولا يتوصل إلى الطاعة بما هو محرم. * * *

الأضحية

الأضحية

من نوى الأضحية فلا يحلق شعره

من نوى الأضحية فلا يحلق شعره يقول السائل: سمعت أنه لا يجوز لمن نوى أن يضحي أن يحلق رأسه قبل أن يضحي أفيدونا؟ الجواب: ثبت في الحديث الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً) رواه مسلم. وفي رواية أخرى: (من كان له ذِبح يذبحه فإذا أهلَّ هلالُ ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي) رواه مسلم. والذِبح بكسر الذال: الذبيحة. وقد قال بمقتضى هذا الحديث طائفة من أهل العلم فيحرم على من أراد الأضحية أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية وهو قول سعيد بن المسيب وربيعة الرأي والإمام أحمد وإسحاق وداود وابن حزم الظاهريين وأبي الحسن العبادي من الشافعية، واحتجوا بحديث أم سلمة السابق وقد ورد بروايات عند مسلم وهي: أ. عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً). قيل لسفيان: فإن بعضهم لا يرفعه. قال: لكني أرفعه.

ب. عن أم سلمة رضي الله عنها ترفعه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذنَّ شعراً ولا يقلمن ظفراً). ج. عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره). د. عن أم سلمة رضي الله عنها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي). ووجه الاستشهاد به أن فيه نهي عن أخذ الشعر والأظفار، ومقتضى النهي التحريم كما قال الشيخ ابن قدامة المقدسي في المغني 9/ 437. وروى مسلم بإسناده عن عمرو بن مسلم بن عمار الليثي قال: (كنا في الحمام قبيل الأضحى فأطلى فيه ناس فقال بعض أهل الحمام: إن سعيد بن المسيب يكره هذا أو ينهى عنه. فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له فقال: يا ابن أخي هذا حديث قد نُسِيَ وترك. حدثتني أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. وقوله في الحديث أطلى فيه ناس: أي أزالوا شعر العانة بالنورة. واحتجوا أيضاً بما رواه ابن حزم بإسناده أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان أن الرجل إذا اشترى أضحية ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي. قال سعيد قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: نعم. ... فقلت: عمن يا أبا محمد؟ قال عن أصحاب رسول الله. وقد حمل طائفة من أهل العلم النهي الوارد في حديث أم سلمة على كراهة التنزيه فقط وأيدوا قولهم بما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيبعث هديه إلى الكعبة فما يحرم عليه مما حلَّ للرجال من أهله حتى يرجع الناس) متفق عليه.

قال الماوردي: [فكان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضحاياه، لأنه كان بالمدينة وأنفذها مع أبي بكر - رضي الله عنه - سنة تسع، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم، فلما لم يحرم على نفسه شيئاً كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم] الحاوي ... الكبير 15/ 74. والذي يغلب على ظني ـ بعد طولِ تأملٍ وتفكرٍ ـ رجحان القول الأول لقوة أدلته ويظهر ذلك فيما يلي: أولاً: إن حديث أم سلمة خاص، وحديث عائشة عام، والخاص مقدم على العام. قال الشيخ ابن قدامة: [وحديثهم عام وهذا خاص يجب تقديمه بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص] المغني 9/ 437. وقال الشوكاني: [ولا يخفى أن حديث الباب - أي حديث أم سلمة - أخص منه - أي من حديث عائشة - مطلقاً فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ولكن على من أراد التضحية] نيل الأوطار 5/ 128. ثانياً: يجب حمل حديث عائشة على غير محل النزاع لوجوه منها: أ. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروهاً، قال الله تعالى: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عنه) سورة هود الآية 88. ب. ولأن أقلَّ أحوال النهي أن يكون مكروهاً، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليفعل المكروه فيتعين حمل ما فعله في حديث عائشة على غيره. ج. ولأن عائشة تخبر عن فعله - صلى الله عليه وسلم -، وأم سلمة تخبر عن قوله - صلى الله عليه وسلم -، والقول يقدم على الفعل، لاحتمال أن يكون فعله خاصاً له. ثالثاً: إن ما قاله بعض أهل العلم بأن حديث أم سلمة موقوف؛ غير صحيح، بل هو حديث مرفوع، رفعه جماعة من المحدثين، وقد رواه مسلم مرفوعاً من وجوه: أ. الرواية الأولى في صحيح مسلم بإسناده وفيها حدثنا سفيان ... قيل لسفيان: فإن بعضهم لا يرفعه. قال لكني أرفعه.

ب. الرواية الثانية في صحيح مسلم وفيها: (عن أم سلمة ترفعه ... ). ج. الرواية الثالثة في صحيح مسلم مرفوعة. د. الرواية الخامسة في صحيح مسلم مرفوعة. وأجاب العلامة ابن القيم جواباً مفصلاً عن الادعاء بأن حديث أم سلمة موقوف فقال: [وقد اختلف الناس في هذا الحديث وفي حكمه. فقالت طائفة: لا يصح رفعه وإنما هو موقوف. قال الدارقطني في كتاب العلل: ووقفه عبد الله بن عامر الأسلمي ويحيى القطان وأبو حمزة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد، ووقفه عقيل على سعيد. ووقفه يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد عن أم سلمة: قولها ووقفه عبد الرحمن بن حرملة وقتادة وصالح بن حسان عن سعيد: قوله. والمحفوظ عن مالك موقوف. قال الدارقطني: والصحيح عندي قول من وقفه. ونازعه في ذلك آخرون فصححوا رفعه منهم مسلم بن الحجاج ورواه في صحيحه مرفوعاً. ومنهم أبو عيسى الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح. ومنهم ابن حبان خرَّجه في صحيحه. ومنهم أبو بكر البيهقي قال: هذا حديث قد ثبت مرفوعاً من أوجه لا يكون مثلها غلطاً، وأودعه مسلم في كتابه. وصححه غير هؤلاء وقد رفعه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورفعه شعبة عن مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وليس شعبة وسفيان بدون هؤلاء الذين وقفوه. ولا مثل هذا اللفظ من ألفاظ الصحابة بل هو المعتاد من خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله (لا يؤمن أحدكم) (أيعجز أحدكم) (أيحب أحدكم) (إذا أتى أحدكم الغائط) (إذا جاء أحدكم خادمه بطعام) ونحو ذلك] شرح ابن القيم على سنن أبي داود 7/ 346. وقال صاحب تحفة الأحوذي بعد أن ذكر الطرق المرفوعة لحديث أم سلمة: [وهذه الطرق المرفوعة كلها صحيحة، فكيف يصح القول بأن حديث

أم سلمة الموقوف هو أصل الحديث بل الظاهر أن أصل الحديث المرفوع] تحفة الأحوذي 5/ 100. وقد بيَّن الشيخ الألباني أن الصحيح أن هذا الحديث مرفوع؛ حتى وإن لم يصرح سعيد بن المسيب برفعه فله حكم الرفع لأنه لا يقال بالاجتهاد والرأي إرواء الغليل 4/ 378. وقال ابن حزم: [ ... ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل، لأنه ليس إذا وجب أن لا يمس الشعر والظفر بالنص الوارد في ذلك، يجب أن يتجنب النساء والطيب، كما أنه إذا وجب اجتناب الجماع والطيب، لم يجب بذلك اجتناب مس الشعر والظفر، فهذا الصائم فرضٌ عليه اجتناب النساء، ولا يلزمه اجتناب الطيب، ولا مس الشعر والظفر، وكذلك المعتكف، وهذه المعتدة يحرم عليها الجماع والطيب، ولا يلزمها اجتناب قص الشعر والأظفار. ... وهذه فتيا صحت عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا يعرف فيها مخالفٌ منهم لهم] المحلى 6/ 26. وقال ابن القيم: [وأسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره لصحتة وعدم ما يعارضه ... ولهذا كان أحمد وغيره يعمل بكلا الحديثين: هذا في موضعه وهذا في موضعه. وقد سأل الإمام أحمد أو غيره عبد الرحمن بن مهدي عن هذين الحديثين؟ فقال: هذا له وجه وهذا له وجه] شرح ابن القيم على سنن أبي داود 7/ 348. وبعد هذا العرض أرجو أن يكون ما رجحته هو الراجح، وقد كنت أميل للقول بالكراهة فقط، ثم ترجح عندي القول بالتحريم، والله أعلم. والحكمة في النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار في حق من أراد الأضحية هي ما قاله الإمام النووي: [قال أصحابنا: والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 120. وإذا لم يلتزم مريد الأضحية بهذا النهي فأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره

بداية وقت الأضحية ونهايته

فإنه يستغفر الله سبحانه وتعالى ولا فدية فيه إجماعاً سواء فعله عمداً أو نسياناً كما قال الشيخ ابن قدامة في المغني 9/ 437. * * * بداية وقت الأضحية ونهايته يقول السائل: متى يبدأ وقت ذبح الأضحية ومتى ينتهي؟ الجواب: يدخل وقت ذبح الأضحية بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الضحى، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي. وهذا قول الشافعية والحنابلة، وبه قال ابن المنذر وداود الظاهري والطبري، ويرى الحنابلة أيضاً أن يكون الذبح بعد صلاة الإمام وخطبته خروجاً من الخلاف. المغني 9/ 452، المجموع 8/ 387. ويدل على ذلك ما يلي: 1. حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا، نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء) رواه البخاري ومسلم. 2. وفي رواية أخرى عن البراء قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم نحر فقال: (لا يضحين أحدٌ حتى يصلي. قال رجل: عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم. قال: فضح بها ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك) رواه مسلم. 3. وفي رواية ثالثة قال البراء - رضي الله عنه -: (ذبح أبو بردة قبل الصلاة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أبدلها ... الخ) رواه البخاري ومسلم.

4. وفي رواية رابعة عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يذبحن أحد حتى يصلي) رواه مسلم. 5. وفي رواية خامسة عن البراء - رضي الله عنه - قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فلا يذبح حتى ينصرف) رواه البخاري. 6. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر: (من كان ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال يا رسول الله ... ) رواه البخاري ومسلم. قالوا إن هذه الأحاديث تدل على أن وقت الأضحية يكون بعد الصلاة. قال الحافظ ابن حجر معلقاً على الرواية الخامسة من حديث البراء - رضي الله عنه -: [تمسك به الشافعية في أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة، وإنما شرطوا فراغ الخطيب، لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية سواء صلَّى العيد أم لا وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا، ويستوي في ذلك أهل المصر والحاضر والبادي قال القرطبي: ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها] فتح الباري 12/ 117 - 118. وظاهر الأحاديث السابقة اعتبار نفس الصلاة فيبدأ وقت الأضحية بعد الصلاة في حق من يصلي العيد، وأما من لا يصلي العيد كأهل البوادي , فأول وقتها في حقهم مضي قدر الصلاة والخطبتين بعد الصلاة، لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر فوجب الاعتبار بقدرها. انظر المغني 9/ 452. وبناءً على ما تقدم فإن وقت الأضحية يبدأ بعد انتهاء صلاة العيد والخطبة، إن صليت صلاة العيد كما كان يصليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد طلوع الشمس وارتفاعها بمقدار رمح أو رمحين، سواء صلَّى مريدُ الأضحية العيد

أم لم يصل، وسواء كان من أهل البوادي أو الحضر، وسواء ذبح الإمام أو لم يذبح، وفي زماننا هذا حيث إنه لا إمام للمسلمين، فلا يرتبط أمر الأضحية بفعل الحكام الموجودين. ولا أرى التفريق بين أهل البوادي والحضر، لعموم الأحاديث الواردة كحديث أنس - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين) رواه البخاري. وأما آخر وقت ذبح الأضحية فهو غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، أي أن أيام النحر أربعة؛ يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وهذا أرجح أقوال العلماء في المسألة وهو قول الشافعية ونقل هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام، وهو قول عطاء والحسن والأوزاعي ومكحول واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني. انظر المغني 9/ 453، المجموع 8/ 390، زاد المعاد 2/ 318، نيل الأوطار 5/ 142. قال الإمام الشافعي: [فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق ثم ضحى أحد فلا ضحية له] الأم2/ 222 .. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كل فجاج مكة منحر، وكل أيام التشريق ذبح) رواه أحمد وابن حبان وصححه ورواه البيهقي والطبراني في الكبير والبزار والدراقطني وغيرهم. وقال البيهقي: وهو مرسل. وذكر له طرقاً متصلة، ولكنها ضعيفة كما قال إلا أنه قال أيضاً إن حديث جبير أولى أن يقال به. سنن البيهقي 9/ 295 - 298. وقال الهيثمي: [رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير إلا أنه قال:

(وكل فجاج مكة منحر) ورجاله موثقون] مجمع الزوائد 3/ 251. وقال الحافظ ابن حجر: [أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع، ووصله الدارقطني ورجاله ثقات] فتح الباري 12/ 103. وذكره السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالصحة وأقره المناوي فيض القدير 5/ 35. وقال الشيخ الألباني: صحيح كما في صحيح الجامع الصغير 2/ 834. وقال الشيخ أحمد الغماري: [فحديث جبير بن مطعم، رواه أحمد والبزار والطبراني وابن حبان في الصحيح، والبيهقي عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كل عرفات موقف، وكل مزدلفة موقف، وارفعوا عن محسر، وكل فجاج منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح) اختصره البيهقي فاقتصر على ذكر أيام التشريق منه، وهو حديث حسن، وإن كان سند أحمد وقع فيه انقطاع. أما الاختلاف الواقع من سليمان بن موسى، فمحمول على أنه سمعه من عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم، وسمعه من نافع بن جبير عن أبيه أيضاً، ومن محمد بن المنكدر عن جبير، فهو لم يخرج بالحديث عن جبير الذي تعدد من حدثه به، وهو ثقة فالحديث حسن أو صحيح كما قال ابن حبان] الهداية في تخريج أحاديث البداية 403 - 404. واحتجوا بأن هذا القول قد نقل عن علي وابن عباس وعطاء وعمر بن عبد العزيز، فقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس قال: الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر. وروى أيضاً عن الحسن وعطاء قالا: يُضَحَّى إلى آخر أيام التشريق. وروى أيضاً عن عمر بن عبد العزيز قال: الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده. سنن البيهقي 9/ 296 - 297. ومما يؤيد هذا القول أن تفسير الأيام المعلومات في قوله تعالى:

(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) سورة الحج الآية 28. بأنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده مروي عن ابن عباس وابن عمر وإبراهيم النخعي، وإليه ذهب الإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه. تفسير ابن كثير 3/ 216 - 217، أضواء البيان 5/ 344. وكذلك فإن هذا القول منقول عن جماعة من الصحابة منهم علي وابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم. ومنقول عن جماعة من التابعين منهم الحسن وعطاء وبه قال عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وكان أحد أئمة أهل الشام في العلم. وخلاصة الأمر أن وقت الأضحية يبدأ بعد انتهاء صلاة العيد والخطبة وينتهي وقتها بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق وهو رابع أيام العيد كما هو معروف بين الناس. * * *

الأيمان

الأيمان

الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم

الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول السائل: ما حكم الحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ الجواب: اتفق أهل العلم على أن الحلف يكون بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته وعلى ذلك تدل الأدلة الكثيرة من السنة النبوية فمن ذلك: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله فقال: ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) وكانت قريش تحلف بآبائها فقال: لا تحلفوا بآبائكم) رواه مسلم وروى الترمذي بإسناده أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن وفُسِرَ هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله فقد كفر أو أشرك على التغليظ والحجة في ذلك حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع عمر يقول: وأبي وأبي فقال: ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم. وحديث أبي هريرة عن

النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من قال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله.) سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 7/ 15. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون) رواه النسائي واللفظ له ورواه أبو داود أيضاً. وقال الشيخ الألباني صحيح، انظر صحيح سنن النسائي 2/ 799. وجاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حلف فليحلف برب الكعبة) رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وبناء على هذه الأحاديث قال جماهير أهل العلم لا يجوز الحلف إلا بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته لأن الحصر - من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله - الوارد في الأحاديث يدل على ذلك ولا يجوز الحلف بغير الله سواء كان المحلوف به وجيهاً عند الله عز وجل أم كان من سائر العباد. فلا يجوز الحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز الحلف بجبريل عليه السلام ولا يجوز الحلف بالكعبة أو بأي شيء من المخلوقات. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق كالكعبة والأنبياء وسائر المخلوقات ولا تجب الكفارة بالحنث فيها هذا ظاهر كلام الخرفي وهو قول أكثر الفقهاء] المغني 9/ 513. وقال صاحب الهداية من الحنفية: [ومن حلف بغير الله لم يكن حالفاً كالنبي والكعبة] شرح فتح القدير 4/ 356. قال الإمام النووي: [قال العلماء والحكمة في النهي عن الحلف بغير الله تعالى أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهى به غيره وقد جاء عن ابن عباس لأن أحلف بالله

مئة مرة فآثم خير من أحلف بغيره فأبر] شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 105. ويؤيد كلام ابن عباس ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم: [لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أحلف بغيره صادقاً] رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 177. وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 8/ 191. وكلام ابن مسعود هذا يدل على أنه اختار أن يحلف بالله كاذباً ولا يحلف بغيره صادقاً فهذا يدل على أن الحلف بغير الله أكبر من الكذب مع أن الكذب من المحرمات في جميع الملل فدل ذلك على أن الحلف بغير الله من أكبر المحرمات. تيسير العزيز الحميد ص 526. وقال الحافظ ابن حجر: [قال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة لكن قد اتفق الفقهاء على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية، واختلفوا في انعقادها ببعض الصفات كما سبق وكأن المراد بقوله بالله الذات لا خصوص لفظ الله وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها وهل المنع للتحريم؟ قولان عند المالكية كذا قال ابن دقيق العيد والمشهور عندهم الكراهة والخلاف أيضاً عند الحنابلة لكن المشهور عندهم التحريم وبه جزم الظاهرية، وقال ابن عبد البر: لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع، ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه فإنه قال في موضع آخر: أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها، والخلاف موجود عند الشافعية من أجل قول الشافعي: أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية فأشعر بالتردد وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه وقال إمام الحرمين: المذهب القطع بالكراهة وجزم غيره بالتفصيل فإن اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به

وكان بذلك الاعتقاد كافراً وعليه يتنزل الحديث المذكور وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه، قال الماوردي: لا يجوز لأحد أن يحلف أحداً بغير الله، لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر وإذا حلف الحاكم أحداً بشيء من ذلك وجب عزله لجهله] فتح الباري 14/ 336. وقال الإمام أحمد في رواية عنه يجوز الحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وروي عن أحمد أنه قال: إذا حلف بحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحنث فعليه الكفارة، قال أصحابنا لأنه أحد شرطي الشهادة] المغني 9/ 513. ولكن العلماء لم يسلموا ما قاله الإمام أحمد في هذه الرواية من جواز الحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأجابوا عن ذلك بأجوبة منها ما قاله القرطبي: [لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته وقال أحمد بن حنبل: [إذا حلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - انعقدت يمينه لأنه حلف بما لا يتم الإيمان إلا به فيلزمه الكفارة كما لو حلف بالله. وهذا يرده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه فناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) وهذا حصر في عدم الحلف بكل شيء سوى الله تعالى وأسمائه وصفاته كما ذكرنا، ومما يحقق ذلك ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهم عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) ثم ينتقض عليه بمن قال: وآدم وإبراهيم فإنه لا كفارة عليه وقد حلف بما لا يتم الإيمان إلا به] تفسير القرطبي 6/ 270 - 271. وقال ابن العربي المالكي: [وقال أحمد: إذا حلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وجبت عليه الكفارة لأنه حلف بما لم يتم الإيمان إلا به فوجبت عليه الكفارة ... قلنا عنه جوابان: لفظي ومعنوي أما اللفظي فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من كان

حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت وأما المعنوي فلأن الإيمان عند أحمد لا يتم إلا بفعل الصلاة ومن تركها متعمداً كفر فلزمه إذا حلف أن تلزمه الكفارة إذا حنث ولم يقل به ... ] عارضة الأحوذي 7/ 16. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ولهذا تنازع الناس هل يحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ مع اتفاقهم بأنه لا يحلف بشيء من المخلوقات المعظمة كالعرش والكرسي والكعبة والملائكة، فذهب جمهور العلماء كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد في أحد قوليه إلى أنه لا يحلف بالنبي ولا تنعقد اليمين كما لا يحلف بشيء من المخلوقات ولا تجب الكفارة على من حلف بشيء من ذلك وحنث، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: (لا تحلفوا إلا بالله) وقال: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) وفي السنن: (من حلف بغير الله فقد أشرك). وعن أحمد بن حنبل رواية أنه يحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة لأنه يجب الإيمان به خصوصاً ويجب ذكره في الشهادتين والأذان فللإيمان به اختصاص لا يشركه فيه غيره وقال ابن عقيل: بل هذا لكونه نبياً وطرد ذلك في سائر الأنبياء مع أن الصواب الذي عليه عامة علماء المسلمين سلفهم وخلفهم أنه لا يحلف بمخلوق لا نبي ولا غير نبي ولا ملك من الملائكة ولا ملك من الملوك ولا شيخ من الشيوخ. والنهي عن ذلك نهي تحريم عند أكثرهم كمذهب أبي حنيفة وغيره وهو أحد القولين في مذهب أحمد كما تقدم حتى إن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما يقول أحدهم: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقاً وفي لفظ: لأن احلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أضاهي فالحلف بغير الله شرك والشرك أعظم من الكذب وغاية الكذب أن يشبه بالشرك، كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله) قالها مرتين أو ثلاثاً، وقرأ قوله تعالى: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي

مَكَانٍ سَحِيقٍ)] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 27/ 349 - 350 وينبغي أن يعلم أن منع العلماء من الحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعني بحال من الأحوال التقليل من تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجلاله فهم متفقون على أن إيمان المرء لا يكمل إلا بتعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجلاله واحترامه. * * *

المعاملات

المعاملات

الفرق بين الربح والربا

الفرق بين الربح والربا يقول السائل: كثير من الناس لا يفرق بين نسبة الربح التي تتقاضاها البنوك الإسلامية ونسبة الفائدة التي تأخذها البنوك الربوية فأرجو بيان الفرق بينهما؟ الجواب: إن أسس عمل البنوك الإسلامية لا زالت غير واضحة عند كثير من الناس والأمر بحاجة ماسة إلى مزيد من الشرح والتوضيح والبيان والتوعية وللأسف أن البنوك الإسلامية مقصرة في شرح فكرتها للناس فواجب البنوك الإسلامية أن تبادر إلى مخاطبة جمهور الناس ببيان قواعد العمل في البنوك الإسلامية ويمكن أن يتم ذلك بوسائل كثيرة كعقد الندوات والمحاضرات وإصدار النشرات وهذا الأمر كفيل بزيادة تفهم الناس لطبيعة عمل البنوك الإسلامية. ومن القضايا المشكلة في أذهان كثير من الناس ما ورد في السؤال وهو عدم التفريق بين الربح والفائدة " الربا ". فيقول هؤلاء إنه لا فرق بين ما يتم التعامل به في البنوك الإسلامية وبين ما يتم التعامل به في البنوك الربوية فيقول أحدهم مثلاً: إنه ذهب لشراء سيارة إلى البنك الإسلامي فأخبروه أن ثمن السيارة مثلاً مئة ألف شيكل وأنهم سيربحون منه ثمانية آلاف شيكل وأنه ذهب إلى بنك ربوي

ليحصل على قرض لشراء ذات السيارة فأخبروه أنهم سيقرضونه مئة ألف شيكل بفائدة قدرها 6. 5% فهو يرى أنه لا فرق بين المعاملتين بل إن الفائدة في البنك الربوي أقل من الربح في البنك الإسلامي ولذلك قرر أن يختار أقل التكلفتين. ولتوضيح الفرق بين الصورتين أقول: إن الربح في لغة العرب هو النماء في التجارة والعرب تقول: ربحت تجارته إذا ربح صاحبها فيها ويقولون تجارة رابحة كما ورد في تاج العروس 4/ 44. وقد وردت الإشارة إلى ذلك في القرآن الكريم حيث قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) سورة البقرة ص 116. وقد ذكر الطبري في تفسيره لهذه الآية ما يلي: [ ... الرابح من التجار المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلا هو أنفس من سلعته أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به فأما المستبدل من سلعته بدلاً دونها ودون الثمن الذي يبتاعها به فهو الخاسر في تجارته] تفسير الطبري 1/ 315 - 316. فالربح هو الزيادة على رأس المال نتيجة تقليبه في النشاط التجاري أو هو الزائد على رأس المال نتيجة تقليبه في الأنشطة الاستثمارية المشروعة كالتجارة والصناعة وغيرها. انظر الربح في الفقه الإسلامي ص 44. والربح عند الفقهاء ينتج من تفاعل عنصري الإنتاج الرئيسيين وهما العمل ورأس المال فالعمل له دور كبير في تحصيل الربح. المصدر السابق ص 44 - 45. قال د. سامي حمود: [والخلاصة أن الربح في النظر الفقهي الإسلامي هو نوع من نماء المال الناتج عن استخدام هذا المال في نشاط استثماري وأن هذا النشاط الاستثماري ملحوظ فيه عنصر تقليب راس المال من حال إلى حال كما هو الحال عند الاتجار بالمال حيث تصبح النقود عروضاً ثم تعود نقوداً أكثر بالربح أو أقل بالخسارة إذا حصلت خسارة بالفعل.

وإن هذا التقليب المعتبر للمال والذي يحصل الربح نتيجة له ما هو إلا إظهار للجهد البشري المرتبط بعمل الإنسان في المال. وذلك لأن هذا المال الجامد لا يزيد، ولولا مخالطة العمل للمال لبقي الدينار فيه ديناراً عاماً بعد عام ولكن هذا الدينار يمكن أن يصبح دنانير إذا أمسكته يد الإنسان الخبير بالبيع والشراء وسائر وجوه التقليب المعتبرة فالمال الجامد لا ينمو إلا بالعمل فيه حيث إن النقود لا تلد النقود. ولذا فإن الإسلام في نظرته لرأس المال - كما تجلت قواعده الفقهية - لم يقرر للنقود حقاً في الحصول على أي ربح إلا إذا كان ذلك على وجه المشاركة للعمل في السراء والضراء، وفي هذا دليل ملموس على مدى اعتبار هذا العنصر المعنوي المتمثل في جهد الإنسان الذي كرمه الله تكريماً لم يقدره هذا المخلوق الجزوع والذي لا يتوانى عن الخضوع ذليلاً لكل ما يشرعه أهل الأرض بينما لا يخجل من نفسه أن يتطاول - وإذا نظر للمسائل دون إيمان - على ما شرع الله لعباده بالعدل والإحسان] تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية ص 254. وأما الفائدة فهي زيادة مستحقة للدائن على مبلغ الدين يدفعها المدين مقابل احتباس الدين إلى تمام الوفاء. الفائدة والربا ص 16. إذا تأملنا تعريف الفائدة فنجد أنها زيادة في مبادلة مال بمال لأجل أي أن الفائدة هي مقابل المدة الزمنية. فمثلاً إذا اقترض شخص ألف دينار من البنك الربوي على أن يردها ألفاً ومئة دينار فالمئة دينار هي الفائدة وهذه استحقت مقابل تأجيل السداد لمدة سنة، ولتوضيح الفرق بين الربح والفائدة " الربا " لا بد أن نلاحظ أن الربح ناتج عن اجتماع العمل مع رأس المال فالتاجر يشتري ويبيع فيتولد من عمله ورأس ماله ربح وأما الفائدة فهي متولدة من رأس المال فقط بلا عمل أي أن المال هو الذي يولد المال. وقد يقول قائل إن كلاً من الربح والفائدة يحملان معنى الزيادة في المال وهذا الكلام صحيح ولكن الزيادة في الربح مرتبطة بالتصرف الذي

حكم التعامل في الأسواق المالية (البورصة)

يتحول به المال من حال إلى حال، وأما الزيادة في الفائدة فهي حاصلة بشكل يزداد فيه المال نفسه أي أن الألف دينار صارت ألفاً ومئة. وينبغي التنبيه إلى ما يقال من أن نتيجة الأعمال التي تقوم بها البنوك الإسلامية هي نفس نتيجة الأعمال التي تقوم بها البنوك الربوية فلوا افترضنا أن شخصاً اشترى سلعة من بنك إسلامي وكان ثمنها أحد عشر ألف دينار وشخص آخر اقترض عشرة آلاف دينار بفائدة قدرها 10% لشراء ذات السلعة فإن النتيجة في الحالتين واحدة وأقول إن العبرة ليست بالنتيجة وإنما بالطريق الموصل إلى تلك النتيجة. فلو افترضنا أن شخصين كل منهما عنده ألف دينار فقام الأول بشراء كمية من الأرز بالألف التي يملكها ثم باع الأرز بألف ومئة دينار فإن هذا الشخص يكون قد زاد رأس ماله مئة دينار وتسمى هذه الزيادة ربحاً. وإذا قام الشخص الثاني بإقراض الألف التي يملكها لآخر على أن يردها ألفاً ومئة فإنه يكون قد زاد رأس ماله مئة دينار وهذه الزيادة تمسى ربا وفائدة. فنلاحظ أن كلاً منهما زاد رأس ماله مئة دينار فالنتيجة في الحالتين واحدة ولكن الزيادة الأولى حلال والزيادة الثانية حرام. فليست العبرة بالنتيجة وإنما العبرة بالطريق الموصل إليها. * * * حكم التعامل في الأسواق المالية (البورصة) يقول السائل: ما حكم عمليات البيع والشراء التي تتم في سوق الأوراق المالية (البورصة)؟ الجواب: سوق الأوراق المالية المسماة بالبورصة تعني المكان الذي يلتقي فيه المصرفيون وسماسرة الأوراق المالية والتجار لإجراء الصفقات التجارية في الأسهم والسندات وحصص التأسيس.

سوق الأوراق المالية أمر حديث نسبياً في العالم الإسلامي حيث إنه من نتاج الحضارة الرأسمالية وليس معنى ذلك أنه مرفوض شرعاً وإنما لا بد من وضع ضوابط شرعية معينة حتى يصح التعامل في الأسواق المالية، وقد وضع العلماء المعاصرون هذه القيود والضوابط للحالات التي يجوز التعامل بها في السوق المالي. وينبغي أولاً التذكير بأن الأصل في باب المعاملات في الشريعة الإسلامية هو الإباحة وبناءً على ذلك لا يجوز منع أي معاملة إلا بنص صريح من الشارع الحكيم أو قياس صحيح عليه. ويدل على ذلك قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) سورة المائدة الآية 1. فالآية الكريمة أوجبت الوفاء بالعقود من غير تعيين قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه إذ الدين ما شرعه الله والحرام ما حرمه الله بخلاف الذين ذمهم الله حيث حرموا من دين الله ما لم يحرمه الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، اللهم وفقنا لأن نجعل الحلال ما حللته والحرام ما حرمته والدين ما شرعته] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28/ 386. ويقول العلامة الشيخ يوسف القرضاوي: [إن الأصل في المعاملات والعقود الإذن والإباحة إلا ما جاء نص صحيح الثبوت صريح الدلالة يمنعه ويحرمه فيوقف عنده ... وهذا بخلاف العبادات التي تقرر: أن الأصل فيها المنع حتى يجيء نص من الشارع لئلا يشرع الناس في الدين ما لم يأذن به الله فإذا كان الأساس الأول للدين ألا يعبد إلا الله فإن الأساس الثاني ألا يعبد الله إلا بما شرع. وهذه التفرقة أساسية ومهمة فلا يجوز أن يقال لعالم: أين الدليل على

إباحة هذا العقد أو هذه المعاملة؟ إذ الدليل ليس على المبيح لأنه جاء على الأصل وإنما الدليل على المُحّرّم، والدليل المحرم يجب أن يكون نصاً لا شبهة فيه كما هو اتجاه السلف الذين نقل عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية أنهم ما كانوا يطلقون الحرام إلا على ما علم تحريمه جزماً] بيع المرابحة للقرضاوي ص 13. كما وأن الأصل في البيع الحل لعموم قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) سورة البقرة الآية 275. إذا تقرر هذا فأعود إلى بيان حكم التعامل بالأسواق المالية (البورصة) فأقول: تتعامل البورصة بالأسهم والسندات بشكل عام، فأما الأسهم فهي عبارة عن حصص الشركاء في الشركات المساهمة حيث إن رأسمال الشركة المساهمة يقسم إلى أجزاء متساوية يطلق على كل منها سهماً فالسهم هو جزء من رأس مال الشركة وهو يمثل حق المساهم مقدراً بالنقود لتحديد نصيبه في ربح الشركة أو خسارتها وكذلك تحديد مسؤولية المساهم في الشركة. والأصل في الشركة المساهمة الجواز إذا كانت خالية من الربا والتعامل المحرم فالمساهمون فيها يتحقق فيهم معنى الشركاء حيث إنهم يقدمون أسهمهم حصصاً في رأس المال فيشتركون في رأس المال ويقتسمون الأرباح والخسائر فيكونون شركاء بمجرد توقيع عقد الاكتتاب في الشركة فيعتبر ذلك إيجاباً وقبولاً لأن الإيجاب والقبول لا يشترط فيهما التلفظ بل يصحان بالكتابة وهؤلاء الشركاء يوكلون مجلس إدارة الشركة بالقيام بالعمل وهو توكيل صحيح. والقول بمنع شركة المساهمة قول ضعيف لا دليل يؤيده. انظر شركة المساهمة ص 303 فما بعدها. وأما السندات فهي عبارة عن قروض طويلة الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبها أن تسدد قيمتها في تواريخ محددة مع فائدة متفق عليها. المعاملات المالية المعاصرة ص 176. والصحيح من أقوال أهل العلم جواز التعامل بالأسهم ضمن ضوابط معينة وحرمة التعامل بالسندات لأنها قروض ربوية.

وأما ضوابط التعامل بالأسهم فهي: أولاً: أن تكون الأسهم صادرة من شركات ذات أغراض مشروعة بأن يكون موضوع نشاطها حلالاً مباحاً مثل الشركات الإنتاجية للسلع والخدمات كشركة الكهرباء وشركة الأدوية وغير ذلك، أما إذا كان موضوع نشاطها محرماً كشركات إنتاج الخمور أو شركات إنشاء البنوك الربوية فلا يجوز امتلاك شيء من أسهمها وتداوله بين المسلمين كما تحرم أرباحها لأن شراء الأسهم من تلك الشركة من باب المشاركة في الإثم والعدوان ثانياً: أن تكون الأسهم صادرة عن شركة معروفة ومعلومة لدى الناس بحيث تتضح سلامة تعاملها ونزاهته لذا لا يجوز التعامل بأسهم سلة شركات مساهمة كما هو في الغرب دون أن يعرف المشتري للأسهم حقيقة تلك الشركات فمن الأساليب الجديدة في الاستثمار استثمار في سلة مشتركة لشركات مساهمة أمريكية ( Mutual Fund) وكل سلة لها مدير مشرف عليها ويديرها حسب تعليمات ودراسات تجريها شركة: " مريل لينش الاستثمارية " فالأسهم التي يشتريها المستثمر في السلة المشتركة عرضة للربح والخسارة ففي عام 1995 حققت سلة " ميرل ليتس بيسك فاليو " أرباحاً بنسبة 18% في ستة أشهر في حين أنها في عام 1990 خسرت بنسبة 13%. فبالرغم من أن الاستثمار في هذه السلة عرضة للربح والخسارة إلا أن هذا الأسلوب من الاستثمار لا يجوز لأمرين: الأول: عدم معرفة ماهية تلك الشركات التي تتضمنها تلك السلة فهي لا تخلو من شركات مساهمة ذات أنشطة اقتصادية محرمة كشركات إنتاج الخمور أو شركات البنوك الربوية التي حرم الإسلام التعامل بأسهمها. والثاني: إن هذه السلات تقوم بأنشطة اقتصادية غير مشروعة كبيع دين بدين على حساب الفائدة. ولذلك ترفض المصارف الإسلامية التعامل مع تلك السلات واستثمار أموالها عن طريقها.

ثالثاً: أن لا يترتب على التعامل بها أي محظور شرعي كالربا والغرر والجهالة وأكل أموال الناس بالباطل فلا يجوز للمسلم قبول أسهم الامتياز التي تعطي له حق الحصول على ربح ثابت سواء أربحت الشركة أم خسرت لأن هذا ربا محرم شرعاً ولا يجوز للمسلم قبول أسهم التمتع التي تعطي صاحبها حق الحصول على الأرباح دون أن يكون شريكاً في المال والعمل لأن هذا أكل لأموال الناس بالباطل. المعاملات المالية المعاصرة ص 169 - 173. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره السابع التعامل مع الأسواق المالية وقرر ما يلي: [أولاً: الأسهم: 1. الإسهام في الشركات: أ. بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز. ب. لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها. ج. الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات بالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة التعامل بالأسهم بطرق ربوية: أ. لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. ب. لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم لأنه من بيع ما لا يملك البائع

ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض ... ] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد7 ج1 ص 711 - 717. وأما التعامل بالسندات فهو محرم كما قلت لأنها قروض ربوية بفوائد محددة وقرر ذلك مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة حيث جاء في قراره: 1. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أم عامة ترتبط بالدولة ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً. 2. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الإسمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها حسماً (خصماً) لهذه السندات. 3. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار ... ]. مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد6 ج 2 ص1725 - 1726. وبناء على كل ما تقدم فإنه لا يجوز شرعاً تداول أسهم البنوك الربوية وشركات التأمين وكل شركة تتعامل بالمحرمات كشركات إنتاج الخمور ونحوها كما لا يجوز إجراء عمليات البيع الآجلة لأن هذا النوع من العمليات لا يتم فيه تسليم المعقود عليه لا الثمن ولا المثمن بل يشترط تأجيلها فهذه العملية لا تجوز لأن شرط صحة العقود أن يتم تسليم العوضين أو أحدهما ولا يجوز تأجيل الاثنين حيث إنها تدخل في معنى بيع الكالئ بالكالئ فهذه العمليات تدخل في القمار الممنوع لأن البائع يضارب

الخصم من الدين إذا عجل السداد

على هبوط السعر في اليوم المحدد والمشتري يضارب على صعوده ومن يصدق توقعه يكسب الفرق. الأسواق المالية ص 327. * * * الخصم من الدين إذا عجل السداد يقول السائل: إنه اشترى بضاعة بالتقسيط لمدة أربعة وعشرين شهراً وبعد مضي سبعة أشهر توفر له ثمن البضاعة فطلب من البائع أن يحط عنه من الثمن على أن يسدده فوراً فقيل له إن هذا من الربا فلا يجوز، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: مضمون هذا السؤال يسمى عند الفقهاء مسألة " ضع وتعجل " وهي مسألة خلافية بينهم فذهب جمهور أهل العلم إلى منعها وقال آخرون بالجواز وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه قال إبراهيم النخعي وابن سيرين وأبو ثور وهو راوية عن الإمام أحمد ومنقول عن الإمام الشافعي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عابدين الحنفي وقال به جماعة من العلماء المعاصرين كما سيأتي. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه: ضع عني بعضه وأعجل لك بقيته لم يجز كرهه زيد بن ثابت وابن عمر والمقداد وسعيد بن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم والشافعي ومالك والثوري وهشيم وابن علية وإسحاق وأبو حنيفة وقال المقداد لرجلين فعلا ذلك كلاكما قد آذن بحرب من الله ورسوله وروي عن ابن عباس: أنه لم ير به بأساً وروي ذلك عن النخعي وأبي ثور لأنه آخذ لبعض حقه تارك لبعضه فجاز كما لو كان الدين حالَّاً] المغني 4/ 39. وقال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر القول بمنع " ضع وتعجل " قال: ... [والقول الثاني أنه يجوز وهو قول ابن عباس وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد حكاها ابن أبي موسى وغيره واختاره شيخنا] أي شيخ الإسلام ابن تيمية. إعلام الموقعين 3/ 359.

وقد احتج هذا الفريق من أهل العلم بما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لمَّا أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج بني النضير قالوا: يا رسول الله إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ضعوا وتعجلوا) رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد. المستدرك 2/ 362. وأخرجه الطبراني في الكبير وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثق كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 130، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6/ 28، وقال إنه ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي. وروى البيهقي بإسناده: [أن ابن عباس كان لا يرى بأساً أن يقول أعجل لك وتضع عني] سنن البيهقي 6/ 28. وتضعيف مسلم بن خالد الزنجي غير مسلَّم قال الذهبي عنه: ... [الإمام فقيه مكة] ثم ذكر اختلاف العلماء في توثيقه وتجريحه فقال: [قال يحيى بن معين ليس به بأس، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال ابن عدي: حسن الحديث أرجو أنه لا بأس به، وقال أبو داود: ضعيف. قلت - أي الذهبي -: بعض النقاد يرقي حديث مسلم إلى درجة الحسن] سير أعلام النبلاء 8/ 176 - 177. وسبق كلام الهيثمي أن مسلم بن خالد الزنجي قد وثق وهو شيخ الإمام الشافعي وقد روى عنه الإمام الشافعي واحتج به! قال ابن القيم بعد أن ساق الحديث: [قلت هو على شرط السنن وقد ضعفه البيهقي وإسناده ثقات وإنما ضعف بمسلم بن خالد الزنجي وهو ثقة فقيه روى عنه الشافعي واحتج به] إغاثة اللهفان 2/ 13. وبهذا يظهر لنا أن الحديث صالح للاحتجاج به. وقال هذا الفريق من أهل العلم إن مسألة ضع وتعجل تعتبر من قبيل الصلح وليس فيه مخالفة لقواعد الشرع وأصوله بل حكمة الشرع ومصالح المكلفين تقتضي أن المدين والدائن قد اتفقا وتراضيا على أن يتنازل الأول

عن الأجل والدائن عن بعض حقه فهو من قبيل الصلح والصلح جائزٌ بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً وحرم حلالاً. الربا والمعاملات المصرفية ص 237. وأجاب العلامة ابن القيم عن دعوى أن مسألة ضع وتعجل من باب الربا بقوله: [لأن هذا عكس الربا فإن الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الأجل فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل فانتفع به كل واحد منهما ولم يكن هنا ربا لا حقيقةً ولا لغةً ولا عرفاً فإن الربا الزيادة وهي منتفية ههنا والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله: إما أن تربي وإما أن تقضي، وبين قوله: عجل لي وأهب لك مائة. فأين أحدهما من الآخر؟ فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس صحيح] إعلام الموقعين 3/ 359. وقال ابن القيم أيضاً: [قالوا: وهذا ضد الربا فإن ذلك يتضمن الزيادة في الأجل والدين وذلك إضرار محض بالغريم ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين وانتفاع صاحبه بما يتعجله فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر بخلاف الربا المجمع عليه فإن ضرره لاحق بالمدين ونفعه مختص برب الدين فهذا من الربا صورة ومعنى] إغاثة اللهفان 2/ 13. وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي مسألة ضع وتعجل عند بحثه لبيع التقسيط فقد جاء في قرار المجمع ما يلي: [الحطيطة من الدين المؤجل لأجل تعجيله سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين " ضع وتعجل " جائزة شرعاً لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناءً على اتفاق مسبق وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية فإذا دخل طرف ثالث لم تجز لأنها تأخذ عندئذ حكم حسم الأوراق التجارية] مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/ 2/218. كما وأجازت هذه المسألة عدد من الهيئات العلمية الشرعية. * * *

التعامل بالشيكات

التعامل بالشيكات يقول السائل: إن معه شيك مؤجل الدفع بقيمة 680 ديناراً وأنه اشترى بضاعة من تاجر قيمتها 600 دينار وأعطاه الشيك المؤجل وطلب من التاجر أن يدفع له ما بقي من قيمة الشيك أي 80 ديناراً فما حكم ذلك؟ الجواب: لا مانع شرعاً من ذلك حيث إن التاجر أعطاك الثمانين ديناراً على أنها قرض حسن واستوثق لنفسه بأخذ الشيك حيث إن الشيك وثيقة بالدين في هذه الحالة فهذه المعاملة جائزة إن شاء الله. وأما المحظور الذي يقع فيه كثير ممن يتعاملون بالشيكات الآجلة أنهم يعطونها للتجار أو للصرافين ويأخذون أقل من المبلغ المرقوم فيها فهذا نوع من الربا حيث إن الشخص في هذه الحالة يكون قد اقترض مبلغاً من المال على أن يسدد أكثر منه. فإذا كان المبلغ المرقوم في الشيك ألف دينار مثلاً فإن التاجر أو الصراف يعطيه 950 ديناراً. وهذا ما تفعله البنوك الربوية في الإقراض حيث إنها عندما تقرض تخصم الربا (الفائدة) سلفاً. * * * التعامل بالشيكات الآجلة يقول السائل: ما قولكم في تاجر يبيع البضائع لزبائنه بشيكات مؤجلة من شهر إلى ستة أشهر ثم يقوم هذا التاجر ببيع الشيكات لأحد البنوك بأقل من قيمتها الحقيقية؟ الجواب: لا يجوز شرعاً بيع الشيكات الآجلة بأقل من قيمتها الحقيقية ويعتبر ذلك من الربا المحرم حيث إن هذه العملية عند التدقيق فيها يتبين لنا أن التاجر الذي أخذ الشيكات الآجلة من زبائنه وتساوي قيمتها مثلاً مئة ألف دينار يبيعها إلى البنك بسبعة وتسعين ألف دينار فكأن البنك أقرض التاجر سبعة وتسعين ألف دينار الآن وسوف يستوفيها مئة ألف دينار عندما يقوم الزبائن بدفع قيمة هذه الشيكات فهذا هو الربا المحرم بعينه. * * *

عقد مضاربة

عقد مضاربة يقول السائل: اتفق عدد من الأشخاص على أن يدفعوا مبلغاً من المال لشخص على أن يتاجر لهم بأنواع معينة من البضائع ولكن هذا الشخص أدخل في التجارة أنواعاً أخرى من البضائع ويتاجر بها لنفسه فما حكم تصرفه؟ الجواب: هذا الاتفاق يعتبر عقد مضاربة عند الفقهاء ويسميه بعض العلماء عقد قراض أيضاً، والمضاربة مشروعة عند أهل العلم وإن لم يرد نص صحيح صريح من الكتاب والسنة في خصوصها قال الشيخ ابن حزم: [كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة حاشا القراض فما وجدنا له أصلاً فيهما البتة ولكنه إجماع صحيح مجرد] نيل الأوطار 5/ 301. وقال ابن المنذر: [وأجمعوا على أن القراض بالدنانير والدراهم جائز] الإجماع ص 58. وقد استدل العلماء على جواز المضاربة بأدلة عامة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - واحتجوا ببعض الأحاديث والآثار في ذلك كما سأبين. قال الماوردي: [والأصل في إحلال القراض وإباحته عموم قول الله عز وجل: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) سورة البقرة الآية 198، وفي القراض ابتغاء فضل وطلب نماء] الحاوي الكبير 7/ 305. وجاء عن حكيم بن حزام صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي) رواه البيهقي والدارقطني وقوى الحافظ إسناده كما ذكر الشوكاني في نيل الأوطار 5/ 300. وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: (خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن

أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما فقالا: وددنا ذلك ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهم المال فلما قدما باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما أديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه فقال عمر: أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً فقال عمر: قد جعلته قراضاً فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال) ورواه الدارقطني أيضاً، قال الحافظ ابن حجر وإسناده صحيح، نيل الأوطار 5/ 300 وانظر الاستذكار 21/ 120. وقد وردت آثار أخرى عن الصحابة كعلي وابن مسعود وابن عباس وجابر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، قال الشوكاني: [فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير إجماعاً منهم على الجواز] نيل الأوطار 5/ 300 - 301. إذا ثبتت مشروعية المضاربة فنعود إلى ما ورد في السؤال فأقول: إذا كانت المضاربة مطلقة أي غير مقيدة بشرط يمنع المضارب من خلط ماله مع مال المضاربة فلا بأس بذلك فالمضارب في السؤال طلب منه أن يتاجر في أنواع معينة من البضائع لشركائه فأضاف هو أنواعاً أخرى لنفسه فلا بأس بذلك وعمله صحيح بشرط أن يميز ماله من مال شركائه وبشرط أن لا يعطل مال شركائه فلا يعطيه الجهد المطلوب. فإذا كان المضارب يستطيع العمل في المالين فله أن يخلط ماله بمال المضاربة، قال الحطاب من المالكية: [وللعامل أن يخلط القراض بماله إذا كان قادراً على التجر بهما وإن كان لا يقدر على التجر بأكثر من مال القراض لم يكن ذلك له] شرح الحطاب على مختصر خليل. * * *

المضارب يضارب في مالين

المضارب يضارب في مالين يقول السائل: إن المضارب في السؤال الأول بعد أن اتفق مع الشركاء ليضارب لهم بأموالهم في أنواع معينة من البضائع اتفق مع أشخاص آخرين ليتاجر لهم بنفس نوعية البضائع في المضاربة الأولى فما حكم ذلك؟ الجواب: إن هذا العامل ضارب في رأس مالين أخذهما من جهتين ومحل المضاربة نفس نوعية البضاعة وهذا العمل قد يلحق ضرراً بصاحب المال الأول ولا يجوز له أن يضارب للثاني إذا كان يلحق ضرراً بالأول قال الخرقي من الحنابلة: [وإذا ضارب لرجل لم يجز أن يضارب لآخرين إذا كان فيه ضرر على الأول] وقال الشيخ ابن قدامة موضحاً كلام الخرقي: [وجملة ذلك: أنه إذا أخذ من انسان مضاربة ثم أراد أخذ مضاربة أخرى من آخر فأذن له الأول جاز وإن لم يأذن له ولم يكن عليه ضرر جاز أيضاً بغير خلاف، وإن كان فيه ضرر على رب المال الأول ولم يأذن مثل أن يكون المال الثاني كثيراً يحتاج إلى أن يقطع زمانه ويشغله عن التجارة في الأول ويكون المال الأول كثيراً متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته لم يجز له ذلك] المغني 5/ 37. * * * المضارب يعطي مال المضاربة لغيره هل للمضارب أن يعطي مال المضاربة لغيره مضاربة؟ الجواب: الأصل أن المضارب عليه أن يتولى العمل بنفسه لأن صاحب المال ما أعطى ماله للمضارب إلا لحصول الثقة به وبخبرته في العمل فلا يجوز له أن يعطي مال المضاربة لغيره إلا أن يأذن له صاحب المال فإن أذن له في ذلك جاز وهذا مذهب جمهور الفقهاء. قال الشيخ المرداوي: [ليس للمضارب دفع مال المضاربة لآخر من غير إذن رب المال على الصحيح] الإنصاف 2/ 438. * * *

المضارب لا يضمن مال المضاربة

المضارب لا يضمن مال المضاربة هل يضمن المضارب مال المضاربة؟ الجواب: المضاربة شركة تقوم على العمل من العامل والمال من صاحب المال ومن المعلوم أن الربح يكون بينهما بحسب ما يتفقان عليه والخسارة تكون على صاحب المال والعامل يخسر جهده وعمله ولا يجوز أن يضمن العامل رأس المال إلا إذا قصر أو تعدى وأما بدون حصول تقصير أو تعدٍ فهو غير ضامن لأن المضاربة مبنية على الأمانة والوكالة والمضارب فيها وكيل عن صاحب المال ويكون المال أمانة في يده عند قبضه أما إذا تعدى كأن يكون صاحب المال شرط عليه أن يتاجر مثلاً في المواد الغذائية فتاجر في الحيوانات فماتت فهو ضامن، وكذلك فإنه يضمن بالتقصير كأن يسرق مال المضاربة لأن العامل لم يأخذ بالأسباب التي تحافظ عليه وهكذا. ولا يجوز أن يشترط في عقد المضاربة أن يضمن العامل رأس مال المضاربة. وعلى العامل أن يلتزم بالشروط التي يفرضها صاحب المال لأن صاحب المال أدرى بما يحفظ ماله وقد كان الصحابة والتابعون يشترطون ما يرونه مناسباً لحفظ أموالهم كما سبق عن حكيم بن حزام صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي) رواه البيهقي والدارقطني وقوى الحافظ إسناده كما سبق. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالاً مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحراً ولا ينزل به وادياً ولا يشتري به ذات كبد رطبة فإن فعل فهو ضامن فرفع شرطه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجازه) رواه البيهقي في سننه 6/ 111 وفيه ضعف.

بيع العينة وبيع التورق

وقد جاء في فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي ما يلي: السؤال: هناك أموال أيتام يريدون استثمارها في المضاربة الشرعية وقد اشترطت الجهة القائمة على هذه الأموال ضمان هذه الأموال خوفاً عليها من الخسارة فهل يجوز ضمان هذه الأموال عن طريق إصدار خطاب ضمان يضمن فيها أموال اليتامى وهل يمكن اعتبارها إذا صح المخرج عن طريق خطاب الضمان كأمانة ترد كما هي ربحت المضاربة أم خسرت؟ الجواب: بحثت الهيئة مسألة ضمان أموال الأيتام المستثمرة ورأت أنه لا يجوز شرعاً ضمان المال المستثمر بقصد الربح لأن الاستثمار في الإسلام يقوم على أساس الغرم بالغنم فالضمان المطلوب بهذه الصورة لا أساس له شرعاً وإنما يجب اتخاذ الحيطة والحذر لذلك باختيار المضارب الثقة الأمين المتمسك بدينه مع الأخذ بالأساليب العلمية في الاستثمار من دراسة السوق ودراسة الجدوى الاقتصادية والمتابعة والتقييم لكل الخطوات التنفيذية وغير ذلك مما تتطلبه أساليب الاستثمار السليمة. * * * بيع العينة وبيع التورق يقول السائل: ما هو بيع العينة الذي ورد ذكره في الحديث وما الفرق بينه وبين التورق؟ الجواب: ورد في الحديث عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) رواه أبو داود والبيهقي وأحمد قال الحافظ ابن حجر: [رجاله ثقات وصححه ابن القطان] بلوغ المرام ص 172. وصححه الشيخ العلامة الألباني في غاية المرام ص 121 وفي السلسلة الصحيحة 1/ 15. وبيع العينة هو أن يبيع شخص شيئاً

لغيره بثمن مؤجل ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر وهذه أشهر صور بيع العينة فمثلاً اشترى زيد سيارة من عمرو بمبلغ إثني عشر ألف دينار مؤجلة ثم باع زيد السيارة إلى عمرو بمبلغ عشرة آلاف دينار حالة فهنا دخلت السيارة في عملية البيع وليست مقصودة بالبيع لأن السيارة عادت إلىصاحبها فوراً وإنما المقصود النقود " العين " وهذه العملية تعتبر رباً حيث إن زيداً قد اقترض عشرة آلاف وسيقوم بتسديد اثني عشر ألفاً. فالعينة قرض ربوي مستتر تحت صورة البيع وبناء على كونها رباً قال جمهور أهل العلم بتحريم بيع العينة. انظر نيل الأوطار 5/ 234، شرح ابن القيم على مختصر سنن أبي داود 9/ 241 فما بعدها، الموسوعة الفقهية 9/ 69. وقد ساق العلامة ابن القيم أدلة كثيرة على تحريم العينة منها عن ابن عباس: (أنه سئل عن العينة يعني بيع الحريرة؟ فقال: إن الله لا يُخدع، هذا مما حرم الله ورسوله) وقال ابن القيم: وهذا في حكم المرفوع اتفاقاً عند أهل العلم. وعن امرأة أبي إسحق قالت: [(دخلت على عائشة في نسوة فقالت: ما حاجتكن؟ فكان أول من سألها أم محبة فقالت: يا أم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم. قالت: فإني بعته جارية لي بثمانمائة درهم إلى العطاء وإنه أراد أن يبيعها فابتعتها بستمائة درهم نقداً. فأقبلت عليها وهي غضبى فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب. وأفحمت صاحبتنا فلم تتكلم طويلاً ثم إنه سهل عنها فقالت: يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ فتلت عليها: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) فلولا أن عند أم المؤمنين علماً لا تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا بالاجتهاد ولا سيما إن كانت قد قصدت أن العمل يحبط بالردة وأن استحلال الربا كفر وهذا منه ولكن زيداً معذور لأنه لم يعلم أن هذا محرم ولهذا قالت أبلغيه.

ويحتمل أن تكون قد قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد فيصير بمنزلة من عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئاً. وعلى التقديرين لجزم أم المؤمنين بهذا دليل على أنه لا يسوغ فيه الاجتهاد ولو كانت هذه من مسائل الاجتهاد والنزاع بين الصحابة لم تطلق عائشة ذلك على زيد فإن الحسنات لا تبطل بمسائل الاجتهاد] شرح ابن القيم على مختصر أبي داود 9/ 246. ثم ذكر ابن القيم أدلة أخرى على تحريم بيع العينة. وأما التورق فهو أن يشتري شخص سلعة إلى أجل ثم يبيعها لغير البائع بأقل مما اشتراها نقداً ليحصل بذلك على النقد فمثلاً اشترى زيد ثلاجة بستة آلاف مؤجلة واستلم الثلاجة من البائع وباعها إلى شخص آخر بخمسة آلاف نقداً فهذا هو التورق. انظر الموسوعة الفقهية 14/ 147، الجامع في أصول الربا ص 174. وهذه المعاملة جائزة عند جمهور أهل العلم وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بكراهة هذه المعاملة ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: [التورق أخية الربا] مجموع الفتاوى 29/ 303، وقال العلامة مصطفى الزرقا: [إن هذه المسألة التي سألتم عنها تسمى عند الفقهاء " مسألة التورق " لأن مشتري البضاعة لا يريد البضاعة لذاتها وإنما يريد الرقة أو الورق وهي الفضة أي: مقصوده الدراهم "وحكمها الشرعي في رأي العلماء أنها إذا كانت نتيجة تواطؤ " تفاهم مسبق " بين المشتري والتاجر البائع على أن يعيد بيعها للبائع بسعر أقل نقداً " وقد كان اشتراها منه بسعر أعلى مؤجلاً " فذلك غير جائز شرعاً، لأنه كالمراباة الصريحة - وهذه هي العينة - أما إذا كان المحتاج إلى النقود " ولا يجد من يقرضه قرضاً حسناً " قد ذهب من تلقاء نفسه إلى السوق، فاشترى بضاعة بثمن مؤجل، ثم باعها بدون سابق تواطؤ نقداً بسعر أقل، لكي يحصل على

حقوق الطبع والنشر

الدراهم التي هي حاجته دون أن يلجأ إلى الاقتراض بالربا، فلا مانع منه شرعاً، بل يعتبر حسن تصرف منه كيلا يقع في المراباة والله سبحانه أعلم] فتاوى العلامة مصطفى الزرقا ص 496. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين بعد أن ذكر خلاف العلماء في المسألة: [لكن أرى أنها حلال بشروط هي: الشرط الأول: أن يتعذر القرض أو السلم أي أن يتعذر الحصول على المال بطريق مباح والقرض في وقتنا الحاضر الغالب أنه متعذر ... الشرط الثاني: أن يكون محتاجاً لذلك حاجة بينة. الشرط الثالث: أن تكون السلعة عند البائع فإن لم تكن عند البائع فقد باع مالم يدخل في ضمانه وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن بيع السلع في مكان شرائها حتى ينقلها التاجر إلى رحله) - متفق عليه - فهذا من باب أولى لأنها ليست عنده فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة فأرجو أن لا يكون بها بأس لأن الإنسان قد يضطر أحياناً لهذه المعاملات] الشرح الممتع على على زاد المستقنع 8/ 232 - 233. وخلاصة الأمر أن التورق جائز عند توفر الشروط السابقة. * * * حقوق الطبع والنشر يقول السائل: كثيراً ما نقرأ على الكتب عبارة تقول: [حقوق الطبع محفوظة للمؤلف] فهل يجوز للمؤلف أو للناشر أن يحتفظ بحقوق الطبع ولا يسمح لغيره بنشر الكتاب وهل يعتبر المنع من باب كتمان العلم؟ الجواب: إن مسألة حقوق الطبع والنشر وحقوق التأليف والترجمة ونحو ذلك من المنافع المعتبرة شرعاً على الصحيح من أقوال أهل العلم المعاصرين حيث إن هذه الأمور لم تكن معروفة عند فقهائنا المتقدمين وإنما عرفت في العصر الحديث وصارت هذه الحقوق محمية بموجب القانون في الدول الغربية.

وقد بحث الفقهاء المعاصرون هذه المسألة بتوسع في الآونة الأخيرة وصدرت فيها فتاوى وبحوث علمية موثقة وقد ذهب أكثر العلماء المعاصرين إلى اعتبار هذه الحقوق مصونة شرعاً ويجوز شرعاً لأصحابها التصرف فيها بالبيع والشراء ولا يجوز الاعتداء على هذه الحقوق فيجوز للمؤلف أن يحتفظ بحق الطبع لنفسه كما يجوز له أن يبيع حقه هذا لصاحب دار نشر ولا يجوز لأحد أن يقوم بطبع كتاب ما لم يأذن مؤلفه أو ناشره إذا شرطا حقوق الطبع لنفسيهما وأما إذا أباحا ذلك للناس فلا بأس بطبعه ونشره كما يفعل بعض أهل العلم عندما يكتبون على كتبهم يجوز نشره لمن أراد توزيعه مجاناً ويدل على جواز ذلك ما يلي: 1. إن المنافع تعتبر أموالاً عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وهي من الأمور المعنوية ولا ريب أن الإنتاج الذهني يمثل منفعة من منافع الإنسان فيعد مالاً تجوز المعاوضة عنه شرعاً. والمراد بالمنافع: هي ما يستفاد من الأعيان: كسكنى الدار وركوب السيارة ويدل على كونها مالاً أن طبع الإنسان يميل إليها كالأعيان فيسعى إلى اقتنائها ولأن العرف العام في الأسواق يعتبرها أموالاً ولأن الشارع اعتبرها أموالاً بدليل قوله تعالى على لسان شعيب عليه السلام لموسى عليه السلام: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) فالشارع أجاز أن يكون عمل الإنسان " المنفعة مهراً والأصل في المهر أن يكون مالاً بدليل قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) فتكون المنفعة مالاً. 2. أن العرف العام جرى على اعتبار حق المؤلف في تأليفه وإبداعه، فأقر التعويض عنه والجائزة عليه ولو كان هذا الحق لا يصلح محلاً للتبادل والكسب الحلال لعدت الجائزة والتعويض عنه كسباً محرماً. ومن المعلوم أن العرف العام يعد مصدراً من مصادر التشريع إذا لم يتصادم مع نص شرعي أو أصل عام في الشريعة الإسلامية كما أن العرف له دخل كبير في

مالية الأشياء كما قال السيوطي: لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه وإن قلَّت وما لا يطرحه الناس. ومفاد هذا أن العرف هو أساس مالية الأشياء لقوله: لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة، أي بين الناس عرفاً بحيث أضحى محلاً للمعاوضة، يباع بها، ومن المقرر أن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي. 3. إن الشريعة الإسلامية حرمت انتحال الرجل قولاً لغيره أو إسناده إلى غير من صدر منه وقضت بضرورة نسبة القول إلى قائله والفكرة إلى صاحبها لينال هو دون غيره أجر ما قد تنطوي عليه من الخير أو يتحمل وزر ما قد تجره من شر فقد روي عن الإمام أحمد: أنه امتنع عن الإقدام على الاستفادة بالنقل أو الكتابة عن مقال أو مؤلف عرف صاحبه إلا بعد الاستئذان منه فقد روى الغزالي أن الإمام أحمد سئل عمن سقطت منه ورقة كتب فيها أحاديث أو نحوها أيجوز لمن وجدها أن يكتب منها ثم يردها؟ قال: لا، بل يستأذن ثم يكتب. 4. إذا كان المؤلف مسؤولاً عما يكتبه ويتلفظ به ويحاسب عليه بدليل قوله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفع الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) فيكون له الحق فيما أبدعه من خير عملاً بقاعدة: الغنم بالغرم، وقاعدة: الخراج بالضمان. 5. الإبداع الذهني أصل للوسائل المادية من سيارة وطائرة ومذياع وغير ذلك مما له صفة المالية فلا بد من اعتبار الأصل له صفة المالية. 6. التخريج على قاعدة: المصالح المراسلة، في ميدان الحقوق الخاصة ويتحقق ذلك من جهتين كما قال الدريني: أ. من ناحية كونه ملكاً منصباً على مال: أي كونه حقاً عينياً مالياً إذ المصلحة فيه خاصة عائدة إلى المؤلف أولاً وإلى الناشر والموزع ومن إليهما وهذا ظاهر في كونه حقاً خاصاً مالياً.

ب. أن فيه مصلحة عامة مؤكدة راجعة إلى المجتمع الإنساني كله وهي الانتفاع بما فيه من قيم فكرية ذات أثر بالغ في شتى شؤون الحياة وهو بهذه المثابة حق من حقوق الله تعالى لشمول نفعه وعظيم خطره. والمصلحة المرسلة بنوعيها مرعية في الدين تبنى عليها الأحكام لأنها من مباني العدل والحق وعلى هذا فالإنتاج الفكري ملك لأن الحكم الشرعي المقدر وجوده فيه نهضت به المصلحة المرسلة والعرف] المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي ص 57 - 60. إذا تقرر هذا فإنه من المعلوم أن الكتاب بعد أن كان عبارة عن خط على ورق أو على رق أصبح هناك طباعة والطباعة معناها أن طابع الكتاب يربح في الكتاب ويأتي الناشر فيربح من الكتاب ثم يأتي الذي يبيع الكتاب صاحب المكتبة ويربح في الكتاب 30% مثلاً فهذه هي المراحل التي يمر بها الكتاب والكتاب لا يمكن أن يوجد إلا بها وقيمة الكتاب التي من أجلها دفع المشتري ليست في الورق ولا في أي شيء إلا فيما يحويه فعندما نجعل الأصل لاغياً لا قيمة له وأن البقية لها قيمتها أظن أن هذا غير صحيح وأنه قلب للأوضاع وأنه إرادة تسليط الأحكام كما كان الأمر يوم كان الكتاب نسخة واحدة على حالة جديدة لا تتفق مع الماضي] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 3 ص 2538. وقال الشيخ العلامة القرضاوي: [ ... قياس هذا الأمر على ما اختلف فيه من قضية الأذان والإمامة والخطابة والوعظ والتدريس فهذه قد اختلف فيها من قبل وكثير ممن منعوها قديماً أجازوها في العصور المتأخرة منهم الحنفية فأئمة المذهب ومشايخه السابقون منعوها ثم جاء المتأخرون فأجازوها حفظاً لمصلحة المسلمين وهذه شبيهة بها هي أشبه شيء بها تماماً وكما قال الأخوة إننا نحن الآن نعمل في الجامعات ونعلم أبناء المسلين العلوم الشرعية ونتقاضى على ذلك رواتب وأجوراً فهذه من هذه وأذكر ها هنا كلمة للإمام أبي محمد بن أبي زيد القيرواني صاحب الرسالة حينما اتخذ في بيته كلباً للحراسة فقيل له: أتتخذ كلباً وقد كرهه مالك؟ فقال لو كان مالك في زماننا لاتخذ أسداً ضارياً. فنحن في زمن غير زمن مالك وغير

زمن ابن حنبل والذين قالوا كيف تأخذون حقوق التأليف وذهبوا وأخذوا كتبنا وربحوا فيها واستفادوا منها لو كانوا يوزعونها مجاناً فهذا معقول! وأنا فعلاً إذا كان هناك جمعية خيرية أو انسان يريد أن يتبرع بطبع كتاب ونشره فأرى أنه لا يجوز لإنسان أن يأخذ حقاً عليه في هذه الحالة أما وقد دخل دائرة الإجارة فهنا للمؤلف حق خصوصاً أن كثيراً من الناس يعيشون على مثل هذا الأمر] المصدر السابق عدد 5 ج 3 ص 2542. وأما الادعاء بأن الاحتفاظ بحقوق الطبع والتأليف يعد كتماناً للعلم وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك في الحديث: (من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) رواه ابن حبان والحاكم وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب ص 52. فالجواب أن هذه الدعوى غير مسلمة فالمؤلف لا يكتم العلم بل هو ينشره وخاصة أن الحديث منصوص العلة وهو " الكتمان " لا " المعارضة " بقوله عليه الصلاة والسلام: (من كتم علماً ... ) وما نحن فيه ليس فيه كتمان بل فيه نشر وتوزيع وإذا انتفت العلة في المعاوضة انتفى الحكم وهو التحريم. وإذا لوحظ أن هذا العالم أو الباحث قد وقف حياته كلها على هذا الجهد فكيف تستقيم حياته إذا حرم من حقه فيه؟ أيعيش على الصدقات وما تجود به أنفس المحسنين؟ وحقه في عمله ثابت له شرعاً؟ على أنا رأينا الفقهاء الأعلام يقومون جهود الحيوانات لأصحابها ومنافع الهوام والحشرات والديدان وأصوات الببغاوات وتغريد البلابل ومنفعة الكلاب في الحراسة أفلا يكون للجهد العقلي الإنساني المبتكر - في منطق هذا الفقه - مكان في هذا التقويم الشرعي!؟ الشرع الإسلامي عدل كله ومعقول المعاني والمقاصد فثبتت المالية للابتكار الذهني بالأقيسة الأولوية. ألم يجز الرسول - صلى الله عليه وسلم - جعل تعليم بعض آيات القرآن الكريم مهراً ومعلوم أن المهر لا يكون إلا مالاً فثبت أن التعليم " يقوّم بالمال شرعاً بدليل جعله مهراً وعوضاً وتعليم القرآن الكريم طاعة بلا ريب وهو جهد محدود لا

حكم مسابقة من سيربح المليون

يعدو أن يكون مجرد ترديد لآيات من القرآن الكريم ممن يحفظها ويتلوها تعليماً أو تحفيظاً لغيره فلا يرقى مثل هذا الجهد إلى مستوى الجهد العقلي للعلماء بالبداهة بما يتسم به من الابتكار الذي هو مظهر الثقافة الواسعة والتعمق الفكري بل لا سبيل إلى المقارنة بينهما فإذا كان التعليم جهداً مقوماً بالمال فالإنتاج المبتكر من باب أولى] بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي 2/ 72 - 73. وخلاصة الأمر أن حقوق التأليف مصونة شرعاً ولأصحابها حق التصرف فيها ولا يجوز الاعتداء عليها كما ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي. انظر مجلة المجمع المذكور عدد5 ج 3 ص2581. * * * حكم مسابقة من سيربح المليون يقول السائل: ما قولكم في مسابقة من سيربح المليون التي تبثها إحدى المحطات الفضائية؟ الجواب: إن من آفات الأمة الإسلامية أنها تحاكي وتقلد غيرها من الأمم في كثير من الأمور وليت هذه المحاكاة وهذا التقليد كان في الأمور النافعات ولكن ومع الأسف الشديد فمعظم هذا التقليد يقع في أتفه الأمور وذميم الخصال والفعال وصدق الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قيل يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: (السنن بفتح السين والنون وهو الطريق والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -) شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 167.

ومن هذا التقليد الأعمى للغربيين تقليدهم في هذه المسابقات التافهة المتعددة في الأشكال والألوان التي تزخر بها برامج محطات الإفساد الفضائية. فهناك مسابقات ثقافية كما يزعمون تطرح فيها أسئلة تافهة مثل: أسماء الممثلين والمطربين وعناوين الأغنيات والأفلام وغير ذلك من التفاهات التي يعتبر الجهل بها خير من العلم بها. ويضاف إلى ذلك المناظر السيئة التي تظهر فيها المذيعات والمقدمات لأمثال هذه المسابقات. والمسابقات أصبحت ظاهرة منتشرة في المحطات الفضائية وكذلك لدى أصحاب المصانع والشركات الذين يروجون لبضائعهم بطرق يغلب عليها القمار المغطى باسم الجوائز. ومن ذلك مسابقة من سيربح المليون أو مسابقة كنز الأحلام أو هل تريد أن تصبح مليونيراً أو نحو ذلك من الأسماء البراقة وهذه المسابقات تقوم على فكرة الحظ. فمثلاً في مسابقة كنز الأحلام ألوف الناس يتصلون بالأرقام الهاتفية المعلن عنها ويدفعون الملايين وقلة قليلة تفوز منهم اعتماداً على الحظ. فالشركات والمحطات التي تنظم هذه المسابقات تحقق أموالاً طائلة نتيجة هذه الاتصالات وتعطي الشيء القليل منها كجوائز وإن كان مبلغ الجائزة في نظر كثير من الناس كبير جداً كمليون ولكنهم قد جمعوا من الناس ملايين ويظهر لي أن هذا نوع من القمار والقمار من المحرمات بنص كتاب الله تعالى، يقول الله جل جلاله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة المائدة الآية 90. وينبغي أن يعلم الناس أن المكالمات الهاتفية في هذه المسابقات

تكلف أكثر بكثير من المكالمات العادية وأن الشركات المنظمة لهذه المسابقات تتفق مع شركات الاتصالات على رفع أسعار المكالمات التي تتم على الأرقام المعلن عنها. فلذلك تحقق الجهات المنظمة للمسابقات مبالغ طائلة نتيجة الاتصالات الكثيرة ومن هذه المبالغ الضخمة التي يحصلون عليها تدفع الجوائز. ويضاف إلى ذلك أن مسابقة من سيربح المليون مشتملة على أسئلة وأجوبة وكلما أجاب المتسابق على سؤال زاد رصيده في الجائزة وهكذا وأقول إن هذه مقامرة صريحة لأن المتسابق عندما يجيب على السؤال الأول يعطى مئة ريال مثلاً فهذه المئة ريال تصبح من حق المتسابق ويستطيع أن ينسحب من المسابقة ويأخذها، فعندما يسئل السؤال الثاني فإنه يقامر على المبلغ الأول، فإذا أجاب عن السؤال الثاني يتضاعف المبلغ ليصبح مئتي ريال مثلاً وإذا لم يجب الجواب الصحيح فإنه يخسر المئتين وهكذا يتكرر الموقف في كل سؤال وجواب فهذه مقامرة واضحة. وقد صدرت عدة فتاوى من عدد من العلماء والهيئات العلمية في تحريم هذه المسابقات وأمثالها، منها ما صدر عن لجنة الفتوى في موقع " إسلام أون لاين " على الإنترنت ونص السؤال هو: [هل المال الذي يربحه المتسابقون في المسابقات التلفزيونية عبر الهاتف حلال أم حرام؟ الجواب: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد السائل الكريم: المسابقات في الأصل حلال لأنها استنهاض لهمة المشاركين، شريطة أن تكون في أمور نافعة، لا في أسئلة عن أفلام هذا الممثل والدور الذي أدته الممثلة في مسرحية ما، فهذا كله مبني على ما الجهل به خير. عموماً هناك بعض الضوابط التي يجب أن نأخذ بها حتى نبتعد بمسابقتنا عن القمار وهي كالتالي: أولاً: ألا يتم الاتفاق بين الهيئة المنظمة وإحدى شركات الاتصال ... (وهذا غالباً ما يحدث) على إجراء مثل هذه المسابقات على أن يكون المال

الوارد من المكالمات بينهما بعد أخذ ثمن الجائزة منه فهذا أقرب ما يكون إلى الميسر. ثانياً: أن تكون المسابقات بين أفراد لا يدفعون مالاً للاشتراك فيها بطريقة أو بأخرى كزيادة سعر المكالمة إن كانت وسيلة الاشتراك الاتصال الهاتفي. ثالثاً: أن تكون في أمور نافعة لا في أسئلة عن أفلام هذا الممثل والدور الذي أدته الممثلة في مسرحية ما فهذا كله مبني على ما الجهل به خير. رابعاً: ألا تقوم: على ابتزاز أموال الجمهور المشارك فتؤدي إلى الشره في الاستهلاك أملاً في الحصول على جائزة باهظة القيمة. وخلاصة القول: شراء الجوائز من أموال المشتركين في المسابقات المختلفة أو تقسيم أموال المشتركين بين الهيئة المنظمة وإحدى شركات الاتصالات ووجود جوائز باهظة تؤدي إلى الشره في الاستهلاك فلكل هذه الأسباب نقول: إن مثل هذه المسابقات هي أقرب للميسر من كونها مسابقات شريفة لغرض نبيل. وأنت تستطيع من خلال معرفة سير إجراءات المسابقات المختلفة والاستعانة بالضوابط السابقة للحكم على نوعية المسابقة]. ومن الفتاوى الصادرة في هذه المسابقات فتوى الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وكان نص السؤال هو [ما هو الحكم في المسابقات المليونية أو ما دون المليون عبر الهواتف الدولية والمحلية؟ الجواب: هذه المسابقات التي يشترك فيها الناس عن طريق الاتصال بالهواتف المحلية أو الدولية على أمل أن يربحوا المليون أو ما دون المليون ثم تكون النتيجة أن الملايين منهم يخسرون أجرة الاتصالات الهاتفية التي يدفعونها لشركات الهاتف وتتقاسمها مع منظمي المسابقة ولا يحصلون في النهاية إلا على الريح.

هذه المسابقات ليست إلا لوناً من ألوان القمار - أو الميسر بلغة القرآن - تدخله الملايين الطامعة في المليون أو ما دونه بما تدفعه للهاتف على احتمال أن تربح أو تخسر ثم تخسر الأغلبية الساحقة، ويكسب واحد في المليون أو في كل عدة ملايين. صحيح أنه لا يخسر مبلغاً كبيراً ولكن العبرة بالمبدأ وليس بحجم الخسارة المهم أنه دخل العملية مقامراً لعله يكسب ويصبح مليونيراً في لحظة. والإسلام يحرم القمار أو الميسر تحريماً باتاً ويقرنه بالخمر في كتاب الله، ويجعله - مع الخمر والأنصاب والأزلام - رجساً من عمل الشيطان مما يدل على أنه من كبائر المحرمات لا من صغائرها وما ذلك إلا ليحمي الناس من التعلق بالأوهام والأحلام الزائفة، التي تبنى على غير أساس والإسلام لا يمنع أن يكسب الإنسان المال، ضمن شبكة الأسباب والمسببات، ووفق سنن الله في الكون والمجتمع، والأصل في هذه السنن أن يكسب الإنسان المال بكد اليمين وعرق الجبين وإعمال الفكر وإجهاد الجسم ومواصلة الليل بالنهار حتى يحقق الآمال. أما أن ينام على أذنه ويغرق في الأحلام ويحصل الثروة عن طريق ... (ضربة حظ) تواتيه، فليس هذا من هدي الإسلام، ولا من نهج الإسلام، ولا من خلق المسلمين. ثم إن هذه الشركات التي تنظم هذه المسابقات وأمثالها تجمع من الناس أضعاف ما تدفع لهم لأنهم أعداد كبيرة فهي - من ناحية أخرى - تأكل أموال الناس بالباطل، أي هي - بصريح العبارة - عملية سرقة مقنعة ومغلفة بالمسابقة. ومما يؤسف له أن يشيع في مجتمعاتنا المسلمة هذا النوع من المسابقات وجوائز السحب الكبرى وألوان اليانصيب ونحوها مما ينكره الإسلام ويحرمه وينشئ شبابنا المسلم على هذه التطلعات غير المشروعة ليسبح في غير ماء ويطير بغير جناح وقد حذر سيدنا علي - رضي الله عنه -

خيانة الأمانة في المال

قديماً من ذلك ابنه الحسن في وصية له إذ قال: وإياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى (أي الحمقى) وقال الشاعر: ولا تكن عبد المنى ... فالمنى رؤوس أموال المفاليس!]. * * * خيانة الأمانة في المال يقول السائل: إنه يعمل أمين صندوق لدى إحدى الجمعيات الخيرية وأنه أخذ مبلغاً من المال من صندوق الجمعية لنفسه خفية ثم رده بعد مدة فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يجوز للإنسان أن يتصرف في الأموال الموجودة تحت تصرفه بحكم عمله ووظيفته في أموره الشخصية وأخذك للمال من صندوق الجمعية التي تعمل فيها حرام شرعاً ويعتبر خيانة للأمانة وإن نويت رد المال ورددته فعلاً فهذا لا يعفيك من المسؤولية فأنت خائن للأمانة وقد وقعت في الحرام فقد استعملت مال غيرك بطريقة غير مشروعة وهذا ظلم واضح والظلم ظلمات يوم القيامة يقول الله تعالى: (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة إبراهيم الآية 22. وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرً) سورة النساء الآية 10. وصح في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع: (إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم) رواه البخاري ومسلم. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 180.

الأموال التي تدفع لذوي الشهداء تجري مجرى الدية

وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد والبيهقي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 279. وعلى من وقع منه هذا الظلم أن يبادر إلى التوبة الصادقة وإن من شروطها أن يعيد الحقوق إلى أصحابها قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة النور الآية 31. وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) سورة التحريم الآية 8. وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... (من كانت له مظلمة لأخيه أو شيء فليتحلله قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) رواه مسلم، والشاة الجلحاء هي التي لا قرن لها. * * * الأموال التي تدفع لذوي الشهداء تجري مجرى الدية يقول السائل: إن له أخاً قد استشهد وأن أموالاً دفعت لهم بعد استشهاده فكيف توزع هذه الأموال علماً أن لأخيه الشهيد زوجة وأطفالاً وأباً وأماً وإخوة وأخوات؟ الجواب: من المعروف عند العلماء أن ما يتركه الميت بعد وفاته يوزع على ورثته حسب التوزيع الشرعي الثابت في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ولما كانت هذه الأموال قد دفعت لذوي الشهيد بعد استشهاده فأرى أن تقاس على دية المقتول حيث إن دية المقتول تدفع بعد موته وقد دلت السنة النبوية على أن دية المقتول توزع على ورثته فالدية موروثة كسائر الأموال التي كان يملكها القتيل حال حياته يرثه فيها ورثته حسب نصيبهم الشرعي.

إعادة المال لأصحابه عند انتفاء الغرض من جمعه

فقد ورد عن سعيد بن المسيب أن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: [الدية على العاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه أن ورّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم. قال الإمام الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم] وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 61. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قضى أن العقل - أي الدية - ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 98. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: (جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدية على عاقلة القاتلة فقالت عاقلة المقتولة: يا رسول الله ميراثها لنا. قال: لا. ميراثها لزوجها وولدها) رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن ... ابن ماجة 2/ 99. فهذه الأحاديث تدل على أن الدية موروثة كسائر الأموال، قال الإمام البغوي بعد أن ذكر حديث توريث امرأة أشيم الضبابي من ديته: [وفيه دليل على أن الدية تجب للمقتول ثم تنتقل منه إلى ورثته كسائر أملاكه وهذا قول أكثر أهل العلم] شرح السنة 8/ 372. وخلاصة الأمر أن الذي يظهر لي أن الأموال التي تدفع باسم الشهيد توزع على ورثته التوزيع الشرعي قياساً على دية المقتول. * * * إعادة المال لأصحابه عند انتفاء الغرض من جمعه يقول السائل: جمع رجل مالاً من أقربائه ومن أهل الخير ليدفع دية ولكن أولياء المقتول عفوا وسامحوا ولم يأخذوا شيئاً من المال، فهل يجوز لهذا الشخص أن يتصرف بهذا المال لنفسه.

الهدية تهدى وتباع

الجواب: بما أن هذا الشخص قد جمع المال من أهل الخير وأقربائه ليدفع الدية وقد عفا مستحقوها فإن عليه أن يعيد هذا المال إلى الناس الذين جمعه منهم ولا يجوز له أن يتصرف فيه لنفسه لأنه جمع المال لغرض معين وقد زال هذا الغرض فعليه أن يعيد المال لأصحابه وإن لم يفعل فيكون قد أكل هذا المال بالباطل والله سبحانه وتعالى يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) سورة النساء الآية 29. * * * الهدية تهدى وتباع يقول السائل: هل يصح ما يقوله بعض الناس أن الهدية لا تهدى ولا تباع؟ الجواب: الهدية ما يتحف الإنسان به غيره على سبيل التودد والإعظام كما قال تعالى في قصة ملكة سبأ: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) سورة النمل الآية 35. ويقرب من معنى الهدية الهبة. والتهادي مشروع وقد دلت على ذلك كثير من الأدلة فمن ذلك ما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية ويثيب عليها) رواه البخاري. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو أهديت إليَّ ذراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت) رواه البخاري، والكراع ما دون الركبة إلى الساق من نحو شاة أو بقرة. وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تهادوا فإن الهدية تذهب الضغائن) رواه الترمذي وصحح الجزري إسناده. المرقاة 6/ 215. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تهادوا تحابوا) رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في السنن وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 6/ 44.

وعن عائشة: (أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رواه البخاري. وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إقطاً وسمناً وأضباً فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الإقط والسمن وترك الأضب تقذراً، قال ابن عباس: فأكل على مائدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو كان حراماً ما أكل على مائدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رواه البخاري. قال الحافظ ابن عبد البر: [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية وندب أمته إليها وفيه الأسوة الحسنة به - صلى الله عليه وسلم - ومن فضل الهدية مع اتباع السنة أنها تورث المودة وتذهب العداوة على ما جاء في حديث مالك وغيره مما في معناه ... عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدور) ولقد أحسن القائل: هدايا الناس بعضهم لبعض تولد في قلوبهم الوصلا وتزرع في الضمير هوى ووداً وتكسوهم إذا حضروا جمالاً] فتح المالك بتبويب التمهيد على موطأ مالك 9/ 358 - 359. إذا تقرر هذا فنعود إلى العبارة المتداولة بين الناس وهي قولهم " الهدية لا تباع ولا توهب " أو " الهدية لا تهدى ولا تباع "، فهذه العبارة غير صححية شرعاً لأن الهدية إذا استقرت في ملك المهدى له فقد صار حرّ التصرف فيها فيجوز له أن يتصرف بها كما يتصرف في حرّ ماله فله أن يبيعها أو يهديها لغيره أو يتصدق بها ونحو ذلك من التصرفات. ومما يدل على جواز تصرف المهدى إليه في الهدية بجميع أنواع التصرفات الشرعية ما ورد في الحديث عن أنس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بلحم تصدق به على بريرة - وهي مولاة عائشة - فقال: هو عليها صدقة وهو لنا هدية) رواه البخاري ومسلم. وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه يؤخذ من الحديث أن الهدية تملك بوضعها في بيت المهدى له ولا يحتاج إلى التصريح بالقبول وأن لمن تصدق عليه بصدقة أن يتصرف فيها بما يشاء. فتح الباري 11/ 334.

وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه لهذا الحديث بقوله " باب إذا تحولت الصدقة " وقال الإمام العيني في شرحه لعنوان الباب: [أي هذا باب يذكر فيه إذا تحولت الصدقة يعني إذا خرجت من كونها صدقة بأن دخلت في ملك المتصدق عليه] عمدة القاري 6/ 550. وذكر الإمام البخاري حديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قال: ... (دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة رضي الله عنها فقال: هل عندكم شيء؟ فقالت: لا إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة - وهي أم عطية - من الشاة التي بعثت بها من الصدقة. فقال: إنها قد بلغت محلها). قال الإمام العيني: [وفيه - أي الحديث السابق - دليل على تحويل الصدقة إلى هدية لأنه لما كان يجوز التصرف للمتصدق عليه فيها بالبيع والهبة لصحة ملكه لها حكم لها بحكم الهبة] عمدة القاري 6/ 551. وبناء على ما سبق فيجوز لمن أهدي إليه شيء أن يتصرف فيه كيفما شاء ولا حرج عليه في ذلك. * * *

الأسرة والمجتمع

الأسرة والمجتمع

خطبة النكاح

خُطبة النكاح يقول السائل: هل من السنة أن تُلقى خُطبة عند عقد النكاح أفيدونا؟ الجواب: خُطبة النكاح بضم الخاء غير الخِطبة بكسر الخاء فالأولى هي الكلام الذي يقال عند العقد والثانية هي مقدمة لعقد النكاح وخُطبة النكاح من مستحبات عقد النكاح عند أكثر أهل العلم وإن تم العقد بدون خطبة فالنكاح جائز ولا بأس به ولكن اتباع السنة أولى وأحسن. قال الإمام أبو داود في سننه: [باب في خطبة النكاح] ثم روى بإسناده عن عبد الله بن مسعود في خطبة الحاجة في النكاح وغيره قال: (علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة الحاجة إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). وهو حديث صحيح رواه أيضاً الترمذي وابن ماجة وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابي داود 2/ 398. وقال الشيخ الألباني: [وهذه الزيادة (في النكاح وغيره) هي لأبي داود من طريق سفيان عن أبي إسحاق وظاهرها أنها من قول ابن مسعود لكن خالف شعبة فجعلها من قول أبي إسحاق حيث قال قلت لأبي إسحاق هذه في خطبة النكاح أو في غيرها؟ قال في كل حاجة] رواه الطيالسي، انظر خطبة الحاجة للألباني ص 13. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويستحب أن يخطب العاقد أو غيره قبل التواجب ثم يكون العقد بعده لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع) وقال: (كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء) رواهما ابن المنذر ويجزئ من ذلك أن يحمد الله ويتشهد ويصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمستحب أن يخطب بخطبة عبد الله بن مسعود] ثم ذكر الحديث المتقدم ثم قال ابن قدامة: [قال الخلال: حدثنا أبو سليمان إمام طرسوس قال: كان الإمام ... أحمد بن حنبل إذا حضر عقد نكاح فلم يخطب فيه بخطبة عبد الله بن مسعود قام وتركهم. وهذا كان من أبي عبد الله من المبالغة في استحبابها لا على الإيجاب. فإن حرب بن إسماعيل قال: قلت لأحمد فيجب أن تكون خطبة النكاح مثل قول ابن مسعود؟ فوسع في ذلك. وقد روى عن عمر أنه إذا كان دعي ليزوج قال: لا تعصفوا علينا الناس: الحمد لله وصلى الله على محمد إن فلاناً يخطب إليكم فإن أنكحتموه فالحمد لله وإن رددتموه فسبحان الله. والمستحب خطبة واحدة يخطبها الولي أو الزوج أو غيرهما وقال الشافعي: المسنون خطبتان هذه التي ذكرناها في أوله وخطبة من الزوج قبل قبوله والمنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن السلف خطبة واحدة وهو أولى ما اتبع] المغني 7/ 81 - 82.

الفحص الطبي قبل الزواج

وقال الإمام النووي: [يستحب أن يبدأ الخاطب بالحمد لله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله جئتكم راغباً في فتاتكم فلانة أو في كريمتكم فلانة بنت فلان أو نحو ذلك] الأذكار ص 240. وروى عبد الرزاق بإسناده عن إبراهيم النخعي قال: [كانوا - أي الصحابة - يحبون أن يتشهدوا إذا خطب الرجل على نفسه أو على غيره والخصمان إذا اختصما: إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم بحسب إمرىء أن يبلغ حاجته. قال: وأما الخصمان فينطقان بحجتهما] مصنف عبد الرزاق 6/ 188. * * * الفحص الطبي قبل الزواج يقول السائل: إنه يريد التقدم لخطبة فتاة ولكن يوجد في عائلتها أمراض وراثية فهل يجوز له أن يشترط عليها إجراء الفحص الطبي قبل أن يدخل في إجراءات الخطبة؟ الجواب: لا بأس بأن يشترط هذا الشخص على الفتاة التي سيتقدم إليها أن تقوم بإجراء فحص طبي نظراً لوجود أمراض وراثية في عائلتها. وكذلك لا مانع من إجراء الفحص الطبي قبل الزواج بشكل عام لمن يرغبون في الزواج، ولكني لا أرى أن يلزم كل من يريد الزواج بإجراء فحص طبي وإنما يبقى الأمر اختياراً لا إجبار فيه لا بقانون ولا بغيره. قال د. محمد علي البار: [ولا يوجد ما يمنع من إجراء فحص للراغبين في الزواج يثبت خلوهما من الأمراض المعدية والعيوب الوراثية الظاهرة أو الموجودة في تاريخ الأسرة، ولا بد على الأقل من التأكد من عدم وجود مرض من أمراض الزنا أو اللواط لدى أحد الخاطبين وإن كان هناك مرض تم معالجته قبل عقد الزوجية.

وهناك باب جديد في الطب يسمى الاستشارة الوراثية وقد بدأ في الظهور في الدول الغربية وسيصل عما قريب إلينا مع ما يفد من حضارة الغرب خيرها وشرها] الجنين المشوه والأمراض الوراثية ص 366. والفحص الطبي قبل الزواج مشروع ويدل على ذلك الأدلة العامة الآمرة بالتداوي ومعروف أن الفحص الطبي قبل الزواج من باب الوقاية والوقاية خير من العلاج. ومن المعلوم أيضاً أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية طلب الأولاد ومقصود أيضاً أن تكون الذرية صالحة جسمانياً ومعنوياً ولا تكون الذرية كذلك إلا إذا كانت خالية من الأمراض وخاصة الوراثية، قال الله تعالى على لسان زكريا ... عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) سورة آل عمران الآية 38. ودعا المؤمنون ربهم قائلين: (هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) سورة الفرقان الآية 74. ولا تكون الذرية قرة أعين وذرية طيبة إذا كانت ذرية مشوهة الخلقة أو ناقصة الأعضاء أو متخلفة عقلياً. وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - من أراد الزواج أن يحسن اختيار الزوجة فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم) رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني، حديث حسن، كما في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 333. وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تزوجوا الودود الولود) رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم وسئل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (ما حق الولد على أبيه؟ قال: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه القرآن). وهذا الانتقاء للزوجة يشمل الصفات الخلقية والمعنوية ويتفق مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) رواه البخاري ومسلم.

ومما يدل على جواز الفحص الطبي قبل الزواج للذكر والأنثى على حد سواء قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا توردوا الممرض على المصح) رواه البخاري ومسلم. وكذلك فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة: (أن رجلاً خطب امرأة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) رواه مسلم. فهذا الحديث يدل على أنه ينبغي للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته لئلا يكون فيها عيوب. ومما يؤيد الفحص الطبي قبل الزواج أن الفقهاء أجازوا للزوج أن يفسخ الزواج لوجود عيب جنسي في زوجته يمنع من الوصول إليها. وكذلك أجاز الفقهاء للزوجة أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها إذا وجدت به علة تحول دون دخوله بها. فيمكن بواسطة الفحص الطبي أن يجتنب الزوجان الوصول للفراق بسبب العيوب الجسمية فيجريان فحصاً طبياً قبل الزواج وهذا خير من الزواج ثم اكتشاف العيوب التي تجيز الفسخ أو طلب التفريق بينهما فيفترقان ويقعان في المشكلات الاجتماعية والمالية. وقد ذكر قانون الأحوال الشخصية المعمول به في بلادنا العيوب التي تجيز فسخ الزواج فقد ورد في المادة 113: [للمرأة السالمة من كل عيب يحول دون الدخول بها أن تراجع القاضي وتطلب التفريق بينها وبين زوجها إذا علمت أن فيه علة تحول دون بنائه بها كالجب والعنة والخصاء] وجاء في المادة 116: [إذا ظهر للزوجة قبل الدخول أو بعده أن الزوج مبتلى بعلة أو مرض لا يمكن الإقامة معه بلا ضرر كالجذام أو البرص أو السل أو الزهري أو طرأت مثل هذه العلل والأمراض فلها أن تراجع القاضي وتطلب التفريق] أما المادة 117 فنصها: [للزوج حق طلب فسخ عقد الزواج إذا وجد في زوجته عيباً جنسياً مانعاً من الوصول إليها كالرتق والقرن أو مرضاً منفراً

بحيث لا يمكن المقام معها عليه بلا ضرر ولم يكن الزوج قد علم به قبل العقد أو رضي به صراحة أو ضمناً] نظام الأسرة في الإسلام 3/ 237. وهنالك إيجابيات عديدة للفحص الطبي قبل الزواج منها: [1. تعتبر الفحوصات الطبية قبل الزواج من الوسائل الوقائية الفعالة جداً في الحدّ من الأمراض الوراثية والمعدية والخطرة. 2. وهي تشكل حماية للمجتمع من انتشار الأمراض والحد منها والتقليل من أي كوارث تحدث هزات مالية وإنسانية للأفراد والأسر والمجتمعات، خاصة لدى ارتفاع نسب المعاقين في المجتمع وتأثيره المالي والإنساني من كون متطلباتهم أكثر من حاجات الأفراد الآخرين. 3. تحاول هذه الفحوصات أن تضمن إنجاب أطفال أصحاء سليمين عقلياً وجسدياً من تزاوج الخاطبين المعنيين وعدم انتقال الأمراض الوراثية التي يحملها أو يظهرها أحد الخاطبين أو كلاهما. 4. تحديد قابلية الزوجين المؤهلين للإنجاب من عدمه بصورة عامة وإلى حد ما لأن أسباب العقم ليست معروفة كلها ويحقق رغبة الخطيبين لمعرفة الأسباب المحتملة للعقم وبهذا يقدمان على الزواج وهما مطمئنين بأنهما سيكون لهما أولاد بإذن الله لأن وجود العقم في أحد الزوجين قد يكون من أهم أسباب الاختلاف والنزاع بين الزوجين وقد يصل ذلك إلى الطلاق. 5. ويهدف الفحص الطبي إلى التحقق من قدرة كل من الزوجين المؤهلين على ممارسة علاقة جنسية سليمة مع الطرف الآخر بما يشبع رغبات كل منهما بصورة طبيعية والتأكد من عدم وجدود عيوب عضوية أو فيزيولوجية مرضية تقف أمام هذا الهدف المشروع لكل من الزوجين. 6. كذلك يهدف الفحص الطبي للتحقق من وجود أمراض مزمنة مؤثرة على مواصلة الحياة بعد الزواج مثل السرطانات وغيرها مما له دور في إرباك استقرار الحياة الزوجية المؤملة.

ما يترتب على الإجهاض

7. ضمان عدم تضرر صحة كل من الخاطبين نتيجة معاشرة الآخر جنسياً وحياتياً والتأكد من سلامتهما من الأمراض الجنسية والمعدية وغيرها من الوبائيات ويشتمل كذلك على عدم تضرر صحة المرأة أثناء الحمل وبعد الولادة نتيجة اقترانها بالزوج المأمول] مستجدات فقهية في قضايا الزواج ص 84 - 85. وخلاصة الأمر أن الفحص الطبي قبل الزواج يحقق مصالح مشروعة للفرد وللأسرة وللمجتمع ويدرأ مفاسد اجتماعية وخسائر مالية فلا مانع منه على أن يكون بشكل اختياري وليس إجبارياً. * * * ما يترتب على الإجهاض تقول السائلة: إنها كانت حاملاً في الشهر الخامس وطلب منها زوجها إسقاط الحمل فذهبت هي وزوجها إلى طبيب فأسقط حملها وبعد مضي سنوات على تلك الحادثة ندمت على ما فعلت فما هو المطلوب منها؟ الجواب: إن كثيراً من النساء والأزواج والأطباء يتساهلون تساهلاً كبيراً في موضوع الإجهاض ويظنون أن الأمر هين وهو عند الله عظيم وما عرفوا أن الإجهاض جناية وأنه قد يكون قتلاً ولا شك لدي أن كل من يشارك في عمليات الإجهاض يكون آثماً وعليه مسؤولية كبيرة وله عقوبة كما سأبين فيما بعد، ما لم يكن هنالك عذر شرعي لإسقاط الجنين كأن تقرر ذلك لجنة طبية متخصصة بأن استمرار الحمل يشكل خطراً مؤكداً على حياة الأم ولا بد من إستشارة علماء الشرع قبل ذلك. قال الشيخ ابن الجوزي تحت عنوان إثم المرأة إذا تعمدت الإسقاط: [لما كان موضوع النكاح لطلب الولد وليس من كل الماء يكون الولد فإذا تكون فقد حصل المقصود من النكاح فتعمد إسقاطه مخالفة لمراد الحكمة إلا أنه إن كان ذلك في أول الحمل فقبل نفخ الروح كان فيه إثم كبير لأنه

مترق إلى الكمال وسار إلى التمام إلا أنه أقل إثماً من الذي نفخ فيه الروح. فإذا تعمدت إسقاط ما فيها الروح كان كقتل مؤمن وقد قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) الموؤدة: البنت كانوا يدفنونها حية فهي تسأل يوم القيامة لتبكت قاتليها] أحكام النساء ص 37. وقد اتفق أهل العلم على تحريم الإجهاض بعد مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل لأن الروح تنفخ في الجنين عند مرور تلك المدة على رأي كثير من العلماء لما ثبت في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيأمر بأربع: برزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح ... ) رواه البخاري. ويستثنى من هذا الحكم حالة واحدة فقط وهي إذا ثبت بتقرير لجنة من الأطباء الثقات من أهل الاختصاص أن استمرار الحمل يشكل خطراً مؤكداً على حياة الأم فحينئذ يجوز إسقاط الحمل. وقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ما يلي: [إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً لا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوهاً أم لا دفعاً لأعظم الضررين] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ص 123. وأما الإجهاض قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل ففي حكمه خلاف بين العلماء والذي عليه جمهور العلماء هو تحريم الإجهاض بمجرد ثبوت الحمل إلا لعذر شرعي وهذا هو القول المعتمد عند المالكية والإمام الغزالي من الشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقول بعض الحنفية والحنابلة وأهل الظاهر.

واختاره كثير من العلماء المعاصرين كالشيوخ محمود شلتوت والقرضاوي والزحيلي وغيرهم. وهذا القول هو الذي أميل إليه وتطمئن إليه نفسي. إذا تقرر هذا فإن العلماء قد أوجبوا الضمان المالي والكفارة على من يسقط الجنين سواء أسقطه بضرب المرأة الحامل فأدى الضرب لإسقاط الجنين أو شربت المرأة دواء فأسقطت أو قام طبيب بإسقاط الجنين أو غير ذلك من الطرق التي تؤدي إلى إسقاط الجنين. أما الضمان المالي في إسقاط الجنين فهو ما يعرف عند الفقهاء بالغرة وهو ما ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بغرة عبد أو أمة) رواه البخاري ومسلم. وعن عمر - رضي الله عنه - أنه استثارهم - أي الصحابة - في إملاص المرأة فقال المغيرة - رضي الله عنه -: (قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغرة عبد أو أمة فشهد محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى به) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضي بدية المرأة على عاقلتها) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. قال الحافظ ابن حجر: [والغرة في الأصل البياض يكون في جبهة الفرس ... وتطلق الغرة على الشيء النفيس آدمياً كان أو غيره] فتح الباري 15/ 273. أي أن الواجب في قتل الجنين عبد أو أمة ولما كان لا يوجد في زماننا هذا رقيق فإن قيمة ذلك عشر دية المرأة أو نصف عشر دية الرجل أي خمس من الإبل وتجب الغرة في مال الجاني أو على العاقلة بناء على اختلاف الفقهاء في ذلك وتكون حقاً لورثة الجنين.

قال الخرقي: [وإذا شربت الحامل دواء فألقت به جنيناً فعليها غرة لا ترث منها شيئاً وتعتق رقبة]. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً عبارة الخرقي: ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة على ما قدمنا] المغني 8/ 418. وقال الحافظ ابن عبد البر: [أجمع العلماء أن الغرة تجب في الجنين الذي يسقط من بطن أمه ميتاً وهي حية حين سقوطه وأن الذكر والأنثى في ذلك سواء في كل واحد منهما الغرة. واختلفوا على من تجب الغرة في ذلك فقالت طائفة منهم مالك والحسن بن حي هي في مال الجاني وهو قول الحسن البصري والشعبي وقال آخرون: هي على العاقلة وممن قال ذلك الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول إبراهيم وابن سيرين] الاستذكار 25/ 78 - 79. هذا بالنسبة للضمان المالي في إسقاط الجنين. وأما بالنسبة للكفارة فقد أوجب جمهور أهل العلم الكفارة على من أسقط الجنين. وقد ذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي أن: [هذا قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء والزهري والحكم ومالك والشافعي وإسحاق. قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم أوجب على ضارب بطن المرأة تلقي جنيناً الرقبة مع الغرة وروى ذلك عن عمر - رضي الله عنه - وقال أبو حنيفة: لا تجب الكفارة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب الكفارة حين أوجب الغرة. ولنا قول الله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وقال: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وهذا الجنين إن كان من مؤمنين أو كان أحد أبويه مؤمناً فهو محكوم بإيمانه تبعاً له يرثه ورثته المؤمنون ولا يرث الكافر منه شيئاً وإن كان من أهل الذمة فهو من قوم بيننا وبينهم ميثاق ولأنه نفس مضمون بالدية فوجبت فيه الرقبة كالكبير وترك ذكر الكفارة لا يمنع وجوبها

كقوله عليه الصلاة والسلام: (في النفس المؤمنة مئة من الإبل) وذكر الدية في مواضع ولم يذكر الكفارة ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بدية المقتولة على عاقلة القاتلة ولم يذكر كفارة وهي واجبة كذا هاهنا وإنما كان كذلك لأن الآية أغنت عن ذكر الكفارة في موضع آخر] المغني 8/ 417 - 418. وبناء على ما سبق فإنه يجب على هذه المرأة الكفارة وكذلك يجب على زوجها وعلى الطبيب الذي تولى عملية الإجهاض الكفارة أيضاً وهي المذكورة في قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) سورة النساء الآية 92. وبما أنه يتعذر في زماننا عتق رقبة فعلى كل واحد من هؤلاء صيام شهرين متتابعين. كما يجب عليهم أن يتوبوا إلى الله توبة صادقة. وختاماً أقول إن على الأزواج والزوجات أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وألا يقدموا على عمليات الإجهاض إلا عند وجود العذر الذي ذكرته سابقاً. كما أن على الأطباء أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وعليهم أن يعلموا أنه لا يجوز لهم القيام بعمليات الإجهاض ولو أذن في ذلك الزوجان ما لم يكن هنالك عذر شرعي وعلى هؤلاء الأطباء ألا يبيعوا آخرتهم بدراهم معدودة يجنونها. وأخيراً فإني أدعو وزارة الصحة إلى تشديد الرقابة على الأطباء الذي يمارسون عمليات الإجهاض ومعاقبة المخالفين معاقبة شديدة وإن اقتضى الأمر سحب رخص مزاولة المهنة منهم نظراً لانتشار هذا الأمر مع انعدام الرقابة عليه. * * *

من موانع الحمل

من موانع الحمل تقول السائلة: إنها امرأة متزوجة وعندها تسعة أطفال وأنها تعاني من مشكلات صحية في القلب وقد نصحها الأطباء بأن لا تحمل مرة أخرى وأن تجري عملية ربط للأنابيب. فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: الأصل أنه لا يجوز شرعاً استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل والمرأة، إلا في حالات الضرورة والضرورة تقدر بقدرها ولعل حالة هذه المرأة تعد من الضرورات التي تبيح المحظورات إذا كان واقع حالها كما ذكرت، وقد نصحها الأطباء بأن لا تحمل ثانية نظراً لما تعانيه من مشكلات صحية فيجوز لها أن تجري عملية ربط للأنابيب لأنه قد يترتب على الحمل في هذه الحالة ضرر كبير على المرأة ويخشى على حالها فصحتها وبقاؤها مقدم على حصول الولد، حيث إن القاعدة الفقهية تقول: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وتقول القاعدة الأخرى: إذا وجد مفسدتان ارتكب أخفهما. وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: [أولاً: لايجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب. ثانياً: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم مالم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية. ثالثاً: يجوز التحكم المؤقت بالإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت حاجة معتبرة شرعاً بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر وأن تكون الوسيلة مشروعة وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم] مجلة المجمع الفقهي الإسلامي ... عدد 5 ج1 ص 748. وينبغي التذكير هنا أن بعض الأطباء قد يتساهلون في الأمور الموجبة لمنع الحمل أو قطعه نهائياً فتراهم ينصحون النساء بقطع الحمل والإجهاض لأسباب واهية وغير معتبرة شرعاً لذا أرى أن على النساء وأزواجهن عدم

مرض الثلاسيميا

الأخذ بأقوال الأطباء على إطلاقها بل لا بد أن يكون الطبيب الذي يقبل قوله في هذه القضايا الخطيرة من أهل الاختصاص وأن يكون ثقة في دينه وحبذا لو صدر تقرير طبي في هذه الحالات وأمثالها عن لجنة طبية لا تقل عن ثلاثة أطباء ثقات ومن أهل الاختصاص فيكون هذا أولى وأحسن لأننا قد سمعنا عن حالات كثيرة وقع فيها تساهل كبير في هذه القضايا من بعض الأطباء. * * * مرض الثلاسيميا السؤال من جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا الفلسطينية ونصه: إن مشكلة الثلاسيميا هي ما تعرفون في بلادنا وإن نسبة انتشار المرض والسمة الوراثية تصل إلى 4% أي أن مئة وعشرين ألف مواطن يحملون سمة المرض الوراثية. فما هو الحكم الشرعي لإجراء الفحص الطبي لمثل هذه الأمراض سيما وأن السمة الوراثية لا تكتسب لاحقاً وإنما هي تبقى ملازمة للإنسان وجوداً أو نفياً طوال حياته. الجواب: أولاً لا بد من التعريف بمرض الثلاسيميا وأخطاره وطرق علاجه وأساليب الوقاية منه. [فالثلاسيميا مرض وراثي يؤثر على صنع الدم، فتكون مادة الهيموغلوبين في كريات الدم الحمراء غير قادرة على القيام بوظيفتها مما يسبب فقر الدم عند المريض. وهناك نوعان من الثلاسيميا: نوع يكون الشخص فيه حاملاً للمرض ولا تظهر عليه أعراضه، أو قد تظهر أعراض فقر دم بسيط ويكون هذا الشخص قادراً على نقل المرض لأبنائه. ونوع يكون فيه الشخص مصاباً بالمرض وتظهر عليه أعراض واضحة للمرض منذ الصغر.

وينتشر مرض الثلاسيميا في جميع أنحاء العالم، ولكن بنسبة أكبر في بعض البلدان، مثل بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد أوضحت الدراسات أن حوالي 3 - 4% من السكان في فلسطين يحملون المرض أي ما يقارب 80 - 100 ألف شخص أو أكثر من ذلك. وينتقل مرض الثلاسيميا بالوراثة من الآباء إلى الأبناء إذا كان أحد الوالدين حاملاً للمرض أو مصاباً به، فمن الممكن أن ينتقل المرض إلى بعض الأبناء بصورته البسيطة (أي أن يصبحوا حاملين للمرض). أما إذا كان الوالدان يحملان المرض فإن هناك احتمالاً بنسبة 25% أن يولد طفلهما مصاباً بالمرض بصورته الشديدة. وتظهر أعراض الإصابة بالثلاسيميا على المريض خلال السنة الأولى من العمر. ونتيجة لتكسر كريات الدم الحمراء مبكراً ... (السابق لأوانه)، تظهر أعراض فقر دم شديد على النحو التالي: شحوب البشرة، مع الاصفرار أحياناً. والتأخر في النمو. وضعف الشهية. وتكرر الإصابة بالالتهابات. ومع استمرار فقر الدم، تظهر أعراض أخرى مثل التغير في شكل العظام وخاصة عظام الوجه والوجنتين، وتصبح ملامح الوجه مميزة لهذا المرض. كما يحدث تضخم في الطحال والكبد، ويتأخر الطفل في النمو. أما في الحالات البسيطة (لدى حاملي المرض) فقد يحدث فقر دم بسيط لدرجة لا يكون المرض فيها بادياً للعيان ويعيش صاحبه بشكل طبيعي جداً ولا يحتاج إلى أي علاج وقد لا تكتشف هذه الحالات إلا صدفة. والمريض بالثلاسيميا بحاجة إلى نقل دم بشكل دوري لتعويضه عن كريات الدم التي تتكسر وللمحافظة على مستوى مقبول من الهيموغلوبين في دمه. وكثرة نقل الدم إلى المريض تسبب ترسب الحديد بشكل يحمل الضرر لأعضاء جسمه ولذلك فمن المهم أن يحصل المريض على أدوية تساعد على طرد الحديد الزائد من الجسم. ويتم علاج المضاعفات التي قد تظهر لدى المريض حسب كل حالة. وهنالك أبحاث تجري لاكتشاف علاجات أفضل للثلاسيميا وتجرى أحياناً عمليات لزرع نخاع عظمي، ولكن هذه العمليات مكلفة جداً ونتائجها ليست مضمونة.

ويعتبر الفحص الطبي قبل الزواج أهم وسيلة للوقاية من الثلاسيميا ويوصى بإجراء هذا الفحص في مجتمعنا للأشخاص المقبلين على الزواج وذلك لتجنب الزواج بين شخصين حاملين للمرض، وهذه الحالة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى ولادة طفل مصاب بالمرض بصورته الشديدة كما تتوفر القدرة على فحص الجنين في الأشهر الأولى من الحمل عند الشك بإمكانية إصابته. والطريقة الوحيدة للوقاية من الثلاسيميا هي تجنب ولادة أطفال مصابين به من خلال ما يلي: - الاستشارة الطبية والفحص الطبي قبل الزواج: إجراء المقبلين على الزواج لفحص طبي للتأكد من أنهما لا يحملان الثلاسيميا في آن واحد وخاصة أن نسبة الحاملين للمرض في بلادنا كبيرة - فحص الجنين في حالة الشك بإصابته بالثلاسيميا للتأكد من الإصابة واتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة. - التقليل من ظاهرة الزاوج بين الأقارب فمرض الثلاسيميا كسائر الأمراض الوراثية يزداد انتشاراً في حالة الزاوج بين الأقارب إذ يزيد ذلك احتمال نقل الصفات الوراثية غير الحميدة إلى الأبناء. ولكن هذا لا ينفي ضرورة أن يقوم المقبلون على الزواج الذين لا تربطهم صلة قرابة بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج] نشرة حول الثلاسيميا إصدار جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا. هذه المعلومات الموثقة تبين لنا خطورة مرض الثلاسيميا وأثره السيء على مستقبل الأجيال وبناء على ذلك فلا بد من اتخاذ السبل للوقاية من هذا المرض. ومن المعلوم أن من مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على النسل. حيث إن النسل هو أحد الكليات الخمس أو الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية بصيانتها والمحافظة عليها وشرع الإسلام أحكاماً كثيرة للمحافظة على النسل ليس هذا محل بحثها. ولكن المقصود هو وجوب المحافظة على النسل ويظهر هذا في نوعين من الأحكام الأول وقائي قبل

وقوع المرض والثاني علاجي بعد وقوعه ويكون بالتداوي وأود أن أبين هنا ما يتعلق بالوقائي فمن المعلوم أن الوقاية خير من العلاج ولذا شرع الإسلام حسن اختيار الزوجة فقد جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (تخيروا لنطفكم فأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم) رواه ابن ماجة والحاكم وصححه الشيخ الألباني بمجموع طرق كما في السلسة الصحيحة 3/ 56 - 67 وحسنه في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 333. ومن الوقاية أيضاً الابتعاد عن زواج الأقارب تفادياً لضعف النسل وخاصة إذا تكرر زواج الأقارب فإن النسل يكون أكثر ضعفاً. وقد ورد في الأثر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال لآل السائب: قد أضوأتم فانكحوا في النوابغ قال الحربي يعني تزوجوا الغرائب. ذكره الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 146. وقد رويت بعض الأحاديث في تغريب النكاح ولكنها ليست ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكر الحافظ ابن حجر في المصدر السابق. وذكر طرفاً منها الزبيدي في إتحاف السادة المتقين 5/ 348 - 349. ومع ذلك فإن تغريب النكاح أمر معروف لدى الناس قديماً وحديثاً. وما دام أن العلم الحديث قد أثبت أن الزواج بين الأقارب من أسباب انتشار مرض الثلاسيميا فينبغي أخذ ذلك بالاعتبار والتقليل ما أمكن من زواج الأقارب. وإن حصل زواج بين الأقارب فينبغي أن لا يتكرر في العائلة الواحدة حيث إن توالي الزواج بين الأقارب في الآباء والأبناء يؤول إلى تأخر الذرية وانحطاطها بدناً وعقلاً ذلك الانحطاط الذي نرى آثاره ظاهرة في الأسر الكبيرة التي تلتزم ذلك فيما بين أفرادها. أما أسباب هذا الانحطاط فهي على الغالب اتحاد الأوصاف والأخلاق الموروثة المتشابهة من سيئة أو حسنة في العقب فتتجلى بوضوح أكثر مما كانت عليه في كل من الأبوين منفرداً. لهذا نرى في ثمرة هذا التزواج القريب الخوارق والتطرف في الحسن أو القبح والجودة أو الرداءة إلى غير ذلك وبما أن الأول من النوادر والثاني هو الغالب كان الأولى في التزاوج أن يكون بين الأباعد ليقل اتحاد الصفات المتشابهة. الطب النبوي والعلم الحديث 2/ 97 - 98.

ومن طرق وأساليب الوقاية المعروفة حديثاً الفحص الطبي قبل الزواج وهو أمر مشروع أخذاً من عموم الأدلة الآمرة بالتداوي ويدل على مشروعية الفحص الطبي قبل الزواج قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا توردوا الممرض على المصح) رواه مسلم. ويؤيده أيضاً ما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن رجلاً خطب امرأة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) رواه مسلم. والفحص الطبي قبل الزواج يشمل الفحوصات التي تعنى بمعرفة الأمراض الوراثية والمعدية والجنسية وغيرها. والفحص الطبي قبل الزواج له منافع كثيرة منها [1. تعتبر الفحوصات الطبية قبل الزواج من الوسائل الوقائية الفعالة جداً في الحدّ من الأمراض الوراثية والمعدية والخطرة. 2. وهي تشكل حماية للمجتمع من انتشار الأمراض والحد منها والتقليل من أي كوارث تحدث هزات مالية وإنسانية للأفراد والأسر والمجتمعات، خاصة لدى ارتفاع نسب المعاقين في المجتمع وتأثيره المالي والإنساني من كون متطلباتهم أكثر من حاجات الأفراد الآخرين. 3. تحاول هذه الفحوصات أن تضمن إنجاب أطفال أصحاء سليمين عقلياً وجسدياً من تزاوج الخاطبين المعنيين وعدم انتقال الأمراض الوراثية التي يحملها أو يظهرها أحد الخاطبين أو كلاهما. 4. تحديد قابلية الزوجين المؤهلين للإنجاب من عدمه بصورة عامة وإلى حد ما لأن أسباب العقم ليست معروفة كلها ويحقق رغبة الخطيبين لمعرفة الأسباب المحتملة للعقم وبهذا يقدمان على الزواج وهما مطمئنين بأنهما سيكون لهما أولاد بإذن الله لأن وجود العقم في أحد الزوجين قد يكون من أهم أسباب الاختلاف والنزاع بين الزوجين وقد يصل ذلك إلى الطلاق. 5. ويهدف الفحص الطبي إلى التحقق من قدرة كل من الزوجين المؤهلين على ممارسة علاقة جنسية سليمة مع الطرف الآخر بما يشبع

لا يجوز تزيين الملابس بالآيات القرآنية

رغبات كل منهما بصورة طبيعية والتأكد من عدم وجدود عيوب عضوية أو فيزيولوجية مرضية تقف أمام هذا الهدف المشروع لكل من الزوجين. 6. كذلك يهدف الفحص الطبي للتحقق من وجود أمراض مزمنة مؤثرة على مواصلة الحياة بعد الزواج مثل السرطانات وغيرها مما له دور في إرباك استقرار الحياة الزوجية المؤملة. 7. ضمان عدم تضرر صحة كل من الخاطبين نتيجة معاشرة الآخر جنسياً وحياتياً والتأكد من سلامتهما من الأمراض الجنسية والمعدية وغيرها من الوبائيات ويشتمل كذلك على عدم تضرر صحة المرأة أثناء الحمل وبعد الولادة نتيجة اقترانها بالزوج المأمول] مستجدات فقهية في قضايا الزواج ص 84 - 85. وبناءً على ذلك فإن الفحص الطبي أخذ بالأسباب المشروعة وعليه فينبغي تشجيع الناس على إجراء الفحص الطبي قبل الزواج لأنه يحقق الأهداف المشروعة من الزواج فننصح المقبلين على الزواج إجراء فحوصات للدم لتحديد ما إذا كان الشخص حاملاً للثلاسيميا أو خالياً منها ويعتبر هذا الفحص من طرق الوقاية المطلوبة شرعاً. وكذلك فإن الفحص الطبي قبل الزواج يحقق مصالح مشروعة للفرد وللأسرة والمجتمع ويدرأ مفاسد اجتماعية ومالية على المستوى الإجتماعي والاقتصادي. انظر المصدر السابق ص 96 - 97. * * * لا يجوز تزيين الملابس بالآيات القرآنية يقول السائل: إنه قرأ فتوى في إحدى الصحف تتعلق بالملابس التي كتبت عليها آيات من القرآن الكريم وقد جاء فيها: [يجوز لبس الثوب المطرز بآيات من القرآن حتى للمحدث حدثاً أكبر أو أصغر ... ] فما قولكم في ذلك؟ الجواب: القرآن الكريم كتاب هداية ودستور ومنهاج للأمة وقد أنزل القرآن ليسير الناس وفق هداه ويطبقوه في حياتهم.

وتعظيم كتاب الله أمر واجب في حق كل مسلم ومن وقر القرآن فقد وقر الله سبحانه وتعالى ومن استخف بالقرآن فقد استخف بالله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) وقد ورد عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: (عظموا القرآن) تفسير القرطبي 1/ 29. وقد ذكر العلماء جملة من الآداب التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها عند التعامل مع القرآن الكريم. انظر التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي. إذا تقرر هذا فنعود إلى السؤال فنقول: إنه لا يجوز أن يكتب شيء من القرآن على الملابس أو تطرز الملابس بالآيات القرآنية لما في ذلك من امتهان لكلام الله سبحانه وتعالى واحتقار له حيث إن الإنسان إذا لبس ثوباً عليه آيات من القرآن فقد يجلس عليها أو يقضي حاجته وهو يلبس تلك الثياب فيدخل محل النجاسات، وكتاب الله ينزه عن ذلك الامتهان. وكم يكون امتهان كتاب الله كبيراً وفظيعاً إذا كتبت بعض الآيات على الملابس الداخلية للرجال والنساء أو على ملابس البحر كما فعلت بعض المصانع الأجنبية؟ كما أن القول بجواز ذلك للمحدث حدثاً أكبر أو أصغر كما جاء في الفتوى فيه استخفاف بكلام الله وتحقير له فإذن يجوز بناء على هذه الفتوى أن يجامع الرجل زوجته وهما أو أحدهما يلبس ملابس طرزت بآيات القرآن الكريم؟ هل يصح هذا شرعاً؟!! فالقول بجواز ذلك فيه فتح باب شر كبير يؤدي إلى استهانة الناس بكتاب الله سبحانه وتعالى أو ببعضه وبعض المصحف له حكم المصحف كما قرر ذلك أهل العلم، انظر كشاف القناع 1/ 59. والقول بجواز ذلك غير صحيح لما فيه من تعريض آيات القرآن للامتهان والاحتقار، فالملابس قد تتسخ أو تصيبها نجاسة كما أن الإنسان قد يخلع الثوب الذي كتب عليه بعض القرآن ويضعه مع غيره من الملابس القذرة أو في محل قذر وكذلك قد ينام فيها، فهذا كله فيه إهانة لكلام الله

سبحانه وتعالى، فالقول بجواز ذلك لا وجه له وترده الأصول والقواعد العامة القاضية بوجوب احترام كلام الله عز وجل وقد ذكر الحافظ ابن رجب أن الإمام أحمد سئل عن الستر يكتب عليه القرآن فكره ذلك وقال: [لا يكتب القرآن على شيء منصوب لا ستر ولا غيره] أحكام الخواتم ص 103. وقد منع كثير من أهل العلم نقش جدران المساجد بآيات من القرآن الكريم والجدران مرفوعة ومصانة فكيف بالملابس التي تلبس وتتعرض للنجاسات وللدخول بها إلى محل قضاء الحاجة ولغير ذلك من الامتهان؟ فالقرآن الكريم له حرمته في قلب كل مسلم وما زال المسلمون إلى وقتنا الحاضر يرفضون كتابة آيات من القرآن الكريم أو لفظ الجلالة أو لفظ محمد - صلى الله عليه وسلم - أو أي شيء مقدس على الملابس والمصنوعات أو إطلاق مثل ذلك على المحلات. وكم مرة قرأنا أو سمعنا تقديم احتجاجات من المسلمين وجمعياتهم في بلاد الغرب ضد شركات أو مصانع وضعت آيات من القرآن الكريم على منتوجاتها ثم يأتي بعض المفتين في ديارنا فيجيزون ذلك اعتماداً على أقوال بعض متأخري الفقهاء دون حجة أو دليل صحيح. وقد تكون فتواهم مناسبة لزمانهم وأما في زماننا فقد تغيرت الظروف والأحوال فيتغير مناط الحكم. إن الأصول العامة للشريعة الإسلامية ترد هذه الفتوى ولو من باب سد الذرائع لما قد تؤدي إليه من امتهان واحتقار لكلام رب العالمين ولما في ذلك من مصادمة مقاصد الشارع الحكيم في تعظيم القرآن الكريم. وقد منع أهل العلم المعاصرون مثل هذه الأمور وصدرت فتاوى كثيرة بهذا الخصوص منها فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية حيث ورد سؤال عرض على اللجنة متعلق بكتابة آية الكرسي والبسملة على ساعة حائط فأجابت اللجنة بما يلي: [أنزل الله القرآن ليتعبد الناس بتلاوته وتدبر معانيه فيعرفوا أحكامه

ويأخذوا أنفسهم بالعمل بها وهكذا يكون موعظة له وذكرى تقشعر منه جلودهم وتلين به قلوبهم ويكون شفاء لما في الصدور من الجهل والضلال وطهارة للنفوس من أدران الشكوك وما ارتكبته من المعاصي والذنوب وجعله سبحانه هدى ورحمة لمن فتح له قلبه وألقى إليه السمع وهو شهيد قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وقال: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) وقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) وجعل الله سبحانه القرآن معجزة لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وآية باهرة على أنه رسول الله من عند الله إلى الناس كافة رحمة بهم وإقامة للحجة عليهم قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِءَايَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وقال: (تِلْكَءَايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) وقال: (تِلْكَءَايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) إلى غير ذلك من الآيات، وإذاً فالقرآن كتاب هداية وتشريع ومواعظ وعبر وبيان للأحكام وآية بالغة ومعجزة باهرة وحجة دامغة أيد الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينزله سبحانه ليكتب كلمة أو آية منه على ساعات الدليل زينة لها أو ترويجاً لها وإغراء بشرائها أو ليتخذها حاملها حرزاً له إلى جانب استخدامها في معرفة الجهات فكتابة آية من القرآن أو اكثر على ساعات الدليل أو نحوها فيه انحراف بالقرآن عما أنزل من أجله واستعماله فيما فيه إزراء به وإهانة له بتعريضه إلى ما لا يليق به من الأوساخ والأقذار ودخول بيت الخلاء به ونحو ذلك ومع هذا فهو عمل مخالف لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه رضي الله عنهم ولما كان عليه السلف الصالح فعلى من آمن بالقرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وأراد الخير لنفسه أن يبتغي البركة وصلاح شؤونه في دينه ودنياه من الله سبحانه بتلاوة كتابه الكريم والعمل به في عباداته ومعاملاته ليفيض سبحانه عليه ويعظم له الأجر ويحفظه في كل أحواله وييسر له سائر شؤونه.

وكذلك الحكم في كتابة الكلمات: (الله أكبر ولا إله إلا الله محمد رسول الله) التي جعلت داخل إطار ساعة الدليل فإنها جعلت في الشرع لإعظام الله وإكباره والثناء عليه بها ومفتاحاً للدخول في الإسلام وعلامة على الإيمان ويعصم بها دم من قالها وماله ولم تجعل لتكون رسوماً على أجهزة أو ساعات أو آلات للاستهانة بها فمن المعلوم أن ساعات الدليل وغيرها تؤدي الغرض الذي صنعت من أجله من غير أن يتوقف ذلك على كتابة الآية أو هذه الأذكار عليها أو فيها] فتاوى اللجنة الدائمة 4/ 34 - 35. وسئل العلامة الشيخ عبد الله بن حميد رحمة الله عليه: [ما حكم وضع آية الكرسي على قلب من ذهب للنساء والأطفال وكذلك كلمة الله ومحمد - صلى الله عليه وسلم - وحكم الدخول به في دورات المياه أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ فأجاب: هذا خطأ، القرآن لم ينزل للهو بأن يجعل على ذهب أو أواني أو ما أشبه ذلك إنما القرآن أنزله الله شفاء لأمراض القلوب وهداية للناس ونوراً ورحمة وموعظة للمؤمنين ولم ينزل القرآن من اجل أن يعلقوه على حليهم!! أو يعلقوه على ملابسهم!! ثم دخولهم به دورات المياه لقضاء حاجتهم فهذا لا يجوز ولا ينبغي. القرآن يجل ويعظم وينزه أن يسلك به هذا المسلك السيىء القرآن أنزله الله هدى، قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) الإسراء الآية 82. فتعليق القرآن على هذه الكيفية لا يجوز، بل لا بد من محي القرآن وإزالته عن هذه المعلقات من ذهب أو غيره لأن فيها امتهان للقرآن وكذلك فإن دخولهم لدورات المياه وللحمامات ولأمكنة قضاء الحاجة وهم حاملون للقرآن فلا يجوز بكل حال بل لا بد من إزالة القرآن تعظيماً له وتوقيراً عن مثل هذا الصنيع كما قرره أهل العلم] فتاوى المرة المسلمة 1/ 458. * * *

مصافحة الأم والأخت

مصافحة الأم والأخت يقول السائل: عندنا شخص لا يصافح أمه ولا أخته ولا يزور أخته المتزوجة إلا وزوجها حاضر لأنه يعتبر وجوده مع أخته في بيت واحد خلوة فما قولكم في ذلك؟ الجواب: مصافحة الرجل لأمه ولأخته ولمحارمه على التأبيد جائزة شرعاً ولا بأس بها بشرط أمن الشهوة فإذا خشي حصول الشهوة عند مصافحة إحدى محارمه فيحرم عليه مصافحتها. وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصافح ابنته فاطمة رضي الله عنها ويقبلها فقد جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة. قالت: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رآها قد أقبلت رحب بها ثم قام إليها فقبلها ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه وكانت إذا أتاها النبي - صلى الله عليه وسلم - رحبت به ثم قامت إليه فأخذت بيده فقبلته] رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد 1/ 355. وعن ابن عباس قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات وفي بعضهم ضعف لا يضر كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 42. وروى البيهقي بإسناده: (أن أبا بكر دخل على عائشة وقد أصابتها الحمى فقال لها: كيف أنت يا بنية؟ وقبل خدها) سنن البيهقي 7/ 101. وأما الخلوة مع الأخت فالأصل أن الانفراد مع الأخت أو البنت وغيرهما من المحرمات على التأبيد لا يعتبر خلوة محرمة إلا إذا خشي المرء على نفسه الفتنة والشهوة فقد ورد في الحديث عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحاُ أو محرماً) رواه مسلم.

الديوث

قال الإمام النووي: [معناه لا يبيتن رجل عند امرأة إلا زوجها أو محرم لها. قال العلماء: إنما خص الثيب لكونها التي يدخل إليها غالباً وأما البكر فمصونة متصونة في العادة مجانبة للرجال أشد مجانبة فلم يحتج إلى ذكرها ولأنه من باب التنبيه لأنه إذا نهي عن الثيب التي يتساهل الناس في الدخول عليها في العادة فالبكر أولى. وفي هذا الحديث والأحاديث بعده تحريم الخلوة بالأجنبية وإباحة الخلوة بمحارمه وهذان الأمران مجمع عليهما وقد قدمنا أن المحرم هو كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد لسبب مباح لحرمتها. فقولنا: على التأبيد احتراز من أخت امرأته وعمتها وخالتها ونحوهن ومن بنتها قبل الدخول بالأم] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 328. * * * الديوث يقول السائل: ما المقصود بالديوث الذي ورد ذكره في الحديث النبوي؟ الجواب: ورد ذكر الديوث في عدة أحاديث منها: ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة قد حرّم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يقر الخبث في أهله). وفي رواية أخرى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث) رواه أحمد وذكر الشيخ الألباني أن حديث ابن عمر رواه النسائي والحاكم والبيهقي في سننه من طريقين صحيحين وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأقرهما الألباني على ذلك. جلباب المرأة المسلمة ص 145. وعن عمار - رضي الله عنه - أن عليه الصلاة والسلام قال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر. قالوا: يا

رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث؟ قال: الذي لا يبالي من دخل على أهله. قلنا: فما الرجلة من النساء؟ قال: التي تشبه بالرجال) رواه الطبراني والبيهقي في الشعب وهو حديث حسن، وقال المنذري: [رواه الطبراني ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً وشواهده كثيره] الترغيب 3/ 214. والديوث هو الذي يقر الخبث في أهله كما ورد مفسراً في حديث ابن عمر، وقال ابن منظور: [الديوث هو الذي لا يغار على أهله] لسان العرب 4/ 456، وفسره به ابن الأثير في النهاية 2/ 147. وقال العلامة علي القاري: [والديوث الذي يقر أي يثبت بسكوته على أهله أي من امرأته أو جاريته أو قرابته الخبث أي الزنا أو مقدماته وفي معناه سائر المعاصي كشرب الخمر وترك غسل الجنابه ونحوهما، قال الطيبي أي: الذي يرى فيهن ما يسوءه ولا يغار عليهن ولا يمنعهن فيقر في أهله الخبث] مرقاة المفاتيح 7/ 241. وخلاصة الأمر أن الديوث هو الذي لا يغار على زوجته ومحارمه والدياثة من كبائر الذنوب وقد عدها ابن حجر المكي منها وذكر الأحاديث السابقة وغيرها ثم قال: [قال الجلال البلقيني: فهذه كبيرة بلا منازع ومفسدتها عظيمة] الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 109 - 111. والديوث فاسق عند العلماء ومردود الشهادة عند الشافعية والحنابلة لأنه يرى المنكرات في أهله ومحارمه ويسكت. قال العلامة ابن القيم: [وذكر الديوث في هذا الحديث وما قبله يدل على أن أصل الدين الغيرة، من لا غيرة له لا دين له فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح فترفع السوء والفواحش وعدمها يميت القلب فتموت الجوارح فلا يبقى عندها دفع البتة والغيرة في القلب كالقوة التي تدفع المرض وتقاومه فإذا ذهبت القوة كأنه الهلاك] فيض القدير 3/ 430 - 431. * * *

تدريب الرجل المرأة على السياقة

تدريب الرجل المرأة على السياقة ما حكم أن يدّرب الرجل امرأة على قيادة السيارة؟ الجواب: يجوز للرجل أن يدرب المرأة على قيادة السيارة بشرط أن لا يخلو بها كأن يكونا منفردين أثناء التدريب بل لا بد من وجود شخص ثالث كزوج المرأة أو أخيها أو أختها أو ابنها أو غيرهم، لأن انفراد المدرب مع المرأة قد يوقعهما في الفساد وخاصة أن بعض مدربي قيادة السيارات يأخذون المتدربين إلى مناطق خالية فسداً لطرق الفساد لا بد من وجود شخص ثالث مأمون على المرأة. والأولى أن تتعلم المرأة القيادة على يد امرأة مثلها ويوجد الآن مدربات لهذا الأمر فإن تعذر ذلك فيجوز كما قلت أن تتعلم مع رجل وخاصة أن حاجة النساء لقيادة السيارات تكاد تكون كحاجة الرجال. * * * الحفلات المختلطة تقول السائلة: إن إحدى الجمعيات تقيم حفلاً لتكريم مجموعة من النساء اللواتي أكملن حفظ أجزاء من القرآن الكريم ويحضر الاحتفال الرجال والنساء فتقوم إحدى الأخوات بتلاوة القرآن بصوت جميل أمام الجمهور ثم تقوم أخت أخرى بإلقاء خطبة وثالثة تقوم بإلقاء قصيدة ومجموعة من النساء ينشدن أنشودة على المسرح وكل ذلك أمام النساء والرجال مع العلم أنه يمكن أن يكون الاحتفال خاصاً بالنساء فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن التهاون في الأحكام الشرعية صار سمة واضحة عند بعض العاملين للإسلام وخاصة في مجال الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة وما ذكر في السؤال هو مثال واضح يتكرر دائماً تحت راية العصرنة والتقدم وعدم الجمود.

اللعب المختلط للشباب والفتيات

إن الإسلام قرر أن النساء شقائق الرجال وأن للمرأة أن تتعلم وتتقدم في العلوم كلها وشهد تاريخ الإسلام الحافظات للقرآن الكريم والمحدثات والفقيهات والأديبات والشاعرات ... الخ، ولكن ضمن ضوابط وقواعد الشريعة. والذي أراه أن الأصل هو أن تختص النساء بنشاطاتهن بشكل عام وكذلك الحال بالنسبة للرجال. وما دام يمكن تكريم الحافظات للقرآن الكريم ضمن احتفال نسائي خاص بهن فلماذا مشاركة الرجال؟ صحيح أن صوت المرأة الطبيعي ليس عورة كما هو قول جمهور أهل العلم، ولكن عندما تنشد المرأة نشيداً فلا بد من أن تتصنع في صوتها! وكذلك الحال عندما تنشد مجموعة من النساء وكل ذلك على المسرح وأمام الرجال!! وأين ذلك من قوله تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) سورة الأحزاب الآية 32. قال الشيخ ابن كثير في تفسير الآية: [ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم] تفسير ابن كثير 3/ 482. إن ترخيم صوت المرأة وتحسينه قد يثير الفتنة بها وهذا مما يحرم من باب سد الذرائع، وكذلك فإن الرجال سينظرون إلى النساء أو إلى المرأة عندما تنشد أو ينشدن؟! وخلاصة الأمر أن هذه الأمور لا تجوز شرعاً فلا يجوز القيام بها. * * * اللعب المختلط للشباب والفتيات يقول السائل: ما حكم الشرع في لعب طالب وطالبة كرة الطاولة أمام الطلبة؟ الجواب: إن الناظر إلى حال طلبتنا وطالباتنا في الجامعات ليحزن مما

يشاهده من اختلاط ومناظر سيئة تتكرر يومياً في الجامعات ومن هذه المناظر جلوس طالب مع طالبة منفردين وأجسامهما متلاصقة، ومنها اتخاذ الطالب صديقة له من الطالبات يذهب ويأتي معها باستمرار ومنها جلسات صاخبة بين الطلبة والطالبات وخصوصاً أن كثيراً من هذه النوعية من الطالبات متبرجات سافرات يلبسن الملابس الضيقة والفاضحة وشعورهن منفوشة ... الخ، وهذا شيء قليل مما هو واقع في جامعاتنا وإنني عندما أرى هذه المشاهد أتساءل في نفسي: أين هؤلاء من الأحكام الشرعية؟ أين هؤلاء من قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا؟ أين أباء هؤلاء الطلبة والطالبات أليس عندهم شيء من الغيرة؟ هل يقبل هؤلاء الطلبة أن يتعامل الآخرون مع أخواتهم بهذه الطريقة؟ إلى غير ذلك من التساؤلات التي تثير المرارة والأسى في النفس. وإذا كان المسلم مطلوب منه غض البصر وكذلك المسلمة فكيف حال هذا اللاعب وتلك اللاعبة؟ ومعروف أن اللعب فيه حركة وصوت ... الخ وأين هؤلاء من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) رواه أبو داود وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 403 وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة فقال: اصرف بصرك) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الفضل بن عباس رديف رسول الله فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر ... الخ الحديث) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى أن العباس - رضي الله عنه - سأله: (لماذا لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما) رواه الترمذي وقال حسن صحيح. وينبغي أن يعلم أنه نظراً لعدم الالتزام بشريعة الإسلام في كثير من

جوانب حياتنا ومنها التعليم المختلط وعدم وجود بدائل شرعية فلا بد من التذكير بالضوابط الشرعية لتعامل الرجال مع النساء وهذه الضوابط بينها الشيخ العلامة يوسف القرضاوي فقال: [1. الالتزام بغض البصر من الفريقين فلا ينظر إلى عورة ولا ينظر بشهوة ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) سورة النور الآيتان 31 - 32. 2. الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) سورة النور الآية 31. وقد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان. وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) سورة الأحزاب الآية 59. أي أن هذا الزي يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها. 3. الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء وخصوصاً في التعامل مع الرجال: أ. في الكلام بحيث يكون بعيداً عن الإغراء والإثارة وقد قال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) سورة الأحزاب الآية 32. ب. في المشي كما قال تعالى: (ولا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) سورة النور الآية 31. وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) سورة القصص الآية 25. جـ. في الحركة فلا تتكسر ولا تتمايل كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف بـ: (المميلات المائلات) ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.

مظاهر الأعراس

4. أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق وللقاء مع الرجال. 5. الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك وقالت: (إن ثالثهما الشيطان) إذ لا يجوز أن يخلى بين النار والحطب. وخصوصاً إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج وفيه جاء: (إياكم والدخول على النساء. قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟! قال: الحمو الموت) أي هو سبب الهلاك لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس وفي هذا خطر شديد. 6. أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية أو يعرضها للقيل والقال أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال] فتاوى معاصرة 2/ 285 - 286. * * * مظاهر الأعراس يقول السائل: ما قولكم فيما يفعله بعض الناس في الأعراس حيث إنهم يزفون العروسين بالسيارات ويطلقون العنان لأبواق السيارات فما حكم ذلك؟ الجواب: إن مظاهر إزعاج الناس وإلحاق الأذى والضرر بهم كثيرة في مجتمعنا وللأسف. وإن كثيراً من الناس لا يراعون حقوق الآخرين ومشاعرهم بل يضربون بها عرض الحائط في حالات كثيرة منها: 1. ما ذكره السائل من استعمال أبواق السيارات بشكل مؤذٍ ومزعج. 2. ومنها استعمال مكبرات الصوت في الأعراس والحفلات حتى ساعة متأخرة من الليل.

3. ومنها إطلاق النار في الحفلات والأعراس. 4. وإطلاق الألعاب النارية في الأعراس والمناسبات الأخرى. إن هذه الأمور وأمثالها تسبب الأذى وتلحق الضرر بالناس ومعلوم عند العلماء أن إلحاق الأذى حرام شرعاً فلا يجوز للمسلم أن يؤذي غيره سواء كان الإيذاء معنوياً أو مادياً بل إن الإيذاء المعنوي قد يكون أشد من الإيذاء المادي فشتم المسلم في عرضه أشد من صفعه وهكذا. وقد وردت نصوص كثيرة تحرم إلحاق الأذى وتحث على ترك إيذاء عباد الله. فمن ذلك أنه لا يجوز إيذاء المسلمين في طرقاتهم وشوارعهم فمن المعلوم أن الطريق من الحقوق العامة التي ينتفع بها الناس كافة فلا يجوز لأحد أن يؤذي غيره فيها. فاستعمال الطرق والشوارع له أحكام شرعية متعلقة به وليس للإنسان مطلق الحرية أن يتصرف في الشوارع حسبما يريد وكيفما يريد. جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إياكم والجلوس على الطرقات. فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى وردّ السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر) رواه البخاري. فانظر أخي المسلم إلى هذه المعاني العظيمة التي تضمنها هذا الحديث وقارنها بواقع كثير من الناس اليوم في سوء استعمالهم للطريق فستجد الشباب الذين يعاكسون الفتيات في الطرقات، وأصحاب المحلات وغيرهم الذين يلقون القاذورات في الشوارع، وأصحاب السيارات الذين يطلقون العنان لأبواق سياراتهم أو الذين يعتبرون الشوارع ملكاً خاصاً لهم، والناس الذين يتعدون على الشوارع فيأخذون منها بدل أن يعطوها شيئاً من أرضهم لتوسعة الشوارع أو يتركون فيها مخلفات البناء.

إن إزالة الأذى من طرقات الناس تعتبر صدقة كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تميط الأذى عن الطريق صدقة) رواه البخاري. وعنه أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر له) رواه البخاري ومسلم. وإزالة الأذى من طرقات الناس إحدى مراتب الإيمان كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم. وعن أبي برزة - رضي الله عنه - قال: (قلت يا نبي الله علمني شيئاً أنتفع به قال: اعزل الأذى عن طريق المسلمين) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق سواء كان الأذى شجرة تؤذي أو غصن شوكة أو حجراً يعثر به أو قذراً أو جيفة أو غير ذلك] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 131. وما ذكره الإمام النووي من أنواع الأذى المادية التي كانت معروفة في زمانهم قد يكون يسيراً مع أنواع الأذى المعنوية الموجودة في زماننا مثل استعمال مكبرات الصوت في المناسبات حتى ساعات متأخرة من الليل واستعمال أبواق السيارات وإطلاق الألعاب النارية وغيرها. فهذه مزعجة للنائم والمريض ولطالب العلم ومخيفة للأطفال فكل ذلك أذى يجب الامتناع عنه ديانة ومنع الناس منه قانوناً ونظاماً، وأنواع الأذى هذه يشملها عموم الأحاديث السابقة فإن كلمة الأذى الواردة فيها تعمها جميعاً. وكذلك ما ورد في أحاديث أخرى من تحريم للأذى بشكل عام كما

الموسيقى

جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) رواه البخاري. فهذا النهي الوارد في الحديث يعم كل أذى فلا يجوز إلحاق الأذى بالجار سواء أكان الأذى مادياً أو معنوياً. * * * الموسيقى يقول السائل: إنه سمع الشيخ يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة يضعف الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه وهو: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وإن الشيخ القرضاوي يرى أن هذا الحديث لا يصلح للاستدلال على تحريم الموسيقى والأغاني المصاحبة لها فما قولكم في ذلك؟ الجواب: ما قاله الشيخ العلامة القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة قاله منذ زمن طويل فقد ذكر في كتابه الحلال والحرام ص 293 ما نصه: [أما ما ورد فيه - أي الغناء - من أحاديث نبوية فكلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه، قال القاضي أبو بكر ابن العربي: لم يصح في تحريم الغناء شيء، وقال ابن حزم: كل ما روي فيها باطل موضوع]. وقال الشيخ القرضاوي نحو هذا الكلام في كتابه فتاوى معاصرة 1/ 690 - 691 وفصّل الشيخ القرضاوي الكلام على المسألة في كتابه الإسلام والفن ... ص 30 - 90 وفي هذا الكتاب تكلم الشيخ القرضاوي على الحديث المذكور في السؤال فقال: [والحديث وإن كان في صحيح البخاري إلا أنه من المعلقات لا من المسندات المتصلة ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده ومع التعليق فقد قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب وقد اجتهد الحافظ ابن حجر لوصل الحديث ووصله بالفعل من تسع طرق ولكنها

جميعاً تدور على راوٍ تكلم فيه عدد من الأئمة النقاد ألا وهو هشام بن عمار وهو وإن كان خطيب دمشق ومقرئها ومحدثها وعالمها وثَّقهُ ابن معين والعجلي فقد قال عنه أبو داود: حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها، وقال أبو حاتم: صدوق وقد تغير فكان كل ما دفع إليه قرأه وكل ما لقنه تلقن وكذلك قال ابن سيار: وقال الإمام أحمد: طياش خفيف. وقال النسائي: لا بأس به، وهذا ليس بتوثيق مطلق ورغم دفاع الحافظ الذهبي عنه قال: صدوق مكثر له ما ينكر. وأنكروا عليه أنه لم يكن يحدث إلا بأجر ومثل هذا لا يقبل حديثه في مواطن النزاع وخصوصاً في أمر عمت به البلوى. ورغم ما في ثبوته من الكلام ففي دلالته كلام آخر فكلمة المعازف لم يتفق على معناها بالتحديد ما هو؟ فقد قيل الملاهي وهذه مجملة وقيل آلات العزف ولو سلمنا بأن معناها آلات الطرب المعروفة بآلات الموسيقى فلفظ الحديث المعلق في البخاري غير صريح في إفادة حرمة المعازف لأن عبارة يستحلون كما ذكر ابن العربي لها معنيان: أحدهما يعتقدون أن ذلك حلال. والثاني أن تكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور إذ لو كان المقصود بالاستحلال المعنى الحقيقي لكان كفراً فإن استحلال الحرام المقطوع به مثل الخمر والزنا المعبر عنه بالحر كفر بالإجماع ولو سلمنا بدلالتها على الحرمة فهل يستفاد منها تحريم المجموع المذكور من الحر والخمر والحرير والمعازف أو كل فرد منها على حدة والأول هو الراجح فإن الحديث في الواقع ينعى على أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور فهم بين خمر ونساء ولهو وغناء وخز وحرير ولذا روى ابن ماجة هذا الحديث عن أبي مالك الاشعري بلفظ: (ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه والبخاري في تاريخه وكل من روى الحديث من طريق غير طريق هشام بن عمار جعل الوعيد على شرب الخمر وما المعازف إلا مكملة وتابعة ... ] الإسلام والفن ص 41 - 44.

وواضح من كلام الشيخ القرضاوي أنه اتكأ فيه على كلام الشيخ ابن حزم في تضعيف الحديث ورده من حيث السند واستند إلى قول ابن حزم أن كل ما روي في الغناء باطل موضوع. وقد أخطأ الشيخ ابن حزم في هذه المسألة خطأً كبيراً وتابعه الشيخ القرضاوي في خطئه ومعلوم كما قال بعض السلف: [كل يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم -] وليس أحد من أهل العلم معصوم عن الوقوع في الخطأ. وقد بين أهل الحديث والمحققون من الفقهاء خطأ ابن حزم ومن تابعه في حكمه على الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه حيث قال الإمام البخاري: [وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر أوأبو مالك الأشعري والله ما كذبني سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ... الخ الحديث]. وهذا الحديث رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم محتجاً به وما رواه البخاري معلقاً مجزوماً به فهو صحيح يحتج به قال الحافظ ابن حجر: [وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحاً إلى من علق عنه ولو لم يكن من شيوخه لكن إذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولاً إلى من علقه بشرط الصحة أزال الإشكال ولهذا عنيت في ابتداء الأمر بهذا النوع وصنفت كتاب تغليق التعليق وقد ذكر شيخنا في شرح الترمذي وفي كلامه على علوم الحديث أن حديث هشام بن عمار جاء عنه موصولاً في مستخرج الإسماعيلي قال حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا هشام بن عمار وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين فقال حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار قال وأخرجه أبو داود في سننه فقال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بسنده] فتح الباري 12/ 152 - 153.

وقال الإمام النووي: [قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله - يعني ابن الصلاح - وهكذا الأمر في تعليقات البخاري بألفاظ جازمة مثبتة على الصفة التي ذكرناها كمثل ما قال فيه قال فلان أو روى فلان أو ذكر فلان أو نحو ذلك ولم يصب أبو محمد بن حزم الظاهري حيث جعل مثل ذلك انقطاعاً قادحاً في الصحة واستروح إلى ذلك في تقرير مذهبه الفاسد في إباحة الملاهي وزعمه أنه لم يصح في تحريمها حديث مجيباً عن حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... (ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف .. إلى آخر الحديث) فزعم أنه وإن أخرجه البخاري فهو غير صحيح لأن البخاري قال فيه: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فهو منقطع فيما بين البخاري وهشام. وهذا خطأ من ابن حزم من وجوه: أحدها: أنه لا انقطاع في هذا أصلاً من جهة أن البخاري لقي هشاماً وسمع منه وقد قررنا في كتابنا علوم الحديث أنه إذا تحقق اللقاء والسماع مع السلامة من التدليس حمل ما يرويه عنه على السماع بأي لفظ كان كما يحمل قول الصحابي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سماعه منه إذا لم يظهر خلافه وكذا غير قال من الألفاظ. الثاني: أن هذا الحديث بعينه معروف الاتصال بصريح لفظه من غير جهة البخاري. الثالث: أنه وإن كان ذلك انقطاعاً فمثل ذلك في الكتابين - أي الصحيحين - غير ملحق بالانقطاع القادح لما عرف من عادتهما وشرطهما وذكرهما ذلك في كتاب موضوع لذكر الصحيح خاصة فلن يستجيزا فيه الجزم المذكور من غير ثبت وثبوت بخلاف الانقطاع أو الإرسال الصادر من غيرهما هذا كله في المعلق بلفظ الجزم] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 18 - 19، وانظر الباعث الحثيث ص34 - 35. ويرى جماعة من أهل العلم أن هذا الحديث ليس معلقاً وإنما هو في صورة المعلق قال الإمام العيني: [والحديث صحيح وإن كانت صورته صورة التعليق وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحاً إلى من علقه عنه ولو لم يكن من شيوخه] عمدة القاري 14/ 591.

وقال العلامة الشيخ الألباني: [وهذا النوع من التعليق صورته صورة التعليق كما قال الحافظ العراقي في تخريجه لهذا الحديث في المغني عن حمل الأسفار 2/ 271، وذلك لأن الغالب على الأحاديث المعلقة أنها منقطعة بينها وبين معلقها ولها صور عديدة معروفة وهذا ليس منها لأن هشام بن عمار من شيوخ البخاري الذين احتج بهم في صحيحه في غير ما حديث كما بينه الحافظ في ترجمته من مقدمة الفتح ولما كان البخاري غير معروف بالتدليس كان قوله في هذا الحديث قال في حكم قوله عن أو حدثني أو قال لي .... ويشبه قول العراقي المذكور قول ابن الصلاح في مقدمة علوم الحديث ص 72 صورته صورة الانقطاع وليس حكمُه حكمَه، وليس خارجاً من الصحيح إلى الضعيف. ثم رد على ابن حزم إعلاله إياه بالانقطاع وسيأتي تمام كلامه إن شاء الله في الفصل الثالث. والمقصود أن الحديث ليس منقطعاً بين البخاري وشيخه هشام كما زعم ابن حزم ومن قلده من المعاصرين كما سيأتي بيانه في الفصل المذكور إن شاء الله تعالى على أنه لو فرض أنه منقطع فهي علة نسبية لا يجوز التمسك بها لأنه قد جاء موصولاً من طرق جماعة من الثقات الحفاظ سمعوه من هشام بن عمار فالمتشبث والحالة هذه بالانقطاع يكابر مكابرة ظاهرة كالذي يضعف حديثاً بإسناد صحيح متشبثاً بإسناد له ضعيف] تحريم آلات الطرب ص 39 - 40. ويضاف إلى ذلك أن الحافظ ابن حجر ذكر تسع طرق موصولة للحديث في كتابه تغليق التعليق 5/ 17 - 22. قال الحافظ ابن حجر في " تغليق التعليق ": [وهذا حديث صحيح لا علة له ولا مطعن فيه وقد أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد وبالاختلاف في اسم أبي مالك وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً فيهم مثل الحسن بن سفيان وعبدان وجعفر الفريابي وهؤلاء الحفاظ أثبات وأما الاختلاف في كنية الصحابي فالصحابة كلهم عدول] نقلاً عن تحريم آلات الطرب ص 87.

وذكر الشيخ الألباني أن الحديث قد وصله الطبراني والبيهقي وابن عساكر وابن أبي شيبة وأحمد وغيرهم انظر السلسلة الصحيحة 1/ 14، تحريم آلات الطرب ص 45. وذكر الشيخ الألباني أيضاً جماعة من العلماء الذين صححوا الحديث منهم: 1. البخاري 2. ابن حبان 3. الإسماعيلي 4. ابن الصلاح 5. النووي 6. ابن تيمية 7. ابن القيم 8. ابن كثير 9. العسقلاني 10. ابن الوزير الصنعاني 11. السخاوي 12. الأمير الصنعاني .... إلى غير هؤلاء ممن لا يحضرني فهل يدخل في عقل مسلم أن يكون المخالفون كابن حزم ومن جرى خلفه وليس فيهم مختص في علم الحديث هل يعقل أن يكون هؤلاء على صواب وأؤلئك الأئمة على خطأ؟! (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)] تحريم آلات الطرب ص 89. وقال العلامة ابن القيم: [ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئاً كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي وزعم أنه منقطع لأن البخاري لم يصل سنده به. وجواب هذا الوهم من وجوه: أحدها أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه فإذا قال: قال هشام، فهو بمنزلة قوله عن هشام. الثاني: أنه لو لم يسمع منه فهو لم يستجز الجزم به عنه إلا وقد صح عنه أنه حدث به. وهذا كثيراً ما يكون لكثرة من رواه عنه عن ذلك الشيخ وشهرته فالبخاري أبعد خلق الله من التدليس. الثالث: أنه أدخله في كتابه المسمى بالصحيح محتجاً به فلولا صحته عنده لما فعل ذلك. الرابع: أنه علقه بصيغة الجزم دون صيغة التمريض فإنه إذا توقف في

الحديث أو لم يكن على شرطه يقول ويروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويذكر عنه ونحو ذلك فإذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد جزم وقطع بإضافته إليه. الخامس: أنا لو أضربنا عن هذا كله صفحاً فالحديث صحيح متصل عند غيره] إغاثة اللهفان 1/ 259 - 260. وأما ما ادعاه الشيخ القرضاوي من أن الحديث مضطرب سنداً ومتناً فكلام غير مسلم، قال الإمام الشوكاني: [ويجاب عن دعوى الاضطراب في السند بأنه قد رواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسه عن أبي داود ورواية ابن حبان أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين فتبين بذلك أنه من روايتهما جميعاً. وأما الاضطراب في المتن فيجاب بأن مثل ذلك غير قادح في الاستدلال لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة ويذكرها أخرى. والرابع أن لفظة المعازف التي هي محل الاستدلال ليست عند أبي داود ويجاب بأنه قد ذكرها غيره وثبتت في الصحيح والزيادة من العدل مقبولة وأجاب المجوزون أيضاً على الحديث المذكور من حيث دلالته فقالوا: لا نسلم دلالته على التحريم وأسندوا هذا المنع بوجوه: أحدها أن لفظة يستحلون ليست نصاً في التحريم فقد ذكر أبو بكر ابن العربي لذلك معنيين: أحدهما أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال. الثاني أن يكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور ويجاب بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة ولا ملجأ إلى الخروج عنها وثانيها أن المعازف مختلف في مدلولها كما سلف وإذا كان اللفظ محتملاً لأن يكون للآلة ولغير الآلة لم ينتهض للاستدلال لأنه إما أن يكون مشتركاً والراجح التوقف فيه أو حقيقة ومجازاً ولا يتعين المعنى الحقيقي ويجاب بأنه يدل على تحريم استعمال ما صدق عليه الاسم والظاهر الحقيقة في الكل من المعاني المنصوص عليها من أهل اللغة وليس من قبيل المشترك لأن اللفظ لم يوضع لكل واحد على حدة بل وضع للجميع على أن الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه مع عدم

التضاد كما تقرر في الأصول وثالثها أنه يحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر كما ثبت في رواية بلفظ: (ليشربن أناس من أمتي الخمر تروح عليهم القيان وتغدو عليهم المعازف) ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط وإلا لزم أن الزنى المصرح به في الحديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله وأيضاً يلزم في مثل قوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) أنه لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين فإن قيل تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل آخر فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل آخر أيضاً كما سلف على أنه لا ملجأ إلى ذلك حتى يصار إليه ورابعها أن يكون المراد يستحلون مجموع الأمور المذكورة فلا يدل على تحريم واحد منها على الانفراد وقد تقرر أن النهي عن الأمور المتعددة أو الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل فرد منها ويجاب عنه بما تقدم في الذي قبله] نيل الأوطار 8/ 115 - 116. ويكفي هذا القدر من كلام أهل العلم وإلا فالمسألة فيها كلام كثير للعلماء في إبطال كلام ابن حزم ومن تابعه. وينبغي أن يعلم أنه على الرغم من كون الشيخ ابن حزم من كبار الفقهاء المجتهدين إلا أن له أوهاماً ليست قليلة في علم الحديث كتسرعه في الحكم على الرجال تعديلاُ وتجريحاً فوقع في أوهام شنيعة كتضعيفه بعض أحاديث الصحيحين وتجهيله عدداً من الرواة الثقاة وغير ذلك من الأوهام ولا يتسع المقام للتفصيل ومن أراد التوسع فيه فلينظر كتاب (الصناعة الحديثية عند ابن حزم) للشيخ علي رضا فقد ذكر مئة وثمانين وهماً لابن حزم في الأحاديث. وأما كلام الشيخ القرضاوي عن هشام بن عمار الذي روى عنه الإمام البخاري الحديث السابق فكلام غير مقبول وغير مسلم. فهشام بن عمار هذا قال عنه الحافظ الذهبي: [الإمام الحافظ المقرئ عالم أهل الشام ... خطيب دمشق ... فقد كان من أوعية العلم ... وثقه

لا توارث بسبب الرضاع

يحيى بن معين وقال عنه كيّس كيس ووثقه العجلي وقال النسائي لا بأس به وقال الدارقطني: صدوق كبير المحل. وأطال الذهبي في ترجمته انظر سير أعلام النبلاء 11/ 420 - 435 وهشام بن عمار احتج به البخاري والنسائي وابن ماجة وغيرهم. وترجم الحافظ المزي لهشام بن عمار وذكر في ترجمته ما يلي: [ ... وقال معاوية بن صالح وإبراهيم بن الجنيد عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم عن يحيى بن معين: كيّس كيّس. وقال العجلي: ثقة. وقال في موضع آخر صدوق. .... وقال عبدان بن أحمد الجواليقي: ... ما كان في الدنيا مثله] تهذيب الكمال في أسماء الرجال 30/ 247 - 248. وخلاصة الأمر أن الشيخ القرضاوي حفظه الله قد جانب الصواب في هذه المسألة. * * * لا توارث بسبب الرضاع يقول السائل: هل يرث الإبن من الرضاع من أمه؟ الجواب: من المعروف عند جمهور أهل العلم أن أسباب الميراث ثلاثة وهي القرابة والزوجية والولاء. فأما القرابة فهي كل صلة بين شخصين بسبب الولادة من قبل أب وأم قريبة كانت أو بعيدة. انظر العذب الفائض 1/ 19. يقول الله سبحانه وتعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) سورة النساء الآية 11. وقال تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة الأنفال الآية 75. وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ألحقوا الفرائض

بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر) رواه البخاري. وفي رواية لمسلم: (اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر) والمستحقون للميراث بالقرابة هم أصحاب الفرائض والعصبات النسبية وذوو الأرحام وهذا فيه تفصيل كثير عند العلماء. وأما الزوجية فيدل على توارث الزوجين قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) سورة النساء الآية 12. ويشترط لتوارث الزوجين أن ينعقد النكاح صحيحاً ولو لم يتم دخول أو خلوة بعد العقد الصحيح ويشترط أيضاً أن تكون الزوجية الصحيحة قائمة عند الوفاة. وأما الولاء فهو قرابة غير حقيقية أي حكمية تحصل بسبب العتق أو عقد الموالاة. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنما الولاء لمن أعتق) رواه البخاري ومسلم. ونظراً لانتهاء عصر الرق فلا حاجة للحديث عن ذلك الآن. إذا تقرر هذا فإن الرضاعة ليست من أسباب الميراث باتفاق أهل العلم والإبن من الرضاع لا يرث من أمه الرضاعية ولا أثر للرضاع في الميراث. قال الإمام النووي: [الرضاع يؤثر في تحريم النكاح وثبوت المحرمية المقيدة لجواز النظر والخلوة دون سائر أحكام النسب كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القصاص ورد الشهادة وغيرها وهذا كله متفق عليه) روضة الطالبين 6/ 418 - 419. وقال الإمام البغوي (ولا يتعلق بالرضاع من أحكام النسب إلا شيئان: تحريم النكاح والمحرمية وهي أنه يجوز للرجل أن يخلو بالمحرمة عليه بالرضاع وأن يسافر بها.

حرمان البنات في الوقف

أما الميراث ووجوب النفقة وحصول العتق وغيرها من أحكام النسب فلا يتعلق شيء منها بالرضاع) التهذيب 6/ 285. * * * حرمان البنات في الوقف يقول السائل: لدينا وقفية وقد شرط الواقف فيها إعطاء الذكور من ورثته دون الإناث فما الحكم في هذا الشرط؟ الجواب: الوقف قربة يتقرب بها الواقف إلى الله سبحانه وتعالى وهو داخل في عموم النصوص التي تحث على أفعال البر كما في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) سورة البقرة الآية 267. وقوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) سورة آل عمران الآية 92 ويدخل في عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه البخاري ومسلم وثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب أصاب أرضاً بخيبر فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث وتصدق بها في الفقراء وفي القربي وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى أن عمر - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن المئة سهم التي بخيبر لم أصب مالاً قط أعجب إليَّ منها وقد أردت أن أتصدق

بها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: احبس أصلها وسبل ثمرتها) رواه النسائي وابن ماجة والبيهقي وهو حديث صحيح كما قال الألباني في إرواء الغليل 6/ 31. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علَّمه ونشره وولداً صالحاً تركه ومصحفاً ورَّثه أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه بعد موته) رواه ابن ماجة وابن خزيمة وهو حديث حسن كما قال الألباني، صحيح سنن ابن ماجة 1/ 46. وغير ذلك من النصوص. إذا تقرر هذا فنعود إلى ما ذكره السائل من شرط الواقف بحرمان البنات من وقفيتة فأقول إن كثيراً من الواقفين للوقفيات الأهلية أو الذرية يشترطون شروطاً لا تقرها الشريعة الإسلامية ومن ذلك حرمان البنات وهذا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية التي أوجبت العدل بين الذكور والإناث ومن المعلوم عند أهل العلم أن الإنسان ليس حراً فيما يشترطه من شروط في عقوده ومعاملاته بل لا بد أن تكون هذه الشروط لا تتعارض مع قواعد الشريعة وأصولها، قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب المكاتب وما لا يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله ... وقال ابن عمر أو عمر: كل شرط خالف كتاب الله فهو باطل وإن اشترط مئة شرط] ثم روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أتتها بريرة تسألها في كتابها فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرته ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ابتاعيها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق. ثم قام رسول الله على المنبر فقال: ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله! فمن اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مئة شرط) رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: [وأن المراد ما خالف كتاب الله ثم استظهر على ذلك بما نقله عن عمر أو ابن عمر وتوجيه ذلك أن يقال المراد بكتاب الله في الحديث المرفوع حكمه وهو أعم من أن يكون نصاً أو

مستنبطاً فكل ما كان ليس من ذلك فهو مخالف لما في كتاب الله] فتح الباري 6/ 282. ولا شك أن اشتراط حرمان الإناث من الوقفية مخالف للأحكام الشرعية التي أمرت بالعدل بين الأبناء فعن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: (أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة - أم النعمان -: لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال عليه الصلاة والسلام: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. فقال - صلى الله عليه وسلم -: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال فرجع فرد عطيته) رواه البخاري. وفي رواية أخرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبشير والد النعمان: (لا تشهدني على جور أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء. قال: نعم. قال: أشهد على هذا غيري) رواه أبو داود بسند صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء) رواه سعيد بن منصور والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن وغير ذلك من الأحاديث. فبناءً على ذلك فيجب إبطال هذا الشرط لمعارضته للشريعة كما سلف ولا ينبغي التمسك بما قرره الفقهاء أن شرط الواقف كنص الشارع حيث إن بعض الفقهاء اعتبروا هذه القاعدة موجبة لتنفيذ شروط الواقفين وأنه يجب العمل بها مهما كانت وإن خالفت الشرع وهذا غير مسلم وغير مقبول. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وقد اتفق المسلمون على أن شروط الواقف تنقسم إلى صحيح، وفاسد، كالشروط في سائر العقود ومن قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، فمراده أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف لا في وجوب العمل بها أي أن مراد الواقف يستفاد من ألفاظه المشروطة كما يستفاد مراد الشارع من ألفاظه فكما يعرف

العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والتشريك والترتيب في الشرع من ألفاظه الشارع فكذلك تعرف في الوقف من ألفاظ الواقف. مع أن التحقيق في هذا أن لفظ الواقف ولفظ الحالف والشافع والموصي وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها، سواء وافقت العربية العرباء أو العربية المولدة أو العربية الملحونة أو كانت غير عربية وسواء وافقت لغة الشارع أو لم توافقها فإن المقصود من الألفاظ دلالتها على مراد الناطقين بها فنحن نحتاج إلى معرفة كلام الشارع لأن معرفة لغته وعرفه وعادته تدل على معرفة مراده وكذلك في خطاب كل أمة وكل قوم فإذا تخاطبوا بينهم في البيع والإجارة أو الوقف أو الوصية أو النذر أو غير ذلك بكلام رجع إلى معرفة مرادهم وإلى ما يدل على مرادهم من عادتهم في الخطاب وما يقترن بذلك من الأسباب. وأما أن تجعل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العمل بها فهذا كفر باتفاق المسلمين إذ لا أحد يطاع في كل ما يأمر به من البشر - بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والشروط إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة. ... وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب على منبره وقال: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل. وإن كان مئة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق] مجموع الفتاوى 31/ 47 - 48. وقال العلامة ابن القيم: [فالصواب الذي لا تسوغ الشريعة غيره عرض شرط الواقفين على كتاب الله سبحانه وعلى شرطه، فما وافق كتابه وشرطه فهو صحيح وما خالفه كان شرطاً باطلاً مردوداً ولو كان مئة شرط وليس ذلك بأعظم من رد حكم الحاكم إذا خالف حكم الله ورسوله ومن رد فتوى للمفتي وقد نص الله سبحانه على رد وصية الجانف في وصيته والآثم فيها مع أن الوصية تصح في غير قربة وهي أوسع من الوقف وقد صرح صاحب الشرع برد كل عمل ليس عليه أمره فهذا الشرط مردود بنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يحل لأحد أن يقبله ويعتبره ويصححه ...

الحناء للرجال

معنى قولهم: شرط الواقف كنص الشارع ثم إن العجب العجاب قول من يقول إن شروط الواقف كنصوص الشارع ونحن نبرأ إلى الله من هذا القول ونعتذر مما جاء به قائله ولا نعدل بنصوص الشارع غيرها أبداً وإن أحسن الظن بقائل هذا القول حمل كلامه على أنها كنصوص الشارع في الدلالة وتخصيص عامها بخاصها وحمل مطلقها على مقيدها واعتبار مفهومها كما يعتبر منطوقها وأما أن تكون كنصوصه في وجوب الإتباع وتأثيم من أخل بشيء منها فلا يظن ذلك بمن له نسبه ما إلى العلم فإذا كان حكم الحاكم ليس كنص الشارع بل يرد ما خالف حكم الله ورسوله من ذلك فشرط الواقف إذا كان كذلك كان أولى بالرد والإبطال] إعلام الموقعين 1/ 315 - 316. وقال العلامة صديق حسن خان: [والحاصل أن الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل ومخالفة فرائض الله - عز وجل - فهي باطلة من أصلها لا تنعقد بحال. وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم وما أشبه ذلك فإن هذا لم يرد التقرب إلى الله تعالى بل أراد المخالفة لأحكام الله عز وجل والمعاندة لما شرعه لعباده وجعل هذا الوقف الطاغوتي ذريعة إلى ذلك المقصد الشيطاني فليكن هذا منك على ذكر فما أكثر وقوعه في هذه الأزمنة] التعليقات الرضية 2/ 515 - 516. وخلاصة الأمر أنه ينبغي إبطال الشرط بحرمان البنات من الوقفية وإذا لم يمكن الإلغاء أمام المحكمة الشرعية فالمطلوب هو أن يصطلح المنتفعون بالوقفية على إلغاء الشرط. * * * الحناء للرجال يقول السائل: ما حكم استعمال الحناء في اليدين في حق الرجل؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أن جمهور أهل العلم يرون أن خضاب شعر

الرأس واللحية سنة ويدل على ذلك عدة أحاديث منها: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب) رواه أحمد، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد 5/ 163. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أحسن ما غير به الشيب الحناء والكتم) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وصححه الشيخ الألباني أيضاً في صحيح سنن أبي داود 2/ 792، والكتم نوع من النبات. وعن جابر بن عبد الله قال: (أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد) رواه مسلم. والثغامة نبت أبيض الزهر. قال الشيخ ابن قدامة: [ويستحب خضاب الشيب بغير السواد قال أحمد: إني لأرى الشيخ المخضوب فأفرح به] المغني 1/ 68. ثم ذكر حديث: [غيروا الشيب] وأن أبا بكر وعمر والمهاجرين قد خضبوا والاختضاب مشروع في حق المرأة المتزوجة أيضاً فيجوز لها أن تخضب رأسها وكفيها وقدميها وأما غير المتزوجة فيكره لها ذلك. وأما الرجل فلا يجوز له أن يخضب كفيه وقدميه لأن في اختضابه فيهما تشبهاً بالنساء والتشبه بالنساء ممنوع. الموسوعة الفقهية 2/ 281 - 284. وقد ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) رواه البخاري

قال الإمام النووي: [أما خضاب اليدين والرجلين فمستحب للمتزوجة من النساء للأحاديث المشهورة فيه وهو حرام على الرجال إلا لحاجة التداوي ونحوه، ومن الدلائل على تحريمه قوله صلى الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (لعن الله المتشبهين بالنساء من الرجال) ويدل عليه الحديث الصحيح عن انس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نهى أن يتزعفر الرجل) رواه البخاري ومسلم وما ذاك إلا للونه لا لريحه فإن ريح الطيب للرجال محبوب والحناء في هذا كالزعفران وفي كتاب الأدب من سنن أبي داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال: ما بال هذا، فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع، فقالوا: يا رسول الله ألا نقتله، فقال: إني نهيت عن قتل المصلين) لكن إسناده فيه مجهول) المجموع 1/ 294 - 295. وكلام النووي يفيد أن الحديث ضعيف ولكن الشيخ الألباني صحح الحديث في صحيح سنن أبي داود 2/ 931. وقد اعتبر ابن حجر المكي الهيتمي خضب الرجل ليديه وقدميه من كبائر الذنوب!! الزواجر 1/ 348 * * *

متفرقات

متفرقات

تكره الأسئلة التي لا يترتب عليها عمل

تكره الأسئلة التي لا يترتب عليها عمل السؤال: يسألني بعض الناس أسئلة لا يترتب عليها عمل ولا نفع فيها للسائل كالسؤال عن المدة التي مكثها يونس عليه السلام في بطن الحوت وأمثال ذلك، فما الحكم في السؤال عن مثل هذه الأمور؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أن أهل العلم والفتوى قد بينوا ووضحوا أن على المسلم إن أراد السؤال والاستفتاء فعليه أن يسأل عما ينفعه في دينه ودنياه فلا بأس بالسؤال عما يعترض المسلم في شؤونه كلها فيسأل عن أمور العبادات والمعاملات وعن قضايا العقيدة وما يتعلق بذلك. وأما السؤال عما لا نفع فيه للمسلم في حياته وآخرته فلا ينبغي السؤال عن ذلك ولا يجب على المسؤول أي العالم أو المفتي أن يجيبه على أمثال هذه الأسئلة كأن يسأل كيف هبط جبريل؟ وعلى أي صورة رآه النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وحين رآه على صورة البشر هل بقي ملكاً أم لا؟ وأين الجنة وأين النار؟ ومتى الساعة ونزول عيسى عليه السلام؟ وإسماعيل أفضل أم إسحاق؟ وأيهما الذبيح؟ وفاطمة أفضل من عائشة أم لا؟ وأبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - كانا على أي دين؟ وما دين أبي طالب؟ ومن المهدي؟ إلى غير ذلك مما لا حاجة بالإنسان إليه ولا ينبغي أن يسأل عنه لأنه ليس تحته عمل ولا تجب عليه

معرفته ولم يرد التكليف به. كما ذكره العلامة ابن عابدين في حاشيته رد المحتار على الدر المختار. وقد أرشد ابن عباس - رضي الله عنه - مولاه عكرمة إلى قاعدة هامة في أمر الفتوى حين أمره أن يفتي الناس فقال له: (انطلق فأفت الناس وأنا عون لك فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته). وقال القاضي إياس بن معاوية: من المسائل ما لا ينبغي للسائل أن يسأل عنها ولا للمسؤول أن يجيب فيها. ومن سؤال الفراغ والفضول ما وقع للإمام الشعبي فقد أتاه رجل فقال له: ما اسم امرأة إبليس؟ قال: ذاك عرس ما شهدته!. ومن سؤال الفراغ أيضاً ما وقع لأحد كبار السادة المالكية (زياد بن عبد الرحمن القرطبي الملقب بشبطون) تلميذ مالك حكى القاضي عياض في ترجمته في ... " ترتيب المدارك " ما يلي: قال حبيب: كنا جلوساً عند زياد فأتاه كتاب من بعض الملوك ... فكتب فيه ثم طبع الكتاب ونفذ به الرسول. فقال زياد: أتدرون عما سأل صاحب هذا الكتاب؟ سأل عن كفتي ميزان الأعمال يوم القيامة أمن ذهب هي أم من ورق؟ - أي فضة - فكتبت إليه: حدثنا مالك عن ابن شهاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وسترد فتعلم. وجاء في " ترتيب المدارك " للقاضي عياض في باب تحري مالك في العلم والفتيا والحديث وورعه فيه وإنصافه، وسأل مالكاً رجل عن رجل وطئ بقدمه دجاجة ميتة فأخرجت منها بيضة فأفقست البيضة عنده عن فرخ أيأكله؟ ... فقال مالك: سل عما يكون ودع ما لا يكون، وسأله آخر عن نحو هذا فلم يجبه فقال له: لم لا تجيبني يا أبا عبد الله؟ فقال له: لو سألت عما تنتفع به لأجبتك. وسأله رجل عمن قال للآخر: يا حمار؟ قال: يجلد. قال: فإن قال له يا فرس؟ قال: تجلد أنت، ثم قال: يا ضعيف! وهل سمعت أحداً يقول لآخر: يا فرس؟!.

وجاء في " الآداب الشرعية " لابن مفلح الحنبلي: قال أحمد بن حنبل سألني رجل مرة عن يأجوج ومأجوج أمسلمون هم؟ فقلت له: أحكمت العلم - كله - حتى تسأل عن ذا؟! قال الحافظ ابن حجر: وقد ذم السلف البحث عن أمور معينة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن الساعة والروح ومدة هذه الأمة إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف وأكثر ذلك لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به بغير بحث] الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 264 - 266 الهامش. وقد فصل الإمام الشاطبي المواضع التي يكره السؤال عنها فقال: [ويتبين من هذا أن لكراهية السؤال مواضع نذكر منها عشرة مواضع: أحدها السؤال عما لا ينفع في الدين، كسؤال عبد الله بن حذافة: من أبي وروي في التفسير أنه عليه السلام الصلاة والسلام: (سئل ما بال الهلال يبدو رقيقاً كالخيط ثم لا يزال ينمو حتى يصير بدراً ثم ينقص إلى أن يصير كما كان؟ فأنزل الله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) الآية، فإنما أجيب بما فيه منافع الدين. والثاني: أن يسأل بعد ما بلغ من العلم حاجته كما سأل الرجل عن الحج أكل عام؟ مع أن قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) قاض بظاهره أنه للأبد لإطلاقه، ومثله سؤال بني إسرائيل بعد قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً). والثالث: السؤال من غير احتياج إليه في الوقت وكأن هذا - والله أعلم - بما لم ينزل فيه حكم وعليه يدل قوله: (ذروني ما تركتمكم) وقوله: (وسكت عن أشياء رحمة لكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها). والرابع: أن يسأل عن صعاب المسائل وشرارها كما جاء في النهي عن الأغلوطات. والخامس: أن يسأل عن علة الحكم وهو من قبيل التعبدات التي لا

يعقل لها معنى أو السائل ممن لا يليق به ذلك السؤال كما في حديث قضاء الصوم دون الصلاة. والسادس: أن يبلغ بالسؤال إلى حد التكلف والتعمق وعلى ذلك يدل قوله تعالى: (مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) ولما سأل الرجل: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ قال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا. الحديث. والسابع: أن يظهر من السؤال معارضة الكتاب والسنة بالرأي ولذلك قال سعيد: أعراقي أنت؟ وقيل لمالك بن أنس الرجل يكون عالماً بالسنة أيجادل عنها؟ قال: لا ولكن يخبر بالسنة فإن قبلت منه وإلا سكت. والثامن السؤال عن المتشابهات وعلى ذلك يدل قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) الآية. وعن عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضا للخصومات أسرع التنقل. ومن ذلك سؤال من سأل مالكاً عن الاستواء فقال الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عنه بدعة. والتاسع: السؤال عما شجر بين السلف الصالح وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين فقال: تلك الدماء كف الله عنها يدي فلا أحب أن يلطخ بها لساني. والعاشر: سؤال التعنت والإفحام وطلب الغلبة في الخصام وفي القرآن في ذم نحو هذا: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ)، وقال: (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ). وفي الحديث: (أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم). هذه جملة المواضع التي يكره السؤال فيها يقاس عليها ما سواها وليس النهي فيها واحداً بل فيها ما تشتد كراهيته ومنها ما يخف، ومنها ما يحرم ومنها ما يكون محل اجتهاد وعلى جملة منها يقع النهي عن الجدال في الدين كما جاء ... (إن المراء في القرآن كفر) وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية! وأشباه ذلك من الآيات والأحاديث فالسؤال في مثل ذلك منهي عنه والجواب بحسبه] الموافقات 4/ 319 - 321.

حكم سب العلماء

وقد روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عن الصحابة رضي الله عنهم: (ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم). الفتوى في الإسلام ص 175. وقال الشيخ القرافي: [وينبغي للمفتي: إذا جاءته فتيا في شأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو فيما يتعلق بالربوبية يسأل عن أمور لا تصلح لذلك السائل لكونه من العوام الجلف أو يسال عن المعضلات ودقائق أصول الديانات ومتشابه الآيات والأمور التي لا يخوض فيها إلا كبار العلماء ويعلم أن الباعث له على ذلك إنما هو الفراغ والفضول والتصدي لما لا يصلح له: فلا يجيبه أصلاً ويظهر له الإنكار على مثل هذا، ويقول له: اشتغل بما يعنيك من السؤال عن صلاتك وأمور معاملاتك ولا تخض فيما عساه يهلكك لعدم استعدادك له. وإن كان الباعث له شبهة عرضت له: فينبغي أن يقبل عليه ويتلطف به في إزالتها بما يصل إليه عقله فهداية الخلق فرض على من سئل. والأحسن أن يكون البيان له باللفظ دون الكتابة فإن اللسان يفهم ما لا يفهم القلم لأنه حي والقلم موات فإن الخلق عيال الله وأقربهم إليه أنفعهم إلى عياله لا سيما في أمر الدين وما يرجع إلى العقائد] الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 264 - 266. وخلاصة الأمر أن المسلم لا يسأل إلا عن الأمور التي يتعلق بها عمل وتكليف وأما الأمور التي لا يترتب عليها عمل فلا ينبغي السؤال عنها. * * * حكم سب العلماء لا ريب أن احترام العلماء وتقديرهم من الأمور الواجبة شرعاً وإن خالفناهم الرأي فالعلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء قد ورثوا العلم وأهل العلم لهم حرمة. وقد وردت نصوص كثيرة في تقدير العلماء واحترامهم، قال

الإمام النووي: [باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم]. ثم ذكر قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) سورة الزمر الآية 9، ثم ساق الإمام النووي طائفة من الأحاديث في إكرام العلماء والكبار وأحيل القارئ إلى كتاب رياض الصالحين للإمام النووي ص 187 - 192. ومع كل هذه النصوص التي تحث على ما سبق وغيرها من النصوص الشرعية التي تحرم السب والشتم واللعن والوقوع في أعراض المسلمين إلا أن بعض الناس من أشباه طلبة العلم ليس لهم شغل إلا شتم العلماء وسبهم على رؤوس الأشهاد في المساجد وفي الصحف والمجلات ويحاول هؤلاء الصبية تشويه صورة العلماء وتنفير عامة الناس منهم لأن هؤلاء العلماء علماء السلاطين - كما يزعم هؤلاء النكرات - ومن العلماء الفضلاء الذين تعرضوا وما زالوا يتعرضون لهذه الهجمة الشرسة العلامة الفقيه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله ورعاه، فالشيخ القرضاوي لا ينكر علمه وفضله إلا حاقد أو جاهل. والشيخ القرضاوي لا يحبه ويقدره إلا من تأدب بأدب الإسلام ولا يبغضه ولا يشتمه إلا سفيه أو جاهل أو حاقد ليس له نصيب من أدب الإسلام. إن أدعياء الوعي وأدعياء الفكر والثقافة يشتمون الشيخ القرضاوي بغير وعي ولا يعرفون ماذا يصدر منهم من فظائع لا يجوز أن تقال في حق واحد من عامة الناس فضلاً أن تقال في حق عالم من علماء الأمة كالشيخ القرضاوي. إن هجمتهم الشرسة على العلامة القرضاوي تثير التساؤل، فهذه الهجمة تخدم أعداء الأمة الذين طالبوا بإغلاق السبل أمام الشيخ القرضاوي كيلا يخاطب الأمة الإسلامية. وأتساءل لمصلحة من يهاجم علماء الأمة؟ ولمصلحة من يشتم العلماء؟ هل هذه هي الطريق لإقامة الخلافة؟ هل علماء الأمة حالوا دون إقامة

دولة الخلافة؟ أم أن بعض الناس يعلق فشله وعجزه على الآخرين؟ لماذا يوصف العلماء بالخيانة أو السذاجة والبلاهة؟ هل يصح أن يقال في علماء الأمة: " ومن الملمَّعين المنافقين "؟ كيف عرفتم أنهم منافقون؟ هل شققتم على قلوبهم؟ ألم تسمعوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسامة بن زيد - رضي الله عنه - لما قتل رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله: (أفلا شققت على قلبه؟) رواه مسلم. ألم تسمعوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) رواه البخاري ومسلم. هل علمتم دخيلة الشيخ القرضاوي ونيته وأنه لا يريد من برامجه إلا المحافظة على مكاسب الشهرة؟! هل كلام الشيخ القرضاوي ينضح بالجهل أو التجاهل؟ أم أن كل إناء بما فيه ينضح؟ إن الشيخ القرضاوي محل ثقة أهل العلم وجماهير الناس شرقاً وغرباً والشيخ القرضاوي ليس بحاجة لينال ثقة أشباه طلبة العلم وصغارهم. فالناس يأخذون علمهم عن الشيخ القرضاوي وأمثاله من العلماء الكبار ولا يأخذون عن الأصاغر فإن الأخذ عن الأصاغر هَلَكَةٌ في الدين. قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن أكابرهم فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا) رواه أبو عبيد والطبراني في الكبير والأوسط، وقال الهيثمي رجاله موثقون. ورواه أبو نعيم في الحلية ولفظه قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - (لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفهائهم فقد هلكوا). وورد في رواية أخرى عند الخطيب في تاريخه بلفظ (فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفلتهم فقد هلكوا). إتحاف الجماعة 2/ 105. إن الأمة بحاجة ماسة لعلم الشيخ القرضاوي وفهمه النير لأحكام

الإسلام، وليست بحاجة إلى العلم بطلب النصرة من الكفرة وأعداء الدين حتى يقدموا الخلافة على طبق من ذهب لبعض الناس! وهم فقط ينتظرون حدوث ذلك الأمر البعيد إن لم يكن المستحيل. إن مبدأ طلب النصرة من غير المقتنعين بالفكرة مبدأ خاطئ ليس عليه دليل صحيح من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهجه وإن حاولوا إثباته. إن الأمة لن تنظر إن شاء الله بارتياب إلى فتاوى وآراء العلامة القرضاوي، بل تتقبلها قبولاً حسناً، ولكن الأمة لتنظر بارتياب لمن يهاجم القرضاوي ويسبه ويشتمه لأن هؤلاء السابين الشاتمين هم الذين خرجوا عن أدب الحوار والخلاف ووصل بهم الأمر إلى اتهام نيات العلماء وطعنهم في إيمانهم!! أهكذا يكون النقد العلمي؟ قال الإمام الذهبي يرحمه الله: [ما زال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً ويرد هذا على هذا ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل] سير أعلام النبلاء 19/ 342. أيها الناس تأدبوا مع العلماء، واعرفوا لهم مكانتهم، فما فاز من فاز إلا بالأدب وما سقط من سقط إلا بسوء الأدب. واعلموا أن الأمة لا تحترم ولا تقدر إلا من يحترم العلماء والأئمة. قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله مخاطباً رجلاً تجرأ على العلماء: [إنما نحترمك ما احترمت الأئمة]. وأخيراً أختم بكلمة نيرة مضيئة قالها الحافظ ابن عساكر يرحمه الله: [اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)] * * *

حكم سب الأموات

حكم سب الأموات يقول السائل: ما حكم سب الأموات وذكر مساوئهم؟ الجواب: وردت أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنهى عن سب الأموات عامة كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) رواه البخاري في باب ما ينهى عن سب الأموات. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 3/ 502. وورد في الحديث عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا) رواه أحمد والنسائي. وفي رواية عند ابن حبان: (لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء) وقال محقق صحيح ابن حبان: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وذكر أن الحديث رواه أحمد والطبراني. انظر صحيح ابن حبان 7/ 292. ورواه الترمذي أيضاً وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 190. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات صاحبكم فدعوه) رواه أبو داود والترمذي وابن حبان وفي رواية أبي داود: (إذا مات صاحبكم فدعوه لا تقعوا فيه) وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 3/ 926. وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم) رواه أبو داود والترمذي وابن حبان والحديث فيه اختلاف فقد سكت عنه أبو داود وصححه ابن حبان، وقال الحافظ ابن حجر: إنه من شرط الحسن. شرح ابن علان على الأذكار 4/ 211، وذكر محقق الأذكار أن الحديث حسن بشواهده ص 141. وعن عائشة رضي الله عنها: (أنه ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - هالك - أي ميت - بسوء فقال: لا تذكروا هلكاكم إلا بخير) رواه النسائي وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/ 417.

ويرى كثير من أهل العلم أن عموم هذه الأحاديث مخصوص ويرى بعض شراح صحيح البخاري أن ترجمة البخاري للباب بما ذكر أعلاه يشير إلى ذلك. قال الحافظ ابن حجر: [قال الزين بن المنير: لفظ الترجمة يشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي، ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقاً، والجواب أن عمومه مخصوص بحديث أنس السابق حيث قال - صلى الله عليه وسلم - عند ثنائهم بالخير وبالشر: (وجبت وأنتم شهداء الله في الأرض) ولم ينكر عليهم. ويحتمل أن اللام في الأموات عهدية والمراد به المسلمون لأن الكفار مما يتقرب إلى الله بسبهم. وقال القرطبي في الكلام على حديث وجبت: يحتمل أجوبة: الأول: أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهراً به فيكون من باب لا غيبة لفاسق أو كان منافقاً ثانيها: يحمل النهي على ما بعد الدفن والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه. ثالثها: يكون النهي العام متأخراً فيكون ناسخاً وهذا ضعيف. وقال ابن رشيد ما محصله: إن السب ينقسم في حق الكفار وفي حق المسلمين أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم. وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة وقد يجب في بعض المواضع وقد يكون فيه مصلحة للميت كمن علم أنه أخذ ماله بشهادة زور ومات الشاهد فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن ذلك المال يرد إلى صاحبه. قال ولأجل الغفلة عن هذا التفصيل ظن بعضهم أن البخاري سها عن حديث الثناء بالخير والشر وإنما قصد البخاري أن يبين أن ذلك الجائز كان على معنى الشهادة وهذا الممنوع وهو على معنى السب وتأول بعضهم الترجمة الأولى على المسلمين خاصة والوجه عندي

حمله على العموم إلا ما خصصه الدليل بل لقائل أن يمنع ما كان على جهة الشهادة، وقصد التحذير يسمى سباً في اللغة. وقال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع وإن كان فاسقاً معلناً فلا غيبة له فكذلك الميت ويحتمل أن يكون النهي على عمومه فيما بعد الدفن والمباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن ليتعظ بذلك فسّاق الأحياء فإذا صار إلى قبره أمسك عنه لإفضائه إلى ما قدم وقد عملت عائشة راوية هذا الحديث بذلك في حق من استحق عندها اللعن فكانت تلعنه وهو حي فلما مات تركت ذلك ونهت عن لعنه قوله: (أفضوا) أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر واستدل به على منع سب الأموات مطلقاً وقد تقدم أن عمومه مخصوص وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساوئهم للتحذير منهم والتنفير عنهم. وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياءً وأمواتاً] فتح ... الباري 3/ 502 - 503. وقال الإمام النووي: [قال العلماء يحرم سب الميت المسلم الذي ليس معلناً بفسقه وأما الكافر والمعلن بفسقه من المسلمين ففيه خلاف للسلف وجاءت فيه نصوص متقابلة وحاصله أنه ثبت في النهي عن سب الأموات ما ذكرناه في هذا الباب وجاء في الترخيص في سب الأشرار أشياء كثيرة منها ما قصه الله علينا في كتابه العزيز وأمرنا بتلاوته وإشاعة قراءته ومنها أحاديث كثيرة في الصحيح كالحديث الذي ذكر فيه - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن لحي وقصة أبي رغال الذي كان يسرق الحاج بمحجنه وقصة ابن جدعان وغيرهم. ومنها الحديث الصحيح الذي قدمناه لما مرّت جنازة فأثنوا عليها شراً فلم ينكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بل قال: (وجبت). واختلف العلماء في الجمع بين هذه النصوص على أقوال أصحها وأظهرها أن أموات الكفار يجوز ذكر مساوئهم وأما أموات المسلمين المعلنين بفسق أو بدعة أو نحوهما فيجوز ذكرهم بذلك إذا كان فيه مصلحة

حكم من مات وليس في عنقه بيعة

لحاجة إليه للتحذير من حالهم والتنفير من قبول ما قالوه والاقتداء بهم فيما فعلوه وإن لم تكن حاجة لم يجز، وعلى هذا التفصيل تنزل هذه النصوص. وقد أجمع العلماء على جرح المجروح من الرواة والله أعلم] الأذكار ص 141. وخلاصة ما يؤخذ من هذه الأحاديث ما يلي: 1. تحريم سب الأموات لأنهم قد أفضوا إلى ما قدموا من خير أو شر فلا فائدة من سبهم ولأن ذلك يؤذي الأحياء. 2. حرمة الأموات من المسلمين كحرمة الأحياء منهم. 3. يجوز ذكر الأموات بما فيهم إن كان لمصلحة شرعية لا تتحقق إلا بذلك كتحذير الناس من بدعته والاقتداء بآثاره والتخلق بأخلاقه. 4. الكافر والمنافق معلوم النفاق كلام أهل الإيمان فيه شهادة عليه فمن ذكره المؤمنون بشر فقد وجبت له. انظر موسوعة المناهي الشرعية 2/ 49 - 50. * * * حكم من مات وليس في عنقه بيعة يقول السائل: ما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)؟ الجواب: هذا بعض حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه بإسناده عن زيد بن محمد عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - إلى عبد الله بن مطيع حين كان أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال: إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثاً، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية] صحيح مسلم 4/ 549.

والمراد بالبيعة في هذا الحديث بيعة إمام المسلمين أو خليفة المسلمين الذي يبايعه أهل الحل والعقد من أمة الإسلام وهذا الحديث لا ينطبق على حكام هذا الزمان أو زعماء الأحزاب والجماعات المختلفة لأن كلاً منهم ليس إماماً لجماعة المسلمين وقد ذكر أهل العلم شروطاً لصحة البيعة منها أن يكون في المبَايَعُ له شروط الإمامة وقد فصلها العلماء في كتبهم وأن يكون المتولي لعقد البيعة - بيعة الانعقاد - أهل الحل والعقد، قال الماوردي: [فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلاً وأكملهم شروطاً ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته] الأحكام السلطانية ص 19. وعليه فإن أهل الحل والعقد من المسلمين هم الذين يتولون اختيار إمام المسلمين وخليفتهم ولا عبرة بقول العوام في بيعة الانعقاد قال الرملي الشافعي: [أما بيعة غير أهل الحل والعقد من العوام فلا عبرة لها] نهاية المحتاج 7/ 390. ولا يصح دعوى بعض الحزبيين أن من لم يبايع أمير حزبهم فإنه إذا مات مات ميتة جاهلية فهذه الدعوى تعدٍ على سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتنزيل للنصوص على غير محلها الصحيح وتلاعب بعقول العوام وترهيب لهم في غير موضعه فإن المقصود بالحديث إمام جماعة المسلمين وليس زعيم فئة من فئات المسلمين الكثيرة والمتناحرة فيما بينها. وإمام المسلمين الذي تجب له البيعة له شروط ذكرها أهل العلم كما أشرت سابقاً وهذه الشروط لا تنطبق على قادة الأحزاب والجماعات الموجودة حالياً. وحديث ابن عمر محل السؤال ذكره الإمام النووي في: [باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ... ] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 546. فالمقصود بالحديث: [من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية

أي عند وجود الإمام الشرعي فقط وهذا هو الفهم الصحيح للحديث أنه إذا كان هناك إمام شرعي توفرت فيه شروط صحة البيعة وانتفت نواقضها فإنه يجب على المسلم أن يبادر إلى البيعة إذا كان من أهل الحل والعقد أو طلبت منه ولا يجوز له أن يبيت ولا يراه إماماً أما إذا لم تكن شروط صحة البيعة متوفرة في هذا الحاكم فليس عليه واجب البيعة بل عليه أن يسعى لإيجاد الإمام الشرعي حسب طاقته ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. والذي يدل على أن الحديث خلاف ظاهره ما يلي: 1. أن البيعة واجبة وجوباً كفائياً إذا قام به البعض سقط عن الباقين كما هو قول الجمهور. 2. فعل راوي الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نفسه فهو أولى بفهم الحديث على وجهه الصحيح من غيره فقد قال عنه الحافظ ابن حجر: أنه امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية، ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي واجتمع عليه الناس، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه ثم امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلى أن قتل ابن الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك بن مروان فبايع له حينئذ. فلو فهم الحديث على ظاهره لما بات ليلة إلا وفي عنقه بيعة لأحدهما يعطيها من يدله عليه اجتهاده على أنه أقرب للصواب وقد روي عنه قوله: ... لكني أكره أن أبايع أميرين قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد. فالمقصود أنه أخذ مدة وليس في عنقه بيعة لأحد وهذا على خلاف ظاهر الحديث لانتفاء أحد شروط صحة البيعة وهو أن يكون المبايع واحداً كما مرّ] الإمامة العظمى ص 214 - 215. وخلاصة الأمر أن البيعة المقصودة في الحديث هي بيعة إمام جماعة المسلمين وليس زعيم جماعة من جماعات المسلمين. * * *

موقف المسلم عند حلول المصائب

موقف المسلم عند حلول المصائب يقول السائل: ما موقف المسلم عندما تحل عليه المصائب كموت عزيز عليه؟ الجواب: المطلوب من المسلم أن يصبر ويحتسب ويسترجع فيقول " إنا لله وإنا إليه لراجعون " ويحرم شق الجيوب أي تمزيق الثياب ولطم الخدود ونشر الشعر والنياحة أما الصبر فقد حث الله سبحانه وتعالى المؤمنين في كتابه الكريم على الصبر وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد وردت نصوص كثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - في الصبر منها: قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة آل عمران الآية 200. وقال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) سورة البقرة 45. وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) سورة البقرة الآية 155 - 157. وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) سورة محمد الآية 31. وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) سورة الزمر الآية 10. وقال تعالى: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) سورة النحل الآية 126. وقال تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) سورة الشورى الآية 43. وصح في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (والصبر ضياء) رواه مسلم.

وعن صهيب الرومي - رضي الله عنه - قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به -إنا لله وإنا إليه راجعون - اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها) رواه مسلم. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (أرسلت بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن ابني قد احتضر فاشهدنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب. فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها. فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال رضي الله عنهم فرفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع ففاضت عيناه فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده) وفي رواية: (في قلوب من شاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) متفق عليه. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: (مرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري. فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي! ولم تعرفه فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك. فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى) متفق عليه. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله قال: (يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) رواه البخاري. فالصبر على البلاء بشتى أنواعه وأشكاله مطلوب من المسلم فإنه وإن كان شديداً على النفس وصعباً عليها فعلى المسلم أن يصبر نفسه فالصبر على البلاء بضاعة الصديقين ويدل على قوة اليقين بالله تعالى فلذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه: ... (وأسألك من اليقين ما تهون عليَّ به مصائب

الدنيا) رواه الترمذي وقال حديث حسن، ورواه النسائي والحاكم وصححه. ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس وخاصة من النساء إذا أصابتهم مصيبة كموت ولد أو أخ أو زوج أو قريب أنهم يفقدون السيطرة على أعصابهم فيقعون في أمور محرمة نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أخبر الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - أن من أمور الجاهلية الباقية في الأمة النياحة على الأموات فقد جاء في الحديث عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) رواه مسلم. وعن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: (اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (لما مات إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاح أسامة بن زيد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس هذا مني وليس بصائح حق، القلب يحزن والعين تدمع ولا نغضب الرب) رواه ابن حبان والحاكم وسنده حسن كما قال الشيخ الألباني في أحكام الجنائز ص 27. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) متفق عليه. وجاء في حديث إحدى النساء اللواتي بايعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: (كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه وأن لا نخمش وجهاً ولا ندعو ويلاً ولا نشق جيباً وأن لا ننشر شعراً) رواه أبو داود والبيهقي بسند صحيح، قاله الشيخ الألباني في أحكام الجنائز ص 30 * * *

ثواب المسلم على مصيبته

ثواب المسلم على مصيبته يقول السائل: هل يثاب الإنسان على المصائب التي تصيبه كالمرض والعمى وموت قريب؟ الجواب: الذي عليه جمهور العلماء أن الإنسان المؤمن يثاب على المصائب التي تنزل به وتكفر خطاياه وترفع درجته ويزاد في حسناته وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك منها: عن عائشة رضي الله قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له حسنة أو حطت عنه بها خطيئة) رواه مسلم. وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته) رواه البخاري ومسلم واللفظ له، والوصب هو المرض والنصب هو التعب. وفي رواية البخاري: (ما يصب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت يا رسول الله: إنك لتوعك وعكاً شديداً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قال فقلت: ذلك أن لك أجرين. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أجل. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وغير ذلك من الأحاديث. قال الإمام النووي: [في هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور وفيه تكفير الخطايا

بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقاتها وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات وهذا هو الصحيح الذي عليه الجماهير] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 99 - 100. وينبغي أن يعلم أن الذنوب التي تكفرها المصائب والأمراض والهم والغم هي صغائر الذنوب لا كبائرها كما قال جمهور العلماء. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة لكل مؤمن لأن الآدمي لا ينفك غالباً من ألم بسب مرض أو هم أو نحو ذلك مما ذكر وأن الأمراض والأوجاع والآلام بدنية كانت أو قلبية تكفر ذنوب من تقع له. وسيأتي في الباب الذي بعده من حديث ابن مسعود: (ما من مسلم يصيبه أذى إلا حاتَّ الله عنه خطاياه) وظاهره تعميم جميع الذنوب لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر للحديث الذي تقدم التنبيه عليه في أوائل الصلاة (الصلوات الخمس والجمعة للجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) فحملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد ويحتمل أن يكون معنى هذه الأحاديث التي ظاهرها التعميم أن المذكورات صالحة لتكفير الذنوب فيكفر الله بها ما شاء من الذنوب ويكون كثرة التكفير وقلته باعتبار شدة المرض وخفته. ثم المراد بتكفير الذنب ستره أو محو أثره المرتب عليه من استحقاق العقوبة] فتح الباري 12/ 212. وقد اشترط بعض أهل العلم لحصول الثواب والتكفير عن الخطايا والذنوب بأن يصبر المصاب بها ويحتسب أما إذا لم يصبر ولم يحتسب فلا أجر له. قال الإمام أبو العباس القرطبي المحدث: [ومقصود هذه الأحاديث أن الأمراض والأحزان وإن دقت والمصائب وإن قلت أجر المؤمن على جميعها وكفرت عنه بذلك خطاياه حتى يمشي على الأرض وليست له خطيئة كما جاء في الحديث الآخر لكن هذا كله إذا صبر المصاب واحتسب وقال ما أمر الله به في قوله: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) سورة البقرة 156. فمن كان كذلك وصل إلى ما وعد الله به ورسوله من ذلك] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/ 546

ولكن الحافظ ابن حجر لم يوافق القرطبي على ذلك ويرى أن مجرد حصول المرض أو غيره مما ذكر يترتب عليه التكفير المذكور سواء انضم إلى ذلك صبر المصاب أم لا. فتح الباري 12/ 212. ويرى بعض أهل العلم أن الذنوب والمصائب تكون كفارة للذنوب فقط ولا يثاب الإنسان عليها. والذي تؤيده الأدلة أن الذنوب والمصائب تكفر الذنوب ويثاب المؤمن عليها فقد ورد في إحدى روايات حديث عائشة المتقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له درجة ومحيت عنه بها خطيئة) رواه مسلم. وجاء في حديث آخر قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله به عنه خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة) رواه الطبراني في الأوسط وسنده جيد كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 12/ 208. وورد في الحديث عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (عجب للمؤمن إذا أصابه خير حمد الله وشكر وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر فالمؤمن يؤجر في كل أمره حتى يؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته) رواه أحمد، وسنده قوي كما قال محقق شرح السنة 5/ 448. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وممن جاء عنه أن المريض يكتب له الأجر بمرضه أبو هريرة فعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عنه أنه قال: (ما من مرض يصيبني أحب إليَّ من الحمى لأنها تدخل في كل عضو مني وإن الله يعطي كل عضو قسطه من الأجر) ومثل هذا لا يقوله أبو هريرة برأيه] فتح الباري 12/ 213. وقال الحافظ أيضاً: [والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه] المصدر السابق. * * *

أول خلق الله

أول خلق الله يقول السائل: إنه قرأ في إحدى النشرات التي وزعت في بعض المساجد أن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو أول مخلوقات الله، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن الزعم بأن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أول خلق الله كما يقول بعض الدجالين ما هو إلا كذب وافتراء على دين الله والإسلام منه بريء. وهذا من الغلو في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الغلو فقد جاء في الحديث عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إياكم والغلو في الدين إنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 1283. وعن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري. والزعم بأن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أول مخلوقات الله من ترهات الصوفية وضلالاتهم فمن المعروف عند أهل العلم أن المتصوفة قد انحرفوا انحرافاً خطيراً تجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجاوزوا به المنزلة التي أنزله الله سبحانه وتعالى فادعوا أنه أول مخلوق وأنه مخلوق من نور وأن جميع ما في هذا الكون تفرع عنه بعد ذلك وأن جميع علوم الرسل الذين أرسلوا من قبله فاضت عليهم من علمه بل ادعوا بأن علم اللوح والقلم من علمه - صلى الله عليه وسلم - وأن الدنيا وما فيها والآخرة وما فيها من جوده - صلى الله عليه وسلم - إلى غير ذلك من الأباطيل التي قالها هؤلاء كشيخهم الأكبر ابن عربي فقد قال: [قال تعالى: (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) فشبه نوره بالمصباح فلم يكن أقرب إليه تعالى قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد - صلى الله عليه وسلم - المسماة بالعقل فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود فكان وجوده من ذلك النور الإلهي ... ) الفتوحات المكية 2/ 227. وقد اعتمد هؤلاء الدجاجلة على بعض الأحاديث المكذوبة لتأييد مزاعمهم الباطلة هذه فمنها ما نسبوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كنت نبياً وآدم

بين الماء والطين) فهذا الحديث مكذوب موضوع ومثله ما نسبوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كنت نبياً ولا آدم ولا ماء ولا طين) فهذا الحديث أيضاً مكذوب موضوع كما قال العلامة الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ 316. وذكره السيوطي في ذيل الأحاديث الموضوعة وقال الزركشي لا أصل له بهذا اللفظ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [لا أصل له من نقل ولا من عقل فإن أحداً من المحدثين لم يذكره ومعناه باطل فإن آدم عليه السلام لم يكن بين الماء والطين فإن الطين ماء وتراب وإنما كان بين الروح والجسد ثم هؤلاء الضلال يتوهمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حينئذ موجوداً وأن ذاته خلقت قبل الذوات ويستشهدون على ذلك بأحاديث مفتراة مثل حديث فيه أنه كان نوراً حول العرش فقال: يا جبريل أنا كنت ذلك النور ويدعي أحدهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحفظ القرآن قبل أن يأتيه به جبريل] السلسلة الضعيفة 1/ 316. واحتجوا أيضاً بالحديث المكذوب: [كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث] وهذا الحديث موضوع ذكره ملا علي القاري في الموضوعات الكبرى وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 326، وذكر أن الصغاني قال أنه موضوع واحتجوا بما ورد في الحديث المكذوب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا جابر إن الله تعالى قد خلق قبل الأشياء نور نبيك ... الخ) فحديث جابر هذا المنسوب إلى عبد الرزاق موضوع لا أصل له وقد عزاه غير واحد إلى عبد الرزاق خطأ فهو غير موجود في مصنفه ولا جامعه ولا تفسيره. ومن الذين نسبوه إلى عبد الرزاق ابن العربي الحاتمي في " تلقيح الأذهان " والديار بكري في كتاب " الخميس في تاريخ أنفس نفيس " والعجلوني في " كشف الخفاء " وفي " الأوائل العجلونية " وقال السيوطي في الحاوي في الفتاوى: أما حديث أولية النور المحمدي فلا يثبت. وقد حكم الشيخ عبد الله بن الصديق في رسالة " مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر " على هذا الحديث بالوضع وقد سبقه إلى ذلك أخوه أحمد بن الصديق فليتنبه إلى ذلك] شرح الزرقاني على المواهب 1/ 89. وذكر الشيخ الألباني أنه

باطل. السلسلة الصحيحة 459 وبين بطلانه الشيخ أحمد الشنقيطي في رسالته بعنوان تنبه الحذاق على بطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور المنسوب لمصنف عبد الرزاق. فهذه الأحاديث التي احتج بها هؤلاء مكذوبة لا تصلح لأن يثبت بها أمر من أمور العقيدة فالرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - ليس أول مخلوق ولا هو مخلوق من نور كما يزعم المتصوفة بل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخلوق بشري خلق مما يخلق منه البشر ومرَّ بنفس الأدوار التي يمر بها البشر في بطن أمه ثم وضعته أمه كما تضع الأمهات ثم توفي عنه أبوه وتربى يتيماً مع أعمامه ومع هذا أقول: كوننا نقول إنه بشر مثلنا لا يحط هذا من مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل الكل يقر بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخليقة على الإطلاق من إنس وجن وملائكة وله خصائص كثيرة خصه الله بها دون غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام. وبما أن الرسول محمداً - صلى الله عليه وسلم - من ذرية آدم عليه السلام كغيره من البشر وآدم أصله من تراب فإن أصل الرسول محمد أيضاً من تراب ومما يدل على أن أصل البشر من تراب الآيات التالية: قول الله تعالى: (وإذ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) سورة ص الآيات 71 - 74. وقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًاءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) سورة المؤمنون الآيات 12 - 14. وعلى هذا نقول إن أول مخلوق بشري هو آدم عليه السلام وبما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذرية آدم عليه السلام فهو بشر إذن وقد خلق مما يخلق منه البشر وهو الماء كما في قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) سورة الإنسان الآية 2. والرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر فهو مخلوق إذاً من نطفة كغيره من البشر وقد أمره الله أن يقول إنه بشر بقوله تعالى: (قل إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ

فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) سورة الكهف الآية 110. ومعلوم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولد من أبوين قرشيين معروفين في القرن السادس الميلادي ولذا أقول إن اعتقاد المتصوفة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أول مخلوق وأنه مخلوق من نور اعتقاد باطل يصطدم مع النصوص القرآنية والحديثية القاطعة التي تثبت بشرية الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -] مظاهر الانحرافات العقدية عند ... الصوفية 1/ 374 - 375. إن الغلو في شخصية المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مخالف للعقيدة الصحيحة التي عليها أهل السنة والجماعة ومخالف لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإن الاعتقاد الصحيح في شخصية المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هو كما جاء في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) سورة فصلت الآية 6. وقال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) سورة آل عمران الآية 144. وقال تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) سورة الضحى الآيتان 5 - 6. وقال تعالى: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) سورة الشورى الآية 52. وقال تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) سورة النساء الآية 113. وقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) سورة الإسراء الآية 1. فسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو عبد الله ورسوله وهو بشر يجري عليه ما يجري على البشر في الأمور العادية وأوحى الله إليه وختم به النبوات والرسالات عليه أفضل الصلوات وأتم التسليمات ونحن حينما نعتقد في شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - ما أخبر به القرآن الكريم وما جاء عنه عليه الصلاة والسلام إنما نضع الأمور في موضعها الصحيح كما أراد الله سبحانه وتعالى وهذا هو الحق إن شاء الله وماذا بعد الحق إلا الضلال ولقد

حديث لا يصح

جاء في الحديث عن أنس أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا سيدنا وابن سيدنا ويا خيرنا وابن خيرنا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله ورسول الله والله ما أحب أن ترفعوني فوق ما رفعني الله عز وجل) رواه أحمد وسنده صحيح ورجاله ثقات كما قال الشيخ الساعاتي في الفتح الرباني 22/ 21 وقال الشيخ الألباني: صحيح على شرط مسلم. غاية المرام ص 99. * * * حديث لا يصح يقول السائل: علقت في المسجد نشرة بعنوان علامات اقتراب الساعة ذكر فيها حديث طويل أخرجه أبو نعيم في الحلية أرجو بيان الحكم عليه ونص الحديث هو: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة: إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة وأضاعوا الأمانة وأكلوا الربا واستحلوا الكذب واستخفوا بالدماء واشتغلوا بالبناء وباعوا الدين بالدنيا وتقطعت الأرحام ويكون الحكم ضعفاً والكذب صدقاً والحرير لباساً وظهر الجور وكثر الطلاق وموت الفجأة وائتمن الخائن وخوَّن الأمين وصدق الكاذب وكذب الصادق وكثر القذف وكان المطر قيظاً والولد غيظاً وفاض اللئام فيضاً وغاض الكرام غيضاً وكان الأمراء فجرة والوزراء كذبة والأمناء خونة والعرفاء ظلمة والقراء فسقه إذا لبسوا مسوك الضأن قلوبهم أنتن من الجيفة وأمرّ من الصبر يغشيهم الله فتنه يتهاوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة وتظهر الصفراء وتطلب البيضاء وتكثر الخطباء ويقل الأمر بالمعروف وخليت المصاحف وصورت المساجد وطولت المنابر وخربت القلوب وشربت الخمور وعطلت الحدود وولدت الأمة ربتها وترى الحفاة العراء قد صاروا ملوكاً وشاركت المرأة زوجها في التجارة وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال وحلف لغير الله وشهد المرء من غير أن يستشهد وسلم للمعرفة وتفقه لغير دين الله وطلبت الدنيا بعمل الآخرة واتخذ المغنم دولاً والأمانة مغنماً والزكاة مغرماً وكان

حكم تشريح الجثث

زعيم القوم أرذلهم وعق الرجل أباه وجفا أمه وبر صديقه وأطاع امرأته وعلت أصوات الفسقة في المساجد واتخذ القينات والمعازف وشربت الخمور في الطرق واتخذ الظلم فخراً وبيع الحكم وكثرت الشرط واتخذ القرآن مزاميراً وجلود السباع صفاقاً ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات). الجواب: هذا الحديث ضعيف كما قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة 3/ 314 وهذا نص كلامه: [ضعيف أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق سويد بن سعيد فرج بن فضالة عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً، قال أبو نعيم: غريب من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير لم يوره عنه فيما أعلم إلا فرج بن فضالة. قلت - الألباني - وهو ضعيف كما قال الحافظ العراقي وفيه علة أخرى وهي الانقطاع فقد قال أبو نعيم في ترجمة عبد الله بن عبيد هذا: أرسل عن أبي الدرداء وحذيفة وغيرهم. * * * حكم تشريح الجثث يقول السائل: إنه طالب في كلية الطب وأنه يدرس علم التشريح وتتم دراستهم العملية على جثث آدمية فما هي الضوابط الشرعية لعملية تشريح الجثث؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن مسألة تشريح جثث الموتى من المسائل العصرية التي لم يبحثها الفقهاء المتقدمون بحثاً مفصلاً وإن وجدت بعض الإشارات لمثل ذلك في كلامهم كما نص جمهور الفقهاء على جواز شق بطن الحامل إذا ماتت وكان جنينها حياً فأجازوا شق بطنها لإخراج الجنين. المجموع 5/ 301. وقد بحث الفقهاء المعاصرون مسألة التشريح بحثاً موسعاً فكانوا بين

مبيح ومانع والذي ترجح لدي بعد دراسة ما وقفت عليه من أبحاث في المسألة القول بإباحة التشريح بضوابط سأبينها لاحقاً. ولكن أذكر أولاً الغاية من التشريح المباح وهي: 1. التحقيق في دعوى جنائية لمعرفة أسباب الوفاة المرتكبة وذلك عندما يشكل على القضاء معرفة أسباب الوفاة ويكون التشريح هو السبيل الوحيد لمعرفة هذه الأسباب. 2. التحقق من الأمراض الوبائية التي تستدعي التشريح لاتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها. 3. تعليم الطب. ومما يدل على جواز التشريح لهذه الدواعي ما يلي: أولاً: القياس على جواز شق بطن الحامل لاستخراج جنينها الذي ترجى حياته حيث أجاز ذلك فقهاء الحنفية والشافعية وبعض المالكية والحنابلة. المجموع 5/ 301، الإنصاف 2/ 556، أبحاث هيئة كبار العلماء 2/ 27 - 33. ويجوز التشريح قياساً على جواز تقطيع الجنين لإنقاذ أمه إذا غلب على الظن هلاكها بسببه. ومن العلماء من قاسه أيضاً على جواز شق بطن الميت إذا كان قد ابتلع مالاً ثميناً مغصوباً قبل وفاته. وهذه الأوجه الثلاثة من القياس اشتمل الأصل فيها على التصرف في جثة الميت بالشق، والقطع، طلباً لمصلحة الحي المتمثلة في إنقاذه من الموت كما في الوجه الأول، والثاني، وهي مصلحة ضرورية، كما اشتمل الوجه الثالث منها على مصلحة حاجية وهي رد المال المغصوب إلى صاحبه. وكلتا هاتين المصلحتين موجودتان في حال تعلم الجراحة الطبية، إذ يقصد منها تارة إنقاذ حياة المريض وهي المصلحة الضرورية، كما يقصد منها تارة أخرى إنقاذ المريض من آلام الأمراض والأسقام المضنية وهي المصلحة الحاجية، وأما إهانة الميت بتشريح جثته فقد رخص فيها أصحاب هذا القول بناء على القياس أيضاً، حيث استندوا على ما قرره بعض الفقهاء المتقدمين -

رحمهم الله - من جواز نبش قبر الميت، وأخذ كفنه المسروق أو المغصوب، فقاسوا إهانته بالتشريح على إهانته بنبش كفنه، وكشف عورته بجامع تحصيل مصلحة الحي المحتاج إليها] أحكام الجراحة الطبية ص 172. ثانياً: ومما يدل على جواز التشريح للأغراض السابقة أن قواعد الشريعة الإسلامية تجيزه فإن من قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها العامة أنه إذا تعارضت مصلحتان قدم أقواهما وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفادياً لأشدهما ومسألة التشريح داخلة في هذه القاعدة على كل حال فإن مصلحة حرمة الميت مسلماً كان أو ذمياً تعارضت مع مصلحة أولياء الميت والأمة والمتهم عند الاشتباه فقد ينتهي الأمر بالتشريح والتحقيق مع المتهم إلى إثبات الجناية عليه وفي ذلك حفظ لحق أولياء الميت وإعانة لولي الأمر على ضبط الأمن وردع لمن تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجريمة خفية وقد ينتهي الأمر بثبوت موته موتاً عادياً وفي ذلك براءة المتهم كما أن في التشريح المرضي معرفة ما إذا كان هناك وباء ومعرفة نوعه فيتقى شره بوسائل الوقاية المناسبة وفي هذا المحافظة على نفوس الأحياء والحد من أسباب الأمراض وقد حثت الشريعة على الوقاية من الأمراض وعلى التداوي مما أصابها وفي هذا مصلحة للأمة ومحافظة على سلامتها وإنقاذها مما يخشى أن يصيبها جرياً على ما اقتضت به سنة الله شرعاً وقدراً. وفي تعريف الطلاب تركيب الجسم وأعضائه الظاهرة والأجهزة الباطنة ومواضعها وحجمها صحيحة ومريضة وتدريبهم على ذلك عملياً وتعريفهم بإصابتها وطرق علاجها في هذا وغيره مما تقدم بيانه ... وما ذكره الأطباء مصالح كثيرة تعود على الأمة بالخير العميم فإذا تعارضت مصلحة المحافظة على حرمة الميت مع هذه المصالح نظر العلماء أي المصلحتين أرجح فبني عليها الحكم منعاً أو إباحة وقد يقال ان مصلحة الأمة في مسألتنا أرجح لكونها كليةً عامة ولكونها قطعية كما دل على ذلك الواقع والتجربة وهي عائدة إلى حفظ نفوس الناس وحفظها من الضروريات التي جاءت بمراعاتها وصيانتها جميع شرائع الأنبياء وقد وجدت نظائر لمسألة التشريح بحثها فقهاء

الإسلام ... فلا يبعد أن يقال يجوز التشريح إلحاقاً له بهذه النظائر في الحكم] أبحاث هيئة كبار العلماء 2/ 63 - 64. وكذلك فإن قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب تدل على جواز التشريح للأغراض السابقة فإن تعلم الجراحة الطبية فرض كفاية أي أنها واجبة على الأمة فيجب على الأمة سد حاجة الناس من هذه العلوم النافعة، ولا بد لمن أراد مزاولة الطب وعلاج الناس وإجراء الجراحات العملية أن يعرف الأعضاء وأماكنها علمياً وعملياً وواقعياً، ولا تتأتى هذه المعرفة إلا بالتشريح فإذا كان الطب تعلماً وتعليماً ومباشرة فرض كفاية، كان ما لا يتم هذا الفرض إلا به واجباً ولا يتم التعلم للطب إلا بذلك التشريح فيعتبر مشروعاً بل واجباً من هذا الوجه. حكم تشريح الإنسان ص41. هذه هي أهم الأدلة التي تدل على جواز التشريح وقد صدرت عدة فتاوى من هيئات علمية شرعية معتبرة تجيز ذلك فمنها ما صدر عن هيئة كبار العلماء في السعودية بجواز ذلك وقد جاء في قرار الهيئة ما يلي: [وظهر أن الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: التشريح لغرض التحقق عن دعوى جنائية. الثاني: التشريح لغرض التحقق عن أمراض وبائية لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها. الثالث: التشريح للغرض العلمي تعلماً وتعليماً. وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة المشار إليه أعلاه قرر المجلس ما يلي: بالنسبة للقسمين الأول والثاني فإن المجلس يرى أن في إجازتهما تحقيقاً لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك، وإن المجلس لهذا يقرر بالإجماع إجازة التشريح لهذين الغرضين سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا. وأما بالنسبة للقسم الثالث وهو التشريح للغرض التعليمي فنظراً إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها، وحيث إن تشريح غير الإنسان من

الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة: فإن المجلس يرى جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة إلا أنه نظراً إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتاً كعنايتها بكرامته حياً وذلك لما روى أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (كسر عظم الميت ككسره حياً) ونظراً إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته، وحيث أن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسر الحصول على جثث أموات غير معصومة: فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر] أبحاث هيئة كبار العلماء 2/ 68 - 69. ومنها قرار مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ونصه: [بناء على الضرورات التي دعت إلى تشريح جثث الموتى والتي يصير بها التشريح مصلحة تربو على مفسدة انتهاك كرامة الإنسان الميت. قرر مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يأتي: أولاً: يجوز تشريح جثث الموتى لأحد الأغراض التالية: أ. التحقيق في دعوى جنائية لمعرفة أسباب الموت أو الجريمة المرتكبة وذلك عندما يشكل على القاضي معرفة أسباب الوفاة ويتبين أن التشريح هو السبيل لمعرفة هذه الأسباب. ب. التحقق من الأمراض التي تستدعي التشريح ليتخذ على ضوئه الاحتياطات الواقية والعلاجات المناسبة لتلك الأمراض. جـ. تعليم الطب وتعلمه كما هو الحال في كليات الطب] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ص 17. وصدرت فتاوى أخرى بجواز التشريح كفتوى دار الإفتاء المصرية ولجنة الفتوى الأردنية ولجنة الفتوى الكويتية وغيرها. وينبغي أن يعلم أنه لا بد من مراعاة الضوابط التالية عند تشريح جثة الآدمي

1. التيقن من موت الشخص قبل إجراء التشريح عليه لأن تشريح الإنسان قبل موته فيه إيذاء وهو محرم شرعاً. 2. موافقة الشخص قبل موته على تشريح جثته إذا مات أو موافقة ذويه بعد موته ولا تشترط موافقة الميت ولا ذويه في الحالات الجنائية لما في التشريح في مثل هذه الحالات من مصلحة راجحة ولأن ممانعة الأهل قد تفوت حقاً من الحقوق العامة أو الخاصة. ويجوز تشريح جثث المتوفين المجهولين الذين ليس لهم أهل تؤخذ موافقتهم كما جاء مثلاً في الفتوى التي صدرت عن دار الإفتاء المصرية " يجوز شرعاً الحصول على جثث بعض المتوفين ممن لا أهل لهم للإفادة العلمية من تشريحهم مراعاة للمصلحة العامة على أن يقتصر في ذلك على ما تقضي به الضرورة القصوى"] الموسوعة الطبية الفقهية ص 201. 3. أن تراعى آداب تكريم الميت فلا يساء التصرف في جسده بما لا يخدم البحث العلمي والغرض التعليمي ولا تبقى الجثة مقطعة الأجزاء على منصات التشريح تتقاذفها أيدي الطلبة دون رادع أو زاجر بل لا بد من احترام إنسانية الميت والاقتصار فقط على موضع الحاجة والضرورة. ولا يجوز العبث بالجثة ويحسن أن يكون درس التشريح درساً جاداً يوجهه مدرس التشريح لبيان قدرة الله في الخلق وحكمته من خلق الإنسان في أحسن تقويم. 4. تجميع أجزاء الجثة بعد الفراغ من تشريحها ودفنها وفقاً للأحكام الشرعية المتعلقة بوجوب دفن الميت. 5. إذا كانت الجثة جثة امرأة فيجب أن يقتصر نظر الطالب ومسه على مواضع الضرورة والحاجة فقط ولا يمسها بدون ضرورة. 6. أن تكون الجثة لغير معصوم الدم فإذا وجد غير المعصوم فلا يجوز تشريح جثة المسلم إلا عند الضرورة كما جاء في قرار المجمع الفقهي ص 17.

معالجة مياه المجاري

فهذه جملة من الضوابط لا بد من الالتزام بها من قبل الأطباء وطلبة الطب حتى لا يتجاوزوا الحد المشروع ويقتصر فيه على موضع الحاجة فمهنة الطب خلق في المقام الأول لأنه يتعامل مع خلق كريم. قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيءَادَمَ). يقول الشيخ إبراهيم اليعقوبي: (وكلامنا مع الأطباء والأساتذة والطلاب فالكل مسؤول أمام الله تعالى عن مثل هذه التصرفات ونخص بالذكر الأطباء المشرحين والطلاب الذي يتعلمون منهم ونأمرهم بتقوى الله عز وجل وباحترام الإنسان الآدمي الذي كرمه الله تعالى، وفضله على كل من سواه. ونأمرهم بأن لا يتخذوه هدفاً للعبث أو آلة للعب، بل يضعون نصب أعينهم مخافة الله عز وجل، وحرمة الآدمي، ويقصدون بهذا العمل تقديم النفع والعلم الصحيح لطلابهم ويقصد الطلاب من ذلك أيضاً وجه الله تعالى بهذا التعلم وخدمة الإنسانية واضعين نصب أعينهم خوف الله تعالى وحرمة الإنسان وكرامته] حكم تشريح الإنسان بين الشريعة والقانون ص 59 - 60. * * * معالجة مياه المجاري يقول السائل: هل يجوز استعمال مياه المجاري التي تمت تنقيتها في الوضوء والغسل والشرب ونحو ذلك من الاستعمالات؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الماء الطاهر الذي يصح استعماله في جميع الاستعمالات هو الماء المطلق الباقي على أصل خلقته ولم يتغير أحد أوصافه الثلاثة وهي اللون والطعم والرائحة فإذا تغير أحد أوصافه الثلاثة فينظر فيما خالطه أطاهر أم نجس؟ وقد فصل الفقهاء الكلام على أحكام المياه في كتبهم والذي يهمنا هنا أن مياه المجاري نجسة بلا ريب. فإذا تمت تنقيتها في محطات تنقية مياه المجاري بالوسائل العلمية الحديثة حيث إن التنقية تتم بإزالة النجاسة من مياه المجاري على أربعة مراحل وهي الترسيب والتهوية وقتل الجراثيم والتعقيم بالكلور، وهذه الطرق

كفيلة بإزالة كل أثر للنجاسة في الطعم واللون والرائحة فإذا تمت التنقية بإزالة كل أثر للنجاسة فإن الماء يعود إلى أصل طهوريته لأن الحكم بنجاسة الماء معلل بعلة تغيره فإذا زالت هذه العلة رجع الحكم إلى أصله، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الوضوء من بئر بضاعة فقال - صلى الله عليه وسلم -: الماء طهور لا ينجسه شيء) رواه أحمد والترمذي وأبو داود والشافعي وغيرهم وقال الترمذي: حديث حسن. وصححه جماعة من أهل الحديث منهم أحمد ويحيى بن معين وابن حزم من المتقدمين والألباني من المتأخرين. انظر التلخيص الحبير 1/ 12 فما بعدها، إرواء الغليل 1/ 45. وقد ورد في بعض روايات الحديث السابق: (الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه). وفي رواية أخرى: (إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه). وقد اتفق المحدثون على أن الاستثناء الوارد وهو قوله: (إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه] لم يثبت مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن معناه صحيح ثابت بالإجماع. قال الحافظ ابن حجر: [قال الشافعي: ما قلت من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه ولونه كان نجساً، يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله وهو قول العامة لا أعلم بينهم خلافاً. قال النووي: اتفق المحدثون على تضعيفه وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعماً أو لوناً أو ريحاً فهو نجس] التلخيص الحبير 1/ 15. وبناءً على ما سبق فإن المياه التي تنقى في محطات التنقية إذا تمت إزالة كل أثر للنجاسة منها فيجوز استعمالها في الوضوء والغسل وفي سائر الاستعمالات الأخرى وقد بحثت هذه المسألة سابقاً من عدة مجامع علمية معتبرة فمن ذلك ما صدر عن هيئة كبار العلماء في السعودية حيث جاء في القرار ما يلي:

[بناءً على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسةٍ يطهر إذا زال تغيره بنفسه أو بإضافة ماء طهور إليه أو زال تغيره بطول مكث أو تأثير الشمس ومرور الرياح عليه أو نحو ذلك لزوال الحكم بزوال علته. وحيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل وحيث إن تنقيتها وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة لأعمال التنقية يعتبر من أحسن وسائل الترشيح والتطهير حيث يبذل الكثير من الأسباب المادية لتخليص هذه المياه من النجاسات كما يشهد بذلك ويقرره الخبراء المختصون بذلك ممن لا يتطرق الشك إليهم في عملهم وخبرتهم وتجاربهم. لذلك فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يُرى فيها تغيرٌ بنجاسة في طعم ولا لون ولا ريح ويجوز استعمالها في إزالة الإحداث والأخباث وتحصل الطهارة بها منها كما يجوز شربها إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك محافظة على النفس وتفادياً للضرر لا لنجاستها. والمجلس إذ يقرر ذلك يستحسن الاستغناء عنها في استعمالها للشرب متى وجد إلى ذلك سبيل احتياطاً للصحة واتقاء للضرر وتنزهاً عما تستقذره النفوس وتنفر منه الطباع] غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام 1/ 128 - 129. وجاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ما يلي: [إن ماء المجاري إذا نقى بالطرق المذكورة أو ما يماثلها ولم يبق للنجاسة أثر في طعمه ولا في لونه ولا في ريحه صار طهوراً يجوز رفع الحدث وإزالة النجاسة به بناء على القاعدة الفقهية التي تقرر أن الماء الكثير الذي وقعت فيه نجاسة يطهر بزوال هذه النجاسة منه إذا لم يبق لها أثر فيه، والله أعلم] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ص 91. * * * والله الهادي إلى سواء السبيل تم الكتاب بحمد الله

الجزء السابع

يسألونك الجزء السابع تأليف الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه الأستاذ المشارك في الفقه والأصول منسق برنامج ماجستير دراسات إسلامية معاصرة كلية الدعوة وأصول الدين طباعة شفاء بنت حسام الدين عفانه

بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران الآية 102. (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء الآية 1 (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71. أما بعد فلما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد العلمَ بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ، صادقاً فيه، ويكون مع ذلك حَسَنَ الطريقة، مرضيَّ السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان مَنصِبُ التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا يُنكَرُ فضله، ولا يُجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟

فحقيقٌ بمن أقيم في هذا المنصب أن يُعدَ له عُدَّته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب، فقال تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ)، وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالةً، إذ يقول في كتابه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غداً وموقوف بين يدي الله. وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، عبد الله ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، فكان يفتي عن الله بوحيه المبين، وكان كما قال له أحكم الحاكمين: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)، فكانت فتاويه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوامعَ الأحكام، ومشتملة على فصل الخطاب، وهي في وجوب اتباعها وتحكيمها والتحاكم إليها ثانية الكتاب وليس لأحدٍ من المسلمين العُدول عنها ما وجد إليها سبيلاً، وقد أمر الله عباده بالرد إليها حيث يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (¬1). ومع هذه الأهمية الخطيرة للفتوى في دين الله، فقد تسوَّر عليها عددٌ كبيٌر ممن ليسوا لها أهلاً، وأسهمت وسائل الإعلام، وخاصة المحطات الفضائية في تعدي كثيرين على شرع الله، وسمعنا فتاوى عجيبة وغريبة، فيها تساهل كبير بحجة أن الدين يسر، أو أن الدين يجب أن يساير العصر، أو بحجة المصلحة ونحو ذلك. وصار التساهل في الفتوى، طابعاً لبعض المتصدرين على الفضائيات، فهنالك من أفتى بإباحة الربا، ومن أفتى بجواز خروج المرأة متعطرة متزينة ¬

(¬1) إعلام الموقعين 1/ 10 - 11.

إلى الشوارع والأسواق، ومنهم من أفتى بجواز عرض المرأة للأزياء أمام الرجال، وغير ذلك من الفتاوى العرجاء. وقد حذر العلماء قديماً وحديثاً من التساهل في الفتوى، قال الإمام النووي رحمة الله عليه: [يحرم التساهل في الفتوى، ومن عرف به حَرُمَ استفتاؤه، فمن التساهل أن لا يتثبت ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، فإن تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالمبادرة، وعلى هذا يُحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة، ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة، على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة، والتمسك بالشبه طلباً للترخيص، لمن يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره، وأما من صح قصدُه فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها للتخليص من ورطة يمين ونحوها، فذلك حسنٌ جميلٌ، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا كقول سفيان - الثوري -: [إنما العلمُ عندنا الرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل أحد] (¬1). ولا شك أن من دوافع التساهل في الفتاوى بحجج واهية، التقرب إلى السلاطين والحكام، والحرص على الدنيا، وما فيها من جاهٍ ومناصب وأموال، قال العلامة ابن القيم: [كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلا بد أن يقول على الله غيرَ الحق في فتواه وحكمه في خبره والتزامه] (¬2). وختاماً أقول هذا هو الجزء السابع من كتابي يسألونك سرت فيه كما في الأجزاء السابقة، على منهج أهل السنة والجماعة في الاعتماد عل كتاب الله سبحانه وتعالى، وما صح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما قرره الأئمة الأعلام، من فقهاء الصحابة والتابعين وسلف الأمة، من إجماع وقياس صحيح، من غير تعصبٍ لمذهبٍ أو إمام. وسعيت فيه إلى الوصول إلى ما أعتقد أنه الحق والصواب، فإن تعارضت الأقوال، اخترت ما أعتقد أنه ¬

(¬1) المجموع 1/ 46. (¬2) الفوائد ص100.

أرجحها وأقواها دليلاً وأهداها سبيلاً، فإن أصبت بغيتي فذلك الفضل من الله تعالى وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والعياذ بالله. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أبوديس / القدس كتبه الدكتور حسم الدين بن موسى عفانه 29 رجب 1423هـ الأستاذ المشارك في الفقه والأصول وفق 6/ 10/ 2002م منسق برنامج ماجستير دراسات إسلامية معاصرة كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس

الصلاة

الصلاة

الأدعية أثناء الوضوء

الأدعية أثناء الوضوء يقول السائل: نسمع كثيراً من الناس عندما يتوضؤون يذكرون أدعية أثناء الوضوء فما حكم هذه الأدعية؟ الجواب: الأدعية أثناء الوضوء مشهورة وذكرها بعض الفقهاء في كتبهم فمن ذلك ما ذكره الرافعي من الشافعية حيث قال: [أن يحافظ على الدعوات الواردة في الوضوء فيقول في غسل الوجه: اللهم بَيِّض وجهي يوم تبيَض وجوهٌ وتسود وجوهٌ، وعند غسل اليد اليمنى اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً، وعند غسل اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، وعند مسح الرأس اللهم حرم شعري وبشري على النار. وروي اللهم احفظ رأسي وما حوى وبطني وما وعى، وعند مسح الأذنين اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند غسل الرجلين اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ورد بها الأثر عن السلف الصالحين] الشرح الكبير 1/ 449 - 450. وذكر أبو حامد الغزالي الأدعية أثناء الوضوء بأكثر من ذلك فقال: [بعد ذكر البسملة في أوله ويقول عند ذلك أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ثم يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلهما الإناء ويقول اللهم إني أسألك اليمن والبركة وأعوذ بك من الشؤم والهلكة.

وذكر أنه عند المضمضة يقول: اللهم أعنِّي على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك ثم يأخذ غرفةً لأنفه ويستنشق ثلاثاً ويصعد الماء بالنفس إلى خياشيمه ويستنثر ما فيها ويقول في الاستنشاق اللهم أوجد لي رائحة الجنة وأنت عني راضٍ، وفي الاستنثار اللهم إني أعوذ بك من روائح النار ومن سوء الدار. وعند غسل وجهه يقول: اللهم بيِّض وجهي بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك ولا تُسَوِّد وجهي بظلماتك يوم تَسْودُ وجوه أعدائك. وعند غسل اليد اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً. وعند غسل اليد اليسرى: اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي أو من وراء ظهري. وعند مسح أذنيه: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم أسمعني مناديا الجنة مع الأبرار. وعند مسح رقبته يقول: اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال. وعند غسل الرجل اليمنى يقول: اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم يوم تزل الأقدام في النار. وعند غسل الرجل اليسرى يقول: أعوذ بك أن تزل قدمي عن الصراط يوم تزل فيه أقدام المنافقين. فإذا فرغ رفع رأسه إلى السماء وقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي أستغفرك اللهم وأتوب إليك فاغفر لي وتب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين واجعلني عبداً صبوراً شكوراً واجعلني أذكرك كثيراً وأسبحك بكرة وأصيلاً] إحياء علوم الدين 1/ 132 - 133.

وهذه الأدعية التي تقال أثناء الوضوء غير ثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال الإمام النووي: [وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجئ فيه شيء عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] الأذكار ص24. وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على الأدعية التي ذكرها الرافعي والمذكورة أعلاه: [قال النووي في الروضة هذا الدعاء لا أصل له ولم يذكره الشافعي والجمهور. وقال ابن الصلاح: لم يصح فيه حديث. قلت - أي الحافظ ابن حجر -: روي فيه عن علي من طرقٍ ضعيفةٍ جداً] التلخيص الحبير 1/ 100. وقال العلامة ابن القيم: [ولم يحفظ عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقول على وضوئه شيئاً غير التسمية، وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه، فكذب مختلق لم يقل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً منه ولا علَّمه لأمته ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله وقوله " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين " في آخره.] زاد المعاد1/ 195 - 196. وقال النووي أيضاً: [وحذفت دعاء الأعضاء إذ لا أصل له] المنهاج مع شرحه 1/ 194. وقد خالف بعض المتأخرين من العلماء ما قاله النووي وغيره في نفي ثبوت الأحاديث الواردة أثناء الوضوء وقالوا إنه قد ورد ذلك ولكن بطرق ضعيفة والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال وهذا منها. ولكن يجاب على قولهم هذا، بأن تلك الأحاديث بطرقها المختلفة لا تخلو من كذاب أو متهم بالوضع كما بين ذلك السيوطي في رسالته الإغضاء عن دعاء الأعضاء. انظر الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 2/ 27. وسئل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن قول النووي: [وحذفت دعاء

الأعضاء إذ لا أصل له هل أراد بطلانه وكيف يقول الولي العراقي له أصل؟ والجواب: إذا قال المحدث لا أصل للحديث الفلاني فمراده أنه ليس له طريق يعتمد لا أنه لم يرو أصلاً، وحينئذ فإن كان النووي اطلع على الحديث وعرف شدة ضعفه وأن طرقه لا تخلو من شخص نسب إلى الكذب والتهمة بالكذب فالمراد بقوله لا أصل له أنه ليس بصحيح ولا حسن فيحتج به ولا ضعيف يصلح للعمل به في فضائل الأعمال وإن كان لم يطلع على طرقه التي أشرت إليها في تخريج أحاديث الأذكار فلا يضره لأنه ليس فيها ما يصلح للعمل به لا منفرداً ولا منضماً بعضه إلى بعض وقول من قال له أصل إن أراد به كونه ورد مع قطع النظر عن صلاحيته للعمل فمسلَّم ولكن لا يرد على النووي وإن أراد له أصلاً يعمل به فمردود. وقال ابن حجر في شرح العباب فيما نقله عن بعضهم فقول سائر المتأخرين إن تلك الطرق ضعيفة يعمل بها في الفضائل مردود وهو كما قال وغاية أمر تلك الطرق أنها شديدة الضعف والحديث إذا اشتد ضعفه لا يعمل به في الفضائل ولا في غيرها كما اقتضاه كلام المجموع في باب صلاة النفل وبذلك صرح السبكي ثم حيث قال وفي ابن ماجة كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي قبل الجمعة أربعاً لا يفصل في شيء منهن وهو ضعيف جداً لا يصلح الاحتجاج به وقد نقل العلائي وغيره الاتفاق على أن شرط العمل بالضعيف أن يكون الضعف غير شديد قالوا فيخرج من انفرد من كذاب ومتهم به ومن فحش غلطه وقد علمت مما ذكرناه أن جميع روايات هذه الأدعية لا تخلو عن كذاب ومتهم به وحينئذ فقد بان صحة ما قاله المصنف - أي النووي - العلم المفرد الإمام أدام الله به وله النفع والرفعة على الدوام ورد ما اعترض به عليه] المصدر السابق 2/ 29. هذا بالنسبة للأدعية أثناء الوضوء، وأما بالنسبة للتسمية في أول الوضوء فأكثر أهل العلم على أنها سنة قال الإمام النووي: [قد ذكرنا أن التسمية سنة وليست بواجبة فلو تركها عمداً صح وضوءه هذا مذهبنا وبه قال

مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء وهو أظهر الروايات عن أحمد وعنه رواية أنها واجبة] المجموع 1/ 346. وقد ورد في التسمية عند الوضوء عدة أحاديث ولكنها ضعيفة وقد ذكر الإمام النووي بعضها ثم قال: [وأسانيد هذه الأحاديث كلها ضعيفة وذكر البيهقي هذه الأحاديث ثم قال أصح ما في التسمية حديث أنس أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع يده في الإناء الذي فيه الماء ثم قال: (توضؤوا باسم الله قال فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه والقوم يتوضؤون حتى توضؤا من عند آخرهم وكانوا نحو سبعين رجلاً) وإسناده جيد واحتج به البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار وضعف الأحاديث الباقية] المجموع 1/ 344. وقال الحافظ ابن حجر بعد أن تكلم على أسانيد تلك الأحاديث: [والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً] التلخيص الحبير 1/ 75 وقال الحافظ المنذري: [ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها وإن كان لا يسلم شيء منها عن مقال فإنها تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب قوة والله أعلم] الترغيب والترهيب 1/ 164، وأيد كلامه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ص 88 وأما الدعاء بعد الوضوء فقد ثبت في الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) رواه مسلم. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 472. وفي رواية للترمذي بزيادة (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) تحفة الأحوذي 1/ 150. وقال الشيخ الألباني عن زيادة الترمذي: حسن. صحيح الترغيب والترهيب ص 94

قول حي على خير العمل في الأذان بدعة

قول حي على خير العمل في الأذان بدعة يقول السائل: إنه سمع الأذان من إحدى المحطات التلفزيونية الفضائية وسمع عبارة: [حي على خير العمل] فما حكم ذكر هذه العبارة في الأذان؟ الجواب: ألفاظ الأذان محفوظة ومعروفة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ثبتت هذه الألفاظ في عدد من الأحاديث منها ما جاء في حديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: (لما أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك، فقلت له بلى قال: فقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. قال ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال وتقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته بما رأيت، فقال إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلله الحمد) رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح، واللفظ لأبي داود، وقال الألباني حسن صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 98 - 99. وعن أبي محذورة - رضي الله عنه - قال لما خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم فسمعناهم يؤذنون بالصلاة

فقمنا نؤذن نستهزئ بهم فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت فأرسل إلينا فأذنا رجل رجل وكنت آخرهم فقال حين أذنت تعال فأجلسني بين يديه فمسح على ناصيتي وبرَّك عليَّ ثلاث مرات ثم قال اذهب فأذن عند البيت الحرام قلت كيف يا رسول الله فعلمني كما تؤذنون الآن بها: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح قال وعلمني الإقامة مرتين الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح سنن النسائي 1/ 136 - 137. وغير ذلك من الأحاديث. هذه هي ألفاظ الأذان المحفوظة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. إذا تقرر هذا فإن زيادة [حي على خير العمل] ليست من ألفاظ الأذان وإنما هي من زيادة الشيعة على ألفاظ الأذان وليس لهم مستند صحيح يعتمد عليه وقد عقد الإمام البيهقي فصلاً في سننه بعنوان: [باب ما روي في حي على خير العمل]. وذكر فيه بعض الآثار عن ابن عمر وعلي بن الحسين وبلال رضي الله عنهم وفيها عبارة (حي على خير العمل) ثم قال الإمام البيهقي: [وهذه اللفظة لم تثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما علَّم بلالاً وأبا محذورة ونحن نكره الزيادة فيه] سنن البيهقي 1/ 424 - 425. وذكر ابن حزم أن هذه الجملة لم تصح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. المحلى 2/ 194. وكذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية. مجموع الفتاوى 23/ 103.

وقال الإمام النووي: [يكره أن يقال في الأذان " حي على خير العمل " لأنه لم يثبت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وروى البيهقي فيه شيئاً موقوفاً على ابن عمر وعلي بن الحسين رضي الله عنهم قال البيهقي: لم تثبت هذه اللفظة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنحن نكره الزيادة في الأذان والله أعلم] المجموع 3/ 98. وقال الشوكاني في أثناء شرحه لحديث عبد الله بن زيد المتقدم ما نصه: [والحديث ليس فيه ذكر حي على خير العمل وقد ذهبت العترة إلى إثباته وأنه بعد قول المؤذن حي على الفلاح قالوا: يقول مرتين حي على خير العمل ونسبه المهدي في البحر إلى أحد قولي الشافعي وهو خلاف ما في كتب الشافعية فإنا لم نجد في شيء منها هذه المقالة بل خلاف ما في كتب أهل البيت، قال في الانتصار: إن الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك، يعني في أن حي على خير العمل ليس من ألفاظ الأذان وقد أنكر هذه الرواية الإمام عز الدين في شرح البحر وغيره ممن له اطلاع على كتب الشافعية. احتج القائلون بذلك بما في كتب أهل البيت كأمالي أحمد بن عيسى والتجريد والأحكام وجامع آل محمد من إثبات ذلك مسنداً إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال في الأحكام: وقد صح لنا أن حي على خير العمل كانت على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذن بها ولم تطرح إلا في زمن عمر. وهكذا قال الحسن بن يحيى روى ذلك عنه في جامع آل محمد وبما أخرج البيهقي في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر أنه كان يؤذن بحي على خير العمل أحياناً. وروى فيها عن علي بن الحسين أنه قال: هو الأذان الأول وروى المحب الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم أنه أذن بذلك، قال المحب الطبري: رواه ابن حزم ورواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي أمامة بن سهل البدري ولم يرو ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعاً. وقول بعضهم: وقد صحح ابن حزم والبيهقي والمحب الطبري وسعيد بن منصور ثبوت ذلك عن علي بن الحسين وابن عمر وأبي أمامة بن سهل موقوفاً ومرفوعاً، ليس بصحيح اللهم إلا أن يريد بقوله مرفوعاً قول علي بن الحسين هو الأذان الأول ولم يثبت عن ابن عمر وأبي أمامة الرفع

في شيء من كتب الحديث. وأجاب الجمهور عن أدلة إثباته بأن الأحاديث الواردة بذكر ألفاظ الأذان في الصحيحين وغيرهما من دواوين الحديث ليس في شيء منها ما يدل على ثبوت ذلك، قالوا: وإذا صح ما روي من أنه الأذان الأول فهو منسوخ بأحاديث الأذان لعدم ذكره فيها وقد أورد البيهقي حديثاً في نسخ ذلك ولكنه من طريق لا يثبت النسخ بمثلها] نيل الأوطار 2/ 43 - 44. وقال الشوكاني أيضاً معلقاً على قول صاحب حدائق الأزهار [حي على خير العمل]: [أقول هذا اللفظ قد صار من المراكز العظيمة عند غالب الشيعة ولكن الحكم بين المختلفين من العباد هو كتاب الله وسنة رسوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فما جاءنا فيهما فسمعاً وطاعة وما لم يكن فيهما فإن وضح فيه وجه قياس بمسلك من المسالك المقبولة التي لا ترفع ولا تنقض كالنص على العلة أو دلالة الدليل على ثبوت الحكم في المسكوت عنه بفحوى الخطاب كان للمتمسك بذلك أن يقول به على ما فيه من خلاف وهكذا إذا صح الإجماع على حكم ولكن دون تصحيح الإجماع مفاوز متلوية وطرائق متشعبة وعقاب شامخة كما أوضحنا ذلك في إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول. وإذا كان اختلاف المختلفين في حكم ثابت من السنة فالمرجع دواوينها التي وضعها علماء الرواية وهي الأمهات وما يلتحق بها من المسانيد ونحوها ولم يثبت رفع هذا اللفظ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شيء من كتب الحديث على اختلاف أنواعها وغاية ما يروى في ذلك ما أخرجه الطبراني والبيهقي عن بلال أنه كان يؤذن للصبح فيقول: حي على خير العمل، فأمره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم وترك حي على خير العمل، وفي إسناده عبد الرحمن بن عمار بن سعد وهو ضعيف، وقد قال البيهقي بعد إخراجه: هذا اللفظ لم يثبت فيما علم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالاً وأبا محذورة ونحن نكره الزيادة فيه، انتهى. ومع هذا ففي هذا التصريح بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالاً أن يترك ذلك فلو

قدرنا ثبوته لكان منسوخاً] السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار 1/ 205. وأجابت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه حول زيادة هذه الجملة في الأذان بقولها: [الأذان عبادة من العبادات والأصل في العبادات التوقيف وأنه لا يقال: إن هذا العمل مشروع إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع والقول بأن هذه العبادة مشروعة بغير دليل شرعي قول على الله بغير علم فقد قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وقال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ) وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ) إذا عُلم ذلك فالأذان الشرعي الثابت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو خمس عشرة جملة هي: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) هذا هو الثابت أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالاً أن يؤذن به كما ذكر ذلك أهل السنن والمسانيد إلا في أذان الصبح فإنه ثبت أن مؤذن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يزيد فيه بعد الحيعلة (الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم) واتفق الأئمة الأربعة على مشروعية ذلك لأن إقرار الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهذه الكلمة من بلال يدل على مشروعية الإتيان بها وأما قول المؤذن في أذان الصبح حي على خير العمل فليس بثابت ولا عمل عليه عند أهل السنة وهذا من مبتدعات الرافضة فمن فعله ينكر عليه بقدر ما يكفي للامتناع عن الإتيان بهذه الزيادة في الأذان] فتاوى اللجنة الدائمة 6/ 94. وخلاصة الأمر أن ذكر عبارة [حي على خير العمل] في الأذان بدعة لا يجوز أن تكون من ضمن ألفاظ الأذان.

يجوز إقامة الصلاة بواسطة مكبر الصوت

يجوز إقامة الصلاة بواسطة مكبر الصوت يقول السائل: إن إمام المسجد عندهم قال بأن إقامة الصلاة عبر جهاز مكبر الصوت بدعة، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إقامة الصلاة بواسطة مكبر الصوت إنما هي استعمال لوسيلة مشروعة في الدعوة للصلاة وتنبيه للمصلين ولا حرج في ذلك شرعاً ولا أرى فرقاً معتبراً بين الأذان باستعمال مكبر الصوت وبين الإقامة باستعماله والأمر ليس له علاقة بالبدعة لا من قريب ولا من بعيد. حكم رفع اليدين بين السجدتين يقول السائل: حصل نقاشٌ بين المصلين في مسألة رفع اليدين في الصلاة عند الرفع من السجدة الأولى وعند الهوي إلى السجدة الثانية فهل ثبت رفع اليدين في هذين الموطنين من الصلاة؟ أفيدونا. الجواب: الثابت من سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع اليدين في الصلاة في أربعة مواضع فقط وهي: الأول عند تكبيرة الإحرام، الثاني عند الركوع، الثالث عند الرفع من الركوع الرابع عند القيام من التشهد الأوسط في الصلاة الثلاثية والرباعية، هذه هي المواطن التي ثبت فيها رفع الأيدي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودلت على ذلك الأدلة، منها: ما رواه البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افتتح التكبير في الصلاة فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه وإذا كبّر للركوع فعل مثله وإذا قال سمع الله لمن حمده فعل مثله وقال ربنا ولك الحمد ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود). ورواه مسلم بلفظ: (رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وقبل أن يركع وإذا رفع من الركوع ولا يرفعهما بين السجدتين). وفي رواية مسلم: (ولا

يفعله حين يرفع رأسه من السجود). هذه الأحاديث أثبتت الرفع في ثلاثة مواطن عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه، وأما الموطن الرابع وهو عند القيام من الركعتين فقد ثبت في حديث نافع أن ابن عمر- رضي الله عنه -: (كان إذا دخل في الصلاة كبّر ورفع يديه وإذا ركع رفع يديه. وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه. وإذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رواه البخاري. وقال الإمام البخاري (باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين) ثم ذكر حديث نافع عن ابن عمر السابق. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). وقد توبع نافع على ذلك عن ابن عمر وهو فيما رواه أبو داود وصححه البخاري في الجزء المذكور من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر قال: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه) وله شواهد منها حديث أبي حميد الساعدي وحديث علي بن أبي طالب أخرجهما أبو دواد وصححهما ابن خزيمة وابن حبان وقال البخاري في الجزء المذكور: [ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم وقال ابن بطال: هذه زيادة يجب قبولها لمن يقول بالرفع وقال الخطابي: لم يقل به الشافعي وهو لازم على أصله في قبول الزيادة. وقال ابن خزيمة: هو سنة وإن لم يذكره الشافعي فالإسناد صحيح وقد قال: قولوا بالسنة ودعوا قولي. وقال ابن دقيق العيد: قياس نظر الشافعي أنه يستحب الرفع فيه لأنه أثبت الرفع عند الركوع والرفع منه لكونه زائداً على من اقتصر عليه عند الافتتاح والحجة في الموضعين واحدة وأول راضٍ سيرةً من يسيرها. وقال: والصواب إثباته] فتح الباري 12/ 288 هذه المواطن الأربعة التي ثبت فيها رفع اليدين عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة وأما رفع اليدين عند الهوي إلى السجود وعند الرفع من السجدة الأولى وعند الهوي إلى السجدة الثانية فلم يثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا مذهب

جماهير أهل العلم والقول بإثبات الرفع في غير المواطن الأربعة قول مخالف للصواب. قال العلامة ابن القيم في وصفه لصلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [ثم كان يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه. وقد روي أنه كان يرفعهما أيضاً وصححه بعض الحفاظ كأبي محمد بن حزم رحمه الله وهو وهمٌ فلا يصح ذلك عنه البتة والذي غرّه أن الراوي غلط من قوله: (كان يكبر في كل خفض ورفع) إلى قوله (وكان يرفع يديه عند كل خفض ورفع) وهو ثقة ولم يفطن لسبب غلط الراوي ووهمه فصححه والله أعلم] زاد المعاد 1/ 222 - 223. وقال العلامة ابن القيم أيضاً: [ثم كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع رأسه مكبراً - من السجود - غير رافعٍ يديه] زاد المعاد1/ 238. ويدل على عدم الرفع في غير المواطن الأربعة السابقة ما جاء في حديث ابن عمر السابق: (ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود) وفي الرواية الثانية: (ولا يرفعهما بين السجدتين). وفي الرواية الثالثة: (ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود). وهذا النص الثابت في الصحيحين لا يصح العدول عنه حتى يقوم دليلٌ صحيحٌ يثبت الرفع ولم يقم دليلٌ على ذلك. قال الشوكاني بعد أن ذكر بعض الروايات الواردة في رفع اليدين عند السجود وعند الرفع منه قال: [وهذه الأحاديث لا تنتهض للاحتجاج بها على الرفع في غير تلك المواطن فالواجب البقاء على النص الثابت في الصحيحين حتى يقوم دليل صحيح يقتضي تخصيصه كما قام في الرفع عند القيام من التشهد الأوسط] نيل الأوطار 2/ 204. وأما ما ذهب إليه الشيخ العلامة الألباني من إثبات رفع اليدين عند السجود وعند الرفع منه وأنه لا تعارض بين حديث ابن عمر وبين الأحاديث المثبتة للرفع عند السجود والرفع منه لأن حديث ابن عمر نافٍ والمثبت مقدم على النافي كما تقرر في علم الأصول. انظر تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص172.

فكلام الشيخ الألباني غير مسلَّم، لأن النفي هنا في قوة الإثبات وابن عمر من أكثر الصحابة اتباعاً للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين: [. لأن رفع اليدين عند السجود ليس بسنة فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وهو من أشد الناس حرصاً على السنة وأضبط الناس لها أنه ذكر (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرفع يديه إذا كبر للإحرام وإذا كبر للركوع وإذا رفع من الركوع قال: وكان لا يفعل ذلك في السجود ولا إذا قام من السجود) والرجل قد ضبط وفصَّل وبيَّن وليس هذا من باب النفي المجرد، هذا نفي يدل على إثبات ترك الفعل لأن الرجل قد تحرى الصلاة وضبط تكبيره ورفعه عند الدخول في الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه فأثبت التكبير والرفع في ثلاثة مواضع ونفى الرفع في السجود وعند القيام من السجود وعلى هذا فليس من السنة أن يرفع يديه إذا سجد وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يرفع في كل خفض ورفع ولكن الحافظ ابن القيم رحمه الله ذكر أن هذا وهم وأن صواب الحديث (كان يكبر في كل خفض ورفع) ووجه الوهم فيه حديث ابن عمر فإنه صريح بعدم الرفع عند السجود وعند الرفع من السجود وليس هذا من باب تعارض مثبت ومنفي حتى نقول بالقاعدة المشهورة: إن المثبت مقدم على النافي لأن النفي هنا في قوة الإثبات فإنه رجل يحكي عن عمل واحد فصَّلَه قال: هذا فيه كذا وأثبته وهذا ليس فيه كذا ونفاه وفرق بين النفي المطلق وبين النفي المقرون بالتفصيل فإن النفي المقرون بالتفصيل دليل على أن صاحبه قد ضبط حتى وصل إلى هذه الحال عرف ما ثبت فيه الرفع وما لم يثبت فيه الرفع وعلى هذا فنقول إن حديث ابن عمر الثابت في الصحيحين مقدم على ذلك الحديث الضعيف والوهم فيه قريب] الشرح الممتع على زاد المستقنع 3/ 149 - 151. وقال العلامة ابن عثيمين في موضع آخر: [بالنسبة لرفع اليدين حذو المنكبين فالصواب أن الأمر فيه واسع ويكون في أربعة مواضع عند التكبير وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد الأول هذا هو الذي ثبت عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأما ما روي أنه يرفع في كل رفع وخفض فإن هذا من باب

حكم من يصلي الفريضة ولا يصلي النافلة

الوهم وهو أن الراوي نقل حكم التكبير إلى الرفع فإن الذي ثبت فعله عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل خفض ورفع إنما هو التكبير ويدل لذلك أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرفع يديه في هذه المواضع الأربعة كما أخبر أنه لا يفعل ذلك في السجود فجزم أنه لا يفعله في السجود مما يدل على أن ابن عمر رضي الله عنهما كان مشاهداً للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رفعه وعدم رفعه وعلى ذلك يكون ابن عمر رضي الله عنهما مثبتاً للترك فالصواب أنه لا رفع إلا في هذه المواضع الأربعة] فتاوى منار الإسلام 1/ 162 - 163. وخلاصة الأمر أن من السنة رفع اليدين في المواضع الأربعة المذكورة ولا رفع فيما عداها. حكم من يصلي الفريضة ولا يصلي النافلة يقول السائل: ما حكم من يصلي الفريضة ولا يصلي النافلة؟ الجواب: المطلوب من المسلم أن يحافظ على الصلاة محافظة تامة فيصلي الفرائض والسنن وإن التقصير في النافلة قد يؤدي إلى التقصير في الفريضة. والنوافل بمثابة سياج للفرائض فإذا حصل نقص في الفرائض أكمل من النوافل وخاصة إن كثيراً من المصلين لا يعطون الصلاة المفروضة حقها فلا يتمونها وقد جاء في الحديث عن أبي اليسر كعب بن عمرو السلمي - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع والخمس حتى بلغ العشر) رواه النسائي بإسناد حسن كما قال المنذري وحسنه الألباني أيضاً. انظر صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 539. وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها) رواه أبو داود والنسائي وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 538. فإذا حصل نقص في صلاة الفريضة فإن النقص يكمل من النوافل فلذا على المسلم أن يحافظ على النوافل وقد ورد في الحديث عن حريث بن قبيصة قال: قدمت المدينة فقلت: اللهم يسر لي جليساً صالحاً قال فجلست إلى أبي هريرة فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحاً فحدثني بحديث سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعل الله أن ينفعني به؟ فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك) رواه الترمذي وحسنه ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 130. وجاء في رواية أخرى عن تميم الداري - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن أكملها كتبت له نافلة فإن لم يكن أكملها يقول الله سبحانه لملائكته انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع؟ فأكملوا بها ما ضيع من فريضته ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وهو حديث

صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 241. قال الحافظ ابن عبد البر: [أما إكمال الفريضة من التطوع فإنما يكون ذلك - والله أعلم - فيمن سها عن فريضة فلم يأت بها أو لم يحسن ركوعها ولم يدر قدر ذلك وأما من تعمد تركها أو نسي ثم ذكرها فلم يأت بها عامداً واشتغل بالتطوع عن أداء فرضه وهو ذاكر له فلا تكمل له فريضته تلك من تطوعه والله أعلم] فتح المالك 3/ 297. وقال الإمام ابن العربي المالكي شارحاً لحديث أبي هريرة الأول: [يحتمل أن يكون يكمل له ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بفضل التطوع ويحتمل ما نقصه من الخشوع والأول عندي أظهر لقوله: ثم الزكاة

كذلك وسائر الأعمال وليس في الزكاة إلا فرض أو فضل فكما يكمل فرض الزكاة بفضلها كذلك الصلاة وفضل الله أوسع ووعده أنفذ وعزمه أعم وأتم] عارضة الأحوذي 2/ 175 - 176. وقال الحافظ العراقي: [يحتمل أن يراد به ما انتقصه من السنن والهيئات المشروعة فيها من الخشوع والأذكار والأدعية وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله فيها وإنما فعله في التطوع ويحتمل أن يراد به ما انتقص أيضاً من فروضها وشروطها ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأساً فلم يصله فيعوض عنه من التطوع والله سبحانه وتعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضاً عن الصلوات المفروضة] تحفة الأحوذي 2/ 384. وقال العلامة علي القاري في بيان ما جاء في الحديث: [انظروا هل لعبدي من تطوع.) - أي - في صحيفته وهو أعلم به منهم أي: سنة أو نافلة من صلاة على ما هو ظاهر من السياق قبل الفرض أو بعده أو مطلقاً ولم يعلم العبد نقصان فرضه حتى يقضيه فيكمَّل: بالتشديد ويخفف على بناء الفاعل أو المفعول وهو الأظهر وبالنصب ويرفع بها: أي بنافلته قال ابن الملك: أي بالتطوع وتأنيث الضمير باعتبار النافلة قال الطيبي: الظاهر نصب فيكمَّل على أنه من كلام الله سبحانه وتعالى جواباً للاستفهام ويؤيده رواية أحمد فكمِّلوا بها فريضته وإنما أنث ضمير التطوع في بها نظراً إلى الصلاة، ما انتقص من الفريضة أي: مقداره ثم يكون سائر عمله من الصوم والزكاة وغيرهما على ذلك أي: إن ترك شيئاً من المفروض يكمَّل له بالتطوع. وفي رواية ثم الزكاة مثل ذلك: يعني: الأعمال المالية مثل الأعمال البدنية على السوية ثم تؤخذ الأعمال أي: سائر الأعمال من الجنايات والسيئات على حسب ذلك من الطاعات والحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات وقال ابن الملك أي: على حسب ذلك المثال المذكور فمن كان حق عليه لأحد يؤخذ من عمله الصالح بقدر ذلك ويدفع إلى صاحبه] المرقاة 3/ 142.

حكم القنوت في صلاة الفجر

وخلاصة الأمر أن على المسلم المحافظة على الصلاة بشكل عام، الفرض منها والسنة فإن النوافل والسنن تكمل ما يطرأ على صلاة الفريضة من نقص وكثير من المصلين تكون صلاة الفريضة عنده ناقصة إلا من رحم الله جل وعلا. حكم القنوت في صلاة الفجر يقول السائل: اختلف المصلون في المسجد الذي نصلي فيه في مسألة القنوت في صلاة الفجر أرجو توضيح ذلك. الجواب: ثبت في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قنت في صلاة الفجر شهراً يدعو في قنوته على أحياء من أحياء العرب ثم تركه) رواه البخاري ومسلم. وثبت (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقنت في صلاة المغرب والفجر) رواه مسلم. وجاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (قنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على أحياء من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمِّن من خلفه) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث حسن، كما في صحيح سنن أبي داود 1/ 271. ووردت أحاديث أخرى في قنوت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلوات المفروضات وهذه الأحاديث تدل على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقنت في النوازل وعند حلول المصائب في الصلوات الخمس وليس في صلاة الفجر فقط. لذا فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن القنوت ليس خاصاً بصلاة الفجر وإنما يقنت في الصلوات الخمس عند حلول المصائب فقط. وأما القنوت في الفجر دائماً وباستمرار، فليس بثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الراجح من أقوال أهل العلم.

قال العلامة ابن القيم: [وقنت - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الفجر بعد الركوع شهراً ثم ترك القنوت ولم يكن من هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القنوت فيها دائماً ومن المحال أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في كل غداة - أي صلاة الفجر - بعد اعتداله من الركوع يقول: (اللهم اهدني فيمن هديت وتولني فيمن توليت. إلخ) ويرفع بذلك صوته ويؤمِّن عليه أصحابه دائماً إلى أن فارق الدنيا ثم لا يكون ذلك معلوماً عند الأمة بل يضيعه أكثر أمته وجمهور أصحابه بل كلهم حتى يقول من يقول منهم: إنه محدث كما، قال سعد بن طارق الأشجعي قلت لأبي: (يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم هاهنا وبالكوفة منذ خمس سنين فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني محدث). رواه أهل السنن وأحمد وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وذكر الدارقطني عن سعيد بن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن القنوت في صلاة الفجر بدعة. وذكر البيهقي عن أبي مجلز قال: صليت مع ابن عمر صلاة الصبح فلم يقنت فقلت له: لا أراك تقنت فقال: لا أحفظه عن أحد من أصحابنا. ومن المعلوم بالضرورة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو كان يقنت كل غداة ويدعو بهذا الدعاء ويؤمِّن الصحابة لكان نقل الأمة لذلك كلهم كنقلهم لجهره بالقراءة فيها وعددها ووقتها وإن جاز عليهم تضييع أمر القنوت منها جاز عليهم تضييع ذلك ولا فرق] زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 271 - 272. وأما ما ورد أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داوم على القنوت في الفجر فليس بثابت عند أهل العلم، والحديث الوارد في ذلك وهو عن أنس - رضي الله عنه - قال: (ما زال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا) فهو حديث ضعيف لا تقوم به الحجة. انظر السلسلة الضعيفة 3/ 384 - 388. وبناءً على ما تقدم فإن القول الراجح في هذه المسألة هو عدم المداومة على القنوت في الفجر وإنما يقنت عند النوازل والمصائب والبلايا

السهو عن الجلوس الأوسط

حيث إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قنت وترك القنوت وتركه القنوت أكثر من فعله له فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم وللدعاء على آخرين ثم تركه لما قدم من دعا لهم وتخلصوا من الأسر وأسلم من دعا عليهم وجاءوا تائبين فكان قنوته لعارض فلما زال ترك القنوت ولم يخصه بالفجر. فالمطلوب من المسلمين أن يقنتوا حيث قنت رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويتركوا القنوت حيث تركه وهذا هو الاقتداء المطلوب شرعاً ففعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة وتركه سنة. ومع هذا لا ينبغي الإنكار على من داوم على القنوت ولا الإنكار على من تركه، بل من قنت فقد أحسن وخاصة مع كثرة المصائب والكوارث التي حلت وتحل بالمسلمين في هذه الأيام ومن تركه فقد أحسن ولا يترتب على فعل القنوت أو تركه بطلان الصلاة عند القائل بمشروعية القنوت أو عدم مشروعيته من الفقهاء. انظر زاد المعاد 1/ 274 - 275. السهو عن الجلوس الأوسط يقول السائل: إن إمام مسجدهم قد سها في صلاة العشاء فقام من الركعة الثانية إلى الثالثة دون أن يجلس للتشهد الأوسط ولم يقم المصلون معه بل سبحوا ثم رجع الإمام إلى الجلوس وأتمَّ الإمام الصلاة وسجد للسهو. وبعد الانتهاء من الصلاة قام أحد المصلين وقال إن الصلاة باطلة ثم أعادوا الصلاة جميعاً. فما قولكم؟ الجواب: النسيان والسهو من الأمور الملازمة للإنسان والسهو في الصلاة واقع فقد سها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من مرة في صلاته كما ثبت ذلك في عدة أحاديث منها: عن عبد الله بن بحينة - رضي الله عنه - أنه قال: (صلى لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلَّم) رواه البخاري ومسلم.

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر خمساً فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: وما ذاك؟ قال: صليت خمساً فسجد سجدتين بعدما سلَّم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (صلَّى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر فسلم في ركعتين ثم أتى جذعاً في قبلة المسجد فاستند إليها مغضباً وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يتكلما وخرج سرعان الناس قصرت الصلاة فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يميناً وشمالاً فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق لم تصل إلا ركعتين فصلى ركعتين وسلَّم ثم كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلَّم) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. وسجود السهو واجب في الصلاة إذا وُجد المقتضي له على الراجح من أقوال أهل العلم كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 23/ 27 - 28 إذا تقرر هذا فأعود إلى جواب السؤال فأقول: إذا سها الإمام بعد الركعتين الأوليين فقام إلى الثالثة فينبغي أن لا يرجع ويتم صلاته ثم يسجد للسهو. وأما إذا عاد إلى الجلوس بعد أن استتم قائماً فقد أساء وأتى مكروهاً وصلاته لا تبطل بل صحيحة وهذا قول جمهور أهل العلم. قال الحافظ ابن عبد البر شارحاً لحديث عبد الله بن بحينة المذكور أولاً ما نصه: [وفي هذا الحديث من الفقه أن المصلي إذا قام من اثنتين واعتدل قائماً لم يكن له أن يرجع وإنما قلنا واعتدل قائماً لأن الناهض لا يسمى قائماً حتى يعتدل على الحقيقة وإنما القائم المعتدل وفي حديثنا هذا: ثم قام وإنما قلنا لا ينبغي له إذا اعتدل قائماً أن يرجع لأنه معلوم أن من اعتدل قائماً في هذه المسألة لا يخلو من أن يذكر بنفسه أو يُذكِّره من خلفه بالتسبيح ولا سيما قوم قيل لهم: من نابه شيء في صلاته فليسبح وهم أهل النهى وأولى من عمل بما حفظ ووعى وأي الحالين كانت فلم ينصرف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الجلوس بعد قيامه فكذلك ينبغي لكل من قام من اثنتين أن لا يرجع فإن رجع إلى الجلوس بعد قيامه لم تفسد صلاته عند جمهور العلماء وإن

اختلفوا في سجود سهوه وحال رجوعه وقد قال بعض المتأخرين: تفسد صلاته وهو قول ضعيف لا وجه له لأن الأصل ما فعله وترك الرجوع رخصة وتنبيه على أن الجلسة لم تكن فرضاً والله أعلم] فتح المالك 2/ 204. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما القيام في موضع الجلوس ففي ثلاث صور إحداها: أن يترك التشهد الأول ويقوم وفيه ثلاث مسائل: الأولى ذكره قبل اعتداله قائماً فيلزمه الرجوع إلى التشهد وممن قال يجلس: علقمة والضحاك وقتادة والأوزاعي والشافعي وابن المنذر وقال مالك: إن فارقت أليتاه الأرض مضى وقال حسان بن عطية: إذا تجافت ركبتاه عن الأرض مضى. ولنا: ما روى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (فإذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائماً فليجلس فإذا استتم قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو) رواه أبو داود وابن ماجة ولأنه أخل بواجب ذكره قبل الشروع في ركن مقصود فلزمه الإتيان به كما لو لم تفارق أليتاه الأرض. المسألة الثانية: ذكره بعد اعتداله قائماً وقبل شروعه في القراءة فالأولى له أن لا يجلس وإن جلس جاز نص عليه - أي الإمام أحمد - قال النخعي: يرجع ما لم يستفتح القراءة وقال حماد بن أبي سليمان: إن ذكر ساعة يقوم جلس. ولنا: حديث المغيرة وما نذكره فيما بعد ولأنه ذكره بعد الشروع في ركن فلم يلزمه الرجوع كما لو ذكره بعد الشروع في القراءة ويحتمل أنه لا يجوز له الرجوع لحديث المغيرة ولأنه شرع في ركن فلم يجز له الرجوع كما لو شرع في القراءة. المسألة الثالثة: ذكره بعد الشروع في القراءة فلا يجوز له الرجوع ويمضي في صلاته في قول أكثر أهل العلم وممن روي عنه أنه لا يرجع عمر وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود والمغيرة بن شعبة والنعمان بن بشير وابن الزبير والضحاك بن قيس وعقبة بن عامر وهو قول أكثر الفقهاء] المغني 2/ 20.

والحديث الذي ذكره الشيخ ابن قدامة رواه أبو داود وابن ماجة وقال أبو داود بعد أن ذكره: [وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث] وجابر الجعفي ضعيف لا يحتج به عند كثير من أهل الحديث. انظر عون المعبود 3/ 247 والتلخيص الحبير 2/ 4. وكلام أبو داود يشير إلى أن الحديث ضعيف. ولكن الشيخ الألباني صحح الحديث لشواهده. انظر السلسلة الصحيحة الجزء الأول حديث رقم 321. وقد ذكر العلامة ابن عثيمين أن المصلي إن عاد بعد أن استتم قائماً فقد أتى مكروهاً ولم تبطل صلاته لأنه لم يفعل محرماً. الشرح الممتع على زاد المستقنع 3/ 512. وأخيراً أنبه على أن جماعة من العلماء كالحنفية والشافعية ذهبوا إلى إبطال صلاة من عاد من القيام إلى الجلوس ولكن قولهم مرجوح. ويضاف إلى ما سبق أن عدداً ليس قليلاً من أئمة المساجد والمصلين الذين يقعون في هذا السهو يجهلون الحكم الشرعي له وقد قال جمهور العلماء إن المصلي إذا عاد للتشهد الأوسط بعد أن استتم قائماً ناسياً أو جاهلاً فإن صلاته لا تبطل لما ورد في الحديث من قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. انظر الموسوعة الفقهية 24/ 245. وقال الحطاب الفقيه المالكي معلقاً على كلام الشيخ خليل: [ولا تبطل إن رجع ولو استقل يعني أن من فارق الأرض بيديه وركبتيه إذا قلنا إنه لا يرجع فرجع فلا تبطل صلاته وسواء رجع عمداً أو سهواً أو جهلاً] مواهب الجليل لشرح مختصر خليل 2/ 338. وخلاصة الأمر أنه لا ينبغي إبطال صلاة المصلين ما دام يمكن حملها على الصحة. لأن إبطال صلاة المصلين ليس أمراً هيناً.

سنة العصر يقول السائل: هل لصلاة العصر سنة راتبة؟ الجواب: ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يصلي قبل العصر ركعتين وأحياناً أربع ركعات ولكن الراجح من أقوال أهل العلم أن هذه الصلاة لم تكن راتبة لذا لم يعتبرها المحققون من العلماء من السنن الرواتب بل اعتبروها من السنن المستحبة وبعضهم يعتبرها من السنن غير المؤكدة وهي السنن التي لم يواظب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها، ومن الأحاديث الواردة في الصلاة قبل العصر ما يلي: عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (رحم الله امرءً صلى قبل العصر أربعاً) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه ورواه ابن خزيمة وابن حبان وصححاه وحسنه الألباني انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/ 382. وعن علي - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين) رواه الترمذي وحسنه وقال الألباني سنده حسن. مشكاة المصابيح 1/ 368. وعن علي - رضي الله عنه - أيضاً قال: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي قبل العصر ركعتين) رواه أبو داود وإسناده صحيح كما قال الإمام النووي في المجموع 4/ 8. وقال الألباني إسناده حسن انظر المصدر السابق. ومما يؤيد صلاة ركعتين قبل العصر عموم قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (بين كل أذانين صلاة) وهو حديث صحيح. والمقصود بالأذانين الأذان والإقامة. وبناء على هذه الأحاديث المتقدمة فإن المصلي مخير بين أن يصلي ركعتين أو أربعاً قبل العصر جمعاً بين هذه الأحاديث والأربع أفضل، انظر عون المعبود 4/ 105. واختار الحنفية والإمام أحمد في رواية صلاة أربع ركعات قبل العصر، انظر غاية المرام 5/ 391.

صلاة العصر هي الصلاة الوسطى

قال الشوكاني: [والأحاديث المذكورة تدل على استحباب أربع ركعات قبل العصر والدعاء منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرحمة لمن فعل ذلك والتصريح بتحريم بدنه على النار مما يتنافس فيه المتنافسون] نيل الأوطار 3/ 21. صلاة العصر هي الصلاة الوسطى يقول السائل: إنه سمع أحد العلماء على إحدى القنوات الفضائية يذكر أن الصلاة الوسطى المذكورة في قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) أنها صلاة الجمعة لما لها من فضائل وأن المسلم يتهيأ لها ويتطيب ويلبس أجمل ثيابه ونحو ذلك فما قولكم فيما قال؟ الجواب: لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالمحافظة على الصلوات جميعاً والمحافظة هي المداومة على الشيء والمواظبة عليه فينبغي للمسلم أن يحافظ على أداء الصلوات في أوقاتها بجميع أركانها وشروطها وسننها وآدابها وخص الصلاة الوسطى بالذكر لأهميتها وفضلها والوسطى تأنيث الأوسط ووسط الشيء خيره وأعدله. انظر تفسير القرطبي 3/ 208 - 209. وقد اختلف أهل العلم على أقوال عديدة في المراد بالصلاة الوسطى المذكورة في قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) سورة البقرة الآية 238 وأرجح الأقوال وأصحها أنها صلاة العصر ويدل على ذلك ما يلي: عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوم الخندق: (حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ملأ الله قبورهم وبيوتهم أو أجوافهم ناراً) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم عن علي - رضي الله عنه - قال: (لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله: ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما حبسونا وشغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس).

وفي رواية أخرى لمسلم: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً ثم صلاها بين العشائين بين المغرب والعشاء). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (حبس المشركون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت فقال رسول الله: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً أو قال: حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً) رواه مسلم. وروى الترمذي بإسناده عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الوسطى صلاة العصر) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وروى الترمذي أيضاً عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (صلاة الوسطى صلاة العصر). وقال الترمذي: [وفي الباب عن علي وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وعائشة وحفصة وأبي هريرة وأبي هاشم بن عتبة، قال أبو عيسى - الترمذي - قال محمد - هو البخاري - قال علي بن عبد الله حديث الحسن عن سمرة بن جندب حديث صحيح وقد سمع منه. وقال أبو عيسى الترمذي: (حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم) سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 1/ 456. وعن علي - رضي الله عنه - قال كنا نراها الفجر فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي صلاة العصر يعني صلاة الوسطى. رواه أحمد وسنده جيد. الفتح الرباني 2/ 261. وعن عبيدة السلماني قال كنا نرى أن صلاة الوسطى صلاة الصبح قال فحدثنا علي - رضي الله عنه - أنهم يوم الأحزاب اقتتلوا وحبسونا عن صلاة العصر فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللهم املأ قبورهم نارا أو املأ بطونهم نارا كما حبسونا عن صلاة الوسطى قال فعرفنا يومئذ أن صلاة الوسطى صلاة العصر. رواه أحمد.

وعن البراء بن عازب قال نزلت هذه الآية (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) فقرأناها ما شاء الله أن نقرأها ثم نسخها الله فنزلت (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) فقال رجل كان جالساً عند شقيق له: هي إذن صلاة العصر فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله تعالى والله أعلم. رواه مسلم. وغير ذلك من الأدلة. وقد اختار هذا القول جماعة من أهل العلم. قال الإمام النووي: [اختلف العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم في الصلاة الوسطى المذكورة في القرآن فقال جماعة: هي العصر ممن نقل هذا عنه علي بن أبي طالب وابن مسعود وأبو أيوب وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعبيدة السلماني والحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل وأبو حنيفة وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم رضي الله عنهم. قال الترمذي: هو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم رضي الله عنهم. وقال الماوردي من أصحابنا: هذا مذهب الشافعي رحمه الله لصحة الأحاديث فيه، قال وإنما نص على أنها الصبح لأنه لم تبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر ومذهبه اتباع الحديث] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 268. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم منهم علي بن أبي طالب وأبو هريرة وأبو أيوب وأبو سعيد وعبيدة السلماني والحسن والضحاك وأبو حنيفة وأصحابه] المغني 1/ 274 وقال المرداوي: [قوله عن العصر وهي الوسطى هو المذهب نص عليه الإمام أحمد وقطع به الأصحاب ولا أعلم عنه خلافاً ولا فيه خلافاً] الإنصاف 1/ 432. وقد عدد الحافظ ابن حجر أقوال العلماء في المسألة وأوصلها إلى عشرين قولاً وذكر القول الثالث أنها العصر فقال: [قول علي بن أبي طالب فقد روى الترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش قال: قلنا لعبيدة سل

علياً عن الصلاة الوسطى فسأله فقال: كنا نرى أنها الصبح حتى سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ... انتهى، وهذه الرواية تدفع دعوى من زعم أن قوله صلاة العصر مدرج من تفسير بعض الرواة وهي نص في أن كونها العصر من كلام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن شبهة من قال إنها الصبح قوية لكن كونها العصر هو المعتمد وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه، قال الترمذي هو قول أكثر علماء الصحابة. وقال الماوردي هو قول جمهور التابعين وقال ابن عبد البر هو قول أكثر أهل الأثر وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية ويؤيده أيضاً ما روى مسلم عن البراء بن عازب قال نزل حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها ما شاء الله ثم نسخت فنزلت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فقال رجل فهي إذن صلاة العصر. فقال أخبرتك كيف نزلت] فتح الباري 9/ 262. ثم قال الحافظ: [وأقوى شبهة لمن زعم أنها غير العصر مع صحة الحديث حديث البراء الذي ذكرته عند مسلم فإنه يشعر بأنها أبهمت بعدما عينت كذا قاله القرطبي قال: وصار إلى أنها أبهمت جماعة من العلماء المتأخرين قال وهو الصحيح لتعارض الأدلة وعسر الترجيح. - قال الحافظ - وفي دعوى أنها أبهمت ثم عينت من حديث البراء نظر بل فيه أنها عينت ثم وصفت ولهذا قال الرجل فهي إذن العصر ولم ينكر عليه البراء. نعم جواب البراء يشعر بالتوقف لما نظر فيه من الاحتمال وهذا لا يدفع التصريح بها في حديث علي. ومن حجتهم أيضاً ما روى مسلم وأحمد من طريق أبي يونس عن عائشة أنها أمرته أن يكتب لها مصحفاً فلما بلغت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى قال فأملت علي وصلاة العصر قالت سمعتها من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى مالك عن عمرو بن رافع قال: قال كنت أكتب مصحفاً لحفصة فقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني فأملت عليَّ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ....

ثم ذكر الحافظ عدة روايات لهذا الحديث ثم قال: فتمسك قوم بأن العطف يقتضي المغايرة فتكون صلاة العصر غير الوسطى. وأجيب بأن حديث علي ومن وافقه أصح إسناداً وأصرح وبأن حديث عائشة قد عورض برواية عروة أنه كان في مصحفها وهي العصر فيحتمل أن تكون الواو زائدة ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبي ابن كعب أنه كان يقرؤها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر بغير واو أو هي عاطفة لكن عطف صفة لا عطف ذات وبأن قوله والصلاة الوسطى والعصر لم يقرأ بها أحد ولعل أصل ذلك ما في حديث البراء أنها نزلت أولاً والعصر ثم نزلت ثانياً بدلها والصلاة الوسطى فجمع الراوي بينهما ومع وجود الاحتمال لا ينهض الاستدلال فكيف يكون مقدماً على النص الصريح بأنها صلاة العصر؟ قال شيخ شيوخنا الحافظ صلاح الدين العلائي: حاصل أدلة من قال إنها غير العصر يرجع إلى ثلاثة أنواع: أحدها تنصيص بعض الصحابة وهو معارض بمثله ممن قال منهم إنها العصر ويترجح قول العصر بالنص الصريح المرفوع وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره فتبقى حجة المرفوع قائمة. ثانيها معارضة المرفوع بورود التأكيد على فعل غيرها كالحث على المواظبة على الصبح والعشاء ... وهو معارض بما هو أقوى منه وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك صلاة العصر ... ثالثها ما جاء عن عائشة وحفصة من قراءة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر فإن العطف يقتضي المغايرة وهذا يرد عليه إثبات القرآن بخبر الآحاد وهو ممتنع وكونه ينزل منزلة خبر الواحد مختلف فيه. سلمنا لكن لا يصلح معارضاً للمنصوص صريحا وأيضاً فليس العطف صريحاً في اقتضاء المغايرة لوروده في نسق الصفات كقوله تعالى: (الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)] فتح الباري 9/ 263 - 264. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فقد ثبت بالنصوص الصحيحة

لا يشترط النوم قبل صلاة القيام

عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الصلاة الوسطى هي العصر وهذا أمر لا يشك فيه من عرف الأحاديث المأثورة ولهذا اتفق على ذلك علماء الحديث وغيرهم وإن كان للصحابة والعلماء في ذلك مقالات متعددة فإنهم تكلموا بحسب اجتهادهم] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 23/ 106. وقد رجح هذا القول الإمام ابن دقيق العيد وقال هذا هو القول الصحيح في المسألة كما في إحكام الأحكام شرح عمدة الحكام 1/ 171. وقال الشوكاني: [وهو المذهب الحق الذي يتعين المصير إليه ولا يرتاب في صحته من أنصف من نفسه واطرح التقليد والعصبية وجوًّد النظر إلى الأدلة] نيل الأوطار 1/ 264 وخلاصة الأمر أن ما قاله الشيخ المذكور بأن الصلاة الوسطى هي الجمعة قول ضعيف ليس معه دليل كما أنه مخالف للأحاديث الثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسألة. لا يشترط النوم قبل صلاة القيام يقول السائل: هل من الواجب على الإنسان أن يكون قد نام بعد صلاة العشاء حتى تصح صلاة قيام الليل في حقه؟ الجواب: صلاة قيام الليل من السنن الثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ورد في فضلها نصوص كثيرة من كتاب الله ومن سنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمن ذلك: قوله تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) سورة الذاريات الآية 17. وقال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) سورة السجدة الآية 16. وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل] رواه مسلم. وصح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها

قالت: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين والذاكرات) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي في رياض الصالحين ص468. وغير ذلك من النصوص. وقد اتفق أهل العلم على أن صلاة الليل لا تكون إلا بعد صلاة العشاء ولا يشترط لصحة قيام الليل أن ينام الإنسان قبلها فلو بقي مستيقظاً إلى نصف الليل ثم صلى ما كتب له ثم نام فصلاته صحيحة باتفاق العلماء. ومن العلماء من قال إذا نام الإنسان من أول الليل ثم استيقظ فصلى ما كتب له فهذا هو التهجد. قال القرطبي عند تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) سورة الإسراء الآية 79: [والتهجد التيقظ بعد رقدة فصار اسماً للصلاة لأنه ينتبه لها. فالتهجد القيام من الصلاة إلى النوم، قال معناه الأسود وعلقمة وعبد الرحمن بن الأسود وغيرهم. وروى إسماعيل بن إسحاق القاضي من حديث الحجاج بن عمر صاحب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: أيحسب أحدكم إذا قام من الليل كله أنه قد تهجد! إنما التهجد الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة. كذلك كانت صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] تفسير القرطبي 10/ 308. وأفضل وقت لقيام الليل هو نصف الليل الآخر أو ثلث الليل الآخر فهذا أفضل من أوله وقد ورد في الحديث (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر فصل ما شئت) رواه الترمذي وقال حسن صحيح. وخلاصة الأمر أنه لا يشترط لصحة صلاة قيام الليل أن ينام قبلها.

شروط الجمع بين الصلاتين بسبب المطر

شروط الجمع بين الصلاتين بسبب المطر يقول السائل: متى يكون الجمع بين الصلاتين بسبب المطر صحيحاً وأرجو بيان شروطه؟ الجواب: إن الأصل في الصلوات الخمس أن تؤدى في الأوقات المخصصة لها شرعاً قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) سورة النساء الآية 103. ويدل على ذلك أيضاً حديث إمامة جبريل بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو حديث صحيح مروي في دواوين السنة. والجمع بين الصلاتين رخصة حيث وجدت أسبابها. وإن من المؤسف أن بعض أئمة المساجد وكذا بعض عامة الناس يتساهلون في الجمع بين الصلاتين بسبب المطر فنرى بعضهم يجمع بدون سبب موجب كأن يكون المطر صباحاً فيجمع الإمام بين المغرب والعشاء وكذلك يجمعون بين الظهر والعصر ثم ينطلقون إلى أعمالهم وأسواقهم ولا يمنعهم المطر عنها وإنما منعهم عن الصلاة فقط. ومثل هذا التساهل جمع المنفرد في بيته بين الصلاتين بسبب المطر كما يزعمون ونحو ذلك من التساهل. وقد أجاز جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة الجمع بين الصلاتين بسبب المطر على تفصيل عندهم أوضحه بما يلي: الجمع بين صلاتي الظهر والعصر بسبب المطر أجازه الشافعية في القول المعتمد عندهم ومنعه المالكية والحنابلة. والجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر أجازه المالكية والشافعية والحنابلة والأدلة في الجمع بين المغرب والعشاء أقوى منها في الجمع بين الظهر والعصر ومن المعلوم أن لا جمع عند الحنفية إلا في عرفة ومزدلفة فقط. وعلى كل حال فإن الجمع بين الصلاتين للمطر عند القائلين به هو رخصة شرعية مقيدة بسبب وهو المطر فلا بد من التقيد بذلك ومن المعلوم

أن هذه الرخصة شرعت من أجل رفع الحرج ودفع المشقة عن المصلين لتحصيل صلاة الجماعة. وعليه فمن أخذ برأي العلماء القائلين بالجمع بين الصلوات للمطر فلا بد أن يلتزم بما قرره هؤلاء العلماء من سبب لهذا الجمع. فالشافعية الذين يقولون بالجمع بين الظهر والعصر للمطر وكذا المغرب والعشاء نصوا على أن سبب الجمع وجود مطر يبل الثياب ولا يجمع لأجل مطر لا يبل الثياب. انظر المجموع4/ 381. وقال الشيخ ابن عثيمين: [قوله " لمطر يبل الثياب " يعني إذا كان هناك مطر يبل الثياب لكثرته وغزارته فإنه يجوز الجمع بين العشائين فإن كان المطر قليلاً لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة بخلاف الذي يبل الثياب ولا سيما إذا كان في أيام الشتاء فإنه يلحقه مشقة من جهة البلل ومشقة أخرى من جهة البرد ولا سيما إذا انضم إلى ذلك ريح فإنها تزداد المشقة] الشرح الممتع 4/ 555. كما أن العلماء القائلين بالجمع للمطر نصوا على وجود العذر وهو المطر عند الإحرام بالصلاة الأولى ومنهم من اعتبره حال الإحرام بالثانية أيضاً قال الإمام الشافعي: [ولا يجمع إلا والمطر مقيم في الوقت الذي تجمع فيه فإن صلى إحداهما ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها] الأم 1/ 95. وقال الإمام النووي: [ويشترط وجود المطر في أول الصلاتين باتفاق الأصحاب] المجموع 4/ 382. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ومتى جمع في وقت الأولى اعتبر وجود العذر المبيح حال افتتاح الأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية فمتى زال العذر في أحد هذه الثلاثة لم يبح الجمع] المغني 2/ 207. وقد نص العلماء القائلون بالجمع للمطر على أن الجمع رخصة لمن يصلي في المسجد جماعة وهذا قول المالكية والشافعية وقول عند الحنابلة وعليه لا يجوز الجمع للمنفرد الذي يصلي في بيته. قال الإمام الشافعي: [ولا يجمع إلا من خرج من بيته إلى المسجد

يجمع فيه، قَرُبَ المسجد أو كثر أهله أو قلَّوا أو بعدوا ولا يجمع أحد في بيته لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع في المسجد والمصلي في بيته مخالف المصلي في المسجد] الأم 1/ 95. وانظر الجمع بين الصلاتين في المطر ص226. وعلل ذلك الماوردي بأن الجمع يجوز لأجل المشقة وما يلحقه من أذى المطر وإذا عدم هذا المعنى امتنع جواز الجمع. الحاوي الكبير 2/ 399. وقال الإمام النووي: [قال أصحابنا والجمع بعذر المطر وما في معناه من الثلج وغيره يجوز لمن يصلي جماعة في مسجد يقصده من بعد ويتأذى بالمطر في طريقه] المجموع 4/ 381. وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية ما نصه: [المشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع كالمطر كسباً لثواب الجماعة ورفقاً بالناس وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة أما جمع جماعة في بيت واحد من أجل العذر المذكور فلا يجوز لعدم وروده في الشرع المطهر وعدم وجود العذر المسبب للجمع] فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 135. وهذا هو الموافق للحكمة من مشروعية الجمع وهي رفع الحرج ودفع المشقة عمن يصلي في المسجد فأي حرج أو مشقة في حق من صلى في بيته؟ وأخيراً أنبه على بعض الأحكام المتعلقة بالجمع: 1. لا يشترط تقدم نية الجمع على الراجح من أقوال العلماء ولا يشترط للجمع أن يخبر الإمام المأمومين أنه يجمع فإن أخبرهم فحسن. 2. إذا جمعوا بين المغرب والعشاء فإنهم يصلون سنة المغرب بعد انتهائهم من الجمع أي بعد صلاة العشاء ثم يصلون سنة العشاء ولهم أن يصلوا الوتر أيضاً. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة الثانية ويوتر قبل دخول وقت الثانية لأن سنتها تابعة لها فتتبعها في فعلها ووقتها والوتر وقته ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح وقد صلى العشاء فدخل وقته] المغني 2/ 207.

وقال الإمام النووي في كيفية صلاة سنة الظهر والعصر إذا جمع بينهما: [والصواب الذي قاله المحققون أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي بعدها ثم سنة العصر] روضة الطالبين 1/ 503. 3. إن حضر المصلي إلى المسجد فوجدهم في صلاة العشاء وهو لم يصلِ المغرب فيدخل معهم بنية صلاة المغرب فإذا قام الإمام إلى الرابعة فالمأموم مخير بين حالين إما أن ينوي المفارقة فيسلم وإما أن يبقى جالساً منتظراً الإمام حتى يتم فيسلم معه والانتظار أفضل كما قال الإمام النووي في المجموع 4/ 270. وأخيراً أنبه على أن كثيراً من أهل العلم يرون أن ترك الجمع أفضل وأولى بسبب خلاف من رأى عدم جواز الجمع. قال الإمام النووي: [وترك الجمع أفضل بلا خلاف فيصلي كل صلاة في وقتها للخروج من الخلاف فإن أبا حنيفة وجماعة من التابعين لا يجوِّزونه. وممن نص على أن تركه أفضل الغزالي وصاحب التتمة. قال الغزالي في البسيط: لا خلاف أن ترك الجمع أفضل] روضة الطالبين 1/ 505. وقال ابن مفلح: [وتركه أفضل] الفروع 2/ 68. وقال المرداوي: [يؤخذ من قول المصنف " ويجوز الجمع " أنه ليس بمستحب وهو كذلك بل تركه أفضل على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب] الإنصاف 2/ 334. وخلاصة الأمر فإني أنصح أئمة المساجد بأن يلتزموا بما قرره أهل العلم وأحذرهم من التساهل في الجمع لأنه قد يوقع في معصية ألا وهي الجمع بين الصلاتين بدون عذر وقد ورد في بعض الآثار عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: [الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر] رواه البيهقي وذكر أنه مرسل ثم روى بسنده أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى عامل له: ثلاث من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا في عذر والفرار من الزحف والنهبى) أبو قتادة العدوي أدرك عمر - رضي الله عنه - فإن كان شهده

الجمع بسبب فرض نظام حظر التجول

كتب فهو موصول وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قوياً] السنن الكبرى 3/ 169. وقوى الأثرين صاحب الجوهر النقي. الجمع بسبب فرض نظام حظر التجول يقول السائل: إن إمام المسجد عندهم يجمع بين المغرب والعشاء في هذه الأيام بسبب فرض نظام منع التجول حيث إن كثيراً من المصلين يخافون الحضور للمسجد وقت العشاء فهل يجوز هذا الجمع؟ الجواب: من المعلوم عند أهل العلم أن الأصل أن تصلى الصلوات الخمس في أوقاتها المحددة شرعاً لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) سورة النساء الآية 103. وقد أجاز كثير من أهل العلم الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر لأعذار معتبرة شرعاً. ومن الأعذار التي تجيز الجمع بين الصلاتين عذر الخوف فقد صح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلَّى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر) رواه مسلم وفي رواية أخرى عنه قال: (صلَّى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر. قال أبو الزبير - أحد الرواة -: فسألت سعيداً لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحداً من أمته) رواه مسلم. وغير ذلك من الأدلة. وقد أجاز الجمع في الحضر لعذر الخوف جماعة من أهل العلم نقله عنهم الإمام النووي في المجموع 4/ 383 وفي شرحه على صحيح مسلم حيث قال: [وذهب من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 335.

جمع التأخير بين صلاتين

وذكر ابن مفلح أن الخوف يبيح الجمع في ظاهر كلام الإمام أحمد كالمرض ونحوه وأولى لمفهوم قول ابن عباس من غير خوف ولا مطر. الفروع 2/ 71. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على حديث ابن عباس السابق: [قال (من غير خوف ولا مطر) وقال (ولا سفر). والجمع الذي ذكره ابن عباس لم يكن بهذا ولا بهذا وبهذا استدل أحمد على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى وهذا من باب التنبيه بالفعل فإنه إذا جمع ليرفع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع والجمع لها أولى من الجمع لغيرها] مجموع الفتاوى 24/ 76. وقال أيضاً: [فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به بالمدينة من الصحابة والتابعين. لكن لا يدل على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يجمع إلا للمطر بل إذا جمع لسبب هو دون المطر مع جمعه أيضاً للمطر كان قد جمع من غير خوف ولا مطر كما أنه إذا جمع في السفر وجمع في المدينة كان قد جمع في المدينة من غير خوف ولا سفر فقول ابن عباس جمع من غير كذا ولا كذا ليس نفياً منه للجمع بتلك الأسباب بل إثبات منه لأنه جمع بدونها وإن كان قد جمع بها أيضاً. ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى فيدل ذلك على الجمع للخوف والمطر وقد جمع بعرفة ومزدلفة من غير خوف ولا مطر] مجموع الفتاوى 24/ 83 - 84. وخلاصة الأمر أن الجمع يجوز لعذر الخوف ولكن لا بد أن يكون العذر حقيقياً وموجوداً فعلاً عند الجمع. جمع التأخير بين صلاتين يقول السائل: إنه سافر ونوى أن يصلي الظهر والعصر جمع تأخير ولكنه

وصل إلى بلده بعد دخول وقت صلاة العصر بساعة فهل يصح أن يجمع الصلاتين جمع تأخير؟ الجواب: من المعلوم عند أهل العلم أن من أصول الإسلام وقواعده رفع الحرج ودفع المشقات، وقد دلت النصوص من كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك ويدخل في هذا الأصل الترخص بالجمع في السفر تقديماً وتأخيراً، فقد صح في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث عن معاذ - رضي الله عنه - قال: (خرجنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً) رواه مسلم. وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر هذا فإنه يشترط لصحة جمع التأخير نية الجمع وهذا باتفاق العلماء ويشترط أيضاً دوام السفر إلى دخول وقت الصلاة الثانية على الراجح من أقوال أهل العلم، فإذا أقام المسافر بعد دخول وقت الصلاة الثانية - أي انتهى سفره - فيجوز له جمع التأخير، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما إن جمع بينهما في وقت الثانية اعتبر بقاء العذر إلى حين دخول وقتها. وإن استمر إلى حين دخول وقت الثانية جمع وإن زال العذر لأنهما صارتا واجبتين في ذمته ولا بد له من فعلهما] المغني 2/ 207. وقال المرداوي: [واستمرار العذر إلى دخول وقت الثانية منهما] الإنصاف 2/ 346. وخلاصة الأمر أنه لا أثر لزوال العذر بعد دخول وقت الصلاة الثانية، فيجوز لهذا المسافر أن يجمع وهذا هو المناسب لرخصة الجمع بين الصلاتين للسفر ولكن ينبغي التنبيه إلى أن هذا المسافر لا يجوز له أن يقصر ما دام قد وصل إلى محل إقامته.

الأذكار المشروعة بعد الصلاة المكتوبة

الأذكار المشروعة بعد الصلاة المكتوبة يقول السائل: نلاحظ كثيراً من المصلين أنهم عندما يسلم الإمام من صلاة الجماعة يقومون سراعاً فيخرجون من المسجد دون أن يأتوا بالأذكار المشروعة بعد الصلوات المكتوبات ودون أن يدعو ربهم فما قولكم في ذلك؟ الجواب: ما ورد في السؤال هو حال كثير من المصلين مع الأسف الشديد حيث إنهم بمجرد تسليم الإمام يستبقون أبواب المسجد للخروج سراعاً وما علموا أنهم تركوا فضلاً عظيماً وأعرضوا عن ساعة مباركة يستجاب فيها الدعاء ويسن فيها الذكر والاستغفار. وإني لأستغرب من بعض المصلين الذين اعتادوا هذا الأمر فهم يداومون على الخروج من المسجد بمجرد انتهاء الإمام من الصلاة وإن بعض هؤلاء لا يعرف شيئاً عن ذكر الله والدعاء أو الاستغفار. وأذكر هنا الأمور التي ينبغي أن يفعلها المصلي بعد انتهاء الصلاة أخذاً من سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فأولها المداومة على الأذكار الواردة عقب الصلوات المكتوبات قال الإمام النووي: [أجمع العلماء على استحباب الذكر بعد الصلاة] الأذكار ص 57. ومن هذه الأذكار النبوية: عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث: كيف الاستغفار؟ قال: تقول أستغفر الله أستغفر الله. رواه مسلم. وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان إذا فرغ من الصلاة وسلَّم قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد

وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) قال ابن الزبير: وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهلل بهن دبر كل صلاة) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: (ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون. فقال: ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) رواه البخاري ومسلم. وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه -: عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاثاً وثلاثين تسبيحة وثلاثاً وثلاثين تحميدة وأربعاً وثلاثين تكبيرة) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه مسلم. وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتعوذ دبر الصلاة بهؤلاء الكلمات: (اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أردَّ إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر) رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة هما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح الله تعالى دبر كل صلاة عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً فذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين فذلك مائة باللسان وألف بالميزان. قال: فلقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل؟ قال: يأتي أحدكم يعني الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله ويأتيه في صلاته فيذكره حاجة قبل أن يقولها) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وقال الإمام النووي: إسناده صحيح، الأذكار ص 59. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قال في دبر صلاة الصبح وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحُرِسَ من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله تعالى) رواه الترمذي وقال حديث حسن. هذا ما يتعلق بالأذكار بعد انتهاء الصلاة. وأما الدعاء فحقيقتة مناداة الله تعالى لما يريد من جلب منفعة أو دفع مضرة من المضار والبلاء بالدعاء، فهو سبب لذلك واستجلاب لرحمة المولى ويعني هذا أن الدعاء شعور بالحاجة إلى الله تعالى وطلبها منه جل جلاله بتذلل ورغب ورهب لا غنى لأي فرد عنه في أي حال من أحواله شدة ورخاء صحة وعافية ومرضاً ولذا جاءت النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مبينة فضله وحاثة عليه ومن ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) سورة غافر الآية 60. وقال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا

يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) سورة الأعراف الآيتان 55 - 56. وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) سورة البقرة الآية 186. وقال جل جلاله في وصف عباده المؤمنين: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة السجدة الآيتان 16 - 17. وجاء في الحديث عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 138. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) رواه الترمذي وابن ماجة وقال الألباني حسن. انظر صحيح سنن الترمذي 3/ 138. وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله قال: (ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بمأثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: الله أكثر) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ووافقه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 181. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي قال: (إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) رواه ابن حبان وأبو يعلى وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الجامع 1519. وعنه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي والحاكم وهو حديث حسن كما قال الألباني في صحيح الجامع 6290. ومن المعلوم عند أهل العلم أن الدعاء له أوقات مباركة يستجاب فيها ومن أعظمها دبر الصلوات المكتوبات أي عقبها، قال الإمام الشوكاني: [قد

ورد الإرشاد إلى الأذكار في دبر الصلوات وهي مشتملة على ترغيب عظيم وفيها أن الذاكر يقوم مغفوراً له وفيها أنها تحل له الشفاعة وفيها أنه يكون في ذمة الله عز وجل إلى الصلاة الأخرى وفيها أنها لو كانت خطاياه مثل زبد البحر لمحتهن وغير ذلك من الترغيبات وكل ذلك يدل على شرف هذا الوقت وقبول الدعاء فيه] تحفة الذاكرين ص 66. ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: [قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات] رواه الترمذي وقال حديث حسن ووافقه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 168. وورد عن الضحاك في تفسير قوله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) سورة الانشراح الآية 7 قال فرغت من الصلاة فانصب بعد التسليم في الدعاء وارغب في المسألة، وهو أثر حسن. انظر الترغيب في الدعاء ص264 - 266. وهذه طائفة من الأدعية النبوية الواردة في دبر الصلوات المكتوبات: عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: (لقيني النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذ بيدي فقال: يا معاذ إني أحبك. قلت يا رسول الله: وأنا أحبك. قال: أفلا أوصيك بكلمات تقولوهن في دبر كل صلاة: يا رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) رواه أحمد وابن حبان وصححه ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا صلى الصبح قال اللهم إني أسألك علماً نافعاً وعملاً متقبلاً ورزقاً طيباً. رواه أحمد والنسائي وقال الهيثمي رجاله ثقات. مجمع الزوائد 10/ 111 وحسنه الحافظ ابن حجر لشواهده. وعن مسلم بن أبي بكرة قال: [كان أبي يقول في دبر الصلاة اللهم

إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر فكنت أقولهن فقال أبي عمن أخذت هذا قلت عنك، قال إن رسول الله كان يقولهن] رواه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد. صحيح سنن النسائي 1/ 290. وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: (ما دنوت من رسول الله في دبر صلاة مكتوبة ولا تطوع إلا سمعته يقول: اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها اللهم أنعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق فإنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت) رواه الطبراني وابن السني وجوّد إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 111. وقال الشيخ الألباني حسن، انظر صحيح الجامع 1266. وعن الحارث بن مسلم التميمي - رضي الله عنه - قال: (قال لي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتكلم اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن مت من يومك كتب الله لك جواراً من النار وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تتكلم اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك جوراً من النار) رواه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وقال محققه حسن ونقل ابن علان عن الحافظ ابن حجر تحسينه ورواه ابن حبان في صحيحه. وغير ذلك من الأدعية. وفي الختام أنبه على قضيتين الأولى: أن هذه الأدعية تؤدى بشكل فردي أي أن كل مصلٍ يدعو لنفسه دون أن يشوش على غيره من المصلين ولا يجوز أن تؤدى هذه الأدعية بشكل جماعي كما يفعل بعض المصلين حيث إن الإمام يدعو ويؤمن المأمومون على دعائه، فهذا لم يثبت عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال العلامة ابن القيم: [وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين فلم يكن ذلك من هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصلاً ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن] زاد المعاد 1/ 257. الثانية: قال العلامة ابن القيم: [وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها وهذا هو اللائق بحال المصلي فإنه مقبل على ربه

يناجيه ما دام في الصلاة فإذا سلَّم منها انقطعت تلك المناجاة وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه والإقبال عليه ثم يسأله إذا انصرف عنه؟ ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي] زاد المعاد 1/ 257 - 258. وقول العلامة ابن القيم غير مسلَّم على إطلاقه فقد ثبت في أدعية كثيرة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا بها بعد السلام من الصلاة كما سبق، ومما يؤيد ذلك ما قاله الإمام البخاري في صحيحه: [باب الدعاء بعد الصلاة ثم ذكر حديث المغيرة السابق وفيه: [كتب المغيرة إلى معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلّم) الحديث. صحيح البخاري مع الفتح 13/ 284. وقال الحافظ ابن حجر: [قوله باب الدعاء بعد الصلاة، أي المكتوبة وفي هذه الترجمة ردٌّ على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع متمسكاً بالحديث الذي أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن الحارث عن عائشة: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سلًّم لا يثبت إلا قدر ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. والجواب أن المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالساً على هيئته قبل السلام إلا بقدر أن يقول ما ذكر، فقد ثبت أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه] ثم نقل كلام ابن القيم السابق ثم قال الحافظ ابن حجر: [وما ادعاه من النفي مطلقاً مردود فقد ثبت عن معاذ بن جبل أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: (يا معاذ إني والله لأحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم. وحديث أبي بكرة في قول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو بهن دبر كل صلاة) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم ... وحديث زيد بن أرقم (سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو في دبر كل صلاة اللهم ربنا ورب كل شيء) .. الحديث، أخرجه أبو داود والنسائي. وحديث صهيب رفعه (كان يقول إذا

قراءة آية الكرسي بعد الصلاة المفروضة

انصرف من الصلاة اللهم أصلح لي ديني) الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن حبان وغير ذلك. فإن قيل المراد بدبر كل صلاة قرب آخرها وهو التشهد قلنا قد ورد الأمر بالذكر دبر كل صلاة والمراد به بعد السلام إجماعاً، فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه. وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة: (قيل: يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات) وقال حسن: وأخرج الطبري من رواية جعفر بن محمد الصادق قال: الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة. وفهم كثير ممن لقيناه من الحنابلة أن مراد ابن القيم نفي الدعاء بعد الصلاة مطلقاً وليس كذلك. فإن حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استمرار استقبال المصلي القبلة وإيراده بعد السلام وأما إذا انتقل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الإتيان بالدعاء حينئذ] فتح الباري 13/ 382. قراءة آية الكرسي بعد الصلاة المفروضة يقول السائل: هل ورد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قراءة آية الكرسي بعد الصلاة المفروضة؟ الجواب: نعم وردت عدة أحاديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قراءة آية الكرسي عقب الصلوات المكتوبات ولكن هذه الأحاديث مختلف في أسانيدها وأمثلها حديث أبي أمامه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت) رواه النسائي في السنن الكبرى والطبراني في الكبير وابن السني وغيرهم. وهذا الحديث اختلف المحدثون فيه اختلافاً كبيراً فصححه أو حسنه جماعة وضعفه آخرون وقد اعتبره ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أي

المكذوبة ولم يسلَّم له ذلك، قال العلامة ابن القيم: [وهذا الحديث تفرد به محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامه ورواه النسائي عن الحسين بن بشر عن محمد بن حمير. وهذا الحديث من الناس من يصححه ويقول الحسين بن بشر قد قال فيه النسائي: [لا بأس به وفي موضع آخر ثقة. وأما المحمدان فاحتج بهما البخاري في صحيحه قالوا فالحديث على رسمه ومنهم من يقول: هو موضوع وأدخله أبو الفرج بن الجوزي في كتابه في الموضوعات وتعلق على محمد بن حمير وأن أبا حاتم الرازي قال: لا يحتج به وقال يعقوب بن سفيان: ليس بقوي وأنكر ذلك عليه بعض الحفاظ ووثقوا محمداً وقال: هو أجل من أن يكون له حديث موضوع وقد احتج به أجل من صنف في الحديث الصحيح وهو البخاري ووثقه أشد الناس مقالة في الرجال يحيى بن معين وقد رواه الطبراني في معجمه أيضاً من حديث عبد الله بن حسن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى). وقد روي هذا الحديث من حديث أبي أمامه وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وفيها كلها ضعف ولكن إذا انضم بعضها إلى بعض مع تباين طرقها واختلاف مخارجها دلت على أن الحديث له أصل وليس بموضوع. وبلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية قدس الله روحه أنه قال: ما تركتها عقيب كل صلاة] زاد المعاد 1/ 303 - 304. وقال الحافظ المنذري بعد أن ذكر الحديث: [رواه النسائي والطبراني بأسانيد أحدها صحيح وقال شيخنا أبو الحسن: هو على شرط البخاري وابن حبان في الصلاة وصححه] وصححه الألباني أيضاً. صحيح الترغيب والترهيب 2/ 258 وانظر السلسلة الصحيحة 2/ 697 - 701. وقال الحافظ المناوي: [وقال ابن حجر في تخريج المشكاة: غفل ابن الجوزي في زعمه وضعه وهو من أسمج ما وقع له. وقال الدمياطي: له طرق إذا انضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة ونقل الذهبي في تاريخه عن

السيف ابن أبي المجد الحافظ قال صنف ابن الجوزي كتاب الموضوعات فأصاب في ذكره أحاديث مخالفة للعقل والنقل ومما لم يصب فيه إطلاقه الوضع على أحاديث بكلام بعضهم في أحد رواتها كفلان ضعيف أو لين أو غير قوي وليس ذلك الحديث مما يشهد القلب ببطلانه ولا يعارض الكتاب والسنة ولا حجة بأنه موضوع سوى كلام رجل في رواته وهذا عدوان ومجازفة فمن ذلك هذا الحديث] فيض القدير 6/ 256. ومعنى قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إلا الموت) أي الموت حاجز بينه وبين دخول الجنة فإذا تحقق وانقضى حصل دخوله. وقيل معنى الحديث أنه لم يبق من شرائط دخول الجنة إلا الموت فكأن الموت يمنع ويقول لا بد من حضوري أولاً ليدخل الجنة. انظر المرقاة شرح المشكاة 3/ 56. فهذا الحديث حديث صالح للاحتجاج ولذلك فإن العلماء أنكروا على ابن الجوزي إيراده في الموضوعات كما سبق في كلام الحافظ ابن حجر. ومن الأحاديث الضعيفة الواردة في قراءة آية الكرسي عقب الصلوات المكتوبات ما روي أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى) رواه الطبراني وضعفه الألباني في تمام المنة ص227 وفي ضعيف الترغيب والترهيب 1/ 490. وسبق ذكره في كلام ابن القيم. ومنها ما روي في الحديث: (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة كان بمنزلة من قاتل عن أنبياء الله عز وجل حتى يستشهد) رواه ابن السني وهو حديث ضعيف ومنها ما ورد في الحديث (من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة خَرقت سبع سموات فلم يلتئم خرقُها حتى ينظرَ اللهُ إلى قائلها فيغفر له ثم يبعث الله ملكاً فيكتب حسناته ويمحو سيئاته إلى الغد من تلك الساعة) رواه ابن عدي عن جابر مرفوعاً وإسناده باطل وله سند آخر فيه مجاهيل، وقد رواه الحكيم الترمذي عن أنس مرفوعاً] الفوائد المجموعة ص299 - 300.

ومنها ما روي في الحديث: (من قرأ آية الكرسي وكتب بزعفران على راحة كفه اليسرى بيده اليمنى سبع مرات ويلحسها بلسانه لم ينس أبداً) في إسناده: وضاع. ومنها (من قرأ آية الكرسي لم يتول قبض نفسه إلا الله تعالى) قال تقي الدين السبكي: منكر ويشبه أن يكون موضوعاً. ومنها (من قرأ آية الكرسي على أثر وضوئه أعطاه الله ثواب أربعين عاماً ورفع له أربعين درجة وزوجه أربعين حوراء) في إسناده مقاتل بن سليمان كذاب] الفوائد المجموعة ص311 - 312. وغير ذلك من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي لا يصح الاحتجاج بها. وأخيراً ينبغي التنبيه على أمرين: الأول أنه قد ورد أيضاً قراءة: [قل هو الله أحد والمعوذتين بعد الصلوات المكتوبات] كما في حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: [أمرني رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة] رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة 4/ 19، وفي صحيح سنن الترمذي 3/ 8. الثاني: نقل العلامة ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أن المراد بدبر الصلاة آخرها قبل التسليم فقال: [ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده وكان شيخنا يرجح أن يكون قبل السلام فراجعته فيه فقال: دبر كل شيء منه كدبر الحيوان] زاد المعاد 1/ 305. وما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من كون ذلك قبل السلام غير مسلَّم فإن لفظ الدبر يستعمل أيضاً في العقب بمعنى بعد كما يقال أعتق عبده عن دبر أي بعد وفاته. وما ورد في الأحاديث من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دبر الصلاة أي بعد التسليم كما ورد في الحديث عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يهلل دبر كل صلاة حين يسلم بهؤلاء الكلمات: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون). رواه مسلم.

ومثل قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وقال تمام المئة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه مسلم. وهكذا في الأحاديث الأخرى الواردة في الذكر دبر الصلاة أي بعد التسليم. قال الحافظ ابن حجر: [وأما رواية " دبر " فهي بضمتين، قال الأزهري: دبر الأمر يعني بضمتين ودبره يعني بفتح ثم سكون آخره. وادعى أبو عمرو الزاهد أنه لا يقال بالضم إلا للجارحة ورد بمثل قولهم أعتق غلامه عن دبر ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيراً بحيث لا يعد معرضاً أو كان ناسياً أو متشاغلاً بما ورد أيضاً بعد الصلاة كآية الكرسي فلا يضر) فتح الباري 2/ 424. وقال المناوي عن قول ابن تيمية السابق: [وفيه بعد] فيض القدير 6/ 256. ومما يدل على أن المراد بدبر الصلاة أنه بعد التسليم ما ورد في رواية أخرى للحديث: [من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة] أي بعد السلام. انظر الوابل الصيب ص 221، فيض القدير 6/ 256. وقد أيدت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية أن دبر الصلاة يكون بعد التسليم فقالت: [تسن قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين وتكون القراءة سراً ويكون بعد الانتهاء من الذكر بعد السلام] فتاوى اللجنة الدائمة 7/ 108. وخلاصة الأمر أنه يستحب قراءة آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين بعد انتهاء الصلاة ويقرؤها سراً.

كيفية صلاة سنة الجمعة البعدية

كيفية صلاة سنة الجمعة البعدية يقول السائل: إذا صليتُ سنةَ الجمعة البعدية أربع ركعات فهل أصليها اثنتين بتسليمة ثم اثنتين بتسليمة أم أصليها أربعاً متصلة بتسليمة واحدة؟ الجواب: الثابت عند أهل العلم أن الجمعة لها سنة تصلى بعدها ولا سنة معينة تصلى قبلها. وقد ورد في صلاة السنة بعد الجمعة أنها ركعتان وورد أنها أربع ركعات وورد أنها ست ركعات ومن الأحاديث والآثار الواردة في ذلك ما يلي: عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه وصف تطوع صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (فكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته). وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) رواه مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعاً وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد فقيل له، فقال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل ذلك) رواه أبو داود والترمذي وقال العراقي إسناده صحيح. وروى الطحاوي بإسناده عن عطاء قال أبو إسحق حدثني غير مرة قال: صليت مع ابن عمر رضي الله عنهما يوم الجمعة فلما سلَّم قام فصلى ركعتين ثم قال: فصلى أربع ركعات ثم انصرف. فهذا ابن عمر - رضي الله عنهم - قد كان يتطوع بعد الجمعة بركعتين ثم أربع فيحتمل أن يكون فعل ذلك لما قد كان ثبت عنده من قول

رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك وفعله وروى عن علي - رضي الله عنهم - أنه قال: من كان مصلياً بعد الجمعة فليصل ستاً. وروى عن أبي عبد الرحمن قال: علَّم ابن مسعود - رضي الله عنهم - الناس أن يصلوا بعد الجمعة أربعاً فلما جاء علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - علمهم أن يصلوا ستاً. ثم قال الطحاوي: [فثبت بما ذكرنا أن التطوع الذي لا ينبغي تركه بعد الجمعة ست وهو قول أبو يوسف إلا أنه قال: أحب إليَّ أن يبدأ بالأربع ثم يثني بالركعتين لأنه هو أبعد من أن يكون قد صلى بعد الجمعة مثلها على ما قد نهي عنه] شرح معاني الآثار 1/ 337. وقد قال بمقتضى هذه الأحاديث أهل العلم فقد ذكر الترمذي بعد أن روى حديث ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي بعد الجمعة ركعتين: [والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد] سنن الترمذي مع شرحه التحفة 3/ 46. ونقل ذلك عن عمر وعمران بن حصين والنخعي. وقال الترمذي بعد أن روى حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً): والعمل على هذا عند بعض أهل العلم] ثم ذكر الترمذي أن عبد الله بن مسعود كان يصلي بعد الجمعة أربعاً وذكر أن علياً أمر أن يصلى بعد الجمعة ركعتين ثم أربعاً. انظر المصدر السابق 3/ 47 - 49. ونقل عن علقمة وأبي حنيفة أنه يصلي أربعاً. وقال طائفة أخرى من أهل العلم يصلي بعدها ركعتين ثم أربعاً وروي ذلك عن علي وابن عمر وأبي موسى وهو قول عطاء والثوري وأبي يوسف من الحنفية. ومن أهل العلم من خير المصلي بين هذه الثلاثة فإما أن يصلي ركعتين أو أربعاً أو ستاً فقد ذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي عن الإمام أحمد أنه قال إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين وإن شاء أربعاً وفي رواية وإن شاء ستاً. واستدل ابن قدامة على ذلك بقوله: [ولنا أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك كله بدليل ما روي من الأخبار وروي عن ابن عمر: (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي بعد الجمعة ركعتين) متفق عليه وفي لفظ لمسلم:

(وكان لا يصلي في المسجد حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته) وهذا يدل على أنه مهما فعل من ذلك كان حسناً. قال أحمد في رواية عبد الله: ولو صلى مع الإمام ثم لم يصل شيئاً حتى صلى العصر كان جائزاً قد فعله عمران بن حصين وقال في رواية أبي داود: يعجبني أن يصلي يعني بعد الجمعة] المغني 2/ 269 - 270. وقال إسحق بن راهويه إن صلى في المسجد يوم الجمعة صلى أربعاً وإن صلى في بيته صلى ركعتين ذكره الترمذي في سننه والعراقي في طرح التثريب 3/ 38. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قال ابن القيم: [قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: إن صلى في المسجد صلى أربعاً وإن صلى في بيته صلى ركعتين قلت: وعلى هذا تدل الأحاديث وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعاً وإذا صلى في بيته صلى ركعتين] زاد المعاد 1/ 440. واختارته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية فقالت: [ويجمع بين ما يدل على مشروعية أربع ركعات وما يدل على مشروعية ركعتين بعد الجمعة أن المصلي يصلي أربعاً إذا صلى في المسجد ويصلي ركعتين إذا صلى في بيته وهناك جمع آخر بين الحديثين وهو أن الراتبة بعد الجمعة أقلها ركعتان وأكثرها أربع سواء فعلها في البيت أو في المسجد] غاية المرام 7/ 257. وقال الحافظ ابن عبد البر بعد أن ذكر تعدد الروايات في سنة الجمعة البعدية: [الاختلاف عن السلف في هذا الباب اختلاف إباحة واستحسان لا اختلاف منع وحظر وكل ذلك حسن إن شاء الله] فتح المالك 3/ 245. وقال الحافظ أبو زرعة العراقي: [وقال ابن عبد البر: قال أبو حنيفة: يصلي بعد الجمعة أربعاً وقال في موضع آخر ستاً وقال الثوري: إن صليت أربعاً أو ستاً فحسن وقال الحسن بن حي: يصلي أربعاً وقال أحمد ابن حنبل أحب إلي أن يصلي بعد الجمعة ستاً وإن صلى أربعاً فحسن فلا بأس به، قال ابن عبد البر وكل هذه الأقاويل مروية عن الصحابة قولاً وعملاً ولا

خلاف بين العلماء أن ذلك على الاختيار وقال ابن بطال: قالت طائفة: يصلي بعدها ركعتين روي عن ابن عمر وعمران بن حصين والنخعي وقالت طائفة يصليي بعدها ركعتين ثم أربعاً روي عن علي وابن عمر وأبي موسى وهو قول عطاء والثوري وأبي يوسف إلا ان أبا يوسف استحب أن يقدم الأربع قبل الركعتين وقالت طائفة يصلي أربعاً لا يفصل بينهن بسلام روي ذلك عن ابن مسعود وعلقمة والنخعي وهو قول أبي حنيفة وإسحق انتهى. وقال النووي في شرح مسلم: نبه بقوله من كان منكم مصلياً على أنها سنة ليست واجبة وذكر الأربع لفضلها وفعله للركعتين في أوقات بياناً لأن أقلها ركعتان قال ومعلوم أنه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي في أكثر الأوقات أربعاً لأنه أمرنا بهن وحثنا عليهن بقوله: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) وهو أرغب في الخير وأحرص عليه وأولى به انتهى. وقال والدي رحمه الله - أي الحافظ العراقي - في شرح الترمذي: وما ادعاه من أنه معلوم كان يصلي في أكثر الأوقات أربعاً فيه نظر فليس ذلك بمعلوم ولا مظنون لأن الذي صح عنه صلاة ركعتين في بيته ولا يلزم من كونه أمر به أن يفعله وكلام ابن عمر المتقدم إنما أراد به رفع فعله بالمدينة وحسب كما تقدم لأنه لم يصح أنه صلى الجمعة بمكة وعلى تقدير وقوعه بمكة منه فليس ذلك في أكثر الأوقات بل نادر وربما كانت الخصائص في حقه بالتخفيف في بعض الأوقات فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم الحديث عند مسلم فربما لحقه تعب من ذلك فاقتصر على الركعتين في بيته وكان يطيلهما كما ثبت في رواية النسائي وأفضل الصلاة طول القنوت أي القيام فلعلها كانت أطول من أربع خفاف أو متوسطات] طرح التثريب 3/ 39 - 40. وأما بالنسبة للأربع إذا صلاها بعد الجمعة فإنه يصليها بتسليمة واحدة على الراجح من أقوال أهل العلم، قال الشوكاني: [وقد اختلف في الأربع الركعات هل تكون متصلة بتسليم في آخرها أو يفصل بين كل ركعتين بتسليم فذهب إلى الأول أهل الرأي وإسحق بن راهويه وهو ظاهر حديث أبي هريرة. وذهب إلى الثاني الشافعي والجمهور كما قال العراقي واستدلوا

فضل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة

بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صلاة النهار مثنى مثنى) أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وقد تقدم. والظاهر القول الأول لأن دليله خاص ودليل القول الآخر عام وبناء العام على الخاص واجب] نيل الأوطار 3/ 319 - 320. وروى محمد بن الحسن في كتابه الآثار عن إبراهيم النخعي قال: أربع بعد الظهر وأربع بعد الجمعة لا يفصل بينهن بتسليم]. الآثار 1/ 280. وخلاصة الأمر أن المصلي بعد الجمعة في سعة من أمره إن شاء صلى ثنتين وإن شاء صلى أربعاً، فإن صلى أربعاً صلاها بتسليم واحد. فضل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة يقول السائل: ما هو فضل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة؟ الجواب: وردت أحاديث كثيرة في فضائل سورة الكهف بشكل عام وعلى وجه الخصوص في فضل قراءتها يوم الجمعة فمن فضائلها العامة ما ثبت في الحديث عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: (كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر ذلك له فقال تلك السكينة تنزلت بالقرآن) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال) رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه ومن توضأ ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة) رواه الحاكم ثم قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وعن ثوبان - رضي الله عنه - أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف فإنه عصمة له من الدجال) رواه النسائي في السنن الكبرى وإسناده صحيح. وأما ما ورد في فضل قراءة سورة الكهف في ليلة الجمعة ويومها فمنه ما ورد عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون فإن خرج الدجال عصم منه) قال الضياء المقدسي في المختارة في إسناده: من لم أقف له على ترجمة. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قرأ سورة الكهف كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره ومن توضأ فقال سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم جعل في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح إلا أن النسائي قال بعد تخريجه في اليوم والليلة: هذا خطأ والصواب موقوفاً ثم رواه من رواية الثوري وغندر عن شعبة موقوفاً قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 239. وقال الألباني: صحيح لغيره، انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/ 190. وعن معاذ بن أنس عن رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نوراً من قدمه إلى رأسه ومن قرأها كلها كانت له نوراً ما بين الأرض إلى السماء) رواه أحمد والطبراني وفي إسناد أحمد ابن لهيعة وهو ضعيف وقد يحسن قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 52. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قرأ سورة الكهف كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره) رواه الطبراني في الأوسط في حديث طويل وهو بتمامه في كتاب الطهارة ورجاله رجال الصحيح قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 53.

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين) رواه النسائي والبيهقي مرفوعاً والحاكم مرفوعاً وموقوفاً أيضا وقال صحيح الإسناد. ورواه الدارمي في مسنده موقوفاً على أبي سعيد ولفظه قال: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق) وفي أسانيدهم كلها إلا الحاكم أبو هاشم يحيى بن دينار الروماني والأكثرون على توثيقه وبقية الإسناد ثقات وقال الألباني: صحيح، انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/ 455. وقد نص الإمام الشافعي على استحباب قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة، انظر المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح ص119. وقد علل العلماء سبب فضيلة قراءة سورة الكهف بعدة تعليلات قال الإمام النووي: [سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتن بالدجال وكذا آخرها قوله تعالى: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا). شرح صحيح مسلم 2/ 418. وقال القرطبي المحدث: [وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال) وفي الرواية الأخرى: من آخر الكهف. واختلف المتأولون في سبب ذلك فقيل: لما في قصة أصحاب الكهف من العجائب والآيات فمن علمها لم يستغرب أمر الدجال ولم يهله ذلك فلا يفتنن به. وقيل: لما في قوله تعالى: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ) إلى آخر السورة من المعاني المناسبة لحال الدجال وهذا على رواية من روى: من آخر الكهف. وقيل: لقوله تعالى: (قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ)، تمسكاً بتخصيص البأس بالشدة واللدنية وهو مناسب لما يكون من الدجال من

دعوى الإلهية واستيلائه وعظيم فتنته ولذلك عظم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره وحذر منه وتعوذ من فتنته فيكون معنى هذا الحديث: أن من قرأ هذه الآيات وتدبرها ووقف على معناها حذره فأمن من ذلك وقيل: هذا من خصائص هذه السورة كلها فقد روي: (من حفظ سورة الكهف ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه) وعلى هذا تجتمع رواية من روى: (من أول سورة الكهف) ورواية من روى: (من آخرها) ويكون ذكر العشر على جهة الاستدراج في حفظها كلها وقيل: إنما كان ذلك لقوله: (قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ) فإنه يهون بأس الدجال. وقوله: (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا)، فإنه يهون الصبر على فتن الدجال بما يظهر من جنته وناره وتنعيمه وتعذيبه. ثم ذمه تعالى لمن اعتقد الولد يفهم منه أن من ادعى الإلهية أولى بالذم وهو الدجال ثم قصة أصحاب الكهف فيها عبرة تناسب العصمة من الفتن وذلك أن الله تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: (رَبَّنَاءَاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)، فهؤلاء قوم ابتلوا فصبروا وسألوا إصلاح أحوالهم فأصلحت لهم وهذا تعليم لكل مدعو إلى الشرك ومن روى من آخر الكهف فلما في قوله تعالى: (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا)، فإن فيه ما يهون ما يظهره الدجال من ناره] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/ 439 - 440. وقال الطيبي: [كما أن أولئك الفتية عصموا من ذلك الجبار كذلك يعصم الله القارىء أي قارئ سورة الكهف من الجبار واللام للعهد وهو الذي يخرج في آخر الزمان ويدعي الألوهية لخوارق تظهر على يديه كقوله للسماء أمطري فتمطر لوقتها وللأرض أنبتي فتنبت لوقتها زيادة في الفتنة ولذلك لم توجد فتنة على وجه الأرض أعظم من فتنته وما أرسل من نبي إلا حذره قومه أو للجنس فإن الدجال من يكثر منه الكذب والتلبيس ومنه الحديث: (يكون في آخر الزمان دجالون كذابون) أي مموهون وفي حديث: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالاً)] عمل اليوم والليلة لابن السني ص410.

التكبيرات الزوائد في صلاة العيدين

التكبيرات الزوائد في صلاة العيدين يقول السائل: إن إمام المسجد عندهم يصلي صلاة العيد على مذهب أبي حنيفة فيكبر في الأولى ثلاثاً بعد تكبيرة الإحرام ثم يقرأ، وفي الركعة الثانية يبدأ بالقراءة ثم يكبر ثلاثاً ثم يكبر للركوع. وأنه لاحظ أن كثيراً من المصلين يخطئون في الصلاة فيركعون عند تكبير الإمام التكبيرة الأولى من التكبيرات الزوائد في الركعة الثانية فما قولكم في ذلك؟ الجواب: اختلف أهل العلم في التكبير في صلاة العيدين اختلافاً كبيراً في عدد التكبيرات الزوائد وفي موضعها وقد ذكر الشوكاني عشرة أقوال في المسألة في كتابه نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار 3/ 339 - 340. وذكر غيره من العلماء أكثر من ذلك. ولكن يجب أن يعلم أن التكبيرات الزوائد في صلاة العيدين من السنن المستحبة عند جمهور أهل العلم ولا تبطل الصلاة بتركها عمداً أو سهواً. الروضة الندية 1/ 383. وأرجح أقوال أهل العلم أن السنة في تكبيرات صلاة العيد أن يكبر سبعاً في الأولى قبل القراءة وخمساً في الثانية قبل القراءة قال الحافظ العراقي: [هو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة قال وهو مروي عن عمر وعلي وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وزيد بن ثابت وعائشة وهو قول الفقهاء السبعة من أهل المدينة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومكحول وبه يقول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد واسحق] نيل الأوطار 3/ 339. وانظر المجموع 5/ 9 - 20. المغني 2/ 282. وقد استدل لهذا القول بالأدلة التالية: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الأخرى والقراءة بعدهما كلتيهما] رواه أبو داود وابن ماجة. وفي رواية عند أحمد وابن ماجة (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها) قال الإمام أحمد وأنا

أذهب إلى هذا. وحديث عمرو بن شعيب حديث صحيح، صححه أحمد وعلي بن المديني والبخاري فيما حكاه الترمذي قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 2/ 84. وقال الإمام النووي: [وحديث عمرو بن شعيب هذا حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد حسنة] المجموع 5/ 16. وقال الحافظ العراقي: [إسناده صالح ونقل الترمذي في العلل المفردة عن البخاري أنه قال إنه حديث صحيح] نيل الأوطار 3/ 338. وقال الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 213. وعن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمساً) رواه أبو داود والحاكم والبيهقي وقال الشيخ الألباني حديث صحيح. انظر إرواء الغليل 3/ 107. وعن عمرو بن عوف المزني - رضي الله عنه -: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الثانية خمساً قبل القراءة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. سنن الترمذي مع شرحه التحفة 3/ 66. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 166. وعن سعد القرظ - رضي الله عنه - مؤذن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الآخرة خمساً قبل القراءة) رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي وصححه الألباني بشواهده في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 215. وعن ابن عمر - رضي الله عنه - مرفوعاً: (التكبير في العيدين في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الآخرة خمس تكبيرات) رواه الدارقطني والبزار وهو حديث ضعيف. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: [مضت السنة أن يكبر للصلاة في العيدين سبعاً وخمساً] رواه البيهقي. وغير ذلك من الأحاديث.

ويلاحظ على هذه الأحاديث أن كل حديث منها لم يسلم من النقد ولكن مجموع هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً قال الشيخ الألباني بعد أن فصَّل الكلام على حديث عائشة السابق: [وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح ويؤيده عمل الصحابة به منهم أبو هريرة فيما رواه نافع مولى ابن عمر قال: [شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة] أخرجه مالك ومن طريقه الفريابي والبيهقي. ثم أخرجاه وكذا ابن أبي شيبة من طرق أخرى عن نافع به. وزاد البيهقي: وهي السنة. ومنهم عبد الله ابن عمر مثل حديثه المرفوع المتقدم، أخرجه الطحاوي وسنده صحيح. ومنهم عبد الله بن عباس " أنه كان يكبر في العيد في الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الافتتاح وفي الآخرة ستاً بتكبيرة الركعة كلهن قبل القراءة ". رواه ابن أبي شيبة عن ابن جريح عن عطاء عنه وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. إلخ] إرواء الغليل 3/ 110 - 111. وقد رجح جماعة من أهل العلم أن السنة في التكبير في صلاة العيد سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية منهم الحافظ ابن عبد البر حيث قال: [وروي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من طرق حسان أنه كبر في العيدين سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية من حديث عبد الله بن عمر وابن عمرو وجابر وعائشة وأبي واقد وعمرو بن عوف المزني ولم يرد عنه في وجه قوي ولا ضعيف خلاف هذا وهو أولى ما عمل به] المنهل العذب المورود 6/ 331 وانظر أيضاً فتح المالك 3/ 346 - 347 حيث فصَّل الحافظ ابن عبد البر الكلام على روايات الأحاديث الواردة في التكبيرات ثم قال عن مذهب الحنفية: [ليس يروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وجه قوي ولا ضعيف مثل قول هؤلاء] فتح المالك 3/ 347. وقال الشوكاني: [وأرجح هذه الأقوال أولها في عدد التكبير وفي محل القراءة] نيل الأوطار 3/ 341. والأول الذي ذكره أنه يكبر في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الثانية خمساً قبل القراءة. وقال الحافظ المباركفوري: [فالأولى للعمل هو ما ذهب إليه أهل

المدينة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم لوجهين: الأول أنه قد جاء فيه أحاديث مرفوعة عديدة وبعضها صالح للاحتجاج والباقية مؤيدة لها وأما ما ذهب إليه أهل الكوفة فلم يرد فيه حديث مرفوع غير حديث أبي موسى الأشعري وقد عرفت أنه لا يصلح للاحتجاج. والوجه الثاني أنه قد عمل به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقد تقدم في كلام الحافظ الحازمي أن أحد الحديثين إذا كان عمل به الخلفاء الراشدون دون الثاني فيكون آكد وأقرب إلى الصحة وأصوب بالأخذ هذا ما عندي والله تعالى أعلم] تحفة الأحوذي 3/ 71. وممن رجح هذا القول الصنعاني في سبل السلام 2/ 68. وصديق حسن خان كما في الروضة الندية 1/ 382. ومما ينبغي التنبيه عليه أن السنة أن يرفع المصلي يديه مع كل تكبيرة من التكبيرات قال العلامة ابن عثيمين: [لأن هذا ورد عن الصحابة رضي الله عنهم ولم يرد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلافه ومثل هذا العمل لا مدخل للاجتهاد فيه لأنه عبادة فهو حركة في عبادة فلا يذهب إليه ذاهب من الصحابة إلا وفيه أصل عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد صح عن ابن عمر (أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة في كل تكبيرة) بل إنه روي عنه مرفوعاً ومنهم من صححه مرفوعاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكذلك هنا فعن عمر (أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة والعيد) وكذلك عن زيد رواهما الأثرم) الشرح الممتع على زاد المستقنع 5/ 182. ورفع اليدين مع كل تكبيرة هو قول عطاء والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي ومحمد وداود وابن المنذر وغيرهم. ويستحب أن يحمد الله ويسبحه ويكبره ويصلي على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين كل تكبيرتين. ومن العلماء من قال يستحب أن يقول: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً. ومن العلماء من قال يستحب أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا

اجتماع الجمعة والعيد

إله الله والله أكبر اللهم صل على محمد وعلى آل محمد اللهم اغفر لي وارحمني. ومنهم من قال يستحب أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وإن أحب قال غير ما ذكر إذ لم يثبت فيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر مؤقت والأمر فيه سعة. انظر غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام 1/ 344 - 345. ملحوظة: وقع خطأ مطبعي عند ذكر مسألة تكبيرات العيد الزوائد في الجزء الأول من يسألونك حيث وردت العبارة التالية: [ويكون التكبير سبعاً في الأولى بعد القراءة وخمساً في الثانية بعد القراءة] والصواب هو (قبل القراءة) في الموضعين فينبغي أن يصحح. اجتماع الجمعة والعيد يقول السائل: إنه قرأ في كتاب فقه السنة في مسألة اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد أن الحنابلة أوجبوا صلاة الظهر في حق من تخلف عن صلاة الجمعة وأن الشيخ سيد سابق رجح عدم وجوب صلاة الظهر واحتج على ذلك بما ورد عن الصحابي عبد الله بن الزبير أنه قال: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر. فما قولكم في ذلك؟ الجواب: مسألة اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد محل اختلاف بين أهل العلم سبق وأن فصلتها في الجزء الخامس، وألخص أقوال العلماء فيها وهي ثلاثة: أكثر أهل العلم يرون أنه لا تجزىء واحدة منهما عن الأخرى فينبغي على المسلم أن يصلي العيد وأن يصلي الجمعة لأن عموم الأدلة التي أوجبت الجمعة لم تخص بدليل يصلح لذلك عندهم. وقالت الشافعية تسقط الجمعة عن أهل البوادي والقرى إذا صلوا

العيد مع أهل البلد وقالت الحنابلة وأكثر أهل الحديث تسقط الجمعة عمن صلى العيد إلا الإمام ومن لم يصلِ الجمعة فيجب عليه أن يصلي الظهر ونقل عن بعض العلماء إسقاط الظهر أيضاً. والقول الأول هو أولى الأقوال خروجاً من الخلاف وأما القول بسقوط صلاة الظهر فقد نسب إلى عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - من الصحابة وعطاء بن أبي رباح من كبار التابعين إن صح الخبر عنهما وما أظنه يصح عنهما ففي صحته نظر وبيان ذلك كما يلي: روى أبو داود بسنده عن عطاء قال: [اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة ولم يزد عليهما حتى صلى العصر] وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 200 ورواه ابن أبي شيبة عن وهب بن كيسان وإسناده حسن على شرط مسلم كما قال الإمام النووي في الخلاصة 2/ 816 وفي رواية أخرى عند أبي داود عن عطاء قال: [صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً وكان ابن عباس في الطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال: أصاب السنة] قال النووي: رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم الخلاصة 2/ 817. وقال الشيخ الألباني صحيح انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 200. وروى ابن أبي شيبة بسنده عن عطاء قال: [اجتمع عيدان في عهد ابن الزبير فصلى بهم العيد ثم صلى بهم الجمعة صلاة الظهر أربعاً] مصنف ابن أبي شيبة 2/ 187. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء فذكر ما حدث في عهد ابن الزبير ثم قال عطاء: [ ... وصليت أنا الظهر يومئذ.] مصنف عبد الرزاق 3/ 303. هذه هي الآثار التي وقفت عليها فيما ورد عن ابن الزبير وعن عطاء وهذه الآثار لا يؤخذ منها أنهما قالا بإسقاط الظهر عمن صلى العيد وإنما قالا بأن الجمعة تسقط عمن صلى العيد.

والرواية الأولى التي احتج بها من قال إن ابن الزبير أسقط الظهر لا تدل على ذلك قال الصنعاني: [ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة يكون عيداً على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله بل في قول عطاء أنهم صلوا وحداناً أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه ولا يقال إن مراده صلوا الجمعة وحداناً فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعاً] سبل السلام 2/ 53. والرواية الثانية تثبت أنهم صلوا الظهر وحداناً. والرواية الثالثة تثبت أنهم صلوا الظهر أربعاً. والرواية الرابعة تثبت أن عطاء صلى الظهر. وبهذا يظهر أن نسبة القول بإسقاط الظهر إلى ابن الزبير وعطاء نسبة غير صحيحة. قال الشيخ محمود خطاب السبكي: [قوله صلَّى بنا ابن الزبير. إلخ، أي صلى بنا عبد الله بن الزبير صلاة العيد في يوم جمعة أول النهار ثم لم يخرج إلى صلاة الجمعة فصلينا وحداناً يعني صلوا الظهر منفردين لا الجمعة لأنها لا تصح إلا في جماعة كما تقدم في باب الجمعة للمملوك والمرأة في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة) ولما حكاه النووي من الإجماع على أنها لا تصح إلا في جماعة] المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود 6/ 221. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وأما إذن عثمان لأهل العوالي وقوله: قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان يعني الجمعة والعيد، قال: فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له، فقد اختلف العلماء في تأويل قول عثمان هذا واختلفت الآثار في ذلك أيضاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واختلف العلماء في تأويلها والأخذ بها: فذهب عطاء بن أبي رباح إلى أن شهود العيد يوم الجمعة يجزئ عن الجمعة إذا صلى بعدها ركعتين على طريق الجمع. وروي عنه أيضاً أنه يجزيه وإن لم يصل غير صلاة العيد ولا صلاة

بعد صلاة العيد حتى العصر وحكي ذلك عن ابن الزبير وهذا القول مهجور لأن الله عز وجل افترض صلاة الجمعة في يوم الجمعة على كل من في الأمصار من البالغين الذكور الأحرار فمن لم يكن بهذه الصفات ففرضه الظهر في وقتها فرضاً مطلقاً لم يختص به يوم عيد من غيره. وقول عطاء هذا ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال: [قال عطاء بن أبي رباح: إن اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر في يوم واحد فليجمعهما وليصلهما ركعتين فقط حتى يصلي صلاة الفطر ثم هي هي حتى العصر ثم أخبرنا عند ذلك قال: اجتمعا يوم فطر ويوم جمعة في يوم واحد في زمن ابن الزبير فقال ابن الزبير: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعاً جعلهما واحداً فصلى يوم الجمعة ركعتين بكرة صلاة الفطر لم يزد عليهما حتى صلى العصر قال: فأما الفقهاء فلم يقولوا في ذلك وأما من لم يفقه فأنكر ذلك عليه قال: ولقد أنكرت أنا ذلك عليه وصليت الظهر يومئذ قال: حتى بلغنا بعد أن العيدين كانا إذا اجتمعا صليا كذلك واحداً] فتح المالك 3/ 335. وقال ابن عبد البر أيضاً: [وأما القول الأول: إن الجمعة تسقط بالعيد ولا تصلى ظهراً ولا جمعة فقول بين الفساد وظاهر الخطأ متروك مهجور لا يعرج عليه لأن الله عز وجل يقول: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ). ولم يخص يوم عيد من غيره وأما الآثار المرفوعة في ذلك فليس فيها بيان سقوط الجمعة والظهر ولكن فيها الرخصة في التخلف عن شهود الجمعة وهذا محمول عند أهل العلم على وجهين أحدهما: أن تسقط الجمعة عن أهل المصر وغيرهم ويصلون ظهراً. والآخر أن الرخصة إنما وردت في ذلك لأهل البادية ومن لا تجب عليه الجمعة] وضعف الحافظ ابن عبد البر الرواية الواردة عن ابن الزبير وفيها أنه لم يخرج إلى الجمعة ثم قال: [وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه لأن الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) ولم يخص الله ورسوله يوم عيد من غيره من وجه تجب حجته فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع

بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث] فتح المالك 3/ 338 - 339. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في جواب عن سؤال حول اجتماع الجمعة والعيد فذكر أن لأهل العلم فيها ثلاثة أقوال فذكر الأولين ثم قال: [والقول الثالث: وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة. لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد وهذا هو المأثور عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وغيرهم ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف. وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما اجتمع في يومه عيدان صلى العيد ثم رخص في الجمعة وفي لفظ أنه قال: (أيها الناس إنكم قد أصبتم خيراً فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد فإنا مجمعون) وأيضاً فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة فتكون الظهر في وقتها] مجموع الفتاوى 24/ 211. وأفتت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية بوجوب صلاة الظهر على من لم يحضر الجمعة في يوم عيد فقد جاء في فتواها: [من صلى العيد يوم الجمعة رخص له في الحضور لصلاة الجمعة ذلك اليوم إلا الإمام فيجب عليه إقامتها بمن حضر لصلاتها ممن قد صلى العيد وبمن لم يكن صلى العيد فإن لم يحضر إليه أحد سقط وجوبها عنه وصلى ظهراً. ومن لم يحضر الجمعة فمن شهد صلاة العيد وجب عليه أن يصلي الظهر عملاً بعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الظهر على من لم يصل الجمعة] فتاوى إسلامية 1/ 248. وخلاصة الأمر أنه في حال اجتماع الجمعة والعيد فالأولى في حق من صلى العيد أن يصلي الجمعة خروجاً من الخلاف فإن لم يحضر الجمعة فيجب عليه أن يصلي الظهر ولا يصح القول بإسقاط الظهر فإن القول

المشروع من الأعمال في ليلة عيد الأضحى

بسقوط الظهر ظاهر البطلان ولا متمسك لمن زعم ذلك فيما ورد عن ابن الزبير وعطاء فليس هذا دليلاً على إسقاط الظهر الثابتة بأدلة قوية من كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. المشروع من الأعمال في ليلة عيد الأضحى يقول السائل: ما هو المشروع من الأعمال في ليلة عيد الأضحى؟ الجواب: لم يصح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيء في إحياء ليلة العيد سواء كان ذلك ليلة عيد الفطر أو ليلة عيد الأضحى وما ورد من روايات فهي أحاديث ضعيفة جداً وبعضها مكذوب على رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما سأبين بعد قليل. لذا فإن إحياء ليلة العيد بدعة غير مشروعة فلا يشرع إحياؤها بصلاة خاصة أو أذكار خاصة أو غير ذلك من الطاعات قال العلامة ابن القيم في وصف هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة عيد الأضحى: [ثم نام حتى أصبح ولم يحي تلك الليلة ولا صح عنه في إحياء ليلتي العيد شيء] زاد المعاد 2/ 247. بل ليلة العيد كغيرها من الليالي ليس لها خاصية تمتاز بها على غيرها. وأما ما ورد من أحاديث فقد بيَّن أهل الحديث حالها ودرجتها وأذكر بعضها: ما روي عن أبي أمامه - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قام ليلتي العيدين محتسباً لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) وفي رواية (من أحيا) رواه ابن ماجة وذكره الدارقطني في العلل وابن الجوزي في العلل المتناهية وفي سنده متهم بالوضع وقال الحافظ ابن حجر: [حديث مضطرب الإسناد وذكر أن فيه متهماً بالوضع قاله المناوي في فيض القدير 6/ 39، وقال الألباني: موضوع. انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 11. 2. ما روي عن معاذ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من

أحيا الليالي الأربع وجبت له الجنة ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر) رواه الأصبهاني ونصر المقدسي وفي إسناده عبد الرحيم بن زيد العمي وهو متروك كما قال النسائي والحافظ ابن حجر وقال يحيى بن معين كذاب، وحكم الشيخ الألباني على الحديث بأنه موضوع كما في سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 11. 3. ما روي عن عبادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفي سنده عمر بن هارون البلخي وهو كذاب كما قال يحيى بن معين وابن الجوزي انظر السلسلة الضعيفة 2/ 11. وحكم عليه الألباني بأنه حديث موضوع في المصدر السابق وكذا في ضعيف الترغيب والترهيب 1/ 334. 4. ما روي عن كردوس أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أحيا ليلتي العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) قال ابن الجوزي: [هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه آفات ثم ذكر من آفاته مروان بن سالم قال فيه النسائي والدارقطني والأزدي متروك. العلل المتناهية 2/ 562. وقال الحافظ ابن حجر عنه: [ومروان هذا متهم بالكذب]. الإصابة 5/ 580. وقال الحافظ عنه في لسان الميزان: [هذا حديث منكر مرسل] 4/ 391. وقال الذهبي في الميزان: [هذا حديث منكر مرسل] 5/ 372. ومن أهل العلم من قوى هذه الأحاديث بمجموع طرقها كما في مصباح الزجاجة 2/ 85 حيث قال: [فيقوى بمجموع طرقه] ومن أهل العلم من قال يتسامح في هذه الأحاديث لأنها في فضائل الأعمال كما قال الإمام النووي: [اعلم أنه يستحب إحياء ليلتي العيدين في ذكر الله تعالى والصلاة وغيرهما من الطاعات للحديث الوارد في ذلك: (من أحيا ليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) وروي: (من قام ليلتي العيدين لله محتسباً لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) هكذا جاء في رواية الشافعي وابن ماجة وهو

لا يجوز وضع المصحف مع الميت في القبر

حديث ضعيف رويناه من رواية أبي أمامه مرفوعاً وموقوفاً وكلاهما ضعيف لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها كما قدمناه في أول الكتاب] الأذكار ص 145. وما قاله الإمام النووي من التساهل في أحاديث الفضائل سبق له وأن قيده في أول كتابه الأذكار كما أشار إليه فقال [يجوز العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً] الأذكار ص 5. وهذه الأحاديث المذكورة في إحياء ليلتي العيد قد حكم عليها جماعة من المحدثين بأنها موضوعة أو فيها من هو كذاب أو متهم بالوضع فلا تنطبق عليها القاعدة السابقة. وخلاصة الأمر أن إحياء ليلتي العيدين بدعة لم يثبت فيه حديث يصلح للاحتجاج به أو الاعتماد عليه. لا يجوز وضع المصحف مع الميت في القبر يقول السائل: أوصى شخص قبل موته أن يوضع معه مصحف في قبره ليستأنس به فما حكم هذه الوصية؟ الجواب: يحرم تنفيذ هذه الوصية لما فيها من امتهان واحتقار للمصحف الشريف ويجب صيانة المصحف عن القاذورات والنجاسات ويجب تكريمه والمحافظة عليه هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الذي ينفع الميت عمله الصالح.

الزكاة

الزكاة

الجهل بوجوب الزكاة لا يعد عذرا لإسقاطها

الجهل بوجوب الزكاة لا يعد عذراً لإسقاطها تقول السائلة: إنها ملكت مبلغاً كبيراً من المال منذ عدة سنوات ولكنها لم تزكِ مالها في السنوات الماضية لأنها لا تعلم بوجوب الزكاة على النساء فماذا تصنع؟ الجواب: الزكاة فريضة على الرجال والنساء سواء، متى تحققت أسبابها وشروطها من ملك النصاب وحولان الحول والفضل عن الحوائج الأصلية. ولا فرق بين الرجل والمرأة في وجوب الزكاة كما دلت على ذلك النصوص الموجبة للزكاة كما في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ) سورة البقرة الآية 43، وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) سورة التوبة الآيات 34 - 35. وقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ - رضي الله عنه - عندما بعثه إلى اليمن: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) رواه البخاري. ومما ورد في خصوص الزكاة على النساء ما جاء في الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تصدّقن يا معشر النساء ولو من حليكن.

قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد - أي فقير - وإن الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أمرنا بالصدقة فإته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها لغيركم. قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد ألقيت عليه المهابة. قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: إئت رسول الله فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن قالت: فدخل بلال فسأله فقال له: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب فقال الرسول: أي الزيانب؟ فقال امرأة عبد الله فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة) متفق عليه. وأما قول السائلة إنها لا تعلم بوجوب الزكاة على النساء فهذا جهل لا يعذر صاحبه شرعاً فإن وجوب الزكاة من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة في ديار المسلمين ويجب على من جهل أن يسأل أهل العلم قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) سورة النحل الآية 43. والعلم بالزكاة وأحكامها العامة فرض في حق من وجبت عليه وقد ورد في الحديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجة وغيره وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وانظر صحيح الترغيب والترهيب 1/ 140. والمقصود بالعلم الذي هو فريضة ما هو فرض عين والمقصود بفرض العين ما يجب على كل مسلم مكلف أن يحصله ولا يعذر بجهله، وحدُّ هذا القسم هو ما تتوقف عليه صحة العبادة أو المعاملة فيجب على المسلم أن يتعلم كيفية الوضوء والصلاة والأحكام الأساسية في الصوم والزكاة إن كان عنده نصاب والأحكام الأساسية في الحج إن كان من أهل الاستطاعة وكذلك يجب عليه أن يتعلم أحكام المعاملات التي يحتاج إليها. قال ابن عابدين في حاشيته نقلاً عن العلامي في فصوله: [من فرائض الإسلام تعلم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى ومعاشرة عباده

وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد تعلمه علم الدين والهداية تعلم علم الوضوء والغسل والصلاة والصوم وعلم الزكاة لمن له نصاب والحج لمن وجب عليه والبيوع على التجار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات وكذا أهل الحرف وكل من اشتغل بشيء يفترض عليه علمه وحكمه ليمتنع عن الحرام فيه] حاشية ابن عابدين 1/ 42. وقال الإمام النووي: [. فرض العين وهو تعلم المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به ككيفية الوضوء والصلاة ونحوها] المجموع 1/ 42 وقال الإمام القرافي: [إن الغزالي حكى الإجماع في إحياء علوم الدين والشافعي في رسالته حكاه أيضاً في أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في الإجارة ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في القراض ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم فقد أطاع الله طاعتين ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين ومن علم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله تعالى طاعة وعصاه معصية] الفروق 2/ 148. وقال القرافي أيضاً في الاستدلال لكلامه السابق: [ومنه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) قال الشافعي رحمه الله طلب العلم قسمان فرض عين وفرض كفاية ففرض العين علمك بحالتك التي أنت فيها وفرض الكفاية ما عدا ذلك فإذا كان العلم بما يقدم الإنسان عليه واجباً كان الجاهل في الصلاة عاصياً بترك العلم فهو كالمتعمد الترك بعد العلم بما وجب عليه فهذا هو وجه قول مالك رحمه الله إن الجهل في الصلاة كالعمد والجاهل كالمتعمد لا كالناسي وأما الناسي فمعفو عنه لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وأجمعت الأمة على أن النسيان لا إثم فيه من حيث الجملة] الفروق 2/ 149. إذا تقرر هذا فأقول للسائلة بأن الزكاة واجبة عليها عن كل السنوات التي لم تزكِ فيها ما دام أنها قد ملكت

وجوب الزكاة في العسل

نصاباً وتحققت شروط وجوب الزكاة فعليها أن تؤدي زكاة مالها عن السنوات الماضية كلها ولا تبرأ ذمتها إلا بذاك. قال الإمام النووي: [إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها سواء علم وجوب الزكاة أم لا وسواء كان في دار الإسلام أم دار الحرب] المجموع 5/ 33. فعلى هذه المرأة أن تحسب أموالها في كل سنة مضت وتزكي عن كل سنة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وفائدة الخلاف أنها إذا كانت في الذمة - أي الزكاة - فحال على ماله حولان لم يؤد زكاتهما وجب عليه أداؤها لما مضى ولا تنقص عنه الزكاة في الحول الثاني. وكذلك إن كان أكثر من نصاب لم تنقص الزكاة وإن مضى عليه أحوال فلو كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها وجب عليه ثلاث شياه وإن كانت مائة دينار فعليه سبعة دنانير ونصف لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم يؤثر في تنقيص النصاب] المغني 2/ 506 - 507. وبهذا يظهر لنا أن الزكاة وهي حق من الحقوق المالية لا تسقط بالتقادم أي بمضي المدة بل تبقى ديناً في الذمة ولا تبرأ ذمة المؤخر لها إلا بإخراجها سواء أخّرها عمداً أو جهلاً فالتوبة لا أثر لها في إسقاط الحقوق المالية سواء كانت حقاً لله تعالى أو حقاً للعباد. وخلاصة الأمر أن على هذه المرأة أن تؤدي زكاة مالها عن جميع السنوات الماضية ولا تبرأ ذمتها إلا بذاك. وجوب الزكاة في العسل يقول السائل: أرجو توضيح مسألة الزكاة في العسل وإن كان فيه زكاة فما نصاب الزكاة فيه؟ الجواب: العسل من الطيبات التي امتن الله بها على عباده قال تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي

مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة النحل الآيتان 68 - 69. وقد اختلف العلماء قديماً في زكاة العسل وأرجح قولي العلماء في ذلك قول من أوجب الزكاة في العسل وهو قول الحنفية والحنابلة قال الإمام الترمذي بعد أن ذكر حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (في العسل كل عشرة أزق زق) قال الترمذي: [والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول أحمد واسحق وقال بعض أهل العلم ليس في العسل شيء] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 3/ 217 - 218. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ومذهب أحمد أن في العسل العُشر. قال الأثرم سئل أبو عبد الله: أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة؟ قال: نعم أذهب إلى أن في العسل زكاةً العُشر قد أخذ عمر منهم الزكاة. قلت: ذلك على أنهم تطوعوا به؟ قال: لا بل أخذه منهم ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري وسليمان بن موسى والأوزاعي واسحق] المغني 3/ 20. ومما يدل على ترجيح القول بوجوب الزكاة في العسل الأدلة العامة الواردة في وجوب الزكاة في الأموال ومنها قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة التوبة الآية 103. وقوله تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) سورة الذاريات الآية 19. وقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) سورة البقرة الآية267. وغير ذلك من الأدلة العامة التي توجب الزكاة في الأموال ولا شك أن العسل مال ومن المعروف اليوم أن هنالك مزارع خاصة لإنتاج العسل وتدر دخلاً كبيراً على أصحابها.

وقد وردت أدلة خاصة في زكاة العسل ولكنها محل خلاف عند أهل العلم فمن ذلك: مارواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي وادياً يقال له سلبة فحمى له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الوادي فلما ولي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك فكتب عمر: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عشور نحله فاحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله متى يشاء) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/ 341 - 342. وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 302. وفي رواية أخرى عند أبي داود قال: [من كل عشر قرب قربة وقال سفيان بن عبد الله الثقفي قال: وكان يحمي لهم واديين. زاد: فأدوا إليه ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحمى لهم وادييهم] سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/ 342. وحسنه الألباني أيضاً في صحيح سنن أبي داود 1/ 302. وروى الترمذي بإسناده عن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (في العسل في كل عشرة أزق زق) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 196. وروى ابن ماجة بإسناده عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انه أخذ من العسل العُشر. وقال الشيخ الألباني حسن صحيح. صحيح سنن ابن ماجة 1/ 306. وانظر إرواء الغليل 3/ 384 - 387. ووردت آثار عن الصحابة والتابعين في وجوب الزكاة في العسل منها: ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن عمرو بن شعيب أن أمير الطائف كتب إلى عمر بن الخطاب أن أهل العسل منعونا ما كانوا يعطون من كان قبلنا قال: فكتب إليه إن أعطوك ما كانوا يعطون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاحمِ لهم

وإلا فلا تحمها لهم قال: وزعم عمرو بن شعيب أنهم كانوا يعطون من كل عشر قرب قربة. وما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن عطاء الخراساني عن عمر قال: في العسل عُشر. وما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن الحارث بن عبد الرحمن عن منير بن عبد الله عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب أنه قدم على قومه فقال لهم: في العسل زكاة فإنه لا خير في مال لا يزكى قال قالوا: فكم ترى قلت العُشر فأخذ منهم العُشر فقدم به على عمر وأخبره بما فيه قال: فأخذه عمر وجعله في صدقات المسلمين. وما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن الزهري قال في العسل العشر] مصنف ابن أبي شيبة 3/ 141 - 142. وروى عبد الرزاق بسنده عن عطاء الخراساني أن عمر أتاه ناس من أهل اليمن فسألوه وادياً فأعطاهم إياه فقالوا: يا أمير المؤمنين إن فيه نحلاً كثيراً قال: فإن عليكم في كل عشرة أفراق فرقاً. وروى أيضاً بسنده عن أبي هريرة قال: (كتب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أهل اليمن أن يؤخذ من أهل العسل العشور) مصنف عبد الرزاق 4/ 63. وقال الحافظ ابن عبد البر: [ذكر إسماعيل بن اسحق. عن الزهري: أن صدقة العسل العُشر وأن صدقة الزيت مثل ذلك. وممن قال بإيجاب الزكاة في العسل: الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وهو قول ربيعة وابن شهاب ويحيى بن سعيد. إلا أن الكوفيين لا يرون فيه الزكاة إلا أن يكون في أرض العُشر دون أرض الخراج. وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن في العسل العُشر. قال وهب وأخبرني عمر بن الحارث عن يحيى بن سعيد وربيعة بمثل ذلك. قال يحيى: إنه سمع من أدرك يقول: مضت السنة بأن في العسل العُشر. وهو قول ابن وهب] الاستذكار 9/ 284 - 286. وغير ذلك من الأحاديث والآثار انظر نصب الراية 2/ 390 - 393. الأموال لأبي عبيد ص597 - 599.

وقد قال الموجبون للزكاة في العسل إن هذه الأحاديث والآثار وإن لم تسلم من النقد فبعضها يقوي بعضاً كما أن الأدلة العامة في وجوب الزكاة تؤيدها. قال الشيخ ابن القيم: [وذهب أحمد وأبو حنيفة وجماعة إلى أن في العسل زكاة ورأوا أن هذه الآثار يقوي بعضها بعضاً وقد تعددت مخارجها واختلفت طرقها ومرسلها يعضد بمسندها وقد سئل أبو حاتم الرازي عن عبد الله والد منير عن سعد بن أبي ذباب يصح حديثه؟ قال: نعم. قال: هؤلاء ولأنه يتولد من نور الشجر والزهر ويكال ويدخر فوجبت فيه الزكاة كالحبوب والثمار] زاد المعاد 2/ 15. وقال الشوكاني بعد أن ساق بعض الأحاديث الموجبة لزكاة العسل: [وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضاً ويشهد بعضها لبعض فينتهض الاحتجاج بها] السيل الجرار 2/ 48. وقال العلامة صديق حسن خان بعد أن ساق بعض الأدلة السابقة في وجوب زكاة العسل [والجميع لا يقصر عن الصلاحية للاحتجاج به] الروضة الندية 1/ 519. وأما كيفية إخراج زكاة العسل ونصاب ذلك فقد اختلف الموجبون للزكاة في العسل في النصاب اختلافاً كبيراً قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ونصاب العسل عشرة أفراق وهذا قول الزهري، وقال أبو يوسف ومحمد خمسة أوساق لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)، وقال أبو حنيفة: تجب في قليله وكثيره بناء على أصله في الحبوب والثمار] المغني 3/ 20. وبعد النظر في أقوال العلماء في تحديد النصاب وأدلتهم أختار ما اختاره العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ورجحه حيث قال: [والراجح عندي أن يقدر النصاب بقيمة خمسة أوسق (أي 653 كغم أو 50كيلة مصرية) من أوسط ما يوسق كالقمح باعتباره قوتاً من أوسط الأقوات العالمية وقد جعل الشارع الخمسة الأوسق نصاب الزروع والثمار والعسل مقيس عليهما ولهذا يؤخذ منه العُشر فلنجعل الأوسق هي الأصل في نصابه. واعتبار قيمة الأدنى كالشعير كما قال أبو يوسف - وإن كان فيه رعاية للفقراء - فيه إجحاف

أخذ غير المستحق من أموال الزكاة

بأرباب الأموال واعتبار الأعلى كالزبيب فيه إجحاف بالفقراء واعتبار الوسط هو الأعدل للجانبين] فقه الزكاة 1/ 428 - 429. وخلاصة الأمر أن الزكاة واجبة في العسل وأن النصاب يقدر حسب قيمة خمسة أوسق من القمح وهي تعادل 653 كيلوغرام فإذا بلغ الإنتاج من العسل ما يعادل قيمة 653 كيلوغرام من القمح فيخرج المزكي عشرها. أخذ غير المستحق من أموال الزكاة يقول السائل: إنه يعمل في إحدى لجان الزكاة وإن كثيراً من الناس يراجعون لجنة الزكاة طالبين الأخذ من مال الزكاة وبعد دراسة أحوالهم يتبين أن بعضهم غير مستحقين للزكاة لأن لهم رواتب تكفيهم بل تزيد فما حكم أخذ هؤلاء من أموال الزكاة؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآية 60. وقد أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا تصرف إلا في المصارف الثمانية المذكورة في الآية الكريمة ولا حق لأحد من الناس فيها سواهم ولهذا قال عمر بن الخطاب: [هذه لهؤلاء]. وقد روي في الحديث عن زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبايعته - وذكر حديثاً طويلاً - فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقة حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت في تلك الأجزاء أعطيتك حقك) رواه أبو داود والبيهقي والدارقطني وفي سنده ضعف. وقد طعن بعض الناس في تقسيم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزكاة وكانوا طامعين فيها مع أنهم ليسوا من أهلها فنعى الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ

يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَاءَاتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآيات 58 - 60. إذا تقرر هذا فإن العلماء قد بينوا أصناف الذين لا يستحقون الزكاة ولا يجوز صرفها لهم وهم على وجه الإجمال: الأغنياء والأقوياء المتكسبون والمتفرغون للعبادة وأصول المزكي وفروعه وزوجته وآل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والكفار والملاحدة هذا بشكل عام، وهناك غيرهم اختلف الفقهاء في إعطائهم وسأقتصر هنا على الحديث عن القسمين الأولين ولعلي أفصل الكلام على بقيتهم في حلقات قادمة إن شاء الله. أما الأغنياء فلا تحل لهم الزكاة لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قال لمعاذ - رضي الله عنه - في الحديث: (أعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح صححه الألباني وغيره انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 308. وعن عبيد الله بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألاه عن الصدقة فصعد فيهما وصوب فقال: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب) رواه أبو داوود والنسائي وهو حديث صحيح صححه الألباني وغيره. انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 307. والغني الذي لا تحل له الزكاة هو من ملك نصاباً زائداً عن حاجته الأصلية وتحققت فيه شروط وجوب الزكاة وهذا أرجح أقوال العلماء في حد الغنى المانع من أخذ الزكاة حيث إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد بين أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء ومن ملك نصاباً وتحققت فيه الشروط الشرعية

لوجوب الزكاة فعليه أداؤها فهو غني وغير فقير قال القرطبي عند ذكر اختلاف العلماء في حد الفقر: [وقال أبو حنيفة: من معه عشرون ديناراً أو مئتا درهم فلا يأخذ من الزكاة، فاعتبر النصاب لقوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردّها في فقرائكم) وهذا واضح ورواه المغيرة عن مالك] تفسير القرطبي 8/ 171 - 172. وأما القوي المكتسب فلا تحل له الزكاة، والقوي المكتسب هو من كان صحيحاً في بدنه ويجد عملاً يكتسب منه ما يسد حاجته فهذا لا يعطى من الزكاة لأن الواجب عليه أن يعمل ويكسب ليكفي نفسه وعياله ولا يجوز أن يكون عاطلاً عن العمل باختياره ويمد يده ليأخذ من أموال الزكاة وهذا مذهب جمهور أهل العلم. انظر المجموع 6/ 228. وعلى ذلك دلت الأدلة كما في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) وهذا الحديث وإن كان قد ورد في ذو المرة السوي مطلقاً إلا أنه مقيد بالحديث الآخر وهو قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب) وهو حديث صحيح كما سبق. قال الإمام النووي: [من يكسب كل يوم كفايته لا يجوز له أخذ الزكاة] روضة الطالبين 2/ 310. وقال الإمام البغوي بعد أن ذكر الحديث: [فيه دليل على أن القوي المكتسب الذي يغنيه كسبه لا يحل له الزكاة ولم يعتبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظاهر القوة دون أن يضم إليه الكسب لأن الرجل قد يكون ظاهر القوة غير أنه أخرق لا كسب له فتحل له الزكاة وإذا رأى الإمام السائل جلداً قوياً شك في أمره وأنذره وأخبره بالأمر كما فعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن زعم أنه لا كسب له أو له عيال لا يقوم كسبه بكفايتهم قبل منه وأعطاه] شرح السنة 6/ 81 - 82. فإذا لم يجد الكسوب عملاً حلت له الزكاة قال الإمام النووي: [قال أصحابنا وإذا لم يجد الكسوب من يستعمله حلت له الزكاة]. المجموع 6/ 191. وقال الشيخ القرضاوي: [والخلاصة أن القادر على الكسب الذي يحرم عليه الزكاة هو الذي تتوافر فيه الشروط التالية: 1.

كيف تقدر القيمة في صدقة الفطر؟

أن يجد العمل الذي يكتسب منه. 2. أن يكون هذا العمل حلالاً شرعاً فإن العمل المحظور في الشرع بمنزلة المعدوم. 3. أن يقدر عليه من غير مشقة شديدة فوق المحتمل عادةً. 4. أن يكون ملائمأً لمثله ولائقاً بحاله ومركزه ومروؤته ومنزلته الإجتماعية. 5. أن يكتسب منه قدر ما تتم به كفايته وكفاية من يعولهم. ومعنى هذا أن كل قادر على الكسب مطلوب منه شرعاً أن يكفي نفسه بنفسه وأن المجتمع بعامة - وولي الأمر بخاصة - مطلوب منه أن يعينه على هذا الأمر الذي هو حق له وواجب عليه. فمن كان عاجزاً عن الكسب - لضعف ذاتي كالصغر والعته والشيخوخة والعاهة والمرض أو كان قادراً ولم يجد باباً حلالاً للكسب يليق بمثله أو وجد ولكن كان دخله من كسبه لا يكفيه وعائلته أو يكفيه بعض الكفاية دون تمامها - فقد حل له الأخذ من الزكاة ولا حرج عليه في دين الله] فقه الزكاة 2/ 559 - 560 كيف تقدر القيمة في صدقة الفطر؟ يقول السائل: ما هو الأساس الذي يبنى عليه تقدير قيمة صدقة الفطر؟ الجواب: صدقة الفطر واجبة كما هو معلوم فقد ثبت في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (فرض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على الذكر والأنثى والحر والعبد والكبير والصغير من المسلمين) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: [كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من إقط أو

من زبيب] رواه البخاري ومسلم. وقد نقل ابن المنذر إجماع العلماء على وجوب صدقة الفطر. وقد أجاز جماعة من أهل العلم إخراج القيمة في صدقة الفطر وقد نقل هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين منهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف وبه العمل وعليه الفتوى عند الحنفية وهو أرجح أقوال أهل العلم في المسألة كما سبق وأن بينت ذلك مفصلاً في الجزء الأول. وتقدير القيمة يكون بناء على قيمة الأصناف المذكورة في الحديث ولكن ينبغي أن يعلم أن هذه الأصناف التي ذكرت في الحديث ليست على سبيل التعيين وإنما لأنها كانت غالب قوت الناس في المدينة على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ويدل على ذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: (كنا نخرجها في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صاعاً من طعام وكان طعامنا يومئذ التمر والزبيب والشعير). [فقوله من طعام فيه إشارة إلى العلة وهي أنها طعام يؤكل ويطعم ويرجح هذا ويقويه قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً لكن يقويه حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: (فرضها -أي زكاة الفطر - طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) وعلى هذا فإن لم تكن هذه الأشياء من القوت كما كانت في عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنها لا تجزئ]. الشرح الممتع على زاد المستقنع 6/ 180 - 181. لذلك ينبغي أن يكون تقدير القيمة على حسب غالب قوت البلد من الطعام وإن لم يكن مذكوراً في الحديث فمن المعلوم أن بعض البلاد يقتاتون غالباً على الأرز فتخرج صدقة الفطر من الأرز أو قيمة الأرز. قال الحطاب المالكي: [فذكر أنها تؤدى من أغلب القوت يعني أغلب قوت البلد الذي يكون فيه المخرج لها إذا كان ذلك الأغلب من المعشرات - ما تجب فيه الزكاة - أو من الإقط. فإن اقتات أهل بلد غير المعشرات

أخرجت زكاة الفطر مما يقتاتونه. وأنها تؤدى من أغلب القوت من هذه الأصناف التسعة التي هي: القمح والشعير والسلت والتمر والزبيب والإقط والدخن والذرة والأرز فإن كان غالب القوت في بلد خلاف هذه الأصناف التسعة من علس أو قطنية أو غير ذلك وشيء من هذه الأصناف موجود لم تخرج إلا من الأصناف التسعة فإن كان أهل بلد ليس عندهم شيء من الأصناف التسعة وإنما يقتاتون في غيره فيجوز أن تؤدى حينئذ من عيشهم ولو كان من غير الأصناف التسعة، قال في المدونة: قال مالك: وتؤدى زكاة الفطر من القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والتمر والزبيب والإقط صاع من كل صنف منها ويخرج ذلك أهل كل بلد من جل عيشهم من ذلك والتمر عيش أهل المدينة ولا يخرج أهل مصر إلا القمح لأنه جل عيشهم إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير فيجزئهم] مواهب الجليل لشرح مختصر خليل 3/ 260 - 261. وقال القرافي: [يخرج أهل كل بلد من غالب عيشهم ذلك الوقت وفي الجواهر قال أشهب: من عيشه هو وعيش عياله إذا لم يشح على نفسه وعليهم لنا: قوله عليه السلام: (أغنوهم عن سؤال هذا اليوم) والمطلوب لهم غالب عيش البلد وقياساً على الغنم المأخوذ في الإبل قال سند: إن عدل عن غالب عيش البلد أو عيشه إلى ما هو أعلا أجزأ وإلى الأدنى لا يجزئ عند مالك. وقال ابن حبيب: إن كان يأكل من أفضل القمح والشعير والسلت فأخرج الأدنى أجزأ وكان ابن عمر - رضي الله عنه - يخرج التمر والشعير والسلت ويأكل البر واحتجوا بأن الخبر ورد بصيغة التخيير فيخير. جوابهم: أن أو فيه ليست للتخيير بل للتنويع ومعناه إن كان غالب العيش كذا فأخرجوه أو كذا فأخرجوه فهو تنويع للحال كما قال فيه حراً أو عبداً ذكراً أو أنثى ويؤكد ذلك قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم)] الذخيرة 3/ 169. وقال الخطيب الشربيني: [ويجب الصاع من غالب قوت بلده إن كان بلدياً وفي غيره من غالب قوت محله لأن ذلك يختلف باختلاف النواحي وقيل من غالب قوته على الخصوص وقيل يتخير بين جميع الأقوات فأو فى

الخبرين السابقين على الأولين للتنويع وعلى الثالث للتخيير والمعتبر في غالب القوت غالب قوت السنة كما في المجموع لا غالب قوت وقت الوجوب خلافاً للغزالي في وسيطه] مغني المحتاج 2/ 117 - 118. وبناء على ما تقدم يظهر لنا أن الأصناف المذكورة في أحاديث صدقة الفطر ليست على التعيين وإنما هي من باب التمثيل لأنها كانت غالب قوت أهل المدينة على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن تقدير قيمة صدقة الفطر يكون على هذا الأساس وعليه فإن تقدير القيمة في بلادنا يكون على أساس القمح والطحين والأرز والخبز لأن هذه الأصناف هي غالب قوت أهل بلدنا فيؤخذ متوسط أسعار هذه المواد فيكون هو مقدار قيمة صدقة الفطر وقد جربت ذلك بنفسي اليوم فوجدت أن قيمة صدقة الفطر ستة شواكل تقريباً أو دينار أردني إذا تقرر هذا فإنه لا يصح الادعاء بأن تقدير صدقة الفطر بالمبلغ المذكور سابقاً (ستة شواكل) غير صحيح وأن الصواب أنه ثلاثة أضعافه لأن قائل هذا القول زعم أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ثمن صاع التمر وصاع الإقط عند تقدير قيمة صدقة الفطر. فهذا الكلام مردود لأن التمر والإقط لا يعتبران قوتاً غالباً في بلادنا فلذلك لا يدخلان في تقدير قيمة صدقة الفطر وتقديرها بستة شواكل هو الصحيح وهذا هو الحد الأدنى لصدقة الفطر فإن رغب أحد في أن يدفع أكثر من ذلك فلا حرج عليه بل هو زيادة في الخيرات. كما قال الله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) سورة البقرة الآية 184. ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في الحديث عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: (بعثني النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مصدقاً - أي لجمع الزكاة - فمررت برجل فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض فقلت له أدّ ابنة مخاض فإنها صدقتك فقال ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها فقلت له ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به وهذا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت عليَّ فافعل فإن قبله منك قبلته وإن رده عليك رددته قال فإني فاعل فخرج معي وخرج بالناقة التي

عرض عليَّ حتى قدمنا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فقال له: يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وأيم الله ما قام في مالي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا رسوله قط قبله فجمعت له مالي فزعم أن ما عليَّ فيه ابنة مخاض وذلك ما لبن فيه ولا ظهر وقد عرضت عليه ناقة فتية عظيمة ليأخذها فأبى عليَّ وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله خذها فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك. قال: فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها قال: فأمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقبضها ودعا له في ماله بالبركة) رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 298.

الصيام والاعتكاف

الصيام والاعتكاف

التبرع بالدم لا يفطر الصائم

التبرع بالدم لا يفطر الصائم يقول السائل: هل التبرع بالدم يفطر الصائم؟ الجواب: التبرع بالدم لايفطر الصائم على الراجح من أقوال أهل العلم ولو كثرت كمية الدم المتبرع بها كوحدة دم واحدة أو اثنتين كما هو معمول به طبياً. ومما يدل على أن التبرع بالدم لا يفطر الصائم الأحاديث الواردة في جواز الحجامة للصائم فهي بعمومها تشمل التبرع بالدم فمن ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم وهو صائم). وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم وهو محرم صائم) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال هذا حديث صحيح. وروى الإمام البخاري بإسناده أن ثابتاً البناني قال: [سئل أنس بن مالك - رضي الله عنه - أكنتم تكرهون الحجامة للصائم قال: لا، إلا من أجل الضعف]. وورد في رواية في الصحيح أن ذلك كان على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: [إنما نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوصال في الصيام والحجامة للصائم إبقاء على أصحابه ولم يحرمها] رواه أحمد وأبو داود وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر. فتح الباري 5/ 81

وأما ما ورد في الحديث الصحيح عن رافع بن خديج أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجة والحاكم وغيرهم. فهذا الحديث على الراجح من أقوال أهل العلم أنه منسوخ بحديث ابن عباس وما في معناه من الأحاديث. قال الحافظ ابن عبد البر: [والقول عندي في هذه الأحاديث أن حديث ابن عباس: (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم صائماً محرماً) ناسخ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أفطر الحاجم والمحجوم) لأن في حديث شداد بن أوس وغيره أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ عام الفتح على رجل يحتجم لثماني عشر ليلة خلت من رمضان فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم) فابن عباس شهد معه حجة الوداع وشهد حجامته يومئذ محرم صائم فإذا كانت حجامته عليه السلام عام حجة الوداع فهي ناسخة لا محالة لأنه لم يدرك بعد ذلك رمضان لأنه توفي في ربيع الأول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما وجه النظر والقياس في ذلك بأن الأحاديث متعارضة متدافعة في إفساد صوم من احتجم فأقل أحوالها أن يسقط الاحتجاج بها والأصل أن الصائم لا يقضى بأنه مفطر إذا سلم من الأكل والشرب والجماع إلا بسنة لا معارض له. ووجه آخر من القياس وهو ما قاله ابن عباس: [الفطر مما دخل لا مما خرج] الاستذكار 10/ 125 - 126. وممن قال بنسخ حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) الإمام الشافعي والخطابي والبيهقي وابن حزم الظاهري حيث قال فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر: [صح حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) بلا ريب لكن وجدنا من حديث أبي سعيد: (أرخص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحجامة للصائم) وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً] فتح الباري 5/ 81. ورجح الشيخ الألباني أن حديث الإفطار بالحجامة منسوخ فقال: [فائدة: حديث أنس هذا صريح في نسخ الأحاديث المتقدمة (أفطر الحاجم والمحجوم) إرواء الغليل 4/ 73. ثم قال الشيخ الألباني بعد أن ذكر حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: [رخص رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القبلة للصائم والحجامة]. [قلت: فالحديث

المرض المبيح للفطر في رمضان

بهذه الطرق صحيح لا شك فيه وهو نص في النسخ فوجب الأخذ به كما سبق عن ابن حزم رحمه الله] الإرواء 4/ 75 وانظر أيضاً الإرواء 4/ 80. وخلاصة الأمر أن التبرع بالدم لا يفطر الصائم وكذلك سحب الدم للفحص لا يفطر الصائم وكذلك الحجامة لا تفطر الصائم. ولكن ينبغي مراعاة أن لا تؤدي هذه الأمور إلى إضعاف الصائم ومن ثم عجزه عن الصيام فتنتهي به للإفطار بتناول الطعام أو الشراب أو الدواء. المرض المبيح للفطر في رمضان يقول السائل: ما هو المرض الذي يبيح الفطر في رمضان؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة البقرة الآية 184. وقد أجمع أهل العلم على أن المرض في الجملة عذر يبيح الفطر كما قال الشيخ ابن قدامة المقدسي في المغني 3/ 155. ولكن العلماء اختلفوا في تحديد طبيعة المرض المبيح للفطر وأرجح الأقوال في المسألة هو قول من قال هو كل مرض يزيد بالصوم أو يخشى تأخر الشفاء معه بالصوم فهذان يجيزان الفطر في رمضان. وأما القول بأن مطلق المرض يبيح الفطر فقول غير مسلَّم فهناك كثير من الأمراض والأوجاع لا تؤثر على الصائم كمن به صداع أو ألم في يده ورجله أو نحو ذلك فمن كان به شيء من ذلك فلا يجوز له الفطر. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والمرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه. قيل لأحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع قيل: مثل الحمى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى؟ وحكي عن بعض السلف: أنه أباح الفطر بكل مرض حتى من وجع الإصبع والضرس لعموم الآية فيه ولأن المسافر

يباح له الفطر وإن لم يحتج إليه فكذلك المريض]. ثم قال ابن قدامة: [والمرض لا ضابط له فإن الأمراض تختلف منها ما يضر صاحبه الصوم ومنها ما لا أثر للصوم فيه كوجع الضرس وجرح في الإصبع والدمل والقرحة اليسيرة والجرب وأشباه ذلك فلم يصلح المرض ضابطاً وأمكن اعتبار الحكمة وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره] المغني 3/ 155 - 156. وقال القرطبي: [وقال جمهور العلماء إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه أو يخاف تماديه أو يخاف تزيده يصح له الفطر قال ابن عطية: وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك وبه يناظرون وأما لفظ مالك فهو المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به] تفسير القرطبي 2/ 276. وقال الإمام النووي: [. ثم كون شرط المرض مبيحاً أن يجهده الصوم معه فيلحقه ضرر يشق احتماله] الروضة 2/ 234 - 235. وقال الإمام النووي في موضع آخر: [المريض العاجز عن الصوم لمرض لا يرجى زواله لا يلزمه الصوم في الحال ويلزمه القضاء لما ذكره المصنف هذا إذا لحقه مشقة ظاهرة بالصوم ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم بل قال أصحابنا: شرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها، قالوا وهو على التفصيل السابق في باب التيمم قال أصحابنا وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة لم يجز له الفطر بلا خلاف عندنا خلافاً لأهل الظاهر] المجموع 6/ 258. وقال الكاساني: [أما المرض فالمرخص منه هو الذي يخاف أن يزداد بالصوم وإليه وقعت الإشارة في الجامع الصغير فإنه قال في رجل خاف إن لم يفطر تزداد عيناه وجعاً أو حمَّاه شدة أفطر وذكر الكرخي في مختصره أن المرض الذي يبيح الإفطار هو ما يخاف منه الموت أو زيادة العلة كائناً ما كانت العلة. وروري عن أبي حنيفة أنه إن كان بحال يباح له أداء صلاة الفرض قاعداً فلا بأس بأن يفطر والمبيح المطلق بل الموجب هو الذي يخاف منه

الهلاك لأن فيه إلقاء النفس إلى التهلكة لا لإقامة حق الله تعالى وهو الوجوب والوجوب لا يبقى في هذه الحالة وأنه حرام فكان الإفطار مباحاً بل واجباً]. ثم قال الكاساني: [وكذا مطلق المرض ليس بسبب للرخصة لأن الرخصة بسبب المرض والسفر لمعنى المشقة بالصوم تيسيراً لهما وتخفيفاً عليهما على ما قاله الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة الآية 185 ومن الأمراض ما ينفعه الصوم ويخففه ويكون الصوم على المريض أسهل من الأكل بل الأكل يضره ويشتد عليه ومن التعبد الترخص بما يسهل على المريض تحصيله والتضييق بما يشتد عليه المرض] بدائع الصنائع 2/ 245 - 246. [وبعد هذا العرض لإقوال العلماء فالصواب من القول في ذلك عندنا أن المرض الذي أباح الله تعالى الإفطار معه في شهر رمضان من كان الصوم جاهده جهداً غير محتمل فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر فإن لم يكن مأذوناً له في الإفطار فقد كلف عسراً ومنع يسراً وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة الآية 185. وأما من كان الصوم غير جاهده فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم فعليه أداء فرضه. قلت والذي يظهر لي من أدلة الكتاب والسنة: أن كل مرض يضر صاحبه بالصوم سواء كان بزيادة المرض أو بتباطؤ برئه فإنه يباح له الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر. أما إذا قدر المريض على الصوم بغير جهد ولا مشقة تلحقه من أجل مرضه ولا يخشى أن يزيد الصيام في مرضه فعليه أن يصوم لأن مطلق المرض ليس سبباً للرخصة على الصحيح كما أن المسافر لا يباح له الفطر إذا كان سفره دون مسافة قصر فالرخصة بسبب المرض والسفر لمعنى المشقة بالصوم تيسيراً لهما وتخفيفاً عليهما كما قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة الآية 185.

ومن الأمراض ما ينفعه الصوم ويكون الصوم علاجاً له أو مفيداً فيه ويكون الصيام على المريض أسهل من الأكل بل الأكل قد يضره ويشتد عليه كمرض التخمة والإسهال ونحو ذلك. ويدل على أن الرخصة في الإفطار للمريض متعلقة بخوف الضرر ما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم) ومعلوم أن الرخصة للحامل والمرضع في الإفطار موقوفة على خوف الضرر على أنفسهما أو على ولديهما وإن لم تكونا مريضتين. والمريض أيضاً أبيح له الإفطار لخوف الضرر فمتى خاف الضرر جاز له الفطر والله أعلم] أحكام المريض ص94 - 95 وينبغي التنويه إلى أن المرض الذي يبيح الفطر يعود تقديره إلى المريض نفسه أو إخبار الطبيب الثقة في علمه وإن كان غير مسلم. قال الدكتور يوسف القرضاوي عن ذلك: [وإنما يعرف ذلك بغلبة الظن فهي كافية في الأحكام العملية وغلبة الظن تعرف هنا بأمرين: إما التجربة - تجربته هو - بأن يكون جرب الصوم يوماً أو أكثر فشق عليه أو زاد وجعه أو تجربة غيره ممن يثق به وحاله كحاله ممن يعاني نفس المرض. وإما بإخبار طبيب مسلم ثقة في دينه ثقة في طبه بأن يكون من أهل الاختصاص في هذا المرض فلا يكفي أن يكون طبيباً وماهراً بل لا بد ان يكون مختصاً فقد عرف عصرنا التخصص الدقيق في الطب إلى حد يجعل بعض الأطباء الحاذقين أشبه بالعوام في الاختصاصات الدقيقة الأخرى] فقه الصيام ص66. وأخيراً فعلى المريض الذي يجوز له الفطر أن يأخذ بالرخصة فيفطر يقول الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة الآية 185. وجاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن أن تؤتى معصيته) رواه أحمد وفي رواية

يجوز الاعتكاف في جميع المساجد

أخرى: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) وهو حديث صحيح بروايتيه كما فصل ذلك الشيخ الألباني في إرواء الغليل 3/ 9 - 13. يجوز الاعتكاف في جميع المساجد يقول السائل: ما قولكم فيما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن الاعتكاف لا يجوز إلا في المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال؟ الجواب: الاعتكاف من السنن الثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد صح أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتكف في رمضان في العشر الأواخر منه. رواه البخاري ومسلم. ويشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في المسجد وقد قال الله تعالى: (ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) سورة البقرة الآية 187. ولم يعتكف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في المسجد فلا يصح الاعتكاف في البيوت. واتفق العلماء على أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال أفضل من الاعتكاف في غيرها من المساجد وجمهور أهل العلم لا يرون أن الاعتكاف خاص بالمساجد الثلاثة كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء ونصره الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني ودافع عنه في أكثر من كتاب من كتبه. قال الشيخ الألباني: [ثم وقفت على حديث صحيح صريح يخصص المساجد المذكورة في الآية بالمساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى وهو قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) وقد قال به من السلف فيما اطلعت حذيفة بن اليمان وسعيد بن المسيب وعطاء إلا أنه لم يذكر المسجد الأقصى وقال غيرهم بالمسجد الجامع مطلقاً وخالف آخرون فقالوا: ولو في مسجد بيته ولا يخفى أن

الأخذ بما وافق الحديث منها هو الذي ينبغي المصير إليه والله سبحانه وتعالى أعلم] قيام رمضان للألباني ص 36. وقال الشيخ الألباني أيضاً: [واعلم أن العلماء اختلفوا في شرطية المسجد للاعتكاف وصفته كما تراه مبسوطاً في (المصنفين) المذكورين و (المحلى) وغيرهما وليس في ذلك ما يصح الاحتجاج به سوى قوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) سورة البقرة الآية 187. وهذا الحديث الصحيح والآية عامة والحديث خاص ومقتضى الأصول أن يحمل العام على الخاص وعليه فالحديث مخصص للآية ومبين لها وعليه يدل كلام حذيفه وحديثه والآثار في ذلك مختلفة أيضاً فالأولى الأخذ بما وافق الحديث منها كقول سعيد بن المسيب: لا اعتكاف إلا في مسجد نبي. أخرجه ابن أبي شيبة وابن حزم بسند صحيح عنه] سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد السادس القسم الأول ص670. وقد تابع الشيخ الألباني بعض تلاميذه كما جاء في كتاب صفة صوم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -في رمضان ص 93: [لا يشرع الاعتكاف إلا في المساجد لقوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) وليست هذه المساجد على الاطلاق فقد ورد تقييدها في صحيح السنة المشرفة وذلك قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)]. وقد أطال الشيخ الألباني الكلام على الحديث السابق في الموقع المشار إليه في السلسلة الصحيحة وحكم على الحديث بالصحة ورأى أنه مخصص لعموم الآية السابقة. وما ذهب إليه جمهور أهل العلم من عدم اشتراط المساجد الثلاثة لصحة الاعتكاف هو القول الراجح بل هو القول الصحيح من حيث الدليل وبيان ذلك فيما يلي: إن قوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) عام في كل مسجد ولا يصلح الحديث المذكور سابقاً لتخصيص الآية لأنه يشترط في المخصص من السنة أن يكون صحيحاً لا شك فيه والحديث المذكور محل

خلاف بين المحدثين فمنهم من صححه ومنهم من ضعفه ومنهم من أوَّله كما سيأتي وما كان حاله كذلك لا يصلح أن يكون مخصصاً لعموم الكتاب. قال الإمام مالك: [الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة أو يدعها فإن كان مسجداً لا يجمع فيه الجمعة ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه فإني لا أرى بأساً بالاعتكاف فيه لأن الله تبارك وتعالى قال: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فعمَّ الله المساجد كلها ولم يخص شيئاً منها قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا يجمع فيها الجمعة] الموطأ 1/ 285. وقال الإمام البخاري: [باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُءَايَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)]. قال الحافظ ابن حجر: [قوله باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها أي مشروطية المسجد له من غير تخصيص بمسجد دون مسجد .. واتفق العلماء على مشروطية المسجد للاعتكاف إلا محمد بن لبابة المالكي فأجازه في كل مكان. وأجاز الحنفية للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها وهو المكان المعد للصلاة فيه وفيه قول للشافعي قديم وفي وجه لأصحابه وللمالكية يجوز للرجال والنساء لأن التطوع في البيوت أفضل وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى اختصاصه بالمساجد التي تقام فيها الصلوات وخصه أبو يوسف بالواجب منه وأما النفل ففي كل مسجد وقال الجمهور بعمومه من كل مسجد إلا لمن تلزمه الجمعة فاستحب له الشافعي في الجامع وشرطه مالك لأن الاعتكاف عندهما ينقطع بالجمعة ويجب بالشروع عند مالك وخصه طائفة من السلف كالزهري بالجامع مطلقاً. وأومأ إليه الشافعي في القديم وخصه حذيفة بن اليمان بالمساجد الثلاثة وعطاء بمسجد مكة والمدينة وابن المسيب بمسجد المدينة] فتح الباري 5/ 176.

وقال العيني: [وقالت طائفة الاعتكاف يصح في كل مسجد روي ذلك عن النخعي وأبي سلمة وأبي ثور وداود وهو قول مالك في الموطأ وهو قول الجمهور والبخاري أيضاً حيث استدل بعموم الآية في سائر المساجد] عمدة القاري 8/ 286. وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن سعيد بن جبير أنه اعتكف في مسجد قومه ومثله عن همام بن الحارث ومثله عن إبراهيم النخعي وعن أبي الأحوص وعن يحيى بن أبي سلمة وعن عامر الشعبي. وروى ابن أبي شيبة أيضاً بإسناده عن شداد بن الأزمع قال اعتكف رجل في المسجد الأعظم وضرب خيمته فحصبه الناس فبلغ ذلك ابن مسعود فأرسل إليه رجلاً فكف الناس عنه وحسَّن ذلك] انظر المصنف 3/ 9 - 91. وانظر أيضاً مصنف عبد الرزاق 4/ 346 - 348. قال الإمام النووي: [فرع في مذاهب العلماء في مسجد الاعتكاف قد ذكرنا أن مذهبنا اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف وأنه يصح في كل مسجد وبه قال مالك وداود وحكى ابن المنذر عن سعيد ابن المسيب أنه قال إنه لا يصح إلا في مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وما أظن أن هذا يصح عنه وحكى هو وغيره عن حذيفه بن اليمان الصحابي أنه لا يصح إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى وقال الزهري والحكم وحماد ولا يصح إلا في الجامع وقال أبو حنيفة وأحمد وإسحق وأبو ثور يصح في كل مسجد يصلى فيه الصلوات كلها وتقام فيه الجماعة واحتج لهم بحديث عن جويبر عن الضحاك عن حذيفة- رضي الله عنه -هـ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (كل مسجد له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح) رواه الدارقطني وقال: الضحاك لم يسمع من حذيفه قلت وجويبر ضعيف باتفاق أهل الحديث فهذا الحديث مرسل ضعيف فلا يحتج به، واحتج أصحابنا بقوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ووجه الدلالة من الآية لاشتراط المسجد أنه لو صح الاعتكاف في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد لأنها منافية للاعتكاف فعلم أن المعنى بيان أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد وإذا ثبت جوازه في المساجد صح في كل مسجد ولا يقبل

تخصيص من خصه ببعضها إلا بدليل ولم يصح في التخصيص شيء صريح] المجموع 6/ 483. وقال ابن حزم الظاهري: [والاعتكاف جائز في كل مسجد. وبرهان ذلك قوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فعمَّ الله تعالى ولم يخص]. ثم قال ابن حزم: [أما من حدَّ مسجد المدينة وحده أو مسجد مكة ومسجد المدينة أو المساجد الثلاثة أو المسجد الجامع فأقوال لا دليل على صحتها فلا معنى لها وهو تخصيص لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ). فإن قيل فأين أنتم عمَّا رويتموه من طريق سعيد بن منصور.: قال حذيفه لعبد الله بن مسعود قد علمت أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) أو قال: (مسجد جماعة)؟. قلنا: هذا شك من حذيفه أو ممن دونه ولا يقطع على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشك ولو أنه عليه السلام قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) لحفظه الله تعالى علينا ولم يدخل فيه شكاً. فصح يقيناً أنه عليه السلام لم يقله قط] المحلى 3/ 428 - 431. وقال الشوكاني معلقاً على حديث حذيفه أنه قال لابن مسعود: [لقد علمت أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة أو قال في مسجد جماعة) قال الشوكاني: [الحديث الأول أخرجه ابن أبي شيبة ولكن لم يذكر المرفوع منه واقتصر على المراجعة التي فيه بين حذيفه وابن مسعود ولفظه: (إن حذيفه جاء إلى عبد الله فقال: ألا أعجبك من قوم عكوف بين دارك ودار الأشعري يعني المسجد قال عبد الله: فلعلهم أصابوا وأخطأت) فهذا يدل على أنه لم يستدل على ذلك بحديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآله وعلى أن عبد الله يخالفه ويجوز الاعتكاف في كل مسجد ولو كان ثم حديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما خالفه وأيضاً الشك الواقع في الحديث مما يضعف الاحتجاج أحد شقيه. وقد استشهد بعضهم لحديث حذيفه بحديث أبي سعيد وأبي

هريرة وغيرهما مرفوعاً بلفظ: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى) وهو متفق عليه ولكن ليس فيه ما يشهد لحديث حذيفة لأن أفضلية المساجد الثلاثة واختصاصها بشد الرحال إليها لا تستلزم اختصاصها بالاعتكاف وقد حكى في الفتح عن حذيفة أن الاعتكاف يختص بالمساجد الثلاثة] نيل الأوطار 4/ 301 وقال العلامة صديق حسن خان: [وإنما اختلفوا هل يجزئ الاعتكاف في كل مسجد؟ أم في الثلاثة المساجد فقط؟ أو في المسجد الحرام فقط؟ والظاهر أنه يجزئ في كل مسجد قال تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ولا حجة في قول عائشة ولا في قول حذيفه في هذا الباب] الروضة الندية 2/ 41. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: [فكل مساجد الدنيا يسن فيها الاعتكاف وليس خاصاً بالمساجد الثلاثة كما روي ذلك عن حذيفه بن اليمان- رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لااعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فإن هذا الحديث ضعيف. ويدل على ضعفه أن ابن مسعود - رضي الله عنه - وهنه حين ذكر له حذيفه - رضي الله عنه - أن قوماً يعتكفون في مسجد بين بيت حذيفه وبيت ابن مسعود - رضي الله عنه - فجاء إلى ابن مسعود زائراً له وقال إن قوماً كانوا معتكفين في المسجد الفلاني فقال له ابن مسعود - رضي الله عنه -: [لعلهم أصابوا فأخطأت وذكروا فنسيت] فأوهن هذا حكماً ورواية. أما حكماً ففي قوله: [أصابوا فأخطأت] وأما رواية: [فذكروا ونسيت] والإنسان معرض للنسيان وإن صح هذا الحديث فالمراد به: لا اعتكاف تام أي أن المساجد الأخرى الاعتكاف فيها دون المساجد الثلاث كما أن الصلاة في المساجد فيها دون الصلاة في المساجد الثلاثة. ويدل على أنه عام في كل مسجد قوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ). فقوله: في المساجد (ال) هنا للعموم فلو كان الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد الثلاثة لقلنا: إن (ال) هنا للعهد الذهني ولكن أين الدليل؟ وإذا لم يقم دليل على أن (ال) للعهد الذهني فهي للعموم هذا الأصل ثم كيف يكون هذا الحكم في كتاب الله للأمة من مشارق الأرض ومغاربها ثم نقول لا يصح إلا

في المساجد الثلاثة فهذا بعيد أن يكون حكم مذكور على سبيل العموم للأمة الإسلامية ثم نقول: إن هذه العبادة لا تصح إلا في المساجد الثلاثة كالطواف لا يصح إلا في المسجد الحرام. فالصواب: أنه عام في كل مسجد لكن لا شك أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل كما أن الصلاة في المساجد الثلاثة أفضل] الشرح الممتع على زاد المستقنع 6/ 504 - 505. ويضاف لما سبق أن اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية قد اختارت أن الاعتكاف يصح في كل مسجد تقام فيه صلاة الجماعة. انظر فتاوى اللجنة الدائمة 10/ 410. وخلاصة الأمر أن الاعتكاف يصح في كل مسجد تقام فيه صلاة الجماعة وليس مقصوراً على المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال.

الحج

الحج

حج الزوجين والأقارب على نفقة بعضهم بعضا

حج الزوجين والأقارب على نفقة بعضهم بعضاً يقول السائل: ما حكم حج الزوجة على نفقة زوجها وحج الزوج على نفقة زوجته وما حكم حج الابن على نفقة أبيه وحج الأب على نفقة ابنه. وهل يجبر الزوج على الحج بزوجته أو تحمل نفقات حجها وكذلك الابن هل يجبر على ذلك أم لا؟ أفيدونا. الجواب: فرض الله سبحانه وتعالى الحج على المستطيع فقال جل جلاله: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) سورة آل عمران الآية 97. وتوفر نفقات الحج وتكاليفه داخلة في معنى الاستطاعة المذكورة في الآية الكريمة فالأصل أن يكون من وجب عليه الحج مستطيعاً فحينئذ يجب عليه أن يحج. وإذا تبرع شخص لآخر بتحمل نفقات الحج على حسابه كأن يتبرع الزوج لزوجته فحجها جائز ومسقط للفريضة وكذا العكس أي تبرعت الزوجة لزوجها فحجه جائز ومسقط للفريضة ومثل ذلك في حالة الأب والابن إلا أنه يندب في حق الابن الموسر أن يحجج والديه لأن ذلك من البر بهما وهو مأمور بالبر والإحسان إليهما وليس واجباً عليه بل هو تبرع وإحسان فقط. وكذلك الزوج لا يجب عليه أن يحجج زوجته حتى لو كان غنياً بل ذلك من باب المعروف والإحسان إليها لأن إحجاج الزوجة ليس من ضمن

تحديد أعداد الحجاج

النفقة الواجبة على الزوج فالنفقة الواجبة على الزوج لا يدخل فيها دفع نفقات حجها قال الله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) سورة الطلاق الآية 6. وقال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة البقرة الآية 233. وجاء في الحديث الشريف عن حكيم بن معاوية - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تهجر إلا في البيت) رواه أبو داود وقال الألباني حديث حسن صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 402. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خطبة حجة الوداع: (ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ... ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا لهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/ 274. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 341. والذي يؤخذ من مجموع هذه النصوص أن النفقة الواجبة للزوجة على زوجها إنما هي السكن والطعام والكسوة ولا يدخل في ذلك نفقة حجها. وبناء على ما تقدم فإن الزوجة إن كانت مستطيعة للحج وقادرة على تحمل نفقات الحج من مالها الخاص فيجب عليها الحج وإلا فلا يجب الحج عليها لأنها غير مستطيعة إلا أن يتبرع لها زوجها أو غيره بالنفقة. وخلاصة الأمر أنه لا يجب على أي شخص أن يحجج غيره بل ذلك تبرع وإحسان ومعروف. تحديد أعداد الحجاج يقول السائل: ما قولكم في تحديد أعداد الحجاج واتباع القرعة في اختيار من سيحجون؟ الجواب: تحديد عدد الحجاج من قبل الجهات المختصة أمر جائز

التوكيل في بعض مناسك الحج

شرعاً نظراً لعدم استيعاب المشاعر المقدسة لأعداد الحجاج الهائلة حيث إنه من المعلوم أن المشاعر (مكة ومنى ومزدلفة وعرفة) قدرتها محدودة في استيعاب أعداد الحجاج كما أنهم بحاجة لخدمات صحية وأغذية ومواصلات وسكن وقد يصعب توفيرها للعدد الكبير منهم وخاصة أن عددهم قد يكون بالملايين لذا فإن المصلحة الشرعية تقتضي تحديد الحجاج بأعداد معينة موزعة على حسب كل بلد من بلدان المسلمين ولكن يجب مراعاة عدة أمور في هذا التحديد: 1. أن يكون التوزيع عادلاً بين جميع أقطار المسلمين. 2. أن يشمل التحديد الحجاج القادمين من داخل السعودية حيث إن ما بين نصف أو ثلث عدد الحجاج في كل عام يكونون من داخل السعودية. وأما بالنسبة للقرعة فمع أن القرعة إحدى الطرق المعتبرة شرعاً في القسمة ونحوها فإني أرى عدم استعمالها في الحج وإنما ينبغي أن تكون الأولوية حسب التسجيل أي أن يكون هناك سجل عام يسجل فيه كل من يرغب بالحج ويعطى الحجاج أرقام متسلسلة وفي كل عام يؤخذ العدد من هؤلاء المسجلين حسب دورهم وهكذا. ففي هذه الطريقة يعرف كل من سجل أن الدور سيصله إن لم يكن في هذا العام ففي العام التالي وهكذا فهذه الطريقة أفضل من القرعة برأيي، بشرط أن ينفذ ذلك على الجميع وبدون أية استثناءات. التوكيل في بعض مناسك الحج يقول السائل: إنه سيحج هذا العام برفقة والدته الكبيرة في السن فما هي المناسك التي يمكن أن ينوب فيها عن أمه حيث إنها مريضة وضعيفة؟ الجواب: الأصل في الحج أن يؤدي الحاج جميع مناسك الحج بنفسه وأجاز أهل العلم التوكيل في رمي الجمرات وفي ذبح الهدي. أما بالنسبة

النيابة في الحج

لرمي الجمرات فيجوز التوكيل لعذر شرعي كالمرض وكذا المرأة الحامل وكذلك الكبيرة في السن والضعيفة وكذلك إذا كان هنالك زحام شديد فخشيت المرأة على نفسها فيجوز لها التوكيل في الرمي وينبغي أن يرمي الموكل عن نفسه أولاً ثم عن غيره ثانياً. وأما ذبح الهدي فيجوز فيه التوكيل مطلقاً أي بعذر وبدون عذر فيما أعلم وإن كان الأولى أن يتولى الحاج ذبح هديه بنفسه اقتداء برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث (نحر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثاً وستين بدنه ثم وكَّل علياً - رضي الله عنه - بالباقي) رواه مسلم. وأما بقية مناسك الحج فلا يصح فيها التوكيل كالطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى فهذه الأركان والواجبات لا بد للحاج أن يأتي بها بنفسه. وخلاصة الأمر أنه يجوز لوالدتك أن توكلك في رمي الجمرات وفي ذبح الهدي فقط وما عدا ذلك فعليها أن تؤديه بنفسها وعليك إعانتها ومساعدتها كأن تستأجر من يحملها في الطواف وكذا في السعي. النيابة في الحج يقول السائل: إنه إمام مسجد وسيخرج للحج مرشداً للحجاج على حساب وزارة الأوقاف وتدفع له الوزارة مكافأة مالية، فهل يجوز له أن يحج عن شخص ميت مقابل مبلغ من المال مع العلم أنه قد حج عن نفسه؟ الجواب: النيابة في الحج عن الميت جائزة عند جمهور أهل العلم ويدل على ذلك عدة أحاديث منها: عن بريدة - رضي الله عنه - قال: (أتت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت ولم تحج ... فقال: حجي عن أمك) رواه مسلم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: (نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) رواه البخاري. وأخذ الأجرة للحج عن الغير جائز ولا حرج فيه وعلى النائب أن ينوي المشاركة في فعل الخيرات واغتنام فرصة وجوده في الحرمين للإكثار من الطّاعات ولا ينبغي أن يكون كل قصده هو الحصول على الأموال وأما بالنسبة للمكافأة التي يأخذها من الأوقاف فلا علاقة لها بالمبلغ الذي يأخذه للحج عن غيره وإنما هذه المكافأة تدفع له مقابل القيام على شؤون الحجاج ومرافقتهم وإرشادهم ونحو ذلك من الأعمال التي تكلفه بها الأوقاف فلا حرج في الجمع بين الأمرين وأحب له أن لا يرهق أولياء الميت بمطالبتهم بمبلغ كبير ليحج عن ميتهم بل يخفف عنهم.

الأضحية

الأضحية

الأمور المشروعة في حق المضحي عند ذبح الأضحية وبعده

الأمور المشروعة في حق المضحي عند ذبح الأضحية وبعده يقول السائل: ما هي الأمور التي تشرع في حق المضحي عند ذبح الأضحية وبعده أفيدونا؟ الجواب: الأضحية من السنن المؤكدة الثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله وفعله عليه الصلاة والسلام وقد ذكر أهل العلم عدة أمور ينبغي على المضحي أن يلتزم بها عند ذبح أضحيته وبعده منها: أولاً: النية: أن ينوي عند شراء البهيمة أنها أضحية، وهذه النية تكفي إن شاء الله. ولا بدَّ من النية، لأن الأضحية عبادة، والعبادة لا تصح إلا بالنية، لقول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق عليه. والنية لا بد منها حتى نميز العمل الذي هو لله تعالى عن غيره ومن ذلك الأضحية. قال الإمام القرافي تحت عنوان " فيما يفتقر إلى النية الشرعية ": [. الأوامر التي لا تكون صورتها كافية في تحصيل مصلحتها المقصودة منها، كالصلوات والطهارات والصيام والنسك، فإن المقصود منها تعظيم الرب سبحانه وتعالى، بفعلها والخضوع له في إتيانها وذلك إنما يحصل إذا قصدت

من أجله سبحانه وتعالى، فإن التعظيم بالفعل بدون قصد المعظم محال، كمن صنع ضيافة لإنسان، فانتفع بها غيره من غير قصد، فإنا نجزم بأن المُعَظَّمَ الذي قُصِدَ بالكرامة، دون من انتفع بها من غير قصد، فهذا القسم هو الذي أمر فيه صاحب الشرع بالنية] الأمنية في إدراك النية ص27 - 28. وقد نص الفقهاء على اشتراط النية في الأضحية. قال الكاساني: [فمنها نية الأضحية لا تجزئ بدونها لأن الذبح قد يكون للحم وقد يكون للقربة، والفعل لا يقع قربة بدون النية. فلا تتعين الأضحية إلا بالنية]. بدائع الصنائع 4/ 208. وتكفي النية بالقلب ولا يشترط التلفظ باللسان، قال الكاساني: [ويكفيه أن ينوي بقلبه، ولا يشترط أن يقول بلسانه ما نوى بقلبه، كما في الصلاة؛ لأن النية عمل القلب والذكر باللسان دليل عليها] بدائع الصنائع 4/ 208 والصحيح أن التلفظ بالنية بدعة مخالفة لهدي المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولو ذبحها غير صاحبها فلا يشترط أن يتلفظ بالنية عن صاحبها. قال الشيخ ابن قدامة معلقاً على قول الخرقي: (وليس عليه أن يقول عند الذبح " عمَّن " لأن النية تجزئ). [لا أعلم خلافاً في أن النية تجزئ، وإن ذكر من يضحي عنه فحسن] المغني 9/ 456 - 457. وقال الشيخ القرافي: [لو نوى الوكيل عن نفسه أجزأت صاحبها، وقد اشترى ابن عمر رضي الله عنه شاة من راع فأنزلها من الجبل، وأمره بذبحها فذبحها الراعي، وقال: اللهم تقبل مني. فقال ابن عمر: ربك أعلم بمن أنزلها من الجبل] الذخيرة 4/ 156. ثانياً: ربط الأضحية قبل الذبح: استحب بعض الفقهاء أن تربط الأضحية قبل أيام النحر , لما فيه من الاستعداد للقربة وإظهار الرغبة فيها، فيكون له فيها أجر وثواب؛ لأن ذلك يشعر بتعظيم هذه الشعيرة قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج الآية 32.

ثالثاً: أن يسوق الأضحية إلى محل الذبح سوقاً جميلاً لا عنيفاً فقد روى عبد الرزاق بسنده عن محمد بن سيرين قال: [رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلاً يسحب شاة برجلها ليذبحها فقال له: ويلك! قدها إلى الموت قوداً جميلاً] المصنف 4/ 493. ورواه البيهقي سنن الكبرى 9/ 281، وذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 36. رابعاً: أن يحدَّ السكين قبل الذبح لأن المطلوب إراحة الحيوان بأسرع وقت ممكن، وهذا من الإحسان الذي ذكره الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما جاء في الحديث عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) رواه مسلم. خامساً: أن لا يحد السكين أمام الحيوان الذي يريد ذبحه لأن ذلك من الإحسان المأمور به كما جاء في الحديث السابق. وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رجلاً أضجع شاة وهو يحد شفرته فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أتريد أن تميتها موتات؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها؟) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي، ورواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 393، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 280، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 32. وعن ابن عمر - رضي الله عنه - أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بحد الشفار وأن توارى عن البهائم وقال: (إذا ذبح أحدكم فليجهز) رواه أحمد والبيهقي وابن ماجة وفيه ابن لهيعه وهو ضعيف، ولكن يشهد له ما سبق من حديث شداد وحديث ابن عباس. وعن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رجلاً حدَّ شفرته وأخذ الشاة ليذبحها فضربه عمر بالدرة وقال: [أتعذب الروح؟! ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها] رواه البيهقي. سادساً: استقبال القبلة من الذابح والذبيحة: يستحب أن يستقبل الذابح القبلة وأن يوجه مذبح الحيوان إلى القبلة.

قال الإمام النووي: [استقبال الذابح القبلة وتوجيه الذبيحة إليها، وهذا مستحب في كل ذبيحة، لكنه في الهدي والأضحية أشد استحباباً، لأن الاستقبال في العبادات مستحب وفي بعضها واجب] المجموع 8/ 408 ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (ذبح النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوئين، فلما وجههما قال: إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك، وعن محمد وأمته باسم الله والله أكبر ثم ذبح) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي، وصححه الشيخ الألباني والشاهد في الحديث قوله (فلما وجههما) أي نحو القبلة. انظر إرواء الغليل 4/ 349. سابعاً: أن يتولى ذبحها بنفسه إن كان يحسن الذبح، وإلا شهد ذبحها ومما يدل على استحباب تولي الإنسان أضحيته بنفسه، ما جاء في حديث أنس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أقرنين أملحين وكان يسمي ويكبر، ولقد رأيته يذبحهما بيده واضعاً رجله على صفاحهما) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام البخاري في صحيحه [باب من ذبح الأضاحي بيده] ثم ذكر فيه حديث أنس - رضي الله عنه - السابق، ثم ذكر في الباب الذي يليه [وأمرَ أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن. ثم قال الحافظ: وصله الحاكم في المستدرك. ووقع لنا بعلو في خبرين كلاهما من طريق المسيب بن رافع أن أبا موسى كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكهن بأيديهن وسنده صحيح. انظر صحيح البخاري مع فتح الباري 12/ 114 - 115. ويجوز لمن أراد الأضحية أن ينيب غيره في ذبحها وينبغي أن يوكل في ذبحها صاحب دين له معرفة بالذبح وأحكامه. فإن أناب عنه فيستحب له أن يشهد ذبحها لما ورد في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لفاطمة رضي الله عنها: (قومي لأضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة من

دمها يغفر لك ما سلف من ذنبك) رواه البيهقي والحاكم وفيه كلام لأهل الحديث ووردت عدة روايات يقوي بعضها بعضاً فتصلح للاستشهاد. ثامناً: التسمية والتكبير عند الذبح: ثبت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا ذبح قال: (باسم الله والله أكبر) كما جاء ذلك في رواية لحديث أنس - رضي الله عنه - عند مسلم: (قال: ويقول باسم الله والله أكبر). وثبت في رواية أخرى من حديث أنس قال: (ضحى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمَّى وكبر.) الحديث رواه البخاري ومسلم. تاسعاً: الدعاء بعد التسمية والتكبير: والدعاء كأن يقول: اللهم تقبل مني، أو يقول اللهم تقبل من فلان، فهذا مشروع ومستحب، لما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بكبش يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها: يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر. ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به) رواه مسلم. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (ذبح النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوئين فلما وجههما قال: إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم منك ولك وعن محمد وأمته باسم الله والله أكبر ثم ذبح) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي، وأخرجه أبو يعلى بسند حسن. وأخيرا أود التنبيه على أمر مهم وهو أن بعض المسلمين من الموسرين من دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا يوكلون لجان الزكاة في بلادنا في التضحية عنهم، ويدفعون أثمان الأضاحي لدى بعض الجمعيات الخيرية في بلادهم، ثم تنقل هذه المبالغ إلى لجان الزكاة في فلسطين، والتي تتولى

شرائها، ومن ثم ذبحها وتوزيعها على الناس، ولا بد هنا من بيان بعض الأمور التي يجب أن تتنبه لها لجان الزكاة: أولاً: يجب أن تكون الأضحية مستكملة للشروط الشرعية، ولذا يجب إعلام أمثال هؤلاء الناس قبل وقت الأضحية بثمن الضحايا في بلادنا، لأن أسعارها تختلف من بلد إلى آخر، فيمكن أن نشتري أضحية مجزئة بثمانين ديناراً في عمان، ونحتاج إلى ضعف هذا المبلغ لشراء أضحية مجزئة في فلسطين. ولا يصح أن نشتري أضاحي غير مستكملة للشروط الشرعية، بحجة أن المبلغ الذي دفع لا يشترى به أضحية مستكملة للشروط. ولا يجوز جمع المبالغ القليلة لشراء شاة واحدة، لأن الاشتراك في الشاة لا يصح. ثانياً: لا بد من الالتزام بذبح هذه الأضاحي في الوقت المقرر شرعاً، وإنَّ تأخرْ وصول أثمان الأضاحي من الخارج، لا يعتبر عذراً في ذبح الأضاحي بعد مضي وقتها المقرر شرعاً فإن حصل ذلك فلا تعد أضحية. وإن لم يتم ذبحها في الوقت المقرر شرعاً فيجب إعلام الذين دفعوا ثمنها أنه لم يتم التضحية عنهم. ثالثاً: يجب الالتزام بتوزيع تلك الأضاحي على الفقراء والمحتاجين أولاً لأن الغالب في الناس الذين يبعثون بأثمان الأضاحي أنهم يقصدون التصدق بها على الفقراء والمحتاجين فلذلك فإني أكره أن يُعطى الأغنياء منها.

الأيمان

الأيمان

حكم نقض عهد الله

حكم نقض عهد الله يقول السائل: إذا عاهد شخص الله جل جلاله على أن يقوم بعمل ما أو يكف عن عمل ما ثم نقض عهده، فهل يكون منافقاً تنطبق عليه الآيات الواردة في الذين ينقضون عهد الله؟ الجواب: وردت آيات عديدة في عهد الله أو معاهدة الله سبحانه وتعالى ومنها قوله تعالى: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) سورة البقرة الآية 27. ومنها قوله تعالى: (إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة آل عمران الآية 77. ومنها قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْءَاتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّاءَاتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) سورة التوبة الآيات 75 - 77. وغير ذلك من الآيات. قال الراغب الأصفهاني: [. وعهد الله تارة يكون بما ركزه في عقولنا وتارة يكون بما أمرنا به بالكتاب وبالسنة رسله وتارة بما نلتزمه وليس بلازم في أصل الشرع كالنذور وما يجري مجراها وعلى هذا قوله: (وَمِنْهُمْ

مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ) - (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) - (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ)] المفردات في غريب القرآن ص350. وقال العلامة الألوسي في تفسير قوله تعالى:: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) [والمراد بالعهد ها هنا إما العهد المأخوذ بالعقل وهو الحجة القائمة على عباده تعالى الدالة على وجوده ووحدته وصدق رسله صلى الله تعالى عليهم وسلم وفي نقضها لهم ما لا يخفى من الذم لأنهم نقضوا ما أبرمه الله تعالى من الأدلة التي كررها عليهم في الأنفس والآفاق وبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب مؤكداً لها والناقضون على هذا جميع الكفار. وأما المأخوذ من جهة الرسل على الأمم بأنهم إذا بعث إليهم رسول مصدق بالمعجزات صدقوه واتبعوه ولم يكتموا أمره. وذكره في الكتب المتقدمة ولم يخالفوا حكمه. والناقضون حيئذ أهل الكتاب والمنافقون منهم حيث نبذوا كل ذلك وراء ظهورهم وبدلوا تبديلاً والنقض على هذا عند بعضهم أشنع منه على الأول وعكس بعض - ولكل جهة - وقيل: الأمانة التي حملها الإنسان بعد إباء السماوات والأرض عن أن يحملنها وقيل: هو ما أخذ على بني إسرائيل من أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم إلى غير ذلك من الأقوال وهي مبنية على الاختلاف في سبب النزول والظاهر العموم] روح المعاني 1/ 112 - 113. وقد قرر العلماء أن من عاهد الله سبحانه وتعالى ثم نقض عهده فقد ارتكب معصية من المعاصي وينطبق عليه قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الصحيح: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ومسلم.

قال الإمام النووي في شرح الحديث السابق: [هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلاً من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك. وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقاً بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ولا هو منافق يخلد في النار فإن إخوة يوسف - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمعوا هذه الخصال. وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله. وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال ولكن اختلف العلماء في معناه. فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه وهذا المعنى الموجود في صاحب هذه الخصال ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وأئتمنه وخاصمه وعاهده من الناس لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر. ولم يرد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان منافقاً خالصاً معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال. قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالباً عليه. فأما من يندر ذلك منه فليس داخلاً فيه. فهذا هو المختار في معنى الحديث. وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي - رضي الله عنه - معناه عن العلماء مطلقاً فقال: إنما معنى هذا عند أهل العمل نفاق العمل. وقال جماعة من العلماء: المراد به المنافقون الذين كانوا في زمن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحدثوا بإيمانهم وكذبوا واؤتمنوا على دينهم فخانوا ووعدوا في أمر الدين ونصره فأخلفوا وفجروا في خصوماتهم. وهذا قول سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ورجع إليه الحسن البصري رحمه الله بعد أن كان على خلافه وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم. وروياه أيضاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال القاضي عياض رحمه الله وإليه مال كثير من أئمتنا وحكى الخطابي رحمه الله قولاً آخر معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق. وحكى الخطابي رحمه الله أيضاً: عن بعضهم أن الحديث ورد في رجل بعينه منافق وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يواجههم بصريح

القول فيقول: فلان منافق وإنما كان يشير إشارة كقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما بال أقوام يفعلون كذا؟ والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 235 - 236. ومن العلماء من حمل النفاق في الحديث على نفاق العمل كما سبق في كلام النووي عن الترمذي ونص كلام الإمام الترمذي في سننه هو: [وإنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل وإنما كان نفاق التكذيب على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا روي عن الحسن البصري شيء من هذا أنه قال: النفاق نفاقان: نفاق العمل ونفاق التكذيب] سنن الترمذي 5/ 21. قال القرطبي المحدث: [إن هذا النفاق هو نفاق العمل الذي سأل عنه عمر حذيفة لما قال له هل تعلم فيَّ شيئاً من النفاق؟ أي من صفات المنافقين الفعلية ووجه هذا أن من كانت فيه هذه الخصال المذكورة كان ساتراً لها ومظهراً لنقائضها فصدق عليه اسم منافق] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 1/ 250. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في تفسير النفاق: [وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي] فتح الباري 1/ 98. وخلاصة الأمر أنه يجب على المسلم إذا عاهد الله أن يفعل خيراً أو ينتهي عن معصية فعليه الوفاء بما عاهد عليه الله. قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) سورة الإسراء الآية 34. وأما إذا نقض عهده مع الله فقد ارتكب معصية وقد عدها جماعة من العلماء من كبائر الذنوب وانظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 225 - 227. فعلى من نقض عهد الله أن يبادر إلى التوبة ويفي بما عاهد الله عليه. وأخيراً أنبه على أن من حلف بعهد الله فهذه تعد يميناً يلزمه الوفاء بها وإذا حنث لزمته كفارة يمين قال الكاساني: [ولو قال عليَّ عهد الله أو ذمة الله أو ميثاقه فهو يمين لأن اليمين بالله تعالى هي عهد الله على تحقيقه أو نفيه ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ)

حكم الحلف بالأمانة

سورة النحل الآية 91. ثم قال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) سورة النحل الآية 91. وجعل العهد يميناً والذمة هي العهد] بدائع الصنائع 3/ 15. حكم الحلف بالأمانة يقول السائل: ما حكم الحلف بالأمانة؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أن اليمين لا تصح إلا بالله سبحانه وتعالى أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته فيجوز للمسلم أن يحلف بالله فيقول والله، ويحلف بأسماء الله تعالى كقوله والخالق والبارئ والقادر ونحوها، وبصفات الله تعالى كقوله وعظمة الله وجلال الله وعزة الله وكلام الله ونحوها. وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحلف فيقول ومقلب القلوب ومصرف القلوب والذي نفسي بيده والذي نفس محمد بيده وغيرها، وقد ثبت في ذلك أحاديث كثيرة منها عن ابن عمر رضي الله عنها قال: (كانت يمين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا ومقلب القلوب) رواه البخاري. وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحلف بغير الله جل جلاله فقد ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب وهو يحلف بأبيه فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث أيضاً أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) رواه مسلم. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تحلفوا بالطواغيت ولا بآبائكم) رواه مسلم. وعن سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: (لا والكعبة. فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: من حلف بغير الله فقد أشرك) وفي رواية (فقد كفر) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان

والحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في إرواء الغليل حديث رقم 2561. وقد أخذ أهل العلم من هذه الأحاديث وغيرها تحريم الحلف بغير الله إن كان الحالف معظماً لما حلف به وظاهر قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) يدل على أن الحلف بغير الله حرام، قال الحافظ ابن عبد البر: [لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع]. ولا عبرة بقول من قال إن الحلف بغير الله مكروه فكيف يقال ذلك على ما وصفه الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه كفر أو شرك بل ذلك محرم. ولهذا اختار عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن يحلف بالله كاذباً ولا يحلف بغيره صادقاً فهذا يدل على أن الحلف بغير الله أعظم من الكذب مع أن الكذب من المحرمات. تيسير العزيز الحميد ص 562. إذا تقرر هذا فأعود إلى الحلف بالأمانة فأذكر أولاً أنه قد ورد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (من حلف بالأمانة فليس منا) رواه أبو داود وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 94. وروى أحمد بإسناده عن بريدة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ليس منا من حلف بالأمانة ومن خبب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا) وصححه الألباني في المصدر السابق حديث رقم 325. قال ابن الأثير: [والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان وقد جاء في كل منها حديث]. ثم قال ابن الأثير ومنه: [(من حلف بالأمانة فليس منا) يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته والأمانة أمر من أموره فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء الله تعالى كما نهوا أن يحلفوا بآبائهم] النهاية في غريب الحديث 1/ 71 - 72. وقال الخطابي في شرح الحديث: [هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يحلف بالله وصفاته وليست الأمانة من صفاته وإنما

هي أمر من أمره وفرض من فروضه فنهوا عنها لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل] معالم السنن 4/ 43. وقال الإمام البغوي بعد أن ذكر الحديث: [وهذا أيضاً يشبه أن يكون وعيداً لما أن حلف بغير الله] شرح السنة 10/ 8. وبناء على ما سبق قال جمهور أهل العلم الحلف بالأمانة مكروه لأن الأمانة هنا غير مضافة لله تعالى فليست اسماً من أسماء الله تعالى ولا صفة من صفاته بل تطلق على الفرائض كما قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. الآية) سورة الأحزاب الآية 72. وتطلق على الودائع والحقوق قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) سورة النساء الآية 58.

المعاملات

المعاملات

معنى الحديث النبوي

معنى الحديث النبوي (نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيعتين في بيعة) يقول السائل: ما معنى الحديث النبوي: (نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيعتين في بيعة) الجواب: ورد هذا الحديث بعدة روايات عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيعتين في بيعة) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ورواه النسائي وأحمد وغيرهما. ورواه أبو داود بلفظ آخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا). وورد الحديث بلفظ آخر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع وسلف وعن بيعتين في صفقة واحدة وعن بيع ما ليس عندك) رواه أحمد والبيهقي. وجاء بلفظ آخر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نهى عن صفقتين في صفقة) وورد الحديث أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبعه ولا تبع بيعتين في بيعة) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.

وجميع روايات الحديث لم تخل من كلام لأهل العلم انظر تفصيل ذلك إرواء الغليل 5/ 148 - 152. وعلى كل حال فالحديث لا يقل عن درجة الحسن وهو صالح للاحتجاج. وأما المراد بالحديث فللعلماء فيه ثلاثة أوجه وهي: الوجه الأول: قال الإمام البغوي: [أن يقول: بعتك هذا الثوب بعشرة نقداً، أو بعشرين نسيئة إلى شهر، فهو فاسد عند أكثر أهل العلم لأنه لا يدرى أيهما الثمن وجهالة الثمن تمنع صحة العقد] شرح السنة 8/ 143. وهذا التفسير للحديث منقول عن جماعة من السلف منهم سماك بن حرب راوي الحديث حيث قال: [هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنساء بكذا وهو بنقد بكذا وكذا رواه أحمد. ونقل مثل ذلك عن عبد الوهاب بن عطاء: [يعني يقول هو لك بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين] رواه البيهقي في السنن الكبرى 5/ 343. وقال الإمام الترمذي: [وقد فسر بعض أهل العلم قالوا بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين ولا يفارقه على أحد البيعين فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على واحد منهما] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 357 - 358. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وقد روي في تفسير بيعتين في بيعة وجه آخر: وهو أن يقول: بعتك هذا العبد بعشرة نقداً أو بخمسة عشر نسيئة أو بعشرة مكسرة أو تسعة صحاحاً. هكذا فسره مالك والثوري وإسحق وهو أيضاً باطل. وهو قول الجمهور لأنه لم يجزم له ببيع واحد فأشبه ما لو قال: بعتك هذا أو هذا ولأن الثمن مجهول فلم يصح كالبيع بالرقم المجهول ولأن أحد العوضين غير معين ولا معلوم فلم يصح كما لو قال بعتك أحد عبيدي] المغني 4/ 177. الوجه الثاني: [والوجه الآخر من تفسير البيعتين في البيعة أن يقول: بعتك عبدي هذا بعشرين ديناراً على أن تبيعني جاريتك فهذا فاسد لأنه جعل

ثمن العبد عشرين ديناراً وشرط بيع الجارية وذلك شرط لا يلزم وإذا لم يلزم ذلك بطل بعض الثمن فيصير ما يبقى من المبيع في مقابلة الباقي مجهولاً] شرح السنة 8/ 143. وهذا المعنى منقول عن الإمام الشافعي حيث قال الترمذي: [قال الشافعي: ومن معنى ما نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري وهذا تفارق عن بيع بغير ثمن معلوم ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته] سنن الترمذي 4/ 358. والوجه الثالث ما ذكره المباركفوري: [واعلم أنه قد فسر البيعتان في بيعة بتفسير آخر وهو أن يسلفه ديناراً في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال بعني القفيز الذي لك عليّ إلى شهرين بقفيزين فصار ذلك بيعتين في بيعة لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول كذا في شرح السنن لابن رسلان فقد فسر حديث أبي هريرة المذكور بلفظ: نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيعتين في بيعة بثلاثة تفاسير فاحفظها] تحفة الأحوذي 4/ 358. والذي يظهر لي أن الوجه الأول في بيان المراد من الحديث هو الأظهر حيث إن راوي الحديث قد فسره به وهو أعلم بما روى كما أنه تفسير عدد كبير من أهل العلم ومع ذلك فإنه يظهر أن النهي عن بيعتين في بيعة بهذا المعنى وهو نقداً بكذا ونسيئة بكذا معلل بعلة وهي الجهالة في العقد والجهالة مبطلة للعقد وهذا المعنى واضح في كلام الإمام الترمذي: [أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين ولا يفارقه على أحد البيعين فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على واحد منهما]. وقال الإمام البغوي: [وفسروا البيعتين في بيعة على وجهين: أحدهما أن يقول: بعتك هذا الثوب بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة إلى شهر فهو فاسد عند أكثر أهل العلم لأنه لا يدرى أيهما الثمن وجهالة الثمن تمنع صحة العقد وقال طاووس: لا بأس به فيذهب به على أحدهما وبه قال إبراهيم والحكم وحماد وقال الأوزاعي: لا بأس به ولكن لا يفارقه حتى يباته

معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تبع ما ليس عندك)

بأحدهما فإن فارقه قبل ذلك فهو له بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين أما إذا باته على أحد الأمرين في المجلس فهو صحيح به لا خلاف فيه وما سوى ذلك لغو] شرح السنة 8/ 143. وقال الشوكاني: [فسره سماك بما رواه المصنف عن أحمد عنه وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال بأن يقول بعتك بألف نقداً أو ألفين إلى سنة فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا ونقل ابن الرفعة عن القاضي أن المسألة مفروضة على أنه قبل على الإبهام أما لو قال قبلت بألف نقداً أو بألفين بالنسيئة صح ذلك] نيل الأوطار 3/ 172. وخلاصة الأمر أن معنى نهي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -عن بيعتين في بيعة محمول على بيع سلعة بثمنين نقداً بكذا ونسيئة بكذا دون بت العقد على أحدهما فإذا كان الأمر كذلك فالعقد باطل وأما إذا بت المتبايعان الأمر واتفقا على أحد الثمنين كأن يقول البائع: أبيعك هذه السيارة بعشرة آلاف دينار نقداً وباثني عشر ألف دينار مؤجلة على عشرة أقساط فقال المشتري قبلت شرائها باثني عشر ألف دينار مقسطة واتفقا على ذلك صح البيع ولا بأس به وهو البيع المعروف عند الناس ببيع التقسيط فهو بيع صحيح ولا علاقة له بالربا. معنى قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لا تبع ما ليس عندك) يقول السائل: ماذا يعني قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تبع ما ليس عندك)؟ الجواب: هذا الحديث ورد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية حكيم بن حزام قال: (سألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يأتيني الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال الألباني: صحيح. انظر إرواء الغليل 5/ 132. وفي رواية أخرى عند

الترمذي عن حكيم بن حزام قال: (نهاني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أبيع ما ليس عندي). وقال الترمذي: [والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم كرهوا أن يبيع الرجل ما ليس عنده] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 363. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 361. وهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز أن يبيع المسلم ما ليس عنده أي ما ليس في ملكه عند العقد قال المباركفوري: [وفي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تبع ما ليس عندك) دليل على تحريم بيع ما ليس في ملك الإنسان ولا داخلاً تحت قدرته] تحفة الأحوذي 4/ 360 وقد جعل الفقهاء من شروط صحة عقد البيع أن يكون المبيع موجوداً حين العقد وأن يكون في ملك البائع ولم يجيزوا بيع المعدوم كبيع ما تنتجه الحيوانات وبيع ما في ملك جاره أو صديقه لأنه غير مملوك للبائع وقد استثني من هذا الأصل بيع السلم وألحق به عقد الاستصناع. قال الإمام البغوي في شرح حديث (لا تبع ما ليس عندك): [هذا في بيوع الأعيان دون بيوع الصفات فلو قبل السلم في شيء موصوف عام الوجود عند المحل المشروط يجوز وإن لم يكن في ملكه حال العقد] شرح السنة 8/ 141. وقال الشوكاني: [وظاهر النهي تحريم ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلاً تحت مقدرته وقد استثني من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم] نيل الأوطار 5/ 175. ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن المنذر قوله: [وبيع ما ليس عندك يحتمل معنيين أحدهما: أن يقول: أبيعك عبداً أو داراً معينة وهي غائبة فيشبه بيع الغرر لاحتمال أن تتلف أو لا يرضاها. وثانيهما: أن يقول: هذه

الدار بكذا على أن أشتريها لك من صاحبها أو على أن يسلمها لك صاحبها وقصة حكيم موافقة للاحتمال الثاني] فتح الباري 4/ 441. وبيع السلم الذي استثناه العلماء من بيع ما ليس عند الإنسان هو بيع آجل بعاجل أو هو بيع موصو ف في الذمة ببدل يعطى عاجلاً. ومثال ذلك أن يبيع المزارع ألف كيلوغرام من الزيتون بسعر خمسة آلاف شيكل يقبضها عند العقد على أن يسلم كمية الزيتون بعد أربعة أشهر مثلاً وعقد السلم مشروع باتفاق العلماء وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم. قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) سورة البقرة الآية 282. وقال ابن عباس: هذه الآية نزلت في السلَّم خاصة. تفسير القرطبي 3/ 377. وصح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم. رواه البخاري ومسلم. وعقد السلم من العقود التي تعطي مرونة كبيرة للاقتصاد الإسلامي وتفتح مجالاً رحباً في الزراعة والصناعة فالمزارع يبيع إنتاجه الزراعي مقدماً وكذا صاحب المصنع يبيع إنتاجه ويحصل على ثمنه مقدماً على أن يسلمه في مدة لاحقة متفق عليها وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بالسلم وتطبيقاته المعاصرة ما يلي: [يعد السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة سواء أكان تمويلاً قصير الأجل أم متوسطه أم طويله واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل والنفقات الرأسمالية الأخرى. ولهذا تعددت مجالات تطبيق عقد السلم ومنها ما يلي: أ . يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة حيث يتعامل المصرف الإسلامي مع المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في

الموسم من محاصيلهم أو محاصيل غيرهم التي يمكن أن يشتروها ويسلموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم فيقدم لهم بهذا التمويل نفعاً بالغاً ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم. ب. يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي ولا سيما تمويل المراحل السابقة لإنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة وذلك بشرائها سلماً وإعادة تسويقها بأسعار مجزية. ج. يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين وصغار المنتجين الزراعيين والصناعيين عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات وآلات أو مواد أولية كرأس مال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها] الفقه الإسلامي وأدلته 9/ 645 - 646. وأما عقد الاستصناع الذي استثناه العلماء أيضاً من بيع ما ليس عند الإنسان فهو فرع من عقد السلم عند جمهور أهل العلم وهو عقد مع صانع على عمل شيء معين في الذمة كمن يطلب من نجار أن يصنع له خزانة بأوصاف معينة بثمن معين. وعقد الاستصناع عقد مشروع فقد صح: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استصنع خاتماً) رواه البخاري. وعقد الاستصناع أيضاً يفتح آفاقاً واسعة في الاقتصاد الإسلامي يقول الشيخ العلامة مصطفى الزرقا: [إن عقد الاستصناع لا يجري في المنتوجات الطبيعة التي لا تدخلها الصنعة كالبقول والفواكه واللحوم الطازجة واللبن والقمح وسائر الحبوب. إلخ فهذه السلع الطبيعية طريق بيع غير الموجود منها وقت العقد إنما هو السلم فلا يجري الاستصناع إلا فيما تدخله الصنعة كالأمثلة السابقة البيان. واليوم قد وجدت صناعة التعليب لهذه المنتوجات الطبيعية وصناعة تجميدها أيضاً لتحفظ معلبة أو مجمدة مثلجة في علب أو أكياس البلاستيك فهل تنتقل بذلك من زمرة المنتوجات الطبيعية إلى زمرة المصنعات فيصح فيها عقد الاستصناع ويجوز التعاقد مع معمل التعليب على أن يقوم بتعليب الكميات المطلوبة من كل نوع بمواصفات معينة.

لا شك في كون الجواب إيجابياً لأنها انتقلت بهذا العمل الصناعي إلى زمرة المصنعات ويدخل في ذلك الأسماك واللحوم والخضروات وسواها. بطريق الاستصناع يمكن إقامة المباني على أرض مملوكة للمستصنع بعقد مقاولة فإذا كان عقد المقاولة يقوم على أساس أن المقاول هو الذي يأتي بمواد البناء ويتحمل جميع تكاليفه ويسلمه جاهزاً على المفتاح فهذا يمكن أن يعتبر استصناعاً] عقد الاستصناع ومدى أهميته ص24 نقلاً عن البيوع الشائعة ص177. وبعد هذا الكلام ترى أن العلماء قد منعوا بيع ما ليس عند الإنسان واستثنوا من ذلك بيع السلم وعقد الاستصناع مع أن كلاً منهما عقد على غير مملوك للإنسان عند العقد وأود أن أنبه إلى أن بعض الناس قد أدخل تحت النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان صوراً من التعامل الصحيحة الجائزة وزعموا أنها محرمة فمن ذلك: بيع المرابحة للآمر بالشراء الذي تتعامل به المصارف الإسلامية وإدخال بيع المرابحة المذكور تحت بيع ما ليس عندك غير صحيح وتجنٍ على المصارف الإسلامية لأن المعروف أن المصارف الإسلامية عندما تتعامل ببيع المرابحة للآمر بالشراء فإنها لا تبيع السلعة للآمر بالشراء إلا بعد أن يتملك المصرف الإسلامي السلعة تملكاً تاماً وقد جاء في قرارات مؤتمر المصرف الإسلامي ما يلي: [يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق هو أمر جائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي] بيع المرابحة للآمر بالشراء ص60. فإذا اتفق شخص مع آخر على أن يشتري له سلعة وصفها له واتفقا على ثمنها وأن ثمنها سيكون على أقساط مؤجلة وتم الوعد بينهما على ذلك ولكن العقد لم يجر بينهما إلا بعد تملك الأول للسلعة فالعقد صحيح وهذه المعاملة غير داخلة في بيع ما ليس عند الإنسان.

الغبن في التجارة

ومن الصور التي زعم بعض الناس دخولها تحت بيع ما ليس عندك ما تعارف عليه الناس قديماً وحديثاً مما يسميه الناس (التفصيل) يقولون فلان فصَّل غرفة نوم وفلان فصَّل بدلة، وهذا في الحقيقة هو عقد استصناع وهو عقد صحيح إذا تم وفق ما قرره الفقهاء. ومن الصور التي زعم بعض الناس أنها تدخل في بيع ما ليس عندك شراء سيارة جديدة من وكالة السيارات والسيارة ليست موجودة لدى الوكالة وإنما ما زالت في بلد الإنتاج: وهذا الزعم باطل لأنه عندما يتم بيع سيارة بالطريقة السابقة فإن جميع التفاصيل تكون مبينة وواضحة فيما يسمى بكتالوج السيارة بل إن أدق التفاصيل تكون مذكورة فيه فهذا العقد صحيح ولا يدخل تحت بيع ما ليس عند الإنسان بل هو من صور السلم. ومن الصور الجائزة في البيع أيضاً وغير داخلة في بيع ما ليس عند الإنسان بيع عمارة أو شقة على الخارطة إذا كانت الأوصاف مبينة وواضحة فهذه الصورة لا بأس بها أيضاً وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بالتمويل العقاري لبناء المساكن ما يلي: [أن تُملك المساكن عن طريق عقد الاستصناع - على أساس اعتباره لازماً - وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع دون وجوب تعجيل جميع الثمن بل يجوز تأجيله بأقساط يتفق عليها مع مراعاة الشروط والأحوال المقررة لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السلم] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 6 ج 1/ 188. الغبن في التجارة يقول السائل: إنه تاجر مفرق وأنه يشتري بضاعته من تاجر جملة وبعد مضي مدة على تعاملهما تبين أن تاجر الجملة يبيعه بسعر أعلى من السوق مع أنه كان لا يساوم البائع، فهل يحق له أن يطالبه بفرق السعر، أفيدونا؟ الجواب: إن التجارة في الإسلام تحكمها ضوابط وقيم أخلاقية ينبغي

على التجار التحلي بها، وهذه الضوابط والقيم مستمدة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن سير الصحابة والسلف في تعاملهم التجاري. قال أبو حامد الغزالي: [وقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان جميعاً، والعدل سبب النجاة فقط وهو يجري من التجار مجرى رأس المال والإحسان وسبب الفوز ونيل السعادة وهو يجري من التجارة مجرى الربح ولا يعد من العقلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس ماله فكذا في معاملات الآخرة فلا ينبغي للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الإحسان وقد قال الله تعالى: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) وقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) وقال سبحانه: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ونعني بالإحسان فعل ما ينتفع به العامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضل منه فإن الواجب يدخل في باب العدل وترك الظلم] إحياء علوم الدين 2/ 80 - 81. وكذلك فإن الصدق والأمانة والنصيحة من أعظم أخلاق التجار فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقيين والشهداء) رواه الترمذي وقال حديث حسن. سنن الترمذي 3/ 515 وفيه ضعف منجبر كما قال الألباني في غاية المرام ص 124. وعن رفاعة - رضي الله عنه - أنه خرج مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: (يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبرَّ وصدق) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي 3/ 516 ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وغير ذلك من الأحاديث. ومن الأمور التي ينبغي للتجار ألا يتعاملوا بها الغبن، وهو أن يُغلب أحد المتبايعين، وهو نوع من الخداع. قال أبو حامد الغزالي: [. فينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة فأما أصل المغابنة فمأذون فيه لأن البيع للربح ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما ولكن يراعى فيه التقريب فإن بذل المشتري زيادة على الربح المعتاد إما لشدة رغبته أو لشدة حاجته

في الحال إليه فينبغي أن يمتنع من قبوله فذلك من الإحسان ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلماً وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار ولسنا نرى ذلك ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن. يروى أنه كان عند يونس بن عبيد حُلل - نوع من الثياب - مختلفة الأثمان ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة وضرب كل حلة قيمتها مائتان فمرّ إلى الصلاة وخلَّف ابن أخيه في الدكان فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها فاشتراها فمضى بها وهي على يديه فاستقبله يونس فعرف حلته فقال للأعرابي: بكم اشتريت؟ فقال: بأربعمائة. فقال: لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها. فقال: هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها. فقال له يونس: انصرف فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها. ثم ردّه إلى الدكان وردّ عليه مائتي درهم وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال أما استحييت أما اتقيت الله تربح مثل الثمن وتترك النصح للملسمين فقال: والله ما أخذها إلا وهو راضٍ بها. قال: فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك، وهذا إن كان فيه إخفاء سعر وتلبيس فهو من باب الظلم .. وكان الزبير بن عدي يقول: أدركت ثمانية عشر من الصحابة ما منهم أحد يحسن يشتري لحماً بدرهم فغبن مثل هؤلاء المسترسلين ظلم إن كان من غير تلبيس فهو من ترك الإحسان وقلما يتم هذا إلا بنوع تلبيس وإخفاء سعر الوقت وإنما الإحسان المحض ما نقل عن السري السقطي أنه اشترى كرّ - مكيال - لوز بستين دينار وكتب في رزنامجه ثلاثة دنانير ربحه وكأنه رأى أن يربح على العشرة نصف دينار فصار اللوز بتسعين فأتاه الدلال وطلب اللوز فقال: خذه. قال: بكم؟ فقال: بثلاثة وستين. فقال الدلال وكان من الصالحين: فقد صار اللوز بتسعين. فقال السري: قد عقدت عقداً لا أحله لست أبيعه إلا بثلاثة وستين. فقال الدلال: وأنا عقدت بيني وبين الله أن لا أغش مسلماً لست آخذاً منك إلا بتسعين. قال: فلا الدلال اشترى منه ولا السري باعه. فهذا محض الإحسان من الجانبين فإنه مع العلم بحقيقة الحال. وروي عن محمد بن

المنكدر أنه كان له شقق - نوع من الثياب - بعضها بخمسة وبعضها بعشرة فباع في غيبته غلام شقة من الخمسيات بعشرة فلما عرف لم يزل يطلب ذلك الأعرابي المشتري طول النهار حتى وجده فقال له: إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة. فقال: يا هذا قد رضيت، فقال: وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا فاختر إحدى ثلاث خصال إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك وإما أن نرد عليك خمسة وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك. فقال: أعطني خمسة. فردّ عليه خمسة وانصرف الأعرابي يسأل ويقول: من هذا الشيخ؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر فقال: لا إله إلا الله هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا. فهذا إحسان في أن لا يربح على العشرة إلا نصفاً أو واحداً على ما جرت به العادة في مثل ذلك المتاع في ذلك المكان ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته واستفاد من تكررها ربحاً كثيراً وبه تظهر البركة. كان علي رضي الله عنه يدور في سوق الكوفة بالدرة ويقول: معاشر التجار خذوا الحق تسلموا لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره] إحياء علوم الدين 2/ 81 - 82. إذا تقرر هذا القدر من أخلاق التجار وحسن تعاملهم نعود إلى السؤال فأقول إن ما حصل بين السائل والتاجر الذي اشترى منه إنما هو نوع من الغبن ويشبه الغبن الذي يسميه الفقهاء غبن المسترسل وهو المستسلم لبائعه فلا يساوم ولا يماكس. وقد أثبت بعض الفقهاء الخيار للمسترسل المغبون أخذاً مما ورد في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (ذُكر رجل لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يخدع في البيوع. فقال: من بايعت فقل لا خلابة) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس أن رجلاً على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبتاع وكان في عقدته يعني في عقله ضعف فأتى أهلُهُ النبيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا رسول الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف، فدعاه ونهاه فقال يانبي الله إني لاأصبر عن البيع فقال إن كنت غير تارك للبيع فقل ها وها

ولا خِلابة) رواه أصحاب السنن وأحمد وصححه الترمذي. قال الإمام الشوكاني: [قوله (لا خِلابة) بكسر المعجمة وتخفيف اللام: أي لا خديعة. قال العلماء: لقَّنه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا القول ليتلفظ به عند البيع، فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة، ويرى له ما يرى لنفسه، والمراد أنه إذا ظهر غبن ردَّ الثمن واسترد المبيع واختلف العلماء في هذا الشرط هل كان خاصاً بهذا الرجل أم يدخل فيه جميع من شرط هذا الشرط؟ فعند أحمد ومالك في رواية عنه والمنصور بالله والإمام يحيى أنه يثبت الردّ لكل من شرط هذا الشرط، ويثبتون الرد بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع، وقيده بعضهم بكون الغبن فاحشاً وهو ثلث القيمة عنده، قالوا: بجامع الخداع الذي لأجله أثبت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك الرجل الخيار. وأجيب بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما جعل لهذا الرجل الخيار للضعف الذي كان في عقله كما في حديث أنس المذكور، فلا يلحق به إلا من كان مثله في ذلك بشرط أن يقول هذه المقالة، ولهذا روي أنه كان إذا غبن يشهد رجل من الصحابة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد جعله بالخيار ثلاثاً فيرجع في ذلك، وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون وإن كان صحيح العقل، ولا على ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن ولم يقل هذه المقالة، وهذا مذهب الجمهور وهو الحقّ] نيل الأوطار 5/ 207. وبناء على قول الجمهور الذي ذكره الشوكاني لا يثبت للسائل حق فسخ البيع وخاصة أن السائل كان يتصرف في البضاعة أولاً فأول وكذلك فإن السائل قد قصّر في حق نفسه حيث إنه لم يساوم البائع ولم يسأل عن السعر في السوق وقد جاء في المادة 356 من مجلة الأحكام العدلية: [إذ وجد غبن فاحش في البيع ولم يوجد تغرير فليس للمغبون أن يفسخ البيع] درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1/ 368. وبعض أهل العلم نصوا على أن الخيار يثبت إذا كان الغبن يخرج عن العادة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ ... المسترسل إذا غبن غبناً يخرج عن العادة فله الخيار بين الفسخ والإمضاء ... فأما غير المسترسل

قطف الزيتون على نسبة منه

فإنه دخل على بصيرة بالغبن فهو كالعالم بالبيع وكذا لو استعجل فجهل ما لو تثبت لعلمه لم يكن له خيار لأنه انبنى على تقصيره وتفريطه] المغني 3/ 497 - 498. والغبن الخارج عن العادة قدره بعض العلماء بالثلث وبعضهم بالربع وبعضهم بالخمس أي أن البائع إذا زاد في السعر بنسبة 33% أو 25% أو 20% فهذا غبن خارج عن العادة وإذا كان أقل من ذلك فيكون الغبن من ضمن ما جرى تغابن الناس به وقد فصَّلَ هذه المسألة العلامةُ ابن عابدين وبيَّن أن الغبن الفاحش ليس سبباً موجباً لفسخ البيع في رسالته المسماة: [تحبير التحرير في إبطال القضاء بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تغرير] ضمن مجموعة رسائله 2/ 66 - 82. وانظر الشرح الممتع على زاد المستقنع 8/ 298، الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 221 وخلاصة الأمر أنني أتمنى أن يتحلى تجار اليوم بأخلاق تجار الأمس هذا أولاً، وأما آخراً فلا يحق لتاجر المفرق المغبون أن يطالب تاجر الجملة بما غبن به ولا يثبت له الخيار لأنه أوتي من قبل نفسه. قطف الزيتون على نسبة منه يقول السائل: ما حكم ما يفعله كثير من أصحاب شجر الزيتون في موسم قطاف الزيتون حيث إنهم يعطون شجر الزيتون لأناس آخرين لقطفه وعصره على نسبة يتفقون عليها كالنصف أو الثلث ونحو ذلك؟ الجواب: هذه المعاملة المتبعة عند كثير من أصحاب شجر الزيتون جائزة شرعاً ولا بأس بها على أرجح قولي العلماء في المسألة وهو قول الحنابلة والمالكية والمزني من الشافعية وغيرهم. وتخرج هذه المسألة على أنها إجارة على العمل والأجرة بعض المعمول بعد العمل، وهي إجارة صحيحة لانتفاء الجهالة حيث إن الأجرة

هي نسبة شائعة معلومة كالنصف أو الثلث أو الربع فإذا كان التعاقد على أخذ الأجرة من الزيتون قبل عصره فيكون نصيب العامل نصف الناتج مثلاً وكذلك الحال لو كان التعاقد على أخذ الأجرة زيتاً فلا بأس به وتكون أجرة العصر عليهما أي على صاحب الشجر وعلى العامل. وقد أجاز كثير من الفقهاء الإجارة بجزء من العمل، قال ابن حزم: [وجائز إعطاء الغزل للنسج بجزء مسمى منه كربع أو ثلث أو نحو ذلك ... وكذلك يجوز إعطاء الثوب للخياط بجزء منه مشاع أو معين وإعطاء الطعام للطحين بجزء منه كذلك وإعطاء الزيتون للعصر كذلك وكذلك الاستئجار لجميع هذه الزيوت المجذوذة بجزء منها كذلك كل ذلك جائز] المحلى 7/ 25. ثم ذكر ابن حزم عن سفيان قال: أجاز الحكم - أحد الفقهاء - إجارة الراعي للغنم بثلثها أو ربعها وهو قول ابن أبي ليلى وروي عن الحسن أيضا وهو قول عطاء وابن سيرين وقتادة. وروى ابن حزم بسنده عن سعيد بن المسيب أنه قال لا بأس بأن يعالج الرجل النخل ويقوم عليه بالثلث والربع ما لم ينفق هو منه شيئاً. وروى بسنده عن سالم قال: النخل يعطى من عمل فيه منه. وذكر ابن حزم أن ذلك قول ابن أبي ليلى والأوزاعي والليث بن سعد. انظر المحلى 7/ 25 - 26. وما قاله بعض الفقهاء من وجود جهالة في هذا العقد فغير مسلّم، لأن نصيب كل منهما معلوم وهو النسبة الشائعة كالنصف أو الثلث. كما أن العامل يشاهد الشجر وهو مثمر قبل أن يبدأ العمل فلا جهالة في المسألة. وقاس الحنابلة هذه المسألة على المساقاة والمزارعة وقد صح في الحديث: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى خيبر على الشطر) رواه البخاري ومسلم، والشطر هو النصف. انظر المغني 5/ 8 - 9.

وجاء في المدونة: [ ... قلت: أرأيت إن قلت للرجل احصد زرعي هذا ولك نصفه؟ قال: ذلك جائز عند مالك. قلت: فإن قال له جدَّ نخلي هذا ولك نصفها؟ قال: ذلك جائز عند مالك. فإن قال: التقط زيتوني هذا فما التقطت منه من شيء فلك نصفه، أيجوز هذا أم لا؟ قال: هذا جائز عند مالك] المدونة 3/ 420. وقال الإمام القرافي من المالكية: [في الكتاب - أي المدونة - يجوز حصاد الزرع وجدُّ النخل والزيتون بنصفه ... ] الذخيرة 6/ 16. وقال الدسوقي المالكي: [وجاز العقد بقوله احصد زرعي وما حصدت فلك نصفه ومثله القط زيتوني وجد نخلي وما لقطت أو جددت فلك نصفه] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 10. وإذا قال له احصد ولك نصفه فيجوز أو جد نخلي ولك نصفه أو القط زيتوني هذا ولك نصفه أو جز صوفي هذا ولك نصفه كل ذلك جائز للعلم بالأجرة وما أوجر عليه لكون كل منهما محصوراً ومرئياً. انظر بلغة السالك 2/ 250. وأما ما اعتمد عليه من منع هذه المعاملة وهو ما ورد أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نهى عن قفيز الطحان) فإن هذا الحديث فيه كلام كثير لأهل العلم. قال الحافظ ابن حجر: [حديث نهي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قفيز الطحان، الدارقطني، والبيهقي من حديث أبي سعيد: نهى عن عسب الفحل وقفيز الطحان، وقد أورده عبد الحق في الأحكام بلفظ: نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتعقبه ابن القطان بأنه لم يجده إلا بلفظ البناء لما لم يسم فاعله - أي نهي - وفي الإسناد هشام أبو كليب راويه عن ابن أبي نعيم عن أبي سعيد لا يعرف، قاله ابن القطان والذهبي وزاد: وحديثه منكر، وقال مغلطاي: هو ثقة فينظر فيمن وثقه ثم وجدته في ثقات ابن حبان " فائدة " ووقع في سنن البيهقي مصرحاً برفعه لكنه لم يسنده وقفيز الطحان فسره ابن المبارك أحد رواة الحديث بأن صورته أن يقال للطحان: اطحن بكذا وكذا بزيادة قفيز من نفس

الطحين، وقيل: هو طحن الصبرة لا يعلم مكيلها بقفيز منها] التلخيص الحبير 3/ 60. وقد ضعف الحافظ ابن حجر هذا الحديث في موضع آخر فقال: [رواه الدارقطني وأبو يعلى والبيهقي وفي إسناده ضعف] الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/ 190. وقد ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية على المحتجين بالحديث السابق بقوله: [وأما الذين قالوا: لا يجوز ذلك إجارةً لنهيه عن قفيز الطحان، فيقال: هذا الحديث باطل لا أصل له، وليس هو في شيء من كتب الحديث المعتمدة ولا رواه إمام من الأئمة والمدينة النبوية لم يكن بها طحان يطحن بالأجرة ولا خباز يخبز بالأجرة. وأيضاً فأهل المدينة لم يكن لهم على عهد البني - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكيال يسمى القفيز وإنما حدث هذا المكيال لما فتحت العراق وضرب عليهم الخراج فالعراق لم يفتح على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذا وغيره مما يبين أن هذا ليس من كلام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هو من كلام بعض العراقيين الذين لا يسوغون مثل هذا قولاً باجتهادهم والحديث ليس فيه نهيه عن اشتراط جزء مشاع من الدقيق بل عن شيء مسمى: وهو القفيز وهو من المزارعة لو شرط لأحدهما زرع بقعة بعينها أو شيئاً مقدراً كانت المزارعة فاسدة] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 30/ 113. ومما يؤيد كلام الشيخ ابن تيمية أن أهل المدينة ما كانوا يتعاملون بالقفيز إذ القفيز كان معروفاً ومستعملاً في بلاد فارس والعراق والقفيز يعادل ستة وعشرون كيلوغراماً تقريباً. الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان ص 72. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر: [وما يروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن قفيز الطحان، فحديث ضعيف بل باطل، فإن المدينة لم يكن فيها طحان ولا خباز لعدم حاجتهم إلى ذلك] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 28/ 88.

حكم اللقطة

وقال بعض أهل العلم إن النهي عن قفيز الطحان محمول على جهل قدر القفيز. البحر الزخار 5/ 52. هذا لو سلمنا بثبوت الحديث. وخلاصة الأمر أن هذه المعاملة جائزة ولا بأس بها إن شاء الله تعالى. حكم اللقطة يقول السائل: إنه صاحب محل تجاري وقد وجد ولده مبلغاً كبيراً من المال (أوراق نقدية) في المحل فقام الولد بتمزيق بعض الأوراق النقدية ثم جاء شخص وقال إنه فقد المبلغ وأعطى صفته فهل على صاحب المحل ضمان ما أتلفه ولده من الأوراق النقدية؟ الجواب: يسمى المال الضائع من صاحبه ويجده غيره لقطة والأصل في اللقطة التعريف بها والإعلان عنها إن كانت ذات قيمة وأما الأمور التافهة التي يسرع إليها الفساد كالثمار ونحوها فلا يحتاج إلى التعريف بها والإعلان عنها ويجوز لملتقطها أن ينتفع بها فقد ورد في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - قال: مرَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتمرة في الطريق فقال: (لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها) رواه البخاري ومسلم، فهذا الحديث يدل على جواز أخذ المحقرات في الحال، قال الحافظ ابن حجر: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لأكلتها) ظاهر في جواز أكل ما يوجد من المحقرات ملقى في الطرقات لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر أنه لم يمتنع عن أكلها إلا تورعاً لخشية أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه لا لكونها مرمية في الطريق فقط. ولم يذكر تعريفاً فدل ذلك على أن مثل ذلك يملك بالأخذ ولا يحتاج إلى تعريف] فتح الباري 5/ 107 - 108. وقال الإمام الترمذي: [وقد رخص بعض أهل العلم إذا كانت اللقطة يسيرة أن ينتفع بها ولا يعرفها وقال بعضهم إذا كان دون دينار يعرفها قدر جمعة وهو قول اسحق بن إبراهيم] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 518.

ويرى بعض أهل العلم أن الأمور الحقيرة التي لا يسرع إليها الفساد تعرف ثلاثة أيام واحتجوا على ذلك بما ورد في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من التقط لقطة يسيرة حبلاً أو درهماً أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها) رواه أحمد والطبراني والبيهقي وفي سنده كلام لأهل العلم، قال الشوكاني: [وفي إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى وقد صرح جماعة بضعفه ولكنه قد أخرج له ابن خزيمة متابعة وروى عنه جماعات. وزعم ابن حزم أنه مجهول وزعم هو وابن القطان أن يعلى وحكيمة التي روت هذا الحديث عن يعلى مجهولان. قال الحافظ: وهو عجب منهما لأن يعلى صحابي معروف الصحبة قال ابن رسلان: ينبغي أن يكون هذا الحديث معمولاً به لأن رجال إسناده ثقات وليس فيه معارضة للأحاديث الصحيحة بتعريف سنة لأن التعريف سنة هو الأصل المحكوم به عزيمة وتعريف الثلاث رخصة تيسيراً للملتقط لأن الملتقط لليسير يشق عليه التعريف سنة مشقة عظيمة بحيث يؤدي إلى أن أحداً لا يلتقط اليسير والرخصة لا تعارض العزيمة بل لا تكون إلا مع بقاء حكم الأصل كما هو مقرر في الأصول ويؤيد تعريف الثلاث ما رواه عبد الرزاق عن أبي سعيد: (أن علياً جاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدينار وجده في السوق فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عرفه ثلاثاً ففعل فلم يجد أحداً يعرفه فقال: كله) وينبغي أيضاً أن يقيد مطلق الانتفاع المذكور في حديث الباب بالتعريف بالثلاث المذكور فلا يجوز للملتقط أن ينتفع بالحقير إلا بعد التعريف به ثلاثاً حملاً للمطلق على المقيد وهذا إذا لم يكن ذلك الشيء الحقير مأكولاً فإن كان مأكولاً جاز أكله ولم يجب التعريف به أصلاً كالتمرة ونحوها لحديث أنس المذكور لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد بيَّن أنه لم يمنعه من أكل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة ولولا ذلك لأكلها وقد روى ابن أبي شيبة عن ميمونه زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت: لا يحب الله الفساد، قال في الفتح: يعني أنها لو تركتها فلم تؤخذ فتؤكل لفسدت قال: وجواز الأكل هو المجزوم به عند الأكثر. ويمكن أن يقال إنه يقيد حديث التمرة بحديث التعريف ثلاثاً كما قيد به حديث الانتفاع ولكنها

لم تجر للمسلمين عادة بمثل ذلك وأيضاً الظاهر من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لأكلتها) أي في الحال ويبعد كل البعد أن يريد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأكلتها بعد التعريف ثلاثاً وقد اختلف أهل العلم في مقدار التعريف بالحقير فحكى في البحر عن زيد بن علي والناصر والقاسمية والشافعي أنه يعرف به سنة كالكثير وحكى عن المؤيد بالله والإمام يحيى وأصحاب أبي حنيفة أنه يعرف به ثلاثة أيام واحتج الأولون بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عرفها سنة) قالوا: ولم يفصل. واحتج الآخرون بحديث يعلى بن مرة وحديث علي وجعلوهما مخصصين لعموم حديث التعريف سنة وهو الصواب لما سلف] نيل الأوطار 5/ 379 - 380. وأما الأمور ذات القيمة فيجب تعريفها لمدة سنة كما ثبت في الحديث عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: أصبت صرة فيها مئة دينار فأتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: عرفها حولاً فعرفتها حولاً فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال: عرفها حولاً فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثاً فقال: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت بها فلقيته بعد بمكة فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحداً) رواه البخاري. وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - أنه قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن اللقطة فقال: (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرِّفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال: فضالة الغنم قال: لك أو لأخيك أو للذئب قال: فضالة الإبل؟ قال: مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربُها) رواه مسلم. والعفاص هو الوعاء الذي يكون فيه المال والوكاء هو الخيط الذي يشد به الوعاء. وفي رواية لمسلم عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اللقطة الذهب أو الورق فقال: (اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرِّفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه) وسأله عن ضالة الإبل فقال: (مالك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها) وسأله

عن الشاة فقال: (خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب). قال الإمام النووي [وأما التعريف سنة فقد أجمع المسلمون على وجوبه إذا كانت اللقطة ليست تافهة ولا في معنى التافهة. ولا بد من تعريفها سنة بالإجماع] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 386. ثم قال الإمام النووي: والتعريف أن ينشدها في الموضع الذي وجدها فيه وفي الأسواق وأبواب المساجد ومواضع اجتماع الناس فيقول: من ضاع منه شيء؟ من ضاع منه حيوان؟ من ضاع منه درهم؟ ونحو ذلك ويكرر ذلك بحسب العادة قال أصحابنا: فيعرفها أولاً في كل يوم ثم في الأسبوع ثم في أكثر منه] المصدر السابق 4/ 386 - 387. والتعريف باللقطة إذا كانت ذات قيمة واجب على الراجح من أقوال أهل العلم قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فإنه واجب على كل ملتقط سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها وقال الشافعي: لا تجب على من أراد حفظها لصاحبها. ولنا: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب ولم يفرق ولأن حفظها لصاحبها إنما يقيد بإيصالها إليه وطريقه التعريف أما بقاؤها في يد الملتقط من غير وصولها إلى صاحبها فهو وهلاكها سيان ولأن إمساكها من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز كردها إلى موضعها أو إلقائها في غيره ولأنه لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط لأن بقاءها في مكانها إذاً أقرب إلى وصولها إلى صاحبها إما بأن يطلبها في الموضع الذي ضاعت فيه فيجدها وإما بأن يجدها مع من يعرفها وأخذه لها يفوت الأمرين فيحرم فلما جاز الالتقاط وجب التعريف كيلا يحصل هذا الضرر ولأن التعريف واجب على من أراد تملكها فكذلك على من أراد حفظها فإن التمليك غير واجب فلا تجب الوسيلة إليه فيلزم أن يكون الوجوب في المحل المتفق عليه لصيانتها عن الضياع عن صاحبها وهذا موجود في محل النزاع] المغني 6/ 74. إذا تقرر هذا فإن العلماء قد اتفقوا على أن يد الملتقط يد أمانة فإذا تلفت اللقطة عنده أثناء الحول بلا تعدٍ منه ولا تقصير فلا ضمان عليه وأما إذا تعدى أو قصّر فعليه الضمان.

الفرق بين حقوق الله تعالى وحقوق العباد

وقد ذكر السائل أن ابن صاحب المحل قد تعدّى بتمزيقه الأوراق النقدية فلا بد من ضمانها وإن كان الملتقط صبياً. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن الصبي والمجنون والسفيه إذا التقط أحدهم لقطة ثبتت يده عليها لعموم الأخبار ولأن هذا تكسب فصح منه كالاصطياد والاحتطاب وإن تلفت في يده بغير تفريط فلا ضمان عليه لأنه أخذ ما له أخذه وإن تلفت بتفريطه ضمنها في ماله وإذا علم بها وليه لزمه أخذها لأنه ليس من أهل الحفظ والأمانة فإن تركها في يده ضمنها لأنه يلزمه حفظ ما يتعلق به حق الصبي وهذا يتعلق به حقه فإذا تركها في يده كان مضيعاً لها] المغني 6/ 100. وخلاصة الأمر أن على ولي الصبي ضمان ما أتلفه ولده من المال الملتقط. الفرق بين حقوق الله تعالى وحقوق العباد يقول السائل: قرأت في كتاب فقه كلاماً عن الحقوق وأن منها ما هو حق لله تعالى ومنها ما هو حق للناس فأرجو بيان الفرق بينهما وما أثر ذلك على المعاصي التي ارتكبها الإنسان ثم تاب منها؟ الجواب: قسم جمهور أهل العلم الحق باعتبار صاحب الحق إلى أربعة أقسام وهي: أولاً: حق الله تعالى ويسمى الحق العام: وهو ما قصد به التقرب إلى الله تعالى وتعظيمه وإقامة شعائر دينه، أو قصد به تحقيق النفع العام دون اختصاص بأحد، ونسب هذا الحق لله تعالى لعظم خطره وشمول نفعه كما قال ابن نجيم الحنفي في فتح الغفار 3/ 59. وحق الله تعالى يشمل الإيمان به جل جلاله والصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وإقامة الحدود والكفارات وغير ذلك. انظر الفروق 1/ 140 - 141 الموسوعة الفقهية 18/ 14 - 19.

ثانياً: حق العبد المحض: وهو ما كان متعلقاً بمصالح الإنسان الخالصة، قال القرافي: [وحق العبد مصالحه] الفروق 1/ 140. وحق العبد المحض يشمل الحقوق المالية، قال الشيخ محمد أبو زهرة: [حقوق العباد الخالصة وذلك كالديون والأملاك وحق الوراثة وغير ذلك مما يتعلق بالأموال نقلاً وبقاءً، فهذه كلها حقوق العباد خالصة والاعتداء على حقوق العباد ظلم، ولا يقبل الله تعالى توبة عبد قد أكل حقاً من حقوق العباد إلا إذا أداه أو أسقطه صاحبه وعفا] أصول الفقه ص324. وحق العبد يقبل الإسقاط، فإذا أسقط إنسانٌ حقاً له على غيره فله ذلك، قال القرافي: [ونعني بحق العبد المحض أنه لو أسقطه لسقط] الفروق 1/ 141. ثالثاً: ما اجتمع فيه حق الله وحق العبد وحق الله غالب: ومثاله حد القذف فهو من جهة أن فيه مساً بأعراض الناس علناً فهو حق لله تعالى، ومن جهة أن المقذوف بالزنى قد اتهم في عرضه فهو حق له ولكن حق الله غالب فيه. وكذلك حد السرقة بعد أن يبلغ الإمام، وكذلك عدة المطلقة وعدة المتوفى عنها زوجها، فحق الله فيها صيانة الأنساب عن الاختلاط وحماية المجتمع من الفوضى، وأما حق العبد فيها فهو المحافظة على نسب أولاد الزوج وحق الله غالب. نظرية الحكم القضائي ص 242، الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 15. رابعاً: ما اجتمع فيه حق الله وحق العبد وحق العبد الغالب: ومثاله القصاص وعقوبات الدماء بشكل عام كالديات. [فالقصاص لله فيه حق لأنه اعتداء على المجتمع واعتداء على مخلوق الله وعبده الذي حرم دمه إلا بحق ولله في نفس العبد حق الاستعباد حيث قال عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات الآية 56. وللعبد في القصاص حق لأن القتل العمد اعتداء على شخصه لأن للعبد المقتول في نفسه حق الحياة وحق الاستمتاع بها فحرمه القاتل من حقه وهو اعتداء على أولياء المقتول لأنه حرمهم من رعاية مورثهم واستمتاعهم بحياته فكان القتل العمد

اعتداء على حق الله وحق العبد ولذلك كان في شرعية القصاص إبقاء للحقين وإخلاء للعالم من الفساد، تصديقاً لقول الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة الآية 179. وغلب حق العبد لأن ولي المقتول يملك رفع دعوى القصاص أو عدم رفعها وبعد المطالبة بالقصاص والحكم على الجاني القاتل يملك التنازل عنه والصلح على مال أو الصلح بغير عوض كما يملك تنفيذ حكم القصاص على القاتل إن أراد ذلك وكان يتقن التنفيذ ولا يجوز ذلك إلا بإذن الحاكم لئلا يفتات عليه فلو فعل وقع القصاص موقعه واستحق التعزير] الموسوعة الفقهية 18/ 18 - 19. وأما إذا ارتكب الإنسان المعاصي ثم تاب منها فإن العلماء قد بينوا ما هو أثر التوبة على حقوق الله وحقوق العباد فإذا كانت المعصية متعلقة بحقوق الله المالية فلا بد للتائب منها أن يؤدي حقوق الله تعالى ولا يكفي مجرد الإقلاع عن المعصية. قال الإمام النووي: [. ثم إن كانت المعصية لا يتعلق بها حق مالي لله تعالى ولا للعباد كقبلة الأجنبية ومباشرتها فيما دون الفرج فلا شيء عليه سوى ذلك، وإن تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه] روضة الطالبين 11/ 245 - 246. وذكر الخطيب الشربيني أن حق الله تعالى كالزكاة والكفارات لابد من أدائها. مغني المحتاج 4/ 440. وقال الإمام النووي أيضاً: [وإن تعلق بالمعصية حق ليس بمالي فإن كان حدا لله تعالى بأن زنى أو شرب الخمر فإن لم يظهر عليه فله أن يظهره ويقر به ليقام عليه الحد ويجوز أن يستر على نفسه وهو الأفضل، فإن ظهر فقد فات الستر فيأتي الإمام ليقيم عليه الحد] روضة الطالبين 11/ 246 - 247 وكلام النووي يدل على أن الحدود المختصة بالله تعالى كحد الزنا والسرقة وشرب الخمر لا تسقط بمجرد التوبة ولا بد من إقامة الحد وهذا مذهب جمهور الفقهاء. انظر الموسوعة الفقهية 18/ 18 - 19.

وكذلك فإنه من المقرر عند العلماء أن من شروط التوبة من المعصية المتعلقة بالناس رد الحقوق لأصحابها قال الإمام النووي: [وإن تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة ويرد أموال الناس إن بقيت، ويغرم بدلها إن لم تبق، أو يستحل المستحق فيبرئه، ويجب أن يعلم المستحق إن لم يعلم به، وأن يوصله إليه إن كان غائباً إن كان غصبه منه هناك، فإن مات سلَّمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره، دفعه إلى قاضٍ تُرضى سيرتهُ وديانته، فإن تعذر تصدق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده. وإن كان معسراً نوى الغرامة إذا قدر، فإن مات قبل القدرة فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة. قلت - أي النووي - ظواهر السنن الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة، وإن مات معسراً عاجزاً إذا كان عاصياً بالتزامها، فأما إذا استدان في مواضع يباح له الاستدانة واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات، أو أتلف شيئاً خطأً وعجز عن غرامته حتى مات، فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة إذ لا معصية منه والمرجو أن الله تعالى يعوض صاحب الحق]. روضة الطالبين 11/ 245 - 246. وقال النووي أيضاً: [وإن كان حقاً للعباد كالقصاص وحد القذف فيأتي المستحق ويمكنه من الاستيفاء فإن لم يعلم المستحق وجب في القصاص أن يعلمه فيقول أنا الذي قتلت أباك ولزمني القصاص، فإن شئت فاقتص وإن شئت فاعف. وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار وإن بلغته. فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه فإن تعذر لموته أو تعسر لغيبته البعيدة استغفر الله تعالى ولا اعتبار بتحليل الورثة هكذا ذكره الحناطي]. روضة الطالبين11/ 247. وقال الشيخ أحمد النفراوي المالكي: [وأما تبعات العباد فلا يكفرها التوبة بل لا بد من استحلال أربابها لأن حقوق العباد لا يقال لها ذنوب] الفواكه الدواني 2/ 302.

الضمان في رفس الحمار

الضمان في رفس الحمار يقول السائل: إن حماراً قد رفس ابنه وأصابه بجرح بليغ، فهل على صاحب الحمار شيء؟ الجواب: صح في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (العجماء جرحها جُبار) رواه البخاري ومسلم وفي رواية للبخاري: (العجماء عقلُها جُبار). والعجماء هي البهيمة ومعنى جُبار أي هدر والهدر الذي لا شيء فيه ومعنى العقل في الرواية الثانية أي الدية والمراد أن لا دية فيما تتلفه البهيمة. انظر فتح الباري 12/ 319 فما بعدها. والذي يؤخذ من الحديث النبوي أن الدابة إذا أتلفت شيئاً بدون تقصير أو تعدٍ من مالكها أو سائقها فلا ضمان عليه وأما إذا قصر في حفظها أو تعدى بأن نخسها أو ضربها فرفست إنساناً أو عضته أو آذته فعليه الضمان. قال الإمام الترمذي: [ومعنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (العجماء جرحها جُبار) فسر ذلك بعض أهل العلم قالوا: العجماء الدابة المنفلتة من صاحبها فما أصابت في انفلاتها فلا غرم على صاحبها] سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/ 522 - 523. وقال الإمام النووي: [فأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (العجماء جرحها جبار) فمحمول على ما إذا أتلفت شيئاً بالنهار أو أتلفت بالليل بغير تفريط من مالكها أو أتلفت شيئاً وليس معها أحدٌ فهذا غير مضمون وهو مراد الحديث. فأما إذا كان معها سائق أو قائد أو راكب فأتلفت بيدها أو برجلها أو فمها ونحوه وجب ضمانه في مال الذي هو معها سواء كان مالكاً أو مستأجراً أو مستعيراً أو غاصباً أو مودعاً أو وكيلاً أو غيره، إلا أن تتلف آدمياً فتجب ديته على عاقلة الذي معها والكفارة في ماله والمراد بجرح العجماء إتلافها سواء كان بجرح أو غيره قال القاضي: أجمع العلماء على أن جناية البهائم بالنهار لا ضمان فيها إذا لم يكن معها أحد فإن كان معها راكب أو سائق أو قائد

تحرم سرقة التيار الكهربائي

فجمهور العلماء على ضمان ما أتلفته] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 364. وخلاصة الأمر أن صاحب الحمار إن كان قد تعدى أو قصر في حفظ حماره فعليه الضمان وإلا فلا ضمان عليه. تحرم سرقة التيار الكهربائي يقول السائل: إنه يعمل كهربائياً وقد قامت شركة الكهرباء بقطع التيار الكهربائي عن منزل شخص لسرقته التيار الكهربائي فطلب هذا الشخص من الكهربائي أن يوصل التيار لمنزله بدون موافقة شركة الكهرباء فما حكم ذلك؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن سرقة التيار الكهربائي حرام شرعاً وينطبق عليها مفهوم السرقة عند الفقهاء فالسرقة عندهم هي أخذ المال من حرزه خفية. وهذا ينطبق على سارق التيار الكهربائي فهو يأخذ التيار الكهربائي خفية من حرزه. والتيار الكهربائي ملك لشركة الكهرباء وهو مال متقوم شرعاً وهو مال له حرز معروف عرفاً فتحرم سرقته أو التعدي عليه والأدلة على تحريم ذلك كثيرة منها قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة المائدة الآية 38. وقوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة البقرة، الآية 188. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) رواه البخاري.

الدية تورث

وعن عمرو الضمري - رضي الله عنه - قال: شهدت خطبة النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنى فكان فيما خطب به أن قال: (ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه قال: فلما سمعت ذلك قلت: يا رسول الله أرأيت لو لقيت غنم ابن عمي فأخذت منها شاة فاجتزرتها؟ عليَّ في ذلك شيء؟ قال: إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وأزناداً فلا تمسها) رواه أحمد والبيهقي. وعن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يحل للرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وقال الشيخ الألباني صحيح غاية المرام ص 263. وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مجلس فقال: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا) رواه البخاري ومسلم. وينبغي معاقبة سارق التيار الكهربائي بقطع التيار عنه وكذلك تغريمه مبلغاً من المال ومن المعروف أن سرقة التيار الكهربائي تلحق ضرراً كبيراً بشركة الكهرباء وقد صح في الحديث قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا ضرر ولا ضرار). إذا تقرر هذا فلا يجوز للسائل أن يوصل التيار الكهربائي للشخص الذي قطعته عنه شركة الكهرباء لأن هذا العمل باطل حيث إنه من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) سورة المائدة الآية 2. الدية تورث يقول السائل: إذا قتلت امرأة خطأً ولها زوج وأولاد فلمن تكون ديتها ومن يملك العفو عن الدية؟ الجواب: اتفق جماهير أهل العلم على أن دية القتيل تكون لورثته جميعاً ويستثنى من ذلك القاتل إن كان من الورثة فيحرم من الميراث.

ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) سورة النساء الآية 92. قال الألوسي: (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) أي مؤداة إلى ورثة القتيل يقتسمونها بينهم على حسب الميراث، فقد أخرج أصحاب السنن الأربعة عن الضحاك بن سفيان الكلابي قال: كتب إليَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرني أن أورِّث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها. ويُقضى منها الدين وتنفذ الوصية ولا فرق بينها وبين سائر التركة) روح المعاني 3/ 109. وجاء في حديث أبي شريح الكعبي أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قتل بعده قتيلاً فأهله بين خِيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل) رواه البخاري ومسلم. والعقل هو الدية قال الإمام البغوي: [وفي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فأهله بين خيرتين) دليل على أن القصاص والدية تثبت لجميع الورثة من الرجال والنساء] شرح السنة 7/ 303. وروى أبو داود بإسناده من حديث عمرو بن شعيب: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئاً إلا ما فضل عن ورثتها فإن قتلت فعقلها بين ورثتها) ورواه النسائي وأحمد أيضاً وقال الشيخ الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن أبي داود 3/ 863 - 864. ومعنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فعقلها بين ورثتها) أي ديتها بين ورثتها أي سواء كانوا أصحاب الفرائض أو عصبة فإن دية المرأة المقتولة كسائر تركتها فلا تختص بالعصبة بل تقسم أولاً بين أصحاب الفرائض فإن فضل منها شيء يقسم بين العصبة بخلاف دية المرأة القاتلة التي وجبت عليها بسبب قتلها فإن العصبة يتحملونها خاصة دون أصحاب الفرائض]. انظر عون المعبود 12/ 199. وروى الترمذي بإسناده عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: الدية على العاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً فأخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله كتب إليه أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود وابن ماجة وأحمد وفي رواية أبي داود (فرجع عمر عنه). قال الإمام الخطابي: [فيه من الفقه أن دية القتيل كسائر ماله يرثها من يرث تركته] معالم السنن 4/ 97. وقال الإمام الباجي: [قال ابن شهاب: وكان قتل أشيم خطأ فاقتضى ذلك تعلق هذا الحكم بقتل الخطأ إلا أن دية العمد محمولة عند جميع فقهاء الأمصار على ذلك ولم يفرق أحد منهم علمناه في ذلك بين دية العمد والخطأ وأنها كسائر مال الميت يرث منها الزوج والزوجة والإخوة للأم وغيرهم، وهذا المروي عن عمر وعلي وشريح والشعبي والنخعي والزهري وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي] المنتقى شرح الموطأ 7/ 104. وروى الدارمي عدة آثار عن السلف في أن الدية تجري مجرى الميراث فروى عن إبراهيم النخعي قوله: [الدية على فرائض الله] وعن أبي قلابة قال: [الدية سبيلها سبيل الميراث]. وعن الزهري قال: [العقل - أي الدية - ميراث بين ورثة القتيل على كتاب الله وفرائضه] انظر سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان 10/ 197 فما بعدها. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ودية المقتول موروثة عنه كسائر أمواله] المغني 6/ 388. وإذا كان الورثة يملكون الدية حسب نصيب كل منهم فإنهم يملكون العفو عن الدية حسب نصيب كل منهم فالعفو عن الدية حق لجميع الورثة فإذا اتفق الورثة جميعاً على العفو عن الدية فلهم ذلك وإذا امتنع بعض الورثة عن العفو وعفا الآخرون فتسقط من الدية حصة من عفوا. وخلاصة الأمر أن دية المرأة المقتولة خطأ ولها زوج وأولاد تكون لورثتها جميعاً حسب فرائض الله سبحانه وتعالى ويملك الورثة العفو عن الدية كلها لأنها من الحقوق التي تسقط بالعفو فإذا عفا بعض الورثة دون بعض فمن عفا سقط نصيبه من الدية ومن لم يعف بقي نصيبه من الدية.

المرأة والأسرة

المرأة والأسرة

الاستخارة قبل الزواج

الاستخارة قبل الزواج يقول السائل: هل تشرع صلاة الاستخارة لمن أراد أن يتقدم لخطبة فتاة مع أن الزواج كما يقولون قسمة ونصيب. وإذا صلى الاستخارة فمتى يدعو؟ وهل يصح أن يستخير عن غيره أو يستخير له غيره؟ الجواب: من الثابت عند أهل العلم أنه يشرع للمسلم قبل الإقدام على أمر لم يظهر له فيه وجه الصواب أن يستخير وأن يستشير والاستخارة ثابتة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأجمع حديث ورد فيها هو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول لنا: إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ثم يسميه بعينه خير لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت أتعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به قال: ويسمي حاجته] رواه البخاري والنسائي والترمذي.

ووردت أحاديث أخرى في الاستخارة فيها كلام لأهل الحديث منها: عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من سعادة ابن آدم استخارته الله عز وجل ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله عز وجل) رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 11/ 219. ومنها ما ورد في الحديث عن أبي بكر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أمراً قال: (اللهم خر لي واختر لي) رواه الترمذي وضعفه. ومنها عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: (اكتم الخطبة ثم توضأ فأحسن وضوءك وصلِّ ما كتب الله لك ثم احمد ربك ومجده ثم قل: اللهم إنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فإن رأيت لي في فلانة - تسميها - خيراً في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي وإن كان غيرها أحب إلي منها في ديني ودنياي وآخرتي فاقض لي بها أو قل: فاقدرها لي) رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ ابن حجر. وهذه الأحاديث وإن كان في سند كل منها كلام لأهل الحديث إلا أنها تتقوى بحديث جابر السابق وغيره من الشواهد. وهذه الأحاديث تدل على مشروعية الاستخارة. والاستخارة هي البديل الشرعي عن التوجه إلى المنجمين والسحرة والكهنة الذين يزعمون معرفة الغيب. قال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر حديث جابر السابق: [فعوَّض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمته بهذا الدعاء عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخوان المشركين يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب ولهذا سمي ذلك استقسام وهو

استفعال من القسم والسين فيه للطلب وعوضهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وافتقار وعبودية وتوكل وسؤال لمن بيده الخير كله الذي لا يأت بالحسنات إلا هو ولا يصرف السيئات إلا هو الذي إذا فتح لعبده رحمة لم يستطع أحد حبسها عنه وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليه من التطير والتنجيم واختيار الطالع ونحوه. فهذا الدعاء هو الطالع الميمون السعيد طالع أهل السعادة والتوفيق الذين سبقت لهم من الله الحسنى لا طالع أهل الشرك والشقاء والخذلان الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون. فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة والإقرار بربوبيته وتفويض الأمر إليه والاستعانة به والتوكل عليه والخروج من عهدة نفسه والتبري من الحول والقوة إلا به واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها وإرادته لها وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق] زاد المعاد 2/ 443 - 444. والاستخارة مشروعة في الأمور المباحة التي يُشكل على الإنسان فيها وجه الخير ومنها الزواج فيشرع للإنسان قبل أن يقدم على الزواج الاستخارة ويدل على ذلك حديث أبي أيوب السابق ويدل عليه أيضاً ما ورد في قصة زواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -من زينب بنت جحش كما رواها أنس - رضي الله عنه -: [لما انقضت عدة زينب قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لزيد: فاذكرها عليَّ، قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها، قال فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي، فقلت يا زينب أرسل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكرك، قالت ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن. إلخ الحديث) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قولها (ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها) أي موضع صلاتها من بيتها، وفيه استحباب صلاة الاستخارة لمن همَّ بأمر سواء كان ذلك الأمر ظاهر الخير أم لا وهو موافق لحديث جابر في صحيح البخاري قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمنا الاستخارة

في الأمور كلها يقول: (إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة إلى آخره) ولعلها استخارت لخوفها من تقصيرٍ في حقه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 566. والاستخارة في الزواج من باب التوكل على الله سبحانه وتعالى ولا تعارض بين الاستخارة وأن الزواج مقدر من الله سبحانه وتعالى فإن الإنسان لا يدري ما هو المقدر له إلا بعد وقوعه. قال العلامة ابن القيم: [فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفاً بأمرين: التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله والرضى بما يقضى الله له بعده وهما عنوان السعادة وعنوان الشقاء يكتنفه ترك التوكل والاستخارة قبله والسخط بعده والتوكل قبل القضاء فإذا أبرم القضاء وتم انتقلت العبودية إلى الرضى بعده كما في المسند وزاد النسائي في الدعاء المشهور: (وأسألك الرضى بعد القضاء) وهذا أبلغ من الرضى بالقضاء فإنه قد يكون عزماً فإذا وقع القضاء تنحل العزيمة فإذا حصل الرضى بعد القضاء كان حالاً أو مقاماً والمقصود أن الاستخارة توكل على الله وتفويض إليه واستقسام بقدرته وعلمه وحسن اختياره لعبده وهي من لوازم الرضى به رباً الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك وإن رضي بالمقدور بعدها فذلك علامة سعادته] زاد المعاد 2/ 444 - 445. وأما بالنسبة لمحل الدعاء في صلاة الاستخارة فيكون بعد الانتهاء من صلاة الركعتين مباشرة وهو ظاهر في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث جابر: (. فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول) وكون الدعاء بعد الصلاة هو الأولى. وأجاز بعض أهل العلم أن يكون الدعاء أثناء السجود في الصلاة قال الحافظ ابن حجر: [هو ظاهر في تأخير الدعاء عن الصلاة فلو دعا به في أثناء الصلاة احتمل الإجزاء ويحتمل الترتيب على تقديم الشروع في الصلاة قبل الدعاء فإن موطن الدعاء في الصلاة السجود أو التشهد. وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب

الزواج بين العيدين لا شؤم فيه

الملك ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار إليه مآلاً وحالاً] والأصل في الاستخارة أن يفعلها كل إنسان لنفسه فإنها صلاة والأصل أن كل إنسان يصلي لنفسه ولا يصلي أحد عن أحد، ويدل على ذلك ما ورد في حديث جابر من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين)، ولكن يجوز للإنسان أن يدعو لغيره والدعاء أمره واسع. وأخيراً أنبه أن بعض الناس يظن أنه بعد الاستخارة لا بد أن يرى رؤية وهذا الكلام ليس بصحيح فإن العلماء قد نبهوا على أنه لا يشترط في الاستخارة أن يرى المستخير رؤيا ولكن الله تعالى يحدث في قلبه جنوحاً أو ميلاً إلى جانب ينشرح به صدره ويستقر عليه. انظر حديث صلاة الاستخارة ص62. وخلاصة الأمر أن الاستخارة مشروعة عند الزواج وغيره من الأمور وأن الاستخارة في حقيقتها من باب التوكل على الله سبحانه وتعالى. الزواج بين العيدين لا شؤم فيه يقول السائل: ما قولكم في الزواج بين العيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى حيث إنه يشاع بين الناس أن الزواج بينهما غير مرغوب في هذا الوقت ويتشاءمون منه؟ الجواب: الأصل في المسلم أنه لا يتطير ولا يتشاءم لأن الطيرة والتشاؤم من الشرك والعياذ بالله فقد جاء في الحديث عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الطيرة شرك الطيرة شرك) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1314). وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك. قالوا: فما كفارة

ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك) رواه أحمد وابن السني وإسناد ابن السني صحيح. وجاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ) رواه البخاري والتطيّر هو التشاؤم. واعتبر التطير شركاً لأن المتطيّر قطع توكّله على الله واعتمد على غيره. ولأنه تعلّق بأمر لا حقيقة له، والتشاؤم من الاعتقادات الجاهلية وما زال كثير منها منتشراً بين الناس في وقتنا الحاضر والتشاؤم من الزواج في شوال من الأمور التي كانت معروفة عند العرب في الجاهلية قال في صبح الأعشى: [الشهر العاشر شوال سمي بذلك أخذا من شالت الإبل بأذنابها إذا حملت لكونه أول شهور الحج وقيل من شال يشول إذا ارتفع ولذلك كانت الجاهلية تكره التزويج فيه لما فيه من معنى الإشالة والرفع إلى أن جاء الإسلام بهدم ذلك قالت عائشة رضي الله عنها فيما ثبت في صحيح مسلم تزوجني رسول الله في شوال وبنى بي في شوال فأي نسائه كان أحظى عنده مني] صبح الأعشى في صناعة الإنشا 2/ 402. وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شوال , وبنى بي في شوال , فأي نساء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أحظى عنده مني؟ قال: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال). قال الإمام النووي: قوله: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شوال , وبنى بي في شوال , فأي نساء رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أحظى عنده مني؟ قال: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال) فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال , وقد نص أصحابنا على استحبابه , واستدلوا بهذا الحديث , وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه , وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال , وهذا باطل لا أصل له , وهو من آثار الجاهلية , كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع) شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 209.

وقال الحافظ ابن عبد البر: (وكانت عائشة تنكر حديث الشؤم وتقول إنما حكاه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أهل الجاهلية وأقوالهم وكانت تنفي الطيرة ولا تعتقد شيئا منها حتى قالت لنسوة كن يكرهن الابتناء بأزواجهن في شوال ما تزوجني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في شوال وما دخل بي إلا في شوال فمن كان أحظى مني عنده وكانت تستحب أن يدخلن على أزواجهن في شوال) التمهيد لابن عبد البر 9/ 288. وقال السيوطي: [عن عائشة قالت: (تزوجني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شوال وأدخلت عليه في شوال وكانت عائشة تحب أن تدخل نساءها في شوال فأي نسائه كانت أحظى عنده مني) قال القاضي عياض والنووي قصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه من كراهة التزويج والدخول في شوال كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع قال. في طبقات ابن سعد أنهم كرهوا ذلك لطاعون وقع فيه]. شرح السيوطى على سنن النسائي 6/ 70. وقال ملا علي القاري: قيل إنما قالت هذا رداً على أهل الجاهلية فإنهم كانوا لا يرون يُمناً في التزوج والعرس في أشهر الحج. المرقاة 6/ 303. وقال الحافظ ابن كثير: [عن عائشة قالت: (تزوجني رسول الله في شوال وبنى بي في شوال فأي نساء رسول الله كان أحظى عنده مني) وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال. ورواه مسلم. فعلى هذا يكون دخوله بها عليه السلام بعد الهجرة بسبعة أشهر أو ثمانية أشهر وقد حكى القولين ابن جرير وقد تقدم في تزويجه عليه السلام بسودة كيفية تزويجه ودخوله بعائشة بعد ما قدموا المدينة وأن دخوله بها كان بالسنح نهاراً وهذا خلاف ما يعتاده الناس اليوم وفي دخوله عليه السلام بها في شوال رداً لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين] البداية والنهاية 3/ 231. وقال العلامة ابن القيم: [وقد كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تستحب أن تتزوج المرأة أو يبنى بها في شوال وتقول: (ما تزوجني

رسول الله إلا في شوال، فأي نسائه كان أحظى عنده مني) مع تطير الناس بالنكاح في شوال، وهذا فعل أولى العزم والقوة من المؤمنين الذين صح توكلهم على الله، واطمأنت قلوبهم إلى ربهم، ووثقوا به، وعلموا أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنهم لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وأنهم ما أصابهم من مصيبة إلا وهي في كتاب من قبل أن يخلقهم ويوجدهم، وعلموا أنه لا بد أن يصيروا إلى ما كتبه وقدَّره ولا بد أن يجرى عليهم، وإن تطيرهم لا يرد قضاءه وقدره عنهم، بل قد يكون تطيرهم من أعظم الأسباب التي يجري عليهم بها القضاء والقدر فيعينون على أنفسهم، وقد جرى لهم القضاء والقدر بأن نفوسهم هي سبب إصابة المكروه لهم فطائرهم معهم، وأما المتوكلون على الله المفوِّضون إليه العالمون به وبأمره فنفوسهم أشرف من ذلك، وهممهم أعلى، وثقتهم بالله وحسن ظنهم به عدة لهم وقوة وجنة مما يتطير به المتطيرون ويتشاءم به المتشائمون، عالمون أنه لا طير إلا طيره، ولا خير إلا خيره، ولا إله غيره، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين. مفتاح دار السعادة 2/ 261. وذهب بعض أهل العلم إلى استحباب الزواج في شوال كما سبق في كلام الإمام النووي أخذاً من حديث عائشة السابق قال البكري: [قوله وفي شوال أي ويسن أن يكون العقد في شوال وقوله وأن يدخل فيه أي ويسن أن يدخل على زوجته في شوال أيضا والدليل عليه وعلى ما قبله خبر عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شوال ودخل فيه وأي نسائه كان أحظى عنده مني) وفيه ردٌ على من كره ذلك] إعانة الطالبين 3/ 273. ولكن الإمام الشوكاني يرى أن حديث عائشة لا يدل على استحباب الزواج في شوال بل يدل على مجرد الإباحة واعترض على صاحب المنتقى بقوله: [استدل المصنف بحديث عائشة على استحباب البناء بالمرأة في شوال وهو إنما يدل على ذلك إذا تبين أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسلم قصد ذلك الوقت لخصوصية له لا توجد في غيره لا إذا كان وقوع ذلك منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على طريق الاتفاق وكونه بعض أجزاء الزمان فإنه لا يدل على الاستحباب لأنه

حق الزوجة في الإنجاب

حكم شرعي يحتاج إلى دليل وقد تزوج - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنسائه في أوقات مختلفة على حسب الاتفاق ولم يتحر وقتاً مخصوصاً ولو كان مجرد الوقوع يفيد الاستحباب لكان كل وقت من الأوقات التي تزوج فيها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستحب البناء فيه وهو غير مسلم] نيل الأوطار 6/ 339 وخلاصة الأمر أنه لا يجوز التشاؤم بالزواج بين العيدين والزواج بينهما مباح ومشروع وقد تزوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين العيدين. حق الزوجة في الإنجاب تقول السائلة: إنها امرأة متزوجة ولها رغبة في الإنجاب ولكن زوجها يتخذ الوسائل لمنع الإنجاب فما الحكم في ذلك؟ الجواب: قرر العلماء أن للزوجة حقاً في الإنجاب فإذا قام الزوج باتخاذ الوسائل لمنع الإنجاب كاستعمال العزل عند الجماع أو استخدام الوسائل الحديثة لمنع الحمل فإنه يلحق ضرراً بزوجته ومن المعلوم عند الفقهاء أنه يحرم إلحاق الضرر بالزوجة وبغيرها. وجمهور العلماء الذين أجازوا العزل اشترطوا إذن الزوجة فيه وأنه يحرم بدون إذنها ويقاس على ذلك استخدام الوسائل الحديثة من قبل الزوج لمنع الحمل دون إذن الزوجة فيلحق بالعزل دون إذنها. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها قال القاضي - أبو يعلى - ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل. لما روي عن عمر - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها) رواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة. ولأن لها في الولد حقاً وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا بإذنها] المغني 7/ 298. وقال البهوتي الحنبلي: [ويحرم العزل عن الحرة إلا بإذنها] كشاف القناع 3/ 112

وقال الحافظ ابن حجر: [اتفقت المذاهب الثلاثة على أن الحرة لا يعزل عنها إلا بإذنها] فتح الباري 9/ 382. ويقصد الحافظ ابن حجر بالمذاهب الثلاثة الحنفية والمالكية والحنابلة وأما الشافعية فلهم قولان في المسألة أحدهما موافق للمذاهب الثلاثة وقال الحافظ ابن حجر أيضاً: [وقد اختلف السلف في حكم العزل قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل. ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة] فتح الباري 3/ 382. وانظر كلام ابن عبد البر في فتح المالك 7/ 380. ويدل لحرمة العزل عن الزوجة بدون إذنها حديث عمر المتقدم في كلام الشيخ ابن قدامة المقدسي وهو: [أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها] رواه أحمد وابن ماجة وضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 188 - 189. ولكن صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن الحرة تستأمر في العزل) رواه عبد الرزاق بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 9/ 383. ووردت آثار كثيرة عن السلف تدل على ذلك منها ما رواه عبد الرزاق بسنده عن عطاء أنه كره أن يعزل عن الحرة إلا بأمرها يقول هو من حقها. وعن سعيد بن جبير قال: لا يعزل الحرة إلا بأمرها. وعن عكرمة قال: لا بأس أن يعزل الرجل عن امرأته إذا استأمرها فأذنت له] مصنف عبد الرزاق 7/ 143 - 144. وكذلك ما رواه ابن أبي شيبة بسنده عن إبراهيم التيمي وعمرو بن مرة قالا: يعزل عن الأمة ويستأمر الحرة. وعن سعيد بن جبير قال: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها. وعن عبد الله قال: يستأمر الحرة ويعزل عن الأمة.

العدل بين الزوجات

وعن جابر بن يزيد قال: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها]. ثم نقل عن جماعة من السلف اشتراط إذن الزوجة الحرة في العزل. مصنف ابن أبي شيبة 4/ 222 - 223. وخلاصة الأمر أن حق الزوجة في إنجاب الولد ثابت شرعاً ولا يجوز للزوج أن يحرمها منه فلا بد من إذنها عند العزل أو استعمال وسائل منع الحمل فإذا فعل ذلك بدون إذنها فهو آثم شرعاً وأتى بما ينافي المقاصد الشرعية. العدل بين الزوجات تقول السائلة: إنها امرأة متزوجة منذ أكثر من عشرين سنة وإن زوجها قد تزوج امرأة ثانية وصار يقضى معظم وقته عند الثانية وينفق على الثانية ويبخل عليَّ مع أنني ساندته في أول حياته حتى استطاع الوقوف على رجليه فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: إن كثيراً من الأزواج يظلمون نسائهم وخاصة الذين يعددون فيميلون إلى الزوجة الثانية وينسون الأولى. وإن التعامل السيء للأزواج الذين يعددون مع زوجاتهم قد أساء إلى قضية تعدد الزوجات وأعطى الناس صورة سلبية عن التعدد حتى صار التعدد مقروناً بالظلم. وأصل تعدد الزوجات مشروع وقد نصت الآية الكريمة على ذلك قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) سورة النساء الآية 3. وقد أجمع المسلمون على جواز التعدد ولكن التعدد مشروط بشرطين الشرط الأول: العدل وهو مأخوذ من قوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً).

والشرط الثاني هو المقدرة على الإنفاق على الزوجتين أو أكثر ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) سورة النور الآية 33 [فقد أمر الله تعالى بهذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف، ومن وجوه تعذر النكاح من لا يجد ما ينكح به من مهر، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته. وكذلك يستدل على شرط الإنفاق بقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) سورة النساء الآية 3. فقد روي عن الإمام الشافعي أنه قال في معنى: (ألا تعولوا) أي لا يكثر عيالكم. وفي هذا إشارة إلى شرط الإنفاق؛ لأن الخوف من كثرة العيال لما تؤدي إليه هذه الكثرة من ضرورة كثرة الإنفاق التي قد يعجز عنها من يريد الزواج بأكثر من واحدة، فيفهم من ذلك أن القدرة على الإنفاق على الزوجات عند إرادة التعدد شرط لإباحة هذا التعدد، كذلك قد يستدل على شرط القدرة على الإنفاق بالحديث الصحيح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قوله: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر وأحفظ للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). فإذا لم يستطع على مؤونة الزواج لم يجز له الزواج وإن كان هو زواجه الأول، فمن باب أولى أن لا يباح له الزواج بالثانية - وعنده زوجة - إذا كان عاجزاً عن الإنفاق على الثانية مع إنفاقه على الأولى ثم إن الإقدام على الزيجة الثانية - مع علمه بعجزه عن الإنفاق عليها مع الأولى- عمل يتسم بعدم المبالاة بأداء حقوق الغير، ويعتبر من أنواع الظلم، والظلم لا يجوز في شرعة الإسلام. وبناء على جميع ما تقدم، يعتبر من الظلم المحظور أن يقدم الرجل على الزواج بأخرى مع وجود زوجة عنده، ومع علمه بعجزه عن الإنفاق على زوجتيه الجديدة والقديمة] المفصل في أحكام المرأة 6/ 289. وينبغي أن يعلم أن العدل بين الزوجات واجب شرعي ومن آثار العدل

بين الزوجات القسمة بينهن بأن يقسم وقته بين زوجاته كأن يكون عند الأولى ليلة وعند الثانية ليلة أخرى وهكذا. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافاً، وقد قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة النساء الآية 19.، وليس مع الميل معروف، وقال الله تعالى: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) سورة النساء الآية 129] المغني 7/ 301. وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم بين زوجاته فيعدل بينهن وكان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) رواه أبو داود والترمذي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي .. ولا بد لمن عدد الزوجات من العدل في النفقة والكسوة والمسكن وغير ذلك من الأمور المادية التي يملكها الإنسان وأما الأمور التي لا يملكها الإنسان كالحب أو الميل القلبي فهذه خارجة عن إرادة الإنسان فلا حرج عليه فيها وعلى ذلك يحمل قوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) سورة النساء الآية 129. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) أخبر تعالى بنفي الاستطاعة في العدل بين النساء، وذلك في ميل الطبع بالمحبة والجماع والحظ من القلب. فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يقول: (اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك). ثم نهى فقال: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ)، قال مجاهد: لا تتعمدوا الإساءة بل الزموا التسوية في القسم والنفقة؛ لأن هذا مما يستطاع] تفسير القرطبي 5/ 407. وهذه الآية الكريمة في الأمور المعنوية وأما الأمور المادية فالعدل فيها واجب وقد حذر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأزواج من عدم العدل فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما

جاء يوم القيامة وشقه ساقط) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وهو حديث صحيح كما قال الألباني في إرواء الغليل 7/ 80. وفي رواية أبي داود (جاء يوم القيامة وشقه مائل) وهذا الحديث دليل على وجوب العدل بين الزوجات وحرمة الميل في الإنفاق والقسمة والمراد بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وشقه ساقط أو مائل) أي نصفه مائل بحيث يراه أهل العرصات يوم القيامة ليكون هذا زيادة في التعذيب، انظر تحفة الأحوذي 4/ 248. وقد اعتبر الشيخ ابن حجر المكي ترجيح إحدى الزوجات على الأخرى ظلماً وعدواناً من كبائر الذنوب فقال: [أخرج الترمذي وتكلم فيه الحاكم وصححه على شرطهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) وأبو داود (من كانت له إمرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) والنسائي: (من كانت له امرأتان يميل إلى إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل)، وفي رواية لابن ماجة وابن حبان في صحيحهما (وأحد شقيه ساقط). والمراد بقوله (فمال) وقوله (يميل) الميل بظاهره بأن يرجح إحداهما في الأمور الظاهرة التي حرم الشارع الترجيح فيها لا الميل القلبي لخبر أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم فيعدل ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب) وقال الترمذي: روي مرسلاً وهو أصح. وروى مسلم وغيره (إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا). تنبيه: عدُّ هذا هو قضية هذا الوعيد الذي في هذه الأحاديث وهو ظاهر وإن لم يذكروه لما فيه من الإيذاء العظيم الذي لا يحتمل] الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 80 - 81. وقد ضرب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أروع الأمثلة في العدل بين الزوجات وهذه صورة من عدله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين نسائه: روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها

نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها

قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قلَّ يوم إلا هو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها). وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد سفراً أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل منهن يومها وليلتها). ويقول جابر بن زيد: [كانت لي امرأتان فكنت أعدل بينهما حتى في القُبَل]. وقال مجاهد: [كانوا يستحبون أن يعدلوا بين النساء حتى في الطيب: يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه]. وقال ابن سيرين: [إنه يكره للزوج أن يتوضأ في بيت إحدى زوجتيه دون الأخرى] وقال أبو القاسم: [ويكفيك ما مضى من عمل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين في هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه قسم إلا يوماً هاهنا، ويوماً هاهنا]. وقال ابن قدامة: [ويقسم الرجل بين نسائه ليلة ليلة، ويكون النهار في معاشه وقضاء حقوق الناس، إلا أن يكون معاشه ليلاً كالحراسة، فإنه يقسمه نهاراً، ويكون ليله كنهاره] عشرة النساء ص 320 - 321. وخلاصة الأمر أن العدل واجب بين الزوجات في الأمور المادية. نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها يقول السائل: توفي رجل وترك امرأته حاملاً فهل تجب النفقة لها في مال زوجها المتوفى أفيدونا؟ الجواب: الأصل أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها لقوله تعالى: (

لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّاءَاتَاهُ) سورة الطلاق الآية 7. وقال تعالى: (وَالْوَالدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة البقرة الآية 233. وصح في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) رواه مسلم. هذا هو الأصل في أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها ولكن إذا مات الزوج فقد اختلف أهل العلم هل لزوجته نفقة أم لا؟ والراجح من أقوال العلماء في المسألة أن النفقة تسقط بوفاة الزوج سواء كانت المرأة المتوفى عنها زوجها حاملاً أو غير حامل وتكتفي بنصيبها من ميراث زوجها. وكذلك الحال بالنسبة لجنينها فإن المعروف عند أهل العلم أن الجنين يرث. وعليه فإن هذه المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها لا تجب لها النفقة في مال زوجها المتوفى وهذا قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية وهو أصح القولين في مذهب أحمد ونقل عن ابن عباس وجابر وعطاء وسعيد بن المسيب وغيرهم. قال القرطبي: [واختلفوا في وجوب نفقة الحامل المتوفى

عنها زوجها فقالت طائفة: لا نفقة لها، كذلك قال جابر بن عبد الله وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعبد الملك بن يعلى ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وأحمد وإسحق وحكى أبو عبيد ذلك عن أصحاب الرأي. وفيه قول ثان وهو أن لها النفقة من جميع المال وروي هذا القول عن علي وعبد الله وبه قال ابن عمر وشريح وابن سيرين والشعبي وأبو العالية والنخعي وجلاس بن عمرو وحماد ابن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري وأبو عبيد. قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول لأنهم أجمعوا على أن نفقة كل من كان يجبر على نفقته وهو حي مثل أولاده الأطفال وزوجته ووالديه تسقط عنه فكذلك تسقط عنه نفقة الحامل من أزواجه. وقال القاضي أبو محمد: لأن نفقة الحمل ليست بدين ثابت

يحرم كشف أسرار البيوت

فتتعلق بماله بعد موته بدليل أنها تسقط عنه بالإعسار فبأن تسقط بالموت أولى وأحرى] تفسير القرطبي 3/ 185. وروى عبد الرزاق الصنعاني بإسناده عن عطاء قال: [لا نفقة للمتوفى الحامل إلا من مال نفسها] وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [لا نفقة للمتوفى عنها الحامل، وجبت المواريث]. وروى عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: [ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث]. وروى عن سعيد بن المسيب في المتوفى عنها الحامل قال: [ليس لها نفقة]. وروى عن ابن جريح قال سئل ابن شهاب - الزهري - عن المتوفى عنها وهي حامل على من نفقتها؟ قال: [كان ابن عمر يرى نفقتها إن كانت حاملاً أو غير حامل فيما ترك زوجها فأبى الأئمة ذلك وقضوا بأن لا نفقة لها] مصنف عبد الرزاق 7/ 36 - 39. ومما يدل على ذلك ما قاله الشيخ ابن قدامة المقدسي: [لأن المال قد صار للورثة ونفقة الحامل وسكناها إنما هي للحمل أو من أجله ولا يلزم ذلك للورثة لأنه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه وإن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة] المغني 8/ 334. ورد ابن حزم على من أوجب النفقة للحامل المتوفى عنها زوجها بقوله: [وأما من أوجب النفقة من جميع المال للمتوفى عنها زوجها ... فخطأ لا خفاء به لأن مال الميت ليس له بل قد صار لغيره فلا يجوز أن ينفق على امرأته ... من مال الورثة أو مما أوصى به لغيرهما وهذا عين الظلم] المحلى 10/ 89. ويمكن أن يجاب عن استدلال من أوجبوا لها النفقة استناداً إلى قوله تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ) سورة الطلاق الآية 6. وأن الحامل المتوفى عنها زوجها داخلة في العموم يجاب عن ذلك بأن الخطاب في الآية للأزواج وقد سقط خطابهم بالوفاة فلم يعودوا من أهل التكليف لأن تكليفهم سقط بالموت. وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية المطبق في بلادنا برأي جمهور أهل العلم فلم يوجب النفقة للحامل المتوفى عنها زوجها وقد نصت على ذلك المادة رقم 144 فقد جاء فيها: (ليس للمرأة التي توفي زوجها سواء كانت حاملاً أو غير حامل نفقة عدة). يحرم كشف أسرار البيوت يقول السائل: إن زوجته تجلس مع صديقاتها كثيراً ويتحدثن في أمور حياتهن الزوجية وعن علاقتهن بأزواجهن وإن مثل هذه الأحاديث تؤدي إلى كشف بعض الأسرار عن حياته مع زوجته وهو يبغض هذا التصرف من زوجته، فما حكم الشرع في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: لا شك أن في الحياة الزوجية أسراراً كثيرة يجب على الزوجين أن يحافظا على كتمانها ولا يجوز إفشائها وهذا الكتمان يتناول المعاشرة بين الزوجين وأموراً أخرى خاصة بهما ويجب أن يعلم أن حفظ أسرار الحياة الزوجية واجب على الزوج والزوجة معاً وليس الأمر مخصوصاً بأحدهما وقد أثنى الله على النساء الصالحات بقوله تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) سورة النساء الآية 34. قال سيد قطب يرحمه الله: [فمن طبيعة المؤمنة الصالحة ومن صفتها الملازمة لها بحكم إيمانها وصلاحها، أن تكون قانتة مطيعة، والقنوت: الطاعة عن إرادة وتوجه ورغبة ومحبة، لا عن قسر وإرغام وتفلت ومعاظلة! ومن ثم قال: قانتات، ولم يقل طائعات، لأن مدلول اللفظ الأول نفسي وظلاله رخية ندية وهذا هو الذي يليق بالسكن والمودة والستر والصيانة بين

شطري النفس الواحدة، في المحضن الذي يرعى الناشئة ويطبعهم بجوه وأنفاسه وظلاله وإيقاعاته! ومن طبيعة المؤمنة الصالحة ومن صفاتها الملازمة لها بحكم إيمانها وصلاحها كذلك أن تكون حافظة لحرمة الرباط المقدس بينها وبين زوجها في غيبته - وبالأولى في حضوره - فلا تبيح من نفسها في نظرة أو نبرة، - بله العرض والحرمة - ما لا يباح إلا له هو بحكم أنه الشطر الآخر للنفس الواحدة. وما لا يباح، لا تقرره هي ولا يقرره هو، إنما يقرره الله (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ). فليس الأمر أمر رضاء الزوج عن أن تبيح زوجته من نفسها في غيبته أو حضوره، ما لا يغضب هو له، أو يمليه عليه وعليها المجتمع! إذا انحرف المجتمع عن منهج الله إن هنالك حكماً واحداً في حدود هذا الحفظ فعليها أن تحفظ نفسها (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)، والتعبير القرآني لا يقول هذا بصيغة الأمر، بل بما هو أعمق وأشد توكيداً من الأمر، إنه يقول: إن هذا الحفظ بما حفظ الله هو من طبيعة الصالحات ومن مقتضى صلاحهن! وعندئذ تتهاوى أعذار المهزومين والمهزومات من المسلمين والمسلمات، أمام ضغط المجتمع المنحرف، وتبرز حدود ما تحفظه الصالحات بالغيب: (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) مع القنوت الطائع الراضي الودود] في ظلال القرآن 2/ 357 - 358. وقال الشيخ محمد رشيد رضا يرحمه الله في تفسير الآية السابقة: [هذا تفصيل لحال النساء في هذه الحياة المنزلية التي تكون المرأة فيها تحت رياسة الرجل ذكر أنهن فيها قسمان صالحات وغير صالحات وأن من صفة الصالحات القنوت وهو السكون والطاعة لله تعالى وكذا لأزواجهن بالمعروف وحفظ الغيب. قال الثوري وقتادة: حافظات للغيب يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النفس والمال وروى ابن جرير والبيهقي من حديث أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

(خير النساء التي إذا نظرت إليك سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها) وقرأ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآية. وقال الأستاذ الإمام: الغيب هنا هو ما يستحى من إظهاره أي حافظات لكل ما هو خاص بأمور الزوجية الخاصة بالزوجين فلا يطلع أحد منهن على شيء مما هو خاص بالزوج. أقول ويدخل في قوله هذا وجوب كتمان كل ما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخلوة ولا سيما حديث الرفث فما بالك بحفظ العرض، وعندي أن هذه العبارة هي أبلغ ما في القرآن من دقائق كنايات النزاهة تقرأها خرائد العذارى جهراً ويفهمن ما تومىء إليه مما يكون سراً وهن على بعد من خطرات الخجل أن تمس وجدانهن الرقيق بأطراف أناملها فلقلوبهن الأمان من تلك الخلجات التي تدفع الدم إلى الوجنات ناهيك بوصل حفظ الغيب (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) فالانتقال السريع من ذكر ذلك الغيب الخفي إلى ذكر الله الجلي يصرف النفس عن التمادي في التفكر فيما يكون من وراء الأستار من تلك الخفايا والأسرار وتشغلها بمراقبته عز وجل وفسروا قوله تعالى (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) بما حفظه لهن في مهورهن وإيجاب النفقة لهن يريدون أنهن يحفظن حق الرجال في غيبتهم جزاءً على المهر ووجوب النفقة المحفوظين لهن في حكم الله تعالى وما أراك إلا ذاهباً معي إلى وهن هذا القول وهزاله وتكريم أولئك الصالحات بشهادة الله تعالى أن يكون حفظهن لذلك الغيب من يد تلمس أو عين تبصر أو أذن تسترق السمع معللاً بدراهم قبضن ولقيمات يرتقبن ولعلك بعد أن تمج هذا القول يقبل ذوقك ما قبله ذوقي وهو أن الباء في قوله (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) هي صنو باء لا حول ولا قوة إلا بالله، وان المعنى حافظات للغيب بحفظ الله أي بالحفظ الذي يؤتيهن الله إياه بصلاحهن فإن الصالحة يكون لها من مراقبة الله تعالى وتقواه ما يجعلها محفوظة من الخيانة قوية على حفظ الأمانة أو حافظات له بسبب أمر الله بحفظه فهن يطعنه ويعصين الهوى فعسى أن يصل معنى هذه الآية إلى نساء عصرنا اللواتي يتفكهن بإفشاء أسرار الزوجية ولا يحفظن الغيب فيها!] تفسير المنار 5/ 70 - 71.

وقد حذر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كشف أسرار العلاقة الزوجية بين الزوجين فقد جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها). قال الإمام النووي يرحمه الله شارحاً الحديث: [باب تحريم إفشاء سر المرأة ... وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه] شرح النووي على صحيح مسلم 10/ 8 - 9. وجاء في حديث طويل أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مخاطباً أصحابه: (هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم. قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول فعلت كذا فعلت كذا. قال: فسكتوا. قال: فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث؟ فسكتن. فجثت فتاة على إحدى ركبتيها وتطاولت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله إنهم ليتحدثون، وإنهن ليتحدثن. فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ فقال: إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة فقضى منها حاجته والناس ينظرون إليه) رواه أبو داود وأحمد، وفي سنده بعض كلام وله شواهد تقويه، كما قال ابن حجر المكي الهيتمي في الزواجر 2/ 59. وقال صاحب عون المعبود: [والحديث يدل على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع وذلك لأن كون الفاعل لذلك بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون، من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته] عون المعبود شرح سنن أبي داود 6/ 158. وقد اعتبر الشيخ ابن حجر المكي الهيتمي أن نشر أسرار العلاقة

الزوجية من كبائر الذنوب واستدل على ذلك بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 60. وكما قلت فإن المحافظة على الأسرار بين الزوجين ليست مقصورة على العلاقة الزوجية بينهما بل تتعداها إلى أمور كثيرة في الحياة الزوجية وقد لام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعض زوجاته عندما أفشت بعض الأسرار التي أطلعها عليها، قال الله تعالى: (وإذ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) سورة التحريم الآيتان 3 - 4. وكذلك فإن البيوت فيها أسرار كثيرة لا ينبغي نشرها وإشاعتها وإن نشر تلك الأسرار قد يؤدي إلى وقوع الخلاف والنزاع بين الزوجين فمحافظة على استقرار الحياة الزوجية يجب كتمان أسرار الزوجين وعدم نشرها. ومما ينبغي التنبيه عليه أن كتمان الأسرار يدخل في مجالات كثيرة منها مجال العمل فالموظف الذي يعمل في شركة أو مصنع أو أية مؤسسة عليه أن يحافظ على أسرار العمل الذي يشتغل فيه ولا يجوز له أن يفشي أسرار محل عمله لما يترتب على ذلك من إلحاق الضرر والأذى وإن إفشاء مثل هذه الأسرار يعتبر خيانة للأمانة والله سبحانه وتعالى يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة الأنفال الآية 27. فإفشاء السر خيانة للأمانة وخيانة الأمانة من المحرمات وقد جاء في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال (أتى عليَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا ألعب مع الغلمان فسلَّم علينا فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حبسك؟ فقلت: بعثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحاجة. قال: ما حاجته؟ قلت: إنها سر. قالت: لا تخبرن بسر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال أنس: والله لو حدثت به أحداً لحدثتك يا ثابت) رواه مسلم.

تحريم نشر أسرار استمتاع الزوجين

تحريم نشر أسرار استمتاع الزوجين يقول السائل: ما حكم أن يتحدث الأزواج عما يجري بينهم وبين زوجاتهم من معاشرة؟ الجواب: اتفق أهل العلم على تحريم نشر أسرار الاستمتاع فيحرم على الزوج وكذا على الزوجة الحديث عما يجري بين الزوجين من أمور تتعلق بالمعاشرة الزوجية ويدل على ذلك قوله تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) سورة النساء الآية 34. وقد ذكر الألوسي أن بعض المفسرين فسر الآية الكريمة بأن المراد منها حفظ النساء لأسرار أزواجهن أي ما يقع بينهم وبينهن في الخلوة. روح المعاني 5/ 24. ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها). قال الإمام النووي: [وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه. فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة. وقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها أو تدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إني لأفعله أنا وهذه) وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي طلحة: (أعرستم الليلة؟).] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 10. وقال القرطبي المحدث: [ومقصود هذا الحديث هو أن الرجل له مع أهله خلوة وحالة يقبح ذكرها والتحدث بها وتحمل الغيرة على سترها ويلزم من كشفها عار عند أهل المروءة والحياء. فإن تكلم بشيء من ذلك وأبداه كان قد كشف عورة نفسه وزوجته إذ لا فرق بين

كشفها للعيان وكشفها للأسماع والآذان إذ كل واحد منهما يحصل به الاطلاع على العورة ولذلك قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تعمد المرأة فتصف المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها) فإن دعت حاجة إلى ذكر شيء من ذلك فليذكره مبهماً غير معين بحسب الحاجة والضرورة كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فعلته أنا وهذه) وكقوله: (هل أعرستم الليلة) وكقوله: (كيف وجدت أهلك؟) والتصريح بذلك وتفصيله ليس من مكارم الأخلاق ولا من خصال أهل الدين] المفهم لم أشكل من تلخيص كتاب مسلم 4/ 162. وروى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في حديث طويل فيه خطبة للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجاء فيه: (ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا فعلت كذا قال: فسكتوا قال: فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث فسكتن فجثت فتاة على إحدى ركبتيها وتطاولت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليراها ويسمع كلامها فقالت: يا رسول الله إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثنه فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ فقال: إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة فقضى منها حاجته والناس ينظرون إليه.] وصححه الألباني في آداب الزفاف ص 144. قال الشوكاني: [والحديثان يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع وذلك لأن كون الفاعل من أشر الناس وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار فضلاً عن كونه من شرهم. وكذلك الجماع بمرأى الناس لا شك في تحريمه وإنما خص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث أبي سعيد الرجل فجعل الزجر المذكور خاصاً به ولم يتعرض للمرأة لأن وقوع ذلك الأمر في الغالب من الرجال] نيل الأوطار 6/ 224 - 225. وقد اعتبر العلامة ابن حجر المكي أن إفشاء أسرار الاستمتاع بين

حدود العلاقة التي تربط بين زوج البنت وحماته

الزوجين من كبائر الذنوب فقال: [الكبيرة الثالثة والرابعة والستون بعد المئتين: إفشاء الرجل سر زوجته وهي سره بأن تذكر ما يقع بينهما من تفاصيل الجماع ونحوها مما يخفى] ثم ذكر الأحاديث السابقة وغيرها ثم قال: [عدُّ هذين كبيرتين لم أره لكنه صريح ما في هذه الأحاديث الصحيحة وهو ظاهر لما فيه من إيذاء المحكي عنه وغيبته وهتك ما أجمعت العقلاء على تأكد ستره وقبيح نشره] الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 59 - 60 وخلاصة الأمر أنه يحرم على الزوجين نشر ما يجري بينهما من أمور الاستمتاع. حدود العلاقة التي تربط بين زوج البنت وحماته يقول السائل: ما هي حدود العلاقة التي تربط بين زوج البنت وحماته (أم زوجته) من حيث الخلوة والنظر وإبداء الزينة؟ الجواب: إن أم الزوجة (الحماة) من المحرمات على التأبيد بسبب المصاهرة قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة النساء الآية 23. فقوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) يدل على تحريم أم الزوجة على زوج ابنتها حرمة مؤبدة. ويرى أكثر العلماء أن هنالك تلازماً بين المحرمية وبين الأحكام المتعلقة بالخلوة والنظر وإبداء الزينة والسفر. فما دام زوج البنت محرماً على أم زوجته تنطبق عليه الأحكام المتعلقة بذلك وقد ثبت في الحديث من

قوله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم) رواه البخاري ومسلم. وقد نص أهل العلم على أنه يجوز للمحرم أن ينظر إلى ما يظهر غالباً من محارمه، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالباً كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى ما يستتر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما] المغني 7/ 98. ومن العلماء من يرى أنه لا يجوز لأم الزوجة إظهار زينتها لزوج ابنتها وإن كان يحرم زواجها منه على التأبيد لأن الآية الواردة في سورة النور والتي حصرت من يجوز إظهار الزينة لهم لم تذكر زوج البنت منهم، قال الله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْءَابَائِهِنَّ أَوْءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة النور الآية 31. فالآية الكريمة حصرت الأشخاص الذين يجوز للمرأة أن تظهر زينتها لهم ولم يذكر زوج البنت منهم ونقل هذا القول عن بعض العلماء مثل سعيد بن جبير والإمام أحمد في رواية عنه كما في المغني 7/ 99. ولكن مذهب جمهور أهل العلم أرجح وأقوى حيث إن العم والخال لم يذكرا في الآية الكريمة واتفق جمهور العلماء على جواز إظهار الزينة أمامهما قال الجصاص الحنفي: [ولما ذكر الله تعالى مع الآباء ذوي المحارم الذين يحرم عليهم نكاحهن تحريماً مؤبداً دلَّ ذلك على أن من كان في التحريم بمثابتهم فحكمه حكمهم مثل زوج الابنة] أحكام القرآن 5/ 174. ومما يدل على ذلك أيضاً قصة عائشة مع أفلح أخي أبي القعيس وهو عمها من الرضاعة حيث قال لها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنه عمك فليلج عليك) رواه البخاري ومسلم.

لا حياء من الأحكام الشرعية

ومع ذلك أقول إن إظهار الزينة لزوج البنت ليس أمراً واجباً وإنما هو واقع في دائرة المباح وعليه فأرى أنه يجب الأخذ بالاحتياط في مسائل الخلوة والنظر وإظهار الزينة والسفر مع زوج ابنتها وخاصة إذا لم يكن الفارق في السن بينهما كبيراً كأن تكون أم الزوجة صغيرة السن أو جميلة فلا بد من سدِّ كل الطرق التي تؤدي إلى الفساد وقد سمعت عن حوادث كثيرة من ارتكاب الفواحش بين أم الزوجة وزوج ابنتها ترتب عليها حصول مصائب ومآسي فظيعة ولا يغيب عن أذهاننا مدى الفساد وقلة التقوى والورع الذي يعيشه الناس. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لا حياء من الأحكام الشرعية تقول السائلة: أنها امرأة متزوجة وتعيش مع زوجها وأولادها وهي تخجل من الاستحمام فجراً وأن جارتها قالت لها يكفي أن تغسل رأسها لرفع الجنابة فهل هذا يكفي؟ الجواب: الحياء من الإيمان كما ثبت ذلك في النصوص الشرعية فمن ذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم. وثبت في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعه فإن الحياء من الإيمان) رواه البخاري ومسلم. وورد في الحديث عن عمران بن حصين أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال: (الحياء خير كله) رواه مسلم. وبناء على ما تقدم فإن الحياء مطلوب شرعاً ولكن يجب أن يوضع الحياء في محله فالحياء من الأمور الواجبة شرعاً ليس حياءً، وإنما هو جبن

في الالتزام بالحكم الشرعي كما في حالة السائلة عن غُسل الجنابة وهو واجب شرعاً فلا يجوز الحياء منه. قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) سورة المائدة الآية 6. وقال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) سورة البقرة الآية 222. وصح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل) رواه مسلم. والغسل الشرعي لا بد فيه من تطهير جميع البدن وغسل الرأس فقط لا يعتبر غُسلاً شرعياً فإذا غسلت المرأة رأسها فقط وصلَّت فصلاتها باطلة شرعاً وقد صح في الحديث قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) رواه مسلم. وقد قرر العلماء أن الحياء إن كان من واجب شرعي فهو محرم. قال الإمام النووي: [وأما كون الحياء خيراً كله ولا يأتي إلا بخير فقد يشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يجله فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة وجواب هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة منهم الشيخ أبو عمر بن الصلاح رحمه الله تعالى أن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة بل هو عجز وخور ومهانة وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف أطلقوه مجازاً لمشابهته الحياء الحقيقي وإنما حقيقة الحياء خُلقٌ يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ونحو هذا] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 204. وجاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (نِعمَ النساءُ نساءُ الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين) فهذه عائشة رضي الله عنها تثني على نساء الأنصار في تعلمهن الأحكام الشرعية وأن الحياء لا يمنعهن من ذلك. وثبت في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت أم سليم

كنايات الطلاق

إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نعم إذا رأت الماء فقالت أم سلمة: يا رسول الله وتحتلم المرأة، فقال: تربت يداك فبم يشبهها ولدها) رواه مسلم. وخلاصة الأمر أن حياء هذه المرأة ليس في محله وأما ما أشارت به جارتها من غسل الرأس فقط فلا يكفي في رفع الجنابة ولا بد من الغسل الكامل. كنايات الطلاق يقول السائل: إنه قرأ في كتاب حاشية الدسوقي في فقه المالكية عند حديثه عن ألفاظ الطلاق وكناياتها أن المالكية يوقعون الطلاق بألفاظ نحو: اسقني الماء ولفظ سامحيني واعفي عني إن نوى بهذه الألفاظ الطلاق والموضوع لأهميته وقلة خبرتي وعلمي جعلني أتوجه لفضيلتكم سائلاً: 1. تحديد دقيق جداً في لفظ الكناية الخفية وكيف نعرف أن هذا اللفظ يقع به الطلاق أم لا؟ وهل حقيقة اللفظ الكنائي أن الرجل بدل أن يقول لزوجته لفظ طالق صراحة استعمل بدلها عبارة أخرى تستخدم عرفاً أو عادة بدلاً من الصريح نريد توضيحاً شافياً. 2. أسوق هاهنا مجموعة ألفاظ أرجو من فضيلتكم تأملها. وهل يقع بها طلاق إن نوى شخص عند التلفظ بها طلاقاً. شخص كتب في بيانات أو سئل شفوياً هل أنت متزوج؟ فأجاب: لا، وواقع الأمر أنه متزوج. هل أنت أعزب؟ قال: نعم، وواقع الأمر أنه متزوج. هل سبق لك الزواج؟ فقال: لا، وواقع الأمر أنه متزوج. شخص آخر قال عن زوجته هي صديقتي بمعنى لفظ الصديقة المتعارف عليه عند الغرب. هل سبق لك زواج هنا؟ هل تزوجت هنا في بلادنا؟ ويجيب: لا، وواقع الأمر خلاف

ذلك. هل لك زوجة في بلدك الأصلي؟ فقال: لا. هل عندك زوجة؟ ليس عندي. هل تزوجت هنا؟ أحاول الزواج. ووقَّع على ورقة فيها أنه غير متزوج الآن ولم يكن متزوجاً في الماضي وكانت نية الرجل في كل ما سبق ليست طلاقاً ولكنه يريد الخروج من مأزق إداري أو ما أشبه ذلك. 3. شخص آخر قال لزوجته: أنا أفكر في طلاقك في اليوم ألف مرة. وكان ناوياً الطلاق. وآخر قال لزوجته: أكبر خطأ عملته في حياتي أنني تزوجت بك. وآخر قال لزوجته:: أكبر خطأ عملته في حياتي أنني تزوجت من غير بلدي. وكان ناوياً الطلاق. وآخر قال لزوجته: سامحيني واسمحي لي: ناوياً الطلاق. وآخر قال: إما أن تتعاوني معي في حياتنا وإما أن نفترق. 4. وآخر يحدث زوجته أنه سوف يخرج بيت جديد بإسمه من مصلحة البيوت ويكون بيته الخاص به ويقول لها أما هذا البيت الذي أنت فيه فهو بيتك أنت وليس بيتي أنا. وكانت نيته هو أن يخرج بيتاً ويؤثثه ويسكن فيه ويترك المرأة وفعلاً قام بالإجراءات. 5. وآخر قال لزوجته: أحسن حاجة الواحد يسويها يتركها ويسيبها ناوياً الطلاق. وآخر قال ناوياً الطلاق: أيضاً إذا تستمري في هذه الطريقة من الصعب أن نعيش مع بعض ناوياً الطلاق. وآخر قال لزوجته التي تتشاجر معه: البنت التي تكون بهذا الشكل أنا موش عاوزها ناوياً الطلاق. الجواب: اتفق أهل العلم على تقسيم الطلاق من حيث الصيغة إلى قسمين: صريح وكنائي. فالطلاق الصريح هو الذي يقع بألفاظ صريحة في الطلاق ويلحق بالطلاق الصريح ما اشتهر استعماله في الطلاق عرفاً كما نص على ذلك قانون الأحوال الشخصية المطبق في بلادنا في المادة 95: [يقع الطلاق بالألفاظ الصريحة وما اشتهر استعماله فيه عرفاً دون الحاجة إلى نية]. فالطلاق الصريح يقع بمجرد صدور اللفظ ممن يملك الطلاق ولو لم يقصد فلا يحتاج الطلاق الصريح إلى نية كما قرر ذلك أهل العلم، قال الشيخ ابن

قدامة المقدسي: [قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد ولا خلاف في ذلك] المغني 7/ 397. وأما الطلاق الكنائي فيكون باستعمال ألفاظ تحتمل الطلاق وغيره كقول الزوج لزوجته أخرجي من المنزل أو إلحقي بأهلك أو خليت سبيلك ونحو ذلك من الألفاظ. والطلاق بالكناية يقع إذا قصد الزوج الطلاق ونواه وأما إذا لم يقصده ولم ينوه فلا يقع. وهذا لأن الألفاظ الكنائية تحتمل الطلاق وغيره فلا يصرف اللفظ إلى الطلاق إلا بالنية وأما وقوعه بالنية فلأن اللفظ يحتمله فيصرف إليها بها. الموسوعة الفقهية 29/ 26. ومما يدل على اعتبار النية في الطلاق الكنائي ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: [أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك! فقال لها: (لقد عذت بعظيم؛ إلحقي بأهلك) رواه البخاري. وفي الصحيحين وغيرهما في حديث تخلف كعب بن مالك لما قيل له: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرك أن تعتزل امرأتك فقال: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: (بل اعتزلها فلا تقربنَّها) فقال: لإمرأته الحقي بأهلك. فأفاد الحديثان أن هذه اللفظة تكون طلاقاً مع القصد ولا تكون طلاقاً مع عدمه] الروضة الندية 2/ 263 - 264. إذا تقرر هذا فنعود إلى رسالة السائل وما ذكر من ألفاظ كنائية فأقول إن ما قاله المالكية بوقوع الطلاق بلفظ اسقني الماء أو ساميحني أو اعفي عني إنما جاء بناءً على قولهم إن كناية الطلاق على قسمين: كناية ظاهرة وكناية خفية. انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 378 فما بعدها. وما ذكره السائل من لفظ اسقني الماء ولفظ سامحيني فهو كنايات خفية فأوقعوا بها الطلاق إن نوى الزوج الطلاق ولكن الذي يظهر لي أن الطلاق لا يقع بهذين اللفظين لأن هذه الألفاظ لا تستعمل في الطلاق لا لغة ولا عرفاً وهي غير محتملة للطلاق. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما ما لا يشبه الطلاق ولا يدل على الفراق كقوله: اقعدي وقومي وكلي واشربي واقربي وأطعميني واسقني وبارك الله عليك وغفر الله لك وما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية ولا تطلق به وإن نوى لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو

وقع الطلاق به لوقع بمجرد النية وقد ذكرنا أنه لا يقع بها وبهذا قال أبو حنيفة واختلف أصحاب الشافعي في قوله: كلي واشربي فقال بعضهم: كقولنا وقال بعضهم: هو كناية لأنه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق فوقع به كقولنا ذوقي وتجرعي. ولنا: أن هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده إلا فيما لا ضرر فيه كنحو قوله: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة المرسلات الآية 43. وقال: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) سورة النساء الآية 4. فلم يكن كناية كقوله: أطعميني، وفارق ذوقي وتجرعي، فإنه يستعمل في المكاره كقول الله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) سورة الدخان الآية 49. و (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) سورة الحج الآية 22. و (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) سورة القمر الآية 48. وكذلك التجرع قال الله تعالى: (يَتَجَرَّعهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ) سورة إبراهيم الآية 17. فلم يصح أن يلحق بهما ما ليس مثلهما] المغني 7/ 395 - 396. وأمام ما ذكره السائل من كتابة معلومات غير صحيحة فهذا يعتبر كذباً ولا يعتبر طلاقاً وكذلك إذا سئل فأجاب بإجابات كاذبة كما ذكر في السؤال فلا يعتبر طلاقاً. وأما قول الشخص لزوجته أنا أفكر في طلاقك في اليوم ألف مرة وكان ناوياً الطلاق فيقع طلقة رجعية. وأما قول الآخر أكبر خطأ عملته في حياتي أنني تزوجت بك. فلا يقع به الطلاق لأنه لم يصدر عنه لفظ صريح ولا كناية حتى يقع بالنية. وكذلك قوله سامحيني. فلا يقع الطلاق لما سبق. وأما قول الشخص لزوجته إما أن تتعاوني معي وإما أن نفترق فهو طلاق معلق فإن لم يتم التعاون بينهما فهي طلقة رجعية وإن تعاونت فليس طلاقاً. وأخيراً يجب التنبه على أن الحياة الزوجية رباط مقدس يجب المحافظة عليه والمسلم لا يلجأ إلى الطلاق إلا إذا سدت جميع طرق الاصلاح بينه وبين زوجته وتعذرت الحياة وصارت صعبة جداً.

الطلاق قبل الدخول مازحا

وكذلك فإنه لا يجوز التلاعب بالزواج والطلاق من أجل تحقيق مصالح معينة كالحصول على حق الإقامة أو الحصول على معاش من تأمين أو نحو ذلك من الأغراض. ومن المعلوم عند أهل العلم أنه لا فرق بين الجد والهزل في الطلاق. الطلاق قبل الدخول مازحاً يقول السائل: إنه عاقدٌ على زوجته ولم يتم الدخول بعد وأنه قال لها مازحاً: أنت طالق مع العلم أنه لم يقصد طلاقها فماذا يترتب عليه؟ الجواب: إن التلاعب بألفاظ الطلاق من الأمور المنتشرة بين بعض الأزواج الذين يطلقون الألفاظ دون أن يلقوا لها بالاً ودون أن يدركوا ما يترتب على ألفاظهم من أمور قد تعصف بحياة الأسرة وتؤدي إلى تدميرها وما ذكر السائل مثال واضح على التلاعب بألفاظ الطلاق ويدعي أنه غير قاصد للطلاق ويجب أن يعلم أن جماهير أهل العلم اتفقوا على وقوع الطلاق عند صدور لفظ الطلاق عن الزوج وإن لم يكن قاصداً للطلاق وهذا هو المعروف عند أهل العلم بطلاق الهازل ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديث حسن احتج به الأئمة والعلماء كالإمام الترمذي والحافظ ابن عبد البر والحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والإمام النووي والإمام البغوي والشوكاني والألباني وغيرهم كثير. قال الترمذي بعد أن روى الحديث: [هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 304. وقد ذكر الحافظ ابن حجر شواهد للحديث يتقوى بها في التلخيص الحبير 3/ 209 - 210. وكذلك فعل الشيخ الألباني حيث ذكر أربعة شواهد للحديث وآثاراً عن الصحابة ثم قال: [والذي يتلخص

عندي مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طريق أبي هريرة الأولى التي حسنها الترمذي وطريق الحسن البصري المرسلة وقد يزداد قوة بحديث عبادة بن الصامت والآثار المذكورة عن الصحابة فإنها ولو لم يتبين لنا ثبوتها عنهم عن كل واحد منهم تدل على أن معنى الحديث كان معروفاً عندهم والله أعلم] إرواء الغليل 6/ 228. وقال الخطابي: [اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول كنت لاعباً أو هازلاً أو لم أنو به طلاقاً أو ما أشبه ذلك من الأمور] معالم السنن 3/ 210. وقال الإمام البغوي: [اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع] شرح السنة 2/ 220. [وقال القاضي: اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع فإذا جرى صريح لفظ الطلاق على لسان العاقل البالغ لا ينفعه أن يقول كنت فيه لاعباً أو هازلاً. لأنه لو قبل ذلك منه لتعطلت الأحكام وقال كل مطلق أو ناكح إني كنت في قولي هازلاً فيكون في ذلك إبطال أحكام الله تعالى فمن تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه وخص هذه الثلاث لتأكيد أمر الفرج] تحفة الأحوذي 4/ 304. وخلاصة الأمر أن طلاق السائل واقع وبما أنه لم يدخل بزوجته حيث أوقع الطلاق قبل الدخول فهذا الطلاق يكون بائناً لأن كل طلاق يقع قبل الدخول يكون بائناً وعليه فيلزمه عقد جديد بمهر جديد كما أنه يجب لمطلقته نصف المهر المذكور بعقد الزواج قال الله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) سورة البقرة 237. وهذا ما قررته المادة الحادية والخمسين من قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا. وأخيراً أذكّر الأزواج بأنه لا يجوز شرعاً التساهل والتلاعب بألفاظ الطلاق لما يترتب عليها من هدم للزواج.

ترث المطلقة رجعيا من زوجها المتوفى

ترث المطلقة رجعياً من زوجها المتوفى يقول السائل: طلق رجل زوجته طلاقاً رجعياً ثم مات أثناء عدة مطلقته فهل ترث منه أم لا؟ الجواب: من المعلوم عند أهل العلم أن الزوجية من أسباب التوارث ويشترط لإثبات التوارث بين الزوجين أن تكون الزوجية صحيحة وأن تكون الزوجية قائمة وقت الوفاة حقيقة أو حكماً والمطلقة طلاقاً رجعياً تعتبر زوجة حكماً حيث إنها ما زالت في العدة فحق التوارث ثابت لها ولا يملك أحد حرمانها منه شرعاً وهذا الحكم لا خلاف فيه بين أهل العلم فيما أعلم. قال ابن حزم الظاهري: [أما المطلقة طلاقاً رجعياً فهي زوجة للذي طلقها ما لم تنقض عدتها يتوارثان ويلحقها طلاقه وإيلاؤه وظهاره ولعانه إن قذفها وعليه نفقتها وكسوتها وإسكانها فإذ هي زوجته فحلال له أن ينظر منها إلى ما كان ينظر إليه منها قبل أن يطلقها وأن يطأها إذ لم يأت نص يمنعه من شيء من ذلك وقد سماه الله تعالى بعلاً لها إذ يقول عز وجل: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ)] المحلى 10/ 251. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً يملك رجعتها في عدتها لم يسقط التوارث بينهما ما دامت في العدة سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد] المغني 6/ 394. وخلاصة الأمر أن المطلقة رجعياً ترث زوجها ما دامت في العدة. سب الدين وأثره على النكاح يقول السائل: سبَّ شخص الدين في حالة غضب فقال له بعض الناس

إنك قد كفرت وخرجت من ملة الإسلام والمسلمين وإن زواجك قد صار مفسوخاً فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن من الأمور المقلقة والمنكرة انتشار سب الدين وسب الرب في المجتمع بشكل ظاهر وواضح حيث إن هذه الظاهرة المنكرة أصبحت دارجة على ألسن كثير من الناس صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً ونسمعها باستمرار كلما تصايح اثنان وهذه الظاهرة المنكرة تحتاج إلى علاج شامل لتستأصل من أوساط الناس وعلاج هذه الظاهرة يحتاج إلى تضافر الجهود من أئمة المساجد والخطباء والمربين والمدرسين والآباء والأمهات وغيرهم. ولا بد أن نغرس معاني الإيمان في نفوس أبنائنا وبناتنا ونعلمهم أن سب الدين وشتم الذات الإلهية من نواقض الإيمان. والأسرة والبيت لهما دور كبير في ذلك وكذلك المدرسة فالمربون من المدرسين والمدرسات عليهم واجب كبير في هذه القضية، خاصة نحو صغار الأطفال الذين قد يسمعون هذه الشتائم لأول مرة في المدرسة من زملائهم أو في الشارع والحق يقال إن هذه الظاهرة منتشرة في بلادنا بشكل واضح مع الأسف الشديد بخلاف كثير من بلاد المسلمين فلا تكاد توجد عندهم ولا يعرفونها. ويجب أن يعلم أن العلماء قد بينوا أن سب الدين أو سب الرب أو سب الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعد كفراً مخرجاً من الملة وهو ردة عن دين الإسلام إذا كان الساب يعلم ما يصدر عنه حتى لو كان مستهزئاً. يقول الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) سورة التوبة الآيتان 65 - 66. قال القاضي عياض: [لا خلاف أن سابَّ الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم] الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/ 267. وقال القاضي عياض أيضاً: [قد تقدم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما يجب من الحقوق للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما يتعين له من بر وتوقير وتعظيم وإكرام

وبحسب هذا حرم الله تعالى أذاه في كتابه وأجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) سورة الأحزاب الآية 57. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة التوبة الآية 61. وقال الله تعالى (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا) سورة الأحزاب الآية 53. وقال تعالى في تحريم التعريض به: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة البقرة الآية 104. وذلك أن اليهود كانوا يقولون راعنا يا محمد أي أرعنا سمعك واسمع منا ويعرِّضون بالكلمة يريدون الرعونة فنهى الله المؤمنين عن التشبه بهم وقطع الذريعة بنهي المؤمنين عنها لئلا يتوصل بها الكافر والمنافق إلى سبه والاستهزاء به] الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/ 217. وقال القاضي عياض أيضاً: [اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرَّض به أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب يقتل كما نبينه ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا نمتري فيه تصريحاً كان أو تلويحاً. وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى مضرة له أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور أو عيَّره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه. وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرَّا] الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/ 220. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام اسحق بن راهوية أحد الأئمة الأعلام قوله: (أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو دفع

شيئاً مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبياً من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله] الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 9. إذا تقرر أن سب الذات الإلهية وسب الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسب الدين كفر مخرج من الملة فيجب الانتباه إلى الفرق بين كون الشيء كفراً وتكفير الشخص الذي حصل منه ذلك بعينه فلا نستطيع أن نحكم بكفر كل إنسان إذا صدر منه ما يحكم العلماء أنه كفر لأن تكفير المعين يحتاج إلى معرفة أن موانع التكفير منتفية عن هذا الشخص المعين وقد ذكر أهل العلم أن موانع التكفير هي الخطأ والجهل والعجز والإكراه. قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين: [للحكم بتكفير المسلم شرطان: أحدهما: أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء مما يكفر. الثاني: إنطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً بذلك قاصداً له فإن كان جاهلاً لم يكفر لقوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) سورة النساء الآية 115. وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) سورة التوبة الآية 115. وقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) سورة الإسراء الآية 15. لكن إن فرط بترك التعلم والتبين لم يعذر مثل أن يبلغه أن عمله هذا كفر فلا يتثبت ولا يبحث فإنه لا يكون معذوراً حينئذ. وإن كان غير قاصد لعمل ما يكفر لم يكفر بذلك مثل أن يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ومثل أن ينغلق فكره فلا يدري ما يقول لشدة فرح ونحوه كقول صاحب البعير الذي أضلها ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بخطامها متعلقاً بالشجرة فأخذه فقال: [اللهم أنت عبدي وأنا ربك] أخطأ من شدة الفرح] فتاوى العقيدة ص263 - 264. وقد سئل الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي عن سب الدين أو الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو القرآن العظيم هل يكفر ولو كان جاهلاً؟ فقال: [هذا الباب

كغيره من أبواب الكفر يعلَّم ويؤدب فإن علِّم وعاند بعد التعليم والبيان كفر وإذا قيل لا يعذر بالجهل فمعناه يعلَّم ويؤدب وليس معناه أنه يكفر] فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي ص372. وبناءً على ما تقدم فإن كثيراً من الناس الذين يسبون الدين والرب في بلادنا وتجري هذه الكلمة على ألسنتهم لا نستطيع أن نحكم عليهم بالكفر وبفسخ زواجهم لأن هؤلاء يجهلون ما يترتب على التلفظ بالسب والشتم من نتائج وكذلك فإن السب والشتم يصدر منهم من غير قصد ولا إرادة وما كان كذلك فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ عليه كما في يمين اللغو التي يتلفظ بها الإنسان ولكنه لا يقصد اليمين فهو غير مؤاخذ بذلك، يقول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) سورة المائدة الآية 89. ويضاف إلى ذلك أن السب والشتم إذا صدر عن الإنسان وهو في حالة من الغضب الشديد بحيث أنه لا يدري ما يصدر منه فأرجو أن لا يؤاخذ على كلامه. ولا يفهمنَّ أحدٌ أن في هذا الكلام تهويناً من هذه الجريمة المنكرة والعادة القبيحة ألا وهي سب الدين والذات الإلهية والرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلى من وقع منه ذلك أن يتوب إلى الله توبة صادقة وأن يكثر من الاستغفار ومن فعل الخيرات فلعل الله أن يتوب عليه يقول سبحانه وتعالى: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) سورة الزمر الآية 53. وخلاصة الأمر أن سب الدين والرب ردة في حق من ارتكبه عامداً قاصداً عالماً به غير جاهل ولا مكره. وأما من لم يتحقق فيه ذلك فهو مرتكب لذنب عظيم وعليه التوبة بشروطها ولا يفسخ زواجه.

كفارة الظهار واجبة على الترتيب

كفارة الظهار واجبة على الترتيب تقول السائلة: هل كفارة الظهار واجبة على الترتيب أو على التخيير؟ الجواب: الظهار عند الفقهاء هو تشبيه الزوج زوجته أو جزءً منها بامرأة محرمة عليه على التأبيد. والظهار من الأمور المحرمة شرعاً وهو كبيرة من الكبائر لأن الله سبحانه وتعالى نص على أنه منكر من القول وزور. فقال الله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) سورة المجادلة الآيتان 1 - 2. قال الشيخ ابن حجر المكي: [الكبيرة السادسة والثمانون بعد المائتين قال تعالى:: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) وحكمة (مِنْكُمْ) توبيخ العرب وتهجين عادتهم في الظهار لأنه كان من أيمان الجاهلية خاصة دون سائر الأمم (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ) أي ما نساؤهم بأمهاتهم حتى يشبهوهن بهن إذ حقيقة الظهار أن يقول لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي أو نحو نحوها (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) أي ما أمهاتهم إلا والداتهم أو من في حكمهن كالمرضعة (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) أي شيئاً من القول منكراً وزوراً أي بهتاناً وكذباً إذ المنكر ما لا يعرف في الشرع والزور الكذب (وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) إذ جعل الكفارة مخلصة لهم من هذا القول المنكر والزور لا يقال المظاهر إنما شبه زوجته بنحو أمه فأي منكر وزور فيه لأنا نقول: إن قصد به الإخبار فواضح أنه منكر وكذب أو الإنشاء فكذلك لأنه جعله سبباً للتحريم والشرع لم يجعله كذلك وهذا غاية في قبح المخالفة وفحشها ومن ثم اتجه بذلك كون الظهار كبيرة لأن الله تعالى سماه زوراً والزور كبيرة كما يأتي ويوافق ذلك ما نقل عن ابن عباس من أن الظهار من الكبائر] الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 114.

وكفارة الظهار هي المنصوص عليها في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّاذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة المجادلة الآيتان 3 - 4. وكفارة الظهار واجبة على الترتيب باتفاق أهل العلم أي أن المظاهر يبدأ أولاً بعتق رقبة فإن لم يجد يصوم ستين يوماً فإن لم يستطع وكان عاجزاً عن الصيام يطعم ستين مسكيناً. قال القرطبي: [ذكر الله عز وجل الكفارة هنا مرتبة فلا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الرقبة وكذلك لا سبيل إلى الإطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام فمن لم يطق الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مدان بمد النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] تفسير القرطبي 18/ 285. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن كفارة المظاهر القادر على الإعتاق عتق رقبة لا يجزئه غير ذلك بغير خلاف علمناه بين أهل العلم والأصل في ذلك قوله تعالى:: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) إلى قوله: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) وقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأوس بن الصامت حين ظاهر من امرأته: (يعتق رقبة قلت: لا يجد قال: فيصوم) وقوله لسلمة بن صخر مثل ذلك فمن لم يجد رقبة يستغني عنها أو وجد ثمنها فاضلاً عن حاجته ووجدها به لم يجزئه إلا الإعتاق لأن وجود المبدل إذا منع الانتقال إلى البدل كانت القدرة على ثمنه تمنع الانتقال كالماء وثمنه يمنع الانتقال إلى التيمم] المغني 8/ 21 - 22. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي أيضاً: [أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد رقبة أن فرضه صيام شهرين متتابعين وذلك لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) وحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر وأجمعوا على أن من وجد رقبة فاضلة عن حاجته فليس له الانتقال إلى

الصيام] المغني 8/ 24 - 25. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي أيضاً: [أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصيام أن فرضه إطعام ستين مسكيناً على ما أمر الله تعالى في كتابه وجاء في سنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سواء عجز عن الصيام لكبر أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه أو الزيادة فيه أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع فإن أوس بن الصامت لما أمره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصيام قالت امرأته: (يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال: فليطعم ستين مسكيناً) ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال: (وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال: فأطعم) فنقله إلى الإطعام لما أخبر أن به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام وقسنا على هذين ما يشبههما في معناهما ويجوز أن ينتقل إلى الإطعام إذا عجز عن الصيام للمرض وإن كان مرجو الزوال لدخوله في قوله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) ولأنه لا يعلم أن له نهاية فأشبه الشبق ولا يجوز أن ينتقل لأجل السفر لأن السفر لا يعجزه عن الصيام وله نهاية ينتهي إليها وهو من أفعاله الاختيارية] المغني 8/ 29. ونقل الشوكاني إجماع أهل العلم على أن كفارة الظهار واجبة على الترتيب. نيل الأوطار 6/ 292. وهو قول المذاهب الأربعة انظر الموسوعة الفقهية 35/ 104 - 105 ويدل على وجوبها على الترتيب أيضاً ما ورد في حديث خولة بنت مالك قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشكو إليه ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجادلني فيه ويقول: (اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) إلى الفرض فقال: يعتق رقبة قالت: لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال: فليطعم ستين مسكيناً قالت: ما عنده من شيء يتصدق به قالت: فأُتِيَ ساعتئذ بعَرَقٍ من تمر قلت يا رسول الله فإني أعينه بعرق آخر قال قد أحسنت إذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك] قال والعَرَق ستون صاعاً، رواه أبو داود وهو حديث حسن دون قوله (والعرق.) كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 418.

لا يجوز ارتياد النساء للمسابح

ويدل على وجوب الترتيب أيضاً ما ورد في حديث سلمة بن صخر البياضي لما ظاهر من امرأته وذهب إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [أنت بذاك يا سلمة؟ قلت أنا بذاك يا رسول الله - مرتين - وأنا صابر لأمر الله فاحكم فيَّ ما أراك الله قال: حرر رقبة قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي قال: فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال: فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين مالنا طعام قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السعة وحسن الرأي وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن والحاكم وصححه وابن خزيمة وقال الألباني: حسن. المصدر السابق 2/ 417. إذا تقرر هذا فإن كفارة الظهار واجبة على الترتيب ومن قال إنها واجبة علىالتخيير فهو مخطئ وقوله مخالف لصريح الكتاب والسنة ومخالف لما اتفق عليه أهل العلم كافة. لا يجوز ارتياد النساء للمسابح يقول السائل: افتتح في بلدتنا مسبح وقد خصص يوم لسباحة النساء فقط. فما قولكم في ارتياد النساء للمسبح؟ الجواب: إن الأصل في السباحة الإباحة كما أن المعروف أن الإسلام بنى كثيراً من أحكام النساء على الستر وعدم كشف العورات وارتياد النساء للمسابح النسائية الخاصة جائز بشروط وهي: 1. ستر المرأة للعورة عن النساء ومعروف أن عورة المسلمة على المسلمة من السرة إلى الركبة. 2.

حكم عمليات التجميل

تحتاج المرأة إلى إذن زوجها إن كانت متزوجة وإذن وليها إن لم تكن متزوجة. 3. أن يكون المسبح مأموناً من اطلاع الرجال على عورات النساء. 4. أن يكون المسبح مأموناً بشكل عام فقد ورد في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين الله) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه ونفهم من هذا الحديث أنه لا يجوز للمرأة أن تخلع ثيابها في مكان غير آمن. وبما أن الأحوال والظروف التي نعيشها تقتضي منا الحرص على أعراضنا فإني أرى أنه لا يجوز ارتياد النساء للمسابح وإن كانت خاصة بالنساء وذلك من باب سد الذرائع المفضية إلى الفساد وقاعدة سد الذارئع من القواعد المقررة شرعاً ويدل عليها قوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) سورة الأنعام الآية 108. وقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا) سورة البقرة الآية 104. وما ثبت في السنة النبوية أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفَّ عن قتل المنافقين لأن قتلهم ذريعة لأن يقال إن محمداً يقتل أصحابه. رواه البخاري ومسلم. وخلاصة الأمر أنه يجب منع النساء من ارتياد المسابح حتى لو كانت خاصة درءً للمفاسد التي قد تقع نتيجة ذلك. حكم عمليات التجميل تقول السائلة: ما الحكم الشرعي لعمليات التجميل المسماة بشفط الدهون؟ الجواب: إن الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان في أحسن خلقة وأتمها كما قال جل جلاله: (ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) سورة التين الآية 4. ولكن قد تطرأ على الإنسان أمراض أو إصابات في حوادث أو

استعمال خاطىء للأدوية فينتج عن ذلك حدوث عيوب فطرية وتشوهات في الخلقة كشق في الشفة أو التصاق أصابع اليدين أو الرجلين أو اصبع زائدة أو سمنة مفرطة نتيجة خلل ما في الجسم أو التشوهات التي تنتج بسبب الحرائق أو حوادث السيارات ونحو ذلك من الحالات التي قد تحتاج إلى تدخل طبي إما بجراحة أو غيرها لتقويم ما أصاب بدن الإنسان فهذه الجراحة التجميلية تعتبر في حكم الأمر الحاجي أو الضروري حيث إن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة فتجوز الجراحة التجميلية في هذه الحالات وأمثالها. وخاصة أن هذه العيوب: [يستضر الإنسان بها حساً ومعنىً وذلك ثابت طبياً ومن ثم فإنه يشرع التوسيع على المصابين بهذه العيوب بالإذن لهم في إزالتها بالجراحة اللازمة، وذلك لما يأتي: أولاً: إن هذه العيوب تشتمل على ضرر حسي، ومعنوي وهو موجب للترخيص بفعل الجراحة لأنه يعتبر حاجة، فتنزل منزلة الضرورة ويرخص بفعلها إعمالاً للقاعدة الشرعية التي تقول: الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة. ثانياً: يجوز فعل هذا النوع من الجراحة كما يجوز فعل غيره من أنواع الجراحة المشروعة. فالجراحة العلاجية مثلاً وجدت فيها الحاجة المشتملة على ضرر الألم وهو ضرر حسي، وهذا النوع من الجراحة في كثير من صوره يشتمل على الضرر الحسي والمعنوي ولا يشكل على القول بجواز فعل هذا النوع من الجراحة، ما ثبت في النصوص الشرعية من تحريم تغيير خلقة الله تعالى وما سيأتي من الحكم بتحريم الجراحة التجميلية التحسينية وذلك لما يأتي: أولاً: إن هذا النوع من الجراحة وجدت فيها الحاجة الموجبة للتغيير، فأوجبت استثناءه من النصوص الموجبة للتحريم، قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في لعن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للواشمات والمستوشمات: [وأما قوله (المتفلجات للحسن)

فمعناه يفعلن ذلك طلباً للحسن وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس]. فبين رحمه الله أن المحرم ما كان المقصود منه التجميل والزيادة في الحسن وأما ما وجدت فيه الحاجة الداعية إلى فعله فإنه لا يشمله النهي والتحريم. وهذا النوع من الجراحة وجدت فيه الحاجة كما تقدم لأن هذه العيوب منها ما يشتمل على بعض الآلام كتشوهات الحالب وأورامه وأورام الحويضة وكسور الوجه ومنها ما يشتمل على ما هو في حكم الألم من تأذي المصاب به من فوات مصلحة العضو كما في الأصابع الملتصقة وانسداد فتحة الشرج والشق الموجود في الشفة فكل هذه أضرار موجبة للترخيص واستثناء الجراحة المتعلقة بها من عموم النهي عن تغيير الخلقة. ثانياً: إن هذا النوع لا يشتمل على تغيير الخلقة قصداً لأن الأصل فيه أنه يقصد منه إزالة الضرر، والتجميل والحسن جاء تبعاً. ثالثاً: إن إزالة التشوهات والعيوب الطارئة لا يمكن أن يصدق عليه أنه تغيير لخلقة الله، وذلك لأن خلقة العضو هي المقصودة من فعل الجراحة وليس المقصود إزالتها. رابعاً: إن إزالة تشوهات الحروق والحوادث يعتبر مندرجاً تحت الأصل الموجب لجواز معالجتها فالشخص مثلاً إذا احترق ظهره أذن له في العلاج والتداوي وذلك بإزالة الضرر وأثره لأنه لم يرد نص يستثني الأثر من الحكم الموجب لجواز مداواة تلك الحروق فيستصحب حكمه إلى الآثار ويؤذن له بإزالتها وبناء على ما سبق فإنه لا حرج على الطبيب ولا على المريض في فعل هذا النوع من الجراحة والإذن به ويعتبر جواز إزالة العيوب الخلقية في هذا النوع مبنياً على وجود الحاجة الداعية إلى فعله وأما العيوب الحادثة بسبب الحروق والحوادث ونحوها فإنه تجوز إزالتها بدون ذلك الشرط اعتباراً للأصل الموجب لجواز مداواة نفس الحرق والجرح] أحكام الجراحة الطبية ص 185 - 187.

هذا هو النوع الأول من أنواع الجراحة التجميلية وكما رأينا فهو جائز ولا بأس به بعد توفر الشروط التالية: 1. أن لا يترتب على فعلها ضرر أكبر من ضرر الحالة المرضية أو من التشوه الموجود فإذا اشتملت على ضرر أكبر فلا يجوز فعلها فإن الضرر لا يزال بمثله ولا بأكبر منه كما هو معروف من القواعد الفقهية الشرعية. 2. ألا يكون هنالك وسيلة للعلاج يكون استعمالها أهون وأسهل ولا يترتب عليها ضرر كما في الجراحة فإذا أمكن العلاج بوسائل أسهل فينبغي المصير إليها. 3. أن يغلب على ظن الطبيب الجراح نجاح العملية بمعنى أن تكون نسبة احتمال نجاح العملية أكبر من نسبة احتمال فشلها، فإذا غلب على ظن الطبيب الجراح فشل العملية أو هلاك المريض فلا ينبغي الإقدام على ذلك، قال سلطان العلماء العز ابن عبد السلام: [وأما ما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه كقطع اليد المتآكلة حفظاً للروح إذا كان الغالب السلامة فإنه يجوز قطعها] انظر العمليات التجميلية ص 34 فما بعدها. وأما النوع الثاني من عمليات التجميل فهي عمليات التجميل التحسينية التي يقصد بها تحسين المظهر وتحقيق الشكل الأفضل والصورة الأجمل دون وجود دوافع ضرورية أو حاجية تستلزم الجراحة. ومن هذا النوع عمليات تجميل الأنف إما بتصغيره أو تكبيره وتجميل الثديين للنساء بالتصغير أو التكبير وتجميل الوجه بشد التجاعيد، وتجميل الحواجب والتجميل بشد البطن أو التجميل بإزالة الدهون من الأرداف ونحو ذلك. [وهذا النوع من الجراحة لا يشتمل على دوافع ضرورية ولا حاجية بل غاية ما فيه تغيير خلقة الله تعالى والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم فهو غير مشروع ولا يجوز فعله وذلك لما يأتي: أولاً: لقوله تعالى - حكاية عن إبليس لعنه الله -: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) وجه الدلالة: أن هذه الآية الكريمة واردة في سياق الذم، وبيان المحرمات التي يسول الشيطان فعلها للعصاة من بني آدم ومنها تغيير

خلقة الله. وجراحة التجميل التحسينية تشتمل على تغيير خلقة الله والعبث فيها حسب الأهواء والرغبات فهي داخلة في المذموم شرعاً وتعتبر من جنس المحرمات التي يسول الشيطان فعلها للعصاة من بني آدم. ثانياً: لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: (سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللآتي يغيرن خلق الله) رواه مسلم. وجه الدلالة: إن الحديث دل على لعن من فعل هذه الأشياء وعلل ذلك بتغيير الخلقة وفي رواية: (والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) رواها أحمد فجمع بين تغيير الخلقة وطلب الحسن وهذا المعنيان موجودان في الجراحة التجميلية التحسينية لأنها تغيير للخلقة بقصد الزيادة في الحسن فتعتبر داخلة في هذا الوعيد الشديد ولا يجوز فعلها. ثالثاً: لا تجوز جراحة التجميل التحسينية كما لا يجوز الوشم والوشر والنمص بجامع تغيير الخلقة في كل طلباً للحسن والجمال. رابعاً: إن هذه الجراحة تتضمن في عدد من صورها الغش والتدليس وهو محرم شرعاً ففيها إعادة صورة الشباب للكهل والمسن في وجهه وجسده، وذلك مفض للوقوع في المحظور من غش الأزواج من قبل النساء اللاتي يفعلن ذلك وغش الزوجات من قبل الرجال الذين يفعلون ذلك] أحكام الجراحة الطبية ص 193 - 195. [خامساً: إن هذه الجراحة لا تخلو من الأضرار والمضاعفات التي تنشأ عنها ففي جراحة تجميل الثديين بتكبيرهما عن طريق حقن مادة السلكون أو الهرمونات الجنسية يؤدي ذلك إلى حدوث أخطار كثيرة إضافة إلى قلة نجاحها. ونظراً لخطورتها يقول بعض الأطباء المختصين: هناك اتجاه علمي بأن مضاعفات إجراء هذه العملية كثيرة لدرجة أن إجراءها لا ينصح به] المصدر السابق ص 196.

حكم إقامة الجمعيات الخيرية

إذا تقرر هذا البيان حول الجراحة التجميلية فنعود إلى عملية شفط الدهون فأقول إذا كانت عملية شفط الدهون ضرورية أو حاجية مثل حالات الترهل والسمنة المفرطة وتضخم الصدر والأرداف وتضخم الثديين فبعض النساء لديهن أثداء كبيرة مترهلة وتشكل عبئاً ثقيلاً على الجسم وتؤدي إلى أمراض وانزلاق غضروفي في الظهر وتثقل على العمود الفقري فإنه حينئذ تجوز هذه العمليات بالشروط التي ذكرتها سابقاً وخاصة أنه يمكن علاج حالات السمنة الزائدة بوسائل أسهل من الجراحة فمثلاً يمكن ممارسة التمارين الرياضية ويمكن اتباع نظام غذائي معين فيه تخفيف للسمنة ونحو ذلك من الوسائل. وأما عمليات شفط الدهون من أجل رشاقة المظهر وتقليداً للممثلات وعارضات الأزياء وغيرهن من الساقطات وهو ما يسمونه التجميل من أجل التجميل فهذه العمليات محرمة شرعاً لأن الهدف من هذه العمليات هو مراعاة مقاييس الجمال كما تصورها وسائل الإعلام المختلفة فهذه العمليات داخلة في تغيير خلق الله سبحانه وتعالى وهو من عمل الشيطان واتباع لخطوات: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) ويدخل في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله). حكم إقامة الجمعيات الخيرية يقول السائل: ما قولكم فيمن يحرم إقامة الجمعيات الخيرية التي تهتم بشؤون الأسر الفقيرة ومساعدة الطلبة المحتاجين ونحو ذلك من الأعمال الخيرية؟ الجواب: إن مما ابتليت به الأمة المسلمة في زماننا هذا كثرة المتسورين على حمى العلم الشرعي من أشباه طلبة العلم الذين يظنون أنهم بلغوا رتبة الاجتهاد وصاروا كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بل إنهم قد

يخطئون هؤلاء الأئمة الكبار وبعض هؤلاء المتعالمين لا يحسن ألف باء العلم الشرعي!! إن قضية التحليل والتحريم من أخطر القضايا الشرعية يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) سورة النحل الآية 116. قال القرطبي في تفسير هذه الآية: [ومعنى هذا أن التحليل والتحريم إنما هو لله عز وجل وليس لأحد أن يقول ويصرح بهذا في عين من الأعيان إلا أن يكون الباري تعالى يخبر بذلك عنه] تفسير القرطبي 10/ 196. وقال الشوكاني: [وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة - هو المنذر بن مالك من التابعين - قال: قرأت هذه الآية في سورة النحل: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ) إلى آخر الآية فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا. قلت - القائل الشوكاني -: صدق رحمه الله فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فتيا من أفتى بخلاف ما في كتاب الله أو في سنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما يقع كثيراً من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة وإنهم لحقيقون بأن يحال بينهم وبين فتاويهم ويمنعوا من جهالاتهم فإنهم أفتوا بغير علم من الله ولا هدى ولا كتاب منير فضلوا وأضلوا فهم ومن يستفتيهم كما قال القائل: كبهيمةٍ عمياء قاد زمامها .. أعمى على عوج الطريق الجائر] تفسير فتح القدير 3/ 201. وقال الله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا) سورة يونس الآية 59. إذا تقرر هذا فأعود إلى السؤال فأقول إن إقامة الجمعيات الخيرية لتي تساعد الفقراء والمحتاجين وتقف مع أصحاب الحاجات من طلبة العلم وغيرهم هي في الحقيقة والواقع وسيلة من الوسائل التي تحقق مقاصد الشريعة الإسلامية في رعاية الفقراء والمحتاجين وقد قرر العلماء أن للوسائل

أحكام المقاصد قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام 1/ 46. وقال الإمام القرافي: [اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها. ووسائل: وهي الطرق المفضية إليها وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل وإلى ما يتوسط متوسطة ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخصمة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح) فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة] الفروق 2/ 33. ومن المعلوم أن الإسلام قد اعتنى برعاية أصحاب الحاجات من الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل وطلبة العلم ونحوهم وقد وردت النصوص الشرعية الكثيرة في هذا الباب منها: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر) رواه البخاري ومسلم. وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما) رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرَّجَ عن مسلم كربة فرَّجَ الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر

مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّسَ اللهُ عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه) رواه مسلم. وغير ذلك من النصوص. ومن المعلوم أن القيام على شؤون الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل وطلبة العلم ونحوهم يحتاج في زماننا هذا إلى جهات مرتبة تقوم على مصالحهم وخاصة في ظل غياب دولة الإسلام التي من واجبها رعاية شؤونهم. وبما أن هذا المقصد لا يتحقق غالباً إلا من خلال إقامة الجمعيات الخيرية فتبقى إقامة الجمعيات الخيرية والمساهمة فيها لمن كان عنده المقدرة والصبر والتحمل على القيام بمثل هذه الأمور فإن ذلك من الوسائل المشروعة لتحقيق مقاصد الشارع الحكيم. ويجب التنبيه أن الجمعيات الخيرية التي أتحدث عنها هي الجمعيات التي تنطلق في أهدافها من شرع الله وتتبع في وسائلها ما شرعه الله سبحانه وتعالى ولا تتعامل بالمحرمات. وأما ما يزعمه الزاعمون من أن إقامة الجمعيات الخيرية ما هو إلا تعطيل لقيام دولة الإسلام فمجرد أوهام وسراب لا حقيقة له والواقع يكذبه ولو اتبع المسلمون هذا الرأي منذ غياب دولة الإسلام لسار المسلمون من ضياع إلى ضياع ولو عمل المسلمون بهذا الرأي لتركنا هذا العمل الخيري لأعداء المسلمين ولجمعياتهم التنصيرية فهل نترك اليتامى والفقراء والأرامل للجمعيات التنصيرية لتفعل بفقراء المسلمين الأفاعيل ولتفسد عليهم دينهم وإذا لم ننشئ المدارس والمساجد والمراكز الطبية ولجان الزكاة فمن سيتولى القيام بذلك. إن على هؤلاء الذين يحرمون الحلال أن يعلموا أنهم على خطر عظيم إن تحريم الحلال لا يقل في خطورته عن تحليل الحرام وإن

العلماء قد قرروا أن الأصل في الأشياء الإباحة يقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) سورة البقرة الآية 29. وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) سورة لقمان الآية 20. وقد ورد في الحديث عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً وتلا قوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) سورة مريم الآية 64) رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال العلامة الألباني حديث حسن، انظر غاية المرام ص14. وقال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله ورعاه: [وأحب أن أنبه هنا على أن أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة وهي التي نسميها (العادات والمعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد إلا ما حرمه الشارع وألزم به وقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) سورة الأنعام الآية 119 , عام في الأشياء والأفعال. وهذا بخلاف العبادة فإنها من أمر الدين المحض الذي لا يؤخذ إلا عن طريق الوحي وفيها جاء الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ). وذلك أن حقيقة الدين تتمثل في أمرين: ألا يعبد إلا الله وألا يعبد الله إلا بما شرع فمن ابتدع عبادة من عنده كائناً من كان فهي ضلالة ترد عليه لأن الشارع وحده هو صاحب الحق في إنشاء العبادات التي يتقرب بها إليه. وأما العادات أو المعاملات فليس الشارع منشئاً لها بل الناس هم الذين أنشؤوها وتعاملوا بها والشارع جاء مصححاً لها ومعدلاً ومهذباً ومقراً في بعض الأحيان ما خلا عن الفساد والضرر منها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه

والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله والعبادة لا بد أن تكون مأموراً بها فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه محظور؟ ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) سورة الشورى الآية 21. والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه وإلا دخلنا في معنى قوله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا) سورة يونس الآية 59. وهذه قاعدة عظيمة نافعة وإذا كان كذلك فنقول: البيع والهبة والإجارة وغيرها من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم كالأكل والشرب واللباس فإن الشريعة قد جاءت في هذه العادات بالآداب الحسنة فحرمت منها ما فيه فساد وأوجبت ما لا بد منه وكرهت ما لا ينبغي واستحبت ما فيه مصلحة راجحة في أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاتها. وإذا كان كذلك فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف يشاؤون ما لم تحرم الشريعة كما يأكلون ويشربون كيف شاؤوا ما لم تحرم الشريعة وإن كان بعض ذلك قد يستحب أو يكون مكروهاً وما لم تحد الشريعة في ذلك حداً فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي] القواعد النورانية 112 - 113. ومما يدل على هذا الأصل المذكور ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: [كنا نعزل والقرآن ينزل فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن] فدل على أن ما سكت عنه الوحي غير محظور ولا منهي عنه وأنهم في حل من فعله حتى يرد نص بالنهي والمنع. وهذا من كمال فقه الصحابة رضي الله عنهم وبهذا تقررت هذه القاعدة الجليلة: (ألا تشرع عبادة إلا بشرع الله ولا تحرم عادة إلا بتحريم الله)] الحلال والحرام ص21 - 23. وخلاصة الأمر أنه ينبغي إقامة الجمعيات الخيرية المنطلقة في أهدافها ووسائلها وتعاملها من شرع الله. وإن إقامة هذه الجمعيات الخيرية يدخل في عموم قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى).

فضل كفالة اليتيم

فضل كفالة اليتيم يقول السائل: ما هو فضل كافل اليتيم وبم تكون كفالة اليتيم وكيف تقدر الكفالة المالية لليتيم؟ الجواب: كفالة اليتيم من أعظم أبواب الخير التي حثت عليها الشريعة الإسلامية قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) سورة البقرة الآية 215. وقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) سورة النساء الآية 36. ووردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه منها: عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرَّج بينهما) رواه البخاري قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: [قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك]. ثم قال الحافظ ابن حجر: وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى وهو نظير الحديث الآخر: (بعثت أنا والساعة كهاتين) الحديث]. وقال الحافظ أيضاً: [قال شيخنا في شرح الترمذي: لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو منزلة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكون النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلاً لهم ومعلماً ومرشداً وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك أهـ ملخصاً] فتح الباري 10/ 536 - 537.

وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ضم يتيماً بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة) رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد مختصراً بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري. وقال الألباني صحيح لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/ 676. وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: (أتى النبيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ يشكو قسوة قلبه؟ قال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك) رواه الطبراني وقال الألباني حسن لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/ 676. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر) رواه البخاري ومسلم، وغير ذلك من الأحاديث. وكفالة اليتيم تكون بضم اليتيم إلى حِجر كافله أي ضمه إلى أسرته فينفق عليه ويقوم على تربيته وتأديبه حتى يبلغ لأنه لا يتم بعد الإحتلام والبلوغ. وهذه الكفالة هي أعلى درجات كفالة اليتيم حيث إن الكافل يعامل اليتيم معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية وغير ذلك. وهذه الكفالة كانت الغالبة في عصر الصحابة كما تبين لي من استقراء الأحاديث الواردة في كفالة الأيتام فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم ومن الأمثلة الواضحة على ذلك حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن) قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أمرنا بالصدقة فإته فاسأله فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها إلى غيركم قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنت قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاجتي حاجتها قالت: وكان رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد ألقيت عليه المهابة قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزيء الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبره من نحن قالت: فدخل

بلال على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الزيانب؟ من هما؟ قال: امرأة عبد الله فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة) رواه البخاري ومسلم. والشاهد في الحديث: (وعلى أيتام في حجورهما). وعن عمارة بن عمير عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجري يتيم أفآكل من ماله؟ فقالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن. وتكون كفالة اليتيم أيضاً بالإنفاق عليه مع عدم ضمه إلى الكافل كما هو حال كثير من أهل الخير الذين يدفعون مبلغاً من المال لكفالة يتيم يعيش في جمعية خيرية أو يعيش مع أمه أو نحو ذلك فهذه الكفالة أدنى درجة من الأولى ومن يدفع المال للجمعيات الخيرية التي تعنى بالأيتام يعتبر حقيقة كافلاً لليتيم وهو داخل إن شاء الله تعالى في قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا). قال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة) كافل اليتيم القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه، أو من مال اليتيم بولاية شرعية. وأما قوله: وله أو لغيره فالذي له أن يكون قريباً له كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته وغيرهم من أقاربه، والذي لغيره أن يكون أجنبياً] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 408. وكفالة اليتيم المالية تقدر حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول بحيث تشمل حاجات اليتيم الأساسية دون الكمالية فينبغي أن يتوفر لليتيم المأكل والمشرب والملبس والمسكن والتعليم بحيث يعيش اليتيم حياة كريمة ولا يشعر بفرق بينه وبين أقرانه ممن ليسوا بأيتام. وأرى أنه في الظروف الحالية التي نعيشها ينبغي ألا تقل كفالة اليتيم عن خمسين دولاراً

اقتناء الكلب في المنزل

حتى يضمن لليتيم الحد الأدنى من العيش الكريم. ولا بأس أن يشارك أكثر من شخص في كفالة اليتيم الواحد. اقتناء الكلب في المنزل يقول السائل: إن لهم جيراناً يقتنون كلباً في بيتهم ويعتنون به عناية كبيرة وينتقل الكلب في غرف البيت ويلعب مع أهل البيت ويركبونه في سيارتهم عند خروجهم من البيت ويشترون له طعاماً خاصاً فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن اقتناء الكلاب في البيوت لغير حاجة مشروعة من التقليد الأعمى لحضارة الغرب التي صارت تعتني بالكلاب في بلادها أكثر من عنايتها بالإنسان في آسيا وإفريقيا فالكلاب في أوروبا وأمريكا لها قيمة كبيرة فتراهم يهتمون بشؤونها اهتماماً عظيماً وينفقون عليها المليارات من الدولارات فقد جاء في إحصائية نشرت قبل حوالي عشر سنوات أن ما أنفق على الكلاب والقطط في أمريكا قد بلغ ثلاثة مليارات من الدولارات؟!! والكلاب في الغرب محترمة ومرفهة وتجد الكلاب من الطعام ما لا يجده ملايين البشر الجوعى في إفريقيا وآسيا وتقام للكلاب الحفلات والمسابقات لاختيار أجمل كلب وتنشأ لها فنادق ومستشفيات وتستعمل الكلاب في ديار الغرب لأمور كثيرة ومنها أمور تتعلق بالشذوذ الجنسي؟!! وأمور يندى الجبين من ذكرها. هذا شيء قليل من اهتمام الغربيين بالكلاب والذي أصبح مثلاً يحتذى به في ديار المسلمين مع الأسف الشديد. ومعلوم أن الإسلام قد بين ووضح الأحكام الشرعية المتعلقة بالكلاب واقتنائها. فقد جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو ضارٍِ نقص من عمله كل يوم قيراطان) رواه مسلم والكلب الضاري هو كلب الصيد كما قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم 4/ 183.

وفي رواية أخرى عند مسلم: [من اتخذ كلباً إلا كلب زرع أو غنم أو صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط]. وعن سفيان بن أبي زهير وكان من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله قيراط) رواه البخاري ومسلم، وغير ذلك من الأحاديث. وقد أخذ جمهور أهل العلم من هذه الأحاديث تحريم اقتناء الكلاب لغير حاجة مشروعة. انظر المغني 4/ 191. ككلاب الصيد والحراسة وكلاب تتبع أثر اللصوص أو التي تكشف عن المخدرات ونحوها وأما عدا ذلك فيحرم اقتناؤها كما تدل على ذلك الأحاديث السابقة. قال الحافظ أبو العباس القرطبي: [واختلف في معنى قوله: (نقص من عمله كل يوم قيراطان) وأقرب ما قيل في ذلك قولان: أحدهما: أن جميع ما عمله من عمل ينقص لمن اتخذ ما نهي عنه من الكلاب بإزاء كل يوم يمسكه فيه جزءان من أجزاء ذلك العمل وقيل: من عمل ذلك اليوم الذي يمسكه فيه وذلك لترويع الكلب للمسلمين وتشويشه عليهم بنباحه ومنع الملائكة من دخول البيت ولنجاسته على ما يراه الشافعي. الثاني: أن يحبط من عمله كله عملان أو من عمل يوم إمساكه - على ما تقدم - عقوبة له على ما اقتحم من النهي والله تعالى أعلم] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 4/ 451 - 452. والكلب نجس العين على الراجح من أقوال أهل العلم وهو قول الشافعية والحنابلة وقول أبي حنيفة والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وغيرهم. انظر المجموع 2/ 567، المغني 1/ 36. ويدل على ذلك قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) رواه مسلم. فهذا الحديث يدل على نجاسة الكلب لأنه لا غسل إلا من حدث أو نجس وليس هنا حدث فتعين النجس كما قال الصنعاني في سبل السلام 1/ 22.

ويجب أن يعلم أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أخبر وخبره صدق وحق أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب فقد ثبتت الأحاديث في ذلك ومنها عن أبي طلحة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة) رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (واعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جبريل عليه السلام في ساعة يأتيه فيها فجاءت تلك الساعة ولم يأته وفي يده عصا فألقاها من يده وقال: ما يخلف الله وعده ولا رسله. ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره، فقال: يا عائشة متى دخل هذا الكلب ههنا؟ فقالت: والله ما دريت فأمر به فأخرج فجاء جبريل، فقال رسول اله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: واعدتني فجلست لك فلم تأت. فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة) رواه مسلم. وعن ابن عباس قال: (أخبرتني ميمونة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبح يوماً واجماً، فقالت ميمونة: يا رسول الله لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم. قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن جبريل كان وعدني أن يلقاني فلم يلقني أما والله ما أخلفني. قال: فظل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومه ذلك على ذلك ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا فأمر به فأخرج ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه فلما أمسى لقيه جبريل فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة. قال: أجل ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة فأصبح رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ فأمر بقتل الكلاب حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير ويترك كلب الحائط الكبير) رواه مسلم. قال الإمام النووي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [(لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة) قال العلماء: سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى. وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات ولأن بعضها يسمى شيطاناً كما جاء به الحديث والملائكة ضد الشياطين ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها

عليه وفي بيته ودفعها أذى للشيطان وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في كل حال لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 269 - 270. وقد أيد العلم الحديث ما ورد في السنة النبوية من النهي عن اقتناء الكلاب لما في ذلك من أضرار كثيرة على صحة الإنسان. [فالكلب ناقل لبعض الأمراض الخطيرة إذ تعيش في أمعائه دودة تدعى المكورة المقنفذة تخرج بيوضها مع برازه وعندما يلحس دبره بلسانه تنتقل هذه البيوض إليه ثم تنتقل منه إلى الأواني والصحون وأيدي أصحابه ومنها تدخل إلى معدتهم فأمعائهم فتنحل قشرة البيوض وتخرج منها الأجنة التي تتسرب إلى الدم والبلغم وتنتقل بهما إلى جميع أنحاء الجسم وبخاصة إلى الكبد لأنه المصفاة الرئيسة في الجسم فتتوضع فيه كما قد تتوضع في الدماغ أو الرئتين أو العظام أو العضلات أيضاً. ولكن توضعها في الكبد أكثر ثم تنمو في العضو الذي تتوضع فيه وتشكل كيساً مملوءً بالأجنة الأبناء وبسائل صاف كماء الينبوع وقد يكبر الكيس حتى يصبح بحجم رأس الجنين وقد تكون الأكياس متعددة. ويسمى المرض داء الكيسة المائية وتكون أعراضه على حسب العضو الذي تتوضع فيه وأخطرها ما كان في الدماغ أو في عضلة القلب. ولم يكن له علاج سوى العملية الجراحية ثم ظهرت بعض الأدوية التي تفيد فيه وإن كانت لا تزال تحت التجربة. وثمة داء آخر خطر ينقله الكلب وهو داء الكلب الذي سببه حمة راشحة - فيروس - يصاب به الكلب أولاً ثم ينتقل منه إلى الإنسان عن طريق لعاب الكلب بالعض أو بلحسه جرحاً في جسم الإنسان وقد ينتقل المرض قبيل ظهور أعراض المرض على الكلب أو بعد ظهورها ومتى ظهرت أعراض الداء على الإنسان أصبح الموت محتماً 100% إلا بمشيئة الله تعالى لذلك يلجأ إلى إعطاء الإنسان اللقاح الواقي من المرض منذ أن يعضه كلب حتى يثبت عدم إصابته الكلب بداء الكلب] الحقائق الطبية في الإسلام ص 106.

ونشرت مجلة العربي في عددها رقم 395 لسنة 1991 تحت عنوان " في بيتنا كلب " ما يلي: من ضمن الأمراض التي يصاب بها الكلب ما يأتي: 1. الكَلَبْ: مرض يصيب الكلب بفعل فيروس خاص تستهويه الأنسجة العصبية في الجسم فيصاب بالجنون أو السعار من مظاهره التيه والشرود واحمرار في العينين مع فك متدل ولعاب يسيل فإذا أصاب الإنسان يصبه بتشنجات وهذيان وتكون خاتمته الموت الزؤام حيث لا علاج إلا الوقاية. 2. داء اللينتمانيا: طفيليات وحيدة الخلية إذا ما أصابت الإنسان تمرضه بإحدى صورتين: أ. جلدية فينفرج الجلد ويعاني من قرحة مزمنة. ب. إصابة الأحشاء فيعاني المريض بها من حمى وصداع وتضخم في الكبد والطحال. وهذه الطفيليات تنقلها بعوضة صغيرة والكلب أحد ضحايا المرض لجانب الإنسان فلهذا هو مصدر خطر كامن لهذا الداء. 3. الديدان الشرطية. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز اقتناء الكلاب إلا للحاجات التي أقرها الشرع.

متفرقات

متفرقات

انهيار مركز التجارة العالمي والتلاعب بآيات القرآن الكريم

انهيار مركز التجارة العالمي والتلاعب بآيات القرآن الكريم السؤال: سألني عدد من المصلين عن ورقة وزعت في بعض المساجد وهي بعنوان إحدى معجزات القرآن الكريم نقدمها للمسلمين واليهود والنصارى وجاء فيها: [انهار مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك في 11/ 9/2001 والذي يقع على ناصية شارع (جرف هار)، وفي هذا يقول الله رب العزة العلي القدير قبل 1400سنة وقبل أن يأتي العالم بشارع (جرف هار) ويقيم فيه هذا المبنى ... بسم الله الرحمن الرحيم (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة التوبة آية 109 وبالبحث في المصحف الشريف نجد أن تقع الآية 109 من سورة التوبة في الجزء (11) (يوم الانهيار) رقم سورة التوبة في المصحف الشريف هو (9) (شهر الانهيار) عدد كلمات السورة من أولها وحتى نهاية هذه الآية (2001) كلمة (عام الانهيار). فسبحان الله العلي القدير، فهل للملحدين ومن ليس لهم دين أن يؤمنوا بإله واحد لا شريك له، الذي أخبرنا بكل الأحداث في كتابه الكريم منذ 1400سنة على لسان نبيه الأمين (محمد) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نرجو تصوير وإهداء هذه المعجزة للكثير من الأحباب وجزاكم الله خيراً].

والجواب: لابد أن أبين أولاً أن بعض الناس قد تجاوزوا حدودهم ووصل بهم الأمر إلى أن يتلاعبوا بكتاب الله سبحانه وتعالى وقالوا في القرآن الكريم بمجرد آرائهم السقيمة التي لا تعتمد على أي أصل علمي معتبر عند أهل العلم وإنما هي الأهواء والشهوات. إن هؤلاء الجهلة يفسرون القرآن الكريم حسب أهوائهم وشهواتهم وما علموا أن تفسير كلام رب العالمين له قواعد وأصول وضوابط لا بد من معرفتها قبل أن يخوض أي أحد في تفسير القرآن الكريم وقد حذر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الجرأة على الخوض في كلام الله تعالى بغير علم فقد روى الترمذي بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وحسنه البغوي في شرح السنة 1/ 258. وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) رواه الترمذي وقال حديث حسن وحسنه البغوي في شرح السنة 1/ 257. وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ) رواه الترمذي ثم قال: [هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم] سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 11/ 50 - 51. وقد ذكر الإمام القرطبي في مقدمة تفسيره باباً بعنوان (ما جاء في الوعيد في تفسير القرآن بالرأي والجرأة على ذلك) وذكر فيه الأحاديث السابقة ثم ذكر أقوال أهل العلم في التحذير الشديد من التلاعب بكلام الله وتفسيره حسب الآراء والأهواء التي لا تقوم على أساس صحيح ونقل عن ابن عطية قوله: [وكان جلة من السلف الصالح كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعاً واحتياطاً لأنفسهم

مع إدراكهم وتقدمهم قال أبو بكر الأنباري: وقد كان الأئمة من السلف الماضي يتورعون عن تفسير المشكل من القرآن؛ فبعض يقدر أن الذي يفسره لا يوافق مراد الله عز وجل فيحجم عن القول. وبعض يشفق من أن يُجعَل في التفسير إماماً يُبنى على مذهبه ويُقتفى طريقُه. فلعل متأخراً أن يفسر حرفاً برأيه ويخطئ فيه ويقول: إمامي في تفسير القرآن بالرأي فلان الإمام من السلف، وعن ابن أبي مليكة قال: (سئل أبو بكر الصديق- رضي الله عنه - عن تفسير حرف من القرآن فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني! وأين أذهب! وكيف أصنع! إذا قلت في حرف من كتاب الله تعالى بغير ما أراد تبارك وتعالى) تفسير القرطبي 1/ 33 - 34. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [من تسور على تفسير القرآن فصور صورة خطأ فله الويل، ومن أصاب فمثله، كما روى أبو عيسى وهكذا قال النبي عليه السلام في القاضي أنه إذا حكم بجهل وأصاب فله النار لإقدامه على ما لا يحل في أمر يعظم قدره وهو الإخبار عن الله بما لم يشرع في حكمه أو إخباره عن ما لم يرده بقوله في وحيه) عارضة الأحوذي 11/ 52. إذا تقرر أنه لا يجوز لأحد أن يقدم على تفسير كلام رب العالمين إلا إذا حصلت عنده أهلية لذلك فأعود إلى ما جاء في الورقة المذكورة في السؤال فأقول إن كاتب هذه الورقة قد أعظم الفرية على كلام رب العالمين وقال في القرآن بهواه وتلاعب بالذكر الحكيم فالويل له ثم الويل له عندما يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى فإنه قد جزم قائلاً بأن الله جل جلاله قد قال في انهيار مركز التجارة العالمي الآية الكريمة: [وفي هذا يقول الله رب العزة العلي القدير.] ثم يفسر هذا المتلاعب قوله تعالى: (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) بأنه اسم للشارع الذي يقع فيه مركز التجارة العالمي (جرف هار) وهذا كذب واضح وقول في كتاب الله بغير علم وجرأة عجيبة غريبة على كلام الله سبحانه وتعالى ولنرجع إلى ما قاله أهل العلم في معنى جرف هار، قال الراغب الأصفهاني:

[قال عز وجل: (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه أي يذهب به جرف وقد جرف الدهر ماله أي اجتاحه تشبيهاً به] المفردات ص91. وقال الراغب أيضاً: [هار: يقال بئر هائر وهار وهارٍ ومهار ويقال انهار فلان إذا سقط من مكان عال ورجل هار وهائر ضعيف في أمره تشبيهاً بالبئر الهائر] المفردات ص547. وذكر الألوسي أن معنى قوله تعالى: (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) أي طرفه ومنه أشفى على الهلاك أي صار على شفاء وشفي المريض لأنه صار على شفاء البرء والسلامة. وقيل هو الهوة وما يجرفه السيل من الأودية لجرف الماء له أي أكله وإذهابه (هار) أي متصدع مشرف على السقوط وقيل ساقط وهو نعت لجرف] تفسير الألوسي 11/ 21. وبهذا يظهر لنا أن الجرف الهار هو البئر الساقط أو المنهار وهما كلمتان عربيتان فصيحتان وليستا اسم شارع في نيويورك كما زعم هذا الأفاك الأثيم. ثم زعم الكاتب والزعم مطية الكذب أن الآية 109 من سورة التوبة وأنها واقعة في الجزء الحادي عشر من القرآن ورقم سورة التوبة هو التاسع في ترتيب سور القرآن الكريم وأن عدد كلمات سورة التوبة حتى نهاية الآية هو 2001 ويشير بذلك إلى تاريخ حادثة انهيار مركز التجارة العالمي 11/ 9/2001 م وأقول إن هذا من التخرص والقول في كتاب الله بغير علم. والسؤال الذي يطرح نفسه من أين أتى هذا الكاتب بهذا التفسير العددي الذي تفوح منه رائحة الكذب والدجل بل هو دجل بلا خجل وتكلف باطل وتحميل لكلام الله تعالى ما لا يحتمل ومما يؤكد أن هذا الكلام زور وبهتان أن الكاتب زعم أن عدد كلمات سورة التوبة من أولها وحتى نهاية الآية التي استدل بها هو 2001 كلمة وهذا غير صحيح حيث إنني قمت بعدِّ الكلمات فوجدت أن عددها هو 2083 كلمة حسب رسم المصحف ويزيد العدد عن ذلك إن لم نعتبر رسم المصحف وهذا يثبت كذب هذه الدعوى العريضة. ثم لماذا يؤرخ القرآن بالتاريخ الميلادي؟؟!! ويذكرني هذا الكلام بما قاله الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله في أحد أشرطته أنه لما زار القاهرة رئيس

يوغسلافيا السابق (تيتو) ظهر أحد الدجالين من اللابسين لباس العلماء وقال إن الله قد ذكر (تيتو) في القرآن الكريم ألا ترون قوله تعالى: (أوتيتم) فلفظها بطريقة توافق اسم تيتو؟ وهكذا يكون التلاعب في كتاب الله تعالى لخدمة الأهواء والشهوات. إن الآية الكريمة من سورة التوبة نزلت في حادثة مسجد الضرار الذي بناه بعض المنافقين يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآيات 107 - 110. قال ابن كثير: [سبب نزول هذه الآيات الكريمات أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليها رجل من الخزرج يقال له: أبو عامر الراهب , وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب وكان فيه عبادة في الجاهلية وله شرف في الخزرج كبير. فلما قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مهاجراً إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وصارت للإسلام كلمة عالية وأظهرهم الله يوم بدر شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز بالعداوة وظاهر بها وخرج فارَّاً إلى كفار مكة من مشركي قريش فألَّبهم على حرب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدموا عام أحد فكان من أمر المسلمين ما كان وامتحنهم الله وكانت العاقبة للمتقين وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين فوقع في إحداهن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصيب ذلك اليوم فجرح في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى وشج رأسه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته فلما عرفوا كلامه قالوا: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق يا عدو الله ونالوا منه وسبوه. فرجع وهو يقول: والله لقد أصاب قومي بعدي شر. وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد دعاه إلى الله قبل فراره وقرأ عليه من القرآن فأبى أن يسلم وتمرد فدعا عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يموت بعيداً طريداً

فنالته هذه الدعوة وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد ورأى أمر الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ارتفاع وظهور ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوعده ومنَّاه وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويغلبه ويرده عما هو فيه وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى تبوك وجاءوا فسألوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته عليه السلام فيه على تقريره وإثباته وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية. فعصمه الله من الصلاة فيه فقال: (إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله) فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على التقوى. فبعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ذلك المسجد منْ هدمه قبل مقدمه المدينة. كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا) وهم أناس من الأنصار ابتنوا مسجداً فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجداً واستعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم وأخرج محمداً وأصحابه فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة. فأنزل الله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ. الظالمين)] تفسير ابن كثير 3/ 440 - 441. وخلاصة الأمر أنه يحرم التلاعب بكلام رب العالمين كما فعل كاتب الورقة محل السؤال وأقول إنه يحرم تصوير هذه الورقة كما يحرم توزيعها على الناس لما فيها من الكذب على الله والدجل والخزعبلات والخرافات.

القصاص الجدد

القُصَّاص الجدد يقول السائل: ما قولكم فيمن يربطون الأحداث التي وقعت في أفغانستان وما تعلق بها بالآيات القرآنية الواردة في قصة موسى عليه السلام مع فرعون ربطاً تفصيلياً حيث إنهم يجعلون لكل حدث من الأحداث مهما كان صغيراً ارتباطاً بآية قرآنية وإن كثيراً من عامة الناس قد صدقوا هذه التفسيرات؟ الجواب: عرف التاريخ الإسلامي جماعة من الوعاظ والقُصَّاص الذين كانوا يحدثون الناس في المساجد بالغرائب والأباطيل والأكاذيب وكان هؤلاء القصاص يستميلون قلوب العامة إليهم بذلك قال ابن قتيبة: [. القصاص فإنهم يميلون وجه العوام إليهم ويشيدون ما عندهم بالمناكير والأكاذيب من الأحاديث ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجيباً خارجاً عن نظر المعقول أو كان رقيقاً يحزن القلب.] تأويل مختلف الحديث ص357. والعامة في كل عصر مولعون بالغريب ويعجبون بالخرافة ويستمتعون بالعجائب وقد ظهر في زماننا هذا نوع جديد من القصاص يهواهم العامة ويتحلقون حولهم ويظنونهم من المجددين لدين الإسلام وهؤلاء القصاص الجدد يزعمون أن عندهم فهماً جديداً لآيات القرآن وينزلون آيات الكتاب الكريم على الواقع الذي تعيشه الأمة المسلمة اليوم وهو واقع مرير بلا شك. ويتعلق العامة بالقصاص الجدد بسبب حالة الضعف والذلة والهوان التي تعيشها الأمة المسلمة ونظراً لحالة العداء الشديدة للغرب عامة ولأمريكا خاصة السائدة اليوم في العالم الإسلامي فلما سمع عامة الناس كلام القصاص الجدد حول دمار أمريكا وغرقها وتدمير أبراجها إلى آخر المقولة التي يرددها القصاص الجدد تعلق العامة بهذا الكلام كتعلق الغريق بالقشة. وأذكر هنا أمثلة من ربط الأحداث الحالية بالآيات القرآنية مما يروج على العامة وأشباه طلبة العلم فمن ذلك: إن قصة موسى عليه السلام المذكورة في سورة القصص تنطبق على أمريكا اليوم وأن أمريكا ستغرق

كما غرق فرعون وسيكون غرق أمريكا خلال سنة أو سنتين!!! قال الله تعالى: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّاءَاسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لْآخِرِينَ) سورة الزخرف الآيات 51 - 56. الزعم بأن كلمة فرعون تعني البيت العظيم ويوجد اليوم البيت الأبيض قال الله تعالى (. سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ). الزعم بأن ما ورد في سورة القصص من ذكر لبعض الأمور بصيغة المثنى مثل (رجلين) (امرأتين) (الأجلين) (فذانك برهانان) (سحران تظاهرا) (أهدى منهما) (أجرهم مرتين) إن هذه التثنية تدل على أن القصة ستحدث مرتين الأولى مع فرعون والثانية مع أمريكا!!! الزعم بأن قصة قارون المذكورة في سورة القصص تنطبق على السعودية لأن قارون كان من قوم موسى واليوم أسامة بن لادن سعودي فقارون هو السعودية. فالله آتى قارون من الكنوز: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّة) والله سبحانه وتعالى أعطى السعودية آبار النفط. الزعم بأن المراد بقوله تعالى على لسان فرعون: (فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) أن الصرح هو المرصد الفلكي وأمريكا أطلقت التلسكوب الفضائي هابل. الزعم بأن فرعون كان يقاتل القاعدة: (فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا) وأمريكا اليوم تقاتل شبكة القاعدة والناس تقول للقاعد فزّ!!!

الزعم بأن قوله تعالى مخاطباً موسى: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) ينطبق على انضمام جماعة الجهاد إلى القاعدة والآية قالت (عَضُدَكَ) والظواهري اسمه أيمن!!! الزعم بأن قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ) بأنه ينطبق على مصاهرة أسامة بن لادن للملا عمر!!! الزعم بأن قوله تعالى: (فسقى لهما) ينطبق على حفر أسامة بن لادن لآبار المياه في أفغانستان!!! الزعم بأن تحالف الشمال الأفغاني ينطبق عليه قوله تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) وقوله تعالى (والذين ظاهروهم) هم بنو قريظة والنسبة إليهم قرظي وقرظاي هو زعيم الحكومة الأفغانية الآن!!! الزعم بأن قوله تعالى: (وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا) هي 10% من أرض أفغانستان التي كانت بأيدي تحالف الشمال الأفغاني حيث إن الطالبان والقاعدة سينتصرون عليهم ويطؤوا تلك الأرض التي لم يطؤوها من قبل!!! الزعم بأن هناك توافقاً بين اسم موسى عليه السلام واسم أسامة بن لادن ففي قصة موسى في سورة القصص قال تعالى: (طسم) وأن السين والميم هما الحرفان المركزيان في اسم موسى وكذلك هما في اسم أسامة. والزعم بأن أوصاف موسى تنطبق على أسامة بن لادن من حيث الطول والسواد والأنف وحمل العصا فأسامة كذلك، إلى غير ذلك من المزاعم والترهات التي حاولوا إلصاقها بآيات الكتب المبين وبهر بها العامة. إنه نوع جديد من التلاعب بكلام رب العالمين إن كلام الله أجل وأعظم من هذه الأباطيل والترهات. وأقول في إبطال هذا الكلام ما يلي: ينبغي أن يعلم أنني لا أكتب هذا الكلام إلا دفاعاً عن كتاب الله سبحانه وتعالى وكلامي لا يعني أنني حريص على بقاء أمريكا بل إن كل مسلم يتمنى أن يقصم الله ظهر دول الكفر وعلى رأسها أمريكا. ولكنه الدفاع عن كلام رب العالمين حتى لا يكون لعبة للمتلاعبين بأقدس ما يملك المسلمون وألخص ردي فيما يلي: أولاً: إن تفسير كلام رب العالمين ليس من شأن العوام ولا من شأن

أشباه طلبة العلم إن تفسير كلام رب العالمين له قواعده وضوابطه التي قررها العلماء ولا بد من معرفتها قبل أن يخوض أي أحد في تفسير القرآن الكريم وقد حذر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الجرأة على الخوض في كلام الله تعالى بغير علم فقد روى الترمذي بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وحسنه البغوي في شرح السنة 1/ 258. وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) رواه الترمذي وقال حديث حسن وحسنه البغوي في شرح السنة 1/ 257. وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ) رواه الترمذي ثم قال: [هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم] سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 11/ 50 - 51. وقد ذكر الإمام القرطبي في مقدمة تفسيره باباً بعنوان (ما جاء في الوعيد في تفسير القرآن بالرأي والجرأة على ذلك) وذكر فيه الأحاديث السابقة ثم ذكر أقوال أهل العلم في التحذير الشديد من التلاعب بكلام الله وتفسيره حسب الآراء والأهواء التي لا تقوم على أساس صحيح ونقل عن ابن عطية قوله: [وكان جلة من السلف الصالح كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعاً واحتياطاً لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم قال أبو بكر الأنباري: وقد كان الأئمة من السلف الماضي يتورعون عن تفسير المشكل من القرآن؛ فبعض يقدر أن الذي يفسره لا يوافق مراد الله عز وجل فيحجم عن القول. وبعض يشفق من أن يجعل في التفسير إماماً يبنى على مذهبه ويقتفى طريقه. فلعل متأخراً أن يفسر حرفاً برأيه ويخطئ فيه ويقول: إمامي في تفسير القرآن بالرأي فلان الإمام من السلف وعن ابن أبي مليكة قال: سئل أبو بكر الصديق- رضي الله عنه - عن تفسير حرف من القرآن فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني!

وأين أذهب! وكيف أصنع! إذا قلت في حرف من كتاب الله تعالى بغير ما أراد تبارك وتعالى) تفسير القرطبي 1/ 33 - 34. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [من تسور على تفسير القرآن فصور صورة خطأ فله الويل، ومن أصاب فمثله، كما روى أبو عيسى وهكذا قال النبي عليه السلام في القاضي أنه إذا حكم بجهل وأصاب فله النار لإقدامه على ما لا يحل في أمر يعظم قدره وهو الإخبار عن الله بما لم يشرع في حكمه أو إخباره عن ما لم يرده بقوله في وحيه) عارضة الأحوذي 11/ 52. ثانياً: لا شك أن الله سبحانه وتعالى حث على الاتعاظ والاعتبار بآيات القرآن الكريم قال الله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) سورة القمر الآية 17. وهذه الآية تمسك بها القصاص الجدد ليفتحوا لأنفسهم باب القول في القرآن الكريم وفق أهوائهم وشهواتهم فيرون أنه لا يوجد أية شروط لمن أراد الادكار أي التفسير حتى لو كان كافراً. وهذا الكلام الباطل يرده ما قاله المفسرون في معنى الآية وهو (والله لقد سهلنا القرآن للحفظ والتدبر والاتعاظ لما اشتمل عليه من أنواع المواعظ والعبر (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي فهل من متعظ بمواعظه معتبر بقصصه وزواجره) انظر تفسير الألوسي 14/ 83. تفسير ابن كثير 6/ 50، صفوة التفاسير 3/ 286. إن الادكار والاتعاظ والاعتبار شيء والتلاعب بكتاب الله شيء آخر ولا يقبل بحال من الأحوال أن يقول إنسان مهما كان برأيه في كتاب الله ثم يقول إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان فلو قال إنسان مثلاً إن المراد بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) البقرة هي عائشة رضي الله عنها ثم يقول هذا رأيي فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فالله ورسوله منه بريئان!!! هل يكون هذا الكلام مقبولاً؟ بالتأكيد لا، لأن التفسير له قواعده وأصوله. قال الشيخ مناع القطان رحمه الله: [ذكر العلماء للمفسر شروطاً نجملها فيما يلي: 1.

صحة الاعتقاد: فإن العقيدة لها أثرها في نفس صاحبها، وكثيراً ما تحمل ذويها على تحريف النصوص والخيانة في نقل الأخبار، فإذا صنف أحدهم كتاباً في التفسير أوَّل الآيات التي تخالف عقيدته، وحملها باطل مذهبه، ليصد الناس عن اتباع السلف، ولزوم طريق الهدى. 2. التجرد عن الهوى: فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذهبهم، فيغرون الناس بلين الكلام ولحن البيان، كدأب طوائف القدرية والرافضة والمعتزلة ونحوهم من غلاة المذاهب. 3. أن يبدأ أولاً بتفسير القرآن بالقرآن، فما أُجمل منه في موضع فإنه قد فصل في موضع آخر، وما اختصر منه في مكان فإنه قد بسط في مكان آخر. 4. أن يطلب التفسير من السنة فإنها شارحة للقرآن موضحة له، وقد ذكر القرآن أن أحكام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما تصدر منه عن طريق الله (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) النساء: 105. وذكر الله أن السنة مبينة للكتاب: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل: 44. وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني السنة. وقال الشافعي رضي الله عنه: [كل ما حكم به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو مما فهمه من القرآن] وأمثلة هذا في القرآن كثيرة، جمعها صاحب الإتقان مرتبة مع السور في آخر فصل من كتابه كتفسير السبيل بالزاد والراحلة، وتفسير الظلم بالشرك، وتفسير الحساب اليسير بالعرض. 5. فإذا لم يجد التفسير من السنة رجع إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال عند نزوله، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح. 6. فإذا لم يجد في القرآن ولا في السنة ولا في أقوال الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، والربيع بن أنس وقتادة،

والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين، ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة، وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال، والمعتمد في ذلك كله النقل الصحيح، ولهذا قال أحمد: [ثلاث كتب لا أصل لها، المغازي والملاحم والتفسير] يعني بهذا التفسير الذي لا يعتمد على الروايات الصحيحة في النقل. 7. العلم باللغة العربية وفروعها: فإن القرآن نزل بلسان عربي، ويتوقف فهمه على شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع، قال مجاهد: [لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب]. والمعاني تختلف باختلاف الإعراب، ومن هنا مست الحاجة إلى اعتبار علم النحو، والتصريف الذي تعرف به الأبنية، والكلمة المبهمة يتضح معناها بمصادرها ومشتقاتها. وخواص تركيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، ومن حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها. ثم من ناحية وجوه تحسين الكلام - وهي علوم البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع - من أعظم أركان المفسر، إذ لابد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يدرك الإعجاز بهذه العلوم. 8. العلم بأصول العلوم المتصلة بالقرآن، كعلم القراءات لأن به يعرف كيفية النطق بالقرآن ويترجح بعض وجوه الاحتمال على بعض، وعلم التوحيد، حتى لا يؤول آيات الكتاب التي في حق الله وصفاته تأويلاً يتجاوز الحق، وعلم الأصول، وأصول التفسير خاصة مع التعمق في أبوابه التي لا يتضح المعنى ولا يستقيم المراد بدونها، كمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، ونحو ذلك. 9. دقة الفهم التي تمكن المفسر من ترجيح معنى على آخر، أو استنباط معنى يتفق مع نصوص الشريعة) مباحث في علوم القرآن ص 340 - 342. ثالثاً: إن الاتكاء على قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) سورة الكهف الآية 54. وقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ

الإلحاد في أسماء الله الحسنى

كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) سورة يوسف الآية 111. ونحوهما من الآيات التي أخذ منها القصاص أن كل شيء يحدث في هذا الكون لا بد وأن يكون مذكوراً في القرآن الكريم. فإن هذا فهم خاطىء لكلام الله والواقع يكذبه فإن أحداثاً كثيرة وقعت ليس لها ذكر في القرآن الكريم وإنما القرآن الكريم فيه عمومات تحمل عليها الحوادث قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي: [وينبغي أن تنزل جميع الحوادث والأفعال الواقعة والتي لا تزال تحدث على العمومات القرآنية فبذلك تعرف أن القرآن بيان لكل شيء وأنه لا يحدث حادث ولا يستجد أمر من الأمور إلا وفي القرآن بيانه وتوضيحه] تفسير السعدي ص11. وأما القول بأن كل حادث صغير أو كبير مذكور في القرآن الكريم فادعاء باطل باطل. وخلاصة الأمر أنني أوجه نداء عبر هذا المنبر إلى هؤلاء الناس أن يثوبوا إلى رشدهم وأن يكفوا عن التلاعب بآيات القرآن الكريم وأن يكفوا عن إيقاع عامة الناس في الأوهام. وأن يعلموا أن لله سبحانه وتعالى سنناً في نصر المؤمنين وهزيمة الكافرين قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) سورة النور الآية 55، فقد علق الله تعالى نصر المؤمنين وتمكينهم في الأرض على اتباع أوامر الله جل جلاله وعبادته والبعد عن الشرك فهل هذا متحقق في الأمة المسلمة اليوم؟؟؟ وقال الله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) فهل وجد الشرط حتى يتحقق المشروط؟؟؟ الإلحاد في أسماء الله الحسنى يقول السائل: وزعت ورقة في بعض المساجد عنوانها كيف تعالج نفسك بطاقة الشفاء الموجودة في أسماء الله الحسنى وسألني عن صحة ما ورد فيها وهذا نصها:

[اكتشف الدكتور إبراهيم كريم مبتكر علم البايوجيومتري أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الأمراض وبواسطة أساليب القياس الدقيقة المختلفة في قياس الطاقة داخل جسم الإنسان، واكتشف أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة مثلى في عضو معين بجسم الإنسان، واستطاع الدكتور إبراهيم بواسطة تطبيق قانون الرنين أن يكتشف أن مجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى يؤدي إلى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية داخل جسم الإنسان وبعد أبحاث استمرت ثلاث سنوات توصل الدكتور إبراهيم إلى ما يلي: اسم الله ... اسم المرض ... اسم الله ... اسم المرض النافع الرؤوف جل جلاله النور ... العظام الركبة قشر الشعر القلب ... السميع الجبار البديع القوي ... الأذن العمود الفقري الشعر العضلات الوهاب المغني الغني الجبار ... أوردة القلب الأعصاب الصداع النصفي الغدة الدرقية ... الرزاق الجبار جل جلاله اللطيف والغني والرحيم ... عضلة القلب الشريان السرطان الجيوب الأنفية النور والبصير والوهاب الرزاق الحي الصبور ... العين المعدة الكلى الأمعاء ... الرافع المتعال الرؤوف النافع ... الفخذ الشرايين بالعين القولون الكبد البارئ الخالق المهيمن القوي ... البنكرياس الرحم الروماتيزم الغدة التيموسية ... الرشيد النافع الهادي الهادي ... البروستاتة أكياس دهنية المثانة الغدة الصنوبرية الظاهر الخافض ... عصب العين ضغط الدم ... البارئ الرزاق ... الغدة فوق الكلوية الرئة ويشير الدكتور إلى أنه أول شخص تجري عليه الأبحاث حيث عالج عينيه من الالتهاب وانتهى بنطق التسبيح باسم النور والوهاب والخبير وخلال عشر دقائق تم الشفاء وزال احمرار العين ويلاحظ أن نفس أسماء الجلالة تستخدم للوقاية أيضاً وقد اكتشف أن طاقة الشفاء تتضاعف عند تلاوة آيات الشفاء بعد ذكر التسبيح بأسماء الله الحسنى وهذه الآيات هي: (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) .. (وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) .. (فِيهِ شِفَاءٌ

لِلنَّاسِ) .. (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ) .. (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) .. (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَءَامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ). طريقة العلاج: وضع اليد على مكان الألم وذكر التسبيح إلى ما شاء الله. ويكرر ذلك حتى بإذن الله يزول الألم). الجواب: يقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة الأعراف الآية 180. قال القرطبي: [قوله تعالى: (فادعوه بها) أي اطلبوا منه بأسمائه فيطلب بكل اسم ما يليق به يا رحيم ارحمني يا حكيم احكم لي يا رزاق ارزقني يا هادي اهدني يا فتاح افتح لي يا تواب تب عليَّ هكذا. فإن دعوت باسم عام قلت: يا مالك ارحمني يا عزيز احكم لي يا لطيف ارزقني وإن دعوت بالأعم الأعظم فقلت يا الله فهو متضمن لكل اسم ولا تقول يا رزاق اهدني إلا أن تريد يا رزاق ارزقني الخير قال ابن العربي: وهكذا رتب دعاءك تكن من المخلصين] تفسير القرطبي 7/ 327. وقد صح في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مئة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية: (من حفظها دخل الجنة) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (من أحصاها دخل الجنة) فاختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين: معناه حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسراً في الرواية الأخرى (من حفظها) وقيل: أحصاها عدَّها في الدعاء بها وقيل: أطاقها أي أحسن المراعاة لها والمحافظة على ما تقتضيه وصدَّق بمعانيها وقيل: معناه العمل بها والطاعة بكل اسمها والإيمان بها لا يقتضي عملاً وقال بعضهم: المراد القرآن وتلاوته كله لأنه مستوف لها وهو ضعيف والصحيح الأول] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 177 - 178. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قال الأصيلي الإحصاء للأسماء

العمل بها لا عدها وحفظها لأن ذلك قد يقع للكافر والمنافق كما في حديث الخوارج يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم. وقال ابن بطال الإحصاء يقع بالقول ويقع بالعمل فالذي بالعمل أن لله أسماء يختص بها كالأحد والمتعال والقدير ونحوها، فيجب الإقرار بها والخضوع عندها وله أسماء يستحب الاقتداء بها في معانيها: كالرحيم والكريم والعفو ونحوها، فيستحب للعبد أن يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها فبهذا يحصل الإحصاء العملي وأما الإحصاء القولي فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها ولو شارك المؤمن غيره في العد والحفظ فإن المؤمن يمتاز عنه بالإيمان والعمل بها] فتح الباري 13/ 462. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: [وليس معنى أحصاها أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ ولكن معنى ذلك: أولاً: الإحاطة بها لفظاً. ثانياً: فهمها معنى. ثالثاً: التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان: الوجه الأول: أن تدعو الله بها لقوله تعالى: (فادعوه بها) بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك فتختار الاسم المناسب لمطلوبك فعند سؤال المغفرة تقول يا غفور اغفر لي وليس من المناسب أن تقول: يا شديد العقاب اغفر لي بل هذا يشبه الاستهزاء بل تقول: أجرني من عقابك. الوجه الثاني: أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء فمقتضى الرحيم الرحمة فاعمل العمل الصالح الذي يكون جالباً لرحمة الله هذا هو معنى أحصاها فإذا كان كذلك فهو جدير لأن يكون ثمناً لدخول الجنة] فتاوى العقيدة ص55 - 56. وينبغي أن يعلم أن قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن لله تسعة وتسعين اسماً) لا يدل على أن أسماء الله الحسنى محصورة في تسعة وتسعين اسماً، بل هي أكثر ولا يعلم عددها إلا الله سبحانه وتعالى. قال الإمام النووي: [واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة وتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة وتسعين من أحصاها دخل الجنة فالمراد الإخبار عن دخول الجنة

بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء ولهذا جاء في الحديث الآخر: (أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) وقد ذكر الحافظ أبو بكر ابن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال: لله تعالى ألف اسم. قال ابن العربي: وهذا قليل فيها والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 177. إذا تقرر هذا فأعود إلى الجواب عما ورد في الورقة المذكورة أعلاه فأقول: إن ما ورد من مزاعم بأن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة لشفاء الأمراض إنما هو من باب الكذب والدجل وليس لهذا الكلام أي أساس شرعي ولا أدري كيف عين هذا الدكتور لكل اسم من أسماء الله الحسنى الشفاء من مرض معين ولا أدري ما هي العلاقة التي تربط اسم الله الهادي مع المثانة وما العلاقة التي تربط بين اسم الله الباري وبين البنكرياس وما العلاقة بين اسم الله الجبار وبين الغدة الدرقية إلى آخر الترهات التي ذكرت في الورقة. ويضاف إلى ذلك أن الذكر الشرعي لم يرد فيه الذكر بالأسماء المفردة كأن يقول الشخص الله الله الله رحيم رحيم رحيم رزاق رزاق رزاق. وإنما الإنسان يدعو بجملة مفيدة كأن يقول يا رب اغفر لي، يا الله اهدني يا رحيم ارحمني وهكذا. وقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية فتوى في إبطال الورقة المذكورة جاء فيها: [وهذا العمل باطل لأنه من الإلحاد في أسماء الله وفيه امتهان لها لأن المشروع في أسماء الله دعاؤه بها كما قال الله تعالى: (فادعوه بها) وكذلك إثبات ما تتضمنه من الصفات العظيمة لله لأن كل اسم منها يتضمن صفة لله جل جلاله لا يجوز أن تستعمل في شيء من الأشياء غير الدعاء بها إلا بدليل من الشرع. ومن يزعم بأنها تفيد كذا وكذا أو تعالج كذا وكذا بدون دليل من الشرع فإنه قول على الله بلا علم وقد قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) سورة الأعراف الآية 33. فالواجب إتلاف هذه الورقة والواجب على المذكورين وغيرهم التوبة

بدعة الوقوف عند ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -

إلى الله من هذا العمل وعدم العودة إلى شيء منه مما يتعلق بالعقيدة والأحكام الشرعية). وخلاصة الأمر أن الشريعة الإسلامية قد بينت طرق العلاج من الأمراض وذلك بمراجعة أهل الاختصاص من الأطباء كما أن الرقية بالقرآن الكريم والأذكار والدعوات النبوية مشروعة بضوابطها الشرعية ولا ينبغي تصديق كل ناعق في هذا المجال. بدعة الوقوف عند ذكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول السائل: يجلس جماعة من المصلين بعد صلاة الفجر لعقد مجلس للصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويأتون بأذكار كثيرة وفي لحظة من اللحظات يقفون قياماً ويزعمون أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحضر مجلسهم فيقومون احتراماً وتقديراً وإكباراً لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما يزعمون فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا شك أن الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأمور المطلوبة شرعاً وقد ورد الأمر بذلك في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) سورة الأحزاب الآية 56. ووردت الأحاديث الكثيرة في الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد جمعها العلامة ابن القيم في كتابه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) وتحدث عن المسائل المتعلقة بالصلاة والسلام على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشكل مفصل مع بيان الأدلة فهو كتاب نافع ومفيد في بابه. وأما ما ذكره السائل من عقد مجلس للصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشكل جماعي ومع ما يصاحب ذلك من المخالفات فهذا من البدع المحدثة ولم يقم عليه دليل صحيح ولا كان عليه عمل السلف الصالح فالمسلم يصلي

ويسلم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -انفراداً لا جماعة وأما ما يزعمه بعض الدجالين من أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحضر المجالس المشار إليها في السؤال فهو كلام باطل لا يقوم عليه دليل، بل الثابت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد مات بنص القرآن الكريم قال الله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) سورة الزمر الآية 31. وقال الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) سورة الرحمن الآيتان 26 - 27. وقال الله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) سورة الأنبياء الآية 34. وقد اتفق العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد مات فعلاً ويدل على ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم قاموا على غسل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وطلبت فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بميراثه من أبي بكر خليفة المسلمين. وخلاصة الأمر أن حياة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدنيوية قد انتهت بوفاته باتفاق أهل العلم ومن قال بخلاف ذلك فقوله باطل مردود ومن الثابت أن للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حياة برزخية في قبره لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى وقد ورد في الحديث عن أنس- رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) رواه أبو يعلى والبزار والبيهقي وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 621. ولكن هذه الحياة لا يعلم كنهها إلا الله قال العلامة الألباني: [إن حياته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة ذلك أن الحياة البرزخية غيب من الغيوب ولا يدري كنهها إلا الله سبحانه وتعالى ولكن من الثابت والمعلوم أنها تختلف عن الحياة الدنيوية ولا تخضع لقوانينها فالإنسان في الدنيا يأكل ويشرب ويتنفس ويتزوج ويتحرك ويتبرز ويمرض ويتكلم ولا أحد يستطيع أن يثبت أن أحداً بعد الموت حتى الأنبياء عليهم السلام وفي مقدمتهم نبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعرض له هذه الأمور بعد موته. ومما يؤكد هذا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في مسائل

كثيرة بعد وفاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يخطر في بال أحد منهم الذهاب إليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قبره ومشاورته في ذلك وسؤاله عن الصواب فيها لماذا؟ إن الأمر واضح جداً وهو أنهم كلهم يعلمون أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انقطع عن الحياة الدنيا ولم تعد تنطبق عليه أحوالها ونواميسها فرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد موته حي أكمل حياة يحياها إنسان في البرزخ ولكنها حياة لا تشبه حياة الدنيا ولعل مما يشير إلى ذلك قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مما من أحدٍ يسلم عليَّ إلا ردَّ الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) وعلى كل حال فإن حقيقتها لا يدريها إلا الله سبحانه وتعالى ولذلك لا يجوز قياس الحياة البرزخية أو الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية كما لا يجوز أن تعطى واحدة منهما أحكام الأخرى بل لكل منها شكل خاص وحكم معين ولا تتشابه إلا في الاسم أما الحقيقة فلا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى] التوسل ص65 - 66. إذا تقرر هذا فإن الزعم بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحضر إلى المجلس المذكور في السؤال إنما هو كذب وافتراء على دين الله ومن الخرافات والخزعبلات التي ابتدعها جهلة المتصوفة ومن الغلو الذي حذر منه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما في الحديث عن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري. ومن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أشد الناس حباً للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومع ذلك ما كانوا يفعلون ما يفعله هؤلاء ولم يكن من دأب الصحابة رضي الله عنهم القيام عند السلام على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مطلقاً لا في وقت زيارة قبره ولا غيره ولم يكن من عادتهم أن يقصدوا إلى قبره للسلام عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلما دخلوا المسجد النبوي ويقفوا عنده من أجل السلام عليه لكن روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا جاء من سفره دخل المسجد النبوي فإذا صلى جاء إلى قبره عليه الصلاة والسلام فسلَّم عليه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه] فتاوى إسلامية 1/ 110 - 111. وخلاصة الأمر أن الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبادة والأصل في باب العبادات هو التلقي عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يرد أي دليل

أجساد الشهداء

على القيام عند الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع. أجساد الشهداء يقول السائل: هل تأكل الأرض أجساد الشهداء أم لا؟ الجواب: الثابت عند أهل العلم أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء فقط وهذا هو ما ورد به النص فقد ورد في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله عزّ وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء) رواه أبو داود وغيره وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 196. هذا هو الثابت وهو أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وأما غيرهم من الناس فإن الأرض تأكل أجسادهم سواء أكانوا شهداء أم غيرهم ولكن هذا لا ينفي أن بعض الناس تكون لهم كرامة بأن لا تأكل الأرض أجسادهم وهذا أمر وقع قديماً وحديثاً في أشخاص بأعيانهم فمن ذلك ما رواه البخاري عن جابر - رضي الله عنه - قال: لما حضر أحد دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير نفس رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن عليَّ ديناً فاقض واستوص بأخواتك خيراً فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في قبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه. فتح الباري 3/ 273. وذكر الحافظ ابن حجر أن ذلك كان كرامة لوالد جابر: [وكرامته بكون الأرض لم تبل جسده مع لبثه فيها والظاهر أن ذلك لمكان الشهادة] فتح الباري 3/ 277. وقد وردت قصة والد جابر وهو عبد الله بن عمرو الأنصاري عند الإمام مالك في الموطأ بلاغاً: أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا

من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة] موطأ مالك 1/ 374. قال الحافظ ابن عبد البر عن الحديث السابق إنه متصل من وجوه صحاح بمعنى واحد متقارب فتح المالك 6/ 358. وقال الإمام الباجي معلقاً على هذه الحادثة: [وقوله فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس وهذه على ما نعتقده كرامة من الله تعالى خصهما بها ولعله قد خص بذلك أهل أحد ومن كان له مثل فضلهما فإن تلك الأرض تسرع التغيير إلى من دفن فيها ولو كان ذلك أمراً معتاداً في تلك الأرض لما ذكره في هذا الحديث على وجه التعجب منه] المنتقى وفي رواية أخرى عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: [استصرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد وأجرى معاوية بن أبي سفيان العين فاستخرجهم بعد ستة وأربعين سنة لينة أجسادهم تنثني أطرافهم. قال أبو عمر - ابن عبد البر -: هذا هو الصحيح والله أعلم أنهم استخرجوا بعد ست وأربعين سنة لأن معاوية لم يجر العين إلا بعد اجتماع الناس عليه خليفة وكان اجتماع الناس عليه عام أربعين من الهجرة في آخرها وقد قيل: عام إحدى وأربعين وذلك حين بايعه الحسن بن علي وأهل العراق فسمي عام الجماعة وتوفي سنة ستين. وقد روى أبو مسلمة سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن جابر أنهم أخرجوا بعد ستة أشهر فإن صح هذا فمرتين أخرج والد جابر من قبره وأما خروجه وخروج غيره في حين إجراء معاوية العين فصحيح وذلك بعد ستة وأربعين عاماً على ما في حديث مالك وغيره] فتح المالك 6/ 359. وفي رواية أخرى عن جابر قال: [لما أراد معاوية أن يجري العين بأحد نودي بالمدينة من كان له قتيل فليأت قتيله قال جابر: فأتيناهم فأخرجناهم رطاباً يتثنون فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانفطرت دماً قال أبو سعيد الخدري لا يُنكر بعد هذا منكِرٌ أبداً. قال أبو عمر: الذي أصابت المسحاة إصبعه هو حمزة - رضي الله عنه - رواه عبد الأعلى بن حماد

قال: حدثنا عبد الجبار يعني ابن الورد قال: سمعت أبا الزبير يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: رأيت الشهداء يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال نُوَّم حتى إذا أصابت المسحاة قدم حمزة - رضي الله عنه - فانبثقت دماً وبالله التوفيق] المصدر السابق 6/ 360. قال الحافظ ابن حجر: [وقد ذكر ابن إسحق القصة في المغازي حدثني أبي عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء انفجرت العين عليهم فجئنا فأخرجناهما - يعني عمراً وعبد الله - وعليهما بردتان قد غطي بهما وجوههما وعلى أقدامهم شيء من نبات الأرض فأخرجناهما يتثنيان تثنياً كأنهما دفنا بالأمس] وله شاهد بإسناد صحيح عند ابن سعد من طريق أبي الزبير عن جابر] فتح الباري 3/ 276. وذكر ابن قتيبة في المعارف وغيره أن طلحة بن عبد الله أحد العشرة رضي الله عنهم دفن فرأته بنته عائشة بعد دفنه بثلاثين سنة في المنام فشكا إليهما النز فأمرت به فاستخرج طرياً فدفن في داره بالبصرة قال غيره قال الراوي كأني انظر إلى الكافور في عينيه لم يتغير إلا عقيصته فمالت عن موضعها واخضر شقه الذي يلي النز] المجموع 5/ 303. وقد روى الترمذي في قصة أصحاب الأخدود حديثاً طويلاً وذكر في آخره: [فأما الغلام فإنه دفن قال: فذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل] وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب، سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 9/ 186 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 130. ونقل المباركفوري عن ابن إسحق قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلاً من أهل نجران كان زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجد عبد الله بن التامر تحت دفن فيها قاعداً واضعاً يده على ضربة في رأسه ممسكاً عليها بيده فإذا أخذت يده عنها انبعث دماً وإذا أرسلت يده ردت عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم مكتوب فيه ربي الله فكتب فيه إلى

دعاء بدعي

عمر بن الخطاب يخبره بأمره فكتب عمر إليهم أن أقروه على حاله وردوا عليه الذي كان عليه ففعلوا] تحفة الأحوذي 9/ 186. وخلاصة الأمر أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء فقط وأما الشهداء فتأكل الأرض أجسادهم كغيرهم من الأموات ولكن هنالك كرامات لبعض الشهداء بأن الأرض لا تأكل أجسادهم. وهذا الكلام لا يعني أن من أكلت الأرض أجسادهم ليسوا شهداء. دعاء بدعي يقول السائل: ما قولكم في الدعاء المسمى دعاء سيدنا عكاشة حيث إنه مطبوع في كتيب صغير ويوزع في المساجد؟ الجواب: قرأت الدعاء المشار إليه ومقدمته فوجدته من جملة الأدعية المبتدعة التي احتوت على مبالغات ومجازفات فارغة وفيه أنواع من الضلال والشرك. وأول ما يلفت النظر فيه أنه منسوب إلى الصحابي الجليل عكاشة وأن الذي جمعه هو منشئ ضريح الصحابي عكاشة كما جاء على صفحة الغلاف ومن المعلوم أن الصحابي الجليل عكاشة بن محصن الأسدي - رضي الله عنه - استشهد في حروب الردة في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - وذلك في موقعة بزاخة وقاتله هو طليحة الأسدي. انظر سير أعلام النبلاء 1/ 307 - 308. وعكاشة بن محصن الأسدي - رضي الله عنه - هو الذي بشره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدخول الجنة بغير حساب كما هو ثابت في الصحيحين في حديث طويل: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرضت عليه الأمم فرأى سواداً عظيماً فقيل له هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم فسرهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال:

أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سبقك بها عكاشة) تهذيب الأسماء واللغات 1/ 338. فعكاشة لم يمت في بيت المقدس حتى يكون له ضريح منسوب إليه ولا يعرف أحد غيره من الصحابة اسمه عكاشة مات في بيت المقدس فيما أعلم. والدعاء المنسوب إلى عكاشة جاء في مقدمته في ثواب من قرأه أمور لا يقبلها شرع ولا عقل فقد جاء فيها ما يلي: [أما بعد فهذا دعاء كامل عظيم ومنافعه كثيرة حملاً وتلاوة لا يعلم ثواب هذا الدعاء إلا الله تعالى ولو كانت الأشجار أقلاماً والبحار مداداً والأولون والآخرون كُتَّاباً لعجزوا أن يكتبوا ثواب هذا الدعاء ومن قرأه فكأنما قرأ الدعوات كلها ويغفر الله ذنوبه جميعاً وإذا قرأه مريض شفاه الله تعالى ومن قرأه لدفع الجوع والقحط دفع الله عنه ذلك وإذا قرأه عطشان روي وإذا قرأه مديون قضى الله دينه وحمله ينفع إن شاء الله تعالى من جميع الأمراض والأرياح والآلام والأسقام ونافع إن شاء الله تعالى للدخول على الملوك والوزراء وأرباب الأقلام للمحبة والقبول والسفر في الليل والنهار وكذا البحار ومنع السحر عن حامله في البر والبحر ونافع إن شاء الله من لدغة الحية والعقرب والثعبان ونافع من الضرب بالسيف والنشاب والخناجر بإذن الله تعالى ولدفع شر الشياطين وكيدهم ومن كتبه في إناء صيني بماء وزعفران سبعة أيام وشربه على الريق رزقه الله ذهناً بليغاً وفهماً واسعاً وإن شرب منها المريض شفي ومن قرأه في عمره مرة واحدة جعل الله له ثواباً مثل ثواب الأولياء والأصفياء والزهاد من الرجال والنساء وينال ما يطلب من أمر الدنيا وتقضى حوائجه بإذن الله تعالى ومن علَّقه في محل بيعه تروج بضاعته وتكثر أرباحه ويحفظ المحل الذي هو فيه من الحرق والسرق وإذا وضع في سفينة نجت من الغرق إن شاء الله تعالى وحامله يفتح له أبواب الرزق من حيث لا يحتسب وتكون مقاصده ناجحة وإذا وضع في مزرعة بمحل طاهر بارك الله في محصولها وزاد نموها وحفظت من العاهات والآفات كما جرب ذلك مراراً ومع ذلك فإن فوائده لا تحصى ومنافعه لا تستقصى ومن عظيم فوائده أنه ينفع لكل

شيء وإنما يلزم ذلك كله أن يستعمل بكل احترام واعتقاد ونية خالصة ولا يستعمل إلا فيما يرضي الله تعالى والله أعلم]. أقول هذا الثواب المزعوم المرتب على هذا الدعاء لم يرد مثله في الشرع حتى للقرآن الكريم ولا للأدعية النبوية الثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فهذا دجل وكذب وافتراء على الله عز وجل وعلى رسوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كما أن هذا الدعاء فيه من الأمور الباطلة كقوله: [بحق عزرائيل وقبضته] فمن المعلوم أنه لم يثبت لا في الكتاب ولا في السنة تسمية ملك الموت بعزرائيل وإنما هذا من الإسرائيليات. وكذلك قوله: [وبحق نوح وسفينته] ولا أدري ما هو حق سفينة نوح؟ وقوله: [وبحق يوسف وغربته. وبحق صالح وناقته ودانيال وكرامته. إلخ ما ورد فيه من الترهات والخرافات. فهذا الدعاء وأمثاله من الأدعية المبتدعة التي ألزم دعاة التصوف أنفسهم ومريديهم بها ليست مشروعة وقد صح في الحديث قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من عمل عملاً ليس من أمرنا فهو رد) وهذا الدعاء وأمثاله ليس من أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول الإمام أبو بكر بن العربي في معرض رده على الذين يخترعون أدعية من عند أنفسهم ويأمرون الناس أن يدعوا بها الله عند تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). قال رحمه الله: [ويقال ألحد ولحد إذا مال والإلحاد يكون بوجهين بالزيادة فيها أو النقصان منها كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الباري بغير أسمائه ويذكرونه بما لم يذكره من أفعاله إلى غير ذلك مما لا يليق به فحذار منها ولا يَدْعُوَنَّ أحدٌ منكم إلا بما في الكتب الخمسة وهي كتاب البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود والنسائي فهذه الكتب هي بدء الإسلام وقد دخل فيها ما في الموطأ الذي هو أصل التصانيف وذروا سواها ولا يقولنَّ أحدٌ أختار دعاء كذا فإن الله قد اختار له وأرسل بذلك الخلق رسوله]. أحكام القرآن 2/ 816.

ويقول الإمام القرطبي عند تفسير قوله تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، قال: [فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه ولا يقولنَّ أختار كذا فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلَّمهم كيف يدعون] تفسير القرطبي 4/ 231 .. ويقول القرطبي أيضاً عند تفسير قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). بعد أن ذكر وجوهاً من الاعتداء في الدعاء قال: [ومنها أن يدعو الله بما ليس في الكتاب العزيز ولا في السنة فيتخير ألفاظاً مفقرة وكلمات مسجعة قد وجدها في كراريس لهؤلاء (يعني المشايخ) لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره ويترك ما دعا به رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء] تفسير القرطبي 7/ 226. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية منكراً على الذين يبتدعون أشياء من عند أنفسهم ويعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى: [وما علم باتفاق الأمة أنه ليس بواجب ولا مستحب ولا قربة لم يجز أن يعتقد أو يقال إنه قربة أو طاعة فكذلك هم متفقون على أنه لا يجوز قصد التقرب به إلى الله ولا التعبد به ولا اتخاذه ديناً فلا يجوز جعله من الدين لا باعتقاد وقول ولا بإرادة وعمل وبإهمال هذا الأصل غلط خلق كثير من العلماء والعباد يرون الشيء إذا لم يكن محرماً لا ينهى عنه بل يقال إنه جائز ولا يفرق بين اتخاذه ديناً وطاعة وبين استعماله كما تستعمل المباحات المحضة ومعلوم أن اتخاذه ديناً بالاعتقاد أو بالقول أو بالعمل من أعظم المحرمات وأكبر السيئات وهذا من البدع المنكرات التي هي أعظم المعاصي التي يعلم أنها معاصٍ وسيئات] مجموعة الرسائل والمسائل 1/ 138 نقلاً عن مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية 3/ 1183 - 1185. وخلاصة الأمر أن هذا الدعاء المسمى دعاء عكاشة دعاء مبتدع لا يجوز لأحد أن يأتي به ولا يعتقد صحته ومن أراد الدعاء فعليه بالأدعية القرآنية والأدعية النبوية ففيها الكفاية.

الذين يدخلون الجنة بغير حساب

الذين يدخلون الجنة بغير حساب يقول السائل: إنه قرأ في حلقة سابقة من يسألونك الحديث الذي ذكر فيه الصحابي عكاشة بن محصن - رضي الله عنه - وأنه سأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يدعو الله أن يكون من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب فمن هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب وما صفاتهم؟ الجواب: ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث تخبر أن طائفة من أمة سيدنا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ومن هذه الأحاديث ما ثبت في الحديث عن حصين بن عبد الرحمن قال: (كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ قلت: أنا ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت. قال: فماذا صنعت؟ قلت: استرقيت. قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي. فقال: وما حدثكم الشعبي؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن حصيب الأسلمي أنه قال: لا رقية إلا من عين أو حمة فقال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى عليه الصلاة والسلام وقومه ولكن انظر إلى الأفق فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه فقال: هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال: سبقك بها عكاشة) رواه

البخاري ومسلم واللفظ لمسلم. صحيح مسلم مع شرح النووي 1/ 449 - 450. وقد رواه الإمام البخاري في باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 14/ 197. وشرحه الإمام النووي تحت عنوان باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب. شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 446. وقد جعل العلامة ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح أو وصف الجنة) باباً بعنوان فيمن يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم ص185. وأما صفات هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم فهي المذكورة في الحديث: (لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون). وفي رواية في الصحيحين: (هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون). وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يرقون ولا يسترقون) مأخوذ من الرقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة. والرقية الشرعية تكون بقراءة القرآن الكريم والأدعية المأثورة ونحوها لطلب الشفاء من المرض أو لدفع الضرر. والرقية مشروعة عند أكثر أهل العلم بشروط. وقد ذكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خصائص الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم لا يرقون ولا يسترقون وفي هذا إشارة إلى عظيم توكلهم على الله سبحانه وتعالى فتركوا الرقى لأنفسهم ولغيرهم. فتركهم للرقى على جهة التوكل على الله تعالى والرضا بما يقضيه من قضاء وينزل به من بلاء وهذه أرفع درجات المحققين بالإيمان كما قال الإمام الخطابي. انظر المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 1/ 464. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يكتوون) مأخوذ من الكي بالنار وهو أسلوب معروف في العلاج وهو مشروع وثابت في عدد من الأحاديث وصح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (وما أحب أن أكتوي) رواه البخاري ومسلم.

وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يتطيرون) مأخوذ من الطيرة وهي التشاؤم والطيرة محرمة شرعاً وقد صح في الحديث من قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) رواه البخاري ومسلم. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وعلى ربهم يتوكلون) والتوكل على الله هو الثقة بالله تعالى والإيقان بأن قضاءه نافذ واتباع سنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السعي فيما لا بد منه من المطعم والمشرب والتحرز من العدو كما فعله الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين فالأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 448. قال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب: [قوله: (وعلى ربهم يتوكلون) ذكر الأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال وهو التوكل على الله وصدق الالتجاء إليه والاعتماد بالقلب عليه الذي هو خلاصة التفريد ونهاية تحقيق التوحيد الذي يثمر كل مقام شريف من المحبة والخوف والرجاء والرضى به رباً وإلهاً والرضى بقضائه بل ربما أوصل العبد إلى التلذذ بالبلاء وعده من النعماء فسبحانه من يتفضل على من يشاء بما يشاء والله ذو الفضل العظيم. واعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلاً كما يظنه الجهلة فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري لا انفكاك لأحد عنه حتى الحيوان البهيم بل نفس التوكل مباشرة لأعظم الأسباب كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي كافيه إنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها توكلاً على الله كالاسترقاء والاكتواء فتركهم له ليس لكونه سبباً لكن لكونه سبباً مكروهاً لا سيما والمريض يتشبث بما يظنه سبباً لشفائه بخيط العنكبوت أما نفس مباشرة الأسباب والتداوي على وجه لا كراهية فيه فغير قادح في التوكل فلا يكون تركه مشروعاً كما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً: [ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء] وعن أسامة بن شريك قال: كنت عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجاءت الأعراب فقالوا يا رسول الله: أنتداوى؟ فقال: (نعم يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً غير داء واحد فقالوا: وما هو؟ قال: الهرم) رواه أحمد.

أجر المتمسك بالدين في آخر الزمان

قال ابن القيم: [فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من أنكرها والأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً وإن تعطيلها يقدح بمباشرته في نفس التوكل كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى من التوكل فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ودفع ما يضره في دينه ودنياه ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلاً للأمر والحكمة والشرع فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزاً] تيسير العزيز الحميد ص86 - 87. أجر المتمسك بالدين في آخر الزمان يقول السائل: ما صحة ما ورد في بعض الأحاديث أن من يتمسك بدينه في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم؟ الجواب: وردت عدة أحاديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشد بعضها بعضاً تدل على أن المتمسك بدينه له أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم فمن ذلك: ما جاء في الحديث عن عتبة بن غزوان- رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم) أخرجه ابن نصر في كتاب السنة وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة المجلد الأول حديث رقم 494. وله شاهد عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن كقبضٍ على الجمر للعامل فيها أجر خمسين قالوا: يا رسول الله أجر خمسين منهم أو

خمسين منا. قال: خمسين منكم) قال الهيثمي رواه البزار والطبراني بنحوه إلا أنه قال (للمتمسك أجر خمسين شهيداً فقال عمر: يا رسول الله منا أو منهم؟ قال منكم) ورجال البزار رجال الصحيح غير سهيل بن عامر البجلي وثقه ابن حبان. مجمع الزوائد 7/ 282. وقال الشيخ الألباني عن إسناد الطبراني: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. السلسلة الصحيحة المجلد الأول حديث رقم 494. وعن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: (لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) سورة المائدة الآية 105، قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً سألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله قال: وزادني غيره يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: خمسين منكم) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقال الترمذي حسن غريب ورواه ابن حبان وصححه ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره الشيخ الألباني شاهداً لحديث عتبة بن غزوان المتقدم انظر المصدر السابق. وعن عتبة بن غزوان - رضي الله عنه -: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين منكم قالوا: يا نبي الله! أو منهم؟ قال: بل منكم - ثلاث مرات أو أربع -) رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن شيخه بكر بن سهل عن عبد الله بن يوسف قال الهيثمي وكلاهما قد وثق وفيهما خلاف. فمجموع هذه الأحاديث يدل على الأجر العظيم لمن يتمسك بدينه وأنه يعادل أجر خمسين من الصحابة، وانظر إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة 2/ 90 - 91.

قاعدة العمل بالحديث الضعيف

قاعدة العمل بالحديث الضعيف يقول السائل: أرجو توضيح قاعدة العمل بالحديث الضعيف إذا تعددت طرقه؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الله سبحانه وتعالى قد حفظ لهذه الأمة كتابها - القرآن الكريم - حيث قال جل جلاله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة الحجر الآية 9. كما أن السنة النبوية قد حفظت حفظاً إجمالياً فقد هيأ الله جل جلاله العلماء الأعلام لحفظ السنة النبوية من التحريف والتزوير والتغيير والتبديل فوضعوا لنا علم الحديث وما تفرع عنه من علوم لخدمة السنة النبوية والدفاع عنها وتنقيتها مما دخلها وليس منها كالإسرائيليات والأحاديث الموضوعة المكذوبة. فعلم الحديث هو علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن كما عرفه الشيخ عز الدين بن جماعه كما في تدريب الراوي 1/ 41. بهذه القواعد الحاكمة لدراسة السند والمتن وبجهود علماء أهل الحديث العظيمة جزاهم الله خير الجزاء حفظت السنة النبوية. قال الشيخ جمال الدين القاسمي: [من أين للبليغ أن يحصي أيادي المحدثين وهم الذين عشقوا الهدي النبوي دون العالمين فتتبعوه ممن بدا وحضر وكابدوا لأخذه أهوال السفر! فكم جابوا صحارى تتلظى تلظي الرمضاء وقطعوا عن العمران فيافي تستدعي اليأس وتروع الأحشاء! فحفظوا ووعوا ولعهد النَّفر للتفقه في الدين رَعَوا ودافعوا عن الدين صنع الوضاعين وانتحال المفترين وذبّوا الكذب عن كلام الرسول الصادق بما مهدوه من تحري كل راوٍ موافق فدونوا ما سمعوه بالسند فراراً عن الرمي باتباع الأهواء وتحكيم الآراء فاستبرؤا لدينهم بجليل هذا الاحتياط ودربوا الأمة على التثبت في توثيق عرى الارتباط! رحماك اللهم! فالاعتراف بمآثرهم الحسنة أمر واجب وشكر فضلهم لا يقصر عنه إلا من هو عن الاتباع ناكب. أفليست دواوينهم بعد القرآن دعائم الإسلام التي قامت عليها صروحه وأعضاد الدين التي بان منها صريحه؟ لا جرم لولا أخذهم بناصية ما دونوه من صحيح

السنة لانثالت على الناس جراثيم الأباطيل المستكنة التي رزئ بها الدين في عصر الوضاعين المنافقين الذين دخلوا في دين الله للتشويش فردَّ الله كيدهم بتنقيب المحدثين عن خرافاتهم ودأبهم في التفتيش حتى أشرقت شموس صحاح الأخبار وانبعثت أشعتها في الأقطار وتمزقت عن البصائر حجب الجهالة وأغشية الضلالة فرحم الله تلك الأنفس التي نهضت لتأييد الدين ورضي عمن أحيا آثارهم من اللاحقين آمين]. قواعد التحديث ص 59. وقد بين أهل الحديث أن الحديث ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف. فالحديث الصحيح هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذاً ولا معللاً. وأما الحديث الحسن فهو الحديث الذي اتصل سنده بنقل عدل خف ضبطه غير شاذ ولا معلل. وأما الحديث الضعيف فهو ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح ولا صفات الحسن. انظر الباعث الحثيث ص 21، 37، 44. وقد اتفق المحدثون على الإحتجاج بالحديث الصحيح والحسن وأما الحديث الضعيف فقد اختلف العلماء في حكمه على مذاهب. [الأول: لا يعمل به مطلقاً لا في الأحكام ولا في الفضائل حكاه ابن سيد الناس في (عيون الأثر) عن يحيى بن معين ونسبه في (فتح المغيث) لأبي بكر بن العربي. والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضاً يدل عليه شرط البخاري في صحيحه وتشنيع الإمام مسلم على رواة الضعيف كما أسلفناه وعدم إخراجهما في صحيحهما شيئاً منه وهذا مذهب ابن حزم رحمه الله أيضاً حيث قال في الملل والنِحل: [ما نقله أهل المشرق والمغرب، أو كافة عن كافة، أو ثقة عن ثقة، حتى يبلغ إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا أن في الطريق رجلاً مجروحاً بكذب أو غفلة أو مجهول الحال فهذا يقول به بعض المسلمين ولا يحل عندنا القول به ولا تصديقه ولا الأخذ بشيء منه]. الثاني: أنه يعمل به مطلقاً قال السيوطي: [وعزي ذلك إلى أبي داود وأحمد لأنهما يريان ذلك أقوى من رأي الرجال].

الثالث: يعمل به في الفضائل بشروطه الآتية وهذا هو المعتمد عند الأئمة. قال ابن عبد البر: [أحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به]. وقال الحاكم: [سمعت أبا زكريا العنبري يقول: الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً ولم يحل حراماً ولم يوجب حكماً وكان في ترغيب أو ترهيب أغمض عنه وتسوهل في رواته]. ولفظ ابن مهدي فيما أخرجه البيهقي في المدخل: [إذا روينا عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحلال والحرام والأحكام شددنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب سهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال]. ولفظ أحمد في رواية الميموني عنه: [الأحاديث الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم]. وقال في رواية عباس الدوري عنه: [ابن اسحق رجل تكتب عنه هذه الأحاديث]- يعني المغازي ونحوها - وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوماً هكذا - وقبض أصابع يده الأربع -] قواعد التحديث ص116 - 117. إذا تقرر هذا فإن أرجح أقوال أهل العلم في هذه المسألة هو العمل بالحديث الضعيف فيما عدا الأحكام الشرعية أي يعمل به في فضائل الأعمال بالشروط الآتية: الأول: وهو شرط متفق عليه وهو أن يكون الضعف غير شديد فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين ومن فحش غلطه. والثاني: أن يكون مندرجاً تحت أصل عام فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً. والثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم يقله. الأجوبة الفاضلة ص43 - 44.

وأما قاعدة تقوية الحديث الضعيف بكثرة الطرق وهي محل السؤال فإن المحققين من أهل الحديث يرون أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها وإنما هي مقيدة ببعض القيود قال الإمام النووي: [إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر وصار حسناً وكذا إذا كان ضعفها لإرسال زال بمجيئه من وجه آخر وأما الضعف لفسق الراوي فلا يؤثر فيه موافقة غيره] التقريب مع شرحه تدريب الراوي 1/ 176 - 177. ونقل السيوطي عن الحافظ ابن حجر: [وأما الضعيف لفسق الراوي أو كذبه فلا يؤثر فيه موافقة غيره له إذا كان الآخر مثله لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر، نعم يرتقي بمجموع طرقه عن كونه منكراً أو لا أصل له صرح به شيخ الإسلام قال: بل ربما كثرت الطرق حتى أوصلته إلى درجته المستور سيء الحفظ بحيث إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن] تدريب الراوي 1/ 177. وقال العلامة المحدث الألباني: [من المشهور عند أهل العلم أن الحديث إذا جاء من طرق متعددة فإنه يتقوى بها ويصير حجة وإن كان كل طريق منها على إنفراده ضعيفاً ولكن هذا ليس على إطلاقه بل هو مقيد عند المحققين منهم بما إذا كان ضعف رواته في مختلف طرقه ناشئاً من سوء حفظهم لا من تهمة في صدقهم أو دينهم وإلا فإنه لا يتقوى مهما كثرت طرقه وهذا ما نقله المحقق المناوي في (فيض القدير) عن العلماء قالوا: [وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر وإن كثرت طرقه ومن ثم اتفقوا على ضعف الحديث: [من حفظ على أمتي أربعين حديثاً] مع كثرة طرقه لقوة ضعفه وقصورها عن الجبر خلاف ما خف ضعفه ولم يقصر الجابر عن جبره فإنه ينجبر ويعتضد] ... وعلى هذا فلا بد لمن يريد أن يقوي الحديث بكثرة طرقه أن يقف على رجال كل طريق منها حتى يتبين له مبلغ الضعف فيها ومن المؤسف أن القليل جداً من العلماء من يفعل ذلك

حديث اختلاف أمتي رحمة

ولا سيما المتأخرين منهم فإنهم يذهبون إلى تقوية الحديث بمجرد نقلهم عن غيرهم أن له طرقاً دون أن يقفوا عليها ويعرفوا ماهية ضعفها] تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص31 - 32. حديث اختلاف أمتي رحمة يقول السائل: ما معنى قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اختلاف أمتي رحمة)؟ الجواب: هذا الكلام المنسوب إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يثبت عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد رواه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى 1/ 147 بلفظ: [واختلاف أصحابي لكم رحمة]. ورواه الطبراني والديلمي وغيرهم وقد بين السخاوي حال الحديث في المقاصد الحسنة ص26 - 27. وكذلك العجلوني في كشف الخفاء 1/ 64 - 65. وفصل الشيخ الألباني الكلام عليه حيث قال: [لا أصل له ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا حتى قال السيوطي في الجامع الصغير: [ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا]. وهذا بعيد عندي إذ يلزم منه أنه ضاع على الأمة بعض أحاديثه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا مما لا يليق بمسلم اعتقاده. ونقل المناوي عن السبكي أنه قال: [وليس بمعروف عند المحدثين ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع]. وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على تفسير البيضاوي (ق92/ 2). ثم إن معنى هذا الحديث مستنكر عند المحققين من العلماء، فقال العلامة ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام 5/ 64 بعد أن أشار إلى أنه ليس بحديث: [وهذا من أفسد قول يكون لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطاً وهذا ما لا يقوله مسلم لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف وليس إلا رحمة أو سخط] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ 76.

فالحديث ليس بثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولكن معناه صحيح إذا حملناه على الاختلاف في الفروع الفقهية كما قال بعض أهل العلم كما سيأتي. وأما قول الشيخ ابن حزم في رد الحديث دراية: [لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطاً] فغير مسلَّم لأن كون الاختلاف رحمة لا يعني أن يكون الاتفاق سخطاً كما قال وهذا الكلام من ابن حزم إنما هو أخذ بمفهوم المخالفة وابن حزم لا يأخذ بمفهوم المخالفة أصلا فكيف يحتج به، هذا أولاً. وأما ثانياً فقد قال الإمام النووي: [قال الخطابي: وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (اختلاف أمتي رحمة) فاستصوب عمر ما قاله. قال: وقد اعترض على حديث اختلاف أمتي رحمة رجلان أحدهما مغموض عليه في دينه وهو عمرو بن بحر الجاحظ والآخر معروف بالسخف والخلاعة وهو إسحق بن إبراهيم الموصلي فإنه لما وضع كتابه في الأغاني وأمكن في تلك الأباطيل لم يرض بما تزود من إثمها حتى صدر كتابه بذم أصحاب الحديث وزعم أنهم يروون ما لا يدرون وقال هو والجاحظ: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً ثم زعم إنما كان اختلاف الأمة رحمة في زمن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة فإذا اختلفوا سألوه فبين لهم. والجواب عن هذا الاعتراض الفاسد أنه لا يلزم من كون الشيء رحمة أن يكون ضده عذاباً ولا يلتزم هذا ويذكره إلا جاهل أو متجاهل وقد قال تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه) فسمى الليل رحمة ولم يلزم من ذلك أن يكون النهار عذاباً وهو ظاهر لا شك فيه. قال الخطابي: والاختلاف في الدين ثلاثة أقسام: أحدها في إثبات الصانع ووحدانيته وإنكار ذلك كفر، والثاني في صفاته ومشيته وإنكارها بدعة، والثالث في أحكام الفروع المحتملة وجوهاً فهذا جعله الله تعالى رحمة وكرامة للعلماء وهو المراد بحديث اختلاف أمتي رحمة هذا آخر كلام الخطابي رحمه الله] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 258. وأما ثالثاً فالاختلاف المذكور هو الاختلاف في الفروع الفقهية والاختلاف فيها ليس فيه حرج ما دام أنه قد صدر عن أهل الاجتهاد.

والاختلاف في الفروع موجود منذ عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما حصل في نهاية غزوة الأحزاب عندما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) رواه البخاري ومسلم. فقد اختلف الصحابة في ذلك فمنهم من قال إنه أراد منا الإسراع فصلى العصر في الطريق إلى ديار بني قريظة ومنهم من لم يصل العصر إلا في بني قريظة وصلوها بعد أن غابت الشمس ولما عرض الأمر على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعنف أحداً من الفريقين. كما أن كبار الصحابة قد اختلفوا في مسائل الفروع وهذا أمر مشهور معروف واختلافهم فيه توسعة على الأمة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي في مقدمة كتابه العظيم المغني ما نصه: [أما بعد: فإن الله برحمته وطَوْله وقوته وحوله ضمن بقاء طائفة من هذه الأمة على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك وجعل السبب في بقائهم بقاء علمائهم واقتدائهم بأئمتهم وفقهائهم وجعل هذه الأمة مع علمائها كالأمم الخالية مع أنبيائها وأظهر في كل طبقة من فقهائها أئمة يقتدى بها وينتهى إلى رأيها وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام مهد بهم قواعد الإسلام. وأوضح بهم مشكلات الأحكام اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. تحيا القلوب بأخبارهم وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم ثم اختص منهم نفراً أعلى قدرهم ومناصبهم وأبقى ذكرهم ومذاهبهم فعلى أقوالهم مدار الأحكام وبمذاهبهم يفتي فقهاء الإسلام] المغني 1/ 3 - 4. وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر عن جماعة من فقهاء السلف أن الاختلاف في الفروع فيه سعة فروى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: [لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أعمالهم لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة ورأى أنه خير منه قد عمله. وعن القاسم بن محمد قال: لقد أوسع الله على الناس باختلاف أصحاب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي ذلك أخذت به لم يكن في نفسك منه شيء. وعن رجاء بن جميل قال: اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد فجعلا

يتذاكران الحديث قال فجعل عمر يجيء بالشيء مخالفاً فيه القاسم قال وجعل ذلك يشق على القاسم حتى تبين فيه فقال له عمر لا تفعل فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم. وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال: لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز ما أحب أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يختلفوا لأنه لو كانوا قولاً واحداً كان الناس في ضيق وأنهم أئمة يقتدى بهم فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة. قال أبو عمر هذا فيما كان طريقه الاجتهاد. وعن أسامة بن زيد قال سألت القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر فيه فقال إن قرأت فلك في رجال من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسوة وإذا لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسوة. وعن يحيى بن سعيد قال ما برح أولو الفتوى يفتون فيحل هذا ويحرم هذا فلا يرى المحرم أن المحل هلك لتحليله ولا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه] جامع بيان العلم وفضله 2/ 80. وقال الشيخ ولي الله الدهلوي تحت عنوان اختلاف الصحابة في الأحكام كثير، ما نصه: [وقد كان في الصحابة والتابعين ومن بعدهم من يقرأ البسملة ومنهم من لا يقرؤها ومنهم من يجهر بها ومنهم من لا يجهر بها وكان منهم من يقنت في الفجر ومنهم من لا يقنت في الفجر ومنهم من يتوضأ من الحجامة والرعاف والقيء ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ومنهم من يتوضأ من مس الذكر ومس النساء بشهوة ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ومنهم من يتوضأ مما مسته النار ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل ومنهم من لا يتوضأ من ذلك. ثم قال الشيخ الدهلوي: ما كان خلاف الأئمة تعصباً أعمى: ومع هذا فكان بعضهم يصلي خلف بعض مثل ما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم رضي الله عنهم يصلون خلف أئمة المدينة من المالكية وغيرهم وإن كانوا لا يقرؤون البسملة لا سراً ولا جهراً. وصلى الرشيد إماماً وقد احتجم فصلى الإمام أبو يوسف خلفه ولم يعد. وكان الإمام أحمد ابن حنبل يرى الوضوء من الرعاف والحجامة فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ

هل تصلي خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف الإمام مالك وسعيد بن المسيب. وروي أن أبا يوسف ومحمداً كانا يكبران في العيدين تكبير ابن عباس لأن هارون الرشيد كان يحب تكبير جده. وصلى الشافعي رحمه الله الصبح قريباً من مقبرة أبي حنيفة رحمه الله فلم يقنت تأدباً معه وقال أيضاً: ربما انحدرنا إلى مذهب أهل العراق. وفي البزازية عن الإمام الثاني وهو أبو يوسف رحمه الله أنه صلى يوم الجمعة مغتسلاً من الحمام وصلى بالناس وتفرقوا ثم أخبر بوجود فأرة ميتة في بئر الحمام فقال: إذاً نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً] حجة الله البالغة 1/ 295 - 296. وبعد اختلاف الصحابة والتابعين وتابعيهم اختلف الأئمة والعلماء في فروع الدين وما الاختلاف بين أصحاب المذاهب الأربعة عنا ببعيد. ولا يجوز أن يقال إن اختلاف هؤلاء الفقهاء شر وسخط وعذاب بل فيه السعة والرأفة والرحمة بالأمة. وينبغي أن لا تضيق صدورنا بالخلافات الفقهية فهي أمر تعارف عليه المسلمون منذ الصدر الأول للإسلام بل إن الإمام مالك بن أنس رفض حمل جميع المسلمين على مذهب واحد لما عرض عليه بعض الخلفاء العباسيين أن يحملوا المسلمين على ما قرره مالك في موطئه فرفض حمل الناس على ذلك حباً في التوسعة على المسلمين وعدم التضييق عليهم. قال ابن أبي حاتم: [قال مالك: ثم قال لي أبو جعفر المنصور: قد أردت أن أجعل هذا العلم علماً واحداً فأكتب به إلى أمراء الأجناد وإلى القضاة فيعملون به فمن خالف ضربت عنقه! فقلت له: يا أمير المؤمنين أو غير ذلك قلت: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في هذه الأمة وكان يبعث السرايا وكان يخرج فلم يفتح من البلاد كثيراً حتى قبضه الله عز وجل ثم قام أبو بكر - رضي الله عنه - بعده فلم يفتح من البلاد كثيراً ثم قام عمر - رضي الله عنه - بعدهما ففتحت البلاد على يديه فلم يجد بداً من أن يبعث أصحاب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معلمين فلم يزل يؤخذ عنهم كابراً عن كابر إلى يومهم هذا فإن ذهبت تحولهم مما يعرفون إلى ما لا يعرفون رأوا ذلك كفراً. ولكن أقر أهل كل بلدة على ما فيها من العلم خذ هذا العلم لنفسك فقال لي: ما

حديث لا يرد القضاء إلا الدعاء

أبعدت القول اكتب هذا العلم لمحمد يعني ولده المهدي الخليفة من بعده] أدب الاختلاف ص36 - 37. ولكن المذموم في الاختلاف في الفروع هو التعصب للرأي وإن ثبت أن هذا الرأي مخالف لما صح عن رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فالتعصب صفة ذميمة لا ينبغي للمسلم أن يتصف بها وخلاصة الرأي أن الاختلاف في الفروع لا بأس به وأن فيه توسعة على الأمة ما دام صادراً عن أهل العلم والاجتهاد. حديث لا يرد القضاء إلا الدعاء يقول السائل: ما معنى قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن سؤال الله تعالى ودعائه من الأمور المرغب فيها شرعاً قال الإمام النووي: [اعلم أن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف أن الدعاء مستحب، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) سورة غافر الآية 60. وقال تعالى: (ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) سورة الأعراف الآية 55. الأذكار ص340. وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء) رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 138. وعنه أيضاً أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من سرّه أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن الترمذي 3/ 140. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الدعاء هو

العبادة) ثم قرأ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) سورة غافر الآية 60. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وصححه الألباني في المصدر السابق. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو كف عنه من سوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني المصدر السابق 3/ 140. وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: (ما على الأرض من مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بمأثم أو بقطيعة رحم. فقال رجل من القوم إذاً نكثر؟ قال: الله أكثر) رواه الترمذي وقال حسن صحيح وكذا قال الألباني في المصدر السابق 1/ 181. إذا تقرر هذا فنعود للحديث النبوي محل السؤال فأقول هذا الحديث ورد بلفظ آخر وهو: (لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه الترمذي بلفظ: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) وهو حديث حسن كما قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 225. وقد قرر العلماء: [أن الدعاء سبب في حصول الخير وأن هناك أشياء مقدرة ومربوطة بأسباب فإذا تحقق السبب وقع المقدر وإذا لم يتحقق السبب لم يقع، فإذا دعا المسلم ربه حصل له الخير وإذا لم يدع وقع به الشر كما جعل الله صلة الرحم سبباً لطول العمر وقطيعة الرحم سبباً لضده] المنتقى من فتاوى الفوزان 2/ 103. وقال العلامة ابن القيم: [والدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل وهو سلاح المؤمن كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -

قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض وله مع البلاء ثلاث مقامات: أحدها أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه، الثاني أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً، الثالث أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يغني حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) وفيه أيضاً من حديث ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء. وفيه أيضاً من حديث ثوبان عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)]. الجواب الكافي ص4. وقال العلامة ابن القيم أيضاً: [وها هنا سؤال مشهور وهو أن المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه دعا به العبد أو لم يدع وإن لم يكن قد قدر لم يقع سواء سأله العبد أو لم يسأله فظنت طائفة صحة هذا السؤال فتركت الدعاء وقالت لا فائدة فيه وهؤلاء مع فرط جهلهم وضلالهم متناقضون فإن اطرد مذهبهم لوجب تعطيل جميع الأسباب فيقال لأحدهم إن كان الشبع والري قد قدرا لك فلا بد من وقوعهما أكلت أو لم تأكل وإن لم يقدرا لم يقعا أكلت أو لم تأكل وإن كان الولد قدر لك فلا بد منه وطأت الزوجة والأمة أو لم تطأهما وإن لم يقدر لم يكن فلا حاجة إلى التزويج والتسري وهلم جرا، فهل يقال هذا عاقل أو آدمي بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها قوامه وحياته فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً وتكايس بعضهم وقال الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض يثيب الله عليه الداعي من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما ولا فرق عند هذا الكيس بين الدعاء والإمساك عنه بالقلب واللسان في التأثير في حصول المطلوب وارتباط الدعاء عندهم به كارتباط السكوت ولا فرق وقالت طائفة أخرى أكيس من هؤلاء بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله سبحانه أمارة على قضاء الحاجة

فمتى وفق العبد للدعاء كان ذلك علامة له وأمارة على أن حاجته قد قضيت وهذا كما إذا رأيت غيماً أسوداً بارداً في زمن الشتاء فإن ذلك دليل وعلامة على أنه يمطر قالوا وهكذا حكم الطاعات مع الثواب والكفر والمعاصي مع العقاب هي أمارات محضة لوقوع الثواب والعقاب لأنها أسباب له وهكذا عندهم الكسر مع الإنكسار والحرق مع الإحراق والإزهاق مع القتل ليس شيء من ذلك سبباً ألبتة ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه إلا بمجرد الإقتران العادي لا التأثير السببي وخالفوا بذلك الحس والعقل والشرع والفطرة وسائر طوائف العقلاء بل أضحكوا عليهم العقلاء. والصواب أن ههنا قسماً ثالثاً غير ما ذكره السائل وهو أن هذا المقدور قدر بأسباب ومن أسبابه الدعاء فلم يقدر مجرداً عن سببه ولكن قدر بسببه فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور ومتى لم يأت بالسبب انتقى المقدور وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب. وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال ودخول النار بالأعمال وهذا القسم هو الحق. وحينئذٍ فالدعاء من أقوى الأسباب فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب ولما كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالله ورسوله وأفقههم في دينه كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم وكان عمر رضي الله عنه يستنصر به على عدوه وكان أعظم جنده وكان يقول للصحابة لستم تنصرون بكثرة وإنما تنصرون من السماء وكان يقول إني لا أحمل همَّ الإجابة ولكن همَّ الدعاء فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه] الجواب الكافي ص 8 - 9. وقال أبو حامد الغزالي: [فإن قلت فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة كما أن الترس سبب لرد السهم والماء سبب لخروج النبات من الأرض فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح وقد قال تعالى (خذوا حذركم) وأن لا يسقي الارض بعد بث البذر

حديث نحكم بالظاهر

فيقال إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كملح البصر أو هو أقرب وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر والذي قدر الخير قدره بسبب والذي قدر الشر قدر لدفعه سبباً فلا تناقص بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته ثم في الدعاء من الفائدة ما ذكرناه في الذكر فإنه يستدعي حضور القلب مع الله وهو منتهى العبادات ولذلك قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الدعاء مخ العبادة) والغالب على الخلق أنه لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل إلا عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض فالحاجة تحوج إلى الدعاء والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع والاستكانة فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات ولذلك صار البلاء موكلاً بالأنبياء عليهم السلام ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل لأنه يرد القلب بالإفتقار والتضرع إلى الله عز وجل ويمنع من نسيانه وأما الغنى فسبب للبطر في غالب الأمور فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى] إحياء علوم الدين 1/ 333. حديث نحكم بالظاهر يقول السائل: ما صحة الحديث الوارد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر)؟ الجواب: هذا الحديث بيَّن حاله أهلُ الحديث فمن كلامهم فيه ما قاله الحافظ ابن حجر: [قوله روي أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إنما نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر) هذا الحديث استنكره المزني فيما حكاه ابن كثير عنه في أدلة التنبيه. وقال النسائي في سننه باب الحكم بالظاهر ثم أورد حديث أم سلمة الذي قبله وقد ثبت في تخريج أحاديث المنهاج للبيضاوي سبب وقوع الوهم من الفقهاء في جعلهم هذا حديثا مرفوعاً وأن الشافعي قال في كلام له وقد أمر الله نبيه أن يحكم بالظاهر والله متولي السرائر وكذا قال ابن عبد البر في

حديث (الخير في وفي أمتي) ليس ثابتا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

التمهيد: أجمعوا أن أحكام الدنيا على الظاهر وأن أمر السرائر إلى الله وأغرب إسماعيل بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم الجنزوي في كتابه إدارة الأحكام فقال إن هذا الحديث ورد في قصة الكندي والحضرمي اللذين اختصما في الأرض فقال المقضي عليه قضيت عليَّ والحق لي فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما أقضي بالظاهر والله يتولى السرائر). وفي الباب حديث عمر إنما كانوا يؤخذون بالوحي على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم أخرجه البخاري وحديث أبي سعيد رفعه (إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس) وهو في الصحيح في قصة الذهب الذي بعث به علي وحديث أم سلمة الذي قبله وحديث ابن عباس الذي بعده] التلخيص الحبير 4/ 192. وقال ابن كثير [قوله وأيضاً نحن نحكم بالظاهر هذا الحديث كثيراً ما يلهج به أهل الأصول ولم أقف له على سند وسألت عنه الحافظ أبا الحجاج المزي فلم يعرفه لكن له معنى في الصحيح وهو قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما أقضي بنحو مما أسمع] تحفة الطالب 1/ 174. وقال الشوكاني: [وكذلك حديث (إنما نحكم بالظاهر) وهو وإن لم يثبت من وجه معتبر فله شواهد متفق على صحتها ومن أعظم اعتبارات الظاهر ما كان منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع المنافقين من التعاطي والمعاملة بما يقتضيه ظاهر الحال] نيل الأوطار 1/ 369. حديث (الخير فيَّ وفي أمتي) ليس ثابتاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول السائل: هنالك حديث متداول بين الناس نريد أن نعرف حكمه وهو: (الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة) أفيدونا؟ الجواب: هذا الحديث المشهور ليس ثابتاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [لا أعرفه كما نقله السخاوي في المقاصد الحسنة ص208 حديث رقم 468].

حديث (لا تجعلوا آخر طعامكم ماءا) ليس ثابتا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

وقال العجلوني: [قال ابن حجر المكي في الفتاوى الحديثية: [لم يرد بهذا اللفظ وإنما يدل على معناه الخبر المشهور [لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم.] كشف الخفاء 1/ 396. وقال الشيخ الألباني عن الحديث المذكور: لا أصل له. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ 51 حديث رقم 30. وبهذا يظهر لنا أن هذا الحديث ليس له أصل فلا تجوز نسبته إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حديث (لا تجعلوا آخر طعامكم ماءاً) ليس ثابتاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول السائل: سمعت حديثاً مروياً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: (لا تجعلوا آخر طعامكم ماءً) فهل ثبت هذا الحديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ الجواب: هذا الحديث غير ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال فيه العلامة الألباني: [لا أعرف له أصلاً وإن اشتهر في العصر الحاضر على الألسنة وكثر السؤال عنه] سلسلة الأحاديث الضعيفة 5/ 115. ولكن معنى هذا الحديث صحيح من ناحية طبية على قول بعض الأطباء حيث إن شرب الماء بعد الطعام يؤدي إلى تخفيف العصارة الهضمية - حامض الهيدروكلوريك - حيث يقل تركيزه مما يؤدي إلى إضعاف عملية الهضم. جاء في مجلة الشروق ما يلي: (لاشكّ أنّ التقليل من كميّة الطعام المأخوذة، وخاصّة الدّهون والنّشويّات، بالإضافة إلى زيادة الحركة أو ممارسة الرّياضة، من أهمّ العوامل في إنقاص الوزن. لكنْ يجب إضافة عامل هامّ جدّاً، وهو الابتعاد عن تناول الماء مع أو بعد وجبة الطعام مباشرةً، وذلك لعدّة أسباب: أولاً: لأنّه يقوم بتخفيف تأثير العُصارات الهاضمة، التي تفرزها المعدة لهضم الطعام ممّا يُضعف عمليّة الهضم والامتصاص، فلا يعود الجسم مستفيداً الاستفادة الأفضل من الطعام الذي يدخله.

أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة

ثانياً: لوجود بعض الأجسام التي تميل إلى اختزان الماء والسّوائل، التي تدخل الجسم، أثناء أو بعد عمليّة الأكل لانشغال المعدة بعمليّة الهضم، وهذا يؤدّي طبعاً إلى زيادة في وزن الجسم. لذا ننصح بعدم تناول السّوائل أثناء الطعام وبعده، لمدّة تقارب الثلاث ساعات على الأقلّ). وذكر العلامة ابن القيم أنه يكره شرب الماء قبل الطعام وبعده. الطب النبوي ص 344. أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة يقول السائل: كيف نوفق بين ما ورد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة) وبين ما ورد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن أول ما يقضى بين الناس في الدماء)؟ الجواب: أما الحديث الأول المتعلق بالصلاة فقد ورد بعدة روايات منها عن حريث بن قبيصة قال: قدمت المدينة فقلت: اللهم يسر لي جليساً صالحاً قال فجلست إلى أبي هريرة فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحاً فحدثني بحديث سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعل الله أن ينفعني به؟ فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك) رواه الترمذي وحسنه ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 130. وجاء في رواية أخرى عن تميم الداري - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن أكملها كتبت له نافلة

فإن لم يكن أكملها يقول الله سبحانه لملائكته انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع؟ فأكملوا بها ما ضيع من فريضته ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 241. وأما الحديث الثاني فقد رواه البخاري بإسناده عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء) وفي رواية مسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء). ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة في أن أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة لأن حديث أبي هريرة متعلق بحقوق الله سبحانه وتعالى والحديث الآخر متعلق بحقوق العباد أي إن أول حق من حقوق الله تعالى يحاسب عليه العبد هو الصلاة وأول حق من حقوق العباد يحاسب عليه العبد هو الدماء قال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) فيه تغليظ أمر الدماء وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها وليس هذا الحديث مخالفاً للحديث المشهور في السنن: (أول ما يحاسب به العبد صلاته) لأن هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى وأما حديث الباب فهو فيما بين العباد والله أعلم بالصواب] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 319. وقال الحافظ ابن حجر: [ولا يعارض هذا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته) الحديث أخرجه أصحاب السنن لأن الأول محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق والثاني فيما يتعلق بعبادة الخالق وقد جمع النسائي في روايته في حديث ابن مسعود بين الخبرين ولفظه: (أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضي بين الناس في الدماء)] فتح الباري 11/ 482. وقال العلامة القاري: [الأظهر أن يقال لأن ذلك من المنهيات وهذا في المأمورات أو الأول في المحاسبة والثاني في الحكم لما أخرج النسائي

ما يفعله الشيعة يوم عاشوراء ليس مشروعا

عن ابن مسعود مرفوعاً: (أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضى بين الناس في الدماء) وفي الحديث إشارة إلى أن الأول الحقيقي هو الصلاة فإن المحاسبة قبل الحكم] المرقاة 7/ 9. وقال العلامة القاري في موضع آخر: [قال الأبهري: وجه الجمع بين هذا وبين قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء) أن الأول من حق الله تعالى والثاني من حقوق العباد أو الأول من ترك العبادات والثاني من فعل السيئات] المرقاة 2/ 420 وخلاصة الأمر أن التوفيق بين الحديثين يكون بحمل حديث أولية المحاسبة على الصلاة بأن ذلك متعلق بحقوق الله وأولية القضاء في الدماء بأن ذلك متعلق بحقوق العباد. ما يفعله الشيعة يوم عاشوراء ليس مشروعاً يقول السائل: ما هي فضائل يوم عاشوراء وما حكم ما يفعله بعض المسلمين من ضرب أنفسهم بالسلاسل والأدوات الحادة حتى تسيل الدماء منهم في هذا اليوم؟ الجواب: الصحيح من أقوال أهل العلم أن ليوم عاشوراء فضيلة واحدة فقط ألا وهي صيامه وأما ما عدا ذلك مما زعم أنه من فضائل عاشوراء فليس له مستند صحيح وإنما كل ذلك من الافتراء والكذب. أما صوم عاشوراء فثابت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عدة أحاديث منها عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: [ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صام يوماً فتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم يعني عاشوراء وهذا الشهر يعني رمضان] رواه البخاري ومسلم. وعن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - قال: [سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا

صائم فمن شاء صام ومن شاء أفطر] رواه البخاري ومسلم. وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -عن صيام عاشوراء فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) رواه مسلم وغير ذلك من الأحاديث. وقد اتفق أهل العلم على أن صيام عاشوراء من السنن الثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويستحب للمسلم أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده وهو الأفضل قال العلامة ابن القيم: [فمراتب صومه ثلاثة أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم] زاد المعاد 2/ 76. هذا هو الثابت في فضل عاشوراء وهو الصيام وأما ما روي من أمور أخرى في فضل عاشوراء فليس بثابت عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كالتوسعة على الأهل في يوم عاشوراء حيث روي في الحديث: (من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته) وهذا الحديث روي من وجوه متعددة لم يصح منها شيء كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف ص113. وقال الشيخ الألباني بعد أن تكلم على طرق الحديث: [وهكذا سائر طرق الحديث مدارها على متروكين أو مجهولين ومن الممكن أن يكونوا من أعداء الحسين - رضي الله عنه - الذين وضعوا الأحاديث في فضل الإطعام والاكتحال وغير ذلك يوم عاشوراء معارضة منهم للشيعة الذين جعلوا هذا اليوم يوم حزن على الحسين - رضي الله عنه - لأن قتله كان فيه. ولذلك جزم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن هذا الحديث كذب وذكر أنه سئل الإمام أحمد عنه فلم يره شيئاً وأيد ذلك بأن أحداً من السلف لم يستحب التوسعة يوم عاشوراء وأنه لا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة] تمام المنة ص411 - 412. وكذلك ما روي في إحياء ليلة عاشوراء أو صلاة أربع ركعات ليلة عاشوراء ويومها أو زيارة القبور في يوم عاشوراء وقراءة سورة فيها ذكر موسى عليه السلام فجر يوم عاشوراء فكل ذلك لا أصل له شرعاً وهو من البدع المحدثة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في جواب سؤال حول ما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور وعزوا ذلك إلى الشارع فهل ورد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك حديث صحيح أم لا وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟ أجاب: [الحمد لله رب العالمين لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً لا عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعين لا صحيحاً ولا ضعيفاً لا في كتب الصحيح ولا السنن ولا المسانيد ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام وأمثال ذلك ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم واستواء السفينة على الجودي ورد يوسف على يعقوب وإنجاء إبراهيم من النار وفداء الذبيح بالكبش ونحو ذلك ورووا ذلك في حديث موضوع على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورووا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ورواية هذا عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذب] الفتاوى الكبرى 2/ 248 - 249. وأما ما يفعله بعض المسلمين من الرافضة (الشيعة) في يوم عاشوراء من ضرب أنفسهم بالسلاسل والسيوف حتى تسيل دماؤهم بحجة الحزن على مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فإن هذا العمل منكر لا يقره الإسلام بحال من الأحوال كما سأبين ولكن ينبغي أن يعلم أولاً أنه لا نزاع في فضل الحسين ـ رضي الله عنه ـ ومناقبه؛ فهو من علماء الصحابة، ومن سادات المسلمين في الدنيا والآخرة الذين عرفوا بالعبادة والشجاعة والسخاء ... ، وابن بنت أشرف الخلق - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والتي هي أفضل بناته، وما وقع من قتله فأمر منكر شنيع محزن لكل مسلم، وقد انتقم الله ـ عز وجل ـ من قتلته

فأهانهم في الدنيا وجعلهم عبرة، فأصابتهم العاهات والفتن، وقلَّ من نجا منهم. والذي ينبغي عند ذكر مصيبة الحسين وأمثالها هو الصبر والرضى بقضاء الله وقدره، وأنه ـ تعالى ـ يختار لعبده ما هو خير، ثم احتساب أجرها عند الله ـ تعالى ـ ولكن لا يحسن أبداً ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي يُلحَظُ التصنع والتكلف في أكثره، وقد كان أبوه عليٌّ خيراً منه وقُتل، ولم يتخذوا موته مأتماً، وقتل عثمان وعمر ومات أبو بكر ـ رضي الله عنهم ـ، وكلهم أفضل منه .. ومات سيد الخلق - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يقع في يوم موته ما هو حاصل في مقتل الحسين. وليس اتخاذ المآتم من دين المسلمين أصلاً، بل هو أشبه بفعل أهل الجاهلية) يوم عاشوراء أحكام وفوائد ص 9. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فصارت طائفة جاهلة ظالمة إما ملحدة منافقة وإما ضالة غاوية تظهر موالاتها وموالاة أهل بيته تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب والتعزي بعزاء الجاهلية والذي أمر الله به ورسوله في المصيبة إذا كانت جديدة إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع كما قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) سورة البقرة الآيات 155 - 157. وفي الصحيح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) وقال: (أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة) وقال: (النائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنها تلبس يوم القيامة درعاً من جرب وسربالاً من قطران). وفي المسند عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعاً إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها) وهذا من كرامة الله للمؤمنين فإن مصيبة الحسين وغيره إذا ذكرت بعد طول العهد فينبغي للمؤمن أن يسترجع فيها كما أمر الله ورسوله

ليعطى من الأجر مثل أجر المصاب يوم أصيب بها وإذا كان الله تعالى قد أمر بالصبر والاحتساب عند حدثان العهد بالمصيبة فكيف مع طول الزمان فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتماً وما يصنعونه فيه من الندب والنياحة وإنشاد قصائد الحزن ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير والصدق منها ليس فيه إلا تجديد الحزن والغضب وإثارة الشحن والحرب وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين وكثرة الكذب والفتن في الدين] الفتاوى الكبرى 2/ 252. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [وأما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة لأجل قتل حسين بن علي رضي الله عنهما فيه فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم] لطائف المعارف ص113. وقد أنكر هذا المنكر العظيم عدد من علماء الشيعة مثل الدكتور موسى الموسوى حيث قال: [الضرورة تملي أن نفرد فصلاً خاصاً في ضرب السلاسل على الأكتاف وشج الرؤوس بالسيوف والقامات في يوم العاشر من محرم حداداً على الإمام الحسين. وبما أن هذه العملية البشعة ما زالت جزءاً من مراسم الاحتفال باستشهاد الإمام الحسين.] الشيعة والتصحيح ص98. وقال أيضاً: [ولا ندري على وجه الدقة متى ظهر ضرب السلاسل على الأكتاف في يوم عاشوراء وانتشر في أجزاء من المناطق الشيعية مثل إيران والعراق وغيرهما ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس وشج الرأس حداداً على الحسين في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند وفي إبان الاحتلال الإنجليزي لتلك البلاد وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام الحسين فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة] المصدر السابق ص99.

وقال أيضاً: [وهنا أذكر كلاماً طريفاً مليئاً بالحكمة والأفكار النيرة سمعته من أحد أعلام الشيعة ومشايخهم قبل ثلاثين عاماً لقد كان ذلك الشيخ الوقور الطاعن في السن واقفاً بجواري وكان اليوم هو العاشر من محرم والساعة الثانية عشرة ظهراً والمكان هو روضة الإمام الحسين في كربلاء وإذا بموكب المطبرين الذين يضربون بالسيوف على رؤوسهم ويشجونها حداداً وحزناً على الحسين دخلوا الروضة في أعداد غفيرة والدماء تسيل على جباههم وجنوبهم بشكل مقزز تقشعر من رؤيته الأبدان ثم أعقب الموكب موكب آخر وفي أعداد غفيرة أيضاً وهم يضربون بالسلاسل على ظهورهم وقد أدموها وهنا سألني الشيخ العجوز والعالم الحر ما بال هؤلاء الناس وقد أنزلوا بأنفسهم هذه المصائب والآلام؟ قلت: كأنك لا تسمع ما يقولون إنهم يقولون واحسيناه أي لحزنهم على الحسين. ثم سألني الشيخ من جديد أليس الحسين الآن في (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) قلت: بلى. ثم سألني مرة أخرى: أليس الحسين الآن في هذه اللحظة في الجنة (التي عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين)؟ قلت: بلى. ثم سألني: أليس في الجنة (حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون)، قلت: بلى وهنا تنفس الشيخ الصعداء وقال بلهجة كلها حزن وألم: ويلهم من جهلة أغبياء لماذا يفعلون بأنفسهم هذه الأفاعيل لأجل إمام هو الآن في (جنة ونعيم) ويطوف عليه ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين). وفي عام 1352 هجري وعندما أعلن كبير علماء الشيعة في سوريا السيد محسن الأمين العاملي تحريم مثل هذه الأعمال وأبدى جرأة منقطعة النظير في الإفصاح عن رأيه وطلب من الشيعة أن يكفوا عنها لاقى معارضة قوية من داخل صفوف العلماء ورجال الدين؟! الذين ناهضوه وورائهم " الهمج الرعاع " على حد تعبير الإمام علي. وكادت خطواته الإصلاحية تفشل لولا أن تبنى جدنا السيد أبو الحسن بصفته الزعيم الأعلى للطائفة الشيعية موقف العلامة الأمين ورأيه في تلك الأعمال معلناً تأييده المطلق له ولفتواه] الشيعة والتصحيح ص100 - 101. وخلاصة الأمر أنه يندب صوم عاشوراء ويوماً قبله ويوماً بعده وأما

لا فضائل خاصة بشهر رجب

يفعله الشيعة من ضرب بالسيوف وغيرها حتى تسيل الدماء فمن المنكرات والإسلام منها بريء. لا فضائل خاصة بشهر رجب يقول السائل: وزعت في بعض المساجد نشرة تضمنت فضائل شهر رجب وقد ذكرت فيها مجموعة من الأحاديث نرجو بيان الحكم عليها؟ الجواب: ورد في النشرة المذكورة في السؤال ما يلي: يقول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [(رجب شهر الله. وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) رجب خص بالمغفرة من الله تعالى وشعبان بالشفاعة ورمضان بتضعيف الحسنات. وقد قيل رجب شهر التوبة وشعبان شهر المحبة ورمضان شهر القربة. قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أكثروا من الاستغفار في رجب فإن لله تعالى في كل ساعة منه عتقاء من النار وأن لله مدائن لا يدخلها إلا من صام رجب ويسن الصيام في أوله وأوسطه وآخره ويوم الاثنين والخميس في ليلة السابع من رجب ليلة فضيلة تسمى ليلة الرغائب - ليلة نزول نطفة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من والده عبد الله إلى رحم أمه آمنة - وصيام نهارها فضيل حيث يعطي الله عز وجل لعبده الصائم ذلك اليوم ما يتمنى على الله عز وجل ويرغب. عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب وذلك لأنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك في السموات والأرضين إلا ويجتمعون في الكعبة وحولها فيطلع الله تعالى عليهم فيقول يا ملائكتي سلوني إذا شئتم فيقولون ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوام رجب فيقول الله قد فعلت. وفي أواخره ليلة عظيمة وهي ليلة الإسراء والمعراج ليلة السابع والعشرين منه وقيام ليلها فضيل وصيام نهارها مستحب لكل مسلم ومسلمة. عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب الله له ثواب ستين شهراً].

وأقول إن كثيراً من الناس مولعون بنشر الأحاديث المختلقة والمكذوبة على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويعرضون عن الأحاديث الصحيحة الثابتة والتي فيها غنى عن تلك. ومن ذلك ما ورد في النشرة فالحديث الأول وهو: (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) حديث موضوع كما قال الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص100. وقال الحافظ العراقي: [حديث ضعيف جداً هو من مرسلات الحسن رويناه في كتاب الترغيب والترهيب للأصفهاني ومرسلات الحسن لا شيء عند أهل الحديث ولا يصح في فضل رجب حديث] فيض القدير 4/ 24 وقد عدَّه ابن الجوزي من الموضوعات أيضاً. وأما الحديث الثاني وهو: (أكثروا من الاستغفار في رجب فإن لله تعالى في كل ساعة منه عتقاء من النار وأن لله مدائن لا يدخلها إلا من صام رجب) فهو حديث مكذوب أيضاً ذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة وابن طاهر المقدسي في تذكرة الموضوعات وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة ص439. وأما ما جاء في النشرة من أنه يسن الصيام في أوله وأوسطه وآخره ويوم الإثنين والخميس فهذا الكلام ليس بصحيح لأنه لم يثبت في فضل صيام رجب بخصوصه شيء عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أصحابه كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف ص228. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فاتخاذه - أي شهر رجب - موسماً بحيث يفرد بالصوم مكروه عند الإمام أحمد وغيره كما روي عن عمر بن الخطاب وأبي بكرة وغيرهما من الصحابة] اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 135. وقال الحافظ ابن حجر: [لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة] رسالة تبين العجب ص3. وقال السيوطي: [ويكره إفراد رجب بالصوم] الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ص174.

وقال الإمام المحدث ابن دحية: [قال المؤتمن بن أحمد الساجي الحافظ: كان الإمام عبد الله الأنصاري شيخ خراسان لا يصوم رجباً وينهى عن ذلك ويقول: ما صح في فضل رجب وفي صيامه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيء وقد روي كراهة صومه عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم الصهر الأكرم والصاحب في الغار والرفيق الإمام أبو بكر الصديق خليفته على الأمة كلها بعد وفاته والقاتل لأهل الردة بجيوشه المنصورة وعزماته. وكان أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب الذي أجرى الله الحق على لسانه ووافقه في آيات محكمات تتلى علينا من قرآنه يضرب بالدرة صُوامه وينهى عن ذلك قوامه روى ذلك الفاكهي في كتاب (مكة) له وأسنده الإمام المجمع على عدالته المتفق في (الصحيحن) على إخراج حديثه وروايته أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني قال: حدثنا سفيان عن مسعر عن وبرة عن خرشة بن الحر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوا عن طعامه حتى يضعوا فيه ويقول: إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه] أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب ص55 - 57. وأما الإدعاء الكاذب المذكور في النشرة وهو: [أن ليلة السابع من رجب ليلة فضيلة تسمى ليلة الرغائب ليلة نزول نطفة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من والده عبد الله إلى رحم أمه آمنة] فهذا من أكذب الكذب والزور والبهتان حيث لا دليل على ذلك من الشرع. وأما حديث: [لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب وذلك لأنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك في السموات والأرضين إلا ويجتمعون في الكعبة وحولها فيطلع الله تعالى عليهم فيقول يا ملائكتي سلوني إذا شئتم فيقولون ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوام رجب فيقول الله قد فعلت] فهذا الحديث مكذوب موضوع باتفاق المحدثين كما قال العلامة عبد الحي اللكنوي في الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص63 حيث ذكر كلام الحافظ العراقي أن هذا الحديث موضوع وكذلك كلام ابن الجوزي أنه مكذوب ص64.

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء. وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء المتأخرين من الحفاظ أبو إسماعيل الأنصاري وأبو بكر بن السمعاني وأبو الفضل بن ناصر وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهم وإنما لم يذكرها المتقدمون لأنها أحدثت بعدهم وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها] لطائف المعارف ص228. وقال العلامة ابن القيم: [وكذلك أحاديث صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب كلها كذب مختلق على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأمثلها: ما رواه عبد الرحمن بن منده - وهو صدوق - عن ابن جهضم - وهو واضع الحديث - حدثنا علي. عن أنس - يرفعه - (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) الحديث. وفيه: (لا تغفلوا عن أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الغائب) وذكر الحديث المكذوب بطوله. قال ابن الجوزي: اتهموا به ابن جهضم ونسبوه إلى الكذب وسمعت عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم! قال بعض الحفاظ: بل لعلهم لم يخلقوا. وكل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه: فهو كذب مفترى كحديث (من صلى بعد المغرب أول ليلة من رجب عشرين ركعة. جاز على السراط بلا حساب). وحديث (من صام يوماً من رجب وصلى أربع ركعات يقرأ في أول ركعة مئة مرة (آية الكرسي) وفي الثانية مئة مرة (قل هو الله أحد): لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة.). وحديث: (من صام من رجب كذا وكذا) الجميع كذب مختلق] المنار المنيف ص95 - 97. وأما ما ورد في النشرة: [وفي أواخره ليلة عظيمة وهي ليلة الإسراء والمعراج ليلة السابع والعشرين منه وقيام ليلها فضيل وصيام نهارها مستحب لكل مسلم ومسلمة] فهذا عين الكذب كما قال ذلك الإمام المحدث ابن

الطائفة الظاهرة

دحية ووافقه عليه الحافظ ابن حجر وأنكر ذلك الإمام إبراهيم الحربي وغيره. قال ابن دحية: [وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب] أداء ما وجب 53 - 54. وانظر ما قاله الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف ص233 وما قاله العلامة المحدث الألباني في تعليقه على أداء ما وجب ص53. وأما حديث: (من صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب الله له ثواب ستين شهراً) فهذا الحديث باطل موضوع لا يصح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد ذكر العلماء عدداً من الأحاديث المكذوبة في فضل صوم رجب منها ما ذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة ص100 - 101 فانظرها. وخلاصة الأمر أن المشروع في رجب هو المشروع في غيره من الشهور وليس لرجب أي خصوصية في صوم أو صلاة وأن ما ورد في هذه النشرة من أحاديث كلها باطلة مكذوبة وأن هؤلاء الذين ينشرون مثل ذلك يشملهم الوعيد الوارد في قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين) رواه مسلم. الطائفة الظاهرة يقول السائل: من هي الطائفة الظاهرة التي أخبر عنها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) وأين توجد هذه الطائفة؟ الجواب: صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحاديث كثيرة ذكر الطائفة الظاهرة التي تبقى في هذه الأمة المحمدية متمسكةً بدينها وقائمةً على أمر الله حتى قيام الساعة، وهذه مجموعة عطرة من هذه الأحاديث: عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية - رضي الله عنه - قال:

قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين والله المعطي وأنا القاسم ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون) رواه البخاري. 2. وعن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه - عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يزال ناسٌ من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) رواه البخاري ومسلم. 3. وعن عمير بن هانئ أنه سمع معاوية - رضي الله عنه - يقول سمعت النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك. قال عمير فقال مالك بن يخامر: قال معاذ وهم بالشام، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم بالشام) رواه البخاري. 4. وعن حميد قال سمعت معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - يخطب قال سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسمٌ ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله). 5. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - يقول سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة) رواه مسلم. إن أحاديث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الواردة في ذكر الطائفة الظاهرة تؤكد لنا أن هذه الطائفة كانت موجودة على مر العصور والأيام ولم ينقطع وجودها في أي عصر من العصور. [اعلم أن أول صفة تتميز بها الطائفة المنصورة عن الطوائف الضالة الأخرى هي: صفة الاستمرارية أي إن الطائفة المنصورة مستمرة بوجودها ومقوماتها وأصولها ودعوتها ومنهجها ورجالها من لدن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ساعتنا هذه بل إلى يوم القيامة ودليل هذا قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ

الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) سورة التوبة الآية 100، ففي قوله تعالى: (السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) إشارة إلى تاريخ بدء هذه الجماعة ... وفي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) إشارة إلى استمرارية هذا الوجود وعموميته وعدم انقطاعه وأن ثمة رجالاً مستمرين على هذا السبيل وأن قوام هذا الاستمرار هو الاتباع (اتَّبَعُوهُمْ) ... ويؤيد هذا ويوضحه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) ففي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تزال) دلالة واضحة وبينة ناصعة على صفة الاستمرارية للطائفة المنصورة] صفات الطائفة المنصورة ص13 - 14. وهذه أقوال العلماء في بيان هذه الطائفة الظاهرة: 1. قال الإمام البخاري: [باب قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 13/ 358. 2. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وأخرج الحاكم في علوم الحديث بسند صحيح عن أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟] فتح الباري 13/ 359. 3. وقال عبد الله بن المبارك: [هم عندي أصحاب الحديث]. 4. وقال أحمد بن سنان الثقة الحافظ: [هم أهل العلم وأصحاب الآثار] سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 3/136 - 137. 5. وقال القاضي عياض: [إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث] إتحاف الجماعة 1/ 330. 6. وقال الإمام النووي: [وأما هذه الطائفة فقال البخاري: هم أهل العلم , وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم. قال القاضي عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث. قلت: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم

أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 58 - 59. 7. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [وأما الطائفة المنصورة فقيل هم أصحاب الحديث وقيل هم العباد وقيل هم المناضلون على الحق بألسنتهم وقيل هم المجاهدون في الثغور بأسنتهم] عارضة الأحوذي 5/ 34. وانظر المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 3/ 763. وأما محل هذه الطائفة فقد جاء في الروايات أنها في الشام: فقد ورد في صحيح البخاري في حديث معاوية أن معاذ بن جبل قال: هم بالشام. صحيح البخاري مع الفتح 13/ 547. وورد أنهم أهل الغرب ففي صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة). قال الإمام النووي: [قوله: (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) قال علي بن المديني: المراد بأهل الغرب العرب، والمراد بالغرب الدلو الكبير لا ختصاصهم بها غالباً. وقال آخرون: المراد به الغرب من الأرض، وقال معاذ: هم بالشام. وجاء في حديث آخر هم ببيت المقدس، وقيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك قال القاضي: وقيل: المراد بأهل الغرب أهل الشدة والجلد، وغرب كل شيء حده] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 60. وورد أنها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس فقد ورد في حديث أبي أمامة عند الطبراني قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس). وورد أنها في دمشق وبيت المقدس فعن أبي هريرة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم خذلان من خذلهم إلى يوم القيامة) رواه الطبراني في الأوسط وفيه الوليد بن عبّاد وهو مجهول كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 288. قال الشيخ حمود التويجري: [وقد اختلف في محل هذه الطائفة: فقال ابن بطال: [إنها تكون في بيت المقدس كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة - رضي الله عنهم -: (قيل: يا رسول الله أين هم؟ قال بيت

المقدس) وقال معاذ - رضي الله عنهم -: هم بالشام. وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائماً، بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة. فعلى هذا فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تفترق وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها. قلت: الظاهر من حديث أبي أمامة وقول معاذ أن ذلك إشارة إلى محل هذه الطائفة في آخر الزمان عند خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ويدل على ذلك ما تقدم ذكره من حديث أبي أمامة الذي رواه ابن ماجة وفيه: (فقالت أم شريك: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل وجلهم يومئذ ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح ... فأما في زماننا وما قبله فهذه الطائفة متفرقة في أقطار الأرض كما يشهد له الواقع من حال هذه الأمة منذ فتحت الأمصار في عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم وتكثر في بعض الأماكن أحياناً ويعظم شأنها ويظهر أمرها ببركة الدعوة إلى الله تعالى وتجديد الدين] اتحاف الجماعة 1/ 332 - 334. قال الإمام النووي: [. ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 58 - 59. رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام يقول السائل: إذا رأى شخص في المنام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمره أو نهاه فما الحكم الشرعي لذلك؟ الجواب: قامت الأدلة الصحيحة على إمكانية رؤية الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في

المنام فقد روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي). وروى البخاري بسنده أيضاً عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءً من النبوة). وروى بسنده عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فمن رأى شيئاً يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثاً وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره وإن الشيطان لا يتراءى بي). وروى بسنده أيضاً عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من رآني فقد رأى الحق). وروى بسنده أيضاً عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني). وقد دلت هذه الأحاديث على جواز رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام وهذا أمر مشهور ومعروف عن أهل العلم. وأما إذا رأى شخص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام فأمره بشيء أو نهاه عن شيء فهل يعتبر ذلك تبليغاً من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجب العمل بمقتضاه، أم لا؟ فالصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام وأمره بشيء أو نهيه عن شيء أو كلامه في أمر شرعي لا يثبت بذلك كله حكم شرعي ولا يكون ذلك حجة ولا دليلاً إلا أن يكون ما ورد في رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر ثابت في الشريعة الإسلامية فالحجة لما هو ثابت في الشريعة ولا حجة لما ورد في الرؤيا بل الأصل هو ما ورد في الشريعة، قال الإمام الشاطبي: [ربما قال بعضهم: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النوم فقال لي كذا وأمرني بكذا فيعمل بها ويترك بها معرضاً عن الحدود الموضوعة في الشريعة وهو خطأ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال

إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا] الاعتصام 2/ 318. وقال الشاطبي أيضاً: [ولا يقال: إن الرؤيا من أجزاء النبوة فلا ينبغي أن تهمل وأيضاً إن المخبر في المنام قد يكون النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قد قال: (من رآني في النوم فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي) وإذا كان فإخباره في النوم كإخباره في اليقظة. لأنا نقول: إن كانت الرؤيا من أجزاء النبوة فليست إلينا من كمال الوحي بل جزء من أجزائه والجزء لا يقوم مقام الكل في جميع الوجوه بل إنما يقوم مقامه في بعض الوجوه وقد صرفت إلى جهة البشارة والنذارة وفيها كاف] الاعتصام 2/ 319. وقال الشاطبي أيضاً: [وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرائي بالحكم فلا بد من النظر فيها أيضاً لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته فالحكم بما استقر وإن أخبر بمخالف فمحال لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حصول المرائي النومية لأن ذلك باطل بالإجماع فمن رأى شيئاً من ذلك فلا عمل عليه وعند ذلك نقول: إن رؤياه غير صحيحة إذ لو رآه حقاً لم يخبره بما يخالف الشرع] المصدر السابق 2/ 321. وقال الشاطبي أيضاً: [وعلى الجملة فلا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنة نعم يأتي المرئي تأنيساً ونذارة خاصة بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكماً ولا يبنون عليه أصلاً وهو الاعتدال في أخذها حسبما فهم من الشرع فيها والله أعلم] المصدر السابق 2/ 322. وقال الإمام القرافي: [فلو رآه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له إن امرأتك طالق ثلاثاً وهو يجزم بأنه لم يطلقها فهل تحرم عليه؟ لأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يقول إلا حقاً. وقع فيه البحث مع الفقهاء واضطربت آراؤهم في ذلك بالتحريم وعدمه لتعارض خبره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تحريمها في النوم وإخباره في اليقظة في شريعته

المعظمة أنها مباحة له والذي يظهر لي أن إخباره عليه الصلاة والسلام في اليقظة مقدم على الخبر في النوم لتطرق الاحتمال للرائي بالغلط في ضبط المثال فإذا عرضنا على أنفسنا احتمال طروء الطلاق مع الجهل به واحتمال طروء الغلط في المثال في النوم وجدنا الغلط في المثال أيسر وأرجح ومن هو من الناس يضبط المثال على النحو المتقدم إلا أفراداً قليلةً من الحفاظ لصفته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأما ضبط عدم الطلاق فلا يختل إلا على النادر من الناس والعمل بالراجح متعين وكذلك لو قال له عن حلال إنه حرام أو عن حرام إنه حلال أو عن حكم من أحكام الشريعة قدمنا ما ثبت في اليقظة على ما رأى في النوم لما ذكرناه كما لو تعارض خبران من أخبار اليقظة صحيحان فإنا نقدم الأرجح بالسند أو باللفظ أو بفصاحته أو قلة الاحتمال في المجاز أو غيره فكذلك خبر اليقظة وخبر النوم يخرجان على هذه القاعدة] الفروق 4/ 245 - 246. وذكر الحافظ ابن حجر عن أبي محمد بن أبي جمرة أحد شراح الحديث قوله: [وكذلك يقال في كلامه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النوم أنه يعرض على سنته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما وافقها فهو هو وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل إنما هو في سمع الرائي أو بصره قال: وهذا خير ما سمعته في ذلك] فتح الباري 12/ 484. وقال الحافظ ابن حجر: [ويؤخذ من هذا ما تقدم التنبيه عليه أن النائم لو رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمره بشيء هل يجب عليه امتثاله ولا بد؟ أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر، فالثاني هو المعتمد كما تقدم] المصدر السابق 12/ 486. وقال الشوكاني بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في المسألة: [ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كمله الله عز وجل وقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ولم يأتنا دليل يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قال فيها بقول أو فعل فيها فعلاً يكون دليلاً وحجة بل

كرامة الخبز

قبضه الله إليه عند أن كمل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها وقد انقطعت البعثة لتبليغ الشرائع وتبيينها بالموت وإن كان رسولاً حياً وميتاً وبهذا تعلم أن لو قدرنا ضبط النائم لم يكن ما رآه من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو فعله حجة عليه ولا على غيره من الأمة] إرشاد الفحول 249. وبعد هذا العرض لأقوال العلماء في مسألة رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نخلص إلى أنه لا يجوز الاعتماد على رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إثبات حكم شرعي أو نفي حكم شرعي لأن الرسالة قد تمت وكملت قبل وفاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكن من شأن الصحابة رضوان الله عليهم ولا سلف الأمة الاعتماد على رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إثبات الأحكام الشرعية أو نفيها. كرامة الخبز يقول السائل: إنه رأى شخصاً يدوس بقدمه على قطعة خبز فنهاه عن ذلك فقال له ذلك الشخص: إنه لا فرق بين الخبز وبين غيره من الأشياء ولا كرامة للخبز فما قولكم؟ الجواب: لا شك أن الخبز نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى ونعم الله ينبغي أن تصان عن الامتهان والاحتقار ودوس الخبز بالقدم عمداً يدخل في كفران نعمة الله جل جلاله. وليس صحيحاً أنه لا كرامة للخبز بل له كرامة فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أكرموا الخبز) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه السيوطي في الجامع الصغير وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 265. وقد اعتبر العلماء أن من آداب الطعام إكرام الخبز، قال العلامة المناوي: [(أكرموا الخبز) سائر أنواعه لأن في إكرامه الرضى بالموجود من

حكم سب الصحابة

الرزق وعدم الاجتهاد في التنعم وطلب الزيادة. ومن كلام الحكماء: [الخبز يُباس ولا يُداس] فيض القدير 2/ 116. وقال العلامة المناوي أيضاً: [وإكرامه - الخبز - أن لا يوطأ ولا يمتهن كأن يستنجى به أو يوضع في القاذورة والمزابل أو ينظر إليه بعين الاحتقار] المصدر السابق 2/ 117. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز دوس الخبز بالقدم وأن ذلك من كفر نعمة الله. حكم سب الصحابة يقول السائل: ما قولكم فيمن يسب واحداً من الصحابة وينتقص منه كالذين يسبون معاوية بن أبي سفيان ويتهمونه باتهامات باطلة فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: حب الصحابة الكرام جزء من عقيدة المسلم عقيدة أهل السنة والجماعة، قال صاحب العقيدة الطحاوية ص 689: [ونحب أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] شرح العقيدة الواسطية ص 142. وقد قامت على صحة هذه العقيدة ألا وهي حب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وحرمة سبهم وحرمة بغضهم عشرات الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وانعقد إجماع الصحابة على ذلك. فمن الآيات الكريمات الدالة على ذلك وفيها ثناء الله على

الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سورة التوبة الآية 100. وقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) سورة آل عمران الآية 110. وقال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) سورة الفتح الآية 29. وقال تعالى: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة الحديد الآية 10. وقال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَايَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) سورة الحشر الآيات 8 - 10. وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) سورة الأنفال الآية 64. وأما الأحاديث النبوية فمنها عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري ومسلم. وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر - رضي الله عنه - أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطب بالجابية فقال: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقامي فيكم فقال: (استوصوا بأصحابي خيراً ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. الخ) رواه أحمد والبيهقي والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه ابن حبان وقال محققه: إسناده صحيح على شرط الشيخين. صحيح ابن حبان 16/ 240.

ونص أهل العلم على وجوب احترام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأنه يحرم الطعن فيهم أو سبهم أو الانتقاص منهم. قال أبو زرعة الرازي: [إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاعلم أنه زنديق] ولتكن ممن يقول: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَايَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) سورة الحشر الآية 10] انظر صب العذاب على من سب الأصحاب للألوسي ص 391 - 392. وقال الإمام أحمد: [وخير الأمة بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته ليس له - أي الحاكم - أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلَّده في الحبس حتى يموت أو يراجع] الصارم المسلول ص 570 وقال الإمام النووي: [واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون.] ثم نقل عن القاضي عياض قوله: [وسب أحدهم - أي الصحابة - من المعاصي الكبائر] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 72 - 73. وقال الحافظ ابن حجر: [اتفق أهل السنة على أن الجميع - أي جميع الصحابة - عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك فقال عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم فمن ذلك قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) وقوله: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) وقوله: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ

الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وقوله: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) إلى قوله: (إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله، ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء (وهم) يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة انتهى. والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة من أدلها على المقصود ما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه، وقال أبو محمد ابن حزم الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعاً قال الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) فثبت أن الجميع من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية السابقة] الإصابة في تمييز الصحابة ص 6 - 7. إذا تقرر هذا في فضل الصحابة وحرمة سبهم فإن معاوية بن أبي

سفيان رضي الله عنهما واحد من الصحابة بل هو من فضلائهم فيحرم سبه وشتمه واتهامه بالاتهامات الباطلة. قال الإمام النووي: [وأما معاوية - رضي الله عنه - فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء - رضي الله عنه -] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 530. وقد وردت أحاديث نبوية في فضل معاوية - رضي الله عنه - منها عن عبد الرحمن بن أبي عميرة وكان من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لمعاوية: (اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به) رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني: صحيح كما في السلسلة الصحيحة 1969 وصحيح سنن الترمذي 3/ 236. وعن أبي إدريس الخولاني قال: [لما عزل عمر بن الخطاب عمير بن سعد عن حمص ولى معاوية فقال الناس: عزل عميراً وولى معاوية!؟ فقال عمير: لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: اللهم اهد به] رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 236. وروى الإمام البخاري بسنده عن ابن أبي مليكة قال: [أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس فقال: دعه فإنه قد صحب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى البخاري أيضاً بسنده: قيل لابن عباس هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: إنه فقيه] صحيح البخاري مع الفتح 8/ 104 - 105. قال الحافظ ابن حجر: [وقوله دعه: أي اترك القول فيه والإنكار عليه فإنه قد صحب أي فلم يفعل شيئاً إلا بمستند وفي قوله في الرواية الأخرى أصاب إنه فقيه ما يؤيد ذلك] فتح الباري 8/ 105. وقال الإمام الذهبي في حق معاوية: [حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم وهو ثقة فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضي الناس بسخائه

تأثير الإكراه في المحرمات

وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك وإن كان غيره من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيراً منه بكثير وأفضل وأصلح فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه وله هنات وأمور والله الموعد] سير أعلام النبلاء 3/ 132 - 133. وقال الذهبي أيضاً: [ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم وما هو ببرئ من الهنات والله يعفو عنه] سير أعلام النبلاء 3/ 159. وينبغي أن يعلم أن معاوية رضي الله عنه هو أحد كتبة الوحي الذين استكتبهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكتابة القرآن الكريم. انظر الإصابة 6/ 113، معاوية بن أبي سفيان لمحمود شاكر ص 88. تأثير الإكراه في المحرمات يقول السائل: ما هو تأثير الإكراه في المحرمات؟ الجواب: الإكراه هو إجبار شخص بغير حق على أمر لا يرضاه والإكراه من عوارض الأهلية عند الأصوليين وهي أمور تعترض على أهلية المكلف فتحدث فيها تغييراً. ومن المعروف عند أهل العلم أن الإكراه هو أحد أسباب الضرورة وقد جعل كثير من العلماء الإكراه على نوعين: وهما الإكراه الملجئ وهو ما كان التهديد فيه بالقتل وهذا هو الإكراه الكامل. والإكراه غير الملجئ وهو إكراه ناقص كالتهديد بالحبس أوالتهديد بحبس قريب المكره كحبس أمه أو أبيه أو ابنه أو غيرهم. وأما تأثير الإكراه في المحرمات فقد جعل العلماء ذلك على أربعة اقسام: الأول: تباح بعض المحرمات في حالة الإكراه كأكل الميتة ولحم

الخنزير وشرب الخمر وذلك إذا كان الإكراه ملجئاً قال الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) سورة الأنعام الآية 119. والمكره مضطر فيدخل في الحكم. الثاني: [يرخص في الفعل أي أن الإكراه لا يبيحه لأن حرمته مؤبدة ولكن يمنع الإثم والمؤاخذة الأخروية. مثل إجراء كلمة الكفر على اللسان مع اطمئنان القلب بالإيمان. فإن ذلك يباح بالإكراه الملجئ فقط وإن صبر الشخص على ما أكره عليه وقتل صار شهيداً والأفضل عند الحنفية والحنابلة عدم التلفظ بالكفر إظهاراً لعزة الإسلام وإعلاءً لكلمة الحق عملاً بقصة خبيب بن عدي وعمار حيث قتل المشركون أهل مكة خبيباً لأنه لم يوافقهم على ما زعموا فكان عند المسلمين أفضل من عمار الذي نال في الظاهر من الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر آلهتهم بخير وأقره الرسول على فعله وقال له: (إن عادوا فعد) أي فإن عادوا إلى الإكراه فعد إلى الترخص أو فإن عادوا إلى الإكراه فعد إلى طمأنينة القلب. الثالث: لا يباح الفعل ولكن يرخص فيه في الجملة وهي حقوق العباد كإتلاف مال الغير وتناول المضطر مال غيره فإن ذلك حرام ولكن هذه الحرمة قد تزول بإذن صاحب المال بالتصرف وإذا أكره الشخص على الإتلاف إكراهاً ملجئاً أواضطر إلى أخذ المال للانتفاع به فإنه يرخص له فيه مع بقاء الحرمة كالقسم السابق لأن إتلاف المال في ذاته ظلم وبالإكراه ونحوه لا تزول عصمة المال في حق صاحبه لبقاء حاجته إليه فيكون إتلافه وإن رخص فيه باقياً على الحرمة فإن صبر المستكره على ما هدد به كالقتل مثلاً وقتل كان شهيداً لأنه بذل نفسه لدفع الظلم] نظرية الضرورة الشرعية ص281 - 282. الرابع: لا يباح الفعل ولا يرخص فيه أصلاً كالقتل بغير حق والاعتداء على عضو من الأعضاء والزنا فهذه الأمور لا تحل بالإكراه مطلقاً. وقد اتفق أهل العلم على أن قتل المسلم لا يباح تحت أي ظرف من ظروف الإكراه والاضطرار فقتل المسلم لا يحله إكراه ولا اضطرار.

قال القرطبي: [أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلدٍ أو غيره ويصبر على البلاء الذي نزل به ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة] تفسير القرطبي 10/ 183. وقال الزيلعي الفقيه الحنفي: [لو أكره على قتل غيره بالقتل لا يرخص له القتل لإحياء نفسه لأن دليل الرخصة خوف التلف والمكره والمكره عليه في ذلك سواء فسقط الإكراه وإن قتله أثم لأن الحرمة بما فيه وكذا الإكراه على الزنا لا يرخص له] تبيين الحقائق 5/ 186. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والمقصود أنه إذا كان المكره على القتال في الفتنة ليس له أن يقاتل بل عليه إفساد سلاحه وأن يصبر حتى يقتل مظلوماً فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام؟! كمانعي الزكاة والمرتدين ونحوهم فلا ريب أن هذا يجب عليه إذا أكره على الحضور أن لا يقاتل وإن قتله المسلمون كما لو أكرهه الكفار على حضور صفهم ليقاتل المسلمين وكما لو أكره رجلٌ رجلاً على قتل مسلم معصوم فإنه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين وإن أكرهه بالقتل فإنه ليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم أولى من العكس] مجموع الفتاوى 28/ 539. وقد وردت النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تحريم قتل المسلم قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) سورة الإسراء الآية 33. وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً) سورة النساء الآية 92. وقال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) سورة النساء الآية 93. وصح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري ومسلم.

وقال عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من النصوص. ولا يجوز أن يقال إن الإكراه يبيح قتل المسلم لأن الضرورات تبيح المحظورات. فإن هذه القاعدة الفقهية (الضرورات تبيح المحظورات) ليست على إطلاقها فإنها لا تدخل في بعض الأمور وخاصة القتل والزنا. قال العلامة علي حيدر في شرح المجلة: [إن الضرورات لا تبيح كل المحظورات بل يجب أن تكون المحظورات دون الضرورات أما إذا كانت الممنوعات أو المحظورات أكثر من الضرورات فلا يجوز إجراؤها ولا تصبح مباحة مثال: لو أن شخصاً هدد آخر بالقتل أو بقطع العضو وأجبره على قتل شخص فلا يحق للمكره أن يوقع القتل لأن الضرورة هنا مساوية للمحظور بل إن قتل المكره أخف ضرراً من أن يقتل شخصاً آخر في الحالة هذه إذا أوقع ذلك المكره القتل يكون حكمه حكم القاتل بلا إكراه أما من جهة القصاص فينفذ في حق كل من المجبر والمكره] درر الحكام شرح مجلة الحكام 1/ 38. ويضاف لما سبق أن دفع الإنسان الضرر عن نفسه مقيد بألا يلحق بغيره الضرر وقد ورد في القاعدة الفقهية (الضرر لا يزال بمثله) فلا يجوز للمكره على القتل ان ينجي نفسه بقتل غيره لأن النفوس متساوية وغير متفاوتة. وخلاصة الأمر أن قتل المسلم لا يباح لا بالإكراه ولا بالضرورة وكذا الزنا على مذهب جمهور أهل العلم ويجوز للمسلم أن يتلفظ بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان كما يجوز تناول المحرمات من الأطعمة والأشربة في حالتي الإكراه الملجئ والاضطرار

الأعمال المكفرة للذنوب

الأعمال المكفرة للذنوب يقول السائل: ما هي الأعمال التي تكفر الذنوب؟ الجواب: ثبت عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحاديث كثيرة أن أعمالاً صالحة تكفر الذنوب وتمحها ومنها ما يلي: أولاً: الوضوء وقد جاء فيه أحاديث كثيرة منها: عن حمران أنه قال: (فلما توضأ عثمان قال والله لأحدثنكم حديثا والله لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها. قال عروة الآية إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى إلى قوله اللاعنون) رواه مسلم. وعن عثمان أنه دعا بطهور ثم قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله رواه مسلم. وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقول ذلك يبقي من درنه قالوا لا يبقي من درنه شيئا قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا) رواه البخاري. ثانياً: الصلوات الخمس: عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم. وعن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن) رواه مسلم.

ثالثاً: موافقة تأمين المأموم لتأمين الملائكة: عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وقال بن شهاب وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول آمين) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه مسلم. رابعاً: المشي إلى المساجد: وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلاً) رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم وقال الألباني: صحيح. خامساً: المحافظة على صلاة الجمعة: عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر) باب الذكر المستحب عقب الوضوء، رواه مسلم. سادساً: صيام نهار رمضان وقيام ليله: عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم. سابعاً: صيام عاشوراء: عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن صومه. قال: فغضب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال عمر - رضي الله عنه -: رضينا بالله

ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وببيعتنا بيعة. قال: فسئل عن صيام الدهر. فقال: لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر. قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم. قال: ومن يطيق ذلك قال وسئل عن صوم يوم وإفطار يومين. قال: ليت أن الله قوانا لذلك. قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم. قال: ذاك صوم أخي داود عليه السلام. قال: وسئل عن صوم يوم الإثنين قال: ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه. قال فقال: صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر. قال: وسئل عن صوم يوم عرفة فقال: يكفر السنة الماضية والباقية. قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء. فقال: يكفر السنة الماضية) رواه مسلم. ثامناً: صيام يوم عرفه: عن أبي قتادة رجل أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال كيف تصوم فغضب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه قال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه فقال عمر يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله قال لا صام ولا أفطر أو قال لم يصم ولم يفطر قال كيف من يصوم يومين ويفطر يوما قال ويطيق ذلك أحد قال كيف من يصوم يوما ويفطر يوما قال ذاك صوم داود عليه السلام قال كيف من يصوم يوما ويفطر يومين قال وددت أني طوقت ذلك ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله رواه مسلم. تاسعاً: الحج والعمرة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (العمرة إلى

العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه البخاري ومسلم. عاشراً: الصدقة: عن أبي وائل عن حذيفة قال: (قال عمر - رضي الله عنه -: من يحفظ حديثا عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الفتنة. قال حذيفة: أنا سمعته يقول فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. قال: ليس أسأل عن هذه إنما أسأل عن التي تموج كما يموج البحر قال وإن دون ذلك بابا مغلقا، قال: فيفتح أو يكسر قال: يكسر قال ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة فقلنا لمسروق سله أكان عمر يعلم من الباب فسأله فقال: نعم. كما يعلم أن دون غد الليلة) رواه البخاري ومسلم. أحد عشر: الحمد بعد الطعام: عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أكل طعاما ثم قال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) رواه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب. ثاني عشر: المرض والتعب: عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت قال: (- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها) رواه البخاري. وعن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) رواه البخاري. ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأعمال الصالحة تكفر صغائر الذنوب وأما الكبائر فلا تُكَفَر بمجرد فعل الأعمال الصالحة بل لا بد من التوبة بشروطها حتى تُكَفَر. نيل الأوطار 3/ 57.

التنجيم باستعمال الحاسوب

قال القاضي عياض: [هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 446. وانظر نيل الأوطار 3/ 57. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبائر لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) فإذا كانت الصلاة مقرونة بالوضوء لا تكفر الكبائر فانفراد الوضوء بالتقصير عن ذلك أحرى) عارضة الأحوذي 1/ 13. التنجيم باستعمال الحاسوب يقول السائل: يلاحظ في هذه الأيام ظهور المنجمين على المحطات الفضائية ومعهم أجهزة كمبيوتر ويتصل بهم المشاهدون ويعطونهم تواريخ ميلادهم ومعلومات أخرى فيقوم المنجمون بإدخال ذلك على الكمبيوتر ثم يذكرون نبوءاتهم فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: لا بد أولاً من التذكير بأن التنجيم قد عرف قديماً وكانت العرب تؤقت بطلوع النجوم لأنهم ما كانوا يعرفون الحساب وإنما يحفظون أوقات السنة بالأنواء. المصباح المنير ص594. وأما التنجيم في اصطلاح علماء الشريعة فينقسم إلى قسمين: الأول: حسابي وهو تحديد أوائل الشهور بحساب سير النجوم فبواسطة هذا الحساب يعرفون الأوقات والأزمنة والفصول واتجاه القبلة ونحو ذلك. الموسوعة الفقهية 14/ 53. مجموع الفتاوى 35/ 181. حاشية ابن عابدين 1/ 43 - 44. وهذا النوع من التنجيم هو أحد فروع علم الفلك وما زال كثير من الناس يسمون علم الفلك بالتنجيم مع أن [ثمة فرق كبير بين المنجمين

والفلكيين وبين التنجيم وعلم الفلك. فالمنجم أو (النجام) هو الذي يزعم معرفة حظوظ الناس ومستقبلهم ومصير حياتهم بحسب مواقع النجوم عند ولادتها وهو الذي ينظر إلى النجوم ويحسب مواقيت شروقها وغروبها وسيرها فيتوهم من خلالها أحوال الناس والعالم وعملية التنجيم المعروفة بـ (اوسترولوجي) هي عملية ربط مواقع النجوم وحركاتها بسلوك وأعمال ومصير الإنسان ويعتقد المنجم ويعلن أن النجوم تؤثر في حياة وموت الناس ويقف رجال العلم بمن فيهم علماء الفلك مع الفقهاء في رفض عمليات التنجيم وأقوال المنجمين.] محاضرة بعنوان علم الفلك وأوائل الشهور القمرية للدكتور يوسف مروة. وهذا النوع أجازه علماء الشريعة على تفصيل عندهم في اعتماده في دخول شهر رمضان وخروجه قال الشيخ ابن رسلان: [وأما علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقي فغير داخل فيما نهي عنه] نيل الأوطار 7/ 206. الثاني: الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية. مجموع الفتاوى 35/ 192. وهذا النوع يقوم على تأثير التشكلات الفلكية في الحوادث التي تقع على الأرض. حاشية ابن عابدين 1/ 43. وهو المقصود بصناعة التنجيم. والتنجيم حرام شرعاً وقد نهي عنه حيث إن المنجمين يزعمون ربط الحوادث التي تقع للناس بحركات الكواكب والنجوم وأن لها تأثيراً في الحوادث بذاتها. وقد اتفق علماء الإسلام على تحريم التنجيم بهذا المعنى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وصناعة التنجيم التي مضمونها الأحكام والتأثير وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية والتمزيج بين القوى الفلكي والقوابل الأرضية صناعة محرمة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين في جميع الملل] مجموع الفتاوى 35/ 192. وقال الشيخ ابن رسلان في شرح السنن: [والمنهي عنه ما يدعيه أهل التنجيم من علم الحوادث والكوائن التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان

ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها وهذا تعاط لعلم استأثر الله بعلمه] نيل الأوطار 7/ 206. وقال العلامة ابن عثيمين: [والتنجيم نوع من السحر والكهانة وهو محرم لأنه مبني على أوهام لا حقيقة لها فلا علاقة لما يحدث في الأرض لما يحدث في السماء ولهذا كان من عقيدة أهل الجاهلية أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم فكسفت الشمس في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم - رضي الله عنه - فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم فخطب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس حين صلى الكسوف وقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته) فأبطل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارتباط الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية وكما أن التنجيم بهذا المعنى نوع من السحر والكهانة فهو أيضاً سبب للأوهام والانفعالات النفسية التي ليس لها حقيقة ولا أصل فيقع الإنسان في أوهام وتشاؤمات ومتاهات لا نهاية لها] فتاوى العقيدة ص336. والأدلة على تحريم التنجيم كثيرة منها: 1. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبةً من السحر زاد ما زاد) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 3/ 173 وانظر السلسلة الصحيحة 2/ 435. قال الشوكاني: [قوله: (زاد ما زاد) أي زاد من علم النجوم كمثل ما زاد من السحر والمراد أنه إذا ازداد من علم النجوم فكأنه ازداد من علم السحر وقد علم أن أصل علم السحر حرام والازدياد منه أشد تحريماً فكذا الازدياد من علم التنجيم] نيل الأوطار 7/ 207. 2. وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من اقتبس باباً من علم النجوم لغير ما ذكر الله فقد اقتبس شعبة من السحر. المنجم كاهن والكاهن ساحر والساحر كافر) رواه رزين في مسنده. انظر مشكاة المصابيح 2/ 1296.

3. وعن أبي محجن مرفوعاً أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أخاف على أمتي من بعدي ثلاثاً: حيف الأئمة وإيماناً بالنجوم وتكذيباً بالقدر) رواه ابن عساكر وابن عبد البر في جامع بيان العلم وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/ 103. 4. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) رواه مسلم. 5. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أتى عرافا ً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 3/ 172. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [العراف اسم للكاهن والمنجم والرَّمَّال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق) مجموع الفتاوى 35/ 173. ونلاحظ في الحديثين الأخيرين أن مجرد إتيان الكاهن وسؤاله عن شيء يعاقب المسلم عليه بأن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً وأما إذا صدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذلك لأنه مما أنزل على محمد قوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) سورة النمل الآية 65. وقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) سورة الجن الآيات 26 - 27. 6. وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أخاف على أمتي من بعدي خصلتين: تكذيباً بالقدر وتصديقاً بالنجوم) رواه أبو يعلى وابن عدي والخطيب وصححه الألباني في المصدر السابق وانظر السلسلة الصحيحة 3/ 118 - 120. وخلاصة الأمر أن التنجيم يقوم على الكذب والدجل وليس له أي أساس علمي صحيح وإن استخدام المنجمين للكمبيوتر على الفضائيات ما هو إلا من باب الكذب والدجل وخداع الناس ليوهموهم بأن القضية قضية علمية والحقيقة أن العلم بريء من هذا الدجل والسخف فقد أثبت العلم أنه

حكم الاحتفال بعيد الحب

لا يوجد أي دليل علمي قاطع يثبت وجود علاقة بين مواقع الكواكب في وقت معين وشخصية وتصرفات ومستقبل شخص ولد في هذا الوقت ولقد كذب التاريخ المنجمين قديماً وحديثاً في وقائع كثيرة من أشهرها ما حدث للمعتصم الخليفة العباسي عندما أراد فتح عمورية فنصحه المنجمون بوقت غير الوقت الذي أراده فلم يصدقهم فسار بجيشه إلى عمورية وفتحها وفي ذلك قال أبو تمام قصيدته المشهورة ومطلعها: السيف أصدق إنباءً من الكتب بيض الصفائح لا سود الصحائف والعلم في شهب الأرماح لامعة أين الرواية أم أين النجوم وما صاغوه ... في حده الحد بين الجد واللعب في متونهن جلاء الشك والريب بين الخميسين لا في السبعة الشهب من زخرف فيها ومن كذب وفي العصر الحديث تنبأ المنجمون بحدوث أشياء كثيرة وكل ذلك ثبت أنه دجل وكذب فقد تنبأ بعض المنجمين بنهاية العالم بحلول سنة 1986 وتنبأ بعضهم بحدوث براكين وزلازل وحروب وكل ذلك لم يقع فدلّ على كذبهم وجهلهم. وأخيراً أقول ما النجوم والكواكب إلا آية من آيات الله سبحانه وتعالى وليس لها أدنى تأثير على سعادة الناس أو شقائهم وصدق من قال: كذب المنجمون ولو صدقوا). حكم الاحتفال بعيد الحب يقول السائل: إنه صاحب محل لبيع الورود وأنه يحضر الأزهار والورود لبيعها في يوم 14شباط بمناسبة عيد الحب فما حكم ذلك؟ الجواب: إن الأمة الإسلامية أمة مستقلة في شخصيتها وأعيادها وأمة الإسلام لها عيدان معروفان عيد الفطر وعيد الأضحى وليس لها أعياد سواهما. وقضية العيد جزء من شعائر الإسلام لا يجوز أخذها

عن غيرها من الأمم أو الملل قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله: [إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) وقال: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره , ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه. وأما مبدؤها فأقل أحواله أن يكون معصية وإلى هذا الاختصاص أشار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: (إن لكل قوم عيداً وإن هذا عيدنا) اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 528 - 529. والحديث الذي ذكره شيخ الإسلام رواه البخاري ومسلم ولفظه: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وذلك في يوم عيد. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا) فهذا الحديث أوجب اختصاص الأمة الإسلامية بأعيادها فقط وعليه لا يجوز للمسلمين أن يحتفلوا بأي عيد آخر. وعيد الحب لا علاقة للمسلمين به لا من قريب ولا من بعيد بل أصله من أعياد الرومان الوثنيين وله في تاريخهم أساطير موروثة. ومما قيل في سبب هذا العيد أنه لما دخل الرومان في النصرانية بعد ظهورها وحكم الرومان الإمبراطور الروماني (كلوديوس الثاني) في القرن الثالث الميلادي منع جنوده من الزواج لأن الزواج يشغلهم عن الحروب التي كان يخوضها فتصدى لهذا القرار (القديس فالنتين) وصار يجري عقود الزواج للجند سراً فعلم

الإمبراطور بذلك فزج به في السجن وحكم عليه بالإعدام وفي سجنه وقع في حب ابنة السجان وكان هذا سراً فنفذ فيه حكم القتل يوم 14 فبراير عام 270 ميلادي ليلة 15 فبراير عيد (لوبر كيليا) ومن يومها أطلق عليه لقب قديس. وعيد الحب هذا له مظاهر كثيرة في أوروبا وأمريكا حيث يتم تبادل الورود الحمراء وتوزيع بطاقات التهنئة وتبادل كلمات الحب والعشق وتقام الحفلات الراقصة المختلطة ويقع فيها من المنكرات ما الله به عليم. وبناء على ما سبق فإنه يحرم على المسلمين الاحتفال بعيد الحب لأنه من الشعائر الوثنية ولأنه مرتبط بالقديس فالنتين وهو مرتبط بخرافات وأساطير باطلة ونحن أمة الإسلام قد نهينا عن التشبه بغيرنا وقد قال الله تعالى: (ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) سورة آل عمران الآية 105. وصح في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الجامع الصغير الحديث رقم 6025. وكذلك يحرم بيع كل ما له علاقة بهذا العيد أو الاستعداد له بتحضير الورود الحمراء أو المناديل الحمراء وغير ذلك مما هو مختص بهذا العيد ولا يجوز للمسلم المشاركة بهذا العيد بأي شكل من الأشكال. وينبغي أن يعلم أن الإسلام قد بين أسس وقواعد الحب فالإسلام هو دين المحبة المبنية على أسس سليمة متفقة مع الفطرة الإنسانية فالزوج يحب زوجته والزوجة تحب زوجها والمسلم يحب والديه والعكس صحيح والمسلم يحب أخاه وهكذا فالحب أشمل وأعم من هذا الحب المزعوم في عيد الحب فالحقيقة أن الحب في عيد الحب هو العشق واتخاذ الأخدان والعشيقات خارج نطاق الزواج والأسرة إنه دعوة للتحلل والإباحية. وختاماً فإن عدداً من علماء المسلمين المعاصرين قد أفتوا بتحريم الاحتفال بعيد الحب فمن ذلك ما

حكم تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة

أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية جواباً على السؤال التالي (يحتفل بعض الناس في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير 14/ 2، من كل سنة ميلادية بيوم الحب (فالنتين داي)، ويتهادون الورود الحمراء ويلبسون اللون الأحمر ويهنئون بعضهم وتقوم بعض محلات الحلويات بصنع حلويات باللون الأحمر ويرسم عليها قلوب وتعمل بعض المحلات إعلانات على بضائعها التي تخص هذا اليوم فما هو رأيكم؟ فأجابت اللجنة:. يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شيء من أكلٍ أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول والله جل وعلا يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). ويجب على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة في جميع أحواله لاسيما في أوقات الفتن وكثرة الفساد، وعليه أن يكون فطناً حذراً من الوقوع في ضلالات المغضوب عليهم والضالين والفاسقين الذين لا يرجون لله وقاراً ولا يرفعون بالإسلام رأساً، وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بطلب هدايته والثبات عليها فإنه لا هادي إلا الله ولا مثبت إلا هو سبحانه وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم حكم تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة يقول السائل: قتل شخص في حادث جنائي وأحضرت جثته للتشريح فاعترض أقاربه على ذلك لأن تشريح جثته سيؤدي إلى تأخير دفنه فأيهما يقدم تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة أم المسارعة في دفنه أفيدونا؟ الجواب: من المعلوم أن الإسراع في دفن الميت أمر مطلوب شرعاً

وقد نصت السنة النبوية على ذلك فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) رواه البخاري ومسلم. والإسراع بالجنازة يشمل السرعة حال حملها والإسراع بها إلى الدفن قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قال القرطبي: مقصود الحديث: أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن] فتح الباري 3/ 235. ويؤيد المسارعة في الدفن ما رواه الطبراني عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره) قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن. المصدر السابق. ويؤيده أيضاً ما رواه أبو داود بإسناده أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعوده فقال: (إني لا أرَى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله). ويؤيده أيضاً ما رواه الترمذي وأحمد عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ثلاث يا علي لا يؤخرن الصلاة إذا آنت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤاً) وبهذا يظهر لنا أن الإسراع في دفن الميت هو الأمر الذي لا ينبغي العدول عنه ولكن إذا تعارض الإسراع بدفن الميت مع كون التشريح قد يثبت براءة متهم أو إدانته فينبغي تقديم التشريح لأنه مصلحة راجحة فإن من قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها العامة أنه إذا تعارضت مصلحتان قدم أقواهما وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفادياً لأشدهما. وفي هذه المسألة تعارض الإسراع في الدفن مع التشريح لمعرفة سبب الوفاة وفيه تأخير الدفن وبما أن معرفة سبب الوفاة بالتشريح فيها منفعة كبيرة حيث يعرف سبب الوفاة الذي يتوصل به إلى إبراء البريء أو إدانة المجرم وهذا فيه صيانة للحكم عن الخطأ وصيانة لحق الميت الآيل إلى

الميل

وارثه وصيانة لحق الجماعة من الاعتداء وتحقيق هذه المصالح غالب على الإسراع بدفنه. وخلاصة الأمر أنه إذا تعارض الإسراع بدفن الميت مع تشريح جثته لمعرفة سبب الوفاة فيقدم التشريح مع مراعاة الضوابط الشرعية للتشريح وقد سبق تفصيلها في الجزء السادس من كتابي يسألونك ص 298. المِيْل يقول السائل: هل الميل المذكور في كتب الفقه هو الميل المعروف الآن والمستخدم في قياس المسافات والمعروف باللغة الإنجليزية Mile؟ الجواب: ورد استعمال كلمة الميل في السنة النبوية في عدد كثير من الأحاديث منها: ما ورد في حديث المقداد بن الأسود في صفة يوم القيامة قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل) رواه مسلم. قال سليم - أحد رواة الحديث -: [فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أجرى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ضمر من الخيل من الحقباء إلى ثنية الوداع وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى. قال عبد الله: حدثنا سفيان قال: حدثني عبد الله، قال سفيان بين الحقباء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة وبين ثنية إلى مسجد بني زريق ميل) رواه البخاري. عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم على رأس ميل أو ميلين فيتعذر عليه الكلأ فيرتفع ثم تجيء

الجمعة فلا يجيء ولا يشهدها وتجيء الجمعة فلا يشهدها وتجيء الجمعة فلا يشهدها حتى يطبع الله على قلبه) رواه ابن ماجة والحاكم وصححه وقال الألباني: حسن، صحيح سنن ابن ماجة 1/ 186. وغير ذلك من الأحاديث. وقد استعملت لفظة الميل في كتب الفقهاء أيضاً وعادة ما يذكرونها عند حديثهم عن مسافة القصر في الصلاة. فقد قال الإمام الشافعي: [وإذا سافر الرجل سفراً يكون ستة وأربعين ميلاً بالهاشمي فله أن يقصر الصلاة سافر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أميالاً فقصر الصلاة، وقال ابن عباس: اقصر إلى جدة وإلى الطائف وإلى عسفان، قال الشافعي: وأقرب ذلك إلى مكة ستة وأربعون ميلاً بالهاشمي] الحاوي الكبير 3/ 358. وقال القرافي عند حديثه عن مسافة السفر: [وهو في الكتاب سفر ثمانية وأربعين ميلاً: أربعة برد كل بريد أربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال وقيل: أربعة وعشرون فرسخاً وروي عن مالك خمسة وأربعون ميلاً وقال ابن حبيب أربعون ميلاً وروي عن ابن القاسم من صلى في ستة وثلاثين ميلاً لا يعيد، وقال ابن عبد الحكم يعيد في الوقت، وفي الجواهر: وروي عن مالك اثنان وأربعون ميلاً لنا ما في البخاري: كان ابن عباس وابن عمر يقصران ويفطران في أربعة برد. ويروى عنه عليه السلام: لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان. والميل يشبه أن يكون من الميل بفتح الميم لأن البصر يمل فيه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه وفيه سبعة مذاهب: قال صاحب التنبيهات هو عشرة غلى والغلوة طلق الفرس وهو مائتا ذراع فيكون الميل ألفي ذراع قاله ابن حبيب وقال ابن عبد البر أصح ما قيل فيه ثلاثة آلاف وخمسمائة ونقل صاحب البيان ثلاثة آلاف ذراع وقيل أربعة آلاف ذراع كل ذراع ستة وثلاثون أصبعاً كل إصبع ست شعيرات بطن أحدها إلى ظهر الأخرى كل شعيرة ست شعرات شعر البرذون وقيل أمد البصر قاله صاحب الصحاح،

وقيل ألف خطوة بخطوة الجمل وقيل أن ينظر الشخص فلا يعلم أهو آت أم ذاهب رجل أو امرأة] الذخيرة 2/ 358 - 359. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قيل لأبي عبد الله في كم تقصر الصلاة؟ قال: في أربعة برد، قيل له: مسيرة يوم تام؟ قال: لا. أربعة برد: ستة عشر فرسخاً ومسيرة يومين. فمذهب أبي عبد الله: أن القصر لا يجوز في أقل من ستة عشر فرسخاً، والفرسخ: ثلاثة أميال، فيكون ثمانية وأربعين ميلاً. قال القاضي: والميل اثنا عشر ألف قدم وذلك مسيرة يومين قاصدين، وقد قدّره ابن عباس فقال: من عسفان إلى مكة والطائف ومن مكة إلى الطائف ومن جدة إلى مكة، وذكر صاحب المسالك: أن من دمشق إلى القطيفة أربعة وعشرين ميلاً ومن دمشق إلى الكسوة اثنا عشر ميلاً وممن الكسوة إلى حاسم أربعة وعشرين ميلاً فعلى هذا تكون مسافة القصر يومين قاصدين. وهذا قول ابن عباس وابن عمر وإليه ذهب مالك والليث الشافعي وإسحاق] المغني 2/ 188. وكذلك تحدث اللغوييون في كتبهم عن الميل فقال ابن منظور: [والميل من الأرض قدر منتهى مد البصر. وقيل للأعلام المبنية في طريق مكة أميال لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل وكل ثلاثة أميال منها فرسخ] لسان العرب 13/ 263. وجاء في المصباح المنير، 2/ 588: [والميل بالكسر عند العرب مقدار مدى البصر من الأرض قاله الأزهري وعند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع والخلاف لفظي لأنهم اتفقوا على أن مقداره ست وتسعون ألف إصبع والإصبع ست شعيرات بطن كل واحدة إلى الأخرى ولكن القدماء يقولون الذراع اثنتان وثلاثون إصبعاً والمحدثون يقولون أربع وعشرون إصبعاً فإذا قسم الميل على رأي القدماء كل ذراع اثنين وثلاثين كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع وإن قسم على رأي المحدثين أربعاً وعشرين كان المتحصل أربعة آلاف ذراع (والفرسخ) عند الكل ثلاثة أميال وإذا قدر (الميل) بالغلوات وكانت كل غلوة أربعمائة ذراع

كان ثلاثين غلوة وإن كان كل غلوة مائتي ذراع كان ستين غلوة ويقال للأعلام المبينة في طريق مكة أميال لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل وإنما أضيف إلى بني هاشم فقيل (الميل الهاشمي) لأن بني هاشم حددوه وأعلموه]. وقال ابن الرفعة: [وأما الذراع فلم أظفر به مبيناً في كلام أصحابنا إلا في مسافة القصر إذ قالوا هي أربعة برد وكل بريد على المشهور أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال بالهاشمي ومجموع ذلك ثمانية وأربعون ميلاً. والميل الهاشمي منسوب إلى هاشم بن عبد مناف بن قصي جد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه الذي قدر أميال البادية وبردها وهو بالخطا أربعة آلاف خطوة كل خطوة ثلاثة أقدام فالميل إذن اثنا عشر ألف قدم وهو بالأذرع ستة آلاف ذراع كل ذراع أربع وعشرون إصبعاً معترضات معتدلات والإصبع ست شعرات معتدلات معترضات وزاد بعضهم: وعرض كل شعيرة سبع شعرات أو ست شعرات من شعر البغل لأنها متناسبة] الإيضاح والبيان في معرفة المكيال والميزان ص 77 - 79. وقد اختلف الفقهاء في تحديد الميل فذهب الحنفية إلى أنه أربعة آلاف ذراع وللمالكية قولان: ذهب ابن عبد البر إلى أنه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع وقال ابن حبيب: والميل ألف باع والباع ذراعان فيكون الميل ألفي ذراع، قال الدسوقي: والمشهور أن الميل ألفا ذراع والصحيح أنه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمئة. وقال الشافعية: الميل أربعة آلاف خطوة. قال الحنابلة: الميل الهاشمي ستة آلاف ذراع بذراع اليد وهي اثنا عشر ألف قدم] الموسوعة الفقهية 38/ 325. وقد ذكر بعض المعاصرين تقدير الميل بالأقيسة المعروفة الآن فذكر أن الميل يعادل ألف باع والباع أربعة اذرع شرعية فتكون مسافته 4×1000×46. 2 = 1848 متراً.

إذا ثبت هذا فإن الميل وهو وحدة قياس أوروبية أو أمريكية ويساوي (1609 متراً عندهم) من الممكن أن تكون مأخوذة من الميل المستخدمة عند الفقهاء. ولكن مما يؤسف له أن المسلمين اليوم قد تخلوا عن استعمال وحدات المقاييس والموازيين والمكاييل الإسلامية وتحولوا إلى استخدام أنظمة المعايير الغربية: [مع أن العمل بوحدات التعامل الإسلامية ظل جارياً في المجتمعات الإسلامية على المستويات الشعبية والرسمية مدة تزيد على ثلاثة عشر قرناً ونيف إلى أن تم إلغاء التعامل بها قصراً وبصورة تدريجية منذ بداية النصف الأول من هذا القرن مما أدى إلى طمس سريع وعجيب لمعالم هذه الوحدات حتى غدت أثراً بعد عين وتناستها الأوساط الرسمية والشعبية الإسلامية بعد أن كانت مشخصة المعالم معروفة المقادير والأعيان يعرفها العام والخاص من المدن والأرياف معرفة الأب لأبنائه وإن كثروا ولم يبق منها مشخصاً ومعروفاً إلا الوحدات التي حفظتها الشريعة الإسلامية ولا يستخدم الناس منها سوى ما له صلة بأمور العبادات كمقادير الزكاة وصدقة الفطر ومسافة القصر في الصلاة ورخصة الصائم وحتى هذه أصبحت الحاجة ماسة إلى مقارنتها بوحدات النظم العرفية السائدة اليوم وقد كان هذا نتيجة لتسلط الدول الاستعمارية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً على الأمة الإسلامية التي توزعت أوطانها بين هذه الدول بعد أن تم القضاء على دولة الخلافة الإسلامية. ورافق هذا كله تسرب وحدات نظم الغرب والشرق إلى داخل الأسواق الإسلامية وذلك بقصد إحداث ازدواجية في وحدات نظم التعامل وفعلاً تم هذا ولم يمض وقت طويل حتى تفوقت الوحدات الاستعمارية على الوحدات الإسلامية ثم حلت محلها من التعامل على جميع المستويات وكان ذلك مدعوماً بقوة القوانين الاستعمارية وهكذا أصبحت الوحدات الفرنسية هي الرسمية في الأقطار التي نكبت بالاستعمار الفرنسي وصار الحال كذلك في الأقطار التي نكبت باستعمار بريطانيا أو البرتغال أو إسبانيا أو إيطاليا أو هولندا غير أن وحدات نظم التعامل الفرنسية كانت لها الغلبة في معظم أجزاء العالم الإسلامي واليوم وقد غدت وحدات نظم

التعامل الإسلامية رموزاً لمصطلحات لا وجود لها إلا في التراث الإسلامي كالتي يرد ذكرها متفرقاً بين الكثير من مؤلفات الفقه والتفسير والحديث النبوي الشريف وتاريخ الحضارة العام. الخ] مقدمة محقق الإيضاح والبيان في معرفة المكيال والميزان لابن الرفعة ص 6 - 7. والله الهادي إلى سواء السبيل تمَّ الكتاب بحمد الله تعالى

الجزء الثامن

يسألونك الجزء الثامن تأليف الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه الأستاذ المشارك في الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين طباعة وتنسيق: شفاء بنت حسام الدين عفانه

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران الآية 102. (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) سورة النساء الآية 1. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71. أما بعد، فهذا هو الجزء الثامن من كتابي يسألونك وأصله حلقات تنشر في جريدة القدس المقدسية صباح كل يوم جمعة أجيب فيها على الأسئلة التي تردني من القراء. ومن منهجي في الإجابة أنني أفتي بالآثار السلفية الواردة عن الصحابة رضوان الله عليهم وكذا الواردة عن التابعين وأتباعهم. وأعتقد أن هذا المنهج هو المنهج الصحيح فليس الفقه قاصراً على المذاهب الفقهية المعروفة بل إن أئمة المذاهب الأربعة اعتمدوا في فقههم على الآثار السلفية، قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: [إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات عن الثقات، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت، وأدع قول

من شئت، ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم] أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص10. وقال الإمام مالك رحمه الله في رسالته إلى الليث فقيه مصر رحمه الله: [اعلم رحمك الله أنه بلغني أنك تفتي الناس بأشياء مختلفة، مخالفة لما عليه الناس عندنا وببلدنا الذي نحن فيه، وأنت في أمانتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك، وحاجة من قِبَلك إليك واعتمادهم على ما جاء منك، حقيق بأن تخاف على نفسك وتتبع ما ترجو النجاة باتباعه، فإن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) الآية، وقال تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) الآية، فإنما الناس تبع لأهل المدينة، إليها كانت الهجرة، وبها نزل القرآن، وأحلَّ الحلال وحُرم الحرام، إذ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بين أظهرهم، يحضرون الوحي والتنزيل، ويأمرهم فيطيعونه، ويسن لهم فيتبعونه حتى توفاه الله واختار له ما عنده صلوات الله وسلامه عليه ورحمته وبركاته. ثم قام من بعده أتبع الناس له من أمته ممن ولي الأمر من بعده، بما نزل بهم، فما علموه أنفذوه، وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم، وحداثة عهدهم وإن خالفهم مخالف، أو قال امرؤ غيره أقوى منه وأولى، تُرك قوله] مالك للشيخ محمد أبو زهرة ص245 - 246. وقال الإمام الشافعي رحمه الله عن الصحابة رضي الله عنهم: [وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم ومن أدركنا ممن أرضى أو حكي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا وقول بعضهم إن تفرقوا فهكذا نقول إذا اجتمعوا أخذنا باجتماعهم وإن قال واحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله فإن اختلفوا أخذنا بقول بعضهم ولم نخرج من أقاويلهم كلهم] المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي 1/ 45.

وقال الإمام أحمد رحمه الله: [ما أجبت في مسألة إلا بحديث عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إذا وجدت في ذلك السبيل إليه، أو عن الصحابة أو عن التابعين فإذا وجدت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم أعدل إلى غيره فإذا لم أجد عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعن الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين، فإذا لم أجد عن الخلفاء فعن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأكابر فالأكابر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا لم أجد فعن التابعين وعن تابعي التابعين وما بلغني عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث بعمل له ثواب إلا عملت به رجاء ذلك الثواب ولو مرة واحدة] المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ص336. وقال العلامة ابن القيم: [فصل في جواز الفتوى بالآثار السلفية: والفتاوى الصحابية وأنها أولى بالأخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم وأن قربها إلى الصواب بحسب قرب أهلها من عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأن فتاوى الصحابة أولى أن يؤخذ بها من فتاوى التابعين وفتاوى التابعين أولى من فتاوى تابعي التابعين وهلم جرا وكلما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب وهذا حكم بحسب الجنس لا بحسب كل فرد فرد من المسائل كما أن عصر التابعين وإن كان أفضل من عصر تابعيهم فإنما هو بحسب الجنس لا بحسب كل شخص شخص ولكن المفضلون في العصر المتقدم أكثر من المفضلين في العصر المتأخر وهكذا الصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أقوال من بعدهم فإن التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين ولعله لا يسع المفتي والحاكم عند الله أن يفتي ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الأئمة ويأخذ برأيه وترجيحه ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد بن نصر المروزي وأمثالهم بل يترك قول ابن المبارك والأوزاعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهم بل لا يلتفت إلى قول ابن أبي ذئب والزهري والليث بن سعد وأمثالهم بل لا يلتفت إلى قول سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وسالم وعطاء وطاووس وجابر بن زيد وشريح وأبي وائل وجعفر بن محمد وأضرابهم مما يسوغ الأخذ بقولهم بل

يرى تقديم قول المتأخرين من أتباع من قلده على فتوى أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبادة بن الصامت وأبي موسى الأشعري وأضرابهم فلا يدري ما عذره غداً عند الله إذا سوَّى بين أقوال أولئك وفتاويهم وأقوال هؤلاء وفتاويهم فكيف إذا رجحها عليها؟] إعلام الموقعين عن رب العالمين 5/ 543 - 545. هذا ما قرره كبار أهل العلم في الأخذ بالآثار السلفية (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ). ولا بد من التذكير بأن هذا الجزء من يسألونك قد تضمن عدة ردود على فتاوى صدرت عن بعض العلماء وردود على آراء لعدد من العلماء أُجلُّهم وأُقدرهم، ولكن ذلك لا يمنع من الرد عليهم مع مراعاة أدب الخلاف، فإن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية. وختاماً فإن أصبت بغيتي فذلك الفضل من الله تعالى، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أبوديس / القدس كتبه الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه 27رجب 1424هـ الأستاذ المشارك في الفقه والأصول وفق 24/ 9/2003 كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس

الطهارة والصلاة

الطهارة والصلاة

قيء الآدمي طاهر ولا ينقض الوضوء

قيء الآدمي طاهر ولا ينقض الوضوء يقول السائل: هل قيء الآدمي طاهر أم نجس؟ وهل يعتبر القيء من نوا قض الوضوء أم لا؟ الجواب: القيء هو الطعام الذي يخرج من المعدة بعد استقراره فيها وذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن القيء نجس ووافقهم المالكية في حالة تغيره عن حال الطعام فإن لم يتغير فهو طاهر. وخالف في ذلك جماعة من أهل العلم فذهبوا إلى أن القيء طاهر وهو الذي أرجحه لأن القائلين بنجاسته ليس معهم دليل يعتمد عليه وأما الذين قالوا بأنه طاهر فاعتمدوا على قاعدة أن الأصل في الأعيان الطهارة حتى يأتي دليل ناقل عنها ولا دليل يخرج قيء الآدمي عن الطهارة إلى النجاسة. قال الشوكاني: [والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه] وقال صديق حسن خان شارحاً كلام الشوكاني ما نصه: [لأن كون الأصل الطهارة معلوم من كليات الشريعة المطهرة وجزئياتها ولا ريب أن الحكم بنجاسة شيء يستلزم تكليف العباد بحكم من أحكام الشرع والأصل البراءة من ذلك ولا سيما من الأمور التي تعم بها البلوى وقد أرشدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السكوت عن الأمور

التي سكت الله تعالى عنها وأنها عفو فما لم يرد فيه شيء من الأدلة الدالة على نجاسته فليس لأحد من عباد الله تعالى أن يحكم بنجاسته بمجرد رأي فاسد أو غلط في الاستدلال كما يدعيه بعض أهل العلم من نجاسة ما حرمه الله تعالى زاعماً أن النجاسة والتحريم متلازمان. وهذا الزعم من أبطل الباطلات فالتحريم للشيء لا يدل على نجاسته بمطابقة ولا تضمن ولا التزام فتحريم الخمر والميتة والدم لا يدل على نجاسة ذلك] الروضة الندية 1/ 118. وقال الشوكاني في موضع آخر: [حق استصحاب البراءة الأصلية وأصالة الطهارة أن يطالب من زعم بنجاسة عين من الأعيان بالدليل فإن نهض به كما في نجاسة بول الآدمي وغائطه والروثة فذاك وإن عجز عنه أو جاء بما لا تقوم به الحجة فالواجب علينا الوقوف على ما يقتضيه الأصل والبراءة] السيل الجرار 1/ 31. وقال أيضاً: [قد عرفناك في أول كتاب الطهارة أن الأصل في جميع الأشياء هو الطهارة وأنه لا ينقل عن ذلك إلا ناقل صحيح صالح للاحتجاج به غير معارض بما يرجح عليه أو يساويه فإن وجدنا ذلك فبها ونعمت وإن لم نجد ذلك كذلك وجب علينا الوقوف في موقف المنع ونقول لمدعي النجاسة: هذه الدعوى تتضمن أن الله سبحانه أوجب على عباده واجباً هو غسل هذه العين التي تزعم أنها نجسة وأنه يمنع وجودها صحة الصلاة بها فهات الدليل على ذلك. فإن قال حديث عمار: (إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والقيء والدم والمني) قلنا: هذا لم يثبت من وجه صحيح ولا حسن ولا بلغ إلى أدنى درجة من الدرجات الموجبة للاحتجاج به والعمل عليه فكيف يثبت به هذا الحكم الذي تعم به البلوى وهو لا يصلح لإثبات أخف حكم على فرد من أفراد العباد] المصدر السابق 1/ 43. وقال الألباني معلقاً على قول صاحب فقه السنة إن من النجاسات القيء: [قلت: لم يذكر المؤلف الدليل على ذلك اللهم إلا قوله: [إنه متفق على نجاسته] وهذه دعوى منقوضة فقد خالف في ذلك ابن حزم حيث

صرح بطهارة قيء المسلم وهو مذهب الإمام الشوكاني في الدرر البهية وصديق خان في شرحها حيث لم يذكرا في النجاسات قيء الآدمي مطلقاً وهو الحق ثم ذكرا أن في نجاسته خلافاً ورجحا الطهارة بقولهما: [والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه] وذكر نحوه الشوكاني أيضاً في السيل الجرار. وهذا الأصل قد اعتمده المؤلف في غير ما مسألة مثل طهارة أبوال ما يؤكل لحمه وطهارة الخمر فيما ذكر هو بعد وهو أصل عظيم من أصول الفقه فلا أدري ما الذي حمله على تركه هنا مع أنه ليس في الباب ما يعارضه من النصوص الخاصة؟] تمام المنة 53 - 54. واحتج الجمهور على نجاسة القيء بما روي في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يا عمار إنما يغسل الثوب من الغائط والبول والقيء والدم والمني] رواه الدارقطني. وهو حديث ضعيف لا يصح الاستدلال به. قال الإمام النووي: [حديث عمار هذا رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده والدارقطني والبيهقي، قال البيهقي: هو حديث باطل لا أصل له وبين ضعفه الدارقطني والبيهقي] المجموع 2/ 549. وتكلم الحافظ ابن حجر على حديث عمار وبين ضعفه وذكر أن فيه رجلاً متهماً بالوضع وذكر أن العلماء اتفقوا على ترك حديثه. انظر التلخيص الحبير 1/ 33. وانظر نصب الراية 1/ 210 - 211. ويؤيد ذلك أن القيء عند الأطباء عبارة عن الطعام الذي أكله الشخص ومعه العصارات الهاضمة وخاصة حامض الهيدروكلوريك. هذا ما يتعلق بكون القيء طاهراً أم نجساً، وقد تبين لنا أنه باق على أصل الطهارة ولم يثبت دليل صحيح ناقل له عنها. وأما أن القيء ينقض الوضوء أم لا؟ فالراجح من أقوال أهل العلم أن القيء ليس من نواقض الوضوء حيث لم يثبت دليل صحيح على كونه من نواقض الوضوء قال الإمام النووي: [وأحسن ما اعتقده في المسألة أن الأصل أن لا نقض حتى يثبت بالشرع ولم يثبت، والقياس ممتنع في هذا الباب لأن علة النقض غير معقولة] المجموع 1/ 55.

وأما ما روي في الحديث عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -: (أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك فقال: صدق أنا صببت له وضوءه) رواه أحمد والترمذي وغيرهما، وهو حديث مختلف فيه فمنهم من صححه ومنهم من ضعفه. وأجاب الحافظ ابن عبد البر عن حديث أبي الدرداء بقوله: (وهذا حديث لا يثبت عند أهل العلم بالحديث ولا في معناه ما يوجب حكماً. لأنه يحتمل أن يكون وضوؤه ها هنا غسل فمه ومضمضته وهو أصل لفظ الوضوء في اللغة وهو مأخوذ من الوضاءة والنظر يوجب أن الوضوء المجتمع عليه لا ينتقض إلا بسنة ثابتة لا مدفع فيها أو إجماع ممن تجب الحجة بهم، ولم يأمر الله تعالى بإيجاب الوضوء من القيء ولا ثبت به سنة عن رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا اتفق الجميع عليه). الاستذكار 2/ 137 وقال الإمام النووي: [وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث أبي الدرداء فمن أوجه: أحسنها أنه ضعيف مضطرب، قاله البيهقي وغيره من الحفاظ، والثاني لو صح لحمل على ما تغسل به النجاسة وهذا جواب البيهقي وغيره، والثالث أنه يحتمل الوضوء لا بسبب القيء فليس فيه أنه توضأ من القيء. والجواب عن حديث ابن جريج من أوجه أحسنها أنه ضعيف باتفاق الحفاظ وضعفه من وجهين: أحدهما أن رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج، وابن جريج حجازي، ورواية إسماعيل عن أهل الحجاز ضعيفة عند أهل الحديث. والثاني أنه مرسل قال الحفاظ: المحفوظ في هذا أنه عن ابن جريج عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممن قال ذلك الشافعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى الذهلي وعبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه وأبو زرعة وأبو أحمد بن عدي والدارقطني والبيهقي وغيرهم وقد بيَّن الدارقطني والبيهقي ذلك أحسن بيان] المجموع 1/ 55. وحديث ابن جريج الذي ذكره النووي وضعفه هو (إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس أو رعف فليتوضأ ثم ليبن على ما مضى ما لم يتكلم). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والأظهر أنه لا يجب الوضوء من مس

الذكر ولا النساء ولا خروج النجاسات من غير السبيلين ولا غسل الميت فإنه ليس مع الموجبين دليل صحيح بل الأدلة الراجحة تدل على عدم الوجوب لكن الاستحباب متوجه ظاهر] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 20/ 526. وقال الشيخ ابن عثيمين مبيناً عدم نقض القيء للوضوء: [الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء قلَّ أو كثر إلا البول والغائط وذلك أن الأصل عدم النقض فمن ادّعى خلاف الأصل فعليه الدليل وقد ثبتت طهارة الإنسان بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي ونحن لا نخرج عما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأننا متعبدون بشرع الله لا بأهوائنا فلا يسوغ لنا أن نلزم عباد الله بطهارة لم تجب ولا أن نرفع عنهم طهارة واجبة. فإن قال قائل: قد ورد أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاء فتوضأ؟ قلنا: هذا الحديث قد ضعفه أكثر أهل العلم ثم نقول: إن هذا مجرد فعل ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب لأنه خالٍ من الأمر ثم إنه معارض بحديث وإن كان ضعيفاً: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم وصلى ولم يتوضأ) وهذا يدل على أن وضوءه من القيء ليس للوجوب. وهذا القول هو الراجح أن الخارج من بقية البدن لا ينقض الوضوء وإن كثر سواء كان قيئاً أو لعاباً أو دماً أو ماء جروح أو أي شيء آخر إلا أن يكون بولاً أو غائطاً مثل أن يفتح لخروجهما مكان من البدن فإن الوضوء ينتقض بخروجهما منه] فتاوى الطهارة ص198. وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: [والصحيح أن الدم والقيء ونحوهما لا ينقض الوضوء قليلها ولا كثيرها لأنه لم يرد دليل بين على نقض الوضوء بها والأصل بقاء الطهارة وحديث: (إنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاء فتوضأ) نهاية ما يدل عليه استحباب الوضوء لخروج القيء لأن الفعل الذي تجرد من الأمر يدل على الاستحباب] غاية المرام 2/ 26. وقال الشيخ الألباني بعد أن ذكر حديث أبي الدرداء وصححه قال: [فائدة: استدل المصنف بالحديث على أن القيء ينقض الوضوء وقيده بما

تحرم القراءة بالقراءات الشاذة في الصلاة

إذا كان فاحشاً كثيراً كل أحد بحسبه! وهذا القيد مع أنه لا ذكر له في الحديث البتة. فالحديث لا يدل على النقض إطلاقاً لأنه مجرد فعل منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأصل أن الفعل لا يدل على الوجوب وغايته أن يدل على مشروعية التأسي به، وأما الوجوب فلا بد له من دليل خاص، وهذا مما لا وجود له هنا ولذلك ذهب كثير من المحققين إلى أن القيء لا ينقض الوضوء منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى له وغيرها] إرواء الغليل 1/ 148. وخلاصة الأمر أن القيء طاهر غير نجس وأنه ليس من نواقض الوضوء على الراجح من أقوال أهل العلم. تحرم القراءة بالقراءات الشاذة في الصلاة يقول السائل: إن إمام المسجد عندهم قرأ في صلاة جهرية آيات من سورة الإسراء ومنها قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) حيث قرأ (أمَّرنا) بتشديد الميم فما حكم ذلك؟ الجواب: من المعلوم أن القراءة المشهورة في بلادنا ويتداولها القراء وحفظة القرآن وطلاب العلم وغيرهم هي قراءة حفص بن سليمان الكوفي عن عاصم بن أبي النجود الكوفي. وهذه القراءة من القراءات المتواترة وهي عشر قراءات على الراجح من أقوال أهل العلم. وقد اتفق العلماء على جواز القراءة بها في الصلاة وخارج الصلاة وأما ما عداها من قراءات فهي شاذة لم تثبت بطريقة التواتر فالقراءة الشاذة ما نقل قرآناً من غير تواتر واستفاضة أو ما عبر عنه بأنها ما دون القراءات العشر المتواترة التي قبلتها الأمة عن الأئمة العشرة. ومن القراءات الشاذة، قراءة (أمَّرنا) بتشديد الميم من الآية المذكورة في السؤال حيث نص علماء القراءات على أنها قراءة شاذة، كما في

المختصر في شواذ القرآن ص 79، وفي كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القرآن 2/ 60، وبما أن هذه القراءة شاذة، فلا تصح القراءة بها في الصلاة وغيرها، بل نقل الحافظ ابن عبد البر الإجماع على ذلك فقال: [الذي عليه جماعة الأمصار من أهل الأثر والرأي أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ في صلاته نافلة كانت أو مكتوبة بغير ما في المصحف المجتمع عليه سواء كانت القراءة مخالفة له منسوبة لابن مسعود أو إلى أُبي أو إلى ابن عباس أو إلى أبي بكر أو عمر أو مسندة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] الاستذكار 8/ 47 - 48. وقال الإمام النووي: [وتجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها ولا يجوز بغير السبع ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة، وسيأتي في الباب السابع إن شاء الله تعالى بيان اتفاق الفقهاء على استتابة من أقرأ بالشواذ أو قرأ بها وقال أصحابنا وغيرهم: لو قرأ بالشواذ في الصلاة بطلت صلاته إن كان عالماً وإن كان جاهلاً لم تبطل ولم تحسب له تلك القراءة وقد نقل الإمام أبو عمر بن عبد البر الحافظ إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ

وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها. قال العلماء: من قرأ الشاذ إن كان جاهلاً به أو بتحريمه عُرِّفَ بذلك فإن عاد إليه أو كان عالماً به عزر تعزيراً بليغاً إلى أن ينتهي عن ذلك، ويجب على كل متمكن من الإنكار عليه ومنعه الإنكار والمنع] التبيان في آداب حملة القرآن ص50 - 51. وقال الإمام النووي أيضاً: [قال أصحابنا وغيرهم تجوز القراءة في الصلاة وغيرها بكل واحدة من القراءات السبع ولا تجوز القراءة في الصلاة ولا غيرها بالقراءة الشاذة لأنها ليست قرآناً فإن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وكل واحدة من السبع متواترة هذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه ومن قال غيره فغالظ أو جاهل وأما الشاذة فليست متواترة فلو خالف وقرأ بالشاذة أنكر عليه قراءتها في الصلاة أو غيرها وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة من قرأ بالشواذ وقد ذكرت قصة في التبيان في آداب حملة القرآن. ونقل الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها قال العلماء فمن قرأ بالشاذ إن كان جاهلاً به أو بتحريمه عرف ذلك فإن عاد إليه بعد ذلك أو كان عالماً به عزر تعزيراً بليغاً إلى أن ينتهي عن ذلك ويجب على كل مكلف قادر على الإنكار أن ينكر عليه] المجموع 3/ 392. وقال ابن عابدين الحنفي: [القرآن الذي تجوز به الصلاة بالاتفاق هو المضبوط في مصاحف الأئمة التي بعث بها عثمان - رضي الله عنه - إلى الأمصار وهو الذي أجمع عليه الأئمة العشرة وهذا هو المتواتر جملة وتفصيلاً فما فوق السبعة إلى العشرة غير شاذ وإنما الشاذ ما وراء العشرة وهو الصحيح] حاشية ابن عابدين 1/ 486. وقال الزركشي: [قال أبو شامة رحمه الله وقد ورد إلى دمشق استفتاء من بلاد العجم عن القراءة الشاذة هل تجوز القراءة بها وعن قراءة القارئ عشراً كل آية بقراءة قارئ فأجاب عن ذلك جماعة من مشايخ عصرنا منهم شيخا الشافعية والمالكية حينئذ وكلاهما أبو عمر وعثمان يعنى ابن الصلاح وابن الحاجب. قال شيخ الشافعية: يشترط أن يكون المقروء به على تواتر نقله عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرآنا واستفاض نقله بذلك وتلقته الأمة بالقبول كهذه القراءات السبع لأن المعتبر في ذلك اليقين والقطع على ما تقرر وتمهد في الأصول فما لم يوجد فيه ذلك ما عدا العشرة فممنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة في الصلاة وخارج الصلاة وممنوع منه ممن عرف المصادر والمعاني ومن لم يعرف ذلك وواجب على من قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقوم بواجب ذلك وإنما نقلها من نقلها من العلماء لفوائد منها ما يتعلق بعلم العربية لا القراءة بها هذا طريق من استقام سبيله. ويجب منع القارىء بالشواذ وتأثيمه بعد تعريفه وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه. وأما إذا شرع القارىء في قراءة فينبغي ألا يزال يقرأ بها ما بقى للكلام متعلق بما ابتدأ به وما خالف هذا فمنه جائز وممتنع وعذره مانع من قيامه بحقه والعلم عند الله تعالى. وقال شيخ المالكية رحمه الله: لايجوز أن يقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا غيرها عالماً بالعربية كان أو جاهلاً] البرهان في علوم القرآن 1/ 332 - 333.

صفة التشهد في الصلاة

وخلاصة الأمر أن قراءة (أمَّرنا) بتشديد الميم من الآية المذكورة في السؤال قراءة شاذة تحرم القراءة بها في الصلاة وخارج الصلاة محافظة على كتاب الله عز وجل. صفة التشهد في الصلاة يقول السائل: ما قولكم فيما قرره بعض أهل العلم أن الصواب في صفة التشهد في الصلاة هو قول (السلام على النبي) وأما قول (السلام عليك أيها النبي) فقد كان حال حياة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلذا فإن الإتيان بهذا اللفظ غلط؟ أفيدونا. الجواب: ما ذكره السائل قاله بعض العلماء كالشيخ الألباني في صفة صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث ذكر تشهد ابن مسعود - رضي الله عنه - وعلق عليه بقوله: [قلت: وقول ابن مسعود " قلنا: السلام على النبي " يعني أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون: " السلام عليك أيها النبي " في التشهد والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حي، فلما مات عدلوا عن ذلك وقالوا: " السلام على النبي " ولا بد أن يكون ذلك بتوقيف منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويؤيده أن عائشة رضي الله عنها كذلك كانت تعلمهم التشهد في الصلاة " السلام على النبي " رواه السراج في مسنده والمخلص في الفوائد بسندين صحيحين عنها] صفة صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ص143. وقال الشيخ مشهور سلمان وهو أحد تلاميذ الشيخ الألباني: [غلط قول " السلام عليك أيها النبي " في التشهد] القول المبين في أخطاء المصلين ص152. وأقول ليس غلطاً أن يقول المصلي " السلام عليك أيها النبي " في التشهد بل هو صواب لا شك في ذلك ولا ريب وكيف يكون غلطاً وقد قاله عدد من صحابة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كعمر وابنه عبد الله وابن عباس وعائشة وأبي موسى الأشعري وغيرهم وهو ثابت عنهم رضي الله عنهم أجمعين وعليه

جماهير أهل العلم. وينبغي أن يعلم أنه قد ورد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدة صيغ في التشهد وقد ذكر الشيخ الألباني خمساً من صيغ التشهد ثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي تشهد ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين وليس في الصيغ الأربع الأخيرة سوى قول " السلام عليك أيها النبي ". صفة صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ص 142 - 145 وقد قرر المحققون من أهل العلم أن اختلاف صيغ التشهد الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هي من اختلاف التنوع وليس من اختلاف التضاد. فإذا جاء المصلي بأي صيغة منها أجزأه ولا حرج عليه، ولا يصح حمل المصلي على صيغة واحدة فقط وهي قول " السلام على النبي " قال الإمام الشافعي: [قال لي قائل: قد اختلف في التشهد، فروى ابن مسعود عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أنه كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن) فقال في مبتدأه: ثلاث كلمات: (التحيات لله) فبأي التشهد أخذت؟ فقلت: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري أنه سمع عمر بن الخطاب يقول على المنبر، وهو يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: " التحيات لله الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " قال الشافعي: فكان هذا الذي علمنا من سبقنا بالعلم من فقهائنا صغاراً ثم سمعناه بإسناد وسمعنا ما خالفه فلم نسمع إسناداً في التشهد يخالفه ولا يوافقه أثبت عندنا منه وإن كان غيره ثابتاً. فكان الذي نذهب إليه أن عمر لا يعلم الناس على المنبر بين ظهراني أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلا على ما علمهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما انتهى إلينا من حديث أصحابنا حديث يثبته عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صرنا إليه وكان أولى بنا. قال: وما هو؟ قلت: أخبرنا الثقة وهو يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير وطاووس عن ابن عباس أنه قال كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. قال

الشافعي: فقال: فأنى ترى الرواية اختلفت فيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فروى ابن مسعود خلاف هذا وروى أبو موسى خلاف هذا وجابر خلاف هذا وكلها قد يخالف بعضها بعضاً في شيء من لفظه ثم علم عمر خلاف هذا كله في بعض لفظه. وكذلك تشهد عائشة وكذلك تشهد ابن عمر ليس فيها شيء إلا في لفظه شيء غير ما في لفظ صاحبه وقد يزيد بعضها الشيء على بعض فقلت له: الأمر في هذا بين. قال: فأبنه لي؟ قلت: كل كلام أريد به تعظيم الله فعلمهم رسول الله فلعله جعل يعلمه الرجل فيحفظه والآخر فيحفظه، وما أخذ حفظاً فأكثر ما يحترس فيه منه إحالة المعنى فلم تكن فيه زيادة ولا نقص ولا اختلاف شيء من كلامه يحيل المعنى فلا تسع إحالته فلعل النبي أجاز لكل امرئ منهم كما حفظ إذا كان لا معنى فيه يحيل شيئاً عن حكمه ولعل من اختلفت روايته واختلف تشهده إنما توسعوا فيه فقالوا على ما حفظوا وعلى ما حضرهم وأجيز لهم قال: أفتجد شيئاً يدل على إجازة ما وصفت؟ فقلت: نعم. قال: وما هو؟ قلت: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال " سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرأنيها فكدت أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به إلى النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هكذا أنزلت ثم قال لي: اقرأ فقرأت فقال: هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر. قال: فإذا كان الله لرأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف معرفة منه بأن الحفظ قد يزل ليحل لهم قراءته وإن اختلف اللفظ فيه ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه وكل ما لم يكن فيه حكم فاختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه. وقد قال بعض التابعين لقيت أناساً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاجتمعوا في المعنى واختلفوا عليَّ في اللفظ فقلت لبعضهم ذلك فقال لا بئس ما لم يحيل المعنى قال

الشافعي: فقال: ما في التشهد إلا تعظيم الله وإني لأرجو أن يكون كل هذا فيه واسعاً وأن لا يكون الاختلاف فيه إلا من حيث ذكرت] الرسالة267 - 275. وقال الحافظ ابن عبد البر: [ولما علم مالك أن التشهد لا يكون إلا توقيفاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختار تشهد عمر لأنه كان يعلمه للناس وهو على المنبر من غير نكير عليه من أحد من الصحابة وكانوا متوافرين في زمانه وأنه كان يُعَلِّم ذلك من لم يعلمه من التابعين وسائر من حضره من الداخلين في الدين ولم يأت عن أحد حضره من الصحابة أنه قال: ليس كما وصفت. وفي تسليمهم له ذلك مع اختلاف رواياتهم عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك دليل على الإباحة والتوسعة فيما جاء عنه من ذلك عليه السلام مع أنه متقارب كله قريب في المعنى بعضه من بعض إنما فيه كلمة زائدة في ذلك المعنى أو ناقصة] الاستذكار 4/ 274. وقال الحافظ ابن عبد البر أيضاً: [وتشهد ابن مسعود ثابت أيضاً من جهة النقل عند جميع أهل الحديث مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلى الله وأن محمداً عبده ورسوله. وبه قال الثوري والكوفيون وأكثر أهل الحديث وكان أحمد بن خالد بالأندلس يختاره ويميل إليه ويتشهد به. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور: أحب التشهد إلينا تشهد ابن مسعود الذي رواه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قول أحمد وإسحاق وداود. وأما الشافعي وأصحابه والليث ابن سعد فذهبوا إلى تشهد ابن عباس الذي رواه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الشافعي: هو أحب التشهد إليَّ. رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاووس عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله). وروي عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً وموقوفاً نحو تشهد ابن مسعود. وروي عن علي

أكمل من هذه الروايات كلها. وفي الموطأ عن ابن عمر وعائشة ما قد علمت واختيار العلماء من ذلك ما ذكرت لك وكل حسن إن شاء الله. والذي أقول به - وبالله التوفيق - أن الاختلاف في التشهد وفي الأذان والإقامة وعدد التكبير على الجنائز وما يقرأ ويدعى به فيها وعدد التكبير في العيدين ورفع الأيدي في ركوع الصلاة وفي التكبير على الجنائز وفي السلام من الصلاة واحدة أو اثنتين وفي وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وسدل اليدين وفي القنوت وتركه وما كان مثل هذا كله اختلاف في مباح كالوضوء واحدة واثنتين وثلاثاً. وكل ما وصفت لك قد نقلته الكافة من الخلف عن السلف ونقله التابعون بإحسان عن السابقين نقلاً لا يدخله غلط ولا نسيان لأنها أشياء ظاهرة معمول بها في بلدان الإسلام زمناً بعد زمن لا يختلف في ذلك علماؤهم وعوامهم من عهد نبيهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهلم جرا فدل على أنه مباح كله إباحة توسعة ورحمة والحمد لله]. الاستذكار 4/ 277 - 283 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عما يقع فيه الخلاف مما يتعلق بصفات العبادات ما نصه: [والقسم الثالث ما قد ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه أنه سن الأمرين لكن بعض أهل العلم حرَّم أحد النوعين أو كرهه لكونه لم يبلغه أو تأول الحديث تأويلاً ضعيفاً، والصواب في مثل هذا أن كل ما سنَّه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمته فهو مسنون لا يُنهى عن شيء منه وإن كان بعضه أفضل من ذلك فمن ذلك أنواع التشهدات فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشهد ابن مسعود وثبت عنه في صحيح مسلم تشهد أبي موسى وألفاظه قريبة من ألفاظه وثبت عنه في صحيح مسلم تشهد ابن عباس وفي السنن تشهد ابن عمر وعائشة وجابر وثبت في الموطأ وغيره أن عمر بن الخطاب علَّم المسلمين تشهداً على منبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكن عمر ليعلمهم تشهداً يقرونه عليه إلا وهو مشروع فلهذا كان الصواب عند الأئمة المحققين أن التشهد بكل من هذه جائز لا كراهة فيه ومن قال إن الإتيان بألفاظ تشهد ابن مسعود واجب كما قاله بعض أصحاب أحمد فقد أخطأ] مجموع الفتاوى 22/ 285 - 286. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وبأي تشهدٍ تَشهدَ مما صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاز، نص عليه أحمد فقال: تشهد عبد الله أعجب إليَّ وإن تشهد

بغيره فهو جائز لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما علمه الصحابة مختلفاً دل على جواز الجميع كالقراءات المختلفة التي اشتمل عليها المصحف، قال القاضي وهذا يدل على أنه إذا أسقط لفظة هي ساقطة في بعض التشهدات المروية صح تشهده] المغني 1/ 385. وقال الإمام النووي بعد أن ذكر أحاديث التشهد المختلفة: [فهذه الأحاديث الواردة في التشهد وكلها صحيحة وأشدها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود ثم حديث ابن عباس، قال الشافعي والأصحاب: وبأيها تشهد أجزأه، لكن تشهد ابن عباس أفضل وهذا معنى قول المصنف: وأفضل التشهد أن يقول إلى آخره، فقوله أفضل التشهد دليل على جواز غيره، وقد أجمع العلماء على جواز كل واحد منها وممن نقل الإجماع القاضي أبو الطيب] المجموع 3/ 457. وقال الشوكاني فيما نقله عنه صاحب الروضة الندية: [ومما ينبغي أن يعلم أن التشهد وألفاظ الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلها مجزئة إذا وردت من وجه معتبر وتخصيص بعضها دون بعض كما يفعله بعض الفقهاء قصور باعٍ وتحكمٌ محضٌ وأما اختيار الأصح منها وإيثاره مع القول بإجزاء غيره فهو من اختيار الأفضل من المتفاضلات وهو من صنيع المهرة بعلم الاستدلال والأدلة. انتهى. وقال في موضع آخر: التشهدات الثابتة عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موجودة في كتب الحديث فعلى من رام التمسك بما صح عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينظرها في دواوين الإسلام الموضوعة لجمع ما ورد من السنة ويختار أصحها ويستمر عليها أو يعمل تارة بهذا وتارة بهذا مثلاً يتشهد في بعض الصلوات بتشهد ابن مسعود وفي بعضها بتشهد ابن عباس وفي بعضها بتشهد غيرهما فالكل واسع والأرجح هو الأصح لكن كونه الأصح لا ينافي إجزاء الصحيح. انتهى] الروضة الندية 1/ 271 - 272. وقال الشيخ ولي الله الدهلوي: [وجاء في التشهد صيغ أصحها تشهد ابن مسعود - رضي الله عنه - ثم تشهد ابن عباس وعمر رضي الله عنهما وهي كأحرف القرآن كلها شافٍ كاف] حجة الله البالغة 2/ 20. وقال العلامة محمد بن عثيمين: [وأما ما ورد في صحيح البخاري عن

عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - إنهم كانوا يقولون بعد وفاة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " السلام على النبي ورحمة الله وبركاته " فهذا من اجتهاداته - رضي الله عنه -التي خالفه فيها من هو أعلم منه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإنه خطب الناس على منبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال في التشهد " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله " كما رواه مالك في الموطأ بسند من أصح الأسانيد وقاله عمر بمحضر الصحابة رضي الله عنهم وأقروه على ذلك ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام علَّم أمته حتى إنه كان يعلم ابن مسعود وكفه بين كفيه من أجل أن يستحضر هذا اللفظ وكان يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن وهو يعلم أنه سيموت لأن الله قال له (إنك ميت وإنهم ميتون) ولم يقل بعد موتي قولوا " السلام على النبي " بل علَّمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن بلفظها ولذلك لا يعول على اجتهاد ابن مسعود بل يقال " السلام عليك أيها النبي "] الشرح الممتع 3/ 209 - 210. وقد أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية برئاسة الشيخ ابن باز عن سؤال نصه: [في التشهد هل يقول الإنسان " السلام عليك أيها النبي " أم يقول " السلام على النبي " لأن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال كنا نقول قبل وفاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " السلام عليك أيها النبي " وبعد موته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كنا نقول " السلام على النبي "؟ الجواب: الصحيح أن يقول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته لأن هذا هو الثابت في الأحاديث وأما ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في ذلك إن صح عنه فهو اجتهاد من فاعله لا يعارض به الأحاديث الثابتة ولو كان الحكم يختلف بعده وفاته عنه في حياته لبينه لهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] فتاوى اللجنة الدائمة 7/ 10 - 11. وخلاصة الأمر أن القول بأن من الغلط أن يقول المصلي في تشهده " السلام عليك أيها النبي " قول خاطئ وتحجير لواسع وظهر لنا من أقوال كبار أهل العلم أن الأمر فيه سعة وأن المصلي إذا جاء بأي صيغة من صيغ التشهد الثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن ذلك مجزئ إن شاء الله تعالى.

حكم الصلاة بين السواري

حكم الصلاة بين السواري يقول السائل: كما تعلمون فإنه يوجد في المسجد الأقصى المبارك عدد كبير من الأعمدة (السواري) والناس يصلون بينها، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: وردت بعض الأحاديث التي تدل على كراهية الصف بين السواري فمن ذلك ما رواه الترمذي بإسناده عن عبد الحميد بن محمود قال: (صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين فلما صلينا قال أنس بن مالك: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وفي الباب عن قرة بن إياس المزني. قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح. وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري. وبه يقول أحمد وإسحق. وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 2/ 19. وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: [كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونطرد عنها طرداً] رواه ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وقد أخذ العلماء من هذه الأحاديث كراهية الصف بين السواري لغير حاجة من ضيق ونحوه. وكراهية الصف بين السواري لا تعني بطلان الصلاة وعدم صحتها بل الصلاة صحيحه مع الكراهة. وأما إن كان هنالك حاجة للمصلين أن يصفوا بين السواري نظراً لضيق المسجد وكثرة المصلين، أو لأن ترك الصف بين السواري سيؤدي إلى عدم اتصال الصفوف كما هو الحال في المسجد الأقصى فلا كراهة في الصف بين السواري قال الإمام مالك: [لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد]. وقال الحافظ ابن حجر: [قال المحب الطبري كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك ومحل الكراهة عند عدم الضيق] فتح الباري 1/ 747. وقد نقل عن جماعة من أهل العلم جواز الصلاة بين السواري كما سبق في كلام الترمذي ومن ذلك أيضاً ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن

محمد بن سيرين قال: [لا أعلم بالصلاة بين السواري بأساً]. وروى بإسناده أن سعيد بن جبير كان يؤمهم بين ساريتين. مصنف ابن أبي شيبة 2/ 370. وكذلك رخص جماعة من الفقهاء في الصلاة بين السواري فقد ورد عن الإمام أحمد أنه لا يكره ذلك ورخص فيه ابن سيرين ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر. انظر غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام 6/ 343. وكلام هذه الطائفة من أهل العلم يمكن حمله على أن عدم الكراهة يكون في حال عدم الحاجة: [ويكره ذلك بلا حاجة فإن كان ثم حاجة كضيق المسجد وكثرة الجماعة لم يكره] المصدر السابق 6/ 343. ومما يؤكد لنا هذا المعنى أنه قد ورد في رواية حديث عبد الحميد عند ابن حبان: - وهو الحديث الأول المذكور سابقاً - قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك بين السواري. إلخ. صحيح ابن حبان 5/ 597. فهذا أنس - رضي الله عنه - قد صلى بين السواري ولو كانت الصلاة بين السواري باطلة لما صلى أنس - رضي الله عنه -. وبناء على ما تقدم فلا يصح حمل النهي الوارد في الأحاديث السابقة على التحريم، فليس كل نهي وارد في الشرع يدل على التحريم، فإن كثيراً من النواهي الشرعية تدل على الكراهة التنزيهية، وكذلك فليس كل نهي وارد في الشرع يدل على البطلان والفساد فمثلا ورد النهي عن التخصر في الصلاة كما رواه البخاري ومسلم وحمله جمهور العلماء على الكراهة ولم يقولوا بإبطال صلاة المتخصر. وهنالك أمثلة كثيرة على أن النهي لا يفيد بطلان المنهي عنه دائماً. وخلاصة الأمر أن الصلاة بين السواري في المسجد الأقصى صحيحة لأن بناء المسجد الأقصى قائم على عدد كبير من السواري ولا يمكن للصفوف أن تتم بدون الوقوف بين السواري. ولا ينبغي لأحد أن يتشدد في هذه المسألة وأمثالها مما يؤدي إلى حدوث بلبلة بين المصلين وإلى تشكيك الناس في صحة صلاتهم.

حكم قطع الصلاة المفروضة

حكم قطع الصلاة المفروضة يقول السائل: بينما كان إمام المسجد يصلي بالناس إذ رن الهاتف النقال لأحد المصلين (البلفون) فما كان من الإمام إلا أن قطع الصلاة وطلب من صاحب الهاتف أن يوقف هاتفه ثم أحرم بالصلاة من جديد فما حكم ذلك؟ الجواب: ما فعله إمام المسجد المذكور خطأ واضح فلا يجوز قطع الصلاة المفروضة لمثل هذا الأمر فقد كان الواجب على إمام المسجد أن يتم الصلاة ومن ثم ينبه المصلين لإغلاق البلفونات وقت الصلاة والأولى أن يكون التنبيه على إغلاق البلفونات قبل الشروع في الصلاة ولو بيَّن لهم أنه في حال نسيان أحد المصلين للبلفون مفتوحاً ورن وهو في الصلاة فبإمكانه أن يوقفه وهو في الصلاة ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى ولو تحرك المصلي حركة يسيرة فلا تؤثر على صحة الصلاة. وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز قطع الصلاة المفروضة بدون عذر شرعي واختلفوا في صلاة النافلة هل يجوز قطعها أم لا؟ والراجح أن الأمر في النافلة واسع فيجوز قطعها. وقد قرر الفقهاء أن قطع العبادة الواجبة بعد الشروع فيها بلا مسوغ شرعي غير جائز لأن قطعها بلا مسوغ شرعي عبث يتنافى مع حرمة العبادة، وورد النهي عن إفساد العبادة، قال الله تعالى: (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) سورة محمد الآية 33. أما قطعها بمسوغ شرعي فمشروع، فتقطع الصلاة لقتل حية ونحوها للأمر بقتلها حيث ورد في الحديث من قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب) رواه أبوداود والترمذي وغيرهما وهو حديث صحيح، وتقطع الصلاة لخوف المصلي ضياع مال له قيمة، له أو لغيره أو لخوفه سرقته، وتقطع الصلاة لإغاثة ملهوف استغاث بالمصلي، وتنبيه غافل أو نائم قصدت إليه حية ونحوها ولا يمكن تنبيهه بتسبيح فيجب قطع الصلاة لإنقاذ حياة إنسان. وتقطع الصلاة أيضاً إذا أصيب أحد المصلين بحالة إغماء ونحوها أثناء الصلاة فيجب قطع الصلاة لإسعافه. وتقطع الصلاة أيضاً إذا غلب على ظن المصلي خوف تردي أعمى أو طفل صغير

تقضى صلاة الوتر إذا فاتت

أو غيرهما في بئر ونحوه. كما تقطع الصلاة خوف اندلاع حريق أو مهاجمة حيوان مفترس لأن في ذلك إحياء للنفس أو المال ويمكن تدارك الصلاة بعد قطعها؛ حيث إن أداء حق الله تعالى مبني على المسامحة ويجوز للمرأة قطع الصلاة خوفاً على ولدها إن خشيت عليه السقوط من مكان مرتفع أو الوقوع في قدر على النار ونحو ذلك. ويجوز قطع الصلاة ليدفع الإنسان عن نفسه أذى العدو أو الحيوان المفترس. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية34/ 51، الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 37. وخلاصة الأمر أن الصلاة المفروضة لا يجوز قطعها إلا لأمر هام وخطير يترتب عليه دفع شر وأما الصلاة النافلة فالأمر فيها أهون وأسهل من المفروضة وما ذكره السائل من رن البلفون أثناء صلاة الجماعة لا يجيز قطع الصلاة من أجل تنبيه صاحب البلفون ليغلقه. تقضى صلاة الوتر إذا فاتت يقول السائل: إنه قرأ قولاً لأحد العلماء أن صلاة الوتر لا تقضى ومن فاتته يفعل كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا غلبه وجع أو نوم عن قيام الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة فما قولكم في ذلك؟ الجواب: صلاة الوتر من السنن المؤكدة الثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة منها: عن علي - رضي الله عنه - قال: (الوتر ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة ولكن سنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: (إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1/ 383. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة محضورة وذلك أفضل) رواه مسلم.

وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر) رواه أبو داود وصححه الألباني في المصدر السابق 1/ 384. وعن أبي تمام الجيشاني قال: سمعت عمرو بن العاص - رضي الله عنه - يقول: أخبرني رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الله عز وجل زادكم صلاة فصلوها فيما بين العشاء إلى الصبح: الوتر الوتر) ألا وإنه أبو بصرة الغفاري. رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي أحمد رواته رواة الصحيح قاله المنذري في الترغيب والترهيب، وصححه الألباني في المصدر السابق 1/ 384. إذا تقرر هذا فقد ذهب جماهير أهل العلم إلى أن صلاة الوتر تقضى قال الشوكاني: [وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبادة الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عباس كذا قال العراقي. قال: ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وعبيدة السلماني وإبراهيم النخعي ومحمد بن المنتشر وأبو العالية وحماد بن أبي سليمان. ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة. ثم اختلف هؤلاء إلى متى يقضى على ثمانية أقوال: أحدها: ما لم يصل الصبح وهو قول ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ومسروق والحسن البصري وإبراهيم النخعي ومكحول وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وأبي أيوب وأبي خيثمة حكاه محمد بن نصر عنهم. ثانيها: أنه يقضى الوتر ما لم تطلع الشمس ولو بعد صلاة الصبح وبه قال النخعي. ثالثها: أنه يقضى بعد الصبح وبعد طلوع الشمس إلى الزوال روي ذلك عن الشعبي وعطاء والحسن وطاووس ومجاهد وحماد بن أبي سليمان. وروي أيضاً عن ابن عمر رابعها: أنه لا يقضيه بعد الصبح حتى تطلع الشمس فيقضيه نهاراً حتى يصلي العصر فلا يقضيه

بعده ويقضيه بعد المغرب إلى العشاء ولا يقضيه بعد العشاء لئلا يجمع بين وترين في ليلة حكي ذلك عن الأوزاعي. خامسها أنه إذا صلى الصبح لا يقضيه نهاراً لأنه من صلاة الليل ويقضيه ليلاً قبل وتر الليلة المستقبلة ثم يوتر للمستقبلة. روي ذلك عن سعيد بن جبير. سادسها: أنه إذا صلى الغداة أوتر حيث ذكره نهاراً فإذا جاءت الليلة الأخرى ولم يكن أوتر لم يوتر لأنه إن أوتر في ليلة مرتين صار وتره شفعاً حكي ذلك عن الأوزاعي أيضاً. سابعها: أنه يقضيه أبداً ليلاً ونهاراً وهو الذي عليه فتوى الشافعية. ثامنها: التفرقة بين أن يتركه لنوم أو نسيان وبين أن يتركه عمداً فإن تركه لنوم أو نسيان قضاه إذا استيقظ أو إذا ذكر في أي وقت كان ليلاً أو نهاراً وهو ظاهر الحديث واختاره ابن حزم واستدل بعموم قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) قال وهذا عموم يدخل فيه كل صلاة فرض أو نافلة وهو في الفرض أمر فرض وفي النفل أمر ندب)] نيل الأوطار 3/ 55 - 56. والذي يظهر لي رجحان قول ابن حزم الظاهري أن من فاتته صلاة الوتر لنوم أو نسيان يقضيها متى ذكرها ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره) رواه أبو داود ورواه الترمذي بزيادة (أو إذا استيقظ) وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل ثم قال: [ولا تعارض بينه وبين الحديث الذي قبله خلافاً لما أشار إليه محمد بن يحيى ذلك لأنه خاص بمن نام أو نسي فهذا يصلي بعد الفجر أي وقت تذكر وأما الذاكر فينتهي وقت وتره بطلوع الفجر وهذا بين ظاهر] إرواء الغليل 2/ 153. وقال الشيخ الألباني أيضاً: [ومما يشهد لهذا حديث قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ: (من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له). أخرجه الحاكم وعنه البيهقي وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وأما البيهقي فأعله بقوله: ورواية يحيى بن كثير كأنها أشبه. يعني الحديث الأول فقد روينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قضاء الوتر. يعني حديث محمد بن مطرف المذكور آنفاً. ولا وجه لهذا الإعلال

بعد صحة الإسناد وهو بمعنى الحديث الأول بل هو أصرح منه وأقرب إلى التوفيق بينه وبين حديث ابن المطرف. لأنه صريح فيمن أدرك الصبح ولم يوتر فهذا لا وتر له وأما الذي نسي أو نام حتى الصبح فإنه يصلي كما تقدم] إرواء الغليل 2/ 153 - 154. ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصبح فيوتر) رواه أحمد والطبراني في الأوسط بإسناد حسن كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 246. ويؤيده أيضاً أن رجلاً أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا نبي الله إن أصبحت ولم أوتر؟ قال: (فأوتر). رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثوقون وإن كان في بعضهم كلام لا يضر قاله الهيثمي في المصدر السابق 2/ 246. وعن عروة بن الزبير قال: كان ابن مسعود يوتر بعد الفجر وكان أبي يوتر قبل الفجر رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثوقون. المصدر السابق 2/ 247. وأما ما ورد في أحاديث من أنه لا وتر بعد الصبح كحديث أبي سعيد الخدري أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أوتروا قبل أن تصبحوا) رواه مسلم. فتحمل على من أدرك وقت الصبح ولم يوتر وأما من نام عنه أو نسيه فيوتر متى استيقظ أو تذكر. وأما الحديث المذكور في السؤال فلا أرى فيه دلالة على أن الوتر لا يقضى. وخلاصة الأمر أن صلاة الوتر تقضى في حالة نسيانها أو النوم عنها. القنوت في النوازل يقول السائل: إنه قد صلى الظهر في أحد المساجد فما كان من الإمام إلا أن قنت في الركعة الرابعة ودعا بدعاءٍ طويل فما قولكم في ذلك؟ الجواب: الثابت من هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قنت أحياناً في النوازل التي كانت على عهده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا ثابت في أحاديث منها: حديث أبي هريرة -

رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو في القنوت اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) سورة آل عمران الآية 128. وفي رواية عند مسلم عن أبي سلمة أن أبا هريرة - رضي الله عنه - حدثهم (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قنت بعد الركعة في صلاة شهراً إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك الدعاء بعد فقلت أرى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد ترك الدعاء لهم قال فقيل وما تراهم قد قدموا. وفي رواية أخرى عند مسلم عن أبي سلمة أن أبا هريرة - رضي الله عنه - أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينما هو يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد اللهم نج عياش بن أبي ربيعة ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي إلى قوله كسني يوسف ولم يذكر ما بعده. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (كان القنوت في المغرب والفجر) رواه البخاري. وروى البخاري بسنده عن عاصم قال: (سألت أنس بن مالك عن

القنوت فقال: قد كان القنوت قلت: قبل الركوع أو بعده قال: قبله قال: فإن فلاناً أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع فقال: كذب إنما قنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الركوع شهراً أراه كان بعث قوماً يقال لهم القراء زهاء سبعين رجلاً إلى قوم من المشركين دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عهد فقنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهراً يدعو عليهم). وعن أنس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب ثم تركه) رواه مسلم. وفي لفظ للبخاري: (قنت شهراً حين قتل القراء فما رأيته حزن حزناً قط أشد منه). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة، يدعو عليهم، يدعو على حي من بني سُليم، على رعل وذكوان وعصية، ويُؤَمِن من خلفه). رواه أحمد وأبو داود وإسناده حسن أو صحيح كما قال النووي في الخلاصة 1/ 461. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (لَأُقَرِّبَنَّ بكم صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة في صلاة الظهر والعشاء الأخيرة وصلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار). وفي رواية لأحمد: صلاة العصر، مكان: صلاة العشاء الآخرة) رواه البخاري ومسلم. والذي يؤخذ من هذه الأحاديث وغيرها مشروعية القنوت عند النوازل والمصائب والبلايا العامة في الصلوات الخمس ويقنت الإمام جهراً في جميع الصلوات بعد الركوع ويجوز قبله فإذا ارتفعت النازلة ترك القنوت. قال العلامة ابن القيم: [والإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهر وأسر وقنت وترك وكان إسراره أكثر من جهره وتركه القنوت أكثر من فعله فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم وللدعاء على آخرين ثم تركه لما قدم من دعا لهم وتخلصوا من الأسر وأسلم من دعا عليهم وجاءوا

تائبين فكان قنوته لعارض فلما زال ترك القنوت ولم يختص بالفجر بل كان يقنت في صلاة الفجر والمغرب ذكره البخاري في صحيحه عن أنس وقد ذكره مسلم عن البراء وذكر الإمام أحمد عن ابن عباس قال: قنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على حي من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه ورواه أبو داود. وكان هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القنوت في النوازل خاصة وتركه عند عدمها ولم يكن يخصه بالفجر بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من التطويل ولاتصالها بصلاة الليل وقربها من السحر وساعة الإجابة وللتنزل الإلهي ولأنها الصلاة المشهودة التي يشهدها الله وملائكته أو ملائكة الليل والنهار كما روي هذا وهذا في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) سورة الإسراء الآية 78] زاد المعاد 1/ 272 - 273. وقال العلامة ابن القيم أيضاً: [ولا ريب أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك - أي القنوت - ثم تركه فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة وأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله وهذا ردٌّ على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقاً عند النوازل وغيرها ويقولون: هو منسوخ وفعله بدعة فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها وهم أسعد بالحديث من الطائفتين فإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويتركونه حيث تركه فيقتدون به في فعله وتركه ويقولون: فعله سنة وتركه سنة ومع هذا فلا ينكرون على من داوم عليه ولا يكرهون فعله ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفاً للسنة كما لا ينكرون على من أنكره عند النوازل ولا يرون تركه بدعة ولا تاركه مخالفاً للسنة بل من قنت فقد أحسن ومن تركه فقد أحسن، وركن الاعتدال محل الدعاء والثناء وقد جمعهما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه ودعاء القنوت دعاء وثناء فهو أولى بهذا المحل وإذا جهر به الإمام أحياناً ليعلم المأمومين فلا بأس بذلك فقد جهر عمر - رضي الله عنه - بالاستفتاح ليعلم المأمومين وجهر ابن عباس - رضي الله عنه - بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ليعلمهم أنها سنة ومن هذا أيضاً جهر الإمام بالتأمين وهذا من

الاختلاف المباح الذي لا يعنف فيه من فعله ولا من تركه وهذا كرفع اليدين في الصلاة وتركه وكالخلاف في أنواع التشهدات وأنواع الأذان والإقامة وأنواع النسك من الإفراد والقران والتمتع وليس مقصودنا إلا ذكر هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كان يفعله هو فإنه قبلة القصد وإليه التوجه في هذا الكتاب وعليه مدار التفتيش والطلب هذا شيء والجائز الذي لا ينكر فعله وتركه شيء فنحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز ولما لا يجوز وإنما مقصودنا فيه هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كان يختاره لنفسه فإنه أكمل الهدي وأفضله فإذا قلنا: لم يكن من هديه المداومة على القنوت في الفجر ولا الجهر بالبسملة لم يدل ذلك على كراهية غيره ولا أنه بدعة ولكن هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكمل الهدي وأفضله والله المستعان] زاد المعاد 1/ 274 - 275. وقال الشوكاني بعد كلام طويل عن القنوت: [إذا تقرر لك هذا علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة وقد ورد ما يدل على هذا الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في صحيحه وقد تقدم ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان بلفظ (كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد وأصله في البخاري كما سيأتي] نيل الأوطار 2/ 386 - 387. وبهذا يظهر لنا أن القنوت في النوازل مشروع، وأما قول السائل إن إمام المسجد قد دعا بدعاء طويل فأقول إن الأولى في لفظ دعاء القنوت أن يدعو بما ورد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن دعا بغير ذلك جاز. قال الإمام النووي: [وأما لفظه - أي القنوت - فالاختيار أن يقول فيه: ما روينا في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرها بالإسناد الصحيح عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلمات أقولهن في الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) قال الترمذي: هذا حديث حسن قال: ولا نعرف عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القنوت شيئاً أحسن من هذا. ويستحب أن يقول عقيب هذا الدعاء: " اللهم صل على محمد وعلى آل

محمد وسلم ". فقد جاء في رواية النسائي في هذا الحديث بإسناد حسن: " وصلى الله على النبي ". قال أصحابنا: وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان حسناً وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: [اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أوليائك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم]. واعلم أن المنقول عن عمر - رضي الله عنه -[عذب كفرة أهل الكتاب] لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب وأما اليوم فالاختيار أن يقول [عذب الكفرة] فإنه أعم. وقوله: نخلع أي نترك وقوله يفجرك أي يلحد في صفاتك وقوله: نحفد بكسر الفاء أي: نسارع وقوله الجد بكسر الجيم: أي الحق وقوله: ملحق بكسر الحاء على المشهور ويقال بفتحها ذكره ابن قتيبة وغيره وقوله: ذات بينهم أي: أمورهم ومواصلاتهم وقوله: والحكمة هي: كل مانع من القبيح وقوله: وأوزعهم: أي ألهمهم وقوله: اجعلنا منهم أي: ممن هذه صفته قال أصحابنا يستحب الجمع بين قنوت عمر - رضي الله عنه - وما سبق فإن جمع بينهما فالأصح تأخير قنوت عمر وإن اقتصر فليقتصر على الأول وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفرداً أو إمام محصورين يرضون بالتطويل واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار فأي دعاء دعا به حصل القنوت ولو قنت بآية أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت ولكن الأفضل ما جاءت به السنة.] الأذكار 48 - 50. ولا ينبغي للإمام أن يطيل القنوت نص على ذلك الإمام النووي في المجموع 3/ 499.

لا يجوز لمن يصلي في بيته أن يجمع بين الصلاتين بسبب المطر

لا يجوز لمن يصلي في بيته أن يجمع بين الصلاتين بسبب المطر يقول السائل: هل يجوز لمن يصلي في بيته أن يجمع بين الصلاتين بسبب المطر؟ الجواب: كثر تساهل الناس في أيامنا هذه في الجمع بين الصلوات للمطر ومن أمثلة هذا التساهل: الجمع بين الصلاتين مع عدم وجود المطر. والجمع بين الصلاتين مع وجود مطر خفيف أو رذاذ. والجمع بين الصلاتين مع وجود ريح خفيفة. والجمع بين الصلاتين للمنفرد في بيته. ويجب أن يعلم أن كل من يجمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فجمعه باطل أي أن صلاته الثانية باطلة لأنها وقعت في غير وقتها المقدر لها شرعاً فدخول الوقت شرط من شروط صحة الصلاة والأصل في الصلوات الخمس أن تصلى كل منها في وقتها الشرعي قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) سورة النساء الآية 103. قال الشوكاني في تفسير الآية: [أي محدوداً معيناً يقال وقَّته فهو موقوت ووقَّته فهو مؤقت والمعنى إن الله افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي من نوم أو سهو أو نحوهما] تفسير فتح القدير 1/ 510. وكذلك فإن من جمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فقد ارتكب حراماً بل كبيرة من كبائر الذنوب كما نص على ذلك ابن حجر المكي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 288 - 289. وقد روي في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر) رواه الترمذي والحاكم وهو حديث ضعيف ضعفه الحافظ ابن حجر وغيره. وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة حديث رقم 4581. وقال محمد بن الحسن الشيباني: [وبلغنا عن عمر بن الخطاب -

رضي الله عنه - أنه كتب في الآفاق ينهاهم أن يجمعوا بين الصلاتين ويخبرهم أن الجمع بين الصلاتين في وقت واحد كبيرة من الكبائر أخبرنا بذلك الثقات عن العلاء بن الحارث عن مكحول] الموطأ برواية محمد بن الحسن ص82. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قتادة العدوي قال (قُرىء علينا كتاب عمر من الكبائر جمع بين الصلاتين) يعني بغير عذر والفرار من الزحف والنميمة). الدر المنثور 2/ 502. وقال الإمام البيهقي: [" باب ذكر الأثر في أن الجمع من غير عذر من الكبائر مع ما دلت عليه أخبار المواقيت ثم روى بسنده عن عمر - رضي الله عنه - قال: (جمعُ الصلاتين من غير عذر من الكبائر) قال الشافعي في سنن حرملة العذر يكون بالسفر والمطر وليس هذا بثابت عن عمر هو مرسل. قال الشيخ هو كما قال الشافعي والإسناد المشهور لهذا الأثر ما ذكرنا وهو مرسل. أبو العالية لم يسمع من عمر - رضي الله عنه - وقد روى ذلك بإسناد آخر قد أشار الشافعي إلى متنه في بعض كتبه. (أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى عامل له ثلاث من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا في عذر والفرار من الزحف والنهبى) أبو قتادة العدوي أدرك عمر - رضي الله عنه - فإن كان شهده كتب فهو موصول وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قوياً وقد روي فيه حديث موصول عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إسناده من لا يحتج به. عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (جمعٌ بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر). لفظ حديث نعيم وفي رواية يعقوب (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر) تفرد به حسين بن قيس أبو علي الرحبي المعروف بحنش وهو ضعيف عند أهل النقل لا يحتج بخبره] سنن البيهقي 3/ 169. وعلَّق التركماني على كلام البيهقي بقوله: [ذكر فيه الأثر عن أبي العالية عن عمر ثم قال: (مرسل، أبو العالية لم يسمع من عمر) قلت: أبو العالية أسلم بعد موت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسنتين ودخل على أبي بكر وصلى خلف

عمر وقد قدمنا غير مرة أن مسلماً حكى الإجماع على أنه يكفي لاتصال الإسناد ثبوت كون الشخصين في عصر واحد وكذا الكلام في رواية أبي قتادة العدوي عن عمر فإنه أدركه كما ذكره البيهقي بعد فلا يحتاج في اتصاله إلى أن يشهده] الجوهر النقي بهامش سنن البيهقي 3/ 169. وذكر ابن كثير الأثر عن أبي قتادة العدوى قال: قرئ علينا كتاب عمر من الكبائر جمع بين الصلاتين يعني بغير عذر والفرار من الزحف والنهبة. وهذا إسناد صحيح والغرض أنه إذا كان الوعيد فيمن جمع بين الصلاتين كالظهر والعصر تقديماً أو تأخيراً وكذا المغرب والعشاء كالجمع بسبب شرعي فمن تعاطاه بغير شيء من تلك الأسباب يكون مرتكباً كبيرة فما ظنك بترك الصلاة بالكلية) تفسير ابن كثير1/ 485. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن ترك صلاة واحدةً عمداً بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاءً فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر فأجاب الحمد لله نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمداً من الكبائر بل قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر وقد رواه الترمذى مرفوعاً عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر). ورفع هذا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كان فيه نظر فإن الترمذي قال العمل على هذا عند أهل العلم والأثر معروف وأهل العلم ذكروا ذلك مقرين له لا منكرين له] مجموع الفتاوى 22/ 53 - 54. إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز الجمع للمنفرد في بيته ولا يجوز الجمع لمن يصلون جماعة في بيوتهم على الصحيح من أقوال أهل العلم فإن الجمع للمطر يصح فقط في المساجد ونحوها من المصليات وهذا قول المالكية والقول المعتمد عند الشافعية وأحد القولين في مذهب أحمد. قال الإمام الشافعي: [ولا يجمع إلا من خرج من بيته إلى المسجد يجمع فيه، قَرُبَ المسجد أو كثر أهله أو قلَّوا أو بعدوا ولا يجمع أحد في بيته لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع في المسجد والمصلي في بيته مخالف المصلي في المسجد] الأم 1/ 95. وقال الإمام النووي بعد أن تكلم على أحكام الجمع بين

الصلاتين للمطر: [ثم هذه الرخصة لمن يصلي جماعة في مسجد يأتيه من بُعدٍ ويتأذى بالمطر في إتيانه. فأما من يصلي في بيته منفرداً أو في جماعة أو مشى إلى المسجد في كنٍ أو كان المسجد في باب داره أو صلى النساء في بيوتهن جماعة أو حضر جميع الرجال في المسجد وصلوا أفراداً فلا يجوز الجمع على الأصح. وقيل: على الأظهر] روضة الطالبين 1/ 501 - 502. وقال الإمام النووي أيضاً: [قال أصحابنا والجمع بعذر المطر وما في معناه من الثلج وغيره يجوز لمن يصلي جماعة في مسجد يقصده من بعد ويتأذى بالمطر في طريقه] المجموع 4/ 381. وقل الماوردي: [فأما إذا أراد الجمع بينهما في منزله أو في المسجد وكان بينهما ساباط يرفع عنه أذى المطر ففي جواز ذلك قولان: أحدهما: وهو قوله في الإملاء: يجوز له الجمع في جماعة وفرادى لراوية ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بين الصلاتين في المطر وقد كان منزله في المسجد. والقول الثاني: نص عليه في كتاب الأم: لا يجوز له الجمع لا في جماعة ولا منفرداً لأن الجمع بينهما يجوز لأجل المشقة وما يلحقه من أذى المطر وإذا عدم هذا المعنى امتنع جواز الجمع وما روي من جمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فلعله كان وهو في غير منزل عائشة رضي الله عنها لأنه قد كان يطوف على نسائه ولم يكن منزل جميع نسائه في المسجد وإنما كان منزل عائشة رضي الله عنها وحدها فيه] الحاوي 2/ 398 - 399. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي معللاً القول بمنع المنفرد من الجمع للمطر: [لأن الجمع لأجل المشقة فيختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه كالرخصة في التخلف عن الجمعة والجماعة يختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه] المغني 2/ 204. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية السؤال التالي: [ما حكم الجمع في البيت أيام المطر أو أيام البرد إذا كنا جماعة؟ والذي نعرفه أن الجمع في المسجد وليس في البيت. أفيدونا.

حكم الجمع بين صلاة الجمعة والعصر بسبب المطر

الجواب: المشروع أن يجمع أهل المسجد إذ وجد مسوغ للجمع كالمطر كسباً لثواب الجماعة ورفقاً بالناس وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة. أما جمع جماعة في بيت واحد من أجل العذر المذكور فلا يجوز لعدم وروده في الشرع المطهر وعدم وجود العذر المسبب للجمع] فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 134 - 135. وأجاب مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية في قطر عن السؤال التالي: [هل يجوز للمصلي أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر أو المغرب والعشاء بسبب البرد والمطر في بيته أو في عمله؟ الجواب: فلا يجوز الجمع بين الصلاتين للمنفرد لعذر المطر، لأن الشرع أباح الجمع بين الصلاتين عند المطر رفعاً لمشقة الحضور إلى المسجد في الجو الممطر، ومحافظة على صلاة الجماعة، وهذا السبب المبيح غير متحقق في حق الفرد، لأنه لا جماعة يحافظ عليها، ولا مشقة عليه ما دام سيصلي في بيته، حيث فاتته صلاة الجماعة) عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن الجمع للمطر مشروع في الجماعات في المساجد، ولا يجوز لمن صلى في بيته جماعة أو منفرداً أن يجمع. حكم الجمع بين صلاة الجمعة والعصر بسبب المطر يقول السائل: ما حكم الجمع للمطر بين صلاة الجمعة والعصر؟ الجواب: لا يصح الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر بسبب المطر وهذا مذهب جماهير أهل العلم حيث إن الجمع بين الجمعة والعصر متفرع على مسألة الجمع بين الظهر والعصر للمطر وجماهير أهل العلم منعوا جواز الجمع بين الظهر والعصر للمطر وقصروا جواز الجمع بسبب المطر على المغرب والعشاء ولم يثبت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بين الجمعة والعصر.

لا يجوز تخصيص ليلة الجمعة بصلاة قيام الليل

قال الشيخ محمد العثيمين عند كلامه على شروط الجمع: [وفيه شرط آخر: أن لا تكون صلاة الجمعة فإنه لا يصح أن يجمع إليها العصر وذلك لأن الجمعة صلاة منفردة مستقلة في شروطها وهيئتها وأركانها وثوابها أيضاً والسنة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر ولم يرد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه جمع العصر إلى الجمعة أبداً فلا يصح أن تقاس الجمعة على الظهر لما سبق من المخالفة بين الصلاتين] الشرح الممتع 4/ 572 - 573. وخلاصة الأمر أنه لا يصح الجمع بين الجمعة والعصر على الراجح من قولي العلماء في المسألة. لا يجوز تخصيص ليلة الجمعة بصلاة قيام الليل يقول السائل: نحن مجموعة من المصلين نقوم بدعوة بعضنا بعضاً لقيام الليل بشكل جماعي ونختار دائماً ليلة الجمعة ليس كتخصيص لهذه الليلة وإنما لأننا نكون في فراغ ليلة الجمعة ويمكن الاستراحة بعد ذلك ونوضح دائماً للحضور بأن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد نهى عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام ونبين السبب في اختيار هذه الليلة فهل في هذا حرج؟ الجواب: إن الأصل في باب العبادات هو التوقيف والتلقي عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قرر ذلك أهل العلم. وبناء على الأصل السابق قرر العلماء أنه لا يجوز تخصيص زمان معين بعبادة معينة بدون دليل شرعي فقد صح في الحديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم. قال الشيخ أبو شامة المقدسي: [ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضله الشرع وخصه بنوعٍ من العبادة فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة

وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر كعشر ذي الحجة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر. فالحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص بل ذلك إلى الشارع وهذه كانت صفة عبادة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] الباعث على إنكار البدع والحوادث ص77. وقال الشيخ علي محفوظ عند ذكره لأمثلة البدعة الإضافية: [تخصيص يوم لم يخصه الشارع بصوم أو ليلة لم يخصها الشارع بقيام فالصوم في ذاته مشروع وقيام الليل كذلك وتخصيصهما بيوم أو بليلة بدعة] الإبداع في مضار الابتداع ص59. إذا تقرر هذا فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم ٍ يصومه أحدكم). قال الأمير الصنعاني: [الحديث دليل على تحريم تخصيص ليلة الجمعة بالعبادة بصلاة وتلاوة غير معتادة إلا ما ورد به النص على ذلك كقراءة سورة الكهف فإنه ورد تخصيص ليلة الجمعة بقراءتها وسور أخرى وردت بها أحاديث فيها مقال وقد دل هذا بعمومه على عدم مشروعية صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من رجب ولو ثبت حديثها لكان مخصصاً لها من عموم النهي لكن حديثها تكلم العلماء عليه وحكموا بأنه موضوع] سبل السلام 2/ 663. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن محمد بن سيرين قال دخل سلمان على أبي الدرداء في يوم جمعة فقيل له: هو نائم فقال: ما له؟ قالوا: إنه إذا كان ليلة جمعة أحياها ويصوم يوم الجمعة قال: فأمرهم فصنعوا طعاماً في يوم جمعة ثم أتاهم فقال: كل فقال: إني صائم فلم يزل

الصلاة خير موضوع

به حتى أكل ثم أتيا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فذكر له ذلك فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يضرب بيده على فخذ أبي الدرداء: (عويمر! سلمان أعلم منك ثلاث مرات لا تخصن ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصن يوم الجمعة بصيام من بين الأيام] قال الشيخ الألباني بعد أن ذكره وهذا إسناد مرسل صحيح: سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 712. وبناء على ما سبق فإن ما ورد في السؤال من اختيار ليلة الجمعة لقيام الليل بشكل جماعي بدعة وفيه مخالفة واضحة لنهي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة خاصة وهو قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي) والأصل في النهي أنه يفيد التحريم وما ذكر من تعليل في السؤال أنهم يستريحون بعد ليلة الجمعة فليس مقبولاً ولا يعد مسوغاً لذلك. وخلاصة الأمر أن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة قيام الليل بشكل جماعي والتداعي لذلك بدعة مخالفة لسنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الصلاةُ خيرُ موضوع يقول السائل: ما معنى قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الصلاةُ خيرُ موضوع)؟ الجواب: هذا الحديث ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الصلاة خيرُ موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر) رواه الطبراني في الأوسط وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وذكر الهيثمي أنه ضعيف. مجمع الزوائد 2/ 249. وورد الحديث بسياق أطول عن أبي ذر- رضي الله عنه -: (قال أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في المسجد فجلست فقال: يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا، قال: قم فصل، قال: فقمت فصليت ثم جلست، فقال يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن، قال: قلت يا رسول الله وللإنس شياطين. قال: نعم قلت يا رسول الله الصلاة؟ قال: خيرُ

موضوع من شاء أقلَّ ومن شاء أكثر. قال: قلت يا رسول الله فما الصوم؟ قال فرض مجزئ وعند الله مزيد، قلت: يا رسول الله فالصدقة قال أضعاف مضاعفة. قلت: يا رسول الله فأيها أفضل؟ قال: جهدُ مقل أو سرٌ إلى فقير. قلت: يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم. قلت: يا رسول الله ونبي كان؟ قال: نعم نبي مكلم. قال: قلت يا رسول الله كم المرسلون؟ قال ثلاث مائة وبضعة عشر جماً غفيراً. وقال: مرة خمسة عشر، قال: قلت يا رسول الله آدم أنبي كان؟ قال نعم نبي مكلم قلت يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي الله لا إله إلا هو الحي القيوم) رواه أحمد في المسند. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [(حديث الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر) وهو خبر مشهور أحمد والبزار من حديث عبيد بن الحسحاس عن أبي ذر، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر في حديث طويل جداً، وأورده الطبراني في الأوسط، ورواه في الطوالات أيضا من طريق أخرى عن ابن عائذ عن أبي ذر ومن طريق يحيى بن سعيد السعيدي عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر وأعله ابن حبان في الضعفاء بيحيى بن سعيد وخالف الحاكم فأخرجه في المستدرك من حديثه وله شاهد من حديث أبي أمامة رواه أحمد بسند ضعيف) التلخيص الحبير 2/ 21. وحكم الشيخ الألباني على الحديث بأنه حسن لغيره وقال: [له شواهد يتقوى بها فأخرجه الطيالسي وأحمد والحاكم من طريقين عن أبي ذر وأحمد وغيره من حديث أبي أمامة فالحديث حسن إن شاء الله تعالى] صحيح الترغيب والترهيب 1/ 280. وحسنه الألباني أيضاً في صحيح الجامع الصغير 2/ 719. وقال الحافظ المناوي في شرح الحديث ما نصه: [(الصلاةُ خيرُ موضوع) بإضافة خير إلى موضوع أي أفضل ما وضعه الله أي شرعه من العبادات (فمن استطاع أن يستكثر) منها (فليستكثر) لأن بها تبدو قوة الإيمان في شهود ملازمة خدمة الأركان ومن كان أقواهم إيماناً كان أكثرهم

صلاة الحفظ صلاة مبتدعة غير مشروعة

وأطولهم صلاةً وقنوتاً وإيقاناً وقد جعلها الله فروضاً وسنناً. كان عامر بن عبد الله بن قيس التابعي جعل عليه كل يوم ألف ركعة فلا ينصرف منها إلا وقد انتفخت قدماه وساقاه ثم يقول لنفسه: يا نفس إنما أريد إكرامك غداً عند الله والله لأعملن بك عملاً حتى لا يأخذ الفراش منك نصيباً وقال بعضهم: مكث عندنا رجل ثلاثة عشر سنة يصلي كل يوم ألف ركعة حتى أقعد فكان إذا صلى العصر احتبى واستقبل القبلة ثم قال: عجبت للخليقة كيف أرادت بك بدلاً عجبت للخليقة كيف شاءت سواك ثم يسكت إلى الغروب وقال الداراني: لو خيرت بين ركعتين وبين دخول الفردوس لاخترت الركعتين لأني في الفردوس بحظي وفي الركعتين بحق ربي] فيض القدير 4/ 324 - 325. وينبغي التنبيه إلى أن الحديث يقرأ هكذا: الصلاةُ خيرُ موضوع، أي بضم الصلاة وضم خير، ومن الخطأ أن تقول الصلاة خيرٌ موضوعٌ بتنوين الضم فيهما. وخلاصة الأمر أن الحديث يدل على الفضل العظيم للصلاة وهو حديث حسن. صلاة الحفظ صلاة مبتدعة غير مشروعة يقول السائل: قرأت في نشرة وزعت في بعض المساجد بعنوان الدعاء لحفظ القرآن وفيها حديث طويل يتضمن صلاة أربع ركعات لتقوية الحفظ فهل هذا الحديث ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ الجواب: روى الترمذي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (بينما نحن عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: بأبي أنت تفلَّت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع بهن من علمته ويثبت ما تعلمت في صدرك؟ قال: أجل يا رسول الله فعلمني.

قال إذا كان ليلة الجمعة، فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب فقد قال أخي يعقوب لبنيه: سوف أستغفر لكم ربي. يقول حتى تأتي ليلة الجمعة فإن لم تستطع فقم في وسطها فإن لم تستطع فقم في أولها فصل أربع ركعات: تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب وألم تنزيل (السجدة) وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله وصل عليَّ وأحسن وعلى سائر النبيين واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان ثم قل في آخر ذلك: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبداً ما أبقيتني وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري وأن تطلق به لساني وتشرح به صدري وأن تستعمل به بدني فإنه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتينيه إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمساً أو سبعاً تجاب بإذن الله والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمناً قط. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالله ما لبث علي إلا خمساً أو سبعاً حتى جاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك المجلس فقال: يا رسول الله إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات ونحوهن فإذا قرأتهن على نفسي تفلتن وأنا أتعلم اليوم أربعين آية ونحوها فإذا قرأتهن على نفسي فكأنما كتاب الله بين عيني ولقد كنت أسمع الحديث فإذا رددته تفلت وأنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفاً فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند ذلك: مؤمن ورب الكعبة يا أبا الحسن). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم. سنن الترمذي مع شرحه التحفة 10/ 14 - 16.

وقد اختلف أهل الحديث في الحكم على هذا الحديث فحسنه الترمذي كما سبق إلا أن الشيخ الألباني ذكر أن الحافظ ابن عساكر قد نقل حكم الترمذي على الحديث دون لفظة حسن وكذلك الحافظ الضياء المقدسي ثم قال الألباني: [وهو الأقرب إلى الصواب واللائق بهذا الإسناد فإن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية كما سيأتي فهو علة الحديث وإن خفيت على كثير كالحاكم وغيره فإنه قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وتعقبه الذهبي بقوله: هذا حديث شاذ أخاف أن لا يكون كذا ولعل الصواب أن يكون موضوعاً وقد حيرني والله جودة سنده] السلسة الضعيفة 7/ 384 - 385. وقال المنذري عن هذا الحديث [طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جداً]. وقد عدَّه ابن الجوزي في الموضوعات وذكره الشوكاني في كتابه في الأحاديث الموضوعة ص42. وذكر الذهبي الحديثَ في سير أعلام النبلاء في ترجمة الوليد بن مسلم وساقه بطوله ثم قال: [هذا عندي موضوع والسلام] سير أعلام النبلاء 9/ 218. وقال الذهبي أيضاً معلقاً على تصحيح الحاكم للحديث: [هذا حديث منكر شاذ وقد حيرني والله جودة إسناده] وقال الذهبي أيضاً في الميزان بأنه حديث منكر جداً. انظر المصدر السابق الحاشية. وقد حكم الشيخ الألباني على الحديث بأنه منكر وتكلم عليه كلاماً طويلاً ثم قال: [وجملة القول أن هذا الحديث موضوع كما قال الذهبي في الميزان وقال أيضاً وهو من أنكر ما أتى به الوليد بن مسلم، وابن الجوزي ما أبعد عن الصواب حين أورده في الموضوعات ومن تعقبه فلم يأت بشيء يستحق النظر فيه] السلسلة الضعيفة 7/ 387 - 388. إذا تقرر هذا فإن الصحيح من أقوال العلماء أنه لا يجوز إثبات صلاة بناء على هذا الخبر الموضوع أو الضعيف جداً وخاصة أنه يثبت صلاة غريبة

التكبير في عيد الأضحى

والأصل في العبادات التلقي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطريق ثابت صحيح ولا يجوز شرعاً تخصيص وقت معين بعبادة معينة وبكيفية معينة بدون دليل شرعي صحيح وكذلك فإن في الحديث تخصيص ليلة الجمعة بعبادة خاصة وهذا يعارض ما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [وفي هذا الحديث النهي الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي ويومها بصوم كما تقدم وهذا متفق على كراهيته] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 211. ولا يصح العمل بهذا الحديث الموضوع على أساس أنه وارد في فضائل الأعمال لأن الحديث الموضوع لا يعمل به في فضائل الأعمال ولا غيرها، ولا يجوز أن ينسب إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وخلاصة الأمر أن الحديث المذكور لا يصح الاعتماد عليه لأنه موضوع أي مكذوب وصلاة الحفظ التي وردت فيه صلاة مبتدعة غير مشروعة. التكبير في عيد الأضحى يقول السائل: متى يبدأ التكبير في عيد الأضحى وما قولكم في التكبير الجماعي في المساجد وبعد الصلوات المكتوبة؟ الجواب: التكبير من شعائر الإسلام وهو مندوب إليه لقوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) سورة الحج الآية 28. ولقوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) سورة البقرة الآية 203. والأيام المعدودات هي أيام التشريق وأما الأيام المعلومات فهي العشر

الأوائل من ذي الحجة قال القرطبي: [وقد روي عن ابن عباس أن المعلومات العشر والمعدودات أيام التشريق وهو قول الجمهور] تفسير القرطبي 3/ 3. وقد رواه البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه -، صحيح البخاري مع الفتح 2/ 589. والتكبير عند العلماء في هذه الأيام على نوعين: مطلق ومقيد أما التكبير المطلق فيبدأ من أول شهر ذي الحجة في جميع الأوقات ولا يخص بمكان معين فقد ورد في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) رواه أحمد وصحح إسناده الشيخ أحمد محمد شاكر. ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس بإسناد جيد كما قال المنذري في الترغيب والترهيب. وقال الإمام البخاري في صحيحه: [وكان عمر - رضي الله عنه - يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً] صحيح البخاري مع الفتح 2/ 594. وروى البخاري بسنده عن محمد بن أبي بكر الثقفي قال: (سألت أنساً ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية: كيف كنتم تصنعون مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: كان يلبي الملبي لا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه). وأما التكبير المقيد فيكون بعد الصلوات المكتوبات وأرجح أقوال أهل العلم أنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق أي يكبر بعد ثلاث وعشرين صلاة مفروضة قال الحافظ ابن حجر: [وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى] فتح الباري 2/ 595. وإلى هذا ذهب الإمام أحمد والشافعي في أحد قوليه وهو قول عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم وإليه ذهب الثوري وابن عيينة وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة. الفتح الرباني 6/ 171. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قيل لأحمد رحمه الله بأي حديث

تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال: لإجماع عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم ولأن الله تعالى قال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) وهي أيام التشريق فتعين الذكر في جميعها ولأنها أيام يرمى فيها فكان التكبير فيها كيوم النحر. وقوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) والمراد به ذكر الله تعالى على الهدايا والأضاحي] المغني 2/ 292. وقال الإمام النووي: [واختارت طائفة من محققي الأصحاب المتقدمين والمتأخرين أنه يبدأ من صبح يوم عرفة ويختم بعصر آخر التشريق ممن اختاره أبو العباس بن سريج حكاه عنه القاضي أبو الطيب في المجرد وآخرون قال البندنيجي هو اختيار المزني وابن سريج قال الصيدلاني والروياني وآخرون وعليه عمل الناس في الأمصار واختاره ابن المنذر والبيهقي وغيرهما من أئمة أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث وهو الذي اختاره واحتج له البيهقي بحديث مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفات كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (كان يهلل المهلل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه) رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر قال (كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غداة عرفة فمنا المكبر ومنا المهلل فأما نحن فنكبر) رواه مسلم وقال البيهقي وروى في ذلك عن عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم ثم ذكر ذلك بأسانيده وأنهم كانوا يكبرون من الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق قال البيهقي وقد روي في ذلك حديث مرفوع لا يحتج بمثله ثم ذكر بإسناده عن عمرو بن شمر عن جابر يعني الجعفي عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر يوم عرفة من صلاة الغداة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق) قال البيهقي عمرو بن شمر وجابر الجعفي لا يحتج بهما وفي رواية الثقات كفاية هذا كلام البيهقي. وروى الحاكم في المستدرك عن علي وعمار رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم وكان يقنت في صلاة الفجر وكان يكبر يوم عرفة

من صلاة الصبح ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق) قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد لا أعلم من رواته منسوباً إلى الجرح قال وقد روي في الباب عن جابر بن عبد الله وغيره فأما من فعل عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم فصحيح عنهم التكبير من صبح عرفة إلى عصر آخر التشريق وروى البيهقي هذا الحديث الذي رواه الحاكم بإسناد الحاكم ثم قال وهذا الحديث مشهور بعمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل وكلا الإسنادين ضعيف هذا كلام البيهقي وهو أتقن من شيخه الحاكم وأشد تحرياً. قال أصحابنا ويكبر خلف الصبح أو العصر التي هي الغاية بلا خلاف] المجموع للنووي 5/ 34 - 36. وروى ابن أبي شيبة بسنده عن علي - رضي الله عنه - أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. وروى أيضاً بسنده عن الأسود قال كان عبد الله - ابن مسعود - رضي الله عنه - يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من النحر يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وروى أيضاً بسنده عن الضحاك أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. وروى أيضاً بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق لا يكبر في المغرب يقول الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر وأجل الله أكبر ولله الحمد. وروى أيضاً بسنده عن علقمة أنه كان يكبر يوم عرفة من صلاة الفجر حتى صلاة العصر من يوم النحر. وروى أيضاً بسنده عن إبراهيم قال كانوا يكبرون يوم عرفة وأحدهم مستقبل القبلة في دبر الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وروى أيضاً بسنده عن أبي الأحوص عن عبد الله أنه كان يكبر أيام التشريق الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وروى أيضاً بسنده عن شريك قال: قلت لأبي إسحاق كيف كان يكبر علي وعبد الله قال: كانا يقولان: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وروى أيضاً بسنده أن الحسن كان يكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاث مرات وروى أيضاً بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه كان يقول: الله أكبر كبيراً الله أكبر كبيراً الله أكبر وأجل الله أكبر ولله الحمد. مصنف ابن أبي شيبة 2/ 165 - 168. ويؤخذ من هذه الروايات أيضاً صيغ التكبيرة الواردة عن السلف. قال الحافظ ابن حجر: [وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان - رضي الله عنه - قال: (كبروا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً) ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي في كتاب العيدين من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم وهو قول الشافعي وزاد ولله الحمد. وقيل يكبر ثلاثاً ويزيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له. إلخ. وقيل يكبر ثنتين بعدهما لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد جاء ذلك عن عمر وعن ابن مسعود نحوه وبه قال أحمد وإسحاق وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها] فتح الباري 2/ 595. والتكبير مشروع للنساء أيضاً فقد قال الإمام البخاري: [وكانت ميمونة تكبر يوم النحر وكذا النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد. وروى البخاري بسنده عن أم عطية رضي الله عنها قالت كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها حتى تخرج الحيض فيكبرن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته].

وقال الإمام مالك: [والتكبير في أيام التشريق على الرجال والنساء] الموطأ 1/ 323. قال الإمام النووي: [فرع في مذاهبهم في تكبير النساء في هذه الأيام - أيام التشريق - خلف الصلوات مذهبنا استحبابه لهن وحكاه ابن المنذر عن مالك وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور] المجموع 5/ 40. وأما التكبير الجماعي فإن الآثار الواردة عن الصحابة وغيرهم من السلف أنه كان يقع جماعياً أي أنه وجد جماعة من الناس يكبرون في وقت واحد فقد سبق في كلام الإمام البخاري: [وكان عمر - رضي الله عنه - يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً]. وقوله ترتج أي تضطرب وتتحرك وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 2/ 595. وهذا فيه دلالة واضحة على أن التكبير كان يقع بشكل جماعي. وكذلك فقد قال الإمام البخاري: [وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما] صحيح البخاري مع الفتح 2/ 589. وكذلك فإن ما ورد في حديث أم عطية السابق وفيه: [فيكبرن بتكبيرهم] يدل على أن التكبير كان يقع جماعياً، ويؤيده ما سبق في كلام الإمام البخاري: [وكنَّ - النساء - يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد]. ويدل على ذلك ما رواه مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئاً فكبر فكبر الناس بتكبيره ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبر فكبر الناس بتكبيره ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمس فكبر فكبر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت] الموطأ 1/ 323. وذكر الحافظ ابن عبد البر عن عبيد بن عمير قوله كان عمر يكبر في قبته بمنى فكبر أهل المسجد ويكبر أهل الأسواق فيملأون منى تكبيراً. الاستذكار 13/ 171 - 172.

وخلاصة الأمر أن التكبير مشروع من أول يوم من ذي الحجة مطلقاً ومشروع مقيداً عقب الصلوات الخمس من فجر يوم عرفة حتى عصر اليوم الأخير من أيام التشريق والتكبير مشروع للرجال والنساء ويجوز أن يقع بشكل جماعي.

صلاة الجنازة

صلاة الجنازة

يجوز تغسيل الميت بالماء المسخن بالسخان الشمسي

يجوز تغسيل الميت بالماء المسخن بالسخان الشمسي يقول السائل: مات عندنا شخص وعند تغسيله قال بعض الحاضرين لا يجوز تغسيل الميت بالماء المسخن بالسخان الشمسي فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا حرج في تغسيل الميت بالماء المسخن بالسخان الشمسي أو غيره من وسائل تسخين الماء ولم يرد في الشرع ما يمنع ذلك وما ورد من أحاديث وآثار في منع استعمال الماء المسخن أو المشمس وهو الذي يسخن عن طريق الشمس فكلها باطلة لا تصح ولا تثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن هذه الأحاديث الباطلة ما روي أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عائشة رضي الله عنها عن تشميس الماء وقال لها: (لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص) فهذا الحديث مكذوب وفي سنده كذاب كما ذكره أهل الحديث. انظر التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر 1/ 20. وقد ذكر ابن الجوزي حديث عائشة في الموضوعات أي الأحاديث المكذوبة. انظر نصب الراية 1/ 102. ومثله ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (نهى رسول الله أن نتوضأ بالماء المشمس أو نغتسل فيه) وفيه راو يضع الحديث كما قال ابن حبان انظر التلخيص الحبير 1/ 21. ومثله ما روي عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تغتسلوا بالماء الذي يسخن في الشمس فإنه يعدي من

لا يصلى على العضو المقطوع من الإنسان الحي

البرص) وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات. المصدر السابق 1/ 21. وقال العقيلي: لا يصح في الماء المشمس حديث مسند. انظر نصب الراية 1/ 103. وذكر الشوكاني أحاديث الماء المشمس في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص8. وحكم الألباني على حديث عائشة في الماء المشمس بأنه موضوع أي مكذوب وذكر طرقه وفصل الكلام عليها في كتابه إرواء الغليل 1/ 50 - 54. وخلاصة الأمر أنه يجوز تغسيل الميت بالماء المسخن بالسخان الشمسي وغيره ولا كراهة في ذلك. لا يُصلَّى على العضو المقطوع من الإنسان الحي يقول السائل: إن الأطباء قد قطعوا رِجْلَ أحد المرضى فماذا نصنع بالرِجْلِ المقطوعة؟ الجواب: إذا قطع عضو من إنسان حي كيدٍ أو رِجلٍ أو غير ذلك فإنه ينبغي دفن العضو المقطوع إما في المقبرة أو في أرض طاهرة ولا يجوز رميه مع النفايات والزبالة لأن الإنسان مكرم حياً وميتاً وكذلك ما قطع من أعضاء الإنسان فيجب تكريمها وقد قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) سورة الإسراء الآية 70. ولا يغسل العضو المقطوع ولا يصلى عليه بل يلف في خرقة ويدفن. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يستحب دفن كل عضو يبان من الإنسان الحي كالشعر والأظافر والدم وقد روي في ذلك أحاديث لا تثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويستحب دفن ما قلم من أظفاره أو ما أزال من شعره لما روى الخلال بإسناده عن ميل بنت مشرح

ما يصنع بأعضاء الميت إذا قطع جسده إلى أجزاء

الأشعرية قالت: (رأيت أبي يقلم أظفاره ويدفنها ويقول: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل ذلك. وعن ابن جريج عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (كان يعجبه دفن الدم) وقال مهنا: سألت أحمد عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره: أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه قلت: بلغك فيه شيء؟ قال: كان ابن عمر يدفنه ورويناه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه أمر بدفن الشعر والأظفار وقال: لا يتلاعب به سحرة بني آدم] المغني 1/ 66. وقال الإمام النووي: [يستحب دفن ما أخذ من هذه الشعور والأظفار ومواراته في الأرض نقل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما واتفق عليه أصحابنا] المجموع 1/ 289 - 290. وقال الإمام النووي أيضاً: [ونقل المتولي رحمه الله الاتفاق على أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، فقال: لا خلاف أن اليد المقطوعة في السَّرقة والقِصاص لا تغسل ولا يُصلَّى عليها، ولكن تلفُّ في خِرقة وتدفن وكذا الأظفار المقلومة والشَّعَر المأخوذ من الأحياء لا يصلَّى على شيء منها، لكن يستحَبُّ دفنها] المجموع 5/ 254 وقال الإمام النووي أيضاً: [والدفن لا يختصُّ بعضو مَنْ عُلِمَ موته، بل كل ما ينفصل من الحيِّ من عضو وشعر وظُفُر وغيرهما من الأجزاء يستحَبُّ دفنُه، وكذلك تُوارَى العَلَقة والمُضغة تُلقيهما المرأة، وكذا يُواري دم الفَصْد] المصدر السابق. وخلاصة الأمر أن العضو المقطوع من الإنسان الحي لا يُصلى عليه ولكن يدفن ولا يُرمى مع القاذورات ولا يصح الاحتفاظ به حتى يدفن مع صاحبه عند موته. ما يُصنع بأعضاء الميت إذا قطع جسده إلى أجزاء يقول السائل: إذا مات إنسان في حادث وقطع جسده إلى أجزاء ووجد بعض أعضائه دون بعض فهل تغسل هذه الأعضاء وهل يصلى عليها؟ الجواب: إذا وجدت بعض أعضاء الميت دون بعض فيغسل ما يمكن غسله من هذه الأعضاء وتلف في خرقة ويصلى عليها وتدفن في المقبرة.

حكم الصلاة على الجنين الذي يسقط قبل تمام الحمل

وإذا لم يمكن غسل الميت نظراً لتقطعه أو تهشم جسمه فحينئذ ييمم لأن هذا هو المستطاع وقد قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) سورة التغابن الآية 16. ومن أهل العلم من قال يغسل أي عضو وجد من الميت ومنهم من قال إن وجد أكثر جسم الميت يغسل وإلا فلا، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فإن لم يوجد إلا بعض الميت فالمذهب: أنه يغسل ويصلى عليه وهو قول الشافعي ونقل ابن منصور عن أحمد: أنه لا يصلى على الجوارح - أي الأعضاء - قال الخلال: ولعله قول قديم لأبي عبد الله. والذي استقر عليه قول أبي عبد الله: أنه يصلي على الأعضاء. وقال أبو حنيفة ومالك: إن وجد الأكثر صُليَ عليه وإلا فلا. لأنه بعض لا يزيد على النصف فلم يصل عليه كالذي بان في حياة صاحبه والشعر والظفر. ولنا: إجماع الصحابة رضي الله عنهم. قال أحمد: صلى أبو أيوب على رِجل وصلى عمر على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رؤوس بالشام رواهما عبد الله بن أحمد بإسناده. وقال الشافعي: ألقى طائر يداً بمكة من واقعة الجمل فعرفت بالخاتم وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فصلى عليها أهل مكة وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم نعرف من الصحابة مخالفاً في ذلك ولأنه بعض من جملة تجب الصلاة عليها فيصلى عليه كالأكثر وفارق ما بان في الحياة. لأنه من جملة لا يصلى عليها والشعر والظفر لا حياة فيه] المغني 2/ 401 - 402. وانظر المجموع للنووي 5/ 253. وخلاصة الأمر أنه إن أمكن غسل أجزاء الميت فهو الأصل وإن لم يمكن فلا حرج ويصلى عليها وتدفن في المقبرة حكم الصلاة على الجنين الذي يسقط قبل تمام الحمل يقول السائل: هل يُصلى على الجنين الذي يسقط قبل تمام الحمل؟ الجواب: اتفق أهل العلم على أن صلاة الجنازة مشروعة على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى صغيراً كان أو كبيراً.

وأما الجنين الذي سقط قبل تمام أربعة أشهر فهذا لا يصلى عليه بلا خلاف عند أهل العلم ذكره الإمام النووي في المجموع 5/ 258. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما من لم يأت له أربعة أشهر فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه ويلف في خرقة ويدفن ولا نعلم فيه خلافاً إلا عن ابن سيرين فإنه قال: يصلى عليه إذا علم أنه نفخ فيه الروح وحديث الصادق المصدوق يدل على أنه لا ينفخ فيه الروح إلا بعد أربعة أشهر وقبل ذلك فلا يكون نسمة فلا يصلى عليه كالجمادات والدم] المغني 2/ 389. وأما السقط بعد تمام أربعة أشهر فيصلى عليه لما ورد في الحديث عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنهم - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها والطفل يصلى عليه) رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: [هذا حديث صحيح. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم قالوا يصلى على الطفل وإن لم يستهل بعد أن يعلم أنه خلق وهو قول أحمد وإسحق] سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/ 102. وجاء في رواية أخرى للحديث السابق: (السقط يصلى عليه) رواه أحمد وأبو داود وهي رواية صحيحة كما قال الألباني في أحكام الجنائز ص80 ....... وقال المجد ابن تيمية: [قلت وإنما يصلى عليه إذا نفخت فيه الروح وهو أن يستكمل أربعة أشهر فأما إن سقط لدونها فلا لأنه ليس بميت إذ لم ينفخ فيه روح وأصل ذلك حديث ابن مسعود - رضي الله عنهم - قال: حدثنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الصادق المصدوق: (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح)] نيل الأوطار 4/ 53. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي - شارحاً قول الخرقي: والسقط إذا ولد لأكثر من أربعة أشهر غُسِّلَ وصُليَ عليه - قال: [السقط: الولد تضعه

المرأة ميتاً أو لغير تمام فأما إن خرج حياً واستهل فإنه يغسل ويصلى عليه بغير خلاف قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل يصلى عليه وإن لم يستهل قال أحمد: إذا أتى له أربعة أشهر غسل وصلي عليه. هذا قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وإسحق وصلى ابن عمر على ابن لابنته ولد ميتاً] المغني 2/ 389. وقال الشيخ الألباني: [والظاهر أن السقط إنما يصلى عليه إذا كان قد نفخت فيه الروح وذلك إذا استكمل أربعة أشهر ثم مات فأما إذا سقط قبل ذلك فلا لأنه ليس بميت كما لا يخفى] أحكام الجنائز ص81. وقد أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن السؤال التالي: [كثيراً ما يحدث في بعض المستشفيات أن تسقط بعض النساء الأجنة في الشهر الخامس ولكن لا نعلم مصير هذه الأجنة هل تدفن ويصلى عليها أم ترمى مع النفايات؟ نرجو التكرم بالتحقق في الموضوع وإفادتنا هل يصلى على الجنين بعد نفخ الروح فيه بعد غسله وهل يسمى؟ ...... الجواب: إذا كان الواقع كما ذكر من إسقاط المرأة الجنين في الشهر الخامس من حملها غسل الجنين وكفن وصلي عليه ويسن أن يعق عنه كما يفعل بالكبير من المسلمين ودفن في مقابر المسلمين وسمي] فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 407. وقد اشترط جماعة من العلماء للصلاة على السقط بعد أربعة أشهر أن يستهل أي أن يصرخ واحتجوا بما روي في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا استهل السقط غسل وصلي عليه.) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي وإسناده ضعيف كما قال الإمام النووي في المجموع 5/ 255. وضعفه الألباني أيضاً فقال: [ولكنه حديث ضعيف لا يحتج به] أحكام الجنائز ص81. وخلاصة الأمر أن السقط إذا لم يكمل أربعة أشهر فلا يصلى عليه ولكن يجب دفنه فيلف في خرقة ويدفن وأما إن أتم أربعة أشهر فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن .......

حكم وضع الميت أمام المصلين

حكم وضع الميت أمام المصلين يقول السائل: أحضرت جنازة امرأة إلى المسجد للصلاة عليها فوضعت الجنازة في القبلة وصلى المصلون صلاة الظهر وهي أمامهم ثم صلوا على الجنازة فاعترض بعض المصلين على وجود الجنازة أمامهم أثناء صلاة الظهر فما حكم ذلك؟ الجواب: تصح الصلاة على الجنازة داخل المسجد وخارجه على الراجح من أقوال أهل العلم كما سيأتي في السؤال التالي، وأما وضع الميت أمام المصلين في صلاة الجماعة فلا بأس في ذلك وإن كان الميت امرأة ولا أثر لذلك على صحة صلاة المصلين وقد ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت (إن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة) رواه مسلم. فهذا الحديث يدل على جواز الصلاة إلى المرأة وهي نائمة في قبلة المصلي وإذا كان هذا يجوز وهي على قيد الحياة فمن باب أولى أنه يجوز وهي ميتة وخاصة أن عائشة شبهت نفسها بالجنازة ففي ذلك إشارة إلى جواز الصلاة والجنازة في قبلة المصلي ....... حكم الصلاة على الجنازة داخل المسجد يقول السائل: اعتاد المصلون في المسجد الذي نصلي فيه أن يصلوا على الجنازة خارج المسجد وقد رغب بعض المصلين في نقل صلاة الجنازة إلى داخل المسجد ليكثر عدد المصلين على الجنازة حيث إننا نلاحظ قلة المصلين على الجنازة عندما تكون خارج المسجد فما قولكم في ذلك؟ الجواب: ثبت من هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يصلي على الجنائز في مكان خاص يقال له مصلى الجنائز وكان خارج المسجد النبوي من جهة الشرق وثبت أيضاً أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي على الجنائز داخل المسجد النبوي فكلا الأمرين جائز ولا بأس به.

ومما يدل على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي على الجنازة في مصلى الجنائز ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد ثم ذكر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على النجاشي وفيه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صف بهم بالمصلى فكبر عليه أربعاً. ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاءوا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل منهم وامرأة زنيا فأمر بهما فرجما قريباً من موضع الجنائز عند المسجد. قال الحافظ ابن حجر: [ودل حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليها] فتح الباري 3/ 254. ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقاً بمسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ناحية جهة الشرق. المصدر السابق. ومما يدل على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان له مصلى للجنائز خارج المسجد ما جاء في الحديث عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: (كنا جلوساً بفناء المسجد حيث توضع الجنائز ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس بين ظهرانينا.) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في أحكام الجنائز ص107 ....... ويدل على ذلك أيضاً ما جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: مات رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه ووضعناه لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ثم آذنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصلاة عليه فجاء معنا فتخطى ثم قال: لعل على صاحبكم ديناً؟ قالوا: نعم ديناران. فتخلف قال: صلوا على صاحبكم. فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة: يا رسول الله هما عليَّ فجعل رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: هما عليك وفي مالك والميت منهما بريء؟ فقال: نعم فصلى عليه فجعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا لقي أبا قتادة يقول: - وفي رواية ثم لقيه من الغد- فقال: ما صنعت الديناران؟ قال: يا رسول الله إنما مات أمس حتى كان

آخر ذلك وفي الرواية الأخرى: ثم لقيه من الغد فقال: ما فعل الديناران؟ قال: قد قضيتهما يا رسول الله قال الآن حين بردت عليه جلده. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه أحمد بإسناد حسن كما قال الهيثمي. انظر أحكام الجنائز ص 16 ....... وأما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد صلى على الجنائز داخل المسجد فيدل عليه ما جاء في الحديث أن عائشة رضي الله عنها أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه فأنكر الناس ذلك عليها فقالت: ما أسرع ما نسي الناس ما صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سهيل ابن البيضاء إلا في المسجد. رواه مسلم. وفي رواية أخرى لمسلم عن عائشة أنها لما توفي سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أرسل أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد وما صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سهيل ابن بيضاء إلا في جوف المسجد. وفي رواية ثالثة لمسلم أن عائشة لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت: ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه فأنكر ذلك عليها فقالت: والله لقد صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه. صحيح مسلم مع شرح النووي 3/ 33 - 35. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد إذا لم يخف تلويثه وبهذا قال الشافعي وإسحاق وأبو ثور وداود] المغني 3/ 368 ....... وقال النووي: [الصلاة على الميت في المسجد صحيحة جائزة لا كراهة فيها] المجموع 5/ 213. وبناء على ما تقدم يظهر لنا أن صلاة الجنازة تجوز في المسجد بلا كراهة وتجوز خارج المسجد أيضاً. وأما ما ذهب إليه بعض أهل العلم من كراهة الصلاة على الجنازة داخل المسجد أخذاً مما

روي في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له) رواه أبو داود وفي رواية لابن ماجة: (فليس له شيء) وفي رواية أخرى: (فلا أجر له). فقد اختلف أهل العلم في هذا الحديث اختلافاً كثيراً والجمهور على أنه حديث ضعيف وإن صح فمؤول كما سيأتي. قال الحافظ ابن عبد البر عن رواية (فلا أجر له) إنها خطأ لا إشكال فيه. فتح المالك 4/ 307. وقال الحافظ ابن عبد البر أيضاً: [وفي هذا الباب عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثان: أحدهما حديث عائشة هذا والثاني حديث يروى عن أبي هريرة لا يثبت عنه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له). وقد يحتمل قوله في حديث أبي هريرة هذا: (فلا شيء له) أي فلا شيء عليه. كما قال عز وجل: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) سورة الإسراء الآية 7 بمعنى عليها. وسئل أحمد بن حنبل وهو إمام أهل الحديث والمقدم في معرفة علل النقل فيه عن الصلاة على الجنازة في المسجد؟ فقال: لا بأس بذلك وقال بجوازه. فقيل: فحديث أبي هريرة؟ فقال: لا يثبت أو قال: حتى يثبت. ثم قال: رواه صالح مولى التوأمة وليس بشيء فيما انفرد به. فقد صحح أحمد بن حنبل السنة في الصلاة على الجنائز في المسجد وقال بذلك. وهو قول الشافعي وجمهور أهل العلم وهي السنة المعمول بها في الخليفتين بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلَّى عمر على أبي بكر الصديق في المسجد وصلَّى صهيب على عمر في المسجد ...... بمحضر كبار الصحابة وصدر السلف من غير نكير وما أعلم من ينكر ذلك إلا ابن أبي ذئب. ورويت كراهية ذلك عن ابن عباس من وجوه لا تصح ولا تثبت وعن بعض أصحاب مالك ورواه عن مالك. وقد روي عنه جواز ذلك من رواية أهل المدينة وغيرهم] الاستذكار 8/ 273 - 274. وقال الإمام النووي عن رواية (فلا شيء له) ضعفه الحفاظ منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر ابن المنذر والخطابي والبيهقي قالوا: وهو من أفراد صالح مولى التوأمة وهو مختلف في عدالته معظم ما عابوا عليه الاختلاط قالوا وسمع ابن أبي ذئب منه قبل الاختلاط] خلاصة الأحكام 2/ 966.

وقال الإمام النووي في موضع آخر: [وأما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فجوابه من أوجه أحدها: أنه ضعيف باتفاق الحفاظ وممن نص على ضعفه الإمام أحمد بن حنبل وأبو بكر بن المنذر والبيهقي وآخرون قال أحمد هذا الحديث مما انفرد به صالح مولى التوأمة وهو مختلف في عدالته لكن معظم ما عابوا عليه الاختلاط قالوا وسماع ابن أبي ذئب ونحوه منه قبل الاختلاط وهذا الحديث من رواية ابن أبي ذئب عنه والله أعلم والوجه الثاني إن الذي ذكره أبو داود في روايته في جميع نسخ كتابه المعتمدة (فلا شيء عليه) وعلى هذا لا دلالة فيه لو صح وأما رواية (فلا شيء له) فهي مع ضعفها غريبة ولو صحت لوجب حملها على (فلا شيء عليه) للجمع بين الروايات وقد جاء مثله في القرآن كقوله: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) أي فعليها. الثالث: أجاب به الخطابي وسائر أصحابنا في كتب المذهب أنه لو ثبت لكان محمولاً على نقصان الأجر لأن المصلي عليها في المسجد ينصرف غالباً إلى أهله ومن صلى عليها في الصحراء حضر دفنها غالباً فنقص أجر الأول ويكون التقدير فلا أجر كامل له كقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا صلاة بحضرة الطعام) أي لا صلاة كاملة] المجموع 5/ 214 ....... وقد احتج جماعة من أهل العلم برواية (فلا شيء له) ومنهم العلامة ابن القيم: [وهذا الحديث حسن فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه وسماعه منه قديم قبل اختلاطه فلا يكون اختلاطه موجباً لرد ما حدث به قبل الاختلاط وقد سلك الطحاوي في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا وحديث عائشة مسلكاً آخر فقال: صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سهيل ابن بيضاء في المسجد منسوخة وترك ذلك آخر الفعلين من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدليل إنكار عامة الصحابة ذلك على عائشة وما كانوا ليفعلوه إلا لما علموا خلاف ما نقلت. ورد ذلك على الطحاوي جماعة منهم: البيهقي وغيره قال البيهقي: ولو كان عند أبي هريرة - رضي الله عنه - نسخ ما روته عائشة لذكره يوم صلي على أبي بكر الصديق في المسجد ويوم صلي على عمر بن الخطاب في المسجد ولذكره من أنكر على عائشة أمرها بإدخاله المسجد ولذكره أبو هريرة حين روت فيه الخبر وإنما أنكره من لم يكن له معرفة بالجواز فلما

روت فيه الخبر سكتوا ولم ينكروه ولا عارضوه بغيره. قال الخطابي: وقد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما صلي عليهما في المسجد ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما وفي تركهم الإنكار الدليل على جوازه. قال: ويحتمل أن يكون معنى حديث أبي هريرة إن ثبت متأولاً على نقصان الأجر. وذلك أن من صلى عليها في المسجد فالغالب أنه ينصرف إلى أهله ولا يشهد دفنه وان من سعى إلى الجنازة فصلى عليها بحضرة المقابر شهد دفنه وأحرز أجر القيراطين وقد يؤجر أيضاً على كثرة خطاه وصار الذي يصلي عليه في المسجد منقوص الأجر بالإضافة إلى من يصلي عليه خارج المسجد. وتأولت طائفة معنى قوله: (فلا شيء له) أي فلا شيء عليه ليتحد معنى اللفظين ولا يتناقضان كما قال تعالى: (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) سورة الإسراء الآية 7. أي فعليها. فهذه طرق الناس في هذين الحديثين. والصواب ما ذكرناه أولاً وأن ...... سنته وهديه الصلاة على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر وكلا الأمرين جائز والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد. والله أعلم] زاد المعاد 1/ 501 - 502. وانظر أيضاً السلسلة الصحيحة 5/ 462 حيث فصل الشيخ الألباني الكلام على الحديث وقواه واحتج به ولكنه يرى جواز الصلاة في المسجد والأفضل في مصلى الجنائز وانظر أحكام الجنائز له ص106 وخلاصة الأمر أن صلاة الجنازة داخل المسجد صحيحة بلا كراهة لثبوت ذلك عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا تقرر هذا فأعود إلى السؤال فأقول إن كان نقل الصلاة على الجنازة من خارج المسجد إلى داخله يؤدي إلى زيادة عدد المصلين عليها فهذا وجه معتبر شرعاً لأنه كلما كثر المصلون على الجنازة كان أفضل للميت وأنفع له فقد ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شفعوا فيه) رواه مسلم. وعن كريب مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان فقال: يا كريب انظر ما اجتمع له الناس قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال: تقول: هم أربعون قال: نعم قال: أخرجوه فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

السهو في صلاة الجنازة

يقول: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) رواه مسلم. وعن مالك بن هبيرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا غفر له) رواه أحمد والبيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه النووي في المجموع 5/ 212 وغير ذلك من الأحاديث ....... السهو في صلاة الجنازة يقول السائل: سها الإمام في صلاة الجنازة فسلَّم بعد التكبيرة الثالثة فسبح بعض المصلين فجاء الإمام بالتكبيرة الرابعة ولكن بعض المصلين أعادوا صلاة الجنازة مرة ثانية فما الحكم في ذلك؟ الجواب: اتفق جماهير أهل العلم على أن صلاة الجنازة أربع تكبيرات وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربعاً) رواه البخاري ومسلم. وعن جابر - رضي الله عنهم - (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على أصحمة النجاشي فكبر أربعاً) رواه البخاري ومسلم. وعن يزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - قال: (خرجنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فلما ورد البقيع فإذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقالوا: فلانة مولاة بني فلان قال: فعرفها وقال: ألا آذنتموني بها؟ قالوا: ماتت ظهراً وكنت قائلاً صائماً فكرهنا أن نؤذيك قال: فلا تفعلوا لا أعرفن ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه رحمة ثم أتى القبر فصففنا خلفه فكبر عليه أربعاً) أخرجه النسائي، وابن ماجة وابن حبان والبيهقي وإسناده صحيح على شرط مسلم قاله الألباني في أحكام الجنائز ص 89 وغير ذلك من الأحاديث.

قال الحافظ ابن عبد البر: [اختلف السلف في عدد التكبير على الجنازة ثم اتفقوا على أربع تكبيرات وما خالف ذلك شذوذ يشبه البدعة والحدث. حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا ابن وضاح قال: حدثنا موسى بن معاوية عن وكيع عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال: جمع عمر الناس فاستشارهم في التكبير على الجنازة وجمعهم على أربع تكبيرات قال: وحدثنا وكيع عن مسعر عن عبد الملك الشيباني عن إبراهيم قال: اجتمع أصحاب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيت أبي مسعود فأجمعوا على أن التكبير أربع] فتح المالك 4/ 288 ....... ثم قال الحافظ ابن عبد البر: [وما جمع عمر عليه الناس أصح وأثبت مع صحة السنن فيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كبر أربعاً وهو العمل المستفيض بالمدينة ومثل هذا يحتج فيه بالعمل لأنه قلَّ يوم أو جمعة إلا وفيه جنازة وعليه الجمهور وهم الحجة وبالله التوفيق] المصدر السابق 4/ 290. إذا تقرر هذا فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجنازة أربع تكبيرات واتفقت المذاهب الأربعة على أن التكبيرات الأربع ركن من أركان صلاة الجنازة لا تصح الصلاة بدونها. وبناء على ذلك فإن تركت تكبيرة من الأربع عمداً فقد بطلت الصلاة وأما إن سها الإمام فسلم بعد الثالثة كما في السؤال فإنه يسبح له ليرجع فيكبر الرابعة فإن لم يرجع الإمام كبر المأمومون الرابعة وسلموا لأنفسهم. قال الإمام البخاري: [باب التكبير على الجنازة أربعاً وقال حميد صلى بنا أنس - رضي الله عنهم - فكبر ثلاثاً ثم سلم فقيل له فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم] صحيح البخاري مع الفتح 3/ 257. وروى عبد الرزاق بسنده عن قتادة عن أنس أنه كبر على جنازة ثلاثاً ثم انصرف ناسياً فتكلم وكلم الناس فقالوا: يا أبا حمزة: إنك كبرت ثلاثاً قال: فصفوا ففعلوا فكبر الرابعة] مصنف عبد الرزاق 3/ 486. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وذكر الفزاري عن حميد عن أنس أنه

صلى على جنازة فكبر ثلاثاً ثم سلَّم فقيل له: إنما كبرت ثلاثاً فاستقبل القبلة فكبر الرابعة ثم سلم] فتح المالك 4/ 289 - 290. وورد في الفتاوى الهندية نقلاً عن الفتاوى التتارخانية: [ولو سلَّم الإمام بعد الثالثة ناسياً كبر الرابعة ويسلم] الفتاوى الهندية 1/ 165 ....... وقال الدسوقي المالكي: [إن الإمام إذا سلَّم عن أقل من أربع تكبيرات فإن مأمومه لا يتبعه بل إن كان نقص ساهياً سبح له فإن رجع وكمل سلموا معه وإن لم يرجع وتركهم كبروا لأنفسهم وصحت صلاتهم مطلقاً تنبه عن قرب وكمل صلاته أم لا. وقيل إن لم يتنبه عن قرب فإن صلاتهم تبطل تبعاً لبطلان صلاة الإمام والأول هو المعتمد وإن كان نقص عمداً وهو يراه مذهباً لم يتبعوه وأتوا بتمام الأربع وصحت لهم وله وإن كان لا يراه مذهباً بطلت عليهم ولو أتوا برابعة تبعاً لبطلانها على الإمام وحينئذ فتعاد ما لم تدفن فإن دفنت صلي على القبر على ما قال المصنف.] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 411. ولا أوافقه في إبطال صلاة المأمومين ببطلان صلاة الإمام. وينبغي أن يعلم أن أهل العلم قد اتفقوا على أنه لا يشرع سجود السهو في صلاة الجنازة؛ لأن صلاة الجنازة لا ركوع ولا سجود فيها. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وروي عن ابن عباس أنه كبر على الجنازة ثلاثاً ولم يعجب ذلك أبا عبد الله وقال: قد كبر أنس ثلاثاً ناسياً فأعاد ولأنه خلاف ما نقل عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولأن الصلاة الرباعية إذا نقص منها ركعة بطلت كذلك هاهنا فإن نقص منها تكبيرة عامداً بطلت كما لو ترك ركعة عمداً وإن تركها سهواً احتمل أن يعيدها كما فعل أنس ويحتمل أن يكبرها ما لم يطل الفصل كما لو نسي ركعة ولا يشرع لها سجود سهو في الموضعين] المغني 2/ 385. وخلاصة الأمر أن الإمام في صلاة الجنازة إذا سها فسلَّم قبل الرابعة فإنه ينبغي أن يعود ويأتي بما فاته من التكبير إن لم يطل الفصل فإن طال الفصل فتجب إعادة صلاة الجنازة لأن الأولى باطلة .......

يجوز للزوجة أن تودع زوجها الميت

يجوز للزوجة أن تودع زوجها الميت يقول السائل: هل يجوز للزوجة أن تودع زوجها الميت بأن تقبله بعد غسله وتكفينه؟ الجواب: يجوز للمرأة أن تودع زوجها الميت بتقبيله بعد غسله وتكفينه وكذلك يجوز للزوج أن يودع زوجته الميتة ولا يصح كلام العامة أن ذلك ناقض لوضوء الميت فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير نسائه) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم وحسنه الألباني في إرواء الغليل 3/ 162. وجاء في حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: (رجع إليَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي وأقول: وارأساه فقال: بل أنا وارأساه ما ضرك لو مت قبلي وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك) رواه أحمد وابن ماجة وغيرهما وفيه كلام لأهل الحديث وصححه الألباني في إرواء الغليل 3/ 160. وجاء في الحديث عن أسماء بنت عميس قالت: غسلَّت أنا وعليٌ فاطمةَ بنتَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الحافظ ابن حجر وحسنه الألباني أيضاً في إرواء الغليل 3/ 162. وقد قال بمقتضى هذه الأحاديث جماهير أهل العلم قال الإمام النووي: [نقل ابن المنذر في كتابيه الإجماع والإشراف والعبدري وآخرون إجماع المسلمين أن للمرأة غسل زوجها وقد قدمنا رواية عن أحمد بمنعه وأما غسله زوجته فجائز عندنا وعند جمهور العلماء حكاه ابن المنذر عن علقمة وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود وسليمان ابن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن وقتادة وحماد بن أبي سليمان ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحق وهو مذهب عطاء وداود وابن المنذر] المجموع 5/ 149 - 150. وكذلك فقد وردت أحاديث ثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تقبيل الميت منها حديث عائشة وابن عباس (أن أبا بكر - رضي الله عنه - قبَّل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد

موته) رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قبَّل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عثمانَ بن مظعون وهو ميت فكأني أنظر إلى دموعه تسيل على خديه) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 246. وخلاصة الأمر أنه يجوز للمرأة أن تودع زوجها الميت وكذا يجوز للزوج أن يودع زوجته الميتة .......

الزكاة

الزكاة

زكاة المال المشترك

زكاة المال المشترك يقول السائل: إنه قد اشترك مع عدد من الأشخاص في محل تجاري ودفع كل واحد منهم مبلغاً من المال فكيف يزكون أموالهم؟ الجواب: الأصل أن الزكاة تجب على المكلف في ماله فإذا ملك نصاباً وحال عليه الحول وتحققت شروط وجوب الزكاة في ماله زكاه. وبالنسبة للمال المشترك فكل واحد من الشركاء يحسب نصيبه من الشركة وما تحقق له من ربح في المحل التجاري ويضمه إلى ما لديه من أموال أخرى فإن تحققت فيه شروط وجوب الزكاة وجب عليه إخراجها. وقد أخذ بهذا القول مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة فقرر أنه في الشركات التي يساهم فيها عدد من الأفراد لا ينظر في تطبيق أحكام الزكاة إلى مجموع أرباح الشركات وإنما ينظر إلى ما يخص كل شريك على حدة. ومن العلماء من يرى أن تعامل الشركة معاملة الشخص الواحد أي شخصية اعتبارية فتخرج الزكاة على هذا الأساس فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: [ أولاً: تجب زكاة الأسهم على أصحابها وتخرجها الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك أو صدر به قرار من الجمعية

العمومية أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه ....... ثانياً: تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة ومن حيث النصاب ومن حيث المقدار الذي يؤخذ وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة ومنها أسهم الخزانة العامة وأسهم الوقف الخيري وأسهم الجهات الخيرية وكذلك أسهم غير المسلمين. ثالثاً: إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه زكى أسهمه على هذا الاعتبار لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك: فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي وليس بقصد التجارة فإنه يزكيها زكاة المستغلات وتمشياً مع ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم وإنما تجب الزكاة في الريع وهو ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة زكاها زكاة عروض التجارة فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه زكى قيمتها السوقية وإذا لم يكن لها سوق زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة فيخرج ربع العشر 2,5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح. رابعاً: إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته أما المشتري فيزكي الأسهم التي اشتراها على النحو السابق] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد4 ج1/ 881 - 882 .......

وجاء في فتاوى بيت التمويل الكويتي ما يلي: [يجوز أن يتضمن عقد إنشاء الشركة بنداً ينص على أن الشركة تخرج الزكاة عما لديها من الأموال وحينئذ يحق لإدارة الشركة إخراج الزكاة نيابة عن المساهمين أما إذا لم ينص عقد إنشاء الشركة على ذلك فيجوز للشركاء أن يوكلوا إدارة الشركة في إخراج الزكاة فإن لم يوكلوها لم يكن لها أن تخرج الزكاة وهذا في ظل الأمر القائم الآن من أن الدولة جعلت تحصيل بيت الزكاة للزكوات باختيار المزكين أما لو أخذت الدولة بنظام التحصيل الإلزامي فيجوز حينئذ أخذ الزكاة للشركة ككل ويعتبر مالها مالاً واحداً قياساً على نظام الخلطة في زكاة الماشية وأما في ظل الوضع الحاضر فإن كل مزك يخرج عن نفسه أو يوكل من يخرج عنه الزكاة ويضم إلى حصته من الموجودات الزكوية من الشركة ما سوى ذلك من أمواله الزكوية ويسقط ما عليها من الديون ويزكى الباقي إن كان أكثر من نصاب والله أعلم]. ولا بد من رضا المساهمين شخصياً عند تطبيق هذا الرأي ومستند هذا الاتجاه الأخذ بمبدأ (الخلطة) الوارد في السنة النبوية بشأن زكاة الأنعام والذي أخذ به الشافعية أيضا في الأموال النقدية وأموال التجارة وغيرها، قال الإمام النووي: (الخلطة تؤثر في المواشي بلا خلاف - أي في المذهب الشافعي - وهل تؤثر في الثمار والزروع والنقدين وأموال التجارة؟.) ثم ذكر أن المذهب الجديد عندهم أن الخلطة تؤثر فيها. الروضة 2/ 30. وخلاصة الأمر أن الأصل أن يزكي كل شريك أمواله منفرداً وإن زكت الشركة أموالها باعتبار أنها شخصية اعتبارية فحسن ولا بأس بذلك. زكاة الغنم المعلوفة يقول السائل إن لديه قطيع أغنام ولكنه يعلفها أكثر أيا م السنة ويشتري لها العلف ويبيع من أولادها وألبانها وأصوافها فكيف يزكيها أفيدونا ....... الجواب: تجب الزكاة في الغنم بشروط وهي أن تبلغ النصاب وأن

لا يجوز القرض الحسن من مال الزكاة

يحول عليها الحول وهذا باتفاق أهل العلم وبشرط أن تكون سائمة وهذا عند جمهور العلماء وهو الذي تؤيده الأدلة ومعنى السوم أن ترعى الماشية أكثر العام فإن كان صاحبها يعلفها أكثر العام فلا زكاة فيها إلا إذا اتخذها للتجارة فعندئذ تزكى زكاة عروض التجارة. لما ورد في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين فيها شاة" رواه البخاري. ولما ورد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "في كل سائمة إبل في أربعين ابنة لبون" رواه أحمد وأبو داود والنسائي. فوصف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها بالسائمة يدل مفهومه على أن المعلوفة لا زكاة فيها، لأن الشارع ينزه كلامه عن اللغو. والحديثان السابقان وما جاء في معناهما يقيدان ما ورد من أحاديث مطلقة عن وصف السوم فتحمل على الأحاديث المقيدة بهذا الوصف. وأما ما تبيعه من أولادها وألبانها وأصوافها فتضيف أثمانها إلى ما لديك من أموال فإذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول فتزكيه عندئذ ....... لا يجوز القرض الحسن من مال الزكاة يقول السائل: ترغب إحدى الجمعيات الخيرية في إنشاء صندوق من أموال الزكاة لمساعدة الطلبة الجامعيين الفقراء بإعطائهم قروضاً حسنةً بحيث يعطى الطالب مبلغاً من مال الزكاة كقرض حسن ويسدده بدون أية زيادة بعد أن يتخرج من الجامعة ويعمل، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن الله سبحانه وتعالى بين لنا مصارف الزكاة فقال جل جلاله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآية 60 .......

فهذه الآية الكريمة حصرت مصارف الزكاة في المصارف الثمانية ويدل على ذلك قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ) ولفظة (إنما) تقتضي حصر الزكاة في المصارف الثمانية ثم إن الله سبحانه وتعالى أضاف الصدقات للفقراء باللام التي تدل على التمليك ثم عطف بقية الأصناف على الفقراء، قال أبو إسحق الشيرازي بعد أن ذكر آية مصارف الزكاة: [فأضاف جميع الصدقات إليهم بلام التمليك وأشرك بينهم بواو التشريك فدل على أنه مملوك لهم مشترك بينهم] المهذب مع شرحه المجموع 6/ 185. وقد اختلف أهل العلم في اشتراط تمليك الزكاة للأصناف الثمانية، فمن العلماء من قال إن التمليك شرط في الأصناف الثمانية. وجمهور العلماء على أن التمليك شرط في الأصناف الأربعة الأولى وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وأربعة أصناف يأخذون أخذاً مستقراً ولا يراعى حالهم بعد الدفع وهم الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة. فمتى أخذوها ملكوها ملكاً دائماً مستقراً لا يجب عليهم ردها بحال وأربعة منهم وهم: الغارمون وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل. فإنهم يأخذون أخذاً مراعىً. فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها وإلا استرجع منهم. والفرق بين هذه الأصناف والتي قبلها: أن هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة والأولون حصل المقصود بأخذهم وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين] المغني 2/ 500. وقال الخطيب الشربيني: [وأضاف في الآية الكريمة الصدقات إلى الأصناف الأربعة الأولى بلام الملك والأربعة الأخير - كذا والصواب الأخيرة - بفي الظرفية للإشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى وتقييده في الأربعة الأخيرة حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها استرجع بخلافه في الأولى.] مغني المحتاج 4/ 173 ....... وقال الألوسي: [والعدول عن اللام إلى (في) في الأربعة الأخيرة على ما قاله الزمخشري للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق الصدقة ممن سبق ذكره

لما أن (في) للظرفية المنبئة عن إحاطتهم بها وكونهم محلها ومركزها وعليه فاللام لمجرد الاختصاص، وفي الانتصاف أن ثم سراً آخر هو أظهر وأقرب وذلك أن الأصناف الأوائل ملاك لما عساه أن يدفع إليهم وإنما يأخذونه تملكاً فكان دخول اللام لائقاً بهم وأما الأربعة الأواخر فلا يملكون لما يصرف نحوهم بل ولا يصرف إليهم ولكن يصرف في مصالح تتعلق بهم فالمال الذي يصرف في الرقاب إنما يتناوله السادة المكاتبون أو البائعون فليس نصيبهم مصروفاً إلى أيديهم حتى يعبر عن ذلك باللام المشعرة بملكهم لما يصرف نحوهم وإنما هم محال لهذا الصرف ولمصالحه المتعلقة به، وكذلك الغارمون إنما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصاً لذممهم لا لهم، وأما في سبيل الله فواضح فيه ذلك، وأما ابن السبيل فكأنه كان مندرجاً في سبيل الله وإنما أفرد بالذكر تنبيهاً على خصوصيته مع أنه مجرد من الحرفين جميعاً] روح المعاني 5/ 314. وجاء في توصيات الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في الكويت سنة 1413هـ ما يلي: [التمليك في الأصناف الأربعة الأولى المذكورة في آية مصارف الزكاة (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ.) شرط في إجزاء الزكاة والتمليك يعني دفع مبلغ من النقود أو شراء وسيلة النتاج كآلات الحرفة وأدوات الصنعة وتمليكها للمستحق القادر على العمل] أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2/ 886 ....... إذا تقرر هذا فإني أرى أنه لا يجوز تحويل أموال الزكاة إلى قروض حسنة تسترجع من الطلبة مستقبلاً لأن هذا يعني أن الزكاة لم توضع في مصارفها الشرعية فهذه الأموال المقرضة ستستمر في الدوران بين الطلبة وبين الصندوق كلما أخذها طالب ردها إلى الصندوق ليأخذها آخر وهكذا وبالتالي لا تكون الزكاة قد وقعت في أيدي مستحقيها ومن المعلوم أن المكلف بإخراج الزكاة أما أن يدفع مال الزكاة للمستحقين وأما أن يدفعه للإمام الذي يتولى إيصاله لمستحقيه أو من يقوم مقامه ولا تبرأ الذمة إلا بأحد الأمرين.

انظر مجلة المجمع الفقهي عدد 3 ج1 ص416. فإذا بقيت الزكاة تدور بين الصندوق وبين الطلبة فإنها لن تصل إلى مستحقيها ويبقى المال في هذا الصندوق الذي لا مالك له حقيقة. وأخيراً لا بد أن أذكر أن بعض العلماء المعاصرين ذهبوا إلى جواز إقراض مال الزكاة، قال الدكتور يوسف القرضاوي: [بقي هنا بحث نتم به الحديث عن هذا المصرف وهو إعطاء القروض الحسنة من الزكاة هل يجوز ذلك قياساً للمستقرضين على الغارمين؟ أم نقف عند حرفية النص ولا نجيز ذلك بناء على أن الغارمين هم الذين استدانوا بالفعل، أعتقد أن القياس الصحيح والمقاصد العامة للإسلام في باب الزكاة تجيز لنا القول بإقراض المحتاجين من سهم الغارمين على أن ينظم ذلك وينشأ له صندوق خاص. وبذلك تساهم الزكاة مساهمة عملية في محاربة الربا والقضاء على الفوائد الربوية. وهذا ما ذهب إليه الأساتذة: أبو زهرة وخلاف وحسن في بحثهم عن الزكاة معللين ذلك بأنه إذا كانت الديون العادلة تؤدي من مال الزكاة فأولى أن تعطى منه القروض الحسنة الخالية من الربا لترد إلى بيت المال فجعلوه من قياس الأولى] فقه الزكاة 2/ 634. وأقول إن القياس المذكور غير مسلم لأن الغارمين هم الذين استدانوا فعلاً وأصبحوا مطالبين بالدين ولا يستطيعون السداد فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين وأما الإقراض للطلبة فإن هؤلاء الطلبة ليسوا غارمين حقيقة حتى نلحقهم بالغارمين. والصحيح في هذه المسألة أن هؤلاء الطلبة فقراء فيعطون من سهم الفقراء والمساكين ويمَلَّكون هذا المال ولا يصح استرداده منهم. ويمكن إيجاد حل آخر لمسألة القروض بأن ينشأ صندوق لإقراض الطلبة من أموال الصدقات الأخرى غير الزكاة على أن يخبر المتبرعون لهذا الصندوق بأن ما سيتبرعون به سيوضع في صندوق للقروض الحسنة ويجعل له نظام واضح ويبين فيه مآل هذه الأموال مستقبلاً إن انتهى عمل الصندوق .......

الصدقة الجارية

الصدقة الجارية يقول السائل: ما المقصود بالصدقة الجارية؟ وهل القيام بأعمال التشطيبات في مسجد يُعد من الصدقة الجارية؟ حيث إنه يوجد في منطقتنا مسجد - بناء عظم - ويحتاج إلى تكملة ولديَّ النيةُ لإكماله فهل يدخل ذلك في الصدقة الجارية؟ الجواب: ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قال العلماء معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها فإن الولد من كسبه وكذلك العلم الذي خلَّفه من تعليم أو تصنيف وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 253. وقال الإمام البغوي: [هذا الحديث يدل على جواز الوقف على وجوه الخير واستحبابه وهو المراد من الصدقة الجارية] شرح السنة 1/ 300. فالصدقة الجارية هي التي يستمر نفعها للناس فترة من الزمان ويكون أجرها المتجدد لصاحبها الذي جعلها ....... وجاء في الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطاً في سبيل الله , ومن علَّم علماً أجري له عمله ما عمل به , ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت , ورجل ترك ولداً صالحاً فهو يدعو له) رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط والبزار وفيه راوٍ ضعيف كما قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 167 وورد في الحديث عن سلمان - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أربع من عمل الأحياء تجري للأموات: رجل ترك عقباً صالحاً ينفعه دعاؤهم

ورجل تصدق بصدقة جارية من بعده له أجرها ما جرت بعده ورجل علَّم علماً فعمل به من بعده له مثل أجر من عمل به من غير أن ينقص من أجر من يعمل به شيء) رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير حديث رقم 888. ويدخل في الصدقة الجارية أعمال البر وهي كثيرة جداً ومنها بناء المساجد فقد ثبت في الحديث عن عثمان - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه البخاري ومسلم. ويدخل في الصدقة الجارية أيضاً المشاركة في بناء المسجد وتعميره ولو كانت المشاركة بمبلغ قليل ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من بنى لله مسجداً قدْر مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه البزار والطبراني في المعجم الصغير وابن حبان وقال الألباني صحيح كما في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 227. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قدْر مفحص قطاة) وهو المكان الذي تضع فيه القطاة - طير - بيضها. وهذا يدل على أن الأجر يثبت لمن أسهم في بناء المسجد ولو بشيء قليل لأنه لا يعقل أن يكون المسجد بقدر مفحص قطاة ....... ومن الصدقة الجارية التبرع بما يلزم المساجد من أثاث وسجاد وأدوات التنظيف ونحوها. ومن الصدقة الجارية ما ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته علماً علَّمه ونشَره أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً ورَّثه أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته) رواه ابن ماجة وابن خزيمة والبيهقي وحسنه الشيخ الألباني كما في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 275. فتوريث المصاحف ووقفها على المساجد والمؤسسات العلمية كالمدارس والجامعات تعتبر صدقة جارية.

ومن الصدقة الجارية طباعة كتب العلم النافع وتوزيعها على طلبة العلم وعلى المكتبات العامة وعلى مكتبات المساجد ومكتبات المدارس. ومن الصدقة الجارية بناء مأوى لابن السبيل أو للأيتام أو للفقراء. ومن الصدقة الجارية مد شبكات المياه ليشرب الناس والحيوان منها ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث عن الحسن البصري عن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - (أن أمه ماتت فقال: يا رسول الله: إن أمي ماتت أفأتصدق عنها قال: نعم قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وقال الألباني حسن كما في صحيح سنن النسائي 2/ 778. وجاء في رواية أخرى عند أبي داود (فحفر - أي سعد - بئراً وقال: هذه لأم سعد). وقال الألباني: حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 1/ 567. ويلحق بذلك أيضاً حفر آبار المياه الارتوازية وغيرها ليشرب منها الناس والحيوان ...... فقد جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرَّى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة) رواه ابن خزيمة وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 567 والكبد الحرَّى أي العطشى، والمراد بالكبد الحرَّى أي حياة صاحبها، والحديث يدل على أن في سقي كل ذي روح أجر. انظر النهاية في غريب الحديث 1/ 364. ومن الصدقة الجارية تركيب المظلات التي تقي الناس من الشمس في الأيام الحارة وتقيهم أيضاً من المطر أيام الشتاء وذلك في مواقف الباصات وفي المدارس وفي المساجد والأماكن العامة وغيرها. ومن الصدقة الجارية التبرع بثلاجات المياه ووضعها في المساجد أو المدارس أو الأسواق. ومن الصدقة الجارية بناء المستشفيات والعيادات الصحية أو المساهمة

لا يشترط ملك النصاب في صدقة الفطر

فيها وكذلك التبرع بسد احتياجات المستشفيات من الأجهزة الطبية كأجهزة الأشعة والمختبرات وتوفير سيارات الإسعاف والتبرع للمعاقين بالكراسي المتحركة ونحو ذلك. ومن الصدقة الجارية وقف قطعة أرض لتكون مقبرة لموتى المسلمين. ومن الصدقة الجارية وقف سيارة لنقل الموتى. ومن الصدقة الجارية وقف أدوات لازمة لدفن الموتى. ومن الصدقة الجارية إنشاء معاهد العلم أو المساهمة فيها وخاصة معاهد العلم الشرعي كبناء دور القرآن الكريم أو المساهمة في بنائها وتأثيثها وتزويدها بالمصاحف والكتب النافعة. ومن الصدقة الجارية وقف المحلات التجارية أو البيوت السكنية وجعل أجرتها للفقراء والمساكين. وخلاصة الأمر أن باب الصدقة الجارية باب واسع من أبواب الخير ويدخل فيه بلا شك إتمام بناء المسجد وكذا تأثيثه بالسجاد أو ما يلزمه من أدوات كهربائية وثلاجات مياه ونحو ذلك ....... لا يشترط ملك النصاب في صدقة الفطر يقول السائل: على من تجب صدقة الفطر وهل يشترط لها ملك نصاب معين حتى تجب على المسلم؟ الجواب: صدقة الفطر فريضة عند جمهور أهل العلم لما ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين) رواه البخاري ومسلم. وقد صرح جماعة من السلف بفرضيتها كما رواه البخاري في صحيحه

عن أبي العالية وعطاء وابن سيرين بل إن ابن المنذر قد نقل الإجماع على فرضيتها. ولكن في نقله الإجماع نظر. انظر صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 3/ 463. وقال الشوكاني: [(قوله فرض) فيه دليل على أن صدقة الفطر من الفرائض وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك، ولكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرضية] نيل الأوطار 4/ 201. وتجب صدقة الفطر على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى صغيراً كان أو كبيراً عبداً كان أو حراً ويخرجها الزوج عن زوجته وأولاده ومن يمونهم من أقاربه كأمه التي تعيش معه أو أخته التي تعيش معه. وقد ورد في الحديث من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أمر الله بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما. وقال الألباني: حديث حسن. انظر إرواء الغليل 3/ 320. وتجب صدقة الفطر على من ملك قوته وقوت عياله وقوت من يمونهم ليلة العيد ويومها لأن صدقة الفطر تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان أو طلوع فجر يوم عيد الفطر على خلاف بين أهل العلم ولا يشترط لوجوبها ملك النصاب على الراجح من أقوال العلماء ....... قال الخرقي الحنبلي: [وإذا كان عنده فضل عن قوت يومه وليلته] وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً عبارة الخرقي: [وجملة ذلك أن صدقة الفطر واجبة على من قدر عليها ولا يعتبر في وجوبها نصاب وبهذا قال أبو هريرة وأبو العالية والشعبي وعطاء وابن سيرين والزهري ومالك وابن المبارك والشافعي وأبو ثور وقال أصحاب الرأي: لا تجب إلا على من يملك مائتي درهم أو ما قيمته نصاب فاضل عن مسكنه لقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا صدقة إلا عن ظهر غنىً) والفقير لا غنى له فلا تجب عليه ولأنه تحل له الصدقة فلا تجب عليه كمن لا يقدر عليها. ولنا: ما روى ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أدوا صدقة الفطر صاعاً من قمح أو قال بر عن كل إنسان صغير أو كبير حر أو

مملوك غني أو فقير ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى) وفي رواية أبي داود: (صاع من بر أو قمح عن كل اثنين) ولأنه حق مال لا يزيد بزيادة المال، فلا يعتبر وجوب النصاب فيه كالكفارة ولا يمتنع أن يؤخذ منه ويعطى لمن وجب عليه العشر والذي قاسوا عليه عاجز فلا يصح القياس عليه وحديثهم محمول على زكاة المال] المغني 3/ 94. وحديث عبد الله بن ثعلبة الذي ذكره الشيخ ابن قدامة المقدسي رواه أبو داود وأحمد والبيهقي وذكر الشيخ الألباني أصل الحديث في السلسلة الصحيحة 3/ 170 ....... وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [واستدل بقوله في حديث ابن عباس " طهرة للصائم " على أنها تجب على الفقير كما تجب على الغني وقد ورد ذلك صريحاً في حديث أبي هريرة عند أحمد وفي حديث ثعلبة بن أبي صعير عند الدارقطني وعن الحنفية لا تجب إلا على من ملك نصاباً ومقتضاه أنها لا تجب على الفقير على قاعدتهم في الفرق بين الغني والفقير واستدل لهم بحديث أبي هريرة المتقدم " لا صدقة إلا عن ظهر غنى " واشترط الشافعي ومن تبعه أن يكون ذلك فاضلاً عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته. وقال ابن بزيزة: لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية] فتح الباري 3/ 465. وقال الإمام النووي: [فرع في مذاهب العلماء في ضبط اليسار الذي تجب به الفطرة ذكرنا أن مذهبنا أنه يشترط أن يملك فاضلاً عن قوته وقوت من يلزمه نفقته ليلة العيد ويومه حكاه العبدري عن أبي هريرة وعطاء والشعبي وابن سيرين وأبي العالية والزهري ومالك وابن المبارك وأحمد وأبي ثور وقال أبو حنيفة لا تجب إلا على من يملك نصاباً من الذهب أو الفضة أو ما قيمته نصاب فاضلاً عن مسكنه وأثاثه الذي لا بد منه قال العبدري ولا يحفظ هذا عن أحد غير أبي حنيفة] المجموع 6/ 113 ....... وقد اشترط الحنفية ملك النصاب لوجوب صدقة الفطر وقولهم مرجوح وما احتجوا به من أدلة فغير مسلم عند المحققين من أهل العلم قال الشوكاني: [قد اختلف في القَدْر الذي يعتبر ملكه لمن تلزمه الفطرة فقال

الهادي والقاسم وأحد قولي المؤيد بالله أنه يعتبر أن يملك قوت عشرة أيام فاضلاً عما استثني للفقير وغير الفطرة لما أخرجه أبو داود في حديث ابن أبي صعير عن أبيه في رواية بزيادة " غني أو فقير " بعد " حر أو عبد " ويجاب عن هذا الدليل بأنه وإن أفاد عدم اعتبار الغنى الشرعي فلا يفيد اعتبار ملك قوت عشر. وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه إنه يعتبر أن يكون المخرج غنياً غنىً شرعياً واستدل لهم في البحر بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الصدقة ما كانت عن ظهر غنى) وبالقياس على زكاة المال. ويجاب بأن الحديث لا يفيد المطلوب لأنه بلفظ (خير الصدقة ما كان على ظهر غنىً) كما أخرجه أبو داود ومعارض أيضاً بما أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (أفضلُ الصدقة جهد المقل) وما أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامه مرفوعاً (أفضلُ الصدقة سرٌ إلى فقير وجهد من مقل) وفسره في النهاية بقدر ما يحتمل حال قليل المال. وما أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال: على شرط مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (سبق درهم مائة ألف درهم فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به فهذا تصدق بنصف ماله) الحديث. وأما الاستدلال بالقياس فغير صحيح لأنه قياس مع الفارق إذ وجوب الفطرة متعلق بالأبدان والزكاة بالأموال. وقال مالك والشافعي وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحق والمؤيد بالله في أحد قوليه: إنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكاً لقوت يوم وليلة لما تقدم من أنها طهرة للصائم ............. ولا فرق بين الغني والفقير في ذلك ويؤيد ذلك ما تقدم من تفسيره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من لا يحل له السؤال بمن يملك ما يغديه ويعشيه وهذا هو الحق لأن النصوص أطلقت ولم تخص غنياً ولا فقيراً ولا مجال للاجتهاد في تعيين المقدار الذي يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكاً له لا سيما العلة التي شرعت لها الفطرة موجودة في الغني والفقير وهي التطهر من اللغو والرفث واعتبار كونه واجداً لقوت يوم وليلة أمر لا بد منه لأن المقصود من شرع الفطرة إغناء الفقراء في ذلك اليوم كما أخرجه البيهقي والدارقطني

عن ابن عمر قال (فرض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر وقال: أغنوهم في هذا اليوم) وفي رواية للبيهقي (أغنوهم عن طواف هذا اليوم) وأخرجه أيضاً ابن سعد في الطبقات من حديث عائشة وأبي سعيد فلو لم يعتبر في حق المخرج ذلك لكان ممن أمرنا بإغنائه في ذلك اليوم لا من المأمورين إخراج الفطرة وإغناء غيره وبهذا يندفع ما اعترض به صاحب البحر عن أهل هذه المقالة من أنه يلزمهم إيجاب الفطرة على من لم يملك إلا دون قوت اليوم ولا قائل به] نيل الأوطار 4/ 208 - 209. وقال الشيخ القرضاوي: [والذي أراه أن للشارع هدفاً أخلاقياً تربوياً - وراء الهدف المالي - من فرض هذه الزكاة على كل مسلم غني أو فقير ذلك هو تدريب المسلم على الإنفاق في الضراء كما ينفق في السراء والبذل في العسر كما يبذل في اليسر ومن صفات المتقين التي ذكرها القرآن أنهم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ). وبهذا يتعلم المسلم وإن كان فقير المال رقيق الحال أن تكون يده هي العليا وأن يذوق لذة الإعطاء والإفضال على غيره ولو كان ذلك يوماً في كل عام. ولهذا أرجح مذهب الجمهور الذين لم يشترطوا لوجوب هذه الزكاة ملك النصاب] فقه الزكاة 2/ 930. وخلاصة الأمر أنه لا يشترط ملك النصاب لوجوب صدقة الفطر بل تجب على من ملك قوته وقوت عياله يومه وليلته .............

الصيام

الصيام

هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان

هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رمضان يقول السائل: كيف كان هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رمضان؟ الجواب: لا شك أن هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رمضان هو أكمل الهدي، وعمله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو خير العمل، وعلى كل مسلم أن يبذل وسعه وطاقته في الاقتداء برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) سورة الأحزاب الآية 21. وأبين هنا هدي سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رمضان كما صح عنه في دواوين السنة وكما ذكره المحققون من أهل العلم فمن المعلوم عند أهل العلم أن فرض صيام رمضان كان في السنة الثانية من الهجرة النبوية وقد صام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع رمضانات. وكان هدي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أعلى درجات الكمال وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس كما قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد 2/ 30. فقد كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخل في صوم رمضان برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد كما ثبت في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه) رواه أبو داود وابن حبان وصححه ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وإذا حالت دون رؤية الهلال غيوم أو قتر أو نحوهما أكمل عدة شعبان

ثلاثين يوماً كما ثبت في الحديث عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين) رواه البخاري ومسلم ....... فإذا ثبتت رؤية الهلال أو أكملت عدة شعبان ثلاثين يوماً فنصوم ويجب أن يعلم أن صوم رمضان عبادة جماعية لا يجوز لجماعة أو أحد أن ينفرد في بداية الصوم أو نهايته وإنما الصوم مع جماعة الناس فقد صح في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وهو حديث صحيح قال الإمام الترمذي: [وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا: الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس] سنن الترمذي 3/ 80. فإذا ثبت دخول شهر رمضان فلا بد من تبييت نية الصيام كما ورد في الحديث عن حفصة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة. وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 465. ومن المعلوم عند أهل العلم أن النية محلها القلب ولا علاقة للسان بها لذا فإن التلفظ بالنية بدعة مخالفة لهدي المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومن هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رمضان السحور فقد صح في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (تسحروا فإن في السحور بركة) رواه البخاري ومسلم. ومن السنة تأخير السحور وجعله قريباً من وقت صلاة الفجر فقد ورد في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أنه قال: (تسحرنا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية) رواه البخاري ومسلم ....... ومن هدي المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعجيل الفطر فمن المعلوم أن الصوم ينتهي بحلول الليل كما قال تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) سورة البقرة الآية 187. والليل يبدأ بعد غروب الشمس مباشرة. وقد صح في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (

لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) رواه البخاري ومسلم. وكان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفطر قبل أن يصلي المغرب فقد جاء في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء) رواه أبو داود وقال الألباني حسن صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 449. ومن هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإفطار على الرطب كما تقدم في حديث أنس فإن لم يتيسر الرطب - وهو ثمر النخل الناضج - أفطر على تمرات - والتمر هو ثمر النخل بعد أن يجف أو يقارب - فإن لم يتيسر التمر أفطر على الماء. قال العلامة ابن القيم: [وكان يحض على الفطر بالتمر فإن لم يجد فعلى الماء هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به ولا سيما القوى الباصرة فإنها تقوى به وحلاوة المدينة التمر ومرباهم عليه وهو عندهم قوت، وأدم ورطبه فاكهة. فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس. فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده. ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب.] زاد المعاد 2/ 50 - 51 ....... وكان من هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقول عند الفطر ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أفطر قال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) رواه أبو داود وغيره وهو حديث حسن كما قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 449. وروي أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول عند فطره: (الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت) رواه أبو داود وابن السني وهو حديث مرسل. وروي أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول إذا أفطر: (اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله منا إنك أنت السميع العليم) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة.

وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد) رواه ابن ماجة والحاكم وابن السني وقال البوصيري إسناده صحيح رجاله ثقات. انظر عمل اليوم والليلة لابن السني ص228. وصح أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلَّى صلاة التراويح كما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج ليلة في جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: (أما فإنه لم يخف عليَّ مكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) فتوفي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأمر على ذلك). رواه البخاري ومسلم ....... ثم إن المسلمين قد حافظوا على صلاة التروايح في كل ليلة من ليالي رمضان في جماعة واحدة في المسجد منذ عهد عمر - رضي الله عنه - فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون وكان الناس يقومون أوله). وكان من هدي الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند مسلم: (كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره).

وكان من هدي المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاعتكاف في رمضان فقد صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله) رواه البخاري ومسلم. ومن هدي المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رمضان الجود والكرم ومدارسة القرآن الكريم فقد صح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن وكان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود بالخير من الريح المرسلة) رواه البخاري ومسلم ....... وختاماً فعلى المسلم أن يصوم رمضان مخلصاً لله تعالى حتى ينال الجزاء الأوفى وهو غفران الذنوب فقد صح في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضاً أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه مسلم. هذا هو الهدي النبوي في رمضان على وجه الإيجاز والاختصار فعلى الصائمين الاقتداء برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الشهر الفضيل بقدر الوسع والطاقة وعليهم أن يحذروا الشيطان وأعوانه من شياطين الإنس الذين يحاولون بشتى السبل والوسائل إفساد هذه العبادة العظيمة على الناس ويفرغونها من مضامينها الإيمانية عن طريق استغلال وسائل الإعلام بتقديم المسلسلات التي يزعمون أنها دينية وهي في معظمها لا علاقة لها بالدين إلا في الاسم. وكذلك المسابقات التي يتفننون في أسمائها وأشكالها وهدفها الحقيقي إنما هو إفساد الناس وأخلاقهم وتضييع أموالهم فيما العلم به لا ينفع والجهل به لا يضر. فعلى المسلم أن يستفيد من وقته دائماً وخاصة في شهر رمضان المبارك فيقضي الصائم وقته في الطاعة كقراءة القرآن الكريم والمحافظة على

هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في العشر الأواخر من رمضان

صلاة الجماعة وصلاة التراويح وفعل الخيرات. كما أن في شهر رمضان فرصة طيبة للرجوع إلى الله والالتزام بشرعه وفيه فرصة للإقلاع عن العادات القبيحة والسيئة كالتدخين ....... هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العشر الأواخر من رمضان يقول السائل: كيف كان هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العشر الأواخر من رمضان؟ الجواب: إن خير الهدي هدي محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولنا في رسول الله أسوة حسنة فقد كان من هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر أكثر مما سبقها من رمضان فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل العشر شدَّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث: قوله (شدَّ مئزره) أي اعتزل النساء وبذلك جزم عبد الرزاق عن الثوري واستشهد بقول الشاعر: قوم إذا حاربوا شدوا مآزر. عن النساء ولو باتت بأطهار وذكر ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش نحوه، وقال الخطابي يحتمل أن يريد به الجد في العبادة كما يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معاً ويحتمل أن يراد الحقيقة والمجاز كمن يقول طويل النجاد لطويل القامة وهو طويل النجاد حقيقة فيكون المراد شد مئزره حقيقة فلم يحله واعتزل النساء وشمر للعبادة قلت: وقد وقع في رواية عاصم بن ضمرة المذكورة " شد مئزره واعتزل النساء " فعطفه بالواو فيتقوى الاحتمال الأول. قوله: " وأحيا ليله " أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو الموت وأضافه إلى الليل اتساعاً لأن القائم إذا حيي باليقظة أحيا ليله بحياته وهو نحو قوله: " لا تجعلوا بيوتكم قبوراً " أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور.

قوله: " وأيقظ أهله " أي للصلاة وروى الترمذي ومحمد بن نصر من حديث زينب بنت أم سلمة " لم يكن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه " قال القرطبي: ذهب بعضهم إلى أن اعتزاله النساء كان بالاعتكاف وفيه نظر لقوله فيه: " وأيقظ أهله " فإنه يشعر بأنه كان معهم في البيت فلو كان معتكفاً لكان في المسجد ولم يكن معه أحد وفيه نظر فقد تقدم حديث ...... (اعتكفت مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة من أزواجه) وعلى تقدير أنه لم يعتكف أحد منهن فيحتمل أن يوقظهن من موضعه وأن يوقظهن عندما يدخل البيت لحاجته] فتح الباري 4/ 342. وجاء في رواية عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجدَّ وشد المئزر). وفي رواية عند مسلم أيضاً عنها رضي الله عنها: (قالت كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره). قال الإمام النووي: [قولها: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجدَّ وشدَّ المئزر) وفي رواية: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجتهد في العشر الأواخر ما لم يجتهد في غيره)، اختلف العلماء في معنى شد المئزر فقيل: هو الاجتهاد في العبادات زيادة على عادته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غيره ومعناه التشمير في العبادات. يقال: شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له وتفرغت وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات وقولها: أحيا الليل أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. وقولها: وأيقظ أهله أي أيقظهم للصلاة في الليل وجدَّ في العبادة زيادة على العادة] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 250. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي وفي حديث أبي ذر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة. وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في آكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر وخرَّج الطبراني

من حديث علي أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة ....... قال سفيان الثوري: أَحبُ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك. وقد صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يطرق فاطمة وعلياً ليلاً فيقول لهما: (ألا تقومان فتصليان). وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة ونضح الماء في وجهه. وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاة الصلاة ويتلو هذه الآية: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)] لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف 341 - 342. وذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي أن من هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاغتسال بين أذان المغرب والعشاء في ليالي العشر فقال: [وقد تقدم من حديث عائشة: (واغتسل بين الأذانين) والمراد: أذان المغرب والعشاء. وروي من حديث علي أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل بين العشاءين كل ليلة يعني من العشر الأواخر وفي إسناده ضعف. وروي عن حذيفة - رضي الله عنه - أنه قام مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة من رمضان فاغتسل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وستره حذيفه وبقيت فضلة فاغتسل بها حذيفه وستره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. خرجه ابن أبي عاصم ....... وفي رواية أخرى عن حذيفه قال: قام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة من رمضان في حجرة من جريد النخل فصب عليه دلواً من ماء. وقال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر. وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة. ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر فأمر زر بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان. وروي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيب ولبس حلة إزاراً ورداءً فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل.

وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين ويلبس ثوبين جديدين ويستجمر ويقول: ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة والتي تليها ليلتنا يعني البصريين. وقال حماد بن سلمة: كان ثابت البناني وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيبان ويطيبون المسجد بالنضوح والدخنة - أنواع من الطيب - في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر. وقال ثابت: كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم كان يلبسها في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر. فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد وكذلك يشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات كما قال تعالى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وقال ابن عمر: الله أحق أن يتزين له. وروي عنه مرفوعاً. ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى وتطهيره من أدناس الذنوب وأوضارها فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئاً. قال الله تعالى: (يَابَنِيءَادَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)] لطائف المعارف ص 346 - 347 ....... ومن المعلوم أن ليلة القدر تكون في الليالي الفردية من العشر الأواخر من رمضان. فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) وفي رواية عند البخاري: (في الوتر من العشر الأواخر من رمضان). قال الحافظ ابن رجب: [وأما العمل في ليلة القدر فقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة وقد أمر عائشة بالدعاء فيها أيضاً. قال سفيان الثوري: الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة قال: وإذا كان يقرأ وهو يدعو ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة لعله يوافق. انتهى. ومراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء وإن قرأ ودعا كان حسناً وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتهجد في ليالي رمضان

حكم إكراه الزوجة على الجماع في رمضان

ويقرأ قراءة مرتلة لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها. وقد قال الشعبي في ليلة القدر ليلها كنهارها. وقال الشافعي في القديم: أستحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها وهذا يقتضي استحباب الاجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره والله أعلم] لطائف المعارف ص367 - 368 وكان السلف يجتهدون في التماس ليلة القدر إقتداءً بهدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقد روى ابن أبي شيبة بسنده أن عائشة رضي الله عنها كانت توقظ أهلها ليلة ثلاث وعشرين ....... وروى أيضاً أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يرش على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين. وروى بسنده أن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يوقظ أهله في العشر الأواخر وروى بسنده أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان يصلي في رمضان كصلاته سائر السنة فإذا دخلت العشر اجتهد. مصنف ابن أبي شيبة 3/ 77. وكان من هدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان كما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده) رواه البخاري ومسلم. وخلاصة الأمر أنه يستحب الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان بشكل عام ويخص الليالي الفردية بمزيد لعله يوافق ليلة القدر ....... حكم إكراه الزوجة على الجماع في رمضان يقول السائل: إنه قرأ في أحد الكتب التي تتحدث عن رمضان العبارة التالية: (والإكراه مثل أن يكره الرجل زوجته على الجماع ولم تستطع الامتناع منه فلا

شيء عليها وصيامها صحيح ولا ريب أنه يبوء بإثمها وإثمه إن كان الصيام فرضاً) أرجو توضيح المسألة مع بيان الدليل؟ الجواب: من المعلوم أن الجماع من مبطلات الصوم باتفاق الفقهاء قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) سورة البقرة الآية 187 ....... وجاء في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع الطعام من أجلي ويدع الشراب من أجلي ويدع لذته من أجلي ويدع زوجته من أجلي) رواه ابن خزيمة وهو حديث صحيح. ويحرم على المسلم أن يبطل صومه أو صوم غيره ومن تعمد ذلك فقد أتى منكراً كبيراً. وأما الإكراه على الفطر فقد اختلف فيه الفقهاء اختلافاً كثيراً وأقتصر هنا على مسألة إكراه الزوجة على الجماع وهي محل السؤال فأقول: إن جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية في أحد القولين عندهم والحنابلة في القول الذي عليه الفتوى من المذهب قالوا إن الزوج إذا أكره زوجته على الجماع في نهار رمضان فإن صومها قد بطل وعليها القضاء فقط ولا كفارة عليها بخلاف زوجها فعليه القضاء والكفارة. وذهب الشافعي في قوله الآخر والحنابلة في رواية عندهم إلى أن صوم المكرهة صحيح ولا شيء عليها لأنها مكرهة وقد ورد في الحديث: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. والذي تطمئن إليه نفسي هو القول الأول الذي يوجب على المرأة المكرهة القضاء لأنه يغلب على ظني أن الإكراه في مثل هذه الحالة لا يكون تاماً وغالباً ما يكون هنالك نوع مطاوعة ورغبة من الزوجة كما أن مفهوم الإكراه ليس واضحاً عند أكثر الناس. قال الشيخ ابن قدامة

معاشرة الرجل زوجته في ليالي رمضان

المقدسي: [وإن أكرهت المرأة على الجماع فلا كفارة عليها رواية واحدة وعليها القضاء. قال مهنا: سألت أحمد عن امرأة غصبها رجل نفسها فجامعها أعليها القضاء؟ قال: نعم. قلت: وعليها كفارة: قال: لا. وهذا قول الحسن ونحو ذلك قول الثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي] المغني 3/ 137. وقال المرداوي: [الصحيح من المذهب - أي الحنبلي - فساد صوم المكرهة على الوطء نص عليه - أي أحمد - وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر كلام المصنف هنا] الإنصاف 3/ 313 وخلاصة الأمر أنه على هذه المرأة المكرهة على الجماع في نهار رمضان أن تقضي ذلك اليوم الذي أكرهت فيه على الفطر ....... معاشرة الرجل زوجته في ليالي رمضان يقول السائل: هل يجوز للرجل أن يأتي زوجته في ليالي رمضان؟ الجواب: نعم يجوز للرجل أن يعاشر زوجته في ليالي رمضان وينتهي ذلك بأذان الفجر الثاني أي أذان الصلاة. وقد كان هذا الأمر ممنوعاً في أول ما فرض الصيام كما ثبت في الحديث عن البراء - رضي الله عنه - قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ) سورة البقرة الآية 178. رواه البخاري ....... وقال الإمام البخاري في صحيحه: باب قول الله جل ذكره: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) عن البراء - رضي الله عنه - قال: (كان أصحاب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت هذه الآية: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) ففرحوا بها فرحاً شديداً ونزلت: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) سورة البقرة الآية 187] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 4/ 166 ....... قال الحافظ ابن حجر: [قوله: فنام قبل أن يفطر. إلخ في رواية زهير " كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئاً ولا يشرب ليله ويومه حتى تغرب الشمس " ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحق كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئاً من ذلك إلى مثلها " فاتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيداً بالنوم وهذا هو المشهور في حديث غيره. وقيد المنع من ذلك في حديث ابن عباس بصلاة العتمة أخرجه أبو داود بلفظ " كان الناس على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة " ونحوه في حديث أبي هريرة. وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالباً والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث وبين السدي وغيره أن ذلك الحكم كان على وفق ما كتب على أهل الكتاب كما أخرجه ابن جرير من طريق السدي ولفظه: " كتب على النصارى الصيام وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا بعد النوم وكتب على المسلمين أولاً مثل ذلك حتى أقبل رجل من الأنصار " فذكر القصة. ومن طريق إبراهيم التيمي (كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب إذا نام أحدهم لم يطعم حتى القابلة) ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص مرفوعاً: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر] فتح الباري 4/ 167 .......

وقال القرطبي في تفسير الآية السابقة: [قوله تعالى " أحل " لفظ أحل يقتضي أنه كان محرماً قبل ذلك ثم نسخ روى أبو داود عن ابن أبي ليلى قال: وحدثنا أصحابنا قال: وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل لم يأكل حتى يصبح قال: فجاء عمر فأراد امرأته فقالت: إني قد نمت فظن أنها تعتل فأتاها فجاء رجل من الأنصار فأراد طعاماً فقالوا: حتى نسخن لك شيئاً فنام فلما أصبحوا أنزلت هذه الآية وفيها: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)] تفسير القرطبي 2/ 314. وقال القرطبي أيضاً: [وفي البخاري أيضاً عن البراء قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ) يقال: خان واختان بمعنىً من الخيانة أي تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليالي رمضان. ومن عصى الله فقد خان نفسه إذ جلب إليها العقاب وقال القتبي: أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه وذكر الطبري: أن عمر - رضي الله عنه - رجع من عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد سمر عنده ليلة فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت له: قد نمت فقال لها: ما نمت فوقع بها. وصنع كعب بن مالك مثله فغدا عمر على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أعتذر إلى الله وإليك فإن نفسي زينت لي فواقعت أهلي فهل تجد لي من رخصة؟ فقال لي: لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن وذكره النحاس ومكي وأن عمر نام ثم وقع بامرأته وأنه أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بذلك فنزلت: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) سورة البقرة الآية 187] تفسير القرطبي 2/ 315. وخلاصة الأمر أنه يجوز للرجل أن يجامع زوجته في ليالي رمضان وأن المنع من ذلك منسوخ والحل ثابت في كتاب الله تعالى .......

حكم صيام يوم الجمعة في التطوع

حكم صيام يوم الجمعة في التطوع يقول السائل: إنه قد صام يوم الجمعة الثاني من شوال لهذا العام ونوى أن يصوم الستة من شوال متتابعة ولكن أحد المشايخ أفتاه بأن يفطر لأنه لا يجوز صوم يوم الجمعة ولا يوم السبت وعليه أن يبدأ صوم الستة من شوال يوم الأحد فما قولكم أفيدونا؟ الجواب: إفراد يوم الجمعة بالصوم وكذا إفراد يوم السبت بالصوم مكروه عند جمهور أهل العلم ولكن إن صام يوماً قبلهما أو يوماً بعدهما فلا حرج في ذلك وعليه دلت السنة النبوية فقد روى البخاري بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ نَعَمْ زَادَ غَيْرُ أَبِي عَاصِمٍ يَعْنِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمٍ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. رواه البخاري ومسلم ....... قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (قوله (لا يصوم أحدكم) كذا للأكثر وهو بلفظ النفي والمراد به النهي , وفي رواية الكشميهني " لا يصومن " بلفظ النهي المؤكد. ولمسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش " لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يصوم بعده " وللنسائي من هذا الوجه " إلا أن يصوم قبله يوماً أو يصوم بعده يوماً " ولمسلم من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة " لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي , ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام , إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم " ورواه أحمد من طريق عوف عن ابن سيرين بلفظ " نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم " , وله من طريق أبي الأوبر زياد الحارثي " أن رجلاً قال لأبي هريرة: أنت الذي تنهى الناس عن صوم يوم الجمعة؟ قال ها ورب الكعبة ثلاثاً , لقد سمعت محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: لا يصوم أحدكم يوم الجمعة وحده إلا في أيام معه " وله من طريق ليلى امرأة بشير بن الخصاصية أنه سأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال " لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها ".

وهذه الأحاديث تقيد النهي المطلق في حديث جابر وتؤيد الزيادة التي تقدمت من تقييد الإطلاق بالإفراد ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كمن يصوم أيام البيض أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة , ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيد مثلا أو يوم شفاء فلان) فتح الباري 4/ 296 - 297. وعن أبي أيوب عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال أصمت أمس؟ قالت لا. قال تريدين أن تصومي غداً؟ قالت لا قال فأفطري. وقال حماد بن الجعد سمع قتادة حدثني أبو أيوب أن جويرية حدثته فأمرها فأفطرت. رواه البخاري ....... وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (واستدل بأحاديث الباب على منع إفراد يوم الجمعة بالصيام , ونقله أبو الطيب الطبري عن أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية , وكأنه أخذه من قول ابن المنذر: ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة كما ثبت عن صوم يوم العيد , وزاد يوم الجمعة الأمر بفطر من أراد إفراده بالصوم فهذا قد يشعر بأنه يرى بتحريمه. وقال أبو جعفر الطبري: يفرق بين العيد والجمعة بأن الإجماع منعقد على تحريم صوم يوم العيد ولو صام قبله أو بعده , بخلاف يوم الجمعة فالإجماع منعقد على جواز صومه لمن صام قبله أو بعده. ونقل ابن المنذر وابن حزم منع صومه عن علي وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر , قال ابن حزم: لا نعلم لهم مخالفاً من الصحابة. وذهب الجمهور إلى أن النهي فيه للتنزيه .. واختلف في سبب النهي عن إفراده على أقوال: أحدها لكونه يوم عيد والعيد لا يصام , واستشكل ذلك مع الإذن بصيامه مع غيره. وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة , ومن صام معه غيره انتفت عنه صورة التحري بالصوم. ثانيها لئلا يضعف عن العبادة وهذا اختاره النووي , وتعقب ببقاء

المعنى المذكور مع صوم غيره معه , وأجاب أنه يحصل بفضيلة اليوم الذي قبله أو بعده جبر ما يحصل يوم صومه من فتور أو تقصير , وفيه نظر فإن الجبران لا ينحصر في الصوم بل يحصل بجميع أفعال الخير فيلزم منه جواز إفراده لمن عمل فيه خيرا كثيرا يقوم مقام صيام يوم قبله أو بعده كمن أعتق فيه رقبة مثلا ولا قائل بذلك. وأيضا فكأن النهي يختص بمن يخشى عليه الضعف لا من يتحقق القوة , ويمكن الجواب عن هذا بأن المظنة أقيمت مقام المئنة كما في جواز الفطر في السفر لمن لم يشق عليه. ثالثها خوف المبالغة في تعظيمه فيفتتن به كما افتتن اليهود بالسبت , وهو منتقض بثبوت تعظيمه بغير الصيام , وأيضا فاليهود لا يعظمون السبت بالصيام فلو كان الملحوظ ترك موافقتهم لتحتم صومه لأنهم لا ...... يصومونه. وقد روى أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من حديث أم سلمة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصوم من الأيام السبت والأحد وكان يقول إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم " رابعها خوف اعتقاد وجوبه , وهو منتقض بصوم الاثنين والخميس. خامسها خشية أن يفرض عليهم كما خشي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قيامهم الليل ذلك , قال المهلب: وهو منتقض بإجازة صومه مع غيره , وبأنه لو كان كذلك لجاز بعده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لارتفاع السبب , لكن المهلب حمله على ذلك اعتقاده عدم الكراهة على ظاهر مذهبه. سادسها مخالفة النصارى لأنه يجب عليهم صومه ونحن مأمورون بمخالفتهم نقلها القمولي وهو ضعيف. وأقوى الأقوال وأولاها بالصواب أولها , وورد فيه صريحاً حديثان: أحدهما رواه الحاكم وغيره من طريق عامر بن لدين عن أبي هريرة مرفوعا " يوم الجمعة يوم عيد , فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم , إلا أن تصوموا قبله أو بعده ". والثاني رواه ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي وقال " من كان منكم متطوعاً من الشهر فليصم يوم الخميس , ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر ". فتح الباري 4/ 297 - 299 ...... وقال النووي: (باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً) قوله: (سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت أنهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيام يوم

الجمعة؟ فقال: نعم ورب هذا البيت) وفي رواية أبي هريرة: (قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده). وفي رواية: (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي , ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام , إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم) هكذا وقع في الأصول (تختصوا ليلة الجمعة , ولا تخصوا يوم الجمعة) بإثبات تاء في الأول بين الخاء والصاد وبحذفها في الثاني , وهما صحيحان. وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم , وأنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادة له , فإن وصله بيوم قبله أو بعده , أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبداً , فوافق يوم الجمعة لم يكره ; لهذه الأحاديث. وأما قول مالك في الموطأ: لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه , ومن به يقتدى نهى عن صيام يوم الجمعة , وصيامه حسن , وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه , وأراه كان يتحراه , فهذا الذي قاله هو الذي رآه , وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو , والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره , وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة , فيتعين القول به. ومالك معذور ; فإنه لم يبلغه. قال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكاً هذا الحديث , ولو بلغه لم يخالفه , قال العلماء: والحكمة في النهي عنه: أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة: من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها ; لقول الله تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا) وغير ذلك من العبادات في يومها , فاستحب الفطر فيه , فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح ...... لها , والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة , وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة , فإن السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة , فإن قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى , فالجواب: أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه , فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهي عن إفراد صوم الجمعة , وقيل: سببه

خوف المبالغة في تعظيمه , بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت , وهذا ضعيف منتقض بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه , وقيل: سبب النهي لئلا يعتقد وجوبه , وهذا ضعيف منتقض بيوم الاثنين فإنه يندب صومه ولا يلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد , وبيوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك , فالصواب ما قدمنا. والله أعلم) شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 209 - 211. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يفرد يوم الجمعة بصوم) رواه أحمد. قال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر معظم الأحاديث السابقة: (والنهي إنما هو عن الإفراد فمتى وصلهن بغيره زال النهي). وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه، مثل من يصوم يوماً ويفطر يوماً فيوافق صومه يوم الجمعة ومن عادته صوم أول يوم من الشهر أو آخره أو يوم نصفه ونحو ذلك. نص عليه أحمد في رواية الأثرم قال: قيل لأبي عبد الله: صيام يوم الجمعة؟ فذكر حديث النهي أن يفرد. ثم قال: إلا أن يكون في صيام كان يصومه. وأما أن يفرد فلا قال: قلت: رجل كان يصوم يوماً ويفطر يوماً فوقع فطره يوم الخميس وصومه يوم الجمعة وفطره يوم السبت فصام الجمعة مفرداً؟ فقال: هذا الآن لم يتعمد صومه خاصة إنما كره أن يتعمد الجمعة) المغني 3/ 170. وقال الشيخ ابن عثيمين بعد أن ذكر خلاف العلماء في المسألة: [والصحيح أنه يجوز بدون إفراد يعني إذا صمت معه الأحد أو صمت معه الجمعة فلا بأس والدليل على ذلك: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لزوجته: أتصومين غداً؟ أي: السبت] الشرح الممتع 6/ 466. وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بذلك أيضاً انظر فتاوى اللجنة 10/ 347. وخلاصة الأمر أنه يجوز أن يبدأ صوم الستة من شوال من يوم الجمعة

صيام العشر الأوائل من ذي الحجة

ويصوم السبت أيضا ما دام أنه لم يفرد واحداً منهما بالصوم وكذا يجوز صومهما إن وافقا يوم عاشوراء أو وافقا يوم عرفة ....... صيام العشر الأوائل من ذي الحجة يقول السائل: سمعت حديثاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصم من ذي الحجة وسمعت من بعض المشايخ الحث على صيامها فأي القولين هو الصحيح؟ أفيدونا. الجواب: أبين أولاً فضل العشر الأوائل من ذي الحجة ثم أجيب على السؤال فقد أقسم الله سبحانه وتعالى بهذه العشر فهذا يدل على فضلها العظيم قال الله تعالى: (والفجر وليال عشر) سورة الفجر الآيتان 1 - 2. قال القرطبي: (وليال عشر) أي ليال عشر من ذي الحجة وكذا قال مجاهد والسدي والكلبي في قوله (وليال عشر) هو عشر ذي الحجة وقال ابن عباس وقال مسروق هي العشر التي ذكرها الله في قصة موسى عليه السلام وأتممناها بعشر وهي أفضل أيام السنة وروى أبو الزبير عن جابر أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (والفجر وليال عشر) قال عشر الأضحى فهي ليال عشر على هذا القول لأن ليلة يوم النحر داخلة فيه إذ قد خصها الله بأن جعلها موقفاً لمن لم يدرك الوقوف يوم عرفة وإنما نكرت ولم تُعرَّف لفضيلتها على غيرها فلو عرفت لم تستقل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير فنكرت من بين ما أقسم به للفضيلة التي ليست لغيرها والله أعلم) تفسير القرطبي 20/ 39 ....... وقد وردت عدة أحاديث في فضيلة هذه العشر منها: ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا

رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء) وفي رواية للطبراني في الكبير بإسناد جيد كما قال المنذري: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير) وفي رواية للبيهقي في شعب الإيمان قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى) قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه ذكره المنذري في الترغيب 2/ 150. وروى الحديث الدارمي أيضاً وإسناده حسن كما قال الألباني في إرواء الغليل 3/ 398. وجاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد). رواه أحمد وصحح إسناده الشيخ أحمد محمد شاكر. وفي حديث جابر - رضي الله عنه - أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة) رواه أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما. وغير ذلك من الأحاديث وقد ذكر أهل العلم أنه يؤخذ من هذه النصوص أن الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة هي أفضل أيام السنة ...... قال الشيخ ابن كثير: (وبالجملة فهذا العشر قد قيل إنه أفضل أيام السنة كما نطق به الحديث وفضله كثير على عشر رمضان الأخير لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيره ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه وقيل ذلك أفضل لاشتماله على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وتوسط آخرون فقالوا أيام هذا أفضل وليالي ذاك أفضل وبهذا يجتمع شمل الأدلة) تفسير ابن كثير 3/ 217. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (والذي يظهر أن السبب في امتياز

عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره، وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم؟ فيه احتمال) فتح الباري 2/ 593. وقال المباركفوري: (وذكر السيد اختلف العلماء في هذه العشر , والعشر الأخير من رمضان فقال بعضهم: هذه العشر أفضل لهذا الحديث , وقال بعضهم: عشر رمضان أفضل للصوم والقدر , والمختار أن أيام هذه العشر أفضل ليوم عرفة وليالي عشر رمضان أفضل لليلة القدر , لأن يوم عرفة أفضل أيام السنة , وليلة القدر أفضل ليالي السنة , ولذا قال ما من أيام ولم يقل من ليال كذا في الأزهار وكذا في المرقاة) تحفة الأحوذي 3/ 386. وقال الشيخ المنجد: [واعلم - يا أخي المسلم - أن فضيلة هذه العشر جاءت من أمور كثيرة منها: 1 - إن الله تعالى أقسم بها: والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعه، قال تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف: إنها عشر ذي الحجة. قال ابن كثير: " وهو الصحيح " تفسير ابن كثير8/ 413. 2 - إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهد بأنها أفضل أيام الدنيا كما تقدّم في الحديث الصحيح. 3 - إنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حث فيها على العمل الصالح: لشرف الزمان بالنسبة لأهل الأمصار، وشرف المكان - أيضاً - وهذا خاص بحجاج بيت الله الحرام ....... 4 - إنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير. 5 - إن فيها يوم عرفة وهو اليوم المشهود الذي أكمل الله فيه الدّين وصيامه يكفّر آثام سنتين، وفي العشر أيضا يوم النحر الذي هو أعظم أيام السنّة على الإطلاق وهو يوم الحجّ الأكبر الذي يجتمع فيه من الطّاعات والعبادات ما لا يجتمع في غيره. 6 - إن فيها الأضحية والحج.

إن إدراك هذا العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد، يقدّرها حق قدرها الصالحون المشمّرون. وواجب المسلم استشعار هذه النعمة، واغتنام هذه الفرصة، وذلك بأن يخص هذا العشر بمزيد من العناية، وأن يجاهد نفسه بالطاعة. وإن من فضل الله تعالى على عباده كثرة طرق الخيرات، وتنوع سبل الطاعات ليدوم نشاط المسلم ويبقى ملازماً لعبادة مولاه] موقع الشيخ على شبكة الإنترنت. وأما ما ذكره السائل من أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصم العشر فهذا قد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنا قالت: (ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صائما في العشر قط) وفي رواية (لم يصم قط) رواه مسلم وغيره. وقد أجاب عنه العلماء أنه لا يعارض ما ثبت أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صام العشر ....... قال الإمام النووي: (باب صوم عشر ذي الحجة) فيه قول عائشة: (ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صائما في العشر قط) وفي رواية: (لم يصم العشر) قال العلماء: هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشرة , والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة من أول ذي الحجة , قالوا: وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة , بل هي مستحبة استحباباً شديداً لا سيما التاسع منها , وهو يوم عرفة , وقد سبقت الأحاديث في فضله , وثبت في صحيح البخاري: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه) - يعني: العشر الأوائل من ذي الحجة - فيتأول قولها: لم يصم العشر , أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما , أو أنها لم تره صائماً فيه , ولا يلزم عن ذلك عدم صيامه في نفس الأمر , ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم تسع ذي الحجة , ويوم عاشوراء , وثلاثة أيام من كل شهر: الاثنين من الشهر والخميس) ورواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد والنسائي وفي روايتهما (وخميسين) والله أعلم) شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 251 وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل , واستشكل بتحريم الصوم يوم العيد ,

وأجيب بأنه محمول على الغالب , ولا يرد على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة قالت (ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صائماً العشر قط) لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته , كما رواه الصحيحان من حديث عائشة أيضاً] فتح الباري 2/ 593 ....... وقال الشوكاني: [وأما ما أخرجه مسلم عن عائشة أنها قالت ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صائماً في العشر قط) وفي رواية (لم يصم العشر قط) فقال العلماء المراد أنه لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أن عدم رؤيتها له صائماً لا يستلزم العدم على أنه قد ثبت من قوله ما يدل على مشروعية صومها كما في حديث الباب فلا يقدح في ذلك عدم الفعل] نيل الأوطار 4/ 324. وقال الشوكاني أيضاً: [وقد أخرج مسلم عن عائشة أنها قالت ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صائماً في العشر قط) وفي رواية (لم يصم قط) وعدم رؤيتها وعلمها لا يستلزم العدم] الدراري المضية 1/ 230. وبهذا يظهر لنا أنه لا تعارض بين النصوص التي حثت على صوم هذه الأيام وبين حديث عائشة رضي الله عنها أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يُرَ صائماً فيها. وخلاصة الأمر أنه يسن صوم الأيام التسعة الأوائل من ذي الحجة وخاصة صوم يوم عرفة لغير الحاج وأما صوم يوم العيد فيحرم وينبغي على المسلم أن يكثر من الأعمال الصالحة في هذه الأيام المفضلة شرعاً .......

الأضحية والعقيقة

الأضحية والعقيقة

لا تفوت الأضحية بسبب فرض نظام حظر التجول

لا تفوت الأضحية بسبب فرض نظام حظر التجول طوال أيام العيد الأربعة يقول السائل: إنه يعمل في جمعية خيرية وهذه الجمعية الخيرية تتولى ذبح الأضاحي التي يتبرع بها المحسنون وفي هذا العام فرض نظام حظر التجول على منطقتهم حتى خرجت أيام التشريق ولديهم أكثر من مئتي أضحية لم تذبح ولم يتمكنوا من ذبحها لصعوبة الظروف والأحوال فهل يجوز لهم ذبحها بعد انتهاء أيام التشريق؟ الجواب: آخر وقت ذبح الأضحية هو غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق أي أن وقت الذبح هو يوم العيد وثلاثة أيام بعده وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم ونقل هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام وبه قال عطاء والحسن والأوزاعي ومكحول واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وهو قول الشافعية. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (كل فجاج مكة منحر، وكل أيام التشريق ذبح) رواه أحمد وابن حبان وصححه ورواه البيهقي والطبراني في الكبير والبزار والدراقطني وغيرهم. وقال الهيثمي: [رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير

إلا أنه قال: (وكل فجاج مكة منحر) ورجاله موثقون] مجمع الزوائد3/ 251. وقال الحافظ ابن حجر: [أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع، ووصله الدارقطني ورجاله ثقات] فتح الباري 12/ 103 وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع 2/ 834 واحتجوا بأن هذا القول قد نقل عن علي وابن عباس وعطاء وعمر بن عبد العزيز، فقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس قال: الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر. وروى أيضاً عن الحسن وعطاء قالا: يُضَحَّى إلى آخر أيام التشريق. وروى أيضاً عن عمر بن عبد العزيز قال: الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده) سنن البيهقي 9/ 296 - 297. هذا هو القول الراجح في المسألة في الظروف والأحوال العادية ....... وأما في الظروف والأحوال الاستثنائية كما ذكر في السؤال من فرض نظام حظر التجول وما قد يترتب على الخروج من البيوت خلال فرض نظام حظر التجول من مخاطر شديدة على الناس فإنه يجوز ذبح الأضاحي بعد انتهاء آخر وقت الذبح ومن المعلوم عند العلماء أن الضرورات تبيح المحظورات وفي الحالة المسؤول عنها فقد تتعرض حياة الناس للخطر فيباح لهم الذبح خارج الوقت. وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف الناس إلا بما يطيقون. قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) سورة البقرة الآية 286. وقال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَاءَاتَاهَا) سورة الطلاق الآية 7. ويقول تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) سورة التغابن الآية 16. وغير ذلك من النصوص الشرعية التي تدل على أن التكليف يكون بقدر الوسع وكذلك فإن الحنفية والمالكية يرون أنه إذا فات الإنسان وقت الأضحية ولم يضح فإنها تقضى قال الكاساني: [ومنها أنها تقضى إذا فاتت عن وقتها والكلام فيه في موضعين: أحدهما: في بيان أنها مضمونة بالقضاء في الجملة. والثاني: في بيان ما تقضى به. أما الأول: فلأن وجوبها في الوقت إما لحق العبودية أو لحق شكر النعمة أو لتكفير الخطايا لأن

العبادات والقربات إنما تجب لهذه المعاني وهذا لا يوجب الاختصاص بوقت دون وقت فكان الأصل فيها أن تكون واجبة في جميع الأوقات وعلى الدوام بالقدر الممكن إلا أن الأداء في السنة مرة واحدة في وقت مخصوص أقيم مقام الأداء في جميع السنة تيسيراً على العباد فضلاً من الله عز وجل ورحمة كما أقيم صوم شهر في السنة مقام جميع السنة وأقيم خمس صلوات في يوم وليلة مقام الصلاة آناء الليل وأطراف النهار فإذا لم يؤد في الوقت بقي الوجوب في غيره لقيام المعنى الذي له وجبت في الوقت] بدائع الصنائع 4/ 202 ....... ولكن الحنفية يرون أن قضاء الأضحية يكون بالتصدق بعين الشاة حية أو بقيمة الشاة انظر المصدر السابق 4/ 202. ويرى الحنابلة أن الأضحية المعينة وكذا المنذورة تذبح إن فات وقت الذبح. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا فات وقت الذبح ذبح الواجب قضاءً وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته] المغني 9/ 454. وقال مستدلاً لذلك: [ولنا أن الذبح أحد مقصودي الأضحية فلا يسقط بفوات وقته كتفرقة اللحم وذلك أنه لو ذبحها في الأيام ثم خرجت قبل تفريقها فرقها بعد ذلك] المغني 9/ 454. وينبغي أن يعلم أن من أهل العلم من قال إن وقت ذبح الأضحية يستمر حتى نهاية شهر ذي الحجة وهذا قول أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار من التابعين وبه قال ابن حزم الظاهري. المحلى 6/ 39 - 41. واحتجوا بما رواه البيهقي بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الضحايا إلى آخر الشهر لمن أراد أن يستأني ذلك). قال ابن حزم: [وهذا من أحسن المراسيل وأصحها] المحلى 6/ 43. وفي رواية أبي حامد أن نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الضحايا إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك) رواه أبو داود في المراسيل.

وما رواه البيهقي بإسناده عن يحيى بن سعيد قال: [سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يقول: إنْ كان المسلمون ليشتري أحدهم الأضحية فيسمنها فيذبحها بعد الأضحى آخر ذي الحجة]. ثم قال البيهقي: [حديث أبي سلمة وسليمان مرسل، وحديث أبي أمامة حكاية عمن لم يسم] سنن البيهقي 9/ 297 - 298 ...... وقال الحافظ ابن حجر عند ذكر رواية يحيى بن سعيد قال: [سمعت أبا أمامة بن سهل. قال كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون]. قال الحافظ ابن حجر: [وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام أخبرني يحيى بن سعيد وهو الأنصاري ولفظه: (كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها في آخر ذي الحجة) قال أحمد هذا الحديث عجيب] فتح الباري 12/ 105. قال ابن حزم: [الأضحية فعل خير وقربة إلى الله تعالى، وفعل الخير حسن في كل وقت، قال الله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) فلم يخص تعالى وقتاً من وقت، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام؛ فلا يجوز تخصيص وقت بغير نص فالتقريب إلى الله تعالى بالتضحية حسن ما لم يمنع منه نص أو إجماع، ولا نص في ذلك ولا إجماع إلى آخر ذي الحجة] المحلى 6/ 42. ولكن هذا القول ضعيف وما احتجوا به عليه لا يصلح دليلاً قال الشيخ الألباني عن حديث: [(الضحايا إلى هلال محرم لمن أراد أن يستأني ذلك) ضعيف أخرجه البيهقي وكذا أبو داود في المراسيل من طريقين عن أبان بن يزيد: ثنا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم: حدثني أبو سلمة وسليمان بن يسار أنه بلغهما: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فذكره. قلت - الألباني -: وهذا إسناد ضعيف لإرساله ورجاله ثقات] السلسلة الضعيفة 9/ 106. وضعفه الألباني أيضاً في ضعيف الجامع الصغير ص526 ....... وقال الشيخ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي معلقاً على رواية الدارقطني بسنده عن أبي سلمة وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن

رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الضحايا إلى آخر الشهر لمن أراد أن يستأني ذلك) قال أبو الطيب: [قوله: أنه بلغهما. وأخرجه أبو داود في مراسيله (الضحايا إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك) ذكره الشعراني في البدر المنير وقال الحافظ جمال الدين المزي في الأطراف حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ...... (الأضاحي إلى هلال المحرم إذا أراد أن يستأني ذلك أخرجه أبو داود في المراسيل عن موسى بن إسماعيل عن أبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن سليمان بن يسار مولى ميمونة وأبي سلمة بن عبد الرحمن انتهى. وقال الحافظ في فتح الباري: أخرج أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام أخبرني يحيى بن سعيد وهو الأنصاري سمعت أبا أمامة بن سهل قال: كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها في آخر ذي الحجة قال أحمد: هذا الحديث عجيب انتهى. قال الحافظ: وهو قول عمر بن عبد العزيز وأبي سلمة وسليمان بن يسار وغيرهم وقال به ابن حزم متمسكاً بعدم ورود نص بالتقييد وأخرج ما رواه ابن أبي شيبة من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار قالا: عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله قال: أي ابن حزم وهذا سند صحيح إليهما لكنه مرسل انتهى. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: وقيل إن وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة وبه قال إبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهو قول غريب انتهى. قلت: رواية سليمان بن يسار مرسلة لا يحتج بها. وكذا أثر أسعد أبي أمامة بن سهل لا تقوم به الحجة لأنه ليس من قبيل المرفوع بل ولا الموقوف لأن أبا أمامة بن سهل بن حنيف ولد قبل وفاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعامين فليس مراسيله كمراسيل الصحابة] التعليق المغني على الدارقطني 4/ 275 - 258. إذا تقرر هذا فلا يصح الاعتماد على هذا الحديث ولا على ما قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار ولا على ما قاله ابن حزم. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز ذبح الأضاحي بعد فوات وقتها الشرعي إلا للضرورة الملحة كما في حالة فرض نظام حظر التجول طوال أيام العيد

حكم الاستدانة ليعق عن المولود

الأربعة، فيجوز ذبح الأضاحي وإن خرج وقت الذبح، ولكن يجب المسارعة في ذلك بمجرد زوال العذر ....... حكم الاستدانة ليعق عن المولود يقول السائل: إنه رزق ببنت ولا يملك ثمن العقيقة فهل يستدين ليعق عن بنته؟ الجواب: العقيقة من السنن الثابتة عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقد ثبت في الحديث عن سلمان بن عامر الضبي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى) رواه البخاري. وعن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمَّى) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عقّ عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً) رواه أبو داود وقال النووي: إسناده صحيح. المجموع 8/ 428 وغير ذلك من الأحاديث. ولا شك أن إحياء السنن النبوية أمر مطلوب شرعاً من المسلم فينبغي المحافظة على هذه السنة في حق كل من كان مستطيعاً لها، فالأفضل لمن أراد العقيقة أن يكون مستطيعاً فإذا كانت الواجبات الشرعية كالحج قد اشترط فيها الاستطاعة فمن باب أولى السنن. وقال بعض أهل العلم إن العقيقة مشروعة في حق الفقير الذي لا يملك ثمنها، بل إن الإمام أحمد يرى أنه يستحب للمسلم إن كان معسراً أن يستقرض ويشتري عقيقة ويذبحها إحياءً للسنة، وقد ورد عن الإمام أحمد وقد سئل عن العقيقة إن استقرض، قال الإمام أحمد: [رجوت أن يخلف الله عليه، أحيا سنة]. وسأله ابنه صالح: [الرجل يولد له وليس عنده

ما يعق أحب إليك أن يستقرض ويعق عنه أم يؤخر ذاك حتى يوسر؟ قال: أشد ما سمعنا في العقيقة حديث الحسن عن سمرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كل غلام مرتهن بعقيقته) وإني لأرجو إن استقرض أن يعجل الله الخلف لأنه أحيا سنة من سنن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واتبع ما جاء عنه. تحفة المودود ص 50 - 51 ....... وعقَّب ابن المنذر على كلام الإمام أحمد بقوله: [صدق أحمد إحياء السنن واتباعها أفضل وقد ورد فيها من الأخبار التي رويناها ما لم يرد في غيرها ولأنها ذبيحة أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها فكانت أولى كالوليمة والأضحية] المغني 9/ 460 وقال ابن القيم معقباً على كلام الإمام أحمد ما نصه: [وهذا لأنه سنة ونسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة الله على الوالدين وفيها سر بديع موروث عن فداء إسماعيل بالكبش الذي ذبح عنه وفداه الله به فصار سنة في أولاده بعده أن يفدي أحدهم عند ولادته كما كان ذكر اسم الله عليه عند وضعه في الرحم حرزاً له من ضرر الشيطان ... ] تحفة المودود ص51 وينبغي أن يعلم أن كثيراً من الناس ينفقون نفقات باهظة عند الولادة في شراء الملابس والحلويات وغيرها ويقيمون حفلات عيد الميلاد المحرمة شرعاً ويبخلون عن العقيقة فلا يعقون عن أولادهم. وخلاصة الأمر أن من لم يملك ثمن العقيقة فلا يلزمه أن يستدين ليعق، ولكن إن استدان وعق فله الأجر والثواب ودَينهُ مقضيٌ بإذنه تعالى لأنه أحيا سنة نبوية .......

المعاملات

المعاملات

المزارعة والإجارة ليستا من طرق تملك الأرض

المزارعة والإجارة ليستا من طرق تملك الأرض يقول السائل: ما قولكم فيما انتشر بين الناس أن من تكون عنده أرض لغيره يزرعها لفترة طويلة كعشرين سنة مثلاً ثم يريد صاحب الأرض استرجاعها وإلغاء عقد المزارعة فيطالب المزارع بتملك جزء من الأرض بحجة أنه كان يعتني بالأرض ويزرعها ويرفض إعادة الأرض لصاحبها إلا باقتطاع جزء منها فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: إن طرق تملك الأرض في الشريعة الإسلامية لا تخرج عن خمسة وهي: أولاً: تملك بالبيع والشراء كأن يشتري شخص قطعة أرض فيصبح مالكاً لها حر التصرف فيها بعد إتمام عقد البيع. ثانياً: تملك بالهبة: كأن يهب شخص آخر قطعة أرض فيملكها الثاني مجاناً فيصبح حر التصرف فيها. ثالثاً: تملك بإحياء الأرض الموات وهي الأرض التي لا حق فيها لأحد ولا ملك وسأفصل ما يتعلق بإحياء الموات فيما بعد. رابعاً: التملك بالإقطاع وهو أن يقطع إمام المسلمين بعض الرعية أرضاً مواتاً لإحيائها وإعمارها فيصير مالكاً لها

خامساً: التملك بالميراث كأن يرث شخص أرضاً عن أبيه فيصير مالكاً لها. هذه هي طرق تملك الأرض عند العلماء وأما المزارعة فليست طريقاً لتملك الأرض لأن المزارعة في حقيقتها إنما هي فرع من الإجارة والإجارة تعني تملك المنفعة ولا تعني تملك العين المؤجرة فمهما طالت مدة الإجارة تبقى العين المؤجرة ملكاً لصاحبها فلو أن شخصاً سكن في بيت بالإجارة لمدة خمسين عاماً فيبقى البيت لصاحبه ولا يصير ملكاً للمستأجر أبداً. فالمزارعة وهي عقد على الزرع ببعض الخارج من الأرض فلو اتفق مزارع مع صاحب أرض على أن يزرع أرضه مقابل ثلث المحصول واتفقا على أن مدة العقد عشرين سنة فلا يعني هذا العقد أن المزارع يملك شيئاً من الأرض مهما طالت مدة المزارعة. ولعل بعض الناس يظن أنه يتملك الأرض بعد طول المدة لأنه أحياها ولعلهم يحتجون بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني في إرواء الغليل 6/ 4. وهذا الفهم خاطئ تماماً لأن المقصود بإحياء الأرض الموات هي الأرض التي لا مالك لها ولم يتعلق بها أي حق لمسلم أو غير مسلم. فقد روى البخاري في صحيحه بسنده أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أعمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها)، والشاهد في الحديث قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ليست لأحد). وقد ذكر العلماء شروطاً لصحة إحياء الأرض الموات منها أن لا تكون الأرض ملكاً لأحد مسلم أو ذمي وهذا الشرط باتفاق أهل العلم ومنهم من شرط أن يكون الإحياء بإذن الإمام ومنهم من شرط أن تكون الأرض خارج البلد. انظر تفصيل هذه الشروط في ملكية الأرض ص118 فما بعدها ....... وبهذا يظهر لنا أن إحياء الأرض الموات لا يكون في الأراضي المملوكة للناس وإن ترك أصحابها استغلالها ويجب تحذير من يستولون

على أراضي الناس الآخرين بغير حق وأن هذا من الظلم. وقد حرم الله الظلم قال الله تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) سورة غافر الآية 18 وقال تعالى: (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) سورة الحج الآية 71. وجاء في الحديث القدسي فيما يرويه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رب العزة والجلال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) رواه مسلم. وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم. وجاء في خطبة الوداع قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألا إن الله حرم عليكم دمائكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) رواه البخاري. وحذر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشد التحذير من غصب الأراضي وأخذها من أصحابها بغير حق فقد جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) متفق عليه وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه طوقه من سبع أرضين) رواه أحمد بإسنادين أحدهما صحيح، ورواه مسلم إلا أنه قال: (لا يأخذ أحد شبراً من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة) قوله: (طوقه من سبع أرضين) قيل: أراد طوق التكليف لا طوق التقليد وهو أن يطوق حملها يوم القيامة وقيل: إنه أراد أنه يخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة في عنقه كالطوق ....... جاء في الحديث عن سالم عن أبيه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين) رواه البخاري. وعن يعلى بن مرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (أيما

دفع الأجرة حسب السنة الهجرية

رجل ظلم شبراً من الأرض كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ به سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس) رواه أحمد والطبراني وابن حبان وفي رواية لأحمد والطبراني عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (من أخذ أرضاً بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر). وقال الألباني: صحيح. وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أعظم الغلول عند الله عز وجل ذراع من الأرض تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين) رواه أحمد بإسناد حسن والطبراني في الكبير. وقال الألباني: حسن صحيح. وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: (قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من غصب أرضاً ظلماً لقي الله وهو عليه غضبان) رواه الطبراني من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني. وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/ 379 - 381. وخلاصة الأمر أنه يحرم على المسلم أن يأخذ أي جزء من أرض غيره بحجة أنه استأجرها سنوات طويلة لأن المزارعة والإجارة ليستا من طرق تملك الأرض وإنما هما ملك للمنفعة لا ملك للعين. وإن غصب الأرض ظلم عظيم وجريمة كبيرة عقابها في الآخرة شديد والعياذ بالله ....... دفع الأجرة حسب السنة الهجرية يقول السائل: استأجر رجل شقة سكنية واتفق مع مالكها على الأجرة السنوية ولكن صاحب العمارة يطالب بأن تدفع الأجرة حسب السنة الهجرية وليس حسب السنة الميلادية مع العلم أنه لم يتم ذكر السنة الهجرية عند العقد؟ الجواب: يجب أن يعلم أن التاريخ الهجري هو سمة من سمات

الأمة الإسلامية لا يجوز الاستغناء عنه ولا استبداله بالتاريخ الميلادي بشكل تام. ومن المعلوم أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو الذي سنَّ فكرة التأريخ من أول محرم، [قال ابن الأثير: والصحيح المشهور أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر بوضع التأريخ والسبب في ذلك: أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تأريخ. فجمع عمر الناس للمشورة فقال بعضهم: أرخ بمبعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال بعضهم: بمهاجرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال عمر: بل نؤرخ بمهاجرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل، قال الشعبي: وقال محمد بن سيرين: قام رجل إلى عمر، فقال: أرخوا، فقال عمر: ما أرخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر حسن فأرخوا فاتفقوا على الهجرة ثم قالوا: من أي الشهور؟ فقالوا: من رمضان، ثم قالوا: فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام فأجمعوا عليه] التشبه المنهي عنه ص 543 - 544. إن علماء الأمة قد كرهوا استعمال التقويم الميلادي لما له من ارتباط ديني عند النصارى وهو ميلاد عيسى عليه السلام ولا يجوز التشبه بهم في أمر دينهم، فالأصل عند المسلمين هو استعمال التقويم الهجري حيث إن هذا التقويم مرتبط بعبادات المسلمين كصوم رمضان والحج والزكاة وغير ذلك ....... قال القرطبي: تعليقاً على قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) سورة التوبة الآية 36. قال: [هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام في العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهراً لأنها مختلفة الأعداد منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص] تفسير القرطبي 8/ 133.

والأصل أن نستعمل التقويم الهجري ولا بأس باستعمال التقويم الميلادي إلى جانبه. ولكن ومع الأسف الشديد تخلى المسلمون بشكل عام عن التقويم الهجري واستعملوا التقويم الميلادي وصار التقويم الميلادي هو المعتمد في كل شؤون الناس تقريباً وفي مختلف شؤون الحياة ومن ضمن ذلك عقود الاستئجار وصار هذا عرفاً عاماً عند الناس فإذا استأجر شخص بيتاً لمدة سنة واحدة على أن يدفع الأجرة في آخرها. فالمعروف عند الناس أنها سنة ميلادية ويجب دفع الأجرة في 31 كانون الثاني. واستعمال التقويم الميلادي بهذه الطريقة واستبعاد التقويم الهجري لا شك أنه أمر محزن وهو من مظاهر ضعف المسلمين وهوانهم والمشتكى إلى الله. ومع ذلك فإن عرف الناس باستعمال التقويم الميلادي في معاملاتهم معتبر شرعاً ويجب الالتزام به ما دام لم ينص على غيره والعرف والعادة يجب الالتزام بهما شرعاً عند عدم مخالفة نص شرعي أو شرط لأحد المتعاقدين وقد وضع الفقهاء عدة قواعد فقهية مبنية على اعتبار العرف والعادة منها قاعدة (العادة محكمة) أي أن للعادة في نظر الشارع حاكمية تخضع لها أحكام التصرفات فتثبت تلك الأحكام على وفق ما تقضي به العادة أو العرف إذا لم يكن هناك نص شرعي مخالف لتلك العادة. انظر المدخل الفقهي فقرة 604 ....... ومنها قاعدة (استعمال الناس حجة يجب العمل بها). ومنها قاعدة (المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً) ومعنى ذلك إن ما تعارف الناس عليه في معاملاتهم فهو قائم مقام الشرط وإن لم يذكر صراحة في العقد. وبناء على ما تقدم فلا يجوز شرعاً لصاحب العمارة أن يطالب المستأجر بدفع أجرة الشقة حسب التقويم الهجري لأن العرف العام جار باستعمال التقويم الميلادي وعرف الناس معتبر. قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته: والعرف له اعتبار .. فلذا الحكم عليه قد يدار

شركات التسويق الهرمي

انظر نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف في الجزء الثاني من رسائل العلامة ابن عابدين ص112. ولا يقبل تفسير مالك العمارة للسنة بأنها هجرية مع أن العرف العام يقرر أنها السنة الميلادية فلو فرضنا أن شخصاً أجّر بيتاً لآخر بمائة دينار في الشهر وكانا يسكنان في الضفة الغربية ولم يذكرا أن المقصود بالدينار هو الدينار الأردني فقال صاحب البيت أريد مائة دينار كويتي فنقول له مطالبتك باطلة لأن الدينار في بلادنا إذا أطلق ينصرف إلى الدينار الأردني فقط ولا ينصرف إلى غيره إلا بالنص عليه. ونقل ابن عابدين عن ابن نجيم قوله: [أما العادة إنما تعتبر إذا اطردت أو غلبت ولذا قالوا في البيع لو باع بدراهم أو دنانير في بلد اختلف فيها النقود مع الاختلاف في المالية والرواج انصرف إلى الأغلب قال في الهداية لأنه هو المتعارف فينصرف المطلق إليه] رسالة رسم المفتي ص44 ضمن الجزء الأول من مجموعة رسائل ابن عابدين. وعليه فلو نص صاحب العمارة المذكور على أن مدة الإجارة سنة هجرية فله ذلك وأما مع عدم النص على نوع السنة فإنها تنصرف إلى ما تعارف الناس عليه وهو السنة الميلادية ....... شركات التسويق الهرمي يقول السائل: هنالك شركة على شبكة الإنترنت تسمى بزناس تقوم بتسويق برامج كمبيوتر للتعليم وتقدم مواقع وبريد إلكتروني على شبكة الإنترنت وغير ذلك. وتقوم الشركة بتسويق برامجها بشكل مباشر للزبائن وتعطي كل زبون الحق في تسويق برامجها إلى آخرين مقابل عمولات يحصل عليها الزبون عند اكتمال عدد محدد من الزبائن المشترين الذين يقنعهم بشراء منتجات الشركة كما أن الشركة تعطي نفس الحق للزبائن الجدد وهكذا.

فما قولكم في هذه الطريقة مع العلم أن المسوق قد يحصل على مبالغ كبيرة شهرياً؟ الجواب: بعد الإطلاع على نظام عمل الشركة المذكورة والنظام الذي تتبعه في تسويقها لمنتجاتها وبعد الإطلاع على بعض الفتاوى التي نشرتها الشركة في موقعها على الإنترنت والتي تجيز معاملات الشركة. وبعد الإطلاع على آراء أخرى في الموضوع يظهر لي أن أسلوب تعامل الشركة غير شرعي لما يلي: إن معاملة الشركة المذكورة تقوم على الغرر وهو ما كان مجهول العاقبة لا يدرى هل يحصل أم لا؟ وقد صح في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم. فمعاملة الشركة كأنها نوع من القمار حيث إن الزبون يدفع مبلغاً من المال وهنالك احتمال أن يربح أو لا يربح ....... يقول د. سامي السويلم: [إن الدخول في هذا البرنامج في حقيقته مقامرة: كل يقامر على أنه سيربح قبل توقف الهرم. ولو علم الشخص أنه سيكون من المستويات الدنيا حين يتوقف الهرم لم يكن ليقبل بالدخول في البرنامج ولا بربع الثمن المطلوب ولو علم أنه سيكون من المستويات العليا لرغب في الدخول ولو بأضعاف الثمن. وهذا حقيقة الغرر المحرم إذ يقبل الشخص بالدخول على أمل الإثراء حتى لو كان احتمال تحقق هذا الأمل ضعيفاً جداً من حيث الواقع. فالثراء هو الذي يغري المرء لكي يدفع ثمن الانضمام للبرنامج فهو يغره بالأحلام والأماني والوهم بينما حقيقة الأمر أن احتمال خسارته أضعاف احتمال كسبه. قد يقال بيعتان في بيعة: عن الثمن الذي يدفعه المشترك هو مقابل السلعة وليس مجرد الانضمام للبرنامج فهو ينتفع بشراء السلعة سواء استمر الهرم في النمو أم لا. وهذه هي الحجة التي تستند إليها الشركات التي تنفذ البرامج في إقناع الجمهور بأنها تختلف عن البرامج الممنوعة قانوناً. لكن الجميع يعلم أن الذي ينضم إلى هذا البرنامج لا يريد السلعة ذاتها بل يريد الانضمام للبرنامج الهرمي وهذا معنى

قاعدة منع بيعتين في بيعة وأصل ذلك أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيعتين في بيعة وحقيقة بيعتين في بيعة أنها محاولة للالتفاف على الأحكام الشرعية من خلال ضم عقد غير مقصود للطرفين أو لأحدهما من أجل تنفيذ العقد الآخر ولو استقل العقد الآخر لم يكن جائزاً. وفي برامج التسويق الهرمي فإن امتلاك السلعة غير مقصود للمشتري ولا مراد له بل مراده هو الانضمام للبرنامج على أمل الثراء السريع فالشراء مجرد ستار للانضمام للبرنامج بينما الانضمام للبرنامج مقابل ثمن من الغرر وأكل المال بالباطل] مقال منشور على شبكة الإنترنت ....... ويقول د. حامد العلي: [ثم بعد ذلك توالت علينا أسئلة كثيرة تسأل عن بزناس وهي شركة على شبكة الإنترنت تقوم بعمليات تجارية تبين لنا بعد ذلك أنها تدخل فيما يسمى برامج التسلسل الهرمي أو شبكات التسويق وبعد النظر في حقيقة ما تقوم به تبين لي أنها معاملات محرمة تشتمل على الغش والخداع والوهم وتتضمن مقامرة وغرراً وعليه فلا يجوز التعامل مع الشركة المذكورة وأرجو من كل من اغتر بإدراجهم فتواي أن يتنبه إلى أن الفتوى لا تنطبق على الشركة وإنما تدل على منطوقها المحدد بجواز المعاملة المحددة التي نصت عليها الفتوى فحسب وأما الشركة المذكورة فقد تبين لنا تحريم التعامل معها لأن معاملاتها الحقيقية أشد تعقيداً وأبعد مدى بكثير مما تظهره في سؤالها للعلماء. ونهيب بكل العلماء الذين استطاعت الشركة المذكورة أن تحصل على فتاواهم في إباحة تعاملاتها اعتماداً على إبراز سؤال لا يعبر عن حقيقتها أن ينبهوا إلى خطر ما تقوم به هذه الشركة ويحذروا من استغلال فتاواهم في إباحة تعاملاتها] فتوى منشورة على شبكة الإنترنت. وأنصح من يريد الحصول على معلومات أكثر عن هذا الموضوع أن يقرأ الدراسة المفصلة التي أعدها د. سامي السويلم عضو الهيئة الشرعية لشركة الراجحي وهي منشورة على الإنترنت www.islamtoday.net وخلاصة الأمر يبدو لي أنه لا يجوز التعامل مع شركة بزناس لأن فكرتها كثيرة الشبه بالقمار .......

عقد المقاولة

عقد المقاولة

يقول السائل: إنه يعمل مقاولاً في مجال البناء والطرق وإنه يقوم أحياناً بإعطاء بعض الأعمال التي يحصل عليها لمقاول آخر فما حكم ذلك؟ وما الحكم فيما لم يتمكن من الوفاء بالمدة المتفق عليها في العقد بسبب فرض نظام حظر التجول مع العلم أنه قد اشترط عليه ذلك ويوجد في العقد شرط جزائي يطبق في حالة الإخلال؟ الجواب: عقد المقاولة من العقود المستحدثة ولم يعرفه الفقهاء المتقدمون وإنما تحدث عنه القانونيون والفقهاء المعاصرون. والمقاولة عبارة عن عقد يتعهد المقاول بمقتضاه أن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به الطرف الآخر ويمكن تخريج عقد المقاولة على عقد الاستصناع المعروف في الفقه الإسلامي أو على عقد الإجارة وكل منهما عقد صحيح شرعاً وقد قامت الأدلة الشرعية على اعتبارهما. انظر الوسيط في شرح القانون المدني 7/ 5 ....... وينبغي أن يعلم أنه يجوز شرعاً استحداث عقود جديدة لم تكن معروفة عند الفقهاء المتقدمين إذا كانت ضمن القواعد العامة للفقه الإسلامي [وهذه المسألة تسمى بمدى الحرية التعاقدية في الفقه الإسلامي، وقد اختلف فيها الفقهاء، فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأصل في إنشاء العقود الإباحة وأن الناس أحرار في إنشاء عقود جديدة ما لم تكن مخالفة لنصوص الشرع الشريف. وقد دافع شيخ الإسلام ابن تيمية بشدة عن مذهب القائلين بالإباحة وقد استدل الجمهور بالكتاب والسنة والمعقول. أما

الكتاب فقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) سورة المائدة الآية 1. وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) سورة الإسراء الآية 34. وغير ذلك من الآيات الدالة على وجوب الوفاء بالعقود يقول ابن تيمية: [فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالوفاء بالعقود وهذا عام. وكذلك أمر بالوفاء بعهد الله وبالعهد وقد دخل في ذلك ما عقده المرء على نفسه بدليل قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا) سورة الأحزاب الآية 15. فدل على أن عهد الله يدخل فيه ما عقده المرء على نفسه وإن لم يكن الله قد أمر بنفس ذلك المعهود عليه قبل العهد كالنذر والبيع. وقال سبحانه: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) سورة النساء الآية 1. قال المفسرون (تساءلون به) تتعاهدون وتتعاقدون وذلك لأن كل واحد من المتعاقدين يطلب من الآخر ما أوجبه العقد من فعل أو ترك أو مال أو نفع أو نحو ذلك وجمع سبحانه في هذه الآية وسائر السورة أحكام الأسباب التي بين بني آدم المخلوقة كالرحم والمكسوبة كالعقود التي يدخل فيها الصهر.] مجموع الفتاوى 29/ 138 - 139. وكذلك تدل مجموعة كبيرة من الأحاديث الشريفة على وجوب الوفاء بالعقود والوعود ...... والعهود وأن مخالفة الوعد من علامات النفاق إضافة إلى أحاديث خاصة في الموضوع منها قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ (المسلمون عند شروطهم) أي بدون الاستثناء. وآثار الصحابة تشهد على ذلك بل يقول ابن تيمية: [إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً] مجموع الفتاوى 29/ 516 والقواعد النورانية ص53. ثم إن أساس العقود هو التراضي وموجبها هو ما أوجبه العاقدان على أنفسهما] عقد الاستصناع د. علي القرة داغي مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/ 2/350 - 352.

فعقد المقاولة من العقود المعتبرة شرعاً ويصح التعامل به إذا توفرت فيه شروط الانعقاد فلا بد من توافق الإيجاب والقبول ليتم التراضي بين صاحب العمل والمقاول على ماهية العمل الذي سيؤديه المقاول لصاحب العمل والأجر الذي يتقاضاه المقاول. ولا بد من بيان ذلك بياناً واضحاً قاطعاً للنزاع والخلاف. ومن المعروف أنه في المقاولات الكبيرة يكون هنالك ملحقات للعقد تتعلق بالمواصفات والشروط التي يجب أن يلتزم بها المقاول فهذه تكون تابعة للعقد. انظر الوسيط في شرح القانون المدني 7/ 36 - 38 ....... إذا تقرر هذا فإنه يجوز للمقاول أن يتفق مع مقاول آخر على تنفيذ بعض الأعمال ضمن العقد الأساسي وهذا يسمى المقاولة من الباطن بشرط أن لا يكون هناك نص في العقد يمنع ذلك فإذا شرط صاحب العمل على المقاول أن ينفذ العمل بنفسه فلا يجوز للمقاول أن يتعاقد مع آخر لتنفيذ العمل كله أو بعضه وأما إذا لم يكن هذا الشرط موجوداً فحينئذ يجوز للمقاول أن يتعاقد مع آخر لتنفيذ العمل كله أو بعضه ويشترط أن يكون هنالك انفصال تام بين العقدين. فتاوى الاستصناع والمقاولات ص65. وأما بالنسبة للإخلال بالمدة المتفق عليها في عقد المقاولة فإن الأصل أن يلتزم المسلم بما قبله من شروط لما سبق في الحديث (المسلمون عند شروطهم) وفي الغالب يكون هنالك في عقود المقاولة شرط جزائي لضبط التزام المقاول بتسليم العمل في مدة معينة فإذا أخل المقاول بهذا الشرط فإنه يتحمل نتيجة ذلك. هذا إذا كانت الظروف والأوضاع طبيعية وأما إذا وقع الخلل بسبب أمور خارجة عن إرادة المقاول كظروف فرض نظام حظر التجول مثلاً فأرى أن لا يطبق عليه الشرط الجزائي لأنه لم يقصر من تلقاء نفسه بل فرضت عليه ظروف قاهرة وخارجة عن إرادته ولا بد من التراحم بين المتعاقدين وأن تقدر تلك الظروف القاهرة بتقدير صحيح فالشرط الجزائي شرط صحيح معتبر شرعاً ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له شرعاً

ولا شك أن الظروف التي ذكرها السائل تعتبر عذراً شرعياً لإخلاله بالمدة المشروطة في العقد ....... وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي عقد المقاولة في دورته الرابعة عشر وجاء في قراره ما يلي: [بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع عقد المقاولة والتعمير: حقيقته، وتكييفه وصوره وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ومراعاة أدلة الشرع وقواعده ومقاصده ورعاية للمصالح العامة في العقود والتصرفات. ونظراً لأهمية عقد المقاولة ودوره الكبير في تنشيط الصناعة وفتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي قرر ما يلي: عقد المقاولة - عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً مقابل بدل يتعهد به الطرف الآخر - وهو عقد جائز سواء قدم المقاول العمل والمادة وهو المسمى عند الفقهاء بالاستصناع أو قدم المقاول العمل وهو المسمى عند الفقهاء بالإجارة على العمل. إذا قدم المقاول المادة والعمل فينطبق على العقد قرار المجمع رقم 365/ 7 بشأن موضوع الاستصناع. إذا قدم المقاول العمل فقط فيجب أن يكون الأجر معلوماً. يجوز الاتفاق على تحديد الثمن بالطرق الآتية: أ. الاتفاق على ثمن بمبلغ إجمالي على أساس وثائق العطاءات والمخططات والمواصفات المحددة بدقة. ب. الاتفاق على تحديد الثمن على أساس وحدة قياسية يحدد فيها ثمن الوحدة والكمية وطبقاً للرسومات والتصميمات المتفق عليها. ج. الاتفاق على تحديد الثمن على أساس سعر التكلفة الحقيقية، ونسبة ربح مئوية، ويلزم في هذه الحالة أن يقدم المقاول بيانات وقوائم مالية دقيقة ومفصلة وبمواصفات محددة بالتكاليف يرفعها للجهة المحددة في العقد ويستحق حينئذ التكلفة بالإضافة للنسبة المتفق عليها.

يجوز أن يتضمن عقد المقاولة شرطاً جزائياً، بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم يكن هناك ظروف قاهرة. ويطبق في هذه الحالة قرار المجمع في الشرط الجزائي رقم 3109/ 12 ....... يجوز في عقد المقاولة تأجيل الثمن كله أو تقسيطه إلى أقساط لآجال معلومة أو حسب مراحل إنجاز العمل المتفق عليها. يجوز الاتفاق على التعديلات والإضافات. إذا أجرى المقاول تعديلات أو إضافات بإذن رب العمل دون الاتفاق على أجرة فللمقاول عوض مثله. إذا أجرى المقاول تعديلات أو إضافات دون اتفاق عليها فلا يستحق عوضاً زائداً على المسمى ولا يستحق عوضاً عن التعديلات أو الإضافات. يضمن المقاول إذا تعدى أو فرَّط أو خالف شروط العقد كما يضمن العيوب والأخطاء التي يتسبب فيها. ولا يضمن ما كان بسبب من رب العمل أو بقوة قاهرة. إذا شرط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه فلا يجوز له أن يتفق مع مقاول آخر من الباطن إذا لم يشرط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه جاز به أن يتفق مع مقاول من الباطن ما لم يكن العمل بعينه مقصوداً أداؤه من المقاول نفسه لوصف مميز فيه مما يختلف باختلاف الأجراء. المقاول مسئول عن عمل مقاوليه من الباطن، وتظل مسؤولية المقاول الأصلية تجاه رب العمل قائمة وفق العقد. لا يقبل في عقد المقاولة اشتراط نفي الضمان عن المقاول. يجوز اشتراط الضمان لفترة محددة.

انخفاض قيمة العملة وأثره على الرواتب المتأخرة

لا يقبل في عقد المقاولة اشتراط البراءة من العيوب طيلة فترة الضمان المنصوص عليها في العقد] قرارات مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عشرة. وخلاصة الأمر أن عقد المقاولة عقد معتبر شرعاً ويجوز للمقاول أن يتفق مع مقاول آخر من الباطن بموافقة صاحب العمل ويجب الالتزام بالشرط الجزائي ما لم تكن هناك ظروف قاهرة خارجة عن إرادة المقاول ....... انخفاض قيمة العملة وأثره على الرواتب المتأخرة يقول السائل: إنه يعمل في إحدى المؤسسات وإن هذه المؤسسة قد تأخرت في دفع بعض رواتب موظفيها لعدة شهور وخلال هذه الفترة انخفضت قيمة العملة فهل يجوز للموظفين أن يطالبوا المؤسسة بتعويضهم عن انخفاض العملة؟ الجواب: إن الأصل المقرر في الفقه الإسلامي أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (أتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء) وفي رواية أخرى: (أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي (فابن عمر كان يبيع الإبل بالدنانير أو الدراهم وقد يقبض الثمن في الحال وقد يبيع بيعاً آجلاً وعند قبض الثمن ربما لا يجد مع المشتري بالدنانير إلا دراهم وقد يجد مع من اشترى بدراهم ليس معه إلا دنانير أفيأخذ قيمة الثمن يوم ثبوت الدين أم يوم الأداء؟ مثلاً إذا باع بمئة دينار وكان سعر الصرف:

الدينار بعشرة دراهم أي أن له ما قيمته ألف درهم وتغير سعر الصرف فأصبح الدينار مثلاً بأحد عشر درهماً أفيأخذ الألف أم ألفاً ومئة؟ وإذا أصبح بتسعة دراهم فقط أفيأخذ تسعمئة درهم يمكن صرفها بمئة دينار يوم الأداء أم يأخذ ألف درهم قيمة مئة الدينار يوم البيع؟ بين الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن العبرة بسعر الصرف يوم الأداء وابن عمر الذي عرف الحكم من الرسول الكريم سأله بكر بن عبد الله المزني ومسروق العجلي عن كرَّيٍ لهما له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير فقال ابن عمر: أعطوه بسعر السوق ....... فهذا الحديث الشريف يعتبر أصلاً في أن الدين يؤدى بمثله لا بقيمته حيث يؤدي عن تعذر المثل بما يقوم مقامه وهو سعر الصرف يوم الأداء، يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 جزء 3 ص1727 - 1728. وهذا مذهب أكثر الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، حيث إنهم يرون أن الدين إذا استقر في ذمة المشتري بمقدار محدد فالواجب هو تسديد ذلك المقدار بدون زيادة أو نقصان فالديون تقضى بأمثالها في حالة الرخص والغلاء ولا تقضى بقيمتها جاء في المدونة: [كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا] المدونة 4/ 25. وقال أبو إسحاق الشيرازي: [ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل لأن مقتضى القرض رد المثل] المهذب مع المجموع 12/ 185. وقال الكاساني: [ولو لم تكسد - النقود - ولكنها رخصت قيمتها أو غلت لا ينفسخ البيع بالإجماع وعلى المشتري أن ينقد مثلها عدداً ولا يلتفت إلى القيمة هاهنا] بدائع الصنائع 5/ 542. وقال الشيخ ابن عابدين في رسالته عن النقود: [. لأن الإمام الإسبيجاني في شرح الطحاوي قال: وأجمعوا على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد] رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود 2/ 60 ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [لا يجب في الفرق إلا رد المثل بلا زيادة] مجموع الفتاوى 29/ 535.

وقال العلامة الغزي: [أما إذا غلت قيمتها أو ازدادت، فالبيع على حاله، ولا يتخير المشتري، ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع، كذا في فتح القدير. وفي البزازية معزياً إلى المنتقى: [غلت الفلوس أو رخصت فعند الإمام الأول والثاني أولاً ليس عليه غيرها) رسالة بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود ص 83 - 84 ....... ويضاف إلى ما سبق أن معظم فقهاء العصر يرون أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها إلا إذا كان تغير قيمة العملة كبيراً كما ذكرت سابقاً ويرون أن قضاء الديون بقيمتها يعد من الربا المحرم شرعاً [إن الحكم على المدين المماطل بتعويض دائنه بفرق هبوط القوة الشرائية للنقد عقب مطله غير سائغ شرعاً إذ هو وقوع في حمى الربا المحرم تحت ستار تعويض الدائن عن انخفاض القوة الشرائية للنقود، بل إن الدائن ليحصل في كثير من الأحيان باسم ذلك التعويض على ما يزيد قدراً ويفوق جوراً الفوائد التأخيرية في البنوك الربوية] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص500. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 3/ 2261 ومن المعلوم أيضاً أن المدين ليس له علاقة بانخفاض قيمة العملة حتى نقول بأن عليه أن يدفع الفرق فالمدين غير مسؤول عن ذلك حيث إن تغير قيمة العملة ينتج عن أمور كثيرة سياسية كانت أو اقتصادية أو غير ذلك فلا يصح أن نحمل أحد الطرفين مسؤولية ذلك الانخفاض لأن في تحميل المدين نتيجة الانخفاض رفع للظلم عن الدائن ووضعه على المدين وفي القواعد المقررة شرعاً أن الضرر لا يزال بمثله وكذلك فإن الظلم لا يزال بظلم. كما أن انخفاض قيمة العملة عندما يقع فإنه يصيب الأموال ولو كانت بأيدي أصحابها فمثلاً لو أن الموظف المذكور في السؤال قبض رواتبه

أثر وفاة أحد الشركاء على الشركة

من المؤسسة في أوقاتها وادخرها إلى الآن فإن انخفاض قيمة العملة سيؤثر عليها بلا شك فهذا الانخفاض ناتج عن أسباب خارجة عن إرادة الموظف والمؤسسة التي يعمل بها. انظر أحكام صرف النقود ص191 - 192. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز للدائن المطالبة بفرق العملة من المدين نتيجة انخفاض قيمة العملة وخاصة أن هذا الانخفاض ليس كبيراً أي لا يتجاوز الثلث الذي اعتبره الفقهاء حداً فاصلاً بين القليل والكثير ....... أثر وفاة أحد الشركاء على الشركة يقول السائل: إن والده قد توفي وكان شريكاً في شركة تجارية مع عدد من الأشخاص فما مصير مشاركته وهل يحل الورثة محله في الشركة المذكورة؟ الجواب: اتفق الفقهاء على أن موت أحد الشريكين أو الشركاء يعتبر من أسباب انتهاء الشركة فتبطل الشركة إذا مات أحد الشركاء فإذا لم يكن في الشركة سوى اثنان فمات أحدهما بطلت الشركة وأما إذا كانت الشركة بين أكثر من اثنين فتبطل الشركة في حق من مات وأما شركة الباقين على قيد الحياة فلا تبطل وقد نص الفقهاء على أن الشركة تبطل بموت أحد الشريكين قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والشركة من العقود الجائزة تبطل بموت أحد الشريكين] المغني 5/ 18. وجاء في الهداية من كتب الحنفية: [وإذا مات أحد الشريكين بطلت الشركة] وقال الكمال بن الهمام شارحاً لكلام صاحب الهداية: [وإنما بطلت بالموت لأنها تتضمن الوكالة أي مشروط ابتداؤها وبقاؤها بها ضرورة فإنها لا يتحقق ابتداؤها إلا بولاية التصرف لكل منهما في مال الآخر ولا تبقى الولاية إلا ببقاء الوكالة] شرح فتح القدير 5/ 412.

وجاء في المادة رقم 1352 من مجلة الأحكام العدلية ما نصه: [إذا توفي أحد الشريكين أو جن جنوناً مطبقاً تنفسخ الشركة أما في صورة كون الشركاء ثلاثة أو أكثر فيكون انفساخ الشركة في حق الميت أو المجنون فقط وتبقى الشركة في حق الآخرين] وقال شارح المجلة علي حيدر: [تنفسخ شركة العقد بثمانية أوجه: ...... أولاً: إذا توفي أحد الشريكين. ثانياً: إذا جن أحدهما جنوناً مطبقاً. ثالثاً: إذا حجر أحدهما. رابعاً: إذا فسخ أحد الشريكين الشركة. خامساً: إذا أنكر أحد الشريكين الشركة. سادساً: إذا هلك مجموع رأس مال الشركة. سابعاً: إذا تلف رأس مال أحدهما قبل الخلط وقبل الشراء. ثامناً: إذا كانت الشركة مؤقتة وانقضت مدتها لأنه يقتضي أن تتضمن الشركة الوكالة كما جاء في المادة (1333) وكما أنه يشترط وجود الوكالة المذكورة ابتداءً يشترط وجودها بقاءً أيضاً وبما أنه بوفاة الشريك أو بجنونه جنوناً مطبقاً تبطل الوكالة فتنفسخ الشركة أيضاً. انظر المادتين (1528 و1530) وقد جاء في الطحطاوي (وإنما بطلت الشركة لبطلان الوكالة وإن كانت تابعة لها والمتبوع لا يبطل ببطلان التابع إلا أن الوكالة شرطها ولا يتحقق المشروط بدون شرط). والمقصود من الشركة هنا شركة العقد كما أشير إلى ذلك شرحاً أما شركة الملك فلا تنفسخ بوفاة أحد الشريكين بل تبقى شركة بين الشريك الحي وبين ورثة الشريك الميت. ولنوضح الآن هذه الأمور الثمانية: وفاة أحد الشريكين، إذا توفي أحد الشريكين تنفسخ الشركة ولو لم يعلم الشريك الآخر بوفاته لأنه عزل حكمي فلا يشترط فيه العلم] درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 367 - 368 ....... وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية في بيان أسباب انتهاء الشركة: [موت أحدهما: لأن الموت مبطل للوكالة، والوكالة الضمنية جزء من ماهية الشركة لا تنفك عنها ابتداءً ولا بقاءً، ضرورة الحاجة إلى ثبوت واستمرار ولاية التصرف لكلا الشريكين عن الآخر، منذ قيام الشركة إلى انتهائها. إلا أن بطلان الشركة في الأموال بالموت، لا يتوقف على علم الشريك به؛ لأنه عزل حكمي غير مقصود لا يمكن تقديمه وتأخيره، إذ بمجرد الموت ينتقل

شرعاً ملك مال الميت إلى ورثته، فلا يمكن إيقاف ما نفذه الشرع. وإنما تبطل الشركة بالموت بالنسبة للميت. فإذا لم يكن له سوى شريك واحد لم يبق شيء من الشركة بالضرورة، أما إذا كان له أكثر من شريك، فإن شركة الباقين على قيد الحياة باقية. ونص على هذا المبطل أيضاً الشافعية والحنابلة] الموسوعة الفقهية الكويتية 26/ 88 - 89. وكذلك فإن القانون المدني قرر انتهاء الشركة بموت أحد الشريكين كما في الوسيط في شرح القانون المدني 5/ 361 ....... وينبغي أن يعلم أنه لا مانع شرعاً أو قانوناً من استمرار الشركة بعد وفاة أحد الشركاء ويحل الورثة محل الشريك الميت ويمكن أن ينص على ذلك في عقد الشركة ابتداءً بأنه إذا مات الشريك الفلاني حلَّ ورثته محله. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فإن مات أحد الشريكين وله وارث رشيد فله أن يقيم على الشركة ويأذن له الشريك في التصرف. وله المطالبة بالقسمة فإن كان مولياً عليه قام وليه مقامه في ذلك إلا أنه لا يفعل إلا ما فيه المصلحة للمولي عليه فإن كان الميت قد وصَّى بمال الشركة أو ببعضه لمعين فالموصَى له كالوارث فيما ذكرنا. وإن وصَّى به لغير معين كالفقراء لم يجز للوصي الإذن في التصرف. لأنه قد وجب دفعه إليهم فيعزل نصيبهم ويفرقه بينهم وإن كان

استخدام سيارة العمل في الأمور الخاصة

على الميت دين تعلق بتركته فليس للوارث إمضاء الشركة حتى يقضي دينه فإن قضاه من غير مال الشركة فله الإتمام وإن قضاه بطلت الشركة في قدر ما قضى] المغني 5/ 19 ....... ويجوز استمرار الشركة بعد وفاة أحد الشركاء إما باستئناف عقد جديد ويعطى نصيب الشريك المتوفى إلى ورثته، وإما أن تستمر الشركة مع الورثة فإن كان الورثة راشدين تولوا ذلك بأنفسهم وإن كانوا قاصرين تولى ذلك الولي أو الوصي جاء في فتح العزيز ما نصه: [تنفسخ الشركة بموت أحد المتعاقدين وجنونه وإغمائه كالوكالة ثم في صورة الموت إن لم يكن على الميت دين ولا هناك وصية فللوارث الخيار بين القسمة وتقرير الشركة إن كان بالغاً رشيداً وإن كان مولياً عليه لصغر أو جنون فعلى وليه ما فيه الحظ والمصلحة من الأمرين وإنما يقرر الشركة بعقد مستأنف وإن كان على الوارث دين فليس للوارث تقرير الشركة إلا إذا قضي الدين في موضع آخر وإن كان هناك وصية نظر إن كانت الوصية لمعين فهو كأحد الورثة وإن كانت لغير معين كالفقراء لم يجز تقرير الشركة حتى تخرج الوصية] الشركات 1/ 348 - 349. وقال الدكتور صالح المرزوقي: [والشركة وإن كانت من العقود الجائزة إلا أنها أيضاً عقد مستمر فقد أجاز الفقهاء في حالة وفاة أحد الشركاء استمرارها بين الآخرين إذا كانوا اثنين فأكثر ويجوز استمرارها مع ورثة المتوفى إذا اتفقوا على ذلك ومثله المجنون والمحجور عليه فهي لا تنفسخ بالموت أو بالجنون أو غيرها إلا في حق كل واحد منهم فلا تنفسخ في حق الشركاء الآخرين ولكنها تبقى مستمرة بينهم وكما ذكرنا فإنه يمكن أيضاً استمرارها مع ورثة المتوفى ومع ولي المجنون ونحو ذلك جاء في مغني المحتاج: [ولو مات أحد الشريكين وله وارث غير رشيد ورأى الولي المصلحة في الشركة استدامها] على خلاف بين الفقهاء هل هي استمرار للعقد السابق وهو الراجح أو ابتداء عقد جديد] شركة المساهمة ص331. وهذا ما قرره القانون الوضعي أيضاً انظر الوسيط 5/ 364 - 365. وخلاصة الأمر أنه يجوز استمرار الورثة برضاهم أجمعين في الشركة التي كان والدهم شريكاً فيها ............. استخدام سيارة العمل في الأمور الخاصة يقول السائل: إنه يعمل في إحدى المؤسسات العامة وإن المؤسسة قد جعلت تحت تصرفه سيارة ليستخدمها في العمل فما مدى حريته في استخدام سيارة المؤسسة؟ الجواب: إن من الموظفين العاملين في المؤسسات العامة كالوزارات والجامعات والشركات العامة يسيئون استخدام الأموال العامة وما هو في حكمها كالتلفونات والسيارات والمعدات والقرطاسية وغير ذلك. وينبغي التوضيح أولاً أن أموال هذه الجهات وما في حكمها من

أدوات مختلفة تعتبر من المال العام المملوك لعامة المسلمين في ذلك البلد والمال العام له حرمة في الشرع كالمال الخاص بل أشد لذا يحرم التساهل في استخدام المال العام وكأنه لا مالك له. وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حرمة الخوض في الأموال العامة، قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) سورة البقرة 188، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) سورة النساء الآية 29. وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى: (وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة) رواه مسلم ............. وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: [قوله (يتخوضون في مال الله بغير حق) أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل] فتح الباري 6/ 263. ومن العلماء من جعل المال العام كمال اليتيم بالنسبة للولي لا يتصرف فيه إلا بما يحقق مصلحة اليتيم ونقل مثل ذلك عن عمر - رضي الله عنه - ومن القصص المشهورة عن عمر بن عبد العزيز أنه كان عنده مصباحان أحدهما للدولة يستعمله عند قضاء مصالحها والآخر مصباح شخصي له يشعله إذا انتهى من مصالح الدولة.

إذا تقرر هذا فأعود إلى السؤال فأقول إن السيارة التي أعطتك إياها المؤسسة لتستخدمها في العمل يجب أن يكون استخدامها في نطاق العمل وما يخدمه وبالتالي لا يجوز استخدامها في الأمور الخاصة كالذهاب بها في الرحلات أو العمل عليها كسيارة أجرة ونحو ذلك فهذا كسب لا شك حرام. ومثل ذلك استخدام تلفون المؤسسة فينبغي أن يكون في الأصل في شؤون العمل وأما استخدام التلفون في الأمور الشخصية كمن يتصل بمن يريد من أهله وأقاربه خارج البلاد مستعملاً تلفون المؤسسة فلا يجوز ذلك. وقد يغض النظر عن بعض الاتصالات الداخلية التي يجريها الموظف لبعض شؤونه الخاصة وكذا استخدام بعض الأدوات اليسيرة في شؤونه الخاصة مما تعارف الناس عليه كاستخدام ورقة أو تصويرها ونحو ذلك ومن المعروف أن العرف له اعتبار فلذا الحكم عليه قد يدار ولكن لا يجوز التوسع في هذا الباب لأن الأصل حرمة المال العام. وأظن أنه يوجد في بعض المؤسسات العامة أنظمة وتعليمات لتنظيم استخدام الأموال العامة وما في حكمها كالسيارات فإن وجدت مثل هذه الأنظمة والتعليمات فيجب الالتزام بها ....... وينبغي التذكير أن الموظف في الأصل هو بمثابة الأجير والأجير لا بد أن يكون أميناً ويدخل في الأمانة، الأمانة في حسن أداء العمل وتشمل أيضاً الأمانة في استخدام المال العام وتشمل الأمانة في استخدام أدوات العمل وغير ذلك. قال الله تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ). سورة القصص الآية 26. ويقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء الآية 58. ويقول تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) سورة المؤمنون الآية 8. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: (يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) رواه مسلم.

أثر فرض نظام حظر التجول لفترات طويلة على عقود الإجارة

وخلاصة الأمر أن الأصل حرمة الأموال العامة وما في حكمها من الأدوات كالسيارات فلا يجوز استعمالها في الشؤون الشخصية إلا بالمقدار الذي يحقق مصلحة جهة العمل ...... أثر فرض نظام حظر التجول لفترات طويلة على عقود الإجارة يقول السائل: من المعلوم أن كثيراً من المدن الفلسطينية تعاني من فرض نظام حظر التجول لفترات طويلة وقد امتدت في بعض المدن إلى شهور مما أدى إلى إغلاق المحلات التجارية خلال فترات حظر التجول، مما أوقع المستأجرين للمحلات التجارية في خسائر كبيرة نظراً لدفعهم أجرة هذه المحلات وهي مغلقة فهل حالة الإغلاق هذه تلحق بالجوائح التي ذكرت في السنة النبوية؟ الجواب: إن الظروف الطارئة التي حدثت في كثير من مدن الضفة الغربية والتي شملت فرض نظام منع التجول لفترات طويلة تشبه الجائحة التي تجتاح الثمار إلى حدٍ ما، والجائحة عند الفقهاء كل شيء لا يستطاع دفعه لو علم به كسماوي كالبرد والحر والجراد والمطر. ومثل هذه الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها وكل مصيبة عظيمة. انظر معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 1/ 515. وألحق بعض أهل العلم بالآفة السماوية ما يطرأ من أمور غير سماوية كالحرب. انظر الشرح الكبير 3/ 185، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 4/ 426. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فالجائحة هي الآفات السماوية التي لا يمكن معها تضمين أحد مثل الريح والبرد والحر والمطر والجليد والصاعقة ونحو ذلك. وإن أتلفها من الآدميين من لا يمكن ضمانه كالجيوش التي

تنهبها واللصوص الذين يخربونها فخرَّجوا فيه وجهين: أحدهما ليست جائحة لأنها من فعل آدمي. والثاني: وهو قياس أصول المذهب أنها جائحة وهو مذهب مالك كما قلنا مثل ذلك في منافع الإجارة لأن المأخذ إنما هو إمكان الضمان ولهذا لو كان المتلف جيوش الكفار أو أهل الحرب كان ذلك كالآفة السماوية] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 30/ 278. والجائحة لها أثر واضح في التخفيف عمن أصابته ويدل على ذلك عدة أحاديث وردت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها: عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) رواه مسلم. وعن أنس - رضي الله عنه - (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي قالوا: وما تزهي؟ قال: تحمر فقال: إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك؟) رواه مسلم. وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أمر بوضع الجوائح) رواه مسلم ...... ويؤخذ من هذه الأحاديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بوضع الجوائح حتى لا يأكل المسلم مال أخيه بالباطل. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن تعطل منافع المأجور يعد سبباً لفسخ عقد الإجارة وللتخفيف من الأجرة حيث قال: [وتعطل المنفعة يكون بوجهين: أحدهما: تلف العين كموت العبد والدابة المستأجرة والثاني زوال نفعها بأن يحدث عليها ما يمنع نفعها كدار انهدمت وأرض للزرع غرقت أو انقطع ماؤها فهذه إذا لم يبق فيها نفع فهي كالتالفة سواء لا فرق بينهما عند أحد من العلماء]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً [وإن تعطل نفعها بعض المدة لزمه من الأجرة بقدر ما انتفع به كما قال الخرقي فإن جاء أمر غالب يحجر المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد لزمه من الأجرة بمقدار مدة انتفاعه]

مجموع الفتاوى 30/ 288 - 290. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [ولا خلاف بين الأمة أن تعطل المنفعة بأمر سماوي يوجب سقوط الأجرة أو نقصها أو الفسخ وإن لم يكن للمستأجر فيه صنع كموت الدابة وانهدام الدار وانقطاع ماء السماء فكذلك حدوث الغرق وغيره من الآفات المانعة من كمال الانتفاع بالزرع] المصدر السابق 30/ 293 - 294. وينبغي التنبيه لأمرين هامين في هذه المسألة: الأول: إن كثيراً من المستأجرين للمحلات التجارية وكذا لدور السكنى يظلمون المالكين حيث إن أجرة هذه المحلات لا تقابل المنافع التي يحصل عليها المستأجرون كما أن كثيراً من المستأجرين يتمسكون بما يقال إن المستأجر محمي بحكم القانون الوضعي فلا يستطيع المالك إنهاء عقد الإجارة كما أنه لا يستطيع المطالبة بزيادة الأجرة حيث إن كثيراً من المحلات التجارية وكذا دور السكنى مؤجر بثمن بخس إذا ما قيس بما عليه الأجرة في الوقت الحالي ....... الثاني: أرى أن مبدأ التراحم يكاد يكون مغيباً في تعامل المستأجرين والمالكين حتى إنه يمكن القول إن بعض حالات الاستئجار أشبه ما تكون بالغصب حيث إن المستأجر يدفع أجرة قليلة لا تكاد تذكر مع الأجرة الحقيقية وإذا طلب المالك إنهاء عقد الإجارة فأنى يستجاب له!! لهذا كله أرى أن يتحاكم المستأجرون والمالكون إلى شرع الله عز وجل في كل قضاياهم - وليس في هذه المسألة خاصة - وأن يتقوا الله في أنفسهم وفي إخوانهم وأن يتراحموا فيما بينهم يقول الله تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) سورة البلد الآية 17، وورد في الحديث عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال (من لا يرحم لا يرحم) رواه البخاري. وجاء في رواية أخرى عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) رواه البخاري أيضاً. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في

التصرف في الوقف

السماء الرحم شُجْنَةٌ من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. والشجنة أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق. النهاية في غريب الحديث 2/ 447. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال وهو على المنبر (ارحموا تُرحموا واغفروا يغفر الله لكم) رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وهو حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 482. وغير ذلك من النصوص. وخلاصة الأمر فإني أرى أن يتراحم المالكون والمستأجرون فيما بينهم فالراحمون يرحمهم الرحمن ....... التصرف في الوقف تقول السائلة: إنها باعت قطعة أرض لها لشخص وجعلت نصف دونم منها وقفاً على مقبرة البلدة ولكن المشتري يحاول الآن استبدال القطعة الموقوفة بقطعة أرض يملكها في مكان آخر فما الحكم في ذلك؟ الجواب: من المعلوم أن الوقف من الأعمال المندوب إليها ومن الأعمال التي يستمر أجرها بعد وفاة الواقف لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علَّمه ونشره وولداً صالحاً تركه ومصحفاً ورَّثه أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه بعد موته) رواه ابن ماجة وابن

خزيمة وهو حديث حسن كما قال الألباني، صحيح سنن ابن ماجة 1/ 46. وثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستأمره فيها فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني به؟ قال: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يورث ولا يوهب قال: فتصدق عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متمول فيه] رواه مسلم ....... إذا تقرر هذا فقد اتفق جمهور أهل العلم على أن الوقف إذا وقع صحيحاً فهو مزيل للملك أي أنه يكون لازماً، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن الوقف إذا صح زال به ملك الواقف عنه في الصحيح من المذهب وهو المشهور من مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة]. واحتج ابن قدامة لهذا الرأي بقوله: [ولنا: أنه سبب يزيل التصرف في الرقبة والمنفعة فأزال الملك كالعتق ولأنه لو كان ملكه لرجعت إليه قيمته] المغني 6/ 4. وذكر الشيخ مصطفى الزرقا أن الفقهاء قد [صرحوا بأنه يزول ملك الواقف عن الموقوف بمجرد الوقف كالإعتاق وأن الوقف تصرف ملزم للواقف لا يستطيع الرجوع عنه وليس لورثته إبطاله لأنه أصبح على حكم ملك الله تعالى مخصصاً لمصلحة الجهة الإسلامية الموقوف عليها. وقرر الفقهاء في مختلف المذاهب أن الموقوف لا يباع ولا يوهب ولا يورث بل يبقى محبوساً أصله عن كل تمليك وتملك وترصد منفعته العينية أو ريعه - بحسب كونه موقوفاً للانتفاع بعينه كالمساجد والمقابر أو للانتفاع بريعه وغلته كالدور والحوانيت والأراضي الزراعية - للجهة الموقوف عليها أبداً إحياءً لها] فتاوى الزرقا ص454 - 455. وقال الشيخ محمد قدري باشا: [بمجرد انعقاد الوقف صحيحاً يزول ملك الواقف عن العين الموقوفة ويصير الوقف لازماً فلا يملك الواقف الرجوع فيه] قانون العدل والإنصاف ص4.

حكم دهن ثمار التين بالزيت

وقال الشيخ سيد سابق: [ومتى فعل الواقف ما يدل على الوقف أو نطق بالصيغة لزم الوقف بشرط أن يكون الواقف ممن يصح تصرفه بأن يكون كامل الأهلية من العقل والبلوغ والحرية والاختيار ولا يحتاج في انعقاده إلى قبول الموقوف عليه] فقه السنة 3/ 522. إذا ثبت هذا فأعود إلى السؤال فأقول إن ما قام به الشخص المذكور هو عمل محرم شرعاً. وهو آثم لأنه يحاول أن يغير العين الموقوفة يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) سورة النساء الآية 58 ....... وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) رواه مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طُوِّقَهُ من سبع أرضين) متفق عليه. ويضاف إلى ما سبق إن هذا المشتري لا يملك تبديل قطعة الأرض الموقوفة بغيرها لأنه لا يملك هذا الحق لا هو ولا صاحبة الأرض التي أوقفتها فالوقف إذا وقع صحيحاً صار لازماً لا يجوز الرجوع فيه على الراجح من أقوال أهل العلم. وخلاصة الأمر أنه يجب تنفيذ ما أوقفته هذه المرأة في عين قطعة الأرض لتكون مقبرة ويحرم على المشتري المذكور أن يستبدل الأرض لأنه لا يملك هذا الحق ....... حكم دهن ثمار التين بالزيت يقول السائل: إن بعض المزارعين في بلدتهم يدهنون ثمار التين بالزيت حتى يسرع نضجها ويبيعونها في السوق مع العلم أن طعمها مختلف عن الثمار التي تنضج بشكل طبيعي فما حكم ذلك؟

الجواب: يحرم الغش في البيع والشراء بجميع أشكاله وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ على صبرة - كومة - طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس منا) رواه مسلم. وفي رواية أخرى للحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنهم - قال: (خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السوق فرأى طعاماً مصبراً فأدخل يده فأخرج طعاماً رطباً قد أصابته السماء فقال لصاحبه: ما حملك على هذا؟ قال: والذي بعثك بالحق إنه لطعام واحد قال: أفلا عزلت الرطب على حدته واليابس على حدته فيبتاعون ما يعرفون، من غشنا فليس منا) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد وقال الألباني حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2/ 334 - 335. وبناء على ما سبق فيجب على البائع أن يبين للناس ما في السلعة من عيب إن كان فيها ويحرم عليه أن يكتم شيئاً من عيوبها فإذا أعلم المشتري بالعيب ثم اشترى السلعة مع علمه بالعيب يكون البائع قد أبرأ ذمته فقد جاء في الحديث عن أبي سباع قال: اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع فلما خرجت بها أدركني وهو يجر إزراه فقال: يا عبد الله اشتريت؟ قلت: نعم. قال: بُينَ لك ما فيها؟ قلت: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة قال: أردت بها سفراً أو أردت بها لحماً؟ قلت: أردت بها الحج. قال: فإن بخفها نقباً. فقال صاحبها: ما أردت أي هذا أصلحك الله تفسد علي؟ قال: إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (لا يحل لأحد يبيع شيئاً إلا بين ما فيه ولا يحل لمن علم ذلك إلا بيَّنه) رواه الحاكم والبيهقي وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وقال الألباني حسن لغيره. المصدر السابق 2/ 337 - 338. وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنهم - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعاً فيه عيب أن لا يبينه) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني في الكبير. وقال الألباني: صحيح. المصدر السابق 2/ 338. وخلاصة الأمر أن دهن التين بالزيت لينضج قبل أوانه غش محرم شرعاً إلا إذا بين البائع ذلك وقَبلَ به المشتري .......

المرأة والأسرة

المرأة والأسرة

عدة المرأة المختلعة

عدة المرأة المختلعة يقول السائل: ما هي عدة المرأة المختلعة من زوجها؟ الجواب: الخلع هو أن تفتدي المرأة نفسها بمال تدفعه لزوجها، أو هو فراق الزوجة على مال. معجم المصطلحات الفقهية 2/ 46 - 48، فتح الباري 9/ 490. والخلع مشروع بكتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وانعقد الإجماع على ذلك. قال الله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّاءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة البقرة الآية 229. وقال تعالى: (وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) سورة النساء الآية 4. ويدل على مشروعية الخلع ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكنني أكره الكفر في الإسلام؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. قال رسول الله: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) رواه البخاري .......

وعن حبيبة بنت سهل الأنصارية أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل على بابه في الغلس فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس - لزوجها - فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذه حبيبة بنت سهل وذكرت ما شاء الله أن تذكر وقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لثابت بن قيس: خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها) رواه أبو داود وقال الألباني صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 420. وغير ذلك من الأدلة ....... وقد اختلف أهل العلم في الخلع هل هو طلاق أم فسخ؟ فالجمهور على أنه طلاق وقال الإمام أحمد في المشهور عنه إن الخلع يعتبر فسخاً وهو قول الشافعي في القديم ونقل عن ابن عباس وعثمان وعلي وعكرمة وطاووس وغيرهم. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم. وقد ترتب على اختلافهم في كونه طلاق أم فسخ خلافهم في عدة المختلعة فذهب الجمهور إلى أن المختلعة تعتد عدة الطلاق ثلاثة قروء بناء على أن الخلع طلاق وذهب الآخرون إلى أنها تعتد بحيضة بناءً على أن الخلع فسخ والقول الثاني قول قوي معتمد على أدلة صحيحة فمن ذلك حديث ابن عباس: (أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدتها حيضة) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الألباني صحيح انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 420 وقال الإمام الترمذي بعد أن روى حديث ابن عباس: [هذا حديث حسن غريب واختلف أهل العلم في عدة المختلعة فقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم: إن عدة المختلعة عدة المطلقة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يقول أحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم: عدة المختلعة حيضة قال إسحاق: وإن ذهب ذاهب إلى هذا فهو مذهب قوي] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 306. وعن الربيع بنت معوذ أنها اختلعت على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرها

النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو أُمرت أن تعتد بحيضة. رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 348. وروى أبو داود عن ابن عمر قال: عدة المختلعة حيضة. وقال الألباني صحيح موقوف انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 420 ....... وقال الإمام الخطابي معلقاً على قصة زوجة ثابت: [في هذا الحديث دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق ولو كان طلاقاً لاقتضي فيه شرائط الطلاق من وقوعه في طهر لم تمس فيه المطلقة ومن كونه صادراً من قبل الزوج وحده من غير مرضاة المرأة فلما لم يتعرف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحال في ذلك فأذن له في مخالعتها في مجلسه ذلك دل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق ألا ترى أنه لما طلق ابن عمر زوجته وهي حائض أنكر عليه ذلك وأمر بمراجعتها وإمساكها حتى تطهر فيطلقها طاهراً قبل أن يمسها. وإلى هذا ذهب ابن عباس واحتج بقول الله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) سورة البقرة الآية 229. قال ثم ذكر الخلع فقال: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) سورة البقرة الآية 229 ثم ذكر الطلاق فقال: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) سورة البقرة الآية 230. فلو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً وإلى هذا ذهب طاووس وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور] معالم السنن 3/ 219 - 220. وقال الإمام الخطابي أيضاً معلقاً على قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس: (فجعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدتها حيضة) قال: [هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق وذلك أن الله تعالى قال: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) فلو كانت مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد] المصدر السابق 3/ 220 ....... وقال العلامة ابن القيم: [وفي أمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المختلعة. أن تعتد بحيضة واحدة دليل على حكمين أحدهما: أنه لا يجب عليها ثلاث حيض بل تكفيها حيضة واحدة وهذا كما أنه صريح السنة فهو مذهب أمير المؤمنين

عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر بن الخطاب والربيع بنت معوذ وعمها وهو من كبار الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم كما رواه الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها إلى عثمان بن عفان فقال له: إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل؟ فقال عثمان: لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل. فقال عبد الله بن عمر: فعثمان خيرنا وأعلمنا وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه والإمام أحمد في رواية عنه اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. قال من نصر هذا القول: هو مقتضى قواعد الشريعة فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة فيتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء قالوا: ولا ينتقض هذا علينا بالمطلقة ثلاثاً فإن باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحداً بائنة ورجعية. قالوا: وهذا دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق وهو مذهب ابن عباس وعثمان والربيع وعمها ولا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة فروى الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن عمرو عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: الخلع تفريق وليس بطلاق. وذكر عبد الرزاق عن سفيان عن عمرو عن طاووس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أينكحها؟ قال ابن عباس: نعم ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع بين ذلك] زاد المعاد 5/ 196 - 198 ....... وقال العلامة ابن القيم أيضاً: [وهذا كما أنه موجب السنة وقضاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وموافق لأقوال الصحابة فهو مقتضى القياس فإنه استبراء لمجرد العلم ببراءة الرحم فكفت فيه حيضة كالمسبية والأمة المستبرأة والحرة والمهاجرة والزانية إذا أرادت أن تنكح] المصدر السابق 5/ 679. ويجب أن يعلم أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب الطلاق أو

لا يجوز طرد المطلقة الرجعية من بيت الزوجية

الخلع من زوجها بدون عذر شرعي مقبول فقد ورد في الحديث عن ثوبان - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: [أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة] رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة. وورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي قال: (المنتزعات والمختلعات هن المنافقات) رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن النسائي 2/ 731. وصححه أيضاً في السلسلة الصحيحة 2/ 210 - 214. وساق له عدة طرق. وخلاصة الأمر أن عدة المختلعة حيضة واحدة كما هو مقتضى السنة الثابتة لأن الخلع فسخ وليس بطلاق، وإن قيل بأنه طلاق فيمكن أن تعتبر السنة فيه قد خصصت عموم قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) وإذا اعتدت المختلعة بحيضة واحدة فقد أصابت السنة وإن اعتدت بثلاث حيضات فذلك أحوط خروجاً من الخلاف ....... لا يجوز طرد المطلقة الرجعية من بيت الزوجية يقول السائل: ما الحكم فيما يفعله بعض الأزواج عندما يطلق الواحد منهم زوجته، فإنه يطردها من بيت الزوجية، وفي حالات أخرى تخرج المرأة من بيت الزوجية بإرادتها عندما يطلقها زوجها طلقة رجعية؟ الجواب: يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) سورة الطلاق الآية 1. ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن المرأة المطلقة تقضي عدتها في بيت الزوجية (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) فأضاف الله عز وجل البيوت لهن. قال القرطبي: [أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت

في العدة ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل. وهذا معنى إضافة البيوت إليهن كقوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) وقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك] تفسير القرطبي 18/ 154. ومما يدل على أن المعتدة تقضي العدة في بيت الزوجية ما ورد في الحديث عن فُرَيعة بنت مالك قالت: " خرج زوجي في طلب عبيد له قد هربوا فأدركهم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دارٍ شاسعة من دور أهلي، فأتيت النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته وليس المسكن له، فتحولت إلى أهلي وإخواني، فكان أرفق لي في بعض شأني، فقال: (تحولي)، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني فقال: (امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله)، قالت: فاعتددت أربعة أشهر وعشراً " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، وقال الترمذي: حسن صحيح ....... قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها عمر وعثمان رضي الله عنهما وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة رضي الله عنهم وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وقال ابن عبد البر وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر. وإذا ثبت هذا فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به سواء كان مملوكا لزوجها أو بإجارة أو عارية لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لفريعة (امكثي في بيتك) ولم تكن في بيت يملكه زوجها وفي بعض ألفاظه (اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك) وفي لفظ (اعتدي حيث أتاك الخبر) فإن أتاها الخبر في غير مسكنها رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه] المغني 8/ 158 - 159 وحديث فريعة بنت مالك وإن كان في عدة الوفاة إلا أن جمهور أهل

العلم يرون أن المطلقة رجعياً لها نفس الحكم وخاصة أن الآية المذكورة أولاً دلت على ذلك، وبناء على ما سبق فإن الواجب على المطلقة رجعياً أن تبقى في بيت الزوجية ولا يجوز لزوجها أن يخرجها ولا يجوز لها أن تخرج لعل الزوج يراجعها. وقد نص قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا في المادة 146 على ذلك فقد جاء فيها (تعتد معتدة الطلاق الرجعي والوفاة في البيت المضاف للزوجين بالسكن قبل الفرقة). وخلاصة الأمر أن المطلقة طلاقاً رجعياً تعتد في بيت الزوجية ولا يجوز إخراجها إلا إذا ارتكبت الفاحشة ولا يجوز لها أن تخرج من بيت الزوجية، وبقاؤها في بيت الزوجية من دواعي مراجعتها. تنازل المطلقة عن حقها في الحضانة يقول السائل: إنه طلق زوجته طلاقاً بائناً بينونة كبرى وله ولد منها له من العمر أربع سنوات وحضانة الولد لأمه كما تعلمون وقد اتفق مع مطلقته على أن تتنازل عن حقها في حضانة الولد مقابل مبلغ من المال يدفعه لها ويؤخذ الولد منها فما الحكم في ذلك؟ ...... الجواب: الحضانة عند الفقهاء هي القيام على شؤون الولد وحفظه وتربيته والاعتناء به في جميع مصالحه. والحضانة واجبة شرعاً قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [كفالة الطفل وحضانته واجبة لأنه يهلك بتركه فيجب حفظه عن الهلاك كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك] المغني 8/ 237. ووجوب الحضانة قد يكون عينياً إذا لم يوجد إلا الحاضن أو مع وجود غيره ولكن الطفل لم يقبل غيره. وقد يكون وجوبها كفائياً إذا تعدد الحاضن.

ومما يدل على مشروعية الحضانة ما ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنت أحق به ما لم تنكحي) رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن أبي داود 2/ 430 وحسنه الألباني أيضاً في إرواء الغليل 7/ 244. وأخذاً من الحديث السابق وغيره اتفق العلماء على أن الأم أولى الناس بالحضانة ما دامت شروط الحضانة متحققة فيها قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أو معتوه فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها ذكراً كان أو أنثى وهذا قول يحيى الأنصاري والزهري والثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وإسحق وأصحاب الرأي ولا نعلم أحداً خالفهم] المغني 8/ 238. وقد اختلف الفقهاء في صاحب حق الحضانة من هو؟ فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحضانة حق للحاضن وذهب آخرون إلى أنها حق للمحضون وترتب على هذا الاختلاف اختلافهم في مسائل منها إسقاط حق الحضانة فعند الحنفية إذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع عندهم صحيح والشرط باطل لأن هذا حق الولد أن يكون عند أمه ما دام محتاجاً إليها. وقد رجح العلامة ابن القيم أن الحضانة حق للحاضن انظر زاد المعاد 5/ 451 - 452 ....... ومن العلماء من يرى أنه يجوز للحاضنة إسقاط حقها في الحضانة مقابل مال تتصالح عليه مع زوجها. وقد سئل ابن رشد المالكي عن رجل طلق امرأته وله منها ولد تحضنه فواطأت زوجها أبا الصبي على أن أسقطت الحضانة بعوض أخذته هل ينفذ هذا العقد بينهما أم لا؟ فأجاب بما يلي: تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه والذي رأيت فيما

سألت عنه على منهاج قول مالك الذي نعتقد صحته أن ذلك جائز لأن الحضانة حق للأم إن شاءت أخذته وإن شاءت تركته واختلف هل ذلك حق لها تنفرد به دون الابن أم لا؟ فقيل: إنها تنفرد به دونه. وقيل: إنها لا تنفرد به دونه وإن له فيها حقاً معها لأنه إنما وجبت لها من أجل أنها أرفق به من أبيه وأرأف عليه منه وهذا معنى ما يعبر به من الاختلاف في الحضانة. هل هي حق للأم أو للولد؟ فعلى القولين بأنها حق لها تنفرد به دون الابن يلزمها تركها له على عوض أو على غير عوض ولا يكون لها أن ترجع فيها. وعلى القول بأن ذلك حق للولد لا يلزمها تركها ويكون لها أن ترجع فيها إن تركتها أيضاً على عوض أو على غير عوض وترجع في العوض إن كانت تركتها على عوض. ولا وجه لقول من منع ذلك واحتج بما ذكر لأن ما اتفقنا عليه إنما هو صلح صالحها بما أعطاها على أن أسلمت إليه ابنه وتركت له حقاً في حضانتها إياه. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً). وليس في ترك الحضانة له بما بذل لها ذلك تحليل حرام أو تحريم حلال فوجب أن يجوز ذلك. وإنما جاز عند مالك وأصحابه رحمهم الله إذا خافت المرأة نشوز زوجها عليها وخشيت مفارقته إياها أن تترك له حقها الذي أوجب الله لها عليه في أن لا يؤثر عليها من سواها من أزواجه على مال يعطيها إياه بدليل قول الله عز وجل: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ...... وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) سورة النساء الآية 128. جاز أن تترك له حقها في حضانة ولدها منه على مال يعطيها إياه إذ لا فرق في المعنى بين الموضعين]. ثم ذكر ابن رشد كلاماً في الرد على من منع ذلك انظر فتاوى ابن رشد 3/ 1546 - 1547 وانظر المعيار المعرب 4/ 518 - 520. وقال الشيخ محمد عليش في فتح العلي المالك [وأما إذا أسقطت الحضانة بعد وجوبها فذلك لازم لها وسواء أسقطت ذلك بعوض، أو بغير عوض]. وما قرره ابن رشد المالكي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: [وقياس المذهب عندي جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم

يحرم قيام المرأة بعرض الأزياء الشرعية وغيرها أمام الرجال

وغيره] الاختيارات الفقهية ص249. وهذا القول قول قوي وجيه انظر ضمان المنافع ص332. وأخيراً ينبغي التنبيه إلى أنه وحسب قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا فإن الحاضنة إذا اتفقت مع مطلقها على التنازل عن حق الحضانة ثم رجعت عن ذلك ورفعت أمرها إلى القضاء فإن القاضي يحكم لها باستعادة حقها في حضانة الولد لأن الحنفية يرون أن الحضانة حق للمحضون. وخلاصة الأمر أنه لا مانع شرعاً من الاتفاق على تنازل الحاضنة عن حقها في الحضانة مقابل مال تأخذه من مطلقها ....... يحرم قيام المرأة بعرض الأزياء الشرعية وغيرها أمام الرجال يقول السائل: ما قولكم في الفتوى التي صدرت عن بعض المشايخ والتي يجيز فيها للمرأة المسلمة عرض الأزياء الشرعية أمام الرجال؟ الجواب: قرأت الفتوى المشار إليها أعلاه وقد ناقش المفتي عدة قضايا لها صلة بموضوع الفتوى، فذكر ما يتعلق بثياب المرأة المسلمة وذكر شروط جلبابها، وفاته أن يذكر أن من شروط جلباب المرأة المسلمة ألا يكون زينة في نفسه ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور الآية 31. وفاته أيضاً أن يذكر أن من شروط جلباب المرأة المسلمة ألا يكون مبخراً مطيباً ويدل على ذلك أحاديث منها قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً) رواه مسلم. ثم تكلم المفتي على مسألة نظر الرجل إلى المرأة وساق الأدلة على

ذلك وقرر أنه لا يجوز أن يتعمد الرجل النظر إلى المرأة إلا لحاجة ضرورية وبين أنه لا يجوز خروج النساء بقصد نظر الرجال إليهن ثم ذكر أن الهدف من عرض الأزياء هو بيع الملابس أو تسويق لهذه الموضات، فلا يلتجئ إليها إلا عند ضرورة وجودها بما لا يخالف شيئاً من الشرع الحنيف. ثم توصل المفتي إلى الحكم بتحريم عرض الأزياء الذي تدخله المخالفات الشرعية إلا أنه استثنى عرض النساء بثياب سابغة وليس فيه مخالفات شرعية ولم يقصد من ذلك التشهي بالنظر إلى النساء فأفتى بجواز ذلك مع الكراهة. وأقول تعقيباً على ذلك، إن كلام المفتي فيه تناقض واضح حيث إنه قرر عدم جواز تعمد نظر الرجل إلى المرأة إلا عند الضرورة، ثم أجاز عرض الأزياء بقيود ذكرها، وهذه الفتوى مخالفة لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) سورة النور الآية 30 وقال المفتي: [ولا يلجأ إلى هذه الطريقة إلا بعد فقد كل الطرق لعرض الأزياء] وأتساءل هل عرض الأزياء أمر ضروري أم حاجي حتى يباح من أجله الحرام؟! وأجيب بأن عرض الأزياء ليس أمراً ضرورياً ولا أمراً حاجياً فلا يجوز شرعاً أن يباح له الأمر المحرم لأن المحرمات لا تباح بمثل هذا الأمر ويضاف إلى ذلك أن عرض الأزياء فكرة غربية خبيثة تقف خلفها جهات مشبوهة والذين يقومون بها إنما هم من المتشبهين بالغربيين. وخلاصة الأمر أنه يحرم على المرأة المسلمة أن تقوم بعرض الأزياء أمام الرجال وهي ترتدي الملابس الشرعية، والمرأة أكرم في دين الله من أن تكون بمثابة وسيلة لعرض الأزياء كما يفعل غير المسلمين .......

يجوز للمرأة أن تتصرف بمالها الخاص دون إذن زوجها

يجوز للمرأة أن تتصرف بمالها الخاص دون إذن زوجها يقول السائل: إنه قرأ حديثاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني ونصه: (ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها) وقد ذكر الشيخ الألباني أن هذا الحديث وما في معناه يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تتصرف بمالها الخاص إلا بإذن زوجها فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن الإسلام قد أعطى المرأة حقوقاً كثيرة ومن ذلك أن الشريعة الإسلامية قد أثبتت للمرأة ذمة مالية مستقلة فالمرأة أهل للتصرفات المالية تماماً كالرجل فهي تبيع وتشتري وتستأجر وتؤجر وتوكل وتهب ولا حجر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة وقد دلت على ذلك عموم الأدلة من كتاب الله سبحانه وتعالى ومن سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمن ذلك قوله تعالى: (فَإِنْءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) سورة النساء الآية 6. والمرأة داخلة في هذا العموم على الصحيح من أقوال أهل العلم ومن قال سوى ذلك فقوله تحكم لا دليل عليه كما قال القرطبي عند تفسيره للآية الكريمة. انظر تفسير القرطبي 5/ 38 - 39. وكذلك فإن المرأة داخلة في عموم النصوص التي وردت فيها التكاليف الشرعية بلا فرق بينها وبين الرجل إلا ما أخرجه الدليل ....... هذا بشكل عام وأما الأدلة بخصوص السؤال فكثيرة منها ما قاله الإمام البخاري في صحيحه: [باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز. وقال الله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) سورة النساء الآية 5. ثم ذكر عدة أحاديث منها حديث كريب مولى ابن عباس: (أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال: أو فعلت؟ قالت: نعم قال: أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك). قال الحافظ ابن حجر: [قوله باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا

كان لها زوج] أي ولو كان لها زوج [فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز. وقال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)] وبهذا الحكم قال الجمهور وخالف طاووس فمنع مطلقاً. وعن مالك لا يجوز لها أن تعطي بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة إلا من الثلث وعن الليث لا يجوز مطلقاً إلا في الشيء التافه. وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة واحتج لطاووس بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه (لا تجوز عطية امرأة في مالها إلا بإذن زوجها) أخرجه أبو داود والنسائي وقال ابن بطال: وأحاديث الباب أصح وحملها مالك على الشيء اليسير وجعل حده الثلث فما دونه] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 5/ 267 - 268 ....... وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وظاهر كلام الخرقي: أن للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله بالتبرع والمعاوضة. وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر وعن أحمد رواية أخرى: ليس لها أن تتصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها وبه قال مالك] ثم قال ابن قدامة مستدلاً لقول الجمهور: [ولنا قوله تعالى: (فَإِنْءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وهو ظاهر في فك الحجر عنهم وإطلاقهم في التصرف. وقد ثبت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن) وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن ولم يسأل ولم يستفصل. وأتته زينب امرأة عبد الله وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة: هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن وأيتام لهن؟ فقال: نعم ولم يذكر لهن هذا الشرط ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير إذن كالغلام ولأن المرأة من أهل التصرف ولا حق لزوجها في مالها فلم يملك الحجر عليها في التصرف بجميعه كأختها وحديثهم ضعيف وشعيب لم يدرك عبد الله بن عمرو فهو مرسل وعلى أنه صحيح محمول على أنه لا يجوز عطيتها لماله بغير إذنه بدليل أنه يجوز عطيتها ما دون الثلث من مالها وليس معهم حديث يدل على تحديد المنع بالثلث فالتحديد بذلك تحكم ليس فيه توقيف ولا عليه دليل وقياسهم على المريض غير صحيح لوجوه:

أحدها: أن المرض سبب يفضي إلى وصول المال إليهم بالميراث والزوجية إنما تجعله من أهل الميراث فهي أحد وصفي العلة فلا يثبت الحكم بمجردها كما لا يثبت للمرأة الحجر على زوجها ولا لسائر الوارث بدون المرض. الثاني: إن تبرع المريض موقوف فإن برئ من مرضه صح تبرعه وههنا أبطلوه على كل حال والفرع لا يزيد على أصله ....... الثالث: إن ما ذكروه منتقض بالمرأة فإنها تنتفع بمال زوجها وتنبسط فيه عادة ولها النفقة منه وانتفاعها بماله أكثر من انتفاعه بمالها وليس لها الحجر عليه وعلى أن هذا المعنى ليس بموجود في الأصل ومن شرط صحة القياس وجود المعنى المثبت للحكم في الأصل والفرع جميعاً] المغني 4/ 348 - 349. والحديث الذي ذكره ابن قدامة في تصدق النساء بحليهن رواه البخاري ومسلم وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه قد استدل بالحديث على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث خلافاً لبعض المالكية ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله قال القرطبي: ولا يقال في هذا إن أزواجهن كانوا حضوراً لأن ذلك لم ينقل ولو نقل فليس فيه تسليم أزواجهن لهن ذلك لأن من ثبت له الحق فالأصل بقاؤه حتى يصرح بإسقاطه ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك] فتح الباري 2/ 603 - 604. واحتج الجمهور على قولهم أيضاً بما ورد في الحديث عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها (أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال بعضهم: هو صائم وقال بعضهم: ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي في شرح الحديث إن من فوائده: [إباحة قبول هدية المرأة المزوجة الموثوق بدينها ولا يشترط أن يسأل هل هو من مالها أم من مال زوجها أو أنها أذن فيه أم لا إذا كانت موثوقاً بدينها. ومنها أن تصرف

المرأة في مالها جائز ولا يشترط إذن الزوج، سواء تصرفت في الثلث أو أكثر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال مالك: لا تتصرف فيما فوق الثلث إلا بإذنه وموضع الدلالة من الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسأل هل هو من مالها ويخرج من الثلث أو بإذن الزوج أم لا؟ ولو اختلف الحكم لسأل] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 197 - 198 ....... هذه أهم أدلة الجمهور على جواز تصرف المرأة في مالها بدون إذن زوجها. وأما الحديث الذي ذكره السائل وهو (ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها) وما في معناه مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها) رواه أبو داود وابن ماجة. وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها) رواه أبو داود. وعن عبد الله بن يحيى عن أبيه عن جده: (أن جدته خيرة امرأة كعب بن مالك أتت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحلي لها فقالت: إني تصدقت بهذا. فقال لها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يجوز للمرأة في مالها إلا بإذن زوجها

فهل استأذنت كعباً؟ قالت: نعم. فبعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى كعب بن مالك زوجها فقال: هل أذنت لخيرة أن تتصدق بحليها؟ فقال: نعم فقبله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها) قال في الزوائد: في إسناده يحيى وهو غير معروف في أولاد كعب فالإسناد ضعيف] سنن ابن ماجة 2/ 798. وقال الطحاوي: حديث شاذ لا يثبت. وقال الحافظ ابن عبد البر إسناد ضعيف لا تقوم به الحجة انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 494. وهذه الأحاديث التي استدل بها المخالف أجاب عنها جمهور أهل العلم بعدة أجوبة منها: ...... أولاً: إن هذه الأحاديث ضعيفة لا تصلح للاستدلال وبيان ذلك أن الحديث الأول وهو: [ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها] حديث ضعيف قال الهيثمي: [رواه الطبراني وفيه جناح مولى الوليد وهو ضعيف] مجمع الزوائد 5/ 15. ونقل المناوي عن الهيثمي قوله [وفيه جماعة لم أعرفهم] فيض القدير 5/ 482 كما أن الشيخ الألباني ضعف الحديث بقوله: [قلت هذا إسناد ضعيف] إلا أنه قواه بشواهده في السلسلة الصحيحة 2/ 419. وأما حديث عمرو بن شعيب فضعفه الإمام الشافعي فقد ذكر البيهقي عن الشافعي أنه قال: [يعني في هذا الحديث سمعناه وليس بثابت فيلزمنا نقول به والقرآن يدل على خلافه ثم السنة ثم الأثر ثم المعقول وقال في مختصر البويطي والربيع قد يمكن أن يكون هذا في موضع الاختيار كما قيل ليس لها أن تصوم يوماً وزوجها حاضر إلا بإذنه فإن فعلت فصومها جائز وإن خرجت بغير إذنه فباعت فجائز وقد أعتقت ميمونة رضي الله عنها قبل أن يعلم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يعب ذلك عليها فدل هذا مع غيره على أن قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن كان قاله أدب واختيار لها قال الشيخ الطريق في هذا الحديث إلى عمرو بن شعيب صحيح ومن أثبت أحاديث عمرو بن شعيب لزمه إثبات هذا إلا أن الأحاديث التي مضت في الباب قبله أصح إسناداً وفيها وفي الآيات التي احتج بها الشافعي رحمه الله دلالة على نفوذ تصرفها في مالها دون الزوج فيكون حديث عمرو بن شعيب محمولاً على الأدب والاختيار كما أشار إليه في كتاب البويطي وبالله التوفيق] السنن الكبرى 6/ 60 - 61. وأما حديث خيرة امرأة كعب فهو حديث ضعيف أيضاً كما سبق في كلام الطحاوي وابن عبد البر. ثانياً: قال الجمهور لو سلمنا بصحة الأحاديث التي احتج بها المخالف لقدمت عليها أحاديثنا لأنها أصح منها. ثالثاً: إن عموم الأدلة التي احتج بها الجمهور أقوى من هذه الأحاديث التي لم تسلم من الطعن. رابعاً: لو سلمنا بصحة هذه الأحاديث فإنها تحمل على أن ذلك من حسن معاشرة الزوجة لزوجها لا على أنه لازم لها.

حكم تصدق المرأة من مال زوجها بدون إذنه

قال الإمام الخطابي معلقاً على حديث عبد الله بن عمرو إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها. قال الشيخ هذا عند أكثر العلماء على معنى حسن العشرة واستطابة نفس الزوج بذلك إلا أن مالك بن أنس قال ترد ما فعلت من ذلك حتى يأذن الزوج. قال الشيخ ويحتمل أن يكون ذلك في غير الرشيدة وقد ثبت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال للنساء تصدقن فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم وبلال - رضي الله عنه - يتلقاها بكسائه وهذه عطية بغير إذن أزواجهن] معالم السنن 3/ 148. وخلاصة الأمر أنه يجوز للمرأة أن تتصرف في مالها بدون إذن زوجها ولكن الأولى والأفضل أن تشاور زوجها في ذلك تطييباً لخاطر زوجها ومحافظة منها على العشرة الزوجية ....... حكم تصدق المرأة من مال زوجها بدون إذنه تقول السائلة: هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذنه؟ الجواب: لا شك أن الصدقة النافلة من أعمال البر والتقوى ويتقرب بها العبد إلى ربه جل وعلا وقد وردت نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحض على الصدقة فمن ذلك قوله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سورة سبأ الآية 39. وقال تعالى (وأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) سورة البقرة الآية 110 ....... وورد في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله [ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه] رواه البخاري ومسلم. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث ورجل لا مفهوم يعمل به فإن المرأة كذلك كما نبه عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 2/ 192 بل إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد حض النساء على التصدق فقد ورد في الحديث عن ابن

عباس رضي الله عنهما قال: (خرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة تلقي القُلب والخرص) رواه البخاري. والقُلْب بضم القاف وسكون اللام هو السوار والخرص هو الحلقة من ذهب أو فضة. والأصل أن الإنسان يتصدق من ماله الخاص به ولكن وردت السنة بجواز تصدق الزوجة من مال زوجها فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له) رواه البخاري ومسلم ....... قال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به أحد المتصدقين وفي رواية: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً)، وفي رواية من طعام زوجها وفي رواية في العبد إذا أنفق من مال مواليه قال: الأجر بينكما نصفان وفي رواية ولا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له معنى هذه الأحاديث أن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر ومعنى المشاركة أن له أجراً كما لصاحبه أجر وليس معناه أن يزاحمه في أجره والمراد المشاركة في أصل الثواب فيكون لهذا الثواب ولهذا الثواب وإن كان أحدهما أكثر ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 92. واعلم أن أكثر أهل العلم يشترطون أن يأذن الزوج لزوجته في التصرف بماله ويدل عليه ما ورد في الحديث عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنهم -قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في خطبته عام حجة

الوداع: (لا تنفق المرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل: يا رسول الله ولا الطعام؟ قال ذلك أفضل أموالنا) رواه الترمذي وهو حديث حسن كما قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 206 ....... قال الإمام البغوي: [العمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة ليس لها أن تتصدق بشيء من مال الزوج دون إذنه وكذلك الخادم ويأثمان إن فعلا ذلك وحديث عائشة خارج على عادة أهل الحجاز أنهم يطلقون الأمر للأهل والخادم في الإنفاق والتصدق مما يكون في البيت إذا حضرهم السائل أو نزل بهم الضيف فحضهم على لزوم تلك العادة كما قال لأسماء: (لا توعي فيوعى عليك) وعلى هذا يخرج ما روي عن عمير مولى آبي اللحم قال: كنت مملوكاً فسألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتصدق من مال موالي بشيء قال: (نعم والأجر بينكما نصفان)] شرح السنة 6/ 205 ....... وقال الإمام النووي: [واعلم أنه لا بد للعامل وهو الخازن وللزوجة والمملوك من إذن المالك في ذلك فإن لم يكن أذن أصلاً فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة بل عليهم وزر بتصرفهم في مال غيرهم بغير إذنه والإذن ضربان أحدهما الإذن الصريح في النفقة والصدقة والثاني الإذن المفهوم من اطراد العرف والعادة كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به واطراد العرف فيه وعلم بالعرف رضا الزوج والمالك به فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلم وهذا إذا علم رضاه لاطراد العرف وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به فإن اضطرب العرف وشك في رضاه أو كان شخصاً يشح بذلك وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه. وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له). فمعناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره وذلك الإذن الذي قد بيناه سابقاً إما بالصريح وإما بالعرف ولا بد من هذا التأويل لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الأجر مناصفة وفي رواية أبي داود فلها نصف أجره ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر فتعين تأويله. واعلم أن هذا كله مفروض

في قدر يسير يعلم رضا المالك به في العادة فإن زاد على المتعارف لم يجز وهذا معنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة) فأشار - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة ونبه بالطعام أيضاً على ذلك لأنه يسمح به في العادة بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس وفي كثير من الأحوال] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 92 - 93 ....... وقد ذكر بعض أهل العلم أن الأحاديث الواردة في المسألة فيها نوع من الاختلاف حيث ذكر في حديث أبي هريرة السابق أن المرأة لا تنفق من غير إذن الزوج وورد في حديث عائشة ما يدل على الإباحة بحصول الأجر لها في ذلك وورد في حديث عائشة بتقييده بأن تكون غير مفسدة وإن كان من غير أمره وورد في حديث سعد - رضي الله عنهم - قال: لما بايع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر قالت: يا رسول الله إنا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: الرطب تأكلنه وتهدينه) رواه أبو داود وإسناده جيد، انظر شرح السنة 6/ 206 الحاشية. قال الإمام العيني: [قلت: كيفية الجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف عادات البلاد وباختلاف حال الزوج من مسامحته ورضاه بذلك أو كراهته لذلك وباختلاف الحال في الشيء المنفق بين أن يكون شيئا يسيراً يتسامح به وبين أن يكون له خطر في نفس الزوج يبخل بمثله وبين أن يكون ذلك رطباً يخشى فساده إن تأخر وبين أن يكون يدخر ولا يخشى عليه الفساد] عمدة القاري 6/ 401. وخلاصة الأمر أنه يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها والأصل أنها تستأذنه في ذلك إلا ما جرى به العرف من عدم الحاجة لإذنه أو لأنه لا يكره ذلك كما إذا جاء سائل إلى البيت فأعطته الزوجة طعاماً أو نحوه فلا بأس في ذلك .......

نكاح المتعة منسوخ في الشريعة الإسلامية

نكاح المتعة منسوخ في الشريعة الإسلامية يقول السائل: ما قولكم فيمن يحتج على جواز نكاح المتعة بقوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) ويزعم أن نكاح المتعة غير منسوخ في الشريعة؟ الجواب: زواج المتعة هو أن يعقد الرجل على امرأة لمدة محددة ويدفع لها مهراً معلوماً كأن يعقد عليها لمدة أسبوع أو شهر أو أكثر أو أقل. وهذا الزواج كان مباحاً في الشريعة الإسلامية ثم نسخ نسخاً مؤبداً وهذا قول عامة أهل العلم ولم يخالف في ذلك إلا بعض الشيعة الجعفرية وقولهم باطل لا دليل عليه. بل إن المنقول عن أئمتهم يدل على تحريم نكاح المتعة. وأما الآية التي ذكرت في السؤال وهي قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) فلا دلالة فيها على جواز نكاح المتعة لأن هذه الآية إنما هي في الزواج الدائم المعروف ويدل على ذلك ما سبق من الآية: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) سورة النساء الآية 24. فهذه الآية جاءت عقب ذكر المحرمات من النكاح ثم جاء قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) لبيان أنه يجوز نكاح سوى من ذكر من المحرمات فإذا نكح الرجل امرأة ممن يجوز نكاحها فإذا دخل بها فيجب لها المهر كاملاً فهذه الآية توجب المهر للمنكوحة ولا علاقة لها بالمتعة لا من قريب ولا من بعيد قال القرطبي: [قال ابن خويز منداد: ولا يجوز أن تحمل الآية على جواز المتعة لأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن نكاح المتعة وحرمه ولأن الله تعالى قال: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين ونكاح المتعة ليس كذلك] تفسير القرطبي 5/ 129 - 130 ....... وقال القرطبي أيضاً: [وقال سعيد بن المسيب: نسختها آية الميراث إذ

كانت المتعة لا ميراث فيها وقالت عائشة والقاسم بن محمد: تحريمها ونسخها في القرآن وذلك في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) وليست المتعة نكاحاً ولا ملك يمين] المصدر السابق 5/ 130. وقال الألوسي: [وهذه الآية لا تدل على الحل والقول بأنها نزلت في المتعة غلط وتفسير البعض لها بذلك غير مقبول لأن نظم القرآن الكريم يأباه حيث بين سبحانه وتعالى أولاً المحرمات ثم قال عز شأنه: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) وفيه شرط بحسب المعنى فيبطل تحليل الفرج وإعارته وقد قال بهما الشيعة ثم قال جل وعلا: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) وفيه إشارة إلى النهي عن كون القصد مجرد قضاء الشهوة وصب الماء واستفراغ أوعية المني فبطلت المتعة بهذا القيد لأن مقصود المتمتع ليس إلا ذاك دون التأهل والاستيلاد وحماية الذمار والعرض ولذا تجد المُتَمَتَع بها في كل شهر تحت صاحب وفي كل سنة بحجر ملاعب فالإحصان غير حاصل في امرأة المتعة أصلاً ولهذا قالت الشيعة: إن المتمتع الغير الناكح إذا زنى لا رجم عليه ثم فرَّع سبحانه على حال النكاح قوله عز من قائل: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) وهو يدل على أن المراد بالاستمتاع هو الوطء والدخول لا الاستمتاع بمعنى المتعة التي يقول بها الشيعة والقراءة التي ينقلونها عمن تقدم من الصحابة شاذة] تفسير روح المعاني 5/ 8 ....... وقد دلت السنة النبوية على نسخ نكاح المتعة أيضاً فعن سبرة الجهني - رضي الله عنه - أنه كان مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم (عن سبرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المتعة وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئاً فلا يأخذه). وروى مسلم بسنده عن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - أنه قام بمكة

فقال: إن ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين - يريد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك. قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنه بينما هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها فقال له ابن أبي عميرة الأنصاري مهلاً قال: ما هي؟ والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين. قال ابن أبي عميرة: إنها كانت رخصة أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها). وعن علي - رضي الله عنه - (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر) رواه البخاري ومسلم وقد قرر العلماء أن نكاح المتعة منسوخ، قال الإمام البخاري: [وقد بينه علي - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه منسوخ] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 9/ 209 ....... ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني كلام جماعة من أهل العلم في نسخ نكاح المتعة فمن ذلك ما قاله [ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحداً يجيزها إلا بعض الرافضة ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله. وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض. وقال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المختلفات إلى علي وآل بيته فقد صح عن علي أنها نسخت. ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه. وقال القرطبي: الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض] فتح الباري 9/ 216 - 217. وقال الشوكاني بعد أن ذكر أنه قد روي عن بعض الصحابة جواز المتعة: [وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا

العدل بين الأولاد في العطية

قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به. كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجة بإسناد صحيح (إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة) وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - فيما يرويه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث) أخرجه الدارقطني وحسنه الحافظ] نيل الأوطار 6/ 156. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً لقول الخرقي: [ولا يجوز نكاح المتعة. معنى نكاح المتعة: أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهراً أو سنة أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحاج وشبهه. سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة فهذا نكاح باطل. نص عليه أحمد فقال: نكاح المتعة حرام] المغني 7/ 178. وخلاصة الأمر أن نكاح المتعة منسوخ ولا دلالة في الآية المذكورة على جوازه وأجمعت الأمة على تحريمه إلا من شذ ....... العدل بين الأولاد في العطية يقول السائل: هل يجوز لوالدته أن تعطي أحد أبنائها منزلاً وتسجله باسمه ليصبح الابن مالكاً له في المستقبل؟ الجواب: إن العدل بين الأولاد في الهبات والعطايا واجب شرعاً وقد ورد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث كثيرة في ذلك منها: 1. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح. 2. وعن جابر رضي الله عنه قال: قالت امرأة بشير: انحل ابني غلاماً - عبداً - وأشهد لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن ابنة

فلان - زوجته - سألتني أن أنحل ابنها غلامي. فقال عليه الصلاة والسلام: له أخوة؟ قال: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا، قال عليه الصلاة والسلام: فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق) رواه مسلم وأبو داود وأحمد وغيرهم. 3. وعن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة - أم النعمان - لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال عليه الصلاة والسلام: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، فقال- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال فرجع فرد عطيته) رواه البخاري ....... وفي روايةٍ أخرى أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبشير والد النعمان: (لا تشهدني على جورٍ أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال: أشهد على هذا غيري) رواه أبو داود بسندٍ صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء) رواه سعيد بن منصور والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن. وبناءً على هذه الأحاديث قال جماعة من أهل العلم لا يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطايا والهبات بل يجب العدل بينهم وإذا وقع التفضيل فإن العقد يكون باطلاً. فتح الباري 5/ 214. ولكن جماعة أخرى من أهل العلم قالوا بكراهة التفضيل وإذا وقع صح العقد ونفذت الهبة. انظر شرح السنة 8/ 297، شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 66. ولكن مذهب المانعين أصح وأقوى دليلاً، لأن الأحاديث المذكورة سابقاً صريحة في النهي عن التفضيل وخاصة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد سمَّى ذلك جوراً أي ظلماً.

تحرم مصافحة المرأة الأجنبية

قال العلامة ابن القيم: [وأمر بالتسوية بين الأولاد في العطية وأخبر أن تخصيص بعضهم بها جور لا يصلح ولا تنبغي الشهادة عليه وأمر فاعله برده ووعظه وأمره بتقوى الله تعالى وأمره بالعدل لكون ذلك ذريعة ظاهرة قريبة جداً إلى وقوع العداوة بين الأولاد وقطيعة الرحم بينهم كما هو مشاهد عياناً فلو لم تأت السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بالمنع منه لكان القياس وأصول الشريعة وما تضمنته من المصالح ودرء المفاسد يقتضي تحريمه] إغاثة اللهفان 1/ 365. وخلاصة الأمر أن على هذه الوالدة أن لا تعطي البيت لأحد أبنائها فقط وتحرم الآخرين لما في ذلك من إيقاع للعداوة والبغضاء بين الأبناء وعليها أن تعود في عطيتها ....... تحرم مصافحة المرأة الأجنبية يقول السائل: في يوم العيد وأثناء زيارتنا للأقارب تخرج بعض النساء متبرجات ويمددن أيديهن للمصافحة فإذا لم نصافحهن يغضبن ونُعتبر عندهن من المتشددين ويقلن لنا هذا يوم عيد لا يجوز أن تزورونا بدون مصافحتنا؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن أيام العيد هي أيام طاعة لله سبحانه وتعالى وذكرٍ له جل جلاله ففي هذه الأيام المباركة التي قال الله فيها: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) سورة البقرة الآية 203. وهي أيام التشريق. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) رواه مسلم. وأيام التشريق هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة. قال الإمام النووي: [وفي الحديث استحباب الإكثار من الذكر في هذه الأيام من التكبير وغيره] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 209. وقد ورد عن طائفة من السلف التكبير في هذه الأيام المباركة مطلقاً ومقيداً بعد الصلوات الخمس وقد سبق أن بينت ذلك مفصلاً.

فهذه الأيام المباركة لا يجوز التحلل من الأحكام الشرعية فيها بحجة أنها أيام عيد وهذا مفهوم خاطئ لدى كثير من الناس بل يجب أن تزداد طاعتنا لله عز وجل في هذه الأيام المباركة الفاضلة. وأما تبرج النساء فلا شك في تحريمه سواء كان في العيد أو في غير العيد بل هو مجمع على تحريمه، يقول الله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَءَاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) سورة الأحزاب الآية 33 ....... وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم قال الإمام النووي: [هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان وفيه ذم هذين الصنفين قيل: معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها. وقيل: معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه. وقيل: معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها. وأما مائلات فقيل: معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه. مميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم. وقيل: مائلات يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن. وقيل: مائلات يمشطن المشطة المائلة، وهي مشطة البغايا. مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة. ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 291. ويجب على الآباء والأزواج والأولياء عامة منع بناتهم وزوجاتهم وأخواتهم من التبرج ومن قَبل تبرجهن فهو ديوث ينطبق عليه ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ثلاثة قد حرّم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يُقر الخبث في أهله). رواه الإمام أحمد في مسنده

وفي رواية أخرى قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث) رواه أحمد وذكر الشيخ الألباني أن حديث ابن عمر رواه النسائي والحاكم والبيهقي في سننه من طريقين صحيحين وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأقرهما الألباني على ذلك. جلباب المرأة المسلمة ص 145 ....... وعن عمار - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر. قالوا: يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث؟ قال: الذي لا يبالي من دخل على أهله. قلنا: فما الرَجُلة من النساء؟ قال: التي تَشبَّهُ بالرجال) رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان وهو حديث حسن، وقال المنذري: [رواه الطبراني ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً وشواهده كثيره] الترغيب والترهيب 3/ 214. والديوث هو الذي يقر الخبث في أهله كما ورد مفسراً في حديث ابن عمر، وقال ابن منظور: [الديوث هو الذي لا يغار على أهله] لسان العرب 4/ 456، وفسره به ابن الأثير في النهاية 2/ 147. وقال العلامة علي القاري: [والديوث الذي يقر أي يثبت بسكوته على أهله أي من امرأته أو جاريته أو قرابته الخبث أي الزنا أو مقدماته وفي معناه سائر المعاصي كشرب الخمر وترك غسل الجنابه ونحوهما، قال الطيبي: أي الذي يرى فيهن ما يسوءه ولا يغار عليهن ولا يمنعهن فيقر في أهله الخبث] مرقاة المفاتيح 7/ 241. ويجب التحذير مما يحصل من بعض الرجال في العيد من دخولهم على النساء في البيوت وهن لوحدهن بحجة أنها زيارة يوم العيد فهذا لا يجوز شرعاً وقد حذر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك فقال في الحديث: (إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري ومسلم ....... قال الإمام النووي [وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الحمو الموت) فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة

والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه. فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت. وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 329. وروى الإمام مسلم بسنده عن عبد الرحمن بن جبير أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدثه أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر الصديق وهي تحته يومئذ - أي زوجته - فرآهم فكره ذلك فذكر ذلك لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: لم أر إلا خيراً فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان). قال الإمام النووي: [المُغِيبة بضم الميم وكسر الغين المعجمة وإسكان الياء وهي التي غاب عنها زوجها والمراد غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد هكذا ذكره القاضي وغيره وهذا ظاهر متعين. قال القاضي: ودليله هذا الحديث وأن القصة التي قيل الحديث بسببها وأبو بكر - رضي الله عنه - غائب عن منزله لا عن البلد، والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 330. وأما مصافحة النساء الأجنبيات فهي حرام سواء في العيد أو غير العيد باتفاق العلماء والخلاف في ذلك شاذ غير معتبر بل مردود وقد دل على تحريم المصافحة أدلة كثيرة منها: .................. حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمتحنهن بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ.)

الخ الآية. قالت: من أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة فكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انطلقن فقد بايعتكن. لا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فمن أقرَّ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد بايعتك كلاماً. لا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك). وفي رواية أخرى لحديث عائشة عند ابن ماجة: [ولا مست كف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاماً). صحيح سنن ابن ماجة رقم 2324. قال الحافظ ابن حجر: [قوله قد بايعتك كلاماً أن يقول ذلك كلاماً فقط لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة] فتح الباري 10/ 261 ............................... وعن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت: [أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نسوة نبايعه فقلن نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فيما استطعتن وأطقتن)، قالت: فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله. فقال: (إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة)] رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد وابن حبان والدارقطني، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذي 4/ 152. وقال الحافظ ابن كثير: هذا إسناد صحيح. تفسير ابن كثير 4/ 352. وعن معقل بن يسار- رضي الله عنه - أن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)

رواه الطبراني والبيهقي. قال المنذري: [رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح]. الترغيب والترهيب 3/ 39. وقال الشيخ الألباني: [رواه الروياني في مسنده، وهذا سند جيد رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد فمن رجال مسلم وحده، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن. والمِخيَط بكسر الميم وفتح الياء ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوهما. وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك]. سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد الأول، الحديث رقم 326. وخلاصة الأمر أن تبرج النساء في العيد وغيره حرام شرعاً ولا يجوز الدخول على النساء الأجنبيات منفردات وتحرم مصافحتهن وعلى الناس أن يتقوا الله في تصرفاتهم في أيام العيد وغيرها .........................

متفرقات

متفرقات

معركة هرمجدون

معركة هرمجدون يقول السائل: إ نه قرأ مقالاً في إحدى المجلات بعنوان هرمجدون وذكر الكاتب كلاماً عن هذه المعركة وزعم أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر عنها في صحاح الآثار. فما قولكم في ذلك؟ الجواب: قرأت المقال المشار إليه وقد استغربت أن ينشر مثل هذا الهراء في مجلة إسلامية محترمة على أنه حقائق شرعية صحيحة وقد بدأ الكاتب مقاله بأسلوب مثير حيث قال: [ما أدراك ما هرمجدون؟ إنها الواقعة العظيمة والحرب المدمرة. إنها الحرب التحالفية القادمة التي ينتظرها جميع أهل الأرض اليوم. إنها الحرب الدينية السياسية إنها أعظم وأشرس حروب التاريخ إنها المعركة الحاسمة والتي يجري إعداد مسرحها الآن إنها الحرب النووية العالمية متعددة الأطراف إنها الحرب التي يعم قبلها السلام المشبوه فيقول الناس حل السلام وحل الأمن إنها بداية النهاية إنها الحرب التي سيخسر فيها اليهود ويكسرون] ثم ذكر الكاتب أقوال عدد من القساوسة والزعماء الغربيين عن المعركة ثم قال الكاتب تحت عنوان المسلمون وهرمجدون: [بدأ بعض الكتاب المسلمين يهتم بأمر هذه المعركة ويصدر المقالات الهامة على حين نجد أقواماً من المسلمين لا يدرون ما هرمجدون!! وما تعني هذه الكلمة في قواميس أهل الكتاب. إن رسولنا

الأمين محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أخبرنا في صحاح الآثار عن هذه المنازلة الاستراتيجية الضخمة القريبة وإنها ستكون حرباً تحالفية عالمية: فقد روى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود وابن ماجة وابن حبان أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم فتسلمون وتغنمون ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فيغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمعون لكم ثمانين غاية (علم وراية) مع كل غاية اثنا عشر ألفاً) وكما هو واضح من نص الحديث أن ثمة حربين ............ ستقعان: الأولى: وهي هرمجدون العالمية وهي التي يعرفها جميع أهل الكتاب ويتوقعونها. والثانية: الملحمة الكبرى والتي ستكون بعد حرب " هرمجدون " بين المسلمين من جهة وأوروبا وأمريكا من جهة أخرى نتيجة غدر الروم بنا. فحرب " هر مجدون " ستكون حرباً مدمرة نووية تفني معظم الأسلحة الاستراتيجية وعالمية يكون المسلمون والروم (أوروبا وأمريكا) طرفاً واحداً لا محالة فيقاتلون عدواً مشتركاً يقول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (عدواً من ورائهم) والطرف الآخر لن يكون إلا المعسكر الشرقي وسيكون النصر حليف معسكرنا تدور رحاها في أرض فلسطين حيث تلتقي جيوش جرارة تقضي على جميع الأسلحة النووية والاستراتيجية وتعود الكلمة إلى السيوف والرماح والخيل] إلى آخر ما جاء في المقال. وأقول جواباً على هذا الكلام: إن ظاهرة القصص والحكايات والخرافات لا زالت منتشرة ومصدقة عند المسلمين ومن المعروف أن القصاص مولعون بنشر الغرائب والخرافات ليجذبوا إليهم الناس ويستميلوهم ومن هؤلاء القصاص الجدد من يسعى إلى تحقيق أهداف مادية من وراء نشر كتب حافلة بالغرائب والعجائب مثل كتاب " هرمجدون آخر بيان يا أمة الإسلام " وكتاب " عمر أمة الإسلام " وغيرهما من الكتب. إن هؤلاء جميعاً يعتمدون على مصادر غير إسلامية في كتاباتهم بشكل أساسي ثم يطعمونها بمجموعة من أحاديث الفتن والملاحم ومعظم هذه الأحاديث مكذوب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو ضعيف لا يصح الاستدلال به. إن مصادرنا الإسلامية

ليس فيها ذكر لمعركة هرمجدون فيما أعلم. وإنما ورد ذكر هذه المعركة في المصادر النصرانية كما في رؤيا يوحنا اللاهوتي حيث ذكر معركة هرمجدون ونص الرؤيا: ...... [ورأيت في فم التنين ومن فم الوحش ومن فم النبي الكذاب ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء ها أنا آتي كلص طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً فيروا عريته فجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون] سفر الرؤيا 16/ 16 نقلاً عن كتاب تخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب هرمجدون ص 8. وأما الحديث الذي ذكره صاحب المقالة فلا ذكر فيه لمعركة هرمجدون ولا أدري كيف يجزم صاحب المقالة [بأن رسولنا الأمين محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أخبرنا في صحاح الآثار عن هذه المنازلة الاستراتيجية الضخمة القريبة] ثم ذكر الحديث: (ستصالحون الروم. إلخ) ثم قال: وكما هو واضح من نص الحديث أن ثمة حربين ستقعان الأولى: وهي هر مجدون العالمية. وما زعمه الكاتب أنه واضح من نص الحديث فكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن الحديث ليس فيه شيء عن هرمجدون فكيف يكون واضحاً من نص الحديث؟ إن تنزيل النصوص الشرعية على وقائع حدثت أو ستحدث لمن المنزلقات الكبرى التي وقع فيها كثير من القصاص الجدد ومنهم صاحب كتاب هرمجدون حيث إنه ذكر عدداً من أحاديث الفتن والملاحم وزعم أنها تنطبق على هذه المعركة وقد قام زميلنا الدكتور موسى البسيط بتخريج الأحاديث والآثار الواردة في ذلك الكتاب ووصل إلى نتيجة مفادها: [أولاً: إن ما يزيد عن 85% من الأحاديث والآثار والروايات التي استدل بها المؤلف إنما هي ضعيفة أو ضعيفة جداً أو مكذوبة أو لا يجزم بصحتها ....... ثانياً: أورد المؤلف نصاً زعم أنه في مخطوط نادر يعود إلى القرن

الثالث الهجري ونسبه إلى كتاب والنص ليس له سند ولم يورد لنا ما يوثق المخطوط وقد نسب النص إلى الصحابة أبي هريرة وابن عباس وعلي رضي الله عنهم زوراً وبهتاناً زاعماً أن مثل هذا أخفاه أبو هريرة في الجراب الذي لم يبثه. ثالثاً: ما أورده المؤلف من الأحاديث الصحيحة لها معان محتملة لا يقطع بإنزالها على الواقع وأحداثه. رابعاً: أكثر الروايات منبعها كتاب الفتن " لنعيم بن حماد " ونعيم على الرغم من إمامته في السنة وتوثيق بعض العلماء له إلا أنهم عابوا عليه كثرة مناكيره وما تفرد به من روايات كثيرة في الفتن حتى إن من العلماء من أطلق الضعف فيه. خامساً: وروايات نعيم التي ساقها المؤلف غالباً ما تنتهي إلى كعب الأحبار وكعب وإن كان ثقة إلا أنه أكثر من الرواية عن أهل الكتاب حتى اتهم بالكذب بمعنى أنه يخبر بأحداث ووقائع أنها ستقع فلا تقع. وقال ابن الجوزي: إن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً لا أنه يتعمد الكذب. سادساً: ومع الضعف الشديد في الروايات ومع أنها في كثير من الأحيان هي في أساسها ومنبعها إسرائيليات لا يوثق بها بتاتاً أو هي أقوال رجال من التابعين. إلا أن المؤلف أطلق لخياله العنان في تنزيل الروايات ولو ذهب به الأمر إلى تحريف الألفاظ على الواقع وهذا ضرب من التزوير كما في رواية: (رجل أخنس بمصر " انظر رقم 1، 2، ورواية " الأعرج الكندي " رقم 13 ....... سابعاً: لا ينبغي أن نتبع أهل الكتاب في حمى تحديد نهاية للعالم والمصادر التي يستندون إليها مصادر ليس لنا ثقة في كلمة منها فكيف نبني عليها عقيدة! ومعلوم أن المنهج الإسلامي في الضبط والنقد والتوثيق منهج متميز والله تعالى ينهى عن اتباع الظن والرجم بالغيب فيقول الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ

مَسْئُولًا) سورة الإسراء الآية 36.] تخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب هرمجدون ص76 - 77 ....... ومن أعظم الكذب والدجل الذي ساقه صاحب كتاب هر مجدون نقلاً عن كتاب مخطوط زعم أنه موجود بإحدى المكتبات في تركيا وجاء فيه ما يلي: [حرب آخر الزمان حرب كونية المرة الثالثة بعد اثنين كبريين يموت فيهما خلائق كثيرة الأولى أشعلها رجل كنيته السيد الكبير وتنادي الدنيا باسم هتلر. ثم قال: وهذا مما رواه أبو هريرة وابن عباس وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وفي رواية خاف أن يحدث بها أبو هريرة ولما أحس الموت خاف أن يكتم علماً فقال لمن حوله: (في نبأ علمته عما هو كائن في حروب آخر الزمن فقالوا: أخبرنا ولا بأس جزاك الله خيراً فقال: في عقود الهجرة بعد ألف وثلاثمائة واعقدوا عقوداً يرى ملك الروم أن حرب الدنيا كلها يجب أن تكون فأراد الله له حرباً ولم يذهب طويل زمن عقد وعقد فسلط رجل من بلاد اسمها جرمن له اسم الهر أراد أن يملك الدنيا ويحارب الكل في بلاد ثلج وخير فأمسى في غضب الله بعد سنوات نار أراده قتيلاً سر الروش أو الروس. وفي عقود الهجرة بعد الألف وثلاثمائة عد خمساً أو ستاً يحكم مصر رجل يكنى ناصر يدعوه العرب شجاع العرب وأذله الله في حرب وحرب وما كان منصوراً ويريد الله لمصر نصراً له حقاً في أحب شهوره وهو له فأرضى مصر رب البيت والعرب بأسمر سادا أبوه أنور منه لكنه صالح لصوص المسجد الأقصى بالبلد الحزين وفي عراق الشأم رجل متجبر. و. سفياني في إحدى عينيه كسل قليل واسمه من الصدام وهو صدام لمن عارضه الدنيا جمعت له في كوت صغير دخلها وهو مدهون ولا خير في السفياني إلا بالإسلام وهو خير وشر والويل لخائن المهدي الأمين. وفي عقود الهجرة الألف وأربعمائة واعقد اثنين أو ثلاثاً. يخرج المهدي الأمين ويحارب كل الكون يجمعون له الضالون والمغضوب عليهم والذين مردوا على النفاق في بلاد الإسراء والمعراج عند جبل مجدون وتخرج له ملكة الدنيا والمكر زانية اسمها أمريكا. . إلخ هذا الدجل والهراء) ولنا أن نسأل بعد التأمل في ...... هذا النص كيف يستخف بالعقول بمثل هذا المخطوط

المزعوم؟ فأين هذا المخطوط؟ وما رقمه؟ وأين هي صورته؟ وما إسناده؟ ومن الذي كتبه وألفه؟ ولماذا ظهرت القطعة في هذه الأيام تحديداً ثم لماذا توقفت في رؤساء مصر عند عهد السادات ولم تأت بشيء بعده؟ إنها مخطوطة سحرية عجيبة حفلت بتفاصيل لا بل قل أكاذيب منسوبة إلى الصحابة ونراها تحدد اسم الرئيس واسم والده وتبين صفة عينه ولون بشرته. إن علامات الوضع والكذب الصريح على الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واضحة في هذه الورقة التي لا يصدق نسبها إلى رسول الله إلا رجل أبله مختل العقل لا يفقه عن الأحاديث وضوابط رواياتها شيئاً. ثم إن مقتضى أن يروى هذا النص عن الصحابة الثلاثة أن تشتهر هذه الرواية فكل صحابي من هؤلاء مفترض أن يسمع منه هذا النص اثنان من التابعين على الأقل ثم في الطبقة الثالثة يذيع ويشيع ويتواتر حتى نجده في كل كتب الحديث فأين هذا الذيوع وهذه الشهرة؟؟؟] تخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب هرمجدون ص24 - 26 ....... وخلاصة الأمر أنه لا يشك كل من شمَّ رائحة العلم، أن هذا الكتاب المدَّعى كذب وإفك، جازى الله واضعه أسوأ الجزاء، وجلله بالفضيحة والخزي في الدنيا والآخرة إن أدلة وضع تلك النقول على رسولنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من أن تحصى: منها انفراد ذلك الكاتب المجهول بها، وانفراد ذلك المخطوط المزعوم بها، وانفراد مؤلفه المجهول بها مع كثرة ما كتبه أئمة الإسلام في جميع عصوره عن المهدي وعلامات الساعة، وجمعهم ما صح في ذلك وما ضعف وما بطل، وليس فيها تلك النقول، ثم أين إسناد ذلك المؤلف المزعوم أنه من علماء القرن الثالث؟ حتى ننظر في إسناد خبره ذاك، وهذه هي فضيلة الإسناد! إذ (لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)، كما كان يقول عبد الله ابن المبارك وغيره من أئمة الإسلام، ثم من يخفى عليه ما تضمنته تلك النقول من الركاكة والسماجة في الألفاظ والأسلوب، التي هي أبعد ما تكون عن بيان وجلالة الأحاديث النبوية، مما لا يخفى كذبه على عاقل، فضلاً عن عالم!!. إن اعتماد مؤلف كتاب (هرمجدون) على مثل هذه النقول، يدل على أحد أمرين: إما على جهل بالغ بالسنة، لا يجوز

حديث مكذوب

معه أن يتفوه فيها إلا بما صححه الأئمة المعتبرون، أو أنه ضم مع الجهل السابق غرضاً دنيوياً فاسداً، أراد من ورائه الشهرة والمال، أو إفساد دين الأمة وتصوراتها. راجع موقع الإسلام اليوم على شبكة الإنترنت ....... حديث مكذوب يقول السائل وزعت ورقة مطبوعة في المسجد عندنا وفيها هذا الحديث قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قرأ في مصبح أو ممسى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً * وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً) سورة الإسراء الآيات 110 - 111. لم يمت في ذلك اليوم ولا في تلك الليلة.) فهل هذا الحديث وارد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفيدونا؟ الجواب: إن ملامح الوضع ظاهرة على هذا الحديث أي الكذب وقد بحثت عنه في مظانه فوجدت أن الزبيدي ذكره بلفظ آخر حيث قال: (وروى الديلمي من حديث أبي موسى: من قرأ في مصبح أو ممسى (قل ادعوا الله. إلى آخر السورة لم يمت قلبه ذلك اليوم ولا في تلك الليلة) إتحاف السادة المتقين 5/ 161. ولفظه هنا (لم يمت قلبه) وفي لفظ الحديث المذكور في السؤال (لم يمت في ذلك اليوم) والفرق بين الأمرين كبير. والديلمي المذكور هو صاحب مسند الفردوس وكتابه هذا من مظان الأحاديث الضعيفة والمكذوبة. انظر الأجوبة الفاضلة ص 111 - 112. ومن علامات الحديث المكذوب أن يشتمل على أمر معلوم بطلانه قطعاً وهو في هذا الحديث أن الإنسان إذا قرأ آية من القرآن الكريم فإنه لا يموت يومه ذاك أو ليلته. انظر قواعد التحديث ص156 .......

حديث مكذوب

حديث مكذوب يقول السائل: إنه قرأ في إحدى المجلات الإسلامية مقالاً ذكر الكاتب فيه أن اسم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكتوب مع اسم الله تعالى على العرش وسائر الملكوت وذكر حديثاً عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفيه: (لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك ورفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليَّ ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن من أسباب انحراف بعض المسلمين في فهمهم لحقائق الإسلام الغلو. والغلو هو مجاوزة الحد الشرعي بالزيادة. وقد حارب الإسلام الغلو ومجاوزة الحد فقد قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) سورة النساء الآية 171 ....... وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) سورة التوبة الآيتان 30 - 31. وصح في الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة العقبة وهو على ناقته: هات القط لي سبع حصيات. فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف فجعل ينضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا ثم قال: أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك

الذين من قبلكم الغلو في الدين) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 1283. وصح في الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ألا هلك المتنطعون ألا هلك المتنطعون ألا هلك المتنطعون) رواه مسلم. وصح في الحديث عن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري. إذا تقرر هذا فأقول إن ما ذكره الكاتب المشار إليه في السؤال من أن اسم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكتوب مع اسم الله تعالى على العرش من الكذب الممجوج على دين الإسلام والحديث الذي احتج به الكاتب مكذوب على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهذا الحديث رواه الحاكم وغيره وانتقد الإمام الذهبي رواية الحاكم لهذا الحديث فقال: إنه حديث موضوع أي مكذوب. انظر المستدرك 3/ 517 ....... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه فإنه نفسه قد قال في كتابه " المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم ": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه. قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم. وقال أبو حاتم ابن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك. وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهو مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة في الحديث ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم وإن كان غالب ما يصححه فهو صحيح لكن هو في الصحيحين بمنزلة الثقة الذي

يكثر غلطه وإن الصواب أغلب عليه وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه] مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية 1/ 407 - 408 ....... وقال شيخ الإسلام أيضاً: [ومثل هذا لا يجوز أن تبنى عليه الشريعة ولا أن يحتج به في الدين باتفاق المسلمين فإن هذا من جنس الإسرائيليات ونحوها التي لا يعلم صحتها إلا بنقل ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذه لو نقلها مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما ممن ينقل أخبار المبتدأ وقصص المتقدمين عند أهل الكتاب لم يجز أن يحتج بها في دين المسلمين باتفاق المسلمين فكيف إذا نقلها من لا ينقلها لا عن أهل الكتاب ولا عن ثقات علماء المسلمين بل إنما ينقلها عمن هو عند المسلمين مجروح ضعيف لا يحتج بحديثه واضطرب عليه اضطراباً يعرف به أنه لم يحفظ ذلك ولا ينقل ذلك ولا ما يشبه أحد من ثقات علماء المسلمين الذين يعتمد على نقلهم وإنما هي من جنس ما ينقله إسحاق بن بشر وأمثاله في كتب المبتدأ وهذه لو كانت ثابتة عن الأنبياء لكانت شرعاً لهم وحينئذ فكان الاحتجاج بها مبنياً على أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا؟ والنزاع في ذلك مشهور لكن الذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أنه شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه وهذا إنما هو فيما ثبت أنه شرع لمن قبلنا من نقل ثابت عن نبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو بما تواتر عنهم لا بما يروى على هذا الوجه فإن هذا لا يجوز أن يحتج به في شرع أحد من المسلمين] مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية 1/ 408 - 409. وقال الشيخ محمد خليل هراس معلقاً على الحديث السابق: [هذا الحديث باطل والله لم يخلق آدم ولا غيره من أجل أحد وإنما خلق الكل لعبادته كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات الآية 56. كما لا يجوز أن يسأل الله بحق أحد من خلقه فلا حق لأحد على الله] المصدر السابق 1/ 410 ....... وقال الشيخ الألباني عن هذا الحديث إنه موضوع أي مكذوب وفصلَّ الكلام عليه ثم قال: [وجملة القول أن هذا الحديث لا أصل له عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا

جرم أن حَكَمَ عليه بالبطلان الحافظان الجليلان الذهبي والعسقلاني كما تقدم النقل عنهما ومما يدل على بطلانه أن الحديث صريح في أن آدم عليه السلام عرف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عقب خلقه وكان ذلك في الجنة وقبل هبوطه إلى الأرض وقد جاء في حديث إسناده خير من هذا أنه لم يعرفه إلا بعد نزوله إلى الهند وسماعه في اسمه بالآذان] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ 40 - 41. والحديث الذي أشار إليه الألباني هو: (نزل آدم بالهند واستوحش فنزل جبريل فنادى بالأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين قال آدم: من محمد؟ قال: آخر ولدك من الأنبياء - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ثم حكم الألباني على هذا الحديث بأنه ضعيف ثم قال: [وهذا الحديث مع ضعفه أقوى من الحديث المتقدم بلفظ: (لما اقترف آدم الخطيئة يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمد ولم أخلقه؟.) وهو صريح في أن آدم عليه السلام كان يعرف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في الجنة قبل هبوطه إلى الأرض ولذلك سأل جبريل: ومن محمد؟ فهذا من أدلة بطلان ذلك الحديث كما سبق بيانه عند تحقيق الكلام على وضعه فتذكر أو راجع إن شئت. وأنا لا أجيز لنفسي الاحتجاج بمثل هذا الحديث كما هو ظاهر ولكن التحقيق العلمي يسمح برد الحديث الواهي بالحديث الضعيف ما دام ضعفه أقل منه كما لا يخفى على من مارس هذا العلم الشريف] سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 396 - 397 ....... ولعل من سيئات الكذب على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا الحديث أن صار الناس يكتبون في كثير من اللوحات (الله، محمد) وهذا لا يجوز شرعاً لأنه يوحي بأن الله جل جلاله ومحمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في منزلة واحدة والأمر ليس كذلك وقد قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرجل قال له: ما شاء الله وشئت قال: أجعلتني لله نداً بل ما شاء الله وحده) رواه البخاري في الأدب المفرد وهو حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 139.

تخزين المواد الغذائية لا ينافي التوكل على الله

وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية بأنه لا تجوز كتابة اسم الجلالة (الله) وكتابة (محمد) اسم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محاذياً له في ورقة أو في لوحة أو على جدار لما يتضمنه هذا العمل من الغلو في حق الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومساواته بالله وهذا وسيلة من وسائل الشرك وقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبدٌ، فقولوا عبدُ الله ورسولُه) والواجب منع تعليق هذه اللوحات أو الورقات وطمس الكتابات التي على الجدران التي على هذا الشكل حماية للعقيدة وعملاً بوصية الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]. وخلاصة الأمر أن الحديث المذكور في السؤال مكذوب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنه لا يجوز الاحتجاج به، فالواجب على المسلم أن لا يجعل اسم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقروناً مع لفظ الجلالة في لوحة واحدة أو ورقة واحدة أو على حجر يوضع على البيت ويجب إزالة مثل هذه اللوحات والورقات ونحوها حماية للتوحيد والعقيدة الصحيحة ....... تخزين المواد الغذائية لا ينافي التوكل على الله يقول السائل: في هذه الأيام العصيبة - الحرب الثانية على العراق - يكثر الناس من شراء المواد الغذائية وتخزينها. فهل هذا الأمر يتنافى مع التوكل على الله سبحانه وتعالى؟ الجواب: إن التوكل على الله سبحانه وتعالى أمر مطلوب شرعاً وجزء من عقيدة المسلم قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) سورة آل عمران الآية 159. وقال تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) سورة آل عمران الآية 122. وقال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْءَامَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) سورة يونس الآية 84. وقال تعالى أيضاً: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) سورة الفرقان الآية 58

وغير ذلك من الآيات. فالمسلم يعتمد على الله سبحانه وتعالى ويتوكل عليه وحده ولكن التوكل على الله سبحانه وتعالى لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب فالمطلوب من المسلم أن يأخذ بالأسباب ثم يتوكل على الله جل جلاله. فقد ورد في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل على الله فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اعقلها وتوكل) رواه الترمذي وابن حبان وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 309. قال الإمام ابن العربي المالكي: [قد ورد صحيحاً بقريب من هذا المعنى صحيح. وذلك أن حقيقة التوكل لا ينافيه النظر في الأسباب بعد المعرفة بمقادير وإنزال منزلتها فأما التفويض فقطع الأسباب فلا يقدر عليه البشر وإنما هو لآحاد من الخلق وقليل ما هم وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعمل بالأسباب سنة للخلق وتطييباً لنفوسهم وإلا فمنزلته أعظم من منزلة مريم ولكنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث صلاحاً للدين والدنيا ومقيماً لقانونيهما] عارضة الأحوذي 9/ 235 ....... إذا تقرر هذا فإن ادخار الأطعمة وغيرها لا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى بل هو أخذ بالأسباب الشرعية وقد ثبت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدخر قوت سنة لأهله قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، وكيف نفقات العيال؟ ثم قال: [حدثني محمد بن سلام أخبرنا وكيع عن ابن عيينة قال: قال لي معمر قال لي الثوري: هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو بعض السنة؟ قال معمر: فلم يحضرني. ثم ذكرت حديثاً حدثناه ابن شهاب الزهري عن مالك بن أوس عن عمر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم). قال الحافظ ابن حجر: [قال ابن دقيق العيد: في الحديث جواز الادخار للأهل قوت سنة وفي السياق ما يؤخذ منه الجمع بينه وبين حديث (كان لا يدخر شيئاً لغد) فيحمل على الادخار لنفسه وحديث الباب على الادخار لغيره ولو كان له في ذلك مشاركة لكن المعنى أنهم المقصد بالادخار دونه حتى لو لم يوجدوا لم يدخر قال: والمتكلمون على لسان الطريقة جعلوا أو بعضهم ما زاد على السنة خارجاً عن طريقة التوكل

انتهى. وفيه إشارة إلى الرد على الطبري حيث استدل بالحديث على جواز الادخار مطلقاً خلافاً لمن منع ذلك وفي الذي نقله الشيخ تقييد بالسنة اتباعاً للخبر الوارد لكن استدلال الطبري قوي بل التقييد بالسنة إنما جاء من ضرورة الواقع لأن الذي كان يدخر لم يكن يحصل إلا من السنة إلى السنة لأنه كان إما تمراً وإما شعيراً فلو قدر أن شيئاًَ مما يدخر كان لا يحصل إلا من سنتين إلى سنتين لاقتضى الحال جواز الادخار لأجل ذلك والله أعلم. ومع كونه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحتبس قوت سنة لعياله فكان في طول السنة ربما استجره منهم لمن يرد عليه ويعوضهم عنه ولذلك مات - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودرعه مرهونة على شعير اقترضه قوتاً لأهله. واختلف في جواز ادخار القوت لمن ...... يشتريه من السوق، قال عياض: أجازه قوم واحتجوا بهذا الحديث ولا حجة فيه لأنه إنما كان من مغل الأرض، ومنعه قوم إلا إن كان لا يضر بالسعر وهو متجه إرفاقاً بالناس ثم محل هذا الاختلاف إذا لم يكن في حال الضيق وإلا فلا يجوز الادخار في تلك الحالة أصلاً] فتح الباري 9/ 622 - 624. ويجب التنبيه إلى أمرين في هذه المسألة: الأول: إنه لا ينبغي للناس التهافت الكبير على شراء المواد الغذائية بحيث أن الأسواق تكاد تفرغ مما فيها وأن يشتري الإنسان قدر حاجته ولا يبالغ في ذلك لما في المبالغة من أضرار قد تلحق بالمجتمع بشكل عام. الثاني: على التجار أن يتقوا الله فلا يرفعوا الأسعار ولا يستغلوا إقبال الناس على الشراء برفع الأسعار بحجج واهية كما أن على التجار أن يتقوا الله وينصحوا للناس حيث إن بعض التجار الجشعين قد استغلوا الظروف الحالية فباعوا للناس بضائع قديمة انتهت صلاحيتها فهذا حرام شرعاً، لما ينطوي عليها من الغش والإضرار بالناس فقد صح في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم. وخلاصة الأمر أنه يجوز ادخار المواد الغذائية وغيرها بشرط أن لا يلحق هذا الأمر الضرر بالناس والادخار لا يتنافى مع التوكل على الله سبحانه وتعالى .......

الدعاء للمسلمين المظلومين المقهورين

الدعاء للمسلمين المظلومين المقهورين يقول السائل: إنه سمع من بعض أهل العلم أن من الواجب على المسلمين أن يكثروا من الدعاء لإخوانهم المسلمين المظلومين المقهورين في ظل الحرب الظالمة التي تشن على المسلمين. فما أثر الدعاء وفائدته؟ الجواب: لا شك أن الدعاء عبادة عظيمة بل ورد في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الدعاء هو العبادة) رواه أصحاب السنن الأربعة وقال الترمذي حديث حسن صحيح وصححه النووي في الأذكار ص333. قال الإمام ابن العربي المالكي: [وجه تسمية الدعاء عبادة بين لأن فيه الإقرار بالعجز من العبد والقدرة لله وذلك غاية الذل والخضوع] عارضة الأحوذي 12/ 90. وقد وردت آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل تحض على الدعاء وتبين أن الأنبياء والمرسلين قد دعوا الله سبحانه وتعالى وكذا المؤمنين الصادقين ولا ننسى أن من هدي سيد المرسلين - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدعاء كما سأذكر فيما بعد. أما الآيات القرآنية فمن ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) سورة غافر الآية 60. وقال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) سورة الأعراف الآيتان 55 - 56. وقال تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) سورة غافر الآية 65 ....... وقال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة الآيتان 16 - 17. وقال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ

يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) الكهف الآية 28. وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) سورة البقرة الآية 186. وغير ذلك من الآيات. كما أن القرآن الكريم قد ذكر نماذج من أدعية الأنبياء والمرسلين فمن ذلك قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) سورة إبراهيم الآيات 39 - 41. وعلى لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) سورة البقرة الآيتان 127 - 128 ....... وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ َفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَاءَايَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) سورة القمر الآيات 9 - 15. وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام أيضاً: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) سورة نوح الآية 28. وقال تعالى على لسان زكريا عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) سورة مريم الآية 4 - 6. وقال تعالى على لسان موسى علي السلام: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) سورة طه الآية 25.

وقال تعالى على لسان محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) سورة طه الآية 114. وقال أيضاً: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) سورة الإسراء الآية 8. وقال أيضاً: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) سورة المؤمنون الآيتان 97 - 98 ....... وأما الأحاديث الواردة في الدعاء فكثيرة جداً ولا يتسع المقام لذكرها ولكن أذكر شيئاً منها فيما يتعلق بالدعاء في وقت الكرب وحلول البلاء فمن ذلك أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا ربه يوم بدر واستغاث به جل جلاله فكان دعاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أسباب النصر فأمده الله بالملائكة فقد ورد في الحديث عن عمر - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً فاستقبل نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) فأمده الله بالملائكة] رواه مسلم. وصح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر: ...... (اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد) فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك. فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر) رواه البخاري. وثبت في الحديث أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا يوم حنين فقد روى مسلم بإسناده عن إسحق قال: (جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبي الله ما ولى ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل

كأنها رِجلٌ من جراد - أي سرب أو مجموعة - فانكشفوا فأقبل القوم إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: أنا النبي لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب ...... اللهم نزِّل نصرك، قال البراء: كنا والله إذا احمَّر البأس نتقي به وإن الشجاع منا للذي يحاذي به يعني النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). ومن أدعية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأخرى عند نزول الكرب والبلاء ما رواه الإمام البخاري في صحيحه بإسناده في باب الدعاء عند الكرب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدعو عند الكرب يقول: (لا إله الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم). وفي رواية أخرى عنه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا كربه أمر قال: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) رواه الترمذي. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كان إذا أهمه الأمر رفع طرفه إلى السماء فقال: (سبحان الله العظيم)، وإذا اجتهد في الدعاء قال: يا حي يا قيوم) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب. وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت) رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 959. وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب؟!: الله ُ اللهُ ربي لا أشرك به شيئاً) وفي رواية أنها تقال سبع مرات، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وهو حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 2755 ....... وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما أصاب عبداً همٌ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به

نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همَّه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً) رواه أحمد وابن حبان بسند صحيح. وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له) رواه أحمد والترمذي. وينبغي أن يعلم أن الدعاء سببٌ لرد البلاء واستجلاب الرحمة قال الإمام الغزالي: ...... [فإن قلت فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة كما أن الترس سبب لرد السهام والماء سبب لخروج النبات من الأرض فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان. وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح وقد قال تعالى: (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) سورة النساء الآية 102 كما أنه ليس من شرطه أن لا يسقي الأرض بعد بث البذر فيقال إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر والذي قدَّر الخير قدَّره بسبب والذي قدَّر الشر قدَّر لرفعه سبباً فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته. ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله وهو منتهى العبادات ولذلك قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الدعاء مخ العبادة). والغالب على الخلق أن لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل إلا عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض. فالحاجة تحوج إلى الدعاء والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع والاستكانة فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات ولذلك صار البلاء موكلاً بالأنبياء عليهم السلام ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل، لأنه يرد القلب بالافتقار والتضرع إلى الله عز وجل ويمنع

ما يفعله الشيعة في احتفالاتهم من منكرات

من نسيانه وأما الغنى فسبب للبطر في غالب الأمور فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى] إحياء علوم الدين 1/ 336 - 337 ....... وختاماً يجب التذكير ببعض القضايا الهامة في ظل الظروف العصيبة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأيام فمن ذلك أنه لا بد من التوكل على الله سبحانه وتعالى وأن نفوض أمرنا لله عز وجل فالأمور كلها بيده يعز من يشاء ويذل من يشاء. ولا بد للمسلم الصادق أن يطهر إيمانه من الولاء للكافرين وليحذر المسلم من أن يحب ظهور الكافرين على المسلمين أو يتمنى ذلك فإن هذا يطعن في إيمانه. وعلى المسلم الصادق أن يوقن أن الله قد وعد هذه الأمة بالتمكين لدينه ونصر أوليائه قال الله تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) سورة المجادلة الآية 21 ....... ما يفعله الشيعة في احتفالاتهم من منكرات يقول السائل: عرضت المحطات الفضائية مشاهد من احتفالات الشيعة في كربلاء بمناسبة أربعينية الحسين وقد شاهدنا أموراً غربية يفعلونها فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن الخلاف بين أهل السنة والشيعة خلاف في العقائد والأصول وليس خلافاً في الفروع كما يظن كثير من الناس فعند الشيعة كثير من العقائد الباطلة ويعرف ذلك من يقرأ في مصادرهم المعتمدة وإن حاول بعض مراجعهم الدينية المعاصرون إخفاء ذلك أو عدم الحديث عنه وهم يفعلون ذلك انطلاقاً من مبدأ التقية وهي عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر بغير ما يبطنون ويقولون: (من لا تقية له لا دين له). ومن مظاهر انحراف الشيعة عن دين الإسلام غلوهم الشديد في أئمتهم وقبور أئمتهم وما عرضته المحطات الفضائية غيض من فيض من الفظائع والمنكرات التي يفعلونها عند ما يسمونه العتبات المقدسة كما زعموا

وليس من منهج الإسلام الصحيح شد الرحال والسفر إلى القبور ولا تقديسها ولا إقامة الشعائر الدينية عندها كما يفعل هؤلاء فقد ثبت في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث يدل على تحريم شد الرحال والسفر بقصد زيارة أي مسجد سوى المساجد الثلاثة لأنه لا يوجد لأي مسجد من مساجد المسلمين ميزة على مسجد آخر سوى المساجد الثلاثة المذكورة في الحديث فشد الرحال إلى مساجد كربلاء والنجف وقم باطل شرعاً هذا أولاً ....... وأما ثانياً فإنه لا يجوز شرعاً بناء المساجد على القبور وأن هذا كان من أسباب الشرك حيث عبد الناس أصحاب القبور من دون الله قال العلامة ابن القيم: [ومن أعظم مكايده - أي الشيطان - التي كاد بها أكثر الناس وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته: ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور. حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبدَ أربابُها من دون الله وعبدت قبورهم واتخذت أوثاناً وبنيت عليها الهياكل وصورت صور أربابها فيها ثم جعلت تلك الصور أجساداً لها ظل ثم جعلت أصناماً وعبدت مع الله تعالى. وكان أول هذا الداء العظيم في قوم نوح كما أخبر سبحانه عنهم في كتابه حيث يقول: (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّءَالِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا) سورة نوح الآيات 21 - 24] إغاثة اللهفان 1/ 182 - 183 ....... وقال العلامة ابن القيم أيضاً: [فقد رأيت أن سبب عبادة ود ويغوث ويعوق ونسراً واللات إنما كانت من تعظيم قبورهم ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها كما أشار إليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال شيخنا: وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك. فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين وتماثيل يزعمون أنها طلاسم للكواكب ونحو ذلك فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة

أو حجر. ولهذا نجد أهل الشرك كثيراً يتضرعون عندها ويخشعون ويخضعون ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر ومنهم من يسجد لها وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد فلأجل هذه المفسدة حسم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقاً. وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة فيها للشمس فنهى أمته عن الصلاة حينئذ وإن لم يقصد المصلي ما قصده المشركون سداً للذريعة قال: وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركاً بالصلاة في تلك البقعة. فهذا عين المحادة لله ولرسوله والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن به الله تعالى. فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الصلاة عند القبور منهي عنها وأنه لعن من اتخذها مساجد فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك: الصلاة عندها واتخاذها مساجد وبناء المساجد عليها وقد تواترت النصوص عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه. فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة. وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب ...... مالك والشافعي بتحريم ذلك. وطائفة أطلقت الكراهة والذي ينبغي أن تحمل على كراهة التحريم إحساناً للظن بالعلماء وأن لا يظن بهم أن يجوزوا فعل ما تواتر عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن فاعله والنهي عنه. ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يموت بخمس وهو يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) وعن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: (لما نزل برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) متفق عليه.

وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله قال: (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وفي رواية مسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). فقد نهى عن اتخاذ القبور مساجد في آخر حياته ثم إنه لعن وهو في السياق من فعل ذلك من أهل الكتاب ليحذر أمته أن يفعلوا ذلك. قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً) متفق عليه. وقولها (خُشِيَ) هو بضم الخاء تعليلاً لمنع إبراز قبره. وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن من أشرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد)] إغاثة اللهفان 1/ 184 - 186 ....... ثالثاً: إن بعض وسائل الإعلام أطلقت على ما فعله الشيعة في كربلاء وتجمع العدد الكبير منهم هناك بأنه حج إلى كربلاء وهذا من أبطل الباطل فلا يُعرف للمسلمين حجٌ إلا إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة ومن اعتقد بغير ذلك فهو خارج عن ملة الإسلام والمسلمين ويوجد في مصادر الشيعة بعض الروايات في هذا المعنى المنحرف منها ما يتضمن الاستغناء عن الحج فالذي لا يستطيع الحج يكفيه زيارة قبر الحسين فعن أبي عبد الله قال: (إذا أردت الحج ولم يتهيأ لك، فائت قبر الحسين فإنها تكتب لك حجة، وإذا أردت العمرة ولم يتهيأ لك فائت قبر الحسين فإنها تكتب لك عمرة) وسائل الشيعة 10/ 332. بل تدرج بهم الغلو إلى الاعتقاد بأفضلية زيارة قبر الحسين في كربلاء على الحج فعن أبي عبد الله قال: (من زار قبر " الحسين " يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم عليه السلام وألف ألف: عمرة مع رسول الله، وعتق ألف نسمة وحملان ألف فرس في سبيل الله، وسماه الله عز وجل عبدي الصديق آمن بموعدي وقالت الملائكة: فلان صديق زكاه الله من فوق عرشه، وسمي في الأرض كروبيا) وسائل الشيعة 10/ 360. وفي هذا يقول علامتهم آية الله السيد عبد الحسين: (لقد جعل رب العالمين لطفاً بعباده قبر الحسين عليه السلام بدلا من حج بيت الله الحرام ليتمسك به من لم يوفق إلى الحج بل إن ثوابه لبعض

المؤمنين وهم الذين يراعون شرائط الزيارة أكثر من ثواب الحج كما صريح الروايات الواردة في هذا المعنى) الثورة الحسينية ص15. بل زعموا أن الله ينظر إلى زوار الحسين يوم عرفة قبل أن ينظر إلى أهل عرفات، فعن أبي عبد الله قال: (قلت له - أي الراوي -: إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار الحسين عليه السلام عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف؟ فقال: نعم، قلت: وكيف ذلك؟ قال: لأن في أولئك أولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا) وسائل الشيعة 10/ 361 ....... وفي رواية: (إن الله ينظر إلى زوار قبر الحسين نظر الرحمة في يوم عرفة قبل نظره إلى أهل عرفات) الثورة الحسينية ص 15 ولا شك أن كل هذا من الكذب الواضح على دين الإسلام. قال صاحب تيسير العزيز الحميد: [وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجاً ووضعوا لها مناسك حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً سماه " مناسك حج المشاهد " مضاهاة منه القبور بالبيت الحرام ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عبادة الأصنام فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقصده من النهي عما تقدم ذكره في القبور وبين ما شرعه هؤلاء وقصدوه ولا ريب أن في ذلك من المفاسد ما يعجز عن حصره. فمنها: تعظيم المواقع في الافتتان بها ومنها اتخاذها أعياداً ومنها السفر إليها ومنها: مشابهة عبادة الأصنام بما يفعل عندها من العكوف عليها والمجاورة عندها وتعليق الستور عليها وعبادها يرجحون المجاورة عندها على المجاورة عند المسجد الحرام ويرون سدنتها أفضل من خدمة المساجد والويل عندهم لقيمها ليلة يطفئ القنديل المعلق عليها. ومنها: النذر لها ولسدنتها، ومنها: اعتقاد المشركين فيها أن بها يكشف البلاء وينصر على الأعداء ويستنزل غيث السماء وتفرج الكروب وتقضى الحوائج وينصر المظلوم ويجار الخائف إلى غير ذلك. ومنها: الدخول في لعنة الله ورسوله باتخاذ المساجد عليها وإيقاد السرج عليها ومنها: الشرك الأكبر الذي يفعل عندها] تيسير العزيز الحميد ص 637 - 638 ....... ويجب أن يعلم أنه ليس لكربلاء ولا للنجف ولا لقم أي قداسة في

معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك)

دين الإسلام وهذه المواطن من ديار الإسلام ليس لها أي ميزة على غيرها من المواطن الأخرى وما يعتقده الشيعة من قداسة هذه المواطن فاعتقاد باطل وما يروونه من أحاديث وآثار في هذا الباب فكله من الكذب الصريح كما في حديثهم المكذوب: قال جعفر ((إن أرض الكعبة قالت من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق وجعلت حرم الله وأمنه. فأوحى الله إليها أن كفي وقري ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر ولولا تربة كربلاء ما فضلتك ولولا من تضمه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت فقري واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاَ مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم)) كامل الزيارات ص 270 بحار الأنوار للمجلسي 101/ 109. ومثل ذلك ما جاء في كتاب الكافي وهو من أهم مصادر الشيعة في الحديث: (إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين يوم عرفة واغتسل من الفرات ثم توجه إليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها) وهذا من أكذب الكذب. رابعاً: أما ما يفعله الشيعة من اللطم وضرب القامات بالسيوف ونحوها فمنكر عظيم ومن أعظم المحرمات وقد سبق أن ذكرت الأدلة على تحريمه في حلقة سابقة ويضاف إلى ذلك أن بعض مراجعهم قد سمى ذلك تخلفاً لما فيه من إساءة لدين الإسلام أمام الناس حيث إن هذا العمل لا يقره شرع ولا عقل بل هو نوع من الجنون ....... معنى قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك) يقول السائل: ما معنى قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك)؟ الجواب: ما ذكره السائل جزء من حديث رواه أحمد عن وابصة الأسدي قال أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم

إلا سألته عنه وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه فجعلت أتخطاهم قالوا إليك يا وابصة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلت دعوني فأدنو منه فإنه أحب الناس إليَّ أن أدنو منه قال: دعوا وابصة، ادن يا وابصة مرتين أو ثلاثاً قال فدنوت منه حتى قعدت بين يديه فقال يا وابصة أخبرك أو تسألني، قلت لا بل أخبرني، فقال: جئت تسألني عن البر والإثم، فقال نعم فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري ويقول: يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك ثلاث مرات البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك) رواه أحمد بإسناد حسن كما قال المنذري في الترغيب وحسنه النووي أيضاً وقال الألباني: حسن لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/ 323. ورواه الدارمي بسنده عن وابصة بن معبد الأسدي أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لوابصة جئت تسأل عن البر والإثم قال قلت نعم قال فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال استفت نفسك استفت قلبك يا وابصة ثلاثاً البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك) ...... قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [ومعنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (استفت قلبك.) يعني أن ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم وإن أفتاه غيره بأنه ليس بإثم فهذه مرتبة ثانية وهو أن يكون الشيء مستنكراً عند فاعله دون غيره وقد جعله أيضاً إثماً وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره للإيمان وكان المفتي يفتي له بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي. فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعي فالواجب على المفتى الرجوع إليه وإن لم ينشرح له صدره وهذا كالرخصة الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال فهذا لا عبرة به] جامع العلوم الحكم ص320 ...... وقال القاضي البيضاوي: [المعنى أن الشيء إذا أشكل على السالك والتبس ولم يتبين أنه من أي القبيلين هو فليتأمل فيه إن كان من أهل الاجتهاد وليسأل المجتهدين إن كان من المقلدين فإن وجد ما تسكن إليه

حكم تمني الموت إذا ضاقت الدنيا بالإنسان

نفسه ويطمئن به قلبه وينشرح به صدره فليأخذ به وليختره لنفسه وإلا فليدعه وليأخذ بما لا شبهة فيه ولا ريبة. وهذا طريقة الورع والاحتياط وحاصله راجع إلى حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما. ولعله إنما عطف اطمئنان القلب على اطمئنان النفس للتقرير والتأكيد فإن النفس إذا ترددت في أمر وتحيرت فيه وزال عنها القرار استتبع ذلك خفقاناً للقلب للعلاقة التي بينها وبين القلب الذي هو متعلق الأول لها فتنقل العلاقة إليه من تلك الهيئة أثراً فيحدث فيه خفقان واضطراب ثم ربما يسري هذا الأثر إلى سائر القوى فتحس بها الحلال والحرام فإذا زال ذلك عن النفس وحدث لها قرار وطمأنينة انعكس الأمر وتبدلت الحال على ما لها من الفروع والأعضاء وقيل المعني بهذا الأمر أرباب البصائر من أهل النظر والفكر المستقيمة وأصحاب الفراسات من ذوي النفوس المرتاضة والقلوب السليمة فإن نفوسهم بالطبع تصبو إلى الخير وتنبو عن الشر فإن الشيء ينجذب إلى ما يلائمه وينفر عما يخالفه ويكون ملهمة للصواب في أكثر الأحوال. قال التوربشتي رحمه الله: وهذا القول وإن كان غير مستعبد فإن القول بحمله على العموم فيمن يجمعهم كلمة التقوى وتحيط بهم دائرة الدين أحق وأهدى] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 6/ 26. وخلاصة الأمر أن معنى الحديث هو أن من تعارضت عنده أقوال العلماء فإنه يجب عليه أن يقلد الأعلم الأورع، فإن لم يترجح عنده شيء في ذلك رجع إلى صدره وقلبه، فما وجد في صدره منه حرجاً تركه وابتعد عنه ....... حكم تمني الموت إذا ضاقت الدنيا بالإنسان يقول السائل: ما حكم تمني الموت إذا ضاقت الدنيا بإنسان وكثرت مشكلاته؟ الجواب: لا ينبغي للمسلم أن يتمنى الموت إذا ضاقت به الدنيا

وهجمت المشكلات عليه وزادت همومه لأن في تمني الموت نوعاً من الاعتراض على قدر الله سبحانه وتعالى بل الواجب على المسلم أن يفوض أمره إلى الله سبحانه وتعالى وقد ثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لا بد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) رواه البخاري ومسلم. وقال أنس - رضي الله عنه -: [لولا أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يتمنين أحدكم الموت) لتمنيته] رواه مسلم. وعن قيس بن أبي حازم قال دخلنا على خباب - رضي الله عنه - وقد اكتوى سبع كيات في بطنه فقال: [لوما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به] رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (لن يدخل أحداً عمله الجنة. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا. ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة. فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً وإما مسيئاً فلعله يستعتب) رواه البخاري. أي يطلب الرضا من الله بالإقلاع والاستغفار ويطلب إزالة العتاب. وعن أنس - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لا تدعوا بالموت ولا تتمنوه فمن كان داعياً لا بد فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) رواه النسائي ....... وقد قال جماعة من أهل العلم إن النهي عن تمني الموت خاص بما كان سببه الأمور الدنيوية كالفقر والمرض وفقد عزيز ونحو ذلك. وأما إذا تمنى الإنسان الموت خوفاً من فتنة في دينه فيجوز ذلك.

قال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق، فأما إذا خاف ضرراً في دينه أو فتنة فيه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث وغيره وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف عند خوف الفتنة في أديانهم] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 179. وما أشار إليه النووي من تمني بعض السلف للموت ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: [اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط] رواه مالك في الموطأ ....... وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وحكمة النهي عن ذلك أن في طلب الموت قبل حلوله نوع اعتراض ومراغمة للقدر وإن كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص , فإن تمني الموت لا يؤثر في زيادتها ولا نقصها , ولكنه أمر قد غيب عنه وقد تقدم في " كتاب الفتن " ما يدل عل ذم ذلك في حديث أبي هريرة (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل يقول يا ليتني مكانه) وليس به الدين إلا البلاء , وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في " باب تمني المريض الموت من كتاب المرضى " قال النووي في الحديث التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من فاقة أو محنة بعدو ونحوه من مشاق الدنيا , فأما إذا خاف ضررا أو فتنة في دينه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث , وقد فعله خلائق من السلف بذلك وفيه أن من خالف فلم يصبر على الضر وتمنى الموت لضر نزل به فليقل الدعاء المذكور. قلت: ظاهر الحديث المنع مطلقاً والاقتصار على الدعاء مطلقاً , لكن الذي قاله الشيخ لا بأس به لمن وقع منه التمني ليكون عوناً على ترك التمني] فتح الباري 13/ 272 - 273. وقال العلامة ملا علي القاري: [وقد أفتى النووي أنه لا يكره تمني الموت لخوف فتنة دينية بل قال: إنه مندوب. ونقل عن الشافعي وعمر بن

معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - صحابي ومن كتبة الوحي

عبد العزيز وغيرهما: وكذا يندب تمني الشهادة في سبيل الله لأنه صح عن عمر وغيره بل صح عن معاذ أنه تمناه في طاعون عمواس ومنه يؤخذ تمني الشهادة ولو بنحو الطاعون وفي مسلم: من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه ويندب أيضاً تمني الموت ببلد شريف لما في البخاري أن عمر - رضي الله عنه - قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي ببلد رسولك فقال بنته حفصة: أنى يكون هذا؟ فقال يأتي به الله إذا شاء. أي: وقد فعل فإن قاتله كافر مجوسي] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 4/ 67. وخلاصة الأمر أنه يكره للإنسان أن يتمنى الموت لضر دنيوي نزل به وعليه أن يصبر ويحتسب ....... معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - صحابي ومن كتبة الوحي يقول السائل: ما قولكم فيمن يزعم أن معاوية - رضي الله عنه - ليس صحابياً ولا يترضى عنه بل يسبه ويشتمه ويلعنه؟ الجواب: لا ريب أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - صحابي ابن صحابي ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو متجاهل. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في تعريف الصحابي: [وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو ومن غزا معه أو لم يغز ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ومن لم يره لعارضٍ كالعمى] الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 4. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضاً بعد أن شرح التعريف السابق: [وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه

أحمد بن حنبل ومن تبعهما ووراء ذلك أقوال أخرى شاذة كقول من قال لا يعد صحابياً إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة: من طالت مجالسته، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه غزا معه أو استشهد بين يديه وكذا من اشترط في صحة الصحبة بلوغ الحلم أو المجالسة ولو قصرت] الإصابة 1/ 5. وأما من زعم [أن معاوية أسلم وعمره 13 سنة ولم يرو أنه ذهب إلى المدينة وسكن فيها في حياة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحبه والرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكث في مكة مدة قصيرة لا يتحقق فيها معنى الصحبة وعليه فمعاوية ليس من الصحابة] فهذا الزعم باطل مردود ومعاوية- رضي الله عنه - صحابي جليل بل أطلق عليه العلماء أنه خال المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين. فهو خال المؤمنين لأن أخته حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها زوجة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن أمهات المؤمنين وهو من كتبة الوحي فكان يكتب للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القرآن وقد عدد الحافظ ابن كثير كتاب الوحي وذكر منهم معاوية ....... وكذلك فإن معاوية - رضي الله عنه - قد روى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - 163 حديثاً وخصص له الإمام أحمد في كتابه مسنداً خاصاً وروى له أكثر من مائة حديث. وكذا أبو يعلى الموصلي في مسنده والحميدي في مسنده. والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم. وقال الذهبي: مسنده في مسند بقي - يعني ابن مخلد - مئة وثلاثة وستون حديثاً وقد عمل الأهوازي مسنده في مجلد واتفق له البخاري ومسلم على أربعة وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة. أخرج له أصحاب الكتب الستة ستين حديثاً] من سب الصحابة ص80. قال الإمام النووي: [وأما معاوية - رضي الله عنه - فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء - رضي الله عنه -] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 530. وقد وردت أحاديث نبوية في فضل معاوية - رضي الله عنه - منها عن عبد الرحمن بن أبي عميرة وكان من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لمعاوية: (اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به) رواه الترمذي وقال

الشيخ الألباني: صحيح كما في السلسلة الصحيحة 1969 وصحيح سنن الترمذي 3/ 236. وعن أبي إدريس الخولاني قال: [لما عزل عمر بن الخطاب عمير بن سعد عن حمص ولَّى معاوية فقال الناس: عزل عميراً وولى معاوية!؟ فقال عمير: لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: اللهم اهد به] رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 236. وروى الإمام البخاري بسنده عن ابن أبي مليكة قال: [أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس فقال: دعه فإنه قد صحب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى البخاري أيضاً بسنده: قيل لابن عباس هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: إنه فقيه] صحيح البخاري مع الفتح 7/ 131 ....... قال الحافظ ابن حجر: [وقوله دعه: أي اترك القول فيه والإنكار عليه فإنه قد صحب أي فلم يفعل شيئاً إلا بمستند وفي قوله في الرواية الأخرى أصاب إنه فقيه ما يؤيد ذلك] فتح الباري7/ 132. وقال الإمام الذهبي في حق معاوية: [حسبك بمن يُؤمِّره عمر ثم عثمان على إقليم وهو ثقة فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضي الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك وإن كان غيره من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيراً منه بكثير وأفضل وأصلح فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه وله هنات وأمور والله الموعد] سير أعلام النبلاء 3/ 132 - 133. وقال الذهبي أيضاً: [ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم وما هو ببريء من الهنات والله يعفو عنه] سير أعلام النبلاء 3/ 159. وينبغي أن يعلم أن معاوية رضي الله عنه هو أحد كتبة الوحي الذين استكتبهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكتابة القرآن الكريم. انظر الإصابة 6/ 113، معاوية بن أبي سفيان لمحمود شاكر ص 88] يسألونك 7/ 339 - 340.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومعاوية قد استكتبه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: (اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب)] الفتاوى الكبرى 4/ 259 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ولهذا كانوا - أي الرافضة - أبهت الناس وأشدهم فرية مثل ما يذكرون عن معاوية. فإن معاوية ثبت بالتواتر أنه أمَّره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما أمَّره غيره وجاهد معه وكان أميناً عنده يكتب له الوحي وما اتهمه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتابة الوحي وولاه عمر بن الخطاب الذي كان من أخبر الناس بالرجال وقد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه ولم يتهمه في ولايته] مجموع الفتاوى 4/ 472 ....... وقد قامت الأدلة على تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم فقد ثبت في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحدٍ ذهباً ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري ومسلم. وقال الإمام النووي: [واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون.] ثم نقل عن القاضي عياض قوله: [وسب أحدهم - أي الصحابة - من المعاصي الكبائر] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 72 - 73. وقال الإمام الآجري: [ومن سبهم فقد سب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن سب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استحق اللعنة من الله عز وجل ومن الملائكة ومن الناس أجمعين]. وقال الإمام الآجري أيضاً: [لقد خاب وخسر من سب أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه خالف الله ورسوله ولحقته اللعنة من الله عز وجل ومن رسوله ومن الملائكة ومن جميع المؤمنين ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً لا فريضة ولا تطوعاً وهو ذليل في الدنيا وضيع القدر كثر الله بهم القبور وأخلى منهم الدور] من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاوية ص15. وقال الإمام أحمد: [إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام] البداية والنهاية 8/ 142.

وقال الإمام أحمد أيضاً: [ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلهم أجمعين والكف عن الذي شجر بينهم فمن سب أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو واحداً فهو مبتدع رافضي حبهم سنة والدعاء لهم قربة والاقتداء بهم وسيلة والأخذ بآرائهم فضيلة] السنة للإمام أحمد. وقال الإمام البربهاوي: [إذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاعلم أنه صاحب قول سوء وهوى] شرح السنة ص123 ...... وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن يلعن معاوية فماذا يجب عليه؟ فأجاب: الحمد لله من لعن أحداً من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ونحوهما من هو أفضل من هؤلاء كأبي موسى الأشعري وأبي هريرة ونحوهما أو من هو أفضل من هؤلاء كطلحة والزبير وعثمان وعلي بن أبي طالب أو أبي بكر الصديق وعمر أو عائشة أم المؤمنين غير هؤلاء من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين وتنازع العلماء هل يعاقب بالقتل أو ما دون القتل كما قد بسطنا ذلك في غير هذا الموضع وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) واللعنة أعظم من السب وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (لعن المؤمن كقتله) فقد جعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن المؤمن كقتله وأصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيار المؤمنين كما ثبت عنه أنه قال (خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وكل من رأى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤمناً به فله من الصحبة بقدر ذلك. الخ] الفتاوى الكبرى 4/ 255 - 256. وسئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله خيرٌ من عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وأماتنا على محبته. شذرات الذهب 1/ 65.

دفاع عن صحيحي البخاري ومسلم

قال الإمام الذهبي في ترجمة معاوية - رضي الله عنه -[فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق واتضح من الطرفين وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين وتبصرنا فعذرنا واستغفرنا وأحببنا باقتصاد وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة أو بخطأ إن شاء الله مغفور وقلنا كما علمنا الله (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا) وترضينا أيضا عمن اعتزل الفريقين كسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسعيد بن زيد وخلق وتبرأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا علياً وكفروا الفريقين] سير أعلام النبلاء 3/ 128. وخلاصة الأمر أن معاوية رضي الله عنه صحابي جليل يجب تقديره واحترامه والترضي عنه ويحرم سبه وشتمه ولعنه وينبغي أن يعلم أن من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاوية ....... دفاع عن صحيحي البخاري ومسلم يقول السائل: ما قولكم فيمن يزعم أن كون الحديث في الصحيحين لا يكفي للحكم بصحته؟ الجواب: كثرت السهام التي توجه للإسلام وللقضايا المسلَّمة عند جماهير علماء الأمة في هذا الزمان وهذه الهجمات ليست جديدة ولا يستبعد أن تكون هنالك أيدٍ خفيةً تحرك مثل هذه الدعوات المغرضة لتشكيك المسلمين عامة وطلبة العلم الشرعي خاصة في قضايا صارت من القطعيات في دين الإسلام كقول بعض من ينسب للعلم الشرعي إن السنة ليست مصدراً للتشريع ويجب الاكتفاء بما في القرآن الكريم، وكقول بعضهم إنه لا يوجد حديث واحد قاله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلفظه بل كل ما ورد إنما هو بالمعنى، وكقول بعضهم إن أصول الفقه بدعة وإنه لا قياس في الشرع ونحو ذلك من الترهات والخزعبلات. وقد تصدى العلماء للرد على هذه القضايا وأمثالها

قديماً وحديثاً ولا يتسع المقام لكل ذلك فلعلي أذكر شيئاً يسيراً في إبطال الفرية المذكورة في السؤال فأقول: ...... اتفق علماء الأمة قديماً وحديثاً على أن صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم هما أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل وأن الأحاديث المسندة المتصلة المذكورة فيهما أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الإمام النووي: [اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول. وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة. وقد صح أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 24. وقال الإمام النسائي: [ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري] المصدر السابق. وقال ابن الصلاح: [أول من صنف في الصحيح، البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز] هدي الساري ص12. وقال الذهبي: [وأما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى] الحطة في ذكر الصحاح الستة ص312. وقال ولي الله الدهلوي: [أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع وأنهما متواتران إلى مصنفيهما وأن كل من يهون أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين] حجة الله البالغة 1/ 249 .......

وقال العلامة أحمد محمد شاكر: [الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين وممن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر: أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها. ليس في واحد منها مطعن أو ضعف. وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث. على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ في الصحة الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه. وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيها. فلا يهولنك إرجاف المرجفين. وزعم الزاعمين أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة وتتبع الأحاديث التي تكلموا فيها وانقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة أهل العلم واحكم عن بينة. والله الهادي إلى سواء السبيل] الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص35. وقال محدث العصر الشيخ الألباني: [. كيف والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى باتفاق علماء المسلمين من المحدثين وغيرهم فقد امتازا على غيرهما من كتب السنة بتفردهما بجمع أصح الأحاديث الصحيحة وطرح الأحاديث الضعيفة والمتون المنكرة على قواعد متينة وشروط دقيقة وقد وفقوا في ذلك توفيقاً بالغاً لم يوفق إليه من بعدهم ممن نحا نحوهم في جمع الصحيح كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم حتى صار عرفاً عاماً أن الحديث إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما فقد جاوز القنطرة ودخل في طريق الصحة والسلامة. ولا ريب في ذلك وأنه هو الأصل عندنا] مقدمة الألباني لشرح العقيدة الطحاوية ص14 - 15 ....... وبعد أن ذكرت هذه الباقة العطرة من أقوال أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين في الثناء على الصحيحين فيجب أن يعلم أن هؤلاء العلماء وغيرهم لم يطلقوا هذه الأحكام على الصحيحين جزافاً وإنما جاءت هذه الأحكام بعد أن درسوا الصحيحين دراسة واعية على بصيرة وهدى. فقد درس آلاف العلماء من الحفاظ وغيرهم أسانيد البخاري ومسلم دراسة مستفيضة فوصلوا إلى ما وصلوا إليه وهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال. فالأحاديث المرفوعة في الصحيحين أو أحدهما صحيحة بدون أدنى شك

وأما الحديث المتفق عليه فهو ما اتفق البخاري ومسلم على روايته في صحيحيهما والحديث المتفق عليه هو أعلى درجة من درجات الحديث الصحيح. قال الإمام النووي: [الصحيح أقسام أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم ثم ما انفرد به البخاري ثم مسلم ثم على شرطهما ثم على شرط البخاري ثم مسلم ثم صحيح عند غيرهما] تدريب الراوي شرح التقريب 1/ 122 - 123. وقال الشوكاني: [واعلم أن ما كان من الأحاديث في الصحيحين أو أحدهما جاز الاحتجاج به من دون بحث لأنهما التزما الصحة وتلقت ما فيهما الأمة بالقبول] نيل الأوطار 1/ 22. وينبغي أن يعلم أن من أهل العلم من انتقد على الصحيحين أو أحدهما أحاديث كالدارقطني وقد فصل الحافظ ابن حجر الكلام على الأحاديث المنتقدة على صحيح البخاري في الفصل الثامن من مقدمته لفتح الباري والمسماة هدي الساري فذكر الأحاديث المنتقدة وأجاب عليها جواباً إجمالياً وجواباً مفصلاً فقال في الأول منهما: [والجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل. فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضاً لتصحيحهما ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة] هدي الساري ص 506. ثم ذكر الجواب التفصيلي عن كل حديث انتقد على البخاري. وخلاصة الأمر أن من طعن في أحاديث البخاري ومسلم فكلامه مردود عليه حيث إن أهل هذا الشأن من الحفاظ وأهل الحديث أجابوا عن ذلك أجوبة قاطعة واضحة. وإن الطعن في البخاري ومسلم ما هو إلا طعن في السنة النبوية ومن يطعن في السنة النبوية يخشى عليه من الزندقة .............

الحجامة من السنة

الحجامة من السنة يقول السائل: هل التداوي بالحجامة من السنة وما أفضل وقت للحجامة؟ الجواب: الحجامة مأخوذة من حجم بمعنى مصَّ، والحجامة تعني مص الدم وإخراجه من البدن. انظر لسان العرب 3/ 67 - 68. وجاء في الموسوعة الطبية الفقهية ص327 ما يلي: [والحجامة وسيلة قديمة كانت تستخدم لعلاج معظم الأمراض لأن الناس كانوا يجهلون أسباب الأمراض وكانت الوسائل العلاجية محدودة جداً وقد تجرى الحجامة باستخدام العلق الذي يوضع على الجلد فيمص الدم وقد تجرى الحجامة أيضاً دون تشريط الجلد، وذلك باستخدام كؤوس فارغة تسخن من باطنها لخلخلة الهواء وإحداث ضغط سلبي بداخلها ثم توضع على مناطق مختارة من الجلد فتجذب الدم في العروق إلى موضع الحجامة وهي طريقة تساعد في تخفيف الوجع وتعالج بعض الآفات الموضعية مثل التهاب العضلات والتهاب المفاصل والرثية ونحوها. وفي العصر الحديث عاد الاهتمام بمثل هذه الطرق القديمة من العلاج فيما يعرف بالطب الطبيعي أو الطب البديل الذي أنشئت له في أنحاء متفرقة من العالم عيادات متخصصة أخذ روادها يتزايدون يوماً بعد يوم وبخاصة بعد اكتشاف الأضرار الجانبية الخطيرة لكثير من الأدوية الكيميائية وتحول كثير من الأطباء عن الأدوية المصنعة إلى المعالجات الطبيعية] ................... والتداوي بالحجامة من المندوبات في الشريعة الإسلامية، وقد ورد في فضل التداوي بالحجامة أحاديث كثيرة منها: عن أنس - رضي الله عنه - أنه سئل عن أجر الحجام فقال: احتجم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقُسْط البحري) رواه البخاري ومسلم. والقُسْط البحري من عقاقير البحر. انظر عمدة القاري 14/ 681. وروى البخاري بسنده أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عاد المقنع -

أحد التابعين - ثم قال: لا أبرح حتى يحتجم فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول إن فيه شفاء. وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوي) رواه البخاري مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به. رواه البخاري. وقد ذكر الأطباء والعلماء قديماً وحديثاً فوائد كثيرة للحجامة قال العلامة ابن القيم: [وأما منافع الحجامة فإنها تنقي سطح البدن أكثر من الفصد والفصد لأعماق البدن أفضل والحجامة تستخرج الدم من نواحي الجلد] الطب النبوي ص169. وقال الدكتور عبد الرزاق الكيلاني: [وتفيد الحجامة الجافة في تسكين الآلام جميعها إذا طبقت في مكان الألم أو قريباً منه وقد سقط النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على وركه فأصيب بوثي فيه فعالجه بالحجامة كما تفيد في الصداع والآلام الوربية والقطنية والآلام المفصلية وألم ذات الجنب وتفيد في التهاب القصبات وذات الرئة واحتقانات الكبد والتهاب التأمور وقصور القلب الخفيف كما تقوم مقام الاستدماء الذاتي لمكافحة أمراض الحساسية كالأكزيما والشري وغيرها وإذا أجريت في الرأس أفادت كثيراً من أمراض العين ............. أما الحجامة المدماة فإنها عدا الأمراض التي تفيد فيها الحجامة الجافة تفيد في ارتفاع الضغط الشرياني بخاصة لأنها تكون كالفصادة وكذلك في قصور القلب الشديد ووذمة الرئة الحادة واحتقانات الكبد الشديدة وقصور الكلى الحاد والتسممات. وقد استعمل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحجامة لعلاج الوثي ولعلاج الصداع والشقيقة والتسمم واستعملها الصحابة فوق ذلك لتبيغ الدم

وأظن أنهم كانوا يقصدون به ارتفاع الضغط الشرياني] الحقائق الطبية في الإسلام ص284 - 285. وذكر الدكتور محمود النسيمي استطبابات الحجامة ومنها: احتقانات الرئة واحتقان الكبد والتهاب الكلية الحاد والآلام العصبية. إلخ. انظر الطب النبوي والعلم الحديث 3/ 94 - 96. وذكر الدكتور عبد المعطي قلعجي استعمال الحجامة في الطب المعاصر وذلك في تعليقه على الطب النبوي لابن القيم في هامش الصفحتين 162 - 163 وذكر المصادر الطبية التي ذكرت استطبابات الحجامة في الطب المعاصر. وأما وقت الحجامة فقد وردت بعض الأحاديث التي تفيد أن أفضل الحجامة ما يكون بعد النصف الثاني من الشهر الهجري بقليل فمن ذلك: عن أنس - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحتجم في الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين) رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 204. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة ويوم واحد وعشرين) رواه الترمذي وحسنه ضمن حديث طويل وقد ذكره الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 204 وغير ذلك من الأحاديث انظر الطب النبوي للسيوطي ص 244 - 246 ............. قال ابن القيم بعد أن ذكر الحديثين السابقين: [وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء أن الحجامة في النصف الثاني وما يليه من الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوله وآخره وإذا استعملت عند الحاجة إليها نفعت أي وقت كان من أول الشهر وآخره. قال الخلال: أخبرني عصمة بن عصام قال: حدثنا حنبل قال: كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت] الطب النبوي ص174 - 175.

وقال الدكتور محمود النسيمي: [ليس للحجامة الجافة وقت معين لإجرائها وإنما تنفذ لدى وجود استطباب لها أما الحجامة المبزغة (الدامية) فلها أوقات مفضلة في الطب النبوي والعربي إذا استعملت بشكل وقائي أما في حالة الاستطباب العلاجي الإسعافي فإنها تجرى في أي وقت. ولقد مر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم بعدما سم واحتجم على وركه من وثء كان به واحتجم وهو محرم على ظهر قدمه من وجع أو وثء كان به، وفي رأسه من شقيقة ألمت به ولم يرد عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه انتظر في تلك الأحوال يوماً معيناً أو ساعة معينة من اليوم. ولذا تحمل أحاديث تفضيل أيام معينة من الشهر لإجراء الحجامة الدامية على إجرائها لأغراض وقائية كما في الدمويين لدى اشتداد الحر والله تعالى أعلم] الطب النبوي والعلم الحديث 3/ 102 - 103. وخلاصة الأمر أن التداوي بالحجامة من الأمور المستحبة ويجوز استخدامها في أي وقت إن كانت علاجاً لداء معين وأما إن كان استعمالها على سبيل الوقاية فيستحب أن تكون في الأيام التي ذكرت في الأحاديث السابقة. والله الهادي إلى سواء السبيل تمَّ الكتاب بحمده تعالى

الجزء التاسع

يسألونك الجزء التاسع تأليف: الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه أستاذ الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين/ جامعة القدس طباعة وتنسيق: شفاء بنت حسام الدين عفانه

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} سورة آل عمران الآية 102. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء الآية 1. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71. أما بعد ... فإن الفقه الإسلامي فقه أصيل يمتاز بالثبات والمرونة، وعلى ضوء ذلك ينبغي دراسة المسائل المستجدة وخاصة في أبواب المعاملات والمجالات الطبية الحديثة، فعند إرادة بيان حكم المسائل المستجدة لا بد من دراستها وفق الأصول الثابتة للفقه الإسلامي، وعلى ضوء القواعد المقررة عند علماء الإسلام، بعد معرفة حقيقة هذه المسائل وتصورها تصوراً صحيحاً، فإن بعض الباحثين والمفتين يؤتون من عدم فهم المسائل الحديثة فهماً دقيقاً، فيصدرون أحكاماً خاطئة لها. والذي أراه في هذا الموضوع أن تدرس المسائل الحديثة بشكل جماعي لأن الدراسة الجماعية أفضل وأقوى من دراسة فرد بعينه مهما بلغ من العلم، وخاصة في

هذا الزمان الذي ضعف فيه العلم وأهله وقلَّ فيه أهل الاجتهاد. والدراسة الجماعية للمسائل المستجدة هو ما تقوم به المجامع الفقهية كمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي والمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وبناءً على ما سبق فإن من منهجي في سلسلة كتابي يسألونك أني أرجع إلى آراء المجامع العلمية والفقهية وآخذ بها لأنني اعتقد أن رأي الجماعة خير من رأي الفرد وأقرب إلى الصواب، فقد ورد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قلت: (يا رسول الله إن نزل بنا أمرٌ ليس فيه بيان أمر ولا نهي، فما تأمرني؟ قال: شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا فيه رأي خاصة). رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون من أهل الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 178. وهذه هي أيضاَ طريقة أبي بكر - رضي الله عنه -، فعن ميمون بن مهران قال: (كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب، وعلم من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك الأمر سنة قضى به، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه قضاءاً، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به) رواه الدارمي في سننه 1/ 42. وعن المسيب بن رافع قال: كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أثر، اجتمعوا لها وأجمعوا، فالحق فيما رأوا، فالحق فيما رأوا. رواه الدارمي في سننه 1/ 37. وقال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: رأيك مع رأي عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك. وهذه الآثار كلها من باب الاجتهاد الجماعي.

وعليه فإني قد نقلت في كتابي هذا عدداً من قرارات المجامع الفقهية في القضايا العصرية حيث إن الأخذ بهذه الاجتهادات الجماعية أسلم. وختاماً فهذا هو الجزء التاسع من كتابي يسألونك وأصله حلقات تنشر صباح كل يوم جمعة في جريدة القدس المقدسية وسلكت فيه المنهج الذي سلكته في الأجزاء السابقة من اعتمادٍ على كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى فهم سلف هذه الأمة، فإن أصبت فذلك الفضل من الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأختم بما قاله القاضي البيساني يرحمه الله: [إني رأيت أنه لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه، إلا قال في غده: لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ كذا لكان يستحسن، ولو قُدِمَ هذا لكان أفضل، ولو تُرِكَ هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر]. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه الأستاذ الدكتور. حسام الدين بن موسى عفانة أبوديس/القدس صباح يوم الأربعاء الخامس عشر من شعبان 1425هـ وفق التاسع والعشرين من أيلول 2004 م.

الطهارة والصلاة

الطهارة والصلاة

حكم قراءة الحائض للقرآن الكريم ومسها للمصحف الشريف ودخولها المسجد

حكم قراءة الحائض للقرآن الكريم ومسها للمصحف الشريف ودخولها المسجد وردتني عدة أسئلة من مجموعة من الأخوات حول قراءة الحائض للقرآن الكريم ومسها للمصحف الشريف ودخولها المسجد وطلبن توضيح هذه المسائل. الجواب: هذه المسائل مما اختلف فيها أهل العلم وتعددت الأقوال فيها ولكل قول حجته ودليله والقول الذي أرجحه في هذه المسائل هو التالي: أولاً: يجوز للحائض أن تقرأ القرآن الكريم من حفظها على أصح قولي العلماء في المسألة وهو مذهب الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجح هذا القول الشوكاني والشيخ الألباني وهو الذي أرجحه حيث إنه لم يثبت دليل صحيح صريح على منع الحائض من قراءة القرآن الكريم من حفظها. وأما ما روي في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم، فهو حديث ضعيف عند المحدثين. قال البيهقي: [فيه نظر، قال محمد بن إسماعيل البخاري فيما بلغني عنه: إنما روى هذا إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة، ولا أعرفه من

حديث غيره، وإسماعيل منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق ... وقد روي عن غيره عن موسى بن عقبة، وليس بصحيح وروي عن جابر بن عبد الله من قوله في الجنب والحائض والنفساء وليس بقوي] السنن الكبرى 1/ 89. وعلق العلامة الألباني على كلام البيهقي السابق بقوله: [قلت وهذا من روايته عن أهل الحجاز فهي ضعيفة، وقال العقيلي: قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: هذا باطل أنكره على إسماعيل بن عياش، يعني أنه وهم من إسماعيل بن عياش ... ] إرواء الغليل 1/ 207. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الحديث السابق: [وهو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/ 460. وقال الشوكاني: [الحديث في إسناده إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذا منها. وذكر البزار أنه تفرد به عن موسى بن عقبة وسبقه إلى نحو ذلك البخاري وتبعهما البيهقي، لكن رواه الدارقطني من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى، ومن وجه آخر وفيه مبهم عن أبي معشر وهو ضعيف عن موسى ... وقال أبو حاتم: حديث إسماعيل بن عياش هذا خطأ وإنما هو من قول ابن عمر. وقال أحمد بن حنبل: هذا باطل أنكر على إسماعيل بن عياش. والحديث يدل على تحريم القراءة على الجنب وقد عرفت بما ذكرنا أنه لا ينتهض للاحتجاج به على ذلك وقد قدمنا الكلام على ذلك في الحديث قبل هذا. ويدل أيضاً على تحريم القراءة على الحائض وقد قال به قوم، والحديث هذا والذي بعده لا يصلحان للاحتجاج بهما على ذلك فلا يصار إلى القول بالتحريم إلا لدليل] نيل الأوطار 1/ 266 - 267. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: [وقال شيخ الإسلام: إنه ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة وإذا كان كذلك فلها أن تقرأ القرآن لما يلي: 1. أن الأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع. 2. إن الله أمر بتلاوة القرآن مطلقاً، وقد أثنى الله على من يتلو كتابه

فمن أخرج شخصاً عن عبادة الله بقراءة القرآن فإننا نطالبه بالدليل وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنع، فإنها مأمورة بالقراءة. فإن قيل: ألا يمكن أن تقاس على الجنب بجامع لزوم الغسل لكل منهما بسبب خارج؟ أجيب: أنه قياس مع الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال، وأما الحائض فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع، وكذا فإن الحائض مدتها تطول غالباً، والجنب مدته لا تطول لأنه سوف تأتيه الصلاة، ويلزم بالاغتسال والنفساء من باب أولى أن يرخص لها، لأن مدتها أطول من مدة الحائض وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله مذهب قوي. ولو قال قائل: ما دام العلماء مختلفين، وفي المسألة أحاديث ضعيفة، فلماذا لا نجعل المسألة معلقة بالحاجة، فإذا احتاجت إلى القراءة كالأوراد، أو تتحفظ ما حفظته حتى لا تنسى، أو تحتاج إلى تعليم أولادها أو البنات في المدارس فيباح لها ذلك، وأما مع عدم الحاجة فتأخذ بالأحوط، وهي لن تحرم بقية الذكر. فلو ذهب ذاهب إلى هذا لكان مذهباً قوياً] الشرح الممتع 1/ 291 - 292. ثانياً: قراءة الحائض للقرآن من المصحف مع مسه: إن كثيراً من أهل العلم لا يجيزون للحائض أن تمس المصحف لقوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} سورة الواقعة الآية 79. واحتجوا بما ورد في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه مالك والدارقطني والطبراني وغيرهم وقال عنه العلامة الألباني: [وجملة القول: إن الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير إذ ليس في شيء منها من اتهم بكذب، وإنما العلة الإرسال أو سوء الحفظ، ومن المقرر في علم المصطلح أن الطرق يقوي بعضها بعضاً إذا لم يكن فيها متهم كما قرره النووي في تقريبه ثم السيوطي في شرحه، وعليه فالنفس تطمئن لصحة هذا الحديث لا سيما وقد احتج به إمام السنة أحمد بن حنبل كما سبق، وصححه أيضاً صاحبه الإمام إسحق بن راهويه] إرواء الغليل 1/ 160 - 162.

وذهب جماعة آخرون من أهل العلم إلى جواز مس الحائض للمصحف وهو قول المزني صاحب الشافعي وداود وابن حزم الظاهريان وقولهم قوي ولهم أدلتهم وأهمها: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (المؤمن لا ينجس) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية للبخاري (إن المسلم)، وقد أجابوا هؤلاء العلماء عن أدلة المانعين بأن الآية الكريمة {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ليست في محل النزاع، لأن المراد بها اللوح المحفوظ والمطهرون هم الملائكة. وأما حديث (لا يمس القرآن إلا طاهر)، فالصحيح أن كلمة طاهر، لفظ مشترك يطلق على المؤمن وعلى الطاهر من الحدث الأكبر وعلى الطاهر من الحدث الأصغر وعلى من ليس على بدنه نجاسة، وصرفه إلى واحدٍ من هذه المعاني يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك، فلا يسلم الاحتجاج به على منع الحائض من مس المصحف. قال الشوكاني [والحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرًا ولكن الطاهر يطلق بالاشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ومن ليس على بدنه نجاسة ... ولو سلم صدق اسم الطاهر على من ليس بمحدث حدثاً أكبر أو أصغر فقد عرفت أن الراجح كون المشترك مجملاً في معانيه فلا يعين حتى يبين. وقد دل الدليل ههنا أن المراد به غيره لحديث (المؤمن لا ينجس) ولو سلم عدم وجود دليل يمنع من إرادته لكان تعيينه لمحل النزاع ترجيحاً بلا مرجح وتعيينه لجميعها استعمالاً للمشترك في جميع معانيه وفيه الخلاف ولو سلم رجحان القول بجواز الاستعمال للمشترك في جميع معانيه لما صح لوجود المانع وهو حديث (المؤمن لا ينجس). قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير: [إن إطلاق اسم النجس على المؤمن الذي ليس بطاهر من الجنابة أو الحيض أو الحدث الأصغر لا يصح لا حقيقة ولا مجازاً ولا لغة صرح بذلك في جواب سؤال ورد عليه، فإن ثبت هذا فالمؤمن طاهر دائماً فلا يتناوله الحديث سواء كان جنباً أو حائضاً أو محدثاً أو على بدنه نجاسة] نيل الأوطار 1/ 243 - 244. ثالثاً: دخول الحائض للمسجد: يجوز للحائض أن تدخل المسجد إن أمنت من تلويثه على الراجح من أقوال أهل العلم، وبهذا قال الإمام أحمد

الانحراف اليسير في قبلة المسجد لا يبطل الصلاة

في رواية عنه وهو قول المزني صاحب الإمام الشافعي وبه قال الإمام داود وابن حزم الظاهريان. واختار هذا القول العلامة الألباني كما في تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص 119. ويدل على الجواز البراءة الأصلية لأن الأصل عدم التحريم ولم يقم دليل صحيح صريح على تحريم دخول الحائض للمسجد. وأما ما روي في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض) فهو حديث ضعيف لا يثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وممن ضعفه الخطابي والبيهقي وعبد الحق الإشبيلي والنووي والألباني وبالغ ابن حزم فقال: [إنه باطل] انظر المحلى 1/ 401، خلاصة الأحكام 1/ 206 - 210، إرواء الغليل 1/ 162. ومما يدل على الجواز أيضاً أن العلماء أجازوا للكافر دخول المسجد رجلاً كان أو امرأة فالمسلم أولى وإن كان جنباً والمسلمة كذلك وإن كانت حائضاً. وغير ذلك من الأدلة. وخلاصة الأمر أنه يجوز للحائض أن تقرأ القرآن من حفظها ويجوز لها أن تمسه ولكن خروجاً من الخلاف فأرى أن تمسه بحائل مثل كفوف اليدين ويجوز لها أن تدخل المسجد بشرط أن تأمن من تلويثه. الانحراف اليسير في قبلة المسجد لا يبطل الصلاة سألني بعض المصلين عن قبلة مسجد عمر بن عبد العزيز في بلدة العيزرية/ محافظة القدس، وشكوا من وجود انحراف عن اتجاه القبلة الصحيح وطلبوا بيان الحكم الشرعي في ذلك. الجواب: من المعلوم أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} سورة البقرة الآية 150. ويجب تحديد القبلة بدقة عند بناء

المساجد فإذا بني المسجد، وتبين بعد ذلك أن هنالك خطأً كبيراً في قبلة المسجد فيجب تصحيح ذلك الخطأ والتوجه إلى القبلة (والخطأ الكبير أن يكون الانحراف أكثر من 45 درجة)، وقد اتفق العلماء على أنّ الفرض في حق من يشاهد الكعبة هو استقبال عينها، وأمّا من كان غائباً عنها فلا يراها مثل البعيد، فقال جمهور العلماء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة يجب عليه أن يستقبل جهة الكعبة ولا يجب عليه أن يستقبل عينها. وهذا القول هو الراجح لأنه المتفق مع مقاصد الشرع الحنيف من رفع الحرج قال الله تعالى: {ومَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} سورة الحج الآية 78. واستدلوا بقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} سورة البقرة الآية 150. واحتجوا بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) رواه الترمذي وابن ماجه وهو حديث صحيح. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والواجب على هذين وسائر من بعُدَ من مكّة طلب جهة الكعبة دون إصابة العين، قال أحمد: ما بين المشرق والمغرب قبلة، فإن انحرف عن القبلة قليلاً لم يُعد ولكن يتحرى الوسط وبهذا قال أبو حنيفة. وقال الشّافعي في أحد قوليه كقولنا، والآخر: الفرض إصابة العين. ولنا قول النّبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) رواه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح. وظاهره أنّ جميع ما بينهما قبلة، ولأنه لو كان الفرض إصابة العين لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستوٍ ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة فإنه لا يجوز أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف إلا بقدرها] المغني 1/ 318. هذا وقد زرت المسجد المذكور مرتين واستعنت بأهل الخبرة وقد تبين لي أن قبلة المسجد صحيحة بشكل عام وإن وجد فيها انحراف فلا يضر ولا يؤثر على صحة الصلاة لأنّ الانحراف المبطل للصّلاة هو الانحراف الذي يكون كبيراً وقدره بعض العلماء المعاصرين بـ (45) درجة كما سبق ويكون ذلك عندما يصلى إلى غير جهة الكعبة [فإذا كانت القبلة إلى الجنوب، وتوجّه المصلي إلى جهة الجنوب بناءً على اجتهاده فصلاته صحيحة. فإذا ابتعد عن عين القبلة يميناً أو يساراً حتّى 45 درجة فإنّه يظل متّجهاً إلى جهة

لا تصح الصلاة بقراءة القرآن بغير اللغة العربية

الجنوب، فإذا زاد عن ذلك فقد بدأ يتّجه إلى جهة الشرق أو الغرب، لأنّ كلّ جهة من هاتين الجهتين تبعد عن جهة الجنوب 90 درجة. فإذا وصل إلى 45 درجة فقد وصل إلى نهاية الجنوب من جهة الشرق، وبدأ التوجّه إلى جهة الشرق الجنوبي. أو إلى نهاية الجنوب من جهة الغرب وبدأ التوجّه إلى الغرب الجنوبي. فالخطأ في هذه الحدود مغتفر إن شاء الله إذا حصل بعد البحث والتحري والاجتهاد]. فإذا كان الانحراف ضمن نفس الجهة، بحيث تكون الكعبة أمامك ولكنّك لا تصيب عينها بل تتوجّه عن يمينها أو شمالها، فهو انحراف يسير غير مبطل للصّلاة. لأن الانحراف الذي لاحظه بعض المصلين في قبلة المسجد المذكور لا يخرج عن استقبال جهة القبلة. وخلاصة الأمر أن قبلة مسجد عمر بن عبد العزيز في بلدة العيزرية، قبلة صحيحة والانحراف الذي ذكره بعض المصلين إن وجد لا يؤثر على صحة الصلاة. وأنصح الأخوة المصلين في مسجد عمر بن عبد العزيز أن يصلوا حسب قبلة المسجد وأن يطمئنوا أن صلاتهم صحيحة إن شاء الله تعالى. لا تصح الصلاة بقراءة القرآن بغير اللغة العربية يقول السائل: ما قولكم في الفتوى التي صدرت عن أحد المفتين الأتراك والتي أجاز فيها قراءة القرآن في الصلاة باللغة التركية؟ الجواب: يقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} سورة يوسف الآية 2 وقال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} سورة الشعراء الآيات 192 - 195. وقد اتفق العلماء على أن القرآن الكريم هو اسم للنظم والمعنى وهذا هو الصحيح من قول أبي حنيفة أيضاً قال الأصفهاني:

[والأصح من مذهب أبي حنيفة أن القرآن هو النظم والمعنى جميعاً والمراد بالنظم العبارات وبالمعنى مدلولاتها. وصح رجوع أبي حنيفة عن الإجزاء بالمعنى في الصلاة لوجوب القراءة بها لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ} سورة المزمل الآية20. ولا ينطبق حد القرآن على المعنى وحده بل حد القرآن ينطبق على مجموع العبارة والمعنى] بيان معاني البديع ج1/ ق2/ 915. وما نسب إلى أبي حنيفة رحمه الله أنه يجيز قراءة القرآن بغير العربية فقد بُنِيَ على قول منسوب لأبي حنيفة أن القرآن اسم للمعنى فقط والنظم ركن زائد، ولكن لم يثبت هذا عنه كما حقق ذلك الأصوليون من الحنفية، انظر كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/ 25، التقرير والتحبير 2/ 213 - 214، فواتح الرحموت 2/ 8 - 9. إذا تقرر هذا التأصيل فإن جماهير أهل العلم منعوا قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة وخارج الصلاة حيث إن ترجمة القرآن لا تسمى قرآناً وقد أُمرنا بقراءة القرآن: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ}. قال الإمام النووي: [مذهبنا أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب سواء أمكنه العربية أو عجز عنها وسواء كان في الصلاة أو غيرها فإن أتى بترجمته في صلاة بدلاً عن القراءة لم تصح صلاته سواء أحسن القراءة أم لا، هذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء منهم مالك وأحمد وداود] المجموع 3/ 379 - 380. وقال الإمام النووي أيضاً: [واحتج أصحابنا بحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة على غير ما يقرأ عمر فلببه بردائه وأتى به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر الحديث، رواه البخاري ومسلم، فلو جازت الترجمة لأنكر عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتراضه في شيء جائز، واحتجوا أيضاً بأن ترجمة القرآن ليست قرآناً لأن القرآن هو هذا النظم المعجز وبالترجمة يزول الإعجاز فلم يجز وكما أن الشعر يخرجه ترجمته عن كونه شعراً فكذا القرآن] المجموع 3/ 380. ثم نقل الإمام النووي كلام إمام الحرمين في المسألة فقال: [ترجمة القرآن ليست

قرآناً بإجماع المسلمين ومحاولة الدليل لهذا تكلف فليس أحدٌ يخالف في أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآناً وليس ما لفظ به قرآناً ومن خالف في هذا كان مراغماً جاحداً وتفسير شعر امرئ القيس ليس شعره فكيف يكون تفسير القرآن قرآناً، وقد سلموا أن الجنب لا يحرم عليه ذكر معنى القرآن والمحدث لا يمنع من حمل كتاب فيه معنى القرآن وترجمته فعلم أن ما جاء به ليس قرآناً ولا خلاف أن القرآن معجز وليست الترجمة معجزة والقرآن هو الذي تحدى به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العرب ووصفه الله تعالى بكونه عربياً وإذا علم أن الترجمة ليست قرآناً وقد ثبت أنه لا تصح صلاته إلا بقرآن حصل أن الصلاة لا تصح بالترجمة، هذا كله مع أن الصلاة مبناها على التعبد والإتباع والنهي عن الاختراع وطريق القياس منسدة وإذا نظر الناظر في أصل الصلاة وأعدادها واختصاصها بأوقاتها وما اشتملت عليه من عدد ركعاتها وإعادة ركوعها في كل ركعة وتكرر سجودها إلى غير ذلك من أفعالها ومدارها على الإتباع ولم يفارقها جملة وتفصيلاً فهذا يسد باب القياس حتى لو قال قائل مقصود الصلاة الخضوع فيقوم السجود مقام الركوع لم يقبل ذلك منه وإن كان السجود أبلغ في الخضوع. ثم عجبت من قولهم إن الترجمة لا يكون لها حكم القرآن في تحريمها على الجنب ويقولون لها حكمه في صحة الصلاة التي مبناها على التعبد والإتباع] المجموع 3/ 380 - 381. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا تجزئه القراءة بغير العربية ولا إبدال لفظها بلفظ عربي سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد] المغني 1/ 350. وقال الشيخ ابن حزم الظاهري: [ومن قرأ أم القرآن أو شيئاً منها أو شيئاً من القرآن في صلاته مترجماً بغير العربية أو بألفاظ عربية غير الألفاظ التي أنزل الله تعالى عامداً لذلك أو قدم كلمة أو أخرها عامداً لذلك: بطلت صلاته وهو فاسق لأن الله تعالى قال: {قُرْءَانًا عَرَبِيًّا} سورة الزخرف الآية 3. وغير العربي ليس عربياً فليس قرآناً؟! وإحالة رتبة القرآن تحريف كلام الله تعالى وقد ذم الله تعالى قوماً فعلوا ذلك فقال: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}

حكم الصلاة جلوسا على الكرسي

سورة النساء الآية 46. وقال أبو حنيفة: تجزيه صلاته واحتج له من قلده بقول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} سورة الشعراء الآية 196. قال علي: لا حجة لهم في هذا لأن القرآن المنزل علينا على لسان نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ينزل على الأولين وإنما في زبر الأولين ذكره والإقرار به فقط ولو أنزل على غيره عليه السلام لما كان آية له ولا فضيلة له وهذا لا يقوله مسلم! ومن كان لا يحسن العربية فليذكر الله تعالى بلغته لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا} سورة البقرة الآية 286. ولا يحل له أن يقرأ أم القرآن ولا شيئاً من القرآن مترجماً على أنه الذي افترض عليه أن يقرأه لأنه غير الذي افترض عليه كما ذكرنا فيكون مفترياً على الله تعالى] المحلى 2/ 285. ويجب أن يعلم أن ما نسب إلى أبي حنيفة من جواز قراءة القرآن بالفارسية لغير القادر على العربية صحّ رجوع أبي حنيفة عنه والفتوى عند الحنفية على منع قراءة القرآن بغير العربية. قال صاحب الهداية الحنفي بعد ذكر المسألة: [ويروى رجوعه في أصل المسألة وعليه الاعتماد] الهداية مع شرح فتح القدير 1/ 249. وقال الشيخ علاء الدين الحصكفي من الحنفية بعد ذكر المسألة: [لأن الأصح رجوعه -أبو حنيفة- إلى قولهما - أبو يوسف ومحمد- وعليه الفتوى] الدر المختار شرح تنوير الأبصار 1/ 484. وأكد العلامة ابن عابدين الحنفي صحة رجوع أبي حنفية عن قوله في هذه المسألة. حاشية ابن عابدين 1/ 484. وخلاصة الأمر أنه تحرم قراءة القرآن بغير العربية ولا تصح الصلاة بذلك والفتوى المشار إليها في السؤال باطلة. حكم الصلاة جلوساً على الكرسي يقول السائل: صرنا نلاحظ كثرة المصلين في المساجد الذين يصلون جلوساً على الكراسي فما حكم صلاتهم؟ الجواب: اتفق أهل العلم على أن القيام في صلاة الفريضة ركن من

أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة عليه، لقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} سورة البقرة الآية 238. ولما ورد في الحديث عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: (كانت بي بواسير فسألت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة فقال: صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنبك) رواه البخاري. قال الإمام الشوكاني: [وحديث عمران يدل على أنه يجوز لمن حصل له عذر لا يستطيع معه القيام أن يصلي قاعداً ولمن حصل له عذر لا يستطيع معه القعود أن يصلي على جنبه] نيل الأوطار 3/ 225. وبناءً على ذلك فإن من صلى الفريضة جالساً وهو قادر على القيام فصلاته باطلة. وقد اتفق أهل العلم على أن المريض الذي لا يستطيع القيام فإنه يصلي قاعداً ويركع ويسجد إذا قدر عليهما فإن لم يستطع الركوع والسجود فإنه يصلي مومياً ويجعل سجوده أخفض من ركوعه لأن المشقة تجلب التيسير ومن المعلوم أن رفع الحرج ودفع المشقة أصل قطعي من أصول الشريعة ودلت عليه أدلة كثيرة منها قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} سورة البقرة الآية 286. وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} سورة التغابن الآية 61. وقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم، وغير ذلك من النصوص. ومما يدل على جواز صلاة الفريضة قاعداً عند العجز عن القيام قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عمران السابق (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنبك) وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ركب فرساً فصرع عنه فجحش- أي جرح - شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد.) رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس) رواه مسلم. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالساً] المغني 2/ 106.

وقال الإمام النووي: [. أجمعت الأمة علي أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ولا إعادة عليه، قال أصحابنا ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام لأنه معذور وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)] المجموع 4/ 310. ويجب أن يعلم أن من قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً ثم إذا استطاع الركوع فيجب عليه الركوع وإن لم يستطع جلس وأومأ بالركوع ثم يومئ بالسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ومن قدر على القيام، وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام. ويصلي قائماً فيومئ بالركوع. ثم يجلس فيومئ بالسجود] وبهذا قال الشافعي. ولنا قوله الله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} سورة البقرة الآية 238. وقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صل قائماً) ولأن القيام ركن قدر عليه، فلزمه الإتيان به كالقراءة. والعجز عن غيره لا يقتضي سقوطه كما لو عجز عن القراءة] المغني 2/ 107. ويجب أن يعلم أن حدَّ المرض الذي يجيز للمريض أن يصلي قاعداً هو أن يخاف المريض مشقة شديدة أو زيادة المرض أو تباطؤ برئه. قال الإمام النووي [قال أصحابنا ولا يشترط في العجز أن لا يتأتى القيام ولا يكفى أدنى مشقة بل المعتبر المشقة الظاهرة فإذا خاف مشقةً شديدةً أو زيادة مرض أو نحو ذلك أو خاف راكب السفينة الغرق أو دوران الرأس صلى قاعداً ولا إعادة] المجموع 4/ 310. وقال الإمام الشوكاني: [والمعتبر في عدم الاستطاعة عند الشافعية هو المشقة أو خوف زيادة المرض أو الهلاك لا مجرد التألم فإنه لا يبيح ذلك عند الجمهور] نيل الأوطار 3/ 225. ويرى بعض أهل العلم أن ضابط ذلك يتعلق بالمشقة التي تذهب الخشوع: [قال إمام الحرمين.: الذي أراه في ضبط العجز أن يلحقه بالقيام مشقة تذهب خشوعه لأن الخشوع مقصود الصلاة] المجموع 4/ 310. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: [الضابط للمشقة: ما زال به

الخشوع، والخشوع هو حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقاً عظيماً ولم يطمئن وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله فهذا شق عليه القيام فيصلي قاعداً] الشرح الممتع 4/ 461. وروى عبد الرزاق بسنده عن عمر بن ميمون بن مهران عن أبيه قال: قيل له ما علامة ما يصلي المريض قاعداً؟ قال: إذا كان لا يستطيع أن يقوم لدنياه فليصل قاعداً. مصنف عبد الرزاق 2/ 473. وعلى كل حال فإن المريض هو الذي يحدد قدرته على القيام أو القعود أو غير ذلك فإذا أطاق المريض الصلاة قاعداً صلى قاعداً فإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على قدر حاله بقدر ما يطيق على جنبه أو على ظهره ورجلاه مما يلي القبلة ووجهه مستقبل القبلة ويومئ إيماءً على قدر طاقته مستلقياً على قفاه وقدماه تجاه القبلة بحيث لو قام استقبل القبلة. انظر أحكام المريض ص 66. وكل ما سبق في صلاة الفريضة، وأما صلاة النافلة فالأفضل فيها أن يصليها المصلي قائماً ويجوز فيها الجلوس حتى بغير عذر ويدل على ذلك ما ورد في الحديث أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من صلى قائماً فهو أفضل ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم) رواه البخاري. وعن عبد الله بن شقيق قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن تطوعه؟ فقالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعداً ركع وسجد وهو قاعد وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين) رواه مسلم. وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: (سألت النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال: من صلى قائماً فهو أفضل ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد) رواه البخاري وقال: نائماً عندي مضطجعاً. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (حُدثت أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ترك صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك والصلاة في مساجد ضواحي القدس

قال صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة قال فأتيته فوجدته يصلي جالساً فوضعت يدي على رأسه، فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو؟ قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعداً على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعداً؟ قال: أجل ولكني لست كأحد منكم) رواه مسلم وغير ذلك من النصوص. وخلاصة الأمر أن القيام في صلاة الفريضة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونه لمن كان قادراً عليه ومن عجز عن القيام صلى قاعداً أو على أي هيئة يستطيعها وترك القيام رخصة للعاجز حقيقةً والرخص لا تؤتى إلا عند وجود العذر المجيز لفعلها فقط. وأخيراً فإن بعض المصلين يتساهلون في هذه المسألة فيصلون قعوداً لغير عذر فهؤلاء صلاتهم باطلة. ترك صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك والصلاة في مساجد ضواحي القدس يقول السائل: إنه يسكن في ضاحية من ضواحي مدينة القدس ويحافظ على صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك إلا أن بعض الناس من سكان الأحياء المحيطة بالبلدة القديمة من القدس يتركون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى ويذهبون إلى بعض مساجد ضواحي القدس فيصلون فيها بحجة أنهم يأخذون علماً من خطيب ذلك المسجد فما قولكم في ذلك؟ الجواب: أذكر أولاً بعض ما ورد من فضائل للمسجد الأقصى المبارك فإن في ذلك ذكرى للمؤمنين قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سورة الإسراء الآية 1. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم، قال الحافظ ابن حجر

العسقلاني: [وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء, ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم, والثاني كان قبلة الأمم السالفة, والثالث أسس على التقوى) فتح الباري 3/ 84. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثةً، سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه فأوتيه وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه) رواه أحمد النسائي وابن ماجه وابن حبان وهو حديث صحيح. وعن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: سمعت أبا ذر - رضي الله عنه - قال: (قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله فإن الفضل فيه) رواه البخاري ومسلم. وقد وردت بعض الأحاديث في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى فمن ذلك: عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن كما قال الهيثمي مجمع الزوائد 4/ 7، ورواه البزار وقال إسناده حسن الترغيب والترهيب 2/ 175. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: (تذاكرنا ونحن عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيهما أفضل أمسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً) رواه الحاكم والطبراني والطحاوي وغيرهم. وقال

الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد 4/ 7، وصححه الشيخ الألباني بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى، السلسلة الصحيحة حديث رقم 2902، تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص 294. إذا تقرر هذا من مشروعية شد الرحال إلى لمسجد الأقصى المبارك ومن مضاعفة الصلاة فيه فعلى أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس أن يشدوا الرحال إلى المسجد الأقصى وأن يحرص كل من يستطيع منهم الوصول إلى المسجد الأقصى أن يصلي فيه دائماً الصلوات الخمس وصلاة الجمعة إن استطاع إلى ذلك سبيلاً وأما ما يفعله بعض الناس في أيام الجمعة كما ذكر السائل حيث إنهم يقصدون مسجداً من مساجد ضواحي بيت المقدس فيصلون الجمعة فيه وحجتهم في ذلك أنهم يأخذون علماً من خطيب ذلك المسجد فهذا كما قال الله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} سورة البقرة الآية 61، وخاصة إن فعله من هم بجوار المسجد الأقصى فيتركون الصلاة في المسجد الأقصى ويصلون في غيره لتلك الحجة الواهية وكأنهم يأخذون العلم من إمام من أئمة المسلمين كأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد بن حنبل؟؟!!! وينبغي أن أذكر الذين لا يستطيعون الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك يوم الجمعة فيقيمون عدة صلوات جمعة عند أبواب البلدة القديمة بأن هذا الفعل يؤدي إلى تعدد صلاة الجمعة في أماكن متقاربة مثل باب العمود وباب الساهرة، فأرى لهؤلاء أن يصلوا ظهراً ولا يصلوا جمعة. لأن تعدد الجمعة لا يشرع في مثل هذه الحالة. كما وأنبه إلى أنه لا يصح لهم أن يصلوا جمعة مع الإمام في المسجد الأقصى وإن سمعوا صوته لأن هنالك انقطاعاً كبيراً جداً في الصفوف ولا تصح الجماعة مع هذا الانقطاع الكبير كما هو قول المحققين من العلماء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [أما صلاة الجمعة وغيرها فعلى الناس أن يسدوا الأول فالأول كما في الصحيحين عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربها

حكم طرد الأطفال من المسجد بحجة التشويش على المصلين

قال يكملون الأول فالأول ويتراصون في الصف) فليس لأحد أن يسد الصفوف المؤخرة مع خلو المقدمة ولا يصف في الطرقات والحوانيت مع خلو المسجد ومن فعل ذلك استحق التأديب ولمن جاء بعده تخطيه ويدخل لتكميل الصفوف المقدمة فإن هذا لا حرمة له كما أنه ليس لأحد أن يقدم ما يفرش له في المسجد ويتأخر هو وما فرش له لم يكن له حرمة بل يزال ويصلي مكانه على الصحيح بل إذا امتلأ المسجد بالصفوف صفوا خارج المسجد فإذا اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء، وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة فإنه لا تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء وكذلك من صلى في حانوته والطريق خال لم تصح صلاته وليس له أن يقعد في الحانوت وينتظر اتصال الصفوف به بل عليه أن يذهب إلى المسجد فيسد الأول فالأول] الفتاوى الكبرى 1/ 134. وخلاصة الأمر أن من استطاع الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك في صلاة الجمعة وفي غيرها من الصلوات فعليه أن يصلي فيه ولا يلتفت إلى من يدعوه إلى الصلاة في غير المسجد الأقصى المبارك من مساجد أحياء بيت المقدس بحجج واهية. حكم طرد الأطفال من المسجد بحجة التشويش على المصلين يقول السائل: هنالك مجموعة من الأطفال يحضرون إلى المسجد ليتعلموا قراءة القرآن الكريم وأحكام التجويد إلا أن بعض المصلين يطردون الأطفال من المسجد بحجة أنهم يشوشون على المصلين فما حكم ذلك؟ الجواب: إن طريقة تعامل الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع الأطفال في المسجد وأثناء

الصلاة تختلف اختلافاً واضحاً عن واقع تعامل كثير من المسلمين مع الأطفال في المساجد وإليكم بعض المواقف التي حصلت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع بعض الأطفال حتى نتعلم من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونهتدي بهديه عليه الصلاة والسلام: 1. عن شداد - رضي الله عنه - قال: (خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر وهو حامل حسناً أو حسيناً فتقدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضعه عند قدمه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد سجدة أطالها قال: فرفعت رأسي من بين الناس فإذا الصبي على ظهر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاة، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك؟ قال: كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. 2. وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: (خطبنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر ثم قال: صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ في الخطبة) رواه أبو داود. 3. وفي حديث آخر: (كان الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا منعوهما أشار إليهم أن دعوهما فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره) رواه ابن خزيمة في صحيحه. 4. وقال أبو قتادة رضي الله عنه: (رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمامة بنت العاص - ابنة زينب بنت الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها) رواه البخاري ومسلم. 5. وفي رواية أخرى عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: (بينما نحن جلوس في المسجد إذ خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي صبية يحملها فصلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وهي على عاتقه يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها) رواه النسائي. 6. وفي حديث آخر قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه) رواه البخاري ومسلم. 7. وفي رواية أخرى قال أنس - رضي الله عنه -: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة) رواه مسلم. 8. وفي حديث آخر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (جوّز ذات يوم في الفجر - أي خفف - فقيل: يا رسول الله لم جوزت؟ قال: سمعت بكاء صبي فظننت أن أمه معنا تصلي فأردت أن أفرغ له أمه) رواه أحمد بإسناد صحيح. 9. وعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت أرسل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار) رواه مسلم وغير ذلك من الأحاديث. ويحتج بعض الناس على طرد الأطفال من المساجد بما روي في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم). فهذا الحديث ضعيف عند العلماء ولا يصح الاستدلال به، قال البزار: لا أصل له وكذلك قال عبد الحق الإشبيلي، وممن ضعفه الحافظ ابن حجر وابن الجوزي والمنذري والهيثمي وغيرهم. وظن عامة الناس أن هذا الحديث ثابت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعلهم يطردون الأطفال من المساجد وينكرون على من يحضرهم إلى المساجد وهذا موقف غير صحيح. والحق أن الإسلام اعتنى بالأطفال، وأمر الآباء والأولياء بأن يأمروا أبناءهم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين. وإن المكان الصحيح لتعليمهم الصلاة وقراءة القرآن وأحكام التجويد

وغيرها من أحكام الشرع هو المسجد. هذا هو هدي الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تعامله مع الأطفال في المسجد فلا يجوز لأحد أن يطرد الأطفال من المساجد لأنهم رجال المستقبل قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر} سورة الأحزاب الآية21. فعلينا أن نقتدي برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن نعود أطفالنا على ارتياد المساجد بدلاً من بقائهم في الأزقة والحارات عرضة لفساد الأخلاق وسوء الرفاق. ولكن لا بد من التنبيه أنه ينبغي عدم إحضار الأطفال الصغار جداً إلى المساجد لأنهم لا ينضبطون فمثل من كان عمره سنة أو سنتين أو ثلاث لا يحضر إلى المسجد ولا بأس بإحضار الأطفال الذين هم في الخامسة أو السادسة أو السابعة إلى المساجد. ولو حصل أن بعض الأطفال شوشوا على المصلين في المسجد بالبكاء والصياح مثلاً فلا ينبغي أن يثير ذلك المصلين فيحتجون على الطفل وعلى أبيه أو أمه وقد يشوشون بذلك الاحتجاج أكثر من تشويش الطفل وإنما يتركون الأمر لإمام المسجد ليعالج الموضوع بالحكمة وإقتداء بمنهج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك. وينبغي أن يعلم أن الرفق واللين أمران مطلوبان في مثل هذه المواقف. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم. ولنا في رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدوة حسنة فقد حدث أن أعرابياً دخل المسجد النبوي فبال فيه!؟ فصاح الصحابة به، فعالج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الموقف بكل رفق ولين، فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال: أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مه مه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تزرموه دعوه، فتركوه

حكم الجلوس للتعزية ثلاثة أيام

حتى بال، ثم إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (دخل أعرابي المسجد والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس فصلى، فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فالتفت إليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: لقد تحجرت واسعاً، فلم يلبث أن بال في المسجد فأسرع إليه الناس، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أهريقوا عليه سجلاً من ماء أو دلواً من ماء، ثم قال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وخلاصة الأمر أنه يحرم طرد الأطفال من المساجد بل يجب تعويدهم على الحضور للمسجد ليتعلموا الصلاة وقراءة القرآن وأحكام التجويد وغير ذلك من الأحكام الشرعية. حكم الجلوس للتعزية ثلاثة أيام يقول السائل: ما قولكم فيما تعارف عليه الناس في بلادنا من فتح بيت العزاء لمدة ثلاثة أيام ليقصده المعزون؟ الجواب: من المعلوم أن التعزية من السنة فقد ورد في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة) رواه ابن ماجة والبيهقي بإسناد حسن. كما قال الإمام النووي في الأذكار ص 126وغير ذلك من الأحاديث. وأما الجلوس للتعزية في بيت العزاء ثلاثة أيام كما جرى به عُرف الناس في بلادنا فلا بأس به إن خلا من المنكرات والبدع وقد قال بهذا

جماعة من أهل العلم وهو قول الحنفية وقول في مذهب الحنابلة والمالكية، فقد قال الكمال بن الهمام الحنفي: [ويجوز الجلوس للمصيبة ثلاثة أيام، وهو خلاف الأَولى] شرح فتح القدير2/ 150. وذكر الشيخ علاء الدين الحصكفي الحنفي أنه لا بأس بالجلوس للتعزية في غير مسجد ثلاثة أيام. وبين العلامة ابن عابدين أن استعمال لا بأس في كلام الحصكفي على حقيقته لأن الجلوس خلاف الأَوْلى وقد سبق ذلك في كلام ابن الهمام. انظر رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار 2/ 241. ونقل الطحطاوي عن بعض الحنفية أنه لا بأس بالجلوس لها ثلاثة أيام من غير ارتكاب محظور، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 339. وقال المرداوي الحنبلي: [وعنه - أي الإمام أحمد- الرخصة فيه لأنه عزى وجلس، قال الخلال: سهَّل الإمام أحمد في الجلوس إليهم في غير موضع ... ] الإنصاف 2/ 565 وانظر أيضاً حاشية الدسوقي المالكي على الشرح الكبير 1/ 419. وقد قال جماعة من العلماء بأن الجلوس للعزاء مكروه واستدلوا على ذلك بما ورد عن جرير بن عبد اللَّه البجلي - رضي الله عنه - قال: (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة). رواه أحمد وابن ماجة وإسناده صحيح وهذا الأثر لا يدل على منع الجلوس للعزاء وإنما يدل على منع الجلوس مع صنع أهل الميت للطعام فهذان الأمران من النياحة وأما مجرد الجلوس للعزاء فلا يعد من النياحة ويضاف إلى ذلك أنه مع كثرة الناس واتساع المدن والقرى فمن الصعوبة بمكان تعزية أهل الميت دون فتح بيت للعزاء يجلسون فيه ليقصدهم من أراد تعزيتهم وقد كان في الزمن الماضي يمكن تعزية أهل الميت في الطريق أو السوق أو في أي مكان لقيتهم فيه فكيف يمكن أن يتحقق ذلك في المدن الكبيرة وخاصة مع كثرة الناس وانشغالهم في أعمالهم فقد يؤدي القول بمنع الجلوس للتعزية إلى تفويت سنة التعزية ويدل على جواز الاجتماع للتعزية ما رواه البخاري بإسناده عن عروة عن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من

تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت كلن منها فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن) والتلبينة حساء يصنع من دقيق أو نخالة وربما جعل فيه عسل كما بينه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 9/ 681 فهذه عائشة رضي الله عنها كانت النسوة يجتمعن عندها للعزاء. وقال الشيخ صالح آل الشيخ بعد أن ذكر القول بمنع الاجتماع: [إن الشيخ عبد العزيز بن باز وبقية المشايخ يقولون لا بأس بالاجتماع، وهذا القول هو الأولى والراجح؛ لأن الاجتماع إلى أهل الميت في هذا الزمن يحصل به التعزية والتعزية سنة وعمل مشروع قد قال عليه الصلاة والسلام: (من عزى مصاباً فله مثل أجره)، والمواساة مشروعة، وإذا تفرق الناس فلن تحصل المواساة والتعزية إلا بكَلَفة؛ يعني أين تلقاه هل في العمل الفلاني ستجده أو في بيته أو خرج، سيكون هناك مشقة في التتبع وفوت للتعزية. ولهذا قال من أفتى بمشروعية الاجتماع قال: إنه يدخل تحت قاعدة الوسيلة للمشروع مشروعة، وأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فلما كان المقصد وهو السعي مشروعاً فوسيلته الآن وهي الاجتماع مشروعة، ... هنا هل الاجتماع يُعد من النياحة؟ الاجتماع لا يعد من النياحة إلا إذا انضم إليه أن يصنع أهل الميت الطعام للحاضرين جميعاً ليظهر الفخر وليظهر كثرة من يحضر الوليمة ونحو ذلك، وهذا موجود كان في الجاهلية، ولهذا جاء في حديث أبي أيوب (كذا) كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة. فالنياحة تشمل شيئين صنع الطعام مع الاجتماع لماذا؟ لأن أهل الميت هم الذين يصنعون الطعام ويدعون الناس ليقال هذا عزاء فلان إنه أكبر عزاء، أو إنهم اجتمعوا لأجل فلان ... وهم الذين يتكلفون بصنع الطعام وبنحر الإبل وذبح الذبائح؛ ليكثر من يجتمعوا عليها، هذه النياحة المنهي عنها بالاتفاق أما الاجتماع اجتماع المواساة والعزاء دون صنع الطعام ودون تكلف، فإن هذا لا يدخل في النياحة ... ] أ. هـ كلام الشيخ صالح عن شبكة الإنترنت. ويجب التنبيه إلى أن الاجتماع للتعزية والجلوس لها يجب أن يخلو

من البدع التي يفعلها كثير من الناس وخاصة ما يسمى بقراءة الختمة للأموات فهذه من البدع المنتشرة في بلادنا حيث يجلس مجموعة من الناس بعد دفن الميت بعد صلاة العصر في يوم الوفاة ويومين بعده فيقرأون السور الأخيرة من القرآن الكريم ابتداءً من سورة الضحى إلى سورة الناس ثم يقرأون سورة الفاتحة وفواتح سورة البقرة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وبعض الآيات الأخرى ثم يأتون ببعض الأذكار ويهللون مئة مرة ونحو ذلك. وقد يستأجرون بعض المتاجرين بالقراءة على الأموات الذين يحترفون هذا العمل فيحضرونهم ومعهم مكبرات الصوت فيقرأون الختمة بأجر متفق عليه وبعد الانتهاء يأكلون ما أعد لهم من طعام أو حلويات ويشربون القهوة والشاي وغيرها، ويفعلون هذه البدعة ثلاثة أيام اعتباراً من يوم الدفن، ثم يفعلونها ثلاثة أيام خميس تالية ثم في الأربعين وبعضهم يفعلها في ذكرى مرور سنة على وفاة الميت وبعضهم يزيد على ذلك. وهذا الأمر بدعة فلم ينقل عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم فعل مثل ذلك فهذه الختمة طريقة مبتدعة في قراءة القرآن وفي الذكر. ثم إن تخصيص هذه الأوقات وهي ثلاثة أيام من يوم الدفن وثلاثة أيام خميس ويوم الأربعين، بهذه الختمة وهذه الأذكار لم يقم عليه دليل من الشرع ولا يصح عند العلماء تخصيص زمان معين بعبادة معينة إلا بدليل شرعي ولا دليل على ذلك. وخلاصة الأمر أنه لا بأس بالجلوس للتعزية بشرط أن يخلو ذلك من البدع والمنكرات.

الصيام

الصيام

حكم الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول شهر رمضان

حكم الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول شهر رمضان يقول السائل: هل يجوز الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول شهر رمضان أفيدونا؟ الجواب: يرى فريق من العلماء أنه لا يجوز الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات الشهور القمرية مطلقاً وأن الأصل في ذلك هو الرؤية البصرية. هذا الرأي منقول عن أكثر العلماء المتقدمين بل يكاد يكون مجمعاً عليه، فهو قول الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. انظر مجموعة رسائل ابن عابدين 1/ 224، المنتقى 2/ 38، شرح الحطاب على مختصر خليل 2/ 387، المجموع 6/ 270، كشاف القناع 2/ 272. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إنّا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب، أنه يرى أو لا يرى لا يجوز. والنصوص المستفيضة بذلك عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيرة. وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلافٌ قديمٌ أصلاً ولا خلافٌ حديثٌ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا

فلا، وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه فأما إتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم] مجموع الفتاوى 25/ 132. شَهَادَةِ الْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدْوِيِّ ... وَقَدْ رَوَى سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (شَهِدَ أَعْرَابِيٌّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ, فَأَمَرَ بلالاً يُنَادِي فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَداً) فَقَبِلَ شَهَادَتَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ] أحكام القرآن 2/ 229 - 230. وقال الإمام الشوكاني: [وذهب الأكثر إلى القبول قال ابن رسلان: وحملوا هذا الحديث على من لم تعرف عدالته من أهل البدو والغالب أنهم لا تعرف عدالتهم ا. هـ. وهذا حمل مناسب لأن البدوي إذا كان معروف العدالة كان رد شهادته لعلة كونه بدوياً غير مناسب لقواعد الشريعة لأن المساكن لا تأثير لها في الرد والقبول لعدم صحة جعل ذلك مناطاً شرعياً ولعدم انضباطه فالمناط هو العدالة الشرعية إن وجد للشرع اصطلاح في العدالة وإلا توجه الحمل على العدالة اللغوية فعند وجود العدالة يوجد القبول وعند عدمها يعدم ولم يذكر صلى الله عليه وآله وسلم المنع من شهادة البدوي إلا لكونه مظنة لعدم القيام بما تحتاج إليه العدالة وإلا فقد قبل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الهلال شهادة بدوي] نيل الأوطار 8/ 330. وقال الإمام القرطبي: [ ... فعمموا الحكم، ويلزم منه قبول شهادة البدوي على القروي إذا كان عدلاً مرضياً وبه قال الشافعي ومن وافقه، وهو -أي البدوي- من رجالنا وأهل ديننا. وكونه بدوياً ككونه من بلد آخر والعمومات في القرآن الدالة على قبول شهادة العدول تسوي بين البدوي والقروي، قال الله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} وقال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فمنكم خطاب للمسلمين ... ] تفسير القرطبي 8/ 231 - 232.

ومن القائلين بالجواز من علماء العصر الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي حيث قال: [وأقول مما يؤيد العمل بالحساب الصحيح أن أهل الشرع من الفقهاء وغيرهم يرجعون في كل حادثة إلى أهل الخبرة بها وذوي البصارة فيها فإنهم يأخذون بقول أهل اللغة في معاني ألفاظ القرآن والحديث وبقول الطبيب في إفطار شهر رمضان وغير ذلك كثير فما الذي يمنع من بناء إكمال شعبان ورمضان وغيرهما من الأشهر على الحساب؟ والرجوع في ذلك إلى أهل الخبرة العارفين به إذا أشكل علينا الأمر في ذلك]. ومن القائلين بالجواز أيضاً الشيخ أحمد محمد شاكر كما في رسالته (أوائل الشهور العربية) انظر فتاوى معاصرة 2/ 216 فما بعدها. ومنهم الشيخ مصطفى الزرقا، حيث فصَّل قوله في كتابه (العقل والفقه في فهم الحديث النبوي) ص80 فما بعدها، وفي فتاويه أيضاً ص157. ومن القائلين بالجواز الشيخ يوسف القرضاوي حيث قال: [وقد كنت ناديت منذ سنوات بأن نأخذ بالحساب الفلكي القطعي - على الأقل - في النفي لا في الإثبات تقليلاً للاختلاف الشاسع الذي يحدث كل سنة في بدء الصيام وفي عيد الفطر إلى حد يصل إلى ثلاثة أيام بين بعض البلاد الإسلامية وبعض. ومعنى الأخذ بالحساب في النفي أن نظل على إثبات الهلال بالرؤية وفقاً لرأي الأكثرين من أهل الفقه في عصرنا، ولكن إذا نفى الحساب إمكانية الرؤية وقال: إنها غير ممكنة لأن الهلال لم يولد أصلاً في أي مكان من العالم الإسلامي كان الواجب ألا تقبل شهادة الشهود بحال لأن الواقع الذي أثبته العلم الرياضي القطعي يكذبهم بل في هذه الحالة لا يطلب ترائي الهلال من الناس أصلاً ولا تفتح المحاكم الشرعية ولا دور الفتوى أو الشؤون الدينية أبوابها لمن يريد أن يدلى بشهادة عن رؤية الهلال] فتاوى معاصرة 2/ 221. وأهم ما استدل به لهذا القول ما يلي:

إن رواية (فاقدروا له) معناها: قدروه بحساب المنازل وأنه خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وأن قوله (فأكملوا العدة) خطاب للعامة. فتح الباري 4/ 122، شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 155. واحتجوا بحديث: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا) فالأمر باعتماد الرؤية وحدها جاء معللاً بعلة منصوصة وهي إن الأمة لا تكتب ولا تحسب والعلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً فإذا وصلت الأمة إلى حال في معرفة هذا العلم باليقين في حساب أوائل الشهور وأمكن أن يثقوا به ثقتهم بالرؤية أو أقوى صار لهم الأخذ بالحساب في إثبات أوائل الشهور. ليست حقيقة الرؤية شرطاً في اللزوم لأن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بالحساب بإكمال العدة أو بالاجتهاد بالأمارات أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم وإن لم ير الهلال ولا أخبره من رآه] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 3 جزء 2/ 829. وقد بين العلامة مصطفى الزرقا رأيه في هذه المسألة وما اعتمد عليه بقوله: [إن النظر إلى جميع الأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في هذا الموضوع وربط بعضها ببعض وكلها واردة في الصوم والإفطار يبرز العلة السببية في أمر الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن يعتمد المسلمون في بداية الشهر ونهايته رؤية الهلال بالبصر لبداية شهر الصوم ونهايته ويبين أن العلة هي كونهم أمة أمية لا تكتب ولا تحسب أي ليس لديهم علم وحساب مضبوط يعرفون به متى يبدأ الشهر ومتى ينتهي ما دام الشهر القمري يكون تارة تسعة وعشرين يوماً وتارة ثلاثين. وهذا يدل بمفهومه أنه لو توافر العلم بالنظام الفلكي المحكم الذي أقامه الله تعالى بصورة لا تختلف ولا تتخلف وأصبح هذا العلم يوصلنا إلى معرفة يقينية بمواعيد ميلاد الهلال في كل شهر وفي أي وقت بعد ولادته تمكن رؤيته بالعين الباصرة السليمة إذ انتفت العوارض الجوية التي قد تحجب الرؤية فحينئذ لا يوجد مانع شرعي من اعتماد هذا الحساب والخروج بالمسلمين من مشكلة إثبات الهلال ومن الفوضى التي أصبحت مخجلة بل مذهلة حيث يبلغ فرق الإثبات للصوم بين مختلف الأقطار

الإسلامية ثلاثة أيام كما يحصل في بعض الأعوام!! كما أن الفقهاء الأوائل واجهوا مشكلة خطيرة في عصرهم وهي الاختلاط والارتباط الوثيق إذ ذاك في الماضي بين العرافة والتنجيم والكهانة والسحر من جهة وبين حساب النجوم بمعنى علم الفلك من جهة أخرى. فيبدو أن كثيراً من أهل حساب النجوم كانوا أيضاً يشتغلون بتلك الأمور الباطلة التي نهت عنها الشريعة أشد النهي فكان للقول باعتماد الحساب في الأهلة مفسدتان: الأولى: أنه ظني من باب الحدس والتخمين مبني على طريقة التعديل التي بينا معناها فلا يعقل أن تترك به الرؤية بالعين الباصرة رغم ما قد يعتريها من عوارض واشتباهات. الثانية: وهي الأشد خطورة والأدهى هي انسياق الناس إلى التعويل على أولئك المنجمين والعرافين الذين يحترفون الضحك على عقول الناس بأكاذيبهم وترهاتهم وشعوذاتهم. أما اليوم في عصرنا هذا الذي انفصل فيه منذ زمن طويل علم الفلك بمعناه الصحيح عن التنجيم بمعناه العرفي من الشعوذة والكهانة واستطلاع الحظوظ من حركات النجوم وأصبح علم الفلك قائماً على أسس من الرصد بالمراصد الحديثة والأجهزة العملاقة التي تكتشف حركات الكواكب من مسافات السنين الضوئية وبالحسابات الدقيقة المتيقنة التي تحدد تلك الحركات بجزء من مئات أو آلاف الأجزاء من الثانية وأقيمت بناء عليه في الفضاء حول الأرض محطات ثابتة وتستقبل مركبات تدور حول الأرض. إلخ. فهل يمكن أن يشك بعد ذلك بصحته ويقين حساباته وأن يقاس على ما كان عليه من البساطة والظنية والتعديل في الماضي زمن أسلافنا رحمهم الله] فتاوى الزرقا ص 166 - 169. ولكن مع هذا أقول إنه بعد التقدم العلمي الهائل لعلم الفلك ولوضوح الفصل بين علم الفلك وبين التنجيم لا بد من الاستئناس بعلم الفلك في هذه القضية المهمة، وفق الشروط والأحوال التي أشار إليها الفقهاء قديماً وحديثاً. وأهمها تعذر رؤية الهلال وأن يكون أهل الحساب ممن يؤمن معهم

اختلاف بدء الصوم من بلد لآخر

الخطأ ويحصل العلم أو الظن القوي من اتفاقهم على عدم الخطأ في الحساب. وخاصة أنه قد حدثت عوامل كثيرة تؤثر في إثبات الرؤية في العصر الحاضر، مثل: عدم صفاء الجو بسبب التلوث الصناعي بالغازات الهائلة من الصناعات، والتلوث الضوئي، وبخار الماء، والأقمار الصناعية التي تملأ الأجواء ليل نهار، إضافة إلى عوامل أخرى قد تؤثر على الرؤية منها: الوهم، وحدة البصر، وعمر القمر بعد التولد ولحظة الرؤية. وخلاصة الأمر في هذه المسألة هو وجوب الاعتماد على الرؤية البصرية لإثبات الشهور القمرية وهذا ما نطقت به النصوص الشرعية ويستعان أو يستأنس بالحساب الفلكي والمراصد مراعاة للأحاديث النبوية والحقائق العلمية. اختلاف بدء الصوم من بلد لآخر يقول السائل: إنه كان في العمرة لما أعلن عن بدء الصيام في بلادنا يوم الأحد وصام يوم الاثنين مع أهل مكة المكرمة حيث بدأ الصوم في تلك البلاد يوم الاثنين ثم رجع إلى القدس فماذا يعمل بالنسبة لليوم الذي فاته صيامه؟ الجواب: إن حكم الصوم والفطر مرتبط مع أهل البلاد التي يوجد فيها الشخص لأن صيام رمضان يكون مع جماعة الناس ولا يصوم الإنسان رمضان لوحده فحكم صوم الفرد هو حكم صوم أهل البلد الذي وجد فيه فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما. وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح، انظر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 4/ 11. وقال الإمام الترمذي بعد أن ذكر الحديث: [وفسر بعض أهل العلم

الصوم والفطر مع الجماعة

هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 3/ 312. وبناء على ذلك فعلى هذا الشخص أن يتم صيام رمضان مع أهل بلده ويلتزم بالعيد معهم فإذا كان رمضان هذا العام ثلاثين يوماً وهو قد صام تسعة وعشرين يوماً فلا يلزمه قضاء يوم. وأما إذا جاء رمضان تسعة وعشرين يوماً ويكون قد صام ثمانية وعشرين يوماً فيلزمه قضاء يوم. لأن الشهر الهجري لا يكون أقل من تسعة وعشرين يوماً لما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الشهر تسع وعشرون ليلة لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه إلا أن يغم عليكم فإن غم عليكم فاقدروا له) رواه مسلم. وهكذا يقال في حق من ابتدأ الصيام في بلادنا حيث صمنا الأحد ثم سافر في آخر الشهر مثلاً إلى مكة المكرمة فإنه ملزم بالفطر مع أهل مكة فإذا ثبتت رؤية الهلال في تلك الديار فهذا الشخص ملزم بأن يفطر مع أهل مكة ويصلي العيد معهم فإن كان مجموع ما صامه أقل من تسعة وعشرين يوماً فهو ملزم بقضاء صوم يوم. الصوم والفطر مع الجماعة يقول السائل: ما قولكم فيما حدث يوم الثلاثين من رمضان هذا العام حيث إن بعض الناس قلدوا ما أعلن في بعض مناطق العراق أن عيد الفطر يوم الاثنين 24 - 11 - 2003 فعيدوا في ذلك اليوم وخالفوا ما عليه أكثر المسلمين في العالم حيث إن العيد كان يوم الثلاثاء 25 - 11 - 2003 مما أحدث بلبلة بين عامة الناس أفيدونا. الجواب: إن مما يؤسف له تكرر هذه المشكلة في بلادنا على يد فئة تشذ وتخالف جماعة الناس بزعم أنهم يتبنون وحدة المطالع فيصومون مع

أول من يعلن الصيام ويفطرون مع أول من يعلن الفطر، والغريب في الأمر أن هؤلاء يتبنون هذا الحكم في الصيام فقط ولا يتبنون في بقية أحكام الصوم؟! ثم هؤلاء الذين عيدوا يوم الاثنين لم يصلوا العيد في ذلك اليوم بل صلوا العيد يوم الثلاثاء. إن هذا لشيء عجاب فصلاة العيد مشروعة يوم العيد فكيف يصلونها في اليوم التالي للعيد على رأيهم الأعرج!! ومن المعلوم أن قضية بداية شهر الصوم ونهايته تشكل مثاراً للنزاع والاختلاف في كل عام تقريباً، والمسألة محل اختلاف بين أهل العلم منذ عهد بعيد، فمن العلماء من يرى أن لا عبرة باختلاف المطالع، وأن على المسلمين جميعاً أن يصوموا إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد، والرأي الآخر في المسألة وهو أن لكل بلد رؤيتهم قال به جماعة من أهل العلم، والمسألة مسألة اجتهادية محتملة واستدل كل فريق بأدلة من الكتاب والسنة والقياس. وإن كنت أعتقد رجحان القول الأول بعد النظر في أدلته ولكن هذا القول وهو عدم اعتبار اختلاف المطالع رأي نظري لم يجد طريقه إلى التطبيق العملي في تاريخ المسلمين من لدن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى عصرنا الحاضر لعدم توفر وسائل الاتصال التي تربط أنحاء الدولة الإسلامية بعضها مع بعض ومعلوم أن وسائل الاتصال حديثة العهد. كما وأود أن أبين أنه ينبغي الاستئناس بما يقرره علم الفلك وإن كان الأصل هو رؤية العين المجردة ولكن أصول الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة لا تمنع أن نستعين بعلم الفلك وخاصة أنه علم متقدم ومتطور وعلم الفلك ليس مجرد حسابات وإنما هو رؤية ولكن بالمراصد والآلات فلا مانع شرعاً من الاستفادة من التقدم العلمي في هذا المجال وبالذات في حالة النفي أي إذا نفى علم الفلك احتمال رؤية الهلال بشكل قطعي فينبغي حينئذ عدم قبول ادعاء الرؤية وهذا هو ما حصل في هذا العام فإن علم الفلك نفى احتمال رؤية الهلال مساء الأحد 23/ 11/2003م وأن الهلال لم يكن قد تولد لذا فإني أعتقد أن إعلان بعض العراقيين عن ثبوت رؤية الهلال إعلان باطل ولم يكن القرار بناءً على رؤية حقيقية للهلال لاستحالة ذلك كلياً كما قرر ذلك علماء الفلك وبعض الفقهاء، فقد أعلن معهد البحوث الفلكية بحلوان أن يوم الثلاثاء 25 - 11 - 2003 هو أول أيام عيد الفطر المبارك في مصر فلكياً. وقال الدكتور محمد سليمان رئيس قسم الفلك والشمس بالمعهد: إن الحسابات الفلكية تؤيد أن ميلاد هلال شهر شوال في جميع البلاد العربية والإسلامية لن يُرى قبل غروب يوم الاثنين الموافق 24 - 11 - 2003، وعليه فإن يوم الاثنين سيكون المتمم لشهر رمضان لعام 1424هـ ويكون يوم الثلاثاء الموافق 25 - 11 - 2003 هو أول أيام عيد الفطر المبارك. وأعلن كل من المجلس الإسلامي للأهلة التابع للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا والمجلس الأوربي للبحوث والإفتاء استحالة رؤية هلال شهر شوال لعام 1424 هجرياً مساء الأحد الموافق 23 - 11 - 2003، وعليه فإن يوم الثلاثاء الموافق 25 - 11 - 2003 هو أول أيام شهر شوال، وأول أيام عيد الفطر المبارك. وجاء في بيان صادر عن المجلس الإسلامي للأهلة الجمعة 21 - 11 - 2003: إن هلال شهر شوال سيولد في الساعة 23 ودقيقة واحدة يوم الأحد بتوقيت جرينتش الموافق للساعة الثانية ودقيقة واحدة من صباح الاثنين 24 - 11 - 2003 بتوقيت مكة المكرمة. وأضاف البيان أن هلال شوال سيولد بعد 6 ساعات من غروب شمس يوم الأحد؛ الأمر الذي يعني استحالة رؤية الهلال مساء ذلك اليوم. وأوضح الدكتور محمد الهواري رئيس المجلس الأعلى للأهلة في اتصال هاتفي مع موقع إسلام أون لاين. نت الجمعة 21 - 11 - 2003

أن الهلال سيمكث في السماء لمدة 28 دقيقة بعد غروب يوم الاثنين 24 - 11 - 2003، ويمكن رؤيته بوضوح في معظم الدول العربية والأوربية. وأشار الهواري إلى أنه بناء على ما تقدم فإن يوم الثلاثاء الموافق 25 - 11 - 2003 أول أيام شهر شوال 1424هـ وأول أيام عيد الفطر المبارك.] موقع إسلام أون لاين. نت. وقال الشيخ عبد الله المنيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية: [يولد هلال شهر شوال عام 1424هـ يوم الاثنين الموافق 30/ 9/1424هـ الساعة الثانية صباحاً، أي بعد غروب شمس يوم الأحد الموافق 29/ 9/1424هـ بما يزيد عن سبع ساعات، ويمكث الهلال بعد غروب شمس يوم الاثنين ثمانٍ وعشرين دقيقة وذلك بتوقيت مكة المكرمة، وعليه فيكون يوم عيد الفطر يوم

الثلاثاء الموافق 25 نوفمبر 2003م، وهو أول يوم من شهر شوال سنة 1424هـ. وعليه فإذا ثبت دخول شهر رمضان يوم الأحد 26/ 10/2003 م حسب الرؤية الشرعية المتفقة مع الحساب الفلكي فإن يوم الاثنين 24 نوفمبر الموافق 30/ 9/1424هـ هو آخر يوم من أيام رمضان، ولا حاجة لترائي هلال شهر شوال مساء الاثنين، لكونه تمام الثلاثين يوماً لشهر رمضان ونظراً إلى أن ولادة هلال شهر شوال هو الساعة الثانية من صباح يوم الاثنين 30/ 9/1424هـ، فلا يصح فلكياً ترائي الهلال مساء الأحد 29/ 9/1424هـ بعد غروب شمس ذلك اليوم؛ لكون الهلال ولد بعد غروب شمس يوم الأحد بما يزيد عن سبع ساعات وأي دعوى رؤية للهلال مساء هذا اليوم يوم الأحد 29/ 9/1424هـ فهي شهادة غير صحيحة؛ لعدم انفكاكها عما يكذبها، ويجب ردها مهما كانت عدالة أو عدداً]. عن شبكة الإنترنت. ونقل القليوبي من فقهاء الشافعية عن العبادي قوله: [إذا دل الحساب القطعي على عدم رؤية الهلال لم يقبل قول العدول برؤيته، وترد شهادتهم. ثم قال القليوبي: هذا ظاهر جلي، ولا يجوز الصوم حينئذ، وإن مخالفة ذلك معاندة ومكابرة]. إذا تقرر هذا فإن ما قام به هؤلاء الذين عيدوا يوم الاثنين إنما هو عمل باطل ويلزمهم قضاء يوم بدل اليوم الذي أفطروه حيث إنهم أفطروا يوماً من رمضان وإفطارهم لم يكن مستنداً على دليل صحيح بل قلدوا أناساً خالفوا المحسوس وأبلغ دليل على ذلك أن من أهل العراق السنة قد وافقوا أكثر المسلمين في أن العيد هذا العام هو يوم الثلاثاء ولم تثبت لديهم رؤية هلال شوال مساء الأحد كما زعم غيرهم. وينبغي التنبيه أن ما فعله هؤلاء يؤكد ما أقوله دائماً أن الصوم والفطر ليس عملاً فردياً يقوم به فرد أو أفراد لوحدهم بل الصيام والعيد عبادة جماعية تتم مع الجماعة فلا يصح أن يصوم أحد رمضان لوحده وكذلك لا يصح أن يعيد فرد لوحده وهذا هو المفهوم المستمد من سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث قال: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) رواه الترمذي وأبو داود والبيهقي وهو

يجوز للحائض إذا طهرت أثناء النهار الأكل والشرب والأولى أن تمسك بقية يومها لحرمة الشهر

حديث صحيح كما قاله الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 213. قال الإمام الترمذي رحمه الله: [وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس]. يجوز للحائض إذا طهرت أثناء النهار الأكل والشرب والأولى أن تمسك بقية يومها لحرمة الشهر تقول السائلة: إذا انقطع دم الحيض أثناء النهار فماذا يلزمها بالنسبة للصوم؟ الجواب: من المعلوم عند أهل العلم أن الحائض لا تصوم ولا تصلي فإذا انقطع دم الحيض أثناء نهار رمضان فيستحب لها أن تمسك عن الطعام والشراب احتراماً للشهر الكريم وابتعاداً عن التهمة ولكن لا يجب عليها ذلك لأنها كانت معذورة في الفطر بسبب الحيض فإذا زال حيضها أثناء النهار فلا شيء عليها إذا أكلت أو شربت ولكن يستحسن أن يكون ذلك بعيداً عن أنظار الصائمين قال الإمام النووي: [إذا طهرت في أثناء النهار يستحب لها إمساك بقيته ولا يلزمها.] المجموع 6/ 257. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً كالحائض والمسافر والنفساء والصبي والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار فطهرت الحائض والنفساء وأقام المسافر وبلغ الصبي وأفاق المجنون وأسلم الكافر وصح المريض المفطر ففيهم روايتان: إحداهما: يلزمهم الإمساك في بقية اليوم. وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح والعنبري لأنه معنىً لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك كقيام البينة بالرؤية.

المجاهرة بالفطر في رمضان من كبائر الذنوب

والثانية: لا يلزمهم الإمساك وهو قول مالك والشافعي وروي ذلك عن جابر بن زيد وروي عن ابن مسعود أنه قال: من أكل أول النهار فليأكل آخره، ولأنه أبيح له فطر أول النهار ظاهراً وباطناً. فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار كما لو دام العذر] المغني 3/ 145 - 146. وما ذكره ابن قدامة ثانياً هو الراجح من قولي العلماء فيجوز للحائض إذا طهرت أثناء النهار الأكل والشرب والأولى أن تمسك بقية يومها لحرمة الشهر. المجاهرة بالفطر في رمضان من كبائر الذنوب يقول السائل: ما حكم من لا يصوم رمضان ويجاهر بفطره؟ الجواب: من المعلوم أن صوم رمضان فريضة مكتوبة على المسلمين لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة الآية 183. والصيام ركن من أركان الإسلام فمن تهاون في صيام رمضان فقد وقع في معصية كبيرة والعياذ بالله فإذا انضم إلى فطره مجاهرته في ذلك فقد ازداد عصياناً وإثماً حيث إنه أظهر المعصية وتلبس بأفعال أهل المجون نسأل الله العفو والعافية. أما لو أن هذا المفطر قد ستر على نفسه لكان ذنبه أهون وإن كان هو عظيماً في ذاته قال العلامة ابن القيم: [والمستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر المستعلن والكاتم له أقل إثماً من المخبر المحدث للناس به فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يستر الله تعالى عليه ثم يصبح يكشف ستر الله عنه يقول يا فلان فعلت البارحة كذا وكذا فيبيت ربه يستره ويصبح

يكشف ستر الله عن نفسه أو كما قال، وفي الحديث الآخر عنه (من ابتلي من هذه القاذورات بشيء فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله). وفي الحديث الآخر (إن الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها ولكن إذا أعلنت فلم تنكر ضرت العامة] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 2/ 147 - 148. ولا شك أن المجاهرة بالإفطار فيها نوع من التبجح والافتخار بالمعصية وهذه وقاحة عظيمة وقلة حياء فهذا العاصي المجاهر لم يستح من الله سبحانه وتعالى ولم يستح من الناس. والحديث الأول الذي ذكره ابن القيم رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول. الحديث. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (كل أمتي معافى) بفتح الفاء مقصور اسم مفعول من العافية وهو إما بمعنى عفا الله عنه وإما سلمه الله وسلم منه. ومحصل الكلام كل واحد من الأمة يعفى عن ذنبه ولا يؤاخذ به إلا الفاسق المعلن أ. هـ. وقال الطيبي: الأظهر أن يقال المعنى كل أمتي يتركون في الغيبة إلا المجاهرون, والعفو بمعنى الترك وفيه معنى النفي كقوله: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) والمجاهر الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها, وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به أ. هـ. والمجاهر في هذا الحديث يحتمل أن يكون من جاهر بكذا بمعنى جهر به. ويحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة والمراد الذي يجاهر بعضهم بعضاً بالتحدث بالمعاصي) فتح الباري 10/ 597 - 598. وقال الحافظ أبو العباس القرطبي في شرح الحديث السابق بعد أن ذكر اختلاف الروايات فيه: [وهذه الروايات وإن اختلفت ألفاظها هي راجعة إلى معنىً واحد قد فسره في الحديث وهو أن يعمل الرجل معصية في خفية وخلوة ثم يخرج يتحدث بها مع الناس ويجهر بها ويعلنها وهذا من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش وذلك: أن هذا لا يصدر إلا من جاهل بقدر

المعصية أو مستهين مستهزئ بها مصرٍ عليها غير تائب منها مظهرٍ للمنكر. والواحد من هذه الأمور كبيرة فكيف إذا اجتمعت؟! فلذلك كان فاعل هذه الأشياء أشد الناس بلاء في الدنيا وعقوبة في الآخرة لأنه تجتمع عليه عقوبة تلك الأمور كلها وسائر الناس ممن ليس على مثل حاله وإن كان مرتكب كبيرة فأمره أخف وعقوبته إن عوقب أهون. ورجوعه عنها أقرب من الأول لأن ذلك المجاهر قل أن يتوب أو يرجع عما اعتاده من المعصية وسهل عليه منها. فيكون كل العصاة بالنسبة إليه إما معافى مطلقاً إن تاب وإما معافى بالنسبة إليه إن عوقب والله تعالى أعلم] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/ 618. وينبغي أن يعلم أن الإنسان إذا ابتلي بمعصية من المعاصي فالواجب عليه أن يستر نفسه ولا يظهر شيئاً من ذلك وعليه أن يتوب إلى الله تعالى فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله عز وجل وليتب إلى الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 663. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين, وفيه ضرب من العناد لهم, وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف, لأن المعاصي تذل أهلها, ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حداً, وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه, فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة, والذي يجاهر يفوته جميع ذلك] فتح الباري 10/ 598 - 599. وخلاصة الأمر أن الفطر في نهار رمضان بدون عذر حرام شرعاً ومن كبائر الذنوب فإذا انضم إلى ذلك المجاهرة بالفطر فقد ازداد إثماً على إثم والواجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يقضي ما أفطر من رمضان.

الخطأ في الفطر

الخطأ في الفطر يقول السائل: إنه أفطر في أحد أيام رمضان بناءً على أذان المؤذن في الإذاعة ثم تبين له أن ذلك الأذان كان في دولة أخرى، فما الحكم في ذلك؟ الجواب: يلزم هذا الشخص أن يقضي يوماً بدل اليوم الذي أفطره خطأً حيث إنه ظن أن أذان المغرب كان من الإذاعة في بلده ثم ظهر له أن الأذان كان في دولة مجاورة أي أن هذا الشخص أفطر قبل الوقت الشرعي للإفطار فيلزمه القضاء على الراجح من أقوال أهل العلم وهو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. فقد روى في البخاري بسنده عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت أفطرنا على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام فأمروا بالقضاء قال لا بد من قضاء وقال معمر سمعت هشاماً لا أدري أقضوا أم لا). قال الحافظ ابن حجر: [وقد اختلف في هذه المسألة فذهب الجمهور إلى إيجاب القضاء, واختلف عن عمر- رضي الله عنه - فروى ابن أبي شيبة وغيره من طريق زيد بن وهب عنه ترك القضاء, ولفظ معمر عن الأعمش عن زيد، فقال عمر - رضي الله عنه -: لم نقض والله ما يجانفنا الإثم، وروى مالك من وجه آخر عن عمر أنه قال لما أفطر ثم طلعت الشمس، الخطب يسير وقد اجتهدنا، وزاد عبد الرزاق في روايته من هذا الوجه، نقضي يوماً، وله من طريق علي بن حنظلة عن أبيه نحوه, ورواه سعيد بن منصور وفيه. فقال: من أفطر منكم فليصم يوماً مكانه، وروى سعيد بن منصور من طريق أخرى عن عمر نحوه. وجاء ترك القضاء عن مجاهد والحسن وبه قال إسحاق وأحمد في رواية. , ويرجح الأول أنه لو غم هلال رمضان فأصبحوا مفطرين ثم تبين أن ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق فكذلك هذا] فتح الباري 4/ 255. وذكر مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أفطر ذات يوم في

رمضان في يوم ذي غيم ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين طلعت الشمس فقال عمر: الخطب يسير وقد اجتهدنا) قال مالك يريد بقوله (الخطب يسير) القضاء فيما نرى والله أعلم وخفة مؤونته ويسارته يقول نصوم يوماً مكانه. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وروى الثوري عن جبلة بن سحيم عن علي بن حنظلة عن أبيه: أنه شهد عمر. فذكر القصة وقال: يا هؤلاء! من كان أفطر فإن القضاء يوم يسير ومن لم يكن أفطر فليتم صومه] الاستذكار 10/ 35. ثم ذكر الحافظ ابن عبد البر قولاً آخر عن عمر أنه لا قضاء على المفطر خطأً، ثم قال: [فهذا خلاف عن عمر - رضي الله عنه - في هذه المسألة والرواية الأولى أولى بالصائم إن شاء الله] الاستذكار 10/ 175. وقد صحح الإمام البيهقي الروايات الواردة عن عمر بالقضاء وضعف الرواية الواردة بعدم القضاء ثم ذكر روايةً تفيد أن جماعة أفطروا مع صهيب - رضي الله عنه - صاحب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شهر رمضان في يوم غيم فبينما هم يتعشون إذ طلعت الشمس فقال صهيب: طعمة الله أتموا صيامكم إلى الليل واقضوا يوماً مكانه] سنن البيهقي 4/ 217 - 218. واستدل الشيخ ابن قدامة المقدسي لقول الجمهور بقوله: [ولنا أنه أكل مختاراً ذاكراً للصوم فأفطر كما لو أكل يوم الشك ولأنه جهل بوقت الصيام فلم يعذر به كالجهل بأول رمضان ولأنه يمكن التحرز فأشبه أكل العامد وفارق الناسي فإنه لا يمكن التحرز منه وأما الخبر فرواه الأثرم أن عمر قال من أكل فليقض يوماً مكانه ورواه مالك في الموطأ أن عمر قال الخطب يسير يعني خفة القضاء وروى هشام بن عروة عن فاطمة امرأته عن أسماء قالت أفطرنا على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام أمروا بالقضاء قال لا بد من قضاء أخرجه البخاري] المغني 3/ 247. ومقتضى قول الجمهور التفريق بين الناسي والمخطئ في الأكل في نهار رمضان فإن النسيان آفة طبيعية في الإنسان خارجة عن إرادته والنسيان

تذكير الناسي للصيام

لا يمكن الاحتراز منه بخلاف الخطأ فإن فيه نوعاً من التقصير حيث إن المخطئ لم يتثبت وكان بإمكانه أن يحترز من الخطأ. قال الإمام الخطابي: [الناسي لا يمكنه أن يحترز من الأكل ناسياً وهذا يمكنه أن يمكث فلا يأكل حتى يتيقن غيبوبة الشمس, فالنسيان خطأٌ في الفعل وهذا خطأٌ في الوقت والزمان والتحرز ممكن] معالم السنن 2/ 94. وأما الحديث الوارد عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الطبراني والدارقطني والحاكم بألفاظ مختلفة وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي، فإن المرفوع في الحديث إنما هو الإثم وأما الحكم وهو القضاء فلا يرفع. انظر المجموع للنووي 6/ 311. لذا أرجح القول بلزوم القضاء في حق المخطئ دون الناسي لورود النص في الناسي وهو ما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) رواه البخاري ومسلم. وخلاصة الأمر أن القول بإيجاب القضاء على المخطئ هو أحوط القولين في المسألة. تذكير الناسي للصيام يقول السائل: ما قولكم فيما يقوله بعض الناس إنهم إذا رأوا شخصاً يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسياً فلا يذكرونه باعتبار أن ذلك الطعام والشراب رزق ساقه الله إليه؟ الجواب: إن ما قاله هؤلاء إنما هو فهم غير صحيح للحديث النبوي وهو عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الناسي في رمضان إن أكل أو شرب

فيلزمه إتمام الصوم ولا يقطعه وليس عليه قضاء ذلك اليوم حيث إن الله قد ساق له رزقاً فالأكل والشرب نسياناً أثناء الصوم لا يؤثر على الصوم لأن الناسي قد رفع عنه قلم التكليف لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت هذه الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} سورة البقرة الآية 284، قال دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا قال فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}. قال قد فعلت: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال قد فعلت: {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} قال قد فعلت) رواه مسلم. ولما ورد في الحديث من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الطبراني والدارقطني والحاكم بألفاظ مختلفة وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. وورد في رواية أخرى للحديث الأول عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أكل الصائم ناسياً أو شرب ناسياً فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه) رواه الدارقطني، وقال: إسناد صحيح وكلهم ثقات. سنن الدارقطني 2/ 178. ولما ورد في الحديث عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق رضي الله عنها: (أنها كانت عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتي بقصعة من ثريد فأكلت معه ومعه ذو اليدين - صحابي - فناولها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَقاً - عظم عليه لحم - فقال: يا أم إسحاق أصيبي من هذا. فذكرتُ أني كنت صائمة فرددت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مالك؟ قالت: كنتُ صائمةً فنسيت. فقال ذو اليدين: الآن بعدما شبعت؟ فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك] رواه أحمد والطبراني في الكبير كما قال الهيثمي. وغير ذلك في الأدلة. وأما قول بعض الناس بعدم تذكير الناسي في نهار رمضان بحجة أن ذلك الطعام والشراب رزق ساقه الله إلى الناسي فغير صحيح لما يلي:

أولاً: لأن الأكل أو الشراب في نهار رمضان محرمٌ شرعاً ومنكرٌ يجب على من رآه أن ينكره وإن كان الناسي معذوراً عند الله سبحانه وتعالى لما سبق من الأدلة. فتذكيره بالصيام أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر وهو الأكل في نهار رمضان. ثانياً: إن ترك الناسي مستمراً في أكله وشرابه جهاراً وعدم تذكيره بالصيام فيه فتح باب شر على الناس فيجترئون على المجاهرة بالفطر في رمضان. ثالثاً: إن تذكير الناسي واجب لأنه داخل في باب التعاون على البر والتقوى لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. رابعاً: يمكن أن تقاس هذه المسألة وهي تذكير الناسي في الصيام على تذكير الناسي في الصلاة فقد شرع التسبيح في الصلاة لتذكير الإمام إذا سها في صلاته. فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (صلَّى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فلما سلَّم قيل له يا رسول الله: أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلَّم فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيءٌ لنبأتكم به ولكن إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين) رواه البخاري ومسلم. ومن المستظرفات في هذا الباب ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني مما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار: أن إنساناً جاء إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال أصبحت صائماً فنسيت فطعمت, قال لا بأس. قال: ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت, قال: لا بأس، الله أطعمك وسقاك. ثم قال: دخلت على آخر فنسيت فطعمت, فقال أبو هريرة: أنت إنسان لم تتعود الصيام. فتح الباري 4/ 201. وخلاصة الأمر أنه يجب تذكير الناسي في نهار رمضان ولا يصح

حكم صوم يوم السبت في غير الفريضة

القول بعدم تذكيره بحجة أن ذلك الطعام والشراب رزق ساقه الله إليه. حكم صوم يوم السبت في غير الفريضة يقول السائل: إن يوم عرفة يصادف هذا العام يوم السبت فما حكم صيامه حيث إنني قد سمعت حديثاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن صوم يوم السبت إلا في الفريضة فما قولكم في ذلك؟ الجواب: يوم عرفة يوم من أيام الله سبحانه وتعالى وهو يوم عظيم مبارك ومن أفضل أعمال المؤمن أن يصوم يوم عرفة وقد ثبت في فضل صيامه أحاديث كثيرة منها: عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم (قال وسئل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صوم يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية). وعن قتادة بن النعمان - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة بعده) رواه ابن ماجة. وغير ذلك من الأحاديث التي تدل على مشروعية صوم يوم عرفة وفضله، وصوم يوم عرفة مشروع مهما كان اليوم الذي وقع فيه سواء كان يوم الجمعة أو السبت أو الأحد. وأما الحديث الذي أشار إليه السائل وهو عن عبد الله بن بسر عن أخته أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه) رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي، فإن هذا الحديث محل خلاف بين المحدثين فمنهم من ضعفه ومنهم من قال بنسخه ومنهم من قال إنه كذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنهم من حسنه أو صححه ومنهم من أولَّه وجمع بينه وبين غيره من الأحاديث التي أثبتت صوم السبت في النافلة.

قال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر الحديث [فقال مالك رحمه الله هذا كذب يريد حديث عبد الله بن بسر ذكره عنه أبو داود، قال الترمذي: هو حديث حسن، وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخ وقال النسائي هو حديث مضطرب وقال جماعة من أهل العلم لا تعارض بينه وبين حديث أم سلمة فإن النهي عن صومه إنما هو إفراده وعلى ذلك ترجم أبو داود فقال باب النهي أن يخص يوم السبت بالصوم وحديث صيامه إنما هو مع يوم الأحد قالوا ونظير هذا أنه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده] زاد المعاد في هدي خير العباد 2/ 79 - 80. وقال الشيخ سليمان العلوان عن الحديث: [هذا الخبر منكر سنداً ومتناً، قال عنه الإمام مالك هذا كذب ذكره عنه أبو داود في سننه، وقال الأوزاعي: مازلت له كاتماً حتى رأيته انتشر يعني حديث ابن بسر هذا في صوم يوم السبت. وقد قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يصومنَّ أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده) متفق عليه من حديث أبي هريرة. وهو دليل على صوم يوم السبت والأحاديث في ذلك كثيرة]. وقال الشيخ محمد الحمود النجدي: [. وهذا الحديث وإن كان رجاله ثقات معروفون، إلا أنه ليس بالقائم بل هو مضطرب. وفي متنه نكارة، ومخالفة للأحاديث الصحاح في صوم يوم الجمعة ويوماً بعده، كما في الصحيحين من حديث جويرية وكذلك صوم أيام البيض، وصيام داود صيام يوم وفطر يوم كما في الصحيحين، وصوم يوم عرفة وست من شوال كما في صحيح مسلم من حديث أبي أيوب وغيرها. وقد أنكر هذا الخبر الحفاظ، قال الأوزاعي رحمه الله: لم نزل نكتمه حتى انتشر. قال الإمام أحمد: يحيى بن سعيد ينفيه أبى أن يحدثني به. وقال الأثرم: حجة أبي عبد الله - أحمد بن حنبل- في الرخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر]. ومن أهل العلم من يرى جواز إفراد السبت بالصيام وهو اختيار الزهري والأوزاعي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو رواية عن الإمام

أحمد لما ورد في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول: إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. وقال جماهير أهل العلم يكره إفراد يوم السبت بالصيام فإذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فلا كراهة وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد. قال الإمام الترمذي: [ومعنى كراهته في هذا أن يخص الرجل يوم السبت بصيام لأن اليهود تعظم يوم السبت] سنن الترمذي 3/ 120. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال أصحابنا يكره إفراد يوم السبت بالصوم لما روى عبد الله بن بسر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم). والمكروه إفراده فإن صام معه غيره لم يكره لحديث أبي هريرة وجويرية وإن وافق صوماً لإنسان لم يكره لما قدمناه] المغني 3/ 171. وقال أبو بكر الأثرم في كتابه (ناسخ الحديث ومنسوخه): [روى ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم). فجاء هذا الحديث ثم خالفته الأحاديث كلها. فمن ذلك حديث علي وأبي هريرة وجندب أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بصوم المحرم. ففي المحرم السبت، وليس فيما افترض. وقال النسائي: [الرخصة في صيام يوم السبت]. ثم روى بسنده عن جنادة الأزدي أنهم (دخلوا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية نفر وهو ثامنهم فقرب إليهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاماً يوم جمعة، فقال: كلوا، قالوا: صيام، قال: صمتم أمس؟ قالوا: لا، قال: فصائمون غداً؟ قالوا: لا، قال: فأفطروا) السنن الكبرى 2/ 145، وعزاه الحافظ ابن حجر في الإصابة 1/ 256 إلى البغوي وصححه. وقال الطحاوي بعد أن روى حديث عبد الله بن بسر السابق: فذهب

قوم إلى هذا الحديث فكرهوا صوم يوم السبت تطوعاً. وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بصومه بأساً. وكان من الحجة عليهم في ذلك: أنه قد جاء الحديث عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن صوم يوم الجمعة إلا أن يصام قبله يوم، أو بعده يوم. وقد ذكرنا ذلك بأسانيد فيما تقدم من كتابنا هذا فاليوم الذي بعده هو يوم السبت ففي هذه الآثار المروية في هذا إباحة صوم السبت تطوعاً، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء، من هذا الحديث الشاذ الذي خالفها. وقد أذن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صوم عاشوراء وحض عليه ولم يقل: إن كان يوم السبت فلا تصوموه ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أحب الصيام إلى الله عز وجل، صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) الحديث في الصحيحين عن ابن عمرو رضي الله عنهما، وقد أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضاً بصيام أيام البيض، وروى عنه في ذلك ما حدثنا ... عن أبي ذر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل أمره بصيام ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن. وعن عبد الملك بن قتادة بن ملحان القيسي عن أبيه قال: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا أن نصوم ليالي البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وقال: هي كهيأة الدهر) ورواه أبو داود والنسائي وسنده حسن وقد يدخل السبت في هذه، كما يدخل فيها غيره من سائر الأيام. ففيها أيضاً إباحة صوم يوم السبت تطوعاً أ. هـ] شرح معاني الآثار 2/ 80 - 81. وقال ابن حبان: [فصل في صوم يوم السبت: ذكرُ الزجر عن صوم يوم السبت مفرداً، ثم ذكر حديث عبد الله بن بسر السابق، ثم عقبه بقوله: ذكر العلة التي من أجلها نهي عن صيام يوم السبت مع البيان بأنه إذا قرن بيوم آخر جاز صومه، ثم ذكر حديث أم سلمة السابق صحيح ابن حبان 5/ 250. وقال ابن خزيمة: [باب النهي عن صوم يوم السبت تطوعاً إذا أفرد

بالصوم بذكر خبر مجمل غير مفسر بلفظ عام مراده خاص، وأحسب أن النهي عن صيامه، إذ اليهود تُعظمه وقد اتخذته عيداً بدل الجمعة. ثم ذكر حديث عبد الله بن بسر السابق. ثم قال: باب ذكر الدليل على أن النهي عن صوم يوم السبت تطوعاً إذا أفرد بصوم، لا إذا صام صائم يوماً قبله أو يوم بعده. وقال: في إخبار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النهي عن صوم يوم الجمعة إلا أن يصام قبله أو بعده يوماً دلالة على أنه قد أباح يوم السبت إذا صام قبله يوم الجمعة أو بعده يوماً ثم قال: باب الرخصة في يوم السبت إذا صام يوم الأحد بعده: ثم ذكر حديث كريب مولى ابن عباس: أن ابن عباس وناساً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثوني إلى أم سلمة أسألها الأيام التي كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر لها صياماً، قالت: يوم السبت والأحد، فرجعت إليهم فأخبرتهم وكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم إليها فقالوا: إنا بعثنا إليك هذا في كذا وكذا وذكر أنك قلت كذا وكذا، فقالت صدق، إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت والأحد، كان يقول: إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم] صحيح ابن خزيمة 3/ 316. وقال البيهقي (باب ما ورد من النهي عن تخصيص يوم السبت بالصوم. ثم ذكر حديث عبد الله بن بسر السابق ثم قال: [وقد مضى في حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها في الباب قبله ما دل على جواز صوم يوم السبت، وكأنه أراد بالنهي تخصيصه بالصوم على طريق التعظيم له، والله أعلم. ثم استدل بحديث أم سلمة رضي الله عنها] السنن الكبرى 4/ 302. وقال البغوي: [باب كراهية صوم يوم السبت وحده، ثم ساق حديث عبد الله بن بسر. وعقبه بقوله: ومعنى الكراهية في تخصيص يوم السبت بالصوم أنه يوم تعظمه اليهود] شرح السنة 6/ 361. وقال الإمام النووي: [يكره إفراد يوم السبت بالصوم، فإن صام قبله أو بعده معه لم يكره صرح بكراهة إفراده أصحابنا منهم الدارمي والبغوي والرافعي وغيرهم؛ لحديث عبد الله بن بسر. قال الحاكم أبو عبد الله:.

وله معارض صحيح وهو حديث جويرية السابق في صوم يوم الجمعة قال: وله معارض آخر بإسناد صحيح. ثم روى بإسناده (عن كريب مولى ابن عباس أن ابن عباس وناساً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثوه إلى أم سلمة يسألها أي الأيام كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر صياماً لها؟ قالت: يوم السبت والأحد، فرجعت إليهم فأخبرتهم، فكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم إليها فقالوا: إنا بعثنا إليك هذا في كذا وكذا فذكر أنك قلت كذا وكذا، فقالت: صدق، إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد، وكان يقول إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم) هذا آخر كلام الحاكم. وحديث أم سلمة هذا رواه النسائي أيضا والبيهقي وغيرهما. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس) رواه الترمذي وقال حديث حسن. والصواب على الجملة ما قدمناه عن أصحابنا أنه يكره إفراد السبت بالصيام إذا لم يوافق عادة له؛ لحديث الصماء. وأما الأحاديث الباقية التي ذكرناها في صيام السبت فكلها واردة في صومه مع الجمعة والأحد فلا مخالفة فيها لما قاله أصحابنا من كراهة إفراد السبت وبهذا يجمع بين الأحاديث] المجموع 6/ 439 - 440. وقال الحافظ المنذري: [بعد أن ذكر حديث ابن بسر: [وهذا النهي إنما هو عن إفراده بالصوم لما تقدم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو بعده) فجاز إذاً صومه. ثم ذكر حديث أم سلمة رضي الله عنها] الترغيب والترهيب 2/ 128. وقال المناوي في شرحه للحديث: [(لا تصوموا يوم السبت إلا في فريضة ... ) وهذا النهي للتنزيه لا للتحريم، والمعنى فيه: إفراده كما في الجمعة، بديل حديث (صيام يوم السبت لا لك ولا عليك) وهذا شأن المباح، والدليل على أن المراد إفراده بالصوم حديث عائشة (إنه كان يقوم شعبان كله) وقوله (إلا في فريضة) يحتمل أن يراد ما فرض بأصل الشرع كرمضان لا بالتزام كنذر ويحتمل العموم) فيض القدير 6/ 408.

وقال ابن القيم: [وقد أشكل هذا الحديث على الناس قديماً وحديثاً فقال أبو بكر الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن صيام يوم السبت، واحتج الأثرم بما ذكر في النصوص المتواترة على صوم يوم السبت، يعني أن يقال: يمكن حمل النصوص الدالة على صومه على ما إذا صامه مع غيره وحديث النهي على صومه وحده، وعلى هذا تتفق النصوص. وهذه طريقة جيدة، لولا أن قوله في الحديث (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفرداً أو مضافاً، لأن الاستثناء دليل التناول، وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه، إلا صورة الفرض، ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد، لقال: لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، كما قال في الجمعة فلما خص الصورة المأذون في صومها بالفرضية علم تناول النهي لما قابلها. وقد ثبت صوم يوم السبت مع غيره بما تقدم من الأحاديث وغيرها، كقوله في يوم الجمعة (إلا أن تصوموا يوماً قبله، أو يوماً بعده) فدل على أن الحديث غير محفوظ، وأنه شاذ. وقد قال أبو داود: قال مالك هذا كذب، وذكر بإسناده عن الزهري: أنه كان إذا ذكر له النهي عن صيام يوم السبت، يقول: هذا حديث حمصي، وعن الأوزاعي قال: مازلت كاتماً له حتى رأيته انتشر، يعني حديث ابن بسر هذا. وقالت طائفة، منهم أبو داود: هذا حديث منسوخ. وقالت طائفة، وهم أكثر أصحاب أحمد: محكم وأخذوا به في كراهية إفراده بالصوم، وأخذوا بسائر الأحاديث في صومه مع ما يليه. قالوا: وجواب أحمد يدل على هذا التفصيل، فإنه سئل في رواية الأثرم عنه؟ فأجاب بالحديث، وقاعدة مذهبه: أنه إذا سئل عن حكم فأجاب فيه بنص يدل على أن جوابه بالنص دليل على أنه قائل به، لأنه ذكره في معرض الجواب فهو متضمن للجواب والاستدلال معاً. قالوا: وأما ما ذكره عن يحيى بن سعيد: فإنما هو بيان لما وقع من الشبهة في الحديث.

قالوا: وإسناده صحيح، ورواته غير مجروحين ولا متهمين، وذلك يوجب العمل به، وسائر الأحاديث ليس فيها ما يعارضه، لأنها تدل على صومه مضافاً، فيحمل النهي على صومه مفرداً كما ثبت في يوم الجمعة. ونظير هذا الحكم أيضاً: كراهية إفراد رجب بالصوم وعدم كراهيته موصولاً بما قبله أو بعده ونظيره أيضاً: ما حمل الإمام أحمد عليه حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة في النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان: أنه النهي عن ابتداء الصوم فيه، وأما صومه مع ما قبله من نصفه الأول، فلا يكره. قالوا وقد جاء هذا مصرحاً به في صوم يوم السبت ففي مسند الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة: حدثنا ابن وردان عن عبيد الأعرج حدثتني جدتي يعني الصماء (أنها دخلت على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم السبت، وهو يتغدى، فقال: تعالي تغدي فقالت: إني صائمة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: كلي فإن صيام يوم السبت لا لك، ولا عليك) وهذا - وإن كان في إسناده من لا يحتج به إذا انفرد - لكن يدل عليه ما تقدم من الأحاديث وعلى هذا: فيكون معنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لا تصوموا يوم السبت) أي لا تقصدوا صومه بعينه إلا في الفرض فإن الرجل يقصد صومه بعينه، بحيث لو لم يجب عليه إلا صوم يوم السبت، كمن أسلم ولم يبق من الشهر إلا يوم السبت، فإنه يصومه وحده. وأيضاً فقصده بعينه في الفرض لا يكره، بخلاف قصده بعينه في النفل، فإنه يكره ولا تزول الكراهة إلا بضم غيره إليه، أو موافقته عادة، فالمزيل للكراهة في الفرض مجرد كونه فرضاً، لا المقارنة بينه وبين غيره وأما في النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه أو موافقته عادة، ونحو ذلك ... إلخ. ثم انتقل ابن القيم للكلام على سبب كراهية صومه منفرداً، فقال: ثم اختلف هؤلاء في تعليل الكراهة، فعللها ابن عقيل: بأنه يوم يمسك فيه اليهود، ويخصونه بالإمساك، وهو ترك العمل فيه، والصائم في مظنة ترك العمل، فيصير صومه تشبهاً بهم، وهذه العلة منتفية في الأحد. ولا يقال:

فهذه العلة موجودة إذا صامه مع غيره ومع هذا فإنه لا يكره، لأنه إذا صامه مع غيره لم يكن قاصداً تخصيصه المقتضي للتشبه، وشاهده: استحباب صوم يوم قبل عاشوراء وبعده إليه، لتنتفي صورة الموافقة. وعللته طائفة أخرى: بأنه يوم عيد لأهل الكتاب يعظمونه، فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيماً له فكره ذلك، كما كره إفراد يوم عاشوراء بالتعظيم، لما عظمه أهل الكتاب، وإفراد رجب أيضاً لما عظمه المشركون، وهذا التعليل قد تعارض بيوم الأحد، فإنه يوم عيد للنصارى، كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اليوم لنا، وغداً لليهود، وبعد غد للنصارى) ومع ذلك فلا يكره صومه. وأيضاً فإذا كان يوم عيد، فقد يقال: مخالفتهم فيه يكون بالصوم لا بالفطر، فالصوم فيه تحقيق للمخالفة. ويدل على ذلك: ما رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما من حديث كريب مولى ابن عباس قال (أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أم سلمة أسألها: أي الأيام كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثرها صياماً؟ فقالت: كان يصوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول إنهما يوما عيد للمشركين، فأنا أحب أن أخالفهم) وصححه بعض الحفاظ، فهذا نص في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم، فكيف نعلل كراهة صومه بكونه عيداً لهم؟ وفي جامع الترمذي عن عائشة قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم من الشهر السبت والأحد، والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء، والخميس) قال الترمذي: حديث حسن، وقد روى ابن مهدي هذا الحديث عن سفيان، ولم يرفعه وهذان الحديثان ليسا بحجة على من كره إفراد السبت بصوم] تهذيب سنن أبي داود 7/ 48 - 52 بتصرف. ومن فتاوى العلماء المعاصرين في هذه المسألة فتوى الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله حيث سئل ما هي الأيام التي يكره فيها الصيام؟ فأجاب: الأيام التي ينهى عن الصيام فيها يوم الجمعة حيث لا يجوز أن يصوم يوم الجمعة مفرداً يتطوع بذلك لأن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذلك وهكذا لا يفرد يوم السبت تطوعاً ولكن إذا صام الجمعة ومعها السبت أو

معها الخميس فلا بأس كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك ينهى عن صوم يوم عيد الفطر وذلك محرم، وكذلك يوم عيد النحر وأيام التشريق كلها لا تصام لأن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذلك إلا أن أيام التشريق قد جاء ما يدل على جواز صومها عن هدي التمتع والقران خاصة لمن لا يستطيع الهدي لما ثبت في البخاري عن عائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنهما قالا: (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي) أما كونها تصام تطوعاً أو لأسباب أخرى فلا يجوز كيوم العيد وهكذا يوم الثلاثين من شعبان إذا لم تثبت رؤية الهلال فإنه يوم شك لا يجوز صومه في أصح قولي العلماء سواء كان صحواً أو غيماً للأحاديث الصحيحة الدالة على النهي عن ذلك والله ولي التوفيق] فتاوى إسلامية 2/ 168. وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن هذه المسألة، فقال السائل: قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجر فليمضغها) رواه الخمسة. وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد، وكان يقول: إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم) أخرجه النسائي. أفيدونا عن معنى هذين الحديثين جزاكم الله خيراً؟ الجواب: الحديث الأول هو عن صيام يوم السبت اختلف العلماء في تصحيحه فمنهم من صححه، ومنهم من ضعفه، والذين صححوه قال بعضهم: إنه منسوخ وقال بعضهم: إن النهي عن إفراده فقط، فأما لو صامه هو ويوم الأحد فلا نهي في ذلك، وعلى هذا فلا يعارض الحديث الثاني، الذي فيه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أكثر ما يصوم هو يوم السبت والأحد. وعلى كل حال فإن أهل العلم اختلفوا في صوم يوم السبت، فمنهم من قال: إنه ليس بمكروه وأطلق، ومنهم من فصَّل فقال: إن أفرد فهو مكروه، وإن جمع مع يوم الأحد الذي بعده، أو يوم الجمعة الذي قبله فلا

كراهة في ذلك وهذا هو الأقرب، والله أعلم] فتاوى منار الإسلام 2/ 365 - 366. وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله: [يجوز صيام يوم عرفة مستقلاً سواء وافق يوم السبت أو غيره من أيام الأسبوع لأنه لا فرق بينها لأن صوم يوم عرفة سنة مستقلة وحديث النهي عن يوم السبت ضعيف لاضطرابه ومخالفته للأحاديث الصحيحة] فتاوى اللجنة الدائمة 10/ 396. ومن الأدلة الدالة على جواز صيام يوم السبت ما جاء في الصحيحين: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) واليقين حاصل بهذا الحديث أنه يوافق يوم السبت، وجاء في صحيح الإمام مسلم عن أبي أيوب أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من صام رمضان واتبعه بستٍ من شوال فكأنما صام الدهر. والغالب في هذه الستّ أن يوافق أحدها يوم السبت. وقد استحب أهل العلم صيام ست من شوال متتابعة، وأيضاً لم يقل النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وأتبعه ستاً من شوال إلا يوم السبت)، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ومن الأدلة ما رواه الشيخان أيضاً عن جويرية أنّها صامت يوم الجمعة فدخل عليها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي صائمة فقال: أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً (يعني السبت)، قالت: لا، قال إذاً أفطري". فهذا الحديث صريح بجواز صيام السبت بغير الفرض, ومنها: عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت، ويوم الأحد، وكان يقول: (إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم). رواه النسائي وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم. والحديث يدل على جواز صيام يوم السبت بل يدل الخبر على استحباب ذلك مخالفة لليهود فإنهم يعظمون يوم السبت والأحد ويجعلونهما عيداً لهم ومعلوم عندنا أن العيد لا يشرع صيامه فشرع لنا مخالفتهم وصيام

الصوم في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة

هذين اليومين فدل هذا الخبر على نكارة حديث الصماء. وأم سلمة رضي الله عنها أدرى بأحوال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الصماء. فخبر الباب منكر من حيث الإسناد وباطل من حيث المتن، وأكثر الحفاظ على إنكاره كالأوزاعي ويحيى بن سعيد بل قال مالك هذا كذب وأنكره الإمام أحمد وغير هؤلاء من الحفاظ الذين أنكروا هذا الخبر وأعلوه سنداً ومتناً. فكيف بعد هذا يصحح الحديث وقد اجتهد العلامة الألباني رحمه الله فصحح الحديث وجاء بعض تلامذته فتعصب له وألف رسالة في تصحيحه ولا شك بأن اتباع كلام الأئمة المتقدمين في تضعيفه بالاضطراب والنكارة والشذوذ أولى. والله أعلم بالصواب. أ. هـ كلام الشيخ محمد الحمود النجدي عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أنه يجوز إفراد يوم السبت بصيام إذا كان له سبب كيوم عرفة وعاشوراء وصيام البيض ولا يكره صيام السبت إذا صام يوماً قبله أو بعده ويكره إفراد يوم السبت بصيام إذا قصد المسلم تعظيمه لأنه من أعياد اليهود. وأقول للقراء الكرام صوموا يوم عرفة لأنه يوم عرفة بغض النظر أنه وافق يوم السبت. الصوم في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة يقول السائل: سمعت حديثاً في فضائل صوم العشر الأوائل من شهر ذي الحجة ونصه (من صام العشر فله بكل يوم صوم شهر، وله بصوم يوم التروية سنة، وله بصوم يوم عرفة سنتان) فهل هذا الحديث ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفيدونا؟ الجواب: فضل العشر الأوائل من ذي الحجة ثابت بكتاب الله سبحانه

وتعالى وبسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقد قال الله تعالى: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} سورة الفجر الآيتان 1 - 2. وأكثر أهل التفسير على أن المراد بهذه العشر هو عشر ذي الحجة، انظر تفسير القرطبي 20/ 39. وورد في السنة النبوية عدة أحاديث في فضيلة هذه العشر منها: ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟ قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء) وفي رواية للطبراني في الكبير بإسناد جيد كما قال المنذري: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير). وفي رواية للبيهقي في شعب الإيمان قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى) قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه ذكره المنذري في الترغيب 2/ 150. وروى الحديث الدارمي أيضاً وإسناده حسن كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 3/ 398. ولا شك أن الصيام داخل في هذه الأعمال الصالحة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 462. وفي رواية أخرى عن هنيدة بن خالد الخزاعي عن حفصة رضي الله عنها قالت: (أربع لم يكن يدعهن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتين قبل الغداة) رواه النسائي وأحمد. وثبت في الصحيحين أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً) وهذا الحديث بعمومه يدل على فضيلة صوم التسع الأوائل من ذي الحجة. إذا تقرر هذا فأعود للحديث محل السؤال فإنه حديث موضوع أي

مكذوب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد حكم عليه بالوضع كل من ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 198، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة 2/ 107 - 108، وابن عراق في تنزيه الشريعة 2/ 156، والشوكاني في الفوائد المجموعة حيث قال: [رواه ابن عدي عن عائشة مرفوعاً ولا يصح وفي إسناده الكلبي وأخرجه أبو الشيخ في الثواب ورواه ابن النجار في تاريخه من حديث جابر]. وذكر الشيخ عبد الرحمن اليماني محقق الفوائد المجموعة أن في إسناد رواية ابن النجار كذاباً وضاعاً، انظر الفوائد المجموعة ص 96. وما صح من الأحاديث في فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة يغني عن هذا الحديث المكذوب.

الحج والعمرة

الحج والعمرة

حكم الحج عن السجين المحكوم بالمؤبد

حكم الحج عن السجين المحكوم بالمؤبد يقول السائل: ما حكم الحج عن السجين المحكوم عدة مؤبدات أفيدونا؟ الجواب: اتفق جماهير أهل العلم على جواز دخول النيابة في الحج في الحالتين التاليتين: الحالة الأولى: الميت فيجوز الحج عن الميت فقد ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟! اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) رواه البخاري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رجل: يا رسول الله! إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق) رواه النسائي 5/ 118. قال الإمام أبو إسحق الشيرازي: [ولأنه حق تدخله النيابة لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كديْن الآدمي، ويجب قضاؤه عنه من الميقات لأن الحج يجب من الميقات ويجب من رأس المال؛ لأنه ديْن واجب، فكان من رأس المال كديْن الآدمي] المهذب مع شرحه المجموع 7/ 109.

الحالة الثانية: المريض مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه والمعضوب وهو الذي لا يثبت على الراحلة أو من لا يستطيع السفر لاعتلال صحته وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على ذلك: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الفضل بن عباس رديف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم وذلك في حجة الوداع) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: (قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم). وعن أبي رزين العقيلي - رضي الله عنه - أنه قال: (يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال: حج عن أبيك واعتمر) رواه النسائي، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي 2/ 556، والظعن أي الارتحال والسفر. وعن عبد الله بن الزبير قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الركوب وأدركته فريضة الله في الحج فهل يجزىء أن أحج عنه قال: آنت أكبر ولده؟ قال: نعم، قال: أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟ قال: نعم، قال: فحج عنه) رواه النسائي وأحمد والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صالح. التلخيص الحبير 2/ 225. وقد أخذ جمهور أهل العلم بمقتضى هذه الأحاديث فأجازوا الحج عن الميت وأجازوا الحج عن المريض مرضاً لا يُرجى برؤه ولا يستطيع تحمل مشاق السفر وكذلك الكبير الذي لا يحتمل مشاق السفر فيجوز الحج عن هؤلاء بشرط أن يكون النائب وهو من يحج عن غيره قد حج عن نفسه وهذا قول الشافعية والحنابلة والأوزاعي وإسحاق بن راهويه كما قال الشيخ ابن قدامة المقدسي في المغني 3/ 235.

لا يشترط في النائب بالحج أن يخرج للحج من بلد المحجوج عنه

ويدل على هذا الاشتراط ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: هل حججت قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 4/ 171. إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز الحج عن سوى ما ذكر فلا يجوز الحج عن السجين حتى ولو كان محكوماً عدة مؤبدات كما ذكر السائل ولا يصح إلحاق السجين بالميت أو المعضوب والسجين غير مستطيع للحج فلا يجب عليه الحج والله سبحانه وتعالى لا يكلفنا إلا بما نستطيع لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} سورة آل عمران الآية 97. وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} سورة البقرة الآية 286. وكذلك فإن السجين يرجى إطلاق سراحه مهما طالت مدة سجنه ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يفك أسر المأسورين وأن يردهم إلى أهلهم سالمين ومهما طال الليل فلا بد أن يعقبه الفجر. لا يشترط في النائب بالحج أن يخرج للحج من بلد المحجوج عنه يقول السائل: سمعت أن بعض العلماء قد اشترطوا في النائب في الحج والعمرة أن يخرج من بلد المحجوج عنه ووالدتي امرأة كبيرة في السن ومريضة ولي زميل مقيم في السعودية وأريد أن أوكله في الحج عنها فما حكم ذلك؟ الجواب: ما ذكره السائل ورد في كتب الفقهاء واشترطوا في النائب بالحج والعمرة أن يخرج من بلد المحجوج عنه فقد قال بذلك الحنفية

مات شخص قبل أن يحج الفريضة وهو مستطيع

والمالكية والحنابلة وعند الشافعية يحرم النائب من ميقات بلد المحجوج عنه وقد اتفقوا على أنه يشترط ذلك إن اتسعت نفقة المحجوج عنه وأما إن ضاقت نفقة المحجوج عنه فيحج عنه من حيث أمكن انظر كتاب قضاء العبادات والنيابة فيها ص 361. وقد راجعت كتبهم ولكني لم أقف على دليل معتمد لذلك والراجح أنه يجوز إحرام النائب من أي ميقات ولا يشترط أن يخرج النائب من بلد المحجوج عنه وخاصة أن الظروف التي يمر بها الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة صعبة جداً كما أن الحج قد أصبح حسب القرعة قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} سورة البقرة الآية 286. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم، وقد أفتت بجواز ذلك اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية كما ورد في فتاوى اللجنة الدائمة 11/ 80 - 84. وقال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في ترجيح هذا القول: [فالقول الراجح أنه لا يلزمه أن يقيم من يحج عنه من مكانه وله أن يقيم من يحج عنه من مكة ولا حرج عليه في ذلك] الشرح الممتع 7/ 40. وخلاصة الأمر أنه يجوز إنابة من يحج عن الميت وكذا المعضوب من غير بلدهما ومن غير ميقاتهما وهذا فيه تيسير على الناس. مات شخص قبل أن يحج الفريضة وهو مستطيع يقول السائل: ما حكم من تمكن من الحج فلم يحج حتى مات؟ الجواب: قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} سورة آل عمران الآية 97. وهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة على وجوب الحج على المستطيع. وفي قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} إشارة إلى أن الأصل في المسلم أنه لا يترك الحج مع القدرة عليه لأنه سبحانه وتعالى جعل مقابل الفرض الكفر

فترك الحج ليس من شأن المسلم بل هو من شأن الكافر. انظر الموسوعة الفقهية 17/ 23. وقال القرطبي: [وروى قتادة عن الحسن قال: قال عمر - رضي الله عنه -: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى الأمصار فينظرون إلى من كان له مال ولم يحج فيضربون عليه الجزية فذلك قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} قلت -القرطبي- هذا خرج مخرج التلغيط. وقال سعيد بن جبير: لو مات جار لي وله ميسرة ولم يحج لم أصل عليه] تفسير القرطبي 4/ 153 - 154. وينبغي على المسلم إن كان مستطيعاً للحج أن يبادر إليه لأن الحج واجب على الفور على قول جمهور أهل العلم. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن من وجب عليه الحج وأمكنه فعله وجب عليه على الفور ولم يجز له تأخيره وبهذا قال أبو حنيفة ومالك] المغني 3/ 212. وقد ورد في الحديث عن ابن عباس عن الفضل رضي الله عنهم أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وقال الشيخ الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن ابن ماجة 2/ 147. وروي في الحديث عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قال رسول اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (منْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيّاً وَاللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} رواه الترمذي وقال: [هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ، وَالْحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الْحديث] وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب 1/ 377. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فليمت أي الميتتين شاء: إما يهودياً وإما نصرانياً) رواه ابن عدي في الكامل وذكره ابن الجوزي في الموضوعات. وقال الحافظ ابن حجر: رواه ابن عدي من حديث عبد الرحمن القُطامي عن أبي المهزوم وهما متروكان، التلخيص الحبير 2/ 223، وقال الحافظ ابن حجر: ومحمله على من استحل الترك] المصدر السابق. وعن عبد الرحمن بن غُنم أنه سمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -

يقول: من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه يهودياً مات أو نصرانياً، ذكره ابن كثير وقال: هذا إسناد صحيح إلى عمر. تفسير ابن كثير 2/ 97. وعن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جِدة فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين) رواه سعيد بن منصور في سننه. إذا تقرر هذا فإن من استطاع الحج ولم يحج حتى مات فإنه يموت عاصياً على الراجح من أقوال أهل العلم لأنه قصر في فريضة من فرائض الإسلام ويجب الحج من ماله إن ترك مالاً ويخرج من ماله ما يحج به عنه قبل توزيع التركة على الورثة لأن دين الله أحق بالقضاء قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج، وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط. وبهذا قال الحسن وطاوس والشافعي] المغني 3/ 233. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أتى رجل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له إن أختي قد نذرت أن تحج وإنها ماتت فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ قال نعم قال فاقض الله فهو أحق بالقضاء) رواه البخاري. وفي حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق) رواه البخاري أيضاً. وقد اعتبر العلامة ابن حجر المكي ترك الحج مع القدرة عليه إلى الموت من كبائر الذنوب فقال: [الكبيرة الثامنة والأربعون بعد المائة: ترك الحج مع القدرة عليه إلى الموت. والحاصل أن الحديث ضعيف - أي حديث علي المتقدم- كما قاله النووي في شرح المهذب، نعم صح ذلك عن عمر - رضي الله عنه - ومن ثم قال: [لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج فليضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين]،

ومثل ذلك الحديث لا يقال من قبل الرأي فيكون في حكم المرفوع ومن ثم أفتيت بأنه حديث صحيح، وقد رواه البيهقي أيضا عن عبد الله بن سابط عن أبي أمامة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً). وأخرج البزار: (الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام أي كلمته سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والصوم سهم، وحج البيت سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له). وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يقول الله عز وجل: إن عبداً صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يغدو عليَّ لمحروم) رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وقال: قال علي بن المنذر: أخبرني بعض أصحابنا: كان حسن بن حي يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ ويحب للرجل الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين. وقال ابن عباس رضي الله عنهما كما مرَّ عنه: ما من أحد لم يحج ولم يؤد زكاة ماله إلا سأل الرجعة عند الموت، فقيل له: إنما يسأل الرجعة الكفار، وقال: وإن ذلك في كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} أي أؤدي الزكاة: {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي أحج. وجاء عن سعيد بن جبير، قال: مات لي جار موسر لم يحج فلم أصل عليه. تنبيه: عَدُّ ما ذُكر كبيرة هو ما صرحوا به ودليله هذا الوعيد الشديد] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 456 - 457. وخلاصة الأمر أنه ينبغي التعجيل في أداء الحج للمستطيع فإن أخر الحج لغير عذر حتى مات فهو عاصٍ ويجب الحج عنه إن ترك مالاً.

لا يجوز ذبح الهدي في بلد الحاج

لا يجوز ذبح الهدي في بلد الحاج يقول السائل: سألت أحد المشايخ قبل سفري إلى الحج عن توكيل أهلي في ذبح الهدي ببلدي وتوزيعه على الفقراء فأجاببني بجواز ذلك فما قولكم أفيدونا؟ الجواب: الهدي هو ما يهدى للحرم من الأنعام (الإبل والبقر والغنم) قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا

رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} سورة البقرة 196. وقال الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} سورة المائدة الآية 95. وقد اتفق أهل العلم على أن محل ذبح الهدي هو الحرم ويشمل ذلك منى ومكة المكرمة، قال القرطبي: [أما الهدي فلا خلاف أنه لا بد له من مكة لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}] تفسير القرطبي 6/ 316. ويجوز الذبح في أي موضع شاء من الحرم، وفي أي موضع من منى لما ورد في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (منى كلها منحر، وكل فجاج مكة طريق ومنحر) رواه أبو داود وابن ماجة وقال الألباني: حسن صحيح انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 365. ومما يدل على ذلك أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما ذبح هديه بمكة ولم يذبحه في المدينة ولا في غيرها كما ورد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (تمتع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأهلَّ بالعمرة ثم أهلَّ بالحج وتمتع الناس مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وطاف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خبَّ ثلاثة أطواف من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أهدى وساق الهدي من الناس) رواه مسلم. وغير ذلك من الأحاديث، وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهدى مئة ناقة، كما روى البخاري بإسناده عن ابن أبي ليلى أن علياً - رضي الله عنه - حدثه قال: (أهدى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة بدنة فأمرني بلحومها فقسمتها ثم أمرني بجلالها فقسمتها ثم بجلودها فقسمتها). وبهذا يظهر لنا أن محل ذبح الهدي هو مكة ومنى فقط فكل من ذبح خارج حدود الحرم فلا يجزئه وكذا من وكَّل بذبح الهدي في بلده فلا يجزئه ذلك ويجب عليه أن يذبح في الحرم. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية برئاسة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله [محل الهدي الحرم المكي، فيجب ذبح جميع الهدي التمتع والقران في داخل الحرم، ولا يجوز الذبح في بلد الحاج غير مكة، إلا إذا عطب الهدي المهدى إلى مكة قبل وصوله إليها، فإنه يذبحه في مكانه، ويجزئ عنه، وكذلك في المحصر عن دخول الحرم، ينحر هديه حيث أحصر] فتاوى اللجنة الدائمة 11/ 380 - 381. وخلاصة الأمر أن الواجب على الحاج الذي يلزمه الهدي أن يذبحه في الحرم ومنى من الحرم ومن ذبح هديه خارج الحرم كأن يذبحه في بلده فلا يصح ذلك ويلزمه أن يرسل بدلاً منه إلى الحرم ليذبح هناك وأخيراً فإن على من يفتي الناس أن يتق الله في فتواه ولا يفتي بغير علم فإن ذلك ضلال وإضلال.

المشروع عند استقبال الحجاج

المشروع عند استقبال الحجاج يقول السائل: ما قولكم فيما يفعله بعض الناس عند استقبال الحجاج عند رجوعهم من الديار المقدسة من ذبح شاة ليمر الحاج من فوقها ومن كتابة اللوحات التي تتضمن عبارات مثل: حج مبرور وسعي مشكور وتجارة لن تبور ... إلخ وكذا إنارة المصابيح الكهربائية ونحو ذلك؟ الجواب: إن الإخلاص في العبادة هو أساس قبولها ومن الإخلاص في العبادة البعد عن الرياء وأخشى أن ما يفعل عند استقبال الحجاج من مظاهر يدخل في ذلك فلا ينبغي كتابة اللوحات وتعليقها على باب دار الحاج وكذلك إطلاق الألعاب النارية وإنارة المصابيح الكهربائية الكثيرة يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا} سورة البقرة الآية 264. ويقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من يُسمِّع يُسمِّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث: [قال الخطابي: معناه من عمل عملاً على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه، وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثاً عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة, ومعنى يرائي يطلعهم على أنه فعل ذلك لهم لا لوجهه, ومنه قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة هود الآيتان 15 - 16. وقيل: المراد من قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد, وكان ذلك جزاءه على عمله; ولا يثاب عليه في الآخرة] فتح الباري11/ 409. وأما ذبح شاة ليمر الحاج عنها فلا يجوز لأن الأصل في الذبح أن

التطوع بإنفاق المال في وجوه الخير أولى من تكرار العمرة

يكون لله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سورة الأنعام الآية 162. وإذا رجع الحاج إلى بلده فيستحب أن يقول مثلما كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول فقد ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) رواه البخاري. ولا بأس باستقبال الحجاج استقبالاً عادياً بدون مبالغات وتهنئتهم بالحج وبسلامة العودة إلى الديار وإذا قال للحاج: (تقبل الله حجك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك) فلا بأس به وقد ورد في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج) رواه البيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ذكره النووي في كتابه الأذكار في باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله، ص 195. ولو أن أقارب الحاج صنعوا طعاماً للحاج ومهنئيه فلا بأس بذلك. التطوع بإنفاق المال في وجوه الخير أولى من تكرار العمرة يقول السائل: إنه ينوي أداء العمرة في رمضان ولكن قال له بعض الناس إن الأفضل أن يتصدق بتكاليف العمرة للفقراء والمحتاجين حيث إن أحوالهم صعبة بسبب حالة الإغلاق المفروضة في بلادنا وخاصة أنه قد اعتمر في رمضان في سنوات سابقة فما قولكم في ذلك؟ الجواب: وردت عدة أحاديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في فضيلة العمرة في أي وقت من السنة وكذا في فضلها في شهر رمضان منها: قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) رواه البخاري ومسلم. وهذا الحديث

في فضل العمرة بشكل عام. وأما فضلها في شهر رمضان فقد روى الإمام البخاري بسنده عن عطاء قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يخبرنا يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه -لزوجها وابنها- وترك ناضحاً ننضح عليه قال: فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان حجة). وفي رواية أخرى عند البخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما رجع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج قالت أبو فلان تعني زوجها كان له ناضحان حج على أحدهما والآخر يسقي أرضاً لنا قال: فإن عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي). وفي رواية عند مسلم قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة). وعن ابن عباس قال: (أراد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحج، فقالت امرأة لزوجها: أحجني مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جملك، فقال: ما عندي ما أحجك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله وإنها سألتني الحج معك، قالت: أحجني مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: ما عندي ما أحجك عليه، فقالت: أحجني على جملك فلان، فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله، فقال: أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله، قال: وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أقرئها السلام ورحمة الله وبركاته وأخبرها أنها تعدل حجة معي -يعني عمرة في رمضان-) رواه أبو داود وغيره وقال الألباني حسن صحيح، انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 374. وقال الإمام الترمذي: [وقال أحمد وإسحق قد ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن عمرة في رمضان تعدل حجة قال إسحق معنى هذا الحديث مثل ما روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أنه قال: من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقد قرأ ثلث القرآن] سنن الترمذي 3/ 276 - 277. وقال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فإن عمرة فيه) أي في رمضان (تعدل حجة) , وفي الرواية الأخرى: (تقضي حجة) أي تقوم مقامها في الثواب, لا أنها تعدلها في كل شيء,

فإنه لو كان عليه حجة فاعتمر في رمضان لا تجزئه عن الحجة]. شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 385. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قال ابن خزيمة: في هذا الحديث أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها, لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر. فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض, للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض. ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن. وقال ابن العربي: حديث العمرة هذا صحيح, وهو فضل من الله ونعمة, فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها. وقال ابن الجوزي: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد] فتح الباري 3/ 762 - 763. إذا تقرر هذا فإن أبواب الخير كثيرة جداً وطرق الحصول على الحسنات أكثر من أن تعد أو تحصى وأنصح من اعتمر مراراً وتكراراً أن يصرف نفقات العمرة للفقراء والمساكين في بلادنا حيث إن معدلات الفقر قد ارتفعت في بلادنا بشكل ملحوظ وخاصة في ظل ظروف الاحتلال وإغلاق طرق الكسب أمام كثير من الناس بسبب الحواجز وغيرها وكذلك فقد كثرت أعداد الأرامل والأيتام والمعوقين والأسرى وكل هؤلاء بحاجة ماسة للمساعدة فالإنفاق في هذه المجالات أولى من تكرار العمرة في الظروف الحاضرة وينبغي التذكير بأن الصدقة على الفقراء والمساكين ومن في حكمهم أجرها عظيم ولا يقل عن أجر عمرة التطوع إن لم يزد عليها يقول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآية 261. وورد في الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل

لا فضيلة خاصة للعمرة في شهر رجب

ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود بالخير من الريح المرسلة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه؛ من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته؛ ومن فرج عن مسلم كربةً فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون.) رواه مسلم. وخلاصة الأمر أن التطوع بإنفاق المال في وجوه الخير الكثيرة أولى من عمرة التطوع في الظروف الحالية التي تمر بها بلادنا. لا فضيلة خاصة للعمرة في شهر رجب يقول السائل: يفضل بعض الناس أن يعتمروا في شهر رجب لما في ذلك من الفضيلة فما صحة ذلك أفيدونا؟ الجواب: شهر رجب من الأشهر الحرم المذكورة في قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} سورة التوبة الآية 36. والأشهر الحرم المقصودة في الآية هي: ذو

القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب الذي هو بين جمادى الآخرة وشعبان وقد حدد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجباً بهذا لأن بعض العرب كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً فقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) رواه البخاري ومسلم. والأشهر الحرم لها فضل عظيم فضَّلها الله سبحانه وتعالى على سائر الأشهر ولله سبحانه وتعالى حكمة عظيمة في ذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: [خص الله من شهور العام أربعة أشهر فجعلهن حرماً وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم]. ورغم ما لهذه الأشهر من فضل عظيم فلا يجوز تخصيص شهر منها بعبادة مخصوصة إلا بدليل شرعي لأن الأصل في ذلك هو التلقي عن سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال الشيخ أبو شامة المقدسي: [ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضله الشرع وخصه بنوعٍ من العبادة فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر كعشر ذي الحجة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر. فالحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص بل ذلك إلى الشارع وهذه كانت صفة عبادة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] الباعث على إنكار البدع والحوادث ص77. إذا تقرر هذا فإنه لم يصح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه اعتمر في رجب أو حض على العمرة في رجب كما حض على العمرة في رمضان وهذا هو القول الصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم وتؤيده الأدلة الصحيحة:

فعن قتادة أنَّ أنساً - رضي الله عنه - أخبره قال: (اعتمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته عمرة من الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته) رواه البخاري ومسلم. ويؤيده ما ورد عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لم يعتمر رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في ذي القعدة) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري3/ 758. وأما ما ورد عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -اعتمر في رجب كما روى ذلك البخاري ومسلم عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة رضي الله عنها وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة، ثم قال له: كم اعتمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: أربعاً إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قال: يقول إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب، قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط) رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (يرحم الله أبا عبد الرحمن) هو عبد الله بن عمر ذكرته بكنيته تعظيماً له ودعت له إشارة إلى أنه نسي, وقوله: (وما اعتمر) أي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عمرة إلا وهو) أي ابن عمر (شاهده) أي حاضر معه, وقالت ذلك مبالغة في نسبته إلى النسيان, ولم تنكر عائشة على ابن عمر إلاّ قوله إحداهن في رجب] فتح الباري 3/ 759. وفي رواية مسلم (قال أخبرني عروة بن الزبير قال: كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن، قال: فقلت يا أبا عبد الرحمن اعتمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رجب؟ قال: نعم، فقلت لعائشة: أي أمتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: وما يقول؟ قلت:

يقول اعتمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رجب، فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه، قال: وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم، سكت). قال الإمام النووي: [وأما قول ابن عمر: (إن إحداهن في رجب) فقد أنكرته عائشة وسكت ابن عمر حين أنكرته. قال العلماء: هذا يدل على أنه اشتبه عليه أو نسي أو شك, ولهذا سكت عن الإنكار على عائشة ومراجعتها بالكلام, فهذا الذي ذكرته هو الصواب الذي يتعين المصير إليه] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 381. وقال الإمام القرطبي المحدث: [وأما قول ابن عمر: أنه اعتمر في رجب، فقد غلَّطته في ذلك عائشة ولم ينكر عليها ولم ينتصر، فظهر أنه كان على وهم وأنه رجع عن ذلك] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 3/ 367 - 368. وقال الشيخ علي بن إبراهيم العطار: [اعلم أن العلماء أجمعوا على أن رمضان أفضل الشهور وذا الحجة والمحرم أفضل من رجب بل لو قيل ذو القعدة أفضل من رجب لكان سائغاً لأنه من الأشهر الحرم ولا شيء يتصور في رجب من الفضائل سوى ما قيل من الإسراء ولم يثبت ذلك وما روي في فضل صيام رجب وشعبان أو تضعيف الجزاء على صيامهما فكله موضوع أو ضعيف لا أصل له، وكذا ما أخرج العساكري والكتاني في الصيام والتضعيف، موضوع لا يحتج به أصلاً، وكان عبد الله الأنصاري لا يصوم رجباً وينهى عنه ويقول لم يصح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك شيء، وما روي من كثرة صيام شعبان فلأنه ربما كان يصوم ثلاثة من كل شهر ويشتغل عنها في بعض الشهور فيتداركه في شعبان أو لغير ذلك ومما يفعل في هذه الأزمان إخراج الزكاة في رجب دون غيره لا أصل له، وكذا كثرة اعتمار أهل مكة في رجب لا أصل له في علمي وإنما الحديث (عمرة في رمضان تعدل حجة) ومما أحدث العوام صيام أول خميس من رجب ولعله يكون آخر يوم من الجمادى وكله بدعة، ومما أحدثوا في رجب وشعبان إقبالهم

على الطاعة أكثر وإعراضهم في غيرها حتى كأنهم لم يخاطبوا إلا فيهما]. وينبغي أن يعلم أن العمرة مشروعة في رجب كما تشرع في غيره من الشهور ولكن دون أن يقصد المعتمر تخصيص رجب بالعمرة فإذا اعتمر المسلم في شهر رجب لأنه تيسرت له العمرة في ذلك الوقت فلا بأس بذلك إن شاء الله وله الأجر والثواب. وخلاصة الأمر أنه لا فضيلة خاصة للعمرة في شهر رجب ولم يصح أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتمر في شهر رجب ومع ذلك إذا اعتمر المسلم في شهر رجب من غير تخصيص فلا حرج عليه وله الأجر والثواب.

الأيمان

الأَيمان

الاستثناء في اليمين

الاستثناء في اليمين يقول السائل: ما صحة أن الإنسان إذا حلف يميناً وقال إن شاء الله ثم حنث بيمنه فلا كفارة عليه أفيدونا؟ الجواب: هذه المسألة تسمى مسألة الاستثناء في اليمين عند الفقهاء والمقصود بالاستثناء في اليمين أن يذكر الحالف لفظ إن شاء الله بعد الحلف أو قبله لا فرق في ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية [الاشتراط بالمشيئة: هو استثناءٌ في كلام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة والفقهاء وليس استثناءً في العرف النحوي] انظر القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام الحنبلي ص 326. والاستثناء يؤثر في اليمين والنذر والظهار ونحوها في قول أكثر أهل العلم. والاستثناء مشروع في اليمين ويدل على مشروعيته، ما ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث). رواه أحمد والترمذي وفي رواية أخرى (من حلف فقال إن شاء الله فقد استثنى). وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حلف فاستثنى فإن شاء مضى وإن شاء ترك غير حنث) رواه النسائي. وفي رواية عند أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما يبلغ به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى).

وفي رواية أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه). والحديث برواياته المختلفة حديث صحيح كما بينه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 8/ 196 فما بعدها، وفي صحيح سنن أبي داود 2/ 629. وعن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (والله لأغزون قريشاً ثم قال: إن شاء الله ثم قال: والله لأغزون قريشاً ثم قال: إن شاء الله ثم قال: والله لأغزون قريشاً ثم سكت ثم قال: إن شاء الله ثم لم يغزهم). رواه أبو داود وهو حديث صحيح كما بينه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 633. وغير ذلك من الأحاديث. وقول إن شاء الله بعد الحلف أو قبله له تأثير في اليمين فهو يحصن الحالف من الإثم ويعفيه من الكفارة ودل على ذلك قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث أبي هريرة السابق (لم يحنث) وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عمر رضي الله عنهما (فلا حنث عليه). قال الشوكاني: [قوله: (لم يحنث) فيه دليل على أن التقييد بمشيئة الله مانع من انعقاد اليمين أو يحل انعقادها وقد ذهب إلى ذلك الجمهور وادعى عليه ابن العربي الإجماع قال أجمع المسلمون على أن قوله إن شاء الله يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلاً] نيل الأوطار8/ 248. وقد ذكر الفقهاء عدة شروط حتى يكون الاستثناء مؤثراً في اليمين أولها: أن يجري لفظ إن شاء الله على اللسان ولا تكفي نية الاستثناء لأن الأصل في باب الأيمان والنذور أنها تبنى على اللفظ ولا تكفي النية بالقلب ويدل على ذلك قوله تعالى: ( ... فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا) سورة مريم الآية 26. ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في الحديث السابق: (من حلف فقال إن شاء الله) والقول يكون باللسان لا بالقلب. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويشترط أن يستثني بلسانه ولا ينفعه الاستثناء بالقلب في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وابن

المنذر ولا نعلم لهم مخالفاً لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حلف فقال: إن شاء الله) والقول هو النطق ولأن اليمين لا تنعقد بالنية فكذلك الاستثناء] المغني 9/ 523. وثانيها: أن لا يكون هنالك فاصلٌ زمني بين اليمين وقول إن شاء الله بمعنى أن يكون بينهما اتصال وقتي وهذا على الصحيح من أقوال العلماء خلافاً لابن عباس رضي الله عنهما حيث أجاز الاستثناء المنفصل قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فإنه يشترط أن يكون الاستثناء متصلاً باليمين , بحيث لا يفصل بينهما كلام أجنبي ولا يسكت بينهما سكوتاً يمكنه الكلام فيه فأما السكوت لانقطاع نفسه أو صوته , أو عيٍ أو عارضٍ من عطسة أو شيء غيرها فلا يمنع صحة الاستثناء وثبوت حكمه , وبهذا قال مالك والشافعي والثوري وأبو عبيد وإسحاق وأصحاب الرأي لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حلف فاستثنى) وهذا يقتضي كونه عقيبه] المغني 9/ 522 ومن المعلوم أن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب في لغة العرب. وثالثها: أن يقصد الحالف قول إن شاء الله وأما إذا كانت هذه العبارة تجري على لسان الحالف بدون قصد فلا أثر لها حينئذ. ورابعها: أن الاستثناء لا يصح في الأيمان المتعلقة بحقوق العباد لأن ذلك يؤدي إلى ضياع حقوق العباد فلا يصح لمن حلف يميناً في حق من حقوق العباد أن يستثني وبالتالي يعفي نفسه من الصدق في يمينه لأن اليمين المتعلقة بحقوق العباد يجب أن تكون حسب نية طالب اليمين من خصمٍ أو قاضٍ ونحوهما. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [الحال الثاني أن يكون الحالف ظالماً كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده , فهذا ينصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المستحلف ولا ينفع الحالف تأويله وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً فإن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) رواه مسلم وأبو داود وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اليمين على نية المستحلف) رواه مسلم , وقالت عائشة

يحرم الكذب في اليمين لتحصيل أمر دنيوي

رضي الله عنها: (اليمين على ما وقع للمحلوف له) ولأنه لو ساغ التأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود , خوفاً من عاقبة اليمين الكاذبة فمتى ساغ التأويل له انتفى ذلك , وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق ولا نعلم في هذا خلافاً] المغني 9/ 522. وخلاصة الأمر أن الحالف إذا استخدم الاستثناء في يمينه بالشروط التي ذكرتها فإن ذلك يعفيه من الكفارة ولا إثم عليه إن شاء الله تعالى. يحرم الكذب في اليمين لتحصيل أمر دنيوي يقول السائل: ما الحكم الشرعي فيمن يحلف يميناً أنه معيل لوالديه وهناك أحد من إخوته أو أخواته يساعد في الإنفاق عليهما أو على أحدهما؟ وما الحكم فيمن حلف على التصريح المشفوع بالقسم المرفق وما يترتب على ذلك؟ وما الحكم الشرعي فيمن يرسل أحد الأشخاص للمحكمة ويرسل معه الإقرار المرفق ويصادق القاضي على ذلك؟ ونص الإقرار هو: ..... تصريح مشفوع بالقسم أنا الموقع أدناه/ .. من سكان ... هوية رقم أصرح بعد القسم بما يلي: أن الاسم المبين أعلاه هو اسمي الحقيقي والتوقيع أدناه توقيعي. إنني المعيل والمنفق الوحيد. لا يوجد أحد غيري يقوم بالإنفاق عليها لم يتقدم أحد غيري بتقديم طلب مماثل. لذا أقدم هذا القسم القانوني للجهات المعنية. تحريراً في

حضر أمامي المصرح المذكور أعلاه وأقسم على ما ورد. والمحكمة غير مسؤولة عما ورد بالقسم. الجواب: ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اليمين على نية المستحلف) رواه مسلم وفي رواية أخرى عند مسلم قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يمينك على ما يصادقك عليه صاحبك). قال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يمينك على ما يصادقك عليه صاحبك) وفي رواية: (اليمين على نية المستحلف) المستحلف بكسر اللام وهذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي, فإذا ادعى رجل على رجل حقاً فحلَّفه القاضي فحلف وورَّى فنوى غير ما نوى القاضي, انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ولا تنفعه التورية, وهذا مجمع عليه, ودليله هذا الحديث والإجماع] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 280. وبناءً على ما تقدم فإن لم يكن الحالف هو المعيل فعلاً لوالديه فهذه اليمين التي حلفها يمين محرمة بل كبيرة من الكبائر والعياذ بالله فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس) رواه الإمام البخاري في صحيحة. قال الحافظ ابن حجر: [اليمين الغموس ... قيل سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار] فتح الباري 14/ 363. وفي رواية أخرى للحديث السابق قال: (جاء أعرابي إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله. قال: ثم ماذا؟ قال: عقوق الوالدين؟ قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس) قلت- أي أحد رواة الحديث لعامر الشعبي-: [ما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم بيمينٍ صبرٍ هو فيها كاذب] وهو حديث صحيح رواه ابن حبان في صحيحه 12/ 373. وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حلف يمين صبرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو غضبان) فأنزل الله تصديق ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا

قَلِيلًا ... } إلى آخر الآية. فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا. قال: فيَّ أنزلت، كان لي بئر في أرض ابن عم لي فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (بينتك أو يمينه فقلت: إذا يحلف عليها يا رسول الله فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حلف على يمين صبر هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو غضبان) صحيح البخاري مع الفتح 14/ 367. وينبغي التحذير من أن كثيراً من الناس يتساهلون في أمر الأيمان فيقدمون على الحلف متعمدين للكذب وهم لا يعرفون عواقب تلك الأيمان الكاذبة أو يعرفونها ومع ذلك يتلاعبون في الأيمان ويظنون الأمر هيناً وهو عند الله عظيم. يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة آل عمران الآية 77. ففي هذه الآية عقوبات لمن يحلف كاذباً متعمداً ليأكل حقوق الناس وهي: لا حظ له في الآخرة ولا نصيب له من رحمة الله. لا يكلمه الله سبحانه وتعالى كلام أنس ولا لطف. يعرض الله عنه يوم القيامة فلا ينظر إليه بعين الرحمة. لا يطهره من الأوزار والذنوب. يعذبه عذاباً أليماً على ما ارتكب من المعاصي. وقد ورد في أحاديث أخرى عقوبات غير ذلك منها ما ورد في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حلف على يمين وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح. وفي حديث آخر قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يقتطع رجل حق امرئ مسلم بيمينه إلا حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقال رجل من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً قال عليه الصلاة والسلام: وإن كان سواكاً من أراك)

رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس شيء أُطيعَ الله فيه، أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع) رواه البيهقي 10/ 350، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 706، وبلاقع، جمع بلقع وبلقعة، وهي الأرض القفر التي لا شجر فيها، ذكره الزبيدي ونقل عن بعض العلماء، أن معنى الحديث (أي يفتقر الحالف ويذهب ما في بيته من المال، أو يفرق الله شمله ويغيّر ما أولاه من نعمة) تاج العروس 11/ 30. وفي رواية أخرى: (إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم، وإن أهل البيت ليكونون فجاراً، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا وصلوا أرحامهم، وإن أعجل المعصية، عقوبة البغي والخيانة، واليمين الغموس يذهب المال ويثقل في الرحم، ويذر الديار بلاقع) رواه الطبراني في الأوسط وقال الشيخ الألباني: إنه صحيح بمجموع طرقه وشواهده. وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اليمين الفاجرة تذهب المال) رواه البزار بسند صحيح، كما قاله ابن حجر الهيتمي، الزواجر 2/ 404. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً أن يكذب الحالف من أجل أن يحقق غرضاً مادياً أو غيره من الأغراض فإن الكذب من المحرمات التي تهدي إلى الفجور، وبالتالي إلى النار، كما ورد في الحديث الصحيح أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) وإذا ترتب على الكذب أمر آخر فيكون أكثر حرمة، حيث أضيف إلى حرمة الكذب حرمة التزوير والتدليس، ولا يجوز أن يجتمع في المسلم واحدة من هذه الخصال. فيحرم على الشخص أن يحلف اليمين المذكور في النص أو يرسله موقعاً إلى المحكمة إلا إذا كان صادقاً.

المعاملات

المعاملات

الأصل في المعاملات الإباحة

الأصل في المعاملات الإباحة يقول السائل: هل قاعدة الأصل في المعاملات الإباحة قاعدة صحيحة، أرجو توضيح ذلك؟ الجواب: نعم، لقد قرر العلماء أن الأصل في باب المعاملات الإباحة والمراد بكلمة الأصل أي القاعدة المطردة المستمرة التي لا تتخلف إلا نادراً والمعاملات جمع معاملة وتكون بين المتعاقدين كالبائع والمشتري في باب البيوع والمستأجر والمؤجر في الإجارة والشركاء في باب الشركة ونحو ذلك والمراد بالإباحة الجواز أي أن هذه العقود التي تجري بين المتعاقدين القاعدة المستمرة فيها أنها مباحة وجائزة ولا يصح القول بتحريم معاملة ما إلا بدليل صحيح ناقل من الجواز إلى التحريم أو الكراهة وأما إذا لم يرد في الشريعة دليل صحيح على منع المعاملة فهي باقية على الأصل وهو الجواز وبناءً على ذلك لا يجوز منع أي معاملة إلا بنص صريح من الشارع الحكيم أو قياس صحيح عليه وهذا هو القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والآثار الواردة عن سلف الأمة فمما يدل على ذلك قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} سورة البقرة الآية 29. وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} سورة لقمان الآية 20. وقد ورد في الحديث

عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً وتلا قوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) سورة مريم الآية 64) رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال العلامة الألباني حديث حسن، انظر غاية المرام ص14. ومما يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275. فهذه الآية تدل على حل كل أنواع البيع ولا يستثنى من ذلك إلا ما أخرجه الدليل من هذا العموم. قال الإمام الشافعي: [وذكر الله البيع في غير موقع من كتابه بما يدل على إباحته فاحتمل إحلال الله عز وجل البيع معنيين أحدهما أن يكون أحل كل بيع تبايعه المتبايعان جائزي الأمر فيما تبايعاه عن تراض منهما وهذا أظهر معانيه] الأم 3/ 3. ثم قال الإمام الشافعي: [فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا إلا ما نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محرم إذ أنه داخل في المعنى المنهي عنه وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى] الأم 3/ 3. وبين الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية أن قول الله تعالى: [{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} أن هذا من عموم القرآن الكريم والألف واللام في قوله البيع للجنس لا للعهد فهي تدل على العموم ويخص هذا العموم بما قام الدليل على تخصيصه فالآية تدل على إباحة البيوع في الجملة والتفصيل ما لم يخص بدليل] انظر تفسير القرطبي 3/ 356 - 357. ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. فالآية الكريمة أوجبت الوفاء بالعقود من غير تعيين قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه إذ الدين ما شرعه الله والحرام ما حرمه الله بخلاف الذين ذمهم الله حيث حرموا من دين الله ما لم يحرمه الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً وشرعوا لهم من

الدين ما لم يأذن به الله، اللهم وفقنا لأن نجعل الحلال ما حللته والحرام ما حرمته والدين ما شرعته] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28/ 386. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، وإلا دخلنا في معنى قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} سورة الشورى الآية 21. والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا} سورة يونس الآية 59. ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه في سورة الأنعام من قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لشركائنا فَمَا كَانَ لشركائهم فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شركائهم سَاء مَا يَحْكُمُونَ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} سورة الأنعام الآيتان 136 - 138، فذكر ما ابتدعوه من العبادات، ومن التحريمات. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حُنَفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزِل به سلطاناً) وهذه قاعدة عظيمة نافعة. وإذا كان كذلك، فنقول: البيع والهبة والإجارة وغيرها هي من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم؛ كالأكل والشرب واللباس؛ فإن الشريعة قد جاءت في هذه العادات بالآداب الحسنة، فحرمت منها ما فيه فساد، وأوجبت ما لابد منه، وكرَّهت ما لا ينبغي، واستحبت ما فيه مصلحة راجحة في أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاتها. وإذا كان كذلك، فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف شاءوا، ما لم تحرم الشريعة. كما يأكلون ويشربون كيف

شاءوا ما لم تحرم الشريعة. وإن كان بعض ذلك قد يستحب، أو يكون مكروهاً، وما لم تحد الشريعة في ذلك حداً، فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/ 17 - 18. وقال العلامة ابن القيم: [والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم، والفرق بينهما أن الله سبحانه لا يعبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله، فإن العبادة حقه على عباده، وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها، ولهذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين. وهو تحريم ما لم يحرمه، والتقرب إليه بما لم يشرعه، وهو سبحانه لو سكت عن إباحة ذلك وتحريمه لكان ذلك عفواً لا يجوز الحكم بتحريمه وإبطاله فإن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه، وما سكت عنه فهو عفو، فكل شرط وعقد ومعاملة سكت عنها فإنه لا يجوز القول بتحريمها فإنه سكت عنها رحمة منه من غير نسيان وإهمال، فكيف وقد صرحت النصوص بأنها على الإباحة فيما عدا ما حرمه؟ وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود والعهود كلها، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة الآية1. وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} سورة الإسراء الآية 34. وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} سورة المعارج الآية 32. وقال تعالى: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} سورة البقرة الآية 177. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف الآيات 2 - 3. وقال: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} سورة آل عمران الآية 76، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} الأنفال الآية 58. وهذا كثير في القرآن]. ثم ذكر ابن القيم عدداً من الأحاديث التي تدل على صحة ما قاله. إعلام الموقعين عن رب العالمين 3/ 107 - 112. وقال الشيخ السعيدان مستدلاً على صحة القاعدة السابقة [ ... قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء الآية 29، قال المفسرون: ووجه الشاهد منه: أن الله جل وعلا حرم علينا تعاطي الأسباب المحرمة في المكاسب

وأباح لنا المتاجر المشروعة التي تكون عن تراضٍ بين البائع والمشتري فكأنه قال: افعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال، وأطلق هذه التجارات ولم يقيدها بتجارة دون تجارة، وقد تقرر في الأصول (أن المطلق يجب إبقاؤه على إطلاقه حتى يرد المقيِّد) فهذا الدليل فيه جواز جميع أنواع التجارات، فمن حرم تجارةً وأخرجها عن هذا الإطلاق فعليه الدليل، فقولنا في القاعدة: (الأصل في المعاملات الحل والإباحة) هو قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمًْ} سورة النساء الآية 29، وقولنا (إلا بدليل) هو قوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} سورة النساء الآية29، فهذا الدليل نص في المطلوب أيضاً والله أعلم. ومن الأدلة أيضاً: أن الصحابة على عهده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يزالون يتبايعون بسائر أنواع المعاملات من غير سؤال عن حلالها وحرامها، مما يدل على أن الأصل المتقرر عندهم هو الحل والإباحة، وأقرهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك، ولم يثبت عنه أنه أنكر عليهم ذلك إلا أنواعاً من المعاملات ثبت تحريمها لما فيها من الغرر أو الربا أو المخادعة، لكن لم يقل لهم: لا تتعاملوا إلا بمعاملة ثبت حلها. مما يدل على أن الأصل الحل والإباحة، ولا أقول: الصحابة فقط! بل الناس جميعاً من زمانهم إلى زماننا هذا يتعاملون في أسواقهم بشتى أنواع المعاملات من غير نكير مما يدل على إجماعهم على أن الأصل في هذه المعاملات الحل والإباحة. ومن الأدلة أيضاً: أن المستقرئ لأدلة الشريعة في سائر أبواب كتاب البيع يجد أن الأدلة حرصت على بيان العقود المحرمة فقط، فغالب الأدلة الموجودة إنما هي في بيان ذلك، وهذا يدلنا على أن الأصل هو الحل والإباحة وإنما المراد بيان ما هو محرم فقط، كذلك باب العبادات فالأدلة فيه غالباً تبين ما يجوز منها فقط، أما ما لا يجوز فهو نزر قليل مما يدل على أن الأصل فيه المنع، فالشريعة تحرص على بيان المحرم منه، وباب المعاملات غالب الأدلة فيه إنما هي في بيان المعاملات المحرمة فدل ذلك على أن الأصل فيه الجواز والحل، والله أعلم]. قواعد البيوع وفرائد الفروع, وغير ذلك من الأدلة التي لا يتسع المقام لتفصيلها.

حكم التعامل ببطاقات الائتمان

وخلاصة الأمر أن الأصل في باب المعاملات الإباحة إلا ما أخرجه الدليل عن ذلك. حكم التعامل ببطاقات الائتمان يقول السائل: إنه تاجر يتعامل ببطاقات الائتمان التي يحملها الزبائن في بيع السلع وأحياناً يقوم بصرف عملات للزبائن فيدفع لهم شواكل مثلاً على أن يدخل في حسابه دولارات بواسطة بطاقة الائتمان فما حكم هذه المعاملة؟ الجواب: إننا نعيش في ظل ظروف عامة فرضت على كثير من الناس أن يتعاملوا مع البنوك الربوية وكثير من المعاملات التجارية صارت متوقفة على التعامل مع البنوك الربوية ومع ذلك فإني أنصح بعدم التعامل مع البنوك الربوية إلا في أضيق نطاق نظراً لخطورة الربا فهو من المحرمات القطعية في كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن ذلك التعامل بهذه البطاقات فينبغي أن يكون استعمالها في أضيق نطاق لأن البطاقات التي تصدرها البنوك الربوية تتضمن في الغالب شروطاً ربوية مثل فرض زيادة ربوية (فائدة) في حال تأخر حامل البطاقة عن التسديد أو كشف حسابه في البنك المصدر للبطاقة، وكذلك فإن البنوك الربوية تفرض نسبةً مقطوعة محددة على كلّ عمليّة سحب نقدي يجريها حامل البطاقة وهذا هو الربا المحرم قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وصح في الحديث عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قَال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكِلَ الرِّبَا وَمُؤكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم. ومن المعلوم أن موضوع السؤال من المسائل الجديدة التي لم يعرفها

الفقه الإسلامي قديماً وقد وفدت هذه المسألة من ضمن ما وفد على المسلمين من مستلزمات الرأسمالية التي تقوم على نظام الربا (الفائدة) وقد درست هذه القضية من مجامع فقهية وحلقات علمية ودراسات فردية ولكن بداية وقبل تفصيل الجواب على السؤال أذكر أن شيخنا الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان حفظه الله ورعاه يرى أن تسمية البطاقات التي تصدرها البنوك من أمثال: فيزا وماستر كارد وأميريكان إكسبريس ببطاقات الائتمان تسمية غير صحيحة وليست معبرة عن حقيقة هذه البطاقات فقد ذكر في كتابه البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد أنه يجب تصحيح مصطلح بطاقات الائتمان وأن المصطلح الصحيح هو: بطاقات الإقراض والسحب المباشر من الرصيد ليكون أبلغ في الكشف عن حقيقتها وأقسامها المتداولة، يدركه المثقف والعامي، التاجر والمستهلك، من يحملها، ومن تقدم له، مصطلح ترسخ معناه في أذهان الجميع، يعرفون آثاره ومسؤولياته، الحلال منه والحرام، معلومة أحكامه من الدين بالضرورة، مسلم المبادئ والأحكام، وليس من سبب يدعو لهجره والعدول عنه] البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد ص31. وقد عرف مجمع الفقه الإسلامي هذه البطاقة بأنها (مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري بناءً على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف. ولبطاقات الائتمان صور: - منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف وليس من حساب المصدر فتكون بذلك مغطاة. ومنها ما يكون الدفع من حساب المصدر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية. - ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلال فترة محددة من تاريخ المطالبة. ومنها ما لا يفرض فوائد. - وأكثرها يفرض رسماً سنوياً على حاملها ومنها ما لا يفرض فيه

المصدر رسماً سنوياً، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع الجزء الأول ص717. وقد صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي وضح فيه القواعد الأساسية للتعامل مع هذه البطاقات ونصه: ... بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (بطاقات الائتمان غير المغطاة) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم 63/ 1/7 الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنه: مستند يعطيه مصدره (البنك المصدر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات، ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد قرر ما يلي: أولاً: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازماً على السداد ضمن فترة السماح المجاني. ثانياً: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدين. ويتفرع على ذلك: أ. جواز أخذ مصدرها من العميل رسوماً مقطوعة عند الإصدار أو التجديد، بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة منه. ب. جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد. ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراضاً من مصدرها، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة

على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعاً كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/ 2) و13 (1/ 3). رابعاً: لا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة] انتهى قرار المجمع الفقهي. إذا تقرر هذا فأعود لقضية استعمال هذه البطاقات في عملية صرف العملات فأقول: اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من الجانبين في مجلس العقد قبل افتراقهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد]. فلذلك يشترط في عملية بيع عملة بأخرى أن يتم تبادل العملتين في المجلس ولا يجوز تأجيل قبض إحداهما وإن حصل التأجيل فالعقد باطل ويدل على ذلك حديث الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل يداً بيد والفضة بالفضة مثلاً بمثل يداً بيد) رواه مسلم. وبما أن العملات الورقية تقوم مقام الذهب والفضة كما قاله كثير من علماء العصر وهو القول الصحيح فإنه يشترط في بيع هذه العملات بغيرها من العملات التقابض في مجلس العقد ولا يجوز التأجيل وبناء على ما تقدم فإذا كان التاجر يمكنه أخذ الدولارات بمجرد رجوعه إلى البنك المصدر للبطاقة فيجوز استعمال البطاقات المذكورة في صرف العملات لأن القيد في الحساب مباشرة يقوم مقام القبض الفعلي وأما إذا لم يمكنه ذلك فيحرم حينئذ استعمالها. وخلاصة الأمر أني أنصح بعدم التعامل مع البنوك الربوية بشكل عام وإذا احتاج الشخص للتعامل معها فيكون ذلك في أضيق نطاق وإذا احتاج للتعامل بالبطاقات فلا بد من الانتباه لأمر هام وهو أن يكون حساب الشخص غير مكشوف لدى البنك.

المضاربة الصحيحة

المضاربة الصحيحة يقول السائل: إنه اتفق مع أحد التجار ليدخله شريكاً في تجارته لمدة ثلاث سنوات على أن يدفع للتاجر مبلغ عشرة آلاف دينار وشرط عليه أن يعطيه مائة دينار شهرياً وأن يرد له العشرة آلاف دينار عند انتهاء المدة المتفق عليها فما حكم هذه المعاملة؟ الجواب: المعاملة المذكورة في السؤال باطلة شرعاً من وجهين: الأول منهما أنها في حقيقتها قرض ربوي فالتاجر المذكور اقترض من السائل عشرة آلاف دينار على أن يدفع له ربا (فائدة) على المبلغ وهي مئة دينار شهرياً لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا، قال العلامة ابن القيم: [قواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعي في العقود حقائقها ومعانيها لا صورها وألفاظها] زاد المعاد 5/ 200. وقال في موضع آخر: [والتحقيق أنه لا فرق بين لفظ ولفظ فالاعتبار في العقود بحقائقها ومقاصدها لا بمجرد ألفاظها] زاد المعاد 5/ 813. فكون المتعاقدين قد سميا العقد بينهما شركة فهذا لا يغير من حقيقة كونه ربا شيئاً بناء على القاعدة السابقة. والشركة المقصودة هي شركة المضاربة وعقد المضاربة المعروف عند الفقهاء هو شركة تقوم على العمل من العامل والمال من صاحب المال ويجب أن يكون الربح بينهما بنسبة شائعة كالربع أو الثلث مثلاً أو نسبة مئوية مثل 25% أو حسبما يتفقان عليه والخسارة تكون على صاحب المال والعامل يخسر جهده وعمله وتبطل المضاربة إذا اشترط لأحدهما مبلغاً مقطوعاً. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول الخرقي: [ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم] قال ابن قدامة: [وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة , أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءاً وعشرة دراهم بطلت الشركة. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي

والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ... وإنما لم يصح ذلك لمعنيين: أحدهما أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها , فيحصل على جميع الربح واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال جزءاً وقد يربح كثيرا ً فيستضر من شرطت له الدراهم والثاني أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء لما تعذر كونها معلومة بالقدر , فإذا جهلت الأجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوماً به ولأن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة , ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح] المغني 5/ 28. ومن المعلوم أن الربا من كبائر الذنوب وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} سورة البقرة الآيتان 275 - 276. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وورد في الحديث: (لعن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. والوجه الثاني لبطلان المعاملة المذكورة في السؤال هو أن التاجر قد ضمن رأس المال وهذا الشرط لا يجوز شرعاً لأن يد المضارب يد أمانة وليست يد ضمان ولا يضمن المضارب إلا إذا فرَّط أو قصَّر أو أخلَّ بما شرط عليه صاحب المال والمضاربة مشاركة بالمال من جهة وبالعمل من جهة أخرى فإذا حصلت خسارة فهي على رب المال ويخسر العامل جهده وتعبه فشرط ضمان التاجر لرأس المال ينافي مقتضى العقد فلا يجوز، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نُهي عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي

ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ... ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب .. ] المغني 5/ 39. وقال الإمام الماوردي: [ ... فأما تعدي العامل في مال القراض من غير الوجه الذي ذكرنا فعلى ضربين: أحدهما: أن يكون تعديه فيه لم يؤمر به مثل إذنه بالتجارة في الأقوات فيتجر في الحيوان، فهذا تعدٍ يضمن به المال، ويبطل معه القراض، فيكون على ما مضى في مقارضة غيره بالمال. والضرب الثاني: أن يكون تعديه لتغريره بالمال، مثل أن يسافر به ولم يؤمر بالسفر أو يركب به بحراً ولم يؤمر بركوب البحر، فإن كان قد فعل ذلك مع بقاء عين المال بيده ضمنه، وبطل القراض بتعديه، لأنه صار مع تعديه في عين المال غاصباً] الحاوي الكبير 7/ 340 - 341. وقال ابن رشد المالكي عند حديثه عن الشروط الفاسدة في القراض (المضاربة) [ومنها إذا شرط رب المال الضمان على العامل، فقال مالك: لا يجوز القراض وهو فاسد، وبه قال الشافعي ... وعمدة مالك أن اشتراط الضمان زيادة غرر في القراض ففسد ... ] بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/ 199. وأخيراً أنبه على أنه يجوز توقيت المضاربة بمدة معينة على الراجح من أقوال العلماء وهو قول الحنفية والحنابلة قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويصح تأقيت المضاربة مثل أن يقول: ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا انقضت فلا تبع ولا تشتر قال مهنا: سألت أحمد عن رجل أعطى رجلاً ألفاً مضاربة شهراً قال: إذا مضى شهر يكون قرضاً قال: لا بأس به ... ] المغني 5/ 50، وانظر الاختيار لتعليل المختار 3/ 21.

فتوى المفتي لا تحل المال الحرام ولاغيره

وخلاصة الأمر أنه لا يجوز اشتراط مبلغ مقطوع في المضاربة لأنها تتحول حينئذ إلى ربا محرم وكذلك لا يجوز أن يضمن العامل رأس المال في المضاربة إلا إذا فرَّط أو قصَّر أو تعدى. فتوى المفتي لا تحل المال الحرام ولاغيره يسألني بعض الناس أسئلة تتعلق بمشكلات مالية أو خصومات مع غيرهم وأجيبهم بناء على أسئلتهم وبعد ذلك يأتيني الطرف الثاني في المشكلة ويشرح لي المشكلة على خلاف ما قال السائل حيث إن السائل قد أخفى بعض المعلومات الهامة في السؤال لذا أحببت أن أوضح بعض الأمور المتعلقة بالفتوى والمفتي والمستفتي والمرتبطة بما سبق. الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن العلماء قد فرقوا بين الفتوى وحكم القاضي أو حكم الحاكم أو حكم المحكم. فالفتوى أن يخبر المفتي بحكم الله سبحانه وتعالى لمعرفته بدليله كما ذكر الشيخ ابن حمدان الحنبلي في صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص4. بينما حكم القاضي أو الحاكم أو المحكم هو إنشاء لا إخبار فالقاضي ينشئ الالتزام للشخص المعين بما يعلم أن شرع الله يأمر به. انظر مباحث في أحكام الفتوى ص33. وقد فصل الإمام شهاب الدين القرافي المالكي المتوفى 684هـ الفرق بين الفتوى والقضاء في كتابيه المهمين وهما الفروق والإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام. قال القرافي: [مثال الحاكم والمفتي مع الله تعالى - ولله المثل الأعلى- مثال قاضي القضاة يولّي شخصين، أحدهما نائبه في الحكم، والآخر ترجمان بينه وبين الأعاجم. فالترجمان يجب عليه اتباع تلك الحروف والكلمات الصادرة عن الحاكم، ويخبر بمقتضاها من غير زيادة ولا نقص. فهذا هو المفتي يجب عليه اتباع الأدلة بعد استقرائها، ويخبر الخلائق بما

ظهر له منها من غير زيادة ولا نقص إن كان المفتي مجتهداً، وإن كان مقلداً كما في زماننا فهو نائب عن المجتهد في نقل ما يخص إمامه لمن يستفتيه، فهو كلسان إمامه والمترجم عن جنانه. ونائب الحاكم في الحكم ينشئ من إلزام الناس وإبطال الإلزام عنهم ما لم يقرره مستنيبه الذي هو القاضي الأصلي، بل فوّض ذلك لنائبه، فهو متبع لمستنيبه من وجه، وغير متبع له من وجه. متبع له في أنه فوّض له ذلك وقد امتثل، وغير متبع له في أن الذي صدر منه من الإلزام لم يتقدم مثله في هذه الواقعة من مستنيبه بل هو أصل فيه. فهذا مثال الحاكم مع الله تعالى، هو ممتثل لأمر الله تعالى في كونه فوض إليه ذلك، فيفعله بشروطه. وهو منشئ لأن الذي حكم به تعيّن، وتعيُّنه لم يكن مقرراً في الشريعة، وليس إنشاؤه لأجل الأدلة التي تعتمد في الفتاوى، لأن الأدلة يجب فيها اتباع الراجح. وهاهنا له أن يحكم بأحد القولين المستويين على غير ترجيح ولا معرفة بأدلة القولين إجماعاً، بل الحاكم يتبع الحِجاج. والمفتي يتبع الأدلة. والمفتي لا يعتمد على الحجاج بل على الأدلة. والأدلة: الكتاب والسنة ونحوهما. والحِجاج: البيِّنة والإقرار ونحوهما. فهذا مثال الحاكم والمفتي مع الله تعالى، وليس له أن ينشئ حكماً بالهوى واتباع الشهوات بل لا بد من أن يكون ذلك القول الذي حكم به قال به إمام معتبر لدليل معتبر كما أن نائب الحاكم ليس له أن يحكم بالتشهي عن مستنيبه.] الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص43 - 45. ومن الأمور المهمة التي يجب أن تكون معلومة للمستفتي أن القاضي والحاكم والمحكم مطلوب من كل منهم أن يستمع إلى الخصوم وإلى حججهم وأدلتهم ولا يجوز له أن يقضي قبل أن يسمع من الخصوم وهذا بخلاف المفتي فليس مطلوباً منه ذلك فالمفتي يجيب المستفتي حسب سؤاله فإذا أخفى المستفتي بعض المعلومات عن المفتي فإنما الإثم على المستفتي لا على المفتي. إذا تقرر هذا فيجب أن يعلم أنه يحرم على المستفتي أن يتحايل على المفتي بصياغة السؤال بطريقة تؤدي إلى تضليل المفتي وخداعه ليحصل على الجواب الذي يريده، فالمفتي كالقاضي تماماً يفتي حسب الظاهر والفتوى لا

تحل حراماً ولا تحرم حلالاً. وقد قرر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القول الفصل في هذا الباب وهو أن الحكم يكون حسب الظاهر في حديث صحيح مشهور عند أهل العلم رواه أصحاب الكتاب التسعة وأسوق رواية تامة للحديث بزياداته لتوضيح المقام نظراً لأهميته وخطورته، فعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خصومة بباب حجرته، فخرج فإذا رجلان من الأنصار جاءا يختصمان إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مواريث بينهما قد درست ليس عندهما بينه إلا دعواهما في أرض قد تقادم شأنها، وهلك من يعرف أمرها، فقال لهما رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولم ينزل عليّ فيه شيء، وإني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن - أبلغ بحجَّته - من بعض، فأحسب أنه صادق فأقضي له، فإني إنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً ظلماً بقوله فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار، يطوّق بها من سبع أرضين يأتي بها سِطاماً في عنقه يوم القيامة، فليأخذها أو ليدعها. فبكى الرجلان جميعاً لما سمعا ذلك وقال كل واحد منهما: يا رسول الله حقي هذا الذي اطلب لأخي، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أما إذ قلتما هذا فاذهبا واقتسما، ثم توخيّا الحق فاجتهدا في قسم الأرض شطرين، ثم استهما، ثم ليُحَلل كل واحد منكما صاحبه] السطام هي الحديدة التي تحرك بها النار وتسعر، انظر الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص100 - 101. وقد ظهر جلياً من هذا الحديث أن حكم الحاكم لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً وكذلك فتوى المفتي، قال الإمام البخاري في صحيحه باب من قُضي له بحق أخيه فلا يأخذه فإن قضاء الحاكم لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً ثم ذكر إحدى روايات حديث أم سلمة رضي الله عنها السابق. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 13/ 214. وأخيراً فإن المستفتي إذا حصل على فتوى توافق هواه وكان مخادعاً في سؤاله ومحتالاً للحصول على الجواب المناسب لحاله فعليه أن يعرض تلك الفتوى على قلبه ليرى هل قلبه مطمئن لها أم لا؟ فقد ورد في الحديث عن وابصة بن معبد - رضي الله عنه - قال أتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: جئت تسأل عن

فوائد صندوق التوفير هي الربا المحرم

البر؟ قلت: نعم، قال: استفت قلبك البر ما اطمئنت إليه النفس واطمئن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك) رواه أحمد والدارمي والطبراني وهو حديث حسن كما قال الإمام النووي والشيخ الألباني. قال العلامة ابن القيم: [لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله، وتردد فيها، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (استفت نفسك، وإن أفتاك الناس وأفتوك)، فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولاً، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار) والمفتي والقاضي في هذا سواء، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهل المفتي أو محاباته في فتواه، أو عدم تقييده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها، فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي سأل ثانياً وثالثاً حتى تحصل له الطمأنينة، فإن لم يجد، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة] إعلام الموقعين عن رب العالمين 6/ 192 - 193. وخلاصة الأمر أن المستفتي مطالب شرعاً بأن يصدق في كل المعلومات التي يذكرها في سؤاله للمفتي ويحرم عليه أن يتحايل أو يخادع حتى يحصل على الجواب الذي يوافق هواه. فوائد صندوق التوفير هي الربا المحرم يقول السائل: إنه يعمل في شركة ويوجد فيها صندوق توفير للموظفين حيث إن الشركة تقتطع نسبة من راتب الموظف وتدفع ضعفها ويوضع المال

في صندوق التوفير وقد قامت الشركة بوضع المال في بنك ربوي وأخذت عليه فوائد كما وقامت الشركة بإقراض الموظفين من صندوق التوفير بالفائدة فما حكم الأرباح التي تحققت حيث إن الشركة ستوزعها على الموظفين أفيدونا؟ الجواب: إن ما سماه السائل أرباحاً إنما هو في الحقيقة الربا المحرم بالنصوص القطعية من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا شك أن الفوائد البنكية هي الربا المحرم والواجب على الموظف في الشركة المذكورة أن يتخلص من هذا المال الحرام فكل مال حرام لا يجوز للمسلم أن ينتفع به انتفاعاَ شخصياً فلا يجوز أن يصرفه على نفسه ولا على زوجته ولا على أولاده ولا على من يعولهم ولا يجوز أن يدفع منه ضريبة ولا نحوها لأنه مال حرام بل هو من السحت ومصرف هذا المال الحرام وأمثاله هو إنفاقه على الفقراء والمحتاجين ومصارف الخير كدور الأيتام والمؤسسات الاجتماعية ونحوها. ولا يجوز ترك هذه الأموال للبنوك بل تؤخذ وتنفق في جهات الخير والبر. ويجب على الموظف في الشركة المذكورة أن يعرف مقدار المبلغ الذي حسم من راتبه ومقدار المبلغ الذي أضافته الشركة وهذا يكون حلالاً له وأما الربا فيصرفه كما ذكرت آنفاً. ولا يقولن قائلٌ إن الموظف ليس مسئولاً عما قامت به الشركة من تشغيل أموال صندوق التوفير بالربا أو أن الإثم يقع على المسؤول عن الصندوق أو نحو ذلك من الاعتذارات التي تردها قواعد الشريعة الإسلامية فإنه ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يكون طرفاً في أي عملية ربوية بطريق مباشر أو غير مباشر لأن الربا محرم بنصوص صريحة في كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ

اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. ويقول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اجتنبوا السبع الموبقات - المهلكات - قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه مسلم. وجاء في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - قال: (لعن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم قال الإمام النووي: [قوله: لعن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين والشهادة عليهما. وفيه: تحريم الإعانة على الباطل. والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 207. وعن ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه. وفي رواية النسائي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم القيامة) وهو حديث صحيح وغير ذلك من النصوص. وإنني لأستغرب مما يفتي به بعض المنتسبين للعلم الشرعي من إباحة الربا تحت أسماء مختلفة مثل بدل خدمات أو أن هدف المقرض ليس الربا أو أن المشتري فيما يسمى بالتقسيط الميسر اشترى السلعة من التاجر ودفع الثمن المتفق عليه بدون زيادة وإن كان هنالك عقد ربوي بين التاجر والبنك الربوي وأن لا علاقة للمشتري بذلك العقد وإن دفع عن طريق البنك الربوي

ونحو ذلك من الترهات فكل ما سبق هو من الربا الحرام وهنا يجب التذكير بالقواعد الآتية: 1. يحرم التعاون على الإثم والعدوان بنص كتاب الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة الآية 2. 2. إذا استقر الدين في الذمة فلا تجوز الزيادة عليه لأن ذلك عين الربا. 3. كل زيادة مشروطة على القرض ربا بغض النظر عن اسمها فتغيير الأسماء لا يغير من حقائق المسميات شيئاً فقد صار شائعاً عند كثير من المتعاملين بالربا التلاعب بالألفاظ والعبارات محاولةً منهم لتغيير الحقائق والمسميات بتغيير أسمائها فقط فالربا يسمى فائدة ويسمى رسم خدمات وقد أخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مثل هذا التلاعب من تغيير الناس لأسماء المحرمات كما جاء في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في غاية المرام ص24، وفي السلسلة الصحيحة 1/ 136. وجاء في رواية أخرى: (إن ناساً من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه الحاكم والبيهقي وله شواهد تقويه، وقد صدق الصادق المصدوق فإن الخمور تسمى في زماننا بالمشروبات الروحية. وروي في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (يأتي على الناس زمان يستحلون الربا باسم البيع) ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/ 352. وضعفه الشيخ الألباني في غاية المرام ص 25. ثم قال: [ ... معنى الحديث واقع كما هو مشاهد اليوم]. ويجب أن يعلم أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا.

يجوز للشريك أن يتقاضى راتبا شهريا

وخلاصة الأمر أن فوائد صندوق التوفير هي من الربا المحرم ويجب على الموظف أن يتخلص منها بإنفاقها على الفقراء أو في المصالح العامة ولا يجوز صرفها في المساجد ولا يجوز للموظف أو من يعولهم الانتفاع بها. يجوز للشريك أن يتقاضى راتباً شهرياً يقول السائل: شاركت شخصين في عمل تجاري ولكل واحد منا ثلث رأس المال وأحدنا سيقوم بإدارة الشركة والعمل فيها منفرداً فهل يجوز أن يعطى راتباً شهرياً مقابل عمله مع العلم أننا فد اتفقنا على أن الربح سيوزع أثلاثاً، فما حكم ذلك؟ الجواب: يجوز شرعاً أن يتقاضى أحد الشركاء راتباً مقطوعاً أو نسبةً من الربح مقابل عمله للشركة بالإضافة إلى حصته من الربح مقابل رأس ماله في الشركة فلا مانع شرعاً أن يكون الشخص شريكاً وفي ذات الوقت يكون أجيراً للشركة. فمن المعلوم أنه يجوز للشركاء أن يستأجروا عاملاً ليعمل لهم في الشركة فمن باب أولى أن يستأجروا أحدهم ليعمل للشركة حيث إنه سيكون أحرص على أموال الشركة من العامل الأجنبي عنها ولكن يجب أن يعلم أن عمل أحد الشركاء للشركة يجب أن يكون بعقد أو اتفاق منفصل عن عقد الشراكة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عند حديثه عن أقسام الشركة: [القسم الرابع: أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما، فهذا يجمع شركة ومضاربة وهو صحيح، فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف درهم لأحدهما ألف وللآخر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيها على أن يكون الربح بينهما نصفين صح، ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحق ماله والباقي وهو ثلثا الربح بينهما لصاحب الألفين ثلاثة أرباعه، وللعامل ربعه، وذلك لأنه جعل له نصف الربح فجعلناه ستة أسهم منها ثلاثة للعامل حصة ماله وسهم يستحقه بعمله في مال شريكه وحصة مال شريكه أربعة أسهم للعامل سهم وهو الربع] المغني 5/ 20.

وقال ابن حزم الظاهري: [. فإن عمل أحدهما أكثر من الآخر، أو عمل وحده تطوعاً بغير شرط فذلك جائز، فإن أبى من أن يتطوع بذلك فليس له إلا أجر مثله في مثل ذلك العمل ربح أو خسر، لأنه ليس عليه أن يعمل لغيره] المحلّى 6/ 415. وقال البهوتي الحنبلي: [وعلى كل من الشركاء تولي ما جرت عادة بتوليه. لحمل إطلاق الإذن على العرف، ومقتضاه تولي مثل هذه الأمور بنفسه، فإن فعل ما عليه توليه بنائب بأجرة فهي عليه لأنه بذلها عوضاً عما عليه، وما جرت عادة بأن يستنيب فيه. فله أن يستأجر من مال الشركة إنساناً حتى شريكه لفعله إذا كان فعله، مما لا يستحق أجرته إلا بعمل، وليس للشريك فعل ما جرت العادة بعدم توليه بنفسه ليأخذ أجرته بلا استئجار صاحبه له، لأنه تبرع بما لا يلزمه فلم يستحق شيئاً] شرح منتهى الإرادات 2/ 324. ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: [. ويصح أيضاً عند الحنفية ما عدا زفر أن يتفاضل الشريكان في الربح حالة التساوي في رأس المال بشرط أن يكون العمل عليهما، أو على الذي شرط له زيادة الربح، لأن الربح كما قلنا يستحق إما بالمال، أو بالعمل، أو بالضمان، وزيادة الربح في هذه الحالة كانت بسبب زيادة العمل، لأنه قد يكون أحد الشريكين أحذق وأهدى وأكثر عملاً، وأقوى فيستحق زيادة ربح على حساب شريكه.] الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 842. ويقول الدكتور وهبة الزحيلي أيضاً: [ولا مانع من وجود صفتي الشركة والإجارة في شيء واحد لأن المنع من وجود عقدين أو شرطين في عقد يزول إذا زالت علته أو حكمته وهو عدم إثارة النزاع والخلاف وعدم التنازع جرى عليه العرف والعادة فلم يعد شرطاً مفسداً] الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 842. وخلاصة الأمر أنه لا مانع شرعاً من أن يكون الشريك أجيراً في الشركة براتب مقطوع أو بزيادة نسبته في الربح.

لا يصح البيع بدون ذكر الثمن عند العقد

لا يصح البيع بدون ذكر الثمن عند العقد يقول السائل: اشترى رجل كيس أرز من تاجر بدون الاتفاق على تسمية ثمنه على أن يدفع المشتري الثمن مؤجلاً وحسب سعر السوق وقت تسديد الثمن. فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يصح البيع بدون ذكر الثمن عند العقد لأن ذلك من بيع الغرر؛ وقد نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر كما رواه مسلم في صحيحه. ويدخل في الغرر الجهل بالثمن فإن الجهل بالثمن أو عدم معلومية الثمن تفضي إلى النزاع والخلاف بين المتعاقدين وكذلك فإنها جهالة مفضية إلى بطلان العقد حيث إن معرفة مقدار الثمن شرط من شروط صحة البيع عند جمهور الفقهاء. قال الشيخ أبو إسحق الشيرازي في المهذب: [ولا يجوز إلا بثمن معلوم القدر فإن باع بثمن مجهول كبيع السلعة برقمها وبيع السلعة بما باع فلان سلعته وهما لا يعلمان ذلك فالبيع باطل لأنه عوض فلم يجز مع الجهل بقدره كالمسلم فيه] المهذب مع المجموع 9/ 332. وقال الإمام النووي: [يشترط في صحة البيع أن يذكر الثمن في حال العقد فيقول: بعتكه بكذا، فإن قال: بعتك هذا واقتصر على هذا فقال المخاطب: اشتريت أو قبلت لم يكن هذا بيعاً بلا خلاف ولا يحصل به الملك للقابل على المذهب وبه قطع الجمهور] المجموع 9/ 171. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [. لأن العلم بالثمن شرط لصحة البيع فلا يثبت بدونه] المغني 4/ 144. وذكر المرداوي الحنبلي من شروط صحة البيع: [أن يكون الثمن معلوماً] الإنصاف 4/ 309. وجاء في المادة 237 من مجلة الأحكام العدلية: [تسمية الثمن حين البيع لازمة فلو باع بدون تسمية ثمن كان البيع فاسداً]. وجاء في المادة 238 وشرحها من مجلة الأحكام العدلية [يلزم أن يكون الثمن معلوماً والعلم بالثمن (1) العلم بقدره (2) العلم بوصفه صراحة أو عرفاً، وكذلك إذا كان

الثمن يحتاج حمله إلى نفقة وجب العلم بمكان التسليم وكل ذلك لازم لئلا يفسد البيع فإن الجهل بالثمن مؤد إلى النزاع فإذا كان الثمن مجهولاً فالبيع فاسد ويفهم من لفظتي (قدراً، وصفاً). إن الثمن يجب أن يكون معلوماً وصفاً كأن يقال: دينار سوري أو مصري أو إنكليزي (ابن عابدين على البحر) والمسائل التي تتفرع عن هذه المادة هي: 1. إذا قال إنسان لآخر: بعتك هذا المال برأس ماله أو بقيمته الحقيقية أو بالقيمة التي يقدرها المخمنون أو بالثمن الذي شرى به فلان فإذا لم تقدر القيمة ويعين ثمن المبيع في المجلس فالبيع فاسد ما لم يكن المبيع مما لا تتفاوت قيمته كالخبز] شرح درر الحكام 1/ 217 - 218. وكلامه في أن البيع فاسد لا باطل بناءً على أصل الحنفية في التفريق بين الباطل والفاسد حيث إن الحنفية يفرقون بينهما في المعاملات فالباطل عندهم ما كان الخلل فيه واقعاً في أصل العقد والفاسد ما كان الخلل فيه واقعاً في صفة العقد وهذا التفريق عند الحنفية تفريق عملي لا نظري. وخلاصة الأمر أن البيع بدون ذكر الثمن بيع باطل لا تترتب عليه آثاره شرعاً كما هو مذهب جمهور أهل العلم والمعاملة المذكورة في السؤال باطلة لا تصح. وبهذه المناسبة أودُّ التنبيه على أنواع من المخالفات التي تقع في البيع والشراء ويتعامل بها بعض الناس فمن ذلك الصور التالية: الصورة الأولى: هنالك من يشتري سلعة بثمن معلوم ولكنه مؤجل لمدة شهرين أو ستة أشهر أو نحو ذلك ويتم الاتفاق بين البائع والمشتري على أنه إن بقي سعر السلعة في السوق كما تم عليه الاتفاق في يوم البيع فإذا حلَّ الأجل دفع المشتري الثمن حسب الاتفاق السابق وأما إن طرأ ارتفاع على الأسعار فإنه يدفع الثمن حسب السعر الجديد عندما يحل الأجل فهذه المعاملة معاملة ربوية محرمة شرعاً لأن الثمن إذا استقر في ذمة المشتري فأي زيادة تلحق الثمن بعد ذلك تكون زيادة ربوية محرمة شرعاً.

يجوز أخذ التعويض بسبب شرعي

وقد قرر الفقهاء أن ثمن السلعة المؤجل إنما هو دين استقر في ذمة المشتري والأصل في الديون أن تقضى كما استقرت في الذمة بدون زيادة. الصورة الثانية: إذا اشترى شخص سلعة إلى أجل بالشيكل فإن المتعاقدين يتفقان على أن يتم السداد بالدينار الأردني. وهذه الصورة لا تجوز شرعاً لأن الديْن إذا استقر في الذمة بعملة معينة فيجب قضاؤه بنفس تلك العملة ولا يجوز أن يسجل في ذمة المدين بعملة أخرى. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 79/ 6/8 ما يلي: [رابعاً: الدين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها] مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 8 ج 3/ 788. الحالة الثالثة: إذا اشترى شخص سلعة بالشيكل ثم ماطل في سداد الثمن فإن البائع يقوم بتحويل السعر إلى الدينار الأردني فهذه الصورة شبيهة بالصورة السابقة إلا أن تحويل الدين هنا تم بإرادة البائع منفرداً وهذه الصورة لا تجوز شرعاً لما ذكرته فيما سبق. يجوز أخذ التعويض بسبب شرعي يقول السائل: ما قولكم فيما انتشر بين الناس من أن أخذ العوض حرام شرعاً أفيدونا؟ الجواب: إن مبدأ التعويض عن الضرر مشروع في الفقه الإسلامي وقد فصل العلماء الأسباب الشرعية الموجبة للتعويض المالي ولا يتسع المقام لتفصيلها، وقد قامت على أخذ التعويض المالي أدلة كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووردت آثار عن الصحابة والتابعين وعمل بهذا المبدأ فقهاء الأمة فمن ذلك قوله تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} سورة النساء

الآية 92. فقد قرر الله جل جلاله مبدأ التعويض المالي عن قتل النفس المعصومة خطأً وألحق الفقهاء بذلك الدية في القتل العمد وشبه العمد لما ثبت عندهم من الأدلة في ذلك. وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن كتاباً فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن هذه نسختها من محمد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد وكان في كتابه أن من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول وأن في النفس الدية مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرِجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار) رواه النسائي والدارمي وغيرهما وهو حديث صحيح. وورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا فيه مئة من الإبل.) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وابن القطان وغيرها. وكذلك ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها. فقضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن دية جنينها عبد أو وليده وقضى بدية المرأة على عاقلتها) رواه البخاري ومسلم. وكذلك ثبت التعويض المالي في الاعتداء على الإنسان فيما دون النفس وهو الاعتداء على الأعضاء كقطع اليد أو الرجل وهذا يسمى الأرش عند الفقهاء وقد ثبت ذلك في كتاب عمرو بن حزم الذي سبقت الإشارة إليه.

ومن النصوص الدالة على جواز أخذ التعويض المالي قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} سورة البقرة الآية 194. وقال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} سورة النحل الآية 126. ومما يدل على مشروعية التعويض بالمال قصة داود وسليمان عليهما السلام في الغنم التي نفشت في الحرث قال تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّاءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} سورة الأنبياء الآيات 78 - 79. قال الشوكاني: [فإن قلت فما حكم هذه الحادثة التي حكم فيها داود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية والملة الإسلامية قلت قد ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عيناً أو قيمةً وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث] تفسير فتح القدير 3/ 418. ومما يدل على ذلك أيضاً ما ورد في الحديث عن حرام بن محيصة (أن ناقة للبراء دخلت حائطاً فأفسدت فيه فقضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها) رواه أحمد ومالك. وفي رواية أخرى (أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته عليهم فقضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أهل الأموال حفظها بالنهار وعلى أهل المواشي حفظها بالليل) رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 681. وقال الشافعي عن الحديث السابق أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله، التلخيص الحبير 4/ 86، والحائط هو البستان إذا كان عليه جدار. عون المعبود 9/ 350، وحديث ناقة البراء يعتبر أصلاً في تضمين أصحاب الحيوانات لما أتلفته حيواناتهم ليلاً لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها). قال الحافظ ابن عبد البر: [ضامن هنا بمعنى

مضمون] الاستذكار 22/ 250. ومعنى ذلك أنه يلزمهم تعويض أصحاب الزروع والبساتين عما أتلفته حيواناتهم. ومما يدل على جواز أخذ التعويض المالي أيضاً ما ورد في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام وقال كلوا وحبس الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة) رواه البخاري وفي رواية أخرى عن أنس: (قال أهدت بعض أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليه طعاماً في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعامٌ بطعامٍ وإناءٌ بإناءٍ) رواه الترمذي وصححه. قال الشوكاني: [قوله (إناءٌ بإناءٍ) فيه دليل على أن القيمي يضمن بمثله ولا يضمن بالقيمة إلا عند عدم المثل ويؤيده ما في رواية البخاري المتقدمة بلفظ ودفع القصعة الصحيحة للرسول وبه احتج الشافعي والكوفيون وقال مالك إن القيمي يضمن بقيمته مطلقاً وفي رواية عنه كالمذهب الأول. وفي رواية عنه أخرى ما صنعه الآدمي فالمثل وأما الحيوان فالقيمة وعنه أيضا ما كان مكيلاً أو موزوناً فالقيمة وإلا فالمثل قال في الفتح وهو المشهور عندهم وقد ذهب إلى ما قاله مالك من ضمان القيمي بقيمته مطلقاً جماعة من أهل العلم منهم الهادوية ولا خلاف في أن المثلي يضمن بمثله] نيل الأوطار 6/ 71. وروى عبد الرزاق بسنده عن الحسن قال أرسل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى امرأة مغيبة - أي زوجها غائب - كان يُدخل عليها فأنكر ذلك فأرسل إليها فقيل لها: أجيبي عمر فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر! قال: فبينا هي في الطريق فزعت فضربها الطلق فدخلت داراً فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأشار عليه بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت والٍ ومؤدب، قال: وصمت علي فأقبل عليه، فقال: ما تقول؟ قال: إن كانوا قالوا برأيهم أخطأ رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك أرى أن ديته عليك فإنك أنت أفزعتها وألقت ولدها في سببك قال: فأمر علياً أن يقسم عقله - أي ديته - على قريش، يعني

حكم ما يعرف بجمعية الموظفين

يأخذ عقله من قريش لأنه خطأ). وروي في الأثر أن عمر - رضي الله عنه - قضى في رجل نخس دابة عليها راكب فصدمت آخر فقتلته أنه على الناخس لا على الراكب. فقه عمر 2/ 85. وخلاصة الأمر أنه يجوز شرعاً أخذ التعويض المالي إذا كان للتعويض سبب مشروع كما هو الحال في الدية والتعويض عن حوادث الاعتداء على الممتلكات ونحو ذلك وأما من اختار العفو فله الأجر والثواب إن كانت نيته في العفو لله تعالى لقوله جل جلاله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} سورة الشورى الآية 40. ولقوله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة التغابن الآية 14. حكم ما يعرف بجمعية الموظفين يقول السائل: ما الحكم فيما يسمى بجمعية الموظفين وهل يعتبر ذلك من الربا المحرم وينطبق عليها ما ورد في الحديث (كل قرض جر نفعاً فهو ربا)؟ الجواب: أولا أبين أن الحديث المذكور في السؤال لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا اللفظ وروي بلفظ آخر وهو: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قرض جر منفعة) فقد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 34. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 5/ 350 بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/ 169 والحديث ضعيف، ضعفه الحافظ ابن حجر العسقلاني كما سبق وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 235. ومعنى الحديث صحيح ولكن ليس على إطلاقه، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من

وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. إذا تقرر هذا فأعود إلى السؤال فأقول إن ما يعرف بجمعية الموظفين هو اتفاق مجموعة من الموظفين على أن يدفع كل منهم مبلغاً متساوياً من المال ويدفع مجموع المبالغ لأحدهم على رأس كل شهر وفي الشهر التالي يأخذه آخر وهكذا حتى تدور الدورة على جميع المشتركين. وهذه المعاملة تعتبر من تبادل القروض وهي معاملة صحيحة شرعاً ولا علاقة لها بالربا وتوضيح ذلك كما يلي: أولاً: إن المقصود بهذه المعاملة (جمعية الموظفين) الإرفاق حيث إن القرض الحسن هو عقد إرفاق عند الفقهاء. انظر الموسوعة الفقهية 33/ 11. وما يفعله الموظفون في جمعية الموظفين إنما هو تسهيل أمورهم بأن يأخذ كل واحد منهم مجموع المبالغ التي يدفعها الجميع شهرياً فيأخذه كل منهم في كل مرة حسب مدة الجمعية وهذا العمل من باب التعاون على الخير وفيه ابتعاد عن القروض المحرمة شرعاً. ثانياً: إن القرض المحرم في الشريعة الإسلامية هو القرض المشروط بالزيادة عند السداد كما هو الحال في قروض البنوك الربوية التي تفرض فيها الفوائد (الربا) وهو ذات الربا المحرم في كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} سورة البقرة الآية 278. وأما في جمعية الموظفين فلا يوجد زيادة على القرض حيث إن كل واحد من المشاركين في الجمعية يسترد المبالغ التي دفعها بدون زيادة فلذلك فهي قرض غير مشروط بزيادة نفع ولا ينطبق عليها ما ورد في الحديث السابق مع عدم ثبوته: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) [وذلك لأن المنفعة التي فيها الربا أو شبهته ويجب خلو القرض منها: هي الزيادة المشترطة للمقرض على مبلغ القرض في القدر أو الصفة وكذا المنفعة المشترطة له التي يبرز فيها ما يشبه العلاوة المالية كشرط المقرض على المقترض أن يحمل له مجاناً بضاعة يبذل عليها في العادة أجر أو أن يعيره شيئاً ليستعمله المقرض ونحو ذلك.

أما منفعة إقراضه نفس المبلغ ولذات المدة مقابل قرضه فليست بزيادة في قدر ولا صفة وليست من جنس المنفعة التي فيها شبهة الربا أو حقيقته وإنما هي من قبيل النفع المشترك الذي لا يخص المقرض وحده بل يعم المقرض والمقترض على السواء ويحقق مصلحة عادلة للطرفين فهذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا هو في معنى المنصوص فلزم إبقاؤه على الإباحة] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص 229 - 230. وقد يقول قائل: إن كل واحد من المشاركين في جمعية الموظفين انتفع بأموال الآخرين من المشاركين في الجمعية. ويجاب عن ذلك بأنه لا مانع شرعاً من أن ينتفع المقرض والمقترض منفعة متبادلة وهذا يشبه تبادل المنافع في مسألة السفتجة المعروفة عند الفقهاء. قال الإمام النووي: [قوله في باب القرض اقترض على أن يكتب له سفتجة. وهو كتاب يكتبه المستقرض للمقرض إلى نائبه ببلد آخر ليعطيه ما أقرضه] تهذيب الأسماء واللغات 3/ 149. وتعتبر السُفَتْجَة عند جمهور الفقهاء من باب القرض وهي جائزة عند جماعة من أهل العلم مع أن المقرض قد أمن خطر الطريق قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وروي عنه - أي عن الإمام أحمد - جوازها - السفتجة - لكونها مصلحة لهم جميعاً وقال عطاء كان ابن الزبير يأخذ من قوم بمكة دراهم ثم يكتب لهم بها إلى مصعب بن الزبير بالعراق فيأخذونها منه فسئل عن ذلك ابن عباس، فلم ير به بأساً. وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه سئل عن مثل هذا، فلم ير فيه بأساً وممن لم ير به بأساً: ابن سيرين والنخعي رواه كله سعيد. وذكر القاضي أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد ليوفيه في بلد أخرى ليربح خطر الطريق. والصحيح جوازه لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها بل بمشروعيتها ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص فوجب إبقاؤه على الإباحة] المغني 4/ 240 - 241. والسُفَتْجَة فيها نفع للطرفين المقرض والمقترض ولا مانع يمنع من انتفاعهما قال شيخ الإسلام ابن تيمية مرجحاً جواز السفتجة: [والصحيح الجواز لأن المقرض رأى النفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك

الرد على فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر التي أباحت فوائد البنوك

البلد وقد انتفع المقترض أيضاً بالوفاء في ذلك البلد وأمن خطر الطريق فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم وإنما ينهى عما يضرهم] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 29/ 530. وقد سئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز مفتي السعودية عن حكم جمعية الموظفين السؤال التالي: [جماعة من المدرسين يقومون في نهاية كل شهر بجمع مبلغ من المال من رواتبهم ويعطى لشخص معين منهم وفي نهاية الشهر الثاني يعطى لشخص آخر وهكذا حتى يأخذ الجميع نصيبهم. وتسمى عند البعض بالجمعية، فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب: ليس في ذلك بأس وهو قرض ليس فيه اشتراط نفع زائد لأحد وقد نظر في ذلك مجلس هيئة كبار العلماء فقرر بالأكثرية جواز ذلك لما فيه من المصلحة للجميع بدون مضرة. والله ولي التوفيق] فتاوى علماء البلد الحرام ص841. وجاء أيضاً في فتوى لبيت التمويل الكويتي حول القروض المتبادلة بأنه لا مانع شرعاً من القروض المتبادلة بدون فائدة لا أخذاً ولا عطاءً, فتاوى بيت التمويل الكويتي 2/ 484. وخلاصة الأمر أن ما يعرف بجمعية الموظفين جائزة شرعاً ولا علاقة لها بالربا. الرد على فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر التي أباحت فوائد البنوك يقول السائل: ما قولكم في فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر التي أباحت فوائد البنوك؟ الجواب: إن تحريم الربا أمر قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد انعقد الإجماع على ذلك منذ عهد سلف الأمة قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة الآية 275. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا

الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وجاء في الحديث: (لعن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وغير ذلك من الأدلة الكثيرة. وقد أصبح تحريم الربا من المعلوم من الدين بالضرورة، واتفق المسلمون كافة على أنه من كبائر الذنوب ومن الموبقات السبع، وقد آذن القرآن الكريم مرتكبيه بحرب من الله ورسوله كما سبق في الآية الكريمة وهذا ما أجمع عليه العلماء يقول الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وكل قرض شُرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة، أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا) المغني 4/ 240. وإنه لأمر مؤسف حقاً أن تسمع وترى من المشايخ من يخالف هذه الأدلة الصريحة الواضحة بحجج واهية وذرائع فاسدة واجتهادات مخالفة للنصوص مخالفة صريحة ومخالفة لما اتفق عليه علماء الأمة قديماً وحديثاً وأرجو أن لا تكون هذه الفتوى مدفوعة الأجر سلفاً. وقد ردَّ على هذه الفتوى عدد كبير من أهل العلم وبينوا الخطأ الشنيع الذي وقع فيه مصدروها حيث إن مناط هذه الفتوى غير موجود في الواقع ولا تتعامل به البنوك الربوية مطلقاً بل إن الأنظمة المعمول بها تمنع البنوك الربوية من ممارسة ما أباحته الفتوى فهي فتوى في حادثة لا وجود لها في واقع البنوك الربوية!!! وفعلاً إنه لأمر محزن حقاً حينما يفتي بعض المفتين مع عدم معرفتهم بواقعة الفتوى معرفة أكيدة فتأتي فتواهم بعيدة عن الواقع وقد ذكر أهل العلم أنه يلزم المفتي معرفة الحادثة التي يفتي فيها معرفة تامة لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره يقول أستاذنا الدكتور حسين حامد حفظه الله مبيناً بطلان الفتوى المشار إليها: [هذه المعاملة بهذه الصورة لا يجري عليها العمل في البنوك التجارية ولا المتخصصة، لا في مصر، ولا في البلاد

العربية، بل تناقض ما نصت عليه القوانين المدنية وقوانين التجارة وقوانين الجهاز المصرفي في هذه البلاد. فإن هذه الفتوى لا تطبق على ودائع البنوك. قد يكون البنك مقدم السؤال يطبق هذه الصيغة، ويتلقى الودائع بصفته وكيلاً عن المودعين في استثمار هذه الودائع في معاملاته المشروعة، وهذه مسألة ادعاء على واقع وتحتاج إلى إثبات!!! ومع ذلك فإن هذه الوكالة باطلة بالإجماع؛ لأن جميع عوائد وأرباح المال المستثمر بعقد الوكالة تكون للموكل؛ لأنه المالك للمال المستثمر، كما أنه يتحمل جميع خسائره التي تحدث بسبب لا يد للوكيل فيه ولا قدرة له على دفعه ولا تلافي آثاره، وللوكيل أجر معلوم يجب النص عليه في عقد الوكالة، وهو يحدد بمبلغ مقطوع أو نسبة من المال المستثمر، وهو ما لم يتحقق في الصورة المسئول عنها، بل إن الوكيل هو الذي يستحق أرباح استثمار الوديعة، ويتحمل خسائرها، ويحدد للموكل مالك الوديعة قدراً أو نسبةً من رأس المال، ويسميها ربحاً. والبنوك الإسلامية تمارس هذه الصورة بمقتضى قوانين ونظم إنشائها؛ فهي تتلقى الودائع وتستثمرها لحساب أصحابها وعلى مسئوليتهم؛ فلهم أرباح ويتحملون خسائرها التي تحدث بسبب لا يد للبنك فيه، وهو ما يسمى في القانون بالقوة القاهرة والسبب الأجنبي. ويستحق البنك أجراً محدداً في عقد الوكالة في الاستثمار، بمبلغ مقطوع أو نسبةً من الوديعة المستثمرة. وبالقطع فإن هذه الودائع مملوكة لأصحابها وليست قرضاً للبنك ولا ديناً في ذمته. والدليل على أن المعاملة موضوع السؤال والفتوى لا يجري عليها العمل، ولا تسمح بها القوانين المطبقة في البنوك، وأن المطبق إنما معاملة أخرى مختلفة عنها جملةً وتفصيلاً، يأتي وفق عدة اعتبارات، هي: الاعتبار الأول: الفتوى تفترض وجود بنك يتلقى الودائع والمدخرات من المتعاملين معه ليكون وكيلاً عنهم في استثمارها؛ وهو ما يعني وجود عقد وكالة مستوفٍ لشروطه، وتترتب عليه أحكام الشريعة، ينظم العلاقة بين البنك والمودع. وهذا القول مناقض لحكم القوانين المطبقة، ولا وجود له في واقع البنوك. إن الذي ينظم علاقة البنك بمودعيه هو عقد وديعة النقود،

أو الوديعة الناقصة بلغة القانون. وحكم هذا العقد أنه ينقل ملكية الوديعة إلى البنك، ويخوله استخدامها لحسابه وعلى مسئوليته؛ فله وحده ربحها وعليه خسارتها، وهو يدفع للمودع فائدة وهي نسبة من رأس المال مرتبطة بالمدة ويسميها ربحاً والبنك يلتزم برد الوديعة؛ لأنه مدين بها، وهذه المعاملة قرض بالقطع، وفقاً لنصوص القانون وحكم الشريعة؛ وهو ما يجعل الزيادة المشروطة عليها رباً بالإجماع ... وكان الواجب أن تصدر الفتوى على المعاملة حسبما يقررها القانون ويجري عليها العمل دون افتراض صورة خيالية غير واقعة، حتى لا يقع اللبس لدى العامة بأن حكم هذه الصورة المتخيلة ينطبق على ما يجري عليه العمل في البنوك. فالمادة رقم 726 من القانون المدني الجديد تنص على أنه (إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود، أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودع عنده مأذوناً له في استعماله؛ اعتبر العقد قرضاً). وهذا هو الحكم في بقية القوانين العربية ويقول الدكتور السنهوري: [وأكثر ما ترد الوديعة الناقصة على ودائع النقود في المصارف؛ حيث تنتقل ملكية النقود إلى المصرف، ويرد مثلها بعد الطلب أو بعد أجل، بل ويدفع المصرف في بعض الأحيان فائدة عنها؛ فيكون العقد في هذه الحالة قرضاً، وقد أحسن المشرع المصري في اعتبار الوديعة الناقصة قرضاً] ثم يقول: [لا محل للتمييز بين الوديعة الناقصة (وديعة النقود) والقرض؛ حيث إن المودع في الوديعة الناقصة ينقل ملكية الشيء المودع إلى المودع عنده، ويصبح هذا مديناً برد مثله] وتنص المادة 301 من القانون رقم 17 لسنة 1999 بإصدار قانون التجارة المصري على أن (وديعة النقود عقد يخول البنك ملكية النقود المودعة، والتصرف فيها بما يتفق ونشاطه، مع التزام برد مثلها للمودع، طبقاً لشروط العقد). وتنص المادة 300 من نفس القانون على أن أحكام الباب الثالث منه، الخاص بعمليات البنوك، ومنه المادة 301 (تسري على العمليات التي تعقدها البنوك مع عملائها، تجاراً كانوا أم غير تجار، وأياً كانت طبيعة هذه العمليات). فهذه النصوص القانونية تقطع بأن وديعة النقود في البنوك قرض. وقد أكد فقهاء القانون هذا بما لا يدع مجالاً للشك. وحيث إن هناك إجماعاً على أن

كل قرض جر نفعاً فهو ربا. فإن ما يصرف للمودع يعد رباً وإن سُميَ ربحاً أو عائداً. وإني لأعجب كيف غاب عن العلماء الأفاضل أعضاء المجمع هذه الحقائق مع سعة علمهم وغزارة إطلاعهم؟ غير أن عذرهم هو أنهم يجيبون على سؤال يعرض صورة محددة، هي (تلقي البنك للودائع لاستثمارها بطريق الوكالة في صيغ استثمار مشروعة)، وكان الجواب على قدر السؤال وإن بصورة افتراضية غير متحققة في الواقع. وإن كنا سنرى أن تحديد مبلغ مقدماً للمودع بصفته موكلاً لا يجوز شرعاً، ولو سمي ربحاً؛ لأنه يناقض أحكام الوكالة في الاستثمار التي أجمع عليها الفقهاء، وهي: أن ربح الوديعة المستثمرة كله للمودع، وأن خسارتها التي لا يد للوكيل فيها عليه. وأن أجر الوكيل يجب تحديده عند توقيع عقد الوكالة بمبلغ مقطوع أو نسبة من الوديعة المستثمرة. وهذا كله يقتضي أن يمسك الوكيل (البنك) حساباً مستقلاً للوديعة أو مجموع الودائع، يقيد فيه الإيرادات والمصروفات حتى يتحدد الربح الذي يستحقه المودع أو مجموعة المودعين، وذلك على النحو الذي تمارسه البنوك الإسلامية في عمليات الاستثمار بطريق الوكالة. الاعتبار الثاني: أنه على فرض أن العقد الذي ينظم علاقة البنك والمودعين فيه هو عقد وكالة في الاستثمار، وهو فرض يناقض حكم القوانين وينافي الواقع العملي؛ فإن البنوك التجارية والمتخصصة لا تملك استثمار الودائع بنفسها استثماراً مباشراً؛ بمعنى الاتجار فيه، بل تملك إقراضه للغير بفائدة. فالقانون المصري رقم 163 لسنة 1957 والقوانين المعدلة له تنص على ما يأتي: المادة رقم 26 مكرراً تنص على أنه (تخضع جميع البنوك التي تمارس عملياتها داخل جمهورية مصر العربية لأحكام هذا القانون). والمادة رقم 38 من نفس القانون تنص على أنه (يُعتبر بنكاً تجارياً كل منشأة تقوم بصفة معتادة بقبول ودائع تدفع عند الطلب أو بعد أجل لا يجاوز سنة). والمادة رقم 39 من نفس القانون تنص على أنه (يحظر على البنك التجاري أن يباشر العمليات الآتية: أ.

التعامل في المنقول أو العقار بالشراء أو البيع أو المقايضة فيما عدا: 1. العقار المخصص لإدارة أعمال البنك. 2. المنقول أو العقار الذي تئول ملكيته إلى البنك وفاءً لدين له قبل الغير قبل أن يقوم البنك بتصفيته خلال سنة من تاريخ أيلولة الملكية بالنسبة للمنقول وحتى سنوات بالنسبة للعقار. ب. امتلاك أسهم الشركات المساهمة، ويشترط ألا تجاوز القيمة الاسمية للأسهم التي يملكها البنك في الشركة مقدار رأسماله المصدر واحتياطياته". والمادة رقم 45 تنص على أنه (يحظر على البنوك العقارية والبنوك الصناعية وبنوك الاستثمار نفس الأعمال المحظورة على البنوك التجارية). فهذه النصوص تقطع بأنه يحظر على البنوك التجارية وغير التجارية العاملة في مصر الاستثمار عن طريق الاتجار بالشراء والبيع بصفة مطلقة، إلا إذا كان التملك وفاءً لدين، وبشرط التصرف في العقار أو المنقول خلال مدة محددة، أو كان العقار مستخدماً لإدارة البنك أو لأماكن ترفية موظفيه. وحتى في حالة المشاركة في تأسيس الشركات وشراء أسهم، يحظر على البنك أن يمس الودائع مطلقاً، بل إن له أن يتصرف في حدود حقوق المساهمين. فافتراض الفتوى محل النظر أن البنوك تقوم باستثمار الودائع بالاتجار فيها بالبيع والشراء بصفة مباشرة، أو حتى شراء أسهم الشركات افتراض غير صحيح، وبناء الفتوى عليه باطل. وإذا كنا نتكلم عن أمر واقع .. فأين هو؟ وأي بنك يقوم باستثمار الودائع بنفسه استثماراً مباشراً؟ وأين يعمل؟ أيعمل في مصر أم في الخارج؟. وعلى كل حال فإن الفتوى لا يتحقق مناط تطبيقها في البنوك التجارية أو المتخصصة؛ لأن الفتوى تفترض قيام البنوك التي تتلقى الودائع بصفتها وكيل استثمار، باستثمار هذه الودائع بنفسها استثماراً مباشراً بالاتجار فيها بالبيع والشراء وغيرهما، وهذا محظور على هذه البنوك ...

الاعتبار الثالث: وعلى فرض أن البنوك تتلقى الودائع بصفتها وكيل استثمار، وعلى فرض أنها تملك استثمار الودائع بنفسها استثماراً مباشراً بالاتجار فيها بالبيع والشراء وشراء الأسهم، وهو فرض غير جائز قانوناً وغير واقع عملاً وممارسةً، على فرض ذلك كله .. فإن الفتوى تنص على أن استثمار الودائع يكون في "عمليات البنوك المشروعة". وهذا الفرض غير واقع؛ ذلك أن البنوك تملك استخدام الودائع في عمليات الإقراض بفائدة، وهي ربا محرم باتفاق. والفتوى نفسها لم تتعرض لحكم استخدام البنك لودائعه في إقراضها بفائدة برغم كونه رباً محرَّماً باتفاق. وتنص المادة الرابعة من القانون رقم 37 لسنة 1992 على أن تُستبدَل بكلمة "الفائدة" أينما وردت في القانون رقم 163 لسنة 1957 أو القانون رقم 120 لسنة 1975 كلمة "العائد"، وهو لا يغير من الحكم الشرعي، وهو حرمة كل زيادة عن مبلغ القرض؛ ذلك أن الحكم الشرعي مرتبط بكلمة "النفع" بكل صوره وجميع أشكاله، بصرف النظر عن التسمية التي تُطلق عليه، ربحاً كانت أو عائداً أو هديةً أو منحةً أو مكافأةً أو جائزةً. وإذا ثبت أن الودائع تستخدم بطريق الإقراض بفائدة أو عائد -كما يسميه القانون-، كان افتراض الفتوى أن البنك يستثمر الودائع في معاملاته المشروعة افتراضاً غير واقع وغير صحيح، وبناء الفتوى عليه باطل، ولو فرض أن هناك بنكاً يتلقى الودائع بصفته وكيل استثمار، ويستثمرها في معاملاته المشروعة استثماراً مباشراً بصيغ وعقود استثمار مشروعة ولا يقرضها للغير بفائدة؛ لكانت الفتوى منطبقة على هذا البنك (أي يتحقق فيه مناط الفتوى). فالفتوى التي بين أيدينا أُنيطت وارتبطت وتعلقت ببنك يتلقى الودائع وفق عقد وكالة في الاستثمار، وليس وفق عقد وديعة تأخذ حكم القرض، ويقوم باستثمار هذه الودائع، والاتجار فيها بنفسه (وهذا محظور على البنوك القائمة)، ويتم التعامل فيها بصيغ وعقود استثمار شرعية، وليس بإقراضها بفائدة كما هو الوضع في البنوك العادية. فإذا ما اختل أو انعدم أحد هذه العناصر التي تشكل مناط الفتوى فإن الفتوى لا تطبق. ولقد ذكرنا أن الفتوى تنطبق على البنوك الإسلامية، مع ملاحظة أن

البنوك الإسلامية تلتزم بشروط وأحكام الوكالة الشرعية، وأهمها حرمة اشتراط ربح محدد للمودع بصفته موكلاً؛ لأن هذا باطل بالإجماع، وصرف الربح كله للمودع بعد خصم أجرة البنك المحددة في عقد الوكالة، وتحميل المودع بصفته موكلاً جميع مخاطر استثمار الوديعة، وخسائرها التي لا يد للبنك فيها، ولا قدرة له على توقعها أو تلافي آثارها (أي: إذا كانت بسبب قوة قاهرة، أو بسبب أجنبي بلغة القانون). ولو وُجد بنك يتلقى الودائع بعقد وكالة مستوفية لشروطها، وتترتب عليها أحكامها الشرعية؛ لكانت معاملاته صحيحة. ولكن الوكالة المذكورة في الفتوى، على الرغم من أنها مجرد اختراع وخيال يناقض أحكام القوانين وواقع العمل؛ فإنها وكالة باطلة بالإجماع؛ لأن الوكيل (البنك) يأخذ أرباح الوديعة، وليس أجراً محدداً في عقد الوكالة، ويتحمل خسائرها، ويشترط للمودع (الموكل) مبلغاً محدداً مقدماً أسماه ربحاً، وهذه وكالة باطلة بإجماع الفقهاء طوال 14 قرناً من الزمان، ولا أظن أن هذا يغيب عن علم أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع، وهم من المشهود لهم بالعلم والفضل والورع. وخلاصة الرد على هذا الجزء من الفتوى أنها فتوى في معاملة افتراضية؛ حيث هذه المعاملة المستفتى فيها غير جائزة قانوناً، وغير واقعة عملاً، بالنسبة للبنوك العاملة في مصر، بل وفي غيرها من البلاد العربية وغيرها. وهي صورة بنك يتلقى الودائع بصفة وكيل استثمار، ويستثمر هذه الودائع بنفسه في معاملات وبصيغ وعقود استثمار مباشرة، وهذه المعاملات وتلك الصيغ تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية. وإذا فرضنا جدلاً أن البنوك تقبل الودائع بصفتها وكيلاً عن المودعين لاستثمارها بنفسها والاتجار فيها استثماراً مباشراً؛ فإن هذا الاستثمار يجب أن يكون بصيغ استثمار شرعية كالبيع والشراء والاستصناع والمرابحة والسلم والمشاركة وغيرها من الصيغ والعقود الشرعية، وليس بصيغة الإقراض بفائدة، كما أنه يجب أن تكون الوكالة في الاستثمار مستوفية لشروطها الشرعية، وتترتب عليها الأحكام والآثار التي ترتبها الشريعة الإسلامية؛ من

كون الربح كله للمودعين، وللبنك الأجر المحدد المتفق عليه في عقد الوكالة، على أن تكون خسارة الودائع التي لا يد للبنك فيها على أصحابها؛ لأنهم المالكون لها. وهذا يقتضي أن يُفِرد البنك للودائع التي يستثمرها بطريق الوكالة حساباً مستقلاً منتظماً مُدقَّقاً، تقيد فيه إيرادات ومصروفات جميع المعاملات الشرعية التي يقوم بها البنك، حتى يتحدد الربح المستحق للمودعين، بعد أن يخصم البنك الأجرة المتفق عليها عند الإيداع. إن كان التناول النقدي السابق يتعلق بالإشكال الذي انطوى عليه السؤال من توصيف غير حقيقي لطبيعة النشاط الاقتصادي الذي تمارسه المصارف، ومن ثم سوء الفهم المترتب على هذا التوصيف الخاطئ؛ فإن الجزء الذي بين أيدينا يتناول تجاوزات في فتوى مجمع البحوث نفسها. لقد ذكرت الفتوى بعض الأدلة على ما توصلت إليه من حكم بأن تحديد الأرباح مقدماً لأصحاب الودائع في البنوك حلال لا شبهة فيه. واستكمالاً للبحث فإني أذكر هذه الأدلة، أو بالأحرى التعليلات والمناسبات التي ذكرت لتأكيد هذه الفتوى: أولاً: جاء في الفتوى أنه "من المعروف أن البنوك عندما تحدد للمتعاملين معها هذه الأرباح أو العوائد مقدماً، إنما تحددها بعد دراسة دقيقة للأسواق المالية أو المحلية وللأوضاع الاقتصادية في المجتمع، ولظروف كل معاملة أو نوعها ومتوسط أرباحها". وهذا التعليل أو التدليل ليس في محل النزاع؛ لأن الخلاف ليس في طريقة تحديد ما يُعطى للمودع، بل في الحكم الشرعي لما يُعطى، بصرف النظر عن مقداره وطريقة تحديده. وقد تقدم أن الوديعة تُعد قرضاً بنص القوانين وبإجماع الفقهاء، " وكل قرض جر نفعًا فهو ربا" بنص الحديث الشريف؛ ذلك أن واقع البنوك أنها تتلقى الودائع وتملكها، وتستقل باستخدامها في إقراض الغير بفائدة، مع التزامها بردها مع الفائدة، وهذا هو حكم القرض بنص القانون، ولا دخل بعد ذلك في كيفية أو طريقة تحديد هذا النفع أو مقداره أو مسماه؛ فقد تُسمى هذه النتيجة نفعاً أو ربحاً أو

عائداً أو فائدةً أو مكافأةً أو هديةً؛ لأن العبرة بما يرتبه العقد من آثار بين عاقديه. والأحكام تُبنى على الواقع لا على الخيال. ودعوى أن البنك وكيل استثمار، وأنه يستثمر الودائع بنفسه في معاملات مشروعة، تقدم تفنيده وإبطاله، وتوضيح مخالفته للقانون والشرع والواقع. ثانياً: جاء في الفتوى أنه من المعروف أن هذا التحديد (للربح الذي يعطى للمودع) قابل للزيادة أو النقص؛ بدليل أن شهادات الاستثمار بدأت بتحديد العائد، ثم ارتفع إلى أكثر من 15%، ثم انخفض الآن إلى ما يقارب 10%. وهذا التعليل أو التعديل في غير الموضوع الذي نتحدث عنه؛ إذ الحديث عن الصفة الشرعية لما يعطيه البنك للمودِع؛ وقد تقدم أنه ربا؛ لأنه منفعة يمنحها المقترض للمقرِض (زيادة عن الدين؛ لأنها نسبة من رأس المال مقابل الأجل). ولا يجادل أحد في أن هذا هو حقيقة الربا؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كل قرض جر نفعًا فهو ربا)، ولإجماع الأمة على أن الزيادة على الدين في مقابل الأجل هي الربا، سواء تحددت وشُرطت مقدماً كما جاء في السؤال والفتوى، أو كانت العادة جارية في البنوك بذلك. وإذا ثبت أن الوديعة النقدية قرض يفيد ملك البنك للوديعة، وحقه في استخدامها مع رد مثلها، وأن ذلك قرض بحكم القانون والشرع؛ فإن كل زيادة على القرض تُعطى للمودع تكون رباً مهما كان قدرها، أو طريقة تحديدها، أو التسمية التي تُطلق عليها، أو تغييرها بالزيادة والنقصان. ودعوى أن البنك يتلقى الودائع بصفته وكيل استثمار، وأنه يستثمرها بنفسه في معاملاته المشروعة بالاتجار والبيع والشراء وغير ذلك من عقود وصيغ الاستثمار الشرعية، دعوى يكذبها الواقع، ويحظرها القانون، كما سبق شرحه وإثباته. ثالثًا: جاء في الفتوى أن (الخلاصة أن تحديد الربح مقدماً للذين يستثمرون أموالهم عن طريق الوكالة الاستثمارية في البنوك أو غيرها حلال،

ولا شبهة في هذه المعاملة؛ فهي من قبيل المصالح المرسلة، وليست من العقائد أو العبادات التي لا يجوز فيها التغيير أو التبديل). والرد على ذلك يكون بتناول عدة جزئيات على النحو التالي: أولاً: الحكم الشرعي إذا ثبت بالدليل، وعُرف مناطه؛ فلا يجوز تغييره ولا تبديله بحال، يستوي في ذلك العقائد والعبادات وغيرها من المعاملات. غير أن تفسير النصوص الشرعية، وتحديد مجال إعمالها، يُرجع فيه إلى المصلحة التي شُرع الحكم لتحقيقها، وذلك في المعاملات بخلاف العبادات التي يقف فيها المجتهد عند النص ولا يتوسع في تفسيره. وهذا أصل أكده الإمام الشاطبي وغيره، غير أنه في جميع الحالات إذا توصل المجتهد بهذا المنهج إلى حكم شرعي فإنه لا يحل تغييره أو تبديله. وثمة فرق بين العبارتين؛ إذ إن عبارة التغيير والتبديل لأحكام الشريعة تُوهم أنها غير ملزمة للمكلف، وهذا رأي نسب إلى الطوفي الحنبلي، وهو منه بريء (راجع نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص: 533، وما بعدها لكاتب التعليق)، إذ لم يقل بذلك أحد في تاريخ الاجتهاد الإسلامي. فقد نسب بعض المحدثين إلى الطوفي أنه يقدم المصلحة على النص والإجماع في المعاملات، ورموه بأنه أول من فتح باب الشر، وأن ما قاله "باطل" صادر عن "مضل" "فاجر" "ساقط"، ولا يقول بقوله إلا من هو "أسقط منه"، وأن رأيه في المصلحة "إلحاد مكشوف"، من أعار له سمعاً لم يكن له نصيب من العلم ولا من الدين، وأن مذهبه ليس غلطاً فقط من عالم حسن النية يحتمل التأويل، بل فتنة فتح بابها قاصد شر ومثير فتن. ويقول الإمام أبو زهرة عن الطوفي: [إن مهاجمته للنصوص وفكرة نسخها بالمصالح أسلوب شيعي]. ثانيًا: هذه المعاملة ليست من باب المصالح المرسلة؛ لأنها وكالة في الاستثمار كما جاء في الفتوى. وقد بينت الشريعة الإسلامية شروط الوكالة وأحكامها. فليست مما سكتت عنه النصوص الشرعية، وهذه الأحكام باتفاق الفقهاء، هي: 1.

وجوب النص على أجر الوكيل في عقد الوكالة، سواء كان مبلغاً مقطوعاً أو نسبةً من المال المستثمر. 2. إن أرباح المال المستثمر كلها للموكل، وخسارته عليه بحكم أنه المالك للمال. 3. وجوب إمساك الوكيل حساباً مستقلاً عن عمليات الوكالة تقيد فيه إيرادات العمليات ومصروفاتها؛ حتى تتحدد الأرباح التي يستحقها الموكل بعد خصم أجرة الوكيل. والوكالة المُدَّعاة في الفتوى، رغم أنها مجرد خيال غير واقع، فهي وكالة باطلة؛ لأنها لم تستوفِ شروطها الشرعية، ولم يترتب عليها الأحكام التي رتبها الشارع عليها. وخلاصة ردنا على الفتوى أنها لا تطبق على البنوك التي تعمل في مصر، ولا في غيرها من البلاد العربية؛ لأن مناط الفتوى غير متحقق في هذه البنوك؛ فهي ليست وكيلة في الاستثمار، ولا تملك الاستثمار والاتجار في الودائع بطريقة مباشرة بحكم القوانين المنشئة لها، كما أن توظيفها للمال غير مشروع؛ لأنها تقرضها بفائدة محرمة. وإذا فُرض وجود نظام مصرفي يقوم على أساس الوكالة في الاستثمار؛ فإن هذه الوكالة يجب أن تتوافر شروطها الشرعية، وأن تترتب عليها أحكامها التي لا تُنافي مقتضاها. إن البنوك الإسلامية تقوم بتلقي الودائع، واستثمارها بطريق مباشر، وبصيغ وعقود شرعية في عقد الوكالة في الاستثمار بجانب صيغ أخرى.) أ. هـ كلام أستاذنا د. حسين حامد نقلاً عن موقع إسلام أون لاين. نت. ومما يؤكد أن هذه الفتوى غير صحيحة أنها بنيت على تصور خاطىء لما عليه العمل في البنوك الربوية حيث إن حقيقة البنك الربوي أنه تاجر ديون يقترض ويقرض وهذا يغطي أكثر من 75% من أعمال البنوك الربوية وهي لا تقوم بتشغيل الأموال في المشاريع ولا تقوم بالاستثمار الحقيقي.

ويضاف لما سبق أن هذه الفتوى مخالفة لجميع ما اتفق عليه أهل العلم في عصرنا من تحريم للربا بجميع أشكاله ومن ذلك: 1. قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة فقد جاء فيه ما يلي: فإن مجلس المجمع الفقهي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ قد نظر في موضوع (تفشي المصارف الربوية وتعامل الناس معها، وعدم توفر البدائل عنها) وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الأمين العام نائب رئيس المجلس. وقد استمع المجلس إلى كلام السادة الأعضاء حول هذه القضية الخطيرة، التي يقترف فيها محرم بيّن، ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع، وأصبح من المعلوم من الدين بالضرورة، واتفق المسلمون كافة على أنه من كبائر الإثم والموبقات السبع، وقد آذن القرآن الكريم مرتكبيه بحرب من الله ورسوله، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كمنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) سورة البقرة الآية 279. وقد صح في الحديث: (لعن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. كما روى ابن عباس عنه: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله عز وجل) وروى نحوه ابن مسعود. وقد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته، وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم، وألا نجاة من ذلك إلاّ باستئصال هذا الداء الخبيث الذي هو الربا من جسم العالم، وهو ما سبق به الإسلام منذ أربعة عشر قرناً. ومن نعم الله تعالى أن المسلمين بدأوا يستعيدون ثقتهم بأنفسهم ووعيهم لهويتهم، نتيجة وعيهم لدينهم، فتراجعت الأفكار التي كانت تمثل مرحلة الهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، ونظامها الرأسمالي، والتي وجدت لها يوماً من ضعاف الأنفس من يريد أن يفسر النصوص الثابتة الصريحة قسراً لتحليل ما حرم الله ورسوله.

وقد رأينا المؤتمرات والندوات الاقتصادية التي عقدت في أكثر من بلد إسلامي، وخارج العالم الإسلامي أيضاً، تقرر بالاجماع حرمة الفوائد الربوية وتثبت للناس إمكان قيام بدائل شرعية عن البنوك والمؤسسات القائمة على الربا. ثم كانت الخطوة العملية المباركة، هي إقامة مصارف إسلامية خالية من الربا والمعاملات المحظورة شرعاً، بدأت صغيرة ثم سرعان ما كبرت، قليلة ثم سرعان ما تكاثرت حتى بلغ عددها الآن في البلاد الإسلامية وخارجها أكثر من تسعين مصرفاً. وبهذا كذبت دعوى العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين زعموا يوماً أن تطبيق الشريعة في المجال الاقتصادي مستحيل، لأنه لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير فوائد. وقد وفق الله بعض البلاد الإسلامية مثل باكستان لتحويل بنوكها الوطنية إلى بنوك إسلامية لا تتعامل بالربا أخذاً ولا عطاءً، كما طلبت من البنوك الأجنبية أن تغير نظامها بما يتفق مع اتجاه الدولة، وإلاّ فلا مكان لها، وهي سنة حسنة لها أجرها وأجر من عمل بها إن شاء الله. ومن هنا يقرر المجلس ما يلي: أولاً: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله تعالى عنه من التعامل بالربا، أخذا وعطاءً، والمعاونة عليه بأية صورة من الصور، حتى لا يحل بهم عذاب الله، وحتى لا يؤذنوا بحرب من الله ورسوله. ثانياً: ينظر المجلس بعين الارتياح والرضا إلى قيام المصارف الإسلامية، التي هي البديل الشرعي للمصارف الربوية، ويعنى بالمصارف الإسلامية كل مصرف ينص نظامه الأساسي على وجوب الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء في جميع معاملاته ويلزم إدارته بوجوب وجود رقابة شرعية ملزمة. ويدعو المجلس المسلمين في كل مكان إلى مساندة هذه المصارف وشد أزرها، وعدم الاستماع إلى الإشاعات المغرضة التي تحاول أن تشوش عليها، وتشوه صورتها بغير حق. ويرى المجلس ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل أقطار الإٍسلام، وحيثما وجد للمسلمين تجمع خارج أقطاره، حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لاقتصاد إسلامي متكامل.

ثالثاً: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب ويستغني بالحلال عن الحرام. رابعاً: يدعو المجلس المسئولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا، استجابة لنداء الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} سورة البقرة الآية 278. وبذلك يسهمون في تحرير مجتمعاتهم من آثار الاستعمار القانونية والاقتصادية. خامساً: كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً، لا يجوز أن ينتفع به المسلم - مودع المال - لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شئونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة وإنما هو من باب التطهر من الحرام. ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية، للتقوي بها، يزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم، علماً بأنه لا يجوز أن يستمر في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة. كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرفاتهم موافقة لها. 2. قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي: فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 - 16 ربيع الثاني 1406هـ، الموافق 22 - 28ديسمبر 1985م. بعد أن عرضت عليه بحوث مختلفة في

التعامل المصرفي المعاصر وبعد التأمل فيما قدم ومناقشته مناقشة مركزة أبرزت الآثار السيئة لهذا التعامل على النظام الاقتصادي العالمي، وعلى استقراره خاصة في دول العالم الثالث. وبعد التأمل فيما جرَّه هذا النظام من خراب نتيجة إعراضه عما جاء في كتاب الله تعالى من تحريم الربا جزئياً وكلياً تحريماً واضحاً بدعوته إلى التوبة منه، وعلى الاقتصار على استعادة رءوس أموال القروض دون زيادة أو نقصان قل أو كثر، وما جاء من تهديد بحرب مدمرة من الله ورسوله للمرابين. قرر: أولا: أن كل زيادة (أو فائدة) على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة (أو الفائدة) على القرض منذ بداية العقد: هاتان الصورتان رباً محرمٌ شرعاً. ثانياً: إن البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام - هي التعامل وفقًا للأحكام الشرعية - ولا سيما ما صدر عن هيئات الفتوى المعنية بالنظر في جميع أحوال التعامل التي تمارسها المصارف الإسلامية في الواقع العملي. ثالثاً: قرر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات الإسلامية إلى تشجيع المصارف الإسلامية القائمة، والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي لتغطي حاجة المسلمين كيلا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته. 3. قرار المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، عام: 1385هـ، الموافق 1965م. وقد جاء فيه مايلي: 1. الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين. 2. كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة). 3.

الإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة ... وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته. 4. أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتماد والكمبيالات الداخلية التي يقوم عليها العمل بين التُّجَّار والبنوك في الداخل: كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من الربا. 5. الحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة. وخلاصة الأمر أنها فتوى باطلة مصادمة للنصوص ومخالفة لما اتفق عليه علماء الأمة بل إنه قد سبق لشيخ الأزهر الذي ذيل الفتوى بتوقيعه أن أفتى سنة 1989م بتحريم مثل هذه المعاملات الربوية فسبحان مغير القلوب وهذا نص فتواه السابقة: [يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) سورة البقرة 278 - 279. ويقول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما روي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبّر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه أحمد والبخاري ومسلم. وأجمع المسلمون على تحريم الربا، والربا في اصطلاح فقهاء المسلمين هو: زيادة مال في معاوضة مال بمال دون مقابل. وتحريم الربا بهذا المعنى أمر مجمع عليه في كل الشرائع السماوية، لما كان ذلك، وكان إيداع الأموال في البنوك أو إقراضها أو الاقتراض مناه بأي صورة من الصور مقابل فائدة محددة مقدماً زمناً ومقدراً يعتبر قرضاً بفائدة، وكل قرض بفائدة

ضمان ما يتلفه الحيوان

محددة مقدماً حرام، كانت تلك الفوائد التي تعود على السائل داخلة في نطاق ربا الزيادة المحرم شرعاً بمقتضى النصوص الشرعية. وننصح كل مسلم بأن يتحرى الطريق الحلال لاستثمار ماله، والبعد عن كل ما فيه شبهة حرام لأنه مسؤول يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ مفتي جمهورية مصر العربية. توقيع: د. محمد طنطاوي سجل 41/ 124 في 14 رجب 1409هـ الموافق 20/ 2/1989. وأخيراً فإن على الناس أن لا ينخدعوا بمثل هذه الفتاوى العرجاء. ضمان ما يتلفه الحيوان يقول السائل: إن دابته قد انفلتت من رباطها ليلاً وهربت من مربطها وحطمت في طريقها كمية من البلاط لأحد الجيران فطالبه صاحب البلاط بالتعويض المالي فما الحكم في ذلك؟ الجواب: الأصل عند أهل العلم أن مالك الحيوانات ومن في حكمه هو الضامن إذا كان معها لما تتسبب فيه الحيوانات من جناية على نفس أو مال بضوابط وشروط عند أرباب المذاهب الفقهية. قال الإمام النووي: [إذا كان مع البهيمة شخص ضمن ما أتلفته من نفس ومال سواء أتلفت ليلاً أو نهاراً وسواء كان سائقها أو راكبها أو قائدها وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو عضها أو ذنبها لأنها تحت يده وعليه تعهدها وحفظها وسواء كان الذي مع البهيمة مالكها أو أجيره أو مستأجراً أو مستعيراً أو غاصباً لشمول اليد وسواء البهيمة الواحدة والعدد] روضة الطالبين 7/ 400. وأما إذا لم يكن مع البهيمة أحد من مالك وغيره ففي ذلك تفصيل

عند العلماء فقد ورد في الحديث عن حرام بن محيصة عن أبيه أن (ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته عليهم فقضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أهل الأموال حفظها بالنهار وعلى أهل المواشي حفظها بالليل) رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 681. وفي رواية أخرى عن حرام بن محصية الأنصاري عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: (كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطاً فأفسدت فيه فَكُلِّم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل) رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني في المصدر السابق. وقال الشافعي عن الحديث أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله التلخيص الحبير 4/ 86، والحائط هو البستان إذا كان عليه جدار. عون المعبود 9/ 350. وفي رواية أخرى أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه فقضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها) رواه مالك في الموطأ والدارقطني. وحديث البراء يعتبر أصلاً في تضمين أصحاب الحيوانات لما أتلفته حيواناتهم ليلاً لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها). قال الحافظ ابن عبد البر: [ضامن هنا بمعنى مضمون] الاستذكار 22/ 250. ومن أهل العلم من يحتج في هذه المسألة بقصة داود وسليمان عليهما السلام في الغنم التي نفشت في الحرث قال تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّاءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} سورة الأنبياء الآيات 78 - 79. قال الشوكاني: [فإن قلت فما حكم هذه الحادثة التي حكم فيها داود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية والملة الإسلامية قلت قد ثبت عن

النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عيناً أو قيمةً وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث] تفسير فتح القدير 3/ 418. وقال الحافظ ابن عبد البر: [فأما فساد الزروع والحوائط والكروم فقال مالك والشافعي وأهل الحجاز في ذلك ما ذكرناه عنهم في هذا الباب. وحجتهم حديث البراء بن عازب المذكور فيه مع ما دل عليه القرآن في قصة داود وسليمان: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} ولا خلاف بين أهل اللغة أن النفش لا يكون إلا بالليل. وكذلك قال جماعة العلماء بتأويل القرآن وقال الله عز وجل لمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند ذكر من ذكر من أنبيائه في سورة الأنعام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} فجاز الإقتداء بكل ما ورد به القرآن من شرائع الأنبياء. إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له من نسخ في الكتاب أو سنة واردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخلاف ذلك تبين مراد الله فيعلم حينئذ أن شريعتنا مخالفة لشريعتهم فتحمل على ما يجب الاحتمال عليه من ذلك وبالله التوفيق] فتح المالك 8/ 344 - 345. وقد قال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة بتضمين أصحاب المواشي ما أتلفته مواشيهم ليلاً. قال الإمام البغوي: [ذهب إلى هذا بعض أهل العلم أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها وما أفسدت بالليل يضمنه ربها لأن في عرف الناس أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار وأصحاب المواشي يسرحونها بالنهار ويردونها بالليل إلى المراح فمن خالف هذه العادة كان خارجاً عن رسوم الحفظ إلى حد التضييع هذا إذا لم يكن مالك الدابة معها فإن كان معها فعليه ضمان ما أتلفته سواء كان راكبها أو سائقها أو قائدها أو كانت واقفة وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو فمها وإلى هذا ذهب مالك والشافعي] شرح السنة 8/ 236.

وقال الحافظ ابن عبد البر: [وإنما وجب - والله أعلم - الضمان على أرباب المواشي فيما أفسدت من الزرع وشبهه بالليل دون النهار لأن الليل وقت رجوع الماشية إلى مواضع مبيتها من دور أصحابها ورحالهم ليحفظوها ويمسكوها عن الخروج إلى حرث الناس وحوائطهم لأنها لا يمكن أربابها من حفظها بالليل لأنه وقت سكون وراحة لهم مع علمهم أن المواشي قد آواها أربابها إلى أماكن قرارها ومبيتها وأما النهار فيمكن فيه حفظ الحوائط وحرزها وتعاهدها ودفع المواشي عنها. ولا غنى لأصحاب المواشي عن مشيتها لترعى فهو عيشها فألزم أهل الحوائط حفظها نهاراً لذلك والله أعلم وألزم أرباب الماشية ضمان ما أفسدت ليلاً لتفريطهم في ضبطها وحبسها عن الانتشار بالليل. ولما كان على أرباب الحوائط حفظ حوائطهم في النار فلم يفعلوا كانت المصيبة منهم لتفريطهم أيضاً وتضييعهم ما كان يلزمهم من حراسة أموالهم] الاستذكار 22/ 254 - 255. ويؤخذ من كلام أهل العلم أن تفريق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين إفساد المواشي بالنهار وإفسادها بالليل لأنه بالنهار يمكن التحفظ من الماشية دون الليل فإذا أتلفت بالنهار فالتقصير من أصحاب المزارع في حفظ زروعهم فلا يكون الإتلاف بالنهار موجباً للضمان بخلاف الإتلاف بالليل فإن التقصير يكون من صاحب المواشي فيكون الإتلاف بالليل موجباً للضمان. انظر الضرر في الفقه الإسلامي 1/ 350. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تخصيص حديث ناقة البراء بإتلاف المزروعات فقط ولم يعتبروا إتلاف الحيوانات لغير المزروعات موجباً للضمان قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإن أتلفت البهيمة غير الزرع لم يضمن مالكها ما أتلفته ليلاً كان أو نهاراً ما لم تكن يده عليها وحكي عن شريح أنه قضى في شاة وقعت في غزل حائك ليلاً بالضمان على صاحبها وقرأ شريح: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} قال والنفش لا يكون إلا بالليل وعن الثوري يضمن وإن كان نهاراً لأنه مفرط بإرسالها. ولنا: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (العجماء جرحها جبار) متفق عليه أي هدر وأما الآية فإن النفش

هو الرعي بالليل فكان هذا في الحرث الذي تفسده البهائم طبعاً بالرعي وتدعوها نفسها إلى أكله بخلاف غيره فلا يصح قياس غيره عليه] المغني 9/ 189. وأقول إن هذا تفريق غير مسلَّم فإن الشريعة لا تفرق بين متماثلين وما ذهب إليه شريح القاضي هو الراجح إن شاء الله فتضمينه لصاحب الشاة ما أتلفته من غزل الحائك عملاً بالمعنى الذي أرشد إليه حديث ناقة البراء حيث إن حفظ المال من مقاصد الشريعة وما قضى به شريح رواه عبد الرزاق بسنده عن الشعبي أن شاة وقعت في غزل حوَّاك فاختصموا إلى شريح فقال الشعبي: انظروه فإنه سيسألهم أليلاً وقعت فيه أو نهاراً؟ ففعل ثم قال: إن كان بالليل ضمن وإن كان بالنهار لم يضمن ثم قرأ شريح : {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} قال: والنفش بالليل والهمل بالنهار. مصنف عبد الرزاق 10/ 82. فلا معنىً للتفريق بين الزروع وغيرها. وقد وجدتُ إشارات إلى عدم التفريق بين الزروع وغيرها في كلام بعض أهل العلم. قال الإمام النووي: [وأتلفت زرعاً أو غيره نظر إن أتلفته بالنهار فلا ضمان على صاحبها وإن أتلفته بالليل لزم صاحبها الضمان للحديث الصحيح ... ] روضة الطالبين 7/ 399. وينبغي أن يعلم أن القول بتضمين أصحاب الحيوانات ما أتلفته حيواناتهم ليلاً إنما يلزمهم الضمان إن قصروا في حفظ حيواناتهم ليلاً أما إن أخذوا بأسباب حفظها فانفلتت بدون تقصير منهم فأتلفت شيئاً فلا ضمان عليهم. قال الإمام النووي: [لو ربط بهيمة وأغلق بابه واحتاط على العادة ففتح الباب لص أو انهدم الجدار فخرجت ليلاً فلا ضمان إذ لا تقصير] روضة الطالبين 7/ 400. وخلاصة الأمر أن صاحب الدابة المذكورة في السؤال ضامن لما أتلفته دابته ليلاً إن قصر في حفظها ولم يأخذ بالأسباب الموجبة لذلك فإن لم يقصر فلا ضمان عليه.

يحرم بيع اللحوم المثلجة المستوردة على أنها لحوم طازجة

يحرم بيع اللحوم المثلجة المستوردة على أنها لحوم طازجة يقول السائل: ما قولكم فيما يفعله بعض اللحامين (الجزارين) من بيعهم اللحوم المثلجة المستوردة على أنها لحوم طازجة حيث إنهم يأتون باللحوم المجمدة ثم يطرونها ويبيعونها للناس على أنها لحوم بلدية طازجة وبأسعار اللحم البلدي مع أن الفرق كبير في السعر والجودة بين اللحم المجمد المستورد وبين اللحم البلدي الطازج، أرجو بيان الحكم الشرعي في ذلك. الجواب: إن من قواعد البيع والشراء في الشريعة الإسلامية تحريم الغش بكل صوره وأشكاله وقد وردت أدلة كثيرة تدل على تحريم الغش منها ما ثبت في الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مرََّ على صُبرة طعام - كومة - فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله - المطر- قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس مني) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: (من غشنا فليس منا). وفي رواية أخرى للحديث السابق عن أنس بن مالك- رضي الله عنه - قال: (خرج رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السوق فرأى طعاماً مصبراً فأدخل يده فأخرج طعاماً رطباً قد أصابته السماء فقال لصاحبه: ما حملك على هذا؟ قال: والذي بعثك بالحق إنه لطعام واحد قال: أفلا عزلت الرطب على حدته واليابس على حدته فيبتاعون ما يعرفون، من غشنا فليس منا) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد وقال الشيخ الألباني حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2/ 334 - 335. وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حمل السلاح علينا فليس منا ومن غشنا فليس منا) رواه مسلم وفي قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث السابق (ليس منا) زجرٌ شديد عن الغش، ورادعٌ من الوقوع في مستنقعه الآسن. قال شمس الحق العظيم آبادي [قال الخطابي: معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا, يريد أن من غش أخاه وترك مناصحته فإنه قد ترك اتباعي

والتمسك بسنتي ... وهذا كما يقول الرجل لصاحبه أنا منك وإليك, يريد بذلك المتابعة والموافقة, ويشهد لذلك قوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة إبراهيم الآية 36]. عون المعبود شرح سنن أبي داود 9/ 231. وجاء في الحديث أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعاً فيه عيب أن لا يبينه) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه وقال الشيخ الألباني: صحيح. إرواء الغليل 5/ 165. وعن أبي سباع قال: [اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - فلما خرجت بها أدركني رجل فقال: اشتريت؟ قلت: نعم. قال: وبين لك ما فيها. قلت: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة. قال: أردت بها سفراً أو أردت بها لحماً؟ قلت: أردت بها الحج. قال: ارتجعها. فقال صاحبها: ما أردت إلى هذا أصلحك الله تفسد عليَّ. قال: إني سمعت رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: لا يحل لأحد أن يبيع شيئاً إلا بيّن ما فيه ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وهذه الأدلة ظاهرة الدلالة على تحريم الغش باعتباره وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل إذ أن حقيقة الغش هي إخفاء وكتمان ما في السلعة من نقص أو عيب. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. والغش ينافي عصمة أموال المسلمين التي جاءت بها الشريعة الإسلامية كما جاء في الحديث الشريف من قول النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 279. والغش بمقتضى الأحاديث السابقة يعتبر من كبائر الذنوب. قال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي: [تنبيه: عدُّ هذا - الغش - كبيرة هو ظاهر بعض ما في هذه الأحاديث من نفي الإسلام عنه مع كونه لم يزل في مقت الله أو كون الملائكة تلعنه ... وضابط الغش المحرم

أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل فيجب عليه أن يعلمه به ليدخل في أخذه على بصيرة، ويؤخذ من حديث واثلة وغيره ما صرح به أصحابنا أنه يجب أيضاً على أجنبي علم بالسلعة عيباً أن يخبر به مريد أخذها وإن لم يسأله عنها كما يجب عليه إذا رأى إنساناً يخطب امرأة ويعلم بها أو به عيباً أو رأى إنساناً يريد أن يخالط آخر لمعاملة أو صداقة أو قراءة ... وعلم بأحدهما عيباً أن يخبر به وإن لم يستشر به كل ذلك أداء للنصيحة المتأكد وجوبها لخاصة المسلمين وعامتهم] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 543. وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي أيضاً: [ونحن لا نحرم التجارة ولا البيع والشراء فقد كان أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتبايعون ويتجرون في البز وغيره من المتاجر، وكذلك العلماء والصلحاء بعدهم ما زالوا يتجرون ولكن على القانون الشرعي والحال المرضي الذي أشار الله تعالى إليه بقوله عز قائلاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء الآية 29. فبين الله أن التجارة لا تحمد ولا تحل إلا إن صدرت عن التراضي من الجانبين والتراضي إنما يحصل حيث لم يكن هناك غش ولا تدليس، وأما حيث كان هناك غش وتدليس بحيث أخذ أكثر مال الشخص وهو لا يشعر بفعل تلك الحيلة الباطلة معه المبنية على الغش ومخادعة الله ورسوله فذلك حرام شديد التحريم موجب لمقت الله ومقت رسوله وفاعله داخل تحت الأحاديث السابقة والآتية، فعلى من أراد رضا الله ورسوله وسلامة دينه ودنياه ومروءته وعرضه وأخراه أن يتحرى لدينه وأن لا يبيع شيئاً من تلك البيوع المبنية على الغش والخديعة] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 546. وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي أيضاً: [كله - الغش - حرام شديد التحريم موجب لصاحبه أنه فاسق غشاش خائن يأكل أموال الناس بالباطل ويخادع الله ورسوله وما يخادع إلا نفسه لأن عقاب ذلك ليس إلا عليه، وكثرة ذلك تدل على فساد الزمان وقرب الساعة، وفساد الأموال والمعاملات ونزع البركات من المتاجر والبياعات والزرعات بل ومن

الأراضي المزروعات، وتأمل قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس القحط أن لا تمطروا، وإنما القحط أن تمطروا، ولا يبارك لكم فيه) أي بواسطة تلك القبائح والعظيمات التي أنتم عليها في تجاراتكم ومعاملاتكم، ولهذه القبائح التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والصنائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم وهتكوا حريمهم بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً، وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لما أن أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة المتنوعة وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتخيلات الباطلة على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها لا يراقبون الله المطلع عليهم، ولا يخشون سطوة عقابه ومقته مع أنه تعالى عليهم بالمرصاد {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} سورة غافر الآية 19. {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} سورة طه الآية 7. {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} سورة الملك الآية 14. ولو تأمل الغشاش الخائن الآكل أموال الناس بالباطل ما جاء في إثم ذلك في القرآن والسنة لربما انزجر عن ذلك أو عن بعضه، ولو لم يكن من عقابه إلا قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن العبد ليقذف اللقمة من حرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من حرام فالنار أولى به). وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنه لا دين لمن لا أمانة له)] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 547. وقد ذكر بعض أهل العلم مضار الغش وهي: 1. الغش طريق موصل إلى النار. 2. الغش دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفسٍ هانت عليه نفسه فأوردها مورد الهلاك والعطب. 3. الغش يبعد عن الله وعن الناس. 4. الغش طريق لحرمان إجابة الدعاء. 5. الغش طريق لحرمان البركة في المال والعمر. 6. الغش دليل على نقص الإيمان.

وخلاصة الأمر أن ما يقوم به اللحامون المذكورون في السؤال من بيع اللحوم المجمدة على أنها لحوم طازجة حرام قطعاً وأنه من الغش وهو كبيرة من كبائر الذنوب والمال الذي يأخذونه مال حرام وكسب خبيث والله سبحانه وتعالى لا يبارك فيه والواجب عليهم أن يتوبوا من هذه المعصية الكبيرة وأن يصدقوا في تعاملهم مع الناس فإن الله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

المرأة والأسرة

المرأة والأسرة

قراءة الفاتحة عند الخطبة لا تعتبر عقدا

قراءة الفاتحة عند الخطبة لا تعتبر عقداً يقول السائل: هل تعتبر قراءة الفاتحة عند الخطبة بمثابة عقد الزواج؟ الجواب: الخطبة هي مقدمة للزواج ووعد بالزواج وليست عقداً فلا يترتب على الخطبة شيء مما يترتب على عقد الزواج وإنما تبيح الخطبة نظر الخاطب إلى وجه المخطوبة وكفيها فقط، على الراجح من أقوال أهل العلم. وأما قراءة الفاتحة عند الخطبة فيجب أن يعلم أولاً أن قراءة الفاتحة في هذا المقام بدعة ليس لها أصل في الشرع. وأجابت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية برئاسة العلامة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله عن سؤال حول حكم ما جرى العرف به من قراءة الفاتحة قبل الزواج ونحو ذلك مما اعتاد الناس قراءة الفاتحة عنده فما حكم ذلك؟ فأجابت اللجنة: [قراءة الفاتحة بعد الدعاء أو بعد قراءة القرآن أو قبل الزواج بدعة لأن ذلك لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أحد من صحابته - رضي الله عنه - وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ)] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية 2/ 384. وثانياً: إن قراءة الفاتحة عند الخطبة كما جرى العرف به عند كثير من الناس لا تعتبر عقداً للزواج إذ عقد الزواج لا بد فيه من الإيجاب والقبول والمراد بذلك الألفاظ التي تصدر عن كل واحد من المتعاقدين للدلالة على

خروج المرأة من بيتها بغير جلباب من كبائر الذنوب

رضاه بالمعقود عليه وقد نصت المادة 14 من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في بلادنا على ما يلي: (ينعقد الزواج بإيجاب وقبول الخاطبين أو وكيليهما في مجلس العقد) ويكون الإيجاب والقبول بالألفاظ الصريحة كما ورد في المادة 15 من القانون المذكور. وثالثاً: يجب كتابة عقد الزواج خطياً وتسجيله في المحاكم الشرعية ولا يُكتفى بالإيجاب والقبول الشفويين لأن في كتابة عقد الزواج خطياً تحقيق لمصالح عظيمة للناس وفيه محافظة على حقوق المتزوجين وقد نص قانون الأحوال الشخصية على ذلك في المادة 17: (أ. يجب على الخاطب مراجعة القاضي أو نائبه لإجراء العقد. ب. يجري عقد الزواج من مأذون القاضي بموجب وثيقة رسمية). وخلاصة الأمر أن قراءة الفاتحة ليست عقداً للزواج ولا يجوز شرعاً أن يترتب عليها ما يترتب على عقد الزواج الصحيح. خروج المرأة من بيتها بغير جلباب من كبائر الذنوب تقول السائلة: هل خروج المرأة من بيتها بغير جلباب يُعد من كبائر الذنوب أم من صغائرها وما عقوبة من لا تلتزم بالجلباب الشرعي أفيدونا؟ الجواب: إن الجلباب الشرعي فريضة من فرائض الله في حق المرأة البالغة وهذا أمر متفق عليه بين أهل العلم بلا خلاف ونقل بعض العلماء الإجماع عليه وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية من كتاب الله سبحانه وتعالى والأحاديث النبوية فمن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} سورة الأحزاب الآية 59. وقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. سورة النور الآية 31. قال القرطبي: [وقال ابن عطية:

ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ {ما ظهر} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه. قلت - القائل القرطبي - هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما] تفسير القرطبي12/ 229. وقال ابن كثير: [أي: ولا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، وقال ابن مسعود: كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه] تفسير ابن كثير4/ 538. وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأسماء رضي الله عنها: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها شيء إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه). رواه أبو داود وحسنه الشيخ الألباني وذكر له شواهد انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/ 463. وغير ذلك من الأدلة التي توجب الجلباب الشرعي. إذا تقرر هذا فإن الواجب على المرأة المسلمة البالغة أن تلتزم بالجلباب الشرعي ويحرم عليها أن تخرج من بيتها بدون ذلك فإذا خرجت من بيتها بدون الجلباب فهي متبرجة وخاصة إذا أضيف إليه التعطر (والمكياج) عند الخروج من البيت ولبس الملابس الضيقة كالبنطلون والتشبه بالرجال وكذلك تصفيف الشعر والتنمص ونحو ذلك من إظهار الزينة. والتبرج من كبائر الذنوب باتفاق العلماء وقد عدَّ الشيخ ابن حجر المكي خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر وأن الأدلة الشرعية تدل عليه. انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 96 - 97. وقد توعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتبرجة بأنها لا تدخل الجنة ولا تشم رائحتها كما سيأتي وهذا يدل على أن التبرج من الكبائر. ومن زعم أن

التبرج من صغائر الذنوب فقوله باطل مردود عليه لأنه مخالف للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنها: قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} سورة الأحزاب الآية 33. وقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة النور الآية 60. وورد في الحديث أن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبايعه على الإسلام فقال: (أبايعك على ألا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفتريه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى) رواه أحمد وصحح إسناده الشيخ أحمد محمد شاكر. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (لعن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرجلَ يلبسُ لِبْسَةَ المرأةِ والمرأةَ تلبس لِبْسَة الرجل) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني. وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها؛ فهي زانية) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وحسنه الشيخ الألباني. انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/ 451. وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لعن الله الواشمات والمُستوشمات والنامصات والمُتنمصات والمُتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) رواه البخاري ومسلم، والنامصة: هي التي ترقق الحاجبين للنساء، والمتنمصة: هي التي يتم ترقيق حواجبها.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أنه قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم قال الإمام النووي: [. هذا الحديث من معجزات النبوة, فقد وقع هذان الصنفان, وهما موجودان. وفيه ذم هذين الصنفين قيل: معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها, وقيل: معناه تستر بعض بدنها, وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه, وقيل: معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها. وأما (مائلات) فقيل: معناه عن طاعة الله, وما يلزمهن حفظه. (مميلات) أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم, وقيل: مائلات يمشين متبخترات, مميلات لأكتافهن. وقيل: مائلات يمشطن المشطة المائلة, وهي مشطة البغايا. مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة. ومعنى (رؤوسهن كأسنمة البخت) أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 291. ويمكن أن يحمل قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) على اللواتي يصففن شعورهن حتى تصبح رءوسهن مثل سنام الجمل. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات). رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم، وصححه ابن حبان والحاكم وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 462. وعن أبي أذينة الصدفي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن منافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم) رواه البيهقي وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 4/ 464. وغير ذلك من النصوص.

الحجاب ومسألة التكفير

وخلاصة الأمر أن التبرج من كبائر الذنوب لأن المتبرجة مستحقة للعن، واللعن إنما يكون على كبائر الذنوب فقط فعلى كل متبرجة أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وتلتزم بالجلباب وأن تتذكر قول الله عز وجل: {أَلَم يَأْنِ للَّذَينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وِ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنهُمْ فَاسِقُونَ} سورة الحديد الآية 16. وأن تتذكر قول الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى). واعلمي أيتها الأخت المتبرجة أن الحجاب إيمان وطهارة وتقوى وحياء وعفة وأن التبرج معصية لله عز وجل وللرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وموجب للطرد من رحمة الله تعالى لأن المتبرجة ملعونة وكذلك فإن التبرج موجب للنار نسأل الله العفو والعافية. الحجاب ومسألة التكفير يقول السائل: ما قولكم فيمن كفر شيخ الأزهر بسبب موقفه من قضية الحجاب في فرنسا؟ الجواب: إن الحجاب أو الجلباب الشرعي فريضة من فرائض الله سبحانه وتعالى وهي قضية مسلَّمة بين علماء الأمة قديماً وحديثاً لأنها ثابتة بالنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} سورة الأحزاب الآية 59. فهذه الآية الكريمة أوجبت اللباس الشرعي على جميع النساء المسلمات. وقال تعالى: {قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}

سورة النور الآيتان 30 - 31. وعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (أمرنا أن نخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن. قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها) رواه البخاري ومسلم. وجاء في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: (أنها كانت عند أختها عائشة وعليها ثياب واسعة الأكمام فلما نظر إليها الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام فخرج. فقالت عائشة رضي الله عنها تنحي فقد رأى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمراً كرهه فتنحت فدخل رسول الله فسألته عائشة رضي الله عنها لم قام؟ قال: أو لم تري هيئتها إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا -أي وجهها وكفيها-) رواه الطبراني والبيهقي وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص 59. وغير ذلك من الأدلة. وما قاله شيخ الأزهر محمد طنطاوي حول الحجاب ونصه: [مسألة الحجاب للمرأة المسلمة فرض إلهي، وإذا قصرت في أدائه حاسبها الله على ذلك؛ ولذلك لا يستطيع أي مسلم سواء كان حاكماً أو محكوماً أن يخالف ذلك، ولا نسمح لغيرنا أن يتدخل في شئوننا كدولة مسلمة هذا إذا كانت المرأة المسلمة تعيش في دولة إسلامية، أما إذا كانت تعيش في دولة غير إسلامية كفرنسا، وأراد المسئولون بها أن يقرروا قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب للمرأة المسلمة، فهذا يعد حقهم، وأكرر أن هذا حقهم الذي لا أستطيع أن أعارض فيه كمسلم لأنهم غير مسلمين. في هذه الحالة عندما تستجيب المرأة المسلمة لقوانين الدولة غير المسلمة، تكون من الناحية الشرعية في حكم المضطر] انتهى كلام شيخ الأزهر. وأقول إن كلام شيخ الأزهر فيه حق وباطل أما ما قاله عن

فرضية الحجاب فهو حق وأما ما زعمه من (حرية فرنسا أن تقرر قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب للمرأة المسلمة، فهذا يعد حقهم، وأكرر أن هذا حقهم الذي لا أستطيع أن أعارض فيه كمسلم لأنهم غير مسلمين) فهذا كلام باطل وموقفه هذا خذلان لمسلمات فرنسا وغيرهن من المسلمات اللواتي يعشن في غير العالم الإسلامي وفي كلام شيخ الأزهر فتح لباب شر واسع على المسلمين في الغرب فغداً ستحذو دول أخرى حذو فرنسا في اتخاذ قرارات بمنع الحجاب وماذا لو اتخذت دول الغرب قرارات بمنع إقامة صلاة الجمعة أو إغلاق المساجد أو منع المسلمين من الأضحية وغير ذلك مما يطمس شخصية المسلمين في الغرب؟!! وكان الواجب الشرعي على شيخ الأزهر أن يطالب الحكومة الفرنسية بإتاحة حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين وفق مبادىء الحرية التي تتغنى بها فرنسا أم أن الحرية إذا وصلت للمسلمين فإنها تتوقف!! إنه لأمر مؤسف ومحزن أن يتمكن وزير داخلية فرنسا من انتزاع صك من مشيخة الأزهر يستند إليه في تشريع قانون حظر الحجاب!! إن واجب علماء الأمة أن ينكروا على شيخ الأزهر موقفه السابق وقد حصل هذا الإنكار من عدد كبير من العلماء فقد أنكر عدد من العلماء كلام شيخ الأزهر، واعتبروه باطلاً ولا أصل له في الشرع ولكن ينبغي الحذر الشديد من السقوط في منزلق التكفير حيث إن بعض الناس تسرعوا في تكفير شيخ الأزهر وإخراجه من ملة الإسلام والمسلمين وهذا كلام خطير جداً يجب التحذير منه، فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه). وعن أبي ذرٍ - رضي الله عنه -أنه سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك). رواه البخاري، وفي رواية عند مسلم قال: (ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه) أي رجع عليه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأما التكفير فالصواب أن من اجتهد من أمة محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقصد الحق فأخطأ لم يكفر بل يغفر له خطؤه ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاً وقد يكون له حسنات ترجح على سيئاته] مجموع فتاوى ابن تيمية 12/ 180. وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين: [للحكم بتكفير المسلم شرطان: أحدهما: أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء مما يكفر. الثاني: انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً بذلك قاصداً له فإن كان جاهلاً لم يكفر لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} سورة النساء الآية 115. وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} سورة التوبة الآية 115. وقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} سورة الإسراء الآية15. لكن إن فرَّط بترك التعلم والتبين لم يعذر مثل أن يبلغه أن عمله هذا كفر فلا يتثبت ولا يبحث فإنه لا يكون معذوراً حينئذ. وإن كان غير قاصد لعمل ما يكفر لم يكفر بذلك مثل أن يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ومثل أن ينغلق فكره فلا يدري ما يقول لشدة فرح ونحوه كقول صاحب البعير الذي أضلها ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بخطامها متعلقاً بالشجرة فأخذه فقال: [اللهم أنت عبدي وأنا ربك] أخطأ من شدة الفرح] فتاوى العقيدة ص263 - 264. وخلاصة الأمر أن الإقدام على التكفير أو التفسيق بغير دليل من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعتبر جرأة على دين الله وقولاً على الله بغير علم وهو على خلاف طريقة أهل العلم من سلفنا الصالح رضوان الله عليهم. فالحذر الحذر من إطلاق ألفاظ التكفير أو التفسيق أو التبديع بغير حجة ولا برهان.

القواعد من النساء

القواعد من النساء يقول السائل: ما المقصود بالقواعد من النساء اللواتي ذكرن في سورة النور وما حدود التعامل معهن من حيث النظر والمصافحة أفيدونا؟ الجواب: قال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة النور الآية 60. قال الزبيدي: [القاعد من النساء التي قعدت عن الولد وعن الحيض وعن الزوج والجمع قواعد. وفي الأفعال: قعدت المرأة عن الحيض: انقطع عنها وعن الأزواج: صبرت، وفي التنزيل: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} قال الزجاج: هن اللواتي قعدن عن الأزواج، وقال ابن السكيت: امرأة قاعد، إذا قعدت عن المحيض، فإذا أردت القعود قلت: قاعدة. وقال أبو الهيثم: القواعد من صفات الإناث، لا يقال رجال قواعد. وفي حديث أسماء الأشهلية: (إنا معاشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم وحوامل أولادكم) قال ابن الأثير: القواعد: جمع قاعد، وهي المرأة الكبيرة المسنة، هكذا يقال بغير هاء، أي أنها ذات قعود، فأما قاعدة فهي فاعلة من قولك قد قعدت قعوداً، ويجمع على قواعد أيضاً] تاج العروس من جواهر القاموس 5/ 196 وقد اتفق أهل التفسير على أن القواعد من النساء هن اللواتي لا مطمع للرجال فيهن لكبرهن في العمر وانقطاع الحيض عنهن. أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن الحسن {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} يقول المرأة إذا قعدت عن النكاح. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} يعني المرأة الكبيرة التي لا تحيض من الكبر {اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} يعني تزويجاً. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} قال: لا يردنه. تفسير السيوطي 6/ 223. وقال الإمام القرطبي في تفسير الآية السابقة: [قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} القواعد

واحدتها قاعد بلا هاء ليدل حذفها على أنه قعود الكبر كما قالوا امرأة حامل ليدل بحذف الهاء أنه حمل حبل .... وقالوا في غير ذلك قاعدة في بيتها وحاملة على ظهرها بالهاء. القواعد العجز اللواتي قعدن عن التصرف من السن وقعدن عن الولد والمحيض وهذا قول أكثر العلماء، قال ربيعة: هي التي إذا رأيتها تستقذرها من كبرها] تفسير القرطبي 12/ 309. وقال ابن كثير: [والقواعد من النساء، قال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والضحاك وقتادة: هن اللواتي انقطع عنهن الحيض ويئسن من الولد: {اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} أي لم يبق لهن تشوف إلى التزوج فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة أي ليس عليهن من الحجر في التستر كما على غيرهن من النساء] تفسير ابن كثير 3/ 304 - 305. فالقواعد من النساء هن الكبيرات في العمر ولا مطمع للرجال فيهن وقد انقطع الحيض عنهن فإذا كانت المرأة كذلك جاز لها التخفف من الجلباب الشرعي كما قال تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} والمقصود بوضع الثياب الرداء الذي ترتديه المرأة فوق ثيابها وهو الجلباب المعروف الذي ترتديه المرأة فوق ثيابها عند الخروج من البيت وهذا ما ذهب إليه أهل العلم فقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما في الآية قال: تضع الجلباب. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبرانى والبيهقى في السنن عن ابن مسعود (أن يضعن ثيابهن) قال: الجلباب والرداء. تفسير فتح القدير للشوكاني 4/ 55. وقال ابن كثير: [. قال ابن مسعود في قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} قال: الجلباب أو الرداء. وكذلك روي عن ابن عباس وابن عمر ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والزهري والأوزاعي وغيرهم، وقال أبو صالح تضع الجلباب وتقوم بين يدي الرجل في الدرع والخمار، وقال سعيد بن جبير وغيره في قراءة عبد الله بن مسعود أن يضعن من ثيابهن وهو الجلباب من فوق الخمار فلا بأس أن يضعن عند غريب أو غيره بعد أن يكون عليها خمار صفيق] تفسير ابن كثير 3/ 304 - 305.

وقال ابن الجوزي [قوله تعالى: {أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} أي عند الرجال ويعني بالثياب الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار هذا المراد بالثياب لا جميع الثياب] تفسير ابن الجوزي6/ 62 - 63. وقد علل الإمام القرطبي جواز التخفف من الجلباب للقواعد من النساء بقوله: [إنما خص القواعد بذلك لانصراف الأنفس عنهن إذ لا مذهب للرجال فيهن فأبيح لهن ما لم يبح لغيرهن وأزيل عنهن كلفة التحفظ المتعب لهن] تفسير القرطبي12/ 309. وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه يجوز للقواعد من النساء وضع الثياب بشرط أن لا يبدين زينتهن للرجال ولا يتبرجن والتبرج عند العلماء هو أن تظهر المرأة زينتها ومحاسنها مما يجب عليها ستره وذلك قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} أي غير مظهرات ولا متعرضات بالزينة لينظر إليهن فإن ذلك من أقبح الأشياء وأبعده عن الحق والتبرج التكشف والظهور للعيون] تفسير القرطبي 12/ 309. ومع جواز تخففهن من الثياب إلا أن الاستعفاف خير لهن بنص الآية الكريمة {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في السنن عن عاصم الأحول قال: دخلت على حفصة بنت سيرين وقد ألقت عليها ثيابها، فقلت أليس يقول الله {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} قالت: اقرأ ما بعده {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} وهو ثياب الجلباب. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} قال: يلبسن جلابيبهن. ذكرهما السيوطي في تفسيره 6/ 223. وعليه فلا ينبغي للقواعد من النساء أن يتوسعن في هذا الأمر فيتساهلن في لباسهن تساهلاً كبيراً ويتبرجن فإن ذلك حرام عليهن. [وفي ختم الآية بقوله تعالى: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} إشارة إلى تحذير النساء المتقدمات بالسن - المرخص لهن بترك شيء من الحجاب - من ادعاء كونهن قواعد ولسن

كذلك، أو خروجهن - بدعوى الرخصة - متبرجات بزينة وذلك مما لم يأذن به الله تعالى، السميع لما يقلن العليم بما يتصرفن الخبير بما يكتمن في قلوبهن] حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ص111. وأما بالنسبة للنظر إلى النساء الكبيرات فلا بأس بالنظر إليهن قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والعجوز التي لا يشتهى مثلها لا بأس بالنظر منها إلى ما يظهر غالباً لقول الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} قال ابن عباس في قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} قال: فنسخ واستثنى من ذلك القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً الآية وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى] المغني 7/ 102 - 103. وأما مصافحة النساء الكبيرات فلا تجوز على الراجح من أقوال أهل العلم لأن الأدلة التي حرمت مصافحة المرأة الأجنبية عامة شاملة لعموم النساء الشابات والعجائز بلا فرق بينهن، قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين جواباً على السؤال التالي: هل تجوز مصافحة المرأة الأجنبية؟ وإذا كانت تضع على يدها حاجزاً من ثوب وغيره فما الحكم؟ وهل يختلف الأمر إذا كان المصافح شاباً أو شيخاً أو كانت امرأة عجوزاً؟ قال الشيخان المذكوران: [لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً سواء كن شابات أو عجائز وسواء أكان المصافح شاباً أم شيخاً كبيراً لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صح أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إني لا أصافح النساء) وقالت عائشة رضي الله عنها (ما مست يد رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام] ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل، لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة] فتاوى العلماء للنساء ص 50. وقال الدكتور عبد الكريم زيدان: [ومن عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم وذكر ما جاء في السنة النبوية الشريفة بشأن المس والمصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية يترجح عندي عدم جواز المصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية سواء بدأ بالمصافحة الرجل أو بدأت بها المرأة سواء شابين أو عجوزين أو كان أحدهما شاباً والآخر عجوزاً، لأن الأحاديث التي ذكرنا

الإحسان إلى الزوجة من واجبات الزوج

وأفادت حظر المصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية جاءت مطلقة دون أن يرد فيها ما يقيد عدم الجواز بالشاب والشابة وجوازها بالنسبة للعجوز] المفصل في أحكام المرأة 3/ 239. وخلاصة الأمر أنه يجوز للنساء الكبيرات في العمر أن يتخففن من الجلباب بشرط أن لا يتبرجن ولا بأس بالنظر إلى ما يظهر من المرأة الكبيرة التي لا تشتهى وأما مصافحتها فحرام شرعاً. الإحسان إلى الزوجة من واجبات الزوج اشتكت مجموعة من النساء من سوء معاملة أزواجهن وقلن إن من أزواجهن من يضربهن ويشتمهن ويسب أهلهن ويسيء معاملتهن وبعضهم يقاطع زوجته الشهر والشهرين وأكثر من ذلك لأسباب تافهة وقالت إحداهن إنكم يا معشر المشايخ تتحدثون دائماً عن حق الزوج على زوجته ولا تتكلمون عن حقوق الزوجة على زوجها فلماذا؟ هلا بينتم لهؤلاء الأزواج حقوق زوجاتهم عليهم. الجواب: إن الحياة الزوجية في الإسلام تقوم على المودة والمحبة والتفاهم بين الزوجين قال تعالى: (وَمِنْءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم الآية 21. إن الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة وتعني عطف قلوبهم بعضهم على بعض وقال بعض أهل التفسير: المودة المحبة والرحمة الشفقة وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها سوء] تفسير القرطبي 14/ 17. ويجب على كل من الزوجين أن يعرف ما له وما عليه وقد بين الإسلام واجبات الزوجين وحقوقهما بياناً شاملاً فقد وردت نصوص كثيرة

في كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبين حقوق الزوجة على زوجها. يقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} سورة البقرة الآية227. ويقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً) رواه الترمذي وصححه. فمن حقوق الزوجة على زوجها أن يعاملها معاملة كريمة فيها اللطف والرحمة وحسن المعاملة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَاءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} سورة النساء الآية 19. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عشرة زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة ... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج ... ] تفسير القرطبي 5/ 97. وقد حثّ سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حسن معاملة الزوجة في أحاديث كثيرة وقد بوَّب على بعضها الإمام البخاري بتراجم مناسبة فقال: (باب الوصاة بالنساء)، وقال الإمام البخاري أيضاً: (باب المداراة مع النساء)، وقال الإمام البخاري أيضاً: (باب حسن المعاشرة مع الأهل). ومن هذه الأحاديث حديث أبي هريرة أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً). قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذا الحديث: [وفي الحديث الندب

إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفي سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه] فتح الباري 11/ 163. وجاء في الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إني أحرج عليكم حق الضعيفين اليتيم والمرأة) رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وورد في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خطبة حجة الوداع: (واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجة وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 341. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. قال العلامة ابن علان المكي: [(وخياركم خياركم لنسائهم) وفي رواية (خيركم خيركم لأهله) قال في النهاية هو إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها، قيل ولعل المراد من حديث الباب أن يعامل زوجته بطلاقة الوجه وكف الأذى والإحسان إليها والصبر على أذاها قلت ويحتمل أن الإضافة فيه للعهد والمعهود هو النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمراد (أنا خيركم لأهلي) وقد كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحسن الناس لأهله وأصبرهم على اختلاف أحوالهم] دليل الفالحين 3/ 106. ومن حقوق الزوجة على زوجها وجوب الإنفاق عليها بالمعروف من

طعام وشراب وكسوة وغير ذلك من لوازم الحياة وأن لا يحرمها مما تشتهيه وأن لا يكون بخيلاً في النفقة عليها ولا على أولاده وكل ذلك يكون حسب حالة الزوج المالية لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} سورة البقرة الآية 233، ولقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} سورة البقرة الآية 286. وعلى الزوج أن يعلم أن المال الذي ينفقه على زوجته وأولاده له فيه أجر عظيم كما ورد في الحديث من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أنفق الرجل فهي له صدقة) رواه البخاري ومسلم. وقد ورد أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال: (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) رواه أبو داود وذكر معنى لا تقبح أي لا تقل قبحك الله. وهو حديث حسن صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 402. ومن حقوق الزوجة على زوجها أن لا يفشي أسرارها وأن لا يذكر عيوبها لما ورد في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم. ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يأذن لها بزيارة أهلها وأقاربها وجيرانها وكذلك إذا استأذنته بالخروج إلى صلاة الجماعة والجمعة بشرط أن يكون خروجها شرعياً فلا تمس طيباً ولا تخرج متزينة مع أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ولا ينبغي لزوج منع زوجته من الذهاب إلى المسجد إلا إذا خشي الفتنة عليها أو إذا خرجت متعطرة فيجوز له حينئذ منعها لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن) رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح. وعلى المرأة إذا خرجت من بيتها قاصدة حضور الجماعة أو الجمعة أن تخرج وهي ملتزمة بأحكام الشرع من حيث اللباس والمشي وترك الزينة والطيب فقد ورد في الحديث عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (لا تمنعوا إماء الله

لا ينبغي البحث عن الماضي السيئ للزوجين

مساجد الله وليخرجن تفلات) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني ومعنى تفلات: غير متطيبات. وفي حديث آخر قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا شهدت إحداكن المساجد فلا تمس الطيب) رواه مسلم. ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يفقهها في دينها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} سورة التحريم الآية 6. ويجب على الزوج أن يأمرها وأولاده بالمحافظة على الصلاة لقوله الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} سورة طه الآية 132. هذه أهم حقوق الزوجة على زوجها باختصار وينبغي أن يعلم أنه يحرم على الزوج أن يسب زوجته وأهلها أو يلعنها فعن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه. كما ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز للزوج أن يهجر زوجته في الكلام فوق ثلاثة أيام لقول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري ومسلم. وأما الهجر في المضجع المذكور في قوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع} سورة النساء الآية 34. فهذا الهجر سببه النشوز وأجازه جماعة من العلماء إلى شهر كما هجر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نسائه شهراً. لا ينبغي البحث عن الماضي السيئ للزوجين يقول السائل: إنه تزوج فتاة وهي زوجة صالحة محافظة على صلاتها وأخلاقها وهو يحبها وتحبه وقد اعترفت له بأنها كانت على علاقة مع رجل قبل الزواج وقد زنت وهو في حيرة من أمره هل يطلقها أم يستر عليها أفيدونا؟ الجواب: الواجب على الإنسان ذكراً كان أو أنثى أن لا يتحدث عن

ماضيه السيئ وأن يستتر بستر الله تبارك وتعالى ما دام أنه قد تاب ورجع إلى جادة الصواب وهذا الأمر أشد تأكيداً في حق الزوجين فلا ينبغي أن يتحدثا بما ارتكبا من المعاصي قبل الزواج لما في ذلك من ضرر بليغ على حياتهما الزوجية ولا ينبغي لأحد من الزوجين البحث في ماضي الآخر لأن العبرة بما عليه صاحبه الآن فما دام مستقيماً وملتزماً بدين الله فهذا هو المطلوب بغض النظر عما ارتكب من المعاصي في حياته السابقة فقد يكون الإنسان كافراً ثم يسلم فإن الإسلام يجب ما قبله والتوبة الصادقة تجب ما قبلها والواجب عليهما أن يبقيا المعاصي السالفة طي الكتمان ولا يفضحا نفسيهما فالمسلم إذا عصى الله تبارك وتعالى سراً فلا يصح له أن يخبر عن ذلك وقد ورد في الحديث عن سالم بن عبد الله قال سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول سمعت رسول الله - رضي الله عنه - يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إلا المجاهرين) هم الذين جاهروا بمعاصيهم, وأظهروها, وكشفوا ما ستر الله تعالى عليهم, فيتحدثون بها لغير ضرورة ولا حاجة] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 412. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين, وفيه ضرب من العناد لهم, وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف, لأن المعاصي تذل أهلها, ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حداً, وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه, فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة, والذي يجاهر يفوته جميع ذلك] فتح الباري 10/ 598 - 599. وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن

أمسها فأنا هذا فاقض فيَّ ما شئت فقال له عمر لقد سترك الله لو سترت نفسك قال فلم يرد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً دعاه وتلا عليه هذه الآية {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة، قال بل للناس كافة) رواه مسلم. وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - (أنه شهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بغلته واقفاً إذ جاءوا بامرأة حبلى فقالت إنها زنت أو بغت فارجمها فقال لها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: استتري بستر الله عز وجل، فرجعت ثم جاءت الثانية والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بغلته فقالت ارجمها يا نبي الله فقال استتري بستر الله تبارك وتعالى فرجعت ثم جاءت الثالثة وهو واقف حتى أخذت بلجام بغلته فقالت أنشدك الله إلا رجمتها ... إلخ الحديث) رواه أحمد. وروى مالك في الموطأ بإسناده عن زيد بن أسلم أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعا له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسوط فأتي بسوط مكسور فقال فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال دون هذا فأتي بسوط قد ركب به ولان فأمر به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجلد ثم قال: أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله). والواجب عليك أيها الزوج أن تستر على زوجتك ما دام أنها قد تابت وتقول بأنها زوجة صالحة محافظة على صلاتها وأخلاقها فاستر عليها حتى يستر الله عليك في اليوم الآخر فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} سورة النور الآية 19. وثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرَّجَ عن مسلم كربة فرَّجَ الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال: (لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم. وورد في حديث آخر أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة). رواه أحمد وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير حديث رقم6287. وفي رواية أخرى قال- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من علم من أخيه سيئةً فسترها ستره الله عز وجلًّ يوم القيامة) رواه أحمد وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/ 449 - 450. وقال الفضيل بن عياض رحمة الله عليه: [المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير]. ولا بد لزوجتك أن تعلم أنها قد وقعت في ذنب عظيم وجرم فظيع فيلزمها التوبة والاستغفار والندم على ما فعلت فإن الله يقبل التوبة من عبده إذا عصاه ثم آب ورجع بل إن الله سبحانه وتعالى يبدل سيئاته حسنات فكيف لا نقبل نحن من قبله الله قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} سورة الفرقان الآيتان 68 - 70 وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} سورة التحريم الآية 8. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} سورة البقرة الآية 222. وخلاصة الأمر فإن الواجب على المسلم إذا وقع في معصية الله أن يستر على نفسه ولا يفضحها فلا يتحدث بمعصيته مع أحد من الناس وأن يتوب إلى الله توبة نصوحاً ومن علم بمعصية أخيه فالواجب أن يستر عليه

لا تصح الرجعة بالنية المجردة عن القول أو الفعل

ولا يفضحه والواجب على السائل أن يستر على زوجته ولا يطلقها ما دام أنها قد تابت وصلح حالها. لا تصح الرجعة بالنية المجردة عن القول أو الفعل يقول السائل: حصل خلاف بين زوج وزوجته فطلقها فذهبت الزوجة إلى بيت أبيها وقبل انقضاء عدتها نوى الزوج في نفسه إرجاعها وبقيت الزوجة ثمانية أشهر في بيت أبيها ثم أرجعها بعد أن سأل أحد المشايخ فأفتاه بأنه لا شيء عليه ورجعته لزوجته صحيحة وهي الآن تعيش مع زوجها فما قولكم في ذلك؟ الجواب: الرجعة هي أن يرد الزوج زوجته بعد طلاق غير بائن ويكون ذلك قبل انقضاء العدة والرجعة مشروعة بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} سورة البقرة الآية 229. قال ابن كثير: [وقوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} أي إذا طلقتها واحدة أو اثنتين فأنت مخير فيها ما دامت عدتها باقية بين أنت تردها إليك ناوياً الإصلاح بها والإحسان إليها وبين أن تتركها حتى تنقضي عدتها فتبين منك وتطلق سراحها محسناً إليها لا تظلمها من حقها شيئاً ولا تضار بها] تفسير ابن كثير 1/ 546 - 547. وقال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} سورة البقرة الآية 228. قال القرطبي: [ثم قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} حكم خاص فيمن كان طلاقها دون الثلاث وأجمع العلماء على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة وكانت مدخولاً بها تطليقة أو تطليقتين أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها

وإن كرهت المرأة فإن لم يراجعها المطلق حتى انقضت عدتها فهي أحق بنفسها وتصير أجنبية منه لا تحل له إلا بخطبة ونكاح مستأنف بولي وإشهاد ليس على سنة المراجعة وهذا إجماع من العلماء] تفسير القرطبي 3/ 120. وورد في الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقال الشيخ الألباني صحيح، انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 432. وروى الإمام البخاري بإسناده عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأل عمر بن الخطاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) وغير ذلك من الأحاديث. وينبغي للزوج أن يراجع زوجته حفاظاً على الأسرة ورعاية للأطفال حتى لا يتعرضوا للتشريد والضياع، والرجعة تصح بالقول باتفاق العلماء كأن يقول الزوج لزوجته راجعتك أو أرجعتك أو يقول أرجعت زوجتي ونحو ذلك من العبارات الصريحة الدالة على الرجعة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما القول فتحصل به الرجعة بغير خلاف وألفاظ راجعتك وارتجعتك ورددتك وأمسكتك لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة فالرد والإمساك ورد بهما الكتاب بقوله سبحانه: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} وقال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} يعني الرجعة. والرجعة وردت بها السنة بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مره فليراجعها) وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فإنهم يسمونها رجعة والمرأة رجعية ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره دون غيره كقولنا في صريح الطلاق، والاحتياط أن يقول: راجعت امرأتي إلى نكاحي أو زوجتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي] المغني 7/ 524. وقال جمهور أهل العلم بأن الزوج إذا أرجع زوجته فمن السنة أن

يشهد على ذلك لقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} سورة الطلاق الآية 2. قال ابن كثير: [وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي على الرجعة إذا عزمت عليها كما رواه أبو داود وابن ماجة عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - (أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة ورجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد). وقال ابن جريج: كان عطاء يقول: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} قال: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا رجاع إلا شاهدا عدل كما قال الله عز وجل إلا أن يكون من عذر] تفسير ابن كثير 6/ 239. وقد حمل أكثر أهل العلم الأمر في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} على الندب مع أن الأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما الشهادة ففيها روايتان: إحداهما: تجب، وهذا أحد قولي الشافعي، لأن الله تعالى قال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباحة بضعٍ مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع. والرواية الثانية: لا تجب الشهادة، وهي اختيار أبي بكر، وقول مالك، وأبي حنيفة. لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج، ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد كالبيع، وعند ذلك يحمل الأمر على الاستحباب ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الإشهاد] المغني 7/ 522 - 523. وقال القرطبي: [الإشهاد عند أكثر العلماء على الرجعة ندب] تفسير القرطبي 18/ 158. وتصح الرجعة عند جمهور العلماء بالفعل كما تصح بالقول وذلك بأن يجامع الرجل مطلقته الرجعية وكذلك تصح الرجعة بمقدمات الجماع كاللمس بشهوة والقبلة بشهوة ونحو ذلك مع نية الزوج إرجاعها وهذا أرجح أقوال أهل العلم في المسألة. إذا تقرر هذا فأعود إلى السؤال فأقول:

أولاً: الواجب أن لا تخرج المطلقة الرجعية من بيت الزوجية لقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} سورة الطلاق الآية 1. ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن المرأة المطلقة تقضي عدتها في بيت الزوجية {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} فأضاف الله عز وجل البيوت لهن. قال القرطبي: [أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل. وهذا معنى إضافة البيوت إليهن كقوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} وقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك] تفسير القرطبي 18/ 154. وقد نص قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا في المادة 146 على ذلك فقد جاء فيها (تعتد معتدة الطلاق الرجعي والوفاة في البيت المضاف للزوجين بالسكن قبل الفرقة). ثانياً: إن الرجعة لا تصح بالنية المجردة عن القول أو الفعل. فهذا الزوج المذكور في السؤال لم يرجع زوجته الرجعة المعتبرة شرعاً. ثالثاً: بناءً على ما تقدم فإن عودة الزوجين إلى المعاشرة الزوجية حرام شرعاً لأن الرجعة الشرعية الصحيحة لم تقع وما حصل بينهما إنما هو وطء بشبهة وعليهما تجديد عقد الزواج بمهر جديد لأن العدة قد انقضت ولم يرجع الزوج زوجته بطريق شرعي صحيح فالواجب أن يجددا عقد الزواج وأن يتوبا إلى الله سبحانه وتعالى توبة صادقة. رابعاً: إن الشيخ الذي أفتى بأن الرجعة صحيحة قد أخطأ في فتواه وقوله غير صحيح ولا أعلم أحداً من أهل العلم قال بفتواه الخاطئة وهذا من الإفتاء بغير علم ومن الجرأة على دين الله عز وجل وإن التسرع في الفتيا خطأ وخطر يفضي إلى عدم إصابة الحق والجرأة على الله تعالى والوقوع فيما نهى

وطء الزوجة في الدبر من المحرمات ولكنه لا يعد طلاقا

عنه يقول تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، ومن أفتى بغير علم فعمل بفتواه عامل كان إثم العامل على من أفتاه، وقال عمر بن الخطاب: [أجرؤكم على الفتيا، أجرؤكم على النار]. فلا ينبغي لأحد أن يقتحم حمى الفتوى ولمَّا يتأهل لذلك، وقد قرر أهل العلم أن من أفتى وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية شديد الإنكار على أدعياء العلم الذين يتصدرون للفتيا فقال له بعضهم يوماً: أجعلت محتسباً على الفتوى؟ فقال له: يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب. فعلى هذا الشيخ أن يتق الله في نفسه وفي الناس الذين يفتيهم بغير علم. وطء الزوجة في الدبر من المحرمات ولكنه لا يعد طلاقاً تقول السائلة: إن زوجها أجبرها على الوطء في الدبر وهي تعلم أن ذلك محرم شرعاً ولكنها سمعت أن المرأة تصير طالقاً إذا أتاها زوجها في دبرها فما الحكم في هذه المسألة أفيدونا؟ الجواب: إن شريعة الإسلام المباركة قد بينت للناس كل الأحكام التي يحتاجون إليها في جميع نواحي حياتهم ومن ذلك طريقة المعاشرة الزوجية الصحيحة والموافقة للفطرة الإنسانية يقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} سورة البقرة الآية 222. وقال الله تعالى في الآية بعدها {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} سورة البقرة الآية 223. قال أهل التفسير إن المراد هو إتيان الزوجة في محل الولد وهو المحل الذي أمر الله عز وجل أن

تؤتى الزوجة فيه ومن المعلوم عند الناس كافة أن محل الولد هو القبل لا الدبر. انظر تفسير القرطبي 3/ 90. وقد وردت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث كثيرة في تحريم إتيان الزوجة في دبرها فمن ذلك: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ملعون من أتى امرأة في دبرها). رواه أحمد وأبو داود وهو حديث حسن. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود. وقال: (فقد بريء مما أنزل على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 7/ 68. وعن خزيمة بن ثابت - رضي الله عنه - (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها) رواه أحمد وابن ماجة. وعن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تأتوا النساء في أعجازهن أو قال في أدبارهن) رواه أحمد. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى) رواه أحمد. وعن علي بن طلق قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (لا تأتوا النساء في أستاههن فإن الله لا يستحي من الحق). رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن وصححه ابن حبان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها) رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان وصححه ابن راهويه انظر آداب الزفاف ص105، زاد المعاد 3/ 257. وعن خزيمة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 7/ 65. وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها كلام لأهل الحديث فهي صالحة

للاحتجاج ومثبتة لتحريم إتيان الزوجة في دبرها قال الحافظ ابن حجر العسقلاني عن هذه الأحاديث: [طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به] فتح الباري 8/ 241. وقال الشوكاني: [ولا شك أن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم إتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضاً] نيل الأوطار6/ 228. وقد أخذ أهل العلم من هذه النصوص تحريم إتيان المرأة في دبرها قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وطء المرأة في دبرها حرام في قول جماهير العلماء] مختصر الفتاوى المصرية ص 37. ولم يصح عن أحد من العلماء إباحة ذلك وما روي من أقوال منسوبة لبعض أهل العلم بإباحة ذلك فهي أقوال ضعيفة شاذة وغير ثابتة عنهم. قال الحافظ ابن كثير: [وقال أبو بكر بن زياد النيسابورى. حدثني إسرائيل بن روح سألت مالك بن أنس: ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: ما أنتم إلا قوم عرب، هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟ لا تعدوا الفرج، قلت: يا أبا عبد الله، إنهم يقولون إنك تقول ذلك- أي إباحة الوطء في الدبر- قال: يكذبون عليَّ يكذبون عليَّ، فهذا هو الثابت عنه، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة، وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة، وعكرمة، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، ومجاهد بن جبر، والحسن وغيرهم من السلف أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار، ومنهم من يطلق على فعله الكفر، وهو مذهب جمهور العلماء] تفسير ابن كثير 1/ 265. وقال القرطبي: [والصحيح في هذه المسألة ما بيناه - تحريم الوطء في الدبر - وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرءون من ذلك لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث لقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ... } وهذا هو الحق وقد قال أصحاب أبي حنيفة: إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم ... وقال ابن العربي في قبسه: قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه: ... وقد

حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة. فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة. وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناساً بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك، فنفر من ذلك، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال: كذبوا عليَّ، كذبوا عليَّ، كذبوا علي! ثم قال: ألستم قوما عرباً؟ ألم يقل الله تعالى: {نساؤكم حرث لكم} وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت! وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل: {أَنَّى شِئْتُمْ} شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها، إذ هي مخصصة بما ذكرناه، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنا عشر صحابياً بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم. وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه (تحريم المحل المكروه). ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه (إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار). قلت: وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه. وقد حذرنا من زلة العالم. وقد روي عن ابن عمر تكفير من فعله، وهذا هو اللائق به - رضي الله عنه -. وكذلك كذَّب نافع من أخبر عنه بذلك، كما ذكر النسائي] تفسير القرطبي 3/ 94 - 95. وقد اعتبر الشيخ ابن حجر المكي إتيان المرأة في دبرها من كبائر الذنوب وهذا هو الحق الذي تؤيده الأدلة فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد لعن من فعل ذلك واللعن لا يكون إلا على كبائر الذنوب. انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 62. وذكر الشيخ ابن القيم حِكماً كثيرة في حرمة وطء المرأة في دبرها فقال: [وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض فما الظن بالحش - الدبر - الذي هو محل الأذى اللازم ... للمرأة حق على الزوج في الوطء ووطؤها في دبرها يفوّت حقها ولا يقضي وطرها ولا يُحصّل مقصودها ... فإنه يذهب بالحياء جملة والحياء هو حياة القلوب فإذا فقدها

عدم الالتزام بالأحكام الشرعية يجلب المصائب

القلب استحسن القبيح واستقبح الحسن وحينئذ فقد استحكم فساده] زاد المعاد 3/ 262 - 263. وقد أثبت العلم الحديث انتقال عدد كبير من الأمراض الجنسية الخطيرة عن طريق الوطء في الدبر أو اللواط ومنها داء نقصان المناعة المكتسب (الإيدز) وهو مرض قاتل غالباً ما ينتشر بين الشاذين جنسياً الذين يمارسون اللواط (أكثر من 70% من حالات الإيدز)] الموسوعة الطبية الفقهية ص456. ومع شدة حرمة إتيان المرأة في دبرها فلا يعد طلاقاً، لأن الطلاق لا يكون إلا باللفظ أو الكتابة أو الإشارة المفهمة من أخرس ونحوه ولا تكون الأفعال المحرمة كالزنا واللواط طلاقاً جاء في المادة 86 من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في بلادنا [يقع الطلاق باللفظ أو الكتابة، ويقع من العاجز عنهما بإشارته المفهومة] وخلاصة الأمر أنه يحرم إتيان المرأة في دبرها وأنه من كبائر الذنوب. ولا يجوز للمرأة أن تطاوع زوجها في ذلك فإن فعلاه فيجب عليهما أن يتوبا إلى الله توبة صادقة ولا يعودا لذلك مستقبلاً ولا علاقة لإتيان المرأة في دبرها بالطلاق أو تحريم الزوجة. عدم الالتزام بالأحكام الشرعية يجلب المصائب يقول السائل: أنا شاب أدرس في غير بلدي، وكان لي صديق يدرس في نفس البلد، هو وزوجته، ثم ضاقت به الظروف فلم يستطع أن يدفع إيجار الشقة فنزل علي ضيفًا هو وزوجته حتى يفرغا من دراستهما وقد كان صديقي كثير الخروج لدروسه، مما سمح بوجود علاقة بيني وبين زوجته بالجماع الكامل لمدة شهرين، ثم عدت إلى دولتي وفوجئت أن هذا الجماع أثمر طفلاً يشبهني وقد أخبرتني زوجة صديقي بأنه ولدي، ولما رأى أبوه الولد أنكره لعدم شبهه به، وهو الآن يفكر جديًّا في طلاقها؛ لأنه يكاد يجزم

بأن الولد ليس ولده، وقد مرَّ على الطفل عام ونصف ولم يسجله باسمه، ولا يريد أن يفعل والسؤال: أنا أعرف أنني أخطأت، ومستعد لما تملونه عليّ. ولكن ما ذنب هذا الطفل، وباسم من يسجل، ومن ينفق عليه، ومع من يعيش؟ وهل أعترف لصديقي بالأمر؟ ماذا أفعل أرجوكم. الجواب: إن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب وقد ازداد إثم هذا الزاني لأنه زنى بزوجة جاره بل بزوجة ضيفه، وعلى هذا الزاني أن يتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة نصوحا، حيث إنه قد وقع في ذنب عظيم، وهناك قضية مهمة أود الإشارة إليها وهي أن السبب في وقوع هذه المعاصي هو التساهل في الأحكام الشرعية، حيث إن الخلوة التي حصلت بين السائل وزوجة صديقه هي التي أوقعته في جريمة الزنا، ولو أنه التزم بالحكم الشرعي لما وقع في هذه الجريمة قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه مسلم. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 432. وأما ما يتعلق بالولد الذي هو ثمرة الزنا فقد قرر أهل العلم أن الولد للفراش أي أن الولد ينسب لزوج المرأة الزانية ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه، قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال ابن أخي قد عهد إليَّ فيه فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا - أي اختصما - إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد إلي فيه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة: زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) قال

العلماء: العاهر الزاني وعهر زنى وعهرت زنت والعهر الزنا, ومعنى الحجر أي له الخيبة ولا حق له في الولد. وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الولد للفراش) , فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشاً له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولداً يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة, سواء كان موافقاً له في الشبه أم مخالفاً) شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 31. وقال الحافظ ابن عبد البر: [فكانت دعوى سعد سبب البيان من الله عز وجل على لسان رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أن العاهر لا يلحق به في الإسلام ولد يدعيه من الزنا وأن الولد للفراش على كل حال والفراش النكاح أو ملك اليمين لا غير. أجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمته - أنه لا يلحق بأحد ولد يستلحقه إلا من نكاح أو ملك يمين فإذا كان نكاح أو ملك فالولد للفراش على كل حال] الاستذكار 2/ 167 - 168. ولا يجوز أن ينسب الولد للزاني حتى ولو اعترف الزاني بأن الولد منه ما دامت الزانية ذات زوج وأما إذا كانت الزانية لا زوج لها فيصح إلحاق الولد بالزاني إن أقر به على قول جماعة من أهل العلم. وأما قول السائل إن زوج المرأة قد أنكر الولد لما رأى أنه لا يشبهه فإن الشريعة قد شرعت اللعان في هذه الحالة وهي أن ينكر الزوج ولداً أنجبته زوجته قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} سورة النور الآيات 6 - 9. وقد ذكر أهل العلم أن سبب نزول هذه الآيات هو ما ورد في الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنه - (أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشريك بن سحماء فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البينة أو حد في ظهرك، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول البينة وإلا حد في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك

حكم إسقاط الحمل الناتج عن اغتصاب

بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل وأنزل عليه {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فقرأ حتى بلغ إِن {كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فانصرف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسل إليها فجاء هلال فشهد والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن) رواه البخاري. ويشترط في اللعان بين الزوجين أن يكون اللعان فورياً بأن ينفي الزوج الولد بمجرد الولادة قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإذا ولدت امرأته ولداً فسكت عن نفيه مع إمكانه لزمه نسبه ولم يكن له نفيه بعد ذلك وبهذا قال الشافعي] المغني 8/ 61. وإذا تم اللعان بين الزوجين تفرقا فرقة أبدية لما ورد في الحديث عن سهل بن سعد (. فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 424. حكم إسقاط الحمل الناتج عن اغتصاب يقول السائل: ما قولكم فيمن يقول بجواز إسقاط الحمل الناتج عن اغتصاب مهما كان عمر الجنين لأن ذلك من باب الستر على الفتاة البريئة؟ الجواب: لاشك أن الزنا من أفظع الجرائم وتزداد فظاعته في حق الرجل عندما يكون مغتَصِباً، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} سورة الإسراء الآية 32. والفتاة المغتصبة لا إثم عليها حيث إنها مكرهة لما ورد في الحديث

أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الطبراني والدارقطني والحاكم بألفاظ مختلفة وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. كما أن المكرهة لا حد عليها قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا حد على مكرهة في قول عامة أهل العلم روي ذلك عن عمر والزهري وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً وذلك لقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (عفي لأمتي عن الخطأ , والنسيان وما استكرهوا عليه) وعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه (أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فدرأ عنها الحد) رواه الأثرم قال: وأتي عمر بإماءٍ من إماء الإمارة , استكرههن غلمان من غلمان الإمارة فضرب الغلمان ولم يضرب الإماء وروى سعيد بإسناده عن طارق بن شهاب: قال: أُتيَ عمر بامرأة قد زنت , فقالت: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم عليَّ فخلى سبيلها ولم يضربها، ولأن هذا شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها وبين الإكراه بالتهديد بالقتل ونحوه ونص عليه أحمد , في راعٍ جاءته امرأة قد عطشت فسألته أن يسقيها , فقال لها: أمكنيني من نفسك قال: هذه مضطرة وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن امرأة استسقت راعياً فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت , فرفع ذلك إلى عمر فقال لعلي: ما ترى فيها؟ قال: إنها مضطرة فأعطاها عمر شيئاً وتركها] المغني 9/ 59 - 60. إذا تقرر هذا فإن الأصل هو تحريم الإجهاض قبل مرور مئة وعشرين يوماً على الحمل إلا لعذر مشروع على الراجح من أقوال العلماء، وأما بعد مضي مئة وعشرين يوماً على الحمل فقد اتفق أهل العلم على تحريم الإجهاض في هذه الحالة؛ لأن الروح تنفخ في الجنين عند مرور تلك المدة على رأي كثير من العلماء لما ثبت في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال حدثنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيأمر بأربع: برزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد

ثم ينفخ فيه الروح.) رواه البخاري. ويستثنى من هذا الحكم حالة واحدة فقط، وهي إذا ثبت بتقرير لجنة من الأطباء الثقات أهل الاختصاص أن استمرار الحمل يشكل خطراً مؤكداً على حياة الأم فحينئذ يجوز إسقاط الحمل. وقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ما يلي: [إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً لا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوهاً أم لا دفعاً لأعظم الضررين] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ص 123. وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية: [من الضروريات الخمس التي دلّت عليها نصوص الكتاب والسنة دلالة قاطعة على وجوب المحافظة عليها وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها حفظ نفس الإنسان وهو في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين سواء كانت النفس حملاً قد نفخ فيه الروح أم كانت مولودة ... فلا يجوز الاعتداء عليها بإجهاض إن كانت حملاً قد نفخ فيه الروح أو بإعطائها أدوية تقضي على حياتها وتجهز عليها، طلباً لراحتها أو راحة من يعولها أو تخليصاً للمجتمع من أرباب الآفات والعاهات والمشوهين والعاطلين، أو غير ذلك مما يدفع بالناس إلى التخلص لعموم قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقّ} وذلك لأن الجنين بعد نفخ الروح أصبح نفساً، يجب صيانتها والمحافظة عليها]. وأما إسقاط الجنين الناتج عن اغتصاب قبل المئة والعشرين يوماً فله وجه شرعي، وقال به بعض أهل العلم وخاصة إن خشي قتل الأم بسبب الأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد السائدة. وبناءً على ما تقدم يحرم الإجهاض بعد مرور مئة وعشرين يوماً على الحمل بغض النظر عن سبب الحمل هل الحمل حمل شرعي أم حمل ناتج

عن زنا؟ برضاً من المرأة والرجل أو كان نتيجة اغتصاب وإكراه؟ ودعوى جواز الإجهاض لستر الفتاة المغتصبة دعوى غير مقبولة شرعاً لما في ذلك من الاعتداء على نفس معصومة وهي الجنين بعد نفخ الروح فيه فما ذنب هذه النفس لتقتل من أجل دفع العار عن أمه ولا شك أن حفظ النفس مقدم على مسألة الستر المدعاة ومن المعلوم أن الإسلام قد شرع كثيراً من الأحكام الشرعية للمحافظة على الجنين فأجاز للحامل أن تفطر في رمضان إذا خافت على نفسها أو جنينها، فقد ورد في الحديث عن أنس بن مالك - رجل من بني عبد الله بن كعب - رضي الله عنه -: [قال أغارت علينا خيل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجدته يتغدى فقال: ادن فكل. فقلت: إني صائم. فقال: ادن أحدثك عن الصوم أو الصيام إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام. واللهِ لقد قالهما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كليهما أو أحدهما فيا لهف نفسي أن أكون طعمت من طعام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث أنس بن مالك الكعبي حديث حسن ... والعمل على هذا عند أهل العلم] عارضة الأحوذي 3/ 188. وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح، انظر صحيح سنن الترمذي 1/ 218. وأجاز الشرع لها أن تؤجل الحج بسبب الحمل وإن حجت فأجاز لها أن تنيب عنها في بعض المناسك كما أن المرأة الحامل من زنا لا يقام عليها الحد حال حملها لما ورد في الحديث عن بريدة - رضي الله عنه - قال: ( ... جاءت امرأة من غامد من الأزد فقالت يا رسول الله طهرني فقال ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه فقالت أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك قال وما ذاك قالت إنها حبلى من الزنى فقال آنت قالت نعم فقال لها حتى تضعي ما في بطنك قال فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت قال فأتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال قد وضعت الغامدية فقال إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إليَّ رضاعه يا نبي الله قال فرجمها) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قوله: (فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك) فيه: أنه لا

حدود طاعة الوالدين

ترجم الحبلى حتى تضع, سواء كان حملها من زنا أو غيره, وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها, وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع] شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 201. وخلاصة الأمر أن ما ذكر في السؤال من جواز إجهاض الحمل الناتج عن اغتصاب بغض النظر عن عمر الجنين هو رأي غير صحيح ومخالف لما قرره أهل العلم قديماً وحديثاً. حدود طاعة الوالدين يقول السائل: إن الإسلام أوجب طاعة الوالدين ولكن ما هي حدود طاعة الوالدين؟ الجواب: طاعة الوالدين من أوجب الواجبات التي أمر بها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحق الوالدين عظيم ولهذا جاء حقهما في الترتيب بعد حق الله تعالى مباشرة. قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} سورة الإسراء الآيتان23 - 24. وقال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} سورة النساء الآية 36. وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} سورة العنكبوت الآية8. وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أفضل الأعمال أو العمل الصلاة لوقتها وبر الوالدين) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (رضا الرب في رضا

الوالد وسخط الرب في سخط الوالد) رواه الترمذي وابن حبان وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 516. ويجب أن يعلم أن طاعة الوالدين من أسباب تفريج الكرب والمصائب كما صح في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم فقال أحدهم اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي ولي صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالديَّ فسقيتهما قبل بنيَّ وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء وقال الآخر اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار فتعبت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها فلما وقعت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ففرج لهم وقال الآخر اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه فرقه فرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً ورعاءها فجاءني فقال اتق الله ولا تظلمني حقي قلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها فقال اتق الله ولا تستهزئ بي فقلت إني لا أستهزئ بك خذ ذلك البقر ورعاءها فأخذه فذهب به فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي ففرج الله ما بقي) رواه مسلم. وكذلك فإن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ومن أسباب دخول جهنم

والعياذ بالله فقد ورد في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً، فقال: ألا وقول الزور. قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث) رواه أحمد والنسائي وابن حبان. وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح انظر صحيح سنن النسائي 2/ 541. وغير ذلك من النصوص الكثيرة. إذا تقرر هذا فإن طاعة الوالدين ليست مطلقة وإنما لها حدود لا يجوز تعديها وأهم هذه الحدود أن طاعة الوالدين إنما تكون في المعروف فإذا أمر الوالدان ولدهما بمعصية فلا طاعة لهما قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} سورة لقمان الآية 15. ويدل على ذلك أيضا قول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري ومسلم. وجاء في حديث آخر عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا طاعة لأحد في معصية الخالق) رواه أحمد والبزار وقال الحافظ ابن حجر: وسنده قوي. فتح الباري 5/ 241، وقال الشيخ الألباني: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وجاء في رواية أخرى: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهي رواية صحيحة. راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني 1/ 137 - 144. وقال الحسن البصري [إن منعته أمه عن صلاة العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها] رواه البخاري تعليقاً. فإذا أمر الوالدان أو أحدهما ولدهما بمعصية أو منكر فلا تجب طاعتهما لما تقدم من الأدلة وعلى الولد أن يرفض طاعة والديه إذا أمراه بمعصية ولكن برفق وحكمة دون أن يسيء لهما بالقول ولا بد من معاملتهما معاملة كريمة طيبة حتى لو كانا كافرين كما قال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} سورة لقمان الآية 15. وقد ورد في الحديث عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستفتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صِلي أمك)

رواه البخاري ومسلم. وكذلك فإن الولد غير ملزم بطاعة والديه فيما يتعلق بشؤونه الخاصة ما دام أنه ملتزم فيها بشرع الله مثل أن يلزماه بأن يتزوج امرأة معينة كما تفعل بعض الأمهات من إلزام ولدها من الزواج من إحدى قريباتها أو أن يطلق زوجته بسبب خلاف وقع بين الأم وزوجة الابن وكذلك الأمر بالنسبة للبنت إذا أجبرها أبوها على الزواج من شخص لا ترضاه كأن يكون فاسقاً أو سيء الأخلاق ولو كان ابن عمها وفي هذه الحالات وأمثالها إذا امتنع الولد من طاعة والديه لم يكن عاقاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية [ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد وأنه إذا امتنع لا يكون عاقاً وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك وأولى فإن أكل المكروه مرارة ساعة وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك ولا يمكن فراقه] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 32/ 30. وإن احتج أحد بما ورد في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال (كانت لي امرأة أحبها وكان أبي - أي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يكرهها فأمرني أبي أن أطلقها فأبيت فذكرت ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وهذا الاحتجاج فيه نظر لأن عمر - رضي الله عنه - عندما أمر ابنه بطلاق زوجته كان له سبب شرعي لذلك وأين آباء اليوم من عمر - رضي الله عنه -!!! وقد جاء رجل إلى الإمام أحمد بن حنبل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي؟ فقال له الإمام أحمد: لا تطلقها، فقال الرجل: أليس الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ فقال الإمام أحمد: وهل أبوك مثل عمر؟. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل متزوج، وله أولاد، ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له طلاقها؟ فأجاب: لا يحل له أن يطلقها لقول أمه؛ بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق امرأته من بِرِّها. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً عن امرأة وزوجها مُتَّفِقَين وأمُّها تريد الفرقة فلم تطاوعها البنت فهل عليها إثمٌ في دعاء أمها عليها؟ فأجاب رحمه الله: [إذا تزوجت المرأة لم يجب عليها أن تطيع أباها ولا أمها في فراق

توريث القاتل خطأ من مال مورثه المقتول

زوجها ولا في زيارتهم بل طاعة زوجها عليها إذا لم يأمرها بمعصية الله أحق من طاعة أبويها (وأيما امرأة ماتت وزوجها عليها راضٍ دخلت الجنة) وإذا كانت الأم تريد التفريق بينها وبين زوجها فهي من جنس هاروت وماروت لا طاعة لها في ذلك ولو دعت عليها اللهم إلا أن يكونا مجتمعَين على معصية أو يكون أمره للبنت بمعصية الله والأم تأمرها بطاعة الله ورسوله الواجبة على كل مسلم] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 33/ 112. وخلاصة الأمر أن طاعة الوالدين فريضة من فرائض الله عز وجل كما أن عقوق الوالدين من كبائر الذنوب ولكن طاعتهما لا تكون إلا في المعروف ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. توريث القاتل خطأً من مال مورثه المقتول يقول السائل: ما قولكم في مسألة توريث القاتل خطأً من مال مورثه المقتول؟ الجواب: اتفق أهل العلم على أن القتل هو أحد موانع الميراث بشكل عام واختلفوا في مسألة القاتل خطأً هل يرث من مال مورثه المقتول خطأً والذي عليه جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء على أن القاتل خطأً لا يرث من مال المقتول ولا من ديته وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئاً ... فأما القاتل خطأً فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يرث أيضاً، نص عليه أحمد، ويروى ذلك عن عمر، وعلي وزيد وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس، وروي نحوه عن أبي بكر رضي الله عنهم. وبه قال شريح وعروة وطاووس وجابر بن زيد والنخعي والشعبي والثوري وشريك والحسن بن صالح ووكيع والشافعي ويحيى بن آدم وأصحاب الرأي

وورثه قوم من المال دون الدية، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب وعطاء والحسن ومجاهد والزهري ومكحول والأوزاعي وابن أبي ذئب وأبي ثور، وابن المنذر وداود، وروي نحوه عن علي لأن ميراثه ثابت بالكتاب، والسنة تخصص قاتل العمد بالإجماع، فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه. ولنا: الأحاديث المذكورة ولأن من لا يرث من الدية لا يرث من غيرها، كقاتل العمد، والمخالف في الدين، والعمومات مخصصة بما ذكرناه] المغني 6/ 364 - 365. وقد خالف في ذلك المالكية وبعض أهل العلم كما سبق في كلام ابن قدامة فقالوا بتوريث القاتل خطأً من مال مورثه المقتول لا من ديته وهذا القول مرجوح لما يلي: ما ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ليس للقاتل شيء وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه ولا يرث القاتل شيئاً) رواه أبو داود وغيره وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. انظر صحيح سنن أبي داود 3/ 864. وجاء في رواية أخرى عند ابن ماجة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (ليس لقاتل ميراث) قال صاحب الزوائد: إسناده حسن. سنن ابن ماجة 2/ 884. وقال الشيخ الألباني عنه حديث صحيح. انظر صحيح سنن ابن ماجة 2/ 98. وقد ورد الحديث السابق بطرق كثيرة وهو حديث حسن أو صحيح والقاتل خطأً يدخل في عموم قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يرث القاتل شيئاً) حيث إن لفظ القاتل لفظ عام فيشمل من قتل عمداً ومن قتل خطأً. وكذلك فإن الرواية الأخرى للحديث: (ليس لقاتل ميراث) تشمل القاتل خطأً لأن لفظة قاتل نكرة في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تعم فتشمل القاتل خطأً والقاتل عمداً. ومما يدل على حرمان القاتل خطأً من الميراث ما ورد عن عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي أنه قتل امرأته خطأً فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اعقلها ولا ترثها) رواه الطبراني. قال الشوكاني: [وحديث عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي نص في

محل النزاع فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: (ولا ترثها) وكذلك حديث عدي الجذامي الذي أشرنا إليه ولفظه في سنن البيهقي: (إن عدياً كانت له امرأتان اقتتلتا فرمى إحداهما فماتت، فلما قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاه فذكر له ذلك، فقال له: (اعقلها ولا ترثها)] نيل الأوطار 6/ 85 - 86. وحديث عدي الجذامي قال عنه الهيثمي: [رواه أبو يعلى بطوله والطبراني باختصار ورجاله رجال الصحيح إلا أن فيه راوٍ لم يسم] مجمع الزوائد4/ 230. وحديث عدي الجذامي رواه البيهقي أيضاً وروى غيره بمعناه ثم قال: [هذه مراسيل جيدة يقوي بعضها بعضاً] السنن الكبرى 6/ 219. وروى البيهقي بإسناده عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: [لا يرث القاتل خطأً ولا عمداً]. وروى أيضاً بإسناده عن علي وزيد وعبد الله قالوا: [لا يرث القاتل عمداً ولا خطأً شيئاً]. وروى أيضاً بإسناده عن جابر بن زيد قال: [أيما رجل قتل رجلاً أو امرأة عمداً أو خطأً ممن يرث فلا ميراث له منهما، وأيما امرأة قتلت رجلاً أو امرأة عمداً أو خطأً فلا ميراث لها منهما، وإن كان القتل عمداً فالقود إلا أن يعفو أولياء المقتول فإن عفوا فلا ميراث له من عقله ولا من ماله، قضى بذلك عمر بن الخطاب وعلي رضي الله عنهما وشريح وغيرهم من قضاة المسلمين] السنن الكبرى 6/ 220. وروى عبد الرزاق بسنده عن أبي قلابة قال: قتل رجل أخاه في زمن عمر بن الخطاب، فلم يورثه، فقال: يا أمير المؤمنين! إنما قتلته خطأً، قال: لو قتلته عمداً أقدناك به] مصنف عبد الرزاق 9/ 403. وروى عبد الرزاق بسنده عن إبراهيم النخعي قال: [لا يرث القاتل من الدية ولا من المال عمداً كان أم خطأً] وروى عبد الرزاق أيضاً عن الثوري: [ونحن على ذلك لا يرث على حال] مصنف عبد الرزاق 9/ 404. ومما يرد به على قول المالكية ومن وافقهم في توريث القاتل خطأً أن قولهم فيه تشجيع على القتل فقد يتعمد الوارث قتل مورثه ويدعي أنه قتله

خطأً ويصعب إثبات صفة العمد في القتل وقد يحتال في ذلك ويظهر أنه قتله خطأً فمن باب سد الذرائع يجب حرمان القاتل خطأً من الميراث وقاعدة سد الذرائع قاعدة معتبرة عند الأصوليين وتشهد لها قواعد الشرع وأصوله. واستدل الإمام السرخسي على حرمان القاتل خطأً من الميراث بأن تهمة استعجال الشيء قبل أوانه قائمة في القتل الخطأ فمن الجائز أنه كان قاصداً إلى ذلك وأظهر الخطأ من نفسه فيجعل هذا التوهم كالمتحقق في حرمان الميراث. ويرى السرخسي أيضاً أن القاتل خطأً كما عوقب بالكفارة على قتله فكذلك يعاقب بالحرمان من الميراث. انظر المبسوط 30/ 47. ويضاف إلى ما سبق أن دعوى المالكية تخصيص عموم الأدلة الواردة بحرمان القاتل من الميراث وإخراج القاتل خطأً منها دعوى ضعيفة وما اعتمدوا عليه لا يقوى على التخصيص. قال الشوكاني: [ولا يخفى أن التخصيص لا يقبل إلا بالدليل] نيل الأوطار 6/ 85. وما ذكره المالكية من تخصيص القاتل خطأً من العموم استدلالاً بما روي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام يوم فتح مكة، فقال: (المرأة ترث من دية زوجها وماله.، وهو يرث من ديتها ومالها، ما لم يقتل أحدهما صاحبه فإذا قتل أحدهما صاحبه عمداً، لم يرث من ديته وماله شيئاً، وإن قتل أحدهما صاحبه خطأً، ورث من ماله، ولم يرث من ديته). قال في الزوائد: في إسناده محمد بن سعيد، وهو المصلوب. قال أحمد: حديثه موضوع، وقال مرة: عمداً كان يضع. وقال أبو أحمد الحاكم: كان يضع الحديث، صلب على الزندقة. وقال الحاكم أبو عبد الله: ساقط بلا خلاف] سنن ابن ماجة 2/ 914. وقال الشيخ الألباني عن الحديث السابق إنه موضوع أي مكذوب على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 10/ 1/205، ضعيف الجامع الصغير حديث رقم 5926 ص854. فهذا الحديث لا يصلح للاحتجاج به كما ترى من كلام أهل العلم فيه ولا يكون مخصصاً لإخراج القاتل خطأً من عموم حرمان القاتل من الميراث.

وخلاصة الأمر أن القاتل خطأً لا يرث وهذا هو القول الراجح الذي تؤيده الأدلة ومقاصد الشريعة في المحافظة على الأنفس.

متفرقات

متفرقات

العمل عند تضارب الفتوى

العمل عند تضارب الفتوى يقول السائل: ما العمل عند اختلاف فتاوى المفتين في مسألة واحدة؟ الجواب: إن الفتوى من أخطر الأمور وأشدها لأنها في الحقيقة توقيع عن رب العالمين كما قال العالمون، وكثير من الذين يتصدرون للفتوى اليوم لا يدركون خطورة شأن الفتوى وما يجب أن يكون عليه المفتي من علم وصدق والتزام بشرع الله. قال الله تعالى: {فاسْألُوا أهلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} سورة النحل الآية 43، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [أهل الذكر هم أهل العلم] تفسير القرطبي 10/ 108. وقال العلامة ابن القيم: [ولما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد العلمَ بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ، صادقاً فيه، ويكون مع ذلك حَسَنَ الطريقة، مرضيَّ السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان مَنصِبُ التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا يُنكَرُ فضله، ولا يُجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟ فحقيقٌ بمن أقيم في هذا المنصب أن يُعدَ له عُدَّته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول

الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب، فقال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} سورة النساء الآية 127، وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالةً، إذ يقول في كتابه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} سورة النساء الآية 176، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غداً وموقوف بين يدي الله] إعلام الموقعين عن رب العالمين 2/ 16 - 17. إذا تقرر هذا فأعود إلى السؤال فأقول: إن الأصل في المستفتي أن يسأل من يثق في علمه ودينه فيعرض مسألته عليه فإن أفتاه لزم المستفتي أن يأخذ بفتواه. قال محمد بن سيرين من أئمة التابعين: [إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه] رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 76. وقال الإمام القدوة يزيد بن هارون: [إن العالم حجتك بينك وبين الله تعالى فانظر مَن تجعل حجتك بين يدي الله عز وجل] ذكره الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 2/ 178. وقال الخطيب البغدادي: [أول ما يلزم المستفتي إذا نزلت به نازلة أن يطلب المفتي ليسأله عن حكم نازلته، فإن لم يكن في محلته وجب عليه أن يمضي إلى الموضع الذي يجده فيه، فإن لم يكن ببلده لزمه الرحيل إليه وإن بعدت داره فقد رحل غير واحد من السلف في مسألةٍ ... إلى أن قال: وإذا قصد أهل محلة للاستفتاء عما نزل به فعليه أن يسأل من يثق بدينه ويسكن إلى أمانته عن أعلمهم وأمثلهم؛ ليقصده ويؤم نحوه، فليس كل من ادعى العلم أحرزه، ولا كل من انتسب إليه كان من أهله] الفقيه والمتفقه 2/ 177. وقال الإمام الآمدي: [القائلون بوجوب الاستفتاء على العامي اتفقوا على جواز استفتائه لمن عرفه بالعلم وأهلية الاجتهاد والعدالة بأن يراه منتصباً للفتوى والناس متفقون على سؤاله والاعتقاد فيه، وعلى امتناعه فيمن بالضد

من ذلك] الإحكام في أصول الأحكام 4/ 453. وقال الإمام القرافي المالكي: [ولا يجوز لأحد الاستفتاء إلا إذا غلب على ظنه أن الذي يستفتيه من أهل العلم والدين والورع] الذخيرة 1/ 147. وقال الإمام الشوكاني: [إذا تقرر لك أن العامي يسأل العالم والمقصر يسأل الكامل فعليه أن يسأل أهل العلم المعروفين بالدين وكمال الورع عن العالم بالكتاب والسنة العارف بما فيهما، المطلع على ما يحتاج إليه في فهمهما من العلوم الآلية حتى يدلوه عليه ويرشدوه إليه فيسأله عن حادثته طلباً منه أن يذكر له فيها ما في كتاب الله سبحانه أو ما في سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحينئذ يأخذ الحق من معدنه ويستفيد الحكم من موضعه ويستريح من الرأي الذي لا يأمن المتمسك به أن يقع في الخطأ المخالف للشرع المباين للحق ومن سلك هذا المنهج ومشى في هذا الطريق لا يعدم مطلبه ولا يفقد من يرشده إلى الحق فإن الله سبحانه وتعالى قد أوجد لهذا الشأن من يقوم به ويعرفه حق معرفته وما من مدينة من المدائن إلا وفيها جماعة من علماء الكتاب والسنة وعند ذلك يكون حكم هذا المقصر حكم المقصرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم فإنهم كانوا يستروون النصوص من العلماء ويعملون على ما يرشدونهم إليه ويدلونهم عليه وقد ذكر أهل الأصول أنه يكفي العامي في الاستدلال على من له أهلية الفتوى بأن يرى الناس متفقين على سؤاله مجتمعين على الرجوع إليه ولا يستفتي من هو مجهول الحال كما صرح به الغزالي والآمدي وابن الحاجب وحكى في المحصول الاتفاق على المنع] إرشاد الفحول ص 271. وغير ذلك من أقوال أهل العلم. ولا ينبغي التنقل بالسؤال من مفت إلى آخر حتى يحصل المستفتي على الجواب الذي يوافق هواه من المفتي المتساهل فإن التساهل في الفتوى من المحرمات قال الإمام النووي رحمة الله عليه: [يحرم التساهل في الفتوى، ومن عرف به حَرُمَ استفتاؤه، فمن التساهل أن لا يتثبت ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، فإن تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالمبادرة، وعلى هذا يُحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة،

ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة، على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة، والتمسك بالشبه طلباً للترخيص، لمن يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره، وأما من صح قصدُه فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها للتخليص من ورطة يمين ونحوها، فذلك حسنٌ جميلٌ، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا كقول سفيان -الثوري- إنما العلمُ عندنا الرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل أحد] المجموع 1/ 46. وبهذه المناسبة فقد سئلت منذ عهد قريب عن فوائد صندوق التوفير في إحدى الشركات فأفتيت بتحريمها لأنها الربا المحرم في كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد طرح السؤال على بعض المفتين وغير المفتين فأجابوا بأن ذلك عين الحلال بحجج هي أوهى من بيت العنكبوت، فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون. كيف أصبح الربا المحرم قطعاً في كتاب ربنا وسنة نبينا حلالاً خالصاً عند بعض المتسورين على الفتوى وعند بعض المجاهيل الذين يصدرون الفتاوى باسم حزب أو جماعة دون أن يُعرفوا بأعيانهم حتى ينظر الناس هل هؤلاء أهل للفتوى أم ليسوا لها أهلاً؟ ويجب أن يعلم أن الفتوى خاصة وأمور الدين عامة لا تقبل من المجاهيل فالمجهول مردود الرواية ولا يعتد بقوله لا في وفاق ولا في خلاف. وقد قرر العلماء أن المستفتي إن تعارضت لديه الفتاوى أنه يأخذ بقول الأعلم والأتقى والأكثر اعتماداً على الكتاب والسنة وقواعد الشرع تدل أيضاً أنه إذا تعارض الحل والتحريم فيقدم التحريم كما في مسألة صندوق التوفير لأن ذلك أحوط مع أن القول بالتحريم هو القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة من كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انظر المجموع 1/ 92، شرح الكوكب المنير 4/ 580 - 581، الفتوى في الإسلام ص105 - 106. وقد حق لنا أن نبكي على أحوال المفتين كما بكى ربيعة الرأي -شيخ الإمام مالك-فقيل: ما يبكيك؟ فقال: استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم! وقال: ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق! وقال بعض العلماء: [فكيف لو رأى ربيعة زماننا؟ وإقدام من لا علم عنده على الفتيا وتوثبه عليها، ومد باع التكلف إليها وتسلقه بالجهل والجرأة عليها

لا يترتب حكم شرعي على رؤية سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام

مع قلة الخبرة وسوء السيرة وشؤم السريرة، وهو من بين أهل العلم منكر أو غريب، فليس له في معرفة الكتاب والسنة وآثار السلف نصيب ... ] إعلام الموقعين عن رب العالمين 6/ 118. لا يترتب حكم شرعي على رؤية سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام يقول السائل: ما الحكم الشرعي فيمن يزعم أنه رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام وطلب منه أن يفعل فعلاً كأن يطلق زوجته فهل يلزمه طلاقها أفيدونا. الجواب: رؤية سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام ممكنة وهذا ما يعتقده أهل السنة والجماعة وقد وردت عدة أحاديث في ذلك منها عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي) قال ابن سيرين: إذا رآه في صورته. رواه البخاري. وعن أنس - رضي الله عنه -قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. ويؤخذ من الأحاديث الصحيحة الواردة في رؤية سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قد يرى في النوم وأن من رآه في النوم على صورته المعروفة فقد رآه فإن الشيطان لا يتمثل في صورته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولكن الأمر الهام الذي يجب أن يعلم أن العلماء قد قرروا أنه لا يؤخذ أي حكم شرعي من رؤية النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنامات لأن الشريعة الإسلامية قد تمت وكملت قبل وفاة سيدنا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} سورة المائدة الآية 3. كما أن مصادر التشريع معلومة ومعروفة وقد بينها الأصوليون وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس والمصادر التبعية على خلاف بينهم فيها وليس منها الرؤى ولا المنامات ولا يحتج بالرؤى في باب الأحكام الشرعية إلا من

ضعف عقله وزاغ عن طريق الحق والصواب. فليست الرؤى والمنامات من مصادر التشريع وهذا هو الحق والصواب وماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وأكثر ما يؤخذ من الرؤى أن تكون بشارة أو نذارة لا أن تكون مصدراً للتشريع. قال الإمام النووي عند كلامه على رؤى الرواة: [قال القاضي عياض رحمه الله: هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان لا أنه يقطع بأمر المنام ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت ولا تثبت به سنة لم تثبت وهذا بإجماع العلماء, هذا كلام القاضي. وكذا قاله غيره من أصحابنا وغيرهم فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع. وليس هذا الذي ذكرناه مخالفاً لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (من رآني في المنام فقد رآني) فإن معنى الحديث أن رؤيته صحيحة وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشيطان ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي به لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي, وقد اتفقوا على أن من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظاً لا مغفلاً ولا سيئ الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط, والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به الولاة, أما إذا رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه لأن ذلك ليس حكماً بمجرد المنام بل تقرر من أصل ذلك الشيء] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 115. وقال الإمام النووي أيضاً: [لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان, ولم ير الناس الهلال, فرأى إنسان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام، فقال له: الليلة أول رمضان لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره] المجموع 6/ 292. وقال الإمام النووي أيضاً عند كلامه على خصائص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [ومنه أن من رآه في المنام فقد رآه حقاً فإن الشيطان لا يتمثل في صورته ولكن لا يعمل بما يسمعه الرائي منه في المنام مما يتعلق بالأحكام إن خالف ما استقر في الشرع لعدم ضبط الرائي لا للشك في الرؤيا لأن الخبر لا يقبل

إلا من ضابط مكلف والنائم بخلافه] تهذيب الأسماء واللغات1/ 43. وقال الشاطبي: [وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرائي بالحكم فلا بد من النظر فيها أيضاً لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته فالحكم بما استقر وإن أخبر بمخالف فمحال لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائي النومية لأن ذلك باطل بالإجماع فمن رأى شيئاً من ذلك فلا عمل عليه وعند ذلك نقول عن رؤياه غير صحيحة إذ لو رآه حقاً لم يخبر بما يخالف الشرع] الاعتصام 1/ 321. وانظر أيضاً الموافقات للشاطبي1/ 114 - 115. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [الرؤيا المحضة التي لا دليل على صحتها لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق] مجموع الفتاوى 27/ 457. وقال ابن حزم الظاهري: [الشرائع لا تُؤْخَذ بالمنامات] المحلى 6/ 507. وقال الشوكاني: [المسألة السابعة: في رؤيا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر جماعة من أهل العلم منهم الأستاذ أبو إسحاق أنه يكون حجة ويلزم العمل به وقيل حجة ولا يثبت به حكم شرعي وإن كانت رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -رؤية حق والشيطان لا يتمثل به لكن النائم ليس من أهل التحمل للرواية لعدم حفظه وقيل إنه يعمل به ما لم يخالف شرعاً ثابتاً، ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كمله الله عز وجل وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ولم يأتنا دليل يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إذ قال فيها بقول أو فعل فيها فعلاً يكون دليلاً وحجة بل قبضه الله إليه عند أن كمَّل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها وقد انقطعت البعثة لتبليغ الشرائع وتبينها بالموت وإن كان رسولاً حياً وميتاً وبهذا تعلم أن لو قدَّرنا ضبط النائم لم يكن ما رآه من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو فعله حجة عليه ولا على غيره من الأمة] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ص249.

وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز: [ولا يجوز أن يعتمد عليها في شيء يخالف ما علم من الشرع، بل يجب عرض ما سمعه الرائي من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أوامر أو نواهي أو خبر أو غير ذلك من الأمور التي يسمعها أو يراها الرائي للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الكتاب والسنة الصحيحة، فما وافقهما أو أحدهما قبل، وما خالفهما أو أحدهما ترك؛ لأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها وأتم عليها النعمة قبل وفاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يجوز أن يقبل من أحد من الناس ما يخالف ما علم من شرع الله ودينه سواء كان ذلك من طريق الرؤيا أو غيرها وهذا محل إجماع بين أهل العلم المعتد بهم، أما من رآه عليه الصلاة والسلام على غير صورته فإن رؤياه تكون كاذبة كأن يراه أمرد لا لحية له، أو يراه أسود اللون أو ما أشبه ذلك من الصفات المخالفة لصفته عليه الصلاة والسلام، لأنه قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي) فدل ذلك على أن الشيطان قد يتمثل في غير صورته عليه الصلاة والسلام ويدعي أنه الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -من أجل إضلال الناس والتلبيس عليهم. ثم ليس كل من ادعى رؤيته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون صادقاً وإنما تقبل دعوى ذلك من الثقات المعروفين بالصدق والاستقامة على شريعة الله سبحانه، وقد رآه في حياته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقوام كثيرون فلم يسلموا ولم ينتفعوا برؤيته كأبي جهل وأبي لهب وعبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وغيرهم، فرؤيته في النوم عليه الصلاة والسلام من باب أولى] ونقل صاحب تهذيب الفروق والقواعد السنية عن العلامة العطار قوله: ولا يلزم من صحة الرؤيا التعويل عليها في حكم شرعي لاحتمال الخطأ في التحمل وعدم ضبط الرائي] تهذيب الفروق والقواعد السنية 4/ 270. وقد وجدت كلاماً للإمام القرافي في مسألة قريبة من مسألة طلاق الزوجة بناءً على الرؤية حيث قال: [فلو رآه عليه الصلاة والسلام فقال له: إن امرأتك طالق ثلاثاً, وهو يجزم بأنه لم يطلقها فهل تحرم عليه؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يقول إلا حقاً وقع فيه البحث مع الفقهاء واضطربت آراؤهم في ذلك بالتحريم وعدمه لتعارض خبره عليه الصلاة والسلام عن تحريمها في النوم وإخباره في اليقظة في شريعته المعظمة أنها مباحة له, والذي يظهر لي أن إخباره عليه الصلاة والسلام في اليقظة مقدم

الرقية الشرعية

على الخبر في النوم لتطرق الاحتمال للرائي بالغلط في ضبط المثال, فإذا عرضنا على أنفسنا احتمال طروء الطلاق مع الجهل به واحتمال طروء الغلط في المثال في النوم وجدنا الغلط في المثال أيسر وأرجح, ومن هو من الناس يضبط المثال على النحو المتقدم إلا أفراد قليلة من الحفاظ لصفته عليه الصلاة والسلام وأما ضبط عدم الطلاق فلا يختل إلا على النادر من الناس والعمل بالراجح متعين, وكذلك لو قال له عن حلال: إنه حرام, أو عن حرام إنه حلال, أو عن حكم من أحكام الشريعة قدمنا ما ثبت في اليقظة على ما رأى في النوم لما ذكرناه كما لو تعارض خبران من أخبار اليقظة صحيحان فإنا نقدم الأرجح بالسند أو باللفظ أو بفصاحته أو قلة الاحتمال في المجاز أو غيره فكذلك خبر اليقظة وخبر النوم يخرجان على هذه القاعدة] الفروق 4/ 245 - 246. وأخيراً أذكر ما قاله الشاطبي: [وعلى الجملة فلا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنّة نعم يأتي المرئي تأنيساً وبشارة ونذارة خاصة بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكماً ولا يبنون عليها أصلاً وهو الاعتدال في أخذها حسبما فهم من الشرع فيها] الاعتصام 1/ 322. وبعد هذه النقول عن فحول أهل العلم أقول لا شك أنه لا يصح في دين الإسلام الاعتماد على الرؤى والأحلام في إثبات الأحكام ولا يجوز للسائل أن يطلق زوجته بناءً على تلك المنامات. الرقية الشرعية يقول السائل: إني أمارس العلاج بالقرآن الكريم منذ سنة 1993 حتى كتابة هذه السطور لأرضي ربي أولاً وعوناً للناس وكفايتهم عن التردد على السحرة والمشعوذين. وألخص طريقة العلاج وبحضور محارم المريضة فقط كالآتي:

أضع يدي على رأس المريض أو المريضة، مع وضع حاجز بيننا عند القراءة عليها، وأقرأ ما تيسر من القرآن وآيات الرقية في أذنها (المرأة) من خلال ماسورة بلاستيك. لا أعالج أي مريضة إطلاقاً إلا إذا لبست طويلاً أو غطت الرأس بإشارب إن كانت متبرجة وبحضور صاحبات أو من الأهل أو محارمها. أستغل العلاج بالقرآن الكريم وأوظفه في الدعوة إلى الله حيث تلبس المرأة الجلباب بعد تماثلها للشفاء وتصلي وكذلك الرجال. في الجلسة الأولى وبعد قراءة آيات الكشف على المصروع (وحسب الحاجة) أسأل أسئلة كثيرة هي علامات الصرع أو تأثير سحر أعرفها من خلال معرفة أحوال وأعمال الممسوس وكذلك من خلال التجربة. من هذه الأسئلة ما يتعلق بالجنس خلال المنام أو اليقظة وعن رفض المرأة لزوجها في الفراش دون إرادتها، أو ربط الرجل عن زوجته بسحر أو أمور متعلقة بعقم المرأة والزوج من خلال الجماع وغيره. أو العادة السرية عند رفض المرأة لزوجها - بعد فترة طويلة - أو عند المراهقين. إذا صرعت المرأة ممكن أن تتكشف ونغطيها مباشرة. إذا صرعت المريضة فإنها تحاول إنزال يدي عن رأسها فتلمسني. إذا صرع الجان المرأة أو الرجل يمنعها عن متابعة العلاج من غير إرادتها ويمنع إدخال أي سائل مقروء عليه قرآن - آيات الرقية وغيرها - إلى جوف المريض فاضطر إلى لمس الوجه لتثبيته بهدف إدخال الماء أو الزيت إلى فم المريض. وكذلك بعض نقاط في الأنف إذا خاف محارمها هذا العمل بأنفسهم. لتعميم الجسد جميعه بالماء المقروء عليه قرآناً نرش على ملابس المريض ثم أطلب من أهلها رش البنطلون، فحينما يخشون ذلك أرش البنطلون بنفسي من خلال مضخة دون أن نكشف جسدها وبحضور أهلها.

ويمسح جسد المصروعة بزيت حبة البركة المقروء عليه قرآن حتى إذا اقتضت الضرورة لكل الجسد حينها يخرج كل الرجال من الجلسة وأنا كذلك. مرات قليلة أو نادرة جداً أمسح الوجه أو الرقبة بدون حائل أنا بدل أهلها وذلك لخوف الاقتراب منها غالباً حين الصرع. لكشف أماكن تأثير الجن أو الشيطان الصارع في الجسد اضطر إلى تحسس بعض أماكن مع حائل طبعاً كالظهر أو الصدر أو البطن أو الكتف أو الأطراف. يحتاج المريض إلى أشرطة قرآن للسماع خاصة آيات الرقية وسورة البقرة وآية الكرسي والمعوذتين والإخلاص، وكذلك إلى زيت حبة البركة بثمنه كما في السوق. بعضهم برفض أخذ الباقي من النقود فيتبرعوا بها لدعم العلاج. يتبرع أهل المريض بشيء من المال في سبيل الله دون أن أطلب منهم غير ثمن المواد المساعدة في العلاج. وهل في ذلك شيء حتى لو طلبت أجراً بسيطاً أردّ به بعض الناس لأخفف عني كثيراً من الحالات في الوقت نفسه. لم يختلف شيء في طريقة العلاج منذ أن بدأت حتى الآن فحسب إحصاء خاص تبين أن 80% من الناس يتماثلون للشفاء حين يلتزمون بالعلاج من خلال هذه الطريقة. أفتوني في ذلك يرحمكم الله وجزاكم الله خيراً. (ملحوظة: صياغة السؤال من السائل) الجواب: بعد الاطلاع على رسالة السائل أفيده بما يلي: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المسلمين وعلى آله وصحبه الطيبين. وبعد فهذه أهم ضوابط المعالجة بالرقية الشرعية: إن العلاج بالقرآن والرقية بآياته من الأمور المشروعة، يقول الله

سبحانه وتعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا} سورة الإسراء الآية 82. وثبت في الحديث الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذتين) رواه مسلم. ولا بد أن تكون الرقية شرعية فلا تصح الرقى الشركية، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) رواه مسلم. ويشترط في الرقية الشرعية ما يلي: أولاً: أن تكون بكلام الله، أو بأسمائه، أو صفاته، أو بالأدعية النبوية المأثورة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك. ثانياً: أن تكون باللسان العربي فكل كلام مجهول فليس لأحد أن يرقي به فضلاً عن أن يدعو به ولو عرف معناه لأنه يكره الدعاء بغير العربية، وإنما يرخص لمن لا يحسن العربية، فأما جعل الألفاظ الأعجمية شعاراً فليس من دين الإسلام كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. ثالثاً: أن تكون مفهومة المعنى. رابعاً: ألا تشتمل على شيء غير مباح، كالاستغاثة بغير الله أو دعاء غيره، أو اسم للجن، أو ملوكهم ونحو ذلك. خامساً: ألا يعتمد عليها. سادساً: أن يعتقد أنها لا تؤثر بذاتها، بل بإذن الله تعالى. سابعاً: لا يجوز اللجوء لأي إنسان يدعي المعالجة بالقرآن أو أنه يستطيع إخراج الجن من المصروع إلا بعد التأكد من أن هذا الشخص من الصالحين الملتزمين بكتاب الله وسنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه يتبع الطرق المشروعة في الرقية والعلاج ولا يستخدم شياطين الجن الذين لا يخدمونه إلا إذا وقع في المحرمات.

وكذلك فإن بعض هؤلاء المعالجين يستخدمون الطلاسم في المعالجة، أو يذكرون كلاماً غير مفهوم المعنى، فهذا لا يجوز استعماله. ثامناً: لا ينبغي لأحد من الناس أن يتفرغ لعلاج الناس بالرقى القرآنية أو بالأذكار الواردة، والإعلان عن نفسه بأنه المعالج بالقرآن والبديل الشرعي لفك السحر ومس الجان والعين والعقم والأمراض المستعصية، أو يعلن عن نفسه العيادة القرآنية، ويوزع الكروت، ويحدد المواعيد كالأطباء المختصين، لأن ذلك ليس من منهج الصحابة والتابعين والصالحين، ولم يكن معروفاً مثل هذا التفرغ عندهم مع أن الناس لا زالوا يمرضون على مر العصور والأزمان، ولأن فتح هذا الباب قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة، ويلج منه الدجالون والمشعوذون وأمثالهم. تاسعاً: لا يجوز للراقي مس شيء من بدن المرأة التي يرقيها لما في ذلك من الفتنة، وإنما يقرأ عليها بدون مس، وهناك فرق بين عمل الراقي وعمل الطبيب، لأن الطبيب قد لا يمكنه العلاج إلا بمس الموضع الذي يريد أن يعالجه، بخلاف الراقي فإن عمله - وهو القراءة والنفث - لا يتوقف على اللمس كما أفتت بذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية، ولا يصح مس جسد المرأة إلا عند الحاجة. عاشراً: لا يجوز للراقي أن يخلو بالمريضة أبداً ولا بد من وجود زوجها أو محرم أو أكثر من امرأة لقوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير حديث رقم 2546. أحد عشر: يجب أن تكون المريضة لابسةً للباس الشرعي أثناء العلاج. ثاني عشر: لا يجوز إلصاق الأوراق المكتوب فيها شيء من القرآن أو الأدعية على الجسم أو على موضع منه، أو وضعها تحت الفراش ونحو ذلك على الراجح من أقوال أهل العلم لأنه من تعليق التمائم المنهي عنه

بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له) وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الرُّقى والتمائم والتولة شرك) رواه أحمد وأبو داود. ويمنع ذلك سداً للذرائع أيضاً خشية أن يفضي إلى تعليق ما ليس من القرآن. ولأن التعليق قد يعرضه للامتهان فيحمله معه عند قضاء الحاجة والاستنجاء. قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز [واختلف العلماء في التمائم إذا كانت من القرآن أو من الدعوات المباحة هل هي محرمة أم لا؟ والصواب تحريمها لوجهين: أحدهما: عموم الأحاديث المذكورة، فإنها تعم التمائم من القرآن وغير القرآن. والوجه الثاني: سد ذريعة الشرك فإنها إذا أبيحت التمائم من القرآن اختلطت بالتمائم الأخرى واشتبه الأمر وانفتح باب الشرك بتعليق التمائم كلها ومعلوم أن سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي من أعظم القواعد الشرعية]. وذكر الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين عن جماعة من العلماء أنه: [. لا يجوز تعليق القرآن للاستشفاء به؛ لأن الاستشفاء بالقرآن ورد على صفة معينة، وهي القراءة به، بمعنى أنك تقرأ على المريض به؛ فلا نتجاوزها، فلو جعلنا الاستشفاء بالقرآن على صفة لم ترد؛ فمعنى ذلك أننا فعلنا سبباً ليس مشروعاً. ولولا الشعور النفسي بأن تعليق القرآن سبب للشفاء؛ لكان انتفاء السببية على هذه الصورة أمراً ظاهراً؛ فإن التعليق ليس له علاقة بالمرض، بخلاف النفث على مكان الألم؛ فإنه يتأثر بذلك. ولهذا نقول؛ الأقرب أن يقال: إنه لا ينبغي أن تعلق الآيات للاستشفاء بها، لا سيما وأن هذا المعلق قد يفعل أشياء تنافي قدسية القرآن؛ كالغيبة مثلاً، ودخول بيت الخلاء، وأيضاً إذا علق وشعر أن به شفاء استغنى به عن القراءة المشروعة؛ فمثلاً علق آية الكرسي على صدره، وقال: ما دام أن آية الكرسي على صدري فلن أقرأها، فيستغنى بغير المشروع عن المشروع، وقد يشعر بالاستغناء عن القراءة المشروعة إذا كان القرآن على صدره] مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين 1/ 58.

وقال الشيخ عبد الله الجبرين: [ولم يثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو الذي نزل عليه القرآن، وهو بأحكامه أعرف وبمنزلته أعلم أنه علق على نفسه أو غيره تميمة من القرآن أو غيره، أو اتخذه أو آيات منه حجاباً يقيه الحسد أو غيره من الشر، أو حمله أو شيئاً منه في ملابسه أو في متاعه على راحلته لينال العصمة من شر الأعداء أو الفوز والنصر عليهم أو لييسر له الطريق ويذهب عنه وعثاء السفر أو غير ذلك من جلب نفع أو دفع ضر. فلو كان مشروعاً لحرص عليه وفعله، وبلَّغه أمته، وبينه لهم، عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} سورة المائدة الآية 67، ولو فعل شيئاً من ذلك أو بينه لأصحابه لنقلوه إلينا، ولعملوا به، فإنهم أحرص الأمة على البلاغ والبيان، وأحفظها للشريعة قولاً وعملاً، وأتبعها لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن لم يثبت شيء من ذلك عن أحد منهم؛ فدل ذلك على أن حمل المصحف أو وضعه في السيارة أو متاع البيت أو خزينة المال لمجرد دفع الحسد أو الحفظ أو غيرهما من جلب نفع أو دفع ضر لا يجوز]. أحد عشر: أن يكون الراقي مسلماً عدلاً من أهل الصلاح والتقوى معتقداً أن الله عز وجل هو الذي يشفي ملتزماً بأحكام الشرع ويحسن القراءة على المرقي وعارفاً بأحكام الرقية الشرعية ويفضل أن يكون من أهل العلم وليس ذلك بشرط على الصحيح من أقوال العلماء يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين: [الذي أرى أنه لا يشترط أن يكون من أهل العلم إذا كان حافظاً لكتاب الله معروفاً بالتقى والصلاح ولم يقرأ إلا بالقرآن أو ما جاء عن النبي محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا بأس، وليس من شرطه أن يكون عالماً، وبعض العلماء يكون عالماً لكن في القراءة يكون أقل من الآخرين أي من بعض الناس]. ويقول الشيخ عبد الله بن جبرين: [الصواب أنه يجوز استعمال الرقية من كل قارئ يحسن القرآن ويفهم معناه ويكون حسن المعتقد صحيح العمل مستقيماً في سلوكه، ولا يشترط إحاطته بالفروع ولا دراسته للفنون العلمية، وذلك لقصة أبي سعيد في الذي رقى اللديغ قال: وما كنا نعرف منه الرقية

أو كما قال، وعلى الراقي أن يحسن النية وأن يقصد نفع المسلم ولا يجعل همه المال والأجرة ليكون ذلك أقرب إلى الإنتفاع بقراءته]. ثالث عشر: يجوز أخذ الأجرة على الرقية بضوابطها الشرعية، فقد أقر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك كما ثبت في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (انطلق نفر من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط! الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما أنشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبَة، فقال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكروا له ذلك، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم، اقتسموا، واضربوا لي معكم سهماً) رواه البخاري ومسلم. ومع القول بجواز أخذ الأجرة فالأولى أن يكون الراقي متبرعاً بعمله لله تعالى قال الشيخ عبد الله الجبرين: [يفضل أن الراقي يتبرع برقيته لنفع المسلمين واحتساب الأجر من الله في شفاء مرضى المسلمين وإزالة الضرر عنهم وأن لا يطلب أجرة على رقيته بل يترك الأمر إلى المرضى فإن دفعوا له أكثر من تعبه زهد فيها وردها وإن كانت دون حقه تغاضى عن الباقي وهذا من أكبر الأسباب لتأثير الرقية]. وخلاصة الأمر أن المعالجة بالقرآن وبالأدعية النبوية المأثورة أمر مشروع وينبغي للراقي أن يكون من أهل الخير والصلاح والتقى ومن المتمسكين بدين الله ومن المحافظين على الصلوات وغيرها من العبادات وأن

حديث النهي عن الامتشاط يوميا

يكون صحيح العقيدة وبعيداً عن البدع والخرافات وغير ذلك من المنكرات. وعلى الراقي أن يلتزم بالأحكام الشرعية للعلاج - المذكورة سابقاً -. حديث النهي عن الامتشاط يومياً يقول السائل: إنه سمع حديثاً نبوياً فيه (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يمتشط الرجل كل يوم) فهل هذا الحديث ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما دلالته إن صح أفيدونا. الجواب: الحديث المذكور رواه أبو داود والنسائي والبيهقي ولفظه (عن حميد بن عبد الرحمن قال لقيت رجلاً صحب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما صحبه أبو هريرة - رضي الله عنه - أربع سنين قال نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله أو يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعاً) والحديث قال عنه الإمام النووي: رواه أبو داود بإسناد حسن، المجموع 1/ 293، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 9. ويجب أن يعلم أن النهي في الحديث ليس للتحريم وإنما لكراهة التنزيه فليس كل نهي وارد في الشرع يدل على التحريم، فإن كثيراً من النواهي الشرعية تدل على الكراهة التنزيهية وقد عجبت ممن جمعوا أحاديث النواهي الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحشروها في باب واحد وكأنها كلها تدل على التحريم مما أوقع كثيراً من طلبة العلم الشرعي في إشكالات كثيرة وكان الواجب أن يبينوا إما بياناً إجمالياً أو بياناً تفصيلياً أن من أحاديث النواهي ما هو محمول على الكراهة التنزيهية حتى يكون طلبة العلم على بصيرة. والمراد من الحديث المذكور في السؤال أنه لا ينبغي أن يكون المسلم مترفهاً منعماً يهتم كثيراً بتسريح شعره على سبيل المبالغة في ذلك وخير الأمور الوسط ومثله ما ورد في حديث آخر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نهى عن الترجل

إلا غباً) رواه أبو داود والترمذي، وصححه والترجل والترجيل: تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إلا غباً) أي يوماً بعد يوم فلا يكره بل يسن فالمراد النهي عن المواظبة عليه والاهتمام به لأنه مبالغة في التزيين وتهالك به كما قاله المناوي في فيض القدير 6/ 404. ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عبد الله بن بريدة أن رجلاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه وهو يمد ناقة له فقال إني لم آتك زائراً إنما أتيتك لحديث بلغني عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجوت أن يكون عندك منه علم فرآه شعثاً فقال ما لي أراك شعثاً وأنت أمير البلد؟ قال إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينهانا عن كثير من الإرفاه) رواه أبو داود والنسائي وغيرهما، والإرفاه: من الرفاهية وهي السعة والدعة والتنعم. ويضاف إلى ذلك أنه قد وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العناية بالشعر وتنظيفه وتسريحه منها: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من كان له شعر فليكرمه). رواه أبو داود وقال صاحب عون المعبود: [قوله (من كان له شعر فليكرمه) أي فليزينه ولينظفه بالغسل والتدهين والترجيل ولا يتركه متفرقاً فإن النظافة وحسن المنظر محبوب] عون المعبود شرح سنن أبي داود 11/ 147. وقال الشوكاني: [الحديث قال في الفتح: وإسناده حسن وله شاهد من حديث عائشة في الغيلانيات وإسناده حسن أيضاً وسكت عنه أبو داود والمنذري وقد صرح أبو داود أيضاً أنه لا يسكت إلا عما هو صالح للاحتجاج ورجال إسناده أئمة ثقات. وفيه دلالة على استحباب إكرام الشعر بالدهن والتسريح وإعفائه عن الحلق لأنه يخالف الإكرام إلا أن يطول كما ثبت عند أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: (أتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولي شعر طويل فلما رآني قال: ذباب ذباب قال:

فرجعت فجززته ثم أتيته من الغد فقال: إني لم أعنك) وقوله: ذباب. قال صاحب النهاية: الذباب الشؤم أي هذا شؤم. وأخرج مالك عن عطاء بن يسار قال: (أتى رجل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته ففعل ثم رجع فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أليس هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان) والثائر الشعث بعيد العهد بالدهن والترجيل. وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - (أنه كانت له جمة ضخمة فسأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم) رواه النسائي. قال الشوكاني أيضاً: [الحديث رجال إسناده كلهم رجال الصحيح وأخرجه أيضًا مالك في الموطأ ولفظ الحديث عن أبي قتادة قال: (قلت يا رسول اللَّه إن لي جمة أفأرجلها قال: نعم وأكرمها) فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعم وأكرمها] نيل الأوطار 1/ 239 - 241 بتصرف. وذكر المناوي أن حديث أبي قتادة محمول على أنه كان محتاجاً للترجيل كل يوم لغزارة شعره أو هو لبيان الجواز وذكر الحافظ السيوطي في حاشية أبي داود قال الشيخ ولي الدين العراقي في حديث أبي داود نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أن يمتشط أحدنا كل يوم) هو نهي تنزيه لا تحريم, والمعنى فيه أنه من باب الترفه والتنعم فيجتنب, ولا فرق في ذلك بين الرأس واللحية. فيض القدير 6/ 404. وروى الإمام البخاري بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يصغي إليَّ رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض). وأخرج الترمذي في الشمائل عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يكثر دهن رأسه, وتسريح لحيته). وذكر العلامة ابن القيم: حديث (من كان له شعر فليكرمه) وحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (نهى عن الترجل إلا غباً) وردَّ على من قال بوقوع التعارض

مناداة الناس يوم القيامة بأسماء أمهاتهم غير ثابت

بينهما فقال: [والصواب: أنه لا تعارض بينهما بحال, فإن العبد مأمور بإكرام شعره, ومنهي عن المبالغة والزيادة في الرفاهية والتنعم, فيكرم شعره, ولا يتخذ الرفاهية والتنعم ديدنه, بل يترجل غباً. هذا أولى ما حمل عليه الحديثان, وبالله التوفيق] حاشية ابن القيم مطبوعة مع عون المعبود شرح سنن أبي داود 11/ 147. وخلاصة الأمر أنه ينبغي للمسلم أن يحافظ على شعره ويكرمه وينظفه دون مبالغة في ذلك. مناداة الناس يوم القيامة بأسماء أمهاتهم غير ثابت يقول السائل: سمعت حديثاً ينص على أن الناس يدعون يوم القيامة بأسماء أمهاتهم فهل ثبت ذلك عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفيدونا؟ الجواب: روي في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراً من الله عز وجل عليهم) وهذا الحديث مكذوب على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ذكره ابن الجوزي في كتابه الموضوعات 3/ 248، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة 2/ 449، وقال العجلوني: [أخرجه ابن عدي عن أنس وقال منكر، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات] كشف الخفاء 2/ 394. وبهذا يظهر لنا أن الحديث المذكور حديث مكذوب على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلاف ذلك أي أن الناس يدعون يوم القيامة بأسماء آبائهم فقد روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان بن فلان). وقال الحافظ ابن حجر: [حديث ابن عمر في الغادر يرفع له لواء لقوله فيه (غدرة فلان ابن فلان) فتضمن الحديث أنه ينسب إلى أبيه في الموقف الأعظم ... وقال ابن بطال: في هذا الحديث ردٌ لقول من زعم أنهم لا يدعون يوم القيامة إلا بأمهاتهم ستراً على آبائهم. قلت: هو حديث أخرجه

الطبراني من حديث ابن عباس وسنده ضعيف جداً, وأخرج ابن عدي من حديث أنس مثله وقال: منكر أورده في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الطبري. قال ابن بطال: والدعاء بالآباء أشد في التعريف وأبلغ في التمييز. وفي الحديث جواز الحكم بظواهر الأمور. قلت: وهذا يقتضي حمل الآباء على من كان ينسب إليه في الدنيا لا على ما هو في نفس الأمر وهو المعتمد] فتح الباري10/ 691. وقال الشيخ ابن القيم: [الفصل العاشر في بيان أن الخلق يدعون يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم هذا الصواب الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة ونص عليه الأئمة كالبخاري وغيره فقال في صحيحه باب يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم ثم ساق في الباب حديث ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع الله لكل غادر لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان بن فلان) وفي سنن أبي داود بإسناد جيد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا أسماءكم) فزعم بعض الناس أنهم يدعون بأمهاتهم واحتجوا في ذلك بحديث لا يصح وهو في معجم الطبراني من حديث أبي أمامة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيبه ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله الحديث وفيه فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه قال فلينسبه إلى أمه حواء يا فلان ابن حواء) قالوا وأيضا فالرجل قد لا يكون نسبه ثابتاً من أبيه كالمنفي باللعان وولد الزنا فكيف يدعى بأبيه؟ والجواب أما الحديث فضعيف باتفاق أهل العلم بالحديث، وأما من انقطع نسبه من جهة أبيه فإنه يدعى بما يدعى به في الدنيا فالعبد يدعى في الآخرة بما يدعى به في الدنيا من أب أو أم والله أعلم] تحفة المودود ص 139. وقال الشيخ ابن القيم في موضع آخر: [وفي هذا الحديث - حديث أبي الدرداء -: رد على من قال: إن الناس يوم القيامة إنما يدعون بأمهاتهم, لا آبائهم وقد ترجم البخاري في صحيحه لذلك فقال (باب يدعى

الناس بآبائهم) وذكر فيه حديث نافع عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال (الغادر يرفع له لواء يوم القيامة؟ يقال له: هذه غدرة فلان بن فلان). واحتج من قال بالأول. بما رواه الطبراني في معجمه من حديث سعيد بن عبد الله الأودي قال (شهدت أبا أمامة - وهو في النزع - قال: إذا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -, فقال: إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره , فليقم أحدكم على رأس قبره , ثم ليقل يا فلان بن فلانة , فإنه يسمعه ولا يجيبه, ثم يقول: يا فلان بن فلانة فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله - فذكر الحديث - وفيه فقال رجل يا رسول الله, فإن لم يعرف أمه, قال: فلينسبه إلى أمه حواء فلان بن حواء). ولكن هذا الحديث متفق على ضعفه فلا تقوم به حجة فضلا عن أن يعارض به ما هو أصح منه. وحديث التلقين الذي ورد في كلام العلامة ابن القيم السابق احتج به من يرى أن الميت يدعى بأمه ففيه (يا فلان بن فلانة) فهذا الحديث ورد عن جابر بن سعيد الأزدي قال: (دخلت على أبي أمامة وهو في النزع فقال لي: يا أبا سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصنع بموتانا فإنه قال: إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل: يا فلان ابن فلانة! فإنه يستوي قاعداً فليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه سيقول أرشدني رحمك الله فليقل: اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول له: ما نصنع عند رجل لقن حجته؟ فيكون الله حجيجهما دونه) قال الشيخ الألباني: منكر. أخرجه القاضي الخلعي في الفوائد 2/ 55، قلت - أي الألباني -: [وهذا إسناد ضعيف جداً لم أعرف أحداً منهم غير عتبة بن السكن. قال الدارقطني: متروك الحديث. وقال البيهقي: واهٍ منسوب إلى الوضع. والحديث أورده الهيثمي. وقال: رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده جماعة لم أعرفهم] ثم ذكر الشيخ الألباني أن الأئمة النووي وابن الصلاح والحافظ العراقي قد ضعفوا الحديث. السلسلة الضعيفة 2/ 64 - 65. ونقل ابن علان قول الحافظ ابن حجر بعد تخريج

حديث (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله)

حديث أبي أمامة: [هذا حديث غريب وسند الحديثين من الطريقين ضعيف جداً] الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 4/ 196. وقال الصنعاني: [ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة ولا يغتر بكثرة من يفعله] سبل السلام 2/ 234. وورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي يده كتابان فقال: (أتدرون ما هذان الكتابان)؟ فقلنا لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله، قال (هذا كتاب رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ... ) الحديث رواه أحمد والترمذي والنسائي والطبراني وابن عاصم وغيرهم، وقال الشيخ الألباني حديث حسن. وهذا الحديث يدل على أن الناس يدعون بآبائهم يوم القيامة. وخلاصة الأمر أن الناس يدعون يوم القيامة بآبائهم كما صحت الأحاديث بذلك ولا يدعون بأمهاتهم. وعلى المسلم أن يستعد لليوم الآخر بالعمل الصالح فإن استعد بالعمل الصالح فلا يؤثر عليه إن دعي بأبيه أو أمه. حديث (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله) يقول السائل: سمعت حديثاً يقول (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله) فهل هذا الحديث ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما معناه؟ الجواب: هذا الحديث ورد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وله عدة ألفاظ منها ما رواه الطبراني في المعجم الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله) وفي رواية أخرى (فإنكم لن تدركوه إلا بالتصديق) وفي رواية ثالثة (لا تفكروا في الله وتفكروا في خلق الله) وفي رواية رابعة (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله) والحديث بمجموع طرقه حديث حسن كما بين ذلك العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 395 - 397. وفي صحيح الجامع الصغير 1/ 572.

إذا تقرر هذا فإن المراد بالحديث أن يتفكر الإنسان في مخلوقات الله وفي نعم الله عز وجل، وقد أمرنا الله عز وجل أن نتفكر فيما خلق في آيات كثيرة منها: قوله تعالى {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} سورة الغاشية الآية 17 .. وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} سورة الأنعام الآية99. وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} سورة الأعراف 185. وقوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} سورة يونس الآية 101. وقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة العنكبوت الآية 20. وقوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَىءَاثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة الروم الآية 50. وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} سورة عبس الآية 24. وغير ذلك من الآيات الكريمات. ولا ينبغي التفكر في ذات الله لأن التفكر في ذات الله قد يقود الإنسان إلى الشك وهذا الأمر من وساوس الشيطان ومن إضلاله للمؤمن ليخرجه من الإيمان إلى الكفر والعياذ بالله ولن يستطيع الإنسان بعقله المحدود أن يعرف قدر الله سبحانه وتعالى، قال جل جلاله: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) سورة البقرة الآية 255. وقال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) سورة طه الآية110. وقال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) سورة الشورى الآية 11. قال الإمام أبو جعفر الطحاوي صاحب العقيدة المرضية عند أهل السنة والجماعة ما نصه: [ولا نخوض في الله ولا نماري في دين الله]. وقال الشيخ ابن أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية في شرح العبارة السابقة: [

يشير الشيخ رحمه الله إلى الكف عن كلام المتكلمين الباطل وذم علمهم فإنهم يتكلمون في الإله بغير علم وغير سلطان أتاهم (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) سورة النجم الآية 23. وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال: [لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء بل يصفه بما وصف به نفسه ... ] شرح العقيدة الطحاوية ص 427. وقد علَّمنا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيفية معالجة شكوك ووساوس الشيطان عندما يعرض لنا فقد ورد في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله) رواه أحمد والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 1656. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يوشك الناس يتساءلون، حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فإذا قالوا ذلك؛ فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً، وليستعذ من الشيطان) رواه أحمد وأبو داود وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 24. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلقك؟ فيقول الله. فيقول: فمن خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقرأ آمنت بالله ورسله فإن ذلك يذهب عنه) رواه أحمد وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 22. وفي صحيح الجامع حديث رقم 1657. وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من وجد من هذا الوسواس، فليقل: آمنا بالله ورسوله ثلاثاً فإن ذلك يذهب عنه) رواه أحمد وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 22. وفي صحيح الجامع حديث رقم 6587. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يؤخذ من هذه

الأحاديث ست وسائل للتغلب على وساوس الشيطان: 1 - أن يقول المرء إذا انتابته هذه الخواطر: آمنت بالله ورسوله. 2 - أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فيقول مثلاً: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه). 3 - أن يتفل عن يساره ثلاثاً. 4 - أن ينتهي عما هو فيه، كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ولينته)، وهذه وسيلة مهمة؛ فإن الاستطراد مع الشيطان في هذه الوساوس يزيد نارها اشتعالاً وضراماً، والواجب أن يقطع المسلم هذه الخواطر بقدر المستطاع، وأن يشغل ذهنه بالمفيد النافع. 5 - أن يقرأ سورة الإخلاص (قل هو الله أحد) فإن فيها ذكر صفات الرحمن، ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن، وقراءة هذه السورة العظيمة وتدبرها كفيل بقطع هذه الوساوس. 6 - أن يتفكر الإنسان في خلق الله، وفي نعم الله، ولا يتفكر في ذات الله، لأنه لن يصل بعقله القاصر إلى تصور ذات الله، قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} سورة طه الآية 110انتهى. وقال الشيخ العلامة الألباني بعد أن ذكر الأحاديث السابقة: [دلت هذه الأحاديث الصحيحة على أنه يجب على من وسوس إليه الشيطان بقوله: من خلق الله؟ أن ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في الأحاديث المذكورة، وخلاصتها أن يقول: [آمنت بالله ورسله، الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. ثم يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان، ثم ينتهي عن الانسياق مع الوسوسة وأعتقد أن من فعل ذلك طاعة لله ورسوله، مخلصاً في ذلك أنه لا بد أن تذهب الوسوسة عنه، ويندحر شيطانه لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فإن ذلك يذهب عنه). وهذا التعليم النبوي الكريم أنفع وأقطع للوسوسة من المجادلة العقلية في هذه القضية، فإن المجادلة قلما تنفع في مثلها. ومن المؤسف أن أكثر الناس في غفلة عن هذا

حديث أمر موسى بالسجود لقبر آدم عليه السلام مكذوب

التعليم النبوي الكريم، فتنبهوا أيها المسلمون وتعرفوا إلى سنة نبيكم واعملوا بها، فإن فيها شفاؤكم وعزكم] السلسلة الصحيحة 2/ 25. وخلاصة الأمر أن الحديث ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن المطلوب من المسلم أن يتفكر في مخلوقات الله عز وجل وآلائه وأن لا يتفكر في ذات الله لأن التفكير في ذات الله من المضلات والعياذ بالله. حديث أمر موسى بالسجود لقبر آدم عليه السلام مكذوب يقول السائل: إنه قرأ الحديث التالي ويسأل عن صحته والحديث هو: (ذكر أن إبليس جاء إلى موسى صلوات الله تعالى وسلامه عليه فقال له: أنت الذي اصطفاك الله تعالى برسالته وكلمك تكليماً، وإنما أنا خلق من خلق الله تعالى أردت أن أتوب إلى ربك فاسأله أن يتوب عليّ ففرح بذلك موسى فدعا وصلّى ما شاء الله تعالى. ثم قال: يا رب إنه إبليس خلق من خلقك يسألك التوبة فتب عليه. فقيل له: يا موسى إنه لا يتوب. فقال: يا رب إنه يسألك التوب. فأوحى الله تعالى: إني استجبت لك يا موسى فمره أن يسجد لقبر آدم فأتوب عليه فرجع موسى مسروراً فأخبره بذلك، فغضب من ذلك واستكبر ثم قال: أنا لم أسجد له حياً أأسجد له ميتاً ... ). الجواب: هذا الحديث ليس ثابتاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما ذكره بعض أهل التفسير كالسيوطي حيث ذكره عند تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمَءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} سورة البقرة الآيات 31 - 33، قال السيوطي في الدر النثور: [أخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان عن ابن عمر قال: لقي إبليس موسى فقال: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله

برسالاته وكلمك تكليماً إذ تبت؟ وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب عليَّ قال موسى: نعم. فدعا موسى ربه فقيل: يا موسى قد قضيت حاجتك، فلقي موسى إبليس قال: قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك. فاستكبر وغضب وقال: لم أسجد له حياً أأسجد له ميتا ً؟ ثم قال إبليس: يا موسى إن لك عليَّ حقاً بما شفعت لي إلى ربك فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن. اذكرني حين تغضب فإني أجري منك مجرى الدم، واذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف. فأذكره ولده وزوجته حتى يولي، وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها] وذكره السيوطي أيضاً في الجامع الصغير ورمز لضعف الحديث انظر فيض القدير 3/ 166. وكذلك فإن الشيخ الألباني قد ضعف الحديث في ضعيف الجامع الصغير ص 326 حديث رقم 2213 وذكر أن الحكيم الترمذي رواه في كتاب أسرار الح. وقد ورد هذا الحديث في حادثة أخرى مع نوح عليه السلام كما ذكره السيوطي في الدر المنثور في تفسير سورة هود فقال [ ... وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر في مكايد الشيطان عن أبي العالية قال: لما رست السفينة سفينة نوح عليه السلام إذا هو بإبليس على كوتل السفينة. . .! فقال له نوح عليه السلام: ويلك قد غرق أهل الأرض من أجلك.؟! قال له إبليس: فما أصنع؟ قال: تتوب. قال: فسل ربك هل لي من توبة؟ فدعا نوح ربه، فأوحى إليه أن توبته أن يسجد لقبر آدم. قال: قد جعلت لك توبة قال: وما هي؟ قال: تسجد لقبر آدم. قال: تركته حياً وأسجد له ميتاً؟!]. وبهذا يظهر لنا أن الحديث غير ثابتٍ روايةً كم أنه مردود درايةً فالله سبحانه وتعالى لا يأمر أحداً من خلقه أن يسجد لقبر فإن السجود لغير الله شرك أكبر ويبدو أن الحديث من وضع بعض عباد القبور.

حديث استئذان ملك الموت على النبي - صلى الله عليه وسلم - غير ثابت

حديث استئذان ملك الموت على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير ثابت يقول السائل: إنه سمع حديث استئذان ملك الموت على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند وفاته وأنه ما استأذن على آدمي قبل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يستأذن على آدمي بعده، فهل هذا الحديث ثابت أفيدونا؟ الجواب: حديث استئذان ملك الموت على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورد بعدة روايات منها: عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن رجلاً من قريش دخل على أبيه علي بن الحسين، فقال: ألا أحدثك عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: بلى حدثنا عن أبي القاسم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لما مرض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاه جبريل فقال: يا محمد! إن الله أرسلني إليك تكريماً لك، وتشريفاً لك، خاصة لك؛ يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل! مغموماً، وأجدني يا جبريل مكروباً، ثم جاءه اليوم الثاني، فقال له ذلك، فرد عليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما رد أول يوم، ثم جاءه اليوم الثالث، فقال له كما قال أول يوم، ورد عليه، كما رد عليه، وجاء معه ملك - يقال له إسماعيل - على مئة ألف ملك، كل ملك على مئة ألف ملك، فاستأذن عليه، فسأله عنه؟ ثم قال جبريل: هذا ملك الموت يستأذن عليك؛ ما استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال: ائذن له، فأذن له، فسلم عليه، ثم قال: يا محمد! إن الله أرسلني إليك؛ فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضت، وإن أمرتني أن أتركه تركته! فقال: وتفعل يا ملك الموت؟!، قال: نعم، بذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك، قال: فنظر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى جبريل عليه السلام فقال جبريل: يا محمد! إن الله قد اشتاق إلى لقائك، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لملك الموت: امض لما أمرت به، فقبض روحه، فلما توفي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجاءت التعزية؛ سمعوا صوتاً من ناحية البيت! السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاءً من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل فائت، فبالله فاتقوا وإياه فأرجوا؛ فإنما المصاب من حرم الثواب! فقال علي: أتدرون من هذا هو الخضر عليه السلام) رواه البيهقي في

دلائل النبوة وذكره صاحب مشكاة المصابيح وقال الشيخ الألباني في تعليقه على المشكاة: [إسناده واهٍ وكل حديث فيه حياة الخضر إلى عهده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يصح] مشكاة المصابيح 3/ 1685. وجاء في رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها لما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأوا منه خفة في أول النهار فتفرق عنه الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين وأخلوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنساء فبينا نحن على ذلك لم نكن على مثل حالنا في الرجاء والفرح قبل ذلك قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أخرجن عني! هذا الملك يستأذن علي" فخرج من في البيت غيري ورأسه في حجري فجلس وتنحيت في جانب البيت فناجى الملك طويلا، ثم إنه دعاني فأعاد رأسه في حجري وقال للنسوة "ادخلن" فقلت. ما هذا بحس جبريل عليه السلام؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أجل يا عائشة هذا ملك الموت جاءني فقال: إن الله عز وجل أرسلني وأمرني أن لا أدخل عليك إلا بإذن، فإن لم تأذن لي ارجع وإن أذنت لي دخلت، وأمرني أن لا أقبضك حتى تأمرني، فماذا أمرك؟ فقلت: اكفف عني حتى يأتيني جبريل عليه السلام، فهذه ساعة جبريل" فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها، فاستقبلنا بأمر لم يكن له عندنا جواب ولا أرى، فوجمنا وكأنما ضربنا بصاخة ما نحير إليه شيئا وما يتكلم أحد من أهل البيت إعظاماً لذلك الأمر وهيبة ملأت أجوافنا، قالت وجاء جبريل في ساعته فسلم فعرفت حسه وخرج أهل البيت فدخل فقال: إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول؛ كيف تجدك وهو أعلم بالذي تجد منك، ولكن أراد أن يزيدك كرامةً وشرفاً وأن يتم كرامتك وشرفك على الخلق وأن تكون سنة في أمتك فقال "أجدني وجعاً" فقال: أبشر فإن الله تعالى أراد أن يبلغك ما أعد لك فقال "يا جبريل إن ملك الموت استأذن علي" وأخبره الخبر فقال جبريل: يا محمد إن ربك إليك مشتاق ألم يعلمك الذي يريد بك؟ لا والله تعالى ما استأذن ملك الموت على أحد قط ولا يستأذن عليه أبداً، إلا أن ربك متم شرفك وهو إليك مشتاق، قال "فلا تبرح إذن حتى يجيء" وأذن للنساء فقال "يا فاطمة ادني" فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وعيناها تدمع وما تطيق الكلام، ثم قال "ادني مني رأسك" فأكبت عليه فناجاها

فرفعت رأسها وهي تضحك وما تطيق الكلام، فكان الذي رأينا منها عجباً، فسألتها بعد ذلك فقالت أخبرني وقال "إني ميت اليوم" فبكيت ثم قال "إني دعوت الله أن يلحقك بي في أول أهلي وأن يجعلك معي" فضحكت، وأدنت ابنيها منه فشمهما قالت. وجاء ملك الموت واستأذن فأذن له فقال الملك. ما تأمرنا يا محمد؟ قال "ألحقني بربي الآن" فقال بلى من يومك هذا إما إن ربك إليك مشتاق ولم يتردد عن أحد تردده عنك ولم ينه عن الدخول على أحد إلا بإذن غيرك ولكن ساعتك أمامك وخرج قالت وجاء جبريل فقال السلام عليك يا رسول الله هذا آخر ما أنزل فيه إلى الأرض أبداً "طوي الوحي وطويت الدنيا وما كان لي في الأرض حاجة غيرك، وما لي فيها حاجة إلا حضورك، ثم لزوم موقفي لا والذي بعث محمداً بالحق ما في البيت أحد يستطيع أن يحير إليه في ذلك كلمة ولا يبعث إلى أحد من رجاله، لعظم ما يسمع من حديثه ووجدنا وإشفاقنا، فقالت: فقمت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أضع رأسه بين ثديي وأمسكت بصدره. وجعل يغمى عليه حتى يغلب وجبهته ترشح رشحاً ما رأيته من إنسان قط، فجعلت أسلت ذلك العرق وما وجدت رائحة شيء أطيب منه فكنت أقول له - إذا أفاق - بأبي أنت وأمي ونفسي وأهلي ما تلقى جبهتك من الرشح؟ فقال "يا عائشة إن نفس المؤمن تخرج بالرشح ونفس الكافر تخرج من شدقيه كنفس الحمار" فعند ذلك ارتعنا وبعثنا إلى أهلنا، فكان أول رجل جاءنا ولم يشهده أخي، بعثه إلى أبي، فمات رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يجيء أحد، وإنما صدهم الله عنه لأنه ولاه جبريل وميكائيل، وجعل إذا أغمي عليه قال (بل الرفيق الأعلى) كأن الخيرة تعاد عليه، فإذا أطاق الكلام قال: (الصلاة، الصلاة!) إنكم لا تزالون متماسكين ما صليتم جميعا، (الصلاة! الصلاة!) كان يوصي بها حتى مات وهو يقول (الصلاة! الصلاة!) بطوله في مجيء ملك الموت ثم ذهابه ثم مجيء جبريل ثم مجيء ملك الموت ووفاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: [أخرجه الطبراني في الكبير من حديث جابر وابن عباس مع اختلاف في حديث طويل فيه: فلما كان يوم الاثنين اشتد الأمر وأوحى الله إلى ملك الموت أن اهبط إلى حبيبي

وصفيي محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحسن صورة وارفق به في قبض روحه. وفيه دخول ملك الموت واستئذانه في قبضه فقال (يا ملك الموت أين خلفت حبيبي جبريل" قال خلفته في سماء الدنيا والملائكة يعزونه فيك، فما كان بأسرع أن أتاه جبريل فقعد عند رأسه وذكر بشارة جبريل له بما أعد الله له، وفيه أدن يا ملك الموت فانته إلى ما أمرت به ... الحديث. وفيه: فدنا ملك الموت يعالج قبض روح النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر به لذلك، إلى أن قال: فقبض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو حديث طويل في ورقتين كبار وهو منكر، وفيه عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه قال أحمد: كان يكذب على وهب بن منبه، وأبوه إدريس أيضا متروك قاله الدارقطني، ورواه الطبراني أيضا من حديث الحسين بن علي: أن جبريل جاءه أولا فقال له عن ربه كيف تجدك ثم جاءه جبريل اليوم الثالث ومعه ملك الموت وملك الهواء إسماعيل وأن جبريل دخل أولاً فسأله ثم استأذن ملك الموت وقوله امض لما أمرت به). وهو منكر أيضا فيه عبد الله بن ميمون القداح قال البخاري ذاهب ... الحديث ورواه أيضا من حديث ابن عباس في مجيء ملك الموت أولاً واستئذانه وقوله. إن ربك يقرئك السلام فقال "أين جبريل" فقال هو قريب مني الآن يأتي فخرج ملك الموت حتى نزل عليه جبريل ... الحديث وفيه المختار بن نافع منكر الحديث. وقال الشوكاني: [وفي إسناده القاسم بن عبد الله بن عمر وهو متروك وقد كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقال أحمد إنه كان يضع الحديث] تحفة الذاكرين ص 316. وقال العلامة ابن القيم عند تعداده للضوابط التي يعرف بها أن الحديث لا يثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[ومنها الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد] المنار المنيف ص 67. وقال الشيخ الألباني أيضاً عن الحديث السابق: [موضوع - أي مكذوب - أخرجه الإمام الشافعي في السنن عن القاسم بن عبد الله بن

عمر بن حفص عن جعفر. وهذا إسناد ضعيف جداً على إرساله، آفته القاسم هذا - وهو العمري المدني - قال الإمام أحمد: ليس بشيء كان يكذب ويضع الحديث. وكذبه ابن معين أيضاً، ولهذا قال الحافظ في التقريب: متروك رماه أحمد بالكذب] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 11/ 2/642 - 643. وقال محقق كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف: [وهذا الحديث بطوله فيه انقطاع فإن محمداً الباقر والد جعفر الصادق وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب تابعي لم يدرك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو ولا أبوه زين العابدين] لطائف المعارف ص 212. وجاء في رواية أخرى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: لما كان قبل وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاثة أيام هبط عليه جبريل فقال: يا محمد إن الله عز وجل أرسلني إليك إكراماً لك، وتفضيلاً لك، وخاصةً لك يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أجدني يا جبريل مغموماً وأجدني يا جبريل مكروباً، فلما كان اليوم الثالث، هبط جبريل وهبط مع ملك الموت وهبط معهما ملك الهواء يقال له: إسماعيل على سبعين ألف ملك، ليس فيهم ملك إلا على سبعين ألف ملك يشيعهم جبريل فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك إكراماً لك، وتفضيلاً لك، وخاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجدني يا جبريل مغموماً، وأجدني يا جبريل مكروباً، فاستأذن ملك الموت على الباب فقال له جبريل: يا محمد هذا ملك الموت يستأذن عليك، ولا استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال: ائذن له، فأذن له جبريل فأقبل حتى وقف بين يديه فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك، فيما أمرتني به، إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها، وإن كرهت تركتها، فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أتفعل يا ملك الموت؟ قال: نعم وبذلك أمرت أن أطيعك فيما أمرتني به، فقال له جبريل: إن الله قد اشتاق إلى لقائك، فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: امض لما أمرت به، فقال له جبريل: هذا آخر وطئي

قصة غدير خم

الأرض، إنما كنت حاجتي في الدنيا، فلما توفي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجاءت التعزية جاء آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كل نفس ذائقة الموت، إن في الله عزاءً من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل ما فات، فبالله ثقوا، وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته) رواه الطبراني وفيه: عبد الله بن ميمون القداح، قال أبو حاتم وغيره متروك. وقال الهيثمي: [رواه الطبراني وفيه عبد الله بن ميمون القداح ذاهب الحديث] مجمع الزوائد 9/ 35. وقال الشيخ الألباني عن عبد الله بن ميمون القداح: [قلت: والقداح هذا، قال أبو حاتم: متروك. وقال البخاري: ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به. وفي التقريب: منكر الحديث متروك. وبه أعله الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 35.] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 11/ 2/643. وخلاصة الأمر أن حديث استئذان ملك الموت على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند وفاته لا يصح ولا يثبت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل هو من الأحاديث الواهية ولا تجوز رواية مثل هذا الحديث إلا مع بيان درجته. قصة غدير خم يقول السائل: هل الحديث الوارد في قصة غدير خم وأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عهد إلى علي - رضي الله عنه - بالخلافة ثابت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفيدونا؟ الجواب: أولاً أذكر أن غَدير خُم هو موضع بين مكة والمدينة، وهو واد عند الجحفة به غدير، يقع شرق رابغ البلدة المعروفة في الحجاز. وأما الحديث فقد روى مسلم بإسناده عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله

وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي) وروى الإمام أحمد في مسنده عدة أحاديث في قصة غدير خم منها (عن زاذان أبي عمر قال سمعت علياً في الرحبة وهو ينشد الناس من شهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم غدير خم وهو يقول ما قال، فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو يقول من كنت مولاه فعلي مولاه) ومنها عن سعيد بن وهب وزيد بن يثيع قالا نشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول يوم غدير خم إلا قام قال فقام من قبل سعيد ستة ومن قبل زيد ستة فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لعلي - رضي الله عنه - يوم غدير خم أليس الله أولى بالمؤمنين قالوا بلى قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) وغير ذلك. وقصة غدير خم صحيحة ثابتة كما قال أهل الحديث ولكن ما يدعيه الشيعة من أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عهد إلى علي - رضي الله عنه - بالخلافة وأوصى بالخلافة له محض افتراء وكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ليس في هذا الحديث - حديث غدير خم - ما يدل على أنه نص على خلافة علي - رضي الله عنه -، إذ لم يرد به الخلافة أصلاً، وليس في اللفظ ما يدل عليه، ولو كان المراد به الخلافة لوجب أن يبلغ مثل هذا الأمر العظيم بلاغاً بيناً] منهاج السنة 4/ 84 - 85. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً عند ذكره حديث غدير خم مرجعه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حجة الوداع، فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب فيه خطبة وصَّى فيها بإتباع كتاب الله، ووصَّى فيها بأهل بيته، كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك، حتى زعموا أنه عهد إلى علي - رضي الله عنه - بالخلافة بالنص الجلي، بعد أن فرش له، وأقعده على فراش

عالية، وذكروا كلاماً وعملاً قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء، وزعموا أن الصحابة تمالؤا على كتمان هذا النص، وغصبوا الوصي حقه، وفسَّقوا وكفَّرُوا إلا نفراً قليلاً.] اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 293. وقال الشيخ ابن كثير: [وأما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة والقصاص الأغبياء من أنه أوصى - أي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى علي بالخلافة فكذب وبهت وافتراء عظيم، يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة وممالأتهم بعده على ترك تنفيذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه وصرفهم إياها إلى غيره لا لمعنى ولا لسبب] البداية والنهاية 7/ 225. وخلاصة الأمر أن حديث الغدير صحيح ولكن ادعاء الشيعة بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصى لعلي - رضي الله عنه - بالخلافة كذب وافتراء. تمَّ الكتاب بحمد الله تعالى

الجزء العاشر

يسألونك الجزء العاشر تأليف: الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه رئيس دائرة الفقه والتشريع كلية الدعوة وأصول الدين / جامعة القدس طباعة وتنسيق: شفاء بنت حسام الدين عفانه

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} سورة آل عمران الآية 102. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء الآية 1 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71. أما بعد فإن العلم أمانة ورعاية، وصيانة وخشية وورع، ومسؤولية عظيمة، وإن أهل العلم عامة، وأهل الفُتيا خاصة، مطالبون بحفظ الأمانة وأدائها على الوجه الصحيح، ومما ابتلي به المسلمون في هذا الزمان، ما يقوم به بعض المنتسبين للعلم الشرعي، من إهدار لكرامة العلم الشرعي، وتشويه صورته، وتسويد مُحيَّاه، والانحراف عن نهج العلماء العاملين، حملة الدين

المخلصين، الذين ذكرهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عُدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) وهو حديث مشهور صححه الإمام أحمد والحافظ ابن عبد البر وغيرهما. فترى هؤلاء يقفون في مواطن الريب والشبهات، وترى بعضهم يزج بنفسه في أماكن وملتقيات، يجب أن يتنزه آحادُ المسلمين عن التواجد فيها، فضلاً عن علمائهم. وترى بعضهم يفتي في قضايا إرضاءً لذوي الجاه والمال والسلطان، وترى بعضهم يظهر في بعض الفضائيات مع المذيعات المتبرجات يفتي في الحلال والحرام، وينسى نفسه، إن هذا لشيءٌ عجاب!! وترى بعضهم يدافع بكل ما أوتي من قوة عن الظلمة والفسقة والطغاة، بل عن الكفار، وترى بعضهم يكيل المديح للفساق والفاسقات، ويصفهم بأرفع الصفات. وترى بعضهم يسير على قول القائل: النفاق سيد الأخلاق، وترى ... وترى ... وترى ... إن واجب أهل العلم الشرعي والمنتسبين له، أن يكونوا كما كان سلفهم من العلماء الربانيين، ورثة الأنبياء، وصفوة الأتقياء، السائرين على هدي المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الجامعين بين العلم والعمل، فإن فرَّقوا بينهما فقد خابوا وخسروا، وقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (هتف العلمُ بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل). وقال الخطيب البغدادي: [ثم إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه، وإجهاد النفس على العمل بموجبه، فإن العلم شجرةٌ، والعملُ ثمرةٌ، وليس يُعَدُّ عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً. وقيل: العلم والدٌ، والعملُ مولود، والعلم مع العمل، والرواية مع الدراية، فلا تأنس بالعمل مادمت مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل، ولكن اجمع بينهما، وإن قلَّ نصيبك منهما، ...

والقليل من هذا - أي العلم - مع القليل من هذا - أي العمل- أنجى في العاقبة، إذا تفضل الله بالرحمة، وتمَّمَ على عبده النعمة، فأما المدافعةُ والإهمال، وحبُ الهُوَيْنا والاسترسال، وإيثار الخَفْضِ والدعة، والميل مع الراحة والسعة، فإن خواتم هذه الخصال، ذميمة وعقباها كريهة وخِيمة. والعلم يُرادُ للعمل، كما العملُ يُراد للنجاة، فإذا كان العملُ قاصراً عن العلم، كان العلم كلاًّ على العالم، ونعوذ بالله من علمٍ عاد كلاًّ، وأورث ذلاًّ، وصار في رقبة صاحبه غلاًّ.] اقتضاء العلم العمل ص 14 - 15. وقال الحسين بن منصور في آداب العلماء [الثالث: أن يصون العلمَ كما صانه علماء السلف، ويقومَ له بما جعله الله تعالى له من العزة والشرف، فلا يدنسه بالأطماع، ولا يذله بذهابه ومشيه إلى غير أهله من أبناء الدنيا، من غير ضرورة أو حاجة أكيدة، ولا إلى من يتعلمه منه منهم، وإن عظم شأنه وكبر قدره وسلطانه. قال الزهري: هوان بالعلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلم. وقال مالك بن أنس للمهدي وقد استدعاه لولديه يعلمهما: العلم أولى أن يوقر ويؤتى، وفي رواية: العلم يزار ولا يزور ويؤتى ولا يأتي. وفي رواية: أدركت أهل العلم يُؤْتَون ولا يأتون، ويروى عنه أيضاً أنه قال: دخلت على هارون الرشيد فقال يا أبا عبد الله: ينبغي أن تختلف إلينا - أي تزورنا - حتى يسمعَ صبياننا منك الموطأ، قال: فقلت أعزك الله إن هذا العلم منكم خرج، فإن أنتم أعززتموه عزَّ، وإن أذللتموه ذلَّ والعلمُ يُؤتى ولا يأتي، فقال: صدقت، اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع من سمع الناس.] وصدق القائل: يا معشرَ القراء يا ملحَ البلد ... ما يصلحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟ ولله درُّ القاضي الجرجاني حيث قال: ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوسِ لعُظِّما! ولكنْ أهانوه فهان ودنّسوا ... مُحيَّاهُ بالأطماعِ حتى تجهَّما!

وختاماً فهذا هو الجزء العاشر من كتابي يسألونك وأصله حلقات تنشر صباح كل يوم جمعة في جريدة القدس المقدسية وسلكت فيه المنهج الذي سلكته في الأجزاء السابقة من اعتمادٍ على كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى فهم سلف هذه الأمة، فإن أصبت فذلك الفضل من الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأختم بما قاله القاضي البيساني يرحمه الله: [إني رأيت أنه لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه، إلا قال في غده لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ كذا لكان يستحسن، ولو قُدِمَ هذا لكان أفضل، ولو تُرِكَ هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر]. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه أبوديس/القدس صباح يوم الجمعة السادس من شعبان 1426هـ وفق التاسع من أيلول 2005 م.

العقيدة والتفسير

العقيدة والتفسير

لا يجوز طلب الاستغفار من سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

لا يجوز طلب الاستغفار من سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول السائل: ما حكم أن يقول المسلم: يا رسول الله استغفر لي أو يا رسول الله ادع لي سواء أكان ذلك عند قبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو في أي مكان آخر؟ الجواب: لا يجوز لأحد أن يقول: [يا رسول الله استغفر لي أو يا رسول الله ادع لي] سواء أكان ذلك عند قبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو في أي مكان آخر ويعتبر هذا القول وسيلة من وسائل الشرك والعياذ بالله حيث إن سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد انتقل من هذه الدنيا إلى دار الآخرة فهو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله عز وجل وقد قال سبحانه وتعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} سورة الزمر الآية 30. والرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا عمل له حيث انقطع عمله بوفاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأما قول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} سورة النساء الآية 64. فالمراد بها المجيء إلى سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حال حياته وليس بعد وفاته ويدل على ذلك قوله تعالى: {إِذْ} ومن المعلوم أن الأصل في لفظة (إذ) في لغة العرب أنها تستعمل لما مضى من الزمان ولا تستعمل للزمان المستقبل. قال الجوهري: [إذ كلمة تدل على ما مضى من الزمان ... ] الصحاح 2/ 560.

وانظر لسان العرب 1/ 101. وأما لفظة إذا فتستعمل لما يستقبل من الزمان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على من يستدل بالآية السابقة على جواز سؤال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدعاء حال موته: [ومنهم من يتأول قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} ويقولون إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين فإن أحداً منهم لم يطلب من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئاً ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم وإنما ذكر ذلك من ذكره من متأخري الفقهاء وحكوا حكاية مكذوبة على مالك - رضي الله عنه - سيأتي ذكرها وبسط الكلام عليها إن شاء الله تعالى ... ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 1/ 159. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين عند حديثه عن أنواع التوسل: [النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته كطلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يدعو الله لهم مثل قول الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، فقال: ادع الله أن يغيثنا؛ وقول عكاشة بن محصن للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادع الله أن يجعلني منهم. وهذا إنما يكون في حياة الداعي، أما بعد موته فلا يجوز؛ لأنه لا عمل له: فقد انتقل إلى دار الجزاء؛ ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يطلبوا من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يستسقي لهم؛ بل استسقى عمر بالعباس عم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له: قم فاستسق؛ فقام العباس فدعا، وأما ما يروى عن العتبي أن أعرابياً جاء إلى قبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي) وذكر تمام القصة؛ فهذه كذب لا تصح؛ والآية ليس فيها دليل لذلك؛ لأن الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}

استغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب

ولم يقل: (إذا ظلموا أنفسهم) و (إذ) لما مضى لا للمستقبل؛ والآية في قوم تحاكموا أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما يدل على ذلك سياقها السابق واللاحق] التوسل حكمه وأقسامه ص 22 - 23. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز أن يقال [يا رسول الله استغفر لي أو يا رسول الله ادع لي] سواء أكان ذلك عند قبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو في أي مكان آخر. استغفار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمه أبي طالب يقول السائل: ذكرت بعض كتب التفسير أن قَوْل الله تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} قد نزلت في قصة عم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبو طالب مع أن الآية في سورة التوبة وهي متأخرة النزول أفيدونا؟ الجواب: روى الإمام البخاري بإسناده عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه (أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعنده أبو جهل فقال: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاجُّ لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنه فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} سورة التوبة الآية 113. ونزلت {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} سورة القصص الآية 56. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ونزلت {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} أما نزول

هذه الآية الثانية فواضح في قصة أبي طالب, وأما نزول التي قبلها ففيه نظر, ويظهر أن المراد أن الآية المتعلقة بالاستغفار نزلت بعد أبي طالب بمدة, وهي عامة في حقه وفي حق غيره, ويوضح ذلك ما سيأتي في التفسير بلفظ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} فأنزل الله بعد ذلك الآية. وأنزل في أبي طالب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}. ولأحمد من طريق أبي حازم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة أبي طالب قال: فأنزل الله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} وهذا كله ظاهر في أنه مات على غير الإسلام] فتح الباري 7/ 245. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضاً: [قوله: فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} أي ما ينبغي لهم ذلك, وهو خبر بمعنى النهي ... وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك, فلا أزال استغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي. فقال أصحابه: لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه, فنزلت) وهذا فيه إشكال, لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً, وقد ثبت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية والأصل عدم تكرر النزول. وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال: (خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً إلى المقابر فاتبعناه, فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم بكى, فبكينا لبكائه, فقال: إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي, واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي, فأنزل عليَّ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه وفيه (نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب) ولم يذكر نزول الآية. وفي رواية الطبري من هذا الوجه (لما قدم مكة أتى رسم قبر)، ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية (لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت) وللطبراني من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث ابن مسعود وفيه (لما هبط من ثنية عسفان) وفيه

نزول الآية في ذلك. فهذه طرق يعضد بعضها بعضاً, وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب, ويؤيده أيضاً أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوم أحد بعد أن شج وجهه: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) لكن يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصاً بالأحياء وليس البحث فيه, ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم, ويكون لنزولها سببان: متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة. ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك, فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب, ويشير إلى ذلك أيضاً قوله في حديث الباب: (وأنزل الله في أبي طالب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره والثانية نزلت فيه وحده, ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال: (سمعت رجلاً يستغفر لوالديه وهما مشركان, فذكرت ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله: ما كان للنبي الآية) وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: وقال المؤمنون ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه؟ فنزلت ... ] فتح الباري 8/ 644 - 645. [ومما يؤكد تأخر نزول قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} عن قصة أبي طالب: 1. قوله في الآية: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} وهذا يدل على أن الاستغفار وقع من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن بعض المؤمنين، وقصة أبي طالب لم يكن الاستغفار فيها إلا من قبل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 2. أن هذه الآية وردت في سورة التوبة، وسورة التوبة مدنية، ومن أواخر ما نزل. 3. أن الله تعالى لم يُعاتب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته على عبد الله بن أبي، وإنما أنزل النهي فقط، ولو كان قد سبق النهي عن الاستغفار لمن مات على الكفر؛ لعاتب الله تعالى نبيه على ذلك] ملتقى أهل التفسير عن شبكة الإنترنت.

ومن أهل العلم من يرى أن نزول الآية لم يكن في قصة أبي طالب حيث إنها في سورة براءة كما قرره الحافظ ابن حجر العسقلاني وهي من أواخر ما نزل من القرآن. قال الألوسي: [واستبعد ذلك الحسين بن الفضل بأن موت أبي طالب قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وهذه السورة من أواخر ما نزل بالمدينة. قال الو احدي: وهذا الاستبعاد مستبعد فأي بأس أن يقال: كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستغفر لأبي طالب من ذلك الوقت إلى وقت نزول الآية فإن التشديد مع الكفار إنما ظهر في هذه السورة، وذكر نحواً من هذا صاحب التقريب، وعليه لا يراد بقوله: فنزلت في الخبر أن النزول كان عقيب القول بل يراد أن ذلك سبب النزول، فالفاء فيه للسببية لا للتعقيب. واعتمد على هذا التوجيه كثير من جلة العلماء وهو توجيه وجيه، خلا أنه يعكر عليه ما أخرجه ابن سعد وابن عساكر عن علي - رضي الله عنه - قال: أخبرت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بموت أبي طالب فبكى فقال: (اذهب فغسِّله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه) ففعلت وجعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستغفر له أياماً ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه جبريل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذه الآية {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ... الخ} فإنه ظاهر في أن النزول قبل الهجرة لأن عدم الخروج من البيت فيه مغياً به، اللهم إلا أن يقال بضعف الحديث لكن لم نر من تعرض له، والأولى في الجواب عن أصل الاستبعاد أن يقال: إن كون هذه السورة من أواخر ما نزل باعتبار الغالب كما تقدم فلا ينافي نزول شيء منها في المدينة. والآية على هذا دليل على أن أبا طالب مات كافراً وهو المعروف من مذهب أهل السنة والجماعة] تفسير روح المعاني 6/ 32. ومن أهل العلم من قال بتعدد سبب نزول الآية كالسيوطي حيث قال: [الحال السادس: أن لا يمكن ذلك فيحمل على تعدد النزول وتكرره. مثاله: ما أخرجه الشيخان عن المسيب قال: لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعنده أبو جهل وعبد الله بن أمية فقال: (أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله) فقال أبو جهل وعبد الله: يا أبا

طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال: هو على ملة عبد المطلب، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنه فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية. وأخرج الترمذي وحسنه عن علي قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت. وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال: خرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً إلى المقابر فجلس إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم بكى فقال: إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل علي: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} فجمع بين هذه الأحاديث بتعدد النزول] الإتقان في علوم القرآن 1/ 132 - 133. إذا تقرر هذا فنعود إلى ما تدل عليه الآية الكريمة وهو تحريم الاستغفار والترحم على من مات كافراً من المغضوب عليهم ومن الضالين المضلين الذين ينطبق عليهم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} سورة البقرة الآية 161، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} سورة آل عمران الآية 91. وهذا محل اتفاق بين أهل العلم ولا يغترنَّ أحدٌ بما يقوله بعض الشيوخ الذين انزلقوا في هذا المنزلق الخطير فخالفوا الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة، قَال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} قال القرطبي: [هذه الآية تضمنت قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز] تفسير القرطبي8/ 273. وقال الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} سورة التوبة الآية 84.

وثبت في الحديث الصحيح أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواهُ مسلم. قال الإمام النووي: [وقوله (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة) أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على من سواهما وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى. والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 342 .. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأما الشفاعة والدعاء فانتفاع العباد به موقوف على شروط وله موانع فالشفاعة للكفار بالنجاة من النار والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم -ولو كان الشفيع أعظم الشفعاء جاهاً- فلا شفيع أعظم من محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم الخليل إبراهيم وقد دعا الخليل إبراهيم لأبيه واستغفر له كما قال تعالى عنه: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}. وقد كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد أن يستغفر لأبي طالب اقتداءً بإبراهيم وأراد بعض المسلمين أن يستغفر لبعض أقاربه فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ثم ذكر الله عذر إبراهيم فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إنَّ إبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 145 - 146. وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}: [هذا نفي بمعنى النهي، فهو أبلغ من النهي المجرد، وهذا التعبير فيه يسمى نفي الشأن، وهو أبلغ من نفي الشيء نفسه، لأنه نفي معلل بالسبب المقتضي له. والمعنى: ما كان من شأن النبي

ولا مما يصح أن يصدر عنه من حيث هو نبي -ولا من شأن المؤمنين ولا مما يجوز أن يقع منهم من حيث هم مؤمنون- أن يدعوا الله طالبين منه المغفرة للمشركين {وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} لهم في الأصل حق البر وصلة الرحم وكانت عاطفة القرابة تقتضي الغيرة عليهم وحب المغفرة لهم (ولو) هذه تفيد الغاية لمعطوف عليه يحذف حذفاً مطرداً للعلم به، والمراد أنه ليس مما تبيحه النبوة ولا الإيمان ولا مما يصح وقوعه من أهلهما: الاستغفار للمشركين في حال من الأحوال، حتى لو كانوا أولي قربى، فإن لم يكونوا كذلك فعدم جوازه أولى. ثم قيد الحكم بقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} أي من بعد ما ظهر لهم بالدليل أنهم من أهل النار الخالدين فيها بأن ماتوا على شركهم وكفرهم ولو بحسب الظاهر كاستصحاب حالة الكفر إلى الموت] ثم قال: [والآية نص في تحريم الدعاء لمن مات على كفره بالمغفرة والرحمة وكذا وصفه بذلك كقولهم المغفور له المرحوم فلان، كما يفعله بعض المسلمين الجغرافيين الآن، لعدم تحققهم بمقتضى الإيمان، وتقيدهم بأحكام الإسلام، ومنهم بعض المعممين والحاملين لدرجة العالمية من الأزهر] تفسير المنار 11/ 56 - 57. وقال الشيخ محمد صالح العثيمين: [فيا عباد الله إن الله تعالى قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ} وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} وقال الله تعالى: {ِإنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} والآيات في هذا معلومة فعلينا أن نتخذ الخطوات الآتية: إن الكافرين سواء كانوا من اليهود أو من النصارى أو من الوثنيين أو من الشيوعيين أو من أي صنف من أصناف الكفار هم أعداؤُنا إنهم كانوا لنا عدواً مبينا هكذا قال الله عز وجل الذي هو العالم بالخفيات وبما في القلوب كانوا أعداء عداوة بينة ظاهرة ولكنهم قد ينافقون أحياناً من أجل حظوظ أنفسهم فقط لا من أجل فائدة المسلمين.

ثانياً: أن نعلم أن الكفار مهما كانوا فإن ما يقدموا من خير لن ينفعهم عند الله تعالى لقول الله تبارك وتعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} هذا إذا تيقن أن فيه خيراً للإسلام والمسلمين فأما إذا كان فيه احتمال إن هذا الخير من أجل إبراز الدعوة النصرانية لمبرز ظاهر إنساني فان ذلك لا يكون فيه خير للمسلمين بل هو ضد المسلمين في الواقع. ثالثاً: أن نعلم أنه لا يجوز لنا أن نترحم أو نستغفر لأحد من الكافرين المشركين أو اليهود أو النصارى لأن ذلك خلاف هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلاف هدي الذين آمنوا قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} هكذا نفى الله تعالى هذا الأمر نفياً قاطعاً لأن ما كان كذا يعني أنه ممتنع شرعاً فلا يجوز لأحد من المؤمنين أن يدعو لكافر بالمغفرة أو بالرحمة لأن هذا خلاف منهج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنهج الذين آمنوا ولقد قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمه أبي طالب حينما دعاه للإسلام ولكن آخر ما قال إنه على ملة عبد المطلب ولم يقل لا إله إلا الله قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك) فنهاه الله تعالى أن يستغفر لعمه أبي طالب مع أن عمه أبا طالب نصره نصراً مؤزراً ودافع عنه وكان يقول فيه القصائد العصماء ومع ذلك نهاه الله عز وجل أن يستغفر له وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} مع أن أبا طالب كان قد أفاد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفاد الرسالة النبوية وأفاد المسلمين ولكن ذلك لم ينفعه قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} وإذا كان هذا في عم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي دافع عنه وناصره فكيف في من لم يكن هذه حاله ولقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صحيح مسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة- يعني أمة الدعوة - يهودياً أو نصرانياً ثم يموت ولم يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار) هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن المعلوم أن اليهود والنصارى كثير منهم قد سمع بدعوة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا ماتوا ولم يؤمنوا به فهم من أصحاب النار وإذا كانوا من أصحاب النار فإنه لا يجوز لنا أن ندعو الله لهم بالرحمة

المحرمات من الأطعمة في آية الأنعام

والمغفرة لأن هذا ضد حكم الله تبارك وتعالى فالله حكم بأنهم في النار فكيف نسأل الله أن يجعلهم في رحمته ومغفرته؟ هذا من المضادة لحكم الله تبارك وتعالى ولكننا مع ذلك لا نشهد لأحد بعينه من الكفار أنه في النار ولكننا نقول كل كافر من يهودي أو نصراني أو مشرك أو ملحد فإنه من أصحاب النار لكن الشهادة بالعين أمرها عظيم فلا يشهد لأحد بعينه بجنة ولا نار إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن من مات على الكفر فإننا نجري عليه أحكام الكافرين فلا نستغفر له ولا نسأل الله له الرحمة. أيها الإخوة إن هذا الأمر يخفى على كثير من الناس يظنون أن الدعاء بالمغفرة والرحمة لمن يظن أنه أحسن إلى الإنسانية يظنون أنه لا بأس به ولكن كما سمعتم آيات الله عز وجل في النهي عن الاستغفار والاسترحام للمشركين فمن كان قد استغفر لأحد من اليهود أو النصارى أو المشركين فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وعليه أن لا يعود إلى ذلك ليحقق إيمانه وليكن على جادة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين به ... ] عن موقع الشيخ على شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن من أهل العلم من يرى أن الآية نزلت في قصة أبي طالب عم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا تنافي بين كونه قد مات قبل الهجرة وكون الآية في سورة التوبة وهي من أواخر ما نزل وقد نصت الآية على حرمة الاستغفار لمن مات كافراً. المحرمات من الأطعمة في آية الأنعام يقول السائل: هل الآية الكريمة التالية {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} تدل على حصر المحرمات من الأطعمة

في المذكورات فيها فقط وما لم يذكر فيها فهو مباح؟ أفيدونا. الجواب: لا بد أن يعلم أولاً أن العلماء قد اختلفوا قديماً فيما تدل عليه الآية الكريمة المذكورة في السؤال وهي من سورة الأنعام الآية 145. وقد نقل عن بعض الصحابة كابن عباس وابن عمر وعائشة رضوان الله عليهم أنهم يرون أن المحرمات من الأطعمة محصورة فيما ذكرته الآية الكريمة، ولكن أكثر الصحابة وجماهير الفقهاء قالوا بخلاف ذلك وأن الأطعمة المحرمة ليست محصورة فيما ذكرته الآية الكريمة فقط، بل ثبت تحريم أشياء كثيرة بالسنة النبوية وخاصة أن سورة الأنعام سورة مكية واستثنى بعض أهل العلم آيات منها قالوا إنها مدنية وليست الآية المذكورة منها. قال الإمام البغوي: [ ... وأكثر العلماء على أن التحريم لا يختص بهذه الأشياء، والمحرم بنص الكتاب ما ذكر هنا، ذلك معنى قوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} وقد حرمت السنة أشياء يجب القول بها] تفسير البغوي عن الإنترنت. وقد أجاب العلماء على دعوى حصر المحرمات بما ذكر في الآية فقط بأجوبة كثيرة منها: إن الآية الكريمة جاءت رداً على المشركين الذين حرموا ما أحل الله مما ذكر في الآيات قبلها وغير ذلك مما حرموه بلا حجة ولا برهان قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} سورة المائدة الآية 103. وقال تعالى: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} سورة الأنعام الآية 138. وقال تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ وَمِنْ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى

اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} سورة الأنعام الآيتان 143 - 144. قال الإمام الطبري: [القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِد فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمهُ إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْم خِنْزِير فَإِنَّهُ رِجْس أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ} يقول جلَّ ثناؤه لنبيه محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قل يا محمد لهؤلاء الذين جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً ولشركائهم من الآلهة والأنداد مثله والقائلين {هَذِهِ أَنْعَام وَحَرْث حِجْر لَا يَطْعَمهَا إِلَّا مَنْ نَشَاء بِزَعْمِهِمْ} والمحرمين من أنعام أُخَر ظهورها، والتاركين ذكر اسم الله على أُخَر منها، والمحرمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم ومحليه لذكورهم، المحرمين ما رزقهم الله افتراء على الله، وإضافة منهم ما يحرمون من ذلك إلى أن الله هو الذي حرمه عليهم: أجاءكم من الله رسول بتحريمه ذلك عليكم، فأنبئونا به، أم وصاكم الله بتحريمه مشاهدة منكم له فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرمتموه؟ فإنكم كَذَبة إن ادعيتم ذلك ولا يمكنكم دعواه، لأنكم إذا ادعيتموه علم الناس كذبكم، فإني لا أجد فيما أوحي إليّ من كتابه وآي تنزيله شيئاً محرماً على آكل يأكله مما تذكرون أنه حرمه من هذه الأنعام التي تصفون تحريم ما حرم عليكم منها بزعمكم، إلا أن يكون ميتة قد ماتت بغير تذكية أو دماً مسفوحاً -وهو المنصب- أو إلا أن يكون لحم خنزير {فَإِنَّهُ رِجْس أَوْ فِسْقًا} يقول: أو إلا أن يكون فسقاً، يعني بذلك: أو إلا أن يكون مذبوحاً ذبحه ذابح من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه وآلهته فذكر عليه اسم وثنه، فإن ذلك الذبح فسق نهى الله عنه وحرمه، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك، لأنه ميتة. وهذا إعلام من الله جل ثناؤه للمشركين الذين جادلوا نبي الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرمه الله، وأن الذي زعموا أن الله حرمه حلال قد أحله الله، وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل] تفسير الطبري عن الإنترنت. وقال القرطبي في تفسير الآية الكريمة: [والمعنى: قل يا محمد لا

أجد فيما أوحي إليَّ محرماً إلا هذه الأشياء، لا ما تحرمونه بشهوتكم. والآية مكية. ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت محرم غير هذه الأشياء، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة. وزيدَ في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة والخمر وغير ذلك. وحرم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ... وكل محرم حرمه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو جاء في الكتاب مضموم إليها، فهو زيادة حكم من الله عز وجل على لسان نبيه عليه السلام. على هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر، والفقه والأثر. ونظيره نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} سورة النساء الآية 24] وكحكمه باليمين مع الشاهد مع قوله: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} سورة البقرة الآية 282 ... وقد روى الشافعي عن سعيد بن جبير أنه قال: في هذه الآية أشياء سألوا عنها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأجابهم عن المحرمات من تلك الأشياء. وقيل: أي لا أجد فيما أوحي إلي أي في هذه الحال حال الوحي ووقت نزوله، ثم لا يمتنع حدوث وحي بعد ذلك بتحريم أشياء أخر ... وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر الإجماع في أن سورة الأنعام مكية إلا قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الثلاث الآيات، وقد نزل بعدها قرآن كثير وسنن جمة. فنزل تحريم الخمر بالمدينة في المائدة. وأجمعوا على أن نهيه عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع إنما كان منه بالمدينة. قال إسماعيل بن إسحاق: وهذا كله يدل على أنه أمر كان بالمدينة بعد نزول قوله: قل لا أجد في ما أوحي إلي لأن ذلك مكي ... وأما القائلون بالتحريم فظهر لهم وثبت عندهم أن سورة الأنعام مكية، نزلت قبل الهجرة، وأن هذه الآية قصد بها الرد على الجاهلية في تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، ثم بعد ذلك حرم أموراً كثيرة كالحمر الإنسية ولحوم البغال وغيرها، وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. قال أبو عمر: ويلزم على قول من قال: لا محرم إلا ما فيها ألا يحرم ما لم يذكر اسم الله عليه عمداً، وتستحل الخمر المحرمة عند جماعة المسلمين. وفي إجماع المسلمين على تحريم خمر العنب دليل واضح على أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد وجد فيما أوحي

إليه محرماً غير ما في سورة الأنعام مما قد نزل بعدها من القرآن ... وعند فقهاء الأمصار منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وعبد الملك أن أكل كل ذي ناب من السباع حرام، وليس يمتنع أن تقع الزيادة بعد قوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} بما يرد من الدليل فيها، كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) فذكر الكفر والزنى والقتل. ثم قال علماؤنا: إن أسباب القتل عشرة بما ورد من الأدلة، إذ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما يخبر بما وصل إليه من العلم عن الباري تعالى، وهو يمحو ما يشاء ويثبت وينسخ ويقدر. وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (أكل كل ذي ناب من السباع حرام) وقد روي (أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير ... ) ... ] تفسير القرطبي 7/ 115 - 117. ومما يدل على أن المحرمات ليست محصورة فيما ذكرته الآية الكريمة ما ورد في الحديث عن المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ... ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 871. قال الإمام الخطابي في شرح الحديث: [ ... يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنَّها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما ليس له ذكر في القرآن على ما ذهب إليه الخوارج والروافض من الفرق الضالة فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي ضمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا ... وفي الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيء كان حجة بنفسه] معالم السنن 4/ 276. ومما يدل أيضاً على أن المحرمات ليست محصورة فيما ذكرته الآية الكريمة ما روي في الحديث عن عيسى بن نميلة عن أبيه قال: (كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ فتلا: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}

الآية قال: قال شيخ عنده سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول ذكر عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: خبيثة من الخبائث فقال: ابن عمر إن كان قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا فهو كما قال ما لم ندر) رواه أحمد وأبو داود والبيهقي. وقال الإمام النووي: [وأجابوا عن الآية الكريمة بأنه أمر أن يخبر بأنه لا يجد محرماً في ذلك الوقت إلا هذا ثم ورد وحي آخر بتحريم السباع فأخبر به والآية مكية والأحاديث مدنية ولأن الحديث مخصص للآية] المجموع 9/ 17. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ ... والاستدلال بهذا للحل إنما يتم فيما لم يأت فيه نص عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتحريمه, وقد تواردت الأخبار بذلك والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل وعلى القياس ... والجواب عن آية الأنعام أنها مكية وخبر التحريم متأخر جداً فهو مقدم, وأيضاً فنص الآية خبر عن الحكم الموجود عند نزولها, فإنه حينئذ لم يكن نزل في تحريم المأكول إلا ما ذكر فيها وليس فيها ما يمنع أن ينزل بعد ذلك غير ما فيها, وقد نزل بعدها في المدينة أحكام بتحريم أشياء غير ما ذكر فيها كالخمر في آية المائدة, وفيها أيضا تحريم ما أهل لغير الله به والمنخنقة إلى آخره, وكتحريم السباع والحشرات ... ] فتح الباري 9/ 811. وقال العلامة ابن القيم بعد أن تكلم على تحريم لحوم الحمر الإنسية: [ ... ولا تعارض بين هذا التحريم وبين قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} فإنه لم يكن قد حرم حين نزول هذه الآية من المطاعم إلا هذه الأربعة والتحريم كان يتجدد شيئاً فشيئاً فتحريم الحُمُر بعد ذلك تحريمٌ مبتدأٌ لما سكت عنه النص لا أنه رافع لما أباحه القرآن ولا مخصص لعمومه فضلاً عن أن يكون ناسخاً] زاد المعاد 3/ 343. وخلاصة الأمر أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن المحرمات من الأطعمة ليست محصورة فيما ذكرته الآية الكريمة وأن ما ثبت بالسنة النبوية

تحريمه يجب الأخذ به كتحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وتحريم لحوم الحمر الأهلية وغير ذلك مما ورد في السنة النبوية فإن السنة النبوية تستقل بالتشريع وهو القول الحق عند الأصوليين.

الصلاة

الصلاة

من انتقض وضوؤه أثناء الصلاة يتوضأ ويستأنف الصلاة

من انتقض وضوؤه أثناء الصلاة يتوضأ ويستأنف الصلاة يقول السائل: إن أحد المصلين كان يصلي مع الإمام وأثناء الصلاة انتقض وضوء المصلي فخرج من صلاته وذهب وتوضأ ثم رجع وأكمل صلاته من حيث خرج منها فما حكم ما فعله المصلي المذكور؟ الجواب: ما فعله المصلي المذكور يسمى عند الفقهاء البناء على الصلاة والمقصود به أنه إذا طرأ الحدث على المصلي أثناء الصلاة فإنه يخرج من صلاته فيتوضأ ثم يرجع فيكمل صلاته من حيث خرج منها فلو انتقض الوضوء بعد تمام الركعة الثالثة في الصلاة الرباعية فإنه بعد أن يتوضأ يتم الصلاة من الركعة الثالثة فيأتي بالركعة الرابعة. وهذا الأمر قال به الحنفية ونقل عن جماعة من فقهاء السلف وقد اعتمدوا على ما روي في الحديث عند ابن ماجة من طريق إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم). ورواه الدارقطني أيضاً وقال ابن معين حديث ضعيف، قال الإمام النووي: [حديث عائشة ضعيف متفق على ضعفه رواه ابن ماجة والبيهقي باسناد ضعيف من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة، وقد اختلف أهل الحديث في الاحتجاج بإسماعيل بن

عياش، فمنهم من ضعفه في كل ما يرويه، ومنهم من ضعفه في روايته عن غير أهل الشام خاصة، وابن جريج حجازي مكي مشهور فيحصل الاتفاق على ضعف روايته لهذا الحديث، قال ورواه جماعة عن ابن عياش عن ابن جريج عن ابنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً قال وهذا الحديث أحد ما أنكر على إسماعيل بن عياش والمحفوظ أنه مرسل وأما من رواه متصلاً فضعفاء مشهورون بالضعف] المجموع 4/ 74. وضعفه الإمام النووي أيضاً في خلاصة الأحكام 1/ 142، وضعفه الحافظ ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير 1/ 274 - 275. وضعفه العلامة الألباني في ضعيف الجامع الصغير حديث رقم 5426 إذا تقرر أن هذا الحديث ضعيف جداً فلا يصلح للاستدلال والصحيح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم أن الحدث إذا طرأ أثناء الصلاة فقد بطلت ويلزم المصلي أن يتوضأ ويستأنف الصلاة من جديد ولا يعتد بما مضى منها. قال الإمام النووي: [فرع في مذاهب العلماء في جواز البناء لمن سبقه الحدث. قد ذكرنا أن مذهبنا الصحيح الجديد أنه لا يجوز البناء بل يجب الاستئناف وهو مذهب المسور بن مخرمة الصحابي - رضي الله عنه - وبه قال مالك وآخرون، وحكاه صاحب الشامل عن ابن شبرمة وهو الصحيح من مذهب أحمد] المجموع 4/ 76. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما الذي سبقه الحدث فتبطل صلاته، ويلزمه استئنافها قال أحمد: يعجبني أن يتوضأ ويستقبل هذا قول الحسن وعطاء والنخعي ومكحول، وعن أحمد أنه يتوضأ ويبني، وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس لما روي عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف فليتوضأ، وليبن على ما مضى من صلاته) وعنه رواية ثالثة إن كان الحدث من السبيلين ابتدأ، وإن كان من غيرهما بنى لأن حكم نجاسة السبيل أغلظ والأثر إنما ورد بالبناء في الخارج من غير السبيل فلا يلحق به ما ليس في معناه. والصحيح الأول لما روى علي بن

طلق قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف فليتوضأ، وليعد صلاته) رواه أبو داود والأثرم ... ولأنه فقد شرط الصلاة في أثنائها على وجه لا يعود إلا بعد زمن طويل وعمل كثير ففسدت صلاته كما لو تنجس نجاسة يحتاج في إزالتها إلى مثل ذلك، أو انكشفت عورته ولم يجد السترة إلا بعيدة منه أو تعمد الحدث أو انقضت مدة المسح وحديثهم ضعيف] المغني 2/ 76. وقال الشيخ ابن حزم الظاهري: [كل حدث ينقض الطهارة بعمد أو نسيان فإنه متى وجد بغلبة أو بإكراه أو بنسيان في الصلاة ما بين التكبير للإحرام لها إلى أن يتم سلامه منها: فهو ينقض الطهارة والصلاة معاً، ويلزمه ابتداؤها، ولا يجوز له البناء فيها، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً، في فرض كان أو في تطوع] المحلى 3/ 65 - 66. وقال الشيخ ابن حزم الظاهري ردَّاً على القول بالبناء على الصلاة: [أَخْبَرُونَا، عَنِ الْمُحْدِثِ الَّذِي أَمَرْتُمُوهُ بِالْبِنَاءِ, مُذْ يُحْدِثُ فَيَخْرُجُ فَيَمْشِي فَيَأْخُذُ الْمَاءَ فَيَغْسِلُ حَدَثَهُ أَوْ يَسْتَنْجِي فَيَتَوَضَّأُ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَنْ يَأْخُذَ فِي عَمَلِ الصَّلاَةِ, أَهُوَ عِنْدَكُمْ فِي صَلاَةٍ أَمْ هُوَ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ؟ وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ فِي صَلاَةٍ أَكْذَبَهُمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ صَلاَةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يُعْتَدَّ لَهُ بِصَلاَةٍ قَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَقْبَلُهَا. فَصَحَّ أَنَّ عَمَلَ صَلاَتِهِ الَّذِي كَانَ قَبْلُ قَدْ انقطع، وَأَمَّا أَجْرُهُ فَبَاقٍ لَهُ بِلاَ شَكٍّ, إلاَّ أَنَّهُ الآنَ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ بِلاَ شَكٍّ, إذْ هُوَ فِي حَالٍ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهَا صَلاَةً وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُوَ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ قلنا: صَدَقْتُمْ, فَإِذْ هُوَ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلاَةِ مُتَّصِلَةً, لاَ يَحُولُ بَيْنَ أَجْزَائِهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ قَاصِدًا بِمَا لَيْسَ مِنْ الصَّلاَةِ وَبِوَقْتٍ هُوَ فِيهِ فِي صَلاَةٍ, وَهَذَا بُرْهَانٌ لاَ مُخَلِّصَ مِنْهُ] المحلى 3/ 66. ثم روى الشيخ ابن حزم بإسناده عن الزُّهْرِيِّ: [أَنَّ الْمِسْوَرِ بْنَ مَخْرَمَةَ كَانَ إذَا رَعَفَ فِي الصَّلاَةِ يُعِيدُهَا، وَلاَ يَعْتَدُّ بِمَا مَضَى] المحلى 3/ 69. ثم قال الشيخ ابن حزم الظاهري: [ ... عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ أَحْدَثَ فِي

حكم الإفرازات المهبلية

صَلاَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلاَةَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَمَالِكٍ, وَابْنِ شُبْرُمَةَ, وَآخِرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ, وَبِهِ نَأْخُذُ] المحلى 3/ 69. وخلاصة الأمر أن من أحدث في صلاته لزمه الوضوء واستئناف الصلاة من بدايتها وأما البناء على ما مضى من صلاته فضعيف. حكم الإفرازات المهبلية تقول السائلة: ما حكم الإفرازات المهبلية التي تخرج من المرأة من حيث طهارتها أو نجاستها ومن حيث نقضها للوضوء أو عدم نقضها للوضوء، أفيدونا؟ الجواب: الإفرازات المهبلية التي تخرج من المرأة قد تكون طبيعية وقد تكون مرضية فالإفرازات الطبيعية عادة ما تكون عديمة اللون والرائحة وتزيد وتنقص نتيجة تغير نسبة الهرمونات خلال فترة الدورة الشهرية. والإفرازات غير الطبيعية تنتج عن إصابة المهبل بأحد الميكروبات الفطرية أو الطفيلية أو البكتيرية كما يقول الأطباء وسواء كانت هذه الإفرازات -التي يسميها الفقهاء رطوبة فرج المرأة- طبيعية أو مرضية فهي ناقضة للوضوء على الراجح من قولي العلماء قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة المائدة الآية 6 ولفظ الغائط يجمع بالمعنى جميع الأحداث الناقضة للطهارة الصغرى ويدخل في ذلك الإفرازات المهبلية. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال أبو القاسم: والذي ينقض

الطهارة ما خرج من قُبُل أو دُبرٍ وجملة ذلك أن الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح فهذا ينقض الوضوء إجماعاً، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقبل المرأة وخروج المذي، وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة ويوجب الوضوء ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامة أهل العلم إلا في قول ربيعة. الضرب الثاني: نادر كالدم والدود والحصا والشعر فينقض الوضوء أيضاً، وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وكان عطاء والحسن وأبو مجلز والحكم وحماد والأوزاعي وابن المبارك يرون الوضوء من الدود يخرج من الدبر، ولم يوجب مالك الوضوء من هذا الضرب لأنه نادر, أشبه الخارج من غير السبيل. ولنا أنه خارج من السبيل أشبه المذي ولأنه لا يخلو من بلة تتعلق به فينتقض الوضوء بها وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ودمها نادر غير معتاد] المغني 1/ 125. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يقبل اللَّه صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) رواه البخاري ومسلم. والمراد بالحدث الخارج من أحد السبيلين كما قال الشوكاني في نيل الأوطار 1/ 221. وقد اختلف الفقهاء في الإفرازات المهبلية أطاهرة هي أم نجسة؟ والذي أميل إليه هو القول بنجاستها من باب الاحتياط وخاصة أن أهل العلم قالوا إن الإفرازات المهبلية منها ما يخرج من المهبل مخرج الولد ومنها ما يخرج من مخرج البول ويغلب على ظني أنه من الصعوبة بمكان أن تميز المرأة بين النوعين السابقين لذا أرى أن القول بنجاسة الإفرازات المهبلية أحوط فيلزم المرأة أن تتحفظ منها فإذا نزل من المرأة شيء من الإفرازات المهبلية فيلزمها الوضوء وتنظيف ما أصابت من ملابسها. وأود أن أنبه على أمرين هامين: الأول: إذا كانت الإفرازات المهبلية تنزل من المرأة بشكل مستمر ولا تنقطع فتكون المرأة حينئذ صاحبة عذر

فتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي ولا يضرها ما نزل منها من الإفرازات المهبلية حتى لو نزلت أثناء الصلاة فصلاتها صحيحة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن المستحاضة ومن به سلس البول أو المذي أو الجريح الذي لا يرقأ دمه وأشباههم ممن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته، عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل محل الحدث وشده والتحرز من خروج الحدث بما يمكنه فالمستحاضة تغسل المحل ثم تحشوه بقطن أو ما أشبهه، ليردَّ الدم لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم: (أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم فإن لم يرتد الدم بالقطن، استثفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدها على جنبيها ووسطها على الفرج) وهو المذكور في حديث أم سلمة لتستثفر بثوب وقال لحمنة (تلجمي) لما قالت: إنه أكثر من ذلك فإذا فعلت ذلك ثم خرج الدم، فإن كان لرخاوة الشد فعليها إعادة الشد والطهارة وإن كان لغلبة الخارج وقوته وكونه لا يمكن شده أكثر من ذلك، لم تبطل الطهارة لأنه لا يمكن التحرز منه فتصلي ولو قطر الدم قالت عائشة: (اعتكفت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة من أزواجه، فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي) رواه البخاري. وفي حديث: (صلي وإن قطر الدم على الحصير) وكذلك من به سلس البول ... ويلزم كل واحد من هؤلاء الوضوء لوقت كل صلاة إلا أن يخرج منه شيء وبهذا قال الشافعي، وأبو ثور وأصحاب الرأي ... ولنا ما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في (المستحاضة: تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل، وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة) رواه أبو داود والترمذي، وعن عائشة قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت خبرها ثم قال: اغتسلي, ثم توضأي لكل صلاة وصلي) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ولأنه خارج من السبيل، فنقض الوضوء كالمذي، إذا ثبت هذا فإن طهارة هؤلاء -أي أصحاب الأعذار- مقيدة بالوقت لقوله: (تتوضأ عند كل صلاة) وقوله: (ثم توضأي لكل صلاة) ولأنها طهارة عذر وضرورة، فتقيدت بالوقت كالتيمم] المغني 1/ 247 - 248. الأمر الثاني هو بيان كيفية الغسل الصحيح فقد ورد في الحديث عن

مفارقة الإمام

ابن عباس رضي الله عنهما قال حدثتني خالتي ميمونة قالت أدنيت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً ثم أدخل يده في الإناء ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه ... ) رواه البخاري ومسلم. فالغسل الواجب يشترط فيه النية بأن ينوي رفع الحدث وأن يعمم جميع الجسد بالماء فهذا أقل ما يجزئ في الاغتسال. ويدل على ذلك ما ورد في حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - الطويل قال: كنا في سفر مع النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم، قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم سار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاشتكى إليه الناس من العطش ... وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماء قال اذهب فأفرغه عليك) رواه البخاري ومسلم فقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فأفرغه عليك) يدل على أن مجرد إفراغ الماء على البدن يُعدُّ غُسلاً صحيحاً. وأكمل منه الغسل المندوب وصفته أن يغسل المرء كفيه ثلاثاً قبل إدخالهما في الإناء ثم يفرغ الماء بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ويجوز أن يؤخر غسل رجليه إلى آخر الغسل ثم يفيض الماء على جميع بدنه. وخلاصة الأمر أن الإفرازات المهبلية ناقضة للوضوء ونجسة. مفارقة الإمام يقول السائل: أرجو توضيح مسألة مفارقة الإمام في صلاة الجماعة حيث حصل خلاف بين المصلين لما قام الإمام إلى ركعة خامسة فبعض المصلين فارق الإمام وأتم الصلاة لوحده. أفيدونا.

الجواب: الأصل فيمن يصلي جماعة أن يتم الصلاة مع الإمام ولا يجوز له مفارقة إمامه إلا من عذر وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا ... ) رواه البخاري ومسلم. وأجاز جمهور أهل العلم للمأموم أن ينفرد عن الجماعة لعذر وهي المسألة المسماة مفارقة الإمام والمقصود بمفارقة الإمام قطع الإقتداء به وإتمام الصلاة منفرداً والأصل فيها ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - (أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - كان يصلي مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاةَ فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذاً فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، إنَّا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا- وهو ما يستقى عليه من الإبل- وإن معاذاً صلى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوزت فزعم أني منافق، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا معاذ أفتان أنت ثلاثاً - أي منفر من الصلاة وصادٌ عنها - اقرأ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ونحوها) رواه البخاري. وفي رواية عند مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال: (كان معاذ يصلي مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا والله ولآتين رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلأخبرنه فأتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله إنَّا أصحاب نواضح نعمل بالنهار وإن معاذاً صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على معاذ فقال: يا معاذ أفتان أنت؟ إقرأ بكذا واقرأ بكذا، قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال إقرأ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {وَالضُّحَى} و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} و {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فقال عمرو نحو هذا). قال الإمام النووي: [واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أنه

يجوز للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفرداً وإن لم يخرج منها] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 136. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإن أحرم مأموماً ثم نوى مفارقة الإمام وإتمامها منفرداً لعذر جاز، لما روى جابر قال: (كان معاذ يصلي مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم، فأخر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة العشاء فصلى معه ثم رجع إلى قومه فقرأ سورة البقرة، فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له: نافقت يا فلان، قال: ما نافقت، ولكن لآتين رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فأتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر له ذلك، فقال: أفتان أنت يا معاذ؟! أفتان أنت يا معاذ؟! مرتين، إقرأ سورة كذا وسورة كذا، وقال وسورة ذات البروج {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}) متفق عليه. ولم يأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرجل بالإعادة ولا أنكر عليه فعله] المغني 2/ 171. وذكر الفقهاء الأعذار التي تجيز للمأموم أن يفارق إمامه فمنها التطويل في القراءة على خلاف السنة كما حصل مع معاذ - رضي الله عنه - حيث إنه قرأ سورة البقرة في صلاة العشاء وقراءتها في العشاء تطويل فلذا زجره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وضابط التطويل أن يكون تطويلاً خارجاً عن السُّنَّة لا خارجاً عن العادة. انظر الشرح الممتع 2/ 306. ومنها إذا أصيب المأموم بمرض مفاجئ أثناء الصلاة ولم يستطع التحمل فله مفارقة الإمام. [ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ على الإنسان قَيْئٌ في أثناء الصَّلاة؛ لا يستطيع أن يبقى حتى يكمل الإمام؛ فيخفِّف في الصَّلاة وينصرف. ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ على الإنسان غازاتٌ -ريح في بطنه- يَشُقُّ عليه أن يبقى مع إمامه فينفرد ويخفِّف وينصرف. ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ عليه احتباسُ البول أو الغائط فيُحصر ببول أو غائط لكن إذا قُدِّرَ أنه لا يستفيد من مفارقة الإمام شيئاً؛ لأن الإمام يخفِّف، ولو خفَّف أكثر من تخفيف

الإمام لم تحصُل الطُّمأنينة فلا يجوز أن ينفردَ؛ لأنه لا يستفيد شيئاً بهذا الانفراد] الشرح الممتع 2/ 306 - 307. ومن الأعذار التي تجيز المفارقة فيما إذا سها الإمام عن الجلوس الأخير في الصلاة فقام إلى ثالثة في الفجر أو رابعة في المغرب أو خامسة في الظهر أو العصر أو العشاء فسبح بعض المصلين فلم يرجع فالمأموم إذا كان متيقناً أنه صلى الصلاة تامة فلا يجوز أن يتابع الإمام في الركعة الزائدة فإن فعل بطلت صلاته لأنه تعمد الزيادة في الصلاة والمأموم في هذه الحالة مخير بين أمرين: فإما أن يبقى جالساً حتى يسلم الإمام فيسلم معه وإما أن ينوي مفارقة الإمام. قال الإمام النووي: [وإن تمت صلاة المأموم أولاً لم يجز له متابعة الإمام في الزيادة، بل إن شاء فارقه عند تمامها وتشهد وسلَّم، وتصح صلاته بلا خلاف، لأنه فارقه بعذر يتعلق بالصلاة، وإن شاء انتظره في التشهد وطوَّل الدعاء حتى يلحقه الإمام ثم يسلم عقبه] المجموع 4/ 209. [وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يَسْهَ فهل يقومون معه أم لا؟ فأجاب: إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه بل ينتظرونه حتى يسلم بهم أو يسلموا قبله والانتظار أحسن] مجموع الفتاوى 23/ 53. ومن الأعذار التي تجيز المفارقة إذا اختلف نظم صلاة المأموم عن صلاة الإمام كمن يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء أو من يصلي الفجر خلف من يصلي الظهر فيجوز للمأموم أن يفارق الإمام نظراً لاختلاف نظم الصلاتين، قال الإمام النووي: [ولو نوى الصبح خلف مصلي الظهر وتمت صلاة المأموم، فإن شاء انتظر في التشهد حتى يفرغ الإمام، ويسلم معه وهذا الأفضل، وإن شاء نوى مفارقته وسلَّم، ولا تبطل صلاته هنا بالمفارقة بلا خلاف لتعذر المتابعة وكذا فيما أشبهها من الصور، ولا فرق

تجوز الزيادة في صلاة التراويح عن إحدى عشرة ركعة

في جميع ذلك بين أن ينوي المفارقة في صلاة فرض أو نفل] المجموع 4/ 237. ومن الفقهاء من وضع ضابطاً للأعذار التي تجيز المفارقة فقد قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والأعذار التي يخرج لأجلها مثل المشقة بتطويل الإمام، أو المرض، أو خشية غلبة النعاس، أو شيء يفسد صلاته، أو خوف فوات مال أو تلفه، أو فوات رفقة، أو من يخرج من الصف لا يجد من يقف معه، وأشباه هذا] المغني 2/ 171. وينبغي أن يعلم أن الاختلاف بين مذهبي المأموم والإمام لا يجيز المفارقة فمثلاً إذا قنت الإمام في الفجر فلا يجوز للمأموم أن يفارقه لأنه لا يعمل بالقنوت للفجر لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) وكذلك في التراويح إذا كان الإمام يصليها عشرين ركعة والمأموم يصليها ثمانيَ ركعات مثلاً فلا ينبغي له مفارقة الإمام لما ورد في الحديث عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حديث حسن صحيح. ولأن الزيادة على ثمان ركعات في التراويح جائزة على الصحيح من أقوال أهل العلم. وخلاصة الأمر أن مفارقة المأموم للإمام في صلاة الجماعة تصح لعذر ولا ينبغي له أن يفارقه بدون عذر. تجوز الزيادة في صلاة التراويح عن إحدى عشرة ركعة يقول السائل: ما حكم الزيادة في صلاة التراويح عن إحدى عشرة ركعة حيث إن بعض طلبة العلم يمنعون الزيادة بحجة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يزد عليها، أفيدونا؟ الجواب: من المعلوم أن صلاة التراويح سنة ثابتة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وكان هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي إحدى عشرة ركعة كما ثبت ذلك عنه في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (ما كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) رواه البخاري ومسلم. وأكثر الفقهاء يرون أنها تصلى عشرون ركعة والوتر ثلاث ركعات وهذا قول مشهور من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا الحاضر وكثير من مساجد المسلمين تصلى فيها التراويح كذلك ومنهم من زاد على العشرين فقيل تسع وثلاثين وقيل إحدى وأربعين وقيل غير ذلك. ومن أهل العلم من يرى أنه لا حد لعدد ركعات صلاة التراويح فيجوز أن يزيد على إحدى عشرة ركعة ولا حرج في ذلك وهذا أرجح أقوال أهل العلم فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحدد عدداً محدوداً لصلاة التراويح تمنع الزيادة عليه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله: [كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه عدداً معيناً بل كان هو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يزيد في رمضان ولا في غيره على ثلاث عشرة ركعة ولكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر - رضي الله عنه - على أبي بن كعب - رضي الله عنه - كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن ... ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 22/ 272. وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: [والحاصل أن الذي دلت عليه أحاديث الباب وما يشبهها هو مشروعية القيام في رمضان والصلاة فيه جماعة وفرادى فقصر الصلاة بالتراويح على عدد معين وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرد به سنة] نيل الأوطار 3/ 61. إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز لأحد أن ينكر على من يصلي التراويح بأكثر من إحدى عشرة ركعة كمن يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة فإن الأمر فيه سعة.

قال الإمام الشافعي يرحمه الله: [رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين، وبمكة بثلاث وعشرين، وليس في شيء من ذلك ضيق]. وقال الحافظ ابن عبد البر يرحمه الله: [وقد أجمع العلماء على أن لا حدّ ولا شيء مقدراً في صلاة الليل وأنها نافلة فمن شاء أطال فيها القيام وقلَّت ركعاته ومن شاء أكثر الركوع والسجود] الاستذكار 5/ 244. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني يرحمه الله: [ ... والأعداد الأخرى سوى الإحدى عشرة أُثرت عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والقاعدة عندهم في ذلك أنهم كانوا إذا أطالوا القراءة قللوا عدد الركعات وإذا أخفوا القراءة زادوا في عدد الركعات] فتح الباري. وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله: [وإن أوتر بثلاث وعشرين كما فعل ذلك عمر والصحابة رضي الله عنهم في بعض الليالي من رمضان فلا بأس، فالأمر واسع، وثبت عن عمر والصحابة أيضاً أنهم أوتروا بإحدى عشرة، كما في حديث عائشة، فقد ثبت عن عمر هذا وهذا، ثبت عنه - رضي الله عنه - أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثاً وعشرين، وهذا يدل على التوسعة في هذا، وأن الأمر عند الصحابة واسع، كما دل عليه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) ولكن الأفضل من حيث فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، وسبق ما يدل على أن إحدى عشرة أفضل لقول عائشة رضي الله عنها: (ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) يعني غالباً، ولهذا ثبت عنها أنه صلى ثلاث عشرة وثبت عن غيرها، فدل ذلك أن هذا هو الأغلب، وهي تطلع على ما كان يفعله عندها وتسأل أيضاً فإنها كانت أفقه النساء وأعلم النساء بسنة الرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت تخبر عما يفعله عندها وعما تشاهده وتسأل غيرها من أمهات المؤمنين ومن الصحابة، وتحرص على العلم، ولهذا حفظت علماً عظيماً وأحاديث كثيرة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسبب حفظها العظيم وسؤالها غيرها من الصحابة عما حفظوا رضي الله عن الجميع. ثم استفسر من الشيخ سائل قائلاً: أحسن الله إليك، بعض المصلين

يرون أن هذه هي السنة، وعندما يأتون إلى مساجد تصلي ما يزيد على ثلاث وعشرين ركعة يصلون إحدى عشرة ركعة أو عشر ركعات ولا يتمون مع الإمام؟ يوضح الشيخ رحمه الله قائلاً: لا، السنة الإتمام مع الإمام ولو صلى ثلاثاً وعشرين، لأن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة) ... فالأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف، سواء صلى إحدى عشرة أو ثلاث عشرة أو ثلاثاً وعشرين، هذا هو الأفضل؛ أن يتابع الإمام حتى ينصرف والثلاث والعشرون فعلها عمر- رضي الله عنه - مع الصحابة، فليس فيها نقص وليس فيها خلل، بل هي من السنن، من سنة الخلفاء الراشدين ... ] عن شبكة الإنترنت. وقال العلامة عبد العزيز بن باز: [ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس ظن بعضهم أن التراويح لا يجوز نقصها عن عشرين ركعة وظن بعضهم أنه لا يجوز أن يزاد فيها على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة وهذا كله ظن في غير محله بل هو خطأ مخالف للأدلة. وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على صلاة الليل موسع فيها فليس فيها حد محدود لا تجوز مخالفته بل ثبت عنه أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة وربما صلى ثلاث عشرة ركعة وربما صلى أقل من ذلك في رمضان وفي غيره ولما سئل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صلاة الليل قال: (مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) متفق على صحته. ولم يحدد ركعات معينة لا في رمضان ولا في غيره ولهذا صلى الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر - رضي الله عنه -في بعض الأحيان ثلاثاً وعشرين ركعة وفي بعضها إحدى عشرة ركعة كل ذلك ثبت عن عمر - رضي الله عنه - وعن الصحابة في عهده. وكان بعض السلف يصلي في رمضان ستاً وثلاثين ركعة ويوتر بثلاث وبعضهم يصلى إحدى وأربعين ذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم كما ذكر رحمة الله عليه أن الأمر في ذلك واسع] عن شبكة الإنترنت.

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين يرحمه الله: [ ... لا ينبغي لنا أن نغلو أو نفرط فبعض الناس يغلو من حيث التزام السنة في العدد فيقول لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السنة وينكر أشد النكير على من زاد على ذلك ويقول إنه آثمٌ عاصٍ وهذا لا شك أنه خطأ وكيف يكون آثماً عاصياً وقد سئل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صلاة الليل؟ فقال: (مثنى مثنى) ولم يحدد بعدد ومن المعلوم أن الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد لأن من لا يعلم الكيفية فجهله بالعدد من باب أولى وليس ممن خدم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نقول إنه يعلم ما يحدث داخل بيته فإذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين له كيفية الصلاة دون أن يحدد له بعدد علم أن الأمر في هذا واسع وأن للإنسان أن يصلي مئة ركعة ويوتر بواحدة. وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهذا ليس على عمومه ... وإنما المراد (صلوا كما رأيتموني أصلي) في الكيفية أما في العدد فلا إلا ما ثبت النص بتحديده. وعلى كلٍ ينبغي للإنسان أن لا يشدد على الناس في أمر واسع حتى إنا رأينا من الإخوة الذين يشددون في هذا من يبدعون الأئمة الذين يزيدون على إحدى عشرة ويخرجون من المسجد فيفوتهم الأجر الذي قال فيه الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قام مع الإمام

حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وقد يجلسون إذا صلوا عشر ركعات فتتقطع الصفوف بجلوسهم وربما يتحدثون أحياناً فيشوشون على المصلين وكل هذا من الخطأ ونحن لا نشك بأنهم يريدون الخير وأنهم مجتهدون لكن ليس كل مجتهد يكون مصيباً] الشرح الممتع 4/ 73 - 74. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين يرحمه الله أيضاً: [إذا قال قائل: صححتم أنها إحدى عشرة ركعة، فما رأيكم لو صلّينا خلف إمام يصليها ثلاثاً وعشرين، أو أكثر، هل إذا قام إلى التسليمة السادسة نجلس وندعه، أو الأفضل أن نكمل معه؟ الجواب: نقول: الأفضل أن: نكمل معه، ودليل ذلك من وجهين: الوجه الأول: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قيام رمضان: (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة). ومن جلس ينتظر حتى يصل الإمام إلى الوتر ثم أوتر معه، فإنه لم يصلَّ مع الإمام حتى ينصرف؛ لأنه ترك جزءاً من صلاته. الوجه الثاني: عموم قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وهذا يشمل كل فعل فعله الإمام ما لم يكن منهياً عنه، والزيادة على إحدى عشرة ليس منهياً عنها، وحينئذ نتابع الإمام. أما لو كانت الزيادة منهياً عنها مثل: أن يصلي الإنسان صلاة الظهر خمساً فإننا لا نتابعه. ثم ينبغي أن نعلم أن اتفاق الأمة مقصود قصداً أولياً بالنسبة للشريعة الإسلامية، لأن الله يقول: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} سورة المؤمنون الآية 52. والتنازع بين الأمة أمر مرفوض، قال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ} سورة آل عمران الآية 105. وقال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} سورة الشورى الآية 13. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} سورة الأنعام الآية 159. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) يقوله في تساوي الناس في الصف، (ولما صلّى عثمان - رضي الله عنه - في مِنى في الحج الرباعية أربعاً ولم يقصر بعد أن مضى من خلافته ثماني سنوات، وأنكر الناس عليه، وقالوا قصر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر) يعني: وأنت في أول خلافتك، لكنه - رضي الله عنه - تأول، فكان الصحابة الذين ينكرون عليه يصلون خلفه أربعاً، وهم ينكرون عليه مع أن هذه زيادة متصلة بالصلاة منكرة عندهم، ولكن تابعوا الإمام فيها إيثاراً للاتفاق، فما بالك بزيادة منفصلة، لو تعمدها الإنسان لا تؤثر على بطلان الصلاة؟ ونحن نقول: إننا متمسكون بالسنة ومتّبعون لآثار الصحابة ثم نخالف في هذه المسألة، فإني أقول إنَّ كل إنسان يقول: إنه متبع للسنة متبع لهدي السلف فإنه لا يسعه أن يدع الإمام إذا صلّى ثلاثاً وعشرين ويقول: أنا سأتبع السنة وأصلي إحدى عشرة؛ لأنك مأمور بمتابعة إمامك منهي عن المخالفة، ولست منهياً عن الزيادة عن إحدى عشرة.

فيجب على طلبة العلم خاصة، وعلى الناس عامة أن يحرصوا على الاتفاق مهما أمكن؛ لأن منية أهل الفسق وأهل الإلحاد أن يختلف أصحاب الخير، لأنه لا يوجد سلاح أشد فتكاً من الاختلاف، وقد قال موسى للسحرة: {وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} سورة طه الآيتان 60 - 61. فلما تنازعوا فشلوا وذهبت ريحهم، فهذا الاختلاف الذي نجده من بعض الأخوة الحريصين على إتباع السنة في هذه المسألة وفي غيرها، أرى أنه خلاف السنة، وما تقصده الشريعة من توحّد الكلمة واجتماع الأمة، لأن هذا -ولله الحمد- ليس أمراً محرماً ولا منكراً، بل هو أمر يسوغ فيه الاجتهاد فكوننا نولد الخلاف ونشحن القلوب بالعداوة والبغضاء والاستهزاء بمن يخالفنا في الرأي، مع أنه سائغ ولا يخالف السنة، فالواجب على الإنسان أن يحرص على اجتماع الكلمة ما أمكن] الشرح الممتع4/ 83 - 86. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم يرحمه الله مفتي المملكة السعودية السابق: [وإذا كان من عادة أهل بلد فعل صلاة التراويح على وجه آخر مما له أصل شرعي فلا وجه للإنكار عليهم أيضاً. والمقصود من ذلك كله هو البعد عن أسباب الشقاق والنزاع في أمر فيه سعة. ولقد لاحظ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا وترك أمراً عظيماً مخافة ما يقع في قلوب الناس كما جاء في حديث عائشة (لولا حدثان قومك بالإسلام ... ) الحديث. وترجم البخاري في هذا المعنى فقال: باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقع في أشد منه وساق حديث عائشة (لولا حدثان قومك بالإسلام لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين) الحديث، وقال علي: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذبَ اللهَ ورسوله؟) وفي رواية (ودعوا ما ينكرون)، وقال ابن مسعود: الخلاف شر. أ. هـ. وقال الشيخ إسماعيل الأنصاري: الاستدلال بحديث عائشة رضي الله عنها: (ما كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) فالجواب عنه أنه ليس فيه دليل على منع الزيادة على إحدى عشر ركعة في التراويح وغيرها، قال الحافظ ابن العراقي في طرح التثريب: قد اتفق

حكم الأذانين يوم الجمعة

العلماء على أنه ليس له -أي لقيام الليل- حد محصور] غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام 5/ 458 - 459. قال الشيخ العبيكان: [قلت والراجح أن قيام الليل ليس له حدٌّ محدود بل للمسلم أن يصلي ما شاء من الركعات في التراويح وغيرها لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) والقول مقدم على الفعل عند التعارض مع أنه ليس هناك تعارض بين القول والفعل، حيث ما ورد عن عائشة من نفي الزيادة على إحدى عشرة فقد أثبت غيرها أكثر من ذلك، والمثبت مقدم على النافي، ولو سلم عدم حصول الزيادة فلا يمنع مشروعية الزيادة، وإنما كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطيل الصلاة جداً بحيث لا يبقى وقت للزيادة يوضحه أنه صلى أقل من ذلك تسعاً وسبعاً وأقل. ومن العجيب أن بعض الناس الذين يزعمون أنهم يتمسكون بالسنة يصلون إحدى عشرة في وقت وجيز يقارب النصف ساعة ثم يجلسون يتحدثون ويلهون ويزعمون أن فعلهم أفضل من فعل الذين يستمرون في الصلاة ويزيدون على ذلك العدد فهم تمسكوا بالعدد وتركوا الإقتداء بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الوقت ومن فعل ذلك فلا يعتبر مقتدياً، والله أعلم] غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام 5/ 462 - 463. وخلاصة الأمر أنه لا يصح الإنكار على من صلى التراويح أكثر من إحدى عشرة ركعة وأن الأمر واسع فلا ينبغي لطلبة العلم أن يُحَجِروا واسعاً فيحدثوا تشويشاً على عامة المصلين والخَطْبُ في هذه المسألة سهل يسير. حكم الأذانين يوم الجمعة يقول السائل: إن إمام المسجد عندهم جعل الأذانين يوم الجمعة أذاناً واحداً بحجة أن أذان الجمعة كان واحداً على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واعترض كثير من المصلين عليه فما قولكم في ذلك أفيدونا؟

الجواب: الثابت أن النداء -الأذان- يوم الجمعة كان واحداً على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان المؤذن يرفع الأذان بعد جلوس رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر وبعد الفراغ من الخطبة تقام الصلاة واستمر الحال على ذلك على عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وفي عهد عثمان - رضي الله عنه - أحدث الأذان الثاني بمحضر من الصحابة الكرام وأقروه على ذلك واستمر العمل بالأذانين لصلاة الجمعة حتى وقتنا الحاضر. وينبغي أن يعلم أن الأذان الذي زاده عثمان - رضي الله عنه - يسمى الأذان الأول باعتبار أنه الأول في الترتيب حيث إنه يكون قبل الأذان بين يدي خطيب الجمعة. ويسمَّى أيضاً الأذان الثاني باعتبار أنه الأذان الحقيقي الثاني والإقامة تسمى أذاناً من باب التغليب وهو أسلوب معروف في لغة العرب، أو لاشتراكهما في الإعلام ويسمى أيضاً الأذان الثالث لأنه زيد على الأذان والإقامة المعروفين على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والإقامة تسمى أذاناً من باب التغليب كما سبق. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [وقوله في هذه الرواية (أوله إذا جلس الإمام على المنبر) معناه: أن هذا الأذان كان هو الأول، ثم تليه الإقامة، وتسمى: أذاناً كما في الحديث المشهور: (بين كل أذانين صلاةٌ). وخرّجه النسائي ... ولفظه: (كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر يوم الجمعة، فإذا نزل أقام، ثم كان كذلك في زمن أبي بكر وعمر، فلما زاد عثمان النداء الثالث صار هذا الثالث هو الأول، وصار الذي بين يدي الإمام هو الثاني] فتح الباري للحافظ ابن رجب الحنبلي، عن الإنترنت، وهذا الكتاب غير الكتاب المشهور بنفس العنوان للحافظ ابن حجر العسقلاني. وقال الإمام الشوكاني: [قوله: (زاد النداء الثالث) في رواية: (فأمر عثمان بالنداء الأول) وفي رواية: (التأذين الثاني أمر به عثمان) ولا منافاة لأنه سمي ثالثاً باعتبار كونه مزيداً وأولاً باعتبار كون فعله مقدماً على الأذان

والإقامة وثانياً باعتبار الأذان الحقيقي لا الإقامة] نيل الأوطار 3/ 298. إذا تقرر هذا فأقول قد ثبت في الحديث عن السائب بن يزيد: (قال كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان - رضي الله عنه - وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء قال أبو عبد الله - أي الإمام البخاري - الزوراء موضع بالسوق بالمدينة) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري (عن الزهري قال سمعت السائب بن يزيد يقول إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان في خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وكثروا، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك). وفي رواية أخرى عن السائب قال: (كان النداء الذي ذكره الله في القرآن يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وحتى خلافة عثمان فلما كثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده. وعند ابن خزيمة في صحيحه عن السائب قال: (كان ابتداء النداء الذي ذكره الله تعالى في القرآن يوم الجمعة) في رواية أخرى لابن خزيمة عن السائب قال: (كان الأذان على عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة) وفسر الأذانين بالأذان والإقامة يعني تغليبًا كما قال الشوكاني في نيل الأوطار 3/ 298. والأذان الذي أحدثه عثمان - رضي الله عنه - بمحضر من الصحابة وأقروه عليه لا يعتبر من البدع المحدثة بل هو سنة من سنن الخلفاء الراشدين وقد أمرنا رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإتباع ولزوم سنن الخلفاء الراشدين كما ورد في الحديث عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه -أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها

بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 871. وقد قرر العلماء أن إتباع ما سنَّه عثمان - رضي الله عنه - في أذان الجمعة إنما هو إتباع لسنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذاً من الحديث السابق كما أن موافقة الصحابة رضوان الله عليهم لعثمان - رضي الله عنه - على ما فعل يعتبر من باب الإجماع السكوتي وهو حجة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ويتوجه أن يقال هذا الأذان لما سنَّه عثمان - رضي الله عنه - واتفق المسلمون عليه صار أذاناً شرعياً] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/ 193 - 194. وقال الشيخ بدر الدين العيني عن الأذان العثماني: [ ... هو أولٌ في الوجود ولكنه ثالثٌ باعتبار شرعيته باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار فصار إجماعاً سكوتياً وإنما أطلق الأذان على الإقامة لأنها إعلام كالأذان] عمدة القاري شرح صحيح البخاري 5/ 73. وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز: [ ... الأفضل أن يكون للجمعة أذانان إقتداءً بأمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لأنه أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإتباع سنتهم ولأن لهذا أصلاً من السنة النبوية حيث شرع في رمضان أذانين أحدهما من بلال والثاني من ابن أم مكتوم رضي الله عنهما وقال: (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر). ولأن الصحابة رضي الله عنهم لم ينكروا على أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه -، فيما نعلم] عن موقع الشيخ على الإنترنت. وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز أيضاً: [ ... إن الناس كثروا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في المدينة فرأى أن يزاد الأذان الثالث، ويقال له: الأذان الأول لأجل تنبيه الناس على أن اليوم يوم جمعة حتى يستعدوا ويبادروا إلى الصلاة قبل الأذان المعتاد المعروف بعد الزوال وتابعه بهذا الصحابة الموجودون في عهده، وكان في عهده علي - رضي الله عنه -

وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم وغيرهم من أعيان الصحابة وكبارهم، وهكذا سار المسلمون على هذا في غالب الأمصار والبلدان تبعاً لما فعله الخليفة الراشد - رضي الله عنه - وتابعه عليه الخليفة الراشد الرابع علي - رضي الله عنه - وهكذا بقية الصحابة. فالمقصود أن هذا حدث في خلافة عثمان وبعده واستمر عليه غالب المسلمين في الأمصار والأعصار إلى يومنا هذا، وذلك أخذا بهذه السنة التي فعلها عثمان - رضي الله عنه - لاجتهاد وقع له ونصيحة للمسلمين ولا حرج في ذلك. لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وهو من الخلفاء الراشدين - رضي الله عنه - والمصلحة ظاهرة في ذلك فلهذا أخذ بها أهل السنة والجماعة ولم يروا بهذا بأساً لكونه من سنة الخلفاء الراشدين عثمان وعلي ومن حضر من الصحابة ذلك الوقت رضي الله عنهم جميعاً] عن موقع الشيخ على الإنترنت. وقال الشيخ صالح الفوزان: [الأذان الأول سنة الخلفاء الراشدين، فقد أمر به عثمان - رضي الله عنه - في خلافته لما كثر الناس وتباعدت أماكنهم، فصاروا بحاجة إلى من ينبههم لقرب صلاة الجمعة، فصار سنة إلى يومنا هذا، والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. وعثمان من الخلفاء الراشدين وقد فعل هذا وأقره الموجودون في خلافته من المهاجرين والأنصار، فصار سنة ثابتة] المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 3/ 37. وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية بأن الأذان العثماني ليس بدعة لما ورد من الأمر بإتباع سنة الخلفاء الراشدين وأنه لم ينكر على عثمان - رضي الله عنه - أحدٌ من الصحابة رضي الله عنهم، وتبعه جماهير المسلمين على ذلك. انظر فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 198 - 200. وخلاصة الأمر أن الأذان الأول -الأذان العثماني- سنة من سنن الخلفاء الراشدين التي أمرنا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باتباعها ولا ينبغي لأحد أن يلغي هذا الأذان وما وسع المسلمين السابقين يسعنا ولنا فيهم قدوة حسنة.

حكم الاعتراض على خطيب الجمعة

حكم الاعتراض على خطيب الجمعة يقول السائل: كنا في المسجد نستمع لخطيب الجمعة فقام بعض الحضور بالصياح على الخطيب معترضين على ما ذكره في خطبته وأحدثوا تشويشاً وضوضاء فأرجو بيان حكم الاعتراض على خطيب الجمعة أثناء الخطبة؟ الجواب: الإنصات واجب لخطبة الجمعة والكلام محرم أثنائها حتى لو كان الكلام أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر على الصحيح من أقوال أهل العلم وعلى ذلك تدل النصوص الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنها: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [معناه قلت غير الصواب وقيل تكلمت بما لا ينبغي. ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 138. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [واستدل به على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة وبه قال الجمهور في حق من سمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة] فتح الباري 2/ 533. ومعنى (لغوت) الواردة في الحديث جئت بأمر باطل. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه قال: (دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، فجلست قريباً من أبي بن كعب فقرأ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سورة (براءة) فقلت لأبي: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهمني ولم يكلمني فلما صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قلت لأبيّ: سألتك فتجهمتني ولم تكلمني؟ قال أبيّ: مالك من صلاتك إلا ما لغوت! فذهبت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا نبي الله كنت بجنب أبي وأنت تقرأ براءة فسألته متى نزلت هذه السورة، فتجهمني ولم يكلمني ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت. قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صدق أبيّ).

ومعنى تجهمني: قطب جبينه وعبس ونظر إليَّ مغضباً، والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه وقال الشيخ الألباني: صحيح. وجاء في رواية أخرى (فلما انصرف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جئته فأخبرته فقال: صدق أُبيّ إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ). رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص 338. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً والذي يقول له أنصت ليست له جمعة) رواه أحمد والطبراني وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: إسناده لا بأس به. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كان كفارة لما بينهما ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) رواه أبو داود وابن خزيمة وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ص 305. وعن عبد الله بن عمرو أيضاً قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يحضر الجمعة ثلاثة نفر، فرجل حضرها يلغو فذلك حظه منها، ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك أن الله يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}) رواه أبو داود وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في المصدر السابق. وذكر الشيخ ابن حزم بإسناده عن بكر بن عبد الله المزني: (أن علقمة بن عبد الله المزني كان بمكة فجاء كريُّهُ -أي الذي أجَّره الدابة- والإمام يخطب يوم الجمعة فقال له: حسبت القوم قد ارتحلوا فقال له: لا تعجل حتى تنصرف فلما قضى صلاته قال له ابن عمر: أما صاحبك فحمار وأما أنت فلا جمعة لك) المحلى 3/ 269 - 270.

وغير ذلك. وهذه الأحاديث والآثار تدل على وجوب الإنصات وتحريم الكلام أثناء خطبة الجمعة. قال الحصكفي الحنفي: [فيحرم أكل وشرب وكلام ولو تسبيحاً أو رد سلام أو أمراً بمعروف بل يجب عليه أن يستمع ويسكت] الدر المختار شرح تنوير الأبصار2/ 159. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة فلا يجوز الكلام لأحد من الحاضرين ونهى عن ذلك عثمان وابن عمر. وقال ابن مسعود: إذا رأيته يتكلم والإمام يخطب فاقرع رأسه بالعصا وكره ذلك عامة أهل العلم منهم: مالك وأبو حنيفة والأوزاعي ... ] ثم ذكر الشيخ ابن قدامة قول من لم يوجب الإنصات وذكر أدلة الجمهور ثم قال في الجواب عن أدلة المخالف: [ ... فتعين حمل أخبارهم على هذا جمعاً بين الأخبار وتوفيقاً بينها ولا يصح قياس غيره عليه لأن كلام الإمام لا يكون في حال خطبته بخلاف غيره وإن قدر التعارض فالأخذ بحديثنا أولى لأنه قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونصه وذلك سكوته والنص أقوى من السكوت] المغني 2/ 237 - 238. وقال ابن رشد المالكي في الرد على من لم يوجب الإنصات: [وأما من لم يوجبه: فلا أعلم لهم شبهة إلا أن يكونوا يرون أن هذا الأمر قد عارضه دليل الخطاب في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي: أن ما عدا القرآن فليس يجب له الإنصات، وهذا فيه ضعف، والله أعلم، والأشبه أن يكون هذا الحديث لم يصلهم] بداية المجتهد ونهاية المقتصد1/ 127. وينبغي أن يعلم أن فتح باب الاعتراض على خطيب الجمعة إنما هو فتح لباب من أبواب الشر وإن غلَّفوه بأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخاصة في بلادنا في ظل عدم وجود أي رادع يردع المتهورين ويمنع أصحاب الأهواء من الاعتراض على الخطباء كلما لم يعجبهم أمر يذكره خطيب، وإن فتح هذا الباب سيجعل الفوضى والتشويش يعمَّان المساجد

خطبتان لصلاة العيد لا خطبة واحدة

ويلغي حرمة المسجد وهيبة خطبة الجمعة وسيترتب على ذلك منكر أكبر وفتنة لا يعلم مداها إلا الله عز وجل لذا يجب إغلاق هذا الباب سداً للذريعة المؤدية للفساد. وخلاصة الأمر أنه يحرم الكلام أثناء خطبة الجمعة وكذا الاعتراض على الخطيب وينبغي لمن أراد أن يعترض على خطيب الجمعة أن يفعل ذلك بعد انتهاء الصلاة. خطبتان لصلاة العيد لا خطبة واحدة يقول السائل: ما صحة القول بأن الإمام يخطب خطبة واحدة بعد صلاة العيد لا خطبتين؟ الجواب: ذهب جمهور أهل العلم من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم إلى أن الإمام يخطب في العيد خطبتين يجلس بينهما كصلاة الجمعة تماماً قال الإمام الشافعي: [ ... أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله عن إبراهيم بن عبد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس] الأم 1/ 238. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول أبي القاسم الخرقي: [فإذا سلم خطب بهم خطبتين يجلس بينهما] وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصلاة، لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين ... إذا ثبت هذا فإن صفة الخطبتين كصفة خطبتي الجمعة، ... وروى سعد مؤذن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبتي العيدين. رواه ابن ماجه، ... ويجلس بين الخطبتين؛ لما روى ابن ماجه بإسناده عن جابر - رضي الله عنه -قال: (خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فطر أو أضحى، فخطب قائماً، ثم قعد قعدة، ثم قام] المغني 2/ 285 - 286.

وقال الإمام النووي: [فإذا فرغ الإمام من صلاة العيد صعد المنبر وأقبل على الناس بوجهه وسلم وهل يجلس قبل الخطبة؟ وجهان، الصحيح المنصوص يجلس كخطبة الجمعة ثم يخطب خطبتين أركانهما كأركانهما في الجمعة ويقوم فيهما ويجلس بينهما كالجمعة] روضة الطالبين 1/ 580. وقال الكاساني الحنفي: [وكيفية الخطبة في العيدين كهي في الجمعة فيخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة ... ] بدائع الصنائع 1/ 619. وقال الشيخ أحمد الدردير المالكي عند حديثه عن صلاة العيد [ونُدِبَ خطبتان لها كالجمعة أي كخطبتها في الصفة ... ] الشرح الكبير 1/ 400. وقد جرى العمل على هذا عند المسلمين منذ عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -على أن يخطب الخطيب خطبتين في العيد وهذا ما تناقله أهل العلم قديماً ولا خلاف فيه بين السلف كما بين ذلك الشيخ ابن حزم الظاهري حيث قال: [فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما فإذا أتمهما افترق الناس ... كل هذا لا خلاف فيه] المحلى 3/ 293. وقال الصنعاني بعد أن ذكر حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم) متفق عليه، قال الصنعاني: [ ... وفيه دليل على مشروعية خطبة العيد، وأنها كخطب الجمع أمر ووعظ، وليس فيه أنها خطبتان كالجمعة وأنه يقعد بينهما، ولعله لم يثبت ذلك من فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما صنعه الناس قياساً على الجمعة) سبل السلام 2/ 493. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: [وقوله (خطبتين) هذا ما مشى عليه الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان، لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر (أنه كان يخطب خطبتين) ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهنّ، فإن جعلنا هذا أصلاً في مشروعية الخطبتين فمحتمل، مع أنه لا

يصح، لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهنّ لعدم وصول الخطبة إليهنّ وهذا احتمال] الشرح الممتع 5/ 191 - 192. إذا تقرر هذا فيجب أن يعلم أنه لم يثبت في صحيح السنة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه خطب خطبتين في صلاة العيد وما ورد في ذلك فضعيف كما قرر ذلك أهل الحديث فمن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً ثم قعد قعدة ثم قام) رواه ابن ماجة والبيهقي في السنن الكبرى وهو ضعيف كما بينه الحافظ ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير 2/ 86. وضعّفه البوصيري في الزوائد أيضاً. وضعفه الشيخ الألباني أيضاً. وما رواه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: (أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلّى العيد بغير أذان ولا إقامة، وكان يخطب خطبتين قائماً، فيفصل بينهما بجلسة) رواه البزار وهو ضعيف كما بين ذلك العلامة الألباني في تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص348. وعن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أنّه قال: [السنة أن يخطب في العيدين بخطبتين يفصل بينهما بجلوس]. قال الإمام النووي: [ضعيف غير متصل، ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة] خلاصة الأحكام 2/ 838. وقال الشوكاني: [وعبيد اللَّه بن عبد الله تابعي كما عرفت فلا يكون قوله من السنة دليلاً على أنها سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تقرر في الأصول] نيل الأوطار 3/ 347. وما قاله الشوكاني غير مسلَّم فإن التابعي إذا قال من السنة كذا فهو يشير إلى سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا إذا قيدها بسنة غيره بل إن الشوكاني نفسه بين هذه المسألة حيث قال: [وأما التابعي إذا قال من السنة كذا فله حكم مراسيل التابعين هذا أرجح ما يقال فيه واحتمال كونه مذاهب الصحابة وما كان عليه العمل في عصرهم خلاف الظاهر فإن إطلاق ذلك في مقام الاحتجاج وتبليغه إلى الناس يدل على أنه أراد سنة صاحب الشريعة. قال ابن

حكم جمع السجين بين الصلاتين بسبب المطر

عبد البر إذا أطلق الصحابي السنة فالمراد به سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكذلك إذا أطلقه غيره ما لم تضف إلى صاحبها كقولهم (سنة العمرين) ونحو ذلك] إرشاد الفحول ص 61. وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ما نصه: [العلماء ألحقوا العيد بالجمعة في الخطبتين فلا ينبغي العدول عن هذا]. وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز أيضاً: [خطبة العيد خطبتان وأثر عبيد الله مرسل فهو ضعيف؛ لكن يتأيد عند الجمهور بأنها مثل الجمعة فألحقوها بها، وتتابع العلماء على ذلك] عن شبكة الإنترنت. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين: هل للعيد خطبة أم خطبتان فأجاب: المشهور عند الفقهاء أن خطبة العيد اثنتان لحديث ضعيف ورد في هذا لكن في الحديث المتفق على صحته أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يخطب إلا خطبة واحدة وأرجو أن الأمر في هذا واسع] مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين 16/ 248. وخلاصة الأمر أن الذي يظهر لي أن في العيد خطبتان، وأن هذا من العمل المتوارث وقد عمل به فقهاء الأمة على مر العصور والأيام فلا ينبغي تركه. حكم جمع السجين بين الصلاتين بسبب المطر يقول السائل: ما حكم الجمع بين الصلاتين بسبب المطر في حق السجين؟ الجواب: إن الأصل في الصلوات الخمس أن تؤدى في الأوقات المخصصة لها شرعاً قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا

مَوْقُوتًا} سورة النساء الآية 103. ويدل على ذلك أيضاً حديث إمامة جبريل بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو حديث صحيح مروي في دواوين السنة. والجمع بين الصلاتين رخصة حيث وجدت أسبابها. وإن من المؤسف أن بعض أئمة المساجد وكذا بعض عامة الناس يتساهلون في الجمع بين الصلاتين بسبب المطر فنرى بعضهم يجمع بدون سبب موجب كأن يكون المطر صباحاً فيجمع الإمام بين المغرب والعشاء وكذلك يجمعون بين الظهر والعصر ثم ينطلقون إلى أعمالهم وأسواقهم ولا يمنعهم المطر عنها وإنما منعهم عن الصلاة فقط. ومثل هذا التساهل جمع المنفرد في بيته بين الصلاتين بسبب المطر ومثل ذلك في التساهل أيضاً جمع السجين في سجنه فمن المعروف أن السجين يصلي في سجنه ولا يذهب إلى المسجد فلا يتأذى من المطر. قال الإمام الشافعي: [ولا يجمع إلا من خرج من بيته إلى المسجد يجمع فيه ... ولا يجمع أحد في بيته لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع في المسجد والمصلي في بيته مخالف المصلي في المسجد] الأم 1/ 95. وانظر الجمع بين الصلاتين في المطر ص226. وعلل ذلك الماوردي بأن الجمع يجوز لأجل المشقة وما يلحقه من أذى المطر وإذا عدم هذا المعنى امتنع جواز الجمع. الحاوي الكبير2/ 399. وقال الإمام النووي: [قال أصحابنا والجمع بعذر المطر وما في معناه من الثلج وغيره يجوز لمن يصلي جماعة في مسجد يقصده من بعد ويتأذى بالمطر في طريقه] المجموع 4/ 381. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي معللاً القول بمنع المنفرد من الجمع للمطر: [لأن الجمع لأجل المشقة فيختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه كالرخصة في التخلف عن الجمعة والجماعة يختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه] المغني 2/ 204. وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية ما نصه: [المشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع كالمطر كسباً لثواب الجماعة ورفقاً بالناس وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة أما جمع جماعة في بيت واحد من

أجل العذر المذكور فلا يجوز لعدم وروده في الشرع المطهر وعدم وجود العذر المسبب للجمع] فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 135. وهذا هو الموافق للحكمة من مشروعية الجمع وهي رفع الحرج ودفع المشقة عمن يصلي في المسجد، فأي حرج أو مشقة في حق من صلى في سجنه؟ وأنبه على أن كثيراً من أهل العلم يرون أن ترك الجمع أفضل وأولى بسبب خلاف من رأى عدم جواز الجمع. قال الإمام النووي: [وترك الجمع أفضل بلا خلاف فيصلي كل صلاة في وقتها للخروج من الخلاف فإن أبا حنيفة وجماعة من التابعين لا يجوِّزونه. وممن نص على أن تركه أفضل الغزالي وصاحب التتمة. قال الغزالي في البسيط: لا خلاف أن ترك الجمع أفضل] روضة الطالبين 1/ 505. وقال ابن مفلح: [وتركه أفضل] الفروع 2/ 68. وقال المرداوي: [يؤخذ من قول المصنف (ويجوز الجمع) أنه ليس بمستحب وهو كذلك بل تركه أفضل على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب] الإنصاف 2/ 334. ويجب أن يعلم أن كل من يجمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فجمعه باطل أي إن صلاته الثانية باطلة لأنها وقعت في غير وقتها المقدر لها شرعاً فدخول الوقت شرط من شروط صحة الصلاة والأصل في الصلوات الخمس أن تصلى كل منها في وقتها الشرعي قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} سورة النساء الآية 103. قال الشوكاني في تفسير الآية: [أي محدوداً معيناً يقال وقَّته فهو موقوت ووقَّته فهو مؤقت والمعنى إن الله افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي من نوم أو سهو أو نحوهما] تفسير فتح القدير 1/ 510. وكذلك فإن من جمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فقد ارتكب حراماً بل كبيرة من كبائر الذنوب

كما نص على ذلك ابن حجر المكي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 288 - 289. وقد روي في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر) رواه الترمذي والحاكم وهو حديث ضعيف ضعفه الحافظ ابن حجر وغيره. وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة حديث رقم 4581. وقال محمد بن الحسن الشيباني: [وبلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كتب في الآفاق ينهاهم أن يجمعوا بين الصلاتين ويخبرهم أن الجمع بين الصلاتين في وقت واحد كبيرة من الكبائر أخبرنا بذلك الثقات عن العلاء بن الحارث عن مكحول] الموطأ برواية محمد بن الحسن ص82. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر)، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قتادة العدوي قال: (قُرئ علينا كتاب عمر - رضي الله عنه - (من الكبائر جمع بين الصلاتين) - يعني بغير عذر - والفرار من الزحف والنميمة) الدر المنثور 2/ 502. وقال الإمام البيهقي: [باب ذكر الأثر في أن الجمع من غير عذر من الكبائر مع ما دلت عليه أخبار المواقيت ثم روى بسنده عن عمر - رضي الله عنه - قال: (جمعُ الصلاتين من غير عذر من الكبائر) قال الشافعي في سنن حرملة: العذر يكون بالسفر والمطر وليس هذا بثابت عن عمر هو مرسل. قال الشيخ هو كما قال الشافعي والإسناد المشهور لهذا الأثر ما ذكرنا وهو مرسل. أبو العالية لم يسمع من عمر - رضي الله عنه - وقد روى ذلك بإسناد آخر قد أشار الشافعي إلى متنه في بعض كتبه ... (أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى عامل له: ثلاثٌ من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا في عذر، والفرار من الزحف والنُهْبَى) أبو قتادة العدوي أدرك عمر - رضي الله عنه - فإن كان شهده كتب فهو موصول وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قوياً وقد روي فيه حديث موصول عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إسناده من لا يحتج به ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (جمعٌ بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر). لفظ حديث

قيام الإمام إلى ركعة زائدة عن الصلاة

نعيم، وفي رواية يعقوب (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر) تفرد به حسين بن قيس أبو علي الرحبي المعروف بحنش وهو ضعيف عند أهل النقل لا يحتج بخبره] سنن البيهقي 3/ 169. وذكر ابن كثير الأثر عن أبي قتادة العدوى قال: قرئ علينا كتاب عمر (من الكبائر جمع بين الصلاتين يعني بغير عذر والفرار من الزحف والنهبة). وهذا إسناد صحيح والغرض أنه إذا كان الوعيد فيمن جمع بين الصلاتين كالظهر والعصر تقديماً أو تأخيراً وكذا المغرب والعشاء كالجمع بسبب شرعي فمن تعاطاه بغير شيء من تلك الأسباب يكون مرتكباً كبيرة فما ظنك بترك الصلاة بالكلية) تفسير ابن كثير1/ 485. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن ترك صلاة واحدةً عمداً بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاءً فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر فأجاب: [الحمد لله، نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمداً من الكبائر، بل قد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر، وقد رواه الترمذى مرفوعاً عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر). ورفع هذا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كان فيه نظر فإن الترمذي قال العمل على هذا عند أهل العلم والأثر معروف وأهل العلم ذكروا ذلك مقرين له لا منكرين له] مجموع الفتاوى 22/ 53 - 54. وخلاصة الأمر فإنني أنصح المساجين - فك الله أسرهم - بأن يلتزموا بما قرره أهل العلم وأحذرهم من التساهل في الجمع لأن جمعهم يعتبر جمعاً بدون عذر شرعي وعليهم أن يصلوا كل صلاة في وقتها. قيام الإمام إلى ركعة زائدة عن الصلاة يقول السائل: كنَّا نصلي صلاة الظهر جماعة فقام الإمام إلى ركعة خامسة سهواً فسبح بعض المصلين فلم يرجع الإمام وأتم الخامسة ثم سجد للسهو.

وأما المأمومون فمنهم من تابع الإمام ومنهم من بقي جالساً حتى سلَّم الإمام فسلموا معه وقد روجع الإمام فقال إنه قد اقتدى بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سها وقام إلى خامسة فعلى المصلين أن يقتدوا به في الخامسة، فما قولكم؟ الجواب: النسيان والسهو من الأمور الملازمة للإنسان ولا إثم على الانسان في حال السهو لما ورد في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الطبراني والدارقطني والحاكم بألفاظ مختلفة وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. والسهو في الصلاة واقع فقد سها النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من مرة في صلاته كما ثبت ذلك في عدة أحاديث منها: عن عبد الله بن بحينة - رضي الله عنه - أنه قال: (صلى لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلَّم) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر خمساً فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: وما ذاك؟ قال: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلَّم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (صلَّى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر فسلم في ركعتين ثم أتى جِذعاً في قبلة المسجد فاستند إليها مغضباً وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يتكلما وخرج سرعان الناس قصرت الصلاة فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يميناً وشمالاً فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق لم تصل إلا ركعتين فصلى ركعتين وسلَّم ثم كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلَّم) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. وسجود السهو واجب في الصلاة إذا وُجد المقتضي له على الراجح من أقوال أهل العلم كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 23/ 27 - 28. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإذا سها الإمام فأتى بفعل في غير موضعه, لزم المأمومين تنبيهه, فإن كانوا رجالاً سبحوا به, وإن كانوا نساءً صفقن ببطون أكفهن على ظهور الأخرى, وبهذا قال

الشافعي ... ولقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله) متفق عليه] المغني 2/ 15. وتذكير المأمومين للإمام واجب كما ذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي ويدل عليه أيضاً ما ورد في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ... إنه لو حدث في الصلاة شيءٌ لنبأتكم به ولكن إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين) رواه البخاري ومسلم. فقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكروني أمر والأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب. إذا تقرر هذا فأعود لجواب السؤال فأقول: إذا سها الإمام عن الجلوس الأخير في الصلاة فقام إلى ثالثة في الفجر أو رابعة في المغرب أو خامسة في الظهر أو العصر أو العشاء فسبح بعض المصلين فينبغي أن يرجع ثم يجلس للتشهد ويسجد سجدتي السهو والرجوع واجب على الإمام في هذه الحال إلا إذا كان متيقناً من خطأ المأمومين فإنه لا يرجع. وأما المأموم في السؤال المذكور فإذا كان متيقناً أنه صلى أربعاً فلا يجوز أن يتابع الإمام في الخامسة فإن فعل بطلت صلاته لأنه تعمد الزيادة في الصلاة وأما إن كان غير متأكد من عدد الركعات التي صلاها فتابع الإمام فصلاته صحيحة. وأما من تيقن أنه صلى أربعاً فإنه إما أن يبقى جالساً حتى يسلم الإمام فيسلم معه وإما أن ينوي مفارقة الإمام ... سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟ فأجاب: [إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه بل ينتظرونه حتى يسلم بهم أو يسلموا قبله والانتظار أحسن] مجموع الفتاوى 23/ 53. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [لو صلى خمساً يعني في صلاة رباعية فإنه متى قام إلى الخامسة في الرباعية، أو إلى الرابعة في المغرب، أو إلى الثالثة في الصبح، لزمه الرجوع متى ما ذكر، فيجلس، فإن كان قد تشهد عقيب الركعة التي تمت بها صلاته، سجد للسهو، ثم يسلم. وإن كان

تشهد، ولم يصل على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عليه، ثم سجد للسهو وسلم وإن لم يكن تشهد، تشهد وسجد للسهو، ثم سلم. فإن لم يذكر حتى فرغ من الصلاة، سجد سجدتين، عقيب ذكره، وتشهد وصلاته صحيحة. وبهذا قال علقمة والحسن، وعطاء، والزهري، والنخعي، ومالك، والليث، والشافعي، وإسحاق وأبو ثور ... ولنا: ما روى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمساً فلما انفتل توشوش القوم بينهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة؟ قال: لا، قالوا: فإنك قد صليت خمساً فانفتل، ثم سجد سجدتين، ثم سلَّم ثم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين). وفي رواية قال: (إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ثم سجد سجدتي السهو). وفي رواية، فقال: (فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين) رواها كلها مسلم والظاهر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يجلس عقيب الرابعة، لأنه لم ينقل، ولأنه قام إلى الخامسة معتقداً أنه قام عن ثالثة ولم تبطل صلاته بهذا، ولم يضف إلى الخامسة أخرى] المغني 2/ 25 - 26. وأما إدعاء الإمام بأن على المصلين أن يتابعوه في الخامسة اقتداءً بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سها وتابعه الصحابة رضوان الله عليهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة فالجواب أن هذا إدعاء باطل لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمر من تابعه من الصحابة في الزيادة بأن يعيد الصلاة فَعِلَّةُ ذلك أنهم كانوا في عصر التشريع وقد ظنوا أن الصلاة قد زيد فيها فلذلك لم ينبه الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحداً من الصحابة رضي الله عنهم في الزيادة إلا بعد الصلاة، كما سبق من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر خمساً، فقالوا: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً فثنى رجليه وسجد سجدتين). وأما الادعاء بوجوب متابعة الإمام في هذه الحالة فقد أجاب عنه العلامة محمد صالح العثيمين فقال: [ولقد ساءني ما نقله لي ثقة عن شخص كان يجادله في إمام صلى الظهر خمساً والمأموم يعلم أنه قد زاد في صلاته فقال هذا المجادل: إنه يجب على المأموم أن يتابع الإمام في الزيادة لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) فتأمل، تأمل خطأ هذا

المجادل في الحكم والفهم، وتأمل أن طرد قاعدته يستلزم أن الإمام لو صلى الظهر عشر ركعات لوجب على المأموم أن يتابعه إن هذا والله لهو الجهل المركب بل مركب المركب جهل في الحكم وجهل في الفهم وجهل بأدلة الشريعة الأخرى أفلا يعلم هذا الجاهل المجادل أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيّن الواجب في إئتمام المأموم بإمامه بقوله: (فإذا كبر فكبروا) إلى أن قال: (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) والفاء في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا كبر إلى آخره للتفريع فما بعدها تفريع على ما قبلها وإفصاح للمراد به تبين المراد بالإتمام ولم يقل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى الإمام خمساً فصلوا خمساً ونحن نعلم علم اليقين أن الإنسان لو صلى خمساً متعمداً لبطلت صلاته لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فهل صلاة الظهر خمساً عليها أمر الله ورسوله وإذا لم يكن عليها أمر الله ورسوله فهي باطلة مردودة بمقتضى هذا الحديث وإذا كانت باطلة فهل يجوز إتباع الغير فيما هو باطل أيها المسلمون إن الحكم في هذه المسألة إذا قام الإمام إلى خامسة أنه يجب على المأموم أن ينبهه فيقول سبحان الله ثم إن رجع الإمام فذلك هو المطلوب وحينئذ يرجع ويتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو سجدتين بعد السلام ويسلم ويتابعه المأموم في ذلك وإن أبى أن يرجع لكونه يتيقن أنه على صواب فإن المأموم الذي يتيقن أنه على صواب وأن الإمام مخطئ يجب عليه أن يجلس ولا يجوز له أن يتابع الإمام لأنه لو تابعه لزاد في الصلاة ركعة عمداً وهذا يبطلها ولكنه يبقى حتى إذا رجع الإمام إذا قضى الركعة التي قام إليها وتشهد سلَّم مع الإمام] عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن الإمام إذا قام إلى خامسة في صلاة رباعية فعليه أن يرجع إذا سبح المصلون وعليه سجود السهو إلا إذا تيقن من خطأ المأمومين وأما المأمومون فكل من تيقن أنه صلى أربعاً فيحرم عليه متابعة الإمام في الخامسة فإن تابعه بطلت صلاته، وهو مخير بين أن ينتظر الإمام فيسلم معه أو ينوي مفارقة الإمام. وأما من كان غير متيقن فتابع الإمام فصلاته صحيحة.

بطلان إمامة المرأة للرجال

بطلان إمامة المرأة للرجال يقول السائل: ما قولكم فيما نشر في وسائل الإعلام أن أول امرأة ستؤم المصلين من النساء والرجال في صلاة الجمعة وستقام بمدينة نيويورك الأمريكية وستطالب هذه المرأة بحق النساء المسلمات في المساواة مع الرجال في التكاليف الدينية كحق المرأة في الإمامة، وعدم ضرورة أن تصلي النساء في صفوف خلفية وراء الرجال باعتبار أن هذا الأمر هو ناتج عن عادات وتقاليد بالية وليس من الدين في شيء وترى أنه لا يوجد في سلوكيات النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يمنع أن تؤم المرأة المسلمين رجالا ونساء!!؟ الجواب: إن الأصل الذي قرره العلماء في العبادات عامة والصلاة بشكل خاص هو التلقي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فالأصل فيها التوقيف أو الحظر كما يعبر بعض العلماء أي أن الأصل أن لا نفعل شيئاً في باب العبادات ما لم يكن وارداً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويجب علينا أن نلتزم بذلك بلا زيادة ولا نقصان. يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ويقول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم. وكان الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في خطبه: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم. فالأصل في المسلم أن يقف عند موارد النصوص فلا يتجاوزها لأننا أمرنا بالإتباع ونهينا عن الابتداع فنحن مأمورون بإتباعه والإقتداء به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} وقد بين لنا الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وكل ما يتعلق بها وعلَّم الصحابة كيف يصلون وصلى أمامهم وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري. هذا هو الأصل الأصيل وأما ما نقل عن المرأة المسلمة الأمريكية فإنه لعجب عجاب ولا يستبعد أن تكون أيدي خفية تدفعها لهذا الأمر للتشويش

على الإسلام وإن كنا لا نستغرب مثل هذه الأمور في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون في أنحاء العالم اليوم. وما زعمته هذه المرأة من افتراءات على دين الإسلام واضح بطلانها حيث إنها زعمت أنه لا يعرف عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه منع المرأة من إمامة الرجال فهذا كذب صريح على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد صح في الحديث من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وجاء في رواية أخرى أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). ولم يعرف في تاريخ الإسلام أن امرأة أمت الرجال في صلاة الجمعة. وقد اتفق جماهير علماء الإسلام على أن من صلى خلف امرأة في الفريضة فصلاته وصلاتها باطلة كما اتفقوا على أن المرأة لا تكون إماماً في الصلوات المفروضات ومنها صلاة الجمعة ولا في النوافل أيضاً، قال الإمام الشافعي: [وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور فصلاة النساء مجزئة، وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة؛ لأن الله عز وجل جعل الرجال قوامين على النساء وقصرهنَّ عن أن يكن أولياء وغير ذلك، ولا يجوز أن تكون امرأة إمام رجل في صلاة بحال أبداً]. الأم 1/ 164. وقال الإمام النووي: [ ... واتفق أصحابنا على أنه لا تجوز صلاة رجل بالغ ولا صبي خلف امرأة حكاه عنهم القاضي أبو الطيب والعبدري ... وسواء في منع إمامة المرأة للرجال صلاة الفرض والتراويح وسائر النوافل هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف رحمهم الله وحكاه البيهقى عن الفقهاء السبعة فقهاء المدينة التابعين وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وسفيان وأحمد وداود] المجموع 5/ 338. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وأما المرأة فلا يصح أن يأتم بها الرجل بحال في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء] المغني2/ 146. وقال الشيخ ابن حزم الظاهري: [ولا يجوز أن تؤم المرأة الرجل، ولا الرجال، وهذا ما لا خلاف فيه وأيضاً فإن النص قد جاء بأن المرأة تقطع

صلاة الرجل إذا فاتت أمامه. على ما نذكر بعد هذا في بابه إن شاء الله تعالى، مع قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الإمام جُنَّة) وحكمه عليه الصلاة والسلام بأن تكون وراء الرجل، ولا بد في الصلاة، وأن الإمام يقف أمام المأمومين لا بد أو مع المأموم في صف واحد على ما نذكر إن شاء الله تعالى في مواضعه ومن هذه النصوص يثبت بطلان إمامة المرأة للرجل، وللرجال يقيناً] المحلى 2/ 167. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ ... وأن المنع من إمامة المرأة بالرجال قول عامة العلماء] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/ 249. وقال الإمام الباجي المالكي: [ ... فَأَمَّا مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِمَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدِهَا: الْأُنُوثَةُ. وَالثَّانِيَةِ: الصِّغَرُ وَعَدَمُ التَّكْلِيفِ. وَالثَّالِثَةِ: نَقْصُ الدِّينِ. فَأَمَّا الْأُنُوثَةُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لا تَؤُمُّ رِجَالاً وَلَا نِسَاءً فِي فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ... ] المنتقى شرح الموطأ 2/ 203. ومن أوضح الأدلة على منع المرأة من إمامة الصلاة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بتأخير صفوف النساء عن صفوف الرجال فقد ثبت عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) رواه مسلم، وهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن صفوف النساء تكون بعد صفوف الرجال. وهذه المرأة تزعم أنه لم يرد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يمنع من إقامة صلاة تختلط فيها النساء مع الرجال ولقد أعظمت الفرية على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد اتفق الفقهاء على أن من شروط الإمام في صلاة الجمعة الذكورة حيث إن صلاة الجمعة ليست واجبة على النساء وكذا اتفقوا على أنه يشترط في خطيب الجمعة أن يكون رجلاً. انظر حاشية قليوبي وعميرة على شرح المنهاج للمحلي 1/ 278. والعجب من بعض المشايخ الذين ظهروا على بعض المحطات الفضائية وزعموا أن المسألة محل خلاف بين الفقهاء وأن فيها عدة أقوال،

أقول لهم إن المسألة محل اتفاق بين الفقهاء وهي منع المرأة من الإمامة والخطابة في صلاة الجمعة فلم يقل أحد من أهل العلم بأن المرأة تتولى خطبة الجمعة والإمامة في صلاة الجمعة والذكورة شرط في فرضية الجمعة باتفاق الفقهاء، وإنما وقع خلاف في إمامة المرأة في غير صلاة الجمعة فقال بعض العلماء يجوز أن تؤم بالفرائض الخمس وقال آخرون تؤم في النافلة كالتراويح، قال المرداوي الحنبلي: [وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقاً قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ... وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي النَّفْلِ ... وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ, ... قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ, قِيلَ: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ قَارِئَةً وَهُمْ أُمِّيُّونَ, ... وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ أَقْرَأَ مِنْ الرِّجَالِ, وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ أَقْرَأَ وَذَا رَحِمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ, وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ ذَا رَحِمٍ أَوْ عَجُوزٍ وَاخْتَارَ الْقَاضِي: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا ... ] الإنصاف 2/ 263. وقال آخرون تؤم النساء فقط. وأما ما ورد في الحديث عن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية رضي الله عنها (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما غزا بدراً قالت: قلت له: يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله أن يرزقني شهادة؟ قال: قرَِّي في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة، قال: فكانت تسمى الشهيدة، قال: وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تتخذ في دارها مؤذناً فأذن لها) ... وفي رواية أخرى عند أبي داود (وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها، قال عبد الرحمن: فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً) رواه أبو داود وغيره والحديث ضعيف عند جماعة من المحدثين، وممن ضعفه الإمام الباجي المالكي حيث قال: [وهذا الحديث مما لا يجب أن تعول عليه] المنتقى شرح الموطأ 2/ 203. وممن ضعفه الحافظ ابن حجر كما في التلخيص الحبير 2/ 27، وقد صححه ابن خزيمة كما ذكر الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص 84. وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 118. فإن قلنا بأن الحديث صالح للاحتجاج فقد حمله بعض أهل العلم

حكم تقدم المأموم على الإمام

على أن أم ورقة رضي الله عنها قد أمت بنساء دارها فقط وأن ذلك خاص بها، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وحديث أم ورقة إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها، كذلك رواه الدارقطني وهذه زيادة يجب قبولها، ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الخبر عليه لأنه أذن لها أن تؤم في الفرائض بدليل أنه جعل لها مؤذناً والأذان إنما يشرع في الفرائض ولا خلاف في أنها لا تؤمهم في الفرائض ولأن تخصيص ذلك بالتراويح واشتراط تأخرها تحكم يخالف الأصول بغير دليل فلا يجوز المصير إليه ولو قدر ثبوت ذلك لأم ورقة لكان خاصا بها بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة، فتختص بالإمامة لاختصاصها بالأذان والإقامة] المغني 2/ 147. وحمله بعض العلماء على أنها تؤم بمحارمها، قال الصنعاني: [وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ أَهْلَ دَارِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ فَإِنَّهُ كَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ وَكَانَ شَيْخاً كَمَا فِي الرِّوَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ تَؤُمُّهُ وَغُلَامَهَا وَجَارِيَتَهَا] سبل السلام 2/ 436. وحمله ابن مفلح الحنبلي على أن ذلك في النافلة فقط فقال: [ ... رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ بِإِسْنَادٍ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ, وَإِنْ صَحَّ فَيَتَوَجَّهُ حَمْلُهُ عَلَى النَّفْلِ, جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ ... ] الفروع 2/ 18. ومثل ذلك قال صاحب منتهى الإرادات. وخلاصة الأمر أن إمامة المرأة في صلاة الجمعة منكر ومعصية ظاهرة وبدعة جديدة مخالفة لما هو مقرر شرعاً ومخالف لما مضى عليه العمل من لدن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحتى عصرنا الحاضر وهو أمر شاذ بل في غاية الشذوذ. حكم تقدم المأموم على الإمام يقول السائل: ما حكم صلاة المأموم متقدماً على الإمام وما قولكم في قول من يقول بجواز ذلك دائماً؟ الجواب: إن الأصل الذي قرره العلماء في الصلاة هو التلقي عن

النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فالأصل فيها التوقيف أي أن الأصل أن لا نفعل شيئاً في باب العبادات ما لم يكن وارداً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويجب علينا أن نلتزم بذلك بلا زيادة ولا نقصان وقد بين لنا الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وكل ما يتعلق بها وعلَّم الصحابة كيف يصلون وصلى أمامهم، وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري. وقد علمنا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الإمام يقف أمام المأمومين وليس العكس ومقتضى لفظ إمام أن يكون أمام المأمومين وعلى ذلك دل قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) قال البيضاوي وغيره: الائتمام الإقتداء والإتباع أي جعل الإمام إماماً ليقتدى به ويتبع, ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه في موقفه, بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله, ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال] فتح الباري 2/ 231. وقد اتفق جماهير أهل العلم على أن الإمام يتقدم إذا كان المأمومون اثنين فأكثر وهذه هي السنة الثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام فإن وقفوا قدامه لم تصح، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ... ولنا قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) ولأنه يحتاج في الإقتداء إلى الالتفات إلى ورائه، ولأن ذلك لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا هو في معنى المنقول فلم يصح كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام ويفارق من خلف الإمام فإنه لا يحتاج في الإقتداء إلى الالتفات إلى ورائه] المغني 2/ 157. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [والأصل في الإمام أن يكون متقدماً على المأمومين إلا إن ضاق المكان أو لم يكن إلا مأموم واحد] فتح الباري 2/ 216. ومما يدل على ذلك أن المنقول عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقوم أمام أصحابه إذا صلى بهم ولم ينقل أن واحداً من الصحابة تقدم على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فقد جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - (أن جدته مليكة دعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصل لكم، قال أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس فنضحته بماء فقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصففت واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين ثم انصرف) رواه البخاري ومسلم. وروى الترمذي بإسناده عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: (أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كنا ثلاثة أن يتقدمنا أحدنا) قال أبو عيسى - الترمذي - وفي الباب عن ابن مسعود وجابر وأنس بن مالك قال أبو عيسى وحديث سمرة حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الإمام] سنن الترمذي 1/ 452 - 453. وعن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) رواه مسلم وغير ذلك من الأدلة، فالأصل أن تقدم الإمام على جماعة المصلين واجب. قال الشيخ ابن حزم: [ ... لأن فَرْضَ الإِمَامِ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ وَهُمْ وَرَاءَهُ ولا بد ... ] المحلى 3/ 139. وأما من صلى أمام الإمام لغير عذر فلا تصح صلاته على الراجح من أقوال أهل العلم. والعذر مثل أن يكون هنالك زحام شديد كما يحدث في المسجد الحرام في موسم الحج أو ضاق الموضع الذي يصلون فيه فإن صلى أحد قدَّام الإمام صحت صلاته حينئذ وهذا القول رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: [أما صلاة المأموم قدَّام الإمام. ففيها ثلاثة أقوال للعلماء: أحدها: إنها تصح مطلقاً، وإن قيل إنها تكره، وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك، والقول القديم للشافعي. والثاني: إنها لا تصح مطلقاً، كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد في المشهور من مذهبهما. والثالث: إنها تصح مع العذر، دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدًّام الإمام، فتكون صلاته قدَّام الإمام خيراً له من تركه للصلاة. وهذا قول طائفة من العلماء، وهو قول في مذهب

أحمد، وغيره. وهو أعدل الأقوال وأرجحها وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجباً من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر. وإن كانت واجبة في أصل الصلاة، فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط، ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام، والقراءة، واللباس، والطهارة، وغير ذلك] الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام 2/ 360. وقال الشيخ ابن حزم: [وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي أَمَامَ الإِمَامِ إلاَّ لِضَرُورَةِ حَبْسٍ فَقَطْ, أَوْ فِي سَفِينَةٍ حَيْثُ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ: ... عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ, قَالَ جَابِرٌ: فَتَوَضَّأْتُ مِنْ مُتَوَضَّأِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ يَقْضِي حَاجَتَهُ, فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ, ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ، عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي، عَنْ يَمِينِه, ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ، عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الاِثْنَانِ فَصَاعِدًا خَلْفَ الإِمَامِ، وَلاَ بُدَّ; وَيَكُونُ الْوَاحِدُ، عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، وَلاَ بُدَّ؛ لأن دَفْعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَابِرًا وَجَبَّارًا إلَى مَا وَرَاءَهُ أَمْرٌ مِنْهُ عليه السلام بِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ, وَإِدَارَتَهُ جَابِرًا إلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ; فَمَنْ صَلَّى بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ عليه السلام فَلاَ صَلاَةَ لَهُ ... ] المحلى 2/ 386. وحديث جابر الذي استدل به الشيخ ابن حزم في صحيح مسلم. وقال الإمام النووي: [فصل في شروط الاقتداء وآدابه فأما الشروط فسبعة: أحدها أن لا يتقدم المأموم على الإمام في جهة القبلة فإن تقدم لم تنعقد صلاته على الجديد الأظهر ولو تقدم في خلالها بطلت] روضة الطالبين 1/ 462. وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية عن [تقدم الجماعة على الإمام في المسجد النبوي أجائز على رأي الإمام مالك أم للضرورة؟ فأجابت: سنة محمد بن عبد الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي درج عليها من بعده خلفاؤه وأتباعه بإحسان رضوان الله عليهم أن يكون المأموم خلف الإمام في الحرم النبوي وغيره فلا يجوز العدول عنها، ومن صلى أمام الإمام فقد

لا يجوز جعل الآيات القرآنية والأذان بدلا من النغمات الموسيقية في الهاتف المحمول

خالف هذه السنة، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام، فإن وقفوا قدامه لم تصح. أ. هـ. وهذا القول هو المفتى به، وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأن تقدم المأموم على الإمام لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ولأنه مخالفة ظاهرة للإمام الذي أمرنا بالائتمام به؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) متفق على صحته]. وخلاصة الأمر أن المأموم يقف خلف الإمام فإن وقف قدَّام الإمام بطلت صلاته إلا من عذر كزحام شديد أو ضيق المكان. لا يجوز جعل الآيات القرآنية والأذان بدلاً من النغمات الموسيقية في الهاتف المحمول يقول السائل: ما حكم جعل الآيات القرآنية والأذان بدلاً من النغمات والرنات الموسيقية في أجهزة الجوال (الهاتف المحمول) أفيدونا. الجواب: لا يجوز شرعاً أن تجعل آيات القرآن الكريم ولا ألفاظ الأذان بدل رنات الجوال (الهاتف المحمول) وهذا الحكم في هذه المسألة المستجدة مخرج على القواعد الشرعية الثابتة بالنصوص من كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأول هذه القواعد الشرعية هي وجوب تعظيم شعائر الله يقول الله تعالى: {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32. ويقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} سورة الحج الآية 30. قال الإمام القرطبي: [{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم .... فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك ... ] تفسير القرطبي 12/ 56. ولا شك أن آيات القرآن الكريم والأذان من أعظم شعائر الله فيجب

صيانتها أن تكون بدل رنة الجوال بل إن في ذلك امتهاناً لكلام رب العالمين وخاصة أن صاحب الجوال لا يتحكم في زمان ومكان تلقي المكالمة الهاتفية فيمكن أن يتلقى المكالمة وهو في المرحاض فلا يقبل شرعاً أن ينطلق الأذان من المراحيض والحمامات ولا يقبل شرعاً أن تتلى آية من كتاب الله في المراحيض والحمامات وكلام الله أجل وأعز من أن يتلى في تلكم الأماكن. عن أنس - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل الخلاء نزع خاتمه) رواه الترمذي وحسنه وصححه المنذري وغيره كما في التلخيص الحبير 1/ 108. والسبب في نزع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لخاتمه عند دخوله الخلاء أنه كان من ضمن نقش خاتمه لفظ الجلالة (الله) كما ورد في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال كتب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتاباً أو أراد أن يكتب فقيل له إنهم لا يقرأون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ خاتماً من فضة نقشه محمد رسول الله) رواه البخاري ومسلم. فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزع خاتمه عند دخوله الخلاء من باب تعظيم لفظ الجلالة (الله). وأيضاً لو كان الهاتف المحمول في جيب خلفي لحامله وهو جالس عليه فتلقى مكالمة فماذا يحدث؟ سيخرج الأذان وترتل آيات القرآن الكريم من تحت مؤخرته!! وهذا لا يقبل في دين الله. ومن هذه القواعد أن كلام الله عز وجل مقدس ومحترم وينبغي التأدب عند سماعه كما قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} سورة الأعراف الآية204. قال العز بن عبد السلام: [الاستماع للقرآن والتفهم لمعانيه من الآداب المشروعة المحثوث عليها] فتاوى العز بن عبد السلام ص485 - 486. وقال جلال الدين السيوطي: [يسن الاستماع لقراءة القرآن، وترك اللغط والحديث بحضور القراءة، قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}] الإتقان 1/ 145. فالاستماع والإنصات لقراءة القرآن مندوب إليه وهذا ما لا يحصل عندما يرن الجوال وخاصة إذا رن الجوال في مكان ليس من أماكن الاستماع للقرآن الكريم كالمراحيض والحمامات والأسواق ومحال ازدحام الناس. ويضاف إلى ذلك أن صاحب الجوال يبادر إلى الرد على المكالمة الهاتفية فيقطع سماع الآية القرآنية ليسمع كلام المخلوق ويعرض عن سماع كلام الخالق. وهذا لا

يليق بالمسلم أن يفعله قال الله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} سورة البقرة الآية 61. ومن هذه القواعد أن الأذان عبادة مؤقتة بأوقات معلومة وهو إعلام بدخول وقت الصلاة فلا يجوز لأحد أن يؤذن إلا في الأوقات المعروفة فعن مالك بن الحويرث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما ثم ليؤمكما أكبركما) رواه البخاري ومسلم. وكذا يجوز الأذان فيما ورد فيه الإذن الشرعي باستعمال ألفاظ الأذان مثل الأذان في أذن المولود فعن أبي رافع - رضي الله عنه - قال رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، كما أنه إذا استعمل الأذان في رنات الجوال فإنه سيؤدي إلى البلبلة والتشويش على الناس في الأوقات المقدرة شرعاً للصلوات والصيام ونحو ذلك. فلذلك كله وسداً لأبواب انتهاك شعائر الله لا يجوز جعل الأذان وآيات القرآن الكريم بدلاً من رنات الهاتف ويمكن أن يستعاض عن ذلك برنات عادية ليست موسيقية أو غير ذلك مما ليس فيه مخالفة شرعية. وبهذه المناسبة أود التنبيه على الأمرين التاليين المتعلقين باستعمال الهاتف المحمول: الأول: إن حكم استعمال الهاتف المحمول يكون بحسب كيفية استعماله فإذا استعمل في المباح فهو مباح وإذا استعمل في الحرام فهو حرام فاستعمال الهاتف المحمول المزود بكاميرا في التقاط صور النساء والاحتفاظ بها ونشرها من المحرمات وهذا نوع من التلصص والتجسس المحرم شرعاً وفيه انتهاك لحرمات الناس كما أن فيه شيوع الفواحش بين الناس قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} سورة الحجرات الآية 12. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سورة النور الآية 19. وهذا الأمر فيه انتهاك لخصوصيات الناس وتتبع لعوراتهم وفضح لها ومن فضح الناس فضحه الله كما ورد في الحديث عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم

فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) رواه أبو داود، وقال العلامة الألباني حديث حسن صحيح كما في صحيح سنن أبي داود 3/ 923. ويحرم تصوير النساء بكاميرات الهاتف النقال أيضاً لأن فيه إيذاءً لعباد الله قال الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} سورة الأحزاب الآية 58. الثاني: إن الهواتف النقالة صارت من أسباب الإزعاج في المساجد والمدارس والجامعات وخاصة أثناء الصلوات وفي قاعات الدروس فينبغي إغلاقها في هذه الأماكن وبالذات أثناء الصلوات فرنين الهواتف النقالة يقطع خشوع المصلين ويشوش عليهم فينبغي على من يحمل الهاتف النقال أن يوقفه عن العمل عند دخوله المسجد سواء أكان ذلك في صلاة الجمعة أو غيرها من الصلوات. لأن احتمال أن يتصل به أحد قائم وفي الرنين الصادر من الهاتف إزعاج وتشويش على المصلين والمساجد لها حرمتها ولا ينبغي لأحد أن يشوش على من في المسجد سواء كانوا في صلاة أو ذكر أو قراءة قرآن أو سماع درس علم بأي نوع من أنواع التشويش والإزعاج. فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (اعتكف رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال: في الصلاة) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الشيخ الألباني. فإذا نسيه مفتوحاً فرن أثناء الصلاة فيجوز أن يوقفه عن العمل أثناء الصلاة وإن اقتضى ذلك أن يتحرك المصلي في صلاته فإن هذه الحركة مباحة على أقل تقدير إن لم تكن مستحبة نظراً للحاجة حيث إنه يترتب عليها منع ما يشوش على المصلين وقد ثبت في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أمَّ الناس في المسجد فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب وإذا سجد وضعها) رواه البخاري ومسلم. كما وأنه يجوز قتل الحية والعقرب في الصلاة وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك. رواه أصحاب السنن وقال الإمام الترمذي حديث حسن. فيؤخذ من هذين الحديثين أن الحركة في الصلاة إن كانت لحاجة جائزةٌ ولا تبطل الصلاة أقول هذا مع التأكيد على إغلاق الهاتف عند

الدخول إلى المسجد فإن نسيه مفتوحاً ورنَّ أثناء الصلاة فليغلقه ولا شيء عليه. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز جعل الأذان ولا الآيات القرآنية بدلاً عن نغمات الهاتف النقال سداً للذرائع المفضية إلى المحظورات.

الصيام

الصيام قضاء رمضان يقول السائل: إنه لم يصم شهر رمضان الماضي بدون أي عذر ولم يقضه وقد ندم على تقصيره وينوي أن يصوم رمضان القادم فماذا عليه؟ الجواب: إن الإفطار في رمضان متعمداً من كبائر الذنوب وانتهاك للمحرمات وتعدٍ على ركن من أركان الإسلام والواجب على من وقع منه ذلك أن يبادر بالتوبة الصادقة إلى الله تعالى بشروطها المعروفة. قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة النور الآية 31. ويلزم هذا المفطر أن يقضي الشهر الذي أفطره كما قرره جمهور أهل العلم، يقول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 184. ففي هذه الآية الكريمة ألزم الله عز وجل القضاء لمن أفطر لعذر كالمريض والمسافر فمن باب أولى أن يلزم القضاء من أفطر متعمداً. ومما يدل على وجوب القضاء على المفطر المتعمد في رمضان ما ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء وإن استقاء فليقض) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد ومالك وهو

حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 452. فهذا الحديث قد أوجب القضاء على من استقاء أي تعمد إخراج القيء وقد أفطر بغير عذر فهو آثم فيما فعل فكل من أفطر عامداً كان حكمه كحكم من استقاء. انظر قضاء العبادات ص 225. وكذلك فإن ذمة هذا المفطر متعمداً مشغولة بفريضة الصيام ولا تبرأ الذمة إلا بالأداء وقد فاته الأداء فلزمه القضاء. وقد أوجب جماعة من العلماء الفدية بالإضافة للقضاء في حق من دخل عليه رمضان وفي ذمته أيام لم يصمها من رمضان سابق إن كان تأخير القضاء لغير عذر وهذه الفدية تكون بإطعام مسكين عن كل يوم أفطره من رمضان. قال الإمام النووي: [فرع في مذاهب العلماء في من أخر قضاء رمضان بغير عذر حتى دخل رمضان آخر، قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يلزمه صوم رمضان الحاضر ثم يقضى الأول ويلزمه عن كل يوم فدية وهى مُدٌّ من طعام وبهذا قال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمد والزهري والأوزاعي ومالك والثوري وأحمد وإسحق إلا أن الثوري قال الفدية مدان عن كل يوم وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة والمزني وداود يقضيه ولا فدية عليه] المجموع 6/ 366. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وجملة ذلك أن من عليه صومٌ من رمضان فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يكون عليَّ الصيام من شهر رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان) متفق عليه. ولا يجوز له تأخير القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر لأن عائشة رضي الله عنها لم تؤخره إلى ذلك ولو أمكنها لأخرته ولأن الصوم عبادة متكررة، فلم يجز تأخير الأولى عن الثانية كالصلوات المفروضة، فإن أخرَّه عن رمضان آخر، نظرنا فإن كان لعذر فليس عليه إلا القضاء وإن كان لغير عذر، فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم وبهذا قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة، ومجاهد وسعيد بن جبير ومالك، والثوري والأوزاعي

حكم الأكل والشرب أثناء أذان الفجر

والشافعي، وإسحاق وقال الحسن والنخعي وأبو حنيفة: لا فدية عليه لأنه صوم واجب, فلم يجب عليه في تأخيره كفارة كما لو أخر الأداء والنذر. ولنا ما روي عن ابن عمر وابن عباس, وأبي هريرة أنهم قالوا: أطعم عن كل يوم مسكيناً ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلافهم وروي مسنداً من طريق ضعيف ولأن تأخير صوم رمضان عن وقته إذا لم يوجب القضاء، أوجب الفدية كالشيخ الهرم] المغني 3/ 153 - 154. وقال أبو حنيفة وأصحابه يجب القضاء فقط سواء كان تأخير القضاء بعذر أو بدون عذر ولا تجب الفدية لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. وهذا هو القول الراجح فيما يظهر لي لأن المسألة لا يوجد فيها نص ثابت عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال الإمام الشوكاني: [وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق، والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها ولا دليل ههنا فالظاهر عدم الوجوب] نيل الأوطار 4/ 263. ولكن إن عمل أحد بالقول الثاني فلا بأس للآثار الواردة عن الصحابة رضوان الله عليهم. وخلاصة الأمر أن على من أفطر عامداً في رمضان أن يقضي الأيام التي أفطرها ولا تبرأ ذمته إلا بذاك. حكم الأكل والشرب أثناء أذان الفجر يقول السائل: إنه سمع حديثاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول فيه: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) فهل هذا الحديث يجيز للصائم أن يستمر في الأكل والشرب أثناء أذان الفجر. أفيدونا.

الجواب: من المعلوم أن وقت الصوم يبدأ من طلوع الفجر الصادق وهو وقت أذان الفجر للصلاة، قال الله سبحانه وتعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} سورة البقرة الآية 187. فإذا طلع الفجر الصادق فحينئذ يحرم الطعام والشراب على الصائم. ومن المعروف أنه يؤذن للفجر بأذانين فالأذان الأول لا يدخل به وقت صلاة الفجر ويجوز لمن أراد الصيام أن يأكل ويشرب وأما الأذان الثاني فبه يدخل وقت صلاة الفجر وعنده يحرم الأكل والشرب على الصائم ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت) رواه البخاري ومسلم. وبناءً على ما تقدم فبمجرد أن يؤذن لصلاة الفجر فلا يجوز الأكل ولا الشرب لأن وقت الصيام قد بدأ هذا إذا كان المؤذن يؤذن عند طلوع الفجر الصادق وبما أن المؤذنين في بلادنا يعتمدون على التوقيت المعروف وهو توقيت صحيح أعدته لجنة من أهل العلم الشرعي ومن مختصين في علم الفلك وممن لديهم خبرة ومعرفة في التوقيت فيجب الالتزام به. قال العلامة ابن القيم: [وذهب الجمهور إلى امتناع السحور بطلوع الفجر, وهو قول الأئمة الأربعة, وعامة فقهاء الأمصار, وروي معناه عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم] شرح ابن القيم على سنن أبي داود 6/ 341. وأما الحديث المذكور في السؤال فقد رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي وغيرهم وهو حديث حسن وقد فصَّل الكلام على سنده العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 1394. وأما المراد بالحديث فقد قال الإمام البيهقي: [وهذا إن صح فهو محمول عند عوام أهل العلم على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم أن المنادي كان ينادى قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر] السنن الكبرى 4/ 218.

وقال الإمام النووي: [ذكرنا أن من طلع الفجر وفى فيه - فمه- طعام فليلفظه ويتم صومه فان ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه وهذا لا خلاف فيه ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) رواه البخاري ومسلم وفى الصحيح أحاديث بمعناه وأما حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) وفى رواية (وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر) فروى الحاكم أبو عبد الله الرواية الأولي وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ورواهما البيهقى ثم قال: وهذا إن صح محمول عند عوام أهل العلم على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم أنه ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر قال: وقوله إذا بزغ يحتمل أن يكون من كلام من دون أبي هريرة أو يكون خبراً عن الأذان الثاني ويكون قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده) خبراً عن النداء الأول ليكون موافقاً لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قال وعلى هذا تتفق الأخبار وبالله التوفيق والله أعلم] المجموع 6/ 311 - 312. وحمل جماعة من العلماء هذا الحديث على حال من شك في طلوع الفجر، أما إذا تأكد من طلوع الفجر فليس له أن يأكل أو يشرب فإن فعل بعد التأكد من طلوع الفجر فقد بطل صومه ويلزمه القضاء. وقال العلامة علي القاري: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (حتى يقضي حاجته منه) هذا إذا علم أو ظن عدم الطلوع. وقال ابن الملك: هذا إذا لم يعلم طلوع الصبح أما إذا علم أنه قد طلع أو شك فيه فلا] مرقاة المفاتيح 4/ 483. وخلاصة الأمر أن الحديث وارد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو حديث حسن ولكن الحديث لا يجيز للصائم أن يستمر في الأكل والشرب خلال أذان الفجر إذا تأكد من طلوع الفجر الصادق. والواجب على الصائم أن يمتنع عن الأكل والشرب بمجرد سماع أذان الفجر.

تعجيل صدقة الفطر

تعجيل صدقة الفطر يقول السائل: هل يجوز لي أن أعجل صدقة الفطر من أول رمضان لأن لي جاراً فقيراً وهو بحاجة ماسة. أفيدونا؟ الجواب: صدقة الفطر أو زكاة الفطر فريضة عند جمهور أهل العلم وقد نقل ابن المنذر إجماع العلماء على وجوب صدقة الفطر. وقد ثبتت صدقة الفطر بأحاديث كثيرة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -منها: حديث ابن عمر- رضي الله عنه - قال: (فرض رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم. ووقت وجوب صدقة الفطر محل خلاف بين أهل العلم فمنهم من يرى أنها تصير واجبة بغروب الشمس ليلة الفطر، لأنه وقت الفطر من رمضان. وقالت جماعة أخرى من العلماء إن وقت وجوبها هو طلوع الفجر من يوم العيد. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما وقت الوجوب فهو وقت غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فإنها تجب بغروب الشمس من آخر شهر رمضان ... وبما ذكرنا في وقت الوجوب قال الثوري وإسحاق ومالك في إحدى الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه. وقال الليث وأبو ثور وأصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد وهو رواية عن مالك لأنها قربة تتعلق بالعيد, فلم يتقدم وجوبها يوم العيد وهو رواية عن مالك كالأضحية ولنا قول ابن عباس: (إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث) ولأنها تضاف إلى الفطر فكانت واجبة به كزكاة المال, وذلك لأن الإضافة دليل الاختصاص والسبب أخص بحكمه من غيره والأضحية لا تعلق لها بطلوع الفجر ولا هي واجبة ولا تشبه ما نحن فيه] المغني3/ 89. وينبغي إخراجها قبل صلاة العيد فقد جاء في الحديث عن ابن عمر -

رضي الله عنه - (أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه. وقد أورد ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: [يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} سورة الأعلى الآيتان 14 - 15. انظر فتح الباري 3/ 472. وقد أجاز العلماء تعجيل صدقة الفطر عن وقت الوجوب فمنهم من قال يجوز تعجيلها من أول العام. ومنهم من قال يجوز تعجيلها من أول الشهر. ومنهم من قال يجوز تعجيلها من نصف الشهر. ومنهم من قال يجوز تعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين وهذا القول الأخير هو أرجح أقوال العلماء في المسألة ويدل عليه ما كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلونه فعن نافع أن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) رواه البخاري. وقد ورد عن ابن عمر - رضي الله عنه - أيضاً: (أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة) رواه مالك في الموطأ والبيهقي في السنن وغيرهم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ ... وقد وقع في رواية ابن خزيمة من طريق عبد الوارث عن أيوب (قلت: متى كان ابن عمر يعطي؟ قال: إذا قعد العامل. قلت: متى يقعد العامل؟ قال: قبل الفطر بيوم أو يومين). ولمالك في الموطأ عن نافع (أن ابن عمر كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي يجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة) وأخرجه الشافعي عنه وقال: هذا حسن وأنا أستحبه - يعني تعجيلها قبل يوم الفطر - انتهى. ويدل على ذلك أيضا ما أخرجه البخاري في الوكالة وغيرها عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (وكلني رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحفظ زكاة رمضان) الحديث. وفيه

أنه أمسك الشيطان ثلاث ليال وهو يأخذ من التمر فدل على أنهم كانوا يعجلونها ... ] فتح الباري 3/ 474. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال وإن قدمها قبل ذلك بيوم أو يومين أجزأه وجملته أنه يجوز تقديم الفطرة قبل العيد بيومين لا يجوز أكثر من ذلك وقال ابن عمر: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين وقال بعض أصحابنا: يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل وقال أبو حنيفة: ويجوز تعجيلها من أول الحول لأنها زكاة فأشبهت زكاة المال وقال الشافعي: يجوز من أول شهر رمضان لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها، كزكاة المال بعد ملك النصاب ولنا ما روى الجوزجاني: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو معشر عن نافع، عن ابن عمر قال: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر به فيقسم - قال يزيد أظن: هذا يوم الفطر - ويقول أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم) والأمر للوجوب, ومتى قدمها بالزمان الكثير لم يحصل إغناؤهم بها يوم العيد وسبب وجوبها الفطر بدليل إضافتها إليه وزكاة المال سببها ملك النصاب, والمقصود إغناء الفقير بها في الحول كله فجاز إخراجها في جميعه وهذه المقصود منها الإغناء في وقت مخصوص فلم يجز تقديمها قبل الوقت فأما تقديمها بيوم أو يومين فجائز لما روى البخاري بإسناده عن ابن عمر, قال: (فرض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة الفطر من رمضان وقال في آخره: وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعاً ولأن تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها, فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه ولأنها زكاة, فجاز تعجيلها قبل وجوبها كزكاة المال والله أعلم] المغني3/ 89 - 90. وخلاصة الأمر أنه يجوز تعجيل صدقة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين وفي ذلك تحقيق لمصلحة للفقير. وينبغي التنبيه على أنه يجوز إخراج القيمة في صدقة الفطر أي

اعتكاف المرأة في العشر الأواخر من رمضان

إخراجها نقداً وهو مذهب الحنفية ونقل هذا القول عن جماعة من أهل العلم منهم الحسن البصري وعمر ابن عبد العزيز والثوري ونقل عن جماعة من الصحابة أيضاً وهذا القول هو الراجح إن شاء الله تعالى وهو الذي يحقق مصلحة الفقير وخاصة في هذا الزمان وهو قول وجيه تؤيده الأدلة الكثيرة ومنها أن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وعن جماعة من الصحابة فمن ذلك ما ورد عن طاووس قال معاذ باليمن: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج. وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة وذكر أثر معاذ - رضي الله عنه - السابق واحتجاج البخاري بهذا يدل على قوة الخبر عنده كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 4/ 54. ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن ابن رشيد قوله: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. وفعل معاذ مع إقرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك يدل على جوازه ومشروعيته وصدقة الفطر زكاة بلا خلاف. ولا يصح القول بأن من أخرج القيمة في صدقة الفطر فإنها غير مجزئة فالمسألة محل خلاف بين العلماء ومسائل الخلاف إن أخذ أحدٌ من الناس بقول أحد العلماء المجتهدين فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى وجواز إخراج القيمة قال به جماعة من أهل العلم المعتبرين كما سبق وأخيراً أقول لبعض طلبة العلم الذين لا يأخذون بالقيمة لا تحجروا واسعاً ورفقاً بالمسلمين. اعتكاف المرأة في العشر الأواخر من رمضان يقول السائل: ما حكم اعتكاف المرأة في العشر الأواخر من رمضان؟ الجواب: الاعتكاف من السنن الثابتة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد صح (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتكف في رمضان في العشر الأواخر منه) رواه البخاري ومسلم.

ويشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في المسجد قال الله تعالى: {ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} سورة البقرة الآية 187. ولم يعتكف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في المسجد فلا يصح الاعتكاف في البيوت. والاعتكاف مشروع للنساء كما هو مشروع للرجال إلا أنه يشترط لصحة الاعتكاف من المرأة أن تكون طاهراً من حيض أو نفاس على قول جمهور أهل العلم. ويدل على مشروعية الاعتكاف للنساء ما ورد عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده) رواه البخاري ومسلم. وثبت في الحديث الآخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر ثم دخل معتكفه وإنه أمر بخبائه فضرب، أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب بخبائها فضرب، وأمر غيرها من أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخبائه فضرب فلما صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفجر نظر فإذا الأخبية فقال: آلبر تردن؟ فأمر بخبائه فقوض وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأُول من شوال) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (فترك الاعتكاف) في رواية أبي معاوية (فأمر بخبائه فقوض) وهو بضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها ضاد معجمة أي نقض وكأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خشي أن يكون الحامل لهن على ذلك المباهاة والتنافس الناشىء عن الغيرة حرصاً على القرب منه خاصة فيخرج الاعتكاف عن موضوعه أو لما أذن لعائشة وحفصة أولاً كان ذلك خفيفاً بالنسبة إلى ما يفضي إليه الأمر من توارد بقية النسوة على ذلك فيضيق المسجد على المصلين أو بالنسبة إلى أن اجتماع النسوة عنده يصيره كالجالس في بيته وربما شغلنه عن التخلي لما قصد من العبادة فيفوت مقصود الاعتكاف] فتح الباري 4/ 351. ويجب أن يعلم أنه يشترط إذن الزوج وموافقته لجواز اعتكاف الزوجة وكذا غير المتزوجة فلا بد من موافقة وليها قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء) في رواية

الأوزاعي المذكورة (فاستأذنته عائشة فأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت) وفي رواية ابن فضيل المذكورة (فاستأذنت عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت قبة, فسمعت بها حفصة فضربت قبة)] فتح الباري 4/ 350. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضاً: [ ... قال ابن المنذر وغيره: في الحديث أن المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها وأنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها, وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها. وعن أهل الرأي إذا أذن لها الزوج ثم منعها أثم بذلك وامتنعت, وعن مالك ليس له ذلك, وهذا الحديث حجة عليهم] فتح الباري 4/ 351. ويشترط لصحة اعتكاف المرأة أمن الفتنة فلا يصح اعتكاف المرأة في مسجد لا يوجد فيه مكان خاص بالنساء لأنها حينئذ ستختلط بالرجال وهذا فيه مفاسد تنافي الحكمة من الاعتكاف ومن المعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وإن اعتكفت مجموعة من النساء في مسجد خاص بهن فأمر حسن إن كان المسجد آمناً. ولا يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن يكون في مسجد تقام فيه الجمعة ولا الجماعة لأنهما ليستا واجبتين على المرأة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وللمرأة أن تعتكف في كل مسجد ولا يشترط إقامة الجماعة فيه لأنها غير واجبة عليها وبهذا قال الشافعي وليس لها الاعتكاف في بيتها وقال أبو حنيفة والثوري: لها الاعتكاف في مسجد بيتها وهو المكان الذي جعلته للصلاة منه واعتكافها فيه أفضل لأن صلاتها فيه أفضل وحكي عن أبي حنيفة أنها لا يصح اعتكافها في مسجد الجماعة (لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك الاعتكاف في المسجد لما رأى أبنية أزواجه فيه وقال: (آلبر تردن) ولأن مسجد بيتها موضع فضيلة صلاتها فكان موضع اعتكافها كالمسجد في حق الرجل. ولنا قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} والمراد به المواضع التي بنيت للصلاة فيها وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد لأنه لم يبن للصلاة فيه وإن سمي مسجداً كان مجازاً فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية كقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (جعلت لي الأرض

مسجداً) ولأن أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن ولو لم يكن موضعاً لاعتكافهن لما أذن فيه ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لدلهن عليه ونبههن عليه ولأن الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في حق الرجل فيشترط في حق المرأة كالطواف وحديث عائشة حجة لنا لما ذكرنا وإنما كره اعتكافهن في تلك الحال حيث كثرت أبنيتهن لما رأى من منافستهن فكرهه منهن خشية عليهن من فساد نيتهن وسوء المقصد به ولذلك قال- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (آلبر تردن) منكراً لذلك أي لم تفعلن ذلك تبرراً ولذلك ترك الاعتكاف لظنه أنهن يتنافسن في الكون معه ولو كان للمعنى الذي ذكروه لأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن ولم يأذن لهن في المسجد وأما الصلاة فلا يصح اعتبار الاعتكاف بها فإن صلاة الرجل في بيته أفضل ولا يصح اعتكافه فيه] المغني 3/ 190 - 191. وخلاصة الأمر أن الاعتكاف مشروع للنساء كالرجال بشروطه السابقة ولكن نظراً للظروف الصعبة التي نعيشها في هذه البلاد فأرى أنه لا ينبغي للنساء أن يعتكفن في المساجد في العشر الأواخر من رمضان ولا في غيرها إلا إذا اعتكفت المرأة في المسجد ساعة من النهار أو سويعات فلا بأس بذلك وأما أن تعتكف ليلاً في المسجد فلا.

الأضحية

الأضحية

شروط الأضحية توقيفية

شروط الأضحية توقيفية يقول السائل: إنه قرأ على شبكة الإنترنت فتوى تقول إن الشروط التي اشترطها الفقهاء للأضحية هي شروط من اجتهادهم وأنه لا يوجد هناك نصوص صريحة توجب ضرورة أن تكون الأضحية بسن معينة فما قولكم أفيدونا؟ الجواب: الأضحية شعيرة من شعائر الله وقربة يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل وسنة مؤكدة من سنن المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي عبادة توقيفية عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمطلوب من المسلم أن يعظم شعائر الله وأن يقتدي برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32. وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} سورة الأحزاب الآية 21. والشروط التي شرطها الفقهاء في الأضحية ليست شروطاً اجتهادية كما ورد في الفتوى المشار إليها وإنما وضعها الفقهاء بناءً على النصوص الشرعية فمن شروط الأضحية أن تكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم كما هو قول جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة، قال الإمام الشافعي: [هم الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} الأنعام الآية 143. وقال تعالى: {وَمِنَ الْإِبِلِ

اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} الأنعام الآية 144. يعني ذكراً وأنثى، فاختص هذه الأزواج الثمانية من النعم بثلاثة أحكام: أحدها: وجوب الزكاة فيها. والثاني: اختصاص الأضاحي بها. والثالث: إباحتها في الحرم والإحرام] الحاوي 15/ 75 - 76. وقال القرطبي: [والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر] تفسير القرطبي 15/ 109. ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} سورة الحج الآية 34. وقال القرطبي أيضاً: [والأنعام هنا هي الإبل والبقر والغنم] تفسير القرطبي 11/ 44. ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} سورة المائدة الآية 1. ويدل على ذلك أنه لم تنقل التضحية بغير الأنعام عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبناءً على هذا الشرط لا يصح قول من قال بجواز توزيع اللحوم كبديل عن الأضحية لمن لا يستطيع أن يضحي لضعف قدراته المادية تغليباً للنفع والفائدة للفقراء فهذا القول باطل مناقض للنصوص الشرعية فلا بد في الأضحية من إراقة الدم بذبح حيوان واحد من الأزواج الثمانية وأما شراء اللحم وتوزيعه فلا يكون أضحية بحال من الأحوال حتى لو اشترى بقرة كاملة مذبوحة ووزعها على الفقراء فليست أضحية وإنما تعتبر صدقة من الصدقات. وكذلك لا يجوز شرعاً إخراج قيمة الأضحية بدلاً من ذبحها والقول بجواز إخراج قيمة الأضحية تشريع جديد ومنكر من القول وزوراً قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} سورة الشورى الآية 21. وبناءً على ذلك كانت الأضحية أفضل من التصدق بثمنها كما هو مذهب جمهور أهل العلم بما فيهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وربيعة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم انظر الاستذكار 15/ 157، تفسير القرطبي 15/ 107 - 108، المجموع 8/ 425، المغني 9/ 436.

وروى عبد الرزاق بإسناده عن سعيد بن المسيب قال: [لأن أضحي بشاة أحب إليَّ من أن أتصدق بمئة درهم] المصنف 4/ 388. وقال الإمام النووي: [مذهبنا أن الأضحية أفضل من صدقة التطوع، للأحاديث الصحيحة المشهورة في فضل الأضحية، ولأنها مختلف في وجوبها، بخلاف صدقة التطوع، ولأن الأضحية شعار ظاهر] المجموع 8/ 425. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك، فإذا كان معه مال يريد التقرب إلى الله كان له أن يضحي به] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/ 304. وقال الشيخ ابن القيم: [الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ففي كل ملة صلاة ونسك لا يقوم غيرها مقامها ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران بأضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية] تحفة المودود ص65. والشرط الثاني من شروط الأضحية أن تبلغ سن التضحية فقد اتفق جمهور أهل العلم على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني فما فوقه ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه. ودليل هذا الشرط حديث جابر - رضي الله عنه - أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تذبحوا إلا مسنةً إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن) رواه مسلم. وغير ذلك من الأحاديث. قال الإمام النووي: [قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 101 - 102. والثني من الضأن والمعز ما أتم سنة. والثني من البقر ما أتم سنتين. والثني من الإبل ما أتم خمس سنين والجذع من الضأن ما مضى عليه أكثر العام أي مضى عليه ستة أشهر فأكثر، وخاصة إذا كان عظيماً بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بعد. قال الإمام الشافعي: [الضحايا الجذع من

الضأن، والثني من المعز والإبل والبقر، ولا يكون شيء دون هذا ضحية] الأم 2/ 223. وقال الإمام النووي: [وأجمعت الأمة على أنه لا تجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني] المجموع 8/ 394. وإن المدقق في الأحاديث التي أشارت إلى السن يرى أنه لا يجوز تجاوز تلك السن ويدل على ذلك ما ورد عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعله فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال إن عندي جذعة، فقال إذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك) رواه البخاري. وقال الإمام البخاري: باب قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بردة (ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك) ثم ساق حديث البراء المتقدم برواية أخرى: (ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شاتك شاة لحم. فقال: يا رسول الله: إن عندي داجناً جذعة من المعز. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذبحها ولا تصلح لغيرك) وقد ورد في عدة روايات اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز وشاركه في الاختصاص عقبة بن عامر والألفاظ التي تدل على الاختصاص كما بينها الحافظ ابن حجر: (ولا رخصة فيها لأحد بعدك) (ولن تجزئ عن أحد بعدك) (وليست فيها رخصة لأحد بعدك) فتح الباري 12/ 109. وهذا التخصيص من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدل على أنه لا تصح التضحية بالجذع من الإبل والبقر والماعز، وهو الذي اعتمد عليه الفقهاء في قولهم إنه لا تجوز التضحية بما دون السنتين من البقر. وبناءً على ما تقدم أقول لا تصح التضحية بالعجول المسمنة مهما بلغ وزنها ولا بد من الالتزام بالسن المقرر عند الفقهاء في البقر وهو سنتان، ولا يصح النقص عنه. جاء في الفتاوى الهندية: [وتقدير هذه الأسنان بما قلنا يمنع النقصان ولا يمنع الزيادة حتى ولو ضحى بأقل من ذلك شيئاً لا يجوز ولو ضحى بأكثر من ذلك شيئاً يجوز ويكون أفضل ولا يجوز في الأضحية حمل ولا جدي ولا عجول ولا فصيل] الفتاوى الهندية 5/ 297.

وينبغي أن يعلم أنه ليس المقصود من الأضحية اللحم فقط، وتوزيعه صدقة أو هدية، وإنما يقصد بالأضحية أيضاً تعظيم شعائر الله عز وجل، وإراقة الدم كوسيلة من وسائل الشكر لله تعالى، قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32. وكذلك الامتثال لأمر الله عز وجل بإراقة الدم، اقتداءً بإبراهيم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} سورة الحج الآية 37. ولو كان المقصود بالأضحية اللحم لما أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بردة لما ذبح قبل الوقت المقرر شرعاً أن يعيد الذبح لأن المقصود قد حصل فعن البراء - رضي الله عنه - قال: (خطبنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر بعد الصلاة فقال: من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم. فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني. فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تلك شاة لحم. فقال: إن عندي عناقاً جذعةً وهي خيرٌ من شاتي لحم فهل تجزئ عني؟ قال: نعم، ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك) رواه البخاري ومسلم. وقد أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال عن التضحية بالعجول المسمنة التي لم تبلغ السنتين فأجابت بما يلي: [جرى فقه أئمة المسلمين على أنه لا يجزئ في الأضحية إلا الأنعام، وهى الإبل والبقر والغنم، لقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} سورة الحج الآية 28، وأقل ما يجزئ من هذه الأنواع في الأضحية الجذع من الضأن، والثنية من المعز وغيرها. لما روى جابر أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا إن تعسر عليكم، فاذبحوا جذعة من الضأن) وروى عن علي - رضي الله عنه - قال: (ولا يجوز في الضحايا إلا الثني من المعز والجذعة من الضأن) وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (لا تضحوا بالجذع من المعز والإبل والبقر) والثني من البقر والمعز ما كان لها سنتان ودخلت في الثالثة، ومن الإبل ما كان لها خمس سنوات ودخلت في السادسة، وقد جزم الثقات من أهل اللغة بأن الجذع من الضأن والماعز

والظباء والبقر ما أتم عاماً كاملاً ودخل في الثاني من أعوامه فلا يزال جذعاً حتى يتم عامين ويدخل في الثالث فيكون ثنياً وتحديد سن الأضحية توقيفي بمعنى أنه ثابت بالسنة الصحيحة أن الجذع من الضأن كاف تجوز به الأضحية، أما من غيره فلا تجزئ وليست الحكمة في هذا - والله أعلم - كثرة اللحم مع تلك السن أو قلته مع هذه ... لما كان ذلك: لم تجزئ الأضحية من البقر المسئول عنه مادام سنُّه منذ ولادته عشرة أشهر، ولابد لجوازه أضحية مشروعة أن يكون له عامان ودخل في الثالث على ما تقدم بيانه لأن الاعتبار لبلوغ سن التلقيح لا لكثرة اللحم]. والشرط الثالث من شروط الأضحية أن تكون سليمة من العيوب المانعة من صحة الأضحية فعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي. قال: - أي الراوي عن البراء وهو عبيد بن فيروز- قلت: فإني أكره النقص في السن. قال: -أي البراء- ما كرهتَ فدعه، ولا تحرمه على أحد) رواه أصحاب السنن. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 4/ 361. ومن شروط صحة الأضحية أن تذبح في الوقت المقرر شرعاً بدايةً ونهايةً فمن ذبح قبل دخول الوقت فلا تعتبر ذبيحته أضحية فعن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا، نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء) رواه البخاري ومسلم. وعن البراء - رضي الله عنه - قال: (ذبح أبو بردة قبل الصلاة فقال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أبدلها. قال: ليس عندي إلا جذعة - قال شعبة: وأحسبه قال هي خيرٌ من مسنَّة- قال: اجعلها مكانها ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك) رواه البخاري ومسلم. وخلاصة الأمر أن شروط الأضحية شروط توقيفية وليست اجتهادية

الاختلاف في وقت عيد الأضحى

كما ورد في السؤال ولا بد من الالتزام بها ومن أخل بشرط منها فلا يُعَدُّ ما ذبحه أضحية وهذا ما اتفق عليه أهل العلم ولا يغترن أحد ببعض الفتاوى التي تجاوزت تلك الشروط بحجة التيسير والتسهيل على الناس. الاختلاف في وقت عيد الأضحى يقول السائل: ما قولكم فيما حصل من بلبلة حول بداية شهر ذي الحجة هذا العام والاختلاف في يوم الوقوف بعرفة ويوم عيد الأضحى ثم تراجع السعودية وإعلانها أن وقفة عرفة يوم الأربعاء والعيد يوم الخميس فما قولكم في ذلك أفيدونا؟ الجواب: أعلن مجلس القضاء الأعلى في السعودية أن بداية شهر ذي الحجة لهذا العام 1425هـ هو يوم الأربعاء 12/ 1/ 2005م وقد جاء في إعلانه: [نظراً لأن شهر شوال ثبت دخوله يوم السبت ولم يتقدم أحدٌ يخبر بدخول شهر ذي القعدة يوم الأحد ولأن يوم الثلاثاء/30 ذي القعدة/ حسب تقويم أم القرى هو تمام ستين يوماً بعد شهر رمضان ولم يرد للمجلس عن دخول شهر ذي الحجة ليلة الثلاثاء ما يفيد دخول الشهر وإنما ورد نفي الرؤية وعليه فإن يوم الأربعاء 1/ 12/1425هـ حسب تقويم أم القرى الموافق 12/ 1/2005م هو أول أيام شهر ذي الحجة وبهذا يكون الوقوف بعرفة يوم الخميس التاسع من ذي الحجة وعيد الأضحى المبارك يوم الجمعة الموافق 21/ 1/2005م]. ثم أصدر مجلس القضاء الأعلى في السعودية بياناً أعلن فيه أنه قد شهد ثلاثة شهود عدول بأنهم قد رأوا الهلال ليلة الثلاثاء، وبناءً على ذلك أصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً تصحيحياً أعلن فيه أن الثلاثاء 11/ 1/ 2005 في التقويم الميلادي هو غرة ذي الحجة ويوم الأربعاء 19/ 1/2005 هو يوم وقفة عرفة ويوم الخميس 20/ 1/2005 هو يوم عيد الأضحى المبارك].

وما قام به مجلس القضاء الأعلى في السعودية هو رجوع عن الخطأ والرجوع عن الخطأ فضيلة وقد سررت كثيراً عندما رجع مجلس القضاء الأعلى في السعودية عن قراره الأول لما في ذلك من تصحيح لوقت عبادة عظيمة وركن من أركان الإسلام وهو الحج بل إن ما فعله مجلس القضاء الأعلى في السعودية هو السنة النبوية حيث ورد في الحديث عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأهلا الهلال أمس عشية فأمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس أن يفطروا) وفي رواية (وأن يغدوا إلى مصلاهم) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة بألفاظ متقاربة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 446. وعن أبي عمير بن أنس قال حدثني عمومة لي من الأنصار من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (غُمَّ علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والدارقطني وقال: إسناده حسن وأخرجه البيهقي وحسنه. بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني 9/ 226. وغير ذلك من الأحاديث والآثار. وبهذا يظهر لنا أن تراجع مجلس القضاء الأعلى في السعودية موافق للسنة النبوية مع أني كنت أتمنى أن لا يقعوا في هذا الخطأ وأن يتريثوا في إثبات شهر ذي الحجة. إذا تقرر هذا فينبغي أن يعلم أن الفقهاء قد قرروا أن يوم عرفة هو اليوم الذي يقف الناس فيه بعرفة بغض النظر كان اليوم التاسع أو اليوم العاشر فلو وقفوا بعرفة خطأً يوم العاشر من ذي الحجة فحجهم صحيح باتفاق الفقهاء وكذا في العيد عيد الفطر وعيد الأضحى فهما اليومان اللذان يعيد فيهما المسلمون ولو كانا خطأً والخطأ في هذا الباب مغتفر، قال الخطيب الشربيني: [قالوا: وليس يوم الفطر أول شوال مطلقاً بل يوم فطر الناس، وكذا يوم النحر يوم يضحي الناس، ويوم عرفة اليوم الذي يظهر لهم أنه يوم عرفة، سواء التاسع والعاشر، وذلك لخبر (الفطر يوم يفطر الناس،

والأضحى يوم يضحي الناس) رواه الترمذي وصححه. وفي رواية للشافعي (وعرفة يوم يعرفون)] مغني المحتاج 1/ 595. والحديث الذي ذكره الخطيب رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وهو حديث صحيح ونصه (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) قال الإمام الترمذي: [وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا: الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس] سنن الترمذي 3/ 80. وقال العلامة ابن القيم: [وقال الخطابي في معنى الحديث: إن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوماً اجتهدوا، فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعاً وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض، لا شيء عليهم من وزر أو عنت، وكذلك في الحج إذا أخطأوا يوم عرفة، ليس عليهم إعادة] حاشية ابن القيم على سنن أبي داود6/ 317. وروى البيهقي بإسناده عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يوم عرفة اليوم الذي يُعرِّف الناس فيه) قال البيهقي: هذا مرسل جيد، أخرجه أبو داود في المراسيل] سنن البيهقي 5/ 176. وروى البيهقي أيضاً بإسناده عن ابن جريح قال: (قلت لعطاء: رجل حج أول ما حج فأخطأ الناس بيوم النحر أيجزئ عنه، قال: نعم إي لعمري إنها لتجزئ عنه. قال: وأحسبه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون). وأراه قال: (وعرفة يوم تعرفون)] سنن البيهقي 5/ 176. وقال الشيخ ابن حزم الظاهري: [وَمَنْ أَخْطَأَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ لِذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ وَهُوَ يَظُنُّهُ التَّاسِعَ, وَوَقَفَ بِمُزْدَلِفَةَ اللَّيْلَةَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْعَاشِرَةَ: فَحَجُّهُ تَامٌّ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, لأن رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لاَ يَكُونُ إلاَّ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْهَا; وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عليه السلام الْوُقُوفَ بِهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا أَجْزَأَهُ] المحلى 5/ 203 - 204.

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير ليلة عرفة أجزأهم ذلك لما روى الدارقطني بإسناده عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عرفة الذي يعرف فيه الناس] المغني 3/ 456. وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي: [وإن أخطأ الناس الوقوف فوقفوا في اليوم الثامن أو العاشر لم يجب عليهم القضاء] المهذب مع شرحه المجموع 8/ 292. وقال الإمام النووي: [وإن غلطوا بيوم واحد فوقفوا في اليوم العاشر من ذي الحجة أجزأهم وتم حجهم ولا قضاء] المجموع 8/ 292. ثم قال: [فرع في مذاهب العلماء في الغلط في الوقوف: اتفقوا على أنهم إذا غلطوا فوقفوا في العاشر وهم جمع كثير على العادة أجزأهم] المجموع 8/ 292. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ ... ولهذا قالوا: إذا أخطأ الناس كلهم فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم] مجموع الفتاوى 25/ 107. وقال الكاساني الحنفي: [ولو اشتبه على الناس هلال ذي الحجة فوقفوا بعرفة بعد أن أكملوا عدة ذي القعدة ثلاثين يوماً ثم شهد الشهود أنهم رأوا الهلال يوم كذا، وتبين أن ذلك اليوم كان يوم النحر فوقوفهم صحيح، وحجتهم تامة استحساناً ... إلخ] بدائع الصنائع 2/ 304. وقال الخرشي المالكي: [ ... وكذلك يجزئ إذا أخطأ في رؤية الهلال الجم أي جماعة أهل الموسم بأن غم عليهم ليلة ثلاثين من القعدة فأكملوا العدة ووقفوا فوقع وقوفهم بعاشر من ذي الحجة] شرح الخرشي على مختصر خليل 2/ 321. وأخيراً ينبغي أن يعلم أن المسلمين تبع لأهل الديار المقدسة في مواعيد الحج، عرفة وعيد الأضحى، قال الشيخ ابن العربي المالكي عند

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}: [ ... وأن سائر أهل الآفاق تبع للحاج فيها]. أحكام القرآن 1/ 143. وقال الدكتور محمد سليمان الأشقر: [إن المسلمين في جميع أقطار العالم الإسلامي قد أجمعوا إجماعاً عملياً منذ عشرات السنين على متابعة الحجاج في عيد الأضحى ولا يجوز لأي جهة أو مجموعة من الناس مخالفة هذا الإجماع] عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن رجوع مجلس القضاء الأعلى في السعودية عن بيانه الأول في هذه الحادثة موافق للسنة النبوية كما أن الخطأ في الوقوف بعرفة أو الخطأ في العيد لا يضر ويجب على المسلم أن يسير مع جماعة المسلمين للحديث المذكور سابقاً: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون).

الزكاة

الزكاة

زكاة البضاعة الكاسدة

زكاة البضاعة الكاسدة يقول السائل: إنه تاجر ولديه كمية من بعض السلع قد كسدت وبارت ولم يتمكن من بيعها وقد مضى عليها أكثر من خمس سنوات ولمَّا يتمكن من بيعها فماذا يصنع بالنسبة لزكاة هذه البضاعة الكاسدة أفيدونا؟ الجواب: من المعلوم أن الزكاة واجبة في عروض التجارة على الصحيح من أقوال أهل العلم لعموم الأدلة التي أوجبت الزكاة في الأموال ولا شك أن عروض التجارة داخلة في هذا العموم دخولاً أولياً كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة التوبة الآية 103. وقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} سورة الذاريات الآية 19. وقوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} سورة البقرة الآية267. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا أن نخرج الصدقة مما يُعَدُّ للبيع) رواه أبو داود والدارقطني واختلف في سنده وحسنه ابن عبد البر. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (في الإبل صدقتها وفى البقر

صدقتها وفى البز صدقته). قال الإمام النووي: [هذا الحديث رواه الدارقطني في سننه والحاكم أبو عبد الله في المستدرك والبيهقي بأسانيدهم ذكره الحاكم بإسنادين ثم قال هذان الإسنادان صحيحان على شرط البخاري ومسلم] المجموع 6/ 47. والبز المذكور في الحديث هو الثياب ومنه البزاز لمن يعمل في تجارة الثياب. انظر المصباح المنير ص 47 - 48. وقال الإمام النووي: [والصواب الجزم بالوجوب - أي وجوب الزكاة في عروض التجارة- وبه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم أجمعين قال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة قال رويناه عن عمر بن الخطاب وابن عباس والفقهاء السبعة سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسلمان بن يسار والحسن البصري وطاووس وجابر بن زيد وميمون بن مهران والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي والنعمان - أبو حنيفة - وأصحابه وأحمد واسحق وأبي ثور وأبي عبيد ... ] المجموع 6/ 47. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأما العروض التي للتجارة ففيها الزكاة وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول: روي ذلك عن عمر وابنه وابن عباس وبه قال الفقهاء السبعة والحسن وجابر بن زيد وميمون بن مهران وطاووس والنخعي والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وحكي عن مالك وداود: لا زكاة فيها. وفي سنن أبي داود عن سمرة قال: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع). وروي عن حماس قال: مرَّ بي عمر فقال: أدِ زكاة مالك، فقلت: مالي إلا جِعاب وأُدُم فقال قومها ثم أدِ زكاتها. واشتهرت القصة بلا منكر فهي إجماع. والجعاب جمع جعبة وهي وعاء توضع فيه السهام. انظر المصباح المنير ص 102. والأُدُم جمع أديم وهو الجلد المدبوغ. انظر المصباح المنير ص 9. وأما مالك فمذهبه أن التجار على قسمين: متربص ومدير. فالمتربص:

وهو الذي يشتري السلع وينتظر بها الأسواق فربما أقامت السلع عنده سنين فهذا عنده لا زكاة عليه إلا أن يبيع السلعة فيزكيها لعام واحد وحجته أن الزكاة شرعت في الأموال النامية فإذا زكى السلعة كل عام -وقد تكون كاسدة- نقصت عن شرائها فيتضرر فإذا زكيت عند البيع فإن كانت ربحت فالربح كان كامناً فيها فيخرج زكاته ولا يزكي حتى يبيع بنصاب ثم يزكي بعد ذلك ما يبيعه من كثير وقليل. وأما المدير: وهو الذي يبيع السلع في أثناء الحول فلا يستقر بيده. سلعة فهذا يزكي في السنة الجميع يجعل لنفسه شهراً معلوماً يحسب ما بيده من السلع والعين والدين الذي على المليء الثقة ويزكي الجميع هذا إذا كان ينض في يده في أثناء السنة ولو درهم فإن لم يكن يبيع بعين أصلاً فلا زكاة عليه عنده] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 25/ 15 - 16. إذا تقرر هذا فإن الأصل عند أكثر العلماء أن كل مال يكون عند التاجر ويقصد به التجارة تجب فيه الزكاة ويدخل في ذلك جميع السلع وإن كسدت أو بارت فعلى التاجر أن يقوم هذه السلع الكاسدة ويؤدي زكاتها كغيرها من السلع غير الكاسدة. وهنالك رأي آخر في المسألة قال به بعض فقهاء المالكية ونسب إلى الإمام مالك وهو إن السلع إذا كسدت وبارت فلا تجب الزكاة فيها إلا إذا بيعت فيزكيها صاحبها عن سنة واحدة وهذا رأي له وجاهته ويمكن الأخذ به وخاصة إذا كانت البضائع الكاسدة كثيرة وهذا من باب التخفيف والتيسير على التجار. ومن المعروف عند التجار أنه لابد أن تبور كمية من كل نوع من السلع فمثلاً إذا اشترى التاجر مئة قطعة من نوع معين من الثياب فباع تسعين قطعة وبارت الباقية فحينئذ تكون الفتوى على قول جمهور أهل العلم فتقوم تلك البضاعة ويزكيها عندما يزكي أمواله وأما إذا كان الكساد هو الأكثر فحينئذ نأخذ برأي بعض فقهاء المالكية. قال الدسوقي المالكي: [قوله: (إذ بوارها لا ينقلها للقنية ولا للاحتكار) هذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم، ومقابله ما لابن نافع

وسحنون لا يقوم ما بار منها وينتقل للاحتكار، وخص اللخمي وابن يونس الخلاف بما إذا بار الأقل قالا: فإن بار النصف أو الأكثر لم يقوم اتفاقاً. وقال ابن بشير: بل الخلاف مطلقاً بناء على أن الحكم للنية لأنه لو وجد مشترياً لباع أو للموجود وهو الاحتكار قاله في التوضيح] حاشية الدسوقي 1/ 474. وقد أفتى بقول المالكية هذا بعض أهل العلم المعاصرين منهم الشيخ العلامة مصطفى الزرقا فقال: [إن ما سألتني عنه من رأيي في زكاة البضائع الكاسدة والتاجر المتربِّص، رأيي فيه من القديم هو مذهب مالك - رضي الله عنه - وهو الذي يُشعِر كلامُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- باستحسانه، كما استحسنه أخونا العلامة الدكتور الشيخ القرضاوي أيضاً، وضعاً للضَّرر البالغ عن التاجر المتربِّص، فأنا أُفتي به دائماً تيسيراً على الناس، ولا سيما في العقارات، حيث يكثر فيها المشترون المتربِّصون في عهد التضخم النقدي العام اليوم، ولا سيما في عالمنا الثالث الذي استمر فيه هبوط قيمة النقود الورقية التي انفردت في وظيفة التنمية، منذ أن حلَّت المَطابع محلَّ مناجم استخراج الذَّهب والفضة!! ولم يبقَ أمام كثير من الناس وسيلة لحفظ قيمة نقودهم وقوتها الشرائية سوى تحويلها إلى عقار والتربص به، وقد يتربَّصون بها مُدداً طويلة، وعدداً من السنين قد تَصل إلى العَشرات، ثم يبيعونها عندما يَحتاجون إلى قيمتها. وخلال ذلك قد ترتفع قيمتها كما كانوا يتوقَّعون من استمرار ارتفاع قيمة العَقارات في كل مكان تقريباً، وإن لم ترتفع فإنها لا تهبِط، فأنا أفتي في هذه بأنها تزكَّى مرة واحدة عن سنة واحدة حين بيعها، لكنها يجب أن تزكّى على أساس قيمتها الحالية المرتفعة، لا على أساس قيمتها القديمة التي اشتروها بها، فإذا كانت قيمتها قد ارتفعت من البيع عشرة أضعاف مثلاً أو أكثر -وهذا واقع كثيرًا في الأراضي- فإن زكاتها تَزيد أيضاً عشرة أضعاف عن زكاتها بحسَب قيمتها الأولى التي اشْتُريتْ بها. وفي هذا عدل، كما أنه تيسير على المكلَّف، ودفع للإرهاق عنه، ومثل ذلك التربُّص في البضائع التجارية الكاسدة. وقد نصَّ الفقهاء على أن التاجر إذا أفرزَ بعض أموالِه ليأخذَه إلى بيته لاستعماله فيه، فإن

زكاته تتوقَّف منذ ذلك؛ لأنه خرج من نطاق التِّجارة التي تُنَمِّيه، فأصبح بتحويله لاستعماله غيرَ نامٍ، والزكاة إنما هي في المال النامِي فعلاً أو تقديراً كالنقود. ففي رأيي أن حالة التربُّص - خلال مدّة التربُّص- تُشبهُ هذه ما دام المُتربِّص لا يُريد بيع المال المتربَّص فيه، بل تركه بمعزِل عن التداول إلى أجل غير محدَّد، فالمال في هذه الحالة أصبح غير نام، أو متوقِّف النماء، كالديون غير المرجوة الوفاء (ولو أَنّها كانت أثمانًا لمَبيعات رابحة، وليست قروضًا حسنة) فإنها بانقطاع الأمل من استيفائها خرجت عن أن تكونَ ناميةً ولو تَقديراً. هذا ما أراه أيها الأخ الكريم وأرجو من فضله تعالى أن يكون صوابا مُتَّفِقًا مع مقاصد الشريعة] فتاوى الشيخ العلامة مصطفى الزرقا ص 135 - 136. وخلاصة الأمر أن البضائع إذا كسدت وبارت وكانت كثيرة وصار الأمل ضعيفاً جداً في بيعها فلا زكاة فيها حتى يتم بيعها فإذا بيعت زكيت عن سنة واحدة فقط ولو مضى على بوارها سنوات وأما البوار والكساد القليل فلا يمنع الزكاة فيها.

النذور

النذور

نذر المعصية

نذر المعصية يقول السائل: إنه نذر أن يرتكب الفاحشة مع امرأة ثم ندم على ما صدر منه ويريد أن يتراجع عما نذر فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن ما صدر عن السائل يسمى عند العلماء نذر المعصية ومجرد التلفظ بنذر المعاصي والآثام يُعَدُّ ذنباً ومعصية لله تعالى. وقد اتفق أهل العلم على أنه يحرم الوفاء بنذر المعصية لما ثبت في الحديث من قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصه فلا يعصه) رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث: [ ... والخبر صريح في الأمر بوفاء النذر إذا كان في طاعة وفي النهي عن الوفاء به إذا كان في معصية] فتح الباري 11/ 709. وروى الإمام مسلم بإسناده عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: (كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأسر أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً من بني عقيل وأصابوا معه العضباء -اسم لناقة الرجل المأسور- فأتى عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في الوثاق قال: يا محمد، فأتاه، فقال: ما شأنك؟ فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقة الحاج؟ -أي ناقته- فقال: إعظاماً لذلك أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف، ثم انصرف عنه فناداه، فقال: يا محمد يا محمد وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رحيماً

رقيقاً فرجع إليه فقال ما شأنك؟ قال: إني مسلم، قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، ثم انصرف فناداه فقال: يا محمد يا محمد فأتاه فقال: ما شأنك؟ قال: إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني، قال: هذه حاجتك ففدي بالرجلين. قال: وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ قال: وناقة منوقة -أي مذللة- فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم قال: ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة رآها الناس، فقالوا: العضباء ناقة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكروا ذلك له فقال: سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد). وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم) رواه النسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي 2/ 807. وغير ذلك من الأحاديث. وبهذا يظهر لنا أنه يحرم الوفاء بنذر المعصية باتفاق أهل العلم ولكن يلزم الناذر كفارة يمين على الراجح من أقوال أهل العلم ليكفر ذنبه لأنه نذر ما هو حرام شرعاً. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [نذر المعصية فلا يحل الوفاء به إجماعاً ولأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ولأن معصية الله تعالى لا تحل في حال ويجب على الناذر كفارة يمين روي نحو هذا عن ابن مسعود وابن عباس، وجابر وعمران بن حصين وسمرة بن جندب وبه قال الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه ... ووجه الأول ما روت عائشة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين) رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وقال الترمذي: هو

حديث غريب. وعن أبي هريرة وعمران بن حصين عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله روى الجوزجاني، بإسناده عن عمران بن حصين قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (النذر نذران فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله، وفيه الوفاء وما كان من نذر في معصية الله فلا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين) وهذا نص. ولأن النذر يمين بما روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (النذر حلفة)، (وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأخت عقبة لما نذرت المشي إلى بيت الله الحرام، فلم تطقه: تكفر يمينها) صحيح أخرجه أبو داود وفي رواية: (ولتصم ثلاثة أيام) قال أحمد: إليه أذهب وقال ابن عباس في التي نذرت ذبح ابنها: كفري يمينك ولو حلف على فعل معصية لزمته الكفارة فكذلك إذا نذرها ... فأما أحاديثهم، فمعناها لا وفاء بالنذر في معصية الله وهذا لا خلاف فيه وقد جاء مصرحاً به هكذا في رواية مسلم ويدل على هذا أيضا أن في سياق الحديث: (ولا يمين في قطيعة رحم) يعني لا يبر فيها ولو لم يبين الكفارة في أحاديثهم فقد بينها في أحاديثنا] المغني10/ 5 - 7. وروى الترمذي بإسناده عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين) قال أبو عيسى -أي الترمذي- هذا حديث غريب وهو أصح من حديث أبي صفوان عن يونس وأبو صفوان هو مكي واسمه عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان وقد روى عنه الحميدي وغير واحد من جلة أهل الحديث وقال قوم من أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين وهو قول أحمد وإسحق واحتجا بحديث الزهري عن أبي سلمة عن عائشة] سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/ 102 - 103. وقال المباركفوري: [قوله: وهو قول أحمد وإسحاق، قد اختلف فيمن وقع منه النذر في المعصية هل يجب فيه كفارة, فقال الجمهور: لا, وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية نعم, واتفقوا على تحريم النذر في المعصية, واختلافهم إنما هو في وجوب الكفارة, واحتج

من أوجبها بأحاديث الباب (وهو قول مالك والشافعي) وهو قول الجمهور, وأجابوا عن أحاديث ضعيفة. قلت: والظاهر أنها بتعددها وتعدد طرقها تصلح للاحتجاج والله تعالى أعلم] تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 5/ 103. وحديث عائشة المذكور رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة، وقد اختلف فيه أهل الحديث فضعفه بعضهم وصححه آخرون، وممن صححه العلامة الألباني فقد تكلم عليه طويلاً في إرواء الغليل وذكر أن إحدى روايات النسائي سندها متصل صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين ما عدا راوٍ وهو ثقة. ثم ذكر العلامة الألباني شاهداً صحيحاً للحديث رواه ابن الجارود ولفظه (النذر نذران فما كان لله فكفارته الوفاء, وما كان للشيطان فلا وفاء فيه, وعليه كفارة يمين)] انظر إرواء الغليل 8/ 216 - 217. ومما يدل على لزوم الكفارة في نذر المعصية عموم قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كفارة النذر كفارة اليمين) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كفارة النذر كفارة اليمين) اختلف العلماء في المراد به, فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج, وهو أن يقول إنسان يريد الامتناع من كلام زيد مثلاً: إن كلمتُ زيداً مثلاً فلله عليَّ حجة أو غيرها, فيكلمه فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزمه, هذا هو الصحيح في مذهبنا, وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق, كقوله: عليَّ نذر, وحمله أحمد وبعض أصحابنا على نذر المعصية, كمن نذر أن يشرب الخمر, وحمله جماعة من فقهاء أصحاب الحديث على جميع أنواع النذر, وقالوا: هو مخير في جميع النذورات بين الوفاء بما التزم, وبين كفارة يمين] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 269. ويؤيده ما ورد في الحديث عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (إنما النذر يمين، كفارتها كفارة يمين) أخرجه أحمد وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 2860. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (النذر نذران: فما كان لله فكفارته الوفاء، وما كان للشيطان فلا وفاء فيه، وعليه كفارة يمين)

وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 479. وقال العلامة ابن القيم: [قال الموجبون للكفارة في نذر المعصية -وهم أحمد وإسحاق والثوري وأبو حنيفة وأصحابه- هذه الآثار قد تعددت طرقها. ورواتها ثقات. وحديث عائشة احتج به الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، وإن كان الزهري لم يسمعه من أبي سلمة, فإن له شواهد تقويه رواه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سوى عائشة: جابر وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر, قاله الترمذي: وفيه حديث ابن عباس رفعه (من نذر نذراً في معصية, فكفارته كفارة يمين) رواه أبو داود, ورواه ابن الجارود في مسنده, ولفظه عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (النذر نذران: فما كان لله فكفارته الوفاء به, وما كان للشيطان فلا وفاء فيه وعليه كفارة يمين). وروى أبو إسحاق الجوزجاني حديث عمران بن حصين في كتابه المترجم وقال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (النذر نذران: فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله, وفيه الوفاء, وما كان من نذر في معصية الله فلا وفاء فيه, ويكفره ما يكفر اليمين) وروى الطحاوي بإسناد صحيح عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ويكفر عن يمينه) وهو عند البخاري إلا ذكر الكفارة. قال الأشبيلي: وهذا أصح إسناداً, وأحسن من حديث أبي داود - يعني حديث الزهري عن أبي سلمة المتقدم. وفي مصنف عبد الرزاق: عن يحيى بن أبي كثير عن رجل من بني حنيفة, وعن أبي سلمة كلاهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً (لا نذر في غضب ولا في معصية الله, وكفارته كفارة يمين) قالوا: وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (كفارة النذر كفارة اليمين). وهذا يتناول نذر المعصية من وجهين. أحدهما: أنه عام لم يخص منه نذر دون نذر. الثاني: أنه شبهه باليمين, ومعلوم: أنه لو حلف على المعصية وحنث لزمه كفارة يمين, بل وجوب الكفارة في نذر المعصية أولى منها في يمين المعصية لما سنذكره. قالوا: ووجوب الكفارة قول عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله, وعمران بن حصين وسمرة بن جندب، ولا يحفظ عن صحابي خلافهم. قالوا: وهب أن هذه الآثار لم تثبت, فالقياس يقتضي

وجوب الكفارة فيه, لأن النذر يمين, ولو حلف ليشربن الخمر، أو ليقتلن فلاناً, وجبت عليه كفارة اليمين وإن كانت يمين معصية فهكذا إذا نذر المعصية. وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسمية النذر يميناً (لما قال لأخت عقبة لما نذرت المشي إلى بيت الله فعجزت تكفر يمينها) , وهو حديث صحيح وسيأتي. وعن عقبة مرفوعاً وموقوفاً (النذر حلفة). وقال ابن عباس في امرأة نذرت ذبح ابنها (كفري يمينك) فدل على أن النذر داخل في مسمى اليمين في لغة من نزل القرآن بلغتهم. وذلك أن حقيقته هي حقيقة اليمين فإنه عقده لله ملتزماً له, كما أن الحالف عقد يمينه بالله ملتزماً لما حلف عليه, بل ما عُقد لله أبلغ وألزم مما عقد به فإن ما عقد به من الأيمان لا يصير باليمين واجباً, فإذا حلف على قربة مستحبة ليفعلنها لم تصر واجبة عليه, وتجزئه الكفارة ولو نذرها وجبت عليه ولم تجزئه الكفارة. فدل على أن الالتزام بالنذر آكد من الالتزام باليمين, فكيف يقال: إذا التزم معصية بيمينه وجبت عليه الكفارة, وإذا التزمها بنذره الذي هو أقوى من اليمين فلا كفارة فيها فلو لم يكن في المسألة إلا هذا وحده لكان كافياً. ومما يدل على أن النذر آكد من اليمين. أن الناذر إذا قال: لله عليَّ أن أفعل كذا فقد عقد نذره بجزمه أيمانه بالله, والتزامه تعظيمه, كما عقدها الحالف بالله كذلك, فهما من هذه الوجوه سواء, والمعنى الذي يقصده الحالف ويقوم بقلبه هو بعينه مقصود للناذر قائم بقلبه ويزيد النذر عليه أنه التزمه لله, فهو ملتزم من وجهين: له, وبه. والحالف إنما التزم ما حلف عليه خاصة, فالمعنى الذي في اليمين داخل في حقيقة النذر فقد تضمن النذر اليمين وزيادة, فإذا وجبت الكفارة في يمين المعصية فهي أولى بأن تجب في نذرها. ولأجل هذه القوة والتأكيد: قال بعض الموجبين للكفارة فيه: إنه إذا نذر المعصية لم يبرأ بفعلها, بل تجب عليه الكفارة عيناً, ولو فعلها لقوة النذر, بخلاف ما إذا حلف عليها, فإنه إنما تلزمه الكفارة إذا حنث, لأن اليمين أخف من النذر. وهذا أحد الوجهين لأصحاب أحمد, وتوجيهه ظاهر جداً, فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهاه عن الوفاء بالمعصية, وعين عليه الكفارة عيناً, فلا يخرج من عهدة الأمر إلا بأدائهما] حاشية ابن القيم على سنن أبي داود 9/ 84 - 86.

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: [ولكن نقول: يكفر، يكفر كفارة يمين لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا نذر في معصية الله) وعليه كفارة يمين وهذا الحديث احتج به الإمام أحمد رحمه الله وإسحاق وصححه الطحاوي خلافاً لقول النووي رحمه الله: إنه ضعيف باتفاق المحدثين، النووي ضعفه لكن الإمام أحمد احتج به واحتجاجه به يدل على صحته عنده وكذلك صححه الطحاوي وهو من الأئمة الذين يعتبر تصحيحهم. وعلى هذا فالحديث صحيح يحتج به، لكن جمهور أهل العلم قالوا: إن نذر المعصية لا كفارة فيه يحرم الوفاء به ولا يكفر واحتجوا بحديث عائشة الذي أشرنا إليه آنفاً وهو قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ولكن نقول: إنه ما دام قد ورد حديث فيه زيادة وهو صحيح فإنه يجب الأخذ بهذه الزيادة وهي كفارة اليمين. فنقول يكفر ولأن المعنى يقتضي ذلك لأن هذا الرجل نذر نذراً فلم يفعل ونحن نقول: نذره انعقد لأنه ألزم نفسه به ولا يمكن أن يوفي به لأنه معصية وحينئذ يكون نذر نذراً لم يوفه فعليه الكفارة كما لو حلف أن يفعل معصية فإننا نقول له: لا تفعلها وعليك كفارة يمين. فما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله وإن كان من مفرداته أقرب إلى الصواب بأنه لا يفعل المعصية وعليه كفارة يمين] الشرح الممتع على زاد المستقنع 11/ 430. وخلاصة الأمر أنه يحرم الوفاء بنذر المعصية باتفاق أهل العلم وتجب الكفارة فيه على أرجح قولي العلماء وكفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة المائدة الآية 89.

المعاملات

المعاملات

يحرم العمل في المحلات التي تقدم الخمور

يحرم العمل في المحلات التي تقدم الخمور يقول السائل: إنه يعمل في مطعم أحد الفنادق التي تقدم فيها الخمور هو وأحد زملائه وهما لا يقدمان الخمر للزبائن ولكنهما يُعدِّان المكان ويجهزان الطاولات ويجمعان الكؤوس الفارغة ويقومان بغسلها فما حكم هذا العمل؟ وهل المال الذي يكسبانه حلال أو حرام؟ أفيدونا. الجواب: من المعلوم شرعاً تحريم الخمر تحريماً باتاً قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} سورة المائدة الآيتان 90 - 91. وغير ذلك من الأدلة. وهنا لا بد من توضيح قاعدة هامة في العمل الذي يجوز للمسلم أن يعمل فيه وهي ما قرره العلماء من أن للوسائل أحكام المقاصد. قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام 1/ 46. فوسيلة المحرم محرمة، أي إن ما أدى إلى الحرام فهو حرام، فالربا حرام فكل عمل يؤدي إليه ويساعد فيه فهو حرام، فتأجير مبنىً ليكون مقراً

لبنك ربوي حرام وكذا العمل في البنك الربوي حرام ولو كان حارساً ليلياً ومثل ذلك عمل برنامج كمبيوتر للمحاسبة في بنك ربوي حرام وهكذا بقية الأعمال التي لها علاقة بالربا ويدل على ذلك ما ورد في الحديث الصحيح (لعن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم وكذا الخمر فهي محرمة فيحرم العمل في كل شيء له علاقة بالخمر فيحرم على المسلم أن يبيع العنب لمن عرف أنه يصنعه خمراً ويحرم أن يساعد في أي عمل يؤدي إليها ويدل على ذلك قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. ومما يدل على ذلك أيضا ما ورد في الحديث (أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها) رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/ 907. وقد صح في الحديث من قول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله تعالى حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) رواه البخاري ومسلم. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً قول الخرقي: [وبيع العصير ممن يتخذه خمراً باطل]. [وجملة ذلك أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمراً محرم وكرهه الشافعي، وذكر بعض أصحابه أن البائع إذا اعتقد أنه يعصرها خمراً فهو محرم وإنما يكره إذا شك فيه ... ولنا قول الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وهذا نهي يقتضي التحريم وروي عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لعن في الخمر عشرة فروى ابن عباس (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وبائعها، ومبتاعها وساقيها) وأشار إلى كل معاون عليها ومساعد فيها أخرج هذا الحديث الترمذي, من حديث أنس وقال: قد روي هذا الحديث عن ابن عباس وابن عمر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وروى ابن بطة في تحريم النبيذ, بإسناده عن محمد بن سيرين أن قيماً كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له فأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيباً, ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعصره فأمر بقلعه وقال: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر. ولأنه

يعقد عليها لمن يعلم أنه يريدها للمعصية, فأشبه إجارة أمته لمن يعلم أنه يستأجرها ليزني بها والآية مخصوصة بصور كثيرة فيخص منها محل النزاع بدليلنا ... ]. ثم قال الشيخ ابن قدامة: [وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام كبيع السلاح لأهل الحرب أو لقطاع الطريق، أو في الفتنة وبيع الأمة للغناء أو إجارتها كذلك, أو إجارة داره لبيع الخمر فيها أو لتتخذ كنيسة أو بيت نار, وأشباه ذلك فهذا حرام والعقد باطل لما قدمنا. قال ابن عقيل: وقد نص أحمد -رحمه الله- على مسائل نبه بها على ذلك, فقال في القصاب والخباز: إذا علم أن من يشتري منه يدعو عليه من يشرب المسكر لا يبيعه, ومن يخترط الأقداح لا يبيعها ممن يشرب فيها - المسكر - ونهى عن بيع الديباج للرجال ولا بأس ببيعه للنساء وروى عنه لا يبيع الجوز من الصبيان للقمار وعلى قياسه البيض فيكون بيع ذلك كله باطلاً] المغني 4/ 207. وما قرره الشيخ ابن قدامة المقدسي يصح أن يقال في كل عمل يؤدي إلى الحرام فعمل الكوافيرة التي تزين النساء فيخرجن متبرجات عمل حرام. وكذا العمل في إقامة أماكن العبادة لغير المسلمين أو صيانتها محرم، لأنه من باب التعاون على الإثم. وكذا العمل في كل شيء يؤدي إلى الحرام، فهو محرم فإذا قلنا إن التدخين حرام فيحرم العمل في زراعته وفي حصده وفي نقله وفي صنعه وفي بيعه وفي الدعاية له وهكذا يحرم العمل في كل شيء يساعد في تسويقه ... إلخ. وأما المال المكتسب من العمل المحرم فيجب التخلص منه وإنفاقه في مصلحة عامة، ولا يجوز الانتفاع به لمكتسبه، فكل مال حرام لا يجوز للمسلم أن ينتفع به انتفاعاَ شخصياً فلا يجوز أن يصرفه على نفسه ولا على زوجته ولا على أولاده ومن يعولهم لأنه مال حرام بل هو من السحت ومصرف هذا المال الحرام وأمثاله هو إنفاقه على الفقراء والمحتاجين ومصارف الخير كدور الأيتام والمؤسسات الاجتماعية ونحوها. وعلى السائل وزميله أن يتركا عملهما المذكور في السؤال وأن يبحثا

برنامج توفير محرم

عن عمل حلال وليعلما أن أبواب العمل الحلال كثيرة وليذكرا قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} سورة الطلاق الآيتان 2 - 3. وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} سورة الطلاق الآية 4. وخلاصة الأمر أن العمل في كل أمر يؤدي إلى الحرام فهو حرام لأن للوسائل أحكام المقاصد. برنامج توفير محرم يقول السائل: ما الحكم الشرعي لما يعرف عندنا (في منطقة 48 من فلسطين) بصندوق الاستكمال وهو برنامج توفير لمعلمي المدارس التابعة للمعارف الهدف منه تشجيع المعلم على الخروج في إجازة مدفوعة الأجر لمدة سنة كاملة بعد ست سنوات عمل بشرط أن يتعلم خلال هذه السنة على حساب الصندوق ما يفيده ولكي يتجدد نشاطه عندما يعود لمزاولة عمله، ثم يدخر من جديد فترة ست سنوات أخرى كي يحصل على إجازة مدفوعة الأجر لمدة سنة كاملة كما في المرة السابقة ... وهكذا، مع العلم أن الاشتراك في هذا الصندوق اختياري وليس إلزامياً. وهذا الصندوق يعمل وفق النظام التالي: يدّخر فيه المعلم مبلغاً من المال يُقتطع من راتبه شهرياً وتضع وزارة المعارف مقابل هذا المبلغ ضعفيه في الصندوق لصالح المعلم ويستمر الادخار في هذا الصندوق ست سنوات على الأقل بحيث لا يستطيع المعلم سحب هذه الأموال قبل انتهاء المدة. وفي نهاية السنوات الست، يحق للمعلم الخروج في إجازة مدفوعة الأجر لمدة سنة كاملة، بشرط أن يتعلم خلالها (على حساب الصندوق) ما يفيده، وفي حالات معينة يستطيع سحب هذه الأموال بدل الخروج في إجازة بعد انتهاء السنوات الست إذا أثبت بأنه مدين ديناً فاحشاً لجهة ما أو أنه يعيل بالإضافة إلى زوجته وأولاده، أحد والديه أو

كليهما أو أحداً من أقاربه أو أنه بحاجة إلى تجديد أو توسيع بيته ليتناسب مع ازدياد عدد أفراد عائلته. والجدير ذكره أن الاشتراك في هذا الصندوق اختياري وليس إلزامياً. هذه الأموال توضع في بنك ربوي ويعطي عليها رباً يسمونه أرباحاً وتعويضاً يعادل قيمة انخفاض العملة بسبب غلاء المعيشة أي تعويضاً عن هبوط قيمة النقد. إذا اختار المعلم سحب هذه الأموال من الصندوق فإنه يحصل على جميع الأموال التي اقتطعت من مرتبه، و89% من الأموال التي وضعها المشغل لصالحه، مضافاً لكل ذلك ما يسمى بالأرباح الربا والتعويض عن هبوط قيمة النقد فما حكم هذه المعاملة؟ أفيدونا. الجواب: هذا العقد عقد ربوي إبتداءً فلا يجوز للمسلم التوقيع عليه لأنه تضمن شرطاً ربوياً وإقراراً بالربا حيث إن المشترك في هذا الصندوق قبل التعامل بالربا مختاراً ومن المعلوم أن الربا محرم قطعاً في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -قال: (لعن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات - المهلكات -، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الربا إثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه

الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 488. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636 وغير ذلك من الأحاديث. ومما يؤكد بطلان هذا العقد الذي يعمل به الصندوق المشار إليه أنه يعطي تعويضاً يعادل قيمة انخفاض العملة بسبب غلاء المعيشة أي أنه يربط المال الموفر بجدول غلاء المعيشة وهذا أمر باطل شرعاً فلا يجوز شرعاً ربط الديون بمستوى الأسعار أو جدول غلاء المعيشة لأنه نوع من الربا، فقد قرر مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الثالث، ص 2261. والواجب على من اشترك في هذا الصندوق وهو لا يعلم حرمة المشاركة فيه، أن يوقف تعامله معه، وأن يتخلص من الربا الذي أعطي له وقد نص كثير من أهل العلم على أن التخلص من المال الحرام يكون بالتصدق به فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: [عن رجل مرابٍ خلَّف مالاً وولداً وهو يعلم بحاله فهل يكون المال حلالاً للولد بالميراث؟ أم لا؟ فأجاب: أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربا فيخرجه إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن وإلا تصدق به. والباقي لا يحرم عليه ... ] مجموع الفتاوى 29/ 307. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [عن امرأة كانت مغنية واكتسبت في جهلها مالاً كثيراً وقد تابت ... فهل هذا المال الذي اكتسبته ... إذا أكلت وتصدقت منه تؤجر عليه؟ فأجاب بأن هذا المال لا يحل للمغنية التائبة

ولكن يصرف في مصالح المسلمين ... إلخ) انظر مجموع الفتاوى 29/ 308 - 309. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [عن الرجل يختلط ماله الحلال بالحرام؟ فأجاب بأنه يخرج قدر المال الحرام فيرده إلى صاحبه وإن تعذر عليه ذلك تصدق به] مجموع الفتاوى 29/ 308. وقال القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 297. ما نصه: [قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت رباً فليردها على من أربى عليه ويطلبه إن لم يكن حاضراً فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك. وإن أخذ بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه فإن التبس عليه الأمر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب رده حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عُرف ممن ظلمه أو أربى عليه فإن أيس من وجوده تصدق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبداً لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين ... ] تفسير القرطبي 3/ 366. ومما يدل على ذلك أيضاً ما وردت به الروايات في قصة رهان أبي بكر - رضي الله عنه - لبعض الكفار عندما نزل قوله تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بضع سنين} سورة الروم الآيات 1 - 3. وجاء في بعض روايات هذه الحادثة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبي بكر: (هذا سحت فتصدق به) وكان هذا قبل تحريم القمار كما قال القرطبي، وقد ذكر ابن كثير والقرطبي عدة روايات لهذه الحادثة. تفسير القرطبي 14/ 2 - 4، تفسير ابن كثير 3/ 422 - 424. وقال ابن كثير بعد أن ساق عدداً من روايات هذه الحادثة: [وقد روي نحو هذا مرسلاً عن جماعة من التابعين مثل عكرمة والشعبي ومجاهد وقتادة والسدي والزهري وغيرهم] تفسير ابن كثير 3/ 423. وخلاصة الأمر أنه تحرم المشاركة فيما يسمى صندوق الاستكمال وأن

شحن البلفونات (التلفون المحمول) من كهرباء المسجد

العقد الوارد فيه عقد ربوي محرم ويجب على من اشترك فيه أن يتخلص من المال الربوي الذي حصل عليه وذلك بإنفاقه في وجوه الخير والمصالح العامة للمسلمين. شحن البلفونات (التلفون المحمول) من كهرباء المسجد يقول السائل: كنا نعتكف في أحد المساجد في العشر الأواخر من رمضان وكان جماعة من المعتكفين يقومون بشحن البلفونات (التلفون المحمول) من كهرباء المسجد فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يجوز شحن البلفون من كهرباء المسجد لأن كهرباء المسجد لا يصح أن تستغل في الأمور الشخصية فلا يجوز لشخص مثلاً أن يمد خطاً من كهرباء المسجد إلى بيته والأصل عند العلماء أن المال الموقوف يستعمل حسب شرط الواقف إن كان هنالك شرط له فإن لم يكن له شرط فيستعمل المال الموقوف حسب ما تعارف الناس عليه وينبغي التنبيه إلى أن وجود الوصلات الكهربائية التي توصل بها البلفونات لشحنها لا يدل على أن الأوقاف قد أذنت في شحن البلفونات فهذه الوصلات إنما وضعت لخدمة المسجد من استخدام المكنسة الكهربائية أو مكبر الصوت ونحو ذلك ولا يصح القول بأن وجودها إذن للناس باستعمالها. كما أن فتح هذا الباب للناس يعني تحميل المساجد مصاريف عالية ولا يقولن أحد إن شحن البلفون ليس مكلفاً وعليه أن ينظر إلى كثرة البلفونات مع الناس. وبمناسبة الحديث عن البلفون والمسجد أود التذكير ببعض الأمور: أولاً: نلاحظ أن مستعملي البلفونات قد زودوها بنغمات موسيقية فهذا الأمر محرم شرعاً فما بالك عندما تعزف هذه الموسيقى في المسجد وأثناء الصلاة لا شك أن هذا منكر عظيم وقد قامت الأدلة الصحيحة على تحريم الموسيقى ومنها ما رواه الإمام البخاري في صحيحه قال الإمام البخاري: [

وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ... الخ الحديث]. وهذا الحديث يدل على تحريم الموسيقى من وجهين ذكرهما الشيخ العلامة الألباني الأول: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يستحلون) فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم. الثاني: قرن المعازف مع المقطوع بحرمته وهو الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة لما قرنها معها. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 144. والأدلة على تحريم الموسيقى كثيرة وليس هذا محل بحثها. وبناءً على ما سبق فلا يجوز وضع النغمات الموسيقية على البلفونات ويكتفى بالرنين العادي. ثانياً: نلاحظ كثرة رنين البلفونات أثناء الصلاة خاصة، وفي المساجد بشكل عام على الرغم من اللوحات الإرشادية الموضوعة في المساجد والتي يطلب فيها إيقاف البلفونات عن العمل عند دخول المسجد ولا شك أن رنين البلفون وصدور النغمات الموسيقية فيه تشويش كبير على المصلين ويقطع خشوع المصلين ويتحمل الوزر والإثم حامل البلفون لأنه شوش على المصلين وقطع خشوعهم فلا يجوز لأحد أن يشوش على المصلين وأن يقطع خشوعهم فالتشويش في المسجد على المصلين والتالين لكتاب الله والذاكرين لا يجوز حتى ولو كان ذلك بقراءة القرآن الكريم فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (اعتكف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) رواه أبو داوود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الشيخ الألباني. وورد في الحديث أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن

المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) رواه مالك بسند صحيح قاله الشيخ الألباني. والمذكور في الحديث رفع الصوت بالقرآن الكريم فما بالك بالنغمات الموسيقية التي تصدرها البلفونات!! وقد همّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بتعزير من يرفعون أصواتهم في المسجد فقد روى البخاري عن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل -أي رماني بحصاة- فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: ممن أنتما؟ قال: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! وبناءً على ما سبق فيجب على من يحمل البلفون أن يوقفه عن العمل عند دخوله المسجد، فإن نسيه شغالاً فرن أثناء الصلاة فينبغي أن يوقفه مباشرة وإن اقتضى ذلك أن يتحرك المصلي في صلاته فإن هذه الحركة مباحة على أقل تقدير إن لم تكن مستحبة نظراً للحاجة حيث إنه يترتب عليها منع ما يشوش على المصلين وقد ثبت في الحديث أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أمَّ الناس في المسجد فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب وإذا سجد وضعها) رواه البخاري ومسلم. كما وأنه يجوز قتل الحية والعقرب في الصلاة وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك. رواه أصحاب السنن وقال الإمام الترمذي حديث حسن. فيؤخذ من هذين الحديثين أن الحركة في الصلاة إن كانت لحاجة جائزةٌ ولا تبطل الصلاة أقول هذا مع التأكيد على إغلاق البلفون عند الدخول إلى المسجد فإن نسيه مفتوحاً ورنَّ أثناء الصلاة فيغلقه ولا شيء عليه.

الشهادة على العقد

الشهادة على العقد يقول السائل: وقعت عقد عمل مع شخص ليعمل عندي أجيراً في محل تجاري ثم بعد مضي مدة من الزمن رفض أن يلتزم بمضمون العقد وادعى أن العقد باطل لعدم وجود شاهدين على العقد فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن العقود في باب المعاملات في الشريعة الإسلامية إذا تمت بإيجاب وقبول من العاقدين تكون صحيحة إذا خلت مما يبطلها. انظر الموسوعة الفقهية 9/ 10 - 12. والإشهاد على هذه العقود من السنن وليس من الواجبات ولا تتوقف صحة العقد المذكور في السؤال على الإشهاد. ولا شك أن الإشهاد على العقود أفضل وأولى وخاصة إذا كان العقد يتعلق بأمرٍ ذي أهمية كبيع أرض أو إجارة عمارة أو نحو ذلك والإشهاد على العقود أقطع للنزاع وأبعد عن التجاحد وإنكار الحقوق بل فيه حفظ للحقوق وهذا الأمر ينطبق تماماً على كتابة العقود وتوثيقها فينبغي لمن وقع عقد بيع أرض مثلاً مع غيره أن يبين فيه كل التفاصيل المتعلقة بالبيع مثل موقع الأرض وحدودها ومساحتها وثمن البيع ووقت تأدية الثمن إن كان مؤجلاً أو على أقساط وينبغي له أن يستشهد شهيدين على ذلك بأن يذكر اسميهما على أن يوقعا على وثيقة البيع وينبغي عدم إغفال تاريخ البيع بالتفصيل بالإضافة لذكر كل ما يزيد العقد توثيقاً ... إلخ. ومما يدل على مشروعية ذلك آية الدين وهي أطول آية في القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً

حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُءَاثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآيتان 282 - 283. وفي هاتين الآيتين الكريمتين أمر الله جل وعلا بالإشهاد في موضعين الأول {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} والموضع الثاني {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} وهذا الأمر مصروف عن ظاهره والمراد به الندب لا الإيجاب كما قرر ذلك جمهور أهل العلم. قال الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي: [ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا، وأن شيئا منه غير واجب. وقد نقلت الأمة خلف عن سلف عقود المداينات والأشربة والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد، مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم، ولو كان الإشهاد واجباً لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به. وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندباً، وذلك منقول من عصر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا. ولو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها وأشريتها لورد النقل به متواتراً مستفيضاً ولأنكرت على فاعله ترك الإشهاد، فلما لم ينقل عنهم الإشهاد بالنقل المستفيض ولا إظهار النكير على تاركه من العامة ثبت بذلك أن الكتاب والإشهاد في الديون والبياعات غير واجبين] أحكام القرآن للجصاص 2/ 206. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ أَرْبَعِينَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي لَفْظِ (أَفْعِلْ) فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فَرْضٌ; قَالَهُ الضَّحَّاكُ. الثَّانِي: أَنَّهُ نَدْبٌ; قَالَهُ الْكَافَّةُ; وَهُوَ الصَّحِيحُ; فَقَدْ بَاعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَكَتَبَ وَنُسْخَةُ كِتَابِهِ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى منه عبداً أو أمةً لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم للمسلم). وَقَدْ بَاعَ وَلَمْ يُشْهِدْ, وَاشْتَرَى وَرَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَلَمْ يُشْهِدْ, وَلَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ أَمْرًا وَاجِبًا لَوَجَبَ مَعَ الرَّهْنِ لِخَوْفِ الْمُنَازَعَةِ] أحكام القرآن لابن العربي 1/ 259. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ. وَلِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ, وَأَبْعَدُ مِنْ التَّجَاحُدِ, فَكَانَ أَوْلَى, وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا لَهُ خَطَرٌ, فَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْقَلِيلَةُ الْخَطَرِ, كَحَوَائِجِ الْبَقَّالِ, وَالْعَطَّارِ, وَشَبَهِهِمَا, فَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيهَا; لِأَنَّ الْعُقُودَ فِيهَا تَكْثُرُ, فَيَشُقُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا, وَتَقْبُحُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا, وَالتَّرَافُعُ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ أَجْلِهَا, بِخِلَافِ الْكَثِيرِ. وَلَيْسَ الْإِشْهَادُ بِوَاجِبٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا, وَلَا شَرْطًا لَهُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ, وَإِسْحَاقَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ذَلِكَ فَرْضٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ. .... وَلَنَا, قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: صَارَ الْأَمْرُ إلَى الْأَمَانَةِ. وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ, وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا, وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ) (وَاشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سَرَاوِيلَ) , (وَمِنْ أَعْرَابِيٍّ فَرَسًا, فَجَحَدَهُ الْأَعْرَابِيُّ حَتَّى شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ) وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَشْهَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَتَبَايَعُونَ فِي عَصْرِهِ فِي الْأَسْوَاقِ, فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِشْهَادِ, وَلَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِعْلُهُ, وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانُوا يُشْهَدُونَ فِي كُلِّ بِيَاعَاتِهِمْ لَمَا أُخِلَّ بِنَقْلِهِ. (وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً. وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِشْهَادِ, وَأَخْبَرَهُ عُرْوَةُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا, وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ تَرْكَ الْإِشْهَادِ) وَلِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَغَيْرِهَا, فَلَوْ وَجَبَ الْإِشْهَادُ فِي كُلِّ مَا يَتَبَايَعُونَهُ, أَفْضَى إلَى الْحَرَجِ الْمَحْطُوطِ عَنَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. وَالْآيَةُ الْمُرَادُ بِهَا الْإِرْشَادُ إلَى حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَالتَّعْلِيمِ, كَمَا أَمَرَ بِالرَّهْنِ وَالْكَاتِبِ, وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ, وَهَذَا ظَاهِرٌ] المغني 4/ 205 - 206.

لا يجوز بيع الطعام قبل القبض

وخلاصة الأمر أنه يستحب الإشهاد على عقود البيع والشراء والإجارة ونحوها إذا كان محل العقد شيئاً مهماً كبيراً ولا ينبغي الإشهاد على كل صغير لما في ذلك من الحرج. لا يجوز بيع الطعام قبل القبض يقول السائل: إنه باع كمية كبيرة من الدجاج بسعر متفق عليه على أن يسلَّم الدجاج للمشتري بشكل يومي بعدد متفق عليه ولمدة معينة فقام المشتري بعد العقد مباشرة ببيع كمية الدجاج كلها لشخص آخر بربح معلوم وطلب مني أي من البائع أن أورد الدجاج للمشتري الثاني فما حكم هذه المعاملة؟ أفيدونا؟ الجواب: العقد الأول الذي تم فيه الاتفاق على بيع كمية كبيرة من الدجاج بسعر متفق عليه على أن يسلم الدجاج للمشتري بشكل يومي بعدد متفق عليه ولمدة معينة عقد صحيح على الراجح من أقوال أهل العلم وهو ما يسمى اليوم بعقد التوريد. قال الشيخ العلامة مصطفى الزرقا رحمه الله عن عقد التوريد: [هو صحيح شرعاً غير فاسد كما هو صحيح قانوناً ... وعقد التوريد هذا المسؤول عنه يشبه إلى حد كبير بيع الاستجرار الذي نصَّ عليه الحنفية، كما أنه أولى بالصحة من البيع بما ينقطع عليه السعر الذي صححه الحنابلة، مع أن فيه كَمية محدودة والسِّعر غير محدَّد عند العَقد لذلك يكون قياسُها على أحدهما قِياسًا صحيحًا، ولا سيَّما أن الحاجة العامّة اليوم تدعو إلى ممارسة عقد التوريد، كما أنه أصبح متعارَفًا. وقد نصّ الحنفيّة على أن العرف يُصحِّح الشروط الفاسدة إذا تُعورِفت، وجرى عليها التعامل؛ لأنها بالتعارف ينتفي من طريقها النزاع؛ إذ تصبح مألوفة، ويبني العاقدان عليها حسابهما، فلا تكون مفاجأة غير مألوفة قد تُخِلُّ بالتوازن بينهما وتؤدّي إلى النزاع. ولا

يخفى أن عقد التوريد قد أصبح فيه عرف شامل، ولا سيما بعد أن قررته القوانين] فتاوى مصطفى الزرقا ص487 - 488. أما العقد الثاني الذي تم بين المشتري الأول والمشتري الثاني فعقد باطل حيث إن المشتري الأول باع الدجاج قبل أن يقبضه والبيع قبل القبض مفسد للعقد عند أهل العلم وخاصة أن البيع وقع على شيء مطعوم فإذا اشترى شخص طعاماً فلا يجوز له أن يبيعه قبل أن يقبضه باتفاق أهل العلم لأن بيع الطعام قبل القبض لا يصح شرعاً قال ابن المنذر فيما نقله عنه الشيخ ابن قدامة المقدسي: [أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاماً فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه] المغني 4/ 83. وقال ابن رشد المالكي: [وأما بيع الطعام قبل قبضه، فإن العلماء مجمعون على منع ذلك إلا ما يحكى عن عثمان البتي. وإنما أجمع العلماء على ذلك لثبوت النهي عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه)] بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/ 119. واستدل العلماء بأدلة كثيرة على المنع من بيع الطعام قبل قبضه منها: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله. رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه) قال ابن عباس: وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) قال: وكنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه. رواه مسلم.

وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - (نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الطعام حتى يستوفى) رواه مسلم. وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: (قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ قَالَ: إذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) رواه أحمد. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: (نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري) رواه ابن ماجه والدارقطني. وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 20. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (ابتعت زيتاً في السوق فلما استوجبته لنفسي لقيني رجل فأعطاني به ربحاً حسناً فأردت أن أضرب على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفتُ فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) رواه أبو داود. وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 668. قال صاحب عون المعبود [(فلما استوجبته): أي صار في ملكي بعقد التبايع ... (فأردت أن أضرب على يده): أي أعقد معه البيع, لأن من عادة المتبايعين أن يضع أحدهما يده في يد الآخر عند العقد ... ] عون المعبود 9/ 286. وقال الإمام الترمذي: [عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) قال ابن عباس وأحسب كل شيء مثله. قال وفي الباب عن جابر وابن عمر وأبي هريرة قال أبو عيسى -الترمذي - حديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم كرهوا بيع الطعام حتى يقبضه المشتري. وقد رخص بعض أهل العلم فيمن ابتاع شيئاً مما لا يكال ولا يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب أن يبيعه قبل أن يستوفيه وإنما التشديد عند أهل العلم في الطعام وهو قول أحمد وإسحق] سنن الترمذي 3/ 586. وقال الإمام النووي بعد أن ذكر ما رواه مسلم في هذا الباب: [باب

بطلان بيع المبيع قبل قبضه ... وفي هذه الأحاديث النهي عن بيع المبيع حتى يقبضه البائع, واختلف العلماء في ذلك, فقال الشافعي: لا يصح بيع المبيع قبل قبضه سواء كان طعاماً أو عقاراً أو منقولاً أو نقداً أو غيره. وقال عثمان البتي: يجوز في كل مبيع. وقال أبو حنيفة: لا يجوز في كل شيء إلا العقار. وقال مالك: لا يجوز في الطعام ويجوز فيما سواه. ووافقه كثيرون. وقال آخرون: لا يجوز في المكيل والموزون ويجوز فيما سواهما. أما مذهب عثمان البتي فحكاه المازري والقاضي ولم يحكه الأكثرون بل نقلوا الإجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه, قالوا: وإنما الخلاف فيما سواه فهو شاذ متروك والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 130. وقد أشار ابن عباس - رضي الله عنه - إلى العلة في منع بيع الطعام قبل قبضه لما سأله طاووس فيما رواه البخاري عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله نهى أن يبيع الرجل طعاماً حتى يستوفيه قلت -أي طاووس- لابن عباس كيف ذاك؟ قال: ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ قال أبو عبد الله مرجئون مؤخرون]. قال الإمام الشوكاني في شرحه: [ ... ما علل به النهي فإنه أخرج البخاري عن طاووس قال: قلت لابن عباس كيف ذاك؟ قال: دراهم بدراهم والطعام مرجأ استفهمه عن سبب النهي فأجابه بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باع دراهم بدراهم ويبين ذلك ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه قال لما سأله طاووس ألا تراهم يتباعدون بالذهب والطعام مرجأ وذلك لأنه إذا اشترى طعاماً بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام إلى آخر بمائة وعشرين مثلاً فكأنه اشترى بذهبه ذهباً أكثر منه ولا يخفى أن مثل هذه العلة لا ينطبق على ما كان من التصرفات بغير عوض وهذا التعليل أجود ما علل به النهي لأن الصحابة أعرف بمقاصد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] نيل الأوطار 5/ 180 - 181. وما نقل عن عثمان البتي وهو أحد فقهاء التابعين من جواز بيع الطعام

حكم تبرع المضارب بضمان رأس المال

قبل قبضه فهو قول شاذ ومخالف لصريح الأحاديث الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولم أعلم بين أهل العلم خلافاً إلا ما حُكيَ عن البتي أنه قال: لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه، قال ابن عبد البر: وهذا قول مردود بالسنة والحجة المجمعة على الطعام، وأظنه لم يبلغه هذا الحديث ومثل هذا لا يلتفت إليه] المغني 4/ 86. وقال الإمام النووي: [أما مذهب عثمان البتي فحكاه المازري والقاضي ولم يحكه الأكثرون بل نقلوا الإجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه, قالوا: وإنما الخلاف فيما سواه فهو شاذ متروك والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم4/ 130. وقال الإمام الشوكاني: [وروي عن عثمان البتي أنه يجوز بيع كل شيء قبل قبضه والأحاديث ترد عليه فإن النهي يقتضي التحريم بحقيقته ويدل على الفساد المرادف للبطلان كما تقرر في الأصول] نيل الأوطار 5/ 179. وهنا أنبه على قضية هامة وهي إن بعض الناس يتعلق بالأقوال الشاذة ليبرر أقواله وأعماله فهذا طريق باطل، فليس كل قول قاله عالم، صحيح، وليس كل ما قاله فقيه من فقهائنا، مسلَّمٌ به وصحيح، إلا قولاً له حظٌ من الأثر أو النظر فلا يصح الأخذ بشواذ الأقوال وقديماً قال الإمام مالك يرحمه الله: [كلٌ يؤخذ من كلامه ويترك، إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]. وخلاصة الأمر أن العقد الثاني المذكور في السؤال باطل لأن المشتري الأول باع الدجاج قبل أن يقبضه. حكم تبرع المضارب بضمان رأس المال يقول السائل: إنه اتفق مع شخص ليتاجر له بماله والمتوقع بإذن الله تعالى أن تكون التجارة رابحة واحتمالات الخسارة ضئيلة جداً ولكن صاحب

المال يخشى أن تخسر التجارة فهل يجوز أن أتبرع له بما يخسره إن حصلت الخسارة أفيدونا؟ الجواب: الاتفاق المشار إليه في السؤال يسمى عند الفقهاء عقد المضاربة ويسمى أيضاً القراض، والمضاربة هي أن يدفع شخص مبلغاً من المال لآخر ليتجر فيه، والربح مشترك بينهما على حسب ما يتفقان - أي يكون المال من شخص والعمل من شخص آخر. والمضاربة جائزة شرعاً باتفاق الفقهاء وقامت الأدلة العامة على مشروعيتها من كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو المأثور عن الصحابة والتابعين فقد كانوا يتعاملون بها من غير نكير فهذا بمثابة الإجماع على جوازها. انظر الشركات للخياط 2/ 53. قال الإمام الماوردي: [والأصل في إحلال القراض وإباحته عموم قول الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} سورة البقرة الآية 198، وفي القراض ابتغاء فضل وطلب نماء] الحاوي الكبير 7/ 305. وجاء عن حكيم بن حزام صاحب رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي) رواه البيهقي والدارقطني وقوى الحافظ إسناده كما ذكر الشوكاني في نيل الأوطار 5/ 300. وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: (خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما فقالا: وددنا ذلك ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهم المال فلما قدما باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أَكُلَّ الجيشِ أَسْلَفَهُ مثل ما أَسْلَفَكُما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما

أديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه فقال عمر: أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً فقال عمر: قد جعلته قراضاً فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال) ورواه الدارقطني أيضاً، قال الحافظ ابن حجر وإسناده صحيح، نيل الأوطار 5/ 300، وانظر الاستذكار 21/ 120. وقد وردت آثار أخرى عن الصحابة كعلي وابن مسعود وابن عباس وجابر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، قال الشوكاني: [فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير إجماعاً منهم على الجواز] نيل الأوطار 5/ 300 - 301. إذا تقرر هذا فإن الفقهاء متفقون على أن يد المضارب يد أمانة وبناءً على ذلك قرر الفقهاء أنه لا يجوز أن يضمن المضارب رأس المال إلا إذا تعدى أو قصر فحينئذ يكون ضامناً. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نُهي عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ... ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب ... ] المغني 5/ 39. وأما إذا حصلت خسارة بدون تعدٍ أو تقصير من المضارب فلا شيء عليه ولا يجوز شرعاً تضمينه رأس المال ويكون المضارب قد خسر جهده وتعبه. وإن شرط في عقد المضاربة أن ضمان رأس المال على المضارب فالعقد فاسد لا يصح قال ابن رشد المالكي عند حديثه عن الشروط الفاسدة في القراض (المضاربة): [ومنها إذا شرط رب المال الضمان على العامل،

فقال مالك: لا يجوز القراض وهو فاسد، وبه قال الشافعي ... وعمدة مالك أن اشتراط الضمان زيادة غرر في القراض ففسد ... ] بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/ 199. وانظر المغني 5/ 53. وقرر مجمع الفقه الإسلامي ذلك كما ورد في القرار رقم 5 من الدورة الرابعة: [لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمناً بَطَلَ شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل]. وبعد هذا العرض الموجز لمسألة ضمان المضارب أعود لقضية تبرع المضارب بتحمل الخسارة فأقول: إذا تبرع المضارب بتحمل الخسارة بدون أن يكون هذا شرطاً مكتوباً أو ملحوظاً عند الاتفاق فلا أرى مانعاً من جوازه فإذا تم العقد مع خلوه من شرط ضمان رأس المال ملفوظاً أو ملحوظاً واشتغل المضارب بالمال وعند تصفية الشركة تبين حصول خسارة فتبرع المضارب بتحملها فالقول بجواز ذلك له وجه، لأن هذا التبرع تمَّ بدون إلزام أو شرط مسبق والمفسد لعقد المضاربة عند الفقهاء أن يشترط على المضارب ضمان رأس المال عند العقد وهنا لم يشرط ذلك عند العقد وإنما تبرع هو بالضمان بعد أن تحققت الخسارة فلا مانع منه وقال بجواز ذلك جماعة من فقهاء المالكية. انظر المضاربة الشرعية ص 127، فتاوى المستشار الشرعي لمجموعة البركة الجزء 2 الفتوى رقم 107. وهذا القول أخذت به بعض المؤسسات المالية التي تتعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية فقد جاء في فتاوى المستشار الشرعي لمجموعة البركة ج1 فتوى رقم 44: [ ... على أنه لا مانع من أن تكون هناك مبادرة من العميل بتحمل ما قد يقع من خسارة في حينها - لا عند التعاقد لأن ذلك من قبيل الهبة والتصرف من صاحب الحق في حقه, دون تغيير لمقتضى العقد شرعاً. فحين وقوع الخسارة دون تعدٍ أو تقصيرٍ يطبق المبدأ الشرعي بتحميلها لرب المال (البنك هنا) إلا أن يبادر العميل لتحملها ودون مقاضاته أو إلزامه, لأنه

قد يقدم على هذه المبادرة انسجاماً مع اعتبار نفسه مقصراً في الواقع ولو لم تستكمل صورة التقصير في الظاهر بما يحيل الضمان عليه. والقاعدة الشرعية أن المرء بسبيل من التصرف في ماله]. وينبغي أن يعلم أن مجمع الفقه الإسلامي أجاز ضمان رأس مال المضاربة من طرف ثالث عل سبيل التبرع كما ورد في القرار رقم 5 من الدورة الرابعة: [ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطاً في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به، بحجة أنَّ هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد]. وخلاصة الأمر أن الأصل في عقد المضاربة أنه لا يجوز ضمان رأس مال المضاربة من المضارب إلا إذا تعدى أو قصر ويجوز أن يتبرع المضارب بضمان ما يلحق صاحب المال من خسارة عند وقوعها فعلاً وليس عند انعقاد العقد على أن لا يكون التبرع بتحمل الخسارة شرطاً ملفوظاً أو ملحوظاً عند العقد. يحرم شراء بيت السكن بالربا يقول السائل: أريد أن أشتري بيتاً لأسكن فيه أنا وعائلتي ولا يوجد مجال أمامي للحصول على البيت سوى الاقتراض بالفائدة وأنا مضطر للجوء للبنك الربوي فما حكم ذلك؟ الجواب: إن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله

سبحانه وتعالى وفي سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. وثبت في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية] رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد 4/ 117. وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 29. وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر هذا فإن بعض المشايخ يتساهلون تساهلاً كبيراً في الإفتاء بجواز الربا بحجج هي أوهى من بيت العنكبوت متكئين على أن الضرورات تبيح المحظورات فتراهم يفتون بجواز الاقتراض بالفائدة لشراء مسكن

وبعضهم يفتي بجواز الاقتراض بالفائدة من أجل الزواج وغير ذلك من الفتاوى العرجاء التي لا تستند على دليل صحيح فضلاً عن مصادمتها للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحرمة للربا تحريماً قطعياً. واستناداً لهذه النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرر العلماء أن الإقراض بالرِّبا محرَّم لا تبيحه ضرورة ولا حاجة، والاقتراض بالرِّبا محرَّم كذلك لا تبيحه الحاجيات، ولا يجوز إلا في حالة الضرورة. ولكن ما هي الضرورة التي تجيز الاقتراض بالربا؟ وهل شراء المسكن داخل في مفهوم الضرورة؟ يقول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} سورة الأنعام الآية 119. ويقول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة البقرة الآية 173. وتأصيلاً على هذه النصوص وغيرها قال العلماء: [الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع] نظرية الضرورة الشرعية ص 67 - 68. وبناءً على ما سبق فإن الضرورة التي تجيز التعامل بالربا هي بلوغ الانسان حداً إن لم يتعامل بالربا المحرم هلك أو قارب على الهلاك. وبالتأكيد فإن شراء المسكن ليس داخلاً في هذه الضرورة، صحيح أن المسكن من الحاجات التي لا غنى للإنسان عنها ولكن ليس شرطاً أن يكون المسكن ملكاً للساكن بل يمكن للإنسان أن يكون مستأجراً للمسكن لا مالكاً له. قال الشيخ المودودي: [لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا. فإن التبذير في مجالس الزواج ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية. وكذلك شراء السيارة أو بناء المنزل ليس

بضرورة حقيقية وكذلك ليس استجماع الكماليات أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضروري. فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. فإذا كانت الشريعة تسمح بإعطاء الربا في حالة من الاضطرار فإنما هي حالة قد يحل فيها الحرام كأن تعرض للإنسان نازلة لا بد له فيها من الاستقراض بالربا أو حلت به مصيبة في عرضه أو نفسه أو يكون يخاف خوفاً حقيقياً حدوث مشقة أو ضرر لا قبل له باحتمالها ففي مثل هذه الحالات يجوز للمسلم أن يستقرض بالربا ما دام لا يجد سبيلاً غيره للحصول على المال غير أنه يأثم بذلك جميع أولي الفضل والسعة من المسلمين الذين ما أخذوا بيد أخيهم في مثل هذه العاهة النازلة به حتى اضطروه لاستقراض المال بالربا. بل أقول فوق ذلك أن الأمة بأجمعها لا بد أن تذوق وبال هذا الإثم لأنها هي التي غفلت وتقاعست عن تنظيم أموال الزكاة والصدقات والأوقاف مما نتج عنه أن أصبح أفرادها لا يستندون إلى أحد ولم يبق لهم من بدّ من استجداء المرابين عند حاجاتهم. لا يجوز الاستقراض حتى عند الاضطرار إلا على قدر الحاجة ومن الواجب التخلص منه ما استطاع الإنسان إليه سبيلاً لأنه من الحرام له قطعاً أن يعطي قرشاً واحداً من الربا بعد ارتفاع حاجته وانتفاء اضطراره. أما: هل الحاجة شديدة أم لا؟ وإذا كانت فإلى أي حدّ؟ ... ومتى قد زالت؟ فكل هذا مما له علاقة بعقل الإنسان المبتلى بمثل هذه الحالة وشعوره بمقتضى الدين والمسؤولية الأخروية. فهو على قدر ما يكون متديناً يتقي الله ويرجو حساب الآخرة يكون معتصماً بعروة الحيطة والورع في هذا الباب] الربا ص 157 - 158. وجاء في الفتوى التي أصدرها المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية والذي عقد في القاهرة سنة 1965م ما يلي: أ. الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي، لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين. ب.

كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} صدق الله العظيم سورة آل عمران الآية130. جـ. الإقراض بالربا المحرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، لا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته]. وخلاصة الأمر أن الاقتراض بالربا من المحرمات القطعية الثابتة التي لا مجال للتلاعب بها ولا يباح الاقتراض بالربا إلا في حالة الضرورة وأن الضرورة تقدر بقدرها ولا يدخل تملك المسكن في ذلك ومن أفتى بجواز تملك المسكن بالاقتراض الربوي ففتواه باطلة ومردودة عليه ولا يجوز الأخذ بها شرعاً. الإقالة يقول السائل: إنه اشترى سيارة مستعملة ثم ندم على شرائها وطلب من البائع إرجاعها فرفض إرجاعها فما حكم ذلك؟ أفيدونا. الجواب: ما طلبه المشتري من البائع في السؤال يسمى عند أهل العلم الإقالة، والإقالة فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هي: رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِلْغَاءُ حُكْمِهِ وَآثَارِهِ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ. الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 324. والإقالة أمر مندوب إليه شرعاً ومرغب فيه وقد حث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن يقيل البائعُ المشتريَ إن ندم على الشراء لأي سبب من الأسباب، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أقال مسلماً أقاله الله عثرته يوم القيامة) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 182. وجاء في رواية أخرى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ, أَقَاله اللَّهُ عَثْرَتَهُ

يَوْمَ الْقِيَامَةِ) انظر إرواء الغليل 5/ 182. وجاء في رواية أخرى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أقال أخاه بيعاً أقاله الله عثرته يوم القيامة) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات كما قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 110. قال صاحب عون المعبود في شرح الحديث: [(من أقال مسلماً) أي بيعه (أقاله الله عثرته) أي غفر زلته وخطيئته. قال في إنجاح الحاجة: صورة إقالة البيع إذا اشترى أحدٌ شيئاً من رجل ثم ندم على اشترائه إما لظهور الغبن فيه أو لزوال حاجته إليه أو لانعدام الثمن فرد المبيع على البائع وقبل البائع رده أزال الله مشقته وعثرته يوم القيامة لأنه إحسان منه على المشتري, لأن البيع كان قد بت فلا يستطيع المشتري فسخه] عون المعبود 9/ 237. وروى الإمام مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنه سمعها تقول: ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعالجه وقام فيه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع له أو أن يقيله، فحلف أن لا يفعل فذهبت أم المشتري إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تألى -أي حلف- أن لا يفعل خيراً فسمع بذلك رب الحائط فأتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول الله هو له] الموطأ ص483. وينبغي أن يعلم أن عقد البيع إذا تم بصدور الإيجاب والقبول من المتعاقدين فهو عقد لازم والعقود اللازمة عند الفقهاء لا يملك أحد المتعاقدين فسخها إلا برضى الآخر إذا لم يكن بينهما خيار لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا] رواه البخاري ومسلم. ومع ذلك فقد اتفق أهل العلم على أن من آداب البيع والشراء الإقالة قال الإمام الغزالي عند ذكره الإحسان في المعاملة: [الخامس: أن يقيل من يستقيله فإنه لا يستقيل إلا متندم مستضر بالبيع ولا ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه، قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أقال نادماً صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة)] إحياء علوم الدين 2/ 83. وقال الحافظ المناوي: [(من أقال مسلماً) أي وافقه على نقض البيع

أو البيعة وأجابه إليه (أقال الله عثرته) أي رفعه من سقوطه يقال أقاله يقيله إقالة وتقاؤلاً إذا فسخا البيع وعاد المبيع إلى مالكه والثمن إلى المشتري إذا ندم أحدهما أو كلاهما وتكون الإقالة في البيعة والعهد، كذا في النهاية، قال ابن عبد السلام ... : إقالة النادم من الإحسان المأمور به في القرآن لما له من الغرض فيما ندم عليه سيما في بيع العقار وتمليك الجوار] فيض القدير شرح الجامع الصغير 6/ 103. ولا شك أن الإقالة من باب الإحسان والتراحم والتيسير على الناس والرفق بهم وتقديم العون لهم وإقالة عثراتهم وهي أمور مطلوبة من المسلم فقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) رواه البخاري. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه؛ من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته؛ ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) رواه مسلم. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) رواه مسلم. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كان فيمن كان قبلكم تاجر يداين الناس، فإن رأى معسراً

قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه) رواه البخاري. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اللهم من رفق بأمتي فارفق به، ومن شق عليهم فشق عليه) رواه أحمد ومسلم والنسائي. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف) رواه مسلم. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من يحرم الرفق يحرم الخير) رواه مسلم. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل) رواه مسلم. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) رواه الترمذي وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 180. وإنما ذكرت هذه الأحاديث لما غلب على التعامل بين الناس من طمع وغيبة للتراحم والإحسان لعلهم يتذكرون فيتراحمون. وأخيراً أنبه على أمرين أولهما: ما ورد في بعض ألفاظ أحاديث الإقالة من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ) فإن ذكر المسلم في الحديث ورد من باب التغليب وإلا فإقالة غير المسلم كإقالة المسلم قال الإمام الصنعاني: [وَأَمَّا كَوْنُ الْمُقَالِ مُسْلِمًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ , وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ حُكْماً أَغْلَبِيّاً وَإِلَّا فَثَوَابُ الْإِقَالَةِ ثَابِتٌ فِي إقَالَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ مَنْ أَقَالَ نَادِماً أَخْرَجَهُ الْبَزَّار] سبل السلام 3/ 796. والثاني: إن الْإِقَالَةُ َتَكُونُ وَاجِبَةً إذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدٍ مَكْرُوهٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ, لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِداً أَوْ مَكْرُوهاً وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْناً لَهُمَا عَنْ الْمَحْظُورِ, لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإمكان, وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ أَوْ بِالْفَسْخِ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْإِقَالَةُ وَاجِبَةً إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَارّاً لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيراً, وَإِنَّمَا

الظفر بالحق

قُيِّدَ الْغَبْنُ بِالْيَسِيرِ هُنَا, لِأَنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الرَّدَّ إنْ غَرَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ] الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 325. وخلاصة الأمر أن عقد البيع من العقود اللازمة التي لا تفسخ إلا باتفاق البائع والمشتري والإقالة مندوبة ومستحبة وهي من باب التراحم والإحسان في المعاملة. الظفر بالحق يقول السائل: لي دين على شخص وهذا الدين ثابت وقد مضى على الدين سنوات والمدين مقر به ولكنه مماطل ويرفض سداد الدين لأسباب غير مقبولة، وبينما كنت في السوق قابلني قريب للمدين وطلب مني توصيل مبلغ من المال له فهل يجوز لي شرعاً أن آخذ المبلغ المستحق لي عنده وأعطيه الباقي أفيدونا. الجواب: يجب أن يعلم أولاً أنه تحرم المماطلة على الغني القادر على سداد دينه وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، والغني مختلف في تعريفه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيراً] فتح الباري 5/ 371. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضاً: [وفي الحديث الزجر عن المطل، واختلف هل يُعَدُّ فعله عمداً كبيرة أم لا؟ فالجمهور على أن فاعله يفسَّق] فتح الباري 5/ 372. وكذلك ينبغي أن يعلم أن الأصل عند أهل العلم أن من كان له دين فماطله المدين فعليه أن يطالب بدينه عن طريق القضاء فإن تعذر ذلك كأن يكون حكم القضاء غير نافذ أو تطول مدة النظر في القضية عدة سنوات أو

غير ذلك من الأسباب فهل يجوز لصاحب الدين إن ظفر بمالٍ للمدين أن يستوفي حقه منه أم لا؟ هذه المسألة تسمى مسألة الظفر بالحق عند أهل العلم وهي محل خلاف بينهم وأرجح أقوال أهل العلم جواز ذلك وبه قال الحنفية والمالكية والشافعية وهو قول في مذهب الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال الشيخ ابن حزم الظاهري إن ذلك فرض وقد ذكر العلماء تفاصيل كثيرة تتعلق بالمسألة، انظر المغني 9/ 286 - 289، المحلى 6/ 490 - 494، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 30/ 371 - 375، سبل السلام 3/ 868 - 869، الموسوعة الفقهية الكويتية 29/ 156 - 166. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا كان لرجل على غيره حق, وهو مقر به باذل له لم يكن له أن يأخذ من ماله إلا ما يعطيه، بلا خلاف بين أهل العلم فإن أخذ من ماله شيئاً بغير إذنه لزمه رده إليه, وإن كان قدر حقه لأنه لا يجوز أن يملك عليه عيناً من أعيان ماله بغير اختياره لغير ضرورة, وإن كانت من جنس حقه لأنه قد يكون للإنسان غرض في العين وإن أتلفها أو تلفت فصارت ديناً في ذمته وكان الثابت في ذمته من جنس حقه تقاضياً, في قياس المذهب والمشهور من مذهب الشافعي وإن كان مانعاً له لأمر يبيح المنع كالتأجيل والإعسار, لم يجز أخذ شيء من ماله بغير خلاف وإن أخذ شيئاً, لزمه رده إن كان باقياً أو عوضه إن كان تالفاً ولا يحصل التقاضي ها هنا لأن الدين الذي له لا يستحق أخذه في الحال, بخلاف التي قبلها وإن كان مانعاً له بغير حق وقدر على استخلاصه بالحاكم أو السلطان لم يجز له الأخذ أيضا بغيره لأنه قدر على استيفاء حقه بمن يقوم مقامه, فأشبه ما لو قدر على استيفائه من وكيله] المغني 9/ 287. ومما يدل على جواز مسألة الظفر بالحق وأنه مشروع قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} سورة البقرة الآية 194. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَأَنْكَرَهُ وَامْتَنَعَ عَنْ بَذْلِهِ فَقَدْ اعْتَدَى, فَيَجُوزُ أَخْذُ الْحَقِّ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِغَيْرِ حُكْمِ الْقَضَاءِ, فَإِنَّ الشَّارِعَ قَدْ أَذِنَ بِذَلِكَ.

ويدل على ذلك قَوْلُ الرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا) رواه البخاري, وَإِنَّ أَخْذَ الْحَقِّ مِنْ الظَّالِمِ نَصْرٌ لَهُ. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 29/ 162 - 163. ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل عليَّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي عند ذكر ما يستفاد من الحديث: [ومنها: أن من له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه, وهذا مذهبنا ... ] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 373. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [واستدل به على أن من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه, وهو قول الشافعي وجماعة, وتسمى مسألة الظفر, والراجح عندهم لا يأخذ غير جنس حقه إلا إذا تعذر جنس حقه, وعن أبي حنيفة المنع, وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من غير جنس حقه إلا أحد النقدين بدل الآخر, وعن مالك ثلاث روايات كهذه الآراء, وعن أحمد المنع مطلقاً] فتح الباري 9/ 631. وقال الإمام ابن دقيق العيد: [نَعَمْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ بِالْحَقِّ, وَأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ, وَلَمْ يَدُلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ أَخْذِهَا مِنْ الْجِنْسِ, أَوْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. وَمَنْ يَسْتَدِلُّ بِالْإِطْلَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا: يَجْعَلُهُ حُجَّةً فِي الْجَمِيعِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ أَخْذُ الْحَقِّ مِنْ مَالِ مَنْ عَلَيْهِ عَلَى تَعَذُّرِ الْإِثْبَاتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ. وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ; لِأَنَّ هِنْدًا كَانَ يُمْكِنُهَا الرَّفْعُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْذُ الْحَقِّ بِحُكْمِهِ] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 2/ 270.

[وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الرجل يكون له على الرجل دين فيجحده، أو يغصبه شيئاً. ثم يصيب له مالاً من جنس ماله. فهل له أن يأخذ منه مقدار حقه؟ فأجاب: وأما إذا كان لرجل عند غيره حق من عين أو دين. فهل يأخذه أو نظيره، بغير إذنه؟ فهذا نوعان: أحدهما: أن يكون سبب الاستحقاق ظاهراً لا يحتاج إلى إثبات، مثل استحقاق المرأة النفقة على زوجها، واستحقاق الولد أن ينفق عليه والده، واستحقاق الضيف الضيافة على من نزل به، فهنا له أن يأخذ بدون إذن من عليه الحق بلا ريب؛ كما ثبت في الصحيحين أن هند بنت عتبة ... وكذلك لو كان له دين عند الحاكم وهو يمطله، فأخذ من ماله بقدره، ونحو ذلك] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 30/ 371 - 372. واحتج الشيخ ابن حزم على فرضية أخذ الحق بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة والآثار منها: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} سورة النحل الآية 126. وقَوْله تَعَالَى: {وَلَمَنْ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} سورة الشورى الآيتان 41 - 42. وقَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ إذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} سورة الشورى الآية 39. وقَوْله تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} سورة البقرة الآية 194. وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}. سورة البقرة الآية 194. وقَوْله تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} سورة الشعراء الآية 227 ... (ومنها قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغُرَمَاءِ الَّذِي أُصِيبَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ) وَهَذَا إطْلَاقٌ مِنْهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى مَا وَجَدَ لِلَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ ... عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ [قَالَ: قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلَ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَا, فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ

حكم التصرف في المال الموقوف للمسجد

أَبِي طَالِبٍ, وَابْنِ سِيرِينَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ ... عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إنْ أَخَذَ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَه ... عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا تَخُنْ مَنْ خَانَك, فَإِنْ أَخَذْت مِنْهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْك فَلَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ حَيْثُ وَجَدْت مَتَاعَك فَخُذْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى, فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} فَمَنْ ظَفَرَ بِمِثْلِ مَا ظُلِمَ فِيهِ هُوَ, أَوْ مُسْلِمٌ, أَوْ ذِمِّيٌّ, فَلَمْ يُزِلْهُ عَنْ يَدِ الظَّالِمِ وَيَرُدَّ إلَى الْمَظْلُومِ حَقَّهُ فَهُوَ أَحَدُ الظَّالِمِينَ, لَمْ يُعِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى بَلْ أَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ, هَذَا أَمْرٌ يُعْلَمُ ضَرُورَةً. وَكَذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ) فَمَنْ قَدَرَ عَلَى كَفِّ الظُّلْمِ وَقَطْعِهِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ قَدَرَ عَلَى إنْكَارِ الْمُنْكَرِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَخَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ بِلَا خِلَافٍ, وَالدَّلَائِلُ عَلَى هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا] المحلى 6/ 491 - 492. والمسألة فيها كلام كثير لأهل العلم. وخلاصة الأمر أنه يجوز شرعاً استيفاء الدين من مال المدين بدون إذنه وعلى الدائن أن يخبر المدين بأنه استوفى حقه منه ويعيد له بقية المبلغ. حكم التصرف في المال الموقوف للمسجد يقول السائل: جمعنا مبالغ من المال لإعمار مسجد الحي وقد زادت الأموال عن حاجة المسجد فقامت اللجنة المشرفة على إعمار المسجد بوضع المبلغ الزائد أمانة عند أحد التجار الثقات وتركت له حرية استثماره لنفسه على أن للمسجد المبلغ الأصلي الذي وضع عنده فما حكم ذلك؟ الجواب: إن المال الذي تم جمعه لإعمار المسجد هو مال موقوف

على المسجد المذكور ولا يجوز شرعاً التصرف في المال الموقوف إلا حسب ما وقف له وما حصل من لجنة إعمار المسجد من إعطاء الإذن للتاجر بأن يستثمر مال المسجد لنفسه تصرف باطل شرعاً واللجنة المذكورة لا تملك هذا التصرف بحال من الأحوال وعلى التاجر أن يضيف ما تحقق من ربح من تشغيل مال المسجد إلى أصل المال ولا يحل له أن يأخذ منه شيئاً حيث إن المال الموقوف على المسجد يعتبر في حكم المال العام ولا يجوز لشخص أن ينتفع بالمال العام انتفاعاً شخصياً، فبأي حق ينتفع هذا التاجر من مال المسجد؟ ولا شك لدي أن هذا العمل يعتبر من أكل المال بالباطل ويدخل أيضاً في باب الغلول يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى: (وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة) رواه مسلم. وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: [قوله (يتخوضون في مال الله بغير حق) أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل] فتح الباري 6/ 263. وروى الإمام البخاري بسنده عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: (استعمل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا مالكم وهذا أهدي إليَّ. فقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لك

وهذا لي؟ فهلَّا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ... ). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قام فينا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الغلول فعظَّمه وعظَّم أمره قال: لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس له حمحمة، يقول يا رسول الله أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك وعلى رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك وعلى رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك أو على رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله: (ذكر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغلول فعظمه وعظم أمره) هذا تصريح بغلظ تحريم الغلول وأصل الغلول: الخيانة مطلقاً, ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة, قال نفطويه: سمى بذلك لأن الأيدي مغلولة عنه, أي محبوسة, يقال: غلَّ غلولاً وأغل إغلالاً. قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا أُلفِين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء) هكذا ضبطناه (ألفين) بضم الهمزة وبالفاء المكسورة, أي: لا أجدن أحدكم على هذه الصفة, ومعناه: لا تعملوا عملاً أجدكم بسببه على هذه الصفة, ... و (الرغاء) بالمد صوت البعير, وكذا المذكورات بعد وصف كل شيء بصوته. والصامت: الذهب والفضة. قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا أملك لك من الله شيئاً) قال القاضي: معناه من المغفرة والشفاعة إلا بإذن الله تعالى, قال: ويكون ذلك أولاً غضباً عليه لمخالفته, ثم يشفع في جميع الموحدين بعد ذلك كما سبق في كتاب الإيمان في شفاعات النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... وأجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول, وأنه من الكبائر, وأجمعوا على أن عليه رد ما غله] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 532. ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن بعض أهل العلم: [أن هذا الحديث يفسر قوله عز وجل: {يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي يأت به حاملاً له

على رقبته، ثم قال: ولا يقال إن بعض ما يسرق من النقد أخف من البعير مثلاً والبعير أرخص ثمناً فكيف يعاقب الأخف جناية بالأثقل وعكسه؟ لأن الجواب أن المراد بالعقوبة بذلك فضيحة الحامل على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم لا بالثقل والخفة] فتح الباري 6/ 224. ويضاف إلى ما سبق أن لجنة إعمار المسجد لا تملك أن تهب التاجر المذكور حق استثمار مال المسجد لمنفعته الشخصية، فمال الوقف لا تجوز هبته لأي كان وقد جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (أصاب عمر رضي الله عنه أرضاً بخيبر فأتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منها فما تأمرني به، قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، قال فتصدق بها عمر، إنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يورث ولا يوهب) رواه البخاري ومسلم. وقال الشيخ زكريا الأنصاري: [ليس للناظر أخذ شيء من مال الوقف على وجه الضمان، فإن فعل ضمنه، ولا يجوز له إدخال ما ضمنه فيه أي في مال الوقف، إذ ليس له استيفاؤه من نفسه لغيره] أسنى المطالب في شرح روض الطالب. وإذا كان العلماء قد نصوا على أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ شيئاً مما هو موقوف على المسجد كالمصاحف والكتب والسجاد والحصير وغير ذلك من الأشياء لينتفع بها انتفاعاً شخصياً فهذه الأشياء الموقوفة يكون الانتفاع بها داخل المسجد فقط ولا يجوز لأحد أن يأخذ شيئاً لنفسه منها وإن أذن بذلك إمام المسجد أو مؤذنه لأنهما يتصرفان فيما لا يملكان فالمصاحف والكتب الموقوفة على المسجد لا يملك أحد أن يبطل وقفيتها على المسجد ويحولها إلى ملكية خاصة لبعض المصلين. وقد نص العلماء على تحريم مثل هذه التصرفات، قال الإمام النووي: [لا يجوز أخذ شيء من أجزاء المسجد كحجر وحصاة وتراب وغيره ... وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال بعض الرواة أراه رفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الحصاة لتناشد الذي

مسائل في التعامل بالشيكات

يخرجها من المسجد) المجموع 2/ 179. وقال الزركشي: [يحرم إخراج الحصى والحجر والتراب من أجزاء المسجد منه ... ومثله الزيت والشمع] إعلام الساجد بأحكام المساجد ص 239. ثم ذكر الحديث الذي ذكره الإمام النووي في كلامه السابق، وهذا الحديث قال عنه المنذري: [رواه أبو داود بإسناد جيد، وذكر أن الدارقطني رجح وقفه على أبي هريرة. الترغيب والترهيب 1/ 279. والحديث يدل على منع إخراج الحصى من المسجد وقد كان المسجد في العهد النبوي مفروشاً بالحصى فإذا كان لا يجوز إخراج الحصى من المسجد لينتفع به انتفاعاً شخصياً فمن باب أولى أن لا ينتفع بمال المسجد انتفاعاً شخصياً. وكذلك فإن الفقهاء قد جعلوا المال العام بمنزلة مال اليتيم في وجوب المحافظة عليه وشدة تحريم الأخذ منه فهل يملك ولي اليتيم أن يعطي تاجراً شيئاً من مال اليتيم ليستثمره لنفسه. إنه لا يملك ذلك بالتأكيد. وخلاصة الأمر أن ما قامت به لجنة إعمار المسجد من الإذن للتاجر باستثمار مال المسجد لمنفعته الشخصية عمل باطل شرعاً لأنها لا تملك هذا التصرف ويجب إضافة ما تحقق من ربح لأصل المال. مسائل في التعامل بالشيكات يقول السائل: عندي ثلاثة أسئلة تتعلق بالتعامل بالشيكات أرجو الجواب عنها وهي: أ- لدي شيكات مؤجلة قيمتها سبعة وثمانون ألف شيكل وأريد بيعها لصراف بستة وسبعين ألف شيكل فما حكم ذلك؟ وهل يجوز بيع الشيكات التي فات تاريخ تحصيلها بأقل من المبلغ المرقوم فيها؟ ب - ما حكم شراء ذهب للعرس بشيكات مؤجلة؟ ج - لدي شيك مؤجل بالدولار فعرضته على صراف فأعطاني قيمة

الشيك بالشيكل ولكنه حسب الدولار بأقل من سعر صرفه الآن مقابل الشيكل فما حكم ذلك؟ الجواب: التعامل بالشيكات من الأمور الجائزة شرعاً ضمن الضوابط الشرعية لذلك ومن أهم هذه الضوابط أنه لا يجوز بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها لأن ذلك من الربا المحرم حيث إن بيع الشيك المؤجل بأقل من قيمته هو في الحقيقة بيع دين بنقد مع التفاضل وعدم التقابض في المجلس وهذا ربا النسيئة المحرم بالنصوص الشرعية وقد انعقد الإجماع على ذلك فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه البخاري ومسلم. وقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من المتعاقدين في مجلس العقد قبل افتراقهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد] المغني4/ 41. وأما بيع الشيكات التي قد مضى تاريخ استحقاقها ولم يستطع الشخص تحصيلها فيبيعها بأقل من المبلغ المرقوم فيها بكثير فهذا أمر محرم شرعاً وهو باب من أبواب الربا لما سبق من وجوب التقابض في مجلس العقد. وتحرم المعاملة السابقة أيضاً لما فيها من الغرر نظراً للجهالة في تحصيل قيمتها من مصدرها فالمشتري لهذه الشيكات المؤجلة قد يحصلها ممن أصدرها وقد لا يحصلها. ويمكن الاستعاضة عن بيع هذه الشيكات بأقل من قيمتها بأن تجعل أيها السائل مبلغاً من المال لمن يحصل لك تلك الشيكات المؤجلة على أن تدفع له المبلغ المتفق عليه بعد أن يقوم بتحصيلها وهذا ما يسمى الجعالة عند الفقهاء وهي تسمية مال معلوم لمن يعمل للجاعل عملاً مباحاً انظر الموسوعة الفقهية 15/ 208. وقد قال جمهور أهل العلم بصحة عقد الجعالة ويدل على جوازها

قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} سورة يوسف الآية72. ويدل على جوازها أيضاً ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (انطلق نفر من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلُدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط! الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما أنشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبَة، فقال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكروا له ذلك، فقال: وما يدريك أنها رقية؟، ثم قال: قد أصبتم، اقتسموا، واضربوا لي معكم سهماً) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأدلة. ولا بد من التنبيه على أن من شروط صحة الجعالة أن العامل لا يستحق شيئاً إلا بعد إنجاز العمل المتفق عليه. الموسوعة الفقهية 15/ 209. وأما جواب السؤال الثاني فأقول: إن شراء الذهب بالشيكات يعتبر من باب الصرف عند الفقهاء لأن الذهب يعتبر الأصل في العملات كما أن الأصل في عقد الصرف هو تقابض البدلين في مجلس العقد ويحرم تأجيل أحدهما لما سبق في الحديث (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلاًُ بمثل، يداً بيد ... ) ومن المعلوم أن الشيكات تقوم مقام النقد. وبناءً على ما تقدم فإنه يجوز بيع وشراء الذهب بأنواعه وأشكاله المختلفة بالشيكات بشرط أن تكون الشيكات حالة أي يستطيع الصائغ (البائع) صرفها فوراً وبشرط أن يتم استلام الذهب والشيك في مجلس العقد

وأما إذا كانت الشيكات مؤجلة أي كتب عليها تاريخ متأخر عن تاريخ شراء الذهب ولو بيوم واحد فهذه المعاملة محرمة لأنها أخلت بشرط التقابض في مجلس العقد. وهنا ينبغي التذكير بأن مذهب جماهير أهل العلم أنه لا يجوز بيع حلي الذهب والفضة نسيئة أي مع تأخير قبض الثمن أو بالدَّين كما يقول عامة الناس بل لابد من البيع نقداً مع التقابض في مجلس العقد وقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض -أي لا تزيدوا- ولا تبيعوا الوَرِق -الفضة- بالوَرِق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء)، قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك وسواء الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه] شرح النووي على مسلم 4/ 195. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: (والجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل وهذا قول أكثر أهل العلم) المغني 4/ 8. وأما إجابة السؤال الثالث فأقول إن ما قام به الصراف يعد نوعاً من التحايل على الربا المحرم شرعاً فإن بيع الشيك بعملة أخرى هو من باب الصرف ويشترط فيه التقابض في المجلس كما سبق وعليه فلا يجوز شرعاً بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها سواء كان ذلك بنفس العملة المذكورة في الشيك أو بغيرها من العملات وسواء كان ذلك بقيمتها أو بأقل من قيمتها. وخلاصة الأمر أنه يحرم بيع الشيكات المؤجلة بأقل من قيمتها كما يحرم شراء حلي الذهب والفضة بالشيكات المؤجلة ويحرم صرف الشيكات

هل البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل؟

المؤجلة بعملة غير المذكورة في الشيك سواء كان ذلك بقيمتها أو بأقل من قيمتها. هل البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل؟ يقول السائل: ما حكم عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) التي يكتبها بعض التجار على لوحة ويعلقونها في مكان بارز من متاجرهم أفيدونا؟ الجواب: هذه العبارة ليست صحيحة على إطلاقها بل في حكمها التفصيل التالي: أولاً: تكون عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) صحيحة فيما إذا وقع البيع خالياً من الخيار ومن العيوب فمن المعلوم أن عقد البيع إذا تم بصدور الإيجاب والقبول من المتعاقدين فهو عقد صحيح لازم والعقود اللازمة عند الفقهاء لا يملك أحد المتعاقدين فسخها إلا برضى الآخر إذا لم يكن بينهما خيار لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا) رواه البخاري ومسلم. فإذا اشترى شخص سلعة ولم تكن معيبة ثم ذهب إلى بيته فبدا له أن يرجع السلعة للبائع فلا يملك المشتري ذلك إلا إذا وافق البائع وهذا ما يسمى بالإقالة والإقالة أمر مندوب إليه شرعاً ومرغب فيه وقد حث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن يقيل البائع المشتري إن ندم على الشراء لأي سبب من الأسباب فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أقال مسلماً أقاله الله عثرته يوم القيامة) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وفي رواية أخرى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ أَقَالَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ صَفْقَةً كَرِهَهَا, أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، ولكن إن أبى البائع أن يقيل المشتري بيعته فله ذلك وفي هذه الحالة تكون عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) صحيحة ولكن رد السلعة وإقالة المشترى أولى وفيه الأجر والثواب.

ثانياً: تكون عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) باطلة إذا اشترى شخص سلعة ولما رجع إلى بيته مثلاً وجد فيها عيباً فله كل الحق في رد السلعة وإن شرط البائع عليه أن (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) فمثلاً لو اشترى سلعة غذائية ولدى عودته إلى منزله وجدها منتهية الصلاحية أو وجدها تالفة فمن حقه أن يعود للمحل الذي اشترى السلعة منه لردها واستبدالها بسلعة غذائية صالحة وسليمة وغير منتهية الصلاحية. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [أنه متى علم بالمبيع عيباً لم يكن عالماً به فله الخيار بين الإمساك والفسخ سواء كان البائع علم العيب وكتمه أو لم يعلم، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافاً وإثبات النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعيب ولأن مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب] المغني 4/ 109. وحديث التصرية الذي أشار إليه هو ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاع تمر) والتصرية هي حبس الحليب في الضرع لخداع المشتري وتعد التصرية عيباً عند الفقهاء وقد أثبت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخيار برد المصراة وجعله حقاً للمشتري. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ولهذا أثبت الشارع الخيار لمن لم يعلم بالعيب أو التدليس؛ فإن الأصل في البيع الصحة وأن يكون الباطن كالظاهر. فإذا اشترى على ذلك فما عرف رضاه إلا بذلك فإذا تبين أن في السلعة غشاً أو عيباً فهو كما لو وصفها بصفة وتبينت بخلافها فقد يرضى وقد لا يرضى فإن رضي وإلا فسخ البيع. وفى الصحيحين عن حكيم بن حزام عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)] مجموع الفتاوى 28/ 104. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية [ما حكم الشرع في كتابة عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) التي يكتبها بعض أصحاب

سرقة الأدوية والتلاعب بها

المحلات التجارية على الفواتير الصادرة عنهم وهل هذا الشرط جائز شرعاً وما هي نصيحة سماحتكم حول هذا الموضوع. الجواب: وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن بيع السلعة بشرط ألا ترد ولا تستبدل لا يجوز لأنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعمية ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة واشتراطه هذا لا يُبرئه من العيوب الموجودة في السلعة لأنها إذا كانت معيبة فله استبدالها ببضاعة غير معيبة أو أخذ المشتري أرش العيب. ولأن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب أخذ بغير حق. ولأن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي وذلك للسلامة من العيب حتى يسوغ له الرد بوجود العيب تنزيلاً لاشتراط سلامة المبيع عرفاً منزلة اشتراطها لفظاً]. فهذه الفتوى فيما أرى محمولة على الحالة الثانية من الحالتين اللتين ذكرتهما أي إلغاء خيار الرد بالعيب والعلماء متفقون على أن المشتري إذا وجد عيباً فيما اشتراه كان له حق الرد وإن لم يكن البائع يعلم مسبقاً بالعيب. وخلاصة الأمر أن عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) تكون صحيحة إذا وقع البيع خالياً من الخيار ومن العيوب وتكون باطلة إذا وجد المشتري في البضاعة عيباً فله ردها وأخذ بضاعة سليمة بدلاً منها. سرقة الأدوية والتلاعب بها يقول السائل: إنه صيدلاني وقد ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة سلبية جداً وهي أن بعض الأطباء وبعض الصيادلة وبعض العاملين في المجالات الصحية الحكومية يقومون بسرقة الأدوية على النحو الآتي: أولاً: يقوم الطبيب بوصف أدوية لا يحتاج إليها المريض من حيث

النوعية والكمية وبدون علم المريض، وتجيير هذه الأدوية للصيدلية المتعاملة بالمسروقات، فتباع بسعر أقل من سعر التكلفة لدواء مشترى بشكل رسمي ومدوّن عليه التسعيرة (لاصق النقابة). ثانياً: يقوم الصيدلاني بتغيير كمية الأدوية المكتوبة في الوصفة بطرق غير مكشوفة، كأن يكون مكتوب في الوصفة علبة واحدة فيغير الصيدلي الرقم إلى علبتين ويأخذ العلبة الأخرى له. وكثيراً ما يكون من المسروقات أدوية يلزم حفظها بالثلاجة وبالتالي تصل للمستهلك تالفة. وقد حدثت أخطاء بسبب هذه السرقة ومن الأمثلة عليها أن الأنسولين يحفظ في الثلاجة، حيث قام الصيدلاني بسرقته ووضعه في جيبه لمدة من الزمن مما أدى إلى خراب الأنسولين قبل إعادته إلى الثلاجة فعندما اشترى المريض الأنسولين واستخدمه لابنته، حدث أن أصيبت البنت بالإغماء فذهبت للمستشفى فتبين أنها لم تأخذ جرعات الأنسولين الصحيحة. أرجو من فضيلتكم بيان هذه القضية للناس لأنها تمس المجتمع بشكل أساسي. الجواب: إن كثيراً من الناس يتساهلون في الأموال العامة التي تكون تحت تصرفهم وأقصد أموال الوزارات وأموال المؤسسات العامة حكومية كانت أو غير حكومية فترى بعض المسئولين كباراً كانونا أم صغاراً يعتبرون أن المؤسسة أو المكتب الذي يعملون فيه يعتبرونه وكأنه مزرعتهم الشخصية فالواحد منهم حر التصرف فيها كما يشاء أضف إلى ذلك خيانة الأمانة واستغلال المنصب للأمور الشخصية وأمثال هؤلاء الموظفين الذين خانوا الأمانة يتجاهلون أن أعمالهم هذه ستكون وبالاً عليهم في الآخرة، فالأصل في الموظف أنه أجير والأجير لا بد أن يكون أميناً ويدخل في الأمانة حسن أداء العمل والأمانة في استخدام المال العام والمحافظة عليه. قال الله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}. سورة القصص الآية 26. ويقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} النساء الآية 58. ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} سورة المؤمنون الآية8.

وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: (يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) رواه مسلم. وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حرمة الخوض في الأموال العامة، قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} سورة البقرة 188، وقال أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى: (وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل) أو كما قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة) رواه مسلم. وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: [قوله (يتخوضون في مال الله بغير حق) أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل] فتح الباري 6/ 263. إذا تقرر هذا فأعود لما ورد في السؤال فأقول: إن الطبيب إذا وصف أدوية للمريض زائدة عن الحاجة الحقيقية للمريض فهذه خيانة للأمانة وهي محرمة شرعاً وأذكر هذا الطبيب وأمثاله بالقسم الذي أقسمه عندما تخرج من كلية الطب [أُقْسِمُ باللهِ العَظِيمْ أن أراقبَ الله في مِهنَتِي. وأن أصُونَ حياة الإنسان في كافّةِ أدوَارهَا. في كل الظروف والأحَوال بَاذِلاً وسْعِي في استنقاذها مِن الهَلاكِ والمرَضِ والألَم والقَلق. وأن أَحفَظ لِلنّاسِ كَرَامَتهُم،

وأسْتر عَوْرَتهُم، وأكتمَ سِرَّهُمْ. وأن أكونَ عَلى الدوَام من وسائِل رحمة الله، باذلا رِعَايََتي الطبية للقريب والبعيد، للصالح والخاطئ، والصديق والعدو. وأن أثابر على طلب العلم، أُسَخِره لنفعِ الإنسَان ... لا لأذَاه. وأن أُوَقّرَ مَن عَلَّمَني، وأُعَلّمَ مَن يَصْغرُني، وأكون أخاً لِكُلِّ زَميلٍ في المِهنَةِ الطِبّيّة مُتعَاونِينَ عَلى البرِّ والتقوى. وأن تكون حياتي مِصْدَاق إيمَاني في سِرّي وَعَلانيَتي، نَقيّةً مِمّا يُشينهَا تجَاهَ الله وَرَسُولِهِ وَالمؤمِنين. والله على ما أقول شهيد] إن هذا القسم يجب شرعاً الوفاء به وليتذكر الطبيب وأمثاله أنه سيحاسب على كل ما قدمت يداه. وإذا كان الطبيب متفقاً مع المريض ومع الصيدلي فهذه سرقة وهي محرمة أيضاً. وإذا قام الصيدلي بتغيير كمية الدواء المكتوبة في الوصفة الطبية فهذا تزوير وهو محرم أيضاً قال الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} سورة الحج الآية 30. بل إن التزوير من أكبر كبائر الذنوب فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سئل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكبائر فقال: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وضابط الزور وصف الشيء على خلاف ما هو , وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل; وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها] فتح الباري 10/ 506 وإذا ترتب ضرر للمريض فتزداد جرائم هؤلاء المشاركين بهذه المعاصي المركبة وليتذكر هؤلاء وخاصة الطبيب أن المريض حينما يأتي للعلاج فإنه قد وثق بالطبيب واستأمنه على نفسه فعلى الطبيب أن يحفظ

الأمانة ولا يخونها فلا يقبل أن يكون الطبيب سبباً في زيادة المرض بدل أن يكون سبباً في شفائه. وخلاصة الأمر أن سرقة الأدوية والتلاعب بها من الأمور المحرمة شرعاً وإذا ترتب ضرر للمريض بسبب ذلك فكل من يشارك في هذه اللصوصية فهو آثم وضامن.

الأسرة والمجتمع

الأسرة والمجتمع

تلقيح صناعي محرم

تلقيح صناعي محرم يقول السائل: قام زوجان بعملية تلقيح صناعي لأسباب تتعلق بعدم قدرة الزوجة على الحمل وتمّت زراعة البويضة الملقحة في رحم امرأة أخرى وعمر الجنين الآن خمسة أشهر وقد علما أن هذا العملية حرام شرعاً فما العمل؟ وهل يجوز إجهاض الجنين وإن لم يجهض فلمن ينسب المولود؟ أفيدونا. الجواب: هذه المسألة من نتائج الحضارة الغربية غير الأخلاقية وتسمى مسألة تأجير الأرحام واتفق فقهاء العصر على تحريمها إلا من شذ فرأى جوازها قياساً على الرضاع أو غير ذلك من الشبهات الزائفة وقد بحثت هذه المسألة من المجامع العلمية والفقهية المعتبرة وكذا بحثها عدد كبير من العلماء المعاصرين وصدرت قرارات وفتاوى عديدة بتحريمها فمن ذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حيث جاء في قراره ما يلي: بعد استعراضه لموضوع التلقيح الصناعي (أطفال الأنابيب) وذلك بالاطلاع على البحوث المقدمة والاستماع لشرح الخبراء والأطباء وبعد التداول تبين للمجلس: أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه الأيام هي سبع:

الأولى: أن يجري تلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبويضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته. الثانية: أن يجري التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبويضة الزوجة ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم الزوجة. الثالثة: أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها. الرابعة: أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبويضة امرأة أجنبية وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة. الخامسة: أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى. السادسة: أن تؤخذ نطفة من زوج وبويضة من زوجته ويتم التلقيح خارجياً ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة. السابعة: أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحاً داخلياً. وقرر: أن الطرق الخمسة الأولى كلها محرمة شرعاً وممنوعة منعاً باتاً لذاتها أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة وغير ذلك من المحاذير الشرعية. أما الطريقان السادس والسابع فقد رأى مجلس المجمع أنه لا حرج من اللجوء إليهما عند الحاجة مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطيات اللازمة] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد3، ج 1، ص 515 - 516. وكذلك صدر قرار عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بتحريم الصورة المذكورة في السؤال في دورته المنعقدة عام 1405هـ. إذا تقرر ذلك فإن تأجير الأرحام من المحرمات لما يترتب عليه من

اختلاط الأنساب ولأن المرأة الحاضنة أدخلت إلى بدنها بويضة ملقحة من مني أجنبي عليها وهذا محرم ويمكن تشبيه هذا العمل بالزنا وإن لم يكن زنا حقيقة فهو حرام لا شك فيه وينسب الولد في هذه الحالة للمرأة التي حملت به (المرأة الحاضنة) هذا إذا كانت المرأة الحاضنة غير ذات زوج وأما إن كانت ذات زوج فينسب الولد إلى زوج المرأة الحاضنة ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه، قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال: ابن أخي قد عهد إليَّ فيه فقام عبد بن زمعة فقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا - أي اختصما - إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد إليَّ فيه، فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هو لك يا عبد بن زمعة، ثم قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم قال لسودة بنت زمعة: زوج النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله) رواه البخاري ومسلم، قال الإمام النووي: (قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) قال العلماء: العاهر الزاني وعهر زنى وعهرت زنت والعهر الزنا, ومعنى الحجر أي له الخيبة ولا حق له في الولد. وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الولد للفراش) , فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشاً له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولداً يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة, سواء كان موافقاً له في الشبه أم مخالفاً) شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 31. وقال الحافظ ابن عبد البر: [فكانت دعوى سعد سبب البيان من الله عز وجل على لسان رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أن العاهر لا يلحق به في الإسلام ولد يدعيه من الزنا وأن الولد للفراش على كل حال والفراش النكاح أو ملك اليمين لا غير ... أجمع العلماء -لا خلاف بينهم فيما علمته- أنه لا يلحق بأحد ولد يستلحقه إلا من نكاح أو ملك يمين فإذا كان نكاح أو ملك فالولد للفراش على كل حال] الاستذكار 2/ 167 - 168.

ولا يجوز أن ينسب الولد للرجل صاحب المني ما دام أن المرأة الحاضنة ذات زوج وأما إذا كانت المرأة الحاضنة لا زوج لها فيصح إلحاق الولد بالرجل صاحب المني إن أقر به وادَّعاه على قول جماعة من أهل العلم. وأما إجهاض هذا الجنين بعد أن صار عمره خمسة أشهر فهو من المحرمات لأن الأصل هو تحريم الإجهاض بعد مضي مئة وعشرين يوماً على الحمل باتفاق أهل العلم لأن الروح تنفخ في الجنين عند مرور تلك المدة على رأي كثير من العلماء لما ثبت في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيأمر بأربع: برزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح.) رواه البخاري. ويستثنى من هذا الحكم حالة واحدة فقط، وهي إذا ثبت بتقرير لجنة من الأطباء الثقات أهل الاختصاص أن استمرار الحمل يشكل خطراً مؤكداً على حياة الأم فحينئذ يجوز إسقاط الحمل. وقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ما يلي: [إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً لا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوهاً أم لا دفعاً لأعظم الضررين] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ص 123. وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية ما يلي: [من الضروريات الخمس التي دلّت عليها نصوص الكتاب والسنة دلالة قاطعة على وجوب المحافظة عليها وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها حفظ نفس الإنسان وهو في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين سواء كانت النفس حملاً قد نفخ فيه الروح أم كانت مولودة ... فلا يجوز الاعتداء عليها

بإجهاض إن كانت حملاً قد نفخ فيه الروح أو بإعطائها أدوية تقضي على حياتها وتجهز عليها، طلباً لراحتها أو راحة من يعولها أو تخليصاً للمجتمع من أرباب الآفات والعاهات والمشوهين والعاطلين، أو غير ذلك مما يدفع بالناس إلى التخلص لعموم قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقّ} وذلك لأن الجنين بعد نفخ الروح أصبح نفساً، يجب صيانتها والمحافظة عليها]. وخلاصة الأمر أن تأجير الأرحام من المحرمات وأنه شبيه بالزنا وأن الولد ينسب للمرأة الحاضنة إن لم تكن ذات زوج فإن كانت ذات زوج فينسب إلى زوجها فإن ادَّعاه الرجل صاحب النطفة ولم ينازعه أحد في ذلك ألحق به. نفقة علاج الزوجة واجبة على زوجها تقول السائلة: إنها قرأت فتوى لبعض العلماء تنص على أنه لا يجب على الزوج تحمل مصاريف علاج زوجته ولا يلزمه شراء الدواء لها فما قولكم في ذلك؟ الجواب: اتفق أهل العلم على وجوب إنفاق الزوج على زوجته وقد دل على ذلك نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمنها قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} سورة البقرة الآية 233، وقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّاءَاتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَاءَاتَاهَا} سورة الطلاق الآية 7. وقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} سورة الطلاق الآية 6. وقوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 402. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن هند بنت عتبة قالت:

يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم. فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) رواه البخاري ومسلم. وعن حكيم بن معاوية - رضي الله عنه - قال: (قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تهجر إلا في البيت) رواه أبو داود وقال الألباني حديث حسن صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 402. وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خطبة حجة الوداع: (ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ... ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا لهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/ 274. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 341. وغير ذلك من النصوص. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب ... ] ثم ذكر النصوص الموجبة للنفقة من الكتاب والسنة ثم قال: [وفيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها وأن ذلك مقدر بكفايتها وأن نفقة ولده عليه دونها مقدر بكفايتهم، وأن ذلك بالمعروف وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يعطها إياه. وأما الإجماع فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن، إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره وفيه ضرب من العبرة، وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب فلا بد من أن ينفق عليها ... ] المغني 8/ 195. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وقال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي من صدقة التطوع وقال المهلب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرّفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن

يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع] فتح الباري 11/ 425. وبعد اتفاق الفقهاء على وجوب النفقة على الزوج اختلفوا في أنواع النفقة الزوجية فأوجبوا على الزوج أن ينفق على زوجته فيما يتعلق بالمأكل والمشرب والملبس والمسكن وذهب جمهور الفقهاء بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة إلى عدم وجوب أجرة الطبيب ولا ثمن العلاج على الزوج وخالف آخرون فأوجبوا ذلك على الزوج ويجب أن يعلم أولاً أن المسألة ليس فيها نصوص خاصة وإنما هي مسألة اجتهادية وللعرف فيها اعتبار وقال ابن عبد الحكم الفقيه المالكي بوجوب تحمل الزوج لنفقات علاج زوجته وهو قول الزيدية وهذا قول وجيه يؤيده عموم النصوص الواردة بالإنفاق على الزوجة بالمعروف وحسن معاشرتها بالمعروف أيضاً وقد مشت معظم قوانين الأحوال الشخصية على هذا الرأي وأفتى به جماعة كبيرة من أهل العلم المعاصرين فقد ورد في المادة رقم 66 من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا ما يلي: [نفقة الزوجة تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب بالقدر المعروف ... ]. ويحتج لهذا القول بالعمومات الواردة كما في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} سورة النساء الآية 19. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عِشْرَةٌ - زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة ... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج ... ] تفسير القرطبي 5/ 97. ولا شك أن معالجة الزوجة إن مرضت وتأمين الدواء لها

من المعاشرة بالمعروف وكذلك قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فإن أجرة العلاج وثمن الدواء داخل في الرزق. ويدل على ذلك قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند زوجة أبي سفيان (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فهذا يشمل كل ما تحتاج إليه الزوجة وأولادها ويدخل فيه الأدوية وأجرة العلاج. ولعل جمهور الفقهاء الذين قالوا بعدم وجوب أجرة العلاج على الزوج بنوا هذا الحكم على ما كان معروفاً في زمانهم وخاصة أن الناس كانوا يعتنون بصحتهم ويتعالجون بأدوية طبيعية غير مكلفة، وأما في زماننا فقد اختلفت الأمور كثيراً وصار العلاج مكلفاً وكذا ما يترتب على ذلك من أجور المستشفيات ونحوها قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته: والعرف له اعتبار فلذا الحكم عليه قد يدار. انظر نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف في الجزء الثاني من رسائل العلامة ابن عابدين ص112. ويجب أن يعلم أن هذا الإنفاق يؤجر عليه الزوج أجراً عظيماً فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله) رواه مسلم. وعن أبي مسعود البدري أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) رواه البخاري ومسلم. وعن سعد - رضي الله عنه -: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك) رواه البخاري ومسلم. وخلاصة الأمر أنه يلزم الزوج معالجة زوجته المريضة وعليه تحمل تكاليف علاجها ما دام مستطيعاً ويكون ذلك حسب العرف السائد في المجتمع.

يحرم تقبيل المرأة الأجنبية

يحرم تقبيل المرأة الأجنبية يقول السائل: كما تعلمون فإن الناس في العيد يزور بعضهم بعضاً وفي أثناء زيارتنا لابنة عمي وهي امرأة متزوجة قام أخي بتقبيلها على خدها ولما أخبرته أن ذلك لا يجوز قال لي إن هذه القبلة من باب التحية ولا شهوة فيها فهي جائزة فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا شك أن ما قام به أخوك من تقبيل ابنة عمه من المحرمات المتفق على تحريمها عند أهل العلم فمن المعروف أن ابنة العم تعتبر أجنبية على ابن عمها فلا يجوز له أن يصافحها ولا يجوز له أن يقبلها مطلقاً حتى لو كانت القبلة بدون شهوة والمقصود بالمرأة الأجنبية عند العلماء هي كل امرأة يجوز للرجل نكاحها وهي غير القريبة المحرم وغير الزوجة. وقد نص العلماء من أرباب المذاهب الأربعة وغيرهم على حرمة تقبيل المرأة الأجنبية بشهوة أو بدون شهوة فمن أقوالهم في ذلك: قال الإمام المرغيناني الحنفي صاحب كتاب الهداية: [ولا يحل له أن يمس وجهها ولا كفيها وإن كان يأمن الشهوة] الهداية مع تكملة شرح فتح القدير 8/ 460. وقال صاحب الاختيار: [ولا ينظر إلى المرأة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن لم يخف الشهوة، فإن خاف الشهوة لا يجوز إلا للحاكم والشاهد ولا يجوز أن يمس ذلك وإن أمن الشهوة] الاختيار لتعليل المختار 4/ 156. وقال الزيلعي: [ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها وإن أمن الشهوة لوجود المحرم وانعدام الضرورة والبلوى]. تبين الحقائق 6/ 18. وقال ابن عابدين: [فلا يحل مس وجهها وكفها وإن أمن الشهوة]. حاشية ابن عابدين 6/ 367.

وقال الإمام النووي: [وقد قال أصحابنا كل من حرم النظر إليه حرم مسه بل المس أشد، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك، ولا يجوز مسها في شيء من ذلك]. الأذكار ص 228 وقال الحصني الشافعي: [وأعلم أنه حيث حرم النظر حرم المس بطريق الأولى لأنه أبلغ لذة] كفاية الأخيار ص 353. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ويحرم النظر بشهوة إلى النساء والمردان ومن استحله كفر إجماعاً ويحرم النظر مع وجود ثوران الشهوة وهو منصوص الإمام أحمد والشافعي ... وكل قسم متى كان معه شهوة كان حراماً بلا ريب سواء كانت شهوة تمتع النظر أو كانت شهوة الوطء، واللمس كالنظر وأولى] الاختيارات العلمية ص 118 ضمن الفتاوى الكبرى المجلد الخامس. وقال صاحب منار السبيل: [ولمس كنظر وأولى لأنه أبلغ منه فيحرم المس حيث يحرم النظر] منار السبيل 2/ 142. وغير ذلك من أقوالهم. وقد احتج العلماء على تحريم تقبيل المرأة الأجنبية بأدلة كثيرة منها: إن الله سبحانه وتعالى قد حرم النظر إلى المرأة الأجنبية من غير سبب مشروع فما بالك بتقبيلها، قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} سورة النور الآيتان 30 - 31. بل إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد حث المسلم على أن يصرف بصره إذا وقع

على امرأة أجنبية فقد ثبت في الحديث عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (سألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نظر الفجأة؟ فقال: اصرف بصرك) رواه مسلم. وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وهو حديث حسن. والأدلة على تحريم النظر إلى الأجنبية بدون سبب مشروع كثيرة فإذا كان النظر محرماً فمن باب أولى القبلة لأن القبلة أعظم أثراً في النفس من مجرد النظر حيث إن القبلة أكثر إثارة للشهوة وأقوى داعياً للفتنة من النظر بالعين وكل منصف يعلم ذلك. ومما يدل على تحريم تقبيل المرأة الأجنبية ما ورد في الحديث عن معقل بن يسار- رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني والبيهقي، وقال المنذري: [رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح]. الترغيب والترهيب 3/ 39. وصححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول حديث رقم 326. وقد اعتبر النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القبلة للأجنبية نوعاً من الزنا كما ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لكل ابن آدم حظه من الزنا ... واليدان تزنيان فزناهما البطش، والرجلان تزنيان فزناهما المشي، والفم يزني فزناه القُبَل) والقُبَل جمع قُبلة والحديث رواه أحمد وأبو داود وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 404. ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي اليسر قال: (أتتني امرأة تبتاع تمراً فقلت: إن في البيت تمراً أطيب منه فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها. فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحداً. فلم أصبر، فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحداً. فلم أصبر، فأتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك

حكم تحريم الزوجة زوجها على نفسها

له فقال له: أخلفت غازياً في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟ حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة حتى ظن أنه من أهل النار قال: وأطرق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طويلاً حتى أوحي إليه {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} قال أبو اليسر: فأتيته فقرأها عليَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال أصحابه: يا رسول الله ألهذا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل للناس عامة. رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن الترمذي 3/ 63. فهذا الحديث يدل على أن تقبيل الأجنبية محرم وانظر إلى قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما للرجل: استر على نفسك وتب. وانظر إلى ما قاله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للرجل وهذا فيه أبلغ دلالة على التحريم. وأما ادعاء أخيك بأن تقبيل ابنة عمه يعتبر من باب التحية فهذا كلام باطل لأن الدين شرع التحية وبينها كما في الأدلة الواردة في كتاب الله وسنة رسوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس من التحية تقبيل المرأة الأجنبية!! ولا يقول بجواز تقبيل المرأة الأجنبية وأن ذلك من المباحات إلا فاسق أو جاهل بالأدلة الشرعية وجاهل بمقاصد الشريعة المحمدية. وينبغي نبذ الفتاوى العرجاء التي تبيح تقبيل المرأة الأجنبية ولا تصدر هذه الفتاوى إلا من جهلة لا يعرفون ألف باء الإفتاء الشرعي. وخلاصة الأمر أن تقبيل المرأة الأجنبية بشهوة أو بدون شهوة من المحرمات وأن على أخيك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما اقترف ومما قال لأنه قال منكراً من القول وزوراً. حكم تحريم الزوجة زوجها على نفسها يقول السائل: تخاصمت امرأة مع زوجها فسبها مسبة قذرة جداً ... فأقسمت المرأة أنها تُحرم العيش معه وهي تقصد بالعيش معه الحياة الزوجية

فهجرته وهجرها أسبوعاً ثم اصطلحا وقد صامت ثلاثة أيام كفارة عن قسمها فما حكم ذلك؟ الجواب: الأصل في الحياة الزوجية أن تقوم على المودة والرحمة والمحبة والتفاهم قال تعالى: {وَمِنْءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الروم الآية 21. قال بعض أهل التفسير: المودة المحبة والرحمة الشفقة وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها سوء] تفسير القرطبي 14/ 17. ولكن من المشاهد أنه لا بد أن تشوب الحياة الزوجية مشكلات ونفور بين الزوجين ومهما حصل من مشكلات فلا يجوز استعمال الألفاظ البذيئة فذلك محرم على الزوجين فقد ورد في الحديث عن ابن عمر- رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه. كما ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز للزوج أن يهجر زوجته في الكلام فوق ثلاثة أيام لقول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري ومسلم. وأما الهجر في المضجع المذكور في قوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع} سورة النساء الآية 34. فهذا الهجر سببه النشوز وأجازه جماعة من العلماء إلى شهر كما هجر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نسائه شهراً. إذا تقرر هذا فإن تحريم المرأة العيش مع زوجها أو تحريمه على نفسها لا أثر له على الزواج ولا عبرة به ولكنه أمر محرم فلا يجوز للمسلم أن يحرم ما أحل الله له، لأن ذلك من الاعتداء على شرع الله ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} سورة المائدة /87. وإنما يعتبر هذا التحريم يميناً على الراجح من أقوال أهل العلم. فهذه المرأة حرمت على نفسها ما أحل الله تعالى فيلزمها كفارة يمين ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ

غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} سورة التحريم الآيتان1 - 2. فالله سبحانه وتعالى سمَّى تحريم ما أحل الله يميناً، وفرض تحلة اليمين، وهي كفارة اليمين، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويروى نحو هذا عن ابن مسعود والحسن وجابر بن زيد وقتادة وإسحاق وأهل العراق، وقال سعيد بن جبير، فيمن قال الحلال حرام عليَّ، يمين من الأيمان يكفرها ... وعن الضحاك، أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا الحرام يمين ... ] المغني 9/ 508. وقد ثبت في الحديث، عن عبيد بن عمير قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمكث عند زينب ابنة جحش، ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة، أنَّ أيَتنا دخل عليها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلتقل: إني لأجد ريح مغافير، أكلت مغافير؟ -وهو نوع من النبات له رائحة كريهة- فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، فقال: لا بأس شربت عسلاً عند زينب ابنة جحش، ولن أعود، فنزلت الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (لعائشة وحفصة) {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} -لقوله بل شربت عسلاً) رواه البخاري ومسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وسبب نزول هذه الآية إما تحريمه العسل وإما تحريمه مارية القبطية، وعلى التقديرين فتحريم الحلال يمين على ظاهر الآية وليس يميناً بالله، ولهذا أفتى جمهور الصحابة، كعمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وغيرهم، أن تحريم الحلال يمين مكفرة] مجموع الفتاوى 35/ 271 - 272. وروى عبد الرزاق بسنده عن الحسن البصري قال: [إن قال: كل حلالٍ عليَّ حرام، فهو يمين، وكان قتادة يفتي به] المصنف 6/ 402. وروى ابن أبي شيبة بأسانيده عن عمر وعائشة وابن عباس أنهم قالوا: [الحرام يمين] المصنف 5/ 37. وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن عمر بن ذر قال: [سألت الشعبي عن رجلٍ قال: كل حلالٍ عليَّ حرام، قال: لا يوجب طلاقاً ولا يحرم حلالاً، يكفر عن يمينه] المصنف 5/ 75.

وبناءً على ما تقدم فيلزم هذه المرأة أن تكفر كفارة يمين وصومها ثلاثة أيام لا يصح كفارةً ليمينها إلا إذا عجزت عن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فكفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة المائدة الآية 89. فكفارة اليمين إما إطعام عشرة مساكين أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة على التخيير أي أن الحالف يختار واحدة من هذه الخصال الثلاث فإذا كان فقيراً عاجزاً عن التكفير بإحدى هذه الخصال فإنه يصوم ثلاثة أيام وبناء على ذلك لا يجوز التكفير بصيام ثلاثة أيام إذا كان الشخص قادراً على ما سبق. ويجوز إخراج قيمة الإطعام أو الكسوة نقداً كما هو مذهب الحنفية. وينبغي أن يعلم أنه كما اعتبرنا تحريم المرأة زوجها على نفسها لا أثر له على الزواج فكذلك لو تلفظت المرأة بطلاق زوجها أو ظاهرت منه ونحو ذلك فكله يعتبر لغواً لا أثر له على الزواج لأن العبرة أن يصدر الطلاق أو الظهار من الزوج وعلى ذلك دلت النصوص من كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} سورة الأحزاب الآية 49. وقال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} سورة البقرة الآية231. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} سورة المجادلة الآية 3. وقد حكم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن الطلاق بيد الزوج لا بيد غيره كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - (قال أتى النبيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ فقال: يا رسول الله سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها. قال فصعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبر فقال: (يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 7/ 108. وقال العلامة ابن القيم: [وحديث ابن عباس المتقدم وإن كان في إسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس] زاد المعاد في هدي خير العباد 5/ 278

سفر المعتدة عدة وفاة إلى الحج

وخلاصة الأمر أن تحريم هذه المرأة العيش مع زوجها لا أثر له على الزواج ويعتبر يميناً وتلزمها كفارة اليمين المذكورة في الآية الكريمة كما بينت. سفر المعتدة عدة وفاة إلى الحج السؤال: تكرر السؤال عن سفر المعتدة عدة وفاة إلى الحج حيث سئلت عن ذلك مراراً وقد بينت أنه لا يجوز للمعتدة عدة وفاة أن تسافر إلى الحج وطلبت إحدى السائلات التي توفي زوجها توضيح المسألة بالتفصيل. الجواب: لا يجوز للمعتدة عدة الوفاة السفر إلى الحج أو العمرة على الصحيح من أقوال أهل العلم ويجب على المرأة التي يموت عنها زوجها أن تمكث في بيتها ولا تخرج منه إلا لحاجاتها الأساسية وينبغي أن يعلم أن الحج في حق المرأة مشروط وجوبه بأن لا تكون المرأة معتدة عدة وفاة فإن كانت كذلك فليست بمستطيعة للحج ويكون الحج غير واجب عليها وهو شرط متفق عليه بين العلماء على تفاصيل فيه. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 17/ 38. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولو كانت عليها حجة الإسلام فمات زوجها، لزمتها العدة في منزلها، وإن فاتها الحج، لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام] المغني 8/ 168. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن الفُرَيعة بنت مالك وهي أخت أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قالت: (خرج زوجي في طلب عبيد له قد هربوا فأدركهم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دارٍ شاسعة من دور أهلي، فأتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته وليس المسكن له، فتحولت إلى أهلي وإخواني، فكان أرفق لي في بعض شأني، فقال: تحولي، فلما

خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني فقال: امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت أربعة أشهر وعشراً، قالت فلما كان عثمان بن عفان أرسل إليَّ فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم والذهلي وابن القطان وغيرهم قال أبو عيسى الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم لم يروا للمعتدة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم للمرأة أن تعتد حيث شاءت وإن لم تعتد في بيت زوجها قال أبو عيسى والقول الأول أصح] سنن الترمذي 3/ 509 - 510. وقال الحافظ ابن عبد البر بعد ذكر حديث الفريعة: [هذا مشهور عند الفقهاء بالحجاز والعراق معمول به عندهم تلقوه بالقبول وأفتوا به وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأحمد بن حنبل, كلهم يقول: إن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها الذي كانت تسكنه وسواء كان لها أو لزوجها ولا تبيت إلا فيه حتى تنقضي عدتها ولها أن تخرج نهارها في حوائجها. وهو قول عمر وعثمان وابن مسعود وأم سلمة وزيد. وبه قال القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وابن شهاب. وروى مالك عن حميد بن قيس المكي عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج. وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها] الاستذكار 18/ 181 - 182. وقال الحافظ بن عبد البر أيضاً: [قال عروة: وكانت عائشة تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها. وروى الثوري عن عبيد الله بن عمر أنه سمع القاسم بن محمد يقول: أبى ذلك الناس عليها والله أعلم. قال أبو عمر: قد أخبر القاسم أن الناس في زمن عائشة - يعني علماء زمانها- أنكروا ذلك عليها وهم طائفة من الصحابة وجلة من التابعين وقد ذكرنا من

روينا ذلك عنه في هذا الباب منهم. وجملة القول في هذه المسألة أن فيها للسلف والخلف قولين مع أحدهما سنة ثابتة وهي الحجة عند التنازع ولا حجة لمن قال بخلافها. وليس قول من طعن في إسناد الحديث الوارد بها مما يجب الاشتغال به لأن الحديث صحيح ونقلته معروفون قضى به الأئمة وعملوا بموجبه وتابعهم جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق وأفتوا به وتلقوه بالقبول لصحته عندهم] الاستذكار 18/ 184 - 185. وقال الإمام ابن العربي المالكي عن حديث الفريعة: [صحيح مليح حسن] عارضة الأحوذي 5/ 156. ثم قال: [ ... والقرآن يعضد ذلك الحديث فإن الله قد أوجب التربص على المتوفى عنها زوجها فما إلى إخراجها من سبيل وقد قضى به عمر بن الخطاب وكان يرد المعتدات من طريق الحج إلى المدينة] عارضة الأحوذي 5/ 158. وقد رد العلامة ابن القيم على الشيخ ابن حزم في تضعيفه لحديثه الفريعة بحجة أن زينب وهي راوية الحديث عن الفريعة أنها مجهولة. قال ابن القيم: [وأما قوله إن زينب بنت كعب مجهولة فنعم مجهولة عنده فكان ماذا؟ وزينب هذه من التابعيات وهي امرأة أبي سعيد روى عنها سعد ابن إسحاق بن كعب وليس بسعيد وقد ذكرها ابن حبان في كتاب الثقات] زاد المعاد 5/ 680. ثم قال: [فهذه امرأة تابعية كانت تحت صحابي وروى عنها الثقات ولم يطعن فيها بحرف واحتج الأئمة بحديثها وصححوه] زاد المعاد 6/ 681. ثم قال بعد أن ذكر آثاراً عن الصحابة والتابعين في أنها لا تخرج: [وهذا قول الإمام أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة رحمهم الله وأصحابهم والأوزاعي وأبي عبيد وإسحاق ... وحجة هؤلاء حديث الفريعة بنت مالك وقد تلقاه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بالقبول وقضى به بمحضر المهاجرين والأنصار وتلقاه أهل المدينة والحجاز والشام والعراق ومصر بالقبول. ولم يعلم أن أحداً منهم طعن فيه ولا في رواته وهذا مالك مع تحريه وتشدده في الرواية: وقوله للسائل له عن رجل: أثقة

هو؟ فقال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي: قد أدخله في (موطئه) وبنى عليه مذهبه. قالوا: ونحن لا ننكر النزاع بين السلف في المسألة ولكن السنة تفصل بين المتنازعين قال أبو عمر بن عبد البر: أما السنة فثابتة بحمد الله وأما الإجماع فمستغنى عنه مع السنة لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة كانت الحجة في قول من وافقته السنة. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخذ المترخصون في المتوفى عنها بقول عائشة رضي الله عنها وأخذ أهل العزم والورع بقول ابن عمر] زاد المعاد 5/ 687. وقد ضعف الشيخ الألباني حديث الفريعة كما في إرواء الغليل 7/ 206. ولكنه تراجع عن تضعيفه كما في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان 1/ 533، وكما في صحيح سنن الترمذي 1/ 355، وكما في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 345. وقال الشوكاني: [وحديث فريعة لم يأت من خالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين] نيل الأوطار 6/ 337. وقال الإمام ابن العربي المالكي عند حديثه على خروج المعتدة عدة وفاة: [الثاني خروج العبادة كالحج والعمرة ... وقد قال عمر وابن عمر: لا يحججن وقد كان عمر - رضي الله عنه - يرد المعتدات من البيداء يمنعهن الحج. فرأي عمر في الخلفاء ورأي مالك في العلماء وغيرهم أن عموم فرض التربص في زمن العدة مقدم على عموم زمان فرض الحج لا سيما إن قلنا إنه على التراخي. وإن قلنا على الفور فحق التربص آكد من حق الحج لأن حق العدة لله تعالى ثم للآدمي في صيانة مائه وتحرير نسبه وحق الحج خاص لله تعالى] أحكام القرآن 1/ 209 - 210 وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن امرأة عزمت على الحج هي وزوجها فمات في شعبان فهل يجوز لها أن تحج؟ فأجاب ليس لها أن تسافر في العدة عن الوفاة إلى الحج في مذهب الأئمة الأربعة] مجموع الفتاوى 34/ 27 - 28. وأخيراً فيجب أن يعلم أن القول المخالف في هذه المسألة قول ضعيف لا يصح التمسك به ولا الفتوى به لأنه رأي في مقابل نص صحيح

حكم الزواج العرفي

عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قرر ذلك الحافظ ابن عبد البر وابن القيم والشوكاني وغيرهم من أهل العلم. وخلاصة الأمر أن المعتدة عدة وفاة لا تسافر إلى الحج ولو كانت حجة الإسلام فإن سافرت فهي آثمة لمخالفتها للنص الشرعي الآمر لها بالبقاء في بيتها. حكم الزواج العرفي يقول السائل: ما هي حقيقة الزواج العرفي وما الحكم الشرعي فيمن تزوج عرفياً؟ الجواب: المشهور أن الزواج العرفي يطلق على الزواج المستكمل للأركان والشروط ولكنه غير مسجل بوثيقة رسمية كتسجيله في المحكمة الشرعية وقد تكتب ورقة بحضور الولي والشهود. وهذا ما درج عليه الكاتبون في قضايا الزواج والأحوال الشخصية. ولكن بعض الناس يستعملون اصطلاح الزواج العرفي فيما يتم بين شاب وفتاة كأن يقول لها زوجيني نفسك فتقول له زوجتك نفسي ثم يكتبان ورقة بينهما أو عند محامٍ وهذا النوع أصبح منتشراً في بلاد كثيرة وبدأ يمارس في بلادنا. ولا شك في بطلان هذا الثاني وهو ما يسمى بالزواج المدني ولا يعتبر هذا زواجاً في الشرع بل هو زنىً والعياذ بالله تعالى. وأما الأول فهو زواج معتبر شرعاً وهو ما كان سائداً بين المسلمين قديماً إلى أن صار توثيق الزواج بوثائق رسمية متعارفاً عليه بين المسلمين وصارت بعض قوانين الأحوال الشخصية تلزم تسجيل الزواج رسمياً. وهو ما نص عليه قانون الأحوال الشخصية المطبق في بلادنا، فقد جاء في المادة السابعة عشرة منه ما يأتي: [أ. يجب على الخاطب مراجعة القاضي أو نائبه لإجراء العقد. ب.

يجري عقد الزواج من مأذون القاضي بموجب وثيقة رسمية، وللقاضي بحكم وظيفته في الحالات الاستثنائية أن يتولى ذلك بنفسه بإذن من قاضي القضاة. ج. وإذا جرى الزواج بدون وثيقة رسمية فيعاقب كل من العاقد والزوجين والشهود بالعقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني وبغرامة على كلّ منهم لا تزيد عن مائة دينار. د. وكل مأذون لا يسجل العقد في الوثيقة الرسمية بعد استيفاء الرسم يعاقب بالعقوبتين المشار إليهما في الفقرة السابقة مع العزل من الوظيفة]. وأرى أن تسجيل عقد الزواج في المحاكم الشرعية واجب شرعاً فيجب كتابة عقد الزواج خطياً وتسجيله في المحاكم الشرعية ولا يُكتفى بالإيجاب والقبول الشفويين كما أنه لا يكتفى بكتابة ورقة ولو كان ذلك بحضور الولي والشهود لأن في كتابة عقد الزواج وتسجيله في المحاكم الشرعية تحقيق لمصالح عظيمة للناس وفيه محافظة على حقوق المتزوجين وتسجيل الزواج بوثيقة رسمية يجب من باب سد الذرائع المؤدية للفساد بضياع الحقوق ولما في التسجيل من إثبات للزوجية القائمة بين الزوجين، وثبوت نسب الأولاد وحفاظاً على بناء الأسرة في المجتمع المسلم على أساس سليم وقوي وقواعد الشرع العامة توجب التسجيل. ولا شك أن عقد الزواج كان يتم قديماً بدون وثيقة وبدون تسجيل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [لم يكن الصحابة رضوان الله عليهم يكتبون صداقات لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر، بل يعجلون المهر، وإن أخّروه فهو معروف، فلما صار الناس يزوجون على المؤخر، والمدة تطول وينسى صاروا يكتبون المؤخر، وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفي أنها زوجة له]. مجموع فتاوى شيخ الإسلام 32/ 131. ولكن صار تسجيل عقد الزواج أمراً لا بد منه ولا يقال لماذا لا نمشي على ما مشى عليه السابقون من عدم التسجيل؟ فأقول شتان ما بيننا وبينهم

فلقد خربت ذمم كثير من الناس وقلت التقوى وكاد الورع أن يغيب في عصرنا لذا أؤكد على وجوب تسجيل الزواج في وثيقة رسمية وأعتقد أن من تزوج عرفياً أو زوج ابنته في زواج عرفي فهو آثم شرعاً وإن كان الزواج العرفي إن تم مستكملاً لأركان الزواج وشروطه صحيحاً شرعاً وكونه صحيحاً لا يمنع من تحريمه كمن حج بمال حرام فحجه صحيح ولكنه آثم شرعاً قال الإمام النووي: [إذا حج بمال حرام أو راكباً دابةً مغصوبة أثم وصح حجه وأجزأه عندنا وبه قال أبو حنيفة ومالك والعبدري وبه قال أكثر الفقهاء] المجموع 6/ 62. ومثله الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحة مع أن الغاصب آثم قال الإمام النووي: [الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع، صحيحة عندنا وعند الجمهور من الفقهاء وأصحاب الأصول] المجموع 3/ 165. ومن المعلوم أن كتابة العقود وتوثيقها بمختلف أنواعها أمر مطلوب شرعاً وخاصة في هذا الزمان حيث خربت ذمم كثير من الناس وقلَّ دينهم وورعهم وزاد طمعهم وجشعهم. وإن الاعتماد على عامل الثقة بين الناس ليس مضموناً لأن قلوب الناس متقلبة وأحوالهم متغيرة. وقد أمر الله جل جلاله بتوثيق الدين حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ... وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} سورة البقرة الآيتان 282 - 283. فهذا الأمر الرباني في كتابة الدنانير والدراهم لما في الكتابة من حفظ للحقوق فمن باب أولى كتابة ما يتعلق بالعرض والنسب. ويضاف إلى ما سبق أنه يجب على الناس الالتزام بما نص عليه قانون الأحوال الشخصية فطاعة هذا القانون من باب الطاعة في المعروف وخاصة أنه يحقق مصالح الناس ويحفظ حقوقهم وبالذات حقوق المرأة والأطفال. فمن المعلوم أن جميع المسلمين في هذه البلاد يرجعون إلى القضاء الشرعي في قضاياهم المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث وغيرها ويتحاكمون إلى قانون الأحوال الشخصية وهو مستمد من الشريعة الإسلامية فيجب الالتزام به شرعاً وقد ورد في الحديث قول

الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) رواه البخاري ومسلم. وأسوق للذين يفتون بعدم تسجيل الزواج في وثيقة رسمية ويشجعون الناس عليه بعض ما يحدث من أمور في الزواج العرفي: فقد ينكر الزوج أنه تزوج في الزواج غير المسجل فماذا يحدث للزوجة والأولاد. ومن المعلوم أن بعض قوانين الأحوال الشخصية قد [ألزمت المحاكم القضائية بعدم سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا عند تقديم وثيقة رسمية، وهذا ما استقر عليه القضاء المصري منذ عام 1931، ونصت عليه المادة (99) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمعدلة بالقانون رقم (78) لعام 1951. وقد أفتت دار الإفتاء المصرية بتاريخ 1/ 2/1957 أن الفقرة الناصة على عدم سماع الدعوى عند إنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت بوثيقة رسمية، فإن هذه الفقرة لا تَشترط الوثيقة الرسمية لصحة عقد الزواج، وإنما هي شرط لسماع الدعوى. ومن هذه القوانين قانون الأحوال الشخصية الكويتي، فقد جاء في المادة (92) منه الفقرة: (أ): لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية، إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية، أو سبق الإنكار الإقرار بالزوجية في أوراق رسمية] مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق ص 145 - 146. وكذلك فإن الزواج غير المسجل بوثيقة رسمية من السهولة بمكان إنكاره وبالتالي التحلل من جميع التزاماته المادية والمعنوية بخلاف الزواج الموثق بوثيقة رسمية [إن الزواج الرسمي تصدر به وثيقة رسمية من الدولة، بخلاف الزواج العرفي الذي يعقد مشافهة أو تكتب فيه ورقة عرفية، وقد عرف رجال القضاء المعاصرون الوثيقة الرسمية بأنها التي تصدر من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها. والوثيقة الرسمية لا تقبل الإنكار، ولا يجوز الطعن فيها بحال، وبناءً على ذلك يثبت بها عقد النكاح قطعاً. أما عقد الزواج العرفي ولو أثبت بالشهود، أو وثيقة عرفية فإنه يقبل الطعن فيه، ويقبل الإنكار. يقول الدكتور عبد الفتاح عمرو: [العقد العرفي يعتبر كالورقة

حكم الرجوع عن الطلاق المعلق

العرفية التي تقبل الطعن والتزوير والإنكار، أما العقد الرسمي فهو كالوثائق الرسمية التي لا تقبل الطعن بالإنكار] المصدر السابق ص 132. وإذا ضاعت الورقة التي كتبت بينهما أو أتلفت عمداً فماذا بالنسبة لحقوق الزوجة والأولاد؟ وماذا عن حق الزوجة في الميراث حال وفاة الزوج في الزواج العرفي؟ وكم من المآسي قد حدثت للزوجة والأولاد بسبب عدم تسجيل الزواج بوثيقة رسمية؟ وخلاصة الأمر أنه يجب شرعاً تسجيل الزواج بوثيقة رسمية ومن لم يفعل ذلك فهو آثم وإن كان العقد صحيحاً تترتب عليه آثاره الشرعية ولا ينبغي لأحد أن يشجع على الزواج العرفي لما يترتب عليه من مفاسد وضياع لحقوق الزوجة والأولاد. وأنصح الآباء أن لا يزوجوا بناتهم زواجاً عرفياً وأن يحرصوا أشد الحرص على الزواج الصحيح الموثق بوثيقة رسمية ومسجل في المحاكم الشرعية. حكم الرجوع عن الطلاق المعلق يقول السائل: قلت لزوجتي إن ذهبت إلى بيت أخيك فأنت طالق ولكنني تراجعت عن ذلك وأود أن آذن لها بالذهاب إلى بيت أخيها فما حكم ذلك؟ الجواب: الواجب على الزوج أن لا يستعمل الطلاق في مثل هذه الحالات لأن الطلاق شُرع كآخر حل إن استعصت الحلول الأخرى للمشكلات الزوجية. وما صدر عن السائل يعرف عند أهل العلم بالطلاق المعلق أي أنه علق طلاقها على شرط وهو ذهابها إلى بيت أخيها والطلاق المعلق يقع عند جمهور أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة إن تحقق الشرط المعلق عليه وهو هنا ذهابها إلى بيت أخيها بغض النظر عن قصد الزوج بهذا اللفظ هل قصد منعها من الذهاب أم قصد طلاقها فعلاً إن ذهبت. وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في

بلادنا بالرأي الذي يرى أن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إن كان قصد المطلق هو الحث على فعل أمر ما أو المنع منه وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وجماعة من أهل العلم واعتبروه يميناً فيه كفارة يمين في حالة حصول الشرط. فقد ورد في المادة رقم 89 من قانون الأحوال الشخصية الأردني ما نصه (لا يقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شيء أو تركه) وغير المنجز هو المعلق وقوعه على وقوع شيء. انظر شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني للدكتور عمر الأشقر ص 203 - 204. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [من الصيغ: أن يعلق الطلاق أو العتاق أو النذر بشرط فيقول: إن كان كذا فعلى الطلاق، أو الحج. أو فعبيدي أحرار، ونحو ذلك، فهذا ينظر إلى مقصوده، فإن كان مقصوده أن يحلف بذلك ليس غرضه وقوع هذه الأمور ـ كمن ليس غرضه وقوع الطلاق إذا وقع الشرط ـ فحكمه حكم الحالف؛ وهو من [باب اليمين]. وأما إن كان مقصوده وقوع هذه الأمور، كمن غرضه وقوع الطلاق عند وقوع الشرط، مثل أن يقول لامرأته: إن أبرأتني من طلاقك فأنت طالق. فتبرئه، أو يكون غرضه أنها إذا فعلت فاحشة أن يطلقها، فيقول: إذا فعلت كذا فأنت طالق، بخلاف من كان غرضه أن يحلف عليها ليمنعها، ولو فعلته لم يكن له غرض في طلاقها، فإنها تارة يكون طلاقها أكره إليه من الشرط، فيكون حالفا. وتارة يكون الشرط المكروه أكرم إليه من طلاقها؛ فيكون موقعا للطلاق إذا وجد ذلك الشرط، فهذا يقع به الطلاق، وكذلك إن قال: إن شفي الله مريضي فعلى صوم شهر، فشفي، فإنه يلزمه الصوم. فالأصل في هذا: أن ينظر إلى مراد المتكلم ومقصوده فإن كان غرضه أن تقع هذه المأمور وقعت منجزة أو معلقة إذا قصد وقوعها عند وقوع الشرط. وإن كان مقصوده أن يحلف بها، وهو يكره وقوعها إذا حنث وإن وقع الشرط فهذا حالف بها، لا موقع لها، فيكون قوله من باب اليمين، لا من باب التطليق والنذر، فالحالف هو الذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة، كقوله: إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نصراني، ونسائي طوالق، وعبيدي أحرار، وعلى

المشي إلى بيت الله فهذا ونحوه يمين، بخلاف من يقصد وقوع الجزاء من ناذر ومطلق ومعلق فإن ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه، وكلاهما ملتزم، لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم وإن وجد الشرط الملزوم، كما إذا قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، فإن هذا يكره الكفر، ولو وقع الشرط، فهذا حالف. والموقع يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشرط الملزوم، سواء كان الشرط مراداً له، أو مكروهاً أو غير مراد له، فهذا موقع ليس بحالف. وكلاهما ملتزم معلق، لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم. ِ] مجموع الفتاوى 33/ 59 - 60. وانظر كلام العلامة ابن القيم في المسألة في إعلام الموقعين عن رب العالمين 4/ 97. وما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في التفريق في الطلاق المعلق بين ما كان قصد المطلق فيه مجرد الحمل على فعل أو المنع منه وبين حصول الطلاق عند وقوع الشرط إذا كان الطلاق هو المقصود هو القوال الراجح في هذه المسألة وخاصة أن المسألة مسألة اجتهادية لم يرد فيها نصوص صريحة لا من الكتاب ولا من السنة ومما يؤيد ذلك ما يلي: [الأول إنه لم يقصد الطلاق وإنما قصد الحث أو المنع مثلاً، وقد قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى). الثاني: الطلاق المعلق لقصد المنع أو الحث يسمى يميناً في اللغة وفي عرف الفقهاء ولذا دخل في أيمان البيعة، وفي عموم اليمين في حديث الاستثناء في اليمين وفي عموم اليمين في حديث التحذير من اقتطاع مال امرىء مسلم بيمين فاجرة وفي عموم الإيلاء، وفي عموم حديث (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) وفي عموم حديث (وإياكم والحلف في البيع) كما ذكر ذلك العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من المحققين، وإذا كان يميناً دخل في عموم قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ... } الآية فتجب فيها

الكفارة ... وما ورد من الآثار عن الصحابة من الفتوى بوقوع الطلاق المعلق عند حصول المعلق عليه فإنه إما غير صحيح نقلاً وإما صحيح معارض بمثله وإما صحيح لكنه فيما قصد به إيقاع الطلاق لا الحث على الفعل أو المنع منه فهو في غير محل النزاع فلا يكون فيه حجة على ما نحن بصدده والصواب التفصيل ... ] أبحاث هيئة كبار العلماء 2/ 390 - 392. إذا تقرر هذا فأقول للسائل حيث إن زوجتك لم تذهب إلى بيت أخيها فلا يلزمك شيء ولكن الإشكال في تراجعك عن هذا الطلاق المعلق فإن كنت تقصد مجرد منعها من الذهاب فقط ولم تقصد طلاقها فهذا فيه كفارة يمين كما هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وما أخذ به قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا وأما إن كنت تقصد طلاقها فعلاً إن ذهبت إلى بيت أخيها فهذا فيه إشكال كبير فعند جمهور أهل العلم لا يصح الرجوع عن الطلاق المعلق على شرط وبهذا أخذ قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا فقد ورد في المادة رقم 96 [تعليق الطلاق بالشرط صحيح وكذا إضافته إلى المستقبل ورجوع الزوج عن الطلاق المعلق والمضاف لزمان مستقبل غير مقبول] وأعتقد أن هذه المادة من القانون المذكور تحتاج إلى إعادة نظر حيث إنها تمنع المطلق من الرجوع عما علق عليه الطلاق فقد يكون ذلك الطلاق المعلق قد صدر عنه في وقت كانت علاقته سيئة مع شقيق زوجته ثم تحسنت العلاقة بينهما فأراد أن يأذن لزوجته بالذهاب إلى بيت أخيها فلماذا لا يمكنه التراجع؟! أو لغير ذلك من الأسباب، وأرى أن فتح باب الرجوع عن الطلاق المعلق هو الأولى لأن فيه تيسيراً على الناس وفيه محافظة على الأسرة وإن كان ذلك على خلاف قول الجمهور. وقد ذكر بعض العلماء المعاصرين قولاً في مذهب الحنابلة يجيز الرجوع عن الطلاق المعلق ونسبه الشيخ ابن مفلح الحنبلي لشيخ الإسلام ابن تيمية: [وقال بعض الحنابلة: إن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله. وذلك بالتخريج على رواية جواز فسخ العتق المعلق على شرط قال ابن مفلح في الفروع (5/ 103): ولا يبطل التدبير برجوعه فيه, وإبطاله وبيعه

ثم شراؤه كعتق معلق بصفة. وفيه رواية في الانتصار والواضح: له فسخه, كبيعه, ويتوجه في طلاق. وقد نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله القول بأن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله في الشرط المحض قال في الفروع نقلاً عنه (5/ 356): ووافق على شرط محض, كإن قدم زيد] عن شبكة الإنترنت. وأرجو أن يقوم ديوان قاضي القضاة والقضاة الأفاضل بإعادة دراسة المادة رقم 96 من القانون والنظر في إمكانية تعديلها وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المسألة محل اجتهاد وأن من أهل العلم من يرى أن الطلاق المعلق لاغٍ ولا عبرة به أصلاً وقد أخذت بذلك بعض مدونات الأحوال الشخصية في بعض البلدان الإسلامية كما جاء في الفصل 52 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية أن (الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه لا يقع) وجاء في الفقرة (ب) من المادة 33 من قانون الأسرة الليبي رقم 10 لسنة 1984م أنه (لا يقع الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه)، وورد في المادة 105 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي أنه (يشترط في الطلاق أن يكون منجزاً)، وهو ما يفهم منه أن الطلاق غير المنجز لا يعتبر، وممن أخذ بهذا القول من الفقهاء المعاصرين الأستاذ علي حسب الله وصرح بميله إليه] عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن الطلاق المعلق إن قصد به الحمل على فعل أمر ما أو المنع منه فحكمه حكم اليمين تلزم به كفارة يمين عند حصول ما علق عليه وإن قصد به الطلاق فعلاً فيقع الطلاق عند وقوع ما علق به وأما قضية الرجوع عن الطلاق المعلق إن قصد به الطلاق فالمسألة تحتاج إلى إعادة بحث ونظر في قول الجمهور المانعين من الرجوع عن الطلاق المعلق وهو الرأي الذي أخذ به قانون الأحوال الشخصية وهنالك رأي يجيز الرجوع عنه ولعله يجري تعديل قانون الأحوال الشخصية في هذه المسألة.

الأخذ بالثأر والقتل على خلفية شرف العائلة

الأخذ بالثأر والقتل على خلفية شرف العائلة يقول السائل: كما تعلمون فقد كثرت حوادث القتل حيث قتل بعض الناس أخذاً بالثأر كما أنه قد قتلت بعض الفتيات تحت شعار القتل على خلفية شرف العائلة فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لاشك أن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق من أكبر الكبائر وقد وردت النصوص الكثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الترهيب من القتل بغير حق فمن ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} سورة الإسراء الآية 33. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} سورة النساء الآية 93. وثبت في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال سئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكبائر فقال: (الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين) أو ذكر الكبائر فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال قول الزور أو قال شهادة الزور قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور) رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) رواه البخاري. وعن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً يقول يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش) رواه الترمذي، وقال هذا حديث حسن وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 40. وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) رواه الترمذي وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 56. وغير ذلك من الآيات والأحاديث.

ومن المعلوم أن عقوبة القتل عقوبة مشروعة في حالات معينة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} سورة البقرة الآية 178. وثبت في الحديث أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة) رواه البخاري ومسلم. وكذلك فإنه من المقرر شرعاً وجوب تطبيق الحدود والتعزير على من ارتكب موجباً لها والمكلف بتنفيذ جميع العقوبات المقررة شرعاً -القصاص والحدود والتعزير- هو الحاكم المسلم أو من ينيبه وليس ذلك لأفراد الناس فلا يجوز لفرد أو جماعة تطبيق العقوبات الشرعية لأن هذا يفتح باباً عريضاً من أبواب الشر والفساد. ومن الأدلة على أن تنفيذ العقوبات من اختصاص الدولة المسلمة ممثلة بالإمام أو من يقوم مقامه قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} قال الإمام القرطبي في تفسير الآية: [لا خلاف في أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك؛ لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعاً أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مَقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود] تفسير القرطبي 2/ 245. ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} سورة النور الآية 2. قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: [لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر الإمام ومن ناب منابه] تفسير القرطبي 12/ 161. ويدل على ذلك أيضا ما ورد في الحديث أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) رواه مالك في الموطأ والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وقال العلامة الألباني [وهو كما قالا]. السلسلة الصحيحة 2/ 272. وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي: [لا يقيم الحدود على الأحرار إلا

الإمام أو من فوض إليه الإمام لأنه لم يُقَمْ حدٌّ على حر على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بإذنه ولا في أيام الخلفاء إلا بإذنهم، ولأنه حق لله تعالى يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن في استيفائه الحيف فلم يجز بغير إذن الإمام] المهذب 20/ 34. وروى الإمام البيهقي بإسناده: [عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين يُنتهى إلى قولهم من أهل المدينة كانوا يقولون لا ينبغي لأحد أن يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان] سنن البيهقي 8/ 245. وقال الشيخ عبد القادر عوده رحمه الله تحت عنوان من الذي يقيم الحدّ: [من المتفق عليه بين الفقهاء أنه لا يجوز أن يقيم الحدّ إلا الإمام أو نائبه لأن الحدّ حق الله تعالى ومشروع لصالح الجماعة فوجب تفويضه إلى نائب الجماعة وهو الإمام ولأن الحدّ يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن في استيفائه من الحيف والزيادة على الواجب فوجب تركه لولي الأمر يقيمه إن شاء بنفسه أو بواسطة نائبه وحضور الإمام ليس شرطاً في إقامة الحد لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ير حضوره لازماً فقال: اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. وأمر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجم ماعز ولم يحضر الرجم وأتي بسارق فقال: اذهبوا به فاقطعوه. لكن إذن الإمام بإقامة الحدّ واجب، فما أقيم حدّ في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بإذنه وما أقيم حدّ في عهد الخلفاء إلا بإذنهم] التشريع الجنائي الإسلامي 2/ 444. وجاء في الموسوعة الفقهية: [اتفق الفقهاء على أنه لا يقيم الحدّ إلا الإمام أو نائبه وذلك لمصلحة العباد وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم والإمام قادر على الإقامة لشوكته ومنعته وانقياد الرعية له قهراً وجبراً كما أن تهمة الميل والمحاباة والتواني منتفية عن الإقامة في حقه فيقيمها على وجهه فيحصل الغرض المشروع بيقين، ولأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقيم الحدود وكذا خلفاءه من بعده] الموسوعة الفقهية الكويتية 17/ 144 - 145. إذا تقرر هذا فإنه يحرم على المسلم أن يأخذ بالثأر وخاصة إذا قتل غير القاتل كأن يقتل أخاه أو قريباً له فإن هذا من أعظم المنكرات فلا يجوز

شرعاً أن يؤخذ الانسان بجريرة غيره قال الله تعالى: {ولا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} سورة الأنعام الآية 164. وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في حجة الوداع للناس: (أي يوم هذا؟ قالوا يوم الحج الأكبر، قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ألا لا يجني جان إلا على نفسه ألا لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده ... ) رواه الترمذي. وقال وهذا حديث حسن صحيح. وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض لا يُؤخَذ الرجل بجناية أبيه ولا جناية أخيه) رواه النسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي 3/ 863. وعن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم اليربوعي قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب في أناس من الأنصار فقالوا: يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع قتلوا فلاناً في الجاهلية فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهتف بصوته ألا لا تجني نفس على الأخرى) رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 721. وكذلك فإن القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة ممنوع شرعاً لأن عقوبة الزاني من اختصاص الحاكم المسلم أو من ينيبه ولا يجوز لشخص مهما كان أن يقوم بقتل الزانية سواء أكان أباً أو أخاً أو عمّاً أو خالاً أو غير ذلك فلا يجوز لهؤلاء أن يقتلوا من تتهم بالزنا لتطهير شرف العائلة كما يدعون لأن عقوبة الزانية إن كانت بكراً الجلد لا القتل، لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} سورة النور الآية 2. كما أن الإسلام قد شدد في قضية ثبوت الزنا واشترط أربعة شهود، قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} سورة النساء الآية 15. ولا بد في الإقرار من أن يكون مفصلاً مبيناً كما في قصة ماعز، والقرائن لا بد أن تكون صحيحة ومعتبرة عند العلماء

عدة الوفاة واجبة على المرأة العجوز

حتى يثبت الزنا. انظر الموسوعة الفقهية 24/ 37 فما بعدها. كما أن كثيراً من حالات القتل على خلفية شرف العائلة تكون الفتاة فيها مظلومة ظلماً شديداً فقد تقتل لمجرد الشك في تصرفاتها ولا يكون زناها قد ثبت فعلاً أو تكون قد ارتكبت مخالفة أقل من الزنا غير موجبة للحد وإنما توجب التعزير فقط. كما أن الآباء والأمهات والأخوة يتحملون جزءاً من المسؤولية عن وقوع ابنتهم في الفاحشة فالواجب هو تحصين البنات والشباب وتربيتهم تربية صحيحة وسد المنافذ التي تؤدي إلى وقوعهم في الفحشاء والمنكر فإن الوقاية خير من العلاج. وإذا تم قتل الفتاة الزانية غير المحصنة فإن قاتلها يتحمل مسؤولية قتلها وينبغي أن يعاقب العقوبة الشرعية إلا إذا وجد مانع من ذلك كالأبوة فهي مانعة من القصاص عند جماهير أهل العلم. وخلاصة الأمر أن الإسلام حرم الأخذ بالثأر ومنع القتل على خلفية شرف العائلة وقرر أن تنفيذ جميع العقوبات الشرعية إنما هو من اختصاص الحاكم المسلم أو من ينيبه وليس ذلك للأفراد أو الجماعات أو الأحزاب. عدة الوفاة واجبة على المرأة العجوز يقول السائل: توفي رجل كبير في السن فهل يلزم زوجته العجوز عدة الوفاة مع أنها لا تحيض منذ عهد بعيد أفيدونا. الجواب: عدة الوفاة فريضة على كل امرأة مات عنها زوجها سواء كانت عجوزاً أو غير عجوز وسواء كانت تحيض أو لا تحيض والمدخول بها وغير المدخول بها سواء في لزوم عدة الوفاة لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} سورة البقرة الآية 234. فالآية الكريمة عامة في كل زوجة مات عنها زوجها لقوله تعالى {أَزْوَاجاً} فيجب على كل زوجة مات عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام إلا إذا كانت حاملاً فتعتد بوضع الحمل على الراجح من أقوال

أهل العلم. ويدل على وجوب العدة قوله تعالى {يَتَرَبَّصْنَ} فهذا خبر بمعنى الأمر والأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب. قال العلامة ابن القيم: [وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل اتفاقاً كما دل عليه عموم القرآن والسنة] زاد المعاد في هدي خير العباد 5/ 664. وقال ابن كثير عند تفسير الآية السابقة: [هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع ومستنده في غير المدخول بها عموم الآية الكريمة وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها فترددوا إليه مراراً في ذلك فقال: (أقول فيها برأيي فإن يك صواباً فمن الله وإن يك خطأً فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه: لها الصداق كاملاً) وفي لفظ (لها صداق مثلها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث) فقام معقل بن يسار الأشجعي فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى به في بروع بنت واشق ففرح عبد الله بذلك فرحاً شديداً وفي رواية فقام رجال من أشجع فقالوا: نشهد أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى به في بروع بنت واشق) ولا يخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها وهي حامل فإن عدتها بوضع الحمل ولو لم تمكث بعده سوى لحظة لعموم قوله: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}] تفسير ابن كثير 1/ 569 - 570. وقال الإمام القرطبي: [عدة الوفاة تلزم الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة والتي لم تبلغ المحيض، والتي حاضت واليائسة من المحيض والكتابية -دخل بها أو لم يدخل بها إذا كانت غير حامل- وعدة جميعهن إلا الأمة أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لعموم الآية في قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}] تفسير القرطبي 3/ 183. وروى الإمام الترمذي بإسناده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - (أنه سئل عن

رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: [لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث] فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بروع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت. ففرح بها ابن مسعود) وقال أبو عيسى الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح. سنن الترمذي، فهذا الحديث يدل على لزوم عدة الوفاة للزوجة وإن لم يدخل بها وهذا على خلاف المطلقة قبل الدخول فلا عدة عليها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} سورة الأحزاب الآية 49. إذا تقرر وجوب عدة الوفاة على كل زوجة فأعود لما ورد في السؤال من كون المرأة المتوفى عنها زوجهاً عجوزاً فأقول إن من المفاهيم المغلوطة عند بعض الناس أن الزوجات الكبيرات في السن لا تلزمهن عدة الوفاة نظراً لكبرهن ولانقطاع الحيض عنهن وهذا الفهم الباطل قائم على أن الحكمة من عدة الوفاة معرفة براءة الرحم من الحمل والذي يجب أن يعلم أولاً أن العدة فريضة يجب الالتزام بها بغض النظر عما قيل فيها من الحكمة وهذا لا ينفي احتمال أن يكون أحد مقاصد العدة هو معرفة براءة الرحم من الحمل مع أن ثبوت الحمل لا يحتاج إلى أربعة أشهر وعشرة أيام وخاصة في زماننا حيث يمكن معرفة وجود الحمل خلال أسبوعين أو ثلاثة فهل معنى ذلك إلغاء عدة الوفاة ما دام أنه يمكن معرفة براءة الرحم بالوسائل الطبية الحديثة!! هذا لا يقوله مسلم. وقد ذكر بعض أهل العلم حِكَمَاً للعدة فمن ذلك ما قاله العلامة ولي الله الدهلوي: [اعلم أن العدة كانت من المشهورات المسلمة في الجاهلية وكانت مما لا يكادون يتركونه وكان فيها مصالح كثيرة: منها معرفة براءة رحمها من مائه لئلا تختلط الأنساب فإن النسب أحد ما يتشاح به ويطلبه العقلاء وهو من خواص نوع الإنسان ومما امتاز به من سائر الحيوان وهو المصلحة المرعية في باب الاستبراء. ومنها التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لم يكن أمراً ينتظم إلا بجمع رجال ولا ينفك إلا بانتظار طويل ولولا

ذلك لكان بمنزلة لعب الصبيان ينتظم ثم يفك في الساعة، ومنها أن مصالح النكاح لا تتم حتى يوطنا أنفسهما على إدامة هذا العقد ظاهراً فإن حدث حادث يوجب فك النظام لم يكن بد من تحقيق صور الإدامة في الجملة بأن تتربص مدة تجد لتربصها بالاً وتقاسي لها عناءً] حجة الله البالغة 2/ 256 - 257. وقال العلامة ابن القيم: [وقد اضطرب الناس في حكمة عدة الوفاة وغيرها، فقيل: هي لبراءة الرحم، وأورد على هذا القول وجوه كثيرة. منها: وجوبها قبل الدخول في - حالة- الوفاة ... ومن الناس من يقول: هو تعبد لا يعقل معناه، وهذا فاسد لوجهين، أحدهما: أنه ليس في الشريعة حكم إلا وله حكمة وإن لم يعقلها كثير من الناس أو أكثرهم. الثاني: أن العِدد ليست من العبادات المحضة، بل فيها من المصالح رعاية حق الزوجين والولد والناكح. قال شيخنا - أي شيخ الإسلام ابن تيمية -: والصواب أن يقال: أما عدة الوفاة فهي حرم لانقضاء النكاح، ورعاية لحق الزوج، ولهذا تحد المتوفى عنها في عدة الوفاة رعاية لحق الزوج، فجعلت العدة حريماً لحق هذا العقد الذي له خطر وشأن، فيحصل بهذه فصل بين نكاح الأول ونكاح الثاني، ولا يتصل الناكحان، ألا ترى أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما عظم حقه، حرم نساؤه بعده، وبهذا اختص الرسول، لأن أزواجه في الدنيا هن أزواجه في الآخرة بخلاف غيره، فإنه لو حرم على المرأة أن تتزوج بغير زوجها، تضررت المتوفى عنها، وربما كان الثاني خيراً لها من الأول. ولكن لو تأيمت على أولاد الأول، لكانت محمودة على ذلك، مستحباً لها، وفي الحديث: (أنا وامرأة سفعاء الخدين، كهاتين يوم القيامة، وأومأ بالوسطى والسبابة، امرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال، وحبست نفسها على يتامى لها حتى بانوا أو ماتوا). وإذا كان المقتضي لتحريمها قائماً فلا أقل من مدة تتربصها، وقد كانت في الجاهلية تتربص سنة، فخففها الله سبحانه بأربعة أشهر وعشراً، وقيل لسعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيها

عم الزوج أجنبي على زوجته ولا يقاس على عمها

ينفخ الروح، فيحصل بهذه المدة براءة الرحم حيث يحتاج إليه، وقضاء حق الزوج إذا لم يحتج إلى ذلك] زاد المعاد في هدي خير العباد 5/ 665 - 666. وقال الإمام الكاساني مبيناً أن عدة الوفاة لها حكمة أخرى وهي: [إظهار الحزن بفوت نعمة النكاح إذ النكاح كان نعمة عظيمة في حقها فإن الزوج كان سبب صيانتها وعفافها وإيفائها بالنفقة والكسوة والمسكن فوجبت عليها العدة إظهاراً للحزن بفوت النعمة وتعريفاً لقدرها] بدائع الصنائع 3/ 304. وخلاصة الأمر أن عدة الوفاة فريضة شرعية على كل زوجة مات عنها زوجها، عجوزاً كانت أم غير عجوز، مدخولاً بها أو غير مدخول بها، والحكمة من العدة على وجه القطع لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وليس لنا إلا أن نقول {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. عمُّ الزوج أجنبي على زوجته ولا يقاس على عمِّها تقول السائلة: إنها قد اختلفت مع زوجها في الظهور أمام عمه بدون حجاب فزوجها يقول إنها محرمة على عمه فيجوز أن تجلس معه بدون جلباب وأنه لا فرق بين عمها وعمه وتقول الزوجة إن عم زوجها أجنبي عليها وليس كعمها. فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا شك أن عم الزوج أجنبي على زوجته وكذا خال الزوج أجنبي على زوجته وهذا باتفاق أهل العلم بلا خلاف في ذلك وإذا كانا أجنبيين فيحرم على الزوجة أن تكشف أمام عم زوجها وخاله وإن ظهرت أمامهما فتظهر بلباسها الشرعي قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ

بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة النور الآية 31. ففي الآية الكريمة ذكر الله تعالى من يجوز للمرأة أن تبدي زينتها أمامهم وهم محارمها من النسب، ويحرم عليها أيضاً مثلهم من الرضاع لما ثبت في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) رواه البخاري ومسلم. وليس من هؤلاء عم الزوج ولا خاله. وأما عم المرأة وخالها فهما من المحارم فيجوز إبداء الزينة لهما وإن لم يذكرا في الآية السابقة وهذا مذهب جماهير أهل العلم. قال الإمام القرطبي: [والجمهور على أن العم والخال كسائر المحارم في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم. وليس في الآية ذكر الرضاع، وهو كالنسب على ما تقدم. وعند الشعبي وعكرمة ليس العم والخال من المحارم. وقال عكرمة: لم يذكرهما في الآية لأنهما ينعتان لأبنائهما] تفسير القرطبي 12/ 233. وقال الشيخ ابن كثير: [وقد روى ابن المنذر حدثنا موسى يعني ابن هارون حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا داود عن الشعبي وعكرمة في هذه الآية {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} حتى فرغ منها وقال لم يذكر العم ولا الخال لأنهما ينعتان لأبنائهما ولا تضع خمارها عند العم والخال] تفسير ابن كثير 4/ 540. وما ذهب إليه الشعبي وعكرمة من التابعين قول مرجوح، والراجح مذهب جماهير أهل العلم بأن العم والخال يجوز إبداء الزينة لهما. وقد أجاب أهل العلم على عدم ذكر أعمام المرأة وأخوالها في الآية الكريمة بما يلي: قالوا إن الأعمام والأخوال يندرجون تحت قوله تعالى في الآية

السابقة: {أو آبائهن} فإنهم بمنزلة الآباء وقد ورد إطلاق الأب على العم كما في قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} سورة البقرة الآية 133. ومن المعلوم أن إسماعيل عليه السلام هو عم يعقوب عليه السلام وقد جعله الله تعالى من آباء يعقوب. قال الألوسي: [ولم يذكر سبحانه الأعمام والأخوال مع أنهم كما قال الحسن وابن جبير كسائر المحارم في جواز إبداء الزينة لهم، قيل لأنهم في معنى الإخوان من حيث كون الجد سواء كان أب الأب أو أب الأم في معنى الأب فيكون ابنه في معنى الأخ ... وقيل لم يذكروا اكتفاء بذكر الآباء، فإنهم عند الناس بمنزلتهم، ولا سيما الأعمام وكثيراً ما يطلق الأب على العم ... ] تفسير الألوسي9/ 337 - 338. وورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (بعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمر - رضي الله عنه - على الصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله وأما العباس فهي عليَّ ومثلها معها ثم قال يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (عم الرجل صنو أبيه) أي مثل أبيه, وفيه تعظيم حق العم] شرح النووي على صحيح مسلم. وورد في الحديث عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الخالة بمنزلة الأم) رواه الترمذي. ثم قال: [وفي الحديث قصة طويلة وهذا حديث صحيح] وأصل الحديث في الصحيحين. وقال الإمام الكاساني: [لأنَّ الْعَمَّ يُسَمَّى أَباً وَكَذَلِكَ الْخَالُ وَزَوْجُ الْأُمّ, قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} وَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمَّ يَعْقُوبَ عليه السلام وَقَدْ سَمَّاهُ أَبَاهُ, وَقَالَ سُبْحَانَهُ

وَتَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} وَقِيلَ: إنَّهُمَا أَبُوهُ وَخَالَتُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْخَالَةُ أُمَّاً كَانَ الْخَالُ أَباً] بدائع الصنائع 5/ 504. ومما يدل على جواز إبداء الزينة للأعمام والأخوال قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} سورة النساء الآية 23. وقد قال العلماء: هنالك تلازم بين المحرمية المؤبدة وبين إبداء الزينة فبما أن المرأة تحرم على التأبيد على عمها وخالها فيجوز لها إبداء الزينة لهما. قال الشيخ السعدي عند تفسير قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} سورة الأحزاب الآية 55. ما نصه: [لما ذكر أنهن لا يسألن متاعاً إلا من وراء حجاب، وكان اللفظ عاماً لكل أحد احتيج أن يستثنى منه هؤلاء المذكورون، من المحارم، {وأنه لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} في عدم الاحتجاب عنهم. ولم يذكر فيها الأعمام، والأخوال، لأنهن إذا لم يحتجبن عمن هن عماته ولا خالاته، من أبناء الإخوة والأخوات، مع رفعتهن عليهم، فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن، من باب أولى، ولأن منطوق الآية الأخرى، المصرحة بذكر العم والخال مقدمة على ما يفهم من هذه الآية] تفسير السعدي ص 671. وختاماً ينبغي التنبيه على أمرين: أولهما إن عم الأب وخاله محرمان على بناته وكذلك عم الأم وخالها محرمان على بناتها. وثانيهما: إن نظر العم والخال جائز في حال أمن الفتنة والشهوة وأما مع النظر بشهوة فيحرم النظر من المحارم. وكذلك فإن العم والخال لا ينظران من المرأة إلا إلى ما يظهر منها غالباً. وقد اختلف أهل العلم في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْءَابَائِهِنَّ أَوْءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ... }

حكم إعلانات البراءة من الأشخاص

على أقوال كثيرة أرجحها: أنه يجوز للمحارم أن ينظروا من المرأة إلى مواضع الزينة وإلى ما يظهر غالباً عند الخدمة كالرأس والشعر والعنق والخد والساعد والكف والساق والركبة وهذه الأعضاء يجوز النظر إليها إذا كان النظر بدون شهوة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالباً كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى ما يستتر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما] المغني 7/ 98. وخلاصة الأمر أن عم الزوج وخال الزوج أجنبيان على الزوجة بخلاف عم الزوجة وخالها فهما من محارمها. حكم إعلانات البراءة من الأشخاص يقول السائل: ما قولكم فيما نقرؤه في الصحف من إعلانات البراءة حيث يتبرأ الوالد من ولده مثلاً أو تتبرأ العشيرة من أحد أفرادها أفيدونا؟ الجواب: البراءة من الناس ومن أفعالهم لا تجوز إلا بسبب شرعي فمن ذلك البراءة من الكافرين والمشركين كما قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} سورة الأنعام الآية 19. وقال تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ

الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} سورة التوبة الآيات 1 - 3. وقال تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} سورة يونس الآية 41. وقال تعالى: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} سورة الشعراء الآية 216. قال الألوسي في تفسير الآية السابقة: [فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام بعد تصديقك والإيمان بك وتواضعك لهم فقل إني بريء مما تعملون من المعاصي، أي أظهر عدم رضاك بذلك وإنكاره عليهم] تفسير روح المعاني 10/ 133. وقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً على سبيل المدح والثناء بسيدنا إبراهيم الخليل حيث إنه قد تبرأ من كفر أبيه وقومه فقال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} سورة التوبة الآية 114. وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} سورة الزخرف الآية 2. وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} سورة الأنعام الآية 78. وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} سورة الممتحنة الآية 4. وتجوز البراءة أيضاً من أهل المعاصي وممن يرتكب الموبقات فيجوز التبرؤ مما يفعله المجرمون كمن يقتل أو يزني أو يغتصب، ونحو ذلك من الجرائم فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (بعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى

كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرناه فرفع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده فقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين) رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) قال الخطابي: أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا] فتح الباري 8/ 72. وروى الإمام البخاري في باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة ... قال حدثني أبو بردة بن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: (وجع أبو موسى وجعاً شديداً فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً فلما أفاق قال: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برئ من الصالقة والحالقة والشاقة) والصالقة هي التي ترفع صوتها بالبكاء، والحالقة التي تحلق رأسها عند المصيبة، والشاقة التي تشق ثوبها. وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) رواه البخاري. وفي هذا الحديث أعلن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البراءة ممن فعل هذه الأفعال الشائنة قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (ليس منا) أي - ليس - من أهل سنتنا وطريقتنا, وليس المراد به إخراجه عن الدين, ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته: لست منك ولست مني، أي ما أنت على طريقتي ... والأولى أن يقال: المراد أن الواقع في ذلك يكون قد تعرض لأن يهجر ويعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديباً له على استصحابه حالة الجاهلية التي قبحها الإسلام, فهذا أولى من الحمل على ما لا يستفاد منه قدر زائد على الفعل الموجود. وحكي عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله ويقول: ينبغي أن يمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر. وقيل: المعنى ليس على ديننا الكامل, أي أنه خرج من فرع من فروع الدين وإن كان معه

أصله, حكاه ابن العربي. ويظهر لي أن هذا النفي يفسره التبري الآتي في حديث أبي موسى بعد باب حيث قال: (برئ منه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وأصل البراءة الانفصال من الشيء] فتح الباري 3/ 209. وهنالك حالات أخرى أعلن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها البراءة ممن يفعل المعاصي منها عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا) رواه مسلم. وعن عمران بن حصين عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من انتهب نهبة فليس منا) رواه الترمذي. وقال هذا حديث حسن صحيح. والنهبة المال المأخوذ على وجه القهر والعلانية. وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حلف بالأمانة فليس منّا) رواه أبو داود وهو حديث حسن. وعنه أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس منا من حلف بالأمانة ومن خبب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا) رواه أحمد ومعنى خبب أي أفسد المرأة على زوجها، وغير ذلك من الأحاديث. وينبغي التنبيه على أمرين هامين: أولهما أن البراءة من النسب محرمة تحريماً صريحاً فلا يجوز لأحد أن يعلن براءته من نسبه كأن يتبرأ الولد من نسبه لأبيه أو يعلن الوالد براءته من نسب ابنه منه ونحو ذلك فهذا أمر محرم شرعاً فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ ... وإنما المراد به من تحول عن نسبته لأبيه إلى غير أبيه عالماً عامداً مختاراً وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد ينسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} ... وقال بعض الشراح: سبب إطلاق الكفر هنا أنه كذب على الله كأنه يقول خلقني الله من ماء فلان, وليس كذلك لأنه إنما خلقه من غيره ... ] فتح الباري 12/ 67. وروى مسلم يإسناده عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (ليس

حكم طاعة الزوج بعد العقد وقبل الزفاف

من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه). والأمر الثاني: ينبغي التحذير من قطع الأرحام فإن البراءة من أفعال العصاة والفساق لا تعني مقاطعتهم نهائياً فإن ذلك قد يزيد في عصيانهم وفسوقهم بل لا بد من التواصل معهم ونصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لعلهم يتوبون ويرجعون عن غيهم وضلالهم، فقد ثبت في الحديث عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الأحاديث. وخلاصة الأمر أن إعلان البراءة من العصاة والفسقة جائز إن وجد له سبب شرعي معتبر وأما إعلان البراءة بدون سبب شرعي فذلك حرام شرعاً كمن يتبرأ من أبيه لأنه تزوج زوجة ثانية. حكم طاعة الزوج بعد العقد وقبل الزفاف تقول السائلة: إنه قد تم عقد قرانها وكتب عقد الزواج وسيتم الزفاف بعد سنة أي بعد تخرجها من الجامعة فهل هي ملزمة بطاعة زوجها واستئذانه في أمورها خلال هذه الفترة أم أنها ملزمة بطاعة أبيها فقط أرجو الإفادة. الجواب: بداية أنصح دائماً بتقصير المدة بين عقد الزواج والزفاف لما يترتب على ذلك من مصلحة للزوجين وأهلهما إلا إذا وجدت أعذار مقبولة لتطويل تلكم الفترة كإعداد الزوج لبيت الزوجية ونحو ذلك. ومن المعلوم أن عقد الزواج إذا وقع صحيحاً ترتبت عليه آثاره الشرعية ومنها وجوب طاعة الزوجة لزوجها فطاعة الزوج فريضة قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} سورة النساء

الآية 34. فهذه الآية قررت للرجل حق القوامة على المرأة ولا شك أنه لا قوامة بدون طاعة الزوجة لزوجها فيجب على المرأة أن تسمع وتطيع زوجها إذا أمرها بالمعروف. ويقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} سورة البقرة الآية 227. وروى الترمذي بإسناده عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: (حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ فذكر في الحديث قصة فقال ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن). قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ومعنى قوله (عوان عندكم) يعني أسرى في أيديكم. ومن صور الطاعة الزوجية ألا تخرج الزوجة من مسكنها إلا بإذن زوجها. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها) رواه البخاري. وغير ذلك من النصوص التي أوجبت طاعة الزوجة لزوجها ووجوب استئذانه قبل الخروج من البيت. ولكن يجب أن يعلم أن حق الزوج في طاعة زوجته له واستئذانه قبل الخروج من البيت إنما يكون بعد أن تزف الزوجة لزوجها وبعد أن ينقلها إلى بيته، وأما ما دامت الزوجة في بيت أبيها ولما تزف بعد فحق الطاعة ثابت للأب لا للزوج وكذا الاستئذان يكون في هذه الفترة حقاً للأب لا للزوج لأن الأب هو المسؤول عن البيت وما دامت ابنته تعيش معه في بيته فحق الطاعة ثابت للأب لا للزوج. ومثل ذلك يقال أيضاً في المنع من المعاشرة الزوجية بين الزوج وزوجته خلال هذه الفترة - فترة العقد وقبل الزفاف - فينبغي منع إقامة أي علاقة جنسية بينهما لما قد يترتب على المعاشرة الزوجية في الفترة التي تسبق الزفاف من مفاسد. فمثلاً إذا تمت

معاشرة بينهما في تلك الفترة وحصل الحمل فقد لا يستطيع الزوج إتمام الزفاف لسبب من الأسباب فعندئذ تظهر علامات الحمل على الفتاة وهذا ينعكس سلباً عليها وعلى زوجها، وماذا لو قدر الله سبحانه وتعالى وفاة هذا الزوج قبل الزفاف وكان قد عاشرها وحملت منه فلا شك أن مشكلات كثيرة ستقوم وتؤدي إلى نزاع وخصام. وهنالك احتمال أن يقع سوء تفاهم بينهما وقد يصل الأمر إلى الفراق بالطلاق أو غيره فحينئذ ستكون الفتاة في موقف صعب جداً وكذلك إذا تم الزفاف وكانت العلاقة الجنسية قد تمت قبله فقد يطعن الزوج في عفاف زوجته وهذا يوقع الفتاة وأهلها في مشكلات عويصة. والمرجع في المنع من هذه الأمور هو العرف الصحيح فإن المتعارف عليه بين الناس في بلادنا أن البنت ما دامت في بيت أبيها فإن حق الطاعة ثابت لأبيها لا للعاقد عليها وكذلك فإنها تستأذن أباها في الخروج من البيت فهو صاحب الأمر والنهي لا العاقد عليها وكذلك جرى العرف في بلادنا على أنه لا يجري بين العاقدين معاشرة جنسية إلا بعد الزفاف وكذلك فقد جرى العرف في بلادنا أن الأب هو الذي ينفق على البنت المعقود عليها ما دامت عند أبيها ولا يطالب العاقد بالإنفاق عليها إلا بعد الزفاف ويجب شرعاً مراعاة هذه الأعراف الصحيحة والتي لا تعارض الأحكام الشرعية فالعرف الصحيح الذي لا يصادم النصوص الشرعية معتبر عند أهل العلم. قال الإمام القرافي: [وأما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها] شرح تنقيح الفصول ص 488. وقال الشيخ ابن عابدين: والعرف في الشرع له اعتبار ... لذا عليه الحكم قد يدار رسالة (نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف) ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 2/ 112. وقد قامت الأدلة الكثيرة على اعتبار العرف ووضع الفقهاء القواعد

الفقهية في ذلك كما في قولهم: العادة محكمة، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً واستعمال الناس حجة يجب العمل بها وغير ذلك. [وسلطان العرف العملي كبير في أحكام الأفعال المعتادة والمعاملات المختلفة المتعلقة بحقوق الناس أو أحوالهم الشخصية أو القضاء أو الشهادات والعقوبات وغيرها ويعمل بالعرف ما لم يصادم نصاً شرعياً من القرآن أو السنة واضح الدلالة قطعياً أو نصاً تشريعياً كالقياس ويعتبر ما ثبت بالعرف حينئذ ثابتاً بالنص اتباعاً للقاعدة الشرعية الثابت بالعرف كالثابت بالنص أو الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي] نظرية العرف ص 48. وقال العلامة ابن القيم: [وعلى هذا أبداً تجيء الفتاوى في طول الأيام، فمهما تجدد العرف فاعتبره، ومهما سقط فألغه، ولا تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك، وسله عن عرف بلده فأجره عليه وأفته به، دون عرف بلدك والمذكور في كتبك] أعلام الموقعين 3/ 78. وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي أن العرف معتبر بشروط معينة فقد جاء في قرار المجمع ما يلي: أولاً: يراد بالعرف ما اعتاده الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك، وقد يكون معتبراً شرعاً أو غير معتبر. ثانياً: العرف، إن كان خاصاً، فهو معتبر عند أهله، وإن كان عاماً، فهو معتبر في حق الجميع. ثالثاً: العرف المعتبر شرعاً هو ما استجمع الشروط الآتية: أ. أن لا يخالف الشريعة فإن خالف العرفُ نصاً شرعياً أو قاعدة من قواعد الشريعة فإنه عرف فاسد. ب. أن يكون العرف مطَّرداً (مستمراً) أو غالباً. ج. أن يكون العرف قائماً عند إنشاء التصرف. د.

أن لا يصرح المتعاقدان بخلافه، فإن صرحا بخلافه فلا يعتد به. رابعاً: ليس للفقيه - مفتياً كان أو قاضياً - الجمود على المنقول في كتب الفقهاء من غير مراعاة تبدل الأعراف] مجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد 5، جزء 4، ص2921. ويضاف إلى ما سبق أن المحاكم الشرعية في بلادنا تأخذ بهذه الأعراف الصحيحة فلا تثبت حق الطاعة للزوج ما لم يقم الزوج بما يجب القيام عليه لإتمام الزفاف وتهيئة أسبابه حسب العادة والعرف كما ورد ذلك في القرارات القضائية في الأحوال الشخصية ص 195 قرار رقم 24399. وخلاصة الأمر أن المرأة المعقود عليها ما دامت باقية في بيت أبيها فإن طاعتها واجبة لأبيها لا لزوجها وكذلك فإنها تستأذن أباها في الخروج من البيت لا زوجها وكذلك تمنع المعاشرة الجنسية بين العاقدين قبل الزفاف.

متفرقات

متفرقات

حديث السبعة الذين لا يظلهم الله بظله يوم القيامة غير ثابت

حديث السبعة الذين لا يظلهم الله بظله يوم القيامة غير ثابت يقول السائل: سمعت حديثاً من خطيب الجمعة ورد فيه: (سبعة لا يظلهم الله بظله يوم القيامة الفاعل والمفعول به, والناكح يده, وناكح البهيمة, وناكح المرأة في دبرها, وجامع بين المرأة وابنتها, والزاني بحليلة جاره, والمؤذي لجاره حتى يلعنه) فهل هذا الحديث ثابت عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفيدونا؟ الجواب: بعد البحث والتقصي فيما بين يدي من المصادر والمراجع لم أعثر على الحديث باللفظ المذكور ولكن وجدت الحديث بلفظ آخر ونصه (عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سبعة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العالمين، يدخلهم النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا، فمن تاب، تاب الله عليه، الناكح يده، والفاعل والمفعول به، والمدمن الخمر، والضارب أبويه حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره) رواه البيهقي في شعب الإيمان 4/ 378. وقال: تفرد به مسلمة بن جعفر. وقال الحافظ ابن كثير: هذا حديث غريب وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته. تفسير ابن كثير 4/ 467، وضعفه الحافظ ابن كثير أيضاً في موضع آخر لضعف راويين فيه. تفسير ابن كثير1/ 528. وضعفه أيضاً الحافظ ابن حجر العسقلاني كما في التلخيص

الحبير 3/ 188. وورد الحديث بلفظ آخر (سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة, ولا يزكيهم, ويقول ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل والمفعول به, والناكح يده, وناكح البهيمة, وناكح المرأة في دبرها, وجامع بين المرأة وابنتها, والزاني بحليلة جاره, والمؤذي لجاره حتى يلعنه) وقد ضعفه العلامة الألباني بقوله: وهذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة وشيخه الإفريقي فإنهما ضعيفان ... ) السلسلة الضعيفة حديث رقم 319. وخلاصة الأمر أن الحديث المذكور في السؤال حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به ولكن وردت أدلة ثابتة في تحريم الأمور المذكورة فيه أذكر طائفة منها على سبيل المثال لا الحصر لغاية سيأتي ذكرها لاحقاً. فمما ورد في تحريم اللواط: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ووافقهما الألباني في إرواء الغليل 8/ 17. وأما تحريم الاستمناء فيحتج له بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} سورة المؤمنون الآيات 5 - 7. وبهذه الآيات استدل الإمامان مالك والشافعي وغيرهما على تحريم الاستمناء. وذكر العلامة محمد أمين الشنقيطي أنه استدلال صحيح بكتاب الله. تفسير أضواء البيان5/ 525. وورد في الوقوع على البهيمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة) رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما وهو حديث حسن صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 75. وأما إتيان المرأة في دبرها فهو من المحرمات فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما

أنزل على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 44. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ملعون من أتى امرأته في دبرها) رواه أبو داود وغيره وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 406. وأما الجمع بين المرأة وابنتها فهو من المحرمات فقد قال تعالى عند ذكر المحرمات من النساء {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} سورة النساء الآية 23. وأما الزنى بزوجة الجار فهو من كبائر الذنوب كما ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (سألت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال أن تزاني حليلة جارك) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم (قال عبد الله - رضي الله عنه -: قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله نداً وهو خلقك، قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك). فأنزل الله عز وجل تصديقها {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} سورة الفرقان الآية 68. وكذلك فإن إيذاء الجار من المحرمات فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) رواه مسلم. وقد أوردت الأدلة السابقة لأبين أن في الصحيح من الأدلة ما يغني

عن الاستدلال بالضعيف على خلاف ما يفعله بعض الخطباء والمدرسين الذين لا يهتمون بمعرفة درجة الأحاديث التي يذكرونها في خطبهم ودروسهم مع أن ذلك واجب عليهم لأن المصلين يتلقون كلامهم ويسمعونه ومعظم المصلين لا يعرفون شيئاً عن الحكم على الأحاديث وأن هنالك أحاديث باطلة وأخرى مكذوبة وأخرى ضعيفة. إن واجب كل من يتصدى للتدريس أو الخطابة أو الوعظ أو التأليف أن يكون على بينة وبصيرة من الأحاديث التي يذكرها وينسبها إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن الكذب على الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس كالكذب على غيره فقد صح في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من كذب عليَّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم. فإن هؤلاء الخطباء والوعاظ وإن لم يتعمدوا الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مباشرة فقد ارتكبوه تبعاً لنقلهم الأحاديث التي يقفون عليها وهم يعلمون أن فيها ما هو ضعيف وما هو مكذوب قطعاً دون أن يبينوا. قال ابن حبان في صحيحه: فصل: (ذكر أسباب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو غير عالم بصحته) ثم ساق بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه. ثم ذكر حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حدّث بحديث يُرى - بضم الياء- أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم يتبين من هذه الأحاديث أنه لا يجوز نشر الأحاديث وروايتها دون التثبت من صحتها ومن فعل ذلك فهو حسبه من الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القائل: (إن كذباً عليّ ليس كالكذب على أحد فمن كذب عليّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) رواه مسلم. ولو قلنا بأنه يجوز التساهل في الترغيب والترهيب ولكن لا يجوز أن يصل الأمر إلى ذكر الأحاديث الباطلة والمكذوبة وإنما العلماء تساهلوا بذكر الأحاديث الضعيفة في باب الترغيب والترهيب ولكنهم بينوا أسانيدها.

شهادة البدوي على الحضري

قال الحافظ ابن الصلاح: [ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع -أي المكذوب- من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد] علوم الحديث ص 113. وخلاصة الأمر أن الحديث المذكور في السؤال حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به وأن في الأدلة الصحيحة ما يغني عنه فعلى الخطباء والوعاظ أن يكتفوا بالصحيح وأن يبتعدوا عن الواهي والضعيف لأنهم قد يدخلون في دائرة الكذب على سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. شهادة البدوي على الحضري يقول السائل: إنه قرأ حديثاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورد فيه أنه لا تجوز شهادة بدوي على حضري فهل هذا الحديث ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفيدونا؟ الجواب: من المعلوم أن الأصل في الشاهد العدالة وأن يكون مرضياً كما قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ} سورة الطلاق الآية 2. وقال تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} سورة البقرة الآية282. بالإضافة إلى الشروط الأخرى للشاهد التي ذكرها الفقهاء والعدالة في الأصل لا ارتباط لها بمكان إقامة الشاهد سواء أكان في البادية أو الحاضرة قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [العدل هو الذي تعتدل أحواله في دينه وأفعاله قال القاضي: يكون ذلك في الدين والمروءة والأحكام ... ] المغني 10/ 148. وأما الحديث الذي أشار إليه السائل فقد رواه أبو داود بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية) ورواه أيضاً ابن ماجة والحاكم والبيهقي وقال الحافظ ابن دقيق

العيد: ورجاله إلى منتهاه رجال الصحيح. الإلمام بأحاديث الأحكام ص520. وصححه العلامة الألباني كما في إرواء الغليل 8/ 290. وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذا الحديث فقال جماعة من العلماء إن المقصود بالحديث هو رد شهادة البدوي مجهول العدالة وأما إذا كان عدلاً فتقبل شهادته. قال أبو بكر اِلْجَصَّاصِ: [وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْبَدْوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ, فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ ... قَالَ أَبُو بَكْرٍ - الجصاص-: جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَائِلِ الْآيَةِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ شَهَادَةِ الْقَرَوِيِّ وَالْبَدْوِيِّ; لِأَنَّ الْخِطَابَ تَوَجَّهَ إلَيْهِمْ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} وَهَؤُلَاءِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ , ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} يَعْنِي مِنْ رِجَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْرَارِ, وَهَذِهِ صِفَةُ هَؤُلَاءِ, ثُمَّ قَالَ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} وَإِذَا كَانُوا عُدُولاً فَهُمْ مَرْضِيُّونَ. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فِي شَأْنِ الرَّجْعَةِ وَالْفِرَاقِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَهَذِهِ الصِّفَةُ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ إذَا كَانُوا عُدُولاً, وَفِي تَخْصِيصِ الْقَرَوِيِّ بِهَا دُونَ الْبَدْوِيِّ تَرْكُ الْعُمُومِ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ; وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُمْ مُرَادُونَ بِقَوْلِهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَبِقَوْلِهِ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْبَدْوِيِّ عَلَى بَدْوِيٍّ مِثْلِهِ عَلَى شَرْطِ الْآيَةِ. وَإِذَا كَانُوا مُرَادِينَ بِالْآيَةِ فَقَدْ اقْتَضَتْ جَوَازَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْقَرَوِيِّ مِنْ حَيْثُ اقْتَضَتْ جَوَازَ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ, وَمِنْ حَيْثُ اقْتَضَتْ جَوَازَ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً عند ذكره حديث غدير خم مرجعه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حجة الوداع، فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب فيه خطبة وصَّى فيها بإتباع كتاب الله، ووصَّى فيها بأهل بيته، كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك، حتى زعموا أنه عهد إلى علي - رضي الله عنه - بالخلافة بالنص الجلي، بعد أن فرش له، وأقعده على فراش عالية، وذكروا كلاماً وعملاً قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء، وزعموا أن الصحابة تمالؤا على كتمان هذا النص، وغصبوا الوصي حقه، وفسَّقوا وكفَّرُوا إلا نفراً قليلاً.] اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 293. وقال الشيخ ابن كثير: [وأما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة والقصاص الأغبياء من أنه أوصى - أي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى علي بالخلافة فكذب وبهت وافتراء عظيم، يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة وممالأتهم بعده على ترك تنفيذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه وصرفهم إياها إلى غيره لا لمعنى ولا لسبب] البداية والنهاية 7/ 225. وخلاصة الأمر أن حديث الغدير صحيح ولكن ادعاء الشيعة بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصى لعلي - رضي الله عنه - بالخلافة كذب وافتراء. تمَّ الكتاب بحمد الله تعالى

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ظاهر كلام الخرقي أن شهادة البدوي على من هو من أهل القرية وشهادة أهل القرية على البدوي، صحيحة إذا اجتمعت هذه الشروط وهو قول ابن سيرين وأبي حنيفة والشافعي، وأبي ثور واختاره أبو الخطاب، وقال الإمام أحمد: أخشى أن لا تقبل شهادة البدوي على صاحب القرية فيحتمل هذا أن لا تقبل شهادته وهو قول جماعة من أصحابنا ومذهب أبي عبيد. وقال مالك كقول أصحابنا فيما عدا الجراح, وكقول الباقين في الجراح احتياطاً للدماء واحتج أصحابنا بما روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية) ولأنه متهم حيث عدل عن أن يشهد قروياً وأشهد بدوياً قال أبو عبيد: ولا أرى شهادتهم ردت إلا لما فيهم من الجفاء بحقوق الله تعالى والجفاء في الدين. ولنا: أن من قبلت شهادته على أهل البدو قبلت شهادته على أهل القرية كأهل القرى ويحمل الحديث على من

لم تعرف عدالته من أهل البدو ونخصه بهذا لأن الغالب أنه لا يكون له من يسأله الحاكم فيعرف عدالته] المغني 10/ 147 - 148. وأما الذين لم يجيزوا شهادة البدوي على الحضري فيرون أن لذلك أسباباً منها أنه يغلب على أهل البادية الجهل بأحكام الدين عامة والشهادة خاصة قال الإمام الخطابي: [يشبه أن يكون إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشريعة ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها ولا يقيمونها على حقها لقصور علمهم عما يحيلها ويغيرها عن وجهها] معالم السنن 4/ 157. ويرى بعض أهل العلم أن رد شهادة البدوي على الحضري يعود لمكان التهمة في ترك إشهاد الحضري وإشهاد البدوي مكانه قال ابن العربي المالكي: [ ... إسْقَاطُ شَهَادَةِ الْبَادِيَةِ عَنْ الْحَاضَرَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ; فَقِيلَ: لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ, وَمَنْزِلَةٌ شَرِيفَةٌ, وَوِلَايَةٌ كَرِيمَةٌ, فَإِنَّهَا قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ, وَتَنْفِيذُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ; وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي كَمَالَ الصِّفَةِ, وَقَدْ بَيَّنَّا نُقْصَانَ صِفَتِهِ فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ. وَقِيلَ: إنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ, لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ التُّهْمَةِ إذَا شَهِدَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ بِحُقُوقِ أَهْلِ الْحَاضِرَة, وَتِلْكَ رِيبَةٌ; إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحاً لَكَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ الْحَضَرِيُّونَ, فَعَدَمُ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُمْ وَوُجُودُهَا عِنْدَ الْبَدْوِيِّينَ رِيبَةٌ تَقْتَضِي التُّهْمَةَ, وَتُوجِبُ الرَّدَّ] أحكام القرآن 2/ 1006. وقال الدسوقي المالكي: [وحاصله أن تحمل الشاهد الشهادة إذا استبعده العقل أي استغربه أي نسبه للبعد والغرابة كان ذلك مبطلاً للشهادة عند أدائها. قوله: (كبدوي يستشهد) أي يطلب منه تحمل الشهادة في الحضر لحضري أو لبدوي على حضري أو على بدوي بدين أو بيع أو شراء ونحوهما مما يقصد الإشهاد عليه من سائر عقود المعاوضة ونحو الوصية والعتق والتدبير، فإذا طلب من البدوي تحمل الشهادة بشيء من ذلك في الحاضرة فلا تقبل منه إذا أداها، وذلك لأن ترك إشهاد الحضري وطلب البدوي لتحمل تلك الشهادة فيه ريبة لأن العقل يستبعد ويستغرب إحضار

البدوي لتحمل الشهادة دون الحضري، وأما لو تحمل البدوي الشهادة في الحضر لحضري أو بدوي على حضري أو بدوي بحرابة أو قتل أو قذف أو جرح أو شبه ذلك كغصب وضرب وأداها، فإنها تقبل منه لعدم الاستبعاد في تحملها] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 175. وخلاصة الأمر أن الحديث المشار إليه في السؤال حديث صحيح ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولكن الحديث محمول على من لم تثبت عدالته من البدو حيث إن القاعدة عند المحققين من أهل العلم أن الأصل في الناس الجهالة لا العدالة. فإن ثبتت عدالة البدوي فشهادته مقبولة ولا فرق بينه وبين الحضري وهذا هو المتفق مع قواعد الشرع العامة التي لا تفرق بين الناس بناءً على اختلاف موطنهم. تمَّ الكتاب بحمد الله تعالى

الجزء الحادي عشر

يسألونك الجزء الحادي عشر تأليف الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة منسق ماجستير الفقه والتشريع كلية الدعوة وأصول الدين / جامعة القدس

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} سورة آل عمران الآية 102. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء الآية 1. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71. [أما بعد فإن أولى ما يتنافس به المتنافسون، وأحرى ما يتسابق في حلبة سباقه المتسابقون، ما كان بسعادة العبد في معاشه ومعاده كفيلاً، وعلى طريق هذه السعادة دليلاً، وذلك العلم النافع والعمل الصالح اللذان لا سعادة للعبد إلا بهما، ولا نجاة له إلا بالتعلق بسببهما، فمن رزقهما فقد فاز وغنم، ومن حرمهما فالخير كله حرم، وهما مورد انقسام العباد إلى مرحوم ومحروم، وبهما يتميز البار من الفاجر والتقي من الغوي، والظالم من المظلوم، ولما كان العلم للعمل قريناً وشافعاً، وشرفه لشرف معلومه تابعاً، كان أشرف العلوم على الإطلاق علم التوحيد، وأنفعها علم أحكام أفعال العبيد، ولا سبيل إلى اقتباس هذين النورين، وتلقي هذين العلمين، إلا من مشكاة من قامت الأدلة القاطعة على عصمته، وصرحت الكتب السماوية بوجوب طاعته ومتابعته، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى; {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]. ولما كان التلقي عنه صلى الله عليه وآله وسلم على نوعين: نوع بواسطة، ونوع بغير واسطة، وكان التلقي

بلا واسطة حظ أصحابه الذين حازوا قصبات السباق، واستولوا على الأمد، فلا طمع لأحد من الأمة بعدهم في اللحاق، ولكن المبرز من اتبع صراطهم المستقيم، واقتفى منهاجهم القويم والمتخلف من عدل عن طريقهم ذات اليمين وذات الشمال، فذلك المنقطع التائه في بيداء المهالك والضلال، فأي خصلة خير لم يسبقوا إليها؟ وأي خطة رشد لم يستولوا عليها؟ تالله لقد وردوا رأس الماء من عين الحياة عذباً صافياً زلالاً، وأيدوا قواعد الإسلام فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالاً، فتحوا القلوب بعدلهم بالقرآن والإيمان، والقرى بالجهاد بالسيف والسنان، وألقوا إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصاً صافياً، وكان سندهم فيه عن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم عن جبريل عن رب العالمين سنداً صحيحاً عالياً، وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا وقد عهدنا إليكم، وهذه وصية ربنا وفرضه علينا وهي وصيته وفرضه عليكم، فجرى التابعون لهم بإحسان على منهاجهم القويم، واقتفوا على آثارهم صراطهم المستقيم، ثم سلك تابعو التابعين هذا المسلك {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24]، وكانوا بالنسبة إلى من قبلهم كما قال أصدق القائلين: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ} [الواقعة: 13، 14]. ثم جاءت الأئمة من بعدهم، فسلكوا على آثارهم اقتصاصاً، واقتبسوا هذا الأمر من مشكاتهم اقتباساً، وكان دين الله سبحانه أجل في صدورهم، وأعظم في نفوسهم، من أن يقدموا عليه رأياً أو معقولاً أو تقليداً أو قياساً، فطار لهم الثناء الحسن في العالمين، وجعل الله سبحانه لهم لسان صدق في الآخرين، ثم سار على آثارهم الرعيل الأول من أتباعهم، ودرج على منهاجهم الموفقون من أشياعهم، زاهدين في التعصب للرجال، واقفين مع الحجة والاستدلال، يسيرون مع الحق أين سارت ركائبه، ويستقلون مع الصواب حيث استقلت مضاربه، إذا بدا لهم الدليل بِأُخْذَتِه طاروا إليه زرافات ووحداناً، وإذا دعاهم الرسول إلى أمر انتدبوا إليه ولا يسألونه عما قال برهاناً، ونصوصه أجل في صدورهم وأعظم في نفوسهم من أن يقدموا عليها قول أحد من الناس، أو يعارضوها

برأي أو قياس ... ] اقتباس من مقدمة إعلام الموقعين للعلامة ابن القيم رحمة الله عليه بتصرف يسير. قلت هكذا كان الأئمة الأعلام يقتدون في العلم بمن سلف، ويبنون على ما ورثوه من السلف، فإن العلم ميراث كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديث صحيح، صححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. فالعالم الحق هو من يبني على ما ورثه من العلم، فيزيد لبنة في بناء العلم، والجاهل من يهدم ما بناه أهل العلم زاعماً أنه من أهل التجديد، فيأتي بالغرائب والعجائب، ويشغل العامة بأقوال شاذة وأفكار غربية، ليس لها زمام ولا خطام، ولا يُبنى عليها عمل، العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر، وشُغله الشاغل الطعن في ميراث العلماء، والوقيعةُ في سلف الأمة، ورميهم بالجهل تارةً، وبعدم الفهم والسذاجة تارةً أخرى، وكل هذا باسم حرية التفكير، وبحجة كم ترك الأول للآخر، وبحجج أخرى هي أوهى من بيت العنكبوت، ولا شك أن هذا من علامات أهل البدع والضلال، وهؤلاء ينبغي أن يصنفوا مع قطاع الطريق، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. وأما منهج الصالحين من العلماء فهو ما قرره العلامة ابن القيم رحمة الله عليه، فهو المنهج الذي يُقتدى به {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90]، وما أحسن ما قاله الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمة الله عليه: [أما فقهاء أهلِ الحديث العاملون به؛ فإن معظم همهم البحثُ عن معاني كتاب الله عز وجل، وما يفسره من السنن الصحيحة… ثم التفقه فيها وفهمها… ومسائل الحلال والحرام وأصول السنة والزهد والرقائق وغير ذلك ... وفي معرفة هذا شُغلٌ شاغلٌ عن التشاغُل بما أُحدث من الرأي ما لا يُنَتَفع به وما لا يقع؛ وإنما يورث لتجادلُ فيه الخصومات والجدالَ وكثرَة القيل والقال!] جامع العلوم والحكَم ص 124.

وقد رغبت أن أقدم بهذه المقدمة، لما رأيت من شذاذ الآفاق، من المتسورين على العلم الشرعي في بلادنا، الذين لا يرقبون في عالم من علمائنا إلاً ولا ذمة، فلم يُبقوا أحداً من سلفنا إلا طعنوه، ولا كتاباً من تراثنا إلا غمزوه، ولا قولاً مقبولاً ومسلَّماً عند سلفناً إلا نقضوه، وواجبنا أن نحذر الناس منهم، وأن نكشف ضلالاتهم وانحرافاتهم وترهاتهم، ونبين للناس (أن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم)، كما قال محمد بن سيرين، من أئمة التابعين، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن قال فيهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وختاماً فهذا هو الجزء الحادي عشر من كتابي يسألونك وأصله حلقات تنشر صباح كل يوم جمعة في جريدة القدس المقدسية، وقد سلكت فيه المنهج الذي سلكته في الأجزاء السابقة، من اعتماد على كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى فهم سلف هذه الأمة، فإن أصبت فذلك الفضل من الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأختم بما قاله القاضي البيساني رحمه الله: [إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه، إلا قال في غده لو غُير هذا لكان أحسن، ولو زِيد كذا لكان يستحسن، ولو قُدم هذا لكان أفضل، ولو تُرِك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر]. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة أبوديس/ القدس المحتلة صباح يوم الخميس الرابع عشر من شعبان 1427 هـ وفق السابع من أيلول 2006 م.

العقيدة والتفسير

العقيدة والتفسير

استعمال مصطلح العقيدة

استعمال مصطلح العقيدة يقول السائل: ما قولكم فيمن يقول إنه لا يجوز شرعاً استعمال كلمة عقيدة، لأنها لم ترد في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول إن كلمة عقيدة فرية وأن الاستمرار على استعمال كلمة العقيدة فيه حرمانية!! ومن يستعملها يكون من الذين يناصبون كتاب الله العداء، لأن استعمال كلمة العقيدة من تبديل كلام الله، والواجب استعمال كلمة ملة بدلاً من كلمة عقيدة، فما قولكم في هذه المقالة، أفيدونا؟ الجواب: إن هذه المقولة الظالمة فيها الخلط والخبط كخبط عشواءَ والافتراء على دين الله عز وجل وعلى علماء الأمة وقبل أن أكشف عوارها أقول: إن مما ابتليت به الأمة المسلمة في زماننا هذا كثرة المتسورين على حمى العلم الشرعي من أشباه طلبة العلم الذين يظنون أنهم بلغوا رتبة الاجتهاد وصاروا كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى، بل إنهم قد يخطئون هؤلاء الأئمة الكبار وبعض هؤلاء المتعالمين لا يحسن ألف باء العلم الشرعي!! وإن من مصائب الأمة الإسلامية في هذا الزمان أن يتكلم في مسائل العلم الشرعي أشباه طلبة العلم الذين إن قرأ الواحد منهم كتاباً أو كتابين ظن نفسه من كبار العلماء ومن أهل الاجتهاد المطلق فيجعل من نفسه حكماً يحكم بين العلماء فيرد عليهم ويصحح ويخطيء كما يشاء ويهوى من دون سند ولا أثارة من علم، وهذا مع الأسف نشاهده ونسمعه باستمرار. قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله مخاطباً رجلاً تجرأ على العلماء: [إنما نحترمك ما احترمت الأئمة]. أيها الناس تأدبوا مع العلماء، واعرفوا لهم مكانتهم، فما فاز من فاز إلا بالأدب، وما سقط من سقط إلا بسوء الأدب. واعلموا أن الأمة لا تحترم ولا تقدر إلا من يحترم العلماء والأئمة. إذا تقرر هذا فأبين فساد تلكم المقولة الفجة فيما يلي:

أولاً: صحيح أن كلمة عقيدة لم ترد في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن عدم ورودها فيهما لا يعني منع استعمالها، بل تحريم استعمالها كما زعم صاحب المقولة، فكم من كلمات واصطلاحات استعملها العلماء في كتبهم وكلامهم ليس لها ذكر في الكتاب ولا في السنة، وصغار طلبة العلم يعرفون ذلك فضلاً عن العلماء، وقديماً قال العلماء العبارة المشهورة (لا مشاحة في الاصطلاح) انظر تاج العروس 4/ 102، فما زال العلماء يضعون الاصطلاحات في كل علم وفن من غير نكير من أحد، قال العلامة ابن القيم [والاصطلاحات لا مشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة] مدارج السالكين 3/ 306. ومن قال إن كل لفظ أو اصطلاح نستعمله لا بد وأن يكون وارداً في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالكتاب والسنة ليسا من المعاجم اللغوية التي استوعبت الألفاظ العربية، قال المحقق القدير الشيخ محمود شاكر رحمة الله عليه في رسالته (مداخل إعجاز القرآن): [والألفاظ التي تستقر في اللغة استقراراً شاملاً مستفيضاً، يكون من الجهل والتهور محاولة انتزاعها وإسقاطها من أقلام الكتاب، ومن كتب العلماء قديماً وحديثاً]. وقال الشيخ أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري: [من القصور في التأصيل العلمي التماس كل معنى عربي، ودعك من الاصطلاح الحاصل بعد التنزيل في كلام الله سبحانه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ورده لغة أو شرعاً إذا لم يوجد فيهما، لأن المعجم العربي المدون مليء بمئات المفردات والمعاني العربية التي لم ترد في الوحيين، وما في ذلك من عجب، لأن الوحيين ليسا معجماً لغوياً، وإنما هما تعبير عما أذن الله بإبلاغه شرعاً بلغة عربية مبينة من مجموع لغة العرب] عن مقال بصحيفة الجزيرة السعودية على شبكة الإنترنت. وقد ألف عدد كبير من العلماء في اصطلاحات العلوم المختلفة فمن هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر: مفاتيح العلوم للخوارزمي، والتعريفات للجرجاني، وكشاف

اصطلاحات الفنون والعلوم للتهانوي، والكليات لأبي البقاء الكفوي، وجامع العلوم في اصطلاحات الفنون المعروف بدستور العلماء للقاضي عبد رب النبي الأحمد نكري، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي، وغيرها من معاجم المصطلحات، وقد ذكر د. بكر أبو زيد أكثر من خمسين كتاباً منها، انظر فقه النوازل 1/ 111 - 118. وإذا استعرضنا كتاباً واحداً من هذه الكتب لوجدنا اصطلاحات كثيرة جداً في الفقه وأصول الفقه والحديث والتفسير والنحو والبلاغة وغيرها ليست في الكتاب ولا في السنة ومع ذلك استعملها العلماء على مر العصور والأيام من غير نكير. ثانياً: إن الزعم بأن من يستعمل كلمة عقيدة يكون مناصباً العداء لكتاب الله، افتراء عظيم على كتاب الله وعلى أهل العلم الذين استعملوا كلمة عقيدة وما زالوا يستعملونها، وأين الدليل على العداء لكتاب الله في استعمال كلمة عقيدة؟ ومن المعلوم أن عدداً كبيراً من علماء الأمة قديماً وحديثاً استعملوا كلمة عقيدة، بل إن كثيراً من مصنفات أهل العلم حملت اسم العقيدة أو الاعتقاد أو المعتقد وهذه بعض الأمثلة: العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي، أصل السنة واعتقاد الدين لابن أبي حاتم الرازي، اعتقاد أئمة الحديث لأبي بكر الاسماعيلي، اعتقاد أهل السنة والجماعة للهكاري، اعتقاد الشافعي لعبد الغني المقدسي، العقائد النسفية للإمام النسفي، عقيدة أهل الأثر للمواهبي، المعتقد للأصبهاني، العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، عقيدة السلف لأبي عثمان الصابوني، لمعة الاعتقاد لابن قدامة المقدسي، الاعتقادات للقابسي، شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي، الاعتقاد للبيهقي، تطهير الاعتقاد للصنعاني ويضاف إلى ذلك المئات من مؤلفات العلماء المعاصرين في العقيدة. فهل كل هؤلاء العلماء الذين ذكرتهم ومن لم أذكرهم يناصبون كتاب الله العداء؟!! وهل كل هؤلاء العلماء الذين ذكرتهم ومن لم أذكرهم مفترون على الله لأنهم استعملوا

كلمة عقيدة، وهي فرية كما زعم القائل؟!! ويضاف إلى ذلك أن كل الكليات الشرعية في العالم الإسلامي تدرس طلبتها مساقات العقيدة وفي هذه الكليات ما لا يحصى من أهل العلم، فهل كل هؤلاء يناصبون كتاب الله العداء؟!! {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً}. ثالثاً: إن قضية التحليل والتحريم من أخطر القضايا الشرعية، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) سورة النحل الآية 116. قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: [ومعنى هذا أن التحليل والتحريم إنما هو لله عز وجل وليس لأحد أن يقول ويصرح بهذا في عين من الأعيان إلا أن يكون الباري تعالى يخبر بذلك عنه] تفسير القرطبي 10/ 196. وقال الشوكاني: [وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة - هو المنذر بن مالك من التابعين - قال: قرأت هذه الآية في سورة النحل: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ) إلى آخر الآية فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا. قلت - القائل الشوكاني -: صدق رحمه الله فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فتيا من أفتى بخلاف ما في كتاب الله أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما يقع كثيراً من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة وإنهم لحقيقون بأن يحال بينهم وبين فتاويهم ويمنعوا من جهالاتهم فإنهم أفتوا بغير علم من الله ولا هدى ولا كتاب منير فضلوا وأضلوا فهم ومن يستفتيهم كما قال القائل: كبهيمةٍ عمياء قاد زمامها ... أعمى على عوج الطريق الجائر] تفسير فتح القدير 3/ 201. وقال الله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا) سورة يونس الآية 59.

حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم على الأمة المسلمة

وأود أن أطلب من هذا القائل بتحريم استعمال كلمة عقيدة، أن يأتينا بدليل التحريم من الكتاب أو من السنة؟ ولن يستطيع إلى ذلك سبيلاً. ومن جهة أخرى لو سلمنا جدلاً أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم - وليست كذلك- فلا إنكار في مسائل الخلاف المعتبر. رابعاً: زعم القائل بأن استعمال كلمة عقيدة تبديل لكلام الله {ولا مبدل لكلمات الله}!! فهذا قول ظاهر البطلان بل هو من أعظم الفرية على الله تعالى والكذب عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فأي تبديل لكلام الله في استعمال كلمة عقيدة، وهل هذا هو المراد بتبديل كلام الله؟ إن هذا الاستدلال من أبطل الباطل، وهو من تحميل النصوص ما لا تحتمل. وخلاصة الأمر أنه لا حرج في استعمال كلمة عقيدة ومن قال بتحريم ذلك فقد أعظم الفرية على دين الإسلام. حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم على الأمة المسلمة يقول السائل: كما تعلمون فإن هنالك هجمة شرسة على رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم في بعض الدول الأوربية وغيرها وتمثل ذلك بنشر الرسوم الكاريكاتورية التي تسيء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمطلوب أن تبينوا لنا حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم على الأمة المسلمة؟ الجواب: هذه الهجمة الشرسة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست جديدة فطالما تكررت منذ بعثته صلى الله عليه وسلم وحتى عصرنا الحاضر فقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم للأذى حال حياته كما ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية وذكرته كتب السير أيضاً. قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ

لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ... أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} سورة التوبة الآيات61 - 63. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} سورة الأحزاب الآية 57. وقال تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} سورة التوبة الآيات 64 - 66. وعن ابن مسعود قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت وهي جويرية فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا، دعا ثلاثاً وإذا سأل سأل ثلاثاً ثم قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع ولم أحفظه فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر) رواه مسلم.

وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رجل نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه) رواه البخاري وغير ذلك من النصوص. إذا تقرر هذا فإن الواجب على المسلمين أن يتصدوا لهذه الهجمة الحاقدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى دين الإسلام وأن يدافعوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن دينهم بمختلف الوسائل المتاحة ومنها مقاطعة منتجات الدول التي صدرت تلكم الإساءات في صحفها وأجهزة إعلامها. وأما حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم علينا فهي كثيرة فأول حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم وجوب الإيمان به فمن المعلوم أن الشهادتين هما الركن الأول من أركان الإسلام والشطر الثاني منها هو الشهادة بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك فإن من أركان الإيمان: الإيمان بالرسل ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم داخل في ذلك. ويدخل تحت ذلك الإيمان بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى العالمين والإيمان بكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ورسالته خاتمة الرسالات. والإيمان بكون رسالته ناسخة لما قبلها من الشرائع. والإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} سورة الأحزاب الآية 40. وقال تعالى في حق من لم يؤمن: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ

سَعِيراً} سورة الفتح الآية 13. وأما الحق الثاني له فهو طاعته صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} سورة آل عمران الآية 132. وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} سورة النساء الآيات 13 - 14. وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} سورة آل عمران الآية 32. وأما الحق الثالث فهو محبته صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} سورة التوبة الآية 24. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} سورة البقرة الآية 165. وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة آل عمران الآية 31. وورد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك). فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر) رواه البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم: (لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين) رواه مسلم. ومن محبته صلى الله عليه وسلم الانتصار له والمحاماة عنه، ومعاداة من عاداه، قال تعالى: {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} سورة الحشر الآية 8. ومن محبته صلى الله عليه وسلم محبة من أحبهم الرسول صلى الله عليه وسلم كحب آله ومحبة أصحابه فإن من أصول أهل السنة والجماعة محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحفظون فيهم وصية رسول صلى الله عليه وسلم فيهم وكذا محبة أصحابه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 3/ 152 - 153. ويجب أن يعلم أن المحبة الصادقة للرسول صلى الله عليه وسلم تكون في اتباعه صلى الله عليه وسلم. وأما الحق الرابع فهو وجوب الإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} سورة النجم الآيتان 2 - 3. وأما الحق الخامس فهو وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} سورة الفتح الآية رقم 9، قال ابن عباس: {وَتُوَقِّرُوهُ} يعني التعظيم". وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ

كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} سورة الحجرات الآية 2. ويدخل في ذلك تعظيم الأمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته. وأما الحق السادس فهو الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} سورة الأحزاب الآية 56، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليَّ واحدةً صلى الله عليه عشراً) رواه مسلم. وأما الحق السابع فهو وجوب التحاكم إليه والرضي بحكمه صلّى الله عليه وسلّم كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} سورة النساء الآية 59، وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} سورة النساء الآية 65. ويكون التحاكم إلى سنته وشريعته بعده صلّى الله عليه وسلّم. وأخيراً لا بد من التنبيه على بعض الأمور الهامة: فمنها أن هؤلاء الذين يسبون محمداً صلى الله عليه وسلم الآن، قد سبوا الله جل وعلا من قبل بل ورد ذلك في كتبهم المقدسة بزعمهم فقد اتهموا الله عز وجل بأنه رب يأمر أحد أنبيائه بالزنا كما جاء في كتابهم المقدس: (أول ما كلم الرب هوشع قال الرب لهوشع اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب). وقد وصفوا الله عز وجل بالجهل كما جاء على لسان رسولهم بولص (لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس) وغير ذلك كثير. ومنها ينبغي الاهتمام بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة وتدريسها للناس ولطلبة العلم في جميع مستوياتهم وأخذ العبر

منها. ومنها تربية الأبناء على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله. ومنها التحذير من الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قد نهى عن الغلو {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} سورة المائدة الآية 77. وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري وقال تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} سورة الأعراف الآية 188. ومنها أنه يحرم الاعتداء على من يعيشون في ديارنا من أهل تلك الدول التي نشرت فيها الإساءات للنبي صلى الله عليه وسلم. وختاماً أنصح بقراءة كتب السيرة وخاصة ما كتب عن حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم من كتب ومقالات على شبكة الإنترنت ومن أحسنها رسالة علمية بعنوان [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة تأليف د. محمد بن خليفة التميمي].

الدفاع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقاطعة الذين اعتدوا على مقامه الشريف

الدفاع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقاطعة الذين اعتدوا على مقامه الشريف يقول السائل: على إثر الهجمة القذرة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتمثلة بنشر الرسوم الكاريكاتورية التي تسيء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تداعى المسلمون إلى مقاطعة البضائع الدنماركية وقد سمعنا من يشكك في شرعية المقاطعة الاقتصادية فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن من أعظم واجبات الأمة المسلمة تجاه رسولها صلى الله عليه وسلم هي تعظيمه صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً} سورة الفتح الآيتان رقم 8 - 9، قال الشيخ ابن كثير: [{لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه} قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد: تعظموه {وتوقروه} من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام.] تفسير ابن كثير 5/ 613. ولا شك أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه داخلة في تعظيمه وتوقيره صلى الله عليه وسلم وهذا من المقاصد المطلوبة شرعاً وبناءً على ذلك فكل وسيلة شرعية تؤدي إلى هذا المقصد الشريف مطلوبة لأن للوسائل أحكام المقاصد كما قرر أهل العلم، قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام 1/ 46. وقال الإمام القرافي: [اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها. ووسائل: وهي الطرق المفضية إليها وحكمها حكم ما أفضت إليه

من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل وإلى ما يتوسط متوسطة ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح) فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة] الفروق 2/ 33، فالمقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدول التي تهجم أتباعها على رسولنا صلى الله عليه وسلم وسيلة مشروعة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره. وخاصة أننا لمسنا استكبار قادة تلك الدول في رفضهم الاعتذار للمسلمين بل نقل عن بعضهم قوله إن اعتذار أي شخص دنمركي للمسلمين يعد خيانة للوطن. ومما يدل على مشروعية المقاطعة الاقتصادية ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم وإن تُنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة؟ قال ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد فقال ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من

المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليَّ وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم) زاد ابن هشام " ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم] فتح الباري 8/ 111. وما قام به ثمامة بن أثال رضي الله عنه يعتبر نوعاً من المقاطعة الاقتصادية وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على تلك المقاطعة الاقتصادية واستمرت تلك المقاطعة إلى أن طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من ثمامة بن أثال وقفها، وفي ذلك قال الشاعر: ... وثمامةُ بن أَثالٍ الحنفيِّ قد ... نفض الغبار عن الحقيقة وابتهلْ وأبى على الكفَّار حَبَّةَ حنطةٍ ... إلا إذا أَذِنَ الرسولُ وقد فَعَلْ وينبغي التذكير بالمقاطعة التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم وقومه في مكة من كفار قريش فلجأوا إلى شعب أبي طالب، فقد روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله أين تنزل غداً في حجته قال وهل ترك لنا عقيل منزلاً ثم قال نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة المحصب حيث قاسمت قريش على الكفر وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا يؤووهم قال

الزهري والخيف الوادي. ومما يدل على جواز المقاطعة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أثناء حصار بني النضير من محاربتهم اقتصادياً بقطع نخيلهم وتحريقه فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فنزلت {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} رواه البخاري ومسلم. ومما يدل على جواز المقاطعة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بعد الهجرة النبوية بمحاربة قريش اقتصادياً فكانت غزوة العشيرة وغيرها من الغزوات وبعض السرايا التي بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم لتحقيق ذلك الهدف ولا شك أن المقاطعة الاقتصادية داخلة في ذلك. قال الإمام البخاري [باب غزوة العشيرة أو العسيرة قال ابن إسحاق أول ما غزا النبي صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط ثم العشيرة] قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ ... وذكر الواقدي أن هذه السفرات الثلاث كان يخرج فيها ليلتقي تجار قريش حين يمرون إلى الشام ذهابا وإياباً ... وقد تقدم في - كتاب - العلم البيان عن سرية عبد الله بن جحش وأنه ومن معه لقوا ناساً من قريش راجعين بتجارة من الشام فقاتلوهم، واتفق وقوع ذلك في رجب، فقتلوا منهم وأسروا وأخذوا الذي كان معهم، وكان أول قتل وقع في الإسلام وأول مال غنم ... وذكر ابن سعد أن المطلوب في هذه الغزاة هي عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجارة ففاتتهم، وكانوا يترقبون رجوعها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتلقاها ليغنمها، فبسبب ذلك كانت وقعة بدر .. ] فتح الباري 7/ 347 - 349. وغير ذلك من الأدلة الكثيرة. وخلاصة الأمر أن المقاطعة الاقتصادية وسيلة مشروعة للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم لردع المعتدين ولإجبار تلك الدول لتسن التشريعات التي تعاقب كل من

صيانة الأوراق المكتوب فيها ذكر الله عز وجل

يسيء إلى دين الإسلام، وعلى المسلمين كافة أن يسهموا في المقاطعة حتى تكون مؤثرة وقوية. ... صيانة الأوراق المكتوب فيها ذكر الله عز وجل يقول السائل: كيف نتعامل مع الصحف والمجلات والنشرات والأوراق التي يذكر فيها آيات من القرآن الكريم أو أسماء الله الحسنى وخاصة أننا نرى الشوارع والطرقات قد امتلأت بها أثناء فترة الدعاية للانتخابات فما قولكم أفيدونا؟ الجواب: إن تعظيم شعائر الله فريضة من فرائض الله يقول الله تعالى {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32. ويقول تعالى {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} سورة الحج الآية 30. قال الإمام القرطبي [{ومن يعظم شعائر الله} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم .... فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك ... ] تفسير القرطبي 12/ 56. ولا شك أن الآيات القرآنية وأسماء الله الحسنى من شعائر الله التي يجب تعظيمها وقد ورد عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (عظموا القرآن) تفسير القرطبي 1/ 29. وقال الإمام النووي: [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] التبيان في آداب حملة القرآن ص 108. وقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم التوراة ووضعها على الوسادة تكريماً لها كما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أتى نفر من يهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف - اسم واد بالمدينة - فأتاهم في بيت المدراس - هو البيت الذي يدرسون فيه - فقالوا يا أبا القاسم إن رجلاً منا زنى بامرأة فاحكم بينهم فوضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها ثم قال بالتوراة فأتي بها فنزع

الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال آمنتُ بكِ وبمن أنزلك ثم قال ائتوني بأعلمكم فأتي بفتى شاب ثم ذكر قصة الرجم) رواه أبو داود وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 94، وفي صحيح سنن أبي داود 3/ 843. قال أبو الطيب الأبادي: [(ووضع التوراة عليها): أي على الوسادة والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم وضع التوراة على الوسادة تكريماً لها، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: آمنت بك وبمن أنزلك] عون المعبود شرح سنن أبي داود 12/ 89. فإذا كان هذا تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للتوراة فلا شك أن المصحف أولى بالتكريم. ومما يؤسف له ما نراه في أيامنا هذه من امتهان للآيات القرآنية وكذا الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل حيث ترى كثيراً من الأوراق التي فيها ذكر الله تعالى وقد امتلأت بها الشوارع ويدوسها الناس بأقدامهم وكثير منها رمي في حاويات القمامة ويتعامل بعض الناس معها باستخفاف وامتهان وسأذكر بعض التصرفات المحرمة والمكروهة في هذا المجال والتي ينبغي للمسلم أن لا يفعلها: فمنها رمي أوراق من المصحف والأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم في الطرقات والشوارع مما يعرضها للامتهان. ومنها اتخاذ الجرائد التي كتب فيها شيء من الآيات القرآنية كمفارش للطعام وكذا الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها لف السلع بالجرائد التي كتب فيها شيء من الآيات القرآنية وكذا الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها الجلوس على الجرائد التي كتب فيها شيء من الآيات القرآنية وكذا الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها الصلاة على الجرائد التي كتب فيها شيء من الآيات القرآنية وكذا

الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها استعمال الجرائد التي كتب فيها شيء من الآيات القرآنية وكذا الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم وسيلة للتنظيف ومسح السيارات بها ومن باب أولى حرمة استعمالها في إزالة النجاسات. ومنها توسد المصحف أي اتخاذه وسادة وكذا الاتكاء عليه. ومنها وضع الكتب فوق المصحف الشريف. بل يجب أن يكون المصحف فوقها جميعاً. ومنها دخول المرحاض بالمصحف أو أية أوراق فيها ذكر الله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها أن يمد الانسان رجليه باتجاه المصحف وكذا كتب العلم الشرعي. ومنها لا يجوز أن يكتب شيء من القرآن على الملابس ولا يجوز أن تطرز الملابس بالآيات القرآنية. ومنها لا يجوز كتابة آية من آيات القرآن الكريم كآية الكرسي على القطع الذهبية وخاصة تلك التي تستعملها النساء والأطفال. ومنها لا يجوز كتابة لفظ الجلالة الله أو لفظ محمد صلى الله عليه وسلم على القطع الذهبية وخاصة تلك التي تستعملها النساء والأطفال أيضاً. ومنها وضع المصحف الشريف مع الميت عند دفنه. وهكذا الحكم في كل أمر يؤدي إلى امتهان آية من القرآن الكريم أو اسم من أسماء الله أو حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أو اسم الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد نص أهل العلم على وجوب احترام المصحف والأوراق التي كتبت فيها الآيات القرآنية وكذا ما كتب فيه ذكر الله عز وجل، قال الإمام النووي [أجمع العلماء على

وجوب صيانة المصحف واحترامه فلو ألقاه والعياذ بالله في قاذورة كفر] المجموع 2/ 73. وقال الإمام النووي أيضاً: [قال القاضي حسين وغيره لا يجوز توسد المصحف ولا غيره من كتب العلم قال القاضي إلا أن يخاف عليه السرقة فيجوز وهذا الاستثناء فيه نظر والصواب منعه في المصحف وان خاف السرقة] المجموع 2/ 70. وقال الشيخ ابن حجر المكي الهيتمي: في جواب سؤال [هل يحرم دوس الورق أو الخرقة المكتوب عليها اسم الله واسم رسوله صلى الله عليه وسلم (فأجاب) بقوله: نعم يحرم دوس ذلك؛ لأن فيه إهانة له ... بل أولى وينبغي أن يلحق بذلك كل اسم معظم ... ] الفتاوى الفقهية الكبرى1/ 35. وقال الشيخ المرداوي الحنبلي [أما دخول الخلاء بمصحف من غير حاجة فلا شك في تحريمه قطعاً، ولا يتوقف في هذا عاقل.] الإنصاف1/ 94. وقال الشيخ ابن مفلح الحنبلي المقدسي: [ويكره توسد المصحف ذكره ابن تميم وذكره في الرعاية وقال بكر بن محمد كره أبو عبد الله أن يضع المصحف تحت رأسه فينام عليه قال القاضي: إنما كره ذلك لأن فيه ابتذالاً له ونقصاناً من حرمته فإنه يفعل به كما يفعل بالمتاع. واختار ابن حمدان التحريم وقطع به في المغني والشرح كما سيأتي في الفصل بعده، وكذا سائر كتب العلم إن كان فيها قرآن وإلا كره فقط وقال أحمد في رواية نعيم بن ناعم وسأله أيضع الرجل الكتب تحت رأسه؟ قال أي كتب؟ قلت كتب الحديث قال: إذا خاف أن تسرق فلا بأس وأما أن تتخذه وسادة فلا. وروى الخلال في الأخلاق عنه أنه كان في رحلته إلى الكوفة أو غيرها في بيت ليس فيه شيء وكان يضع تحت رأسه لبنة ويضع كتبه فوقها. وقال ابن عبد القوي في كتابه مجمع البحرين أنه يحرم الاتكاء على المصحف وعلى كتب الحديث وما فيه شيء من القرآن اتفاقا انتهى كلامه. ويقرب من ذلك مد الرجلين إلى شيء من ذلك وقال الحنفية يكره لما فيه من أسماء الله تعالى وإساءة الأدب قال أبو زكريا النووي رحمه الله أجمع

حكم الاستهزاء بالصلاة وبالمصلين

المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته.] الآداب الشرعية 2/ 285 - 286. وأخيراً أنبه إلى جواز حرق أوراق المصحف التالف أو دفنها في أرض طيبة طاهرة أو تمزيقها بواسطة فرّامات الورق المعروفة وقد روى البخاري عن عثمان رضي الله عنه أنه بعد أن نسخ المصاحف: (أمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق). وروى أبو بكر بن أبي داود عن طاووس بإسناده: [أنه لم يكن يرى بأساً أن تحرق الكتب، وقال: إن الماء والنار خلق من خلق الله] وإسناده صحيح غاية المرام 2/ 122. وخلاصة الأمر أنه يجب تعظيم واحترام كل ما كتب فيه كلام الله عز وجل أو ذكر الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لأن في ذلك تعظيماً لشعائر الدين {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}. حكم الاستهزاء بالصلاة وبالمصلين يقول السائل: ما حكم الاستهزاء بالصلاة وحكم الاستهزاء بالمصلين؟ الجواب: الأصل في المسلم أنه معظم لشعائر الله عز وجل كما قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج الآية 32. قال الإمام القرطبي [{ومن يعظم شعائر الله} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم .... فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك ... ] تفسير القرطبي 12/ 56. وقد اتفق الفقهاء على كفر من استخف بالأحكام الشرعية من حيث كونها أحكاماً شرعية، مثل الاستخفاف بالصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو الصيام، أو الاستخفاف بحدود الله كحد السرقة والزنى. الموسوعة الفقهية الكويتية 3/ 251.

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي [ومن سبَّ الله تعالى، كفر سواء كان مازحاً أو جاداً وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله، أو كتبه قال الله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} وينبغي أن لا يُكتفى من الهازئ بذلك بمجرد الإسلام حتى يؤدب أدباً يزجره عن ذلك، فإنه إذا لم يُكتف ممن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة فممن سب الله تعالى أولى] المغني 9/ 28 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 7/ 273. والاستهزاء بالإسلام وبشعائر الدين من أخلاق الكافرين والمنافقين قال الله تعالى: {ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً} سورة الكهف الآية 56، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} سورة التوبة الآيتان 65 - 66. فهاتان الآيتان نزلتا في بعض المنافقين كما قال الشيخ ابن كثير رحمه الله: [قال أبو معشر المديني عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً وأكذبنا ألسنةً وأجبننا عند اللقاء فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب فقال: (أبالله وآياته كنتم تستهزؤون؟ إلى قوله - كانوا مجرمين .. الخ]. وذكر ابن كثير رحمه الله بعض الروايات الأخرى في سبب نزول الآيات: منها أن جماعة من المنافقين كانوا يسيرون مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى غزوة تبوك فقال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بني الأصفر- قتال الروم - كقتال

العرب بعضهم بعضاً؟ والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال، إرجافاً وترهيباً للمؤمنين .. الخ.] تفسير ابن كثير 2/ 367. ولا شك أن الصلاة هي عمود الإسلام وهي ركن من أركان الإسلام فمن استهزأ بالصلاة فقد كفر وخرج من الدين يقول الله تعالى {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} سورة المائدة الآية 58. قال الإمام ابن العربي المالكي [كان المشركون واليهود والمنافقون إذا سمعوا النداء إلى الصلاة وقعوا في ذلك وسخروا منه ; فأخبر الله سبحانه بذلك عنهم، ... روي أن رجلاً من النصارى، وكان بالمدينة، إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله قال: حرق الكاذب، فسقطت في بيته شرارة من نار وهو نائم، فتعلقت النار بالبيت فأحرقته، وأحرقت ذلك الكافر معه ; فكانت عبرة للخلق.] أحكام القرآن 2/ 634 - 635. ويجب أن يعلم أنه لا فرق بين أن يكون المستهزئ جاداً أو مازحاً هازلاً فإن أحكام الشرع محترمة لا يجوز اللعب بها لا في حال الجد ولا في حال المزاح والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} وهؤلاء الذين نزلت فيهم الآية قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إنهم كانوا يمزحون ويتكلمون كلاماً لا يقصدونه وإنما يتحدثون ليصرفوا عنهم عناء الطريق فأحكام الشرع لا يدخلها المزاح ولا الهزل بحال من الأحوال. قال الإمام ابن العربي المالكي [لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جداً أو هزلاً، وهو كيفما كان كفر ; فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخو الباطل والجهل] أحكام القرآن 2/ 976. وإن الاستهزاء بمن يلتزم بأحكام الشرع، هو استهزاء بالشرع ذاته، فمن يسخر ويستهزئ بمن يصلي يكون مستهزئاً بالصلاة وهذا كفر والعياذ بالله. وقد سئل الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين عن حكم من يسخر بالملتزمين بدين

الله ويستهزئ بهم؟ فأجاب بقوله: [هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله المنفذين لأوامر الله فيهم نوع نفاق لأن الله قال عن المنافقين: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم}. ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر، أما إذا كانوا يستهزئون بهم يعنون أشخاصهم وزيهم بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة فإنهم لا يكفرون بذلك؛ لأن الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله، لكنهم على خطر عظيم، والواجب تشجيع من التزم بشريعة الله ومعونته، وتوجيهه إذا كان على نوع من الخطأ حتى يستقيم على الأمر المطلوب.] فتاوى العقيدة ص 197. والواجب على المسلم أن يبتعد عن هؤلاء المستهزئين الذين سماهم الله تعالى في كتابه بالمجرمين فقال تعالى: {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين} سورة المطففين الآيات 29 - 33. والواجب على المسلم أيضاً أن يعرض عن هؤلاء المستهزئين وألا يجالسهم كما قال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون * وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تُبسلَ نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع} سورة الأنعام الآيات 67 - 70. ويخشى على من يستمر في مجالسة هؤلاء المستهزئين أن

المصحف المطبوع بطريقة برايل للمكفوفين

يتعرض لعقاب الله عز وجل كما قال تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً} سورة النساء الآية 140. وخلاصة الأمر أن الاستهزاء بالصلاة وبشعائر الدين بشكل عام يعتبر كفراً ناقضاً للإيمان ومخرجاً من الملة على أي شكل كان قال شيخ الإسلام ابن تيمية [الاستهزاء بالقلب والانتقاص يُنافي الإيمان الذي في القلب منافاة الضد ضده، والاستهزاء باللسان يُنافي الإيمان الظاهر باللسان كذلك] الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 370. المصحف المطبوع بطريقة برايل للمكفوفين يقول السائل: المصحف المطبوع بطريقة برايل للمكفوفين هل له حكم المصحف المعروف ولقد حاولنا السؤال عن هذه المسألة وكانت الإجابة تأتينا في اتجاهين الأول بأنه لا ينطبق عليه أحكام المصحف العادي لأنه لم يكتب بالرسم العثماني لذلك فهو يحمل حكم التفسير أو القرآن المترجم. والقول الثاني هو بما أن الكفيف يقرأ ما في هذا المصحف قراءة سليمة ودون إنقاص لأي معنى من معاني القرآن فإنه يحمل نفس الأحكام فما رأي فضيلتكم في ذلك وجزاكم الله كل الخير. جمعية أصدقاء الكفيف فلسطين. الجواب: لا شك أن تعظيم كتاب الله أمر واجب في حق كل مسلم ومن وقر القرآن الكريم فقد وقر الله سبحانه وتعالى ومن استخف بالقرآن فقد استخف بالله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (عظموا القرآن) تفسير القرطبي 1/ 29. وقال الإمام النووي: [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] التبيان في آداب حملة القرآن ص 108. وقد ذكر العلماء جملة من الآداب التي ينبغي للمسلم أن

يتحلى بها عند التعامل مع القرآن الكريم. راجعها في كتاب التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي ففيه فوائد كثيرة. إذا تقرر هذا فنعود لإجابة السؤال فأقول بعد تقليب أوجه النظر في هذه النازلة وتخريجها على قواعد الشرع المقررة فإني أرى أن المصحف المكتوب بطريقة (برايل) للمكفوفين يأخذ حكم المصحف من حيث وجوب تعظيمه وحرمة الاستخفاف به وكذا حرمة امتهانه لأنه مكتوب بحروف وإن كانت غير الحروف العربية إلا أنها حروف خاصة بالمكفوفين فلذا تراهم يقرأونه كما يقرأ المبصرون ويضاف إلى ذلك أنه لا يكتب في مصحف المكفوفين إلا كلام الله عز وجل ولا يكتب فيه تفسير أو شرح وكذلك فإنك لو سألت مكفوفاً بيده نسخة منه، عن هذا الذي في يده، لأجابك بأنه يحمل مصحفاً، فالأولى إلحاقه بالمصحف، وتعليل هذا الحكم أن الأصل في التعامل مع المصحف هو الاحترام والتقدير والمصحف المطبوع بطريقة برايل يسمى مصحفاً كما جاء في السؤال وإن كان ذلك خاص بالمكفوفين. وبناءً على اعتباره مصحفاً تثبت للمصحف المطبوع بطريقة برايل أحكام المصحف من حيث التأدب معه وحرمة امتهانه بأي شكل من الأشكال ولكن يجوز مسه لغير المتوضئ لأن الراجح من أقوال أهل العلم جواز مس المصحف لمن كان على غير طهارة وهو قول جماعة من أهل العلم كالمزني صاحب الشافعي وداود وابن حزم من أهل الظاهر والشوكاني وغيرهم، وإن كان مذهب أكثر أهل العلم هو المنع من ذلك، وقول المجيزين هذا قول قوي ولهم أدلتهم وأهمها: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المؤمن لا ينجس) رواه البخاري ومسلم وفي رواية في صحيح البخاري (إن المسلم). وكذلك فإن هؤلاء العلماء قد أجابوا عن أدلة المانعين لمس المصحف إلا على طهارة كقوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} سورة الواقعة الآية 79، بأن الآية الكريمة ليست في محل النزاع لأن المراد بها اللوح المحفوظ والمطهرون هم الملائكة.

كما احتج المانعون بما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه الدارقطني ومالك والطبراني وغيرهم وقال عنه العلامة الألباني: [وجملة القول: أن الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير إذ ليس في شيء منها من اتهم بكذب، وإنما العلة الإرسال أو سوء الحفظ، ومن المقرر في علم المصطلح أن الطرق يقوي بعضها بعضاً إذا لم يكن فيها متهم كما قرره النووي في تقريبه ثم السيوطي في شرحه، وعليه فالنفس تطمئن لصحة هذا الحديث لا سيما وقد احتج به إمام السنة أحمد بن حنبل كما سبق، وصححه أيضاً صاحبه الإمام إسحق بن راهويه] إرواء الغليل 1/ 160 - 162. وقد أجابوا عن الاستدلال بالحديث السابق بأن الصحيح أن كلمة طاهر لفظ مشترك يطلق على المؤمن وعلى الطاهر من الحدث الأكبر وعلى الطاهر من الحدث الأصغر وعلى من ليس على بدنه نجاسة وصرفه إلى واحدٍ من هذه المعاني يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك فلا يسلم الاحتجاج به على منع غير المتوضئ من مس المصحف قال الشوكاني [والحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرًا ولكن الطاهر يطلق بالاشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ومن ليس على بدنه نجاسة ... ولو سلم صدق اسم الطاهر على من ليس بمحدث حدثاً أكبر أو أصغر فقد عرفت أن الراجح كون المشترك مجملاً في معانيه فلا يعين حتى يبين. وقد دل الدليل ههنا أن المراد به غيره لحديث (المؤمن لا ينجس) ولو سلم عدم وجود دليل يمنع من إرادته لكان تعيينه لمحل النزاع ترجيحاً بلا مرجح وتعيينه لجميعها استعمالاً للمشترك في جميع معانيه وفيه الخلاف ولو سلم رجحان القول بجواز الاستعمال للمشترك في جميع معانيه لما صح لوجود المانع وهو حديث (المؤمن لا ينجس). قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير: إن إطلاق اسم النجس على المؤمن الذي

ليس بطاهر من الجنابة أو الحيض أو الحدث الأصغر لا يصح لا حقيقة ولا مجازاً ولا لغة صرح بذلك في جواب سؤال ورد عليه فإن ثبت هذا فالمؤمن طاهر دائماً فلا يتناوله الحديث سواء كان جنباً أو حائضاً أو محدثاً أو على بدنه نجاسة] نيل الأوطار 1/ 243 - 244. وبهذه المناسبة أود أن أذكر بعض الأشياء الحديثة التي لها تعلق بالمصحف: فمنها C D الأسطوانة المدمجة التي يسجل عليها القرآن الكريم فلا شك أن ما نسمعه من C D الأسطوانة المدمجة من الكلام بصوت القارىء هو القرآن الكريم ولكن هذه الأسطوانة المدمجة C D لا تأخذ نفس الحكم المتعلق بالقرآن الكريم من حيث أنه لا يجوز مسه إلا على طهارة كما هو مذهب أكثر أهل العلم بالنسبة لمس المصحف فيجوز مس C D الأسطوانة المدمجة لأن القرآن المخزن عليها ليس مخزناً بالحروف وإنما هو مخزن حسب النظام الثنائي الذي يعطي كل حرف شيفرة معينة والشيفرة مكونة من 8 خانات ... إلخ ما يقوله أهل الاختصاص. ومع أن هذه الإسطوانات لا تلحق بالمصحف إلا أني أرى أنه لا يجوز امتهانها ورميها في محال القاذورات وخاصة إذا كتب عليها كلام يشير إلى أنها تحتوي على القرآن الكريم كما هو معروف ومشاهد. ومنها أيضاً الشريط المسجل فلا أرى إلحاقه بالمصحف لأن ما هو موجود عليه ليس حروفاً ولكنه عبارة عن حفظ صوت الآدمي عن طريق ترتيب اتجاه المجالات المغناطيسية، فلذا لا يأخذ حكم المصحف ولكن لا يجوز امتهانه ورميه في محال القاذورات وخاصة إذا كتب عليه كلام يشير إلى أنه يحتوي على القرآن الكريم كما هو معروف ومشاهد حيث يكتب على الأشرطة أسماء السور وأسماء القراء. ومنها أيضاً أجهزة الهاتف المحمول التي يخزن عليها القرآن الكريم فلا تأخذ حكم المصحف من حيث أنه لا يجوز مسها إلا على طهارة كما هو مذهب أكثر أهل العلم

بالنسبة لمس المصحف ولكنني أرى أنه إذا كانت كلمات القرآن ظاهرة على شاشتها فلا يجوز دخول الحمام بها لأن في ذلك نوع امتهان للمصحف. وأما إذا لم يكن شيء من القرآن مكتوب على شاشتها فلا بأس بدخول الحمام بها لأن ما فيها ليس حروف القرآن وإنما القرآن محفوظ فيها حسب النظام الثنائي الذي يعطي كل حرف شيفرة معينة والشيفرة مكونة من 8 خانات ... إلخ ما يقوله أهل الاختصاص مثلما سبق في الإسطوانات. وهذه المسألة أشبه بدخول الانسان الحافظ لكتاب الله للحمام مع أن القرآن الكريم في جوفه! وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية بمثل ذلك كما نقله د. عمر بن محمد السبيل رحمه الله حيث قال [إذا سجل القرآن الكريم على أشرطة بمختلف أنواعها كأشرطة الكاسيت أو الفيديو، أو أقراص الدسك التي تستخدم في الكمبيوتر، أو نحوها، فإنه يجوز مسها للمحدث حدثًا أكبر أو أصغر فيما يظهر، وذلك لأن هذه الأشرطة ونحوها لا تسمى مصحفًا، لأنه لا يمكن قراءة القرآن منها مباشرة، وإنما يستمع للقرآن منها، أو يقرأ بواسطة آلاتها الخاصة بتشغيلها، لذا فإن هذه الأشرطة لا تأخذ حكم القرآن الكريم في تحريم مسه على غير طهارة، وبهذا أفتى أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز دون أن يعللوا للحكم، ونص الفتوى: (لا حرج في حمل أو لمس الشريط المسجل عليه القرآن لمن عليه جنابة ونحوها وبالله التوفيق] وخلاصة الأمر أن مصحف برايل الخاص بالمكفوفين يلحق بالمصحف في أحكامه من حيث صيانته واحترامه وحرمة امتهانه وأما C D الأسطوانة المدمجة التي يسجل عليها القرآن الكريم فلا تلحق بالمصحف وكذا الشريط المسجل عليه القرآن الكريم ولا الهاتف المحمول المخزن عليه القرآن الكريم لا تلحق بالمصحف بشكل عام.

المناهي اللفظية

المناهي اللفظية يقول السائل: تجري على ألسنة الناس ألفاظ مثل قول بعضهم (خلي الله على جنب) ومثل (حل عن ربي) ومثل (بعرض الله) ومثل (بشرف الله) ومثل (يسعد الله) ومثل (الله والنبي يخلف) ونحوها من العبارات نرجو بيان حكم التلفظ بها. الجواب: أرشدنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اختيار الألفاظ وانتقائها وأن نحفظ منطقنا من الزلل ومن استعمال كلمات في غير موضعها وألا نلقي الكلام على عواهنه قال العلامة ابن القيم [فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ كان يتخير في خطابه ويختار لأمته أحسن الألفاظ وأجملها، وألطفها، وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة والفحش فلم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً ولا فظاً. وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك وأن يستعمل اللفظ المهين المكروه في حق من ليس من أهله. فمن الأول منعه أن يقال للمنافق " يا سيدنا " وقال (فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل) ومنعه أن تسمى شجرة العنب كرماً، ومنعه تسمية أبي جهل بأبي الحكم وكذلك تغييره لاسم أبي الحكم من الصحابة بأبي شريح وقال (إن الله هو الحكم وإليه الحكم) ... ومن ذلك قوله (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم ما شاء فلان) وقال له رجل (ما شاء الله وشئت فقال: أجعلتني لله نداً؟ قل ما شاء الله وحده). وفي معنى هذا الشرك المنهي عنه قول من لا يتوقى الشرك: أنا بالله وبك، وأنا في حسب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، وهذا من الله ومنك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض، ووالله وحياتك، وأمثال هذا من الألفاظ التي يجعل فيها قائلها المخلوق نداً للخالق وهي أشد منعاً وقبحاً من قوله ما شاء الله وشئت.] زاد المعاد في هدي خير العباد 2/ 352 - 353. وحفظ المنطق أمر هام في دين الإسلام لما يترتب على الكلمة من أضرار وأخطار وقد صح

في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله (لا يلقي لها بالاً) ... أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئاً، وهو من نحو قوله تعالى (وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم) ... قوله (يهوى) ... قال عياض: المعنى ينزل فيها ساقطاً. وقد جاء بلفظ " ينزل بها في النار " لأن درجات النار إلى أسفل، فهو نزول سقوط] فتح الباري 11/ 377. وصح في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) رواه مسلم، قال الإمام النووي في شرح الحديث: [معناه لا يتدبرها ويفكر في قبحها، ولا يخاف ما يترتب عليها، وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة، وكالكلمة تقذف، أو معناه كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ونحو ذلك. وهذا كله حث على حفظ اللسان كما قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلم، وإلا أمسك] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 411. وجاء في الحديث عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. وقد سأل معاذ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي يدخله

الجنة ويباعده من النار فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم برأسه وعموده وذروة سنامه، ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟) قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه ثم قال: (كف عليك هذا) فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وبناءً على ما سبق فإن المسلم مطالب بأن يحاسب نفسه على كل كلمة ينطق بها وقد قال الله تعال {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} سورة قّ الآية 18. إذا تقرر هذا فإن الألفاظ التي ذكرت في السؤال فيها إساءة الأدب مع الله عز وجل وقد عدد الشيخ بكر أبو زيد ما يجب تجنبه لئلا يساء الأدب مع الله سبحانه وتعالى فقال: [النهي عن كل لفظ فيه شرك بالله أو كفر به - سبحانه - أو يؤدِّي إلى أي منها. النهي عن دعاء غير الله تعالى. النهي عن الإلحاد في أسماء الله تعالى. النهي عن الاعتداء في الدعاء. النهي عن الاستسقاء بالأنواء. النهي عن القول على الله بلا علم. النهي عن الدعاء بالبلاء. النهي عن تعبيد الاسم لغير الله تعالى. النهي عن التسمي بأسماء الله تعالى التي اختص بها نفسه - سبحانه -. النهي عن الحلف بغير الله.] معجم المناهي اللفظية ص34 - 35. ويضاف إلى العبارات التي ذكرت في السؤال عبارت أخرى يشتم منها سوء الأدب مع الله عز وجل منها: (الله ما بيسمع من ساكت) (الله يظلم اللي ظلمني) (يخلف على الله) (لو يحط إيده بيد الله ما بيفعل كذا وكذا) (عايف ربي) (لا حول الله يا رب) (لو ينزل ربنا ما بفعل كذا وكذا) (هو الله داري عنك) (فلان الله ما بيقدر عليه) (الله بيعطي اللوز للي ما لوش سنان) (الله موجود في كل مكان) فهذه العبارات ونحوها لا يجوز استعمالها ويخشى على قائلها أن ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم)،

والمقام لا يتسع لتبيين ما في كل عبارة من هذه العبارات من إساءة الأدب مع الله ولكني أنصح بالرجوع إلى كتاب (معجم المناهي اللفظية) للعلامة الدكتور الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله ورعاه ومتعه بالصحة والعافية، وأنصح أيضاً بكتاب أخينا الشيخ محمد إبراهيم سرحان وعنوانه (ظاهرة الخطأ الكلامي في الأصول والفروع الشرعية) ففيهما خير كثير. ولكني أنبه على عبارتين دارجتين: الأولى (الله والنبي يخلف) فهذه العبارة جعلت النبي صلى الله عليه وسلم في مقام مساوٍ لمقام الله عز وجل وهذا باطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً أن يملك ذلك لغيره كما ثبت في الحديث الصحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بني عبد مناف، لا أملك لكم من الله شيئاً، يا صفية يا عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أملك لك من الله شيئاً، يا عباس عم رسول الله، لا أملك لك من الله شيئاً) فالصواب أن يقال (الله يخلف عليك). والعبارة الثانية وهي (الله موجود في كل مكان) فهذه العبارة فيها عقيدة فاسدة مناقضة لما عليه أهل السنة والجماعة حيث إن الله عز وجل في السماء قال الشيخ ابن أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية [وكلام السلف في إثبات صفة العلو كثير جداً: فمنه: ما روى شيخ الإسلام أبو اسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق، بسنده إلى مطيع البلخي: أنه سأل أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ فقال: قد كفر، لأن الله يقول: {الرحمن على العرش استوى} وعرشه فوق سبع سماواته، قلت: فإن قال: إنه على العرش، ولكن يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر، لأنه أنكر أنه في السماء، فمن أنكر أنه في السماء فقد كفر.] شرح العقيدة الطحاوية ص322 - 323. وقال العلامة الألباني: [أما قول العامة وكثير من الخاصة: الله موجود في كل مكان، أو

في كل الوجود، ويعنون بذاته، فهو ضلال، بل هو مأخوذ من القول بوحدة الوجود، الذي يقول به غلاة الصوفية الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق، ويقول كبيرهم: كل ما تراه بعينك فهو الله! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً] سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 38. وخلاصة الأمر أنه يجب التأدب مع الله عز وجل وأن نلتزم في ألفاظنا التي نستعملها في حق الله سبحانه وتعالى ما قرره أهل السنة والجماعة في ذلك كما قال الشيخ ابن أبي العز الحنفي: [وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفياً ولا إثباتاً، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون. فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه. والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني. وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها: فإن كان معنى صحيحاً قبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص، دون الألفاظ المجملة، إلا عند الحاجة، مع قرائن تبين المراد، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها، ونحو ذلك] شرح العقيدة الطحاوية ص239.

الصلاة

الصلاة

النفاس والاستحاضة

النفاس والاستحاضة تقول السائلة: إذا أسقطت المرأة الحامل حملها بعد شهرين من الحمل فهل تعتبر نفساء لا تصلي ولا تصوم أم أنها تعتبر مستحاضة أفيدونا؟ الجواب: إذا أجهضت الحامل فأسقطت جنينها قبل انتهاء الحمل فإن كان تام الخلق فدمها دم نفاس فلا تصلي ولا تصوم حتى ينقطع دمها وهذا باتفاق الفقهاء وأما إذا كان غير تام الخلق فهو محل خلاف بين أهل العلم. والذي عليه فقهاء الحنفية والحنابلة أن ما أسقطته المرأة إن استبان منه عضو كرأس ٍأو يدٍ أو رجلٍ فهي نفساء وإن لم يستبن منه عضو فهي مستحاضة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان، فهو نفاس. نص عليه - أي الإمام أحمد - وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة، فليس بنفاس.] المغني 1/ 253 وقال علاء الدين المرداوي: [يثبت حكم النفاس بوضع شيء فيه خلق الإنسان، على الصحيح من المذهب، ونص عليه، قال ابن تميم، وابن حمدان وغيرهما: ومدة تبيين خلق الإنسان غالباً ثلاثة أشهر، وقد قال المصنف في هذا الكتاب في باب العِدد: وأقل ما يتبين به الولد: واحد وثمانون يوماً، فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها، لم يثبت لها بذلك حكم النفاس.] الإنصاف 1/ 387. وقال شمس الأئمة السرخسي: [فأما إذا أسقطت سقطاً، فإن كان قد استبان شيء من خلقه فهي نفساء فيما ترى من الدم بعد ذلك، وإن لم يستبن شيء من خلقه فلا نفاس لها] المبسوط 3/ 213. وأما الشافعية فيرون أن المرأة إذا أسقطت علقة أو مضغة فتعبر حينئذ نفساء، قال الإمام النووي: [(فرع) قال أصحابنا لا يشترط في ثبوت حكم النفاس أن يكون الولد كامل الخلقة ولا حياً بل لو وضعت ميتاً أو لحماً تصور فيه صورة آدمي أو لم يتصور وقال القوابل إنه لحم آدمي ثبت حكم النفاس هكذا صرح به المتولي وآخرون ... ]

المجموع 2/ 532. ويرى المالكية أن كل ما تسقطه المرأة من دم مجتمع فما فوقه تعتبر به نفساء. شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل 4/ 143. والذي يترجح لديَّ ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة أن المرأة تصير نفساء إذا أسقطت ما استبان منه عضو وأما إذا أسقطت ما لم يستبن منه عضو فلا تعتبر نفساء بل تعد مستحاضة وقد ذكر العلماء أن أقل مدة يمكن أن يستبين فيها خلق الجنين واحد وثمانون يوماً أي بعد انتهاء مرحلة العلقة من المراحل التي يمر بها الجنين كما ورد في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة) رواه البخاري ومسلم. وقد دلَّ هذا الحديث على أن المراحل التي يمر بها الجنين هي: أربعون يوماً نطفة وأربعون يوماً علقة وأربعون يوماً مضغة والمضغة قد تكون مخلقة وقد تكون غير مخلقة أي أن التخلق يكون بعد ثمانين يوماً كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} سورة الحج الآية 5. وبعد ذلك تنفخ في الجنين الروح. وهذه المراحل هي التي ذكرها الله جل جلاله بقوله {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًاءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} سورة المؤمنون الآيات 12 - 14. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وحديث ابن مسعود

بجميع طرقه يدل على أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يوماً في ثلاثة أطوار كل طور منها في أربعين ثم بعد تكملتها ينفخ فيه الروح، وقد ذكر الله تعالى هذه الأطوار الثلاثة من غير تقييد بمدة في عدة سور، منها في الحج وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كتاب الحيض في " باب مخلقة وغير مخلقة " ودلت الآية المذكورة على أن التخليق يكون للمضغة، وبين الحديث أن ذلك يكون فيها إذا تكاملت الأربعين وهي المدة التي إذا انتهت سميت مضغه، وذكر الله النطفة ثم العلقة ثم المضغة في سور أخرى وزاد في سورة قد أفلح - المؤمنون - بعد المضغة (فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً) الآية، ويؤخذ منها ومن حديث الباب أن تصير المضغة عظاماً بعد نفخ الروح، ووقع في آخر رواية أبي عبيدة المتقدم ذكرها قريباً بعد ذكر المضغة " ثم تكون عظاماً أربعين ليلة ثم يكسو الله العظام لحماً " وقد رتب الأطوار في الآية بالفاء لأن المراد أنه لا يتخلل بين الطورين طور آخر، ورتبها في الحديث بثم إشارة إلى المدة التي تتخلل بين الطورين ليتكامل فيها الطور، وإنما أتى بثم بين النطفة والعلقة لأن النطفة قد لا تتكون إنساناً، وأتى بثم في آخر الآية عند قوله: (ثم أنشأناه خلقاً آخر) ليدل على ما يتجدد له بعد الخروج من بطن أمه ... ] فتح الباري 11/ 589. إذا تقرر هذا فإن الضابط المعتبر في التمييز بين الدم الذي يعد نفاساً والدم الذي يعد استحاضة هو أنه إذا كان الجنين قد تخلق فالدم دم نفاس، وإذا لم يتخلق الجنين فالدم دم استحاضة وبناءً على ما مضى فإن المستحاضة تصلي وتصوم ويأتيها زوجها حيث إن المستحاضة في حكم الطاهر [قال البركوي من علماء الحنفية: الاستحاضة حدث أصغر كالرعاف. فلا تسقط بها الصلاة ولا تمنع صحتها أي على سبيل الرخصة للضرورة، ولا تحرم الصوم فرضاً أو نفلاً، ولا تمنع الجماع - لحديث حمنة: أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يأتيها - ولا قراءة قرآن، ولا مس مصحف، ولا دخول مسجد، ولا طوافاً إذا أمنت التلويث. وحكم الاستحاضة كالرعاف الدائم، فتطالب

المستحاضة بالصلاة والصوم. وكذلك الشافعية، والحنابلة، قالوا: لا تمنع المستحاضة عن شيء، وحكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات ... وقال المالكية كما في الشرح الصغير: هي طاهر حقيقة.] الموسوعة الفقهية الكويتية 3/ 209. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي. قال وقال أُبي: ثم توضأي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) رواه البخاري، وجاء في رواية الترمذي: (عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال لا إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي. قال أبو معاوية في حديثه: وقال توضأي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) ... قال أبو عيسى - أي الترمذي - حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة) سنن الترمذي 1/ 217 - 220. وقال المباركفوري في شرح الحديث: [وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله (ثم توضأي لكل صلاة) وبهذا قال الجمهور .... ] تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 1/ 332. وخلاصة الأمر أن الحامل إذا أجهضت جنيناً تام الخلق فهي نفساء فلا تصلي ولا

حكم الصلاة جماعة قبل جماعة الإمام الراتب

تصوم وإذا أجهضت جنيناً قد استبان منه عضو فهي نفساء أيضاً وأما إذا أجهضت جنيناً لم يستبن منه عضو فهي مستحاضة تصلي وتصوم. حكم الصلاة جماعة قبل جماعة الإمام الراتب يقول السائل: كما تعلمون فهنالك وقت بين الأذان وإقامة الصلاة وقد كنا ننتظر إقامة الصلاة في المسجد فدخل بعض الناس وأقاموا الصلاة وصلوا لوحدهم قبل الجماعة مع إمام المسجد فما حكم ذلك؟ الجواب: الأصل أنه لا تجوز إقامة صلاة جماعة في المسجد قبل جماعة الإمام الراتب [وهو الذي رتبه السلطان، أو نائبه، أو الواقف، أو جماعة من المسلمين والإمام الراتب يقدم في إمامة الصلاة على غيره من الحاضرين وإن اختص غيره بفضيلة كأن يكون أعلم منه أو أقرأ منه، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أتى أرضاً له وعندها مسجد يصلي فيه مولى لابن عمر فصلى معهم، فسألوه أن يصلي بهم فأبى وقال: صاحب المسجد أحق.] الموسوعة الفقهية الكويتية 22/ 46. ولا يجوز لأحد أن يفتات على الإمام الراتب - والافتيات هو الاستبداد بالرأي، والسبق بفعل شيء دون استئذان من يجب استئذانه، أو من هو أحق منه بالأمر فيه، والتعدي على حق من هو أولى منه - الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 280. والمقصود بالافتيات هنا التعدي على حق الإمام الراتب بأن تصلى جماعة قبل جماعة الإمام الراتب لأن ذلك يعتبر تعدياً على حق الإمام الراتب ومخالفة لنظام المسجد وباباً من أبواب الفوضى فيصير كل من دخل أقام الصلاة وصلى مع غيره وهذا مناف للحكمة من صلاة الجماعة وقد ورد في الحديث عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً ولا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه ولا يقعد في بيته على

تكرمته إلا بإذنه) رواه مسلم. قال الإمام النووي [قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه) معناه: ما ذكره أصحابنا وغيرهم: أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره، وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه، وصاحب المكان أحق فإن شاء تقدم، وإن شاء قدَّم من يريده، وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة إلى باقي الحاضرين ; لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 302. وقد أخذ أهل العلم من هذا الحديث أنه لا ينبغي لأحد أن يفتات على إمام المسجد الراتب فيقيم جماعة قبل جماعة الإمام الراتب قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [وإمام المسجد الراتب أولى من غيره لأنه في معنى صاحب البيت والسلطان وقد روي عن ابن عمر أنه أتى أرضاً له، وعندها مسجد يصلي فيه مولى لابن عمر فصلى معهم فسألوه أن يصلي بهم، فأبى وقال: صاحب المسجد أحق ولأنه داخل في قوله: صلى الله عليه وسلم (من زار قوماً فلا يؤمهم)] المغني 2/ 151. وحديث (من زار قوماً فلا يؤمهم) رواه الترمذي وحسنه. وقال الإمام النووي [قال الشافعي والأصحاب: إذا حضرت الجماعة، ولم يحضر إمام فإن لم يكن للمسجد إمام راتب قدموا واحداً وصلى بهم، وإن كان له إمام راتب، فان كان قريباً بعثوا إليه من سيعلم خبره ليحضر أو يأذن لمن يصلي بهم، وإن كان بعيداً أو لم يوجد في موضعه فإن عرفوا من حسن خلقه أن لا يتأذى بتقدم غيره، ولا يحصل بسببه فتنة استحب أن يتقدم أحدهم ويصلي بهم، للحديث المذكور، ولحفظ أول الوقت، والأولى أن يتقدم أولاهم بالإمامة وأحبهم إلى الإمام، وإن خافوا أذاه أو فتنة انتظروه. فإن طال الانتظار وخافوا فوات الوقت كله صلوا جماعة، هكذا ذكر هذه الجملة الشافعي والأصحاب] المجموع 4/ 207

إذا تقرر هذا فإن حصل وأقيمت جماعة قبل جماعة الإمام الراتب فمن أقامها فعمله يدور بين التحريم وبين الكراهة على الخلاف بين الفقهاء فقال الحنابلة بتحريم ذلك وقال الحنفية والشافعية والمالكية بكراهته وكذلك فمن أهل العلم من قال ببطلان تلك الصلاة ومنهم من قال بإجزائها مع الإثم وهو الذي أميل إليه وأختاره. قال ابن مفلح المقدسي الحنبلي [تحرم الإمامة بمسجد له إمام راتب إلا بإذنه، قال أحمد: ليس لهم ذلك. وقال في الخلاف: فقد كره ذلك، قال في الكافي: إلا مع غيبة، والأشهر لا، إلا مع تأخره وضيق الوقت. ويراسل إن تأخر عن وقته المعتاد مع قربه وعدم المشقة. أو لم يظن حضوره، أو ظن ولا يكره ذلك. وإن بعد صلوا، وحيث حرم فظاهره لا تصح. وفي الرعاية لا يؤم، فإن فعل صح ويكره، ويحتمل البطلان للنهي] الفروع 1/ 581. وقال الشيخ العلامة محمد صالح العثيمين في شرح قول صاحب زاد المستقنع [ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب] أي: إذا كان المسجد له إمامٌ راتب. أي: مولًّى مِن قِبَلِ المسؤولين، أو مولًّى مِن قِبَلِ أهلِ الحَيِّ جيران المسجد، فإنَّه أحقُّ الناس بإمامتِهِ، لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلطانه) ومعلومٌ أنَّ إمامَ المسجدِ سلطانُه، والنهيُ هنا للتحريمِ، فلا يجوزُ للإنسان أن يؤمَّ في مسجدٍ له إمامٌ راتبٌ إلا بإذن الإمام أو عُذره. وكما أن هذا مقتضى الحديث، فهو مقتضى القواعد الشرعية؛ لأنه لو ساغ له أن يؤمَّ في مسجد له إمام راتب بدون إذنه أو عذره؛ لأدَّى ذلك إلى الفوضى والنزاع. قوله: (إلا بإذنه) أي: إلَّا إذا وَكَّلَهُ توكيلاً خاصاً أو توكيلاً عاماً. فالتوكيل الخاص: أن يقول: يا فلان صَلِّ بالناس، والتوكيل العام أن يقول للجماعة: إذا تأخَّرتُ عن موعدِ الإقامةِ المعتادِ كذا وكذا فصلُّوا. قوله: «أو عذره» العذر مثل: لو عَلِمنا أنَّ إمامَ المسجدِ أصابَه مرضٌ لا يحتمل أن يحضر معه إلى المسجد فلنا أن نُصلِّيَ، وإنْ لم يأذن. مسألة: لو أنَّ أهلَ المسجدِ قدَّموا شخصاً يصلِّي بهم بدون

إذن الإمامِ ولا عذره وصَلَّى بهم فهل تصحُّ الصلاةُ أو لا تصحُّ؟ فالجواب: في هذا لأهلِ العِلمِ قولان: القول الأول: أنَّ الصَّلاة تصحُّ مع الإثم. القول الثاني: أنهم آثمون، ولا تصحُّ صلاتُهم، ويجبُ عليهم أن يُعيدُوها. والرَّاجح القول الأول: لأنَّ تحريمَ الصَّلاةِ بدون إذن الإمام أو عُذره ظاهرٌ من الحديثِ والتعليل، وأما صِحةُ الصلاةِ؛ فالأصلُ الصحةُ حتى يقومَ دليلٌ على الفسادِ، وتحريمُ الإمامةِ في مسجدٍ له إمامٌ راتبٌ بلا إذنِهِ أو عذرِهِ لا يستلزمُ عدمَ صحةِ الصلاةِ؛ لأنَّ هذا التحريمَ يعودُ إلى معنًى خارجٍ عن الصلاة وهو الافتيات على الإمام، والتقدُّم على حَقِّهِ، فلا ينبغي أن تُبطل به الصلاةُ.] الشرح الممتع 4/ 216 - 218. وقال علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي تحت عنوان الافتئات على الإمام الراتب: [يوجد في كثير من الجوامع الكبيرة أناس يفتاتون على الإمام الراتب أي يتقدمون بالصلاة جماعة عليه قبل أن تقام له فيختزلون من الجامع ناحية يؤمون بها أناساً على شاكلتهم رغبة في العجلة أو حباً في الانفراد للشهرة. وقد اتفقت الحنابلة والمالكية على تحريم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب. قالت الحنابلة إلا بإذنه وإلا فلا تصح صلاته كما في الإقناع وشرحه. وقالت المالكية كره إقامتها قبل الراتب وحرم معه ووجب الخروج عند إقامتها للراتب كما في أقرب المسالك، وكره ذلك الشافعية وأفتى ابن حجر بمنعه بتاتاً، وصرح الإمام الماوردي من الشافعية بتحريم ذلك في مسجد له راتب وكره ذلك الحنفية. ولا يخفى أن ما ينشأ عن هذا الإفتئات من المفاسد يقضي بتحريمه لأنه يؤدي إلى التباغض والتشاجر وتفريق كلمة المسلمين والتشيع والتحزب في العبادة، ولمخالفة أمر السلطان أو نائبه لأنه أذن للراتب فقط. ولاتباع الهوى ومضادة حكمة مشروعية الجماعة من الاتحاد للتآلف والتعارف والتعاون على البر والتقوى فإن في تقسيمها تناكر النفوس وتبديل الأنس وحشة، إلى مفاسد أخرى تنتهي إلى قريب الأربعين مفسدة، وقد جمعت في حظر ذلك رسالة

وقت الانتظار بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب

سميتها (إقامة الحجة على المصلي جماعة قبل الإمام الراتب من الكتاب والسنة وأقوال سائر أئمة المذاهب) فليحذر من هذه البدعة الشنيعة هدى الله المفتاتين للإقلاع عنها] إصلاح المساجد عن البدع والعوائد ص 78 - 79. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز لأحد أن يقيم صلاة جماعة قبل جماعة الإمام الراتب لأن في ذلك افتياتاً على الإمام الراتب ومنافاة لحكمة مشروعية صلاة الجماعة فمن فعل ذلك صحت صلاته مع الإثم. وقت الانتظار بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب يقول السائل: اختلف المصلون في مسجدنا حول وقت الانتظار بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب حيث يفصل المؤذن بينهما بخمس دقائق فمنهم من يقول بأن وقت الانتظار قصير ومنهم من يقول بأن وقت الانتظار كافٍ، فما قولكم؟ الجواب: الفصل بين الأذان والإقامة بفاصل زمني ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة منها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء وهي التي يدعو الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بين كل أذانين صلاة ثلاثاً لمن شاء) رواه البخاري ومسلم، والمقصود بالأذانين في الحديث الأذان والإقامة، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (بين كل أذانين) أي أذان وإقامة، ولا يصح حمله على ظاهره لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة، والخبر ناطق بالتخيير لقوله " لمن شاء "، وأجرى المصنف - أي البخاري - الترجمة مجرى

البيان للخبر لجزمه بأن ذلك المراد، وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم القمرين للشمس والقمر] فتح الباري 2/ 141. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه يقول: (كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة حين يراه) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وورد في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المؤذن أن يجعل وقتاً بين الأذان والإقامة حتى يتمكن المصلون من الاستعداد للصلاة، فقد روى الترمذي بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لبلال: يا بلال إذا أذنت فترسل في أذانك وإذا أقمت فاحدر - أي أسرع في كلمات الإقامة - واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته - هو من يؤذيه بول أو غائط أي يفرغ الذي يقضي حاجته - ولا تقوموا حتى تروني)، ورواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي المتوضئ حاجته في مهل) وقد اختلف المحدثون في الحديث السابق فمنهم من حسنه واحتج به ومنهم من ضعفه كالحافظ ابن حجر العسقلاني كما في فتح الباري 2/ 140. وقد حكم الشيخ الألباني على الحديث السابق بأنه حديث حسن لتعدد طرقه كما في السلسلة الصحيحة حديث رقم 887 وكذلك حسنه في صحيح الجامع حديث رقم 150. وبناءً على الأحاديث السابقة استحب الفقهاء الفصل بين الأذان والإقامة وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه (باب كم بين الأذان والإقامة) ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن ابن بطال قوله: لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت، واجتماع المصلين] فتح الباري 2/ 140.

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي [ويستحب أن يفصل بين الأذان والإقامة بقدر الوضوء وصلاة ركعتين يتهيأون فيها] المغني 1/ 299. وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي [والمستحب أن يقعد بين الأذان والإقامة قعدة ينتظر فيها الجماعة] المهذب مع شرحه المجموع 3/ 120. وقال الشوكاني بعد أن ذكر حديث جابر السابق [والحديث يدل على مشروعية الفصل بين الأذان والإقامة وكراهة الموالاة بينهما لما في ذلك من تفويت صلاة الجماعة على كثير من المريدين لها ; لأن من كان على طعامه أو غير متوضئ حال النداء إذا استمر على أكل الطعام أو توضأ للصلاة فاتته الجماعة أو بعضها بسبب التعجيل وعدم الفصل لا سيما إذا كان مسكنه بعيدا من مسجد الجماعة، فالتراخي بالإقامة نوع من المعاونة على البر والتقوى المندوب إليها.] نيل الأوطار 2/ 10. ومن الفقهاء من حدد مقدار الفصل بين الأذان والإقامة، قال الإمام الزيلعي: [قال رحمه الله (ويجلس بينهما إلا في المغرب) أي بين الأذان والإقامة لما روينا ولما روي أنه عليه الصلاة والسلام (قال لبلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً يفرغ المتوضئ من وضوئه مهلاً والمتعشي من عشائه) ولأن المقصود الإعلام بدخول الوقت ليتأهب السامعون بالطهارة ونحوها فيفصل بينهما ليحصل به المقصود ولم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الفصل وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية وفي الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة عشر آيات وفي العصر بقدر ركعتين يقرأ فيهما عشرين آية والعشاء كالظهر والأولى أن يصلي بينهما لقوله عليه الصلاة والسلام: بين كل أذانين صلاة إن شاء] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 1/ 92. إذا تقرر أن الفصل مشروع بين الأذان والإقامة فإن ذلك يشمل صلاة المغرب أيضاً على الراجح من أقوال أهل العلم خلافاً لبعض العلماء الذين يرون عدم الفصل للأمر بتعجيلها ولكن ينبغي أن يكون الفاصل في صلاة المغرب قصيراً يكفي لصلاة ركعتين

قبل الإقامة لما ثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء قال عثمان بن جبلة وأبو داود عن شعبة لم يكن بينهما إلا قليل) رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (شيء) التنوين فيه للتعظيم، أي لم يكن بينهما شيء كثير] فتح الباري 2/ 142. وعن عبد الله المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة) رواه البخاري، وروى مسلم عن مختار بن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن التطوع بعد العصر فقال: (كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر وكنا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب فقلت له أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما قال كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا. قال الإمام النووي: [وفي هذه الروايات استحباب ركعتين بين المغرب وصلاة المغرب. وفي المسألة وجهان لأصحابنا أشهرهما: لا يستحب، وأصحهما عند المحققين، يستحب لهذه الأحاديث ... والمختار استحبابها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة، وفي صحيح البخاري عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، قال في الثالثة: لمن شاء) وأما قولهم: يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه، ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها، وأما من زعم النسخ فهو مجازف ; لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ، وليس هنا شيء من ذلك.] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 440 - 441.

وقوف الصبيان في الصف الأول في صلاة الجماعة

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قال القرطبي وغيره: ظاهر حديث أنس أن الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمراً أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه، وهذا يدل على الاستحباب، وكأن أصله قوله صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة "] فتح الباري 2/ 142. وخلاصة الأمر أن الفصل بين الأذان والإقامة أمر مشروع في جميع الصلوات المفروضة وينبغي أن يكون الوقت الفاصل بينهما يتسع لتمكين المصلين من اللحاق بالجماعة فمن المستحسن أن يكون ذلك الفاصل بمقدار عشرين دقيقة إلى ثلاثين في صلاة الفجر وعشر دقائق إلى خمس عشرة دقيقة في الظهر والعصر والعشاء وأما المغرب فخمس دقائق تكفي ولا ينبغي أن يزيد على عشر دقائق للأمر بتعجيلها. وقوف الصبيان في الصف الأول في صلاة الجماعة يقول السائل: إن إمام مسجدنا يمنع الأولاد من الوقوف في الصف الأول وإذا رأى أحدهم في الصف الأول طرده ويطلب منهم أن يصفوا لوحدهم ويحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) فما قولكم في ذلك؟ الجواب: أبدأ أولاً بالكلام على الحديث المذكور في السؤال فهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن أبي مسعود رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافاً) ورواه مسلم أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثلاثاً وإياكم وهيشات الأسواق)، وأبو مسعود راوي الحديث الأول هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري رضي الله عنه توفي سنة 40 هجرية وهو غير راوي الحديث الثاني عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه المتوفى سنة 32 هجرية. ومعنى قول النبي

صلى الله عليه وسلم (ليلني) أي ليدن مني وليقرب مني. قال الإمام النووي: [وأولو الأحلام هم العقلاء وقيل البالغون و (النهى) بضم النون العقول. فعلى قول من يقول: أولو الأحلام العقلاء يكون اللفظان بمعنى - واحد -، فلما اختلف اللفظ عطف أحدهما على الآخر تأكيداً. وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء قال أهل اللغة واحدة (النهى) نهية بضم النون وهي العقل ورجل (نهٍ) و (نهى) من قوم نهين، وسمي العقل نهية لأنه ينتهي إلى ما أمر به ولا يتجاوز، وقيل: لأنه ينهى عن القبائح. قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون النهى مصدراً كالهدى، وأن يكون جمعاً كالظلم، قال: والنهى في اللغة معناه الثبات والحبس. ومنه النهى والنهى بكسر النون وفتحها والنهية للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع. قال الواحدي: فرجع القولان في اشتقاق النهية إلى قول واحد وهو الحبس فالنهية هي التي تنهى وتحبس عن القبائح.] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 116. وقوله صلى الله عليه وسلم (ثم الذين يلونهم) معناه الذين يقربون من أول النهى في هذا الوصف، وقوله صلى الله عليه وسلم (ثم الذين يلونهم) أي كالصبيان المميزين والذين هم أنزل مرتبة من المتقدمين حلماً وعقلاً والمعنى أنه هلم جرا، فالتقدير ثم الذين يلونهم كالنساء ... ] كما قاله الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح 3/ 172. إذا تقرر هذا فإن المقصود من الحديث هو أن يقف خلف الإمام الرجال العقلاء فهم أولى الناس بالوقوف خلف الإمام في الصلاة فينبغي أن يقدموا على غيرهم لأنه قد يطرأ طارئ على الأمام أثناء الصلاة كأن يحتاج لمن يفتح عليه أو أن يستخلف أو يسهو فيحسن أولو الأحلام والنهى التصرف، قال الإمام النووي: [في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا يتفطن له غيره، وليضبطوا

صفة الصلاة، ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناس وليقتدي بأفعالهم من وراءهم ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة، ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتدريس والإفتاء وإسماع الحديث ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 116. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي [السنة أن يتقدم في الصف الأول أولو الفضل والسن ويلي الإمام أكملهم وأفضلهم، قال أحمد: يلي الإمام الشيوخ وأهل القرآن وتؤخر الصبيان والغلمان ولا يلون الإمام] المغني 2/ 160. وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يكره أن يقوم الناس في المسجد خلف الإمام إلا من قد احتلم أو أنبت أو بلغ خمس عشرة سنة. فقلت له: ابن اثنتي عشرة سنة أو نحوها، قال: ما أدري. قلت له: فكأنك تكره ما دون هذا السن، قال: ما أدري، فذكرت له حديث أنس واليتيم. فقال: ذاك في التطوع. ولا يدل الحديث السابق على منع الصبيان من الوقوف في الصف الأول ولكنه يدل على أنهم لا يقفون خلف الإمام مباشرة لأن خلف الإمام لأولي الأحلام والنهى كما في الحديث، وأما الصبيان فلهم أن يصفوا في أطراف الصف الأول، ذات اليمين وذات الشمال، وفيما يليه من الصفوف. ولا ينبغي طرد الصبيان من الصف الأول لأن الصبي إذا سبق للصف الأول فهو أحق به من غيره لما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، فإن الحديث بعمومه يدخل فيه الصبي. قال الشيخ ابن مفلح الحنبلي [ليس له تأخير الصبيان السابقين، وهو مذهب الشافعية وصوبه في الإنصاف، فإن الصبي إذا عقل القرب كالبالغ في الجملة،

والحديثان (من سبق إلي مكان فهو أحق به) (ولا يقيم أحدكم أخاه من مجلسه) عامان ولو كان تأخيرهم أمراً مشهوراً لاستمر العمل عليه، ولنقل نقلاً لا يحتمل الاختلاف.] الفروع وينبغي أن يعلم أن بعض الفقهاء يرى أن الصفوف في صلاة الجماعة تكون بالترتيب التالي: الرجال أولاً ثم الصبيان ثانياً ثم النساء ثالثاً، لما ورد في الحديث عن عبد الرحمن بن غنم قال: قال أبو مالك الأشعري رضي الله عنه: ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال فأقام الصلاة وصف الرجال وصف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم فذكر صلاته) رواه أبو داود، وفي رواية في مسند أحمد (أن أبا مالك الأشعري رضي الله عنه جمع قومه فقال يا معشر الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أعلمكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صلى لنا بالمدينة فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم فتوضأ وأراهم كيف يتوضأ فأحصى الوضوء إلى أماكنه حتى لما أن فاء الفيء وانكسر الظل قام فأذن فصف الرجال في أدنى الصف وصف الولدان خلفهم وصف النساء خلف الولدان ثم أقام الصلاة ... ) ولكن الحديث ضعيف كما قال العلامة الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح 1/ 348. ومن الفقهاء من يرى أن الصبيان لا ينفردون في صف خاص بهم بل يقفون بين الرجال فيقف صبي بين كل رجلين، [يستحب أن يقف بين كل رجلين صبى ليتعلموا منهم أفعال الصلاة] المجموع 4/ 293، وهذا القول أرجح قولي الفقهاء في المسألة، قال الإمام البخاري في صحيحه [باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز]، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني [قوله: (باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز) ... وذكر فيه طرفاً من حديث ابن عباس المذكور، وكان ابن عباس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دون البلوغ لأنه شهد حجة الوداع وقد قارب الاحتلام ... ] فتح الباري 3/ 242. وقال الإمام البخاري في صحيحه أيضاً [باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز]

ثم ذكر الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبر قد دفن ليلاً فقال: متى دفن هذا؟ قالوا: البارحة، قال: أفلا آذنتموني قالوا دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك فقام فصففنا خلفه قال ابن عباس وأنا فيهم فصلى عليه (، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني [قوله: (باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز) ... قال ابن رشيد: أفاد بالترجمة الأولى بيان كيفية وقوف الصبيان مع الرجال وأنهم يصفون معهم لا يتأخرون عنهم، لقوله في الحديث الذي ساقه فيها " وأنا فيهم "] فتح الباري 3/ 253. وقد رجح العلامة محمد بن صالح العثيمين هذا القول وبين المحذور من تأخير الصبيان عن الصف الأول فقال: [لو قلنا بإزاحة الصبيان عن المكان الفاضل وجعلناهم في مكان واحد أدى ذلك إلى لعبهم لأنهم ينفردون بالصف، ثم هنا مشكل إذا دخل الرجال بعد أن صف الجماعة هل يرجعونهم وهم في الصلاة؟ وإن بقوا صفاً كاملاً فسيشوشون على من خلفهم من الرجال ثم إن تأخيرهم عن الصف الأول بعد أن كانوا فيه يؤدي إلى محذورين: الأول: كراهة الصبي للمسجد لأن الصبي وإن كان صبياً لا تحتقره، فالشيء ينطبع في ذهنه. المحذور الثاني: كراهته للرجل الذي أخره عن الصف، فالحاصل أن هذا القول ضعيف - أي القول بتأخير الصبيان عن أماكنهم -] الشرح الممتع 321. وخلاصة الأمر أنه يجوز للصبيان أن يقفوا في الصف الأول ولكنهم لا يقفون خلف الإمام مباشرة لأن ذاك مقام أولو الأحلام والنهى ولا ينبغي جمع الصبيان في صف واحد خلف الرجال لما يترتب على ذلك من التشويش.

هل الأسير والمعتقل لهما حكم المسافر؟

هل الأسير والمعتقل لهما حكم المسافر؟ يقول السائل: ما قولكم بالفتوى التي تقول إن الأسير والمعتقل لهما حكم المسافر في قصر الصلاة وجمعها فيقصران ويجمعان باستمرار؟ الجواب: إن القول بإلحاق المعتقل والسجين بالمسافر فيعطيان أحكام المسافر قول غير صحيح على إطلاقه بناء على الإطلاع على واقع المساجين، وهذا الإلحاق من باب القياس وهو مساواة الفرع للأصل في علة حكمه ويشترط في إلحاق الفرع بالأصل في القياس الأصولي الاشتراك في العلة بين الفرع والأصل وقد نص أهل العلم على أن علة القصر والجمع للصلاة في حق المسافر هي قطع المسافة وهذه العلة غير موجودة في حق المعتقلين والمساجين وقد توجد في حقهم في بعض الحالات عند نقلهم من سجن لآخر أو إلى المحكمة في مدينة أخرى ونحو ذلك. يقول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} سورة النساء الآية 101، ففي هذه الآية الكريمة علَّق الله عز وجل قصر الصلاة على الضرب في الأرض أي السفر ولا أراه متحققاً في حق السجين فهذا القياس قياس مع الفارق فلا يصح، لأن القياس إنما هو تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع لاشتراكهما في العلة، فلا بد إذن من توافرها فيهما معاً، ومثال ذلك قياس النبيذ على الخمر، فإن العلة في الأصل هي الإسكار وهي قائمة في الفرع أيضاً، أما قياس الماء على الخمر فممتنع لأن العلة في الخمر هي الإسكار وهي غير موجودة في الماء، فلا يصح القياس لذلك، وهنا لا يصح قياس السجين على المسافر لأن العلة في الأصل وهي السفر - والسفر هو قطع المسافة - غير موجودة في الفرع وهو السجين. ويضاف إلى ذلك أن جمهور الفقهاء قد نصوا على أن المسافر إذا نوى الإقامة أربعة أيام فأكثر لا يجوز له أن يقصر أو يجمع ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة

فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى وخرج من مكة متوجهًا إلى المدينة بعد أيام التشريق). قال الإمام الشوكاني: [والحق أن من حط رحله ببلد ونوى الإقامة بها أياماً من دون تردد لا يقال له مسافر فيتم الصلاة ولا يقصر إلا لدليل ولا دليل ههنا إلا ما في حديث الباب من إقامته صلى اللَّه عليه وسلم بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة والاستدلال به متوقف على ثبوت أنه صلى اللَّه عليه وسلم عزم على إقامة أربعة أيام إلا أن يقال إن تمام أعمال الحج في مكة لا يكون في دون الأربع فكان كل من يحج عازماً على ذلك فيقتصر على هذا المقدار ويكون الظاهر والأصل في حق من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام هو التمام وإلا لزم أن يقصر الصلاة من نوى إقامة سنين متعددة ولا قائل به. ولا يرد على هذا قوله صلى اللَّه عليه وسلم في إقامته بمكة في الفتح إنا قوم سفر كما سيأتي لأنه كان إذ ذاك متردداً ولم يعزم على إقامة مدة معينة] نيل الأوطار 3/ 237. ومن المعلوم أن السجين يقيم في سجنه أكثر من أربعة أيام بل إن بعضهم يقيم أشهراً وسنواتٍ فلا يصح إلحاقه بالمسافر. وكذلك فإن القول بأن السجين ملحق بالمسافر فمعنى ذلك أنه لا يجب عليه صوم رمضان ولا يصلي جماعة ولا جمعة ولا صلاة العيد وفي هذا حرمان من خير كثير وخاصة إذا كان محكوماً لمدة طويلة وكذلك فإنه يخسر المعاني العظيمة التي تترتب على إقامة هذه الشعائر. وإذا قررنا انتفاء العلة التي تلحق الأسير بالمسافر بطل القول بجواز جمع السجين بين الصلوات أيضاً لأن انتفاء العلة يعني نفي الحكم فالحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً ويجب أن يعلم أن كل من يجمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فجمعه باطل أي إن صلاته الثانية باطلة لأنها وقعت في غير وقتها المقدر لها شرعاً فدخول الوقت شرط من شروط صحة الصلاة والأصل في الصلوات الخمس أن تصلى كل منها في وقتها الشرعي

قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} سورة النساء الآية 103. قال الشوكاني في تفسير الآية: [أي محدوداً معيناً يقال وقَّته فهو موقوت ووقَّته فهو مؤقت والمعنى إن الله افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي من نوم أو سهو أو نحوهما] تفسير فتح القدير 1/ 510. وكذلك فإن من جمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فقد ارتكب حراماً بل كبيرة من كبائر الذنوب كما نص على ذلك الشيخ ابن حجر المكي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 288 - 289. وقد ذكر ابن كثير عن أبي قتادة العدوي قال: قرئ علينا كتاب عمر (من الكبائر جمع بين الصلاتين يعني بغير عذر والفرار من الزحف والنهبة). وهذا إسناد صحيح والغرض أنه إذا كان الوعيد فيمن جمع بين الصلاتين كالظهر والعصر تقديماً أو تأخيراً وكذا المغرب والعشاء كالجمع بسبب شرعي، فمن تعاطاه بغير شيء من تلك الأسباب يكون مرتكباً كبيرةً فما ظنك بترك الصلاة بالكلية) تفسير ابن كثير1/ 485. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن ترك صلاة واحدةً عمداً بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاءً فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر فأجاب: [الحمد لله، نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمداً من الكبائر، بل قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر، وقد رواه الترمذى مرفوعاً عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر). ورفع هذا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وإن كان فيه نظر فإن الترمذي قال العمل على هذا عند أهل العلم والأثر معروف وأهل العلم ذكروا ذلك مقرين له لا منكرين له] مجموع الفتاوى 22/ 53 - 54. وخلاصة الأمر أن قياس السجين على المسافر قياس باطل فلا يجوز للسجين أن يقصر

عدم اتصال الصفوف للعجز عن ذلك

الصلاة الرباعية ولا أن يجمع بين الصلاتين إلا إذا سافر حقيقة. وأنصح إخواني المساجين - فك الله أسرهم - بأن يلتزموا بما قرره أهل العلم وأحذرهم من التساهل في الجمع والقصر لأن جمعهم وقصرهم يعتبر باطلاً. عدم اتصال الصفوف للعجز عن ذلك يقول السائل: إنه سجين وإن السجناء يصلون جماعة داخل الخيمة بسبب المطر، وبسبب الازدحام فإنه لا يمكن اتصال الصفوف، فبعض السجناء يصلي على الأرض وبعضهم يصلي على الأبراش (الأسرَّة) ويكون الإمام على الأرض وهم أعلى منه في المكان، فما حكم في ذلك؟ الجواب: يجب أن يُعلم أولاً أن تسوية الصفوف من تمام الصلاة كما ورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وكذلك فإنه ينبغي على الإمام أن يأمر المصلين بتسوية الصفوف فقد ثبت في الحديث عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول: تراصوا واعتدلوا) رواه البخاري ومسلم. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها! فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف) رواه مسلم. وعن أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه فإن كان نقص فيكون في الصف المؤخر) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني. إذا تقرر هذا فإن الأصل في الصفوف في صلاة الجماعة أن تكون منضبطة ومتصلة ولا ينبغي أن يكون هنالك انقطاع بينها. ولكن نظراً للظروف السائدة في السجن كما ذكر

يجوز تسمية المسجد باسم شخص معين

السائل فإنه يجوز أن يصف المساجين على أبراشهم (أسرَّتهم) والانقطاع الحاصل بين المصلي والآخر في هذه الحالة لا بأس به بسبب طبيعة الوضع داخل الخيمة ولا حرج في ارتفاع المأموم عن الإمام في المكان في هذه الحالة حيث أجاز الفقهاء ارتفاع المأمومين عن الإمام. ومع كل ما سبق فإني أنصح المساجين أن يحاولوا قدر الاستطاعة أن يصفوا بالطريقة المشروعة إن أمكنهم ذلك. وإلا فإنهم معذورون إن شاء الله تعالى. والتكليف لا يكون إلا حسب الوسع والطاقة، فقد قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} سورة البقرة الآية 286. وقال سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} سورة التغابن الآية 16. يجوز تسمية المسجد باسم شخص معين يقول السائل: إنه سمع أحد المشايخ في إحدى الفضائيات يمنع تسمية المسجد باسم شخص معين فما قولكم في ذلك أفيدونا؟ الجواب: إن بناء المساجد من الأمور المرغب فيها شرعاً وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في فضل بناء المساجد والمشاركة في بنائها فمن ذلك: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه ابن حبان والبزار والطبراني في الصغير وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. وهذا الحديث يدل على المشاركة في بناء المسجد لأن مفحص القطاة لا يكفي ليكون مسجداً. ومفحص القطاة هو المكان الذي تفحصه القطاة لتضع فيه بيضها وترقد عليه.

وعن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى لله مسجداً صغيراً كان أو كبيراً بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علَّمه ونشره أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً ورثه أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجة وابن خزيمة والبيهقي وقال الشيخ الألباني: وإسناد ابن ماجة حسن. انظر صحيح الترغيب والترهيب ص 109 - 111. إذا تقرر هذا فإن إضافة المساجد لله تعالى إنما هي إضافة تشريف كما ورد في قوله تعالى {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} سورة الجن الآية 18. وقال تعالى {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} سورة البقرة الآية 114. وقال تعالى {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} سورة التوبة الآيتان 17 - 18. قال الإمام ابن العربي المالكي [المساجد وإن كانت لله ملكاً وتشريفاً فإنها قد نسبت إلى غيره تعريفاً، فيقال: مسجد فلان. وفي صحيح الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي أضمرت من الحيفاء وأمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق) وتكون هذه الإضافة

بحكم المحلية، كأنها في قبلتهم، وقد تكون بتحبيسهم، فإن الأرض لله ملكاً، ثم يخص بها من يشاء، فيردها إليه، ويعينها لعبادته، فينفذ ذلك بحكمه، ولا خلاف بين الأمة في تحبيس المساجد والقناطر والمقابر وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك] أحكام القرآن لابن العربي 4/ 1869. وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه (باب هل يقال مسجد بني فلان) ثم روى بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء وأمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بها). قال الحافظ ابن حجر العسقلاني [قوله (باب هل يقال مسجد بني فلان) أورد فيه حديث ابن عمر في المسابقة، وفيه قول ابن عمر " إلى مسجد بني زريق " وزريق بتقديم الزاي مصغراً، ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلي فيها، ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها، وإنما أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالاً إذ يحتمل أن يكون ذلك قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون هذه الإضافة وقعت في زمنه، ويحتمل أن يكون ذلك مما حدث بعده، والأول أظهر والجمهور على الجواز، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما رواه ابن أبي شيبة عنه أنه كان يكره أن يقول مسجد بني فلان ويقول مصلى بني فلان لقوله تعالى (وأن المساجد لله)، وجوابه أن الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك ... (تنبيه): الحفياء بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها ياء أخيرة ممدودة، والأمد الغاية. واللام في قوله " الثنية " للعهد من ثنية الوداع.] فتح الباري 1/ 667. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أضاف المسجد لنفسه الشريفة كما صح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) رواه البخاري ومسلم.

وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عبد الله بن عبد الرحمن رضي الله عنه قال: (جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل فرأيته واضعاً يديه على ثوبه إذا سجد) قال في الزوائد إسناده متصل. سنن ابن ماجة 1/ 329. وعن ابن عمر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مسجد بني عمرو بن عوف فدخل الناس يسلمون عليه وهو في الصلاة قال فسألت صهيباً كيف كان يرد عليهم قال هكذا وأشار بيده) رواه الدارمي وغيره وهو صحيح على شرط الصحيحين كما في فتح المنان 6/ 375. قال الإمام النووي [ولا بأس أن يقال مسجد فلان ومسجد بني فلان على سبيل التعريف] المجموع 2/ 180. ويضاف إلى ما سبق أن المسلمين على مر العصور والأيام قد تعارفوا على تسمية المساجد بأسماء الأشخاص سواء كانوا صحابة أو علماء أو قادة أو غيرهم، قال الشيخ العلامة د. بكر أبو زيد حفظه الله تعالى [إن المساجد قد حصل بالتتبع وجود تسميتها على الوجوه الآتية وهي: أولاً: تسمية المسجد باسم حقيقي، كالآتي: 1. إضافة المسجد إلى من بناه، وهذا من إضافة أعمال البر إلى أربابها، وهي إضافة حقيقية للتمييز، وهذه تسمية جائزة ومنها: ((مسجد النبي صلى الله عليه وسلم)) ويُقال: ((مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم)). 2. إضافة المسجد إلى من يصلي فيه، أو إلى المحلة، وهي إضافة حقيقية للتمييز فهي جائزة ومنها: ((مسجد قباء)) و ((مسجد بني زريق))، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في حديث المسابقة إلى مسجد بني زريق. ((ومسجد السوق)). كما ترجم البخاري - رحمه الله - بقوله: ((باب العلماء في مسجد السوق)). 3. إضافة المسجد إلى وصف تميز به مثل: ((المسجد الحرام)) و ((المسجد الأقصى)) كما في

قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الاسراء: من الآية1]. وفي السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة: ((لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام. والمسجد الأقصى. ومسجدي هذا)). ومنه: ((المسجد الكبير)). وقد وقع تسمية بعض المساجد التي على الطريق بين مكة والمدينة باسم: ((المسجد الأكبر)). كما في صحيح البخاري، ومثله يُقال: ((الجامع الكبير)). ثانياً: تسمية المسجد باسم غير حقيقي لكي يتميز ويعرف به. وهي ظاهرة منتشرة في عصرنا؛ لكثرة بناء المساجد وانتشارها ولله الحمد في بلاد المسلمين، في المدينة وفي القرية، بل في الحي الواحد، فيحصل تسمية المسجد باسم يتميز به، واختيار إضافته إلى أحد وجوه الأُمة وخيارها من الصحابة رضي الله عنهم، فمن بعدهم من التابعين لهم بإحسان، مثل: ((مسجد أبي بكر رضي الله عنه))، ((مسجد عمر رضي الله عنه))، وهكذا للتعريف، فهذه التسمية لا يظهر بها بأس، لاسيما وقد عُرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تسميته: سلاحه، وأثاثه، ودوابه، وملابسه، كما بينها ابن القيم - رحمه الله تعالى - في أول كتاب زاد المعاد ... ثالثاً: تسمية المسجد باسم من أسماء الله تعالى مثل: ((مسجد الرحمن))، ((مسجد القدوس))، ((مسجد السلام))، ومعلوم أن الله سبحانه قال وقوله الفصل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن: 18]. فالمساجد جميعها لله تعالى بدون تخصيص، فتسمية مسجد باسم من أسماء الله ليكتسب العلمية على المسجد أمر محدث لم يكن عليه من مضى، فالأولى تركه ... ] معجم المناهي اللفظية ص 504 - 506. قلت ما ذكره الشيخ أخيراً من أن الأولى عدم تسمية المساجد بنحو ((مسجد الرحمن))، ((مسجد القدوس))، ((مسجد السلام)) لا أرى فيه بأساً فتجوز إضافة المساجد إلى أسماء الله الحسنى.

حكم الغسل من تغسيل الميت

وخلاصة الأمر أنه لا حرج في تسمية المساجد بأسماء أشخاص وإن كنت أفضل أن لا يسمى مسجد باسم شخص قد بناه إذا كان الباني حياً وذلك بعداً عن الرياء وأما بعد موته فلا بأس بتسمية المسجد باسم بانيه، كما ينبغي أن تسمى المساجد بأسماء الصحابة والتابعين والأئمة والقادة الصالحين ونحوهم. حكم الغسل من تغسيل الميت يقول السائل: كنا في جنازة فقال أحد الحاضرين إنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يفيد أن من غسَّل الميت فعليه الغسل ومن حمله فعليه الوضوء، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غسَّل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم، وهذا الحديث قد اختلف فيه العلماء اختلافاً كبيراً فمنهم من ضعفه، قال الإمام الشوكاني: [قال علي بن المديني وأحمد بن حنبل: لا يصح في الباب شيء. وهكذا قال الذهبي فيما حكاه الحاكم في تاريخه (ليس فيمن غسل ميتاً فليغتسل) حديث صحيح. وقال الذهلي: لا أعلم فيه حديثاً ثابتاً ولو ثبت للزمنا استعماله. وقال ابن المنذر: ليس في الباب حديث يثبت. وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه: لا يرفعه الثقات إنما هو موقوف. وقال الرافعي: لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئاً مرفوعاً.] نيل الأوطار 1/ 279. وقال الإمام النووي [وليس في الغسل من غسل الميت شيء صحيح] المجموع 2/ 204. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [حديث: (من غسل ميتا فليغتسل) أحمد والبيهقي، من رواية ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، بهذا، وزاد (ومن حمله فليتوضأ) وصالح ضعيف، ورواه البزار، من رواية العلاء، عن أبيه، ومن رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، ومن رواية أبي بحر البكراوي، عن محمد

بن عمرو، عن أبي سلمة، كلهم عن أبي هريرة، ورواه الترمذي وابن ماجة، من حديث عبد العزيز بن المختار، وابن حبان، من رواية حماد بن سلمة كلاهما، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة، ورواه أبو داود، من رواية عمرو بن عمير، وأحمد من رواية شيخ يقال له أبو إسحاق، كلاهما عن أبي هريرة، وذكر البيهقي له طرقاً وضعفها، ثم قال: والصحيح أنه موقوف، وقال البخاري: الأشبه موقوف. وقال علي - ابن المديني - وأحمد: لا يصح في الباب شيء، نقله الترمذي عن البخاري عنهما، وعلق الشافعي القول به على صحة الخبر، وهذا في البويطي. وقال الذهلي: لا أعلم فيه حديثاً ثابتاً، ولو ثبت للزمنا استعماله. وقال ابن المنذر: ليس في الباب حديث يثبت، وقال ابن أبي حاتم في العلل، عن أبيه: لا يرفعه الثقات، إنما هو موقوف] التلخيص الحبير 1/ 136. ومن العلماء من قال إن هذا الحديث منسوخ، والنسخ عند الأصوليين هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر. وممن قال بأنه منسوخ الإمام أحمد وأبو داود صاحب السنن وغيرهما، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني [وقد أجاب أحمد عنه بأنه منسوخ، وكذا جزم بذلك أبو داود] التلخيص الحبير 1/ 138. ويدل على أنه منسوخ ما يلي: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، إن ميتكم يموت طاهراً وليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي وضعفه إلا أن الحافظ ابن حجر العسقلاني ردَّ تضعيفه وحسَّن الحديث في التلخيص الحبير 1/ 138، وحسنه العلامة الألباني في أحكام الجنائز ص 54. ومما يدل على النسخ أيضاً ما رواه مالك في الموطأ (أن أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه غسَّلت أبا بكر حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من

المهاجرين فقالت: إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل علي من غسل قالوا: لا) ورواه البيهقي وقال وله شواهد عن ابن أبي مليكة عن عطاء عن سعد بن إبراهيم وكلها مراسيل. ومما يدل على النسخ أيضاً حديث عمر رضي الله عنه قال (كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل) أخرجه الخطيب وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: إسناد صحيح، التلخيص الحبير 1/ 138. وقال ابن عباس رضي الله عنهما (لا غسل عليكم من غسل الميت) رواه الدارقطني والحاكم مرفوعاً وصحح البيهقي وقفه وقال: لا يصح رفعه. ومن العلماء من قال إن الحديث لا يقل عن درجة الحسن، قال الحافظ ابن حجر [وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسناً، فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض، وقد قال الذهبي في مختصر البيهقي: طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء، ولم يعلوها بالوقف، بل قدموا رواية الرفع] التلخيص الحبير 1/ 137. والذين ثبت عندهم الحديث اختلفوا فمنهم من قال الأمر بالاغتسال في الحديث للوجوب وهو قول ابن حزم الظاهري وقوله مردود. ومنهم من قال إن الأمر في الحديث محمول على الندب لا على الوجوب فيسن الغسل من تغسيل الميت، قال الإمام الشوكاني [وهو من الأدلة الدالة على استحباب الغسل دون وجوبه وهو أيضاً من القرائن الصارفة عن الوجوب فإنه يبعد غاية البعد أن يجهل أهل ذلك الجمع الذين هم أعيان المهاجرين والأنصار واجباً من الواجبات الشرعية ولعل الحاضرين منهم ذلك الموقف جلهم وأجلهم لأن موت مثل أبي بكر حادث لا يظن بأحد من الصحابة الموجودين في المدينة أن يتخلف عنه وهم في ذلك الوقت لم يتفرقوا كما تفرقوا من بعد] نيل الأوطار 1/ 281.

وقال العلامة الألباني بعد أن فصَّل الكلام على طرق الحديث: [وبالجملة، هذه خمسة طرق للحديث بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف منجبر، فلا شك في صحة الحديث عندنا، ولكن الأمر فيه للاستحباب لا للوجوب لأنه قد صح عن الصحابة أنهم كانوا إذا غسلوا الميت فمنهم من يغتسل ومنهم من لا يغتسل] إرواء الغليل 1/ 175. ومن العلماء من رأى أن المراد بالغسل غسل الأيدي لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، إن ميتكم يموت طاهراً وليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم). هذا ما يتعلق بالغسل من تغسيل الميت. وأما مسألة الوضوء من حمل الميت فالصحيح من أقوال أهل العلم أن ذلك ليس بواجب ولا مندوب، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [وهذا قول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله لأن الوجوب من الشرع ولم يرد في هذا نص، ولا هو في معنى المنصوص عليه فبقي على الأصل ولأنه غسل آدمي فأشبه غسل الحي] المغني 1/ 141. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي في موضع آخر [ولذلك لا يعمل به في وجوب الوضوء على من حمله وقد ذكر لعائشة قول أبي هريرة (ومن حمله فليتوضأ) قالت: وهل هي إلا أعواد حملها، ذكره الأثرم بإسناده ولا نعلم أحداً قال به في الوضوء من حمله] المغني 1/ 155. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز [أما حمله فلم يصح في الوضوء منه شيء، ولا يستحب الوضوء من حمله؛ لعدم الدليل على ذلك] مجلة الدعوة العدد 1557. ومن أهل العلم من قال إن ذكر الوضوء في الحديث ليكون الحامل للميت مستعداً لصلاة الجنازة، قال الإمام الباجي المالكي [وأمر الحامل للميت أن يتوضأ قبل أن

ألفاظ تستعمل عند التعزية

يحمله ليكون على طهارة إذا صلى عليه فيصلي مع المصلين عليه] المنتقى شرح موطأ مالك 2/ 455. وخلاصة الأمر أنه يستحب الغسل لمن غسَّل الميت، لأن الحديث الوارد لا يقل عن درجة الحسن، ولا وضوء على من حمل الميت. ألفاظ تستعمل عند التعزية يقول السائل: يستعمل بعض الناس ألفاظاً عند التعزية كقولهم (البقية في حياتك) وقولهم (يسلم رأسك) فما حكم هذه العبارات أفيدونا؟ الجواب: التعزية من السنة وهي مستحبة عند أهل العلم فقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة) رواه ابن ماجة والبيهقي بإسناد حسن كما قال الإمام النووي في الأذكار ص 126. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه) رواه مسلم. وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن جعفر في قصة استشهاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وفيها (فقال اللهم اخلف جعفراً في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه قالها ثلاث مرار) قال العلامة الألباني: وإسناده صحيح على شرط مسلم، أحكام الجنائز ص 166. وعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد الأنصار، ويعودهم، ويسأل عنهم، فبلغه عن امرأة من الأنصار مات ابنها وليس لها

غيره، وأنها جزعت عليه جزعاً شديداً، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه، فلما بلغ باب المرأة، قيل للمرأة: إن نبي الله يريد أن يدخل، يعزيها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنه بلغني أنك جزعت على ابنك، فأمرها بتقوى الله وبالصبر، فقالت: يا رسول الله مالي لا أجزع وإني امرأة رقوب لا ألد، ولم يكن لي غيره؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرقوب: الذي يبقى ولدها، ثم قال: ما من امرئ أو امرأة مسلمة يموت لها ثلاثة أولاد يحتسبهم إلا أدخله الله بهم الجنة، فقال عمر وهو عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي واثنين؟ قال: واثنين.) قال العلامة الألباني [رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. قلت - الألباني - بل هو على شرط مسلم فإن رجاله كلهم رجال صحيحه، لكن أحدهم فيه ضعف من قبل حفظه لكن لا ينزل حديثه هذا عن رتبة الحسن والحديث أورده الهيثمي في المجمع ... وقال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح] أحكام الجنائز ص 165. إذا تقرر هذا فإن ألفاظ التعزية بابها واسع فتجوز بكل لفظ يدعو إلى الصبر ما لم يتضمن مخالفة للشرع قال الإمام الشافعي [وليس في التعزية شيء مؤقت يقال لا يُعدى إلى غيره] الأم 1/ 278. وقال الإمام النووي: [وأما لفظ التعزية فلا حجر فيه فبأي لفظ عزاه حصلت واستحب أصحابنا أن يقول في تعزية المسلم للمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك ... وأحسن ما يعزى به ما روينا في صحيح البخاري ومسلم. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً في الموت فقال للرسول: ارجع إليها فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر وتحتسب ... ] الأذكار ص 127. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا نعلم في التعزية شيئاً محدوداً، إلا أنه يروى أن

النبي صلى الله عليه وسلم {عزى رجلاً، فقال: رحمك الله وآجرك.} رواه الإمام أحمد. وعزى أحمد أبا طالب، فوقف على باب المسجد فقال: أعظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم. وقال بعض أصحابنا: إذا عزى مسلماً بمسلم قال: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاك، ورحم الله ميتك. واستحب بعض أهل العلم أن يقول ما روى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: {لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.} رواه الشافعي في مسنده] المغني 2/ 405. وقال الشوكاني: [وأصل العزاء في اللغة: الصبر الحسن، والتعزية: التصبر، وعزَّاه: صبَّره، فكل ما يجلب للمصاب صبراً يقال له تعزية بأي لفظ كان ... ] نيل الأوطار 4/ 109. وقال الحطاب المالكي [وأما ألفاظ التعزية فقال في الجواهر إثر كلامه المتقدم ذكر ابن حبيب ألفاظاً في التعزية عن جماعة من السلف، ثم قال والقول في ذلك واسع إنما هو على قدر منطق الرجل وما يحضره في ذلك من القول وقد استحسنت أن أقول: أعظم الله أجرك على مصيبتك، وأحسن عزاءك عنها، وعقباك منها غفر الله لميتك ورحمه، وجعل ما خرج إليه خيراً مما خرج عنه.]. مواهب الجليل شرح مختصر خليل 3/ 38. وقد وردت عبارات كثيرة عن السلف في التعزية منها ما رواه الطبراني في كتاب الدعاء بإسناده " عن محمود بن لبيد، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ـ أنه مات ابن له، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزيه بابنه، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى معاذ بن جبل، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لاإله إلا هو، أمابعد، فأعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر، فإن أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا من مواهب الله الهنية، وعواريه

المستودعة، متعك الله به في غبطة وسرور، وقبضه منك بأجر كثير، الصلاة والرحمة والهدى، إن احتسبته بالصبر، ولا يحبط جزعك أجرك، فتندم على مافاتك من ثواب مصيبتك، فإنك لو اطلعت على ثواب مصيبتك، لعرفت أن المصيبة قد قصرت عن الثواب ـ وهذه الزيادة في بعض طرقه ـ ثم قال: وما هو نازل بك فكأن قد، والسلام ". ورواه الحاكم في المستدرك وقال: غريب حسن]. وبناءً على ما سبق فإنه لم يرد في الشرع لفظ معين للتعزية وخاص بها، لا تصح إلا به، بل الأمر في ذلك واسع ومطلق، وكل ما أطلقه الشارع الحكيم يبقى على إطلاقه، لذلك تصح التعزية بكل لفظ يفيد التصبر والرضا بما قدر الله عز وجل نحو: عظم الله أجرك وألهمك الصبر والسلوان ونحو أحسن الله عزاءك، وجبر مصيبتك، وأعظم أجرك، وغفر لميتك، وهذه العبارات تقال في تعزية المسلم بالمسلم. وفي تعزية المسلم بالكافر يقول: (أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك). ومن المعلوم أنه يجوز للمسلم أن يعزي غير المسلم في ميته وهذا قول جمهور أهل العلم وذكر العلماء عدة عبارات تقال في هذه التعزية منها: (أخلف الله عليك ولا نقص عددك) ومنها (أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحداً من أهل دينك) (ألهمك الله الصبر وأصلح بالك) ومنها (أكثر الله مالك وأطال حياتك أو عمرك) ومنها (لا يصيبك إلا خير) وفي تعزية الكافر بالمسلم يقول: (أحسن الله عزاءك وغفر لميتك) وأخيراً فإن التعزية بعبارة (يسلم رأسك) لا حرج فيها حيث إنها متضمنة للدعاء للمخاطب بالسلامة، وكذلك عبارة (البقية في حياتك) لا بأس بالتعزية بها حيث فيها الدعاء بأن يكون الخير في بقية حياة المخاطب، ولكن الأولى والأفضل هو ما ورد من ألفاظ التعزية في السنة النبوية. وقد سئل فضيلة الشيخ العلامة محمد العثيمين: عن حكم قول: (البقية في حياتك) عند التعزية ورد أهل الميت بقولهم (حياتك الباقية).

فأجاب بقوله: لا أرى فيها مانعاً إذا قال الإنسان (البقية في حياتك) لا أرى فيها مانعاً، ولكن الأولى أن يقال إن في الله خلف من كل هالك، أحسن من أن يقال (البقية في حياتك)، كذلك الرد عليه إذا غير المعزي هذا الأسلوب فسوف يتغير الرد.] عن الإنترنت وخلاصة الأمر أن استعمال الألفاظ الواردة في السنة في التعزية هو الأحسن والأفضل ولكن لو استعمل ألفاظاً أخرى لا تتضمن محذوراً شرعياً فلا حرج إن شاء الله ومنها قولهم (يسلم رأسك) وقولهم (البقية في حياتك).

العيد والصيام والحج

العيد والصيام والحج

من أحكام العيد

من أحكام العيد بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك نذكر إخواننا المسلمين بأحكام العيد وآدابه ونحذرهم من البدع والمخالفات التي يقع فيها بعض المسلمين: 1. يبدأ التكبير المطلق من أول شهر ذي الحجة في جميع الأوقات ولا يخص بمكان معين فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) وقال الإمام البخاري في صحيحه: [وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً] صحيح البخاري مع الفتح 2/ 594. وأما التكبير المقيد فيكون بعد الصلوات المكتوبات وأرجح أقوال أهل العلم أنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق أي يكبر بعد ثلاث وعشرين صلاة مفروضة. 2. الاغتسال لصلاة العيد ولبس أحسن الثياب والتطيب. 3. الجهر في التكبير في الذهاب إلى صلاة العيد. 4. الذهاب إلى المصلى من طريق والعودة من طريق آخر. 5. صلاة العيد في المصلى إذ هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصح صلاة العيد في المسجد. 6. اصطحاب النساء والأطفال دون استثناء حتى الحيض منهن. 7. الاستماع إلى الخطبة. 8. التهنئة بالعيد فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد

يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم. 9. أصح ما ورد في صفة صلاة العيد وعدد التكبيرات الزوائد ما جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها) رواه أحمد وابن ماجة وقال الحافظ العراقي إسناده صالح ونقل الترمذي تصحيحه عن البخاري. ويكون التكبير سبعاً في الأولى قبل القراءة وخمساً في الثانية قبل القراءة وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة. 10. وفي العيد خطبتان بعد الصلاة وهذا من العمل المتوارث وقد عمل به فقهاء الأمة على مر العصور والأيام فلا ينبغي تركه. 11. ومن شعائر عيد الأضحى المبارك الأضحية وهي مشروعة بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية وانعقد الإجماع على ذلك. قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} سورة الكوثر الآية 2. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي وكان يتولى ذبح أضحيته بنفسه صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمِّي ويكبر فذبحهما بيده). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي) رواه أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن. وأما السنة النبوية القولية: فعن البراء رضي الله عنه قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء. فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال: إن عندي جذعة فقال: إذبحها ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك) رواه البخاري ومسلم. وقد أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية.

12. وشروط الأضحية هي: الأول: أن تكون الأضحية من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم بنوعيه الضأن والماعز. الثاني: أن تبلغ سن التضحية: اتفق جمهور أهل العلم على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني فما فوقه ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه والمراد بالثني من الإبل، ما أكمل خمس سنين ودخل في السادسة، ومن البقر ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة ومن الغنم ما أكمل سنة ودخل في الثانية. واتفق جمهور العلماء على جواز التضحية بالجذع من الضأن وهو ما مضى عليه ستة أشهر فأكثر بشرط أن يكون سميناً. ولا تصح الأضحية بالعجول المسمنة التي لم تبلغ السنتين من عمرها باتفاق المذاهب الأربعة. الثالث: أن تكون الأضحية سليمة من العيوب المانعة من صحة الأضحية: لمَّا كانت الأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، فينبغي أن تكون الأضحية، طيبة، وسمينة، وخالية من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها، فقد ثبت في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي. قال: أي الراوي عن البراء وهو عبيد بن فيروز قلت: فإني أكره النقص في السن. قال: أي البراء ما كرهتَ فدعه، ولا تحرمه على أحد) رواه أصحاب السنن. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. وصححه الشيخ الألباني. وتجزئ الجمَّاء وهي التي لم يخلق لها قرن. وتجزئ مكسورة القرن لأن القرن ليس عضواً مأكولاً، كما أن فقده لا يؤدي إلى فساد اللحم. وتجزئ البتراء وهي التي لا ذنب لها خلقةً. وتجزئ المخلوقة بلا ألية أصلاً. ويجزئ الخصي أيضاً. وينبغي أن تكون الأضحية خالية من أي عيب وهذا هو الأكمل والأحسن فقد كان ابن

عمر رضي الله عنه يتقي من الضحايا التي نقص من خلقها. وورد مثل ذلك عن السلف أنهم كانوا يكرهون كل نقص في الأضحية. وإذا طرأ العيبِ المخلِّ على الأضحية بعد تعيينها فتجزئ لما ورد في الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (اشتريت كبشاً أضحي به فعدا الذئب فأخذ أليته فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ضح به) رواه أحمد والبيهقي. وتطلب الأضحية ممن كان موسراً مالكاً لنصاب الزكاة على قول بعض أهل العلم وقال الحنابلة تشرع الأضحية في حق القادر عليها الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدَّين إذا كان يقدر على وفاء دينه. وذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها كما هو مذهب جمهور أهل العلم. وقال جمهور أهل العلم إن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت الواحد، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت، تأدى الشعار والسنة بجميعهم لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى في المصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبشٍ فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: باسم الله والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي). رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني. وأما البدع والمنكرات فمنها: - ما تقوم به فرق التكبير قبل صلاة العيد من أمور مبتدعة حيث إن مجموعة من المؤذنين والقراء يجلسون على شكل حلقة ثم يبدؤون بالتكبير الجماعي ويرددون بعض الأذكار ثم يصيح أحدهم في نهاية كل وصلة تكبير بصوت مرتفع الفاتحة، وهكذا يعيدون الكرة مرة تلو مرة ثم ينقطعون فيتلو أحد القراء آيات من القرآن الكريم ثم يعودون إلى التكبير ويصيح أحدهم الفاتحة وهكذا دواليك وتستمر المجموعة في الزعيق والصياح إلى أن يحين موعد الصلاة. ومنها تخصيص يوم العيد بزيارة القبور فزيارة القبور للرجال سنة مشروعة عن الرسول

صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة) رواه مسلم. ولكن الشرع لم يحدد يوماً معيناً لزيارة القبور لذلك فإن تخصيص يومي العيد بزيارة القبور بدعة مكروهة وقد تكون حراماً إذا رافقتها الأمور المنكرة التي نشاهدها في أيامنا هذه يوم العيد من خروج النساء المتبرجات إلى القبور واختلاطهن بالرجال وكذلك انتهاك حرمات الأموات من الجلوس على القبور ووطئها بالأقدام وغير ذلك من الأمور المخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم. وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز تخصيص زمان أو مكان بشيء من العبادة إلا بدليل شرعي. وكذلك فإن قراءة القرآن على القبور أمر غير مشروع أيضاً بل هو بدعة منكرة ما فعلها رسول صلى الله عليه وسلم ولا نقلت عن صحابته رضي الله عنهم والرسول صلى الله عليه وسلم علم الصحابة ما يقولون عند زيارتهم للقبور فقد ورد في الحديث عن بريدة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية) رواه مسلم، فالمشروع في حق من يزور المقابر أن يسلم على الأموات بهذه الصيغة أو نحوها وأن يدعو ويستغفر لهم وأما قراءة الفاتحة كما يفعله أكثر الناس اليوم وكذا قراءة غيرها من القرآن فلا أصل له في الشرع وإن توارثه الناس في بلادنا كابراً عن كابر فإن الحق في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما يعتاده الناس. ومن البدع وضع جريد النخيل والزهور وأكاليل الورود على القبور فهذا لا يجوز لأنه أمر محدث. وتحرم مصافحة المرأة الأجنبية يوم العيد وغيره من الأيام ويجب التحذير مما يحصل من بعض الرجال في العيد من دخولهم على النساء في البيوت وهن لوحدهن بحجة أنها زيارة يوم العيد فهذا لا يجوز شرعاً، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان

ذلك فقال في الحديث: (إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري ومسلم. هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان يقول السائل: كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان، أفيدونا؟ الجواب: لا شك أن خير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو أكمل الهدي، وعمله صلى الله عليه وسلم خير العمل، وعلى كل مسلم أن يبذل وسعه وطاقته في الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) سورة الأحزاب الآية 21. وقد كان أعظم ما يميز هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في شعبان هو الصيام حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شعبان، بل إن شهر شعبان هو أكثر شهر صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رمضان فقد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك منها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان وكان يقول خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دووم عليه وإن قلّت وكان إذا صلى صلاة داوم عليها) رواه البخاري. وعنها رضي الله عنها قالت: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر من شعبان

فإنه كان يصومه كله) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عنها رضي الله عنها قالت: (ما كان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلا ً) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي [وقولها: (كان يصوم شعبان كله، كان يصومه إلا قليلاً) الثاني تفسير للأول، وبيان أن قولها كله أي غالبه، وقيل: كان يصومه كله في وقت، ويصوم بعضه في سنة أخرى، وقيل: كان يصوم تارة من أوله، وتارة من آخره، وتارة بينهما، وما يخلي منه شيئاً بلا صيام، لكن في سنين، وقيل: في تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكونه ترفع فيه أعمال العباد، وقيل غير ذلك.] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 223 - 224. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [ ... إن صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم. ويدل على ذلك ما خرجه الترمذي من حديث أنس سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: (شعبان تعظيماً لرمضان) وفي إسناده مقال. وفي سنن ابن ماجة: (أن أسامة كان يصوم الأشهر الحرم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (صم شوالاً) فترك الأشهر الحرم فكان يصوم شوالاً حتى مات. وفي إسناده إرسال، وقد روي من وجه آخر يعضده. فهذا نص في تفضيل صيام شوال على صيام الأشهر الحرم، وإنما كان كذلك لأنه يلي رمضان من بعده، كما أن شعبان يليه من قبله، وشعبان أفضل لصيام النبي صلى الله عليه وسلم له دون شوال. فإذا كان صيام شوال أفضل من الأشهر الحرم، فلأن يكون صوم شعبان أفضل بطريق الأولى. فظهر بهذا أن أفضل التطوع ما كان قريباً من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده. فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك

صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه ... ] لطائف المعارف ص248 - 249. وقال بعض أهل العلم: الحكمة من صيام النبي صلى الله عليه وسلم أكثر شعبان أن كثيراً من الناس يغفلون عن الصيام في شعبان فكان صلى الله عليه وسلم يصوم أكثره وقد ورد ذلك معللاً في حديث أسامة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر ما تصوم من شعبان؟ قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي معلقاً على حديث أسامة: [ ... أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه. وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام، وليس كذلك. وروى ابن وهب قال: حدثنا معاوية بن صالح عن أزهر بن سعد عن أبيه عن عائشة قالت: ذكر لرسول الله ناسٌ يصومون رجباً، فقال: (فأين هم عن شعبان) وفي قوله: (يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان) إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقاً أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم، وفيه: دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف، يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة، ولذلك فضل القيام في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الليلة فكن) ... ] لطائف المعارف ص 250 - 251.

وهنا لا بد من الإشارة إلى حديث قد يتعارض مع ما ذكرنا وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) رواه أصحاب السنن الأربعة. فيجاب عنه من وجهين: الأول: إن الحديث ضعيف ضعفه الإمام أحمد وابن معين والبيهقي. الثاني: إن صح فيحمل النهي في الحديث على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده قاله الحافظ ابن حجر. وقال الشوكاني: ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة: (أن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان أنه يستحب صوم رجب لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجباً به) نيل الأوطار 4/ 276. وينبغي أن يعلم أنه يكره للمسلم أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لئلا يختلط النفل بالفرض، أو حتى يستريح الصائم ليدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصم ذلك اليوم) رواه البخاري. وأخيراً أنبه على أن إحياء ليلة النصف من شعبان بدعة منكرة لا أصل له في الشرع وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحيا ليلتي العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) قال ابن الجوزي: [هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه آفات ثم ذكر من آفاته مروان بن سالم قال فيه النسائي والدارقطني والأزدي متروك. العلل المتناهية 2/ 562. وقال الحافظ ابن حجر عنه: [ومروان هذا متهم بالكذب]. الإصابة 5/ 580. وقال الحافظ عنه في لسان الميزان: [هذا حديث منكر مرسل] 4/ 391. وقال الذهبي في الميزان: [هذا حديث منكر مرسل] 5/ 372. وخلاصة الأمر أنه كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم صيام أكثر شهر شعبان.

إذا توفي قاصد الحج قبل أن يؤدي المناسك فهل يحج عنه؟

إذا توفي قاصد الحج قبل أن يؤدي المناسك فهل يُحج عنه؟ يقول السائل: ذهب رجل لأداء فريضة الحج ولكنه توفي في حادث سيارة قبل أن يقف في عرفة أفيدونا؟ الجواب: إذا خرج المسلم من بيته قاصداً الحج ثم مات قبل أن يتمه أو مات قبل أن يبدأ به فقد وقع أجره على الله عز وجل كما قال الله تعالى {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} سورة النساء الآية 100. فهذا الرجل خرج من بيته ناوياً الحج فله الأجر والثواب إن شاء الله تعالى وإن لم يتم أعمال الحج وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله: (إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فصل - أي خرج من بيته - في سبيل الله فمات أو قتل، فهو شهيد، أو وقصه فرسه أو بعيره، أو لدغته هامَّة، أو مات على فراشه، أو بأي حتف شاء الله تعالى، فإنه شهيد وإن له الجنة) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه وقال العلامة الألباني: إنما هو حسن فقط. أحكام الجنائز ص 37. إذا تقرر بأن الأجر ثابت لمن مات ناوياً عملاً مشروعاً قبل أن يتمه فهذا الشخص الذي شرع بمناسك الحج ثم مات قبل أن يقف بعرفة إن مات محرماً فإنه يبعث ملبياً يوم القيامة كما ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر

وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه - أي لا تطيبوه لأنه كان محرماً - ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) رواه البخاري ومسلم. ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن ابن بطال - أحد شرَّاح صحيح البخاري - قوله: [وفيه أن من شرع في عمل طاعة ثم حال بينه وبين إتمامه الموت رُجِيَ له أن الله يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل] فتح الباري 3/ 174. ولا يجب قضاء الحج عمن مات قبل إتمام المناسك حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقضاء الحج عن الرجل الذي مات محرماً في الحديث السابق. قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين: [إذا هلك من سافر للحج قبل أن يخرج فليس بحاج، لكن الله عز وجل يثيبه على عمله، أما إذا أحرم وهلك فهو حاج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بعرفة فقال: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً). ولم يأمرهم بقضاء حجه، وهذا يدل على أنه يكون حاجاً.] فتاوى ابن عثيمين 21/ 252. ولا بد من التنبيه على أن من مات ولم يحج حجة الإسلام وترك مالاً فينبغي أن يحج عنه من ماله سواء ترك الحج لتقصير أو لغير تقصير وسواء أوصى بالحج عنه أم لم يوص ويدل على ذلك أحاديث منها: عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟! اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) رواه البخاري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إن أختي قد نذرت أن تحج وإنها ماتت فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كان

عليها دين أكنت قاضيه قال نعم قال فاقض الله فهو أحق بالقضاء.) رواه البخاري. وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت ولم تحج أفأحج عنها قال نعم حجي عنها) رواه الترمذي وقال وهذا حديث صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه قال نعم قال فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء) رواه النسائي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها قال نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يكن يجزئ عنها فلتحج عن أمها) رواه النسائي. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج، وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط وبهذا قال الحسن وطاووس، والشافعي وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط بالموت فإن وصى بها فهي من الثلث وبهذا قال الشعبي والنخعي لأنه عبادة بدنية فتسقط بالموت، كالصلاة. ولنا ما روى ابن عباس (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم-عن أبيها مات ولم يحج؟ قال: حجي عن أبيك) وعنه (أن امرأة نذرت أن تحج، فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك؟ فقال: أرأيت لو كان على أختك دين أما كنت قاضيه؟ قال: نعم قال: فاقضوا دين الله، فهو أحق بالقضاء) رواهما النسائي وروى هذا أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة، فلم يسقط

بالموت كالدين ... والعمرة كالحج في القضاء، فإنها واجبة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا رزين أن يحج عن أبيه ويعتمر ويكون ما يحج به ويعتمر من جميع ماله لأنه دين مستقر، فكان من جميع المال كدين الآدمي.] المغني 3/ 233. وخلاصة الأمر أن من مات أثناء تأدية مناسك الحج والعمرة فقد وقع أجره على الله ولا يلزم قضاء الحج عنه على الراجح من أقوال أهل العلم وأما من مات ولم يحج حجة الفريضة وقد ترك مالاً فينبغي أن يحج عنه سواء ترك الحج لتقصير أو لغير تقصير أوصى بالحج عنه أم لم يوص.

المعاملات

المعاملات

متى تعتبر مصاريف القروض ربا؟

متى تعتبر مصاريف القروض رباً؟ يقول السائل: متى تعتبر الزيادة على القرض رباً محرماً؟ ومتى تعتبر مصاريف إدارية؟ حيث إنني توجهت لإحدى المؤسسات التي تقرض مبلغاً لبناء مسكن فطلبوا نسبة 3% كمصاريف إدارية، أفيدونا. الجواب: الأصل الذي قرره فقهاؤنا أن أي زيادة مشروطة على مبلغ القرض تعتبر من الربا المحرم ومن المعلوم أن تحريم الربا قطعي في شريعتنا وأذكر بعض النصوص الشرعية التي تحرم الربا والتعامل به: يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 488. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636.

وقد دلت هذه النصوص على تحريم الربا وهو كل زيادة مشروطة على القرض. ومما يدل أيضاً على منع الزيادة المشروطة ما روي في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 34. ورواه البيهقي في السنن 5/ 350، بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/ 169 والحديث ضعيف، ضعفه ابن حجر وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 235. ولكن معنى الحديث صحيح وقد اتفق الفقهاء على تحريم أي منفعة يستفيدها المقرض من قرضه ولكن ليس على إطلاقها، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. قال الحافظ ابن عبد البر: " وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط ". وقال ابن المنذر: " أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا " الموسوعة الفقهية 33/ 130. وأما إذا كانت الزيادة على القرض غير مشروطة عند العقد لا تصريحاً ولا تلميحاً فهي جائزة عند جمهور الفقهاء ولا تعد تلك الزيادة من الربا ويدل على جواز ذلك أحاديث واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم منها: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ضحى فقال: صل ركعتين وكان لي عليه دين فقضاني وزادني) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري قال جابر رضي الله عنه: (فلما قدمنا المدينة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا بلال: اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطاً). وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: (استلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً -

الفتي من الإبل - فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت: إني لم أجد من الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً - جملاً كبيراً له من العمر ست سنوات - فقال: أعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سناً فأعطى سناً خيراً من سنه، وقال: خياركم أحاسنكم قضاء) رواه أحمد والترمذي وصححه. وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مسن من الإبل فجاء يتقاضاه، فقال: أعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سناً فوقها، فقال: أعطوه. فقال: أوفيتني أوفاك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء) رواه البخاري ومسلم. وعن مجاهد قال: (استلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم ثم قضاه دراهم خيراً منها فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي التي أسلفتك، فقال عبد الله بن عمر: قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة) رواه مالك في الموطأ. وقال الإمام مالك رحمه الله: (لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئاً من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان ممن أسلفه ذلك أفضل مما أسلفه إذا لم يكن ذلك على شرط منهما ... ). وقال القرطبي: [وأجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه لأن ذلك من باب المعروف استدلالاً بحديث أبي هريرة في البكر- الفتي من الإبل -: (إن خياركم أحسنكم قضاء) رواه الأئمة البخاري ومسلم. فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة.] تفسير القرطبي 3/ 241. وأما الزيادة على القرض التي تسمى رسوم خدمات القرض أو أجور القرض أو

مصاريف إدارية أو أتعاب إدارية للقرض فيجب أن يعلم ما يلي: أولاً: إن هذه الرسوم لا بد أن تكون مقابل خدمات فعلية لا وهمية. ثانياً: أي زيادة على الخدمات الفعلية تعتبر من الربا المحرم شرعاً. جاء في قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث سنة 1407هـ وفق 1986م [ ... بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية: قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية: 1 - جواز أخذ أجور عن خدمات القروض. 2 - أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية. 3 - كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعًا.] مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 3 الجزء 1/ 305. ثالثاً: إن هذه الرسوم لا يجوز أن تكون مقابل إستيفاء القرض بل تكون عند إنشاء عقد القرض بمعنى أنها مصاريف إدارية تغطي التكاليف الإدارية مثل أجور الموظفين والشؤون المكتبية ونحو ذلك وإذا كانت الجهة المقرضة تتولى الإشراف على التنفيذ يدخل في ذلك أجور المهندسين أو المراقبين كما هو الحال في بعض المؤسسات التي تقرض للبناء والإسكان. وأما إذا كانت مقابل استيفاء القرض فهي ربا لذا ما تسميه بعض المؤسسات رسوم تحصيل القرض وهو أن يدفع المقترض مع كل قسط يسدده مبلغاً من المال كرسوم تحصيل للقرض ما هو إلا ربا محرم. رابعاً: كثير من فقهاء العصر يرون أن تقدر هذه الرسوم بمبلغ مقطوع ولا تقدر بنسبة مئوية وخاصة إذا أخذت هذه الرسوم مقابل الأمور المكتبية فقط لأنها إذا قدرت بنسبة مئوية فستختلف باختلاف مبلغ القرض لأنها لو كانت رسوماً للخدمات فعلاً لما اختلف مقدارها باختلاف حجم القرض وشروطه إذ أن الخدمات المكتبية التي تؤدى

الضوابط الشرعية للتعامل بالأسهم

لمن يقترض ألفاً هي ذاتها الخدمات التي تؤدى لمن يقترض عشرة آلاف ولكنه التلاعب ومحاولة تغيير الأسماء ليخدع الناس ويظنوا أن ذلك لا شيء فيه ويجب أن يعلم أن هذه الرسوم بهذه الصورة هي ربا وإن غيرت أسماؤها لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا. ومن فقهاء العصر من أجاز أن تكون نسبة مئوية ضئيلة مثل 1% أو 2% مع تحقق ما ذكرته سابقاً. وخلاصة الأمر أن الزيادة المشروطة على القرض تعتبر من الربا وأما الزيادة غير المشروطة فلا تعتبر من الربا كأن يهدي المقترض للمقرض هدية عند السداد. وأما رسوم خدمات القرض فيجب أن تقابل خدمات فعلية حقيقية وأن تكون معلومة ومقدرة تقديراً حقيقياً. الضوابط الشرعية للتعامل بالأسهم يقول السائل: ما هي الضوابط الشرعية للتعامل بالأسهم؟ الجواب: الأسهم عبارة عن حصص الشركاء في الشركات المساهمة حيث إن رأسمال الشركة المساهمة يقسم إلى أجزاء متساوية يسمى سهماً فالسهم هو جزء من رأس مال الشركة وهو يمثل حق المساهم مقدراً بالنقود لتحديد نصيبه في ربح الشركة أو خسارتها وكذلك تحديد مسؤولية المساهم في الشركة. والأصل في الشركة المساهمة الجواز إذا كانت خالية من الربا والتعامل المحرم، فالمساهمون فيها يتحقق فيهم معنى الشركاء حيث إنهم يقدمون أسهمهم حصصاً في رأس المال فيشتركون في رأس المال، ويقتسمون الأرباح والخسائر فيكونون شركاء بمجرد توقيع عقد الاكتتاب في الشركة فيعتبر ذلك إيجاباً وقبولاً؛ لأن الإيجاب والقبول لا يشترط فيهما التلفظ بل يصحان بالكتابة. وهؤلاء الشركاء يوكلون مجلس إدارة الشركة بالقيام بالعمل وهو توكيل صحيح. والقول بتحريم شركة المساهمة قول ضعيف جداً لا يؤيده دليل معتبر.

وقد وضع الفقهاء المعاصرون ضوابط شرعية للتعامل بالأسهم سواء كان بشراء أسهم الشركات للاستفادة من ريعها أو كان للمتاجرة بها للاستفادة من فرق السعر بين الشراء والبيع وأهم هذه الضوابط ما يلي: أولاً: لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالربا أخذاً وإعطاءً كما هو حال البنوك الربوية (التجارية) فهي في الأصل شركات مساهمة تقوم على الإقراض والاقتراض بالربا (الفائدة). ثانياً: لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالمباح ولكن يدخل في تعاملها الربا مثل أن ينص نظامها الأساسي على أنها تقرض وتقترض بالربا كما هو واقع كثير من الشركات المساهمة الكبيرة التي تتعامل في مجالات الكهرباء والاتصالات والمواصلات وغير ذلك. والقول بتحريم الإسهام في هذه الشركات هو القول الراجح من قولي العلماء المعاصرين في هذه المسألة لأنه لا يجوز للمسلم أن يوقع أي عقد تضمن شروطاً ربوية وهذه الشركات يوجد في نظامها الأساسي بند ينص على أنها تقرض وتقترض بالربا. وينبغي للمسلم أن يحرص على الكسب الحلال ويبتعد عن الكسب الذي فيه شبهة. جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة ما يلي: 1 - بما أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مباحة أمر جائز شرعاً. 2 - لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو تصنيع المحرمات أو المتاجرة فيها. 3 - لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا، وكان المشتري عالماً بذلك.

4 - إذا اشترى شخص - أسهماً - وهو لا يعلم أن الشركة تتعامل بالربا، ثم علم فالواجب عليه الخروج منها. والتحريم في ذلك واضح، لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا، ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك، يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا، لأن السهم يمثل جزءاً شائعاً من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة، أو تقترضه بفائدة، فللمساهم نصيب منه، لأن الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه، والتوكيل بعمل المحرم لا يجوز.] ورد في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع ما يلي: [الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.] ثالثاً: لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات عملها مباح ولكنها تملك أسهماً في البنوك الربوية لأن من مصادر دخلها ما هو ربا وتحريم الربا قليلاً كان أو كثيراً قطعي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. رابعاً: لا يجوز للمسلم أن يساهم في شركات تتعامل بالمحرمات كالشركات المنتجة للخمور والدخان والتي تعمل في مجال التأمين التجاري أو القمار ونحو ذلك من المحرمات. خامساً: لا يجوز تداول أسهم الشركات التي ما زالت في طور التأسيس قبل أن يتحوّل رأس مال الشركة إلى سلع ومعدات وأعيان فلا يجوز بيع هذه الأسهم بأكثر من قيمتها الحقيقية لأنه حينئذٍ يكون بيع نقود بنقود مع زيادة وهذا ربا واضح، إلا إذا بِيعت الأسهم بنفس قيمتها الاسمية دون أية زيادة فهذا جائز. سادساً: [لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن

السهم، لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. سابعاً: لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم، لأنه من بيع ما لا يملك البائع، ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض]. من قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع. ثامناً: التداول في الأسهم عن طريق ما يسمى البيع على المكشوف والمراد به: (قيام شخص ببيع أسهم لا يملكها، عن طريق اقتراضها من آخرين، مقابل الالتزام بإعادة شرائها، وتسليمها للمقرض، في وقت محدد). وهذا النوع محرم لاشتماله على الربا والغرر. جاء في قرار المجمع الفقهي [إن العقود الآجلة بأنواعها التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعاً؛ لأنها تشتمل على بيع الشخص ما لا يملك اعتماداً على أنه سيشتريه فيما بعد ويسلمه في الموعد، وهذا منهي عنه شرعاً، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تبع ما ليس عندك)، وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم).] وختاماً أقول إن تعامل الناس بالأسهم الربوية قد كثر في هذا الزمان طمعاً في تحقيق مكاسب سريعة ونسوا أو تناسوا أنهم سيقفون غداً بين يدي الله عز وجل وسيسألهم عن أموالهم من أين اكتسبوها؟ وفيما أنفقوها؟ فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه)

حكم غرامات شركة الكهرباء

رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني. وأذكر هؤلاء ببعض النصوص الشرعية التي تحرم الربا والتعامل به: 1. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) سورة البقرة الآيتان 276 - 277. 2. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. 3. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 488. 4. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636 وغير ذلك من الأحاديث. حكم غرامات شركة الكهرباء يقول السائل: إن شركة الكهرباء تقوم بفرض غرامة على كل من يتأخر بسداد الفاتورة عن موعدها فما هو الحكم الشرعي لهذه الغرامة أفيدونا؟ الجواب: لابد أن يعلم أولاً أنه يجب شرعاً سداد فاتورة الكهرباء في موعدها لأن ذلك هو مقتضى العقد القائم بين شركة الكهرباء والمشترك ولا يجوز التأخر في السداد وقد أمر الله عز وجل بالوفاء بالعقود في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. إذا تقرر ذلك فإن فرض غرامة مالية على من يتأخر في سداد فاتورة الكهرباء محرم شرعاً لأنه رباً واضح وهو عين الربا الذي كان في الجاهلية. قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: {إنما البيع مثل الربا} سورة البقرة الآية 275 ما

نصه: [أي إنما الزيادة عند حلول الأجل آخراً كمثل أصل الثمن في أول العقد، وذلك أن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك، فكانت إذا حلَّ دينها قالت للغريم: إما أن تقضي وإما أن تُربي، أي تزيد في الدين. فحرم الله سبحانه ذلك ورد عليهم قولهم بقوله الحق: {وأحل الله البيع وحرم الربا} وأوضح أن الأجل إذا حلَّ ولم يكن عنده ما يؤدي أنظر إلى الميسرة. وهذا الربا هو الذي نسخه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله يوم عرفة لما قال: (ألا إن كل رباً موضوع وإن أول ربا أضعه ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله). فبدأ صلى الله عليه وسلم بعمه وأخص الناس به. وهذا من سنن العدل للإمام أن يُفيض العدل على نفسه وخاصته فيستفيض حينئذ في الناس.] تفسير القرطبي 3/ 356. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية ما يلي: [إن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حلَّ أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد. هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً] مجلة المجمع عدد 2 ج 2 ص 873. ويجب أن يعلم أن كل غرامة تفرض على المدين تعتبر من باب الربا وإن سميت غرامة تأخير أو سميت شرطاً جزائياً فإن الشرط الجزائي لا يكون في الديون وإنما يكون في العقود المالية التي تخلو من الديون كعقود المقاولات والتوريد وغيرهما فمثلاً لو اتفق شخص مع مقاول ليبني له بيتاً واتفقا على تسليم البيت في موعد محدد واتفقا على أنه إذا تأخر المقاول في التسليم فيدفع له مبلغاً من المال عن كل يوم تأخر فيه عن تسليم البيت صح ذلك شرعاً. ولا يعتبر هذا المبلغ من الربا. وكذلك عقود المقاولات التي تتم بين الشركات والدولة أو أصحاب المشاريع وكان الاتفاق فيها على العمل يجوز شرعاً أن تتضمن شرطاً جزائياً مالياً على أن يكون التأخير في تسليم ما اتفق عليه ناتجاً عن إهمال من المقاول أو تقصير منه وأن لا يكون

التأخير ناتجاً عن أمور خارجة عن إرادة المقاول كالعوامل الطبيعية مثلاً. وبشرط أن يكون مقدار الشرط الجزائي مماثلاً للضرر الفعلي الذي لحق بالطرف الآخر. ومما يدل على جواز الشرط الجزائي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ (المسلمون عند شروطهم) أي بدون الاستثناء. ويمكن أن يستدل على جواز الشرط الجزائي بما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن ابن سيرين أن رجلاً قال لكريِّه: (من يكري وسائل النقل) أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً ليس مكره فهو عليه) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً] مجموع الفتاوى 29/ 516 والقواعد النورانية ص53. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية عشر والمتعلق بالشرط الجزائي ما يلي: [أولاً: الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شُرِط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم يُنَفِّذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخّر في تنفيذه. ثانياً: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلَم رقم 85 (2/ 9)، ونصه: "لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير"، وقراره في الاستصناع رقم 65 (3/ 7). ونصه: "يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً

بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة"، وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 (2/ 6) ونصه: "إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم". ثالثاً: يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترناً بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحقٍ قبل حدوث الضرر. رابعاً: يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً؛ فإن هذا من الربا الصريح وبناء على هذا، يجوز هذا الشرط - مثلاً - في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفّذ ما التزم به أو تأخّر في تنفيذه. ولا يجوز - مثلاً - في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء، كان بسبب الإعسار، أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه. خامساً: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لَحِق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي. سادساً: لا يُعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرِط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسببٍ خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد. سابعاً: يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تُعدِّل في مقدار التعويض إذا وجدت مبرراً لذلك، أو كان مبالغاً فيه.] مجلة المجمع العدد الثاني عشر ج 2/ 91. وبهذا يظهر لنا بوضوح وجلاء أن الشرط الجزائي يجوز في العقود التي لا يكون الالتزام فيها ديناً، أما ما كان الالتزام فيها ديناً فإنه لا يجوز فيها الشرط الجزائي بحال من الأحوال كالبيع بالتقسيط فلا يجوز الشرط الجزائي فيه عند تأخر المدين

بالسداد وكذلك لا يجوز شرعاً فرض غرامات التأخير في عقود بيع المرابحة للآمر بالشراء فلا يجوز شرعاً أن يتفق البنك الإسلامي مع العميل المدين على أن يدفع له مبلغاً محدداً أو نسبة من الدين الذي عليه في حالة تأخره عن السداد في المدة المتفق عليها سواء أسمي هذا المبلغ غرامة تأخير أو تعويضاً عن الضرر أو شرطاً جزائياً، لأن هذا هو ربا الجاهلية المتفق على تحريمه كما سبق وهذا أصح قولي العلماء في هذه المسألة. وكذلك جميع الديون المستحقة على الانسان سواء كانت عن بيع أو قرض أو شراء منفعة أو نحو ذلك فلا يجوز شرعاً فرض غرامة تأخير فيها لأن هذا هو ربا الجاهلية فالشرط الجزائي في الديون كلها لا يجوز فهو رباً محرم. وخلاصة الأمر أنه يجب سداد فواتير الكهرباء في مواعيدها ويحرم شرعاً التهرب من ذلك بأي وسيلة كانت كما يحرم فرض غرامات تأخير على من يتأخر في السداد ويتحمل إثم فرض هذه الغرامات الربوية مجلس إدارة الشركة وكل من أسهم في فرضها وكل من حصلَّها وتعاون على هذا الإثم لأنها رباً محرم وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وكذلك يحرم فرض غرامات التأخير في كل التزام أصله دين.

أثر اختلاف قيمة العملة على المهور

أثر اختلاف قيمة العملة على المهور يقول السائل: إنه متزوج من أكثر من أربعين سنة ويريد أن يعطي زوجته مؤخر مهرها وقدره مئتا دينار أردني ولكن زوجته ترفض أخذ المئتي دينار لأن قيمة العملة قد اختلفت اختلافاً كبيراً فما قولكم أفيدونا؟ الجواب: إن المهر حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها يقول الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) سورة النساء الآية 4. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصدق نساءه عند الزواج فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه أنه قال (سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً. قالت أتدري ما النش؟ قال: قلت لا. قالت: نصف أوقية فتلك خمس مائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه) رواه مسلم. وكذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون فعن أنسٍ رضي الله عنه قال سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمن بن عوف وتزوج امرأة من الأنصار كم أصدقتها؟ قال وزن نواة من ذهب) رواه البخاري وقد اتفق العلماء على أنه يجوز التعجيل والتأجيل في المهر المسمى في عقد الزواج فيصح أن يكون بعض المهر معجلاً وبعضه مؤجلاً على حسب ما يتم عليه الاتفاق عند عقد الزواج وسواء كان المهر معجلاً أو مؤجلاً فهو حق ثابت للزوجة ودين واجب لها في ذمة الزوج. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويجوز أن يكون الصداق معجلاً ومؤجلاً وبعضه معجلاً وبعضه مؤجلاً لأنه عوض في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن ثم إن أطلق ذكره اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلاً إلى وقت فهو إلى أجله وإن أجله ولم

يذكر أجله فقال القاضي: المهر صحيح ومحله الفرقة فإن أحمد قال إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة وهذا قول النخعي والشعبي ... ووجه القول الأول أن المطلق يحمل على العرف والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوماً بذلك] المغني 7/ 222. ومن المعلوم أن العرف في بلادنا جرى على أن يكون جزء من المهر مؤجلاً تأجيلاً مطلقاً ويكون ديناً في ذمة الزوج وفي هذه الحالة يجب المهر المؤجل للمرأة في حالتين وهما: الطلاق والوفاة فإذا طلق الزوج امرأته وجب لها المؤجل من مهرها وكذا إذا مات زوجها وجب لها المهر المؤجل ويخرج من التركة ويخرج قبل الوصية وقبل قسمة التركة بين الورثة. وكذلك إذا ماتت الزوجة ولها مهر مؤجل في ذمة زوجها فيكون مهرها المؤجل من ضمن تركتها ويوزع على الورثة بقدر نصيب كل منهم. وقد نصت المادة " 46 " من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا على ذلك ( ... وإذا لم يكن الأجل معيناً اعتبر المهر مؤجلاً إلى وقوع الطلاق أو وفاة أحد الزوجين) ويخرج قبل الوصية وقبل قسمة التركة بين الورثة. ولا يجوز للزوجة أن تطالب زوجها بالمهر المؤجل ما دامت على ذمته لأن العرف جارٍ على تأخيره وتنص القاعدة الفقهية على أن العادة محكمة، وكذا المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً وكذا استعمال الناس حجة يجب العمل بها. وقيام الرجل بدفع المهر المؤجل لزوجته أمر حسن وفيه إبراء لذمته ولكنه ليس واجباً عليه بل يجب في حالتي الطلاق أو الوفاة كما سبق. وأما بالنسبة لعدم قبول الزوجة للمئتي دينار وهي مقدار مهرها المؤجل بحجة أن قيمة العملة قد تغيرت فلا بد أن أبين أن الأصل المقرر في الفقه الإسلامي أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله

عنهما أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء). وفي رواية أخرى: (أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق - الفضة المصكوكة - وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، (فابن عمر كان يبيع الإبل بالدنانير أو الدراهم وقد يقبض الثمن في الحال وقد يبيع بيعاً آجلاً وعند قبض الثمن ربما لا يجد مع المشتري بالدنانير إلا دراهم وقد يجد مع من اشترى بدراهم ليس معه إلا دنانير أفيأخذ قيمة الثمن يوم ثبوت الدين أم يوم الأداء؟ مثلاً إذا باع بمئة دينار وكان سعر الصرف: الدينار بعشرة دراهم أي أن له ما قيمته ألف درهم وتغير سعر الصرف فأصبح الدينار مثلاً بأحد عشر درهماً أفيأخذ الألف أم ألفاً ومئة؟ وإذا أصبح بتسعة دراهم فقط أفيأخذ تسعمئة درهم يمكن صرفها بمئة دينار يوم الأداء أم يأخذ ألف درهم قيمة مئة الدينار يوم البيع؟ بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن العبرة بسعر الصرف يوم الأداء وابن عمر الذي عرف الحكم من الرسول الكريم سأله بكر بن عبد الله المزني ومسروق العجلي عن كرَّيٍ لهما له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير فقال ابن عمر: أعطوه بسعر السوق. فهذا الحديث الشريف يعتبر أصلاً في أن الدين يؤدى بمثله لا بقيمته حيث يؤدي عن تعذر المثل بما يقوم مقامه وهو سعر الصرف يوم الأداء، يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 جزء 3 ص1727 - 1728. وقرر معظم فقهاء العصر أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها إلا إذا كان تغير قيمة العملة كبيراً ويرون أن قضاء الديون بقيمتها يعد من الربا المحرم شرعاً [إن الحكم على المدين المماطل بتعويض دائنه بفرق هبوط القوة الشرائية للنقد عقب مطله

غير سائغ شرعاً إذ هو وقوع في حمى الربا المحرم تحت ستار تعويض الدائن عن انخفاض القوة الشرائية للنقود، بل إن الدائن ليحصل في كثير من الأحيان باسم ذلك التعويض على ما يزيد قدراً ويفوق جوراً الفوائد التأخيرية في البنوك الربوية] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص500. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها ... ] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 3/ 2261. هذا هو الأصل المقرر في قضاء الديون بأمثالها لا بقيمتها إلا إذا كان التغير في قيمة العملة كبيراً وبما أن المدة المذكورة في السؤال طويلة (أربعون سنة) فلا شك أن قيمة العملة الأردنية قد اختلفت اختلافاً كبيراً خلال هذه المدة فيجب على الزوج أن يعطي زوجته قيمة المئتي دينار لا عددها والمرجع في تقدير القيمة هنا الذهب أي نسأل الصاغة والصرافين عن المئتي دينار كم كان يشترى بها غرامات ذهب؟ فيعطي الزوجة قيمة ذلك الذهب في الوقت الحاضر. وأما أن يعطيها ما كتب لها في عقد الزواج منذ أربعين سنة، فظلم واضح. وخلاصة الأمر أنه لا يجب على الزوج أن يدفع المهر المؤجل لزوجته ما دامت على ذمته فإن فعل فأمر حسن وعلى السائل أن يعطي زوجته قيمة مهرها المؤجل نظراً لاختلاف قيمة العملة اختلافاً كبيراً.

حكم تصرف الشريك بدون إذن شريكه

حكم تصرف الشريك بدون إذن شريكه يقول السائل: ثلاثة شركاء يمتلكون عمارة من ثلاثة طوابق ملكاً مشاعاً فقام أحد الشركاء ببيع العمارة بدون إذن شريكيه فرفض الشريكان الآخران البيع وسألوا أحد المشايخ فأجابهم بأن البيع لازم ولا يحق لهما نقض البيع فما قولكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: الشركة القائمة بين الشركاء الثلاثة المذكورين في السؤال هي شركة ملك على الشيوع وشركة الملك هي أن يختص اثنان فصاعداً بشيء واحد. وبما أن حصة كل شريك غير متميزة عن الآخر فإن ملكهم للعمارة على سبيل الشيوع. وقد بين الفقهاء أن الشريك في شركة الملك لا يملك التصرف في حصة شريكه بغير إذنه، فقد جاء في المادة 1075 من مجلة الأحكام وشرحها درر الحكام ما يلي: [كل واحد من الشركاء في شركة الملك أجنبي في حصة الآخر ولا يعتبر أحد وكيلاً عن الآخر فلذلك لا يجوز تصرف أحدهما في حصة الآخر بدون إذنه ... فلذلك لو باع أحد صاحبي الدار المشتركة نصفها لآخر فيصرف البيع الواقع على أنه في حصته وينفذ ; لأنه يجب حمل تصرف الإنسان على أنه وقع بصورة مشروعة، فلو حمل بأن نصف ما باعه في حصته ونصف ما باعه في حصة شريكه فيكون قد حمل عمله على أمر غير مشروع ... فلذلك لا يجوز تصرف أحدهما تصرفاً مضراً في حصة الآخر بدون إذنه صراحة أو دلالة وإذا تصرف يضمن. انظر المادة (96) .... مثال للبيع - لو باع أحد صاحبي الدار المشتركة حصته وحصة شريكه بدون إذنه لآخر فيكون البيع المذكور فضولاً في حصة الشريك (البهجة) وللشريك المذكور إن شاء فسخ البيع في حصته وإن شاء أجاز البيع إذا وجدت شرائط الإجازة. درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 28 - 29. وجاء في الفتاوى الهندية [ولا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بأمره] قال الكاساني: [فأما شركة الأملاك فحكمها في النوعين جميعاً واحد، وهو أن كل واحد من الشريكين كأنه أجنبي في نصيب صاحبه، لا يجوز له التصرف فيه بغير

إذنه لأن المطلق للتصرف، الملك أو الولاية ولا لكل واحد منهما في نصيب صاحبه ولاية بالوكالة أو القرابة ; ولم يوجد شيء من ذلك وسواء كانت الشركة في العين أو الدين لما قلنا] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 5/ 87. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية [الأصل أن كل واحد من الشريكين أو الشركاء في شركة الملك أجنبي بالنسبة لنصيب الآخر. لأن هذه الشركة لا تتضمن وكالة ما، ثم لا ملك لشريك ما في نصيب شريكه، ولا ولاية له عليه من أي طريق آخر. والمسوغ للتصرف إنما هو الملك أو الولاية وهذا ما لا يمكن تطرق الخلاف إليه. ويترتب على ذلك ما يلي: ليس لشريك الملك في نصيب شريكه شيء من التصرفات التعاقدية: كالبيع، والإجارة، والإعارة وغيرها، إلا أن يكون ذلك بإذن شريكه هذا. فإذا تعدى فآجر مثلاً، أو أعار العين المشتركة فتلفت في يد المستأجر أو المستعير، فلشريكه تضمينه حصته وهذا أيضاً مما لا خلاف فيه.] الموسوعة الفقهية الكويتية 26/ 22 - 23. إذا تقرر هذا فإن ما قام به الشريك من بيع لحصة شريكيه بغير إذنهما يسمى بيع الفضولي عند الفقهاء، وقد ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعي في قوله القديم وهو أحد قوليه في الجديد وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن البيع صحيح إلا أنه موقوف على إجازة المالك. وذهب الشافعي في القول الثاني من الجديد وأحمد في الرواية الأخرى عنه إلى أن البيع باطل. قال الإمام النووي [سبق أن شروط المبيع خمسة منها أن يكون مملوكاً لمن يقع العقد له فان باشر العقد لنفسه فشرطه كونه مالكاً للعين وإن باشره لغيره بولاية أو وكالة فشرطه أن يكون لذلك الغير، فلو باع مال غيره بغير إذن ولا ولاية، فقولان الصحيح أن العقد باطل وهذا نصه في الجديد وبه قطع المصنف وجماهير العراقيين وكثيرون أو الأكثرون من الخراسانيين لما ذكره المصنف وسنزيده دلالة في فرع مذاهب

العلماء إن شاء الله تعالى والقول الثاني وهو القديم أنه ينعقد موقوفاً على إجازة المالك إن أجاز صح البيع وإلا لغا ... فرع في مذاهب العلماء في تصرف الفضولي بالبيع وغيره في مال غيره بغير إذنه، قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور بطلانه ولا يقف على الإجازة وكذا الوقف والنكاح وسائر العقود وبهذا قال أبو ثور وابن المنذر وأحمد في أصح الروايتين عنه وقال مالك يقف البيع والشراء والنكاح على الإجازة فان أجازه من عقد له صح وإلا بطل، وقال أبو حنيفة إيجاب النكاح وقبوله يقفان على الإجازة ويقف البيع على الإجازة ولا يقف الشراء وأوقفه اسحق بن راهويه في البيع ... ] المجموع 9/ 259. والراجح من أقوال أهل العلم في بيع الفضولي أنه صحيح ولكنه موقوف على إجازة المالك ويدل لذلك ما ورد في الحديث الذي رواه الإمام البخاري بإسناده عن شبيب بن غرقدة، قال: (سمعت الحي يحدثون عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب أربح فيه). ويدل له حديث ابن عمر في قصة الثلاثة أصحاب الغار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قال الثالث اللهم استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمَّرتُ أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أدِ إليَّ أجري فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت لا أستهزئ فأخذه كله فاستاقة فلم يترك منه شيئا) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأدلة. وبناءً على ما سبق فإن القول بأن عقد البيع الذي عقده الشريك لازم في حق شريكيه، قول باطل، وإنما هو لازم في حق من عقده فقط ويملك الشريكان الآخران إبطال العقد في حصتيهما.

قال الزيلعي الحنفي (ومن باع ملك غيره فللمالك أن يفسخه ويجيزه إن بقي العاقدان والمعقود عليه وله وبه لو عرضاً) أي للمالك أن يجيز العقد بشرط أن يبقى المتعاقدان والمعقود عليه والمعقود له وهو المالك بحالهم والأصل فيه أن كل تصرف صدر من الفضولي وله مجيز حال وقوعه انعقد موقوفاً على الإجازة عندنا وإن لم يكن له مجيز حالة العقد لا يتوقف ويقع باطلاً] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 4/ 102 - 103 وجاء في المادة 378 من مجلة الأحكام العدلية [بيع الفضولي إذا أجازه صاحب المال، أو وكيله، أو وصيه، أو وليه نفذ وإلا انفسخ إلا أنه يشترط لصحة الإجازة أن يكون كل من البائع والمشتري والمجيز والمبيع قائماً وإلا ; فلا تصح الإجازة] وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية [اتفق الفقهاء على أن من شروط البيع: أن يكون المبيع مملوكاً للبائع أو له عليه ولاية أو وكالة تجيز تصرفه فيه واتفقوا أيضا على صحة بيع الفضولي، إذا كان المالك حاضراً وأجاز البيع، لأن الفضولي حينئذ يكون كالوكيل. واتفقوا أيضا على عدم صحة بيع الفضولي إذا كان المالك غير أهل للإجازة، كما إذا كان صبياً وقت البيع.] الموسوعة الفقهية الكويتية 9/ 117. وخلاصة الأمر أن ما قام به الشريك من بيع حصة شريكيه بدون إذنهما تصرف باطل وغير لازم لهما والقول بأن تصرفه وقع لازماً لهما قول غير صحيح.

حكم استئجار الحلي الذهبية

حكم استئجار الحلي الذهبية يقول السائل: شاب يريد الزواج وهو فقير الحال وقد اتفق مع عروسه على استئجار الحلي الذهبية لمدة شهر وبعد إتمام الزواج يرد الحلي للصائغ ويدفع الأجرة المتفق عليها فما حكم ذلك. الجواب: الإجارة عند الفقهاء عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض. الموسوعة الفقهية 1/ 252. ولا خلاف بين الفقهاء أنه يشترط لانعقاد الإجارة عليها أن تقع الإجارة على المنفعة لا على استهلاك العين. وينطبق ذلك على استئجار الحلي الذهبية بالنقود فإن العقد وقع على منفعة الحلي وهي التزين بها فيجوز شرعاً استئجار الحلي الذهبية بالنقود وهو قول جمهور أهل العلم وبه قال الحنفية والشافعية والحنابلة وهو قول في مذهب المالكية ويجب أن يعلم أن هذه المسألة من باب الإجارة ولا علاقة لها بالربا ويشبه ذلك إجارة الأراضي لأن الحلي عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقائها فجازت إجارتها ولأن الحلي الذهبية من الأعيان الثابتة وقد اتفق الفقهاء على جواز استئجار الأعيان الثابتة بخلاف الأعيان المستهلكة فلا تجوز إجارتها فلو استأجر رطلاً من الأرز فالإجارة باطلة. وأما المالكية فقد كرهوا إجارة الحلي في قول عندهم لأن زكاة الحلي إعارته ولأنه ليس من شأن الناس وورد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: زكاة الحلي إعارته، وجاء في منح الجليل شرح مختصر خليل من كتب المالكية في تعليل المنع من إجارة الحلي [لأنه ليس من أخلاق الناس وليس بحرام بين ... واستثقله الإمام مالك رضي الله عنه مرة وخففه مرة. ونقل ابن يونس عن مالك ليس كراء الحلي من أخلاق الناس، معناه أنهم كانوا يرون زكاته أن يعار، فلذلك كرهوا أن يكرى] وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فصل: فيما تجوز إجارته تجوز إجارة كل عين يمكن

أن ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها بحكم الأصل، كالأرض والدار والعبد، والبهيمة والثياب والفساطيط، والحبال والخيام والمحامل، والسرج واللجام والسيف، والرمح وأشباه ذلك وقد ذكرنا كثيراً مما تجوز إجارته في مواضعه. وتجوز إجارة الحلي. نص عليه أحمد، في رواية ابنه عبد الله. وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. وروي عن أحمد أنه قال في إجارة الحلي: ما أدري ما هو؟ قال القاضي: هذا محمول على إجارته بأجرة من جنسه فأما بغير جنسه فلا بأس به لتصريح أحمد بجوازه. وقال مالك في إجارة الحلي والثياب: هو من المشتبهات. ولعله يذهب إلى أن المقصود بذلك الزينة، وليس ذلك من المقاصد الأصلية. ومن منع ذلك بأجر من جنسه، فقد احتج له بأنها تحتك بالاستعمال، فيذهب منها أجزاء وإن كانت يسيرة، فيحصل الأجر في مقابلتها، ومقابلة الانتفاع بها، فيفضي إلى بيع ذهب بذهب وشيء آخر. ولنا أنها عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة، مع بقاء عينها، فأشبهت سائر ما تجوز إجارته، والزينة من المقاصد الأصلية ; فإن الله تعالى امتن بها علينا بقوله تعالى: {لتركبوها وزينة} وقال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} وأباح الله تعالى من التحلي واللباس للنساء ما حرمه على الرجال، لحاجتهن إلى التزين للأزواج، وأسقط الزكاة عن حليهن معونة لهن على اقتنائه. وما ذكروه من نقصها بالاحتكاك لا يصح ; لأن ذلك يسير، لا يقابل بعوض، ولا يكاد يظهر في وزن، ولو ظهر فالأجر في مقابلة الانتفاع، لا في مقابلة الأجزاء ; لأن الأجر في الإجارة، إنما هو عوض المنفعة، كما في سائر المواضع، ولو كان في مقابلة الجزء الذاهب، لما جاز إجارة أحد النقدين بالآخر ; لإفضائه إلى الفرق في معاوضة أحدهما بالآخر قبل القبض.] المغني 5/ 403 - 404.

وقال الإمام النووي [ذكر الصيمري ثم الماوردي ومتابعوهما هنا أن الأفضل إذا أكرى حلي ذهب أو فضة أن لا يكريه بجنسه بل يكري الذهب بالفضة والفضة بالذهب فلو أكرى الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة فوجهان: (أحدهما) بطلانه حذراً من الربا، والصحيح الجواز كسائر الإجارات، قال الماوردي: وقول الأول باطل؛ لأن عقد الإجارة لا يدخله الربا، ولهذا يجوز إجارة حلي الذهب بدراهم مؤجلة بإجماع المسلمين، ولو كان للربا هنا مدخل لم يجز هذا.] المجموع 6/ 46. وقال شمس الأئمة السرخسي [وذكر عن الحسن رحمه الله قال: لا بأس بأن يستأجر الرجل حلي الذهب بالذهب وحلي الفضة بالفضة وبه نأخذ فإن البدل بمقابلة منفعة الحلي دون العين ولا ربا بين المنفعة وبين الذهب والفضة، ثم الحلي عين منتفع به واستئجاره معتاد فيجوز] المبسوط وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية [الأصل إباحة إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها، ولهذا صرح الشافعية والحنابلة بجواز - إجارة - الثياب والحلي للتزين، فإن النفقة بهما مباحة مقصودة مع بقاء عينها، والزينة من المقاصد المشروعة، قال الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده}. وجواز إجارة حلي الذهب والفضة بغير جنسه محل اتفاق بينهم، وتردد أحمد فيما إذا كانت الأجرة من جنسها، وروي عنه جوازه مطلقاً ... وكره المالكية إجارة الحلي؛ لأنه ليس من شأن الناس، وقالوا: الأولى إعارته لأنها من المعروف ... والجواز مفهوم من قواعد المذاهب الأخرى أيضاً؛ لأن أصل التزين مشروع، والإجارة على المنافع المشروعة صحيحة] الموسوعة الفقهية الكويتية 11/ 276. وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية عن مثل هذا السؤال، وهو تأجير الحليّ من الذهب والفضة لتلبسه المرأة عند الزواج ثم يعاد بعد أسبوعين مثلاً مع دفع الأجرة فأجابت: الأصل جواز تأجير الحلي من الذهب والفضة بأحد

النقدين أو غيرهما بأجرة ومدة معلومتين، يرد المستأجر الحلي بعد انتهاء مدة الإجارة ولا بأس بأخذ رهن في ذلك] فتاوى اللجنة الدائمة عن الإنترنت. وينبغي التنبيه إلى مسألة قريبة من هذه المسألة وهي اقتراض الذهب فيجوز عند العلماء اقتراض الذهب بذهب مثله فيجوز أن يقترض شخص مئة غرام ذهب عيار 21 على أن يردها مئة غرام ذهب عيار 21 وله أن يرد ثمنها في يوم السداد إذا اتفق المتعاقدان على ذلك. ويدل عليه ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (كنت أبيع الإبل في البقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس، إذا أخذتهما بسعر يومهما فافترقتما وليس بينكما شيء) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وخلاصة الأمر أنه يجوز استئجار الحلي الذهبية بالنقود وكذا يجوز استقراض الذهب بشرط أن يرد مثله أو قيمته يوم السداد.

حكم الشرط الجزائي في العقود التي تتضمن التزاما ماليا في الذمة

حكم الشرط الجزائي في العقود التي تتضمن التزاماً مالياً في الذمة السؤال: اطلعت على اتفاقية تلزيم مقصف في إحدى المؤسسات وقد لفت نظري بند ينص على أنه في حالة التأخر عن الدفع يترتب على الفريق الثاني دفع مبلغ وقدره 300 شيكل عن كل يوم تأخير وقد رأيت أن أبين حكم هذا الشرط فيما يلي: الجواب: الشرط المذكور في الاتفاقية المشار إليها يسمى شرطاً جزائياً وهو اتفاق المتعاقدين في ذات العقد أو في اتفاق لاحق، وبشرط أن يكون ذلك قبل الإخلال بالالتزام على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن عند عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه أو تأخيره عنه فيه. انظر بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة 2/ 855. والشرط الجزائي منه ما يكون في العقود التي تتضمن أعمالاً كعقود المقاولة والتوريد وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفّذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه. ومنه ما يكون في العقود التي تتضمن التزاماً مالياً في الذمة وقد اتفق الفقهاء المعاصرون على جواز النوع الأول من الشروط الجزائية وأما النوع الثاني فهو محرم عند أكثر فقهاء العصر. ويستدل على جواز النوع الأول من الشرط الجزائي بما رواه الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن ابن سيرين أن رجلاً قال لكريِّه: (من يكري وسائل النقل) أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً ليس مكره فهو عليه. ويدخل النوع الأول من الشرط الجزائي في عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح. وجاء في رواية أخرى: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وكذلك الاعتماد على القول الصحيح من أن الأصل في الشروط الصحة، وأنه لا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصاً

أو قياساً. انظر أبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 213. وأما النوع الثاني من الشروط الجزائية وهو ما كان مقرراً لتأخير الوفاء بالديون اللازمة في الذمة فهو محرم لأنه عين الربا وقد قرر مجمع الفقه الاسلامي في دورته الرابعة عشرة في الفترة من 8 إلى 13 ذو القعدة 1423هـ، الموافق 11 ـ 16 كانون الثاني 2003 ما يتعلق بالديون المتأخرة وسدادها: أـ بخصوص الشرط الجزائي في العقود: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلم رقم 85 (2/ 9) ونصه: «لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه، لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير»، وقراره في الشرط الجزائي رقم 109 (4/ 12) ونصه: «يجوز أن يكون الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دَيناً، فإن هذا من الربا الصريح، وبناء على هذا لا يجوز الشرط الجزائي ـ مثلاً ـ في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء كان بسبب الإعسار أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه». ب ـ يؤكد المجمع على قراره السابق في موضوع البيع بالتقسيط رقم 51 (2/ 6) في فقراته الآتية: ثالثا: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم. رابعا: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حلَّ من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.] وبناءً على ما سبق فإن الشرط الجزائي لا يدخل في باب الديون مطلقاً فلذا لا يجوز أن يدخل الشرط الجزائي في بيع التقسيط في حالة تأخر المشتري عن السداد وكذلك لا

يدخل في عقد الإجارة إذا تأخر المستأجر في دفع الأجرة وكذلك لا يدخل في عقد القرض إذا تأخر المقترض في سداد القرض. قال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا] الموسوعة الفقهية 33/ 130. وجاء في قرار مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ما يلي: [نظر المجمع الفقهي في موضوع السؤال التالي، إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل للبنك الحق أن يفرض على المدين غرامة مالية، جزائية بنسبة معينة بسبب التأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟ الجواب: وبعد البحث والدراسة، قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، ولا يحل سواءً أكان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه.] ويجب أن يعلم أنه يحرم على الغني أن يماطل فيما وجب عليه من حقوق، كالدين مثلاً، وكذلك من وجد أداءً لحق عليه وإن كان فقيراً تحرم عليه المماطلة، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر: [والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، والغني مختلف في تعريفه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيراً] فتح الباري 5/ 371. وأما إذا كان المدين معسراً فإن الله سبحانه وتعالى طلب إنظاره إلى ميسرة، كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} سورة البقرة الآية 280. وخلاصة الأمر أن الشرط المذكور في اتفاقية تلزيم المقصف الذي ينص على أنه في حالة

رد السلعة المعيبة

التأخر عن الدفع يترتب على الفريق الثاني دفع مبلغ وقدره 300 شيكل عن كل يوم تأخير أنه شرط ربوي محرم لا يجوز اشتراطه ويحرم الوفاء به لأنه عين الربا المحرم تحريماً قطعياً في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. رد السلعة المعيبة يقول السائل: إنه اشترى بضاعة جديدة وبعد أن استلمها تبين له وجود عيوب فيها فطالب البائع بردها فرفض البائع ردها بحجة أنه لا يعلم عن العيب شيئاً، فما الحكم في ذلك ومتى يجوز الرد بالعيب أفيدونا؟ الجواب: الأصل في المسلم أنه إذا باع سلعة وكان فيها عيب أن يبينه ولا يحل له كتمان العيب لأن هذا من الغش ومن باب أكل أموال الناس بالباطل كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} سورة النساء الآية 29. وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (مرََّ على صُبرة طعام - كومة - فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، أي المطر. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس مني) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم: (من غشنا فليس منا). قال الإمام النووي [ومعناه ليس ممن اهتدى بهديي واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقتي كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست مني وهكذا في نظائره مثل قوله (من حمل علينا السلاح فليس منا) وكان سفيان بن عيينة يكره تفسير مثل هذا ويقول: بئس مثل القول بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر اهـ.] نيل الأوطار 4/ 240. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غشنا

فليس منا والمكر والخداع في النار) رواه ابن حبان والطبراني وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 164. ومما يدل على وجوب تبيين العيب في السلعة ما ورد في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعاً فيه عيب أن لا يبينه) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه وقال الشيخ الألباني: صحيح. إرواء الغليل 5/ 165. وعن أبي سباع قال: [اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع رضي الله عنه فلما خرجت بها أدركني رجل فقال: اشتريت؟ قلت: نعم. قال: وبين لك ما فيها. قلت: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة. قال: أردت بها سفراً أو أردت بها لحماً؟ قلت: أردت بها الحج. قال: ارتجعها فإن بخفها نقباً. فقال صاحبها: ما أردت إلى هذا أصلحك الله تفسد عليَّ. قال: إني سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لأحد أن يبيع شيئاً إلا بين ما فيه ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما). قال الإمام الشوكاني: [قوله: (فإن صدقا وبينا) أي صدق البائع في إخبار المشتري وبين العيب إن كان في السلعة، وصدق المشتري في قدر الثمن وبين العيب إن كان في الثمن، ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد وذكر أحدهما تأكيداً للآخر] نيل الأوطار 4/ 211. وبناءً على ما سبق فقد اتفق الفقهاء على ثبوت خيار الرد بالعيب، فمن اشترى سلعة ثم ظهر فيها عيب وهو لا يعلم ثبت له خيار الرد بالعيب سواء علم البائع بالعيب أم لم يعلم.

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [متى علم بالمبيع عيباً لم يكن عالماً به، فله الخيار بين الإمساك والفسخ، سواء كان البائع علم العيب وكتمه أو لم يعلم، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافاً، وإثبات النبي صلى الله عليه وسلم الخيار بالتصرية - وهي ربط ضرع الناقة أو البقرة أو الشاة حتى يجتمع اللبن فيه - تنبيه على ثبوته بالعيب، ولأن مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب بدليل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه اشترى مملوكاً فكتب: هذا ما اشترى محمد بن عبد الله من العداء بن خالد، اشترى منه عبداً أو أمة لا داء به، ولا غائلة بيع المسلم المسلم) فثبت أن بيع المسلم اقتضى السلامة، ولأن الأصل السلامة والعيب حادث أو مخالف للظاهر، فعند الإطلاق يحمل عليها فمتى فاتت فات بعض مقتضى العقد فلم يلزمه أخذه بالعوض، وكان له الرد وأخذ الثمن كاملا ً] المغني 4/ 109. والعيب الذي ترد به السلعة هو ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار، انظر الموسوعة الفقهية 31/ 83، مجلة الأحكام العدلية المادة 338. ويرجع في معرفة العيب إلى أهل الخبرة والعرف ولا خلاف بين الفقهاء في رد السلعة المباعة للعيب وكان العيب منقصاً للقيمة أو مفوتاً غرضاً صحيحاً شرعاً، الموسوعة الفقهية 31/ 87. وقد قرر الفقهاء شروطاً لإثبات خيار العيب وهي: الشرط الأول: ظهور عيب معتبر بأن يكون مؤثراً في نقص قيمة السلعة أو مفوتاً غرضاً صحيحاً كفوات المنفعة من السلعة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [العيوب وهي النقائص الموجبة لنقص المالية في عادات التجار لأن المبيع إنما صار محلاً للعقد باعتبار صفة المالية، فما يوجب نقصاً فيها يكون عيباً والمرجع في ذلك إلى العادة في عرف أهل هذا الشأن وهم التجار] المغني 4/ 115. ومما يدل على أن فوات المنفعة يعد عيباً ما ورد عن أبي سباع قال: [اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع رضي الله عنه فلما خرجت بها أدركني رجل فقال: اشتريت؟

قلت: نعم. قال: وبين لك ما فيها. قلت: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة. قال: أردت بها سفراً أو أردت بها لحماً؟ قلت: أردت بها الحج. قال: ارتجعها فإن بخفها نقباً ... ) حيث إنه أراد الحج على الناقة وكان في خفها نقب والنقب عيب في خف الجمل يجعل الخف رقيقاً فلا يصلح الجمل للسفر، انظر النهاية في غريب الحديث 5/ 102. الشرط الثاني: قدم العيب بأن يكون العيب في السلعة قبل انتقال ملكيتها للمشتري أي وهي في عهدة البائع، قال الشيخ ابن رشد الحفيد [وأما شرط العيب الموجب للحكم به فهو أن يكون حادثاً قبل أمد التبايع باتفاق] بداية المجتهد 2/ 146. الشرط الثالث: أن يكون المشتري غير عالم بالعيب عند العقد، قال الشيخ تقي الدين السبكي [إن كان عالماً - أي المشتري - فلا خلاف أنه لا يثبت له الخيار لرضاه بالعيب] تكملة المجموع12/ 121 أما إذا علم المشتري بالعيب فسكت، فيسقط حقه في الرد. ومما يدل على هذا الشرط ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (مرََّ على صُبرة طعام - كومة - فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، أي المطر. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ... ) فقوله (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس) دليل على أن علم المشتري بالعيب يخلي البائع من المسؤولية. أحكام العيب ص 139. الشرط الرابع: أن لا يكون البائع قد اشترط البراءة من العيب بمعنى أنه شرط في البيع أنه غير مسؤول عن أي عيب يظهر في السلعة فقبل المشتري ذلك، فإن ظهر عيب بعد ذلك فلا خيار للمشتري حينئذ. وبناءً عل ما تقدم فإن ظهور عيب في السلعة وفق الشروط السابقة يثبت حق الخيار للمشتري فله أن يرد السلعة ويسترجع ما دفعه من ثمنها كاملاً، وله أن يقبل بالسلعة

المعيبة على أن ينقص البائع من ثمنها ما يقابل العيب. ومما ينبغي التنبيه عليه أن خيار العيب ثابت على التراخي وليس على الفور كما هو مذهب أكثر أهل العلم قال شيخ الإسلام ابن تيمية [وخيار الرد بالعيب على التراخي عند جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبهما، ولهما قول ـ كمذهب الشافعي ـ أنه على الفور، فإذا ظهر ما يدل على الرضا من قول أو فعل سقط خياره بالاتفاق. فإذا بني بعد علمه بالعيب سقط خياره.] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 29/ 366. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [خيار الرد بالعيب على التراخي فمتى علم العيب، فأخر الرد لم يبطل خياره حتى يوجد منه ما يدل على الرضا ذكره أبو الخطاب وذكر القاضي شيئاً يدل على أن فيه روايتين إحداهما، هو على التراخي، والثانية هو على الفور، وهو مذهب الشافعي فمتى علم العيب، فأخر رده مع إمكانه بطل خياره لأنه يدل على الرضا به فأسقط خياره، كالتصرف فيه. ولنا أنه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على التراخي، كالقصاص ولا نسلم دلالة الإمساك على الرضا به] المغني 4/ 109. وخلاصة الأمر أن من اشترى سلعة ثم ظهر أنها معيبة فله أن يردها بالعيب ويسترد ما دفع من ثمنها علم البائع بالعيب أم لم يعلم.

عقود الصيانة

عقود الصيانة يقول السائل: لدي محل وعندي عدة أجهزة حاسوب وآلات تصوير وقد اتفقت مع إحدى الشركات لعمل صيانة دورية لهذه الأجهزة على أن تقوم الشركة بالصيانة الدورية كل شهرين مرة مع تقديم ما يلزم من قطع غيار وذلك مقابل مبلغ متفق عليه، فما قولكم في ذلك، وما الحكم فيما لو كانت الصيانة عند حدوث الخلل فقط، أفيدونا؟ الجواب: الاتفاق الذي تمَّ بينك وبين الشركة المذكورة يسمى عقد صيانة وهو من العقود المستحدثة ولم يكن معروفاً لدى الفقهاء المتقدمين لأنه مرتبط بالتقدم العلمي خاصة في مجال الآلات وقد بحث الفقهاء المعاصرون عقد الصيانة وحاولوا تخريجه على عقد من العقود المعروفة عند فقهائنا المتقدمين فمنهم من خرجه على أنه عقد جعالة وهو أن يجعل الرجل للرجل أجراً معلوماً، ولا ينقده إياه على أن يعمل له في زمن معلوم أو مجهول، مما فيه منفعة للجاعل، على أنه إن أكمل العمل كان له الجعل، وإن لم يتمه فلا شيء له، مما لا منفعة فيه للجاعل إلا بعد تمامه وهذا عند المالكية. وعرفها الشافعية: بأنها التزام عوض معلوم على عمل معين معلوم، أو مجهول يعسر ضبطه. وعرفها الحنابلة: بأنها تسمية مال معلوم لمن يعمل للجاعل عملاً مباحاً ولو كان مجهولاً أو لمن يعمل له مدة ولو كانت مجهولة. وقد قال جمهور أهل العلم بصحة عقد الجعالة ويدل على جوازها قوله تعالى {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} سورة يوسف الآية 72، ويدل على جوازها أيضاً ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة رقية أحد المشركين وأخذه جعلاً على الرقية. وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، والحديث رواه البخاري ومسلم. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 15/ 208 - 209. ومن الفقهاء المعاصرين من خرج عقد الصيانة على أنه من عقود المقاولات، وهو يجمع

في عناصره بين عقدين جائزين في الفقه الإسلامي هما عقد الاستصناع كما يسميه الحنفية، وعقد السلم كما هو عند جمهور الفقهاء، وعقد الصيانة إذا تضمن وصفاً دقيقاً لطبيعة العمل، وما يتطلبه من قطع غيار وجهد في الإصلاح وتضمن الأجر والزمن، بحيث يكونان محددين فإنه جائز شرعاً، ولو تضمن بعض الغرر؛ لأن الغرر الذي نهى عنه النبي عليه صلى الله عليه وسلم هو الغرر الذي يفضي إلى جهالة فاحشة تؤدي إلى نزاع بين طرفي التعاقد، أما الغرر الذي لا يفضي إلى النزاع فمعفو عنه، وهذا من رخص الشرع في المعاملات؛ ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المعدوم، ورخص في السلم، وقام الإجماع على صحة الاستصناع بشروطه مع وجود الجهالة فيه، وأجاز المزارعة مع وجود نوع من جهالة فيها؛ لحاجة الناس وتوسعة عليهم في معاشهم؛ لذلك فإن عقد الصيانة جائز شرعاً] نقلاً عن موقع إسلام أون لاين. ومن الفقهاء المعاصرين من خرج عقد الصيانة على أنه شبيه بعقد التأمين التجاري في حالة عقد الصيانة المنفرد في الحالات الطارئة فقط دون الصيانة الدورية الوقائية فهذا فيه من الفساد ما في عقود التأمين من الغرر والمخاطرة وقد أبطله أكثر الفقهاء المعاصرين. مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 11 ج 2/ 198. وهنالك تخريجات أخرى لعقد الصيانة يطول المقام بذكرها. وقد بحث مجلس مجمع الفقه الإسلامي عقد الصيانة في الدورة الحادية عشرة سنة 1998م وقرر ما يلي: أولاً: عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود ويختلف تكييفه وحكمه باختلاف صوره، وهو في حقيقته عقد معاوضة يترتب عليه التزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه آلة أو أي شيء آخر من إصلاحات دورية أو طارئة لمدة معلومة في مقابل عوض معلوم، وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده أو

بالعمل والمواد. ثانياً: عقد الصيانة له صور كثيرة منها ما تبين حكمه وهي: 1 - عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط، أو مع تقديم مواد يسيره يعتبر العاقدان لها حساباً في العادة. هذا العقد يكيف على أنه عقد إجارة على عمل وهو عقد جائز شرعاً، بشرط أن يكون العمل معلوماً والأجر معلوماً. 2 - عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر يلتزم فيه الصائن تقديم العمل ويلتزم المالك بتقديم المواد ـ تكييف هذه الصورة وحكمها كالصورة الأولى. 3 - الصيانة المشروطة في عقد البيع على البائع لمدة معلومة، هذا عقد اجتمع فيه بيع وشرط وهو جائز سواء أكانت الصيانة من غير تقديم المواد أم مع تقديمها. 4 - الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر أو المستأجر، هذا عقد يجتمع فيه إجارة وشرط، وحكم هذه الصورة أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي يتوقف عليه استيفاء المنفعة فإنها تلزم مالك العين المؤجرة من غير شرط ولا يجوز اشتراطها على المستأجر أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة فيجوز اشتراطها على أي من المؤجر أو المستأجر إذا عينت تعيناً نافياً للجهالة. وهناك صور أخرى يرى المجمع إرجاءها لمزيد من البحث والدراسة. ثالثاً: يشترط في جميع الصور أن تعين الصيانة تعييناً نافياً للجهالة المؤدية إلى النزاع وكذلك تبين المواد إذا كانت على الصائن مما يشترط تحديد الأجرة في جميع الحالات.] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 11 ج 2/ 279 - 280. إذا تقرر هذا فإن عقود الصيانة لها صور عديدة وقد يختلف الحكم باختلاف الصورة وأما حكم الصورتين اللتين وردتا في السؤال فالصورة الأولى وهي الصيانة الدورية مع تقديم ما يلزم من قطع غيار فهذه الصورة جائزة [على أن يكون العمل المتفق عليه في الصيانة معلوماً عند التعاقد، وخالياً عن الجهالة الفاحشة المفضية للنزاع، أما الجهالة

القليلة، أو الجهالة الفاحشة المنضبطة فلا تؤثر فيه، وذلك إلحاقاً له بعقود المزارعة والمساقاة والجعالة، فإن فيها جهالة وغرراً، إلا أنه يغتفر فيها، لقلته نسبياً، وعدم تأديته للنزاع غالباً، وللحاجة الماسة إليها، فكذلك هذا إذا ضبط بالشروط الآتية: 1 - تعيين الشيء المتفق على صيانته آلة أم عقاراً أو غيرهما، بوصفه أو بالإشارة إليه. 2 - تعيين نوع الصيانة المطلوبة بدقة تمنع إثارة النزاع، وذلك بتحديد شروط ومواصفات خاصة ينص عليها العقد ويحددها الخبراء. 3 - تعيين فترات الصيانة الدورية أسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً، وشكلها وطبيعتها. 4 - تعيين وصف ورتبة العامل الذي يقوم بها مهندساً أو عاملاً فنياً. فإذا أمكن تحديده بشخصه كان أولى. (هـ) تحديد مدة عقد الصيانة أسبوعاً أو شهراً أو سنةً، مع تحديد بدء المدة. ولا بأس بتحديد البدء بمدة متأخرة عن تاريخ التعاقد كالإجارة. (و) تحديد أجرة الصيانة وطريقة دفعها للصائن، وتاريخ كل دفعة، ومكان الدفع. (ز) تحديد الآلات اللازمة للصيانة، والطرف الذي عليه تأمينها: الصائن أو المصون له. (ح) تحديد المواد اللازمة للصيانة الدورية كالشحوم والزيوت .. والجهة التي عليها أن توفرها، وذلك محصور بما هو مظنون الحاجة إليه غالبًا. (ط) لا يدخل في أعمال الصيانة ترميم ما ينتج عن سوء تصرف المصنوع له، أو عماله، ووكلائه، كما لا يدخل فيها إصلاح الأعطال النادرة الحصول (غير المتوقعة عند التعاقد) كالأعطال الناتجة عن الحروب والكوارث .. لما فيها من الغرر الشديد، فإن اشترطت فسد عقد الصيانة كله، لما فيها من الجهالة الفاحشة المؤدية للنزاع والغرر.] (بحوث وفتاوى فقهية معاصرة) للأستاذ الدكتور أحمد حجى الكردي، ص 265 - 266. وأما الصورة الثانية وهي الصيانة عند حدوث الخلل فقط فهذا العقد باطل لاشتماله

على الغرر وهو ما كان مجهول العاقبة لا يدرى هل يحصل أم لا؟ انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 31/ 149. وقد صح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم. والغرر هو ما كان مجهول العاقبة لا يدرى هل يحصل أم لا؟ وفي هذه الحالة وهي الصيانة عند حدوث الخلل فقط يتحقق الغرر فقد يحدث الخلل وقد لا يحدث، فهذا لا يجوز لأن الغرر كثير في هذه الحالة فمن المعلوم أن أجهزة الحاسوب وآلات تصوير يحدث فيها خلل طارئ لأسباب عديدة ناتجة عن كثرة الاستعمال أو سوء الاستعمال أو اختلاف قوة التيار الكهربائي وغير ذلك من الأسباب. وخلاصة الأمر أن صور عقد الصيانة مختلفة وأن الصورة الأولى المذكورة في السؤال جائزة بالضوابط المذكورة وأما الصورة الثانية فباطلة لأنها مشتملة على الغرر الكثير وهو غرر غير مغتفر.

عرض الملابس النسائية على المجسمات

عرض الملابس النسائية على المجسمات يقول السائل: يقوم بعض أصحاب المحلات التجارية التي تبيع الملابس النسائية بعرض الملابس الداخلية للنساء على مجسمات في محلاتهم، ومنهم من يعرض صوراً إباحية لنساءٍ يلبسن الملابس الداخلية في أوضاع مخزية، ويرى هؤلاء التجار أن هذه وسيلة لتسويق بضائعهم فما قولكم في ذلك؟ الجواب: من الضوابط الشرعية التي تحكم العمل في التجارة تحريم الاتجار والعمل بالمحرمات سواء كان ذلك بانتهاك محرم أو ترك واجب. يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} سورة المنافقون الآية 9. ومن الأمور المحرمة استعمال الصور الإباحية في ترويج البضائع فمن المعلوم عند أهل العلم أن للوسائل أحكام المقاصد، قال الإمام العز بن عبد السلام: للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل) قواعد الأحكام 1/ 46. فوسيلة المحرم محرمة أي إن ما أدى إلى الحرام فهو حرام. فالصور الإباحية التي تشتمل على الفحشاء والمنكر محرمة ولا يجوز استعمالها في ترويج البضائع وكذلك التماثيل التي يستعملها التجار لعرض الملابس عليها والمسماة المنيكان فهذه تعتبر من التماثيل المحرمة شرعاً، فقد ورد عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) رواه مسلم، وإن عرض الملابس النسائية الداخلية عليها يضيف منكراً إلى منكر، فلا يجوز استعمالها في عرض الملابس وخاصة الملابس الداخلية للنساء لما يترتب على ذلك من مفاسد كثيرة ففي ذلك فتنة للرجال وخاصة الشباب منهم. ويضاف إلى ما سبق أن عرض الملابس الداخلية للنساء على هذه المجسمات

وهي على شكل امرأة فيه امتهان للمرأة وكرامتها واحتقار لها ومتاجرة بجسدها حيث إن جسم المرأة يستغل أبشع استغلال لكسب المال. ومما يدل على تحريم هذا العمل قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي رحمه الله: [وهذا النهي يقتضي التحريم] المغني 4/ 167. فلا شك أن نشر الصور الإباحية المشار إليها فيه نشر للفساد والرذيلة وفيه إثارة للشهوات وكل ذلك داخل في باب التعاون على الإثم والعدوان. كما إنه يدخل في إشاعة الفاحشة بين الناس وهذا من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} سورة النور الآية 19. إذا تقرر تحريم عرض الملابس الداخلية للنساء على التماثيل المجسمة (المانيكان) وكذلك تحريم ترويج تلك الملابس عبر الصور الإباحية فإني أنبه التجار الذين يستعملون هذه الوسائل المحرمة بأنهم يدخلون بعملهم هذا ضمن دائرة الكسب الحرام والكسب الحرام نوع من أكل السحت، قال الله تعالى {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} سورة المائدة الآية 42. وقال الله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة المائدة الآية 62. وقوله تعالى: {لوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} سورة المائدة الآية 63. قال أهل التفسير في قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أي الحرام وسمي المال الحرام

سحتاً لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها. انظر تفسير القرطبي 6/ 183. وقال جماعة من أهل التفسير: ويدخل في السحت كل ما لا يحل كسبه] فتح المالك 8/ 223. ومن السحت الربا والغصب والقمار والسرقة ومهر البغي وثمن الخمر والخنزير والميتة والأصنام والتماثيل والصور الإباحية والأفلام الجنسية وقد جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به) رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان. وفي رواية أخرى: (كل جسدٍ نبت من سحتٍ فالنار أولى به) رواه أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 831. وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ... يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وصححه العلامة الألباني. صحيح سنن الترمذي 1/ 189. وعن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة جسد غُذِيَ بحرام) رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أبي يعلى ثقات وفي بعضهم اختلاف قاله الهيثمي. مجمع الزوائد 10/ 293. وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 320. وغير ذلك من النصوص. فيا أخي التاجر ابتعد عن الكسب الحرام واحرص على الكسب الحلال واعلم أن من الواجبات على المسلم أن لا يأكل إلا الحلال بل إن الله قدم الأكل من الطيبات على العمل الصالح فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وفي هذا الزمان تحقق ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق حيث أخبر أن من الناس من لا يفرق في كسبه بين حلال وحرام فلا يهمه من أين

اكتسب المال وكل ما يهمه أن يكون المال بين يديه ينفقه كيفما شاء. فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام) رواه البخاري. وقد ينسى بعض الناس أنه سيحاسب على ماله وأنه سيسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني. وقد وردت نصوص كثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على الأكل من الطيبات منها: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} سورة البقرة آية 172. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: (تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج) رواه الترمذي وقال حديث صحيح غريب وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 318.

التجارة بالألعاب النارية

وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (استحيوا من الله حق الحياء. قلنا: يا نبي الله إنا لنستحي والحمد الله. قال: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء هو أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى وتتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا - يعني من الله - حق الحياء) رواه الترمذي وحسّنه العلامة الألباني. صحيح سنن الترمذي 2/ 299. وخلاصة الأمر أنه يحرم عرض الملابس الداخلية للنساء على المجسمات المسماة بالمنيكان ويحرم نشر صور النساء الإباحية بالملابس الداخلية وغيرها وأن ذلك يدخل في إشاعة المنكرات والفواحش بين الناس وأن التاجر الذي يستعمل هذه الوسائل المحرمة لترويج تجارته فإنه يُدخل في كسبه الحرام. التجارة بالألعاب النارية يقول السائل: كثر في الآونة الأخيرة استعمال الألعاب النارية في المناسبات المختلفة فما حكم المتاجرة بها وما حكم استعمالها؟ الجواب: قال أهل العلم إن الأصل في البيع والشراء الإباحة، ويدخل في ذلك المتاجرة في الألعاب النارية لو أنها استعملت بطريق مأمون ولم يترتب عليها ضرر وأذى وترويع للناس وإسراف وتبذير وبما أن كل المفاسد السابقة قد وجدت في الألعاب النارية فإن الحكم ينتقل من الإباحة إلى التحريم فشراء الألعاب النارية واستعمالها مباح أدى إلى الحرام وما أدى إلى الحرام فهو حرام وقد قرر العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد. قال الإمام العز بن عبد السلام رحمة الله عليه: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام 1/ 46 فوسيلة المحرم محرمة، أي إن ما أدى إلى الحرام فهو

حرام، فإيذاء الناس حرام فما أدى إليه فهو حرام، وإلحاق الضرر بالنفس حرام، فما أدى إليه فهو حرام، وترويع الناس وإخافتهم حرام، فما أدى إليه فهو حرام وتفصيل ذلك كما يلي: أولاً: إن إطلاق الألعاب النارية يترتب عليه إيذاء الناس وإزعاجهم إزعاجاً شديداً وخاصة إذا إطلقت في ساعات الليل المتأخر ومن المعلوم شرعاً أنه لا يجوز إيذاء المسلم سواء كان الإيذاء معنوياً أو مادياً بل إن الإيذاء المعنوي قد يكون أشد من الإيذاء المادي. وقد وردت نصوص كثيرة تحرم إلحاق الأذى بالناس ونصوص أخرى تحث على ترك إيذاء عباد الله، فمن ذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) رواه البخاري. فهذا النهي الوارد في الحديث يعم كل أذى فلا يجوز إلحاق الأذى بالجار سواء أكان الأذى مادياً أو معنوياً. ثانياً: إن إطلاق الألعاب النارية يترتب عليه ترويع الناس وإخافتهم وخاصة الأطفال وبالتحديد النيام منهم ويحرم على المسلم أن يروع أخاه فقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) رواه أبو داود وأحمد والطبراني وصححه الشيخ الألباني في غاية المرام ص 257. ثالثاً: إن استعمال الألعاب النارية قد يلحق الضر والأذى بمستعمليها وخاصة الأطفال منهم، وكم سمعنا عن حالات فقد فيها الأطفال أصابعهم ولحقت الإصابات بأعينهم وبقية أجسامهم وقد بين الأطباء الضرر الكبير الذي يلحق بمستعمليها يقول د. محمد سمير عبد العاطي أستاذ طب الأطفال بجامعة عين شمس: [يعتبر الأطفال والمراهقون أكثر الفئات العمرية تعرضاً لهذه الألعاب، وتسبب لهم الحرائق والتشوهات المختلفة التي قد تكون خطيرة في أغلب الأحيان، علاوة على أن الصوت الصادر عنها يؤثر وبشكل كبير على الأطفال المتواجدين بالقرب من منطقة اللعب، ويعد هذا نوعاً من

أنواع التلوث الضوضائي الذي يؤثر على طبلة الأذن وبالتالي يسبب خللاً وظيفياً في عمل المخ قد يستمر لمدة شهر أو شهرين. إضافة لذلك فإن الشرر أو الضوء والحرارة الناجمة عن استخدام المفرقعات تعد سبباً رئيسياً للإضرار بالجسم، وخاصة منطقة العين الحساسة. كما أن الرماد الناتج عن عملية الاحتراق يضر بالجلد والعين إذا ما تعرض له الطفل بشكل مباشر؛ حيث تصاب العين بحروق بالجفن والملتحمة وتمزق في الجفن، أو دخول أجسام غريبة في العين، أو انفصال في الشبكية، وقد يؤدي الأمر في إلى فقدان كلي للعين.] عن شبكة الإنترنت. وجاء في تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية نشر سنة 2004م ما يشير إلى هذه الأضرار فقد [دعت وزارة الصحة الفلسطينية جميع الجهات المعنية ومنها البلديات، والغرف التجارية، والشرطة، إلى تكثيف الجهود من أجل منع استيراد الألعاب النارية والمفرقعات، والتكفل بعدم عرضها أو بيعها في المحال التجارية والأسواق، حفاظاً على صحة وسلامة أطفال فلسطين، وتجنيب أعينهم من التعرض لأي إصابات. ونقلت وزارة الصحة إحصائية عن مستشفى العيون في غزة، أن إجمالي الحالات التي وصلت للمستشفى خلال فترة شهر رمضان الماضي، وعيد الفطر السعيد، بلغت (119) إصابة، كانت نتيجة استخدام الألعاب النارية والمفرقعات، والآلات ذات السرعات العالية والبنادق. وأضافت أن عدد الحالات التي أدخلت للمستشفى خلال شهر رمضان الماضي، من إصابات متوسطة مثل خدش العين وحروق سطحية للحروق أو الجفون بلغ (43) حالة، من بينها ثلاث حالات خطيرة استدعت إجراء عمليات جراحة عاجلة مثل نزيف في الغرفة الأمامية أو الخلفية للعين، أو دخول جسم غريب أو قطع لمقلة العين أو حدوث نزيف داخلها أو انفصال في الشبكية وغيرها، وجميع هذه الحالات تحتاج إلى إجراء عمليات جراحية دقيقة، وأخرى يتم تحويلها للخارج من شدة وخطورة الإصابة، وهناك من يفقد بصره أو إحدى عينيه، أما عدد الحالات

البسيطة التي تم استقبالها فقد بلغ (76) حالة وجميع الإصابات من الأطفال تتراوح أعمارهم من عام إلى 15 عام] عن شبكة الإنترنت. رابعاً: إن إنفاق الأموال في شراء الألعاب النارية يعتبر إنفاقاً للمال فيما لا ينفع ويعد من باب إضاعة المال وقد نهانا الله جل جلاله عن إضاعة المال كما ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كره لكم ثلاثاً قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال) رواه البخاري ومسلم، قال الإمام النووي [وأما إضاعة المال فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية، وتعريضه للتلف، وسبب النهي أنه إفساد، والله لا يحب المفسدين] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 377. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (وإضاعة المال) تقدم في الاستقراض أن الأكثر حملوه على الإسراف في الإنفاق، وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام، والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعاً سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياما لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح، إما في حق مضيعها وإما في حق غيره] فتح الباري 10/ 501. ويضاف إلى ذلك ما يترتب على إنفاق المال في شراء الألعاب النارية من إثقال لكاهل العائلة من نفقات لا حاجة لها وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني من حصار وتضييق. وبناءً على ما سبق فيجب تضافر جميع الجهات المسئولة للقضاء على هذه المفسدة فيجب تعاون الأجهزة الحكومية وغيرها للقضاء على هذه الظاهرة، فمن واجب الجهات الحكومية وقف استيراد الألعاب النارية وكذلك منع بيعها وتداولها ولا بد للجهات الصحية من إصدار النشرات التي تبين أضرارها وواجب وسائل الإعلام وكذا أئمة المساجد في خطب الجمعة وغيرها بيان مخاطرها وأضرارها ويجب على الأسرة أن تثقف أطفالها حول مخاطر هذه الألعاب وكذلك المدارس لها دور في محاربة هذه

انتزاع الملكية الخاصة وتحويلها إلى ملكية عامة

الظاهرة فإذا تكاتفت جميع الجهود فيرجى تحقيق القضاء على هذه المفسدة في مجتمعنا. وخلاصة الأمر أنه يحرم التعامل مع الألعاب النارية بيعاً وشراءً واستعمالاً ضمن الظروف التي شرحتها ولما يترتب عليها من المفاسد الغالبة لما فيها من مصالح موهومة ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما تقول القاعدة الفقهية. انتزاع الملكية الخاصة وتحويلها إلى ملكية عامة يقول السائل: إن المجلس البلدي لمدينته يريد أن يضع يده على قطعة أرض يملكها السائل لإقامة مركز صحي للبلد لأن موقع الأرض مناسب لذلك المشروع مع أنه يعارض ذلك فما هو الحكم في هذه القضية، أفيدونا؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن الإسلام قد قرر مبدأ الملكية الفردية أو الملكية الخاصة واحترمها احتراماً شديداً وشرع أحكاماً كثيرة للمحافظة عليها وحرَّم التعدي عليها وقد وردت النصوص الكثيرة في ذلك فمنها قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} سورة النساء الآية 29. وصح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم. وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس) رواه أحمد والبيهقي

والطبراني والدارقطني وغيرهم وقال الشيخ الألباني: صحيح، إرواء الغليل 5/ 279. وجاء في رواية أخرى عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل للرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه وذلك لشدة ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال المسلم على المسلم) رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في غاية المرام ص 263. وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حق إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة). رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان) رواه أحمد. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حرمة مال المسلم كحرمة دمه) رواه البزار وأبو يعلى. وغير ذلك من النصوص. وقد أجاز الفقهاء انتزاع الملكية الخاصة في حالات محددة وتحويلها إلى ملكية عامة وذلك لتحقيق مصلحة عامة كبناء المساجد وشق الطرق وبناء الجسور وبناء المدارس والمستشفيات والمرافق العامة الأخرى التي يحتاجها عامة الناس. قال الشيخ أحمد الشلبي الحنفي [ولو ضاق المسجد على الناس وبجنبه أرض لرجل، تؤخذ أرضه بالقيمة كرهاً، ولو كان بجنب المسجد أرض وقف على المسجد، فأرادوا أن يزيدوا شيئاً في المسجد من الأرض، جاز ذلك بأمر القاضي) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 3/ 331. وجاء في الموسوعة الفقهية [ويتحول الملك الخاص إلى عام، في نحو البيت المملوك إذا احتيج إليه للمسجد، أو توسعة الطريق، أو للمقبرة ونحوها من مصالح المسلمين، بشرط التعويض] الموسوعة الفقهية الكويتية 10/ 289. ويدل على جواز ذلك ما ورد في قصة بناء المسجد النبوي حيث إن النبي صلى الله

عليه وسلم اشترى الأرض التي بني عليه المسجد من أصحابها فقد ورد في الحديث الطويل في قصة الهجرة النبوية ( ... فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت - الناقة - عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: لا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجداً) رواه البخاري. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني النجار ... وأنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ من بني النجار فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا قالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فقال أنس فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين وفيه خرب وفيه نخل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول اللهم لا خير إلا خير الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره) رواه البخاري. [وقد حصل في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17 هـ أنه أراد توسعة المسجد الحرام فاشترى عمر دوراً من أهلها، ووسعه بها، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن وامتنع من البيع، فوضع عمر أثمانها في خزانة الكعبة فأخذوها، وفي سنة 26 هـ

اشترى عثمان رضي الله عنه دوراً وسع بها المسجد، وقد أبى قوم البيع، فهدم عليهم دورهم، فصاحوا به فأمر بحبسهم حتى شفع فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فأخرجهم، وفي سنة 64 هـ اشترى عبد الله بن الزبير رضي الله عنه دوراً وسع بها المسجد من الجانب الشرقي والجانب الجنوبي توسعة كبيرة] عن موقع الحج والعمرة على الإنترنت. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي مسألة انتزاع الملكية الخاصة وتحويلها إلى ملكية عامة وأصدر فيها ما يلي: [إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 - 23 جمادي الآخرة 1408 هـ، الموافق 6 - 11 فبراير 1988. بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص "انتزاع الملك للمصلحة العامة". وفي ضوء ما هو مسَلَّم في أصول الشريعة، من احترام الملكية الفردية، حتى أصبح ذلك من قواطع الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، وأن حفظ المال أحد الضروريات الخمس التي عرف من مقاصد الشريعة رعايتها، وتواردت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على صونها، مع استحضار ما ثبت بدلالة السنة النبوية وعمل الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من نزع ملكية العقار للمصلحة العامة، تطبيقاً لقواعد الشريعة العامة في رعاية المصالح وتنزيل الحاجة العامة منزلة الضرورة وتحمل الضرر الخاص لتفادي الضرر العام. قرر ما يلي: أولاً: يجب رعاية الملكية الفردية وصيانتها من أي اعتداء عليها، ولا يجوز تضييق نطاقها أو الحد منها، والمالك مسلط على ملكه، وله في حدود المشروع التصرف فيه بجميع وجوهه وجميع الإنتفاعات الشرعية. ثانياً: لا يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة إلا بمراعاة الضوابط والشروط الشرعية التالية: 1 - أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما لا يقل عن

ثمن المثل. 2 - أن يكون نازعه ولي الأمر أو نائبه في ذلك المجال. 3 - أن يكون النزع للمصلحة العامة التي تدعو إليها ضرورة عامة أو حاجة عامة تنزل منزلتها كالمساجد والطرق والجسور. 4 - أن لا يؤول العقار المنزوع من مالكه إلى توظيفه في الاستثمار العام أو الخاص، وألا يعجل نزع ملكيته قبل الأوان. فإِن اختلت هذه الشروط أو بعضها كان نزع ملكية العقار من الظلم في الأرض والغصوب التي نهى الله تعالى عنها ورسوله صلى الله عليه وسلم. على أنه إذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار إليها تكون أولوية استرداده لمالكه الأصلي، أو لورثته بالتعويض العادل.) مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 4 ج 2 ص 1797 - 1798. وأخيراً يجب التأكيد على أن انتزاع الملكية الخاصة لا بد أن يكون بعوض لا يقل عن ثمن المثل كما ورد في قصة عمر وعثمان عند توسعة المسجد الحرام وكما جاء في المادة (1216) من مجلة الأحكام العدلية [لدى الحاجة يؤخذ ملك كائن من كان بالقيمة بأمر السلطان ويلحق بالطريق، ولكن لا يؤخذ من يده ما لم يؤد له الثمن] درر الحكام 3/ 233. وكما أكد عليه قرار المجمع الفقهي [أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما لا يقل عن ثمن المثل.] وخلاصة الأمر أنه يجوز للمجلس البلدي أن ينتزع ملكية الأرض المذكورة في السؤال وفق الضوابط المذكورة سابقاً.

إتلاف المنتجات الزراعية احتجاجا على إغلاق المعابر

إتلاف المنتجات الزراعية احتجاجاً على إغلاق المعابر يقول السائل: ما قولكم فيما فعله بعض المزارعين من إتلاف كميات من المنتجات الزراعية من الفواكه والخضروات احتجاجاً على إغلاق المعابر حيث يقومون بإلقائها في الشوارع ورميها، أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن من مقاصد الشريعة الغراء حفظ المال حيث إن المال هو أحد الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها قال أبو حامد الغزالي: [ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم؛ فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة ... وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح] المستصفى من علم الأصول 1/ 417. وقال الإمام الشاطبي: [تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: أحدها: أن تكون ضرورية. والثاني: أن تكون حاجية. والثالث: أن تكون تحسينية. فأما الضرورية: فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين ... ومجموع الضروريات خمس وهي: حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل وقد قالوا إنها مراعاة في كل ملة] الموافقات 2/ 8 - 10. وقد جاءت أدلة كثيرة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تدل على وجوب المحافظة على المال منها قوله تعالى {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن

السبيل ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً} سورة الإسراء الآيتان26 - 27. وقوله تعالى {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً} سورة الفرقان الآية 67. وقوله تعالى {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط} سورة الأنعام الآية 152. وقوله تعالى {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير} سورة الحديد الآية 7. وقوله تعالى {يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} سورة الأعراف الآية31. وقوله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً} سورة الإسراء الآية 29. وقوله تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً} سورة النساء الآية 5. وثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً ... قال العلماء: الرضا والسخط والكراهة من الله تعالى المراد بها أمره ونهيه، وثوابه وعقابه، أو إرادته الثواب لبعض العباد، والعقاب لبعضهم، وأما الاعتصام بحبل الله فهو

التمسك بعهده، وهو إتباع كتابه العزيز وحدوده، والتأدب بأدبه ... وأما (إضاعة المال): فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية، وتعريضه للتلف، وسبب النهي أنه إفساد، والله لا يحب المفسدين، ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس.] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 375 - 377. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إضاعة المال) [ ... والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعاً سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياماً لمصالح العباد، وفي تبذيره تفويت تلك المصالح، إما في حق مضيعها وإما في حق غيره] فتح الباري 10/ 501. إذا تقرر أن من مقاصد الشارع الحكيم حفظ المال فأعود إلى السؤال فأقول إن ما قام به بعض المزارعين من إتلافهم للمنتجات الزراعية ورميها في الشوارع أمر محرم شرعاً وما فعلوه إنما هو تقليد للحضارة الغربية الرأسمالية التي تهلك كل عام كميات هائلة من المنتجات الزراعية للمحافظة على مستوى الأسعار [فالولايات المتحدة الأمريكية تُغرق في البحر مئات الأطنان من المواد الغذائية سنوياً فقط لتحافظ على مستوى الأسعار التي تريدها وذلك عن طريق إتلاف الفائض عن حاجة السوق التجارية بغض النظر عن احتياجات الإنسانية في العالم ومن أجل إبقاء سعر القمح عالمياً في مستواه الثابت تلجأ أمريكا إلى إتلاف الفائض أو تخزينه وقد بلغت قيمة ما تحرقه أمريكا سنوياً من القمح مبلغ أربعين مليار دولار فيما يموت أربعين بالمائة من مواليد إفريقيا وحدها نتيجة لنقص المواد الغذائية، هذا في القمح إلاّ أن السياسة نفسها هي المتبعة بالنسبة للحليب واللحوم ومختلف أنواع المواد الاستهلاكية زراعية كانت أم صناعية ... بل إن مجموعة الدول الصناعية الأوروبية، ليست على استعداد لإلغاء ما اعتادت عليه منذ عشرات السنين، من إنفاق الملايين على إتلاف الفائض من منتجاتها الزراعية والغذائية، والمليارات على دعم المزارعين فيها، بحجة عدم انخفاض مستوى أسعار تلك

المنتجات في الأسواق العالمية، أي بما في ذلك أسواق البلدان النامية، وهذا رغم انتشار المجاعات والأمراض الناجمة عن سوء التغذية ونقصها في تلك البلدان!!] عن شبكة الإنترنت. إن إتلاف المنتجات الزراعية ورميها في الشوارع يتناقض مع ما قصده الشارع الحكيم من حفظ المال وكذلك ما ورد من النهي عن إضاعة المال، وهذا العمل يعتبر من السفه، والسفه عند الفقهاء هو التصرف في المال على خلاف مقتضى الشرع والعقل، والشرع لا يقر إتلاف المال بهذه الطريقة وكذا العقل، ويعتبر هذا العمل من الإسراف والتبذير المحرمان شرعاً والواجب هو أن يستفيد المزارعون من هذه المنتجات فإن تعذر عليهم تصديرها فليبيعوها في السوق المحلي ولو بأسعار منخفضة، فإن لم يتيسر لهم ذلك فليتصدقوا بها على الفقراء والمساكين، أو يعطوها للجمعيات الخيرية التي ترعى الأيتام والعجزة وغيرهم، وإن تعذر ذلك وما أظنه يتعذر، فليطعموها للحيوانات فلهم الأجر والثواب في كل ذلك، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً قال صلى الله عليه وسلم: في كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌ) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (في كل كبد رطبة أجر) معناه في الإحسان إلى كل حيوان حي بسقيه ونحوه أجر، وسمي الحي ذا كبد رطبة، لأن الميت يجف جسمه وكبده.] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 401. والواجب يقضي بمنع هؤلاء المزارعين من إتلاف المنتجات الزراعية لما فيه من أضرار بالمصالح العامة ولو كانوا يتلفون أموالهم الخاصة، قال الإمام قال الإمام النسائي في

تزوير الشهادات

سننه [باب منع الحاكم رعيته من إتلاف أموالهم وبهم حاجة إليها] ثم ساق حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (أعتق رجل من الأنصار غلاماً له عن دبرٍ وكان محتاجاً وكان عليه دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمان مائة درهم فأعطاه فقال اقض دينك وأنفق على عيالك] وهو حديث صحيح. وخلاصة الأمر أنه يحرم شرعاً إتلاف المنتجات الغذائية والزراعية بالصورة المذكورة في السؤال وغيرها ما دام أنه يمكن انتفاع الناس بها فإن لم ينتفع بها الناس بشكل من الأشكال أطعمت للحيوانات. تزوير الشهادات يقول السائل: ما حكم من يزور شهادة ليترقى في وظيفته ويحصل على زيادة على راتبه ولا يمكنه الحصول على الترقية إلا بالشهادة المزورة، أفيدونا؟ الجواب: الأصل في المسلم أنه صادق لا يكذب فإن الصدق فضيلة من أعظم الفضائل، والكذب رذيلة من أشنع الرذائل، وقد أمرنا الله بالصدق ونهانا عن الكذب يقول جل جلاله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} سورة التوبة الآية 119. وقال تعالى {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً} سورة التوبة الآية 35. وقال تعالى {طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم} سورة محمد الآية 21. وثبت في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم. وعن أبي الحوراء السعدي قال قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وثبت في الحديث الصحيح أيضاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) رواه البخاري مسلم. والكذب ليس من صفات المؤمنين الصادقين يقول الله سبحانه وتعالى: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون} سورة النحل الآية 105. إذا تقرر هذا فإن التزوير فيه نوع من الكذب والتدليس والتلبيس والغش والخداع [فالتزوير في اللغة: مصدر زور، وهو من الزور، والزور: الكذب، قال تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} وزور كلامه: أي زخرفه، وهو أيضاً: تزيين الكذب ... وفي الاصطلاح: تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنه بخلاف ما هو عليه في الحقيقة. فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق. وبين الكذب وبين التزوير عموم وخصوص وجهي، فالتزوير يكون في القول والفعل، والكذب لا يكون إلا في القول. والكذب قد يكون مزيناً أو غير مزين، والتزوير لا يكون إلا في

الكذب المموه] الموسوعة الفقهية الكويتية 11/ 254 - 255. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ضابط الزور: وصف الشيء على خلاف ما هو به، وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها، وقد يضاف إلى الفعل ومنه: لابس ثوبي زور، ومنه: تسمية الشعر الموصول: زوراً.] فتح الباري 10/ 506 والتزوير من المحرمات ويدل على تحريمه قوله تعالى {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} سورة الحج الآية 30. وقوله تعالى في وصف عباد الرحمن {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً} سورة الفرقان الآية72. وورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور) رواه البخاري ومسلم. كما وصح في الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا يا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام الشوكاني في شرح الحديث [قوله: (وكان متكئاً فجلس) هذا يشعر باهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئاً ويفيد ذلك تأكيد تحريمه وعظيم قبحه وسبب الاهتمام بشهادة الزور كونها أسهل وقوعاً على الناس والتهاون بها أكثر فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم والعقوق يصرف عنه الطبع وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام به وليس

ذلك لعظمه بالنسبة إلى ما ذكر معه من الإشراك قطعاً بل لكون مفسدته متعدية إلى الغير بخلاف الإشراك فإن مفسدته مقصورة عليه غالباً وقول الزور أعم من شهادة الزور لأنه يشمل كل زور من شهادة أو غيبة أو بهت أو كذب ولذا قال ابن دقيق العيد يحتمل أن يكون من الخاص بعد العام لكن ينبغي أن يحمل على التوكيد فإنا لو حملنا القول على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة كبيرة وليس كذلك قال: ولا شك في عظم الكذب ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده ومنه قوله تعالى {ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً}. قوله: (حتى قلنا ليته سكت) أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وآله وسلم والمحبة له والشفقة عليه.] نيل الأوطار 8/ 337 - 338. والتزوير يدخل تحت شهادة الزور قال القرطبي المحدث: [شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال، فلا شيء من الكبائر أعظم ضرراً منها ولا أكثر فساداً بعد الشرك بالله] فتح الباري 10/ 506. ومن المعلوم أن شهادة الزور من كبائر الذنوب كما بين ذلك وفصلَّه الشيخ ابن حجر المكي في الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 435 - 437 ولا شك أن تزوير الوثائق والشهادات داخل في شهادة الزور فهو من المحرمات كما أنه نوع من الغش وهو محرم وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار) رواه ابن حبان والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 164. وبهذا يظهر لنا أنه قد اجتمع في التزوير شرور كثيرة فهو كذب وغش وخداع ومكر

وتضليل ويضاف إلى ذلك أنه قد يتوصل بالتزوير إلى أكل المال بالباطل كما في السؤال حيث إن المزور سيحصل على ترقية بتزوير الشهادات وقد يترتب على ذلك زيادة على راتبه وهذه الزيادة إنما يأكلها سحتاً فهي من المال الحرام قال الله تعالى: (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون) سورة المائدة الآية 62. وقال تعالى: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) سورة المائدة الآية 63. وقال تعالى {سمَّاعون للكذب أكالون للسحت} سورة المائدة الآية 42. قال أهل التفسير في قوله تعالى: {أكالون للسحت} أي الحرام وسمي المال الحرام سحتاً لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها. تفسير القرطبي 6/ 183. وجاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به) رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان. وفي رواية أخرى: (كل جسدٍ نبت من سحت فالنار أولى به) رواه أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 831. وخلاصة الأمر أنه يحرم تزوير الشهادات والوثائق وأن ما يترتب على التزوير من أموال فهي من السحت. والمزور مستحق لعقوبة تعزيرية.

مصرف المال الحرام

مصرف المال الحرام يقول السائل: إنه كان تاجر مخدرات وكسب مالاً كثيراً من تجارة المخدرات ثم تاب إلى الله عز وجل فماذا يصنع بالمال الحرام الذي اكتسبه، أفيدونا؟ الجواب: لا شك أن التوبة من المعاصي والآثام واجبة على المسلم استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}. وهذا الأخ السائل عليه أن يحمد الله على توبته، والتوبة النصوح لا بد أن تتحقق فيها شروط أربعة وهي: الأول: أن يقلع الإنسان عن المعاصي والآثام فإذا كان يغتاب الناس فعليه أن يترك ذلك. الثاني: أن يندم ندماً حقيقاً وصادقاً على ما مضى. الثالث: أن يعزم عزماً أكيداً على أن لا يعود للمعاصي. الرابع: إذا كانت المعصية تتعلق بحق من حقوق الناس فلا بد من إعادتها لأصحابها. وبما أن المال الذي اكتسبه من تجارة المخدرات مال حرام ولكنه غير متعلق بمالك معين فيجب على هذا السائل أن يتخلص من المال الحرام بإنفاقه في مصالح المسلمين العامة كأن ينفقه على الفقراء أو طلبة العلم أو الجمعيات الخيرية ونحوه ذلك. وإذا كان السائل فقيراً جاز له أن ينفق على نفسه وعياله من هذا المال إلى أن يجد رزقاً حلالاً مع وجوب التخلص من المال الزائد عن الحاجة. نقل الإمام النووي عن أبي حامد الغزالي قوله: [وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيراً، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ قدر حاجته، لأنه أيضا فقير] وخلاصة الأمر يجوز أن يأخذ السائل من هذا المال الحرام ما يكفيه وعياله ويتخلص من الباقي.

الأسرة والمجتمع

الأسرة والمجتمع

حكم الزواج من موظف في بنك ربوي

حكم الزواج من موظف في بنك ربوي تقول السائلة: إنها فتاة ملتزمة بالأحكام الشرعية وقد تقدم لخطبتها شاب صاحب أخلاق عالية ولكنه موظف في بنك تجاري فهل تقبل به أم لا، أفيدوني. الجواب: وضع الإسلام معياراً شرعياً لقبول الخاطب وهو اعتبار الكفاءة في الدين فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. قال الشيخ المباركفوري في شرح الحديث: [قوله: (إذا خطب إليكم) أي طلب منكم أن تزوجوه امرأة من أولادكم وأقاربكم (من ترضون) أي تستحسنون (دينه) أي ديانته (وخلقه) أي معاشرته (فزوجوه) أي إياها (إلا تفعلوا) أي إن لم تزوجوا من ترضون دينه وخلقه وترغبوا في مجرد الحسب والجمال أو المال (وفساد عريض) أي ذو عرض أي كبير، وذلك لأنكم إن لم تزوجوها إلا من ذي مال أو جاه، ربما يبقى أكثر نسائكم بلا أزواج، وأكثر رجالكم بلا نساء، فيكثر الافتتان بالزنا، وربما يلحق الأولياء عار فتهيج الفتن والفساد، ويترتب عليه قطع النسب وقلة الصلاح والعفة.] تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 4/ 173. وجاء في الحديث عن أبي حاتم المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد. قالوا: وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ثلاث مرات. رواه الترمذي وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 315. وقد اتفق جمهور أهل العلم على أن الأصل في الكفاءة هو الدين لقوله تعالى {أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون} سورة السجدة الآية 18. قال الشيخ ابن رشد

الحفيد الفقيه المالكي المعروف: [ولم يختلف المذهب - أي مذهب مالك - أن البكر إذا زوجها الأب من شارب الخمر وبالجملة من فاسق أن لها أن تمنع نفسها من النكاح وينظر الحاكم في ذلك فيفرق بينهما، وكذلك إن زوجها ممن ماله حرام، أو ممن هو كثير الحلف بالطلاق.] بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/ 13. وبهذا يظهر جلياً أن الأصل في الكفاءة هو الدين أي التقوى والصلاح - ويدخل حسن الخلق في ذلك - ولا تمنع الشريعة الإسلامية أن تتوفر صفات أخرى طيبة في الخاطب كالنسب الكريم والغنى والحرفة الحسنة والسلامة من العيوب الخلْقية. إذا تقرر هذا فإن الخاطب الذي يعمل في البنك التجاري أي الربوي لا يعد كفؤاً للفتاة المسلمة الملتزمة بدين الله عز وجل لأن العمل في البنوك الربوية من المحرمات ويتفرع تحريم العمل في البنوك الربوية على حرمة الربا، فإن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) سورة البقرةالآيات 275 - 279. وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع

الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية] رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد 4/ 117. وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 29. وهذه النصوص تدل على تحريم العمل في البنوك الربوية فإن الله سبحانه وتعالى إذا حرم شيئاً حرم كل ما يوصل إليه قال الإمام النووي في شرح قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء): [هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين والشهادة عليهما. وفيه: تحريم الإعانة على الباطل. والله أعلم.] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 207. ولا شك أن العمل في البنوك الربوية يدخل في عموم قول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله) سورة المائدة الآية 2. وبناءً على ما سبق فإن الواجب على السائلة أن تشترط على خاطبها أن يترك العمل في البنك الربوي فإن وافق فبها ونعمت، وإن لم يوافق فلا يجوز لها أن تقبل به زوجاً لأنه سينفق عليها بعد الزواج من راتبه وهو مال مكتسب من حرام. والله جل جلاله لا يبارك في جسد نبت من مال حرام فقد ورد في الحديث أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به) رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان. وفي رواية أخرى: (كل

جسدٍ نبت من سحتٍ فالنار أولى به) رواه أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 831. وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ... يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وصححه العلامة الألباني. صحيح سنن الترمذي 1/ 189. وعن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة جسد غُذِيَ بحرام) رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أبي يعلى ثقات وفي بعضهم اختلاف قاله الهيثمي. مجمع الزوائد 10/ 293. وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 320. وإذا اعتذر الخاطب بأنه قد لا يجد عملاً آخر وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها مجتمعنا من حصار وتضييق فنقول لهل يمكنها أن تقنعه أن يطلب الانتقال إلى وظيفة في البنك ليس لها اتصال مباشر بالأعمال الربوية كالحسابات الجارية والشيكات والحوالات ونحوها من الأعمال الجائزة، حتى يجد عملاً حلالاً، وهذا من باب ارتكاب أخف الضررين. كما وينبغي أن يعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه قال الله جل جلاله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق الآيتان 2 - 3. وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} سورة الطلاق الآية 4. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز تزويج الموظف في البنك الربوي الذي يباشر الأعمال الربوية إلا إذا وافق على ترك العمل فيه لأنه غير مرضي الدين.

سفر الطالبة للدراسة بدون محرم

سفر الطالبة للدراسة بدون محرم تقول السائلة: إنها طالبة في السنة الخامسة في كلية الطب وتريد السفر إلى إحدى الدول الأوربية في برنامج تدريبي في أحد المستشفيات لمدة لا تقل عن شهر واحد وأنها ستسافر وحدها وستقيم مع عائلة أجنبية خلال المدة التي ستقضيها هناك فما الحكم الشرعي لذلك؟ الجواب: شرع الإسلام أحكاماً كثيرة للحفاظ على المرأة المسلمة وصيانة كرامتها ومن ذلك منعها من السفر بدون محرم أو زوج، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تسافر إلا مع محرم لها أو مع زوجها وخاصة إذا كان يخشى عليها الفتنة في سفرها كالسفر المذكور في السؤال فهذا سفر محرم باتفاق أهل العلم وليس الأمر متوقفاً على السفر بل يضاف إلى ذلك الإقامة في ذلك البلد الأوربي والسكن مع عائلة أجنبية ولا شك أن في ذلك مفاسد كثيرة على دين المرأة وخلقها كما سأبين. وقد ثبتت أدلة كثيرة تدل على حرمة سفر المرأة إلا مع زوجها أو ذي محرم منها والمحرم هو: من لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم كما ذكره الشيخ ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث 1/ 373. ومن العلماء من يرى أن الزوج يدخل في معنى المحرم قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والمحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع] المغني 3/ 230. ومن النصوص الواردة في ذلك: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم). رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم). وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة) رواه البخاري. والمقصود بالحرمة المحرم كما في رواية مسلم: (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج. فقال صلى الله عليه وسلم: اخرج معها) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت أربعاً من النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبنني قال: لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم في يومين الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدي هذا) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها) رواه مسلم. ولا نملك أمام هذه النصوص إلا أن نقول {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة الحشر الآية 7. وينبغي التنبيه إلى أن أهل العلم يرون أن الأصل أن المرأة لا تسافر أي سفر إلا ومعها زوجها أو محرم لها قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال أبو عبد الله - أي الإمام أحمد -: أما أبو هريرة: فيقول: " يوماً وليلة " ويروى عن أبي هريرة: " لا تسافر سفرا ً " أيضا وأما حديث أبي سعيد يقول: " ثلاثة أيام " قلت: ما تقول أنت؟ قال: لا تسافر

سفراً قليلاً ولا كثيراً، إلا مع ذي محرم] المغني 3/ 229. وقال الحافظ ابن عبد البر: [والذي جَمَعَ معاني آثار الحديث - على اختلاف ألفاظه - أن تكون المرأة تُمْنَع من كل سفر يُخْشى عليها فيه الفتنة، إلا مع ذي محرم أو زوج، قصيراً كان السفر أو طويلاً] الاستذكار 27/ 274. وأما ما ورد في الأحاديث من اختلاف مدة السفر فورد في بعضها التقييد بثلاثة أيام أو بيوم أو بيوم وليلة أو التقييد بمسافة بريد فمرد ذلك إلى اختلاف أحوال السائلين واختلاف مواطنهم والتحديد بذلك ليس بمراد، وإنما هو تعبير عن أمر واقع، فلا يعمل بمفهومه وقد فصلَّ الإمام النووي الجواب عن ذلك فقال [قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم) وفي رواية: (فوق ثلاث) وفي رواية: (ثلاثة) وفي رواية (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم) وفي رواية (لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها) وفي رواية (نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين) وفي رواية (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها ذو حرمة منها) وفي رواية (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم) وفي رواية (مسيرة يوم وليلة) وفي رواية (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم). هذه روايات مسلم وفي رواية لأبي داود (ولا تسافر بريداً) والبريد مسيرة نصف يوم، قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين، واختلاف المواطن، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد، قال البيهقي: كأنه صلى الله عليه وسلم سأل عن المرأة تسافر ثلاثاً بغير محرم، فقال: لا .. وسئل عن سفرها يومين بغير محرم: فقال: لا .. وسئل عن سفرها يوماً فقال: لا. وكذلك البريد، فأدى كل منهم ما سمعه، وما جاء منها مختلفاً عن رواية واحد فسمعه في مواطن، فروى تارة هذا، وتارة هذا، وكله صحيح، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد صلى الله

عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفراً، فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك ; لرواية ابن عباس المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السابقة (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً] شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 102 - 104. ويضاف إلى ما سبق أنه يحرم على المرأة المسلمة أن تقيم مع عائلة كافرة تسكن بينهم وتخالطهم كأنها فرد من أسرتهم فهذا أشد حرمةً وأعظم إثماً من مجرد السفر لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة والفتنة التي تتعرض لها المرأة من اختلاط وخلوة بالرجال من أفراد الأسرة الأجنبية وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه أحمد والحاكم وصححه. ويقول العلامة ابن القيم: [ولا ريبَ أن تمكينَ النساء من اختلاطهن بالرجال أصلُ كلِّ بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتَّصلة] الطرق الحكمية ص 407 - 408. وكذلك فإنه من المعلوم أن أؤلئك القوم لا يوجد عندهم ضوابط أخلاقية كما يوجد عندنا وعاداتهم تخالف في معظمها ما نحن عليه وغير ذلك من المفاسد الكثيرة التي ستؤدي غالباً إلى التأثر بمعتقداتهم وأفكارهم وتقاليدهم. وخلاصة الأمر أنه يحرم على الطالبة المذكورة في السؤال السفر والإقامة مع أسرة أجنبية وخاصة أن سفرها لا يدخل في باب السفر الواجب ويمكن تحصيل مقاصده داخل البلاد.

الجنايات

الجنايات

الضمان في حوادث السيارات

الضمان في حوادث السيارات يقول السائل: سائق سيارة كان يسوق سيارته على طريق سريع يُمنع فيه سير المشاة فقفز رجل فجأةً أمام السيارة فصدمته فلقي حتفه، وقررت الشرطة أن الرجل المتوفى يتحمل المسؤولية، فهل على السائق كفارة؟ أفيدونا. الجواب: قرر الفقهاء أن كفارة القتل تابعة للضمان فإذا كان الشخص ضامناً في حالة القتل فتلزمه الكفارة وأما إذا لم يكن ضامناً فلا كفارة عليه. وينبغي أولاً أن ننظر هل هذا السائق ضامن أم لا؟ والذي يظهر من السؤال أن السائق لا دور له في موت الشخص المذكور، حيث إن الشخص المذكور قد ألقى بنفسه أمام السيارة بشكل مفاجئ للسائق، وبالتالي لا حيلة للسائق لمنع وقوع الحادث وقد قرر الفقهاء في القاعدة الفقهية (أن كل ما لا يمكن التحرز منه فلا ضمان فيه)، حيث إن السائق المذكور لا يمكنه التحرز من الحادث، لأن الشخص الآخر هو الذي ألقى بنفسه أمام السيارة ولم يتمكن السائق من فعل أي شيء للحيلولة دون حصول الحادث فإذا لم يمكنه تفادي الحادث بأي وسيلة من الوسائل فلا ضمان عليه فلا دية، ولا كفارة عليه. ودم الميت هدر، لأنه أشبه بالمنتحر. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: [قال الفقهاء: إذا كان الاصطدام بسبب قاهر أو مفاجئ كهبوب الريح أو العواصف فلا ضمان على أحد، وإذا كان الاصطدام بسبب تفريط أحد رباني السفينتين أو قائدي السيارتين كان الضمان عليه وحده، ومعيار التفريط - كما يقول ابن قدامة - أن يكون الربان - وكذلك القائد - قادراً على ضبط سفينته أو سيارته أو ردِّها عن الأخرى فلم يفعل، أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى فلم يفعل، أو لم يكمل آلتها من الحبال والرجال وغيرها.] الموسوعة الفقهية الكويتية 28/ 293. وقد بحث المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي موضوع حوادث السيارات

وقرر فيه ما يلي: [إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن في بروناي دار السلام من 1 - 7 محرم 1414هـ الموافق 21 - 27 حزيران (يونيو) 1993م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع حوادث السير، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، بالنظر إلى تفاقم حوادث السير وزيادة أخطارها على أرواح الناس وممتلكاتهم، واقتضاء المصلحة سن الأنظمة المتعلقة بترخيص المركبات بما يحقق شروط الأمن كسلامة الأجهزة وقواعد نقل الملكية ورخص القيادة والاحتياط الكافي بمنح رخص القيادة بالشروط الخاصة بالنسبة للسن والقدرة والرؤية والدراية بقواعد المرور والتقيد بها وتحديد السرعة المعقولة والحمولة، قرر ما يلي: أولاً: أ- إن الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية واجبٌ شرعاً، لأنه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات بناءً على دليل المصالح المرسلة، وينبغي أن تشتمل تلك الأنظمة على الأحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال. ب - مما تقتضيه المصلحة أيضاً سنّ الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها التعزير المالي، لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور لردع من يُعرّض أمن الناس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى أخذاً بأحكام الحسبة المقررة. ثانياً: الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار، سواء في البدن أم المال إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر ولا يعفى من هذه المسؤولية إلا في الحالات الآتية: أ - إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها،

وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان. ب - إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة. ج - إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسؤولية. ثالثاً: ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها إن كانوا مقصرين في ضبطها، والفصل في ذلك إلى القضاء. رابعاً: إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال. خامساً: أ- مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل، فإن الأصل أن المباشر ضامن ولو لم يكن متعدياً، وأما المتسبب فلا يضمن إلا إذا كان متعدياً أو مفرِطاً. ب - إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب إلا إذا كان المتسبب متعدياً والمباشر غير متعدٍّ. ج - إذا اجتمع سببان مختلفان كل واحد منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحد من المتسببين المسؤولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر، وإذا استويا أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما فالتبعة عليهما على السواء، والله أعلم] مجلة المجمع الفقهي عدد 8، جزء2 ص 171. وقد نص قرار المجمع الفقهي على أن السائق يعفى من المسؤولية في الحالات الآتية: [أ - إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان. ب - إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة. ج - إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسؤولية.] وما جاء في البندين ب + ج ينطبق على الحالة التي نحن بصددها فلا ضمان على السائق ولا كفارة عليه.

ما يلزم في القتل خطأ

وقد قرر الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمة الله عليه هذا الحكم في رسالته عن أحكام حوادث السيارات فقال: [والقسم الثاني من الإصابة بحوادث السيارات أن تكون في غير الركاب - أي ركاب السيارة التي أصابت المتوفى - وهذا القسم له حالان: الحال الأولى: أن يكون بسبب من المصاب لا حيلة لقائد السيارة فيه، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر: مثل أن تقابله سيارة في خط سيره لا يمكنه الخلاص منها أو يفاجئه شخص برمي نفسه أمامه لا يمكنه تلافي الخطر. ففي هذه الحال لا ضمان على قائد السيارة، لأن المصاب هو الذي تسبب في قتل نفسه أو إصابته، وعلى قائد السيارة المقابلة الضمان لتعديه بسيره في خط ليس له حق السير فيه.] أحكام حوادث السيارات عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن السائق المذكور في السؤال لا ضمان عليه فلا دية ولا كفارة، ولكن إن تصدق بشيء من المال تطوعاً فهو أولى. ما يلزم في القتل خطأ يقول السائل: امرأة أرضعت طفلها ونامت أثناء الرضاعة وفي الصباح تبين أن الطفل قد مات مختنقاً بالغطاء حيث وجد على وجهه فماذا يلزم المرأة أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن جمهور الفقهاء قد قسموا القتل إلى ثلاثة أقسام وهي: العمد وشبه العمد والخطأ ومنهم من جعله على أربعة أقسام: وهي العمد وشبه العمد والخطأ وما أجري مجرى الخطأ كفقهاء الحنفية وبعض الحنابلة قال الشيخ ابن قدامة المقدسي في شرح قول الخرقي [والقتل على ثلاثة أوجه عمد وشبه العمد وخطأ] قال [أكثر أهل العلم يرون القتل منقسماً إلى هذه الأقسام الثلاثة، روي ذلك عن عمر

وعلي وبه قال الشعبي والنخعي، وقتادة وحماد وأهل العراق، والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. وأنكر مالك شبه العمد، وقال: ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ فأما شبه العمد فلا يعمل به عندنا وجعله من قسم العمد وحكي عنه مثل قول الجماعة وهو الصواب لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها) رواه أبو داود وفي لفظ: " قتيل خطإ العمد " وهذا نص يقدم على ما ذكره وقسمه أبو الخطاب أربعة أقسام فزاد قسماً رابعاً وهو ما أجري مجرى الخطأ، نحو أن ينقلب نائم على شخص فيقتله أو يقع عليه من علو والقتل بالسبب، كحفر البئر ونصب السكين وقتل غير المكلف أجري مجرى الخطأ وإن كان عمداً وهذه الصورة التي ذكرها عند الأكثرين من قسم الخطأ، فإن صاحبها لم يعمد الفعل أو عمده وليس هو من أهل القصد الصحيح فسموه خطأ، فأعطوه حكمه وقد صرح الخرقي بذلك فقال في الصبى والمجنون: عمدهما خطأ.] المغني 8/ 260. إذا تقرر هذا فإن كان موت الطفل بسبب تقصير من أمه حيث إنها نامت أثناء إرضاع الولد ولم تضعه في محل نومه المعتاد مما أدى إلى وفاته مختنقاً بالغطاء فتعتبر هذه المرأة متسببة في قتل طفلها ويجري هذا القتل مجرى القتل الخطأ فتلزمها الدية والكفارة قال الكاساني الحنفي [وأما القتل الذي هو في معنى القتل الخطأ فنوعان: نوع في معناه من كل وجه، وهو أن يكون على طريق المباشرة، ونوع هو في معناه من وجه، وهو أن يكون من طريق التسبب، أما الأول: فنحو النائم ينقلب على إنسان فيقتله فهذا القتل في معنى القتل الخطأ من كل وجه لوجوده لا عن قصد؛ لأنه مات بثقله فترتب عليه أحكامه من وجوب الكفارة والدية وحرمان الميراث والوصية؛ لأنه إذا كان في معناه من كل وجه كان ورود الشرع بهذه الأحكام هناك وروداً ههنا دلالة ... أما

وجوب الدية فلوجود معنى الخطأ، وهو عدم القصد وأما وجوب الكفارة وحرمان الميراث والوصية فلوجود القتل مباشرة؛ لأنه مات بثقله ... ] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 6/ 330. وقال الشيخ ابن حزم الظاهري: [مسألة: في امرأة نامت بقرب ابنها أو غيره فوجد ميتاً، قال علي- أي ابن حزم - أخبرنا ... عن إبراهيم النخعي في امرأة شربت دواء فألقت ولدها قال: تكفر. وقال في امرأة أنامت صبيها إلى جنبها فطرحت عليه ثوباً فأصبحت وقد مات؟ قال: أحب إلينا أن تكفر. حدثنا ... عن إبراهيم أنه قال في امرأة غطت وجه صبي لها فمات في نومه؟ فقال: تعتق رقبة. قال أبو محمد - أي ابن حزم -: إن مات من فعلها مثل - أن تجر اللحاف على وجهه ثم ينام فينقلب فيموت غماً، أو وقع ذراعها على فمه، أو وقع ثديها على فمه، أو رقدت عليه - وهي لا تشعر - فلا شك أنها قاتلته خطأً فعليها الكفارة، وعلى عاقلتها الدية، أو على بيت المال ... ] المحلى11/ 115 - 116. وبناءً على ما سبق يلزم هذه المرأة أحكام القتل الخطأ وهي: أولاً: وجوب الدية لقوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} سورة النساء الآية 92. وتدفع الدية لورثة الطفل الميت وتحرم الأم منها لأنها قتلته والقتل أحد موانع الميراث وكونها قتلته خطأً لا ينفي حرمانها من الميراث وهو الذي عليه جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء على أن القاتل خطأً لا يرث من مال المقتول ولا من ديته وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئاً ... فأما القاتل خطأً فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يرث أيضاً، نص عليه أحمد، ويروى ذلك عن عمر، وعلي وزيد وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن

عباس، وروي نحوه عن أبي بكر رضي الله عنهم. وبه قال شريح وعروة وطاووس وجابر بن زيد والنخعي والشعبي والثوري وشريك والحسن بن صالح ووكيع والشافعي ويحيى بن آدم وأصحاب الرأي وورثه قوم من المال دون الدية، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب وعطاء والحسن ومجاهد والزهري ومكحول والأوزاعي وابن أبي ذئب وأبي ثور، وابن المنذر وداود، وروي نحوه عن علي لأن ميراثه ثابت بالكتاب، والسنة تخصص قاتل العمد بالإجماع، فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه. ولنا: الأحاديث المذكورة ولأن من لا يرث من الدية لا يرث من غيرها، كقاتل العمد، والمخالف في الدين، والعمومات مخصصة بما ذكرناه] المغني 6/ 364 - 365. وتكون الدية على عاقلة المرأة وهم عصبتها. ثانياً: تلزمها كفارة القتل الخطأ وهي عتق رقبة مؤمنة إن وجدت وإلا فإن عليها صيام شهرين متتابعين لقوله تعالى {فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} سورة النساء الآية 92. فإذا لم تستطع صيام شهرين متتابعين لعذر أبدي كمرض مزمن مثلاً فإنها تطعم ستين مسكيناً كما ذهب إليه جماعة من أهل العلم ومن المعلوم أن الفقهاء قد اختلفوا حال عجز المكفر عن الصيام على قولين الأول [وهو مذهب الجمهور أنه لا إطعام عليه، لأن الله جل وعلا لم يذكر في كفارة القتل إلا العتق والصيام، ولو كان ثمة إطعام لذكره. والثاني: وهو قول عند الشافعية وهو أنه عليه الإطعام قياساً على غيره ككفارة الظهار والصوم، ولعل الصواب في المسألة هو التفصيل بين من عجز عن الصيام عجزاً أبدياً ومن كان عاجزاً عجزاً مؤقتاً، فالعاجز عجزاً أبدياً يطعم، والعاجز عجزاً مؤقتاً ينتظر القدرة على الصيام، ومما يؤيد هذا المنحى أنه جارٍ على القياس على العجز عن صوم رمضان، فمن المعلوم أنه إن كان عاجزاً عجزا مؤقتاً، فالواجب عليه إنما هو القضاء، وإن كان عاجزاً عجزاً أبدياً فالواجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم، وإنما قسنا

صوم القتل على صوم رمضان لأن كلاً منهما مستقر في الذمة على وجه الوجوب وجوباً متعيناً، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن وجود الرقبة أصبح متعذراً تعذراً شديداً، إن لم يكن مستحيلاً.] نقلاً عن موقع الشبكة الإسلامية على الإنترنت. ويجب أن يعلم أن الدية تسقط عن هذه المرأة إذا عفا أولياء الطفل أما الكفارة فلا تسقط بعفو الأولياء لأنها حق لله تعالى قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى { ... وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} سورة النساء الآية 92. [ ... يعني إلا أن يبرئ الأولياء ورثة المقتول القاتلين مما أوجب لهم من الدية عليهم ... وأما الكفارة التي هي لله تعالى فلا تسقط بإبرائهم؛ لأنه أتلف شخصاً في عبادة الله سبحانه، فعليه أن يخلص آخر لعبادة ربه وإنما تسقط الدية التي هي حق لهم.] تفسير القرطبي 5/ 323. وخلاصة الأمر أن المرأة المذكورة في السؤال قتلت ابنها خطأً وأنه يلزما الدية والكفارة.

دية المرأة الحامل ودية الجنين

دية المرأة الحامل ودية الجنين يقول السائل: توفيت امرأة في حادث سير وكانت حاملاً في الشهر السادس وكان الخطأ من السائق حسب تقرير شرطة السير، فما هي الدية اللازمة شرعاً في هذه الحالة أفيدونا؟ الجواب: إذا كان حادث السير المذكور في السؤال قد وقع بسبب خطأ السائق فإن الواجب في ذلك شرعاً ديتان دية بسبب وفاة المرأة ودية لوفاة جنينها يقول الله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} سورة النساء الآية 92. وبما أن السائق قد قتل المرأة وجنينها خطأً فيلزمه أيضاً دية الجنين وهي المعروفة عند الفقهاء بالغرة وهي: اسم للضمان المالي الذي يجب بالجناية على الجنين، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرح جنينها فقضى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغرة عبدٍ أو أمةٍ) رواه البخاري ومسلم. وعن عمر رضي الله عنه أنه استثارهم - أي الصحابة - في إملاص المرأة فقال المغيرة رضي الله عنه: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالغرة عبد أو أمة فشهد محمد بن مسلمة رضي الله عنه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم قضى به) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبدٍ أو وليدةٍ وقضى بدية المرأة على عاقلتها) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. قال الحافظ ابن حجر: [والغرة في الأصل البياض يكون في جبهة الفرس ... وتطلق الغرة

على الشيء النفيس آدمياً كان أو غيره] فتح الباري 15/ 273. أي أن الواجب في قتل الجنين عبد أو أمة ولما كان لا يوجد في زماننا هذا رقيق فإن قيمة ذلك عشر دية المرأة أي خمس من الإبل. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [ ... في جنين الحرة المسلمة غرة. وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعطاء، والشعبي، والنخعي، والزهري، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه استشار الناس في إملاص - سقوط الجنين بسبب ضرب أمه - المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبدٍ أو أمةٍ. قال: لتأتين بمن يشهد معك. فشهد له محمد بن مسلمة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم). متفق عليه] المغني 8/ 404. إذا تقرر لزوم ديتين في هذه الحادثة فإن دية المرأة على النصف من دية الرجل عند جماهير أهل العلم والقول بخلاف ذلك قول شاذ لايعول عليه ولا يلتفت إليه، قال الحافظ ابن عبد البر: [أجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل] الاستذكار 25/ 63. وقال الإمام القرطبي: [وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل قال أبو عمر - يعني ابن عبد البر -: إنما صارت ديتها والله أعلم على النصف من دية الرجل من أجل أن لها نصف ميراث الرجل وشهادة امرأتين بشهادة رجل وهذا إنما هو في دية الخطأ وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء لقوله عز وجل: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ... الخ] تفسير القرطبي 5/ 325. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي معلقاً على قول الخرقي: [ودية الحرة المسلمة نصف

دية الحر المسلم. قال ابن المنذر وابن عبد البر أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل] المغني 8/ 402. وهذا قول الأئمة الأربعة وأتباعهم وعلماء السلف والخلف ونقل عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ولا يعرف لهم مخالف فصار إجماعاً، الحاوي الكبير 12/ 289. وقد شذّ الأصم وابن علية فقالا دية المرأة كدية الرجل وتابعهما على ذلك بعض المعاصرين كالمالكي في نظام العقوبات ص 121، والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في بحث له بعنوان (دية المرأة في الشريعة الإسلامية) انظر موقع القرضاوي على شبكة الإنترنت، وقولهما مخالف لما استقر عليه عمل علماء الأمة على مر العصور والأيام. ومما يدل على قول جماهير أهل العلم ما رواه الشافعي وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قوَّم دية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل] رواه الشافعي في الأم 6/ 91 - 92 والبيهقي في السنن 8/ 95. وقد ذكر عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عدة روايات عن الصحابة تفيد أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، انظر مصنف عبد الرزاق 9/ 393 - 397، مصنف ابن أبي شيبة 9/ 299 - 302، سنن البيهقي 8/ 95 - 96. وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن شريح القاضي عن عمر رضي الله عنه قال: [ ... دية المرأة على النصف من دية الرجل] مصنف ابن أبي شيبة 9/ 300، وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح. إرواء الغليل 7/ 307. وقد رويت بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ولكنها غير ثابتة ولكن ثبوت تنصيف دية المرأة عن عدد من الصحابة ونقل بعض أهل العلم الإجماع

على ذلك يكفي في إثبات هذا الحكم لأن مثل هذا الأمر لا يعرف إلا توقيفاً لأنه من المقدرات التي لا مجال للعقل فيها فيكون له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة أن عدداً كبيراً من الفقهاء والأئمة قالوا بذلك كسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري وعطاء ومكحول والليث وابن شبرمة وهو قول الأئمة الأربعة كما سبق. انظر فقه عمر في الجنايات 2/ 474، فتح باب العناية 3/ 348. وتقدر الدية في بلادنا بالذهب فالدية الكاملة وهي دية الرجل 4250 غرام ذهب ونصفها دية المرأة أي 2125 غرام ذهب ودية الجنين عشر ذلك أي 212، 5 غرام ذهب. كما ويلزم السائق المذكور في السؤال كفارة القتل الخطأ وهي الواردة في قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} سورة النساء الآية 92. وبما أنه يتعذر في زماننا عتق رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين. كما يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة. وتجب الديتان المذكورتان في الجواب على عاقلة السائق لما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضي بدية المرأة على عاقلتها) رواه البخاري ومسلم. وخلاصة الأمر أنه يلزم السائق المذكور ديتان دية لقتل المرأة خطاً ودية لقتل الجنين أيضأ كما ويلزمه صيام شهرين متتابعين كفارة القتل الخطأ.

حرمة دم المسلم أعظم عند الله من هدم الكعبة المشرفة

حرمة دم المسلم أعظم عند الله من هدم الكعبة المشرفة يقول السائل: هل صحيح أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله من هدم الكعبة المشرفة؟ وما صحة الحديث الوارد بهذا المعنى؟ الجواب: لا شك أن حرمة دم المسلم من أعظم الحرمات عند الله سبحانه وتعالى وقتل النفس المعصومة من أكبر الكبائر وقد وردت النصوص الكثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي تدل على ذلك فمنها قوله تعالى {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً} سورة الإسراء الآية 33. وقوله تعالى {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} سورة النساء الآية 93. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) سورة الفرقان الآيتان 68 - 69. وثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين فقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال قول الزور أو قال شهادة الزور قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) رواه البخاري ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الشيخ ابن العربي قوله: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول] فتح الباري 12/ 233. وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله) وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله (إن من ورطات) بفتح الواو والراء، وحكى ابن مالك أنه قيد في الرواية بسكون الراء والصواب التحريك وهي جمع ورطة بسكون الراء وهي الهلاك يقال وقع فلان في ورطة أي في شيء لا ينجو منه، وقد فسرها في الخبر بقوله التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها. قوله (سفك الدم) أي إراقته والمراد به القتل بأي صفة كان، لكن لما كان الأصل إراقة الدم عبر به. قوله (بغير حله) في رواية أبي نعيم " بغير حقه " وهو موافق للفظ الآية، وهل الموقوف على ابن عمر منتزع من المرفوع فكأن ابن عمر فهم من كون القاتل لا يكون في فسحه أنه ورط نفسه فأهلكها] فتح الباري 12/ 233 - 234. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ... كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يجيء المقتول

بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً يقول يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 40. وغير ذلك من النصوص التي تدل على عظمة النفس المعصومة. إذا تقرر هذا فإن حرمة دم المسلم حرمة عظيمة ويكفي ما ورد من ترهيب مخيف في سفك دم المسلم بغير حق ولا شك أن حرمة دم المسلم مقدمة على حرمة الكعبة المشرفة، بل حرمة دم المسلم أعظم عند الله عز وجل من زوال الدنيا فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) رواه الترمذي وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 56. وجاء في رواية أخرى عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار) وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/ 629. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/ 630. ونظر ابن عمر رضي الله عنه يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) رواه الترمذي. وأما الحديث الذي أشار إليه السائل وهو (لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل المسلم)

فقد ذكره الشيخ العجلوني في كشف الخفاء وقال [قال في المقاصد - أي السخاوي - لم أقف عليه بهذا اللفظ، ولكن معناه عند الطبراني في الصغير عن أنس رفعه (من آذى مسلماً بغير حق فكأنما هدم بيت الله) ونحوه عن غير واحد من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى الكعبة فقال لقد شرفك الله وكرمك وعظمك والمؤمن أعظم حرمة منك] كشف الخفاء ومزيل الإلباس حديث رقم 2086. وخلاصة الأمر أن قتل المسلم بغير حق من كبائر الذنوب وأن حرمة دم المسلم أعظم عند الله عز وجل من هدم الكعبة المشرفة بل إن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل المسلم بغير حق.

متفرقات

متفرقات

مخالفات الدكتور الترابي وانحرافاته

مخالفات الدكتور الترابي وانحرافاته يقول السائل: سمعنا ما قاله د. حسن الترابي على إحدى الفضائيات حول زواج المسلمة من غير المسلم والحجاب وشهادة المرأة وإمامة المرأة فأرجو الرد على هذه القضايا. الجواب: إن ما قاله د. الترابي من ضلالات وانحرافات ليس جديداً وهذه الآراء التي قالها على الفضائيات أخيراً موجودة منذ عهد بعيد في كتبه مثل (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع) و (تجديد أصول الفقه الإسلامي) و (تجديد الفكر الإسلامي) وغيرها وانحرافات الترابي هذه انطوت على أباطيل وعلى ردٍ للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حاول الترابي أن يسوق أباطيله في السودان وخارجه على أنها أفكار تجديدية فهو يريد أن يجدد أصول الفقه ويريد أن يجدد الفقه الإسلامي فيقول: [لابد أن نقف وقفة مع علم الأصول تصله بواقع الحياة، لأن قضايا الأصول في أدبنا الفقهي أصبحت تؤخذ تجريداً حتى غدت مقولات نظرية عميقة لا تكاد تلد فقهاً ألبتة بل تولد جدلاً لا يتناهى]. ويشن التربي هجوماً على القياس وهو من الأدلة الشرعية المتفق عليها عند الأصوليين فيقول: [يلزمنا أن نطور طرائق الفقه الاجتهادي التي يتسع فيها النظر بناء على النص المحدود، وإنما لجأنا للقياس لتعدية النصوص وتوسيع مداها فما ينبغي أن يكون ذلك هو القياس بمعاييره التقليدية، فالقياس التقليدي أغلبه لا يستوعب حاجاتنا بما غشيه من التضييق انفعالاً بمعايير المنطق الصوري التي وردت على المسلمين مع الغزو الثقافي الأول الذي تأثر به المسلمون تأثراً لا يضارعه إلا تأثرنا اليوم بأنماط الفكر الحديث]. ويدعو الترابي إلى الاجتهاد بدون تحقق شرائطه التي قررها علماء الإسلام فيقول: [فإذا عنينا بدرجة الاجتهاد مرتبة لها شرائط منضبطة، فما من شيء في دنيا العلم من هذا القبيل! وإنما أهلية الاجتهاد جملة مرنة من معايير العلم والالتزام،

تشيع بين المسلمين ليستعملوها في تقويم قادتهم الفكريين] ويقول الترابي عن تجديد الفقه الإسلامي: [ونحن أشد حاجة لنظرة جديدة في أحكام الطلاق والزواج نستفيد فيها من العلوم الاجتماعية المعاصرة، ونبني عليها فقهنا الموروث، وننظر في الكتاب والسنة مزودين يكل حاجات عصرنا ووسائله وعلومه ... ]. وزعم الترابي أن الفقه الإسلامي لا يعلِّم المسلم أمور الدنيا كالبيع والشراء ولا يعلمه أمور الفن ولا السياسة حيث يقول: [قد يعلم المرء اليوم كيف يجادل إذا أثيرت الشبهات في حدود الله، ولكن المرء لا يعرف اليوم كيف يعبد الله في التجارة والسياسة أو يعبد الله في الفن، كيف تتكون في نفسه النيات العقدية التي تمثل معنى العبادة، ثم لا يعلم كيف يعبر عنها عملياً بدقة]. ويريد الترابي أن يجدد قواعد علم مصطلح الحديث فيقول: [الضوابط العملوها - التي عملوها - لتصحيح السنة إيش، جابوها من فين الضوابط العملها البخاري، من هو البخاري؟ بشر يخطئ ويصيب، وضوابطه قد تكون مقبولة أو غير مقبولة. فقد نجد معايير عملها البخاري ما صحيحة، لا تؤدي إلى الحقيقة، وقد نجد معايير أضيق من اللزوم، اللي بيدعي أنه صحيح في ضعيف فيه، حتى الليلة إذا وصل الناس أنه في خمسين حديثاً في البخاري ضعيف، إيه الفتنة الدينية اللي بتحصل لنا]. كما أن الترابي يريد أن يضع قواعد جديدة لقبول رواية الصحابي أو ردها فيقول [إذا رأينا نأخذ كل الصحابة أو لا نأخذ، قد نجيء بعمل تنقيح جديد. نقول الصحابي إذا روى حديثاً عنده فيه مصلحة نتحفظ فيه، نعمل روايته درجة ضعيفة جداً. وإذا روى حديثاً ما عنده فيه مصلحة نأخذ حديثه بقوة أكثر ويمكن تصنيف الصحابة مستويات معينة في صدق الرواية]. وقد كذَّب الترابي حديث النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في الذباب: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينتزعه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى

شفاء) رواه البخاري، قال الترابي: [في الأمور العلمية يمكن أن آخذ برأي الكافر، وأترك رأي النبي!! ولا أجد في ذلك حرجاً ألبتة، ولا أسأل فيه أيضاً عالم الدين]. وقد زعم الترابي أنه يجوز للمسلم أن يغير دينه وأنه حرٌّ في ذلك وغير خاضع للعقوبة أيضاً فقال: [وأود أن أقول: إنه في إطار الدولة الواحدة والعهد الواحد يجوز للمسلم كما يجوز للمسيحي أن يبدل دينه .. أما الردة الفكرية البحتة التي لا تستصحب ثورة على الجماعة ولا انضماماً إلى الصف الذي يقاتل الجماعة كما كان يحدث عندما ورد الحديث المشهور عن الرسول صلى الله عليه وسلم فليس بذلك بأس يذكر، ولقد كان الناس يؤمنون ويكفرون، ثم يؤمنون ويكفرون، ولم يطبق عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم حد الردة] عن شبكة الإنترنت. ومن ضلالات الترابي وانحرافاته الأخرى: دعوته إلى توحيد الأديان على أساس الملة الإبراهيمية وإنكاره نزول عيسي عليه السلام آخر الزمان ويزعم أن الصحابة ليسوا عدولاً كلهم. وإباحته للردة وعدم إقامة الحد على المرتد. وإنكاره لعصمة الأنبياء وإنكاره رجم الزاني المحصن. ويجيز للمرأة المسلمة أن تتزوج باليهودي والنصراني ويجيز التوارث بين المسلم والكافر وزعم الترابي أن السنة والشيعة متفقون على 95 % من أصول الإسلام وفروعه!! هذا غيض من فيض من انحرافات الترابي وضلالاته في مختلف جوانب الدين والتي يسميها تجديداً!! فالترابي من كبار العصرانيين في هذا الزمان ويعتبر من أهم مجددي فكر المعتزلة في الوقت الحاضر الذين ينادون بتقديم العقل على النصوص الشرعية من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والترابي ليس من أهل العلم الشرعي فدراسته كلها في القانون وهو خريج جامعة السوربون فهو بعيد عن التخصص في العلوم الشرعية، ومع الأسف الشديد أن بعض المسلمين ينخدع بالترابي وأمثاله فيطلق عليه لقب مفكر إسلامي أو مصلح أو مجدد أو داعية وغير ذلك من الألقاب

الفضفاضة، ولا شك أن الفضائيات تسهم في الترويج لهذا الفكر المنحرف وقد تصفه بأنه فكر تنويري وخاصة أنه يجيء وفق المقاييس الأمريكية، وهكذا نجد الفضائيات تقوم بتلميع الذين يميعون الإسلام وأحكامه الشرعية ممن يسمون بالدعاة الجدد بل القصاص الجدد كعمرو خالد وأمثاله، تارة باسم العصرنة وأخرى باسم التيسير على الناس وأحياناً باسم محاربة التطرف إلى غير ذلك من المقولات التافهة كالتي ساقها الرئيس الليبي بالسماح لغير المسلمين بالطواف حول الكعبة ونحوها من الأباطيل. وعلى كل حال فإن المقام لا يتسع للرد على الأفكار العرجاء للترابي وأشباهه وخاصة أن كثيراً من العلماء والباحثين قاموا بالرد عليه وأذكر هنا عدداً منهم: د. محمد عبد القادر أبو فارس في كتابه [نظرات إسلامية في مصطلحات وأسماء شائعة] د. محمود الطحان في كتابه [مفهوم التجديد بين السنة النبوية وبين أدعياء التجديد المعاصرين]. والشيخ الأمين الحاج على الترابي في كتابيه: الأول [مناقشة هادئة لبعض أفكار الدكتور الترابي] والثاني [الرد القويم لما جاء به الترابي والمجادلون عنه من الافتراء والكذب المهين]. وكتب الدكتور محمد رشاد خليل ثلاث مقالات في مجلة المجتمع للرد على الترابي (العدد: 587 - 588 - 589) ومحاضرة د. جعفر شيخ إدريس التي رد فيها على الترابي بعنوان (العلمانية في ثياب إسلامية). وأحمد بن مالك في كتابه [الصارم المسلول على الترابي شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم]. وعبد الفتاح محجوب إبراهيم في كتابه [الدكتور حسن الترابي وفساد نظرية تطوير الدين]. والشيخ علي الحلبي في كتابه [العقلانيون أفراخ المعتزلة العصريون].

الضوابط الشرعية لجواز نقل الأعضاء البشرية

والشيخ محمد سرور في كتابه [دراسات في السيرة النبوية] وغير ذلك كثير. وخلاصة الأمر أن الترابي ضال مضل منحرف عن كتاب الله وعن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. الضوابط الشرعية لجواز نقل الأعضاء البشرية يقول السائل: ما هي الضوابط التي وضعها الفقهاء القائلون بجواز نقل الأعضاء البشرية من إنسان لآخر وخاصة ما يتعلق بالشخص المنقول إليه، أفيدونا؟ الجواب: مسألة نقل الأعضاء من إنسان وزرعها في جسم إنسان آخر من المسائل الحديثة التي بحثت بحثاً موسعاً من العلماء والباحثين المعاصرين وقد كتبت فيها أبحاث كثيرة وآخر ما اطلعت عليه رسالة دكتوراة تناولت الموضوع من جميع جوانبه وخلاصة الشروط التي ذكرها العلماء والباحثون المعاصرون لجواز نقل الأعضاء وزرعها ما يلي: ما جاء في القرار الصادر عن المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي في دورته المنعقدة بتاريخ 18 جمادى الآخرة 1408 هـ، الموافق 6 فبراير 1988 م. أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أنَّ النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهود له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً. ثانياً: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة. ثالثاً: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.

رابعاً: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر. خامساً: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة. سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له. سابعاً: وينبغي ملاحظة: أنَّ الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو. إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما. أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر. ثامناً: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية. والله أعلم ويلاحظ على قرار المجمع الفقهي أنه لم يشر إلى الشخص الذي سيزرع فيه العضو المنقول ولكن بعض المجامع العلمية الأخرى وبعض الباحثين نصوا على أنه يشترط في الشخص الذي سيزرع فيه العضو المنقول أن يكون مسلماً أو ذمياً معصوم الدم ولا يجوز النقل لكافر حربي. وجاء في رسالة الدكتوراه للباحث د. يوسف بن عبد الله الأحمد بعنوان (أحكام نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي) شروط نقل الأعضاء فقال [ما يجوز نقله من الأعضاء مما ذكر، إنما يجوز وفق الشروط العامة التي لابد من اعتبارها في نقل أي

عضو من الأعضاء، وهذه الشروط هي: 1. ألا يترتب على المتبرع ضرر بذهاب نفسه أو منفعة فيه؛ كالسمع والبصر والمشي ونحو ذلك؛ حفظاً لحق الله تعالى. 2. ألا يكون النقل إلا بإذن المنقول منه؛ حفظاً لحق العبد في بدنه. وأخذ العضو دون إذنه ظلم واعتداء. 3. أن يكون إذن المنقول منه وهو كامل الأهلية؛ فلا يصح من الصغير، والمجنون، أو بإسلوب الضغط والإكراه، واستعمال أساليب الحيل والإحراج؛ حفظاً لحق العبد في بدنه. 4. ألا يكون النقل بطريق تمتهن فيه كرامة الإنسان؛ كالبيع، وإنما تكون بطريق الإذن والتبرع. 5. أن يكون المنقول له معصوم الدم، فهو الذي أوجب الشرع حفظ نفسه بخلاف مهدر الدم؛ كالحربي. 6. أن تحفظ العورات؛ فلا يجوز الكشف عليها إلا عند الضرورة، أو الحاجة الملحة، والضروة أو الحاجة تقدر بقدرها. 7. إعمال الأطباء الذين يشرفون على علاج المريض قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد للمريض والمتبرع؛ فلا تجرى عملية النقل وانتفاع المريض بها مرجوح، ولا ينقل العضو من الإنسان مع إمكان علاج المريض بوسيلة أخرى. وغير ذلك من الصور والأحوال التي يدور عليها تصرف الطبيب مع المريض بإعماله لقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد.] وجاء في فتوى للشبكة الإسلامية عند ذكر شروط زرع الأعضاء [والتبرع بما ذكر في الحالتين مشروط بأن يكون المتبرَّع له معصوم الدم، أي أن يكون مسلماً أو ذمياً، بخلاف الكافر المحارب.] عن شبكة الإنترنت وجاء في فتوى أخرى للشبكة الإسلامية عند ذكر شروط زرع الأعضاء [ ... وعليه فإذا كان المسلم متأكداً من أن المستفيد من أعضائه مسلمون أو من أهل الذمة فلا مانع من توقيعه على مثل هذه الوثيقة، وأما إذا أمكن أن يستفيد منها محارب فلا يجوز له فعل ذلك.] عن شبكة الإنترنت

وجاء في فتوى ثالثة للشبكة الإسلامية عند ذكر شروط زرع الأعضاء [وذكرنا هناك أنه يشترط أن يكون المتبرَع له معصوم الدم أي أن يكون مسلماً أو ذمياً، أما الكافر المحارب فلا يجوز التبرع له بالأعضاء] وجاء في قرارات مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ما يلي: [قرر مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بالإجماع جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان حي مسلم أو ذمي إلى نفسه إذا دعت الحاجة إليه، وأمن الخطر في نزعه، وغلب على الظن نجاح زرعه. كما قرر بالأكثرية ما يلي: أ- جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان ميت إلى مسلم إذا اضطر إلى ذلك، وأمنت الفتنة في نزعه ممن أخذ منه، وغلب على الظن نجاح زرعه فيمن سيزرع فيه. ب- جواز تبرع الإنسان الحي بنقل عضو منه أو جزئه إلى مسلم مضطر إلى ذلك.] وخلاصة الأمر أنه لا يجوز التبرع بالأعضاء لغير المسلم ولغير الذمي فلا يجوز التبرع بالأعضاء للكافر الحربي ولا يزعمن أحد أن التبرع بالأعضاء عمل إنساني ينبغي التسوية فيه بين بني آدم جميعاً فهذه إنسانية مزيفة. وقديماً قال الشاعر العربي: ومن يجعل المعروف في غير أهله ... يكن حمده ذمّاً عليه ويندمِ.

حكم سرقة البحوث العلمية

حكم سرقة البحوث العلمية يقول السائل: ما قولكم فيما يفعله بعض الطلبة الجامعيين من أخذهم بحوث غيرهم من الطلاب وينسبونها لأنفسهم ويقدمونها كأبحاث للتخرج على أنها من جهدهم أفيدونا؟ الجواب: ما ذكره السائل ظاهرة بدأت تنتشر في أوساط الطلبة الجامعيين وغيرهم حيث إن بعض الطلبة يسطون على أبحاث غيرهم وينسبونها لأنفسهم بل تعدى الأمر ذلك فأصبح لدينا بعض المكتبات ومراكز الإنترنت التي تبيع بحوثاً جاهزة للطلبة وبعض الناس يقومون بكتابة بحوث ويبيعونها للطلبة مقابل مبالغ معينة فضلاً عن سرقة الأبحاث عن طريق شبكة الإنترنت فهذا الأمر صار شائعاً في أوساط طلبة الجامعات، ومما يؤسف له أن بعض أساتذة الجامعات يسهمون في ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر فعندما يطلب أستاذ الجامعة بحوثاً من طلابه وعندما يتسلمها منهم لا يكلف نفسه عناء تصفحها فضلاً عن قراءتها فلا شك أن هذا يدفع الطلبة إلى سرقة البحوث لأنهم يعرفون سلفاً أن أستاذهم المذكور لا يقرأ البحوث وهذا الأمر يؤدي إلى آثار خطيرة على المسيرة التعليمية لأن الأصل أن هنالك أهدافاً يجب أن تتحقق عند تكليف الطلبة بالبحوث مثل تمرين الطلبة على الكتابة العلمية وتقوية صلتهم بالمكتبة والمراجع ونحو ذلك فعندما يحصل الطالب على بحث جاهز سواء كان ذلك مقابل أجر أو بدون أجر فإن الغايات المرجوة من تكليفه بالأبحاث لا تتحقق. إذا تقرر هذا فإن كتابة الأبحاث للطلبة بأجر أو بدون أجر وكذا سرقة الطلبة للأبحاث من غيرهم أو عن طريق شبكة الإنترنت كل ذلك محرم شرعاً لما يلي: أولاً: لأنه غش صريح فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا فليس مني) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا).

ثانياً: إن هذا العمل يعتبر خيانة للأمانة العلمية التي يجب أن يحترمها أساتذة الجامعات قبل طلبتهم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة الأنفال الآية 27. وخيانة الأمانة من صفات المنافقين كما صحَّ في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم: (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم). وجاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ومسلم. وقد اعتبر العلماء خيانة الأمانة من كبائر الذنوب. انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 617. وقد وردت أحاديث كثيرة في الترهيب من خيانة الأمانة منها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في الخطبة: لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) رواه ابن حبان والبيهقي والبغوي، ثم قال: هذا حديث حسن. شرح السنة 1/ 75 وحسّنه الشيخ الألباني لشواهده كما في تخريجه للمشكاة 1/ 17. ثالثا: إن الشريعة الإسلامية حرمت انتحال الانسان قولاً لغيره أو إسناده إلى غير من صدر منه وقضت بضرورة نسبة القول إلى قائله والفكرة إلى صاحبها لينال هو دون غيره أجر ما قد تنطوي عليه من الخير أو يتحمل وزر ما قد تجره من شر فقد روي عن الإمام أحمد: أنه امتنع عن الإقدام على الاستفادة بالنقل أو الكتابة عن مقال أو مؤلف عرف صاحبه إلا بعد الاستئذان منه فقد روى الغزالي أن الإمام أحمد سئل عمن سقطت منه ورقة كتب فيها أحاديث أو نحوها أيجوز لمن وجدها أن يكتب منها ثم

يردها؟ قال: لا، بل يستأذن ثم يكتب. رابعاً: إن من ينسب جهود الآخرين لنفسه متشبع بما لم يعط كما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت يا رسول الله: أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي في شرحه للحديث: [قال العلماء: معناه المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده، يتكثر بذلك عند الناس، ويتزين بالباطل، فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور.] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 291. وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فكم في جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية وغيرها من أمثال هؤلاء الذين ينطبق عليه حديث الرسول الله صلى الله عليه (المتشبع بما لم يعط) فهؤلاء الذين تحملهم شهاداتهم ولا يحملونها. خامساً: إن هذا العمل من التعاون على الباطل الذي يترتب عليه مفاسد كثيرة تنعكس على الفرد والمجتمع حيث سيتخرج أناس بالغش والتزوير وسيتولون المناصب بحصولهم على شهادات الزور (شهاداتهم الجامعية). وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية بتحريم إعداد البحوث بالنيابة فقد أجابت عن السؤال التالي: [يطلب بعض المدرسين من الطلبة عمل بحث ويعطي الطالب عليه درجات، فهل يجوز لي أن أعمل هذا البحث للطالب مقابل أجر مادي آخذه منه؟ الجواب: عمل البحث المطلوب من الدارس في المدارس الحكومية أو غيرها واجب دراسي، له أهدافه: من تمرين الطالب على البحث، والتعرف على المصادر، ومعرفة مدى قدرته على استخراج المعلومات، وترتبيها .. إلى آخر ما يهدف إليه طلب إعداد البحث؛ لهذا فإن قيام بعض المدرسين أو غيرهم بذلك نيابة عن الطالب، مقابل أجرة

أو بدون أجرة، هو عمل محرم، والأجرة عليه كسب حرام؛ لما فيه من الغش والكذب والتزوير، وهذا تعاون على الإثم، والله سبحانه يقول: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى اْلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) سورة المائدة الآية 2. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم ... ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 12/ 203. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين [وإن مما يؤسف له أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثاً أو رسائل يحصلون على شهادات علمية أو من يحقق بعض الكتب فيقول لشخص حضر لي تراجم هؤلاء وراجع البحث الفلاني ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين أو ما أشبه ذلك فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة ومخالف للواقع وأرى أنه نوع من الخيانة لأنه لابد أن يكون المقصود من الرسالة هو الدراسة والعلم قبل كل شيء فإذا كان المقصود من ذلك الشهادة فقط فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يجب لهذا أحذر إخواني الذي يحققون الكتب أو الذين يحضرون رسائل على هذا النحو من العاقبة الوخيمة ... ] من كتاب العلم للشيخ العثيمين عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أنه يحرم شرعاً كتابة الأبحاث العلمية نيابة عن الآخرين وهذا العمل لا تدخله النيابة ويحرم التعاون مع الطلبة في هذا العمل من قبل الأساتذة أو المكتبات أو مراكز الإنترنت لأنه تعاون على الإثم والباطل وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة الآية 2.

الضوابط الشرعية لتنفيذ وصية الميت

الضوابط الشرعية لتنفيذ وصية الميت يقول السائل: أوصى شخص عند موته ألا يحضر جنازته أحد أبنائه، فهل تنفيذ وصية الميت لازم بغض النظر عن الشيء الموصى به، أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الوصية مشروعة بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين} سورة البقرة الآية 180، وقال تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم} سورة النساء 12. وورد في الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال قلت أفأتصدق بشطره قال لا الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في - فم - امرأتك ... ) رواه مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما مرت عليًّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي). وغير ذلك من النصوص. إذا تقرر هذا فإن الوصية تكون بالأمور المالية وتكون أيضاً بالأمور المعنوية فيمكن للإنسان أن يوصي بمبلغ من ماله لشخص معين أو جهة خيرية وقد يوصي بقضاء دين عليه أو يوصي ولده بحفظ كتاب الله أو يوصي أن يضحى عنه فقد ورد مثل ذلك في

الأحاديث والآثار فقد روى أبو داود بإسناده عن حنش قال رأيت علياً رضي الله عنه يضحي بكبشين فقلت له ما هذا؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه) رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما حضر أُحدٌ - أي غزوة أحد - دعاني أبي من الليل فقال ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن عليًّ ديناً فاقض واستوص بأخواتك خيراً، فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في قبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه) رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها أنها أوصت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: لا تدفني معهم - أي مع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما - وادفني مع صواحبي بالبقيع لا أزكى به أبداً) رواه البخاري. وتنفيذ الوصية واجب عند أهل العلم ما دامت ضمن دائرة الشرع ولا يجوز لأحد أن يغير شيئاً من وصية الميت ما دامت ضمن الضوابط الشرعية، قال الله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم} سورة البقرة الآيتان 180 - 181. وأما إذا أوصى الميت بما يخالف الشرع فيجوز حينئذ تبديل الوصية باتفاق العلماء، قال الإمام القرطبي: [ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز، مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه، كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث، قاله أبو عمر. - أي الحافظ ابن عبد البر -] تفسير القرطبي 2/ 296.

فإذا أوصى الميت بحرمان أحد أولاده من الميراث فلا تنفذ وصيته حتى لو كان الولد عاقاً لأبيه حال حياته، فلا يجوز للأب أن يوصي بحرمان ولده العاق فهذه وصية باطلة وإن أوصى فلا تنفذ، لأن الله سبحانه وتعالى أعطى كل وارث من الورثة حقه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه) رواه البخاري ومسلم. وكذلك إذا أوصى الميت بنقله من محل وفاته إلى بلده وكان نقله يؤدي إلى تغير الميت أو انتهاك حرمته أو تأخير دفنه، فإن وصيته لا تنفذ، لأن في تنفيذها مخالفة للشرع ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله قال: كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم فجاء منادي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حسن صحيح. ويؤيد ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإسراع في الجنائز وتعجيل دفنها فقد ورد في الحديث: (إن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا) رواه أبو داود أي عجلوا في التجهيز والتكفين. وكذلك إذا أوصى الإنسان أن لا يحضر جنازته أحد من الناس فوصيته لا تنفذ لمخالفتها للشرع. ومثل ذلك إذا أوصى شخص أن يدفن في المسجد لأن إدخال القبور للمساجد لا يجوز شرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) رواه

البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم، وغير ذلك من الأحاديث. وكذلك إذا أوصى شخص أن يوضع معه مصحف في قبره ليستأنس به حسب زعمه فيحرم تنفيذ هذه الوصية لما فيها من امتهان واحتقار للمصحف الشريف ويجب صيانة المصحف عن القاذورات والنجاسات ويجب تكريمه والمحافظة عليه. وكذلك لا تنفذ الوصية فيما لو أوصى لأحد الورثة، إلا إذا أجازها الورثة لما ثبت في الحديث من قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وكذلك لا تصح الوصية بأكثر من الثلث ولا تنفذ عند جمهور أهل العلم إلا إذا أجازها الورثة، لما ورد في حديث سعد السابق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الثلث والثلث كثير) وقال الترمذي بعد أن رواه [والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس للرجل أن يوصي بأكثر من الثلث وقد استحب بعض أهل العلم أن ينقص من الثلث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلث كثير] سنن الترمذي 3/ 306. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لو غض الناس إلى الربع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث والثلث كثير أو كبير) رواه البخاري. وخلاصة الأمر أنه يجوز للمسلم أن يوصي بالأمور المالية وغيرها ضمن الضوابط الشرعية، فإذا خالفت الوصية الأحكام الشرعية، فلا تنفذ، ووصية الميت ليست مقدسة يلزم تنفيذها عل كل حال، بل تنفذ إذا كانت ضمن ضوابط الشرع. وعليه فإن وصية الميت المذكورة في السؤال بأن لا يحضر جنازته أحد أولاده باطلة ولا تنفذ.

حديث (سؤر المؤمن شفاء) ليس ثابتا عن الرسول صلى الله عليه وسلم

حديث (سؤر المؤمن شفاء) ليس ثابتاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول السائل: سمعت واعظاً يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم (سؤر المؤمن شفاء)، فهل هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أفيدونا. الجواب: إن التثبت من الأحاديث قبل روايتها وذكرها للناس أمر واجب، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يعرفون التمييز بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما بينهم فيسهم الوعاظ والخطباء والمدرسون وأمثالهم في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. وبناءً على ما تقدم، فإني أنصح كل من يذكر حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتثبت من ذلك الحديث، وأن يرجع إلى كتب أهل الحديث ليعرف حال ذلك الحديث قبل أن يذكره للناس. فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). قال الحافظ ابن حبان: " فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته "، ثم روى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وإسناده حسن كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط، الإحسان 1/ 210، ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حدث حديثاً وهو يُرى - بضم الياء ومعناه يظن - أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم في مقدمة صحيحه وفي رواية عند ابن ماجة وغيره (من حدث عني حديثاً .... الخ). وأما ما يتداوله الناس من قول منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو (سؤر المؤمن شفاء) فليس بحديث، قال العلامة القاري: [ليس له أصل مرفوع] المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص 106، وقال الحافظ العراقي: هكذا اشتهر على الألسنة ولا أصل

له بهذا اللفظ. ونقل العجلوني عن نجم الدين الغزي أنه ليس بحديث، كشف الخفاء ص 458. وقال العلامة الألباني عن الحديث السابق: [لا أصل له] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ 105. وانظر أيضاً المقاصد الحسنة للسخاوي ص 231. ومثل ذلك حديث (ريق المؤمن شفاء) فهو حديث لا أصل له كما نص على ذلك كثير من المحدثين انظر كشف الخفاء ص 436، المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص 106 وغيرهما. ومثل ذلك حديث (من التواضع أن يشرب الرجل من سؤر أخيه، ومن شرب من سؤر أخيه رفعت له سبعون درجة، ومحيت عنه سبعون خطيئة وكتبت له سبعون حسنة) فهو حديث موضوع أورده ابن الجوزي في الموضوعات كما قال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ 106. ومما يجدر ذكره أن المراد بالسؤر لغة بقية الشيء، ويجمع على أسآر والسؤر في الاصطلاح هو: فضلة الشرب وبقية الماء التي يبقيها الشارب إنسانا كان أو حيواناً أو طائراً في الإناء أو في الحوض، ثم استعير لبقية الطعام أو غيره. قال النووي: ومراد الفقهاء بقولهم: سؤر الحيوان طاهر أو نجس: لعابه ورطوبة فمه. الموسوعة الفقهية الكويتية 24/ 100. وسؤر الانسان طاهر سواء كان مسلماً أو كافراً قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عند ذكره لأقسام الآسار [القسم الثاني طاهر في نفسه وسؤره وعرقه، وهو ثلاثة أضرب: الأول الآدمي فهو طاهر، وسؤره طاهر سواء كان مسلماً أم كافراً عند عامة أهل العلم] المغني 1/ 37. وخلاصة الأمر أن الحديث المذكور ليس بثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا تجوز نسبته إليه.

(تعلموا السحر ولا تعملوا به) حديث باطل

(تعلموا السحر ولا تعملوا به) حديث باطل يقول السائل: ما صحة حديث (تعلموا السحر ولا تعملوا به) أفيدونا؟ الجواب: هذا الحديث باطل وليس له أصل في السنة بل هو مكذوب على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث بالإضافة إلى أنه مردود روايةً فهو مردود درايةً وفقهاً لأن تعليم السحر وتعلمه من المحرمات عند جماهير أهل العلم، انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 24/ 264. قال الإمام النووي [فصل قد ذكرنا أقسام العلم الشرعي: ومن العلوم الخارجة عنه ما هو محرم أو مكروه ومباح: فالمحرم كتعلم السحر فإنه حرام على المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور ... وكالفلسفة والشعبذة والتنجيم وعلوم الطبائعيين وكل ما كان سبباً لإثارة الشكوك] المجموع 1/ 27. ومما يدل على تحريم تعلم السحر وتعليمه قول الله تعالى {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} سورة البقرة الآية 102. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني [وقد استدل بهذه الآية على أن السحر كفر ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها وهو التعبد للشياطين أو للكواكب، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر به من تعلمه أصلاً، قال النووي: عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عدَّه النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً، ومنه لا يكون كفراً بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام ... ] فتح الباري 10/ 276.

وقد أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية عن سؤال حول حكم تعلم السحر فأجابت [بأنه يحرم تعلم السحر سواء تعلمه للعمل به أو ليتقيه، وقد نص الله سبحانه في كتابه الكريم على أن تعلمه كفر فقال تعالى: {يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} سورة البقرة الآية 102، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن السحر أحد الكبائر وأمر باجتنابه فقال: (اجتنبوا السبع الموبقات) فذكر منها السحر وفي السنن عند النسائي: (من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك) وأما ما ذكرت من قول: (تعلموا السحر ولا تعملوا به) فليس بحديث لا صحيح ولا ضعيف فيما نعلم] فتاوى اللجنة الدائمة فتوى رقم 6289. وسئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله عن صحة حديث (تعلموا السحر ولا تعملوا به) فأجاب: [هذا الحديث باطل لا أصل له، ولا يجوز تعلم السحر ولا العمل به وذلك منكر بل كفر وضلال، وقد بين الله إنكاره للسحر في كتابه الكريم في قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون) البقرة / 102، 103. فأوضح سبحانه في هذه الآيات أن السحر كفر وأنه من تعليم الشياطين، وقد ذمهم الله على ذلك وهم أعداؤنا، ثم بين أن تعليم السحر كفر، وأنه يضر ولا ينفع، فالواجب الحذر منه. لأن تعلم السحر كله كفر، ولهذا أخبر عن الملكين أنهما لا يعلمان الناس حتى يقولا للمتعلم إنما نحن فتنة فلا تكفر] مجموع فتاوى ومقالات

معنى الحديث (إن من البر بعد البر أن تصلي لهما - الوالدان - مع صلاتك)

متنوعة للشيخ ابن باز 6/ 371. وخلاصة الأمر أن حديث (تعلموا السحر ولا تعملوا به) حديث باطل ويحرم تعلم السحر وتعليمه. معنى الحديث (إن من البر بعد البر أن تصلي لهما - الوالدان - مع صلاتك) يقول السائل: سمعت في إحدى المواعظ حديثاً في بر الوالدين بعد موتهما وفيه أن يصلي لهما مع صلاته فأرجو توضيح ذلك؟ الجواب: الحديث المشار إليه في السؤال هو ما رواه الدارقطني أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي أبوين وكنت أبرهما حال حياتهما. فكيف بالبر بعد موتهما؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك وأن تصدق لهما مع صدقتك). وورد في معناه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان، ووقع خلاف بين أهل الحديث في حكم هذا الحديث فقد رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الحافظ العراقي: أخرجه أبو داود وابن ماجة بإسناد حسن، والحديث ضعفه آخرون منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى والعلامة الألباني كما في ضعيف سنن أبي داود وفي ضعيف سنن ابن ماجة. ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي أسيد الساعدي قال: (بينما أنا جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال: نعم أربع خصال الدعاء لهما والاستغفار لهما

وإنفاذ وعدهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما). وقال الشيخ الألباني ضعيف انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 62. والحديث أشار إليه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه فقال [ ... وقال محمد سمعت أبا إسحق إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال قلت لعبد الله بن المبارك يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك قال فقال عبد الله يا أبا إسحق عمن هذا قال قلت له هذا من حديث شهاب ابن خراش فقال ثقة عمن قال قلت عن الحجاج بن دينار قال ثقة عمن قال قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبا إسحق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي ولكن ليس في الصدقة اختلاف] وقال الإمام النووي: [معنى هذه الحكاية أنه لا يقبل الحديث إلا بإسناد صحيح. وقوله: (مفاوز) جمع مفازة وهي الأرض القفر البعيدة عن العمارة وعن الماء التي يخاف الهلاك فيها، قيل: سميت مفازة للتفاؤل بسلامة سالكها كما سموا اللديغ سليماً، وقيل: لأن من قطعها فاز ونجا، وقيل: لأنها تهلك صاحبها يقال: فوز الرجل: إذا هلك. ثم إن هذه العبارة التي استعملها هنا استعارة حسنة وذلك لأن الحجاج بن دينار هذا من تابعي التابعين، فأقل ما يمكن أن يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم اثنان التابعي والصحابي فلهذا قال بينهما مفاوز أي: انقطاع كثير. وأما قوله: (ليس في الصدقة اختلاف) فمعناه أن هذا الحديث لا يحتج به، ولكن من أراد بر والديه فليتصدق عنهما فإن الصدقة تصل إلى الميت وينتفع بها بلا خلاف بين المسلمين وهذا هو الصواب] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 79 - 80. إذا تقرر هذا فإن الحديث لو صح لكان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (أن تصلي لهما مع صلاتك). وقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى (الصلاة عليهما) هو الدعاء لهما وليس المراد الصلاة المعروفة، فإن من المقرر عند جماهير أهل

العلم أنه لا يصلي أحد عن أحد وإنما يصلي كل إنسان عن نفسه والنيابة لا تدخل الصلاة. ويؤيد ذلك ما ورد في رواية ابن أبي شيبة وفيها (قال: نعم أربع خصال الدعاء لهما والاستغفار لهما) حيث ذكر الدعاء لهما بدل الصلاة عليهما. وقد اتفق العلماء على أن الميت ينتفع بدعاء الحي قال الإمام النووي: [أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصل ثوابه إليهم] الأذكار ص 140. ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) سورة الحشر آية 10. ويدل على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم. ويدل على ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) رواه مسلم. وروى الإمام مسلم بإسناده عن جبير بن نفير سمعه يقول سمعت عوف بن مالك يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت). وروى الإمام الترمذي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا) وهو حديث حسن صحيح كما قال الإمام الترمذي.

ومن الأمور التي اتفق العلماء على أن الميت ينتفع بها ويصل ثوابها له الصدقة عنه، وكذلك فإن المتصدق ينتفع بتلك الصدقة أيضاً ويدل على ذلك أحاديث وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم منها: عن ابن عباس رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: نعم، فقال: فإني أشهدك أن حائط المخراف صدقة عنها) رواه البخاري وغيره. وحائط المخراف: بستان نخل وعنب كان لسعد رضي الله عنه فتصدق به عن أمه. وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي أفتلتت نفسها - أي ماتت فجأة - ولم توص وأظنها تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ قال: نعم فتصدق عنها) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه (إن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبي مات وترك مالاً ولم يوص فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه؟ قال: نعم) رواه مسلم وغيره ومن الأمور التي تصل إلى الميت وينتفع بها الحج والعمرة عنه حج الفريضة والنافلة أو النذر وكذا العمرة وقد وردت الأحاديث بذلك فمنها: عن ابن عباس قال: أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزى أن تحج عنها؟ قال: نعم، لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يجزيء عنها فلتحج عن أمها) رواه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد. وعن ابن عباس أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال: أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء) رواه البخاري وغيره. وهنالك أعمال أخرى ينتفع بها الميت على قول طائفة من أهل العلم كتلاوة القرآن وجعل ثواب التلاوة للميت

معنى الحديث (ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم)

والأضحية عن الميت. فهذه الأمور تعتبر من بر الوالدين والإحسان لهما بعد وفاتهما. وخلاصة الأمر أن الحديث الذي أشار إليه السائل مختلف فيه وإن سلمنا بصحته فالمراد من الصلاة على الوالدين الدعاء لهما وليس المقصود الصلاة المعروفة. معنى الحديث (ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم) يقول السائل: إنه قرأ في كتاب عن صلاة الاستخارة حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ونصه: (ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل آتى سفيهاً ماله وقد قال الله عز وجل: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}) وأن مؤلف الكتاب شرح الحديث على أن من ذكروا في الحديث لا يستجاب دعاؤهم إذا استخاروا، فهل الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وما قولكم في معنى الحديث؟ الجواب: هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: [هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه] ووافقه الذهبي وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الرابع حديث رقم 1805. ومعنى الحديث أن الثلاثة المذكورين لا يستجاب دعاؤهم في الحالات التي ذكروا فيها: أما الأول فرجل كان متزوجاً من امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، فإذا دعا عليها فلا يستجاب له، لأنه كان قادراً على طلاقها بعد أن لم يصلح حالها ولم ترجع عن أخلاقها السيئة، فلما رضي بسوء أخلاقها فلا يستجاب له إذا دعا عليها بعد ذلك. وأما الثاني: فرجل كان له على رجلٍ مال فلم يشهد عليه أي أنه داين غيره مالاً بدون أن يوثق الدين وبدون الإشهاد عليه فأنكره المدين فصاحب الدين قصر في حفظ حقه فإذا دعا على المدين فلا يستجاب له. وأما الثالث فرجل آتى سفيهاً ماله مخالفاً قول الله عز وجل: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} ثم دعا على ذلك السفيه الذي بدد المال فحينئذ لا

يستجاب دعاؤه عليه. قال الإمام الطحاوي في شرح الحديث [ثم تأملنا معنى هذا الحديث فوجدنا الله عز وجل قد علَّم عباده أشياء يستدفعون بها أضدادها، فكان من ذلك تحذيره لهم أن لا يدفعوا إلى السفهاء أموالهم؛ رحمة لهم، وطلباً منه لبقاء نعمه عليهم، وعلَّمهم أن يشهدوا في مدايناتهم؛ ليكون ذلك حفظاً لأموال الطالبين منهم، ولأديان المطلوبين منهم، وعلَّمهم الطلاق الذي يستعملونه عند حاجتهم إليه، فكان من ترك منهم ما علَّمه الله إياه حتى وقع في ضد ما يريد مخالفاً لما أمره الله عز وجل به؛ فلم يجب دعاءه لخلافه إياه، وكان من سوى من ذكرنا في هذا الحديث ممن ليس بعاصٍ لربه مرجواً له إجابة الدعوة فيما يدعوه، وهم الذين دخلوا في قوله عز وجل: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، وحذرهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من الاستعجال في إجابة الدعاء.] مشكل الآثار نقلاً عن شبكة الإنترنت. وقال العلامة المناوي في شرح الحديث: [(ثلاثة يدعون الله عز وجل فلا يستجاب لهم رجل كانت تحته امرأة سيئة الخُلق) بالضم (فلم يطلقها) فإذا دعا عليها لا يستجيب له لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها وهو في سعة من فراقها (ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه) فأنكره فإذا دعا لا يستجاب له لأنه المفرط المقصر بعدم امتثال قوله تعالى {وأشهدوا شهيدين من رجالكم} (ورجل آتى سفيهاً) أي محجوراً عليه بسفه (ماله) أي شيئاً من ماله مع علمه بالحجر عليه فإذا دعا عليه لا يستجاب له لأنه المضيع لماله فلا عذر له (وقد قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم).] فيض القدير شرح الجامع الصغير 3/ 441 - 442. ولا يصح حمل الحديث على عموم الأحوال فيقال إن الله تعالى لا يستجيب دعاء الثلاثة المذكورين مطلقاً بل لا بد من حمل الحديث على الحالات الخاصة المذكورة فيه وهؤلاء الثلاثة لا يستجاب دعاؤهم لأنهم خالفوا ما أرشدهم الله إليه فمن المعلوم

أن الله شرع الطلاق إذا سدت كل الطرق للإصلاح بين الزوجين فإذا كان عند الرجل زوجة سيئة الأخلاق وحاول إصلاحها ولكن بدون فائدة واستمرت على سوء أخلاقها فلم يطلقها فيكون قد قصَّر في حق نفسه ولم يستجب لقول الله تعالى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} سورة النساء الآية 130. ومن داين غيره مالاً فلم يشهد على ذلك، فقد قصر في حفظ ماله ومن المعلوم أن الله قد شرع كتابة الدين والإشهاد عليه حفظاً للحقوق وقد نزلت في ذلك أطول آية في القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُءَاثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) سورة البقرة الآيتان 282 - 283. ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على مشروعية كتابة الدين وتوثيقه والإشهاد عليه. قال الإمام ابن العربي المالكي: [قوله تعالى: (فَاكْتُبُوهُ) يريد أن يكون صكاً

ليستذكر به عند أجله لما يتوقع من الغفلة في المدة التي بين المعاملة وبين حلول الأجل والنسيان موكل بالإنسان والشيطان ربما حمل على الإنكار والعوارض من موت وغيره تطرأ فشُرِع الكتاب والإشهاد] أحكام القرآن 1/ 247. وقال الضحاك: [إن ذهب حقه - أي الدائن - لم يؤجر وإن دعا عليه لم يُجب؛ لأنه ترك حق الله تعالى وأمره]. ومن المعلوم اليوم أن كثيراً من الخلافات المالية التي تحدث بين الناس تعود أسبابها إلى عدم الكتابة والتوثيق في العقود فيقع النزاع والخلاف ويحدث الإنكار ونحو ذلك. وبناءً على الآية الكريمة السابقة قال جمهور أهل العلم إن كتابة الدين وتوثيقه والإشهاد عليه أمر مندوب إليه وقال بعض العلماء بوجوب ذلك أخذاً بظاهر الآية وهو قول وجيه له حظ من النظر وينبغي حمل الناس عليه في هذا الزمان قطعاً لأكل حقوق الآخرين بالباطل وسداً لأبواب النزاع والخصومات ولما نرى في مجتمعنا من نزاع وشقاق وخلاف بسبب عدم توثيق الديون والعقود وكتابتها فكم من المنازعات حدثت بين المؤجر والمستأجر بسبب عدم كتابة عقد الإجارة وكم من خصومات حصلت بين الشركاء لاختلافهم في قضية ما ويعود ذلك لعدم كتابة اتفاق الشراكة وهكذا الحال في كل المعاملات التي لم توثق. لذا فإني أنصح كل متعاقدين في أي من العقود الشرعية أن يوثقا العقد بجميع شروطه وتفصيلاته الصغيرة قبل الكبيرة، قال الله تعالى: (ولا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ). قال ابن العربي المالكي: [هذا تأكيد من الله تعالى في الإشهاد بالدين تنبيهاً لمن كسل فقال: هذا قليل لا أحتاج إلى كتبه والإشهاد عليه. لأن أمر الله تعالى فيه والتحضيض عليه واحد والقليل والكثير في ذلك سواء] أحكام القرآن 1/ 257. وأما من يؤتي المال للسفيه المحجور عليه فيضيعه فقد خالف قول الله تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً

معروفاً} سورة النساء الآية 5. وقال الإمام البيضاوي: [نهى الأولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم فيضيعوها وإنما أضاف الأموال إلى الأولياء لأنها في تصرفهم وتحت ولايتهم وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة] تفسير البيضاوي نقلاً عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن الثلاثة المذكورين في الحديث لا يستجاب دعاؤهم في الحالات التي تلبسوا بها لأنهم خالفوا ما شرعه الله عز وجل بخصوص هذه الحالات، وليس معنى الحديث أنه لا يستجاب لهم مطلقاً. تم َّ الكتاب بحمد الله تعالى

الفهرس الموضوع ... الصفحة مقدمة ... 5 العقيدة والتفسير ... 9 11 13 22 الصلاة ... 29 31 34 37 42 50 54

57 61 65 69 74 78 الصيام ... 83 قضاء رمضان ... 85 حكم الأكل والشرب أثناء أذان الفجر ... 87 تعجيل صدقة الفطر ... 90 اعتكاف المرأة في العشر الأواخر من رمضان ... 94 الأضحية ... 97 شروط الأضحية توقيفية ... 99 الاختلاف في وقت عيد الأضحى ... 105 الزكاة ... 111 زكاة البضاعة الكاسدة ... 112 النذور ... 117 نذر المعصية ... 119 المعاملات ... 127 يحرم العمل في المحلات التي تقدم الخمور ... 129 برنامج توفير محرم ... 132 شحن البلفونات من كهرباء المسجد ... 136 الشهادة على العقد ... 139 بيع الطعام قبل القبض ... 143 تبرع المضارب بضمان رأس المال ... 148 يحرم شراء بيت السكن بالربا ... 152 الإقالة ... 156 الظفر بالحق ... 160 التصرف في المال الموقوف للمسجد ... 164 مسائل في التعامل بالشيكات ... 168 هل البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل؟ ... 172 سرقة الأدوية والتلاعب بها ... 175

الأسرة والمجتمع ... 179 تلقيح صناعي محرم ... 181 نفقة علاج الزوجة واجبة على زوجها ... 185 يحرم تقبيل المرأة الأجنبية ... 188 تحريم الزوجة زوجَها على نفسها ... 192 سفر المعتدة عدة وفاة إلى الحج ... 196 الزواج العرفي ... 200 الرجوع عن الطلاق المعلق ... 205 الأخذ بالثأر والقتل على خلفية شرف العائلة ... 209 عدة الوفاة واجبة على المرأة العجوز ... 214 عم الزوج أجنبي على زوجته ... 218 حكم البراءة من الأشخاص ... 222 طاعة الزوج بعد العقد وقبل الزفاف ... 227 متفرقات ... 233 حديث السبعة الذين لا يظلهم الله بظله يوم القيامة غير ثابت ... 235 شهادة البدوي على الحضري ... 239

الأعمال العلمية للمؤلف الأستاذ الدكتور. حسام الدين عفانة 1. الحقيقة والمجاز في الكتاب والسنة وعلاقتهما بالأحكام الشرعية (رسالة الماجستير) 2. بيان معاني البديع في أصول الفقه (رسالة الدكتوراه) 3. الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية (كتاب) 4. أحكام العقيقة في الشريعة الإسلامية (كتاب) 5. يسألونك الجزء الأول (كتاب) 6. يسألونك الجزء الثاني (كتاب) 7. بيع المرابحة للآمر بالشراء على ضوء تجربة شركة بيت المال الفلسطيني العربي (كتاب) 8. صلاة الغائب دراسة فقهية مقارنة (كتاب) 9. يسألونك الجزء الثالث (كتاب) 10. يسألونك الجزء الرابع (كتاب) 11. يسألونك الجزء الخامس (كتاب) 12. المفصل في أحكام الأضحية (كتاب) 13. شرح الورقات في أصول الفقه لجلال الدين المحلي (دراسة وتعليق وتحقيق) 14. فهارس مخطوطات مؤسسة إحياء التراث الإسلامي 12 جزءاً بالاشتراك (صدر الأول منها) 15. الفتاوى الشرعية (1) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) 16. الفتاوى الشرعية (2) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي)

17. الشيخ العلامة مرعي الكرمي وكتابه دليل الطالب (بحث) 18. الزواج المبكر (بحث) 19. الإجهاض (بحث) 20. مسائل مهمات في فقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات (كتاب) 21. مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة للعلامة المحدث الألباني (كتاب) 22. إتباع لا ابتداع (كتاب) 23. بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود للغزي التمرتاشي (دراسة وتعليق وتحقيق) 24. يسألونك الجزء السادس (كتاب) 25. رسالة إنقاذ الهالكين للعلامة محمد البركوي (دراسة وتعليق وتحقيق) 26. الخصال المكفرة للذنوب (يتضمن تحقيق مخطوط للخطيب الشربيني) (كتاب) 27. أحاديث الطائفة الظاهرة وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (كتاب) 28. التنجيم (بحث بالاشتراك) 29. الحسابات الفلكية (بحث بالاشتراك) 30. يسألونك الجزء السابع (كتاب) 31. المفصل في أحكام العقيقة (كتاب) 32. يسألونك الجزء الثامن (كتاب) 33. يسألونك الجزء التاسع (كتاب) 34. فهرس المخطوطات المصورة الجزء الثاني (الفقه الشافعي) (كتاب) 35. فقه التاجر المسلم وآدابه (كتاب) 36. يسألونك الجزء العاشر (كتاب)

37. يسألونك الجزء الحادي عشر (هذا الكتاب) موقع الأستاذ الدكتور حسام الدين على شبكة الانترنت: www.yasaloonak.net وعنوان البريد الإلكتروني: [email protected].

بسم الله الرحمن الرحيم

يتقدم المؤلف بجزيل الشكر والتقدير للإخوة الكرام في المنتدى الثقافي في صور باهر / بيت المقدس لتفضلهم بطباعة هذا الكتاب على نفقتهم وتوزيعه مجاناً فجزاهم الله خير الجزاء وبارك الله جهودهم الطيبة

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. وبعد يقول الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ... } سورة النساء الآية 127. ويقول تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} سورة النساء الآية 176. ففي هاتين الآيتين يظهر لنا أن الله عز وجل تولى شأن الإفتاء بنفسه جل جلاله، وهذا يدلنا على أهمية هذا المنصب وخطورته كما قال العلامة ابن القيم: [وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر

فضله ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات ... ] إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/ 10. وقد تولى النبي صلى الله عليه وسلم منصب الإفتاء بنفسه، قال العلامة ابن القيم: [وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين عبد الله ورسوله، وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده، فكان يفتي عن الله بوحيه المبين، وكان كما قال له أحكم الحاكمين: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ}، فكانت فتاويه صلى الله عليه وسلم، جوامع الأحكام، ومشتملة على فصل الخطاب، وهي في وجوب إتباعها وتحكيمها والتحاكم إليها ثانية الكتاب، وليس لأحدٍ من المسلمين العدول عنها ما وجد إليها سبيلاً، وقد أمر الله عباده بالرد إليها حيث يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/ 11. وقد ورد في ذلك أحاديث عديدة منها: ما رواه البخاري بإسناده عن عروة (أنه سأل عائشة رضي الله عنها {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن ينتقص صداقها، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن، قالت واستفتى الناس رسول الله صلى

الله عليه وسلم بعد ذلك، فأنزل الله {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}). وفي صحيح البخاري أيضاً (استفتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ). وعن عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة بنت جحش زوجة عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي وصلي.) .. رواه البخاري ومسلم. وروى النسائي بإسناده عن سليمان بن يسار أن أبا هريرة وابن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنهم تذاكروا عدة المتوفى عنها زوجها تضع عند وفاة زوجها، فقال ابن عباس: تعتد آخر الأجلين، وقال أبو سلمة: بل تحل حين تضع، فقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي، فأرسلوا إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت وضعت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بيسير، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تتزوج. وعن ابن عباس رضي الله عنه (أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذرٍ كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه فأفتاه أن يقضيه عنها) رواه البخاري ومسلم.

وروى النسائي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فأمرتني أن استفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لتمشي ولتركب). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفتي بفتيا غير ثبتٍ فإنما إثمه على من أفتاه) رواه أبو داود وابن ماجة. وعن ثوبان رضي الله عنه قال: (إنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك - يعني الغسل من الجنابة - فقال: أما الرجل، فلينشر رأسه فليغسله، حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة، فلا عليها أن لا تنقضه، لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها) رواه أبو داود. وفي رواية عند الإمام أحمد في المسند عن الزهري قال: قال سهل الأنصاري -وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة في زمانه- حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعدها). وروى مسلم عن قتادة قال: سمعت أبا حسان الأعرج قال: قال رجل من بني الهجيم لابن عباس ما هذه الفتيا التي قد تشغفت أو تشغبت بالناس أن من طاف بالبيت فقد حلَّ؟ فقال: سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وإن رغمتم).

وروى الدارمي بإسناده عن عطاء بن السائب قال سمعت عبد الرحمن بن أبى ليلى يقول: (لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار وما منهم أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا يسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا). وروى الطبراني في الكبير بإسناده عن أبي صالح ذكوان، أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما، عن بيع الذهب بالفضة، فقال: هو حلال بزيادة أو نقصان إذا كان يداً بيد، قال أبو صالح: فسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك، فقال: هو حرام إلا مثلا بمثل فأخبرت أبا سعيد بما قال ابن عباس، وأخبرت ابن عباس بما قال أبو سعيد الخدري، فالتقيا وأنا معهما فابتدأه أبو سعيد الخدري، فقال: ابن عباس، ما هذه الفتيا التي تفتي بها الناس في بيع الذهب بالفضة، تأمرهم أن يشتروه بزيادة بنقصان أو زيادة يداً بيد، فقال ابن عباس: ما أنا بأقدمكم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، يقولان: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم). والنصوص التي ورد فيها استعمال الفتيا أو الفتوى بمعنى السؤال عن الحكم الشرعي كثيرة جداً. وقد ذكرت هذه النصوص، لأبين أن اصطلاح الفتوى بمعنى السؤال عن الحكم الشرعي، كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الصحابة رضي الله عنهم، وفي عهد التابعين لهم بإحسان، وأن منزلة الإفتاء في دين الإسلام منزلة عظيمة، وقد لخصها الإمام الشاطبي بقوله: [المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم] الموافقات 4/ 244. وأن كلمة الفتيا

أو الفتوى مصطلح شرعي واستعمل في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد استفتي النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل كثيرة، واستفتي كبار الصحابة رضوان الله عليهم وكذا التابعون وأتباعهم وكبار علماء الأمة، ولا يُنكر ذلك إلا جاهل أو معاند، أمثال بعض الكاتبين الذين هاجموا مصطلح الفتوى وزعموا أنه ليس مصطلحاً شرعياً، وزعم بعضهم أن اصطلاح الفتوى محدث، ولم يكن معروفاً زمن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أو زمن الصحابة أو تابعيهم أو تابعي تابعيهم، وأن الفتوى لا يمكن اعتبارها مصطلحاً شرعياً، وأن الصحيح استعمال مصطلح الحكم الشرعي بدلاً من الفتوى، ووصفه بعضهم الفتوى بأقذع الأوصاف كما جاء في كلامهم أن [كلمة الفتوى في وقتنا هذا تعنى الجهل وعدم البحث وحب الخلود إلى الكسل وباقي موروث "علقها في رقبة عالم واطلع سالم". وكما جاء في دوسية حزبية [ ... وإنه بغض النظر عن كون الفتوى أحط أنواع الفقه، وبغض النظر عن كون مجرد وجود كلمة مفتي بما لها من واقع، هي انحطاط في المجتمع ... ] ص 128. أقول يتناسى هؤلاء أن منصب الإفتاء قد تولاه رب العزة والجلال كما سبق، وتولاه خير البشر صلى الله عليه وسلم، وتولاه كبار الصحابة الكرام، ومن بعدهم كبار علماء الأمة، ويغض هؤلاء الطرف عن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} سورة النحل الآية 43.

إذا تقرر هذا فإن منصب الإفتاء منصب خطير، وتترتب عليه مسؤولية عظيمة أمام الله عز وجل، فعلى من ابتلي بالفتوى أن يعد للأمر عدته، وأن يدرك خطورته قال العلامة ابن القيم: [ولمَّا كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما بلغ، صادقاً فيه، ويكون مع ذلك حَسنَ الطريقة، مرضيَ السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا يُنكَرُ فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات؟ فحقيقٌ بمن أقيم في هذا المنصب أن يُعِدَ له عدَّته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب، فقال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُل اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالةً، إذ يقول في كتابه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُل اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ}، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه وليوقن أنه مسئولٌ غداً وموقوفٌ بين يدي الله] إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/ 10 - 11. وختاماً فهذا هو الجزء الثاني عشر من كتابي يسألونك وأصله حلقات تنشر صباح كل يوم جمعة في جريدة القدس المقدسية، وقد سلكت فيه المنهج الذي

سلكته في الأجزاء السابقة، من اعتمادٍ على كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى فهم سلف هذه الأمة، فإن أصبت فذلك الفضل من الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأختم بما قاله القاضي البيساني رحمه الله: [إني رأيت أنه لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه، إلا قال في غده لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ كذا لكان يستحسن، ولو قُدِمَ هذا لكان أفضل، ولو تُرِكَ هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر]. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة أبوديس/ القدس المحتلة صباح يوم الثلاثاء السادس عشر من شعبان 1428هـ وفق الثامن والعشرين من آب 2007 م.

العقيدة والتفسير

العقيدة والتفسير

التألي على الله سبحانه وتعالى

التألي على الله سبحانه وتعالى يقول السائل: توفي شخص في بلدتنا وكان عاصياً فقال رجل: إلى جهنم وبئس المصير، فما حكم ذلك، أفيدونا؟ الجواب: إن من أعظم الآفات التي يقع فيها الإنسان آفة انفلات اللسان، فيتكلم بكلمة لا يلقي لها بالاً فتهوي به في النار، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفع الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب). وعن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. ويجب على الإنسان أن يدرك أن كل كلمة تخرج من فمه فإنه محاسب عليها، فهي إما له وإما عليه يقول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ

عَتِيدٌ} سورة ق الآية 18. وجاء في الحديث عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. ووردت أحاديث كثيرة تحث على حفظ المنطق منها: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه تضمنت له بالجنة) رواه البخاري، وما بين لحييه أي اللسان وما بين رجليه أي فرجه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك كثير. إذا تقرر هذا فأعود لما ورد في السؤال فأقول إن ما قاله الرجل في حق الميت "إلى جهنم وبئس المصير" هو من التألي على الله عز وجل، وهو من سوء الأدب مع الله سبحانه وتعالى، لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} سورة النساء الآية 48، ففي هذه الآية الكريمة يبين الله عز وجل أنه يغفر ما دون الشرك بمشيئته وإرادته، وقد ذكر الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية طائفة من الأحاديث التي توضح أن من مات لا يشرك بالله شيئاً فإنه داخل تحت المشيئة منها: عن أبي الأسود الديلي أن

أبا ذر حدثه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما من عبدٍ قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر، قال: فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر، وكان أبو ذر يحدث بهذا ويقول: وإن رغم أنف أبي ذر) والحديث في الصحيحين. ومنها عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب، قيل: يا نبي الله وما الحجاب؟ قال: الإشراك بالله، - قال - ما من نفس تلقى الله لا تشرك به شيئاً إلا حلت لها المغفرة من الله تعالى، إن يشاء أن يعذبها وإن يشاء أن يغفر لها) ثم قرأ نبي الله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده. تفسير ابن كثير 2/ 295 - 297. وقال الله تعالى: {يُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} سورة العنكبوت الآية 21، قال الحافظ ابن كثير: [وقوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل، لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة، كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن (إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم) ولهذا قال تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} أي

ترجعون يوم القيامة] تفسير ابن كثير 5/ 49. وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} المائدةالآية40. وقال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} آل عمران الآية 129. وقال تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} الفتح الآية14. فمن مات لا يشرك بالله شيئاً فهو داخل تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، ولا يجوز لأحد أن يتألى على الله فيحكم بأن فلاناً من أهل النار أو أن فلاناً من أهل الجنة فقد ثبت في الحديث عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك أو كما قال) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [معنى (يتألى) يحلف، والألية اليمين. وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 133. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول

أقصر فوجده يوماً على ذنب فقال له أقصر فقال خلني وربي أبعثت عليَّ رقيباً، فقال والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد أكنت بي عالماً أو كنت على ما في يدي قادراً، وقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر اذهبوا به إلى النار، قال أبو هريرة والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته) رواه أحمد وأبو داود وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 4455. [وقوله (متواخيين) أي متقابلين في القصد والسعي فهذا كان قاصداً وساعياً في الخير وهذا كان قاصداً وساعياً في الشر، (أقصر): من الإقصار وهو الكف عن الشيء مع القدرة عليه] عون المعبود شرح سنن أبي داود 13/ 166 - 167. وروي في الحديث عن عبد الله عن بن مسعود رضي الله عنه قال: (كان رجل يصلي، فلما سجد أتاه رجل فوطئ على رقبته، فقال الذي تحته: والله لا يغفر لك الله أبداً، فقال الله عز وجل: تألى عبدي أن لا أغفر لعبدي، فإني قد غفرت له) رواه الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في شعب الإيمان. قال الحافظ المناوي: [قال المظهر: لا يجوز لأحد أن يجزم بالغفران أو العقاب؛ لأن أحداً لا يعلم مشيئة الله وإرادته في عباده بل يرجو للمطيع ويخاف للعاصي. وإنما يجزم في حق من جاء فيه نصٌ كالعشرة المبشرة] فيض القدير شرح الجامع الصغير 6/ 499.

حكم الدعاء بـ (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه)

وخلاصة الأمر أنه لا يجوز لأحد أن يجزم لشخص بأنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار لأن ذلك من سوء الأدب مع الله عز وجل. ويجب على من قال ذلك أن يتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً. - - - حكم الدعاء بـ (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) يقول السائل: ما صحة الحديث التالي (اللهم إني لا أسألك ردَّ القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاَ أن الدعاء هو العبادة كما ورد في الحديث وحقيقة الدعاء مناداة الله تعالى لما يريد من جلب منفعة أو دفع مضرة من المضار والبلاء بالدعاء، فهو سبب لذلك واستجلاب لرحمة المولى. ويعني هذا أن الدعاء شعور بالحاجة إلى الله تعالى وطلبها منه جل جلاله بتذلل ورغب ورهب لا غنى لأي فرد عنه في أي حال من أحواله، شدة ورخاء، صحة وعافية ومرضاً، ولذا جاءت النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مبينة فضله وحاثة عليه ومن ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} سورة غافر الآية 60. وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا

وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} سورة الأعراف الآيتان 55 - 56. وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} سورة البقرة الآية 186. وقال جل جلاله في وصف عباده المؤمنين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة السجدة الآيتان 16 - 17. وجاء في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 138. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الدعاء هو العبادة ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) رواه الترمذي وابن ماجة وقال العلامة الألباني: حسن كما في صحيح سنن الترمذي 3/ 138. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف

عنه من السوء مثلها ما لم يدع بمأثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: الله أكثر) رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 181. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) رواه ابن حبان وأبو يعلى وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع 1519. وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي والحاكم وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع 6290. وغير ذلك من الأحاديث. والدعاء له أحكام وآداب فصَّلها أهل العلم في مؤلفاتهم مثل كتاب الترغيب في الدعاء والحث عليه، للحافظ عبد الغني المقدسي. إذا تقرر هذا فأعود إلى جواب السؤال فأقول ما ذكره السائل ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا أصل له في كتب السنة النبوية، وإنما هو قول درج على ألسنة بعض الناس، ويعتبر الدعاء به من الأخطاء التي تقع في الدعاء. بل ورد في السنة النبوية ما يدل على خلاف ذلك فقد ثبت في الحديث الصحيح عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وهو حديث حسن كما قال العلامة

الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 22. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة) رواه الحاكم وصححه، وحسنه العلامة الألباني. وقد أجاب العلماء عن الإشكال بأن الدعاء يرد القضاء بأجوبة منها ما قاله الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز: [ومراده صلى الله عليه وسلم أن القدر المعلق بالدعاء يرده الدعاء وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه) فالأقدار تردها الأقدار التي جعلها الله سبحانه مانعة لها، والأقدار المعلقة على وجود أشياء كالبر والصلة والصدقة توجد عند وجودها، وكل ذلك داخل في القدر العام المذكور في قوله سبحانه {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، وقوله صلى الله عليه وسلم (وتؤمن بالقدر خيره وشره) ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)] موقع الشيخ على الإنترنت. وقال العلامة محمد العثيمين: [وفي هذا المقام يُنكَرُ على من يقولون: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) فهذا دعاء بدعي باطل، فإذا قال: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) معناه أنه مستغن، أي افعل ما شئت ولكن خفف، وهذا غلط، فالإنسان يسأل الله عزّ وجل رفع البلاء نهائياً فيقول مثلاً: اللهم عافني، اللهم ارزقني، وما أشبه ذلك. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهَمَّ اغْفِرْ لِي

إِنْ شِئْتَ. فقولك: (لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللّطف فيه) أشد. واعلم أن الدعاء قد يرد القضاء، كما جاء في الحديث (لاً يَرُدُّ القَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ). وكم من إنسانٍ افتقر غاية الافتقار حتى كاد يهلك، فإذا دعا أجاب الله دعاءه، وكم من إنسان مرض حتى أيس من الحياة، فيدعو فيستجيب الله دعاءه. قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فذكر حاله يريدُ أنّ اللهَ يكشفُ عنهُ الضُّرَّ، قال الله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ}] شرح الأربعين النووية ص 66. [واعلم أن القدر الذي هو القضاء المبرم الذي علم الله أنه سيقع لا يغيره شيء لا دعاء ولا غيره، ولكن هنالك ما يسميه العلماء بالقضاء المعلق، وهو ما علق وقوعه على شيء، مثل الزيادة في العمر إذا وصل الإنسان رحمه، كأن يقدر له إن وصل رحمه أربعين سنة، وإن لم يصل رحمه ثلاثين سنة، وهذا بالنسبة إلى غير الله معلق. أما بالنسبة إلى الله تعالى فهو مبرم، أي لا يغيَّر فيه شيء. أما بالنسبة للملك الموكل بقبض الأرواح، أو كتابة الآجال، أو الأرزاق، فيمكن تغييره، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} وعليه يمكن تغيير القدر بأمور وردت بها النصوص كصلة الرحم وبر الوالدين وأعمال البر والدعاء، والدعاء أقوى الأسباب في رد القدر، كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها) وفي لفظ: (بالذنب يصيبه) قال السندي

الكهان الجدد

في شرحه على سنن ابن ماجة: [قال الغزالي: فإن قيل: ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، فإن الدعاء سبب رد البلاء، ووجود الرحمة، كما أن البذر سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن الترس يدفع السهم، كذلك الدعاء يرد البلاء] موقع الشبكة الإسلامية. وخلاصة الأمر أن عبارة (اللهم إني لا أسألك ردَّ القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) ليست حديثاً نبوياً ولا يجوز ذكرها في الدعاء فهي من سوء الأدب مع الله عز وجل. - - - الكهان الجدد يقول السائل: ما قولكم فيما انتشر أخيراً عبر بعض القنوات الفضائية التي تبث برامج مباشرة مع بعض المشعوذين والكهان الذين يزعمون أنهم يحلون مشكلات الناس من خلال الطلاسم والاستعانة بالجن، أفيدونا؟ الجواب: ما يعرض على بعض المحطات الفضائية من التنجيم والشعوذة والسحر والكهانة وغير ذلك من المسلسلات الإباحية ومشاهد الدعارة والعهر الفني كل ذلك يصب في محاربة الإسلام الصحيح وتشويه صورة المسلمين كما أن من أهدافه إشغال الناس عن قضايا الأمة الهامة ومحاربة النسيج الاجتماعي للمجتمع الإسلامي، وغير ذلك من الأهداف الخبيثة.

ومن المعلوم أن التنجيم والشعوذة والسحر والكهانة معروفة منذ عهد بعيد وكان العرب يتعاطونها ووردت فيها النصوص الكثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 102. وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 3/ 172.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [العرَّاف اسم للكاهن والمنجم والرَّمَّال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق) مجموع الفتاوى 35/ 173. ويؤخذ من النصوص السابقة أن مجرد إتيان الكاهن وسؤاله عن شيء يعاقب المسلم عليه بأن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً وأما إذا صدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} سورة الأنعام الآية 59.وقوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} سورة النمل الآية 65. وقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} سورة الجن الآيات 26 - 27. قال الإمام القرطبي: [قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم. وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه] تفسير القرطبي 19/ 28.

وبناءً على ما تقدم قرر أهل العلم حرمة الذهاب إلى هؤلاء الكهان والسحرة والمشعوذين كما ثبت في حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه (قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالاً يأتون الكهان، قال: فلا تأتهم) رواه مسلم. إن ما يقوم به المنجمون والكهان والمشعوذون الجدد عبر بعض المحطات الفضائية إنما هو تخريب لعقيدة التوحيد ودعوة صريحة للشرك وإفساد لعقيدة المسلمين، فقد سمعت أحد هؤلاء الكهان يقول لإحدى المتصلات: لا تقرئي القرآن ولا تأخذي ولدك إلى الكعبة، وفي اتصال آخر يطلب كتابة آيات القرآن معكوسة وهذا تلاعب بكتاب الله عز وجل واستهزاء به، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم} سورة التوبة الآيتان 65 - 66. ويزعم هؤلاء الدجاجلة أن هنالك خداماً لسور القرآن الكريم!! وهذا كذب وافتراء على كتاب الله عز وجل. كما أن في هذه البرامج تعليم السحر للناس على الهواء مباشرة ففي واحد من هذه البرامج يقوم الساحر بتعليم المتصلين والمتصلات طريقة السحر فيعرض حجاباً مكتوباً على صحيفة كبيرة على الشاشة ويقول للمتصل (اكتب اسمك في هذا المربع بين الطلاسم واسم أمك في المربع الآخر ولن يضرك شيء بعده) ويقول هذا الساحر لإحدى المتصلات (رزقك عندي .. حياتك عندي .. علاقتك مع زوجك عندي .. لا مو هذا بس .. كل شيء عنك عندي) ولا شك أن هذا من الدجل بلا خجل، ولا

يغيب عنا قوله تعالى في حق رسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} سورة الأعراف الآية 188. ويضاف إلى ذلك أن للموضوع خطورة كبيرة على الأسرة والمجتمع حيث إن معظم المتصلين على هذه البرامج من النساء ويسألن عن قضايا تتعلق بحياتهن الزوجية وهؤلاء الأفاكين يوجهون النساء إلى الطلاق كأسهل حل لمشكلاتهن مع أزواجهن وصدق الله العظيم إذ يقول: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه}. وحل المشكلات الزوجية لا يكون باللجوء إلى هؤلاء الكهان وإنما البحث عن حقيقة المشكلة وحلها بتعقل وباستشارة أهل العلم والخيرين من الناس. وخلاصة الأمر أنه يحرم تصديق هؤلاء الدجاجلة ويحرم الاتصال بهذه المحطات لسؤالهم وأن هذا يدخل في التعاون على الإثم والعدوان كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. - - -

الشيعة ليست مذهبا فقهيا خامسا

الشيعة ليست مذهباً فقهياً خامساً يقول السائل: هل يمكن اعتبار الشيعة مذهباً فقهياً خامساً يضاف إلى المذاهب السنية الأربعة، أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن المذاهب السنية الأربعة وهي: المذهب الحنفي المنسوب لأبي حنيفة النعمان المتوفى سنة 150 هـ، والمذهب المالكي المنسوب لمالك بن أنس المتوفى سنة 176 هـ، والمذهب الشافعي المنسوب لمحمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 هـ، والمذهب الحنبلي المنسوب لأحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 هـ، تقوم على أصول عقدية واحدة بشكل عام وهي عقيدة أهل السنة والجماعة، والخلاف بينها إنما هو في الفروع الفقهية بناءً على خلاف في قواعد أصولية، والمذاهب الأربعة متفقة على مصادر التشريع الأصلية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس، ووقع خلاف في مصادر التشريع التبعية كالمصلحة المرسلة والاستحسان وعمل أهل المدينة والعرف والعادة وغيرها. إذا تقرر هذا فإن كثيراً من الناس في بلادنا لا يعرفون عن الشيعة إلا شيئاً يسيراً، بل إنهم يظنون أن الشيعة ما هي إلا مذهب فقهي كالمذاهب الأربعة، وأنه لا يوجد خلاف كبير بين الشيعة وبين أهل السنة والجماعة إلا في الفروع الفقهية. ولا شك أن هذا ظن خاطىء سببه عدم الإطلاع على عقائد الشيعة بشكل صحيح من مصادرهم المعتمدة، أو حسن ظن بهم وهو

في غير محله. ومما لاشك فيه أن الخلاف بين أهل السنة والشيعة خلاف في العقائد والأصول وليس خلافاً في الفروع فعند الشيعة الكثير من العقائد الباطلة ويعرف ذلك من يقرأ في مصادرهم المعتمدة. وإن حاول بعض مراجعهم الدينية المعاصرون إخفاء ذلك أو عدم الحديث عنه وهم يفعلون ذلك انطلاقاً من مبدأ التقية -وهي عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر بغير ما يبطنون ويقولون: (من لا تقية له لا دين له) -. والشيعة هم في الحقيقة فرق عديدة ولكنها تلتقي على أصول عقدية مخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وقد ترتب على ذلك مخالفتهم للمذاهب السنية الأربعة في قواعد أصول الفقه التي يبنى عليها الفقه لأنه لا يمكن الفصل بين العقيدة وبين قواعد الأصول التي يقوم عليها الاجتهاد الفقهي، ومن أوضح الأمثلة على ذلك أن الشيعة لا يؤمنون بأن القرآن محفوظ بل يقولون طرأ عليه تغيير وتحريف من الصحابة فقد جاء في كتاب الكافي للكليني 1/ 228: [عن أبي جعفر يقول: ما ادعى أحدٌ من الناس أنه جمع القرآن كله كما أُنزل إلا كذَّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده]. وعنه قال: [ما يستطيع أحدٌ أن يدعي أن عنده جميع القرآن ظاهره وباطنه غير الأوصياء]. وفي الكافي كذلك 1/ 412: [عن جابر، عن أبي جعفر قال: قلت له: لمَ سُمي أمير المؤمنين - أي علي بن أبي طالب -؟ قال: الله سماه هكذا؛ أنزل في

كتابه:"وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمداً رسولي وأن علياً أمير المؤمنين"] وفي الكافي أيضاً 1/ 417: [عن أبي جعفر قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد هكذا:"بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغياً"]. وفي الكافي أيضاً 1/ 417: [عن جابر، قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمدٍ هكذا:"وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا في عليٍّ فأتوا بسورة من مثله"]. وفي الكافي أيضاً 1/ 417: [عن أبي عبد الله قال: نزل جبرائيل على محمد بهذه الآية هكذا:"يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزَّلنا في عليٍّ نوراً مبيناً"]. وفي الكافي أيضاً 1/ 239: [عن أبي عبد الله قال: [وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرفٌ واحد]. وكذلك فإن الشيعة لا يقبلون السنة النبوية كمصدر تشريعي إلا من جهة نقلتهم ورواتهم فالشيعة لا يقبلون من السنة النبوية إلا ما كان من رواية أهل البيت بمفهومهم فهم يستبعدون أمهات المؤمنين من آل البيت فلا يقبلون رواية أكثر الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعتدون بكتب السنة كالبخاري ومسلم والسنن الأربعة وغيرها بل عندهم كتبهم المعتمدة وأهمها كتاب الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني الرازي والذي يعد عند الشيعة

بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة، قال أحد مراجعهم محمد صادق الصدر في كتابه الشيعة ص5 [إن الشيعة مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة: أصول الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه، وقائلة بصحة كل ما فيها من روايات] وقال أيضاً ص133: [ويعتبر (الكافي) عند الشيعة أوثق الكتب الأربعة]. فالشيعة لا يقبلون مصادر أهل السنة العلمية بل يردونها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومع هذا يردون - أي الشيعة - أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة المتواترة عنه عند أهل العلم مثل أحاديث البخاري ومسلم، ويرون أن شعر شعراء الرافضة: مثل الحميري، وكوشيار الديلمي، وعمارة اليمني خيراً من أحاديث البخاري ومسلم، وقد رأينا في كتبهم من الكذب والافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وقرابته أكثر مما رأينا من الكذب في كتب أهل الكتاب من التوراة والإنجيل] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28/ 481 - 482. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [والرافضة كفّرت أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعامة المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفروا جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المتقدمين والمتأخرين. فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين، والأنصار العدالة، أو ترضَّى عنهم كما رضي الله عنهم، أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم، ولهذا يكفرون أعلام الملة: مثل سعيد بن المسيب،

وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومثل مالك والأوزاعي، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وفضيل بن عياض، وأبي سليمان الدارني، ومعروف الكرخي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وغير هؤلاء، ويستحلون دماء من خرج عنهم، ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28/ 477. وكذلك فإن الشيعة يضفون نوعاً من القدسية على كلام أئمتهم ويعتبرونه مصدراً تشريعياً وهم لا يقبلون من الإجماع إلا إجماع أهل البيت حسب مفهومهم بل إنهم قد غالوا في ذلك فزعموا أن أئمتهم يعلمون الغيب ورد في الكافي 4/ 261: [قال جعفر الصادق: إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون] وغير ذلك من الترهات والخزعبلات. وخلاصة الأمر أنه لا يصح اعتبار الشيعة مذهباً فقهياً خامساً بل مذهبهم مخالف لأهل السنة والجماعة في العقائد ومخالف للمذاهب الأربعة في أصولها الفقهية. - - -

مكانة المسجد الأقصى المبارك عند الشيعة

مكانة المسجد الأقصى المبارك عند الشيعة يقول السائل: ما هي مكانة المسجد الأقصى المبارك عند الشيعة، أفيدونا؟ الجواب: أذكر أولاً مكانة المسجد الأقصى المبارك عند أهل السنة والجماعة فمن ذلك قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سورة الإسراء الآية 1. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثةً سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح. وعن إبراهيم التيمي عن أبيه قال سمعت أبا ذر رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام قال قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما قال أربعون سنة ثم أينما

أدركتك الصلاة بعد فصله فإن الفضل فيه) رواه البخاري ومسلم، وقد وردت بعض الأحاديث في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى فمن ذلك: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 7، ورواه البزار وقال إسناده حسن الترغيب والترهيب 2/ 175. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل أمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو، وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً) رواه الحاكم والطبراني والطحاوي وغيرهم. وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد 4/ 7، وصححه العلامة الألباني بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى، السلسلة الصحيحة حديث رقم 2902، تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص 294. إذا تقرر هذا فإن الشيعة لهم رأي آخر في مكانة المسجد الأقصى المبارك كما يؤخذ من مراجعهم فمن ذلك ما يلي: زعم الشيعة أن المسجد الأقصى المذكور

في أول سورة الإسراء إنما هو البيت المعمور الذي في السماء وليس المسجد الأقصى المعروف في بيت المقدس فقد ورد في تفسير الصافي للكاشاني 1/ 669–670 في تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى} يعني إلى ملكوت المسجد الأقصى. قال: [ذاك في السماء، إليه أسري رسول الله صلى الله عليه وآله]. وجاء في تفسير القمي عن الباقر عليه السلام: [أنه كان جالساً في المسجد الحرام فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى} وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلى إسماعيل الجعفي فقال: أي شئ يقول أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قال: يقولون أسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، فقال ليس كما يقولون ولكنه أسري به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء وقال ما بينهما حرم. وقال العياشي عن أبي عبد الله قال: سألت عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ قال: ذاك في السماء، إليه أسرى برسول الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال: مسجد الكوفة أفضل منه] تفسير الصافي 3/ 166. وجاء في كتاب منتهى الآمال لعباس القمي ص70: [ ... والمشهور على أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس ولكن يظهر من الأحاديث الكثيرة أن المراد منه هو البيت المعمور الذي يقع في السماء الرابعة وهو أبعد المساجد].

وروي الكليني في كتابه الكافي والطوسي في كتاب التهذيب، وابن قولوبه في كتاب كامل الزيارات، بالإسناد عن أبي عبد الله الصادق قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين – أي علي رضي الله عنه - وهو في مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فردَّ عليه، فقال: جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى، فأردت أن أسلم عليك، وأودعك، قال عليه السلام: وأي شيء أردت بذلك؟، فقال الفضل، جعلت فداك، قال عليه السلام: فبع راحلتك، وكل زادك، وصل في هذا المسجد - أي مسجد الكوفة -، فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة، والنافلة عمرة مبرورة، والبركة منه على اثني عشر ميلاً، يمينه يمن، ويساره مكرمة، وفي وسطه عين من دهن، وعين من لبن، وعين من ماء، شراب للمؤمنين، وعين من ماء، طاهر للمؤمنين. منه سارت سفينة نوح، وصلى فيه سبعون نبياً، وسبعون وصياً، أنا أحدهم، وقال بيده في صدره، ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلا أجابه الله تعالى، وفرج عنه كربته. الكافي للكليني 3/ 491 – 492، وسائل الشيعة 3/ 529. وقد حرَّف الشيعة حديث شد الرحال المشهور في الصحيحين: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى) وجاءوا برواية مكذوبة على علي رضي الله عنه ونصها (عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول عليه السلام، ومسجد الكوفة) وسائل الشيعة 5/ 257. ومن المعلوم أن الشيعة

يقدسون أماكن لم تثبت لها أي قداسة لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ومن ذلك تقديسهم لكربلاء وخاصة قبر الحسين فعن أبي عبد الله قال: (إذا أردت الحج ولم يتهيأ لك، فائت قبر الحسين فإنها تكتب لك حجة، وإذا أردت العمرة ولم يتهيأ لك فائت قبر الحسين فإنها تكتب لك عمرة) وسائل الشيعة 10/ 332. بل تدرج بهم الغلو إلى الاعتقاد بأفضلية زيارة قبر الحسين في كربلاء على الحج فعن أبي عبد الله قال: (من زار قبر "الحسين" يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم عليه السلام وألف ألف: عمرة مع رسول الله، وعتق ألف نسمة وحملان ألف فرس في سبيل الله، وسماه الله عز وجل عبدي الصديق آمن بموعدي وقالت الملائكة: فلان صديق زكاه الله من فوق عرشه، وسمي في الأرض كروبياً) وسائل الشيعة 10/ 360. ومما يقدسه الشيعة مسجد الكوفة، فقد روى الكليني عن الإمام الصادق عليه السلام عن هارون بن خارجة قال له: كم بينك وبين مسجد الكوفة، يكون ميلاًَ؟، قلت: لا، قال: أفتصلي فيه الصلاة كلها؟ قلت: لا، قال: أما لو كنت حاضراً بحضرته لرجوت أن لا تفوتني فيه صلاة أو تدري ما فضل ذلك الموقع، ما من نبي ولا عبد صالح إلا وقد صلى في مسجد الكوفة حتى إن الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لما أسري به إلى السماء قال جبرائيل أتدري أين أنت يا محمد؟ أنت الساعة مقابل مسجد كوفان قال فاستأذن ربي حتى آتيه فأصلي فيه ركعتين فنزل فصلى فيه وإن ميمنته روضة من رياض الجنة وإن وسطه روضة من رياض الجنة وإن مؤخره عروسة من رياض الجنة والصلاة فيه فريضة تعدل بألف صلاة والنافلة فيه

بخمسمائة صلاة وإن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة، ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبواً). وورد عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام: أي البقاع أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله؟ قال عليه السلام: الكوفة! يا أبا بكر! هي الزكية الطاهرة، فيها قبور النبيين والمرسلين، وغير المرسلين، والأوصياء الصادقين، وفيها مسجد سهيل! الذي لم يبعث نبياً إلا وقد صلى فيه، وفيها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه، والقوام من بعده، وهي منازل النبيين، والأوصياء الصالحين. وسائل الشيعة 3/ 547. وغير ذلك من الترهات والأكاذيب. وقد زعم الشيعة أن كل ما جاء في السنة النبوية من فضائل المسجد الأقصى إنما هو من صنع الأمويين. وخلاصة الأمر أن الشيعة لا ينظرون إلى المسجد الأقصى المبارك كما ينظر أهل السنة، فالمسجد الأقصى عند الشيعة إنما هو في السماء، ومن يقر منهم بأنه المعروف في بيت المقدس فمسجد الكوفة أفضل منه، ولا شك أن هذا محض افتراء على دين الله فلم تثبت أي فضيلة لمسجد الكوفة لا في الكتاب ولا في السنة. - - -

تبرج الجاهلية الأولى

تبرج الجاهلية الأولى يقول السائل: ما المقصود بالجاهلية الأولى في قوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}، أفيدونا؟ الجواب: قوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ورد ضمن خطاب الله عز وجل لنساء النبي صلى الله عليه وسلم {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَءَاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} سورة الأحزاب الآيات 32 - 34. والتبرج عند العلماء هو أن تظهر المرأة زينتها ومحاسنها مما يجب عليها ستره وذلك قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} أي غير مظهرات ولا متعرضات بالزينة لينظر إليهن فإن ذلك من أقبح الأشياء وأبعده عن الحق والتبرج التكشف والظهور للعيون] تفسير القرطبي 12/ 309.

والتبرج من كبائر الذنوب باتفاق العلماء وقد عدَّ الشيخ ابن حجر المكي خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر والأدلة الشرعية تدل عليه، انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 96 - 97. وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المتبرجة بأنها لا تدخل الجنة ولا تشم رائحتها وهذا يدل على أن التبرج من الكبائر كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم، قال الإمام النووي: [ ... هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع هذان الصنفان، وهما موجودان. وفيه ذم هذين الصنفين قيل: معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها، وقيل: معناه تستر بعض بدنها، وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه، وقيل: معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها. وأما (مائلات) فقيل: معناه عن طاعة الله، وما يلزمهن حفظه. (مميلات) أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، وقيل: مائلات يمشين متبخترات، مميلات لأكتافهن. وقيل: مائلات يمشطن المشطة المائلة، وهي مشطة البغايا. مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة. ومعنى (رؤوسهن كأسنمة البخت) أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 291.

وورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات) رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم، وصححه ابن حبان والحاكم وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 462. وأما الجاهلية فقد ورد هذا اللفظ في الكتاب والسنة في عدة مواضع ومما يراد به الفترة التي سبقت الإسلام وما كان الناس عليه من أخلاق سيئة حينذاك كما في قوله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} سورة آل عمران الآية 154. وكما في قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} سورة المائدة الآية 50، وورد في السنة النبوية إشارات إلى أخلاق الجاهلية كما جاء في الحديث عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها جاءت إلى رسول صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال: أبايعك على ألا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفتريه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى). رواه الإمام أحمد وصحح إسناده الشيخ أحمد محمد شاكر. وقال بعض المفسرين إن الجاهلية الأولى يقابلها جاهلية ثانية والأولى كانت قبل الإسلام والثانية تكون بعده وهذا وجه حسن في تفسير الآية فلا شك أن من أهل الإسلام من يتخلق بأخلاق الجاهلية كما ورد في الحديث عن المعرور

بن سويد قال: (مررنا بأبى ذر بالربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة. فقال: إنه كان بينى وبين رجل من إخوانى كلام وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه فشكانى إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية. قلت: يا رسول الله من سب الرجال سبوا أباه وأمه. قال: يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية؛ هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) رواه مسلم. وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) رواه مسلم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الأحاديث وروى الطحاوي في مشكل الآثار عن ابن عباس قال: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى قال: كنا نقول: تكون جاهلية أخرى).

وذكر ابن العربي عند تفسير قوله تعالى: {الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} روي أن عمر رضي الله عنه سأل ابن عباس رضي الله عنه، فقال: أفرأيت قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}؟ لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، هل كانت جاهلية غير واحدة، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين؛ هل سمعت بأولى إلا لها آخرة، قال: فأتنا بما يصدق ذلك في كتب الله تعالى. فقال ابن عباس: إن الله تعالى يقول: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} جاهدوا كما جاهدتم أول مرة. فقال عمر: فمن أمر بأن نجاهد؟ قال: مخزوم وعبد شمس] أحكام القرآن لابن العربي 3/ 1537. وقال الشوكاني: [ويمكن أن يراد بالجاهلية الأخرى ما يقع في الإسلام من التشبه بأهل الجاهلية بقول أو فعل فيكون المعنى: ولا تبرجن أيها المسلمات بعد إسلامكن تبرجاً مثل تبرج الجاهلية التي كنتن عليها وكان عليها من قبلكن: أي لا تحدثن بأفعالكن وأقوالكن جاهلية تشابه الجاهلية التي كانت من قبل] تفسير فتح القدير4/ 278. وذكر الألوسي في تفسيره قول الزمخشري: [يجوز أن تكون الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام فكأن المعنى ولا تحدثن بالتبرج جاهلية في الإسلام تتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر] تفسير الألوسي 11/ 189. وذكر أهل التفسير أن تبرج النساء في الجاهلية الأولى كان بمشيهن بتكسر وتغنج وتبختر أو تلقي المرأة خمارها على رأسها ولا تشده فلا يواري قلائدها

وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها، وتبرج الجاهلية الأولى لا يقاس مع العري الفاضح المنتشر في زماننا هذا، فيبدو أن ما كان يعد تبرجاً في الجاهلية الأولى يعتبر اليوم تستراً وحشمة في زماننا هذا!!! وخلاصة الأمر أن النهي عن التبرج تبرج الجاهلية الأولى يكون بمنع المرأة من إظهار محاسنها وزينتها ويجب عليها ستر ما أمر الله تعالى بستره. - - -

الحديث الشريف وعلومه

الحديث الشريف وعلومه

حديث الصلاة خلف كل بر وفاجر

حديث الصلاة خلف كل بر وفاجر يقول السائل: ما صحة الحديث الوارد في الصلاة خلف كل بر وفاجر، أفيدونا؟ الجواب: روي في الحديث عن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر). رواه أبو داود، ورواه الدارقطني بمعناه، ورواه البيهقي وغيره بلفظ (صلوا خلف كل برٍ وفاجر وصلوا على كل برٍ وفاجر وجاهدوا مع كل برٍ وفاجر). وخلاصة كلام المحدثين أن هذا الحديث حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، قال الدارقطني: ليس في هذه الأحاديث شيء يثبت، وقد فصَّل الإمام الزيلعي الكلام على هذا الحديث في نصب الراية 2/ 26 - 29. وقال العلامة الألباني [وأما حديث "صلوا خلف كل بر وفاجر وصلوا على كل بر وفاجر ... " فهو ضعيف الإسناد كما أشرت إليه في "الشرح" وبينته في "ضعيف أبي داود" (97) و"الإرواء" (520) ولا دليل على عدم صحة الصلاة وراء الفاسق وحديث "اجعلوا أئمتكم خياركم" إسناده ضعيف جداً كما حققته في "الضعيفة" (1822) ولو صح فلا دليل فيه إلا على وجوب جعل الأئمة من الأخيار وهذا شيء، وبطلان الصلاة وراء الفاسق شيء آخر لا سيما إذا كان مفروضاً من الحاكم. نعم لو صح حديث "ولا يؤم فاجر مؤمناً" لكان

ظاهر الدلالة على بطلان إمامته ولكنه لا يصح أيضاً من قبل إسناده كما بينته في أول "الجمعة" من "الإرواء" رقم 591]. من تعليق الألباني على العقيدة الطحاوية، شبكة الإنترنت. ومع أن هذا الحديث ضعيف وكذا ما جاء في معناه إلا أن الراجح من أقوال أهل العلم أن الصلاة تصح خلف الفاسق وتصح صلاة الجنازة عليه، وعلى هذا جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية في المعتمد عندهم وهو رواية في مذهب الحنابلة وهو قول أهل الظاهر، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي -صاحب العقيدة الطحاوية وهي العقيدة المرضية عند أهل السنة والجماعة-: [ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم]. وقال شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي: [قال صلى الله عليه وسلم (صلوا خلف كل بر وفاجر) رواه مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه الدارقطني وقال: مكحول لم يلق أبا هريرة وفي إسناده معاوية بن صالح متكلم فيه وقد احتج به مسلم في صحيحه وخرج له الدارقطني أيضاً وأبو داود عن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: (الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل بالكبائر والجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر)، وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي، وكذا أنس بن مالك وكان الحجاج فاسقاً ظالماً، وفي صحيحه أيضاً أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: (يصلون لكم

فإن أصابوا فلكم ولهم وأن أخطأوا فلكم وعليهم) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: قال: (صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من مات من أهل لا إله إلا الله) أخرجه الدارقطني من طرق وضعفها. اعلم رحمك الله وإيانا أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقاً باتفاق الأئمة وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول ماذا تعتقد بل يصلي خلف المستور الحال ولو صلى خلف مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف. ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند أكثر العلماء. والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون، كما كان عبد الله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن يوسف، وكذلك أنس رضي الله عنه كما تقدم، وكذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعاً، ثم قال: أزيدكم، فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة، وفي الصحيح أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما حصر صلى بالناس شخص فسأل سائل عثمان: إنك إمام عامة، وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة، فقال: يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسنوا

فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم. والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة، خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب. ومن ذلك أن من أظهر بدعةً وفجوراً لا يترتب إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية، ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة، وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم. وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية فهنا لا يترك الصلاة خلفه بل الصلاة خلفه أفضل، فإذا أمكن الإنسان أن لا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة، وجب عليه ذلك لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة، أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضرراً من ضرر ما أظهر من المنكر فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسن الإمكان فتفويت الجمع والجماعات أعظم فساداً من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجوراً. فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة. وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر

وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع اجتهاد العلماء منهم من قال يعيد ومنهم من قال لا يعيد وموضع بسط ذلك في كتب الفروع] شرح العقيدة الطحاوية ص 423. وقال أبو بكر الإسماعيلي: [ويرون –أي أهل السنة والجماعة- الصلاةَ الجمعة وغيرها خلف كل إمام مسلم، براً كان، أو فاجراً، فإن الله عزَّ وجلَّ فرضَ الجمعة، وأمر بإتيانها فرضاً مطلقاً مع علمه تعالى بأن القائمين يكون منهم الفاجر والفاسق، ولم يستثن وقتاً دون وقت، ولا أمراً بالنِّداء للجمعة دون أمر] اعتقاد أهل الحديث ص75 - 76، شبكة الإنترنت. وقال الإمام الشوكاني: [والحق جواز الائتمام بالفاسق لأن الأحاديث الدالة على المنع كحديث (لا يؤمنكم ذو جراءة في دينه) وحديث (لا يؤمنَّ فاجرٌ مؤمناً) ونحوهما ضعيفة لا تقوم بها حجة وكذلك الأحاديث الدالة على جواز الائتمام بالفاسق كحديث (صلوا مع من قال لا إله إلا اللَّه) وحديث (صلوا خلف كل بر وفاجر) ونحوهما ضعيفة أيضًا ولكنها متأيدة بما هو الأصل الأصيل وهو أن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره فلا ننتقل عن هذا الأصل إلى غيره إلا لدليل ناهض، وقد جمعنا في هذا البحث رسالة مستقلة وليس المقام مقام بسط الكلام في ذلك] نيل الأوطار 2/ 28. وقال الإمام الشوكاني أيضاً: [ولكنه قد ثبت إجماع أهل العصر الأول من الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعاً فعلياً ولا يبعد أن يكون قولياً على الصلاة خلف الجائرين لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير وكانت

الدولة إذ ذاك لبني أمية وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى ... والحاصل أن الأصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره وقد اعتضد هذا الأصل بما ذكر المصنف وذكرنا من الأدلة وبإجماع الصدر الأول عليه وتمسك الجمهور من بعدهم به فالقائل بأن العدالة شرط كما روي عن العترة ومالك بن جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب محتاج إلى دليل ينقل عن ذلك الأصل] نيل الأوطار 3/ 185 - 186. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: [والصواب عندنا أن الصلاة تصح خلف الفاسق، لكن الصلاة خلف غيره أولى وأكمل] فتاوى العثيمين. وخلاصة الأمر أن الحديث المذكور في السؤال حديث غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومع ضعفه فإن الصلاة خلف الفاسق صحيحة وهو مذهب أهل السنة والجماعة. - - -

حديث (خمس ليس لهن كفارة)

حديث (خمس ليس لهن كفارة) يقول السائل: سمعت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن والفرار يوم الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير حق). فهل هذا الحديث ثابت؟ وإذا كانت هذه الذنوب ليس لها كفارة فكيف يتوب المسلم منها؟ الجواب: الحديث المذكور رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن والفرار يوم الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير حق) ورواه أيضاً أبو الشيخ والديلمي، والحديث حسن لغيره وإسناده جيد، كما قال الشيخ العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 3/ 82، وفي إرواء الغليل 5/ 26 - 27. وينبغي أن يعلم أن جماهير العلماء قد قسموا المعاصي إلى صغائر وكبائر، وقد اختلفوا في حقيقة الكبيرة، فمنهم من يرى أن الكبيرة هي ما لحق صاحبها بخصوصها وعيد شديد بنص من القرآن الكريم أو السنة النبوية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب] تفسير القرطبي 5/ 159. ومن العلماء من يرى أن الكبيرة هي كل معصية أوجبت الحد، ومنهم من يرى أن الكبيرة هي كل محرم لعينه منهيٌ عنه لمعنى في نفسه، فإن فُعِلَ

على وجه يجمع وجهين أو وجوهاً من التحريم كان فاحشة، فالزنا كبيرة، وأن يزني الرجل بزوجة جاره فاحشة. وقال الواحدي المفسر: [الصحيح أن الكبيرة ليس لها حد يعرفها العباد به، وإلا لاقتحم الناس الصغائر واستباحوها، ولكن الله عز وجل أخفى ذلك عن العباد ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه رجاءً أن تجتنب الكبائر، ونظائره إخفاء الصلاة الوسطى وليلة القدر وساعة الإجابة ونحو ذلك] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 14 - 16. وكل ما ذكره أهل العلم في تعريف الكبيرة إنما هو على وجه التقريب، وليس على وجه التحديد. [وكبائر الذنوب كثيرة، وليست محصورة في عدد معين عند أهل العلم، وإن ذكر في بعض الأحاديث عددها كثلاث أو سبع أو تسع، فليس المراد الحصر، قال سعيد بن جبير: قال رجل لابن عباس الكبائر سبع؟ قال: هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار] تفسير القرطبي 5/ 159. إذا تقرر هذا فإن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لهن كفارة) أي لا يمحو الإثم الحاصل بسببهن شيء من الطاعات والحسنات، وهذا بناءً على قول جمهور أهل العلم أن كبائر الذنوب لا تكفرها الطاعات ولا بد لها من توبة خاصة من كل ذنب منها أو إقامة الحد إن كان فيها حد أو أن يتغمد الله المذنب برحمته وغفرانه، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان

إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر). رواه مسلم، وفي رواية أخرى (ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم. فالأعمال الصالحة تكفر صغائر الذنوب وأما الكبائر فلا تُكَفَر بمجرد فعل الأعمال الصالحة بل لا بد من التوبة بشروطها حتى تُكَفَر. قال القاضي عياض: [هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 446. وانظر نيل الأوطار 3/ 57. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) فإذا كانت الصلاة مقرونة بالوضوء لا تكفر الكبائر فانفراد الوضوء بالتقصير عن ذلك أحرى) عارضة الأحوذي 1/ 13. وقال الحافظ ابن عبد البر: [ولو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البر مكفرةً للكبائر والمتطهر المصلي غير ذاكر لذنبه الموبق ولا قاصد إليه ولا حضره في حينه ذلك أنه نادم عليه ولا خطرت خطيئته المحيطة به بباله لما كان لأمر الله عز وجل بالتوبة معنى ولكان كل من توضأ وصلى يشهد له بالجنة بأثر سلامه من الصلاة وإن ارتكب قبلها ما شاء من الموبقات الكبائر وهذا لا يقوله أحد ممن له فهم صحيح وقد أجمع المسلمون أن التوبة على المذنب فرض والفروض لا يصح شيء منها إلا بقصد ونية واعتقاد أن لا عودة فأما أن يصلي وهو غير ذاكر لما ارتكب من الكبائر وغير نادم على ذلك فمحال فقد

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الندم توبة) رواه ابن ماجة، وهو حديث صحيح قاله الشيخ العلامة الألباني. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة إلى ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر). وفي رواية أخرى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن من الخطايا ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما لمن اجتنب الكبائر) رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح. ومما سبق يتضح لك أن الصغائر تكفر بالصلوات الخمس لمن اجتنب الكبائر فيكون على هذا معنى قول الله عز وجل: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} الصغائر بالصلاة والصوم والحج وأداء الفرائض وأعمال البر وإن لم تجتنبوا الكبائر ولم تتوبوا منها لم تنتفعوا بتكفير الصغائر إذا واقعتم الموبقات المهلكات والله أعلم. وهذا كله قبل الموت فإن مات صاحب الكبيرة فمصيره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه فإن عذبه فبجرمه وإن عفا عنه فهو أهل العفو وأهل المغفرة. وإن تاب قبل الموت وقبل حضوره ومعاينته واعتقد أن لا يعود واستغفر ووجل كان كمن لم يذنب وبهذا كله الآثار الصحاح عن السلف قد جاءت وعليه جماعة علماء المسلمين] فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ الإمام مالك 1/ 55 - 57 بتصرف.

وهذا الذي بينه الحافظ ابن عبد البر هو القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى ذلك يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وهو من أحاديث الأربعين النووية. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [وقد حكى ابن عطية في تفسيره في معنى هذا الحديث قولين ... الثاني: أنه تكفر الصغائر مطلقاً ولا يكفر الكبائر إن وجدت لكن بشترط التوبة من الصغائر وعدم الإصرار عليها ... ]. ثم قال الحافظ ابن رجب: [والصحيح قول الجمهور أن الكبائر لا تكفر بدون التوبة لأن التوبة فرض على العباد وقد قال عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} سورة الحجرات الآية 11] جامع العلوم والحكم ص 214 - 216. ولا يصح التمسك بظاهر قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} سورة هود الآية 114. على أن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة وصغيرة. وعند جمهور أهل العلم لا بد من تقييد ذلك بما صح في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر) وغيره من الأحاديث المقيدة لمطلق الآية. انظر فتح الباري 9/ 427. وخلاصة الأمر أن الحديث المذكور حديث حسن وأن الذنوب الخمس المذكورة فيه تعتبر من كبائر الذنوب، وأن الكبائر لا تكفرها الأعمال الصالحة، ولا بد للمسلم من التوبة بشروطها.

حديث (أفضل العبادة انتظار الفرج)

حديث (أفضل العبادة انتظار الفرج) يقول السائل: ما صحة الحديث الوارد في أن (أفضل العبادة انتظار الفرج) أفيدونا؟ الجواب: روى الإمام الترمذي في سننه بإسناده [عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ? (سلوا الله من فضله فإن الله عز وجل يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج? قال أبو عيسى - أي الترمذي - هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث وقد خولف في روايته وحماد بن واقد هذا هو الصفار ليس بالحافظ وهو عندنا شيخ بصري] سنن الترمذي. وقال العلامة الألباني عن هذا الحديث: [ضعيف جداً، رواه الترمذي (4/ 279) وابن أبي الدنيا في "القناعة والتعفف" (ج1 ورقة106/ 1 من مجموع الظاهرية 90). وعبد الغني المقدسي في "الترغيب في الدعاء" (89/ 2) من طريق حماد بن واقد قال: سمعت إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص عن ابن مسعود مرفوعاً، وقال الترمذي: هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث، وحماد ليس بالحافظ، وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح. قلت - الألباني -: وحكيم بن جبير أشد ضعفاً من ابن واقد فقد اتهمه الجوزجاني بالكذب وإذا كان الأصح

أن الحديث حديثه فهو حديث ضعيف جداً. والشطر الأخير من الحديث رواه البزار والبيهقي في "الشعب" والقضاعي من حديث أنس، وقال الهيثمي في "المجمع" (18/ 147) بعد أن عزاه للأول: وفيه من لم أعرفه] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ 499 - 500. وورد الحديث برواية أخرى وهي (انتظار الفرج بالصبر عبادة) ولكنه حديث موضوع، كما قال العلامة الألباني في سلسلة الضعيفة والموضوعة 4/ 73. وورد بلفظ آخر (انتظار الفرج من الله عبادة، ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل) وهذا اللفظ ضعيف جداً كما قال العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة 4/ 75. إذا تقرر أن الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أن صبر المسلم على البلاء وانتظاره كشفه من الأمور المطلوبة شرعاً لأن [ارتقاب ذهاب البلاء والحزن بترك الشكاية إلى غيره تعالى وكونه أفضل العبادة لأن الصبر في البلاء انقياد للقضاء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء] كما قال العلامة العيني. ويقول الشيخ عائض القرني حفظه الله ورعاه: [أفضل العبادة انتظار الفرج لأن فيه ثقة بالباري، وحسن ظن بالخالق، وقوة رجاء بالحق، فانتظار الفرج انتصار على اليأس، {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}، وقهر للقنوط، {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}، وفيه تصديق للخبر {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، وتسليم للوعد، إن الفرج بعد الكرب، واطمئنان لسنة

الله: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وتطلع إلى لطفه ورحمته {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} وركون إلى كفايته {فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ}، واعتماد على رعايته وولايته {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}. انتظار الفرج: ترقب نظرة الرحمة من الرحمن، ونفحة اللطف من الديان، وغوث الملهوف من المنان. انتظار الفرج: الصبر حتى يكشف الرب الكرب، ليس لها من دون الله كاشفة. وحبس المضطر أنفاسه حتى يجيبه ربه {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}. انتظار الفرج: طلب المدد من الأحد، والصبر والجلد حتى يغيث الصمد. أهـ. حسبنا الله ونعم الوكيل، {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} ... ] كتاب حدائق ذات بهجة. ويؤيد ما تقدم ما ورد في الحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) رواه الإمام أحمد وغيره وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 5/ 496. قال الشيخ ابن رجب الحنبلي: [ ... وقوله صلى الله عليه وسلم (وإن الفرج مع الكرب) وهذا يشهد له قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره) خرجه الإمام أحمد، وخرجه ابنه عبد الله في حديث طويل،

وفيه: (علم الله يوم الغيث أنه ليشرف عليكم أذلين قنطين، فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قرب)، والمعنى: أنه سبحانه يعجب من قنوط عباده عند احتباس القطر عنهم وقنوطهم ويأسهم من الرحمة، وقد اقترب وقت فرجه ورحمته لعباده، بإنزال الغيث عليهم، وتغيره لحالهم وهم لا يشعرون. وقال تعالى: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ}، وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ}، وقال تعالى: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}، وقال حاكيا عن يعقوب أنه قال لبنيه: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}، ثم قص قصة اجتماعهم عقيب ذلك. وكم قص سبحانه من قصص تفريج كربات أنبيائه عند تناهي الكرب كإنجاء نوح ومن معه في الفلك، وإنجاء إبراهيم من النار، وفدائه لولده الذي أمر بذبحه، وإنجاء موسى وقومه من اليم، وإغراق عدوهم، وقصة أيوب ويونس، وقصص محمد صلى الله عليه وسلم مع أعدائه، وإنجائه منهم، كقصته في الغار، ويوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، ويوم حنين، وغير ذلك]. جامع العلوم والحكم ص 249 - 250. وخلاصة الأمر حديث (أفضل العبادة انتظار الفرج) غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فإن انتظار الفرج من العبادة إذا كان وفق ما قرره أهل العلم. - - -

حديث قدسي لا أصل له

حديث قدسي لا أصل له يقول السائل: وزعت نشرة مكتوب فيها حديث قدسي ونصه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: يا ابن آدم! خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب؛ وفي أكثر منه فلا تطمع فإذا رضيت بما قسمت لك أرحت نفسك وكنت عندي محموداً، وإن لم ترض بما قسمت لك: فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها كما يركض الوحش في البرية، ولا تنال منها إلا ما قسمت لك، وكنت عندي مذموماً). فهل هذا الحديث ثابت، أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن نتعرف على الحديث القدسي أولاً فهو ما ينسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه تبارك وتعالى. والحديث القدسي نسبة إلى القُدُس، وهي نسبة تدل على التعظيم والتنزيه والتطهير، والحديث القدسي معناه من عند الله تبارك وتعالى ولفظه من عند النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن الحديث القدسي منه الصحيح والضعيف والموضوع، أي المكذوب، كما هو الحال بالنسبة للأحاديث النبوية. إذا تقرر هذا فأعود إلى الحديث المذكور فأقول: هذا الحديث من الأحاديث المشهورة على ألسنة الخطباء والوعاظ وغيرهم، وقد ورد بعدة روايات منها: (قال الله تعالى: يا ابن آدم! لا تخافن من ذي سلطان ما دام سلطاني باقياً، وسلطاني لا ينفد أبداً. يا ابن آدم! لا تخش من ضيق الرزق وخزائني

ملآنة، وخزائني لا تنفد أبداً. يا ابن آدم! لا تطلب غيري وأنا لك؛ فإن طلبتني وجدتني، وإن فتني فتك وفاتك الخير كله. يا ابن آدم! خلقتك للعبادة فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب؛ فإن رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وبدنك وكنت عندي محموداً. وإن لم ترض بما قسمته لك: فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية، ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك، وكنت عندي مذموماً. يا ابن آدم! خلقت السماوات السبع والأراضي السبع ولم أعي بخلقهن؛ أيعييني رغيف عيش أسوقه لك بلا تعب؟ يا ابن آدم! إنه لم أنس من عصاني؛ فكيف من أطاعني، وأنا رب رحيم، وعلى كل شيء قدير؟ يا ابن آدم! لا تسألني رزق غد كما لم أطالبك بعمل غد. يا ابن آدم! أنا لك محب؛ فبحقي عليك كن لي محباً) وغيرها من الروايات. وهذا الحديث رغم شهرته ليس له أصل في كتب السنة النبوية فلم يذكره أحد من الذين صنفوا الفهارس الحديثية فيما أعلم، وكذلك فإن الحديث لا يوجد في الكتب التي اعتنت بالأحاديث القدسية. وبعد طول بحث وجدت أن شيخ الإسلام ابن تيمية ذكره بقوله: [وفي حديث إسرائيلي (يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب فاطلبني تجدني؛ فإن وجدتني وجدت كل شيء؛ وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء)] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 8/ 52.

وكذا ذكره العلامة ابن القيم حيث قال: [وفي الأثر الإلهى: ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب ابن آدم أطلبني تجدني فان وجدتني وجدت كل شيء وإن فاتك، فاتك كل شيء وأنا أحب اليك من كل شيء ... ] الجواب الكافي 1/ 140. وذكره الشيخ ابن كثير في آخر تفسيره لسورة الذاريات فقال: [وقد ورد في بعض الكتب الإلهية: يقول الله تعالى: ابن آدم، خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب فاطلبني تجدني؛ فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء] تفسير ابن كثير 5/ 696. وذكره الشيخ محمد بن صالح العثيمين في إحدى النشرات التي أصدرها وهي: النشرة الخامسة في الحديث القدسي الطويل: يا ابن آدم لا تخافن من ذي سلطان مادام سلطاني باقياً وسلطاني لا ينفد أبدا إلى قوله: يا ابن آدم أنا لك محب فبحقي عليك كن لي محباً. حيث قال عنه الشيخ العثيمين: هذا الحديث غير صحيح. فتاوى الشيخ الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة 3/ 63. والذي يظهر لي أن هذا الحديث من الإسرائيليات، فقد ذكره صاحب كتاب المستطرف من كل فن مستظرف وهو من كتب الأدب حيث قال [وروي أن هذه الكلمات وجدها كعب الأحبار مكتوبة في التوراة فكتبها وهي: يا ابن آدم لا تخافن من ذي سلطان ما دام سلطاني باقيا وسلطاني لا ينفد أبدا يا

ابن آدم لا تخش من ضيق الرزق ما دامت خزائني ملآنة وخزائني لا تنفد أبدا يا ابن آدم لا تأنس بغيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني وإن أنست بغيرك فتك وفاتك الخير كله يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وقسمت رزقك فلا تتعب وفي أكثر منه فلا تطمع ومن أقل منه فلا تجزع فإن أنت رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وبدنك وكنت عندي محمودا وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البر ولا ينالك منها إلا ما قد قسمته لك وكنت عندي مذموما يا ابن آدم خلقت السموات السبع والأرضين السبع ولم أعي بخلقهن أيعينني رغيف أسوقه لك من غير تعب يا ابن آدم أنا لك محب فبحقي عليك كن لي محبا يا ابن آدم لا تطالبني برزق غد كما لا أطالبك بعمل غد فإني لم أنس من عصاني فكيف من أطاعني وأنا على كل شيء قدير وبكل شيء محيط] المستطرف 1/ 153. وخلاصة الأمر أن هذا الحديث ليس له أصل في كتب السنة النبوية ويترتب على ذلك أنه تحرم نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم كحديث قدسي، بل هو من الإسرائيليات ومن المعلوم أن ما ورد من الإسرائيليات لا يجزم بصحته لما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية) رواه البخاري.

حديث مكذوب

ويجوز التحديث به للتذكير والاتعاظ والاعتبار، مع التأكيد على أنه ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. - - - حديث مكذوب يقول السائل: قرأت الحديث التالي في كتاب تنبيه الغافلين للسمرقندي فهل هو حديث صحيح أفيدونا، ونص الحديث هو (روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ساعةٍ ما كان يأتيه فيها متغيّر اللون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فقال يا جبريل ما لي أراك متغير اللون؟ فقال: ما جئتك حتى أمر الله عز وجل بمفاتيح النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل صف لي النار، وانعت لي جهنم، فقال جبريل: إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء شررها ولا يطفأ لهبها، والذي بعثك بالحق لو أن ثوباً من ثياب النار علق بين السماء والأرض لمات من في الأرض جميعاً من حره، والذي بعثك بالحق لو أن خازناً من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه، والذي بعثك

بالحق لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لارفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي يا جبريل لا يتصدع قلبي فأموت قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل وهو يبكي، فقال: تبكي يا جبريل؟ وأنت من الله بالمكان الذي أنت به! قال: ومالي لا أبكي أنا أحق بالبكاء لعلي أن أكون في علم الله على غير الحال التي أنا عليها، وما أدري لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به إبليس، فقد كان من الملائكة، وما يدريني لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وماروت، قال: فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان حتى نوديا: أن يا جبريل ويا محمد: إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصيا، فارتفع جبريل عليه السلام، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون، فقال: أتضحكون ووراءكم جهنم؟! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل، فنودي: يا محمد: لا تقنط عبادي، إنما بعثتك ميسراً، ولم أبعثك معسراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سددوا، وقاربوا). الجواب: لا بد أن أبين أولاً حال كتاب [تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين] تأليف الفقيه الزاهد الشيخ نصر الدين محمد بن إبراهيم

السمرقندي المتوفى سنة 375هـ، وقد تكلم أهلُ العلم على هذا الكتاب كما فصل ذلك الشيخ مشهور حسن سلمان حفظه الله ورعاه عند ذكره لكتب السمرقندي فقال: [تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين، بستان العارفين، دقائق الأخبار في بيان ذكر أهل الجنة وأحوال أهل النار، قرة العيون ومفرح القلب المحزون، كلها لأبي الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي ت 375هـ، وهذه الكتب مطبوعة وهي مشتهرة بين العوام ويتداولونها بكثرة، ولذا تحرص دور النشر على طبعها بأرخص الأثمان وهذه الكتب مليئة بالأحاديث والأخبار الموضوعة وربما يذكر صاحبها فيها سنده، فهي مفيدة لطالب العلم الذي ينظر في الأسانيد ويمحص عن حالة الرواة فهي من مظان الحكم على كثير مما هو سائد بين العوام بالوضع أو الكذب أو الضعف وإن راجت على صاحبها ولذا وقع في عبارة الإمام الذهبي تحذير ضمني منها فقال: في ترجمة صاحبها في سير أعلام النبلاء (16/ 323): [وَتَرُوجُ عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ الموضُوعَةُ]. وقال – أي الذهبي - في "تاريخ الإسلام" في ترجمته ... وفي كتاب "تنبيه الغافلين" موضوعات كثيرة. ا. هـ. وقال أبو الفضل الغماري في "الحاوي" (3/ 4): وكتاب "تنبيه الغافلين" يشتمل على أحاديث ضعيفة وموضوعة، فلا ينبغي قراءته للعامة لا يعرفون صحيحه من موضوعه. ا. هـ. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن جمهور مصنفي السير والأخبار وقصص الأنبياء لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، وذكر من بينهم أبا الليث السمرقندي، وقال: [فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا لهم خبرة بالنَّقلة، بل

يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينهما، لكن منهم من يروي الجميع ويجعل العهدة على الناقل].ا. هـ ... وقد حذر من جل الكتب السابقة الشيخ السلفي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد السلام الشقيري في كتابه "المنحة المحمدية في بيان العقائد السلفية" (ص171 - 172) فقال تحت عنوان "كتب لا يحل قراءتها" في مبحث سبب انتشار الحكايات والمنامات الفاسدة والخرافات الفاشية التي لم يعهد لها أصل في كلام السلف الصالحين، ولا في سنن سيد المرسلين؛ قال: وإنما هي فاشية بين العوام والجهلاء والطغام من كتب المناقب ككتاب "الروض الفائق"، و "روض الرياحين في مناقب الصالحين" و "ونوادر القليوبي" و "كرامات الأولياء" و "ونزهة المجالس" و "وتنوير القلوب"، و "تنبيه الغافلين"، وكذا كتب الشروح والحواشي الأزهرية، وأمثال هذه الكتب لا تحوي سوى ما يفسد عقائد العوام وبسطاء العقول، وقد كان الواجب على علمائنا أن ينبهوا عليها في الجرائد والمجلات وفي دروسهم ومؤلفاتهم، إذ هي السبب الأعظم في إفشاء تلك الخرافات بين العوام وفي عبادتهم لقبور الصلحاء، فكان الواجب إيقاف طبعها ومصادرة قراءتها دفعا لضررها وتطاير شررها ... ] كتب حذر منها العلماء 2/ 198 - 200. وقد سئل العلامة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين عن كتاب تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين تأليف الفقيه الزاهد الشيخ نصر الدين محمد بن إبراهيم السمرقندي: أسأل عن هذا الكتاب والأحاديث التي

وردت فيه هل هي صحيحة أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ فأجاب رحمة الله عليه بقوله: [وفيه أحاديث موضوعة، ولهذا لا ينبغي قراءته إلا لطالب علم يميز بين ما يقبل من الأحاديث التي فيه وما لا يقبل ليكون على بصيرة من أمره ولئلا ينسب إلى رسول الله صلي الله علية وسلم ما لم يقله أو ما لا تصح نسبته إليه فإن من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبيَن وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعداً من النار فنصيحتي لمن ليس له علم بالأحاديث أن لا يطلع على هذا الكتاب، ومن عنده علم يميز بين المقبول وغير المقبول ورأى في قراءته مصلحة فليفعل وإن رأى أنه يصده عن قراءة ما هو أنفع منه له فلا يذهب وقته في قراءته] موقع الشيخ العثيمين، شبكة الإنترنت. إذا تقرر هذا فنعود للكلام على الحديث المذكور فقد ذكر أهل الحديث أنه حديث موضوع أي مكذوب على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال العلامة الألباني: [موضوع بهذا السياق والتمام أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" ... والطبراني في المعجم الأوسط ... قال: عمر بن الخطاب: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. وقال الطبراني:"لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد تفرد به سلام". قلت: وقال الهيثمي 10/ 386 – 387 بعد ما عزاه للطبراني:"وهو مجمع

على ضعفه". قلت: وقد اتهمه غير واحد بالكذب والوضع كما تقدم غير ما مرة، وقال ابن حبان في "الضعفاء والمتروكين":"يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمد لها". قلت: وفي هذا الحديث ما يؤكد ما اتهموه به أعظمها قوله في إبليس: (كان من الملائكة) وهذا خلاف القرآن: {كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} ثم إن الملائكة خلقت من نور كما في صحيح مسلم وهو مخرج في "الصحيحة" (458)، وأما إبليس فخلق من نار كما في القرآن والحديث. ونحوه قوله:"ما ابتلي به هاروت وماروت"، فإنه يشير إلى ما يروى من قصتهما مع الزهرة ومراودتهما إياها وشربهما الخمر وقتلهما الصبي، وهي قصة باطلة مخالفة للقرآن أيضاً كما سبق بيانه في المجلد الأول برقم (170). ولا يفوتني التنبيه أن قوله:" لو تعلمون ... " إلى قوله:"تجأرون إلى الله عز وجل " قد جاء طرفه الأول في "الصحيحين"، والباقي عند الحاكم وغيره، فانظر الحديث الآتي إن شاء الله برقم (4354). وتخريج "فقه السيرة" (ص 479)]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 3/ 473 - 474. وخلاصة الأمر أن يجب الحذر من كتاب تنبيه الغافلين لما فيه من الأحاديث المكذوبة وأن الحديث المذكور مكذوب لا تحل نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم فإن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على غيره فقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كذب عليَّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم. وقال ابن حبان في صحيحه: فصل:"ذكر أسباب دخول

النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته" ثم ساق بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه. ثم ذكر حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حدّث بحديث يُرى - بضم الياء- أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم. - - -

الصلاة

الصلاة

المسح على الجورب الرقيق من مسائل الخلاف المعتبر

المسح على الجورب الرقيق من مسائل الخلاف المعتبر السؤال: أرسل لي أحد طلبة العلم نشرة وزعت في بعض المساجد بعنوان (القول الأصوب في بطلان المسح على الجورب) وطلب مني إبداء الرأي فيها؟ الجواب: قرأت النشرة المذكورة ووجدت أن كاتبها متعصب للقول الذي يجيز المسح على الجوربين وفق الشروط التي وضعها بعض فقهاء المذاهب من كون الجورب مجلداً ثخيناً يمكن السير فيه ولا ينفذ الماء إليه .. إلخ الشروط التي وضعها بعض فقهاء المذاهب، ونقل كلام بعض العلماء في تضعيف حديث المغيرة بن شعبة قال: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الجوربين والنعلين) رواه أحمد والترمذي وغيرهما ونقل بعد ذلك كلاماً عن المذاهب الأربعة تؤيد دعواه كما زعم، وقال أخيراً: [ ... التزم أقوال العلماء الأعلام وعليك بالإتباع وترك الابتداع] ثم ختم نشرته بجزء مبتور من حديث للنبي صلى الله عليه وسلم (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) هذا أهم ما جاء في النشرة المشار إليها. وأقول إننا في هذه البلاد قد ابتلينا بأشباه طلبة العلم الذين يظن الواحد منهم أنه إن قرأ كتاباً أو سمع أشرطة لدروس شيخ أو عالم، صار عالم زمانه الأوحد، وصار الحق حكراً له فالحق عنده والباطل عند من خالفه!!! هذه البلوى الحقيقية وليست البلوى ما زعمه كاتب النشرة من أن البلوى هي تفشي ظاهرة المسح على الجورب الرقيق؟؟!! فالأخيرة مسألة خلافية وهي

من مسائل الخلاف المعتبر عند أهل العلم لأنها مسألة اجتهادية وفيها مجال للنظر والأخذ والرد، ومن الجهل الفاضح أن يختم كاتب النشرة كلامه بالجزء المبتور من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ليصل إلى نتيجة باطلة قطعاً وهي إن العلماء القائلين بجواز المسح على الجورب الرقيق هم (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها). وأقول ما قاله الشاعر قديماً: أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل لنرجع إلى نص الحديث النبوي الذي اقتطعت منه الجملة التي ساقها الكاتب لنرى هل ينطبق هذا الحديث على أولئك العلماء أم لا؟ نص الحديث هو (عن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت يا رسول الله صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك، قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل

شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي [قوله صلى الله عليه وسلم: (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة]. شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 547. إن الكاتب المذكور اجتزأ النص ليوافق هواه، وفعل فعل الذين يقولون (ويل للمصلين)!! قاتل الله التعصب فهكذا يفعل بأهله يوصلهم إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع النصوص في غير محالها. إذا تقرر هذا فإن الخطب يسير في مسألة المسح على الجورب الرقيق، وليس الأمر كما يحاول أن يصوره بعض المتعصبين للمذاهب والذين تضيق صدورهم بالخلاف الفقهي المعتبر، وقد سبق أن بحثت هذه المسألة بشيء من التفصيل في أكثر من موضع من سلسلة يسألونك، وبينت أدلة من أجاز المسح على الجورب دون اعتبار لما شرطه بعض الفقهاء من شروط للجوربين الذين يمسح عليهما بأن يكونا منعلين أو مجلدين أو ثخينين وغير ذلك من الشروط، فإنه لم يقم دليل صحيح على اعتبار هذه الشروط ولم يرد دليل على تقييد الجوربين بهذه الشروط. ولا أريد تكرار الكلام في المسألة، ولكن لا بد من التنبيه إلى أن مسألة الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف هي مسألة اجتهادية، وهذا أمر معروف عند العلماء، والحديث الوارد في المسح على الجوربين خير مثال على ذلك، فقد صححه جماعة من المحدثين وضعفه

آخرون. وكذلك فقد نص العلماء على أنه لا إنكار في مسائل الخلاف الاجتهادية ومسألة المسح على الجورب الرقيق داخلة في ذلك لأن المجيز للمسح على الجورب الرقيق لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً. قال الإمام النووي: [ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 24. وقال العلامة ابن القيم: [إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل فيها مجتهداً أو مقلداً] إعلام الموقعين 3/ 365. وهكذا كان سلف الأمة يتعاملون مع المسائل الخلافية قال القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما أسر فيه [إن قرأت فلك في رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، وإذا لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة] وقال سفيان الثوري: [إذا رأيت الرجل يعمل بعمل قد اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه] الفقيه والمتفقه 2/ 69. ونقل الخطيب البغدادي عن سفيان الثوري أنه قال: [ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحداً عنه من إخواني أن يأخذ به] الفقيه المتفقه 2/ 69. وقال يحيى بن سعيد: [ما برح أولو الفتوى يفتون فيحل هذا ويحرم هذا، فلا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه، ولا يرى المحرم أن المحل هلك لتحليله]. وقال الإمام أحمد فيما نقله ابن مفلح: [لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب ولا يشدد عليهم]. ويقول ابن مفلح: [لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ فيه خلاف في الفروع] الآداب الشرعية 1/ 186. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول

لبس الكفوف (القفازات) أثناء الصلاة

بعض العلماء لم يُنكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 20/ 207. وخلاصة الأمر أن القول بجواز المسح على الجورب الرقيق قول معتبر عند أهل العلم، لا عند المتسورين على العلم الشرعي. ولا ينكر على من أخذ به، والحديث الوارد في ذلك من أهل العلم من صححه وعمل به، ولا يجوز الاحتجاج بقول النبي صلى الله عليه وسلم (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) في مسألة خلافية بين العلماء هي محل اجتهاد ونظر. - - - لبس الكفوف (القفازات) أثناء الصلاة يقول السائل: ما حكم لبس الكفوف (القفازات) أثناء الصلاة؟ الجواب: لا حرج في لبس القفازين (الكفوف) أثناء الصلاة فإنه لا يشترط مباشرة الأعضاء للأرض دون حائل عند جماهير أهل العلم قال الإمام النووي: [فرع في مذاهب العلماء في السجود على كمه وذيله ويده وكور عمامته وغير ذلك مما هو متصل به: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يصح سجوده علي شيء من ذلك وبه قال داود واحمد في رواية، وقال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي واسحق وأحمد في الرواية الأخرى يصح، قال صاحب التهذيب

وبه قال أكثر العلماء واحتج لهم بحديث أنس رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض يبسط ثوبه فيسجد عليه) رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لقدر رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم مطير وهو يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه) رواه ابن حنبل في مسنده، وعن الحسن قال: (كان أصحاب رسول الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل على عمامته) رواه البيهقي، وبما روي (أن النبي صلي الله عليه وسلم سجد على كور عمامته) وقياساً على باقي الأعضاء] المجموع 3/ 425 - 426. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء قال القاضي: إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله، فالصلاة صحيحة رواية واحدة. وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة. وممن رخص في السجود على الثوب في الحر والبرد عطاء، وطاووس، والنخعي، والشعبي، والأوزاعي، ومالك، وإسحاق، وأصحاب الرأي. ورخص في السجود على كور العمامة الحسن، ومكحول، وعبد الرحمن بن يزيد، وسجد شريح على برنسه] المغني 1371 - 372. ويدل على الجواز أيضاً ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا

اللحاق بالإمام في صلاة الجماعة

نكفت الثياب والشعر) رواه البخاري ومسلم. والشاهد فيه أن الركبتين مغطاتان وكذا القدمين إذا كان المصلي يلبس الجوربين فنقيس اليدين عليها. وخلاصة الأمر أن الصلاة بالكفوف صحيحة. - - - اللحاق بالإمام في صلاة الجماعة يقول السائل: إذا دخلت المسجد أثناء صلاة الجماعة في صلاة العصر ووجدت الإمام في الجلوس الأوسط فهل ألتحق معه مباشرة أم أنتظر حتى يقوم إلى الركعة الثالثة، أفيدونا؟ الجواب: الأصل أن يلحق المصلي بالإمام في أي جزء كان الإمام من الصلاة، فإذا دخل المسجد فوجد الإمام ساجداً فليسجد معه ولا ينتظر أن يقوم من السجود وهكذا إذا أدركه في التشهد الأوسط فإنه يلتحق به فوراً ولا ينتظر حتى يقوم إلى الركعة الثالثة، قال الشيخ ابن حزم الظاهري: [واتفقوا أن من جاء والإمام قد مضى من صلاته شيء قلَّ أو كثر ولم يبق إلا السلام فإنه مأمور بالدخول معه وموافقته على تلك الحال التي يجده عليها ما لم يجزم بإدراك الجماعة في مسجد آخر] مراتب الإجماع ص 25. ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها

تمشون عليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري ومسلم. وهذا الحديث يدل على أن المتأخر عن الصلاة يدخل مع إمامه مباشرة لقوله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا). ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة) رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح، وحسنه العلامة الألباني في صحيح أبي داود 1/ 169. ويدل عليه أيضاً ما رواه الترمذي بإسناده عن علي وعن معاذ بن جبل رضي الله عنهما قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام) قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعلم أحداً أسنده إلا ما روي من هذا الوجه، والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد ولا تجزئه تلك الركعة إذا فاته الركوع مع الإمام واختار عبد الله بن المبارك أن يسجد مع الإمام وذكر عن بعضهم فقال لعله لا يرفع رأسه في تلك السجدة حتى يغفر له) والحديث المذكور صححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 183. قال صاحب تحفة الأحوذي: [قوله: (فليصنع كما يصنع الإمام) أي فليوافق

الإمام فيما هو فيه من القيام أو الركوع أو غير ذلك، أي فلا ينتظر الإمام إلى القيام كما يفعله العوام]. وقال الأمير الصنعاني: [وفي الحديث دلالة على أنه يجب على من لحق بالإمام أن ينضم إليه في أي جزء كان من أجزاء الصلاة فإذا كان الإمام قائماً أو راكعاً فإنه يعتد بما أدركه معه كما سلف فإذا كان قاعداً أو ساجداً قعد بقعوده وسجد بسجوده، ولا يعتد بذلك] سبل السلام 2/ 438. ويؤيده ما رواه الإمام أحمد بإسناده في حديث طويل عن معاذ رضي الله عنه ( ... قال وكانوا يأتون الصلاة وقد سبقهم ببعضها النبي صلى الله عليه وسلم قال فكان الرجل يشير إلى الرجل إن جاء كم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصليها ثم يدخل مع القوم في صلاتهم قال فجاء معاذ رضي الله عنه فقال: لا أجده على حال أبداً إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقني. قال فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها قال فثبت معه فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قام فقضى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد سنَّ لكم معاذ فهكذا فاصنعوا) ورواه أبو داود وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 103. وقال الشوكاني: [ويشهد له أيضًا ما رواه ابن أبي شيبة عن رجل من الأنصار مرفوعاً: (من وجدني راكعاً أو قائماً أو ساجداً فليكن معي على حالتي التي أنا عليها)، وما أخرجه سعيد بن منصور عن أناس من أهل المدينة مثل لفظ ابن أبي شيبة والظاهر أنه يدخل معه في الحال التي أدركه عليها مكبراً

معتداً بذلك التكبير وإن لم يعتد بما أدركه من الركعة كمن يدرك الإمام في حال سجوده أو قعوده ... ] نيل الأوطار 3/ 172 - 173. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويستحب لمن أدرك الإمام في حال متابعته فيه وإن لم يعتد له به لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئاً ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) رواه أبو داود، وروى الترمذي عن معاذ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام) والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا: إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد، ولا تجزئه تلك الركعة وقال بعضهم: لعله أن لا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له] المغني 1/ 364. وقال الإمام النووي: [إذا أدركه في التشهد الأخير كبر للإحرام قائماً وقعد وتشهد معه ولا يكبر للقعود على الصحيح والتشهد سنة وليس بواجب على هذا المسبوق بلا خلاف ... ولا يقرأ دعاء الافتتاح في الحال ولا بعد القيام وسبق دليل الجميع وتحصل له فضيلة الجماعة لكن دون فضيلة من أدركها من أولها هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع المصنف والجمهور من أصحابنا العراقيين والخراسانيين ... ] المجموع 4/ 219. وخلاصة الأمر أن من دخل المسجد فوجد الإمام ساجداً فليسجد معه ولا ينتظر أن يقوم من السجود وهكذا إذا أدركه في التشهد الأوسط فإنه يلتحق به فوراً ولا ينتظر حتى يقوم إلى الركعة الثالثة.

الاستخلاف في الصلاة وكون المستخلف مسبوقا

الاستخلاف في الصلاة وكون المستخلف مسبوقاً يقول السائل: إن الإمام في صلاة الجماعة طرأ عليه عذر فقدَّم مأموماً مسبوقاً لإتمام الصلاة فكيف يصنع، أفيدونا؟ الجواب: ما فعله الإمام يسمى عند الفقهاء استخلافاً، وهو أن يخلف الإمامَ شخصٌ آخر لإكمال الصلاة إذا حصل للإمام طارئ أثناء الصلاة. والاستخلاف مشروع على الراجح من قولي العلماء في المسألة، وبه قال عمر بن الخطاب وعلي رضي الله عنهما وعلقمة وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي في الجديد وأحمد في رواية عنه، قال الإمام النووي: [ولم يصرح ابن المنذر بحكاية منع الاستخلاف عن أحد] المجموع 4/ 245. وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين: [إذا ذكر الإمام في أثناء الصلاة أنه محدث وجب عليه الانصراف ويستخلف من يكمل بهم الصلاة، لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بعد أن شرع في صلاة الصبح تناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فصلى بهم صلاة خفيفة] الشرح الممتع 4/ 243. وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر أن من منع الاستخلاف في الصلاة احتج بما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيديه أن امكثوا فذهب ثم رجع على جلده أثر الماء

والحديث في الصحيحين، قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: [لا تتبين لي حجة من كره الاستخلاف استدلالاً بحديث هذا الباب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في الاستخلاف كغيره إذ لا عوض منه مع سعة الوقت ولا يجوز لأحد أن يتقدم بين يديه إلا بإذنه وقد قال لهم: مكانكم، فلزمهم أن ينتظروه وهذا إذا صح أنه تركهم في صلاة وقد قيل إنه لم يكن كبر ... وقد أجمع المسلمون على الاستخلاف فيمن يقيم لهم أمر دينهم ودنياهم والصلاة أعظم الدين، وفي حديث سهل بن سعد دليل على جواز الاستخلاف لتأخر أبي بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الصلاة وحسبك بما مضى عليه عمل الناس] الاستذكار 3/ 109. ويدل على مشروعية الاستخلاف في الصلاة ماروه الإمام البخاري في صحيحه في قصة طعن عمر رضي الله عنه وفيها (وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه ... فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة) رواه البخاري، وقد كان ذلك بمحضر من الصحابة فأقروه على ذلك، قال الإمام الشوكاني بعد أن ذكر قصة عمر رضي الله عنه [وفيه جواز الاستخلاف للإمام عند عروض عذر يقتضي ذلك لتقرير الصحابة لعمر رضي الله عنه على ذلك وعدم الإنكار من أحد منهم فكان إجماعاً وكذلك فعل علي رضي الله عنه وتقريرهم له على ذلك وإلى ذلك ذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك] نيل الأوطار 3/ 200.

وروى سعيد بن منصور في سننه (أن علياً رضي الله عنه رُعف وهو في الصلاة فأخذ بيد رجل فقدَّمه ليتم بالناس ثم انصرف). وروى الأثرم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنها قال: خرج علينا عمر رضي الله عنه لصلاة الظهر، فلما دخل في الصلاة أخذ بيد رجل كان عن يمينه ثم رجع يخرق الصفوف، فلما صلينا إذا نحن بعمر يصلي خلف سارية، فلما قضى الصلاة قال: لما دخلت في الصلاة وكبرت رابني شيء فلمست بيدي فوجدت بلة). قال الإمام البيهقي: [وروينا عن عمر رضي الله عنه في قصة أخرى أنه وجد بللاً حين جلس في الركعتين الأوليين، فلما قام أخذ بيد رجل من القوم فقدمه مكانه، وروي في جواز الاستخلاف عن علي رضي الله عنه، فقوله الجديد –أي قول الشافعي في المذهب الجديد - في جواز الاستخلاف أصح القولين] سنن البيهقي. وقال الإمام أحمد بن حنبل: إن استخلف الإمام فقد استخلف عمر وعلي وإن صلوا وحداناً فقد طعن معاوية وصلى الناس وحداناً من حيث طعن أتموا صلاتهم. نيل الأوطار 3/ 199. والقائلون بجواز الاستخلاف اتفقوا على جوازه في حالات منها أن الإمام إذا سبقه الحدث في الصلاة من بول، أو ريح أو غيرهما، انصرف واستخلف، وكذا إذا طرأ على الإمام ما يمنع الإمامة لعجز عن ركن، كعجزه عن الركوع أو القراءة في بقية الصلاة أو عجز عن إتمام الفاتحة وكذلك إذا تذكر الإمام نجاسة، أو جنابة لم يغتسل منها، أو تنجس في أثناء الصلاة، بشرط أن

يستخلف الإمام من يصلح للإمامة، فلو استخلف صبياً أو امرأة أو أمياً وهو من لا يحسن شيئاً من القرآن فلا يصح. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 3/ 253 - 255. وقد نص الفقهاء على أن كل من يصلح إماماً ابتداءً يصح استخلافه، ومن لا يصلح إماماً ابتداء لا يصح استخلافه، ونصوا على أن الأولى أن لا يستخلف الإمام مسبوقاً فقد ذكر ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق أن الأولى للإمام أن يقدم مدركاً، ولكن إن قدم مسبوقاً صح استخلافه، وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال أصحابنا: يجوز أن يستخلف من سبق ببعض الصلاة ولمن جاء بعد حدث الإمام فيبني على ما مضى من صلاة الإمام من قراءة أو ركعة أو سجدة ويقضي بعد فراغ صلاة المأمومين وحكي هذا القول عن عمر وعلي وأكثر من وافقهما في الاستخلاف] المغني 2/ 76. والمطلوب من المستخلف المسبوق أن يتم الصلاة من المحل الذي خرج منه الإمام، قال الإمام النووي: [قال أصحابنا وإذا استخلف مأموماً مسبوقاً لزمه مراعاة ترتيب الإمام فيقعد موضع قعوده، ويقوم موضع قيامه، كما كان يفعل لو لم يخرج الإمام من الصلاة، فلو اقتدى المسبوق في ثانية الصبح ثم أحدث الإمام فيها فاستخلفه فيها قنت وقعد عقبها وتشهد ثم يقنت في الثانية لنفسه ولو كان الإمام قد سها قبل إقتدائه أو بعده سجد في آخر صلاة الإمام وأعاد في آخر صلاة نفسه على أصح القولين كما سبق، وإذا تمت صلاة الإمام قام لتدارك ما عليه، والمأمومون بالخيار إن شاءوا فارقوه وسلموا وتصح صلاتهم بلا خلاف للضرورة وان شاءوا صبروا جلوساً ليسلموا معه] المجموع 4/ 243.

إذا جمع المسافر بين الصلاتين ثم وصل بلده أتناء وقت الصلاة الثانية فلا يلزمه الإعادة

وخلاصة الأمر أن الأولى للإمام أن يستخلف مدركاً للصلاة من أولها، فإن استخلف مسبوقاً فيجوز ذلك، ويلزم المستخلف أن يتم الصلاة من حيث توقف إمامه، فإذا كان مسبوقاً بركعتين مثلاً أتم صلاة الجماعة أولاً ثم يأتي بما فاته، وفي هذه الحالة فالمأمومون مخيرون بين أن يفارقوا الإمام الثاني فيسلموا لوحدهم أو ينتظرونه ليسلموا معه وهذا أولى. - - - إذا جمع المسافر بين الصلاتين ثم وصل بلده أتناء وقت الصلاة الثانية فلا يلزمه الإعادة يقول السائل: أنا من سكان الجليل وأحضر إلى المسجد الأقصى يوم السبت ونجمع الظهر مع العصر جمع تقديم ثم نرجع إلى بلدنا ونصل إليها قبل غروب الشمس بساعة فهل يلزمنا أن نعيد صلاة العصر، أفيدونا؟ الجواب: يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً وكذلك المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً وقد ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأحاديث منها: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين

العشاء. قال سالم: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يفعله إذا أعجله السير) رواه البخاري. وعن أنس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين هاتين الصلاتين في السفر يعني المغرب والعشاء) رواه البخاري. وعنه أيضاً قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما) رواه مسلم. وعن معاذ رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً) رواه مسلم، وفي رواية أخرى عن معاذ رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليها جميعاً وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب) رواه أحمد وأبو داود والترمذي. ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع إذا جدَّ به السير ولم يكن يجمع وهو نازل أثناء السفر، قال العلامة ابن القيم: [ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الجمع راكباً في سفره كما يفعله كثير من الناس ولا الجمع حال نزوله أيضا وإنما كان يجمع إذا جد به السير وإذا سار

عقيب الصلاة كما ذكرنا في قصة تبوك وأما جمعه وهو نازل غير مسافر فلم ينقل ذلك عنه إلا بعرفة لأجل اتصال الوقوف كما قال الشافعي رحمه الله وشيخنا – أي ابن تيمية -] زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 481. وقد قرر العلماء أن من الأفضل للمسافر إذا كان يعلم أو يغلب على ظنه أنه سيصل إلى بلده قبل صلاة العصر أو قبل صلاة العشاء فالأفضل له ألا يجمع لأنه ليس هناك حاجة للجمع، وإن جمع فلا بأس. انظر مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العلامة العثيمين 15/ 422. ويجب أن يعلم أيضاً أن المسافر إذا نوى جمع التأخير، فوصل إلى محل إقامته قبل خروج وقت الصلاة الأولى، فلا يجوز له الجمع بل يجب أن يصلي الصلاة التي أدرك وقتها تامة، فإذا فرضنا أن مسافراً نوى جمع التأخير بين الظهر والعصر فدخل إلى بلده قبل دخول وقت العصر، فيجب عليه أن يصلي الظهر تامة في وقتها، ولا يصح له أن يؤخرها حتى يجمعها مع العصر. وإذا جمع المسافر جمع تقديم فوصل إلى بلده بعد خروج وقت الأولى، فجمعه صحيح ولا يلزمه إعادة الصلاة الثانية على الراجح من قولي العلماء في المسألة وذكر الإمام النووي وجهين في المسألة ثم قال: [أصحهما لا يبطل الجمع كما لو قصر ثم أقام، وبهذا قطع القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد وغيره من العراقيين] المجموع 4/ 378. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ ... وإن أتم الصلاتين في وقت الأولى ثم زال العذر بعد فراغه منهما قبل دخول وقت الثانية أجزأته، ولم تلزمه الثانية في

وقتها لأن الصلاة وقعت صحيحة مجزية عن ما في ذمته وبرئت ذمته منها فلم تشتغل الذمة بها بعد ذلك، ولأنه أدى فرضه حال العذر فلم يبطل بزواله بعد ذلك كالمتيمم إذا وجد الماء بعد فراغه من الصلاة] المغني 2/ 207. وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في فتاويها: [إذا جمع المسافر بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء جمع تقديم، ثم وصل إلى مقر إقامته قبل دخول وقت العصر أو بعده، أو قبل دخول وقت العشاء أو بعده، فإن صلاته صحيحة؛ لكونه جمعها مع الأولى بمسوغ شرعي، وهو السفر]. وخلاصة الأمر أن المسافر إذا جمع بين الصلاتين جمع تقديم ثم وصل إلى بلده أو محل إقامته في وقت الصلاة الثانية فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه. - - -

كيفية صلاة الإستسقاء

كيفية صلاة الإستسقاء يقول السائل: كيف تصلى صلاة الاستسقاء وهل يقلب الناس أرديتهم في الصلاة، أفيدونا؟ الجواب: صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ثبتت مشروعيتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قلة الأمطار وانحباسها فلا بد للناس أن يبادروا إلى التوبة والاستغفار مصداقاً لقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} سورة نوح الآيات 10 - 12. وقال تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ... } سورة هود الآية 52. قال العلامة ابن القيم: [ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وجوه: أحدها: يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته وقال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا. الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه إلى المصلى فخرج لما طلعت الشمس متواضعاً متبذلاً متخشعاً مترسلاً متضرعاً فلما وافى المصلى صعد المنبر - إن صح وإلا ففي القلب منه شيء - فحمد الله وأثنى عليه وكبره وكان مما حفظ من خطبته ودعائه: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا

أنت تفعل ما تريد اللهم لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا وبلاغاً إلى حين ثم رفع يديه وأخذ في التضرع والابتهال والدعاء وبالغ في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حوَّل إلى الناس ظهره واستقبل القبلة وحوَّل إذ ذاك رداءه وهو مستقبل القبلة فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن وظهر الرداء لبطنه وبطنه لظهره وكان الرداء خميصة سوداء وأخذ في الدعاء مستقبل القبلة والناس كذلك ثم نزل فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد من غير أذان ولا إقامة ولا نداء ألبتة جهر فيهما بالقراءة وقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية. الوجه الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى على منبر المدينة استسقاءً مجرداً في غير يوم جمعة ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء صلاة. الوجه الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى وهو جالس في المسجد فرفع يديه ودعا الله عز وجل فحفظ من دعائه حينئذ اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً طبقاً عاجلاً غير رائث – غير بطيء ولا متأخر - نافعاً غير ضار. الوجه الخامس: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء وهي خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام نحو قذفة حجر ينعطف عن يمين الخارج من المسجد.

الوجه السادس: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء فأصاب المسلمين العطش فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعض المنافقين لو كان نبياً لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوقد قالوها؟ عسى ربكم أن يسقيكم ثم بسط يديه ودعا فما ردَّ يديه من دعائه حتى أظلهم السحاب وأمطروا فأفعم السيل الوادي فشرب الناس فارتووا] زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 457 - 458. وأكمل وجوه صلاة الاستسقاء هو الثاني قال الإمام النووي: [أفضلها وهو الاستسقاء بصلاة ركعتين] المجموع 5/ 64. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال القاضي: الاستسقاء ثلاثة أضرب، أكملها الخروج والصلاة على ما وصفنا ويليه استسقاء الإمام يوم الجمعة على المنبر ... والثالث أن يدعو الله تعالى عقيب صلواتهم وفي خلواتهم] المغني 2/ 327. وتكون صلاة الاستسقاء كصلاة العيد فيبدأ الإمام بالخطبة لما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ... ونزل فصلى ركعتين) رواه أبو داود وابن حبان وقال الإمام النووي [وأما حديث عائشة فصحيح رواه أبو

داود بإسناد صحيح وقال هو إسناد جيد ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم] المجموع 5/ 64. ويصح أن تكون الخطبة بعد الصلاة أيضاً لما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا الله وحول وجهه نحو القبلة رافعاً يديه ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي وقال رجاله ثقات وقال البوصيري إسناده صحيح. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ ... وأياً ما فعل من ذلك فهو جائز لأن الخطبة غير واجبة على الروايات كلها، فإن شاء فعلها وإن شاء تركها والأولى أن يخطب بعد الصلاة خطبة واحدة لتكون كالعيد] المغني 2/ 322، وانظر الشرح الممتع 5/ 280 - 281. وأما تحويل الثياب فإنه يستحب قلب الرداء وتحويله تفاؤلاً بتحويل الحال من القحط إلى الرخاء ويحوّل الرجال فقط أرديتهم وهم جلوس فمثلاً من كان يلبس عباءة يقلبها على ظهره بأن يجعل أعلاها أسفلها ونحو ذلك، ويكون تحويل الثياب أثناء الخطبة، لما ورد في الحديث عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين) رواه البخاري ومسلم. وخلاصة الأمر أن صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة وأن أكمل صفاتها أن يخرج الناس إلى مصلى العيد فيصلون ركعتين كصلاة العيد مع خطبة، فإن

اصطفاف أهل الميت عند المقبرة لتقبل التعزية

استسقى إمام الجمعة أثناء خطبة الجمعة فحسن، ولا أرى أن يصلي ركعتين بعد الجمعة ويقنت في الثانية بعد الركوع لأن هذه الصفة لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل بها أحد من العلماء فيما أعلم، وإنما يكتفى بالدعاء في خطبة الجمعة. - - - اصطفاف أهل الميت عند المقبرة لتقبل التعزية يقول السائل: ما قولكم فيما يفعله كثير من الناس في بلادنا بعد الانتهاء من دفن الميت يقف أهل الميت صفاً ويمر الحاضرون عليهم يعزونهم فهل هذه الطريقة مشروعة، أفيدونا؟ الجواب: من المعلوم أن تعزية أهل الميت من السنة فقد وردت فيها أحاديث منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة) رواه ابن ماجة والبيهقي بإسناد حسن كما قال الإمام النووي في الأذكار ص 126. ومنها ما رواه الإمام النسائي عن خالد بن ميسرة قال سمعت معاوية بن قرة عن أبيه قال: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه ففقده

النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مالي لا أرى فلاناً، قالوا يا رسول الله بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ثم قال: يا فلان أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك قال يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي قال فذاك لك) ورواه أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه العلامة الألباني في أحكام الجنائز ص 162، وغير ذلك من الأحاديث. وليس للتعزية لفظ معين وإنما يعزي أهل الميت بما يظن أنه يسليهم ويخفف عنهم مصابهم ويحثهم على الرضا بما قدَّر الله ويحثهم على الصبر، فألفاظ التعزية بابها واسع فتجوز بكل لفظ يدعو إلى الصبر ما لم يتضمن مخالفة للشرع قال الإمام الشافعي: [وليس في التعزية شيء مؤقت يقال لا يُعدى إلى غيره] الأم 1/ 278. وقال الإمام النووي: [وأما لفظ التعزية فلا حجر فيه فبأي لفظ عزاه حصل ... وأحسن ما يعزى به ما روينا في صحيح البخاري ومسلم. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً في الموت فقال للرسول: ارجع إليها فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر وتحتسب ... ] الأذكار ص 127.

وتمام الحديث السابق هو عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه إن ابناً لي قبض فأتنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تتقعقع قال حسبته أنه قال كأنها شن ففاضت عيناه فقال سعد يا رسول الله ما هذا فقال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) رواه البخاري ومسلم. إذا تقرر هذا فإن وقوف أهل الميت بعد الدفن صفاً واحداً ومرور المعزين عليهم لا بأس فيه ولا حرج فيه إن شاء الله تعالى لأنه وسيلة من وسائل التعزية ومن المعلوم عند العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد، قال الإمام العز بن عبد السلام: للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل) قواعد الأحكام 1/ 46. وقال الإمام شهاب الدين القرافي: [وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنَّها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما يتوسط متوسطة، ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ

فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة] الفروق وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: [وقد قال أهل العلم للوسائل أحكام المقاصد فما كان وسيلةٌ لمطلوبٍ فهو مطلوب وما كان وسيلةً لمنهيٍ منه فهو منهيٌ عنه] شبكة الانترنت. وبناءً على ما سبق فلا حرج في اصطفاف أهل الميت عند المقبرة لتقبل التعزية فإن هذا الاصطفاف وسيلة لتحقيق السنة وهي التعزية ولا يوجد أي مخالفة شرعية في هذا الاصطفاف لأنه وسيلة إلى تحقيق مقصد مشروع، قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز في فتوى له عن حكم جمع أهل الميت في صف واحد حتى تتم تعزيتهم [يقوم بعض المعزين بإخراج أهل الميت بعيداً عن القبور، ووضعهم في صف حتى تتم معرفتهم وتعزيتهم بنظام، ولا تهان القبور، ما حكم ذلك؟ فأجاب: لا أعلم في هذا بأساً؛ لما فيه من التيسير على الحاضرين لتعزيتهم] شبكة الانترنت. وقال الشيخ العلامة العثيمين في مثل هذه المسألة قال: [الأصل أن هذا لا بأس به؛ لأنهم يجتمعون جميعاً من أجل الحصول على كل منهم ليعزى، ولا أعلم في هذا بأس] شبكة الانترنت.

انتهاك حرمة المساجد من الفرق الكشفية المصحوبة بالآلات الموسيقية والطبول

وأجاب الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ مفتي السعودية الحالي عن سؤال ورد فيه [يصف المعزون في المقبرة صفاً بعد دفنهم ميتهم ويمر الناس عليهم ... فأجاب: هذه الصفة المذكورة إن خلت عن محاذير شرعية وكانت لمجرد التعرف على أولياء الميت الذين أصيبوا بفقد هذا الميت، فإني لا أرى فيها بأساً ... ] شبكة الانترنت. وخلاصة الأمر أنه لا حرج في اصطفاف أهل الميت لتقبل التعازي من الناس لأن ذلك وسيلة لتحقيق سنة التعزية، وللوسائل أحكام المقاصد. - - - انتهاك حرمة المساجد من الفرق الكشفية المصحوبة بالآلات الموسيقية والطبول يقول السائل: ما قولكم فيما حصل في بعض المساجد من دخول الفرق الكشفية مصحوبة بالآلات الموسيقية والطبول وقيامها بالعزف في ساحة المسجد إحياء للاحتفالات الدينية كما يُزعم، أفيدونا؟ الجواب: قال الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} سورة النور الآيتان36 - 37.

البيوت المذكورة في الآية الكريمة هي المساجد كما قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري ورجحه القرطبي في تفسيره 12/ 265، وقد قرر أهل العلم أن الأصل في المساجد أنها تبنى لذكر الله تعالى وإقامة الصلاة، والمساجد لها أحكام خاصة بها وآداب لا بد من المحافظة عليها كي تبقى للمسجد هيبته وحرمته في نفوس المسلمين لذا يمنع المسلم من فعل أمور كثيرة في المساجد مع أنه يجوز فعلها خارج المساجد وقد ثبت في الحديث عن بريدة رضي الله عنه (أن رجلاً نشد في المسجد – أي طلب ضالة له - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بُنيت له) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [في هذين الحديثين فوائد منها: النهي عن نشد الضالة في المسجد، ويُلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد ... وقوله صلى الله عليه وسلم (إنما بنيت المساجد لما بُنيت له) معناه لذكر الله والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها] شرح النووي عل مسلم 2/ 215. وقال الإمام القرطبي بعد أن ذكر حديث بريدة السابق: [وهذا يدل على أن الأصل ألا يعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن. وكذا جاء مفسراً من حديث أنس قال: (بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه دعوه. فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر

الله والصلاة وقراءة القرآن) ... وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوت رجل في المسجد فقال: ما هذا الصوت؟ أتدري أين أنت!] تفسير القرطبي 12/ 269. وورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الشيخ الألباني. وورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) رواه مالك بسند صحيح قاله الشيخ الألباني. وقد همّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعزير من يرفعون أصواتهم في المسجد فقد روى البخاري عن السائب بن يزيد قال: (كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل - أي رماني بحصاة - فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: ممن أنتما؟ قال: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم). ونقل العينى عن المحب الطبري قوله: [إن الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص] عمدة القاري 6/ 270.

ومن القواعد المقررة شرعاً وجوب تعظيم شعائر الله يقول الله تعالى: {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32. ويقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} سورة الحج الآية 30. قال الإمام القرطبي: [{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم ... فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك ... ] تفسير القرطبي 12/ 56. ولا شك أن المساجد داخلة في عموم شعائر الله. إذا تقرر هذا فإنه يجب تنزيه المساجد عن إقامة الاحتفالات التي تكون مصحوبة بفرق الإنشاد والموسيقى مع ضرب الدفوف أو فرق الكشافة المصحوبة بالطبول والأجراس، لأن هذا يشكل مخالفة واضحة لمنهج الإسلام. ويحاول بعض الناس إلباس هذه المناسبات لباس الدين وليس لها أصل صحيح في دين الله عز وجل وإنما هي من المحدثات المبتدعات. وإن من الغرائب والعجائب أن نقرأ في برنامج الإعلان عن إحياء موسم النبي موسى عليه السلام الفعاليات الآتية التي ستعقد في الموسم: دبكة شعبية، فرقة موسيقية وعزف على العود مع غناء وطني، زجل شعبي، صندوق العجب، عرض دمى، ورشة رسم على الوجوه مهرجين، عزف على الآلات الشرقية ... إلخ وهذه ستعقد في المقام وهو في الأصل مسجد، إن هذه الأمور مشتملة على مخالفات شرعية بينة، وإن ألبست لباس التراث الشعبي أو لباس الوطنية أو لباس الثقافة فهذه الأمور لا تفعل في بيوت الله عز وجل،

وقد كنت بحثت مسألة الاحتفال بموسم النبي موسى عليه السلام في كتابي (إتباع لا ابتداع ص 188 - 200 حيث ذكرت الأحكام الشرعية المتعلقة بها) وبينت أن الاحتفال بموسم النبي موسى عليه السلام من البدع القديمة المتجددة وأن هذا الاحتفال في لبه ولحمته وسداه مخالف لدين الله سبحانه وتعالى ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه ترتكب فيها المخالفات الشرعية الكثيرة باسم الدين وأن الإسلام بريء من هذه الاحتفالات التي تنسب إلى الدين زوراً وبهتاناً. والذي ظهر لي من خلال ما كتبه بعض المؤرخين كالدكتور كامل العسلي في كتابه (موسم النبي موسى) أنه كان موسم رقص وطرب واختلاط بين النساء والرجال بل إن النساء كن يرقصن في الحلقات أمام الرجال وأن هذا الموسم كان عليه مسحة من الصوفية المنحرفة. كما أن مقام النبي موسى المذكور ليس له صلة بنبي الله موسى عليه السلام، قال مجير الدين الحنبلي: [ومات موسى ولم يعرف أحد من بني إسرائيل أين قبره ولا أين توجه] الأنس الجليل 1/ 199.كما ويجب أن يعلم أنه لا علاقة لصلاح الدين الأيوبي بموسم النبي موس عليه السلام كما زعم بعض الكاتبين أن السلطان صلاح الدين الأيوبي هو أول من أنشأ موسم النبي موسى لمواجهة التجمعات الصليبية التي كانت تقام في عيد الفصح انظر المفصل في تاريخ القدس ص 176 - 177. وقد قرر المحققون من المؤرخين أن موسم النبي موسى حدث بعد ذلك، يقول الدكتور كامل العسلي: [وعلى أية حال فإنه من المهم أن نؤكد أننا لم نجد في الكتب القديمة التي وضعت في العصر الأيوبي ومنها كتاب العماد الأصفهاني

وابن واصل والبهاء بن شداد وأبي شامة المقدسي أي إشارة إلى الموسم ولا إلى علاقة صلاح الدين الأيوبي أو ورثته بالموسم كما أنه ليس في الكتب التي وضعت زمن الأيوبيين ولا في الكتب التي وضعت زمن المماليك أو العثمانيين حسب علمنا ما يشير إلى أن الاحتفال بالنبي موسى كان ذا صبغة سياسية ... إن أول إشارة لموسم النبي موسى وقعنا عليها في الكتب، وردت في "إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى" لشمس الدين السيوطي المتوفى بعد سنة 880 هـ ... وقد دون السيوطي كتابه هذا سنة 875 هـ والإشارة الثانية وجدناها في مخطوط "الدر النظيم في أخبار سيدنا موسى الكليم" لأبي البقاء نجم الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة المتوفى بعد سنة 901 هـ] موسم النبي موسى ص87 - 89. وخلاصة الأمر أنه يحرم شرعاً إقامة الحفلات الموسيقية في المساجد وفي ساحاتها وكذا يحرم إقامة حفلات الرقص والطرب والدبكة فيها ويجب شرعاً منع فرق الكشافة من إقامة طقوسها في المساجد وفي ساحاتها والواجب على المسؤولين منع كل انتهاك لحرمات المساجد تحت مسمى الاحتفال بالمناسبات الدينية بغض النظر عن أهداف ومسميات تلك الاحتفالات. - - -

الزكاة

الزكاة

أنصبة الزكاة توقيفية لا يجوز تعديلها مطلقا

أنصبة الزكاة توقيفية لا يجوز تعديلها مطلقاً يقول السائل: ما قولكم فيمن يزعم أن أنصبة الزكاة المقدرة شرعاً إنما هي من باب السياسة الشرعية وقد وضعها النبي صلى الله عليه وسلم لمناسبتها للأوضاع الاقتصادية في عهده صلى الله عليه وسلم ولا مانع من تغييرها لتتفق مع الأوضاع الاقتصادية للناس في كل عصر؟ الجواب: من المعلوم عند أهل العلم أن الزكاة من العبادات، والأصل في العبادات التوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله والعبادة لا بد أن تكون مأموراً بها فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه محظور؟ ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} سورة الشورى الآية 21] القواعد النورانية ص 112. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل

الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، وإلا دخلنا في معنى قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} سورة الشورى الآية 21. والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا} سورة يونس الآية 59. ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه في سورة الأنعام من قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لشركائنا فَمَا كَانَ لشركائهم فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شركائهم سَاء مَا يَحْكُمُونَ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} سورة الأنعام الآيات 136 - 138، فذكر ما ابتدعوه من العبادات، ومن التحريمات. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حُنَفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم

أنزِل به سلطانا). وهذه قاعدة عظيمة نافعة ... ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/ 17. ومن المعلوم أن تحديد أنصبة الزكاة في الأموال الزكوية ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في الحديث الطويل عن أنس رضي الله عنه: (أن أبا بكر رضي الله عنه كتب لهم إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها ورسوله فمن سُئِلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سُئل فوق ذلك فلا يعطه، فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدةً ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاة ... ). والحديث بطوله [رواه البخاري في صحيحه مفرقاً في كتاب الزكاة فجمعته بحروفه] قاله الإمام النووي في المجموع 5/ 383. وورد في الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعاً أو تبيعةً، ومن كل أربعين مسنة ... ) رواه مالك في الموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 296، وحكى الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الحافظ ابن عبد البر أنه قال: لا

خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ وأنه النصاب المجمع عليه فيها، انظر نيل الأوطار 4/ 149. وروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كتب كتاب الصدقة وفيه وفى الغنم في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان فإذا زادت على المائتين شاة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فان كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وقال الترمذي حديث حسن، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 294. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق في التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة) رواه البخاري ومسلم. وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) رواه مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وفي الركاز الخمس) رواه البخاري ومسلم، وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر أن تحديد أنصبة الزكاة توقيفية فلا يجوز لأحد تغييرها بزيادة أو نقص ولاشك أن الشارع الحكيم له حكمة في هذه التقديرات قال العلامة شاه

ولي الله الدهلوي: [الحكمة في أنصبة الزكاة أقول: إنما قدر من الحب والتمر خمسة أوسق، لأنها تكفي أقل أهل بيت إلى سنة. وذلك لأن أقل البيت الزوج والزوجة وثالث - خادم أو ولد بينهما - وما يضاهي ذلك من أقل البيوت. وغالب قوت الإنسان رطل أو مُدٌّ من الطعام، فإذا أكل كل واحد من هؤلاء ذلك المقدار كفاهم لسنة، وبقيت بقية لنوائبهم أو إدامهم. وإنما قدّر من الورق خمس أواق، لأنها مقدار يكفي أقل أهل بيت سنة كاملة إذا كانت الأسعار موافقة في أكثر الأقطار. واستقرئ عادات البلاد المعتدلة في الرخص والغلاء تجد ذلك. وإنما قدّر من الإبل خمس ذود، وجعل زكاته شاة، وإن كان الأصل ألا تؤخذ الزكاة إلا من جنس المال، وأن يجعل النصاب عدداً له بال؛ لأن الإبل أعظم المواشي جثة، وأكثرها فائدة: يمكن أن تُذبح، وتُركب، وتُحلب، ويُطلب منها النسل، ويُستدفأ بأوبارها وجلودها. وكان بعضهم يقتني نجائب قليلة تكفي كفاية الصرمة – مجموعة من الإبل - وكان البعير يسوَّى في ذلك الزمان بعشر شياه، وبثمان شياه، واثنتي عشرة شاة، كما ورد في كثير من الأحاديث فجعل خمس ذود في حكم أدنى نصاب من الغنم، وجعل فيها شاة] حجة الله البالغة 2/ 76. وخلاصة الأمر أن تحديد أنصبة الزكاة توقيفي ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لأحد مهما كان حاكماً أو محكوماً أن يغيره بزيادة أو نقص. - - -

تجب الزكاة في مال اليتيم

تجب الزكاة في مال اليتيم يقول السائل: إنه وصي على يتيم وقد ورث عن أبيه مبلغاً كبيراً من المال فهل تجب الزكاة في مال هذا اليتيم، أفيدونا؟ الجواب: الزكاة حق من حقوق المال، فتجب في كل مال تحققت فيه شروط الوجوب، بغض النظر عن مالك المال، فلا ينظر فيها إلى المالك فتجب الزكاة في مال البالغ وغير البالغ، وتجب في مال العاقل وغير العاقل على الراجح من أقوال أهل العلم، ويدل على ذلك عموم قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} سورة التوبة الآية 103، ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) رواه البخاري ومسلم، وصح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: (والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال) رواه البخاري ومسلم. والقول بوجوب الزكاة في مال الصبي يتيماً كان أو غير يتيم، قال به جمهور الفقهاء، وحكى ابن المنذر وجوبها في مال الصبي عن عمر ابن الخطاب

وعلي وابن عمر وجابر والحسن بن علي وعائشة وطاووس وعطاء وجابر بن زيد ومجاهد وابن سيرين وربيعة ومالك والثوري والحسن بن صالح وابن عيينة وعبيد الله بن الحسن وأحمد واسحق وأبي عبيد وأبي ثور وسليمان بن حرب رضي الله عنهم، انظر المجموع 5/ 331. وقال الإمام النووي: [الزكاة عندنا واجبة في مال الصبي والمجنون بلا خلاف، ويجب على الولي إخراجها من مالهما كما يخرج من مالهما غرامة المتلفات، ونفقة الأقارب وغير ذلك من الحقوق المتوجهة إليهما، فإن لم يخرج الولي الزكاة، وجب على الصبي والمجنون بعد البلوغ والإفاقة إخراج زكاة ما مضى، لأن الحق توجه إلى مالهما، لكن الولي عصى بالتأخير فلا يسقط ما توجه إليهما] المجموع 5/ 330. ومما يدل على وجوب الزكاة في مال اليتيم ما روي في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: (ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) رواه الترمذي وقال: إنما روي هذا الحديث من هذا الوجه وفي إسناده مقال لأن المثنى بن الصباح يضعف في الحديث، وروى بعضهم هذا الحديث عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب فذكر هذا الحديث، وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فرأى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مال اليتيم زكاة، منهم عمر وعلي وعائشة وابن عمر وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحق ... ] سنن الترمذي 3/ 32 - 33. ويؤيده ما رواه الشافعي بسنده عن يوسف بن ماهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال: (ابتغوا في مال اليتيم أو أموال اليتامى لا تذهبها ولا تستهلكها الصدقة) رواه الشافعي في الأم، والبيهقي في السنن الكبرى، وقال البيهقي: وهذا مرسل إلا أن الشافعي رحمه الله أكده بالاستدلال بالخبر الأول وبما روي عن الصحابة رضي الله عنهم. سنن البيهقي 4/ 107. وقال الإمام النووي: [وقد أكد الشافعي رحمه الله هذا المرسل بعموم الحديث الصحيح في إيجاب الزكاة مطلقاً، وبما رواه عن الصحابة في ذلك ورواه البيهقى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً عليه وقال إسناده صحيح ورواه أيضاً عن علي بن مطرف وروى إيجاب الزكاة في مال اليتيم عن ابن عمر والحسن بن علي وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم] المجموع 5/ 329. ويؤيد ذلك أيضاً ما رواه البيهقي بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة). وقال البيهقي هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر رضي الله عنه. وقال مالك في الموطأ أنه بلغه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة). وما رواه البيهقي بسنده أن عمر بن الخطاب قال لرجل إن عندنا مال يتيم قد أسرعت فيه الزكاة فدفعه إليه ليتجر فيه له. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وروى البيهقي من حديث سعيد بن المسيب، عن عمر موقوفاً عليه مثله، وقال: إسناده صحيح. وروى الشافعي عن ابن عيينة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر موقوفاً أيضاً. وروى البيهقي من طريق شعبة، عن حميد بن هلال: سمعت أبا محجن أو ابن

محجن وكان خادماً لعثمان بن أبي العاص، قال: قدم عثمان بن أبي العاص على عمر رضي الله عنه، فقال له عمر: كيف متجر أرضك؟ فإن عندي مال يتيم قد كادت الزكاة أن تفنيه. قال: فدفعه إليه. وروى أحمد بن حنبل من طريق معاوية بن قرة، عن الحكم بن أبي العاص، عن عمر نحوه، ورواه الشافعي عن ابن عيينة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر موقوفاً أيضاً. وروى مالك في الموطأ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، قال: كانت عائشة رضي الله عنها تليني وأخاً لي يتيماً في حجرها، وكانت تخرج من أموالنا الزكاة. وروى الدارقطني والبيهقي وابن عبد البر ذلك، من طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو مشهور عنه] التلخيص الحبير 2/ 158 - 159. والقول بوجوب الزكاة في مال اليتيم هو المعروف عن الصحابة رضوان الله عليهم، قال العلامة المباركفوري: [لم يثبت عن أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم بسند صحيح عدم القول بوجوب الزكاة في مال الصبي] تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي3/ 239. وخلاصة الأمر أن الزكاة تجب في مال اليتيم إذا تحققت فيه شروط الوجوب وأن الأحاديث الخاصة الواردة في ذلك، وإن كانت متكلماً فيها فإن عموم أدلة وجوب الزكاة تؤيدها، ويؤيدها أيضاً ما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم كما سبق، وبناءً عليه فيجب على ولي اليتيم إخراج الزكاة عن مال اليتيم، ويعتبر الحول في أمواله من حين وفاة والده، لأنها بموت والده دخلت في ملك اليتيم.

كيف يزكي المزارع ثمن المحصول إذا باعه بعد أن وجبت فيه الزكاة؟

كيف يزكي المزارع ثمن المحصول إذا باعه بعد أن وجبت فيه الزكاة؟ يقول السائل: إنه مزارع ولديه محصول من القمح وقد باع المحصول بمبلغ من المال ويريد أن يخرج الزكاة فهل يزكي ثمن المحصول زكاة المال، أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الزكاة واجبة في كل ما أخرجت الأرض مما يقصد بزراعته نماء الأرض عادة مثل القمح والشعير والعنب والتين والزيتون والورود والرياحين والزعتر والأعشاب الطبية التي يستنبتها الإنسان بقصد تنمية الأرض واستغلالها وهذا قول الإمام أبي حنيفة في زكاة المزروعات وهو أقوى المذاهب الفقهية في هذه المسألة، ولم يحصر الزكاة في الأقوات الأربعة التي كانت معروفة قديماً وهي القمح والشعير والتمر والزبيب ولم يحصرها في ما يقتات ويدخر كما هو قول المالكية والشافعية ولم يحصرها في ما ييبس ويبقى ويكال كما هو قول الحنابلة. وقول أبي حنيفة رحمه الله أهدى سبيلاً وأصح دليلاً واعتمد في ذلك على عموم قوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} سورة البقرة الآية 267، وعلى قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ

إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} سورة الأنعام الآية 141. والمراد بالحق في الآية الزكاة المفروضة كما نقل القرطبي ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين. واحتج أبو حنيفة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) رواه مسلم. قال الإمام ابن العربي المالكي ناصراً قول أبي حنيفة في المسألة: [وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق وقال: إن الله أوجب الزكاة في المأكول قوتاً كان أو غيره وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في عموم: (فيما سقت السماء العشر)] أحكام القرآن لابن العربي 2/ 759. وذهب أبو حنيفة إلى وجوب الزكاة في القليل والكثير من المزروعات والثمار والخضراوات ولم يشترط النصاب مستدلاً بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر) رواه مسلم، وقول أبي حنيفة في عدم اشتراط النصاب مرجوح والراجح مذهب جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد بأنه لا زكاة إلا إذا بلغ المحصول النصاب وهو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) رواه البخاري ومسلم. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عن قول الجمهور: [هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وجابر، وأبو أمامة بن سهل وعمر بن?عبد العزيز وجابر بن زيد، والحسن وعطاء ومكحول والحكم والنخعي ومالك، وأهل?المدينة والثوري والأوزاعي، وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف، ومحمد وسائر

أهل?العلم لا نعلم أحداً خالفهم إلا مجاهدا ً وأبا حنيفة ومن تابعه، قالوا: تجب الزكاة?في قليل ذلك وكثيره لعموم قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر) ولأنه?لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ? (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) متفق عليه، وهذا خاص يجب تقديمه وتخصيص عموم ما?رووه به كما خصصنا قوله: (في سائمة الإبل الزكاة) بقوله: (ليس فيما دون?خمس ذود صدقة) وقوله: (في الرقة ربع العشر) بقوله: (ليس فيما دون خمس?أواق صدقة) ولأنه مال تجب فيه الصدقة، فلم تجب في يسيره كسائر الأموال الزكائية?وإنما لم يعتبر الحول لأنه يكمل نماؤه باستحصاده لا ببقائه واعتبر الحول في غيره?لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الأموال، والنصاب اعتبر ليبلغ حداً يحتمل المواساة?منه فلهذا اعتبر فيه، يحققه أن الصدقة إنما تجب على الأغنياء، بما قد ذكرنا فيما?تقدم ولا يحصل الغنى بدون النصاب كسائر الأموال الزكائية] المغني 3/ 7. إذا ثبت هذا فإن الواجب إخراج زكاة الزروع والثمار عند الحصاد أو القطاف لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} سورة الأنعام/141. ولا تجب الزكاة إلا إذا بلغ المحصول نصاباً كما سبق بيانه، والخمسة أوسق المذكورة في الحديث تساوي في وقتنا الحاضر 653 كيلو غرام تقريباً، فإذا بلغ المحصول نصاباً فتجب فيه الزكاة ومقدار الواجب يكون 10% من الإنتاج إذا كانت المزروعات تسقى بماء المطر أو مياه العيون بدون كلفة يتحملها المزارع أو 5%

إذا كانت المزروعات تسقى بجهد من المزارع كمن يشتري المياه أو نحو ذلك أو 7. 5% إذا كانت المزروعات تسقى بالطريقتين السابقتين معاً. إذا تقرر هذا فإن الأصل في زكاة المزروعات أن تخرج الزكاة من نفس المال، وبما أن السائل قد باع المحصول فإنه يخرج الزكاة من الثمن الذي قبضه والواجب عليه أن يزكي زكاة الزروع والثمار لا زكاة النقد فيخرج عشر الثمن إذا كان محصوله قد سقي بماء المطر وأما إذا سقي بكلفة فالواجب نصف العشر كما سبق. والقول بإخراج النقد بناءً على أنه يجوز إخراج القيمة في الزكاة كما هو مذهب الحنفية والشافعية في وجه والإمام أحمد في رواية عنه في غير زكاة الفطر، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وقد روى عن أحمد مثل قولهم فيما عدا الفطرة وقال أبو داود: سئل أحمد، عن رجل باع ثمرة نخله قال: عشره على الذي باعه، قيل له: فيخرج ثمراً أو ثمنه؟ قال: إن شاء أخرج ثمراً وإن شاء أخرج من الثمن وهذا دليل على جواز إخراج القيم ووجهه قول معاذ لأهل اليمن: ائتوني بخميص أو لبيس آخذه منكم، فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة، وقال سعيد: حدثنا سفيان عن عمرو وعن طاوس، قال لما قدم معاذ اليمن قال: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين، بالمدينة قال: وحدثنا جرير عن ليث عن عطاء، قال كان عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم ولأن المقصود دفع الحاجة ولا يختلف ذلك بعد اتحاد قدر المالية باختلاف صور الأموال] المغني 3/ 87. والقول بإخراج القيمة هو الذي اختاره الإمام البخاري حيث قال في صحيحه: "باب من باع ثماره أو

نخله أو أرضه أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره". قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وأما قوله "فأدى الزكاة من غيره" فلأنه إذا باع بعد وجوب الزكاة فقد فعل أمراً جائزاً كما تقدم فتعلقت الزكاة بذمته فله أن يعطيها من غيره أو يخرج قيمتها على رأي من يجيزه وهو اختيار البخاري كما سبق] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 3/ 442 - 443. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية القول بإخراج القيمة لمصلحة راجحة حيث قال: [وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فههنا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري ثمراً أو حنطة، إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك. ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كافٍ، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 25/ 82 - 83. وخلاصة الأمر أنه يجب على من باع محصوله الزراعي بالنقد أن يؤدي زكاة المزروعات فيه، وليس زكاة النقد، فيجب على هذا المزارع أن يخرج عشر ثمن المحصول الذي باعه إذا كان محصوله بعلياً، أي يروى بالمطر، وأما إذا كان يسقيه بشراء الماء، فإنه يخرج نصف عشر ثمن المحصول الذي باعه. - - -

زكاة مزارع الدجاج اللاحم

زكاة مزارع الدجاج اللاحم يقول السائل: عندي مزرعة للدجاج اللاحم وعند انتهاء دورة تربية الدجاج أقوم ببيعه ويتكرر ذلك في كل سنة عدة مرات فكيف أزكي هذه المزرعة؟ وهل يجوز أن أعطي الفقراء دجاجاً على حساب الزكاة، أفيدونا؟ الجواب: اتفق جماهير أهل العلم على أن الزكاة واجبة في كل ما يعده المسلم للبيع لعموم الأدلة التي أوجبت الزكاة في الأموال ومزارع الدجاج اللاحم داخلة في هذا العموم ومن هذه النصوص قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة التوبة الآية 103. وقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} سورة الذاريات الآية 19، وقوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} سورة البقرة الآية267. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه?قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما يعد للبيع) رواه أبو داود والدارقطني واختلف في سنده وحسنه الحافظ ابن عبد البر. وعن أبي ذر رضي الله عنه?أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الإبل صدقتها وفى البقر صدقتها وفى البز صدقته).

قال الإمام النووي: [هذا الحديث رواه الدارقطني في سننه والحاكم أبو عبد الله في المستدرك والبيهقي بأسانيدهم ذكره الحاكم بإسنادين ثم قال هذان الإسنادان صحيحان على شرط البخاري ومسلم] المجموع 6/ 47. والبز المذكور في الحديث هو الثياب ومنه البزاز لمن يعمل في تجارة الثياب. انظر المصباح المنير ص 47 - 48. وقال الإمام النووي: [والصواب الجزم بالوجوب –أي وجوب الزكاة في عروض التجارة- وبه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم أجمعين قال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة قال رويناه عن عمر بن الخطاب وابن عباس والفقهاء السبعة سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسلمان بن يسار والحسن البصري وطاووس وجابر بن زيد وميمون بن مهران والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي والنعمان – أبو حنيفة - وأصحابه وأحمد واسحق وأبي ثور وأبي عبيد ... ] المجموع 6/ 47 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأما العروض التي للتجارة ففيها الزكاة وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول: روي ذلك عن عمر وابنه وابن عباس وبه قال الفقهاء السبعة والحسن وجابر بن زيد وميمون بن مهران وطاووس والنخعي والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وحكي عن مالك وداود: لا زكاة فيها. وفي سنن أبي داود (عن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه

وسلم??يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع). وروى عن حماس قال: مرَّ بي عمر فقال: أدِّ زكاة مالك، فقلت: مالي إلا جِعاب وأُدُم فقال قومها ثم أد زكاتها. واشتهرت القصة بلا منكر فهي إجماع] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/ 15. والجعاب جمع جعبة وهي وعاء توضع فيه السهام. انظر المصباح المنير ص 102، والأُدُم جمع أديم وهو الجلد المدبوغ، انظر المصباح المنير ص 9. ويدل على ذلك أيضاً ما ثبت عن عبد الرحمن بن عبدٍ القارِّي قال: (كنت على بيت المال زمان عمر بن الخطاب، فكان إذا خرج العطاء جمع أموال التجار ثم حسبها غائبها وشاهدها، ثم أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد) رواه ابن أبي شيبة في المصنف وأبو عبيد في كتاب الأموال، ويدل على ذلك أيضاً ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: (لا بأس بالتربص حتى المبيع والزكاة واجبة فيه)، وصح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: (ليس في العروض زكاة إلا أن تكون لتجارة) رواه الشافعي في الأم وابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في السنن الكبرى. إذا تقرر هذا فإن الزكاة واجبة في مزرعة الدجاج اللاحم ففي نهاية العام يقوم المالك بتقييم الدجاج الموجود لديه وتحسب الإيرادات من المبيعات خلال السنة كلها، ثم يخصم من المجموع نفقات تشغيل المزرعة كأجور العمال وثمن العلف والمعدات وأجور النقل وكذا الديون ثم يزكى الباقي إذا بلغ النصاب وتكون نسبة الزكاة 2.5% كزكاة بقية عروض التجارة.

ويجوز أن تخرج زكاة عروض التجارة من أعيانها فيجوز لتاجر المواد الغذائية أن يخرج زكاته من المواد التي يتاجر فيها كالأرز والسكر والطحين ونحوها، ولكن لا بد من مراعاة مصلحة الفقير في ذلك فيعطيه من المواد الأساسية التي يحتاجها الفقير وليس من الكماليات، وكذا لابد أن يكون تقدير قيمة تلك الأعيان لمصلحة الفقير أيضاً، وكذلك لابد أن يعطي المزكي الطيب من الأعيان ولا يعطي المعيب أو التالف لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} سورة البقرة الآية 267. والقول بجواز إخراج الأعيان في الزكاة قال به أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وهو قول المزني، انظر المجموع للنووي 6/ 68، وأجازه شيخ الإسلام ابن تيمية إذا كانت هنالك مصلحة راجحة فقد سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنِ تيمية [عَنْ تَاجِرٍ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ زَكَاتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ صِنْفًا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ... ؟ فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. إذَا أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ أَجْزَأَ بِلَا رَيْبٍ. وَأَمَّا إذَا أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ فَفِيهِ نِزَاعٌ: هَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا؟ أَوْ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا؟ أَوْ يَجُوزُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ - فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. فَإِنْ كَانَ آخِذُ الزَّكَاةِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا كُسْوَةً فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ لَهُ بِهَا كُسْوَةً وَأَعْطَاهُ فَقَدْ أَحْسَنَ إلَيْهِ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/ 79 - 80.

زكاة المال المستفاد

وينبغي التنبيه أن هنالك عروضاً تجاريةً لا يصلح إخراج أعيانها في الزكاة لعدم حاجة الفقير إليها والواجب فيها إخراج المال أي القيمة. وخلاصة الأمر أن الزكاة واجبة في مزرعة الدجاج اللاحم وتعامل معاملة عروض التجارة، ويجوز إخراج الدجاج اللاحم كزكاة إذا كان هنالك مصلحة راجحة للفقير. - - - زكاة المال المستفاد يقول السائل: إن والده قد توفي وبعد توزيع الميراث كان نصيبه مبلغاً كبيراً من المال فهل تجب الزكاة في هذا المبلغ حالاً أم أنه يزكيه مع أمواله الأخرى في وقت زكاتها وهو شهر رمضان القادم، أفيدونا؟ الجواب: هذه المسألة تسمى عند الفقهاء مسألة زكاة المال المستفاد، وهو المال الذي يملكه المكلف بالزكاة أثناء الحول، وهو على نوعين: الأول هو ربح مالٍ أصله عند المكلف كمن عنده مال تتحقق فيه شروط الزكاة وتاجر به فربح عشرة آلاف دينار، فهذا لا خلاف بين أهل العلم أن زكاته عند زكاة أصله. والنوع الثاني من المال المستفاد هو ما ملكه المكلف بالزكاة أثناء الحول وليس ناتجاً عن مال لديه، كما ذكر السائل أنه ورث مبلغاً كبيراً من المال من أبيه، ومثل ذلك من حصل على جائزة مالية أو هبة وكذا مكافأة نهاية الخدمة أو ما توفر من راتبه عند مشغله ونحو ذلك، وهذا النوع من المال

المستفاد وقع فيه خلاف بين الفقهاء، فبعضهم أوجب فيه الزكاة عند قبضه وبدون اشتراط حولان الحول عليه، وأما جمهور الفقهاء فيرون أنه لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول وهذا القول هو الراجح والذي تؤيده الأدلة القوية، قال ابن رشد القرطبي المالكي: [وأما وقت الزكاة فإن جمهور الفقهاء يشترطون في وجوب الزكاة في الذهب والفضة والماشية الحول، لثبوت ذلك عن الخلفاء الأربعة ولانتشاره في الصحابة رضي الله عنهم ولانتشار العمل به ولاعتقادهم أن مثل هذا الانتشار من غير خلاف لا يجوز أن يكون إلا عن توقيف. وقد روي مرفوعاً من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) وهذا مجمع عليه عند فقهاء الأمصار وليس فيه في الصدر الأول خلاف إلا ما روي عن ابن عباس ومعاوية وسبب الاختلاف أنه لم يرد في ذلك حديث ثابت] بداية المجتهد 5/ 78 - 79. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وأما الذهب والوَرِق –الفضة- فلا تجب الزكاة في شيء منها إلا بعد تمام الحول أيضاً وعلى هذا جمهور العلماء والخلاف فيه شذوذ ولا أعلمه إلا شيء روي عن ابن عباس ومعاوية أنهما قالا: من ملك النصاب من الذهب والوَرِق وجبت عليه الزكاة في الوقت. وهذا قول لم يعرج عليه أحدٌ من العلماء ولا قال به أحدٌ من أئمة الصحابة ولا قال به أحدٌ من أئمة الفتوى إلا رواية عن الأوزاعي ... ] فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ مالك 5/ 20.

وذكر الحافظ ابن عبد البر أيضاً: [أن القول باشتراط الحول في الزكاة عليه جماعة الفقهاء قديماً وحديثاً لا يختلفون فيه أنه لا يجب في مال من العين ولا في ماشية زكاة حتى يحول عليه الحول إلا ما روي عن ابن عباس وعن معاوية أيضاً ... ولا أعلم أحداً من الفقهاء قال بقول معاوية وابن عباس في اطراح مرور الحول إلا مسألة جاءت عن الأوزاعي ... وعقب الحافظ ابن عبد البر بقوله: [هذا قول ضعيف متناقض] انظر الاستذكار 9/ 32 - 33. والقول باشتراط الحول في الزكاة قال به الأئمة الأربعة وثبت ذلك عن الخلفاء الأربعة وهو قول مشهور بين الصحابة وعملوا به وهذا الانتشار لا يجوز إلا أن يكون عن توقيف كما قال العلامة ابن رشد، بداية المجتهد 5/ 78. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام مؤيداً اشتراط الحول: [فقد تواترت الآثار عن علية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا] كتاب الأموال ص 505. وحديث ابن عمر رضي الله عنه الذي ذكره ابن رشد وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي والدارقطني وغيرهم. وقد ورد بهذا اللفظ ونحوه عن جماعة من الصحابة، وهذه الأحاديث فيها كلام طويل لأهل الحديث لا يتسع المقام لإيراده والصحيح أنها تصلح للاستدلال بمجموع طرقها بل إن بعض طرقها صحيح أو حسن. قال الشيخ أحمد الغماري بعد أن تكلم على أسانيد هذه الأحاديث: [ ... إلا أن مجموع هذه الأحاديث مع حديث علي الذي هو حسن يصل إلى درجة المعمول به لا سيما مع تواتر ذلك عن الصحابة كما قال أبو عبيد في الأموال: قد تواترت الآثار عن علية أصحاب رسول الله

صلى الله عليه وسلم بهذا ثم أسند ذلك عن علي وابن عمر وأبي بكر وعثمان وابن مسعود وطارق بن شهاب وفي مصنف ابن أبي شيبة زيادة أبي بكرة وعائشة وبعض ذلك في الموطأ كأثر ابن عمر وعثمان] الهداية في تخريج أحاديث البداية 5/ 84 - 86. وحديث علي رضي الله عنه الذي أشار إليه الشيخ الغماري هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا من الرقة ربع العشر من كل مئتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين ديناراً نصف دينار وليس في مئتي درهم شيء حتى يحول عليها الحول ففيها خمسة دراهم ... الخ) رواه أبو داود والبيهقي وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 296. وكذلك فإن الشيخ الألباني صحح حديث ابن عمر المذكور بمجوع طرقه وذكر أن حديث علي رضي الله عنه السابق يقويه فقال: [ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى بسند صحيح عن علي رضي الله عنه خرجته في صحيح أبي داود فصح الحديث والحمد لله] إرواء الغليل 3/ 258. وقال الإمام الزيلعي عن حديث علي المذكور: [ ... فالحديث حسن ... قال النووي رحمه الله في الخلاصة وهو حديث صحيح أو حسن] نصب الراية 2/ 328. وقال الحافظ ابن حجر: [ ... حديث علي لا بأس بإسناده والآثار تعضده فيصلح للحجة والله أعلم] التلخيص الحبير 2/ 156. وقال الحافظ أيضاً: إنه حديث حسن. بلوغ المرام ص 121. كما أن الحافظ العراقي قد جوَّد إسناد

حديث علي رضي الله عنه كما في إتحاف السادة المتقين 4/ 16. وقال الإمام الشوكاني بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في اشتراط الحول: [ومجموع هذه الأحاديث تقوم به الحجة في اعتبار الحول] السيل الجرار 2/ 13. والمسألة فيها كلام طويل للعلماء المتقدمين والمعاصرين لا يتسع له المقام، ولكن أكثر المجامع العلمية المعاصرة اختارت قول الجمهور واختار الشيخ القرضاوي الرأي الآخر وهو ضعيف كما ذكرت. إذا تقرر أن الراجح أنه لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه الحول، فهنالك طريقتان في ذلك: الأولى أن صاحبه يستقبل به الحول ولا يضيفه إلى أمواله الأخرى فإذا حال عليه الحول زكَّاه، وأما الطريقة الثانية فهي أن يضيف المال المستفاد إلى بقية أمواله فيزكيه معها وإن لم يحل الحول على المال المستفاد، وهذه الطريقة فيها تسامح من المالك لأنه يغلب حق الفقير كما أنها أسهل في الحساب. وهذه الطريقة أحسن وأولى. وخلاصة الأمر أن المال المستفاد لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول، فهذا المال الذي ورثه السائل عن أبيه يضيفه إلى أمواله الأخرى فيزكي الجميع عند حلول الحول وهو شهر رمضان القادم، وإن لم يكن عنده مال سواه، استقبل به الحول ويزكيه عند تمام الحول. - - -

يجوز قضاء دين الأقارب من مال الزكاة

يجوز قضاء دين الأقارب من مال الزكاة يقول السائل: إن ابنه يعمل مدرساً وراتبه قليل، وقد بنى بيتاً وتزوج وتحمل ديوناً كثيرة، فهل يجوز له أن يقضي ديون ابنه من مال الزكاة، أفيدونا؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى في بيان مصارف الزكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة الآية 60. وقد قرر أهل العلم أنه يجوز إعطاء الأقارب من الزكاة إن لم تكن نفقة القريب واجبة على المزكي بل إن إعطاء الزكاة للقريب مقدم على إعطائها لغير القريب، لما ثبت في الحديث عن سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة) رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، ورواه ابن ماجة والحاكم وقال: إسناده صحيح ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 3/ 387. قال المباركفوري: [قوله: (الصدقة على المسكين) أي صدقة واحدة (وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة) يعني أن الصدقة على الأقارب أفضل لأنه خيران ولا شك أنهما أفضل من واحد] تحفة الأحوذي 3/ 261.

وبناءً على ذلك يجوز إعطاء الزكاة للأقارب كالعم والخال والعمة والخالة والأخت المتزوجة والأخ وابن الأخ وابن الأخت ونحوهم إن كانوا فقراء، ولم يكن المزكي ملزماً بالإنفاق عليهم، جاء في الفتاوى الهندية: [والأفضل في الزكاة والفطر والنذور الصرف أولاً إلى الأخوة والأخوات، ثم إلى أولادهم، ثم إلى الأعمام والعمات، ثم إلى أولادهم ثم إلى الأخوال والخالات، ثم إلى أولادهم، ثم إلى ذوي الأرحام ثم إلى الجيران ثم إلى أهل حرفته ثم إلى أهل مصره أو قريته] الفتاوى الهندية 1/ 190. إذا تقرر هذا فيجوز قضاء ديون الأقارب من مال الزكاة، حتى وإن وجبت نفقتهم على المزكي فيجوز قضاء دين الأب ودين الأم ودين الابن ودين البنت وغيرهم من الأقارب، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة على المزكي، لأن ديون الأقارب بما فيها ديون الوالدين والأولاد لا يجب شرعاً على المرء أن يؤديها عنهم، فيجوز قضاء الدين عنهم من الزكاة لأنهم يعتبرون هنا في هذه الحالة من الغارمين فهم يستحقون الزكاة هنا بوصف لا تأثير للقرابة فيه. قال الإمام النووي: [قال أصحابنا ويجوز أن يدفع إلى ولده ووالده من سهم العاملين والمكاتبين والغارمين والغزاة، إذا كان بهذه الصفة ... ] المجموع 6/ 229. ويدل على ذلك عموم قوله تعالى في آية مصارف الزكاة {وَالْغَارِمِينَ} فهؤلاء الأقارب المدينين داخلون في عموم الغارمين، ويدل على ذلك أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة

فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، قال: ثم قال: (يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش فما سواهن في المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) صحيح مسلم 3/ 109 - 110. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا وإلى الولد وإن سفل إذا كانوا فقراء، وهو عاجز عن نفقتهم لوجود المقتضي السالم عن المعارض المقاوم وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وكذا إن كانوا غارمين أو مكاتبين أو أبناء السبيل وهو أحد القولين أيضاً في مذهب أحمد] الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر: [الذين يأخذون الزكاة صنفان: صنف يأخذ لحاجته كالفقير والغارم لمصلحة نفسه. وصنف يأخذها لحاجة المسلمين: كالمجاهد والغارم في إصلاح ذات البين فهؤلاء يجوز دفعها إليهم وإن كانوا من أقاربه. وأما دفعها إلى الوالدين: إذا كانوا غارمين أو مكاتبين: ففيها وجهان، والأظهر جواز ذلك. وأما إن كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم فالأقوى جواز

دفعها إليهم في هذه الحال; لأن المقتضي موجود والمانع مفقود فوجب العمل بالمقتضي السالم عن المعارض المقاوم] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 25/ 90. وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز: [دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من هم ليسوا من قرابتك، لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة، إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم، وأعطيتهم من الزكاة ما تحمي به مالك من الإنفاق فإن هذا لا يجوز، فإذا قُدِّرَ أن هؤلاء الإخوة الذين ذكرت والأخوات فقراء، وأن مالك لا يتسع للإنفاق عليهم فلا حرج عليك أن تعطيهم من زكاتك، وكذلك لو كان هؤلاء الإخوة والأخوات عليهم ديون للناس وقضيت دينهم من زكاتك، فإنه لا حرج عليك في هذا أيضاً، وذلك لأن الديون لا يلزم القريب أن يقضيها عن قريبه، فيكون قضاؤها من زكاته أمرا مجزياً، حتى ولو كان ابنك أو أباك وعليه دين لأحدٍ ولا يستطيع وفاءه فإنه يجوز لك أن تقضيه من زكاتك، أي: يجوز أن تقضي دين أبيك من زكاتك، ويجوز أن تقضي دين ولدك من زكاتك، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة عليك، فإن كان سببه تحصيل نفقة واجبة عليك فإنه لا يحل لك أن تقضي الدين من زكاتك؛ لئلا يتخذ ذلك حيلة على منع الإنفاق على من تجب نفقتهم عليه لأجل أن يستدين ثم يقضي ديونهم من زكاته] مجموع فتاوى عبد العزيز بن باز 14/ 310. وقال الشيخ العلامة محمد صالح العثيمين [كل من تلزمه نفقته فإنه لا يجوز أن يدفع زكاته إليهم من أجل النفقة، أما لو كان في قضاء دين فلا بأس،

فإذا فرضنا أن الوالد عليه دين، وأراد الابن أن يقضي دينه من زكاته وهو لا يستطيع قضاءه فلا حرج، وكذلك الأم وكذلك الابن، أما إذا كنت تعطيه من زكاتك من أجل النفقة فهذا لا يجوز، لأنك بهذا توفر مالك، والنفقة تجب للوالدين: الأم والأب، وللأبناء والبنات، ولكل من ترثه أنت لو مات، أي: كل من ترثه لو مات فعليك نفقته، لقول الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ} فأوجب الله على الوارث أجرة الرضاع؛ لأن الرضاع بمنزلة النفقة] مجموع فتاوى العثيمين 18/ 416. وقال الشيخ القرضاوي: [أما القريب الوثيق القرابة كالوالدين والأولاد والإخوة والأخوات والأعمام والعمات ... إلخ. ففي جواز إعطائهم من الزكاة تفصيل: فإذا كان القريب يستحق الزكاة لأنه من العاملين عليها أو في الرقاب أو الغارمين أو في سبيل الله، فلقريبه أن يعطيه من زكاته ولا حرج؛ لأنه يستحق الزكاة هنا بوصف لا تأثير للقرابة فيه، ولا يجب على القريب - باسم القرابة - أن يؤدي عنه غُرمه، أو يتحمل عنه نفقة غزوه في سبيل الله، وما شابه ذلك] فقه الزكاة للقرضاوي 2/ 716. وخلاصة الأمر أنه يجوز للأب أن يسدد ديون ابنه من مال الزكاة. - - -

وجوب زكاة الفطر في حق من لم يصم رمضان

وجوب زكاة الفطر في حق من لم يصم رمضان يقول السائل: إن والده كبير في السن وعاجز عن الصيام ولم يصم في رمضان الحالي فهل تجب زكاة الفطر عليه أفيدونا؟ الجواب: زكاة الفطر فريضة عند جمهور أهل العلم وقد ثبتت بأحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين حر أو عبد أو رجل أو امرأة صغير أو كبير صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغيرٍ وكبير حرٍ أو مملوكٍ صاعاً من طعام أو صاعاً من أقط أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجاً أو معتمراً فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر فأخذ الناس بذلك. قال أبو سعيد فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما عشت) رواه مسلم.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً في فجاج مكة (ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير، مدان من قمح أو سواه صاع من طعام) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب. وغير ذلك من الأحاديث. وزكاة الفطر هي زكاة الأبدان بخلاف زكاة الأموال وقد ذكر أهل العلم أن الحكمة من مشروعية زكاة الفطر هي المشار إليها في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وحسَّنه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود حديث رقم 1420. ومما ذكره بعض أهل العلم من الحِكَمِ أن زكاة الفطر تطهير وتنقية للصائم مما اقترفه في صيامه من اللغو: وهو الكلام الباطل الذي لا فائدة فيه، أو الرفث: وهو ما قبح وساء من الكلام. قال وكيع بن الجراح: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة، وقال الشيخ ولي الله الدهلوي [وإنما وقتت بعيد الفطر لمعانٍ: منها أنها تكمل كونه من شعائر الله، وأن فيها طهرة للصائمين وتكميلاً لصومهم بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة] حجة الله البالغة 2/ 79. وكذلك فإنها من شكر الله عز وجل على إتمام الشهر، ونعمة إكمال الصيام. وكذلك ما فيها من إشاعة المحبة، وبث السرور بين الناس، وخاصة المساكين، فالعيد يوم فرح وسرور، فاقتضت حكمة الشارع أن يفرض

للمسكين في يوم العيد ما يعفّه عن السؤال، ويغنيه عن الحاجة، وقد روي في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم عن الطواف هذا اليوم) رواه الحاكم والدارقطني وغيرهما، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً لكن يقويه حديث ابن عباس السابق كما قال العلامة العثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع 6/ 181. إذا تقرر هذا فإن شرط وجوب زكاة الفطر أمران: أولهما الإسلام وثانيهما أن يكون عند المسلم ليلة العيد ما يزيد عن قوته وقوت عياله، ولذا لا يشترط لوجوبها ملك النصاب على قول جمهور العلماء. وبناءً على ذلك تجب زكاة الفطر على كل مسلم حضر رمضان صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً كان أو أنثى، صحيحاً أو مريضاً، مقيماً أو مسافراً، صام أم لم يصم، ومما يدل على ذلك أن النصوص التي أوجبت زكاة الفطر جاءت عامة مطلقة وورد فيها الأنثى ومن المعلوم أن من الإناث من لا تصوم كل رمضان إما للحيض وإما للنفاس وإما أن تكون حاملاً أو مرضعاً، وورد فيها الصغير والكبير، والصغير لفظ عام يشمل كل صغير حتى الرضيع ومن المعلوم أن الصيام ليس بواجب على الصغار وإن صاموا قبل منهم، وكذلك الكبير فمن المعلوم أن من الكبار من لا يطيق الصيام بسبب الهرم كما قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 184. وكذلك فقد يكون من الكبار من هو مريض أو مسافر

لا يلزمه الصوم كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} سورة البقرة الآية 184. ومما يؤيد ذلك: [أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة رضوان الله عليهم أن يُخرجوا زكاة الفطر، ولم يفصِّل، حيث لم يقل: (من أفطر شيئاً من رمضان فلا زكاة عليه)، ولم يقل: (من كان شيخاً كبيراً فأفطر فلا زكاة عليه)، والأصل في المطلق أن يبقى على إطلاقه] موقع الشيخ الشنقيطي، شبكة الإنترنت. ومما يؤيد ذلك ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن الشعبي (أنه كان يقول صدقة الفطر عمن صام من الأحرار وعن الرقيق من صام منهم ومن لم يصم، نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير). وروى أيضاً عن الحسن البصري (أنه قال مثل قول الشعبي فيمن لم يصم من الأحرار) المصنف 3/ 171. ومما يؤيد ذلك أيضاً ما قاله بعض أهل العلم في تسمية زكاة الفطر بهذا الاسم كأنها من الفطرة التي هي الخلقة، فوجوبها عليها تزكية للنفس، وتنقية لعملها فيدخل في ذلك من صام ومن لم يصم. انظر فقه الزكاة 2/ 917. وأما ما نقل عن بعض الفقهاء من أن زكاة الفطر واجبة على من صام رمضان فقط لأنه ورد في الحديث: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين)، فقد أجاب عن ذلك الإمام النووي بقوله [وتعلق من لم يوجبها أنها تطهير والصبي ليس محتاجاً

إلى التطهير لعدم الإثم، وأجاب الجمهور عن هذا بأن التعليل بالتطهير لغالب الناس، ولا يمتنع ألا يوجد التطهير من الذنب، كما أنها تجب على من لا ذنب له، كصالح محقق الصلاح، وككافر أسلم قبل غروب الشمس بلحظة، فإنها تجب عليه مع عدم الإثم] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 50. وأجاب الشيخ الشنقيطي أيضاً بقوله: [والصحيح: ما نص عليه الجماهير من أنها شرعت طعمةً للمساكين وغناءً لهم يوم العيد، وعلى هذا كونها تطهِّر الصائم من اللغو والرفث مشترك مع غيره من العلة الموجودة، ويجوز تعليل الحكم بعلتين على أصح أقوال الأصوليين، وحينئذٍ يستقيم أن يخاطب بها إعمالاً للأصل؛ لأنه أفطر من رمضان، والمراد أنه دخلت عليه ليلة العيد وهي ليلة الفطر من رمضان. ألا ترى أنهم نصوا على أنه لو أسلم الكافر قبل مغيب الشمس ولو بلحظة أنه تجب عليه زكاة الفطر مع أنه لم يصم، وبناءً على ذلك لا يشترط أن يكون قد صام، بل زكاة الفطر واجبة على من صام أو أفطر بعذر] موقع الشيخ الشنقيطي، شبكة الإنترنت. [وقد سئل الشيخ العلامة العثيمين عمن تجب عليه زكاة الفطر؟ فأجاب فضيلته بقوله: تجب على كل إنسان من المسلمين ذكراً كان أو أنثى، صغيراً كان أم كبيراً، سواء كان صائماً أم لم يصم، كما لو كان مسافراً ولم يصم فإن صدقة الفطر تلزمه] شبكة الإنترنت.

وخلاصة الأمر أن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم شهد رمضان صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً كان أو أنثى، صحيحاً أو مريضاً، مقيماً أو مسافراً، صام أم لم يصم. - - -

الصيام

الصيام

المفطرات العصرية

المفطرات العصرية يقول السائل: نسمع من المشايخ على الفضائيات وفي المساجد أموراً متضاربة في مفطرات الصائم وخاصة ما يتعلق بالأشياء العصرية مثل بخاخ الربو والتحاميل واستعمال المنظار الطبي ونحوها فما قولكم في ذلك؟ الجواب: إن الاختلاف الفقهي في الفروع إن صدر عن أهل العلم وكان معتمداً على استدلالات صحيحة خلاف معتبر وسبب الخلافات في هذه الأمور التي اعتبرها بعض العلماء مفطرة للصائم وبعضهم يرى أنه غير مفطرة يرجع إلى تحديد معنى الجوف فمنهم يعتبر أن الجوف هو التجويف البطني فجعلوا الداخل إليه من أي منفذ مفطراً لكونه موصلاً إلى الجوف وتوسع الشافعية في مدلول الجوف فقالوا: [كل مجوف في بدن الإنسان فهو جوف كباطن الإذن وداخل العين وباطن الرأس وباطن الدبر والقبل فعندهم يفطر الصائم بكل ما دخل من هذه المنافذ حتى قالوا يفطر الصائم بما وصل من عينه عمداً إلى مطلق الجوف من منفذ مفتوح والتقطير في باطن الأذن مفطر والحقنة من الدبر والتقطير في باطن الإحليل وإدخال عود أو نحوه فيه مفطر ودخول طرف الأصبع في الدبر حالة الاستنجاء فيفطر به] تحفة الحبيب على شرح الخطيب بتصرف، وقالوا أيضاً: [لو طعن نفسه أو طعنه غيره فوصل السكين جوفه أفطر] حاشيتا قليوبي وعميرة، وقالوا أيضاً: [لو كان برأسه جرحاً فوضع عليه دواءً فوصل إلى الدماغ أفطر] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، وغير ذلك.

[والقول الراجح أن الجوف هو المعدة فقط، أي إن المفطر هو ما يصل إلى المعدة دون غيرها من تجاويف البدن. ويضاف إلى ذلك أن الأمعاء هي المكان الذي يمتص فيه الغذاء، فإذا وضع فيها ما يصلح للامتصاص سواء كان غذاء أو ماء فهو مفطر، لأن هذا في معنى الأكل والشرب كما لا يخفى] مفطرات الصيام المعاصرة. إذا تقرر هذا فإن أرجح أقوال أهل العلم هو التضييق في مسألة المفطرات وعدم التوسع فيها لعدم ثبوت الأدلة، فالمفطرات المعتبرة هي ما دل عليه الكتاب والسنة وهي الطعام والشراب والجماع ومعلوم أن الطعام والشراب يتناوله الإنسان من منفذه الطبيعي وهو الفم فما كان طعاماً أو شراباً ودخل من المدخل الطبيعي فلا شك أنه يفطر الصائم. ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} البقرة الآية 187. وبناءً على ما سبق فإن استعمال بخاخ الربو والتحاميل واستعمال المنظار الطبي من أي موضع دخل لا تعتبر من المفطرات وكذلك القطرات بأنواعها لا تفطر الصائم سواء كانت في الأذن أو العين أو الأنف وكذلك الحقن (الإبر) الدوائية سواء كانت في الوريد أو العضل أو تحت الجلد لا تفطر الصائم وكذلك الحقن الشرجية لا تفطر الصائم وكذا غاز الأكسجين لا يفطر الصائم، وكذلك غسيل الكلى إن لم يصاحبه تزويد للجسم بمواد مغذية سكرية أو غيرها فلا يفطر الصائم وكذلك الفحص الداخلي للمرأة لا يفطر الصائم وكذلك

سحب الدم للتبرع به أو للتحليل لا يفطر الصائم وكذلك التخدير الموضعي وجميع أنواع الدهون والمراهم واللصقات العلاجية لا تفطر الصائم. وقد اختار القول بالتضييق في المفطرات الإمام البخاري صاحب الصحيح رحمه الله كما يؤخذ من تراجم أبوابه، واختاره الشيخ ابن حزم الظاهري رحمه الله حيث قال: [إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي وما علمنا أكلاً ولا شرباً يكون على دبر أو إحليل أو أذن أو عين أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس وما نهينا قط أن نوصل إلى الجوف بغير الأكل والشرب ما لم يحرم علينا إيصاله] المحلى 4/ 348. واختاره أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فنهم من لم يفطر بشيء من ذلك ومنهم من فطر بالجميع لا بالكحل ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير ومن لم يفطر الكحل ولا بالتقطير ويفطر بما سوى ذلك والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك فإن الصيام في دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك] مجموع الفتاوى 25/ 233 - 234.

وقال شيخ الإسلام أيضاً: [إن الأحكام التي تحتاج الأمة معرفتها لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً ولا بد أن تنقلها الأمة فإذا انتفى هذا علم أن هذا ليس من دينه وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً ولا بد أن تنقل الأمة فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبين صلى الله عليه وسلم كما بين الإفطار بغيره] مجموع الفتاوى 2/ 236 - 242. وكذا اختاره جماعة من علماء العصر كالشيخ القرضاوي وأعضاء مجمع الفقه الإسلامي حيث ورد في قراره مايلي: [بعد اطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع المفطرات في مجال التداوي، والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من 9 - 12 صفر 1418هـ الموافق 14 - 17 حزيران (يونيو) 1997م، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء، والنظر في الأدلة من الكتاب والسنة، وفي كلام الفقهاء قرر ما يلي: أولاً: الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: 1. قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

2. الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 3. ما يدخل المهبل - فرج المرأة - من تحاميل (لبوس)، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي. 4. إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم. 5. ما يدخل الإحليل - أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى - من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة. 6. حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 7. المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 8. الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية. 9. غاز الأكسجين. 10. غازات التخدير (البنج) ما لم يعط المريض سوائل (محاليل) مغذية. 11. ما يدخل الجسم امتصاصًا من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية. 12. إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء.

13. إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها. 14. أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل. 15. منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى. 16. دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي. 17. القيء غير المتعمد بخلاف المتعمد (الاستقاءة)]. مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد العاشر الجزء الثاني 453 - 455. وخلاصة الأمر أن الراجح من أقوال أهل العلم هو التضييق في المفطرات، وأن المفطرات المعتبرة هي الجماع والأكل والشرب ويضاف لها ما اتفق عليه أهل العلم على أنه مفطر، مما هو في حكم الطعام والشراب، كالتدخين وتعاطي الأدوية عن طريق الفم. - - -

الطبيب الذي يؤخذ بقوله في إفطار المريض في رمضان

الطبيب الذي يؤخذ بقوله في إفطار المريض في رمضان يقول السائل: من هو الطبيب الذي يؤخذ بقوله في إفطار المريض في رمضان؟ الجواب: الأصل في الطبيب الذي يقبل قوله إذا أخبر المريض أن يفطر في رمضان هو الطبيب المسلم الثقة الحاذق في الطب وكذا إذا أخبر هذا الطبيب بأن المريض ممنوع من استعمال الماء لمرضه فيجوز له التيمم أو أخبره بأن عليه أن يصلي قاعداً في الفريضة ونحو ذلك من المسائل. وقد قال جماعة من الفقهاء بأن الإسلام شرط في هذا الطبيب مع كونه حاذقاً، فلا يقبل قول الطبيب غير المسلم قال الإمام النووي: [قال أصحابنا يجوز أن يعتمد في كون المرض مرخصاً في التيمم وأنه على الصفة المعتبرة على معرفة نفسه إن كان عارفاً وإلا فله الاعتماد على قول طبيب واحد حاذق مسلم بالغ عدل فان لم يمكن بهذه الصفة لم يجز اعتماده] المجموع 2/ 286. وقال الشيخ البهوتي الحنبلي: [(وإذا قال طبيب) سمي بذلك لفطنته وحذقه (مسلم ثقة) أي عدل ضابط فلا يقبل خبر كافر ولا فاسق، لأنه أمر ديني، فاشترط له ذلك كغيره من أمور الدين (حاذق فطن لمريض: إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك فله) أي المريض (ذلك) أي الصلاة مستلقياً (ولو مع قدرته على القيام)] كشاف القناع عن متن الإقناع. ومن الفقهاء من أجاز قبول قول الطبيب غير المسلم إذا كان حاذقاً في الطب وهذا أرجح قولي الفقهاء في المسألة وفيه نوع من التيسير على الناس وخاصة

في بلادنا حيث إن كثيراً من الناس يتعالجون عند أطباء غير مسلمين، فإذا كان الطبيب غير المسلم حاذقاً وماهراً في تخصصه فيجوز للمسلم أن يقبل قوله في قضايا الإفطار في رمضان وغيرها. قال الشيخ ابن مفلح الحنبلي: [وقال الشيخ تقي الدين – أي شيخ الإسلام ابن تيمية -: إذا كان اليهودي أو النصراني خبيراً بالطب ثقة عند الإنسان جاز له أن يستطب كما يجوز له أن يودعه المال وأن يعامله كما قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلاً مشركاً هادياً خريتاً والخريت الماهر بالهداية وائتمنه على نفسه وماله وكانت خزاعة عيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم - أي موضع سره وأمانته - مسلمهم وكافرهم، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحارث بن كلدة وكان كافراً، وإذا أمكنه أن يستطب مسلماً فهو كما لو أمكنه أن يودعه أو يعامله فلا ينبغي أن يعدل عنه، وأما إذا احتاج إلى ائتمان الكتابي أو استطبابه فله ذلك ولم يكن من ولاية اليهود والنصارى المنهي عنها وإذا خاطبه بالتي هي أحسن كان حسناً فإن الله تعالى يقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} الآداب الشرعية 2/ 441 - 442. والحديث الذي أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في حادثة الهجرة النبوية هو ما رواه الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت واستأجر رسول الله صلى الله عليه

وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل هادياً خريتاً وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث) والخريت هو الماهر في الدلالة على الطريق. وقال العلامة ابن القيم معلقاً على استئجار المشرك في حادثة الهجرة: [في استئجار النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط الديلي هادياً في وقت الهجرة، وهو كافر دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل والأدوية والحساب والعيوب ونحوها ما لم يكن ولاية تتضمن عدالة، ولا يلزم من مجرد كونه كافراً ألا يوثق به في شيء أصلاً، فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما في مثل طريق الهجرة] بدائع الفوائد 3/ 208. والحديث الثاني الذي أشار إليه شيخ الإسلام هو ما رواه أبو داود عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال مرضت مرضاً أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي فقال إنك رجل مفئود ائت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطبب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن). قال صاحب عون المعبود: [(مفئود): اسم مفعول مأخوذ من الفؤاد وهو الذي أصابه داء في فؤاده وأهل اللغة يقولون الفؤاد هو القلب، وقيل هو غشاء القلب، أو كان مصدورا فكنى بالفؤاد عن الصدر لأنه محله قاله القاري ... قوله (ثم ليلدك بهن): من اللدود وهو صب الدواء في الفم أي ليجعله في الماء ويسقيك] والحارث بن كلدة الثقفي من أشهر أطباء العرب في الجاهلية

وأدرك الإسلام واختلف في إسلامه ولكن لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعداً أن يتداوى عنده لم يكن مسلماً حينذاك. وقال الشيخ ابن مفلح الحنبلي أيضاً: [وذكر أبو الخطاب في حديثه صلح الحديبية وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عيناً له من خزاعة وقبوله خبره، إن فيه دليلاً على جواز قبول المتطبب الكافر فيما يخبر به عن صفة العلة ووجه العلاج إذا كان غير متهم فيما يصفه وكان غير مظنون به الريبة] الآداب الشرعية 2/ 442. وقال الرحيباني الحنبلي: [وسن فطر وكره صوم (لخوف مريض وحادث به في يومه ضرراً بزيادته أو طوله أي المرض ولو بقول طبيب غير مسلم ثقة] مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى. وقال الشيخ النفراوي المالكي: [الخوف المجوز للفطر هو المستند صاحبه إلى قول طبيب ثقة حاذق أو لتجربة من نفسه] الفواكه الدواني. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: [ذهب بعضُ أهلِ العِلم إلى اشتراطِ الثقةِ فقط دون الإِسلام، وقال: متى كان الطبيبُ ثقةً عُمِلَ بقولِه وإنْ لم يكن مسلماً. واستدلُّوا لذلك: بأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَمِلَ بقول الكافر حال ائتمانه؛ لأنه وَثِقَ به فقد استأجرَ في الهجرةِ رَجُلاً مشركاً مِن بني الدِّيلِ، يُقال له: عبدُ الله بن أُريقط ليدلَّه على الطريق مِن مكَّة إلى المدينة، مع أنَّ الحالَ خطرةٌ جداً أن يعتمد فيها على الكافر، لأن قريشاً كانوا يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر حتى جعلوا لمن جاء بهما مئتي بعير، ولكن لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجل أمين، وإن كان

كافراً ائتمنه ليدله على الطريق. فأخذ العلماء القائلون بأن المدار على الثقة أنه يقبل قول الطبيب الكافر إذا كان ثقة، ونحن نعلم أن من الأطباء الكفار من يحافظون على صناعتهم ومهنتهم أكثر مما يحافظ عليها بعض المسلمين لا تقرباً إلى الله أو رجاء لثوابه، ولكن حفاظاً على سمعتهم وشرفهم. فإذا قال طبيب غير مسلم ممن يوثق بقوله لأمانته وحذقه: إنه يضرك أن تصلّي قائماً ولا بد أن تصلّي مستلقياً فله أن يعمل بقوله، ومن ذلك أيضاً لو قال له الطبيب الثقة: إن الصوم يضرك أو يؤخر البرء عنك فله أن يفطر بقوله. وهذا هو القول الراجح لقوة دليله وتعليله] الشرح الممتع. وخلاصة الأمر أنه يقبل قول الطبيب المسلم الثقة المتخصص في الأعذار التي تبيح الفطر في رمضان وكذلك يقبل قول الطبيب غير المسلم المتخصص فيجوز للمريض أن يأخذ بقولهما فيفطر في رمضان، ولكن يجب الحذر من الأخذ بأقوال الأطباء المستهترين بالدين ممن لا يصلون ولا يصومون فهؤلاء ليسوا من الثقات فلا تقبل أقوالهم في المسائل الدينية. - - -

قضاء رمضان

قضاء رمضان تقول السائلة: إنها تبلغ من العمر خمساً وثلاثين سنة ولم تقض ما أفطرته من شهور رمضان السابقة بسبب الحيض، لأنها لم تكن تعلم بوجوب القضاء عليها والآن قد عرفت بوجوب قضاء الحائض ما أفطرته من رمضان فماذا تصنع؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الحائض لا تصوم لأن من شروط الصيام الطهارة من الحيض وقد كنت أظن أن هذا الحكم معروف بين النساء ولكنني علمت من خلال أسئلة بعض النساء أنهن كن يصمن حال الحيض ولا يعرفن أنه لا يجوز للحائض الصوم، ومما يدل على منع الحائض من الصيام ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ... أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) رواه البخاري ومسلم. وينبغي أن يعلم ثانياً أن العلماء قد اتفقوا على وجوب قضاء الحائض ما أفطرته من رمضان بسبب الحيض، فقد ورد في الحديث عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) رواه البخاري ومسلم. ومعاذة هي بنت عبد الله العدوية، وهي معدودة في فقهاء التابعين قولها: (أحرورية أنت؟) الحروري منسوب إلى حرورا، بلدة على ميلين من

الكوفة، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي رضي الله عنه بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فرق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقاً. تحفة الأحوذي 1/ 345. وينبغي أن يعلم ثالثاً أن العذر بالجهل ليس مقبولاً على إطلاقه عند أهل العلم بل المسألة فيها تفصيل فهنالك أمور من الدين، العلم بها فرض عين ولا يعذر المسلم بجهلها، فقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، رواه ابن ماجة وغيره وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وانظر صحيح الترغيب والترهيب 1/ 140. والمقصود بالعلم الذي هو فريضة ما هو فرض عين والمقصود بفرض العين ما يجب على كل مسلم مكلف أن يحصله ولا يعذر بجهله، وحدُّ هذا القسم هو ما تتوقف عليه صحة العبادة أو المعاملة فيجب على المسلم أن يتعلم كيفية الوضوء والصلاة والأحكام الأساسية في الصوم والزكاة إن كان عنده نصاب والأحكام الأساسية في الحج إن كان من أهل الاستطاعة وكذلك يجب عليه أن يتعلم أحكام المعاملات التي يحتاج إليها. قال ابن عابدين في حاشيته نقلاً عن العلامي في فصوله: [من فرائض الإسلام تعلم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى ومعاشرة عباده وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد تعلمه علم الدين والهداية تعلم علم الوضوء والغسل والصلاة والصوم وعلم الزكاة لمن له نصاب والحج لمن وجب عليه والبيوع على التجار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات وكذا أهل الحرف

وكل من اشتغل بشيء يفترض عليه علمه وحكمه ليمتنع عن الحرام فيه] حاشية ابن عابدين 1/ 42. وقال الإمام النووي: [ ... فرض العين وهو تعلم المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به ككيفية الوضوء والصلاة ونحوها] المجموع 1/ 42. فهذا النوع من العلم هو الذي لا يسع المسلم أن يجهله، وهو علم العامة كما قال الإمام الشافعي: [قال لي قائل: ما العِلْمُ؟ وما يَجِبُ على الناس في العلم؟ فقلت له: العلم عِلْمان: علمُ عامَّةٍ، لا يَسَعُ بالِغاً غيرَ مغلوب على عقْلِه جَهْلُهُ. قال: ومِثْل ماذا؟ قلت: مثلُ الصَّلَوَاتِ الخمس، وأن لله على الناس صومَ شهْر رمضانَ، وحجَّ البيت إذا استطاعوه، وزكاةً في أموالهم، وأنه حرَّمَ عليهم الزِّنا والقتْل والسَّرِقة والخمْر، وما كان في معنى هذا، مِمَّا كُلِّفَ العِبادُ أنْ يَعْقِلوه ويعْملوه ويُعْطُوه مِن أنفسهم وأموالهم، وأن يَكُفُّوا عنه ما حرَّمَ عليهم منه. وهذا الصِّنْف كلُّه مِن العلم موجود نَصًّا في كتاب الله، وموْجوداً عامًّا عنْد أهلِ الإسلام، ينقله عَوَامُّهم عن مَن مضى من عوامِّهم، يَحْكونه عن رسول الله، ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم. وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط مِن الخبر، ولا التأويلُ، ولا يجوز فيه التنازعُ. قال: فما الوجه الثاني؟ قلت له: ما يَنُوبُ العِباد مِن فُروع الفرائض، وما يُخَصُّ به مِن الأحكام وغيرها، مما ليس فيه نصُّ كتاب، ولا في أكثره نصُّ سنَّة، وإن كانت في شيء منه سنةٌ فإنما هي مِن أخْبار الخاصَّة، لا أخبارِ العامَّة، وما كان منه يحتمل التأويل ويُسْتَدْرَكُ قِياسًا] الرسالة ص 357 - 359.

وقال جلال الدين السيوطي: [كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك، كتحريم الزنا والقتل والسرقة والخمر والكلام في الصلاة والأكل في الصوم] الموسوعة الفقهية الكويتية 16/ 199. وما يدل على أن المسلم لا يعذر بالجهل في هذا القسم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل عذر الجهل من الرجل الذي أساء الصلاة فلم يعتد بصلاته فعن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثاً، فقال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً وافعل ذلك في صلاتك كلها) رواه البخاري ومسلم. ويدخل في هذا القسم وجوب قضاء الحائض ما أفطرته من رمضان فهذا الحكم لا تعذر المرأة بالجهل به بشكل عام ما دامت تعيش في ديار الإسلام. وهنالك حالات يعذر فيها المسلم بالجهل كمن يجهل دقائق المسائل الفقهية كالفرعيات في الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها فقد عذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي بال في المسجد كما ورد في الحديث عن

أبي هريرة أن أعرابياً بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء أو سجلاً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) رواه البخاري ومسلم، وكما عذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي أحرم في ملابس مطيبة فعن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق أو قال أثر صفرة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ... قال أين السائل عن العمرة اغسل عنك أثر الصفرة أو قال أثر الخلوق واخلع عنك جبتك واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) رواه البخاري ومسلم. إذا تقرر هذا فإن الواجب على المرأة السائلة أن تقضي جميع الأيام التي أفطرتها من رمضانات سابقة وتبقى ذمتها مشغولة بذلك حتى تقضيها ولا فدية عليها لأن الراجح من أقوال أهل العلم فيمن أخر قضاء ما عليه من رمضان سواء كان تأخير القضاء بعذر أو بدون عذر وجوب القضاء فقط ولا تجب عليه الفدية لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} سورة البقرة الآية 184. وهذا هو القول الراجح فيما يظهر لي لأن المسألة لا يوجد فيها نص ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قول الحنفية ونقل عن إسحاق بن راهويه والحسن البصري والنخعي واختاره الإمام الشوكاني، وإن كان جمهور الفقهاء على خلافه، قال الإمام الشوكاني: [وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق والبراءة الأصلية

البرامج التلفزيونية في رمضان

قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها ولا دليل ههنا فالظاهر عدم الوجوب] نيل الأوطار 4/ 263. وخلاصة الأمر أن المرأة الحائض لا يجزئ منها الصيام ولا يجوز لها الإقدام عليه أصلاً ويلزمها قضاء ما أفطرته من رمضان، وأن المسلم لا يعذر بالجهل في الأحكام المعروفة والمشهورة بين المسلمين ويعذر بالجهل بالمسائل الفرعية التفصيلية. - - - البرامج التلفزيونية في رمضان يقول السائل: ما قولكم فيما تقدمه كثير من المحطات الفضائية في رمضان من مسلسلات دينية وبرامج ترفيهية حيث يحرص كثير من الناس على متابعتها بحجة الاستفادة العلمية أو الترويح عن النفس، أفيدونا؟ الجواب: إن معظم وسائل الإعلام المعاصر المسموعة والمرئية والمقروءة تقوم بدور هدام في المجتمع المسلم وخاصة المحطات الفضائية التي ترفع راية محاربة البقية الباقية من القيم والأخلاق المستمدة من ديننا وقيمنا وعادتنا الصحيحة الشريفة. إن ما يقدم للناس من عري فاضح ورقص وقح واختلاط ماجن باسم الفن لهو الفاحشة بعينها فأي فن هذا الذي يقدم فيما يعرف (بالفيديو كليب)!؟ عشرات الفتيات شبه عاريات وعشرات المخنثين يتراقصون ويغنون بأجسادهم لا بأصواتهم، وأما ما يسمونه مسلسلات دينية

فإن الدين من معظمها براء وليس لها حظ من الدين إلا في الاسم، فمتى كان الفسقة والفجرة يقدمون الدين للناس!؟ وأما المسلسلات التاريخية فهي تشويه لحقائق التاريخ وتشويه للصور المضيئة لقادتنا وأئمتنا كما هو الحال في مسلسل تعرضه إحدى الفضائيات عن الخليفة العباسي هارون الرشيد وابنيه الأمين والمأمون والذي تقدم فيه خليفة المسلمين الذي كان يغزو عاماً ويحج عاماً على أنه زير نساء سكير يقضي وقته مع الغلمان والجواري وغير ذلك من التشويه المتعمد، إن هذا لشيء عجاب، وأما البرامج الترفيهية فإنها تدعو إلى الخنا والفجور من خلال تقديم الفنانات والممثلات والراقصات وأشباههن من قليلات الأدب والحياء [ففي إحدى القنوات والتي عرضت برنامجاً بعد الإفطار في شهر رمضان المبارك حيث يستضيف الممثلين والممثلات، استضاف في إحدى حلقاته إحدى الراقصات، فسألتها مقدمة البرنامج: كيف وصلت إلى ما وصلت له من مجد؟! فأجابت هذه الراقصة: أنا هربت من أسرتي وعمري 12 سنة ومارست حياتي! حتى وصلت وأصبحت فلانة صاحبة الشهرة والملايين!! ثمَّ سألتها المذيعة: أنت تزوجت 3 مرات رسمياً و4 عرفياً؟ فقالت: لا بل 4 رسمياً و7 عرفياً!! هكذا تقدم بعض فضائياتنا العربية قليلات الحياء والأدب والدين في شهر رمضان ليتحدثوا عن مجدهن الملطَّخ الذي مارسوا فيه حياتهن بكلِّ حريَّة! ـ وفي برنامج آخر في شهر رمضان سئلت إحدى الفاسقات عن عدد مرَّات الزواج؟ فقالت أربع رسمياً أمَّا العرفي فلا أعرف له عدداً، فسألوها لم كل هذا العدد؟ يبدو أنَّ العيب في الرجال؟! فقالت: لا العيب في نظام الزواج

لأنَّه نظام بالٍ ومتخلِّف عفاه الزمن!!] مجلة البيان عدد 141ص 39. هذا غيض من فيض مما تقدمه المحطات الفضائية في رمضان وأما في غير رمضان فحدث ولا حرج!؟ إن هؤلاء الفسقة ينطبق عليهم قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} سورة النور الآية 19. وإن هؤلاء المفسدين يجاهرون بفسادهم وإفسادهم في رمضان بل في أعظم أوقاته وأكثرها بركة كقبيل الإفطار وبعده وفي وقت صلاة التراويح ووقت صلاة القيام ولا يستحون من الله ولا من الناس مع أن فساق الماضي كان عندهم قليل من الحياء [فهذا أبو نواس الشاعر الماجن كان يستحي من إظهار المعصية في شهر رمضان ويقول: منع الصوم عقاراً وذوي اللهو فغارا وبقينا في سجون الصوم للهم أسارى غير أنَّا سنداري فيه ما ليس يدارى] إن واجب المسلمين أن يحذروا أعوان الشيطان الذين يحاولون بشتى السبل والوسائل سرقة شهر رمضان منا ويحاولون إفساد هذه العبادة العظيمة على الناس ويفرغونها من مضامينها الإيمانية عبر تقديم مسلسلات وتمثيليات وفوازير ومسابقات ونحوها. إن واجبنا أن نحيي هذا الشهر الفضيل كما أراده الله عز وجل وكما أحياه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وكما أحياه سلف هذه الأمة، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة

البقرة الآية 179. "ولعل" في لغة العرب تفيد الترجي فالذي يرجى من الصوم تحقق التقوى أي أن الصوم سبب من أسباب التقوى. وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم يصوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سآبه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سآبك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم) رواه ابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وصححه الشيخ الألباني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر) رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري وصححه الشيخ الألباني. فهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن الصوم لا يقصد به مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل لا بد من صوم الجوارح عن المعاصي، فعلى الصائم أن يجتنب كل المحرمات ومنها متابعة ما أشرت إليه من تمثيليات ومسلسلات ويلتزم بكل ما أمر الله سبحانه

وتعالى به حتى تتحقق فيه معاني الصوم الحقيقية، وإن لم يفعل ذلك فإنه لا ينتفع بصومه ويكون نصيبه من صومه مجرد الجوع والعطش، والعياذ بالله، كما أشار إلى ذلك الحديث الأخير، وله رواية أخرى وهي: (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر) وهي رواية صحيحة. وقد فهم السلف الصالح هذه المعاني الجليلة فقال بعضهم: أهون الصيام ترك الشراب والطعام. وقال جابر رضي الله عنه: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء. إذا لم يكن في السمع مني تصاون ... وفي بصري غض وفي منطقي صمت فحظي إذن من صومي الجوع والظما ... فإن قلت إني صمت يومي فما صمت وعلى المسلم أن يشغل وقته في رمضان بأنواع الطاعات فيحافظ على الصلوات الخمس في الجماعات ويحافظ على صلاة التراويح ويقوي صلته بكتاب الله عز وجل فرمضان شهر القرآن قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} سورة البقرة الآية 185، وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، وقال سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن في رمضان كما ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في

كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) رواه البخاري ومسلم. وينبغي الانتباه إلى تدبر الآيات والتفكر فيها أثناء القراءة وليس المقصود هو كثرة القراءة وسرعتها وقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه جاءه رجل فقال: [إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة - والمفصل هو السبع السابع من القرآن الكريم ويبدأ بسورة الحجرات إلى سورة الناس - فقال ابن مسعود: أهذّاً كهذِّ الشعر؟! إن أقواماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع] وكان ابن مسعود يقول: [إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فأصغ لها سمعك، فإنه خير تُؤْمَر به أو شر تُصْرَف عنه]. وقال الحسن البصري: [أنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملاً]. وخلاصة الأمر أن على المسلم أن يصرف جميع وقته في طاعة الله عز وجل وبالذات في رمضان وأن لا يضيع وقته في متابعة ما يقدمه شياطين الإنس في الفضائيات وغيرها من فساد وانحلال ومن فحشاء ومنكر. - - -

الحج والأضحية والنذور

الحج والأضحية والنذور

أيهما أولى تزويج الابن أم حج الفريضة؟

أيهما أولى تزويج الابن أم حج الفريضة؟ يقول السائل: إن لديه مبلغاً من المال ويريد الحج به ولكن زوجته تقول إن تزويج ابنهما أوجب، لأن الولد غير مستطيع للزواج بنفسه، فأيهما أولى أن يؤدي فريضة الحج أم يزوج ولده، أفيدونا؟، الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الحج فريضة العمر على المسلم المستطيع، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} سورة آل عمران الآية 97. وهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة على وجوب الحج على المستطيع. وفي قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} إشارة إلى أن الأصل في المسلم أنه لا يترك الحج مع القدرة عليه لأنه سبحانه وتعالى جعل مقابل الفرض الكفر، فترك الحج ليس من شأن المسلم، بل هو من شأن الكافر. انظر الموسوعة الفقهية 17/ 23. والواجب على المسلم أن يبادر للحج إن كان مستطيعاً لأن الحج واجب على الفور على قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والحنابلة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن من وجب عليه الحج وأمكنه فعله وجب عليه على الفور ولم يجز له تأخيره وبهذا قال أبو حنيفة ومالك] المغني 3/ 212. ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} سورة البقرة 196، قال القرطبي: [وروى قتادة عن الحسن قال قال عمر رضي الله عنه لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى الأمصار فينظرون إلى من كان له مال ولم يحج فيضربون عليه الجزية فذلك

قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} قلت - القرطبي - هذا خرج مخرج التلغيط ... وقال سعيد بن جبير: لو مات جار لي وله ميسرة ولم يحج لم أصل عليه] تفسير القرطبي 4/ 153 - 154. ويدل على الفورية قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} سورة البقرة الآية 148. ويدل على وجوب الحج على الفور ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أراد الحج فليتعجل) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي، وقال الشيخ الألباني حديث حسن، كما في صحيح سنن أبي داود 1/ 325. وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس عن الفضل رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وقال الشيخ الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن ابن ماجة 2/ 147. وعن عبد الرحمن بن غُنم أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه يهودياً مات أو نصرانياً. ذكره ابن كثير وقال: هذا إسناد صحيح إلى عمر. تفسير ابن كثير 2/ 97. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جِدة فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين) رواه سعيد بن منصور في سننه.

إذا تقرر أن الحج واجب على الفور على المستطيع فإن أداء المسلم لحج الفريضة مقدم على تزويج ابنه لأن تزويج الابن ليس واجباً على أبيه كما هو مذهب جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية، بل هو أمر مندوب إليه، وخاصة إذا كان الأب موسراً فينبغي أن يساعد ابنه في الزواج، قال ابن عرفة المالكي: [نفقة الابن تسقط ببلوغه] مواهب الجليل للحطاب. وقال الإمام النووي: [لا يلزم الأب إعفاف الابن] روضة الطالبين. والمطلوب من الابن الفقير الذي لا يستطيع الزواج بنفسه أن يصبر حتى يغنيه الله من فضله كما قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} سورة النور الآية 33. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم استطاعة الزواج لمن أراد الزواج استطاعة ذاتية ولم يجعلها استطاعة بغيره، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه مسلم. وأما ما يذكره بعض الناس من الحديث الوارد في أن من حق الابن على أبيه أن يزوجه ولفظه (إن من حق الولد على والده أن يعلمه الكتابة وأن يحسن اسمه وأن يزوجه إذا بلغ) وفي رواية أخرى (ويزوجه إن أدرك)، فهذا الحديث ضعيف جداً عند أهل الحديث قال الشيخ العلامة الألباني: [أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (ق62/ 2)، والديلمي (2/ 86 - 87) من طريق أبي نعيم معلقاً

عنه عن أبي هارون السندي عن الحسن ابن عمارة عن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة مرفوعاً. قلت -أي الألباني-: وهذا إسناد ضعيف جداً. الحسن بن عمارة متروك. والحديث عزاه السيوطي لأبي نعيم أيضاً في "الحلية"، لم أره في فهرسه. والله أعلم. ونحوه ما رواه الأصبهاني في "الترغيب" (62/ 2) من طريق عبد الله بن عبد العزيز قال: أخبرني أبي عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "إن من حق الولد على ولده أن يحسن أدبه، وأن يحسن اسمه، وأن يعظه (وفي رواية: أن يفقهه) إذا بلغ". وعبد الله هو ابن عبد العزيز بن أبي رواد، قال ابن الجنيد: "لا يساوي شيئاً، يحدث بأحاديث كذب". وروى سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أخيه عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: " إن من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، وأن يحسن أدبه". أخرجه البزار (2/ 411/1984) وقال: "تفرد به عبد الله بن سعيد، ولم يتابع عليه". قلت: وهو متروك؛ كما في "المجمع" (8/ 47). وأخوه سعد بن سعيد لين الحديث، كما في "التقريب". ووقع في رواية محمد بن مخلد الدوري في "جزئه": (عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد) كما في "المداوي" (2/ 547) للشيخ الغماري، من طريق علي بن شاذان عنه. وقال الشيخ: "علي بن شاذان ضعفه الدارقطني"، فقوله: (عبد المجيد) مكان (عبد الله) خطأ منه أو من النساخ، أو هو العكس. والله أعلم]. سلسلة الأحاديث الضعيفة 7/ 491 - 492.

وقد ورد الحديث المذكور من كلام سفيان الثوري كما ذكره أبو عبد الله المروزي في كتاب البر والصلة، قال حدثنا الحسين قال أخبرنا ابن المبارك قال كان سفيان الثوري يقول: (حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه وأن يزوجه إذا بلغ وأن يحسن أدبه) قال محقق الكتاب د. محمد سعيد بخاري. رجال إسناده ثقات. وخلاصة الأمر أن الحج واجب على الفور في حق المستطيع، ولا يجب على الوالد أن يزوج ولده، بل ذلك مندوب إليه، وحج الفريضة مقدم على تزويج الولد. - - -

أحكام تتعلق بالتوكيل في الأضحية

أحكام تتعلق بالتوكيل في الأضحية يقول السائل: يوكل بعض الناس لجان الزكاة في الأضاحي، فتتولى شراءها وذبحها وتوزيعها ولكن بعض هذه اللجان تتساهل في ذلك، فيقع خلل في الأحكام الشرعية للأضاحي، فماذا تقولون للقائمين على هذه اللجان، أفيدونا؟ الجواب: قال أكثر العلماء الأضحيةُ سنةٌ مؤكدةٌ في حق الموسر، وبه قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وقاله جماعة من التابعين وبه قال مالك في القول المشهور عنه والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد من الحنفية وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن حزم الظاهريان وابن المنذر وغيرهم. وهذا أرجح قولي العلماء في حكم الأضحية. والأضحية شعيرة من شعائر الله وهي واجبة التعظيم كما قال جل جلاله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32. ومن ضمن تعظيمها ذبحها وفق الأحكام الشرعية الواردة فيها ومن ذلك: أن تتحقق فيها الشروط الشرعية المقررة فلا بد أن تكون الأضحية من الأنعام فقد اتفق جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة على أنه يشترط في الأضحية أن تكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم. ولا يصح في الأضاحي شيء من الحيوان الوحشي، كالغزال، ولا من الطيور كالديك، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا

اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} سورة الحج الآية 34. قال الإمام القرطبي: [والأنعام هنا هي الإبل والبقر والغنم] تفسير القرطبي 11/ 44. ويدل على ذلك أيضاً أنه لم تنقل التضحية بغير الأنعام عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا بد أن تكون الأضحية قد بلغت سن التضحية فقد اتفق جمهور أهل العلم على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني فما فوقه، ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه، ويدل على ذلك ما ورد في حديث جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تذبحوا إلا مسنةً إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 101 - 102. والجذع من الضأن ما مضى عليه أكثر العام، أي مضى عليه ستة أشهر فأكثر، وخاصة إذا كان عظيماً بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بُعد. وأما الثني من الضأن والمعز فما أتم سنة، والثني من البقر ما أتم سنتين، والثني من الإبل ما أتم خمس سنين، ويجب أن يعلم أن الالتزام بالسن المقرر شرعاً في الأضحية أمر مطلوب شرعاً، ولا تجوز مخالفته بالنقص عنه، وتجوز الزيادة عليه فلا تصح التضحية بالعجول المسمنة مهما بلغ وزنها ولا بد من الالتزام بالسن المقرر عند الفقهاء في البقر وهو سنتان، ولا يصح النقص عنه.

ولا بد أن تكون الأضحية سليمة من العيوب المانعة من صحتها فقد ثبت في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي) رواه أصحاب السنن الأربعة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 4/ 361. قال الحافظ ابن عبد البر: [أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافاً بين العلماء فيها. ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها ولا سيما إذا كانت العلة فيها أبين، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز فالعمياء أحرى ألا تجوز، وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أو التي لا رِجل لها المقعدة أحرى ألا تجوز، وهذا كله واضح لا خلاف فيه] فتح المالك 7/ 6. فالأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، فينبغي أن تكون الأضحية، طيبة، سمينة، وخالية من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها. ولا بد أن تذبح الأضحية بعد دخول الوقت المقرر شرعاً لذبحها وهو بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الضحى، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي. وهذا قول الشافعية والحنابلة والظاهرية وهو

أرجح أقوال أهل العلم في المسألة ويدل على ذلك ما ورد في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا، نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء) رواه البخاري ومسلم، وجاء في رواية أخرى: (لا يضحين أحدٌ حتى يصلي) رواه مسلم. وينتهي وقت ذبح الأضحية بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، أي أن أيام النسك أربعة، يوم العيد وثلاثة أيام بعده. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل أيام التشريق ذبح) رواه أحمد وابن حبان وصححه، وصححه أيضاً العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/ 834. وبعد هذا البيان الموجز أقول للقائمين على لجان الزكاة إنكم وكلاء عن الناس الذين وكلوكم بالأضاحي، والأصل في الوكيل الأمانة فأنتم أمناء على هذه الأضاحي، فما كان فيها من نقص أو خلل فأنتم الذين تتحملونه أمام الله عز وجل، فاحذروا من الإخلال بشروط الأضحية وافحصوها واحدة واحدة، فقد ثبت في الحديث عن علي رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذنين). رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح؛ ثم قال قوله: أن نستشرف، أي أن ننظر صحيحاً والمقصود

أن ننظر إليهما ونتأمل في سلامتهما من آفة تكون بهما. سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/ 68. واحذروا من ذبح الأضاحي قبل الوقت المقرر شرعاً أو بعده فإن ذلك لا يجزئ. واحذروا كذلك من التلاعب في توزيعها حسب أهوائكم وانتمائكم. وخلاصة الأمر أن الأضحية عبادة وقربة إلى الله عز وجل، ومعلوم أن الأصل في العبادات هو التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من تحقق الأحكام الشرعية في الأضحية وعلى كل من وكل بأضحية غيره أن يتحقق من توفر الشروط الشرعية فيها. - - -

استبدال المنذور بخير منه

استبدال المنذور بخير منه يقول السائل: إنه نذر أن يذبح عجلاً لله تعالى ويوزعه على الفقراء فهل يجوز له أن يستبدله بخروف لأن لحم الخروف أطيب، أفيدونا؟ الجواب: النذر عند العلماء هو أن يلزم المكلف نفسه بقربة لم يلزمه بها الشارع الحكيم، والوفاء بالنذر واجب لقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصه فلا يعصه) رواه البخاري وغيره. والأصل أن الناذر يفي بنذره كما نذر فمن نذر ذبح شاة فيلزمه أن يذبح شاة، ومن نذر صلاة لزمه أن يصليها، ومن نذر مبلغاً من المال لزمه إخراجه وهكذا، ومن أهل العلم من يرى أنه يجوز استبدال المنذور بأفضل منه أو استبداله لمصلحة راجحة وهو قول وجيه جداً وبه قال فقهاء الحنفية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: [مسألة: في الواقف والناذر يوقف شيئاً؛ ثم يرى غيره أحظ للموقوف عليه منه هل يجوز إبداله؛ كما في الأضحية؟ فأجاب: وأما إبدال المنذور والموقوف بخير منه كما في إبدال الهدي: فهذا نوعان: أحدهما: أن الإبدال للحاجة مثل أن يتعطل فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه: كالفرس الحبيس للغزو إذا لم يمكن الانتفاع به للغزو فإنه يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، والمسجد إذا خرب ما حوله فتنقل آلته إلى مكان آخر. أو يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه أو لا يمكن الانتفاع بالموقوف عليه من مقصود الواقف فيباع ويشترى

بثمنه ما يقوم مقامه. وإذا خرب ولم تمكن عمارته فتباع العرصة، ويشترى بثمنها ما يقوم مقامها: فهذا كله جائز؛ فإن الأصل إذا لم يحصل به المقصود قام بدله مقامه. والثاني: الإبدال لمصلحة راجحة مثل أن يبدل الهدي بخير منه، ومثل المسجد إذا بني بدله مسجد آخر أصلح لأهل البلد منه، وبيع الأول: فهذا ونحوه جائز عند أحمد وغيره من العلماء. واحتج أحمد بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نقل مسجد الكوفة القديم إلى مكان آخر؛ وصار الأول سوقاً للتمارين فهذا إبدال لعرصة المسجد. وأما إبدال بنائه ببناء آخر، فإن عمر وعثمان بنيا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بناءً غير بنائه الأول وزادا فيه؛ وكذلك المسجد الحرام فقد ثبت في الصحيحين (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة، ولألصقتها بالأرض؛ ولجعلت لها بابين باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرج الناس منه). فلولا المعارض الراجح لكان النبي صلى الله عليه وسلم يغير بناء الكعبة. فيجوز تغيير بناء الوقف من صورة إلى صورة؛ لأجل المصلحة الراجحة ... لكن النصوص والآثار والقياس تقتضي جواز الإبدال للمصلحة]. مجموع فتاوى شيخ الإسلام 31/ 252 - 253. ومما يدل على جواز استبدال المنذور بأفضل منه ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن امرأة اشتكت شكوى فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس فبرأت ثم تجهزت تريد الخروج فجاءت

ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسلم عليها فأخبرتها ذلك فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة) رواه مسلم. ويدل عليه ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلاً قام يوم الفتح فقال يا رسول الله: إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: صل هاهنا، ثم أعاد عليه فقال: صل هاهنا، ثم أعاد عليه فقال: شأنك إذن) رواه أبو داود والحاكم وصححه، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 8/ 222، وورد في رواية أخرى عند الإمام أحمد في المسند (عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف وعن رجال من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح والنبي صلى الله عليه وسلم في مجلس قريب من المقام فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال يا نبي الله إني نذرت لئن فتح الله للنبي والمؤمنين مكة لأصلين في بيت المقدس وإني وجدت رجلاً من أهل الشام هاهنا في قريش مقبلاً معي ومدبراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هاهنا فصل فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرات كل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم هاهنا فصل ثم قال الرابعة مقالته هذه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فصل فيه فوالذي بعث محمداً بالحق لو صليت هاهنا لقضى عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس)، قال الشوكاني: [قوله: (صل ههنا) فيه دليل على أن من نذر بصلاة أو صدقة أو نحوهما في مكان ليس

بأفضل من مكان الناذر فإنه لا يجب عليه الوفاء بإيقاع المنذور به في ذلك المكان بل يكون الوفاء بالفعل في مكان الناذر وقد تقدم أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر الناذر بأن ينحر ببوانة يفي بنذره بعد أن سأله هل كانت كذا هل كانت كذا فدل ذلك على أنه يتعين مكان النذر ما لم يكن معصية ولكن الجمع بين ما هنا وما هناك أن المكان لا يتعين حتماً بل يجوز فعل المنذور به في غيره فيكون ما هنا بياناً للجواز ويمكن الجمع بأنه يتعين مكان النذر إذا كان مساوياً للمكان الذي فيه الناذر أو أفضل منه لا إذا كان المكان الذي فيه الناذر فوقه في الفضيلة ويشعر بهذا ما في حديث ميمونة من تعليل ما أفتت به ببيان أفضلية المكان الذي فيه الناذرة في الشيء المنذور به وهو الصلاة] نيل الأوطار 8/ 285 - 286. ويدل لذلك أيضاً ما جاء في الحديث عن أبي بن كعب قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مصدقاً، فمررت برجل فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا - ناقة - ابنة مخاض، فقلت له: أدِّ ابنة مخاض فإنها صدقتك، فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت عليَّ فافعل، فإن قبله منك قبلته، وإن ردَّه عليك رددته، قال: فإني فاعل. فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض عليَّ حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا نبي الله، أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة

مالي، وأيم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسوله قط قبله، فجمعت له مالي، فزعم أن ما عليَّ فيه ابنة مخاض وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقةً فتيةً عظيمةً ليأخذها، فأبى عليَّ وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله خذها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك. قال: فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له في ماله بالبركة) رواه أحمد وأبو داود، وقال العلامة الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن أبي داود 1/ 298. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وما في هذا الحديث من إجزاء سن أعلا من الواجب مذهب عامة أهل العلم الفقهاء المشهورين وغيرهم. فقد ثبت أن إبدال الواجب بخير منه جائز بل يستحب فيما وجب بإيجاب الشرع وبإيجاب العبد. ولا فرق بين الواجب في الذمة وما أوجبه معيناً؛ فإنما وجب في الذمة وإن كان مطلقاً من وجه فإنه مخصوص متميز عن غيره؛ ولهذا لم يكن له إبداله بدونه بلا ريب. وعلى هذا، فلو نذر أن يقف شيئاً فوقف خيراً منه كان أفضل، فلو نذر أن يبني لله مسجداً وصفه، أو يقف وقفاً وصفه. فبنى مسجداً خيراً منه، ووقف وقفاً خيراً منه كان أفضل. ولو عينه، فقال: لله علي أن أبني هذه الدار مسجداً أو وقفها على الفقراء والمساكين. فبنى خيراً منها، ووقف خيراً منها، كان أفضل، كالذي نذر

الصلاة بالمسجد الأقصى وصلى في المسجد الحرام، أو كانت عليه بنت مخاض فأدى خيراً منها] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 31/ 249. وخلاصة الأمر أنه يجوز استبدال المنذور بخير منه وبأفضل منه إذا كان في استبداله مصلحة راجحة ولا يجوز استبداله بأقل منه فلا يجوز استبدال العجل بخروف كما في ورد السؤال. - - -

المعاملات

المعاملات

تسمية الثمن شرط لصحة البيع بخلاف قبضه عند العقد ليس شرطا

تسمية الثمن شرط لصحة البيع بخلاف قبضه عند العقد ليس شرطاً يقول السائل: ذهبت إلى تاجر مواد بناء فاشتريت منه كمية من حديد البناء واتفقنا على السعر على أن يتم تسليم الحديد بعد شهر من الاتفاق وعندها أدفع له الثمن، وعندما حان موعد التسليم طالبني التاجر بزيادة السعر بحجة أن سعر الحديد قد ارتفع عن سعر يوم الاتفاق وقال إنه غير ملزم بتسليمي الحديد بالسعر المتفق عليه سابقاً لأن عقد البيع لم يتم لأنني لم أدفع له الثمن، فما الحكم أفيدونا؟ الجواب: البيع هو: مبادلة المال بالمال تمليكاً وتملكاً، كما قال الشيخ ابن قدامة المقدسي في المغني 3/ 480. وركن البيع هو الإيجاب والقبول أي الصيغة كما قرر فقهاء الحنفية وعند جمهور الفقهاء يضاف للصيغة العاقدان - البائع والمشتري - ومحل العقد - المبيع والثمن - فهذه أركان عقد البيع عندهم. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 9/ 10. وقد اتفق الفقهاء على أن تسمية الثمن وتعيينه تعتبر من شروط صحة عقد البيع فلا بد أن يكون الثمن معلوماً، قال الإمام النووي: [يشترط في صحة البيع أن يذكر الثمن في حال العقد فيقول: بعتكه بكذا، فإن قال: بعتك هذا

واقتصر على هذا فقال المخاطب: اشتريت أو قبلت، لم يكن هذا بيعاً بلا خلاف] المجموع 9/ 171. وجاء في المادة رقم 237 من مجلة الأحكام العدلية: (تسمية الثمن حين البيع لازمة فلو باع بدون تسمية ثمن كان البيع فاسدا). وجاء في المادة 238 (يلزم أن يكون الثمن معلوماً). وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية عند الكلام عن [شروط الثمن: اتّفق الفقهاء على وجوب تسمية الثمن في عقد البيع، وأن يكون مالاً، ومملوكاً للمشتري، ومقدور التّسليم، ومعلوم القدر والوصف، وإيضاح ذلك فيما يلي: الشّرط الأوّل - تسمية الثمن: تسمية الثمن حين البيع لازمة، فلو باع بدون تسمية ثمن كان البيع فاسداً، لأنّ البيع مع نفي الثمن باطل، إذ لا مبادلة حينئذ، ومع السّكوت عنه فاسد، كما ذكر الحنفيّة. فإذا بيع المال ولم يذكر الثمن حقيقة، كأن يقول البائع للمشتري: بعتك هذا المال مجّاناً أو بلا بدل فيقول المشتري: قبلت، فهذا البيع باطل. وإذا لم يذكر الثمن حكماً، كأن يقول إنسان لآخر: بعتك هذا المال بالألف الّتي لك في ذمّتي، فيقبل المشتري، مع كون المتعاقدين يعلمان أن لا دين، فالبيع في مثل هذه الصّورة باطل أيضاً، ويكون الشّيء هبة في الصّورتين. وإذا كان الثمن مسكوتاً عنه حين البيع فالبيع فاسد وليس بباطل، لأنّ البيع المطلق يقتضي المعاوضة، فإذا سكت البائع عن الثمن كان مقصده أخذ قيمة

المبيع، فكأنّه يقول: بعت ما لي بقيمته، وذكر القيمة مجملة يجعل الثمن مجهولاً فيكون البيع فاسداً. وبيع التّعاطي صحيح عند الجمهور لأنّ الثمن والمثمّن معلومان، فيه والتّراضي قائم بينهما ولو لم توجد فيه صفة. وعند المالكيّة والشّافعيّة لا ينعقد البيع إلاّ بتسمية الثمن ... وفي المجموع قال النّوويّ: يشترط في صحّة البيع أن يذكر الثمن في حال العقد، فيقول: بعتك كذا بكذا، فإن قال: بعتك هذا، واقتصر على هذا، فقال المخاطب: اشتريت أو قبلت لم يكن هذا بيعا بلا خلاف، ولا يحصل به الملك للقابل على المذهب، وبه قطع الجمهور، وقيل: فيه وجهان أصحّهما هذا، والثاني: يكون هبة. وقال السّيوطيّ: إذا قال: بعتك بلا ثمن، أو لا ثمن لي عليك، فقال: اشتريت وقبضه فليس بيعاً، وفي انعقاده هبة قولاً تعارض اللّفظ والمعنى، وإذا قال البائع: بعتك ولم يذكر ثمناً، فإن راعينا المعنى انعقد هبة، أو اللّفظ فهو بيع فاسد. وأمّا عند الحنابلة فقد جاء في الإنصاف: يشترط معرفة الثمن حال العقد على الصّحيح من المذهب وعليه الأصحاب، واختار الشّيخ ابن تيميّة صحّة البيع وإن لم يسمّ الثمن، وله ثمن المثل كالنّكاح] الموسوعة الفقهية الكويتية 15/ 26 - 27. وأما قبض الثمن فليس ركناً لعقد البيع ولا شرطاً له ويصح البيع بدون قبض الثمن باتفاق الفقهاء يقول الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} سورة البقرة الآية 282. وثبت عن عائشة رضي الله

عنها قالت: (اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاماً بنسيئة إلى أجل ورهنه درعاً من حديد) رواه البخاري ومسلم. فهذه الأدلة وغيرها تدل على جواز تأجيل الثمن في البيع. وأما بالنسبة لتأخير قبض المبيع وتسليمه فهو جائز على الراجح من أقوال أهل العلم وعلى هذا جرى تعامل الناس قديماً وحديثاً مع بعض الاستثناءات كما في بيع الطعام. ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} سورة النحل الآية 91. وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} سورة الإسراء الآية 34. ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ (المسلمون عند شروطهم) أي بدون الاستثناء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً] مجموع الفتاوى 29/ 516 والقواعد النورانية ص53. إذا تقرر هذا فإن الفقهاء قد اتفقوا على أن البيع من العقود اللازمة لا الجائزة، ومعنى لزوم العقود وجوازها: أنه يقصد بلزوم العقد عدم جواز فسخه من قبل أحد العاقدين إلا برضا العاقد الآخر، وما جاز للعاقد فسخه

بغير رضا العاقد الآخر يسمّى عقداً جائزاً. فالبيع والسّلم والإجارة عقود لازمة، إذ أنّها متى صحّت لا يجوز فسخها بغير التّقايل، ولو امتنع أحد العاقدين عن الوفاء بها أجبر. الموسوعة الفقهية الكويتية 35/ 238. ويترتب على كون العقد من العقود اللازمة أنه بمجرد انعقاد العقد بطريقة صحيحة شرعاً يجب الوفاء بمقتضى العقد ولا يحق لأحد المتعاقدين فسخ العقد أو إبطاله أو تعديله إلا بموافقة الطرف الثاني وتوضيح ذلك في السؤال المذكور أعلاه أنه لا يجوز شرعاً أن يطالب التاجر بزيادة السعر عما تم العقد عليه إلا بموافقة المشتري وهذا محل اتفاق بين الفقهاء. وخلاصة الأمر أن العقد الذي تم بين السائل وتاجر مواد البناء عقد صحيح وهو عقد لازم للطرفين فيجب الوفاء به ولا يجوز للتاجر أن يطلب رفع السعر لأن البيع قد تم على السعر المتفق عليه ويلزم التاجر إنفاذ العقد كما اتفق عليه مع المشتري، وقول التاجر إنه غير ملزم بتسليم الحديد بالسعر المتفق عليه سابقاً لأن عقد البيع لم يتم لأنه لم يتم دفع الثمن، قول باطل فقبض الثمن ليس شرطاً لصحة العقد، وإنما الشرط هو تسمية الثمن وقد حصلت. - - -

دفع أجرة العقار مقدما

دفع أجرة العقار مقدماً يقول السائل: إنه قد استأجر محلاً تجارياً وقد شرط عليه المؤجر أن يدفع نصف الأجرة السنوية مقدماً عند توقيع عقد الإجارة فوافق على ذلك ولكن بعض الناس قالوا إن ذلك لا يجوز، فما الحكم في هذه المسألة، أفيدونا؟ الجواب: الإجارة عند الفقهاء عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض وهو عقد مشروع بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وانعقد الإجماع على ذلك يقول تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}. وورد في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل حديث رقم 1498. وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري. وعقد الإجارة يقع على المنافع فمن استأجر بيتاً فإنه يملك منفعته فقط وهي السكنى وعقد الإجارة لا يفيد تملك العين المؤجرة وإن طالت مدة الإجارة. فمهما طالت مدة الإجارة تبقى العين المؤجرة ملكاً لصاحبها فلو أن شخصاً سكن في بيت بالإجارة لمدة خمسين عاماً فيبقى البيت لصاحبه ولا يصير ملكاً للمستأجر أبداً.

وقد أجاز كثير من أهل العلم عقد الإجارة مشاهرة بدون تحديد وقت لانتهاء العقد. إذا تقرر هذا فإنه يجوز الاتفاق بين المستأجر والمؤجر على تعجيل الأجرة وتأجيلها إلى أجل معلوم والمرجع في ذلك هو اتفاقهما اتفاقاً واضحاً يقطع النزاع والخصومة قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عند كلامه على أحكام الإجارة: [الحكم السادس، أنه إذا شرط تأجيل الأجر فهو إلى أجله وإن شرطه منجماً - أي مقسطاً - يوماً يوماً، أو شهراً شهراً أو أقل من ذلك أو أكثر فهو على ما اتفقا عليه لأن إجارة العين كبيعها، وبيعها يصح بثمن حال أو مؤجل فكذلك إجارتها] المغني 5/ 330. وقال الكاساني الحنفي: [فأما إذا شرط في تعجيلها ملكت بالشرط وجب تعجيلها، فالحاصل أن الأجرة لا تملك عندنا إلا بأحد معان ثلاثة: أحدها: شرط التعجيل في نفس العقد، والثاني: التعجيل من غير شرط، والثالث: استيفاء المعقود عليه أما ملكها بشرط التعجيل فلأن ثبوت الملك في العوضين في زمان واحد لتحقيق معنى المعاوضة المطلقة وتحقيق المساواة التي هي مطلوب العاقدين، ومعنى المعاوضة والمساواة لا يتحقق إلا في ثبوت الملك فيهما في زمان واحد، فإذا شرط التعجيل فلم توجد المعاوضة المطلقة بل المقيدة بشرط التعجيل فيجب اعتبار شرطهما لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم). فيثبت الملك في العوض قبل ثبوته في

المعوض; ولهذا صح التعجيل في ثمن المبيع وإن كان إطلاق العقد يقتضي الحلول، كذا هذا] بدائع الصنائع 4/ 61. وقال الشيخ سيد سابق: [اشتراط تعجيل الأجرة وتأجيلها ... ويصح اشتراط تعجيل الأجرة وتأجيلها كما يصح تعجيل البعض وتأجيل البعض الآخر، حسب ما يتفق عليه المتعاقدان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم). فإذا لم يكن هناك اتفاق على التعجيل أو التأجيل فإن كانت الأجرة مؤقتة بوقت معين فإنه يلزم إيفاؤها بعد انقضاء ذلك الوقت. فمن أجر داراً شهراً مثلاً ثم مضى الشهر فإنه تجب الأجرة بانقضائه ... وإن كان عقد الإجارة على عمل فإنه يلزم إيفاؤها عند الانتهاء من العمل. وإذا أطلق العقد ولم يشترط قبض الأجرة ولم ينص على تأجيلها: قال أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما: إنها تجب جزءاً جزءاً بحسب ما يقبض من المنافع. وقال الشافعي وأحمد: إنها تستحق بنفس العقد، فإذا سلم المؤجر العين المستأجرة إلى المستأجر استحق جميع الأجرة، لأنه قد ملك المنفعة بعقد الإجارة ووجب تسليم الأجرة ليلزم تسليم العين إليه. استحقاق الأجرة: وتستحق الأجرة بما يأتي: 1. الفراغ من العمل، لما رواه ابن ماجه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه). 2. استيفاء المنفعة إذا كانت الإجارة على عين مستأجرة، فإذا تلفت العين قبل الانتفاع ولم يمض شيء من المدة بطلت الإجارة.

3. التمكن من استيفاء المنفعة، إذا مضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها ولو لم تستوف بالفعل. 4. تعجيلها بالفعل أو اتفاق المتعاقدين على اشتراط التعجيل]. فقه السنة 4/ 107 - 108. وتعجيل الأجرة أمر تعارف الناس عليه منذ عهد بعيد وخاصة في المنافع المضمونة كما هو الحال فيمن يشتري تذكرة لركوب طائرة أو سفينة أو قطار أو سيارة فإن دفع الأجرة يكون مقدماً وكذا عند استئجار محل تجاري فقد جرى العرف عند كثير من الناس على استيفاء بعض الأجرة مقدماً، كما أن العرف قد جرى على تأخير دفع الأجرة إذا كانت الإجارة واردة على عمل الشخص كمن يستأجر عاملاً ليشتغل في أرضه مثلاً، فإن العرف قد جرى على أن تدفع الأجرة بعد أن ينتهي العامل من العمل، ومن المعلوم عند أهل العلم أن العرف معتبر، كما قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته: والعرف له اعتبار ... فلذا الحكم عليه قد يدار انظر نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف في الجزء الثاني من رسائل العلامة ابن عابدين ص112. وخلاصة الأمر أن الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على أن يدفع المستأجر نصف الأجرة السنوية مقدماً عند توقيع عقد الإجارة جائز ولا حرج فيه ما دام أن الاتفاق قد تم برضا المتعاقدين. - - -

جعل سعر الفائدة مؤشرا للربح في البنوك الإسلامية

جعل سعر الفائدة مؤشراً للربح في البنوك الإسلامية يقول السائل: إنه أراد أن يشتري سيارة من أحد البنوك الإسلامية بطريقة المرابحة على أن يقسط ثمنها لمدة سنتين وتبين له أن البنك الإسلامي يحسب نسبة الربح التي يتقاضاها حسب نسبة الفائدة في البنوك التقليدية فما الحكم في ذلك أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الفكرة الأساسية التي تقوم عليها البنوك الإسلامية هي البعد عن الربا في جميع معاملاتها أخذاً وإعطاءً بخلاف البنوك التجارية الربوية التي تقوم أكثر معاملاتها على الربا أخذاً وإعطاءً. وصورة بيع المرابحة للآمر بالشراء المستعملة في البنوك الإسلامية هي أن يتفق العميل والبنك على أن يقوم العميل بشراء البضاعة بربح معلوم بعد شراء البنك لها ودخولها في ملك البنك الإسلامي دخولاً فعلياً، هذه الصورة متفرعة عن بيع المرابحة المعروف عند الفقهاء قديماً وهو بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح. ولا بد أن يعلم أيضاً أن الفرق بين الربح وبين الربا (الفائدة)، فالربح هو الزيادة على رأس المال نتيجة تقليبه في النشاط التجاري، أو هو الزائد على رأس المال نتيجة تقليبه في الأنشطة الاستثمارية المشروعة كالتجارة والصناعة وغيرها. انظر الربح في الفقه الإسلامي ص 44. والربح عند الفقهاء ينتج من تفاعل عنصري الإنتاج الرئيسيين وهما العمل ورأس المال، فالعمل له دور

كبير في تحصيل الربح. المصدر السابق ص44 - 45. وأما الفائدة فهي زيادة مستحقة للدائن على مبلغ الدين يدفعها المدين مقابل احتباس الدين إلى تمام الوفاء. انظر الفائدة والربا ص 16. فالفائدة الربوية هي زيادة في مبادلة مال بمال لأجل أي أن الفائدة هي مقابل المدة الزمنية. إذا تقرر هذا فنعود إلى السؤال فنقول إن البنوك الإسلامية تعمل في ظل تنافس شديد مع البنوك التجارية الربوية وتواجه البنوك الإسلامية عقبات كثيرة تحد من تقدمها وازدهارها ومع ذلك فإن كثيراً من البنوك الإسلامية ما زالت تعتمد في معاملاتها على أنواع من المعاملات الشرعية التي ترتب لها ديوناً كبيرة على جمهور المتعاملين معها كالبيوع الآجلة ومنها بيع المرابحة للآمر بالشراء، ولحساب نسبة الربح أو هامش الربح في بيع المرابحة للآمر بالشراء لابد من النظر إلى أمرين أساسين وهما تكلفة شراء السلعة على البنك الإسلامي ثم نسبة الربح التي يتقاضاها البنك الإسلامي ومن المعلوم أن هذه النسبة ليست ثابتة فإذا باع البنك الإسلامي السلعة مرابحة على أن يقسط الثمن على سنة تكون النسبة أقل مما لو باعها بالتقسيط على سنتين، وهذا الأمر جعل كيفية حساب هامش الربح شبيهة بسعر الفائدة في البنوك التجارية الربوية مما جعل الأمرين متشابهين في الصورة ولا شك أن هنالك [اختلافاً جذرياً يتمثل في أن الفائدة هي زيادة مشروطة في قرض، بينما أن هامش المرابحة هو جزء من ثمن بيع آجل صحيح؛ برغم ذلك فهي مرتبطة بأسعار الفائدة العالمية، ولا يعني ذلك أنها مساوية لها بالضرورة، ولكنها

تتغير معها نزولاً وصعوداً، الأمر الذي يوحي بأنهما صنوان، ولطالما انتقدت البنوك الإسلامية، وشكك المشككون فيها بناء على ما يرون من ارتباط بين هامش الربح وأسعار الفائدة العالمية] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8 ج3/ 682. ومن أسباب هذا التشابه في الصورة بين هامش الربح في البنوك الإسلامية وأسعار الفائدة في البنوك التجارية الربوية هو أن [البنوك الإسلامية تمارس نشاطها المصرفي في بيئة تتنافس فيها مع البنوك التقليدية، ويمثل الجميع أعضاءً في سوق واحد، وسواء كانت هذه البنوك تمارس نشاطها بصفة أساسية داخل بلدانها أو على نطاق دولي فإنه يبقى أن البديل لصيغ تمويلها المقبولة شرعاً هو الاقتراض بالفائدة، ولذلك فهي مضطرة في تحديد هوامش الربح (والتي تمثل ببساطة ثمن الخدمة التي تقدمها) أن تأخذ في اعتبارها هذه الحقيقة، فهي لا تستطيع أن تحدد هامش ربح يزيد كثيراً على أسعار الفائدة السائدة؛ لأنها إذا فعلت تركها الناس ومالوا إلى البنوك التقليدية (إلا من رحم ربك)، وهي لا تستطيع أن تحدد هامش مرابحة يقل كثيراً عن أسعار الفائدة؛ لأنها عندئذٍ سوف توزع على المودعين لديها وملاك البنوك أرباحاً تقل عن أسعار الفائدة التي يمكن أن يحصلوا عليها في البنوك التقليدية فيتركونها إلى البنوك التقليدية (إلا من رحم ربك)، لا شك في أننا نعيش في أوضاع غير مثالية، ولذلك لا نستطيع أن نفترض أن جميع المسلمين سوف يتجاهلون هذين العاملين لأنهم في الواقع لن يفعلوا، لذلك

تجد البنوك الإسلامية نفسها مضطرة إلى ربط معدلات أرباحها بأسعار الفوائد الدولية] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8 ج3/ 682. وكذلك فإن من [عوامل وجود التقارب بين هامش ربح التمويل الإسلامي مع التمويل التقليدي هو عدم وجود سوق مالية إسلامية قادرة على خلق أدوات مالية إسلامية مستقلة بذاتها قادرة على استيعاب السيولة الموجودة واستخدامها لطرق إسلامية، ومن ثم خلق مؤشر إسلامي مستقل لقياس هامش أرباح الأدوات الإسلامية بناء على مؤشرات هذا السوق] صحيفة الشرق الأوسط، شبكة الانترنت. ومما لا شك فيه أن البنوك الإسلامية بحاجة إلى إيجاد مؤشر خاص بها لتحديد نسبة الربح أو هامش الربح وقد أكد على ذلك مجمع الفقه الإسلامي حيث ورد في قرار المجمع ما يلي: [الإسراع بإيجاد المؤشر المقبول إسلامياً الذي يكون بديلاً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية في تحديد هامش الربح في المعاملات] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8 ج3/ 793. وبناءً على ما سبق فلا يوجد ما يمنع شرعاً من أن يكون سعر الفائدة مؤشراً لتحديد نسبة الربح في البنوك الإسلامية في بيع المرابحة للآمر بالشراء وغيره من معاملاتها [فلا يوجد في الشريعة - بحسب ما نعلم- طريقة لحساب الربح، والمعول في المعاملات هو على صيغة العقد لا على طريقة الحساب، فإذا كان بيعاً وجب أن يكون مكتمل الأركان تام الشروط خالياً من الربا والغرر والغش والغبن ... إلخ، فإذا توفر ذلك فلا أهمية للطريقة التي حسب

بها الربح، وهذا يعني أن ربط هامش الربح بأسعار الفائدة مقبول إذا كانت صيغة البيع صحيحة] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8، ج3/ 683 - 684. وانظر أيضاً الربح في الفقه الإسلامي ضوابطه وتحديده في المؤسسات المالية المعاصرة ص 246. وخلاصة الأمر أن يجوز شرعاً جعل أسعار الفائدة مؤشراً لتحديد نسبة الربح في البنوك الإسلامية وإن التشابه بين الأمرين إنما هو تشابه في الصورة فقط مع الاختلاف في الجوهر والحقيقة والواقع، حيث إن الربح الذي تتقاضاه البنوك الإسلامية إنما هو جزء من ثمن بيع آجل صحيح لا غبار عليه من الناحية الشرعية، بينما الفائدة الربوية هي زيادة في مبادلة مال بمال لأجل، أي أن الفائدة هي مقابل المدة الزمنية. ولا بد للبنوك الإسلامية أن تسعى لإيجاد مؤشر خاص بها لتحديد هامش أرباحها. - - -

بيع العملات بالهامش (المارجن)

بيع العملات بالهامش (المارجن) يقول السائل: إنه بدأ التعامل مع إحدى شركات الوساطة المالية لبيع وشراء العملات في البورصات العالمية بما يعرف بالبيع بالهامش (المارجن) وإن الشركة المذكورة تعتمد على فتوى لمجلس الفتوى الفلسطيني تجيز التعامل المذكور حيث وضعت الفتوى على موقع شركة الوساطة على الإنترنت، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا بد أولاً من بيان حقيقة ما يسمى البيع بالهامش أو ما يعرف بالمارجن [لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. فيقصد بالشراء بالهامش: شراء العملات بسداد جزء من قيمتها نقداً بينما يسدد الباقي بقرض مع رهن العملة محل الصفقة. والهامش هو التأمين النقدي الذي يدفعه العميل للسمسار ضماناً لتسديد الخسائر التي قد تنتج عن تعامل العميل مع السمسار. وفي هذه المعاملة يفتح العميل حساباً بالهامش لدى أحد سماسرة سوق العملات، الذي يقوم بدوره بالاقتراض من أحد البنوك التجارية - وقد يكون السمسار هو البنك المقرض نفسه- لتغطية الفرق بين قيمة الصفقة وبين القيمة المدفوعة كهامش. مثال ذلك: لنفرض أن عميلاً فتح حساباً بالهامش لدى أحد السماسرة، وضع فيه العميل تأميناً لدى السمسار بمقدار عشرة آلاف دولار. وفي المقابل يُمَكِّن السمسارُ العميلَ بأن يتاجر في بورصة العملات بما قيمته مليون دولار، أي يقرضه هذا المبلغ برصده في حسابه لديه - أي لدى السمسار- ليضارب العميل به، فيشتري بهذا الرصيد من العملات

الأخرى كاليورو مثلاً، ثم إذا ارتفع اليورو مقابل الدولار باع اليورو، وهكذا، فيربح العميل من الارتفاع في قيمة العملة المشتراة] شبكة الإنترنت. إن ما يتم في البورصات العالمية من بيع وشراء للعملات المختلفة مخالف في أغلبه لقواعد الصرف المعروفة عند الفقهاء وأهمها التقابض في مجلس العقد، فقد اتفق أهل العلم على أن من شروط عقد الصرف تقابض البدلين من المتعاقدين في مجلس العقد قبل افتراقهما. قال ابن المنذر: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد] المغني4/ 41. ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم. فلذلك يشترط في عملية بيع عملة بأخرى أن يتم تبادل العملتين في المجلس ولا يجوز تأجيل قبض إحداهما وإن حصل التأجيل فالعقد باطل قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (يداً بيد) حجة للعلماء كافة في وجوب التقابض وإن اختلف الجنس] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 199. وإذا تأملنا مسألة البيع بالهامش (المارجن) وجدناها قد أخلت بهذا الشرط المتفق عليه بين العلماء فلا يوجد فيه قبض لا حقيقي ولا حكمي، وقد ظن بعض المفتين أن تسجيل العملية في قيد المتعامل لدى شركة الوساطة هو قبض حكمي، وهذا ظن خاطئ لأنه يوجد ما يسمى بالتسوية المالية ( Settlement) أو ما يعرف بنظام (السبوت SPOT) وهذه التسوية لا تكون

إلا بعد يومي عمل على أقل تقدير وقد تزيد عن ذلك [مع مراعاة أيام العطلات الرسمية في حساب تواريخ الاستحقاق وهي: السبت والأحد في أوروبا وأمريكا والجمعة في الشرق الأوسط. ويترتب على ذلك أنه إذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة أوروبية يوم الجمعة فسيكون التسليم الفعلي يوم الثلاثاء بإهدار يومي السبت والأحد لأنهما عطلة رسمية في أوروبا وأمريكا. وإذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة شرق أوسطية يوم السبت فسيكون التسليم الفعلي يوم الأربعاء بإهدار أيام الجمعة والسبت والأحد؛ لأنها أيام عطلة في الشرق الأوسط فكأن العملية تمت يوم الإثنين فيكون التسليم يوم الأربعاء بعد يومي عمل، وما يحدث يوم التعاقد هو تسجيل للعملية فقط] ويقول الشيخ الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم (باحث في الاقتصاد الإسلامي من علماء المملكة العربية السعودية): [هناك فرق بين إجراء البيع والشراء وبين التسوية، فإجراء العقد يتم في ثوان كما أشار الأخ الكريم. أما التسوية ( settlement) ، فهي تعني دخول المبلغ في حساب المشتري، ودخول العوض في حساب البائع، بحيث يمكن لكل طرف أن يتصرف في المبلغ لمصلحته الخاصة بالسحب وغيره، وبهذا يتحقق التقابض بين الطرفين. لا يوجد حتى الآن في سوق العملات الدولية تقابض أو تسوية فورية تتم في لحظة إنجاز العقد، بل يتأخر التقابض لمدة يومين (ويشار إليه بـ ( T+2) أو أكثر. في بعض الحالات يمكن للمتعامل اشتراط أن تتم التسوية في نفس اليوم ( T+0) لكن الأصل هو التأخر]. إذن يوجد فرق بين تسجيل العملية في قيد المتعامل وبين التسوية

وعليه فإن من يشتري عملة فإنه لا يستطيع سحبها من حسابه قبل عملية التسوية وإن كانت قد سجلت في قيده لدى شركة الوساطة، وبالتالي لا يجوز له بيعها إلا بعد عملية التسوية. وما ورد في الفتوى المشار إليها [ولا يتم بيع أو شراء العملة إلا إذا ملكها المتعامل عن طريق تسجيلها في حسابه عبر الوسائل الحديثة ويتسلم المتعامل مستندات خاصة بكل عملية بيع وشراء بسرعة فائقة عبر وسائل الاتصالات الحديثة، هذا التسجيل في حساب المتعامل أو تسلم المستندات يعتبر في الفقه الإسلامي قبضاً حكمياً للعملة المشتراة أو المباعة فالبيع والشراء بعد القبض الحكمي لا ربا فيه لأن البائع والمشتري يملكان البدلين عند العقد ويتم تسليمها في مجلس العقد هذا ما يتفق مع شروط الصرف الصحيح] وأقول إن هذا الكلام غير صحيح فقهاً، لأنه لا يتم القبض الحكمي في العملية المذكورة إلا بعد التسوية وليس بمجرد التسجيل في حساب المتعامل كما ورد في الفتوى. وكذلك فإن الفتوى المذكورة قد أغفلت قضية هامة عندما ذكرت أن [التمويلات أو التسهيلات المالية والتي هي عبارة عن حساب جارٍ مدين يمنحه البنك للمتعامل لحساب ما يحتاجه لشراء العملات وبيعها هي عبارة عن إذن من البنك للمتعامل بالتصرف في هذا المبلغ وما يسحبه المتعامل أو وكيله هو قرض ويسجل في حساب المتعامل على أنه مدين والقرض في الشريعة الإسلامية مشروع ما دام البنك لا يتقاضى شيئاً على التمويل أو التسهيلات المالية ... ]. أقول لو سلمنا بأن هذا القرض بدون فوائد فإنه قرض يجر نفعاً وهو أن البنك يشترط أن يكون التعامل عن طريقه وبهذا يكون قرضاً جرَّ نفعاً وقد اتفق

الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم. كما أن الفتوى المذكورة قد خالفت ما اتفقت عليه المجامع الفقهية المعتبرة من تحريم التعامل بالمارجن كما ورد في فتوى المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 10 - 14 من ربيع الأول 1427هـ، الذي يوافقه 8 - 12 من إبريل 2006م، قد نظر في موضوع: (المتاجرة بالهامش)، والتي تعني: (دفع المشتري (العميل) جزءاً يسيراً من قيمة ما يرغب شراءه يسمّى هامشاً، ويقوم الوسيط مصرفاً أو غيره، بدفع الباقي على سبيل القرض، على أن تبقى العقود المشتراة لدى الوسيط، رهناً بمبلغ القرض). وبعد الاستماع إلى البحوث التي قدمت، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع، رأى المجلس أن هذه المعاملة تشتمل على الآتي: (1) المتاجرة (البيع والشراء بهدف الربح)، وهذه المتاجرة تتم غالباً في العملات الرئيسة، أو الأوراق المالية (الأسهم والسندات)، أو بعض أنواع السلع، وقد تشمل عقود الخيارات، وعقود المستقبليات، والتجارة في مؤشرات الأسواق الرئيسة. (2) القرض، وهو المبلغ الذي يقدمه الوسيط للعميل مباشرة إن كان الوسيط مصرفاً، أو بواسطة طرف آخر إن كان الوسيط ليس مصرفاً. (3) الربا، ويقع في هذه المعاملة من طريق (رسوم التبييت)، وهي الفائدة المشروطة على المستثمر إذا لم يتصرف في الصفقة في اليوم نفسه، والتي قد تكون نسبة مئوية من القرض، أو مبلغاً مقطوعاً.

(4) السمسرة، وهي المبلغ الذي يحصل عليه الوسيط نتيجة متاجرة المستثمر (العميل) عن طريقه، وهي نسبة متفق عليها من قيمة البيع أو الشراء. (5) الرهن، وهو الالتزام الذي وقعه العميل بإبقاء عقود المتاجرة لدى الوسيط رهناً بمبلغ القرض، وإعطائه الحق في بيع هذه العقود واستيفاء القرض إذا وصلت خسارة العميل إلى نسبة محددة من مبلغ الهامش، ما لم يقم العميل بزيادة الرهن بما يقابل انخفاض سعر السلعة. ويرى المجلس أن هذه المعاملة لا تجوز شرعاً للأسباب الآتية: أولاً: ما اشتملت عليه من الربا الصريح، المتمثل في الزيادة على مبلغ القرض، المسماة (رسوم التبييت)، فهي من الربا المحرم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. ثانياً: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع المنهي عنه شرعاً في قول الرسول?: " لا يحل سلف وبيع ... " الحديث رواه أبو داود (3/ 384) والترمذي (3/ 526) وقال: حديث حسن صحيح. وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم.

ثالثاً: أن المتاجرة التي تتم في هذه المعاملة في الأسواق العالمية غالباً ما تشتمل على كثير من العقود المحرمة شرعاً، ومن ذلك: 1. المتاجرة في السندات، وهي من الربا المحرم، وقد نص على هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم (60) في دورته السادسة. 2. المتاجرة في أسهم الشركات دون تمييز، وقد نص القرار الرابع للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة سنة 1415هـ على حرمة المتاجرة في أسهم الشركات التي غرضها الأساسي محرم، أو بعض معاملاتها ربا. 3. بيع وشراء العملات يتم غالباً دون قبض شرعي يجُيز التصرف. 4. التجارة في عقود الخيارات وعقود المستقبليات، وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم (63) في دورته السادسة، أن عقود الخيارات غير جائزة شرعاً، لأن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه .. ومثلها عقود المستقبليات والعقد على المؤشر. 5. أن الوسيط في بعض الحالات يبيع ما لا يملك، وبيع ما لا يملك ممنوع شرعاً. رابعاً: لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة، وخصوصاً العميل (المستثمر) وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة. لأنها تقوم على التوسع في الديون، وعلى المجازفة، وما تشتمل عليه غالباً من خداع وتضليل وشائعات، واحتكار ونجش وتقلبات قوية وسريعة للأسعار، بهدف الثراء السريع والحصول على مدخرات الآخرين بطرق غير مشروعة، مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل، إضافة إلى تحول الأموال

في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصادياً، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تلحق بالمجتمع خسائر وأضراراً فادحة. ويوصي المجمع المؤسسات المالية باتباع طرق التمويل المشروعة التي لا تتضمن الربا أو شبهته، ولا تحدث آثاراً اقتصادية ضارة بعملائها أو بالاقتصاد العام كالمشاركات الشرعية ونحوها، والله ولي التوفيق] شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن بيع وشراء العملات عن طريق ما يسمى بالبيع بالهامش (المارجن) محرم شرعاً، وأدعو مجلس الفتوى الموقر إلى إعادة النظر في فتواه المذكورة والمؤرخة في 12/ 6/2006، والتي تستغل من الطامعين بالثراء السريع من المضاربين بالعملات، مع العلم أن هذه المضاربات لا تعود بأي نفع على الاقتصاد المحلي، ولولا ضيق المقام لفصلت الكلام في هذه المسألة. - - -

حق الجار في استعمال سور جاره

حق الجار في استعمال سور جاره يقول السائل: هل للجار أن يستخدم سور جاره لتثبيت مواسير عريش دوالي العنب التي له، أفيدونا؟ الجواب: ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبه في جداره) قال ثم يقول أبو هريرة ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم) رواه البخاري ومسلم. قال القسطلاني في شرح قول أبي هريرة (ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم): [أي لأصرخن بالمقالة فيكم ولأوجعنكم بالتقريع بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته] عون المعبود 10/ 46. وقد ورد هذا الحديث بلفظ خشبه أي جمع خشبة، وورد بالإفراد خشبة، قال الإمام النووي: [ ... قال القاضي: روينا قوله: (خشبة) في صحيح مسلم وغيره من الأصول والمصنفات (خشبة) بالإفراد و (خشبه) بالجمع. قال: وقال الطحاوي عن روح بن الفرج: سألت أبا زيد والحرث بن مسكين ويونس بن عبد الأعلى عنه فقالوا كلهم: (خشبة) بالتنوين على الإفراد، قال عبد الغني ابن سعيد: كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي]. شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 222 - 223. والفرق أن وضع الخشبة الواحدة

أهون من وضع الخشب فإن الجار قد يتسامح في وضع خشبة واحدة ولا يتسامح في وضع خشب كثير. وجاء في رواية أخرى عند أبي داود (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه فنكسوا فقال ما لي أراكم قد أعرضتم لألقينها بين أكتافكم). وورد عند أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن رجل جاره أن يجعل خشبته أو قال خشبة في جداره) وهو حديث صحيح كما في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 39. وروى الإمام أحمد في المسند عن عكرمة بن سلمة بن ربيعة أن أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما - أي حلف بالعتق - أن لا يغرز خشباً في جداره فلقيا مجمع بن يزيد الأنصاري ورجالاً كثيراً فقالوا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشباً في جداره فقال الحالف أي أخي قد علمت أنك مقضي لك عليَّ وقد حلفت فاجعل أسطواناً دون جداري ففعل الآخر فغرز في الأسطوان خشبة) ورواه ابن ماجة أيضاً وقال العلامة الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 38. وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه) السنن الكبرى 6/ 69.

ويؤخذ من هذه الأحاديث أنه لا يجوز للجار أن يمنع جاره من استعمال الحائط الذي يكون بين أرضيهما ما دام أنه لا يلحق الضرر بجاره وقد أخذ جماعة من أهل العلم بظاهر هذه الأحاديث فقالوا من حق الجار أن يستعمل سور جاره ولو بدون إذنه قال الشوكاني [والأحاديث تدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع جاره من غرز الخشب في جداره ويجبره الحاكم إذا امتنع وبه قال أحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم وأهل الحديث] نيل الأوطار 5/ 293. وقال الإمام الترمذي: [والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وروي عن بعض أهل العلم منهم مالك بن أنس قالوا له أن يمنع جاره أن يضع خشبه في جداره والقول الأول أصح] سنن الترمذي 3/ 636. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما إن دعت الحاجة إلى وضعه على حائط جاره أو الحائط المشترك، بحيث لا يمكنه التسقيف بدونه فإنه يجوز له وضعه بغير إذن الشريك] المغني 4/ 376. قال الإمام البيهقي: [لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن نخصها، وقد حمله الراوي على ظاهره، وهو أعلم بالمراد بما حدث به، يشير إلى قول أبي هريرة رضي الله عنه (ما لي أراكم عنها معرضين)] فتح الباري 5/ 137. وقال الشيخ ابن حزم الظاهري: [وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ خَشَباً فِي جِدَارِهِ وَيُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ

صَاحِبُ الْحَائِطِ هَدْمَ حَائِطِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِجَارِهِ: دَعِّمْ خَشَبَك أَوْ انْزَعْهُ فَإِنِّي أَهْدِمُ حَائِطِي، وَيُجْبَرُ صَاحِبُ الْخَشَبِ عَلَى ذَلِكَ] ثم استدل بحديث أبي هريرة السابق، ثم قال: [فَهَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا] المحلى 7/ 86. وخالف في ذلك جماعة من الفقهاء فقالوا لا يجوز للجار أن يستعمل جدار جاره إلا بإذنه وهذا قول الحنفية والمالكية والشافعي في الجديد وقد حملوا ما ورد في الأحاديث السابقة من النهي على الكراهة ورأوا أنه يندب للجار أن يأذن لجاره أن يستعمل جداره فإن لم يأذن فلا يحل له ذلك لأن الأصل أنه لا يحل للمسلم شيء من مال أخيه المسلم إلا بإذنه واحتجوا على ذلك بقول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} سورة البقرة الآية 188، وبقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. واحتجوا بما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250.

واحتجوا أيضاً بما جاء في الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 279. والذي يظهر لي أن الراجح من القولين هو قول من أجاز وضع الخشب في جدار الجار بدون إذنه ما دام أنه لا يلحق ضرراً بجاره ومما يؤيد هذا الترجيح ما رواه مالك في الموطأ أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى محمد فقال له الضحاك لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولاً وآخراً ولا يضرك فأبى محمد فكلَّم فيه الضحاك عمر بن الخطاب فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله فقال محمد لا فقال عمر لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولاً وآخراً وهو لا يضرك فقال محمد لا والله فقال عمر والله ليمرنَّ به ولو على بطنك فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني وسنده صحيح فتح الباري 5/ 138. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وروى ابن إسحاق في مسنده والبيهقي من طريقه عن يحيى بن جعدة أحد التابعين قال: أراد رجل بالمدينة أن يضع خشبته على جدار صاحبه بغير إذنه فمنعه، فإذا من شئت من الأنصار يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهاه أن يمنعه، فجبر على ذلك] فتح الباري 5/ 138، وانظر السنن الكبرى 6/ 69.

وقد قاس الشيخ ابن قدامة المقدسي وضع الخشب على جدار الجار على الاستناد إليه والاستظلال به. المغني 4/ 376. وخلاصة الأمر أنه يجوز للجار أن يستعمل سور جاره لتثبيت مواسير عريشه بدون أن يلحق الضرر بجاره، وهذا حق من حقوق الجار على جاره وقد وردت نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحث على أداء حقوق الجيران وحسن معاملتهم. - - -

المرأة والأسرة

المرأة والأسرة

حق الزوجة بمسكن مستقل

حق الزوجة بمسكن مستقل تقول السائلة: إن والد زوجها قد توفي ويريد زوجها أن يسكن أمه وأخاه غير المتزوج معها في نفس الشقة التي تسكنها هي وأولادها مع أن الشقة ليست كبيرة، فهل هي ملزمة بقبول ذلك، أفيدونا؟ الجواب: قرر الشرع أن من حقوق الزوجة على زوجها حق المسكن قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} سورة الطلاق الآية 6. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح أولى قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع، ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما لقول الله تعالى: {مِنْ وُجْدِكُمْ} ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام فجرى مجرى النفقة والكسوة] المغني 8/ 200. وقد نص الفقهاء على شروط بيت الزوجية ومن أهمها أن يكون خاصاً بالزوجة لا يشاركها فيه أحد بدون رضاها وقرروا أنه لا يجوز للزوج أن يسكن أحداً من أقاربه مع زوجته بدون رضاها ولو كان أباه أو أمه أو أخاه أو زوجته الأخرى.

قال الكاساني الحنفي: [وكل امرأة لها النفقة، لها السكنى لقوله عز وجل {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ... } ولأنهما استويا في سبب الوجوب وشرطه وهو ما ذكرنا فيستويان في الوجوب ويستوي في وجوبهما أصل الوجوب الموسر والمعسر؛ لأن دلائل الوجوب لا توجب الفصل وإنما يختلفان في مقدار الواجب منهما ... ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك؛ عليه أن يسكنها في منزل مفرد؛ لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة وإباؤها دليل الأذى والضرر ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث حتى لو كان في الدار بيوت ففرغ لها بيتا وجعل لبيتها غلقا على حدة قالوا: إنها ليس لها أن تطالبه ببيت آخر] بدائع الصنائع 3/ 428 - 429. وقال ابن نجيم الحنفي: [(قوله والسكنى في بيت خالٍ عن أهله وأهلها) معطوف على النفقة أي تجب السكنى في بيت أي الإسكان للزوجة على زوجها؛ لأن السكنى من كفايتها فتجب لها كالنفقة، وقد أوجبها الله تعالى كما أوجب النفقة بقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} أي من طاقتكم أي مما تطيقونه ملكاً أو إجارةً أو عاريةً إجماعاً، وإذا وجبت حقاً لها ليس له أن يشرك غيرها فيه؛ لأنها تتضرر به فإنها لا تأمن على متاعها ويمنعها ذلك من المعاشرة مع زوجها ومن الاستمتاع إلا أن تختار] البحر الرائق شرح كنز الدقائق، شبكة الانترنت.

وقال الشيخ الحطاب المالكي: [قال ابن فرحون إن من حقها أن لا تسكن مع ضرتها ولا مع أهل زوجها ولا مع أولاده في دار واحدة فإن أفرد لها بيتاً في الدار ورضيت فذلك جائز وإلا قضي عليه بمسكن يصلح لها] مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل، شبكة الانترنت. وقال الخطيب الشربيني الشافعي: [ويحرم أن يجمع ... بين ضرتين فأكثر في مسكن أي بيت واحد لما بينهما من التباغض إلا برضاهما فيجوز الجمع بينهما؛ لأن الحق لهما، ولو رجعا بعد الرضا كان لهما ذلك] مغني المحتاج، شبكة الانترنت. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما صغيراً كان أو كبيراً لأن عليهما ضرراً لما بينهما من العداوة والغيرة واجتماعهما يثير المخاصمة والمقاتلة، وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى أو ترى ذلك فإن رضيتا بذلك جاز لأن الحق لهما، فلهما المسامحة بتركه وكذلك إن رضيتا بنومه بينهما في لحاف واحد، وإن رضيتا بأن يجامع واحدة بحيث تراه الأخرى، لم يجز لأن فيه دناءةً وسخفاً وسقوط مروءة فلم يبح برضاهما وإن أسكنهما في دار واحدة كل واحدة في بيت، جاز إذا كان ذلك مسكن مثلها] المغني 7/ 300. وقد نص قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا على الأمور المتعلقة بمسكن الزوجية فقد جاء في المادة 36 [يهيئ الزوج المسكن المحتوي على اللوازم الشرعية حسب حاله وفي محل إقامته وعمله].

وجاء في المادة 38 [ليس للزوج أن يسكن أهله وأقاربه أو ولده المميز معه بدون رضاء زوجته في المسكن الذي هيأه لها ويستثنى من ذلك أبواه الفقيران العاجزان إذا لم يمكنه الإنفاق عليهما استقلالاً وتعين وجودهما عنده دون أن يحول ذلك من المعاشرة الزوجية كما انه ليس للزوجة أن تسكن معها أولادها من غيره أو أقاربه بدون رضاء زوجها]. كما منع القانون إسكان الضرائر في مسكن واحد إلا برضاهن كما نصت عليه المادة 40 [على من له أكثر من زوجة أن يعدل ويساوي بينهن في المعاملة وليس له إسكانهن في دار واحدة إلا برضاهن]. وينبغي على الآباء والأمهات أن يحرصوا على أن يسكن أبناؤهم المتزوجون في مساكن خاصة بهم لأن في ذلك مصالح مشتركة بينهم وبين أبنائهم وزوجات أبنائهم، حيث إن سكن الابن وزوجته في مسكن منفرد ومستقل فيه منافع كبيرة للجميع وفيه بعد عن أسباب الشحناء والبغضاء والمشكلات التي تنتج عن احتكاك الزوجة مع أهل زوجها. وهذه أمور منهي عنها والشارع الحكيم إذا نهى عن أمر من الأمور فإن ذلك يعتبر نهياً عن الوسائل المؤدية إليه، وقد قرر العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام 1/ 46. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين [وقد قال أهل العلم للوسائل أحكام المقاصد فما كان وسيلةً لمطلوبٍ فهو مطلوب وما كان وسيلةً لمنهيٍ منه فهو منهيٌ عنه] شبكة الانترنت.

وكذلك فإن سكن الابن وزوجته في مسكن منفرد يوفر حرية مطلقة للزوجين في بيتهما مما يشكل عاملاً مهماً في استقرار الحياة الزوجية وفي توفير السعادة الزوجية لهما. وأخيراً لا بد من التنبيه على أن المسكن الخاص بالزوجين فيه بعد عن الحرمات كالاختلاط بين الزوجة وأخي زوجها فهذا أمر محرم وخاصة أن الزوج قد يغيب عن البيت. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجال من الدخول على النساء وخاصة أخو الزوج فقد صح في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت) قال الليث بن سعد: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج: ابن العم ونحوه. اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وأخيه وابن أخيه وابن العم ونحوهم، والأختان أقارب زوجة الرجل والأصهار يقع على النوعين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت) فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم. وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت وهو

حكم الزواج بنية الطلاق

أولى بالمنع من الأجنبي ... وقال ابن الأعرابي: هي كلمة تقولها العرب كما يقال: الأسد الموت. أي لقاؤه مثل الموت، وقال القاضي: معناه الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت فورد الكلام مورد غليظ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 329. وخلاصة الأمر أن للزوجة الحق في مسكن خاص بها لا يشاركها فيه أحد من أقارب الزوج ولا تشاركها أيضاً ضرتها إلا برضاها وهذا الحق ثابت للزوجة ولو لم تشترطه في العقد، ويحرم على الزوج أن يسكن أحداً من أقاربه مع زوجته بدون رضاها، وتشتد الحرمة فيما لو أسكن معها أخاه البالغ كما ورد في السؤال لما يترتب على ذلك من المفاسد. - - - حكم الزواج بنية الطلاق يقول السائل: ما قولكم في مسألة الزواج بنية الطلاق فإن بعض العلماء المعاصرين قد أفتى بجواز ذلك بناءً على أنه عقد توفرت فيه أركان وشروط العقد الصحيح، أفيدونا؟ الجواب: الزواج بنية الطلاق هو أن يتزوج رجل امرأة وينوي بقلبه طلاقها بعد مدة من الزمن قد تطول أو تقصر بناءً على مصلحة الرجل ولا يخبر المرأة أو وليها بنيته طلاقها، وهذه المسألة بحثها الفقهاء المتقدمون وقد أثيرت حديثاً وخاصة بعد أن كثر سفر الشباب المسلم إلى ديار الغرب للدراسة

والتجارة ونحو ذلك، وقد أفتى بعض العلماء المعاصرين أولئك الشباب بجواز النكاح بنية الطلاق صيانة لهم من الوقوع في الحرام، وعند التدقيق في كلام العلماء الذين أجازوا الزواج بنية الطلاق نجد أنهم نظروا إلى تحقق أركان وشروط العقد في هذا الزواج وأنه لا أثر لنية الزوج المبيتة بالطلاق، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإن تزوجها بغير شرط، إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم، إلا الأوزاعي قال: هو نكاح متعة. والصحيح: أنه لا بأس به، ولا تضر نيته، وليس على الرجل أن ينوي حبس امرأته، وحسبه إن وافقته وإلا طلقها] المغني 7/ 179 - 180. وقال الإمام النووي: [قال القاضي: وأجمعوا على أن من نكح نكاحاً مطلقاً ونيَّتُه أن لا يمكث معها إلا مدة نواها فنكاحه صحيح حلال، وليس نكاح متعة. وإنما نكاح المتعة ما وقع بالشرط المذكور. ولكن قال مالك: ليس هذا من أخلاق الناس. وشذ الأوزاعي، فقال: هو نكاح متعة ولا خير فيه] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 529. وهذا ما قاله العلماء المعاصرون الذي أجازوا الزواج بنية الطلاق فهم قد اعتبروه من الناحية الإجرائية عقداً صحيحاً مستكملاً لأركانه وشروطه ولا أثر لنية الطلاق في صحته. ولكن المانعين لهذا الزواج من أهل العلم قديماً وحديثاً نظروا إلى أمور أخرى هامة جداً بنوا عليه القول بمنع هذا النوع من الزواج منها: 1.إن الأصل في عقد الزواج في شريعة الإسلام الديمومة والاستمرار ويظهر هذا واضحاً من خلال تحريم الإسلام لكل زواج مؤقت كنكاح المتعة، قال الإمام

النووي: [النكاح المؤقت باطل، سواء قيد بمدة مجهولة أو معلومة، وهو نكاح المتعة] روضة الطالبين 2/ 42. وقال الشيخ أبو القاسم الخرقي الحنبلي [ولو تزوجها على أن يطلقها في وقت بعينه، لم ينعقد النكاح] المغني 7/ 180. 2. إن الزواج بنية الطلاق يتنافى مع حقيقة عقد الزواج الذي سماه الله سبحانه وتعالى ميثاقاً غليظاً {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) رواه مسلم. فأين الزواج بنية الطلاق من المقاصد الشرعية للزواج. 3. إن الزواج بنية الطلاق ينطوي على الغش والخداع للزوجة ووليها وفيه ظلم واضح للزوجة وإيقاع الضرر بها، وكل ذلك منهي عنه شرعاً، ولو أن الزوج أظهر نيته تلك لما قبلت الزوجة ذلك، ومن المعلوم أن الغش حرام بشكل عام، كيف وهو واقع في أمر عظيم ألا وهو الزواج، وينبغي التنبيه إلى أن ما يفعله بعض أغنياء المسلمين من الزواج عندما يسافرون إلى بلدان فقيرة وفي نيتهم الطلاق ويعرف من يزوجهم أنهم سيطلقون بعدة مدة، فهذا النوع أشبه بنكاح المتعة فهو محرم، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. 4. إن الزواج بنية الطلاق فيه إساءة بالغة للإسلام والمسلمين وتشويه لصورة الإسلام حيث إنه يورث عند الآخرين انطباعاً بأن المسلم متحلل من القيم والأخلاق الحسنة ولا ينظر إلا لقضاء شهوته ولمصلحته الشخصية، كما أنه

يسيء إساءة بالغة لحقيقة نظرة الإسلام للمرأة، حيث يهتم هذا المتزوج وهو ينوي الطلاق بقضاء شهواته فقط ويكرس مفهوم الجنس للجنس، وهو مفهوم لا يقبله الإسلام إلى غير ذلك من المفاهيم الخاطئة. إذا تقرر هذا فلا بد من التنبيه على أن الفتاوى التي نقلت عن أئمة الفقه المتقدمين إنما كانت في حالات خاصة على خلاف الأصل، فلا يجوز تعميمها لتصبح هي القاعدة العامة، وعليه فإني أرجح مذهب العلماء المانعين للزواج بنية الطلاق لما يترتب عليه من مفاسد ولمخالفته للمقاصد الشرعية، كما وأن المسلم لا يرضى هذا الزواج لابنته أو أخته فلا ينبغي أن يرضاه للناس كما ورد في الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (إن فتىً شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا مه مه! فقال: ادنه. فدنا منه قريباً. قال: فجلس. قال أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال أتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم! اغفر ذنبه، وطهر

قلبه، وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء). رواه أحمد وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 370. وقد اختار القول بمنع الزواج بنية الطلاق مجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي فقد جاء في قراره ما يلي: [الزواج بنية الطلاق وهو زواج توافرت فيه أركان النكاح وشروطه، وأضمر الزوج في نفسه طلاق المرأة بعد مدة معلومة كعشرة أيام، أو مجهولة كتعليق الزواج على إتمام دراسته أو تحقيق الغرض الذي قدم من أجله. وهذا النوع من النكاح على رغم أن جماعة من العلماء أجازوه، إلا أن المجمع يرى منعه لاشتماله على الغش والتدليس. إذ لو علمت المرأة أو وليها بذلك لم يقبلا هذا العقد. ولأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة تسيء إلى سمعة المسلمين] شبكة الانترنت. وقال بتحريمه الشيخ محمد رشيد رضا فقال: [هذا وإن تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، وإن كان علماء السلف يقولون بأن النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت، ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إياه يعد خداعاً وغشاً، وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضي بين الزوج والمرأة، ووليها، ولا يكون فيه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة التي هي أعظم الروابط البشرية، وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذوَّاقين والذوَّاقات، وما يترتب على ذلك غشاً وخداعاً تترتب عليه مفاسد أخرى من العداوة والبغضاء وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون

الزواج حقيقة، وهو إحصان كل من الزوجين للآخر وإخلاصه له، وتعاونهما على تأسيس بيت صالح من بيوت الأمة] شبكة الانترنت. وممن قال بتحريمه أيضاً الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين: [من المعروف من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الزواج بنية الطلاق محرم وأنه داخل في نكاح المتعة وذلك لأن النية معتبرة في التأثير في الحكم لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ولأن الرجل لو تزوج المطلقة ثلاثاً بنية أنه يحللها للأول ثم يطلقها كان هذا النكاح باطلاً ومحرماً ولم تحل للزوج الأول كما لو شرط ذلك في نفس العقد وعلى هذا فتكون نية الطلاق كنية التحليل أي كما أن النية في التحليل مؤثرة فكذلك نية الطلاق مؤثرة أيضاً. وقال بعض أهل العلم إن نية الطلاق ليست كشرطه لأن شرط الطلاق معناه أنه إذا تمت المدة ألزم به وكذلك المتعة إذا شرط على الإنسان أنه يتزوجها إلى أجل مسمى فإن معناه أو مقتضى هذا العقد أنه إذا تم الأجل المسمى انفسخ النكاح تلقائياً فليست النية كالشرط وهذا الفرق بين ظاهر لأن الشرط إذا تم الأجل انفسخ النكاح تلقائياً وإذا كان قد شرط عليه الطلاق فإنه يلزمه عند تمام المدة وهذا الفرق لاشك أنه مؤثر في الحكم ولكن عندي أن هذا حرام من وجه آخر أي أن الإنسان إذا تزوج بنيته أنه يطلقها إذا غادر البلد حرام من جهة أنه غش وخداع للزوجة وأهلها فإن الزوجة وأهلها لو علموا أن هذا الرجل إنما تزوجها بنية الطلاق إذا أراد السفر ما زوجوه في الغالب فيكون في ذلك خداع وغش لهم وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من

غش فليس منا) فالحاصل أن العلماء رحمهم الله اختلفوا فيما إذا تزوج الغريب بنية أنه متى أراد الرجوع إلى وطنه طلقها بدون شرط فذهب قوم من أهل العلم وهو مشهور من مذهب الإمام أحمد أن هذا النكاح فاسد وأنه نكاح متعة وعللوا ذلك بأن نية الطلاق كشرطه قياساً على التحليل الذي تكون نيته كشرطه وقال آخرون من أهل العلم إن النية لا تؤثر لأن الفرق بين النية والشرط هو أن الشرط إذا تم الأجل ألزم بالطلاق إن كان المشروط هو الطلاق أو انفسخ النكاح إن كان مؤجلاً إلى هذه المدة وهذا الفرق ظاهر يؤثر في الحكم ولكنه عندي أنه غش إذا نواه بدون أن يبينه للزوجة وأهلها لأنهم لو علموا بنيته هذه ما زوجوه في الغالب وحينئذ إما أن يعلمهم أو يكتم عنهم فإن أعلمهم فهو نكاح متعة وإن كتمه كان غشاً وخداعاً فلا ينبغي للمؤمن أن يعمل هذا العمل] شبكة الانترنت. ومن المتقدمين الإمام الأوزاعي وهو القول المعتمد عند الحنابلة. وخلاصة الأمر أن الزواج بنية الطلاق ممنوع شرعاً ويحرم على المسلم أن يقدم عليه لمخالفته لمقاصد الشارع الحكيم ولما يترتب عليه من مفاسد كثيرة. - - -

إنصاف الابن الذي يعمل في تجارة أبيه دون إخوته

إنصاف الابن الذي يعمل في تجارة أبيه دون إخوته يقول السائل: أنا أكبر إخوتي وأشتغل مع والدي في محله التجاري منذ ثلاث وعشرين سنة حيث إن والدي أخرجني من المدرسة بعد الصف السادس، وخلال هذه المدة تضاعفت أموال والدي عدة مرات ووالدي الآن مريض وأخشى إن توفي والدي أن أعامل كبقية إخوتي في الميراث مع العلم أنهم لم يعملوا مع والدي بل تعلموا في الجامعات ويشتغلون في أعمالهم الخاصة، فما هي الطريقة الشرعية لأخذ حقي من أموال والدي، أفيدونا؟ الجواب: إن ما ورد في السؤال يحدث كثيراً في مجتمعنا المحلي حيث إن أحد الأبناء يعمل مع والده في تجارته أو مصنعه أو مزرعته أو غير ذلك، ويكون لهذا الابن دور واضح في تنمية أموال أبيه دون بقية إخوته فما الواجب على الأب لكي يكون منصفاً مع ابنه الذي ساعده وعمل معه وأسهم في تنمية أمواله، إن الذي أراه في هذه المسألة أن الواجب على الوالد أن يقوم بواحد من ثلاثة أمور: الأول: أن يعامل الابن في هذه الحالة معاملة الأجنبي بدون محاباة فيقدر لهذا الابن جهد أمثاله في عمل مشابه لعمل أبيه فيقوم اثنان أو أكثر من أهل الخبرة والمعرفة بتقدير جهد المثل للابن عن المدة التي اشتغلها مع أبيه وبالتالي يكون الابن شريكاً لأبيه في المحل التجاري حسب النسبة التي يقدرها أهل الخبرة كالربع أو الثلث أو غير ذلك وبناءً على ذلك إذا توفي

الأب فإن حصة الأب من المحل التجاري تكون حقاً للورثة ويكون الابن الأكبر أحد الوارثين. الثاني: أن يقدر أهل الخبرة والمعرفة للابن الذي عمل مع أبيه أجر المثل فيعامل مثل العامل الأجنبي فيعطى الابن أجراً مماثلاً لأجر عامل يقوم بمثل عمله، فيصرف له ذلك الأجر. وفي حال وفاة الأب كان الابن الذي عمل مع أبيه كغيره من الورثة. الثالث: أن ينصف الأب ابنه الذي عمل معه بأن يخصه بعطية من المال تقابل عمل الابن معه بشرط أن تنفذ العطية حال حياة الأب ولا تكون مضافة لما بعد الموت، وهذا الأمر جائز شرعاً على قول جماعة من أهل العلم وغير مخالف لمبدأ العدل في العطايا والهبات للأبناء فقد قرر جماعة من الفقهاء جواز تخصيص أحد الأبناء بالهبة لسبب مشروع، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل ... فإن خص بعضهم لمعنىً يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى، أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل أو التخصيص على كل حال لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل بشيراً في عطيته، والأول أولى

إن شاء الله لحديث أبي بكر رضي الله عنه، ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية، فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة وحديث بشير قضية في عين لا عموم لها وترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال فإن قيل: لو علم بالحال لما قال: (ألك ولد غيره؟) قلنا: يحتمل أن يكون السؤال ها هنا لبيان العلة، كما قال عليه الصلاة والسلام للذي سأله عن بيع الرطب بالتمر: (أينقص الرطب إذا يبس؟ قال: نعم: قال: فلا إذن) وقد علم أن الرطب ينقص لكن نبه السائل بهذا على علة المنع من البيع كذا ها هنا] المغني 6/ 51 - 53. وحديث أبي بكر الذي أشار إليه الشيخ ابن قدامة المقدسي هو ما رواه مسلم وغيره أن أبا بكر نحل عائشة جداد عشرين وسقاً دون سائر ولده. [وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عَنْ رَجُلٍ أَعْطَى بَعْضَ أَوْلادِهِ شَيْئًا وَلَمْ يُعْطِ الْآخَرَ ; لِكَوْنِ الْأَوَّلِ طَائِعًا لَهُ: فَهَلْ لَهُ بِرُّ مَنْ أَطَاعَهُ وَحِرْمَانُ مَنْ عَصَاهُ وَحَلَفَ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لا يُكَلِّمُ أَبَاهُ إنْ لَمْ يُوَاسِهِ: فَهَلْ لَهُ مَخْرَجٌ؟ وَهَلْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ تَجْرِي مَجْرَى الْأيمَانِ أَمْ لا؟ فأجاب: على الرجل أن يعدل بين أولاده كما أمر الله ورسوله فقد ثبت في الصحيحين (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك فقال له: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وقال: لا تشهدني على هذا فإني لا أشهد على جور وقال له: اردده) فرده بشير. وقال له على سبيل التهديد: (أشهد على هذا غيري). لكن إذا خص أحدهما بسبب شرعي: مثل أن يكون

محتاجاً مطيعاً لله والآخر غني عاص يستعين بالمال على المعصية فإذا أعطى من أمر الله بإعطائه ومنع من أمر الله بمنعه فقد أحسن]. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/ 295. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة السعودية: [المشروع في عطية الأولاد هو التسوية بينهم في العطاء على السواء، ولا يجوز التفضيل إلا لمسوغ شرعي؛ لكون أحدهم مقعداً أو صاحب عائلة كبيرة أو لاشتغاله بالعلم، أو صرف عطية عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يعصي الله فيما يأخذه ... ] فتاوى اللجنة الدائمة 16/ 193. والقول بجواز تفضيل بعض الأولاد لمسوغ شرعي لا بأس به ولا يخالف الأدلة الواردة في وجوب العدل بين الأولاد في العطية كالحديث الوارد عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح. وعن جابر رضي الله عنه قال: قالت امرأة بشير: انحل ابني غلاماً - عبداً - وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنة فلان - زوجته - سألتني أن أنحل ابنها غلامي. فقال عليه الصلاة والسلام: له أخوة؟ قال: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا، قال عليه الصلاة والسلام: فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق) رواه مسلم.

وعن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة - أم نعمان – لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال عليه الصلاة والسلام: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال فرجع فرد عطيته) رواه البخاري. وفي روايةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير والد النعمان (لا تشهدني على جورٍ أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال: أشهد على هذا غيري) رواه أبو داود بسندٍ صحيح. وفي حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء) رواه البيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن. فهذه الأحاديث تحمل على التفضيل بين الأولاد لغير مسوغ شرعي أما إذا وجد مسوغ شرعي فلا حرج. وخلاصة الأمر أن العدل يقتضي أن ينصف الأب ابنه الذي اشتغل معه دون إخوته بطريقة من الطرق التي ذكرتها سابقاً. - - -

يجوز زواج الزانيين إذا تابا توبة صادقة

يجوز زواج الزانيين إذا تابا توبةً صادقة يقول السائل: زنا شاب بفتاة واتفقت عائلتهما على تزويجهما والستر عليهما، فما الحكم في زواج الزانيين، أفيدونا؟ الجواب: الزنا كبيرة من كبائر الذنوب ومن الجرائم الاجتماعية الفظيعة، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} سورة الإسراء الآية 32. قال الإمام القرطبي: [قال العلماء، قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} أبلغ من أن يقول: ولا تزنوا، فإن معناه لا تدنوا من الزنا] تفسير القرطبي 10/ 253. وقد جعل الله سبحانه وتعالى من صفات عباد الرحمن ترك الزنا فقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} سورة الفرقان الآيتان 68 - 69. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة التحذير من الزنا وبيان ضرر الزنا فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) رواه البخاري ومسلم.

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه تضمنت له بالجنة) رواه البخاري، وما بين لحييه أي اللسان وما بين رجليه أي فرجه. وورد في حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. ومن المعلوم أن الأصل أن يقام الحد الشرعي على الزناة إذا بلغ الأمر للحاكم الشرعي. إذا تقرر هذا فإنه يجوز للزانيين الزواج ولا بد لهما من التوبة الصادقة، فإن التوبة واجبة على العاصي لقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة النور الآية 31. وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} سورة التحريم الآية 8. وقال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} سورة الزمر الآية 53. وجاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجة وغيره وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 418. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي، وهو

حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 418. ولا بد من التذكير بأن التوبة الصادقة لا بد لها من شروط: أولها: الإقلاع عن المعصية فلا توبة مع مباشرة الذنب واستمرار الوقوع في المعصية. ثانيها: الندم على ما مضى وفات فمن لم يندم على ما صدر عنه من المعاصي والآثام فلا توبة له لأن عدم ندمه يدل على رضاه بما كان منه وإصراره عليه. ثالثها: أن يعزم على عدم العودة إلى المعصية مستقبلاً وهذا العزم ينبغي أن يكون مؤكداً قوياً وعلى التائب أن يكثر من فعل الخيرات ليكسب الحسنات {فإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. ورابعها: إذا كانت المعصية تتعلق بحق من حقوق الناس فلا بد من إعادة الحقوق لأصحابها. فإذا تاب الزانيان وتحققت توبتهما ورجعا إلى أمر الله تعالى وندما على ما اقترفا وأصلحا فإن الله تواب رحيم، فلهما الزواج، والقول بجواز نكاح الزانيين التائبين هو قول جمهور أهل العلم وقد وردت آثار كثيرة عن الصحابة وغيرهم من السلف فمن ذلك: ما رواه البيهقي في السنن الكبرى بإسناده عن ابن عباس رضى الله عنهما فى الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها بعد. قال: كان أوله سفاح وآخره نكاح وأوله حرام وآخره حلال. وروى البيهقي أيضاً عن سعيد عن قتادة عن جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب

وسعيد بن جبير فى الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها فقالوا: لا بأس بذلك إذا تابا وأصلحا وكرها ما كان. وروى عبد الرزاق عن شيخ من أهل المدينة قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن رجل زنى بامرأة ثم يريد أن يتزوجها، قال: ما من توبة أفضل من أن يتزوجها، خرجا من سفاح إلى نكاح. مصنف عبد الرزاق. وقال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن ابن حباب عن بكير بن الأخنس عن أبيه قال: قرأت من الليل {حم عسق} فمررت بهذه الآية: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} فغدوت إلى عبد الله أسأله عنها فأتاه رجل فسأله عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها فقرأ عبد الله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ}. وقال ابن أبي شيبة أيضاً حدثنا وكيع عن شريك عن عروة عن عبد الله بن بشير عن أبي الأشعث عن ابن عمر قال: أوله سفاح وآخره نكاح وأوله حرام وآخره حلال. وحدثنا حفص عن أشعث عن الزهري أن رجلاً فجر بامرأة وهما بكران فجلدهما أبو بكر ونفاهما ثم زوجها إياه بعد الحول. وحدثنا وكيع عن سفيان عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: لا بأس أن يتزوجها.

وحدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: سأله رجل عن رجل فجر بامرأة، أيتزوجها؟ قال: نعم! وتلا هذه الآية:: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}. وحدثنا جرير عن شعبة عن أبي نعامة قال: سئل سعيد بن جبير وأنا أسمع عن رجل فجر بامرأة، أيتزوجها؟ قال: هو أحق بها، أوله سفاح وآخره نكاح أحلها له ماله. وحدثنا ابن عيينة عن عمرو بن جابر بن زيد قال: سئل عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها، قال: هو أحق بها، هو أفسدها. وحدثنا وكيع عن سعيد بن حسان قال: سمعت حنظلة عن عكرمة قال: سألت سالماً عنه فقال: لا بأس به. وحدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن جابر بن عبد الله قال: إذا تابا وأصلحا فلا بأس. وحدثنا عباد بن عوام عن داؤد عن يزيد بن أبي منصور أو ابن منصور عن صلة بن أشيم قال: لا بأس إن كانا تائبين فالله أولى بتوبتهما وإن كانا زانيين فالخبيث على الخبيث. وحدثنا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سئل ابن عباس عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها، قال: الآن أصاب الحلال. مصنف ابن أبي شيبة

وروى عبد الرزاق قال: سمعت أبا حنيفة يحدث عن حماد عن إبراهيم قال: سئل علقمة بن قيس عن رجل زنى بامرأة، هل يصلح له أن يتزوجها؟ قال:: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}. وروى عبد الرزاق عن معمر عن الحكم بن أبان قال: سألت سالم بن عبد الله عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها، فقال: سئل عن ذلك ابن مسعود، فقال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ}. وخلاصة الأمر أنه يجوز للزانيين الزواج بعد أن يرتفع عنهما وصف الزنا ولا يكون ذلك إلا بالتوبة الصادقة بشروطها السابقة. - - -

النساء أولى بالحضانة من الرجال

النساء أولى بالحضانة من الرجال يقول السائل: ماتت امرأة وتركت أطفالاً صغاراً وعهدت بهم لأمها، وتزوج زوجها بعدها ويطالب بحضانة أولاده وجدتهم لأمهم تصر على حضانتهم فمن الأحق بحضانة الأطفال في هذه الحالة، أفيدونا؟ الجواب: الحضانة عند الفقهاء هي القيام على شؤون الولد وحفظه وتربيته والاعتناء به في جميع مصالحه. والحضانة واجبة شرعاً قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [كفالة الطفل وحضانته واجبة لأنه يهلك بتركه فيجب حفظه عن الهلاك كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك] المغني 8/ 237. ومما يدل على مشروعية الحضانة ما ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي) رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الشيخ العلامة الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن أبي داود 2/ 430. وانظر أيضاً إرواء الغليل 7/ 244 وغير ذلك من النصوص. وقد اتفق جماهير أهل العلم على أن جنس النساء أحق بالحضانة من جنس الرجال، قال الإمام النووي: [الحضانة هي القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره وتربيته بما يصلحه ووقايته عما يؤذيه وهي نوع من ولاية

وسلطنة لكنها بالإناث أليق لأنهن أشفق وأهدى إلى التربية وأصبر على القيام بها وأشد ملازمة للأطفال] روضة الطالبين 6/ 504. ومما يدل على أن النساء أولى بالحضانة من الرجال ما ورد في الحديث عن ابن جريج أخبرني زياد عن هلال بن أسامة أن أبا ميمونة سليم مولى من أهل المدينة رجل صدق قال بينما أنا جالس مع أبي هريرة جاءته امرأة فارسية معها ابن لها فادعياه وقد طلقها زوجها فقالت يا أبا هريرة ورطنت له بالفارسية زوجي يريد أن يذهب بابني فقال أبو هريرة استهما عليه ورطن لها بذلك فجاء زوجها فقال من يحاقني في ولدي فقال أبو هريرة: اللهم إني لا أقول هذا إلا أني سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عنده فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استهما عليه فقال زوجها من يحاقني في ولدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الترمذي وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 431. وقال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر الحديث الذي سقته أولاً وفيه قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة: (أنت أحق به ما لم تنكحي) [ودل الحديث على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها أو بالولد وصف يقتضي تخييره وهذا ما لا يعرف فيه نزاع وقد قضى به خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر على

عمر بن الخطاب ولم ينكر عليه منكر. فلما ولي عمر قضى بمثله فروى مالك في الموطأ: عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت القاسم بن محمد يقول كانت عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم إن عمر فارقها فجاء عمر قباء فوجد ابنه عاصماً يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقال عمر: ابني. وقالت المرأة ابني فقال أبو بكر رضي الله عنه خل بينها وبينه فما راجعه عمر الكلام، قال ابن عبد البر: هذا خبر مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة تلقاه أهل العلم بالقبول والعمل وزوجة عمر أم ابنه عاصم هي جميلة ابنة عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري. قال وفيه دليل على أن عمر كان مذهبه في ذلك خلاف أبي بكر ولكنه سلم للقضاء ممن له الحكم والإمضاء ثم كان بعد في خلافته يقضي به ويفتي ولم يخالف أبا بكر في شيء منه ما دام الصبي صغيراً لا يميز ولا مخالف لهما من الصحابة. وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج أنه أخبره عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال طلق عمر بن الخطاب امرأته الأنصارية أم ابنه عاصم فلقيها تحمله بمحسر وقد فطم ومشى فأخذ بيده لينتزعه منها ونازعها إياه حتى أوجع الغلام وبكى وقال أنا أحق بابني منك فاختصما إلى أبي بكر فقضى لها به وقال ريحها وفراشها وحجرها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه ومحسر: سوق بين قباء والمدينة. وذكر عن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال خاصمت امرأة عمر عمر إلى أبي بكر رضي الله عنهم وكان طلقها فقال أبو بكر رضي الله عنه

الأم أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأرأف هي أحق بولدها ما لم تتزوج. وذكر عن معمر قال سمعت الزهري يقول إن أبا بكر قضى على عمر في ابنه مع أمه وقال أمه أحق به ما لم تتزوج] زاد المعاد 5/ 435 - 437. إذا تقرر هذا فإن أم الأم أحق بالحضانة من الأب باتفاق المذاهب الأربعة وهو ما قرره قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا فقد ورد في الفصل السادس عشر منه ما يلي [الحضانة، صاحب الحق في الحضانة من النساء، المادة 154: الأم النسبية أحق بحضانة ولدها وتربيته حال قيام الزوجية، وبعد الفرقة، ثم بعد الأم يعود الحق لمن تلي الأم من النساء حسب الترتيب المنصوص عليه في مذهب الإمام أبي حنيفة]. والترتيب المنصوص عليه في مذهب الإمام أبي حنيفة هو تقديم الأم أولاً، ثم أم الأم، ثم أم الأب، ثم الأخوات، وتقدم الأخت من الأب والأم، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب، ثم الخالات، ثم العمات، فإن لم يكن للصبي امرأة من أهله تستحق الحضانة، واختصم فيه الرجال فأولاهم به أقربهم تعصيباً. فيقدم الأب ثم الجد ثم الأخ، انظر تفصيل ذلك في حاشية ابن عابدين 3/ 555 فما بعدها. ومما ينبغي ذكره أن حضانة أم الأم لأولاد ابنتها المتوفاة تستمر إلى أن يبلغ الصغير تسع سنوات وتبلغ الصغيرة الحادية عشرة من عمرها كما ورد في قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا في المادة 161: [تنتهي حضانة غير الأم من النساء للصغير إذا أتم التاسعة وللصغيرة إذا أتمت الحادية عشرة].

حكم دراسة الفتاة في مدرسة تمنعها من ارتداء الجلباب

وخلاصة الأمر أن أم الأم أحق بحضانة أولاد ابنتها المتوفاة من أبيهم وهذا هو المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا. - - - حكم دراسة الفتاة في مدرسة تمنعها من ارتداء الجلباب يقول السائل: ما حكم دراسة الفتاة المسلمة في مدرسة تشترط عليها أن لا تلبس الجلباب ويلزم ولي أمرها بتوقيع تعهد بذلك؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أن لبس الجلباب بشروطه الشرعية فريضة على المرأة المسلمة المكلفة شرعاً يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} سورة الأحزاب الآية 59. فهذه الآية الكريمة أوجبت اللباس الشرعي على جميع النساء المسلمات. وقال تعالى: {قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} سورة النور الآيتان 30 - 31.

وثبت في الحديث عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (أمرنا أن نخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدون جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن. قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب؟ قال صلى الله عليه وسلم: لتلبسها أختها من جلبابها) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: (أنها كانت عند أختها عائشة رضي الله عنها وعليها ثياب واسعة الأكمام فلما نظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم قام فخرج. فقالت عائشة رضي الله عنها تنحي فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً كرهه فتنحت فدخل رسول الله فسألته عائشة رضي الله عنها لم قام؟ قال: أو لم تري هيئتها إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا - أي وجهها وكفيها -) رواه الطبراني والبيهقي وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص 59. والذي يؤخذ من هذه الأدلة أن ستر المرأة لجميع بدنها إلا ما استثني واجب أوجبه الله سبحانه وتعالى على المرأة المسلمة وقد بينت نصوص الكتاب والسنة شروط هذا اللباس وهي: أولاً: أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين على قول جمهور أهل العلم لما جاء في رواية أخرى لحديث أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها السابق (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: يا أسماء إن

المرأة إن إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا، وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه) رواه أبو داود والبيهقي وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني. فينبغي للمرأة المسلمة أن تغطي جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها ويدخل في ذلك القدمان. ثانياً: أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق لأن الضيق يصف جسم المرأة وهذا يتنافى مع المقصود من الحجاب ولا يتحقق ذلك إلا باللباس الفضفاض الواسع. ثالثاً: أن يكون صفيقاً غير شفاف أي ثخيناً سميكاً فلا يشف عما تحته وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عاريات على رؤوسهن كأسمنة البخت العنوهن فإنهن ملعونات) رواه الطبراني بسندٍ صحيح كما قال الشيخ الألباني. رابعاً: أن لا يكون زينةً في نفسه فلا يجوز للمرأة أن تلبس ما يبهر العيون من الملابس التي عليها نقوشٌ وزخارف مذهبة ونحو ذلك لأن هذه الملابس زينة في نفسها وقد نهيت المرأة عن إظهار زينتها قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ... } ونهى الله سبحانه وتعالى عن التبرج في قوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}. خامساً: أن لا يكون معطراً مطيباً فلا يحل للمرأة أن تستعمل الطيب والعطور إذا خرجت من بيتها لقوله صلى الله عليه وسلم (أيما إمرأة

استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال حسنٌ صحيح. سادساً: أن لا يشبه لباس الرجل، إن المرأة بطبيعتها وتكوينها الجسدي تختلف عن الرجل فلها لباسها وللرجل لباسه فلذلك لا يحل للمرأة أن تتشبه بالرجل وكذلك لا يحل للرجل أن يتشبه بالمرأة فقد جاء في الحديث (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وجاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري. سابعاً: أن لا يشبه لباس غير المسلمات لأن الإسلام نهى عن التشبه بغيرهم في أمور كثيرة وللمسلمين شخصيتهم وهيئتهم الخاصة بهم فعليهم أن يخالفوا غيرهم في ذلك فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها) رواه مسلم. ثامناً: أن لا يكون لباس شهرة وهو كل ثوب قصد به الاشتهار بين الناس كأن يكون نفيساً جداً ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من لبس ثوب شهرةٍ في الدنيا ألسبه الله ثوب مذلةٍ يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً)

رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديثٌ حسن. فهذه الشروط إذا توفرت في اللباس كان لباساً شرعياً. إذا تقرر هذا فأعود إلى ما ورد في السؤال فأقول إنه يحرم على الفتاة المسلمة أن تدرس في مدرسة تمنعها من لبس الجلباب لأن لبسه فريضة كما سبق، وخاصة أن الفتاة في ديارنا ليست مضطرة للدراسة في هذه المدرسة بالذات وإن كانت هذه المدرسة متميزة في التعليم أو أنها تدرس اللغات الأجنبية، فلا يجوز شرعاً للمسلم أن يضيع فريضة من فرائض الله عز وجل من أجل مثل هذه الأمور، وكذلك يحرم على ولي أمر الفتاة أن يوقع أي تعهد أو إقرار بالموافقة على أن تنزع ابنته الجلباب أو أن لا تلبسه خلال فترة دراستها في تلك المدرسة أو غيرها من المدارس التي تشترط هذا الشرط الباطل، لأن ذلك يعتبر طاعة في معصية الله عز وجل، والطاعة لها حدود لا يجوز تجاوزها فإذ أُمِرَ المسلم بالقيام بمعصية سواء أكان الآمر مسلماً أو غير مسلم حاكماً أو غير حاكم فلا يجوز للمسلم الطاعة في المعصية. وقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) رواه البخاري. وقد نص العلماء على أن الطاعة تكون في غير معصية فقد روى الإمام البخاري الحديث السابق في (باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية) صحيح البخاري مع فتح الباري 16/ 239. وقال ابن خواز منداد من كبار فقهاء المالكية: [وأما

طاعة السلطان فتجب فيما كان لله فيه طاعة ولا تجب فيما كان فيه معصية] تفسير القرطبي 5/ 259. وجاء في حديث آخر عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لأحد في معصية الخالق) رواه أحمد والبزار وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وسنده قوي. فتح الباري 5/ 241، وقال العلامة الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم. وجاء في رواية أخرى: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهي رواية صحيحة. سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني 1/ 137 - 144. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز للمسلمة أن تخلع حجابها لتدرس في مدرسة معينة ولا يجوز لها أن توافق على عدم لبسه وكذلك يحرم على وليها أن يوقع أي تعهد أو إقرار بذلك بحجة الدراسة لأن ذلك ليس من الضرورة التي تبيح المحرمات. ويجب على المسؤولين عن التعليم في بلادنا أن يلزموا هذه المدارس بإلغاء هذا الشرط وذلك الإقرار الباطل. وعلى الناس عامة أن يقاطعوا هذه المدارس مقاطعة تامة. - - -

رضاع الكبير

رضاع الكبير يقول السائل: ما قولكم في الفتوى المتعلقة برضاع الكبير والتي صدرت عن أحد مشايخ الأزهر، أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أن مسألة رضاع الكبير من المسائل التي يدور حولها الخلاف قديماً وحديثاً فمنذ عهد الصحابة وجد الخلاف فيها وكذا اختلف فيها الفقهاء وتعددت الآراء فيها وما زال الخلاف قائماً حتى عصرنا الحاضر وهذا الأمر ليس بمستغرب، ولكن الأمر المستهجن هو طريقة طرح هذه المسألة من بعض المشايخ وطريقة تناول وسائل الإعلام لها، فبعض القنوات الفضائية عرضت المسألة بشكل جنسي مثير واتخذها بعض الكتاب مدخلاً للطعن في السنة النبوية والطعن في السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها توصلاً للقدح في دين الإسلام. ولا بد أن أقرر أن الحديث الوارد في رضاع الكبير حديث صحيح ثابت، فقد رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم من أهل الحديث وأسوق روايته كما وردت في سنن أبي داود (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم سلمة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه حتى أنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ

فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فردوا إلى آبائهم فمن لم يعلم له أب كان مولىً وأخاً في الدين فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة فقالت يا رسول الله: إنا كنا نرى سالماً ولداً وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلى - أي منكشف بعضها - وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيراً خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس). قال الإمام الشوكاني: [هذا الحديث قد رواه من الصحابة أمهات المؤمنين وسهلة بنت سهيل وهي من المهاجرات وزينب بنت أم سلمة وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورواه من التابعين القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وحميد بن نافع ورواه عن هؤلاء الزهري وابن أبي مليكة وعبد الرحمن بن القاسم ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة ثم رواه عن هؤلاء أيوب السختياني وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وشعبة ومالك وابن جريج وشعيب ويونس وجعفر بن ربيعة ومعمر وسليمان بن بلال وغيرهم،

وهؤلاء هم أئمة الحديث المرجوع إليهم في أعصارهم، ثم رواه عنهم الجم الغفير والعدد الكثير، وقد قال بعض أهل العلم: إن هذه السنة بلغت طرقها نصاب التواتر وقد استدل بذلك من قال إن إرضاع الكبير يثبت به التحريم] نيل الأوطار 7/ 119. فالحديث ثابت لا شك فيه، ولكن أهل العلم اختلفوا في توجيهه، وأكثر العلماء على أن الحديث حادثة خاصة ولا يصح حملها على العموم. فالرضاع المؤثر ما كان في الصغر. ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} سورة البقرة الآية 233. يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: [هذا إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة؛ وهي سنتان، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك]. تفسير ابن كثير 1/ 567. وثبت في الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قال يا عائشة من هذا قلت أخي من الرضاعة قال يا عائشة انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة) رواه البخاري قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: قوله (فإنما الرضاعة من المجاعة) فيه تعليل الباعث على إمعان النظر والفكر، لأن الرضاعة تثبت النسب وتجعل الرضيع محرماً. وقوله "من المجاعة" أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة هي حيث يكون الرضيع طفلاً لسد اللبن جوعته، لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه فيصير كجزء من المرضعة

فيشترك في الحرمة مع أولادها، فكأنه قال لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة] فتح الباري 9/ 148. وروى الترمذي بإسناده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي –أي في زمن الرضاع - وكان قبل الفطام) قال أبو عيسى – أي الترمذي - هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئا) سنن الترمذي 3/ 458 - 459. وروى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: (لا رضاع إلا ما شدَّ العظم، وأنبت اللحم). ونقل الإمام الشافعي في كتابه الأم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: إنما الرضاع رضاع الصغير. وغير ذلك من الأدلة. وقال العلامة محمد العثيمين: [من الشروط أيضاً عند جمهور أهل العلم أن يكون الرضاع في زمنه أي في الزمن الذي يتغذى فيه الطفل بالرضاع أما إذا تجاوز ذلك الزمن بأن فطم ولم يكن مرتكزاً في رضاعه على اللبن فإن تأثير اللبن في حقه غير واقع، لا يؤثر وقد ذهب بعض العلماء إلى أن رضاع الكبير محرم لعموم قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة أبي حذيفة بالنسبة لمولي أبي حذيفة سالم قال

أرضعيه تحرمي عليه وكان كبيراً يخدمهم واستدل بعض العلماء بهذا على أن رضاع الكبير مؤثر ومحرم لكن الجمهور على خلاف ذلك وأنه لا يؤثر ولا يحرم واختار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله التفصيل وقال إذا دعت الحاجة إلى إرضاع الكبير وأرضع ثبت التحريم وإلا إذا لم يكن ثم حاجة لم يثبت. ولكن الراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن الخلوة بالنساء قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو قال الحمو الموت محذراً من خلوة قريب الزوج لزوجته ولو كان الرضاع موجباً لتحريم الخلوة لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لدعاء الحاجة لبيانه لقال مثلاً إذا كان للزوج أخ وهو معهم في السكن فهو محتاج إلى أن يخلو بزوجته، ولو كان ثمة علاج لهذه الحالة الواقعية التي يحتاج الناس إليها لقال الرسول عليه الصلاة والسلام ترضعه وتنتهي المشكلة، فلما لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع دعاء الحاجة إليه في هذا الأمر العظيم دل هذا على أن لا أثر في رضاع الكبير وهذا هو الراجح وأنه ينبغي تجنب إرضاع الكبير مهما كانت الظروف حتى لا يقع في مشاكل] موقع الشيخ على الإنترنت. وفي كلام الشيخ العثيمين أبلغ ردٍ على ما ورد في الفتوى المذكورة لحل مشكلة الاختلاط حسب ما زعمه ذلك المفتي الذي زعم أن إرضاع الكبير يضع حلاً لمشكلة الخلوة!!! وفي الحقيقة إن إثارة هذا النوع من الفتاوى بهذه الطريقة إنما هو عبث وتلاعب بالأحكام الشرعية، وقد فتحت هذه الفتوى باب شر على المسلمين ومن أراد أن يتعرف على شيء من ذلك فليقرأ ما كتب عن

هذه الفتوى على شبكة الإنترنت. ولا بد من التنبيه أخيراً أن صاحب الفتوى المذكورة قد رجع عن فتواه وأنه رجع إلى قول جمهور الفقهاء أن الرضاع المحرم ما كان في الصغر. والرجوع إلى الحق فضيلة. وخلاصة الأمر أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الرضاع المؤثر ما كان في الصغر. والفتوى المذكورة لم تأخذ بعين الاعتبار الأسس العلمية التي تبنى عليها الفتاوى كما قررها الفقهاء والأصوليون، وينبغي على المفتين والعلماء والخطباء عدم إثارة مثل هذه المسائل التي تشوش على عامة الناس. - - -

الجنايات والحدود

الجنايات والحدود

عاقلة المرأة

عاقلة المرأة يقول السائل: دهست امرأة شخصاً عن طريق الخطأ فمات وألزمت المرأة بالدية فهل زوج المرأة ملزم بتحمل الدية، أفيدونا؟ الجواب: اتفق أهل العلم على أن موجب القتل الخطأ أمران: أولهما الدية والثاني الكفارة ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} سورة النساء الآية 92. والدية الشرعية تقدر بألف دينار ذهبي وتساوي في أيامنا هذه أربعة آلاف ومئتان وخمسون غراماً من الذهب عيار 24 قيراطاً، وأما الكفارة فهي صيام شهرين متتابعين نظراً لفقدان الرقاب في أيامنا هذه، حيث إن كفارة القتل على الترتيب وليست على التخيير. واتفق العلماء على أن الدية في القتل الخطأ تكون على عاقلة القاتل، وأصل ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى أن دية المرأة على عاقلتها) رواه البخاري، وفي رواية عند مسلم عن أبي

هريرة رضي الله عنه قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن النابغة الهذلي يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع). والعاقلة هم العصبة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [العاقلة: من يحمل العقل. والعقل: الدية، تسمى عقلاً؛ لأنها تعقل لسان ولي المقتول. وقيل: إنما سميت العاقلة، لأنهم يمنعون عن القاتل ... ولا خلاف بين أهل العلم في أن العاقلة العصبات، وأن غيرهم من الإخوة من الأم، وسائر ذوي الأرحام، والزوج، وكل من عدا العصبات، ليس هم من العاقلة] المغني 8/ 390. ويدخل في العاقلة أب القاتل وجده لأبيه وأبناؤه، وإخوته وأبناؤهم، وعمومته وأبناؤهم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء، انظر المغني 8/ 390 - 391. وبما أن المرأة المذكورة في السؤال قد قتلت المدهوس خطأً، فالدية على عاقلتها، وقد ورد في إحدى روايات حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق قال (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى لها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على

عصبتها) رواه البخاري. ولا يدخل في العصبة زوج المرأة ولا ابنها إلا إذا كانا من عصبتها كالمرأة المتزوجة من ابن عمها فزوجها وأولادها حينئذ من عصبتها، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ ... قال ابن بطال: يريد أن ولد المرأة إذا لم يكن من عصبتها لا يعقل عنها لأن العقل على العصبة دون ذوي الأرحام ولذلك لا يعقل الإخوة من الأم، قال: ومقتضى الخبر أن من يرثها لا يعقل عنها إذا لم يكن من عصبتها، وهو متفق عليه بين العلماء كما قاله ابن المنذر] فتح الباري 12/ 315. [وتقسم الدية على الأقرب فالأقرب، فتقسم على الإخوة وبنيهم، والأعمام وبنيهم، ثم أعمام الأب وبنيهم، ثم أعمام الجد وبنيهم] الموسوعة الفقهية الكويتية 29/ 222. ويجب أن يعلم أن دية القتل الخطأ تؤدى مقسطة على ثلاث سنوات، قال الإمام الترمذي: [وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين في كل سنة ثلث]، قال المباركفوري في شرحه: [قوله: (وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلات سنين) روى ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال: أول من فرض العطاء عمر وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين، ثلثا الدية في سنتين، والنصف في سنتين، والثلث في سنة، وما دون ذلك في عامه. وأخرجه عبد الرزاق من طريق عن عمر كذا في الدراية. ولفظ عبد الرزاق في طريق أن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين، وجعل نصف الدية في سنتين، وما دون النصف في سنة. ولفظه في طريق أخرى: إن عمر جعل الدية في الأعطية في ثلات سنين، والنصف

والثلثين في سنتين، والثلث في سنة، وما دون الثلث فهو في عامه، ولفظه في رواية أخرى وقضى بالدية في ثلاث سنين وفي كل سنة ثلث على أهل الديوان في أعطياتهم. وقضى بالثلثين في سنتين، وثلاث في سنة وما كان أقل من الثلث فهو في عامه ذلك] تحفة الأحوذي 8/ 536. وذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي أنه لا خلاف بين العلماء في أن الدية مؤجلة في ثلاث سنين. فإن عمر وعلياً رضي الله عنهما جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين، ولا يعرف لهما في الصحابة مخالف. انظر المغني 8/ 375. ولا بد من التنبيه إلى أنه إذا أخذت الدية من شركات التأمين فلا يجوز أخذها من العاقلة. وقد بحث مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي موضوع العاقلة وتطبيقاتها المعاصرة في تحمل الدية وذلك في دورته السادسة عشرة بدولة الإمارات العربية المتحدة في شهر صفر 1426هـ الموافق نيسان2005م، وبعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت، قرر ما يأتي: أولاً: تعريف العاقلة: هي الجهة التي تتحمل دفع الدية عن الجاني في غير القتل العمد دون أن يكون لها حق الرجوع على الجاني بما أدته. وهي العصبة في أصل تشريعها، وأهل ديوانه الذين بينهم النصرة والتضامن. ثانياً: ما لا تتحمله العاقلة: العاقلة لا تتحمل ما وجب من الديات عمداً ولا صلحاً ولا اعترافاً.

ثالثاً: التطبيقات المعاصرة: عند عدم وجود العشيرة أو العصبة التي تتحمل الدية، فإنه يجوز أن ينوب عنها عند الحاجة، بناءً على أن الأساس للعاقلة هو التناصر والتضامن، ما يلي: (أ) التأمين الإسلامي (التعاوني أو التكافلي) الذي ينص نظامه على تحمل الديات بين المستأمنين. (ب) النقابات والاتحادات التي تقام بين أصحاب المهنة الواحدة، وذلك إذا تضمن نظامها الأساسي تحقيق التعاون في تحمل المغارم. (ج) الصناديق الخاصة التي يكونها العاملون بالجهات الحكومية والعامة والخاصة لتحقيق التكافل والتعاون بينهم. رابعاً: التوصيات: • يوصي مجمع الفقه الإسلامي مختلف الحكومات والدول الإسلامية بأن تضع في تشريعاتها نصوصاً تضمن عدم ضياع الديات، لأنه لا يُطَلَّ (لا يُهدر) دم في الإسلام. • على الجهات ذات العلاقة العمل على إشاعة روح التعاون والتكافل في مختلف أفراد الجماعة والتجمعات التي تربط بيني أعضائها رابطة اجتماعية. ويتحقق ذلك بالآتي:- (أ) تضمين اللوائح والتنظيمات المختلفة مبدأ تحمل الديات.

(ب) قيام شركات التأمين الإسلامية في مختلف دول العالم الإسلامي بعمل وثائق تشمل تغطية الحوادث ودفع الديات بشروط ميسرة وأقساط مناسبة. (ج) مبادرة الدول الإسلامية إلى تضمين بيت المال (الخزانة العامة) مهمة تغطية الديات عند فقد العاقلة، وذلك لتحقيق الأغراض الاجتماعية التي تناط ببيت المال – ومنها تحمل الديات – بالإضافة إلى دوره الاقتصادي. (د) دعوة الأقليات الإسلامية في مختلف مناطق العالم إلى إقامة تنظيمات تحقق التعاون والتكافل الاجتماعي فيما بينهم، والنص صراحة على تغطية تعويضات حوادث القتل وفقاً للنظام الشرعي. (هـ) توجيه رسائل إلى الحكومات والهيئات والجمعيات والمؤسسات الاجتماعية لتفعيل أعمال البر والإحسان، ومنها الزكاة والوقف والوصايا والتبرعات كي تسهم في تحمل الديات الناتجة عن القتل الخطأ]. وخلاصة الأمر أن على المرأة المذكورة في السؤال صيام شهرين متتابعين وذلك كفارة القتل الخطأ الذي وقع منها، وتلزم الدية عاقلتها وهم عصبتها كما وضحت سابقاً. - - -

حكم اليمين والخمسة المعمول بها في القضاء العشائري

حكم اليمين والخمسة المعمول بها في القضاء العشائري يقول السائل: ما قولكم فيما يسمى باليمين والخمسة في القضاء العشائري، وهل هو معتبر في شريعتنا الإسلامية، أفيدونا؟ الجواب: ما يعرف بالقضاء العشائري هو في الحقيقة قضاء بالعرف وهو كما يقول المهتمون به: [مجموعةٌ من القوانين والأعراف المتداولة والمتعارف عليها، والتي تحوي خلاصة تجارب السنين، وما مرَّ به المجتمع البدوي من أمور ومشاكل، تكرَّر حدوثها حتى وجد الناس لها حلولاً رضوا عنها، وصاروا يتعاملون بها حتى ثبتت وأصبحت دستوراً يتعامل به الناس ويسيرون وفق نظامه وتعاليمه. وهذا القانون قابل للتعديل والإضافة، ليتماشى مع كلّ عصر وفق بيئته وظروفه] شبكة الانترنت. ولا شك أن للعرف العشائري جوانب إيجابية في المجتمع، حيث يلجأ الناس لرجال العشائر في الحوادث وخاصة حوادث القتل ولهم دور خاص في تهدئة النفوس عند حصول حوادث القتل بأخذ ما يعرف بالعطوة، ولكن هنالك أموراً كثيرة في الأعراف العشائرية مخالفة لشرع الله عز وجل يحرم الحكم بها. وأما اليمين بخمسة ويسمى أيضا يمين دين بخمسة وهو عادة وعرف عشائري يلجأ إليه في حال عدم توفير الأدلة التي تدين المتهم، ويطلب من

الشخص المتهم وخمسة من حمولته أن يزكوا يمينه بأنه صادق فيما حلف، ويؤخذ يمين دين بخمسة في قضايا العرض وقضايا الدم وقضايا الأرض وفي المعاملات التي تزيد قيمتها عن ألف دينار (ثمن بعير) [ويقول قضاة العشائر: اليمين بخمسة إما في الرقبة أو في المال الذي يعدل الرقبة والعرض والأرض وكل تهمة قد تصل إلى حدود ذلك فيحق للمدعي أن يطالب بهذه اليمين، ويقوم المدعي باختيار خمسة أشخاص ثقات من أهل الدين من عصبة المتهم نفسه فيأتون عند القاضي العشائري فيقرأ القاضي صيغة القسم على مسمعهم وصيغته:"والله العظيم الذي ما أعظم منه عظيم إني بريء فيما اتهمت فيه، وأني لا بآلي ولا بأعلم – أي ليس عندي علم ولا دراية - ولا لي هبّة ولا سبّة" – الهبة والسبة: أني لم أحرض أحداً ولم أتسبب في شيء مما جرى - ثم يقوم الأربعة بالتتالي فيقول كل واحد منهم: وأنا أشهد بالله العظيم أنه صادق فيما قال. فإذا حلف المتهم وزكى له الأربعة فعندها تنتهي القضية بالنسبة للمتهم أما إذا تراجع واحد منهم عن اليمين أو رفض الحلف أصلاً فيكون المتهم قد وقع في الحرج وخسر القضية] القضاء العشائري في بئر السبع ص 127 بتصرف. ويجب أن يعلم أولاً أن العرف له اعتبار في الشرع كما هو مذهب كثير من العلماء، قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته: والعرف له اعتبار ... فلذا الحكم عليه قد يدار

انظر نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف في الجزء الثاني من رسائل العلامة ابن عابدين ص112. ولكن لا يعتبر العُرف في الشرع إلا بشروط هي: الشرط الأول: أن يكون العرف عاماً أو غالباً. الشرط الثاني: أن يكون العرف مطرداً أو أكثرياً. الشرط الثالث: أن يكون العرف موجوداً عند إنشاء التصرف. الشرط الرابع: أن يكون العرف ملزماً؛ أي: يتحتم العمل بمقتضاه في نظر الناس. الشرط الخامس: أن يكون العرف غير مخالف لدليل معتمد. الشرط السادس: أن يكون العرف غير معارض بعُرف آخر في نفس البلد. فإذا توفرت هذه الشروط فإن العرف حجة ... ] الجامع في أصول الفقه إذا تقرر هذا فإن اليمين والخمسة وسيلة محرمة في شرعنا ولا يجوز التعامل معها لمخالفتها أدلة الشرع المعتبرة بشكل عام، وليست من طرق الإثبات المعتبرة في القضاء الشرعي لما يلي: أولاً: من المعلوم عند العلماء أنه إذا تعذر على المدعي تقديم بينة بدعواه فإن اليمين تتوجه للمدعى عليه لما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر) رواه البيهقي وأصله في الصحيحين وهو حديث حسن. والذي يطالب بالحلف هو الشخص المدعى عليه ولا

يجوز لأحد أن يحلف نيابة عنه، ولا تزر وازرة وزر أخرى. ويدل على ذلك أيضا ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الطالب البينة، فلم تكن له بينة فاستحلف المطلوب فحلف بالله الذي لا إله إلا هو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى قد فعلت ولكن قد غفر لك بإخلاص قول لا إله إلا الله) رواه أحمد وأبو داود، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 631. ثانياً: إذا نكل واحد من الخمسة عن اليمين لأي سبب من الأسباب فإن التهمة تثبت على المدعى عليه، وهذا ظلم واضح وإدانة للمتهم بدون حجة ولا برهان. ثالثاً: إذا حلف الخمسة وهم لم يحضروا الحادثة فشهادتهم شهادة زور وهي من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} سورة الحج الآية 30. وقد ثبت في الحديث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا يا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم.

وخلاصة الأمر أن اليمين والخمسة المستعملة في الإثبات في الأعراف العشائرية وسيلة باطلة شرعاً، ويحرم استخدامها ويمكن تعديلها فيحلف الخمسة أنهم مثلاً ما علموا على المتهم أنه قام بما اتهم به ونحو ذلك. - - -

الصلح على أكثر من الدية في القتل العمد

الصلح على أكثر من الدية في القتل العمد يقول السائل: قُتل رجلٌ ظلماً وعدواناً وكما تعلمون أن القصاص معطل في وقتنا الحاضر فتصالح أهل المقتول مع جماعة القاتل على دفع أكثر من الدية المقررة شرعاً فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: لا شك أن حرمة دم المسلم من أعظم الحرمات عند الله سبحانه وتعالى وقتل النفس المعصومة عمداً من أكبر الكبائر وقد وردت النصوص الكثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي تدل على ذلك فمنها قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} سورة الإسراء الآية 33. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} سورة النساء الآية 93. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} سورة الفرقان الآيتان 68 - 69. وثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين فقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال قول الزور أو قال شهادة الزور قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور) رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) رواه البخاري ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الشيخ ابن العربي قوله: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول] فتح الباري 12/ 233 - 234. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ... كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً يقول يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن

وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 40. وورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) رواه الترمذي وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 56. وجاء في رواية أخرى عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار) وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/ 629. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/ 630. إذا تقرر هذا فقد اتفق أهل العلم على وجوب القصاص في حق القاتل عمداً لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} سورة البقرة الآية 178. وجمهور الفقهاء يرون جواز قبول الدية بعد إسقاط حق أولياء القتيل في القصاص وهذا قول الحنابلة وبعض الشافعية وهو رواية عن الإمام مالك وبه قال أهل الظاهر وروي عن جماعة من فقهاء التابعين كسعيد بن

المسيب ومحمد بن سيرين وعطاء ومجاهد، وهذا أرجح أقوال الفقهاء في المسألة ويدل عليه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة البقرة، الآية 178. روى الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} قال: فالعفو أن يقبل الدية في العمد] صحيح البخاري مع الفتح 8/ 221. ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودي وإما أن يقاد) رواه البخاري ومسلم. وبناءً على ما سبق فإنه يجوز لأولياء القتيل أن يصلحوا على أكثر من الدية على الراجح من قولي العلماء في المسألة وهو قول جمهور الفقهاء، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن من له القصاص له أن يصالح عنه بأكثر من الدية وبقدرها وأقل منها، لا أعلم فيه خلافاً] المغني 8/ 363. ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} سورة البقرة، الآية 178. وورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقاً- وهو من يجمع أموال الزكاة - فلاجَّه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي صلى الله عليه

وسلم فقالوا: القود يا رسول الله فقال: لكم كذا وكذا فلم يرضوا فقال: لكم كذا وكذا فرضوا فقال: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم قالوا: نعم فخطب فقال إن هؤلاء الذين أتوني يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا أفرضيتم قالوا: لا فهم المهاجرون بهم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم فكفوا ثم دعاهم فزادهم فقال: أفرضيتم قالوا: نعم قال: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم قالوا: نعم فخطب فقال: أرضيتم فقالوا: نعم). رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه العلامة الألباني كما في صحيح سنن النسائي 3/ 990. قال صاحب عون المعبود: [وفي هذا الحديث من الفقه ... وجواز إرضاء المشجوج بأكثر من الدية في الدية إذا طلب المشجوج القصاص] 12/ 172. ومما يدل على جواز الصلح على أكثر من الدية ما ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل عمداً دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة وأربعين خلفة - أي حامل- وما صولحوا عليه فهو لهم وذلك لتشديد القتل) رواه الترمذي وحسنه ورواه ابن ماجة أيضاً وحسنه العلامة الألباني كما في صحيح سنن الترمذي 2/ 54. فهذا الحديث يدل على جواز الصلح في الدماء بأكثر من الدية كما قال الشوكاني في نيل الأوطار 5/ 292. وقال الشيخ محمد الشنقيطي: [وإن حصل صلح فيجوز أن يصالح على أكثر من الدية وفي هذا قصة هدبة المعروفة أنه قتل رجلاً وكان الرجل المقتول

أولياؤه يتامى قاصرون منهم ابن المقتول فانتظر حتى بلغ الإبن حبس هدبة ووقعت الحادثة في زمان معاوية رضي الله عنه فحبس فشفع سعيد بن العاص، وكذلك الحسن والحسين رضي الله عنهم شفعوا من أجل أن يسامح ولي المقتول وبذلوا لابن القتيل سبع ديات حتى يسامح وامتنع إلا القتل فقتل به، والشاهد في كون الصحابة بذلوا أكثر من الدية فاجتمع طبعاً دليل السُّنة ودليل الأثر عن الصحابة، وعلى هذا جمهور العلماء رحمهم الله على أنه يجوز في الصلح عن الديات بأكثر من الدية] شبكة الإنترنت، وقد ذكر الحادثة الشيخ ابن قدامة المقدسي في المغني 8/ 363. وخلاصة الأمر أنه يجوز تصالح أولياء المقتول مع جماعة القاتل عمداً على أكثر من الدية، وأرى أنه ينبغي التشديد مالياً على القاتل عمداً في زماننا هذا، نظراً لتعطل القصاص لعل ذلك يكون رادعاً للناس عن القتل عمداً. - - -

متفرقات

متفرقات

ترك مجالسة أهل الأهواء وآكلي لحوم العلماء

ترك مجالسة أهل الأهواء وآكلي لحوم العلماء يقول السائل: ما حكم حضور دروس الذين يتطاولون على العلماء ويشككون عامة الناس بكتب أهل العلم ويأتون بأمور غريبة مخالفة لما عليه علماء الإسلام، أفيدونا؟ الجواب: لا بد أن يعلم أولاً أن احترام العلماء وتقديرهم أمر مطلوب شرعاً، وقد وردت نصوص كثيرة في تقدير العلماء واحترامهم، قال الإمام النووي: [باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم]. ثم ذكر قول الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} سورة الزمر الآية 9، ثم ساق الإمام النووي طائفة من الأحاديث في إكرام العلماء والكبار وأحيل القارئ إلى كتاب رياض الصالحين للإمام النووي ص 187 - 192. ومما ورد أيضاً ما جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه) رواه أحمد والحاكم وقال العلامة الألباني حديث حسن، كما في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 152. وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي صاحب العقيدة الطحاوية المشهورة: [وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخبر والأثر وأهل الفقه والنظر لا

يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل] شرح العقدية الطحاوية ص 554. وقد حذر العلماء من سب العلماء ومن الوقيعة بهم فقد ورد عن الإمام أحمد بن الأذرعي قوله: [الوقيعة في أهل العلم ولا سيما أكابرهم من كبائر الذنوب] حرمة أهل العلم ص 319. وقال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله مخاطباً رجلاً تجرأ على العلماء: [إنما نحترمك ما احترمت الأئمة]. وقال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله: [اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}]. ومع كل هذه النصوص التي تحث على ما سبق وغيرها من النصوص الشرعية التي تحرم السب والشتم واللعن والوقوع في أعراض المسلمين إلا أن بعض الناس من أشباه طلبة العلم ليس لهم شغل إلا شتم العلماء وسبهم على رؤوس الأشهاد في المساجد وفي الصحف والنشرات ويحاول هؤلاء المتسلقين على حياض العلم الشرعي تشويه صورة العلماء وتنفير عامة الناس منهم والتهوين من علمهم والتهوين من قيمة كتبهم ويزعمون أن العلماء قد حرفوا دين الله عز وجل وغير ذلك من سوء الأدب مع العلماء. إن أدعياء العلم هؤلاء، الذين يأتون الناس بالغرائب والعجائب

ويزعمون – والزعم مطية الكذب - أنهم يرجعون إلى كتاب الله عز وجل وما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقط، وهم في الحقيقة يتلاعبون في كتاب الله ولا يعرفون المبادئ الأولية لعلم الحديث، إن الموقف الشرعي من هؤلاء المبتدعة هو مقاطعتهم وعدم حضور مجالسهم ومقاطعة دروسهم ومحاضراتهم كما هو منهج السلف في عدم مجالسة أهل البدع والأهواء فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب] أخرجه الآجري في الشريعة ص61، وابن بطة في الإبانة الكبرى 2/ 438. وعن أبي قلابة رحمه الله تعالى أنه كان يقول: [لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم] أخرجه الدارمي في سننه1/ 120. وعن الحسن البصري أنه قال: [لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم] أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/ 133. ويقول الحافظ ابن عبد البر: [أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك فقد رخص له مجانبته ورب صرمٍ جميل خير من مخالطة مؤذية] التمهيد 6/ 127. هذه النصوص وغيرها ذكرها الدكتور إبراهيم الرحيلي في كتابه موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع.

ومن أقوال الإمام الفضيل بن عياض في هؤلاء المبتدعة وأمثالهم: [لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة]. [من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة]. [من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الاسلام من قلبه]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن كان متبدعاً ظاهر البدعة وجب الإنكار عليه، ومن الإنكار المشروع أن يهجر حتى يتوب، ومن الهجر امتناع أهل الدين من الصلاة عليه، لينزجر من يتشبه بطريقته ويدعو إليه، وقد أمر بمثل هذا مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة]. وإن الواجب شرعاً هو تأديب من يأتي الناس بالغرائب والمتشابهات كما فعل عمر رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل، فقد روى الدارمي من طريق سليمان بن يسار قال: (قدم المدينة رجل يقال له صبيغ بن عسل، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر فأعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، قال: وأنا عبد الله عمر فضربه حتى أدمى رأسه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي). وروى إسماعيل القاضي في الأحكام من طريق هشام عن محمد بن سيرين قال كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى لا تجالس صبيغ واحرمه عطاءه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وقصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الخطاب من أشهر القضايا فإنه بلغه أنه يسأل عن متشابه القرآن حتى رآه عمر فسأل عمر عن {الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} فقال: ما اسمك؟ قال: عبد الله صبيغ، فقال: وأنا عبد الله عمر، وضربه الضرب الشديد. وكان ابن عباس إذا ألح عليه رجل في مسألة من هذا الجنس يقول: [ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ]. وهذا لأنهم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد والاستفهام، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه) وكما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} فعاقبوهم على هذا القصد الفاسد كالذي يعارض بين آيات القرآن وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: (لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فان ذلك يوقع الشك في قلوبهم) ومع ابتغاء الفتنة ابتغاء تأويله الذي لا يعلمه إلا الله فكان مقصودهم مذموماً ومطلوبهم متعذراً مثل أغلوطات المسائل التي نهى رسول الله عنها] شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أنه يجب هجر المتلاعبين في كتاب الله عز وجل وآكلي لحوم العلماء والطاعنين في كتبهم ولا يجوز لعامة الناس حضور دروسهم وتكثير جمعهم، وما أحوجنا لإمام يصنع بهم كما صنع عمر رضي الله عنه بصبيغ. - - -

كتاب (قول يا طير) وما أثير حوله

كتاب (قول يا طير) وما أثير حوله يقول السائل: ما قولكم في الضجة التي أثيرت حول كتاب (قول يا طير) من قبل بعض المثقفين، وما قامت به وزارة التربية والتعليم من سحب الكتاب من مكتبات المدارس، أفيدونا؟ الجواب: كتاب (قول يا طير) لمؤلفيه د. شريف كناعنة من جامعة بير زيت، ود. ابراهيم مهوّي أستاذ الأدب العربي المعاصر من جامعة أدنبره إسكوتلندا، هو كتاب [يضم خمساً وأربعين حكاية خرافية من مئتي حكاية روى معظمها نساء في جميع أنحاء فلسطين (الجليل والضفة الغربية وغزة). وقد اختارها مؤلفا الكتاب باعتبارها الحكايات الأكثر رواجاً بين أبناء الشعب الفلسطيني ولقيمتها الفنية (جمالياتها وحسن أدائها)، ولما تبرزه من ملامح عن الثقافة الشعبية في فلسطين. وكان الداعي الأساسي إلى وضع هذا الكتاب لا الحفاظ على فن قصصي نسائي كان واسع الانتشار عندما كان الشعب الفلسطيني يمارس ثقافته على كامل أرضه فحسب، بل أيضاً كي نعرض صورة علمية وموضوعية للثقافة العربية النابعة من أرض فلسطين ومن تراثها الإنساني الذي تضرب جذوره في عروق التاريخ. ولإبراز خصوصية هذه الثقافة كان علينا أن نضع الحكايات باللغة العربية الدارجة التي رويت بها، وأن نرفقها بدراسة معمقة على عدة مستويات تبرز الملامح الوطنية لهذه الثقافة، ... كذا قال المؤلفان. وقد تم توزيع عدد من نسخ الكتاب على المدارس الفلسطينية ليستفيد منه المعلمون لا الطلبة، وفي استمارة اعتمدتها

وزارة التربية والتعليم لأحد المُقيمين لكتاب (قول يا طير) ... قبيل توزيعه على المدارس، جاء فيها [إن هذا الكتاب لا توجد له علاقة مباشرة بالمنهاج ولكن بعض القصص الخيالية يمكن الاستفادة منها]. ويفصح المُقيم خلال هذه الاستمارة بصورة واضحة عند إجابته عن الاتجاهات والقيم التي يؤديها هذا الكتاب، بالقول: [يمكن للأطفال أن يتعلموا بعض السلوكيات الخاطئة مثل الكذب والغش والخداع والألفاظ البذيئة، وكذلك الكبار أيضاً]. ثم يضيف [ ... ولكن ينصح أن لا يكون بأيدي الطلبة لاحتوائه على ألفاظ بذيئة ... وفي التنسيب النهائي لهذا المقيم الذي أدى مهمة فحص الكتاب، أوصى بحذف بعض العبارات أو الألفاظ البذيئة قبل توزيعه على الأطفال والطلبة. وذيل هذا الفاحص أو المقيم توصيته بأمثلة على العبارات التي طالب بحذفها مطالبا بالعودة إلى الصفحات (90، 97، 98، 105، 106، 115، 128، 129، 132، 146) من الكتاب. ورغم ذلك تم توزيع الكتاب على المدارس دون أخذ هذه التوصية بعين الاعتبار] شبكة الانترنت. وهذا الكتاب يشتمل على خرافات وقصص من التراث الفلسطيني تشتمل على أمور منكرة مثل ما ورد في الكتاب من زنى الابن بأمه وملاحقة الأب لابنته ليتزوجها ومثل حكاية الشيخ المحتال التي تعطي انطباعاً سيئاً عن قارئ القرآن الكريم ... إلخ، واشتمل الكتاب أيضاً على ألفاظ ساقطة ونابية وعبارات جنسية هابطة كما أن الكتاب قد وضع باللغة العامية الدارجة. والضجة التي أثيرت حول الكتاب ليست بريئة من أهداف غير ثقافية؟؟!! ويظهر ذلك من تعبيرات بعض المحتجين على قرار وزارة التربية بسحب

الكتاب - وأتمنى أن لا تكون الوزارة قد تراجعت عنه - ومن هذه التعبيرات (يبدو أن عدوى محاكم التفتيش التي أصابت بعض البلدان العربية قد انتقلت إلى فلسطين)، (إن هذا الإعدام -سحب الكتاب - يرقى إلى مستوى الجنون الطالباني الذي نسف تمثال بوذا في أفغانستان، رغم قيمته التاريخية والفنية)، (هذا التفكير الذي ينتمي إلى ممارسات محاكم التفتيش في القرون الوسطى) وأخطر من ذلك أن بعضهم قارن بين كتاب (قول يا طير) وبين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فزعم أن فيهما نصوصاً تخدش الحياء!! ولقد أعظم الفرية على كتاب الله عز وجل وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. إذا تقرر هذا عن حقيقة كتاب (قول يا طير) فإن وصفه بأنه (كتاب أكاديمي علمي يعد من أمهات كتب التراث الشعبي) وصف في غير محله، وما قيل من أن سحب الكتاب إنما هو اعتداء على التراث الفلسطيني، فكلام باطل، وكأن التراث الفلسطيني مقدس لا يجوز مسه بأي حال من الأحوال. إن التراث الفلسطيني فيه الغث والسمين وفيه النافع والضار وفيه ما يتفق مع عقيدتنا وديننا وفيه ما يخالف ذلك، فيجب أن يخضع التراث الفلسطيني للنقد العلمي، لأنه تراث غير معصوم وغير مقدس، وإذا كانت النصوص المنقولة عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم قد خضعت لمعايير النقد عند المحدثين أفلا تخضع الخرافات وقصص الفاحشة والرذيلة للنقد!! أم أن هؤلاء المثقفين يريدون أن يضفوا على التراث قدسية، تجعله فوق النقد وفوق المساءلة وفوق الفحص والاختبار. أم أن هؤلاء المثقفين يرددون علينا ما

قاله الجاهليون كما أخبرنا الله عز وجل {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} سورة البقرة الآية 170. وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} سورة المائدة الآية 104. وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} سورة لقمان الآية 21. وقال تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} سورة الزخرف الآية 22. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} سورة الزخرف الآية 23. ويضاف إلى ما سبق كما أشرت أن كتاب (قول يا طير) كتب باللغة العامية، والأصل أن نعلم أبنائنا اللغة العربية الفصحى فهي لغتنا، وهي لغة القرآن الكريم ولغة الحديث النبوي الشريف، كما قال تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} سورة الشعراء الآية195، فعلينا أن نكتب وننشر بالفصحى لا بالعامية.

وخلاصة الأمر أن كتاب (قول يا طير) يجب سحبه من مكتبات المدارس، لأن فيه ما يخالف ديننا وعاداتنا وأعرافنا الطيبة، ولا ينبغي أن يكون بين أيدي الأطفال لأن فيه ما فيه من الأمور التي أشرت لبعضها. وخلاصة الموقف الصحيح من التراث الفلسطيني وغيره من التراث العالمي أنه يجب أن يخضع لقواعد النقد العلمي فما كان صحيحاً بميزان شرعنا قبلناه وما كان غير ذلك رفضناه والحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها. - - - تمَّ الكتاب بحمد الله تعالى

فهرس المحتويات الموضوع ... الصفحة المقدمة ... 5 العقيدة والتفسير ... 13 التألي على الله سبحانه وتعالى ... 15 حكم الدعاء بـ (اللهم إني لا أسألك رد القضاء) ... 20 الكهان الجدد ... 25 الشيعة ليست مذهباً فقهياً خامساً ... 30 مكانة المسجد الأقصى المبارك عند الشيعة ... 35 تبرج الجاهلية الأولى ... 41 الحديث الشريف وعلومه ... 47 حديث (الصلاة خلف كل بر وفاجر) ... 49 حديث (خمس ليس لهن كفارة) ... 55 حديث (أفضل العبادة انتظار الفرج) ... 60 حديث قدسي لا أصل له ... 64 حديث مكذوب ... 68 الصلاة ... 75

المسج على الجورب الرقيق من مسائل الخلاف المعتبر ... 77 لبس الكفوف (القفازات) أثناء الصلاة ... 81 اللحاق بالإمام في صلاة الجماعة ... 83 الاستخلاف في الصلاة وكون المستخلف مسبوقاً ... 87 إذا جمع المسافر بين الصلاتين ثم وصل بلده أثناء وقت الصلاة الثانية ... 91 كيفية صلاة الاستسقاء ... 95 اصطفاف أهل الميت عند المقبرة لتقبل التعزية ... 99 انتهاك حرمة المساجد من الفرق الكشفية ... 103 الزكاة ... 109 أنصبة الزكاة توقيفية لا يجوز تعديلها مطلقاً ... 111 تجب الزكاة في مال اليتيم ... 116 كيف يزكي المزارع ثمن المحصول إذا باعه بعد أن وجبت فيه الزكاة؟ ... 120 زكاة مزارع الدجاج اللاحم ... 125 زكاة المال المستفاد ... 129 يجوز قضاء دين الأقارب من مال الزكاة ... 134 وجوب زكاة الفطر في حق من لم يصم رمضان ... 139 الصيام ... 145

المفطرات العصرية ... 147 الطبيب الذي يؤخذ بقوله في إفطار المريض في رمضان ... 153 قضاء رمضان ... 158 البرامج التلفزيونية في رمضان ... 163 الحج والأضحية والنذور ... 169 أيهما أولى تزويج الابن أم حج الفريضة؟ ... 171 أحكام تتعلق بالتوكيل في الأضحية ... 176 استبدال المنذور بخير منه ... 181 المعاملات ... 187 تسمية الثمن شرط لصحة البيع بخلاف قبضه عند العقد ... 189 دفع أجرة العقار مقدماً ... 194 جعل سعر الفائدة مؤشراً للربح في البنوك الإسلامية ... 198 بيع العملات بالهامش (المارجن) ... 203 حق الجار في استعمال سور جاره ... 211 المرأة والأسرة ... 217 حق الزوجة بمسكن مستقل ... 219 حكم الزواج بنية الطلاق ... 224 إنصاف الابن الذي يعمل في تجارة أبيه دون إخوته ... 231 يجوز زواج الزانيين إذا تابا توبة صادقة ... 236

النساء أولى بالحضانة من الرجال ... 242 حكم دراسة الفتاة في مدرسة تمنعها من ارتداء الجلباب ... 246 رضاع الكبير ... 252 الجنايات والحدود ... 258 عاقلة المرأة ... 260 حكم اليمين والخمسة المعمول بها في القضاء العشائري ... 266 الصلح على أكثر من الدية في القتل العمد ... 271 متفرقات ... 277 ترك مجالسة أهل الأهواء وآكلي لحوم العلماء ... 279 كتاب (قول يا طير) وما أثير حوله ... 284 فهرس المحتويات ... 289 الأعمال العلمية للمؤلف أ. د. حسام الدين عفانة ... 293

الأعمال العلمية للمؤلف الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة 1. الحقيقة والمجاز في الكتاب والسنة وعلاقتهما بالأحكام الشرعية (رسالة الماجستير) 2. بيان معاني البديع في أصول الفقه (رسالة الدكتوراه) 3. الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية (كتاب) 4. أحكام العقيقة في الشريعة الإسلامية (كتاب) 5. يسألونك الجزء الأول (كتاب) 6. يسألونك الجزء الثاني (كتاب) 7. بيع المرابحة للآمر بالشراء على ضوء تجربة شركة بيت المال الفلسطيني العربي (كتاب) 8. صلاة الغائب دراسة فقهية مقارنة (كتاب) 9. يسألونك الجزء الثالث (كتاب) 10. يسألونك الجزء الرابع (كتاب) 11. يسألونك الجزء الخامس (كتاب) 12. المفصل في أحكام الأضحية (كتاب) 13. شرح الورقات في أصول الفقه لجلال الدين المحلي (دراسة وتعليق وتحقيق) 14. فهارس مخطوطات مؤسسة إحياء التراث الإسلامي ج1

15. الفتاوى الشرعية (1) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) 16. الفتاوى الشرعية (2) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) 17. الشيخ العلامة مرعي الكرمي وكتابه دليل الطالب (بحث) 18. الزواج المبكر (بحث) 19. الإجهاض (بحث) 20. مسائل مهمات في فقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات (كتاب) 21. مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة للعلامة المحدث الألباني (كتاب) 22. إتباع لا ابتداع (كتاب) 23. بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود للغزي التمرتاشي (دراسة وتعليق وتحقيق) 24. يسألونك الجزء السادس (كتاب) 25. رسالة إنقاذ الهالكين للعلامة محمد البركوي (دراسة وتعليق وتحقيق) 26. الخصال المكفرة للذنوب (يتضمن تحقيق مخطوط للخطيب الشربيني) (كتاب) 27. أحاديث الطائفة الظاهرة وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (كتاب) 28. التنجيم (بحث بالاشتراك) 29. الحسابات الفلكية (بحث بالاشتراك)

30. يسألونك الجزء السابع (كتاب) 31. المفصل في أحكام العقيقة (كتاب) 32. يسألونك الجزء الثامن (كتاب) 33. يسألونك الجزء التاسع (كتاب) 34. فهرس المخطوطات المصورة ج 2 (الفقه الشافعي) (كتاب) 35. فقه التاجر المسلم وآدابه (كتاب) وقد ترجم الكتاب إلى اللغة التركية الدكتور ثروت بايندر من جامعة إستنبول 36. يسألونك الجزء العاشر (كتاب) 37. يسألونك الجزء الحادي عشر (كتاب) 38. يسألونك عن الزكاة (كتاب) 39. يسألونك الجزء الثاني عشر (هذا الكتاب) موقع الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة على شبكة الإنترنت: www.yasaloonak.net وعنوان البريد الإلكتروني: [email protected] أو: yasaloonak.net@fatawa

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. وبعد فإن الاجتهاد الجماعي الذي تمارسه مجامع الفقه الإسلامي المعاصرة، يعد مَعْلَماً من معالم مسيرة الفقه الإسلامي في العصر الحاضر، ولا شك أن وجود هذه المجامع وصدور الآراء الفقهية الجماعية عنها يعطي قوة للفقه الإسلامي، وخاصة أن المجامع الفقهية تتصدى لكثير من النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة، وهذا يجعل الفقه الإسلامي قادراً على مواجهة تطور الحياة العصرية. ولا شك أن الاجتهاد الجماعي الذي تمثله المجامع الفقهية، مقدم على الاجتهاد الفردي الذي يصدر عن أفراد الفقهاء، فهو أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيه تحقيقاً لمبدأ الشورى في الاجتهاد، وهو مبدأ

أصيل في تاريخ الفقه الإسلامي، فقد روى ميمون بن مهران: (أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر، كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا. فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به ... ) سنن الدارمي 1/ 40. وروى الإمام النسائي في باب الحكم باتفاق أهل العلم بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أكثروا على عبد الله - ابن مسعود - ذات يوم فقال عبد الله: إنه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هنالك ثم إن الله عز وجل قدر علينا أن بلغنا ما ترون فمن عرض له منكم قضاء بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله فإن جاء أمر ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم فليقض بما قضى به الصالحون فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم ولا قضى به الصالحون فليجتهد رأيه ولا يقول إني أخاف وإني أخاف، فإن الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. قال أبو عبد الرحمن - النسائي- هذا الحديث جيد جيد.

ثم روى النسائي بإسناده عن شريح أنه كتب إلى عمر يسأله، فكتب إليه: أن اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله، فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقض به الصالحون، فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيراً لك والسلام عليكم.] سنن النسائي 8/ 230. وروى البيهقي عن ميمون بن مهران أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكر رضي الله عنه فيه قضاء، فإن وجد أبا بكر رضي الله عنه قد قضى فيه بقضاء قضى به، وإلا دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم، فاستشارهم فإذا اجتمعوا على الأمر قضى بينهم. السنن الكبرى 10/ 114. ويقول الإمام الجويني: [والمعتقد أنه لا يفرضُ وقوعُ واقعةٍ مع بقاءِ الشريعة بين ظهراني حملتها إلا وفي الشريعة مستمسكٌ بحكم الله فيها. والدليل القاطع على ذلك أَن أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم استقصَوْا النظرَ في الوقائع والفتاوىَ والأَقضية، فكانوا يعرضونها على كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوا فيها متعَلَّقاً، راجعوا سُنَنَ المصطفى عليه الصلاة والسلام، فإن لم يجدوا فيها شفاءً، اشتوروا، واجتهدوا، وعلى ذلك درجوا في تمادي دهرِهم، إِلى انقراض عصرهم، ثم استنَّ مَن بعدهم بسنتهم] غياث الأمم وقد ذكر ابن الجوزي في حوادث سنة سبع وثمانين للهجرة أن عمر بن عبد العزيز ولي المدينة فقدم والياً في ربيع الأول وهو ابن خمس وعشرين سنة، فقدم

على ثلاثين بعيراً، فنزل دار مروان، فلما صلى الظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خثيمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد، فدخلوا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، ما أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً استعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحَرِّجُ على من بلغه ذلك إلا بلغني، فجزوه خيراً وانصرفوا. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 6/ 278. وقال العلامة ابن القيم: [ ... ولهذا كان من سداد الرأي وإصابته أن يكون شورى بين أهله ولا ينفرد به واحد وقد مدح الله سبحانه المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس عنده فيها نصٌ عن الله ولا عن رسوله، جمع لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعلها شورى بينهم. قال البخاري حدثنا سنيد حدثنا يزيد عن العوام بن حوشب عن المسيب ابن رافع قال كان إذا جاءه الشيء من القضاء ليس في الكتاب ولا في السنة سمَّى صوافي الأمر فرفع إليهم فجمع له أهل العلم فإذا اجتمع عليه رأيهم الحق. وقال محمد بن سليمان الباغندي حدثنا عبد الرحمن بن يونس حدثنا عمر بن أيوب أخبرنا عيسى بن المسيب عن عامر عن شريح القاضي قال: قال لي عمر بن الخطاب أن اقض بما استبان لك من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم تعلم كل أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقض بما استبان لك

من أئمة المهتدين، فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين، فاجتهد رأيك واستشر أهل العلم والصلاح] إعلام الموقعين 2/ 156 - 157. ومن أهمية الاجتهاد الجماعي في عصرنا الحاضر أنه أقدر على تقديم الحلول للمشكلات المعاصرة، وهذا الأمر جِدُ ظاهرٍ من خلال قرارات المجامع الفقهية التي عالجت كثيراً من القضايا الفقهية المعاصرة، مثل قضايا البنوك الإسلامية والتأمين التعاوني والقضايا الطبية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وتأسيساً على ما سبق فإن القرارات التي تصدر عن المجامع الفقهية والهيئات العلمية المعتبرة، ينبغي أن تقدم على الآراء الفردية، وهذا من ضمن أسس المنهج الذي أسير عليه في هذه السلسلة المباركة - سلسلة يسألونك - فإني أعتدُّ كثيراً بما تصدره المجامع الفقهية، وأعتمد عليه في هذه الفتاوى، لأنه أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيه تحقيقاً لمبدأ الشورى في الاجتهاد كما ذكرت سابقاً. ولا بد أن أذكر هنا هذه المجامع الفقهية والهيئات العلمية المعتبرة: أولاً: مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومقره في جدة بالمملكة العربية السعودية، وهو أهم المجامع الفقهية وأنشطها. وأعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة من فقهية وثقافية وعلمية واقتصادية من أنحاء العالم الإسلامي لدراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهاداً أصيلاً فاعلاً، بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامي والمنفتحة علي تطور الفكر الإسلامي لتلك المشكلات. ثانياً: المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ومقره في مكة المكرمة. وهو عبارة عن هيئة علمية إسلامية ذات شخصية اعتبارية مستقلة،

داخل إطار رابطة العالم الإسلامي، مكونة من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها. ثالثاً: هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وهي هيئة علمية تتكون من كبار العلماء في المملكة العربية السعودية المتخصصين في الشريعة الإسلامية وهي أكبر هيئة علمية في المملكة. رابعاً: مجمع الفقه الإسلامي في الهند أنشأ سنة 1989م تحت إشراف كبار علماء الهند المسلمين. خامساً: مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا وهو مؤسسة علمية تتكون من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها. سادساً: المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ويتكون من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها. سابعاً: مجمع البحوث الإسلامية وقد أنشأ في الأزهر سنة 1961م برئاسة شيخ الأزهر. وختاماً فهذا هو الجزء الثالث عشر من كتابي يسألونك وأصله حلقات تنشر صباح كل يوم جمعة في جريدة القدس المقدسية، وقد سلكت فيه المنهج الذي سلكته في الأجزاء السابقة، من اعتمادٍ على كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى فهم سلف هذه الأمة، وعلى الاجتهادات الجماعية الصادرة عن المجامع الفقهية والهيئات العلمية المعتبرة، فإن أصبت فذلك الفضل من الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأقول ما قاله القاضي البيساني رحمه الله: [إني رأيت أنه لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه، إلا قال في غده لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ كذا لكان يستحسن، ولو

قُدِمَ هذا لكان أفضل، ولو تُرِكَ هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر]. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة أبوديس/ القدس المحتلة صباح يوم السبت السابع من شعبان 1429هـ ... وفق التاسع من آب 2008 م.

العقيدة والتفسير

العقيدة والتفسير

حكم كتابة الآيات القرآنية على هيكل المركبات

حكم كتابة الآيات القرآنية على هيكل المركبات يقول السائل: ما حكم كتابة الآيات القرآنية على هيكل المركبات من الخارج، وهل يأثم من يأمر بإزالتها، أفيدونا؟ الجواب: القرآن الكريم كتاب هداية ودستور، ومنهاج للأمة وقد أنزل الله القرآن الكريم ليسيِّر الناس وفق هداه ويطبقوه في حياتهم. قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} سورة الإسراء الآية 9، وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً} سورة الكهف الآيات 1 - 3، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (سورة يونس الآية 57، وقال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء (سورة الزمر الآية 23، وقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (سورة ق الآية 37، وغير ذلك من الآيات الكريمات. ولا شك أن تعظيم كتاب الله أمر واجب في حق كل مسلم، ومن وقَّر القرآن الكريم، فقد وقَّر الله سبحانه وتعالى ومن استخف بالقرآن فقد استخف بالله عز وجل، وقد أجمعت الأمة المسلمة على وجوب تعظيم القرآن الكريم، ووجوب تنزيهه وصيانته عن الامتهان والابتذال، ومن القواعد المقررة شرعاً وجوب تعظيم شعائر الله، يقول الله تعالى: (ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (سورة الحج الآية 32. ويقول تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ (سورة الحج

الآية30، قال الإمام القرطبي: [(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ (الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم ... فشعائر الله أعلام دينه ... ] تفسير القرطبي12/ 56. وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (عظموا القرآن) تفسير القرطبي 1/ 29. وقال الإمام النووي: [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] التبيان في آداب حملة القرآن، ص108. وقال القاضي عياض: [من استخف بالقرآن أو بالمصحف أو بشيء منه فهو كافر بإجماع المسلمين] الآداب الشرعية 2/ 393. وقد ذكر العلماء جملة من الآداب التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها عند التعامل مع القرآن الكريم. انظر التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي. إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز شرعاً كتابة الآيات القرآنية على الهياكل الخارجية للسيارات، لاشتمال ذلك على مفاسد كثيرة منها: - إن في ذلك امتهاناً للآيات القرآنية، وامتهانها من المحرمات شرعاً. وقد جاء في كتاب المصاحف لابن أبي داود أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله رأى ابناً له يكتُب آية في حائط فضربه، وكتابة الآيات القرآنية على الهياكل الخارجية للسيارات، يجعلها عرضة للتلوث بالغبار والأتربة والطين وغيرها من القاذورات. - وكتابة الآيات القرآنية على الهياكل الخارجية للسيارات يعرضها للتلف والتمزق وسقوطها على الأرض، وهذا يتنافى مع وجوب صيانة القرآن الكريم والمحافظة عليه. - بعض السائقين يلصق الآيات القرآنية على الهياكل الخارجية للسيارات، من باب رد العين ودفع الشرور وجلب الأرزاق، وهذا مما لا يجوز في الشرع.

- بعض السائقين يلصق الآيات القرآنية على الهياكل الخارجية للسيارات ويستعملها في غير ما أنزلت له، مثل من يعلق قوله تعالى: (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (سورة هود الآية 42، وهذا من التلاعب بكلام رب العالمين وهو من المحرمات. - بعض الآيات القرآنية التي تلصق على الهياكل الخارجية للسيارات، تكون مكتوبة على صور ذوات الأرواح كما لو جعلت اللوحة القرآنية على شكل إنسان، أو على شكل طائر أو حيوان؛ ونحو ذلك من الأشكال التي لا يليق وضعها قالباً لآيات القرآن الكريم كما سيأتي. وقد بحث المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي مسألة تعظيم كتاب الله عز وجل وورد في قراره: [وبعد أن استمع المجلس إلى الأبحاث المقدمة في الموضوع المسئول عنه، والمناقشات المستفيضة في ذلك حوله، يؤكد على وجوب تعظيم كتاب الله واتباع هديه، والالتزام بمقاصده؛ فقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن ليكون موعظة وعبرة، وشفاءً لما في الصدور، وليهتدي به الناس في عباداتهم ومعاملاتهم، ويطبقونه في جميع أمور حياتهم، ويتلونه حق تلاوته تدبراً وتذكراً، ويسترشدون به في جميع شؤونهم، ويأخذون أنفسهم بالعمل به في كل أحوالهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ([يونس: 57]، وقال سبحانه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ([الإسراء: 82]، وقال: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ([فصلت: 44]،

(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ([صّ: 29]، ويؤكد المجلس أن على المسلمين أن يعرفوا لكتاب ربهم منزلته، ويقدروه قدره، ويجعلوا مقاصده نصب أعينهم، ويتخذوا منه ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم مناراً يهتدون بهما. والمجلس إذ يذَّكر بهذا ليهيب بالمسلمين القيام بما يجب عليهم تجاه الآيات القرآنية من احترامها والمحافظة عليها من الامتهان والعبث ويقرر ما يلي: أولاً: جواز كتابة الآيات القرآنية وزخرفتها، واستخدامها لمقصد مشروع كأن تكون وسائل إيضاح لتعلم القرآن وتعليمه، وللقراءة والتذكير والاتعاظ، وفق الضوابط الآتية: (1) أن تعامل اللوحات المكتوب فيها القرآن من حيث الصناعة والنقل معاملة طباعة المصحف، وهذا يوجب اتخاذ الإجراءات التي تضمن احترام الآيات المكتوبة، وصيانتها عن الامتهان. (2) عدم التهاون بألفاظ القرآن ومعانيه فلا تصرف عن مدلولها الشرعي، ولا تبتر عن سياقها. (3) أن لا تصنع بمواد نجسة أو يحرم استعمالها. (4) أن لا تدخل في باب العبث كتقطيع الحروف وإدخال بعض الكلمات في بعض، وأن لا يبالغ في زخرفتها بحيث تصعب قراءتها. (5) أن لا تجعل على صورة ذوات الأرواح كما لو جعلت اللوحة القرآنية على شكل إنسان، أو على شكل طائر أو حيوان؛ ونحو ذلك من الأشكال التي لا يليق وضعها قالباً لآيات القرآن الكريم.

(6) أن لا تصنع للتعاويذ المبتدعة وسائر المعتقدات الباطلة، ولا للصناعات المبتذلة ولا لترويج البضائع وإغراء الناس بالشراء. ثانياً: لا حرج في بيعها وشرائها بالضوابط السابق ذكرها وفق الراجح من أقوال العلماء في بيع المصحف وشرائه. ثالثاً: لا يجوز استخدام آيات القرآن الكريم للتنبيه والانتظار في الهواتف الجوالة وما في حكمها؛ وذلك لما في هذا الاستعمال من تعريض القرآن للابتذال والامتهان بقطع التلاوة وإهمالها، ولأنه قد تتلى الآيات في مواطن لا تليق بها. وأما تسجيل القرآن الكريم في الهاتف للتلاوة منه أو الاستماع إليه فلا حرج فيه بل هو عون على نشر القرآن واستماعه وتدبره، ويحصل الثواب بالاستماع إليه؛ ففيه تذكير وتعليم، وإذاعة له بين المسلمين. ويوصي المجمع الجهات المسئولة في الدولة الإسلامية بضرورة مراقبة صناعة اللوحات القرآنية بما يكفل عدم حدوث تجاوزات فيها، ومنع استيراد اللوحات القرآنية وما شابهها من الجهات والدول التي لا تحترم ما في اللوحات من آيات كريمة، والله أعلم]. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز كتابة وإلصاق الآيات القرآنية على الهياكل الخارجية للسيارات، لما في ذلك من امتهان لكلام رب العالمين الذي أُمرنا بتعظيمه، والواجب على من يستطيع أن يمنع ذلك أن يمنعه وله الأجر والثواب.

يؤخذ علم القراءات بالتلقي من أفواه القراء

يؤخذ علم القراءات بالتلقي من أفواه القراء يقول السائل: في مسجدنا شخص يدِّرس القراءات للناس مع العلم أنه لم يقرأ علم القراءات على العلماء ويزعم أنه أخذه من الكتب فما قولكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: علم القراءات كما عَّرفه ابن الجزري بقوله: [القراءات علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة] منجد المقرئين ومرشد الطالبين ص2، وأما المقرئ: فهو العالم بالقراءات، التي رواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن الجزري لو أن شخصاً حفظ كتاب التسهيل - وهو كتاب مشهور في القراءات لأبي عمرو الداني، وهو الذي نظمه الشاطبي في قصيدته المشهورة المسماة الشاطبية - فليس له أن يقرئ بما فيه إن لم يشافهه من شوفه به مسلسلاً، لأن في القراءات أشياء لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة. منجد المقرئين ومرشد الطالبين ص3. وانظر إتقان البرهان 2/ 138 - 139. وقد قرر علماء القراءات أن الأصل في علم القراءات هو التلقي من أفواه المشايخ والقراء ولا يؤخذ هذا العلم من الكتب بل بالسماع، ويدل على هذا الأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن الكريم من جبريل عليه السلام كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} سورة النمل الآية 6، وقد تلقى الصحابة رضوان الله عليهم - خاصة القراء منهم - القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة أن يأخذوا القرآن عن أربعة من أصحابه المتقنين للقراءة فقد روى الإمام البخاري بإسناده عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو، عبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله

بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأُبيّ بن كعب). ويدل هذا الحديث على أن قراءة القرآن تؤخذ بالتلقي من أفواه القراء المتقنين، فالقرآن الكريم لا يؤخذ من كل من هب ودب، لأن في علم القراءات وجوهاً لا يحكمها إلا التلقي والمشافهة من القراء المتقنين، وما قرره العلماء في علم القراءات من وجوب التلقي من القراء والمشافهة من أفواه المشايخ هو ذاته ما قرروه في علم التجويد فهو أيضاً يؤخذ بالمشافهة والسماع من أهله المتقنين له. وتأكيداً لهذا المعنى يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (والله لقد أخذت من فيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة) رواه البخاري. وذكر الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني أن عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما بعث المصاحف إلى الآفاق، أرسل قارئاً مع كل مصحف يوافق قراءته في الأكثر الأغلب، انظر مناهل العرفان في علوم القرآن 1/ 372 - 373. وقد اشتهر عن علماء السلف أنهم قالوا: [القراءة سنةٌ متبعةٌ يأخذها الآخر عن الأول]. وقال الإمام ابن الجزري: [ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا تجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها. والناس في ذلك بين محسن مأجور، ومسيء آثم، أو معذور، فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح، العربي الفصيح، وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النبطي القبيح، استغناءً بنفسه، واستبداداً برأيه وحدسه واتكالاً على ما ألف من حفظه. واستكباراً عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه. فإنه مقصر بلا شك، وآثم بلا ريب، وغاش بلا مرية،

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) أما من كان لا يطاوعه لسانه؛ أو لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها] النشر في القراءات العشر 1/ 237. وقال الشيخ جلال الدين السيوطي: [والأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وأحكامه متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من الأئمة القراء المتصل سندهم بالنبي صلى الله عليه وسلم] الإتقان في علوم القرآن 1/ 324. وقال الخطيب البغدادي: [الذي لا يأخذ العلم من أفواه العلماء لا يُسمى عالماً، ولا يُسمى الذي يقرأ من المصحف من غير سماع من القارئ قارئاً، إنما يسمى مصحفياً]. وقال الشيخ الدمياطي في تعريفه المقرئ: [من علم بها أداءً ورواها مشافهةً فلو حفظ كتاباً امتنع عليه إقراؤه بما فيه إن لم يشافهه من شوفه به مسلسلاً لأن في القراءات أشياء لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة، بل لم يكتفوا بالسماع من لفظ الشيخ فقط في التحمل وإن اكتفوا به في الحديث، قالوا لأن المقصود هنا كيفية الأداء، وليس من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء أي فلا بد من قراءة الطالب على الشيخ بخلاف الحديث، فإن المقصود منه المعنى أو اللفظ، لا بالهيئات المعتبرة في أداء القرآن، أما الصحابة فكانت طباعهم السليمة وفصاحتهم تقتضي قدرتهم على الأداء كما سمعوه منه صلي الله عليه وسلم لأنه نزل بلغتهم] إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر ص 68. وقال الشيخ محمود خليل الحصري - شيخ القراء المصريين -: [ومما يجب التنبه له أن التجويد العملي لا يمكن أن يؤخذ من المصحف مهما بلغ من الضبط والإجادة، ولا يمكن أن يُتعلم من الكتب مهما بلغت من البيان والإيضاح، وإنما

طريقه التلقي، والمشافهة، والتيقن، والسماع، والأخذ من أفواه الشيوخ المهرة المتقنين لألفاظ القرآن، المحكمين لأدائه، الضابطين لحروفه وكلماته لأن من الأحكام القرآنية ما لا يحكمه إلا المشافهة، والتوقيف، ولا يضبطه إلا السماع والتلقين، ولا يجيده إلا الأخذ من أفواه العارفين] أحكام قراءة القرآن ص 18. وقال الشيخ محمد علي خلف الحسيني شيخ القراء بالديار المصرية سابقاً: [وإذ قد علمت أن التجويد واجب وعرفت حقيقته علمت أن معرفة الأداء والنطق بالقرآن على الصفة التي نزل بها متوقفة على التلقي والأخذ بالسماع من أفواه المشايخ الآخذين لها كذلك المتصل سندهم بالحضرة النبوية لأن القارئ لا يمكنه معرفة كيفية الإدغام والإخفاء والتفخيم والترقيق والإمالة المحضة أو المتوسطة والتحقيق والتسهيل والروم والإشمام ونحوها إلا بالسماع والإسماع، حتى يمكنه أن يحترز عن اللحن والخطأ وتقع القراءة على الصفة المعتبرة شرعاً، إذا علمت ذلك تبين لك أن التلقي المذكور واجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما هو معلوم ولأن صحة السند عن النبي صلى الله عليه وسلم عن روح القدس عن الله عز وجل بالصفة المتواترة أمر ضروري للكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ليتحقق بذلك دوام ما وعد به تعالى في قوله جل ذكره: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (سورة الحجر الآية 9، وحينئذ فأخذ القرآن من المصحف بدون موقف لا يكفي بل لا يجوز ولو كان المصحف مضبوطاً ... فالحاصل أنه لابد من التلقي من أفواه المشايخ الضابطين المتقنين على ما تقدم ولا يعتد بالأخذ من المصاحف بدون معلم أصلاً ولا قائل بذلك ومرتكبه لاحظ له في الدين لتركه الواجب وارتكابه المحرم هذا محصل ما كتبه في هذا الموضوع من فطاحل الأئمة من يوثق بقولهم، ومن

جهابذة الأمة من يؤخذ برأيهم في المعقول يرجع إليهم وفي المنقول يعتمد عليهم وهم - ثم سماهم وهم أحد عشر عالماً من القراء - ... ولذا قيل: من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة ... يكن عن الزيغ والتصحيف في حرم ومن يكن آخذا للعلم من صحف ... فعلمه عند أهل العلم كالعدم] القول السديد في بيان حكم التجويد ص9 - 12. وقد قال بعض السلف: [لا تأخذ القرآن من مُصحفي، ولا تأخذ الحديث من صُحُفي] شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف لأبي أحمد العسكري ص10. فالمصحفي هو الذي يقرأ القرآن من المصحف ولم يتتلمذ على أيدي القراء، والصحفي من أخذ العلم عن الكتب والصحف لا عن العلماء. وقال أبو حيان النحوي المشهور: يظن الغمر أن الكتب تهدي ... أخا فهم لإدراك العلوم وما يدري الجهول بأن فيها ... غوامض حيرت عقل الفهيم إذا رمت العلوم بغير شيخ ... ضللت عن الصراط المستقيم وتلتبس الأمور عليك حتى ... تصير أضل من توما الحكيم وخلاصة الأمر أن علم القراءات وكذا علم التجويد لا يؤخذ من الكتب والمصاحف بل لا بد من التلقي من العلماء والقراء المتقنين، ولا يظنن أحد أنه لو حفظ متناً من متون القراءات كالشاطبية أنه قادر على تدريس هذا العلم، أنى له ذلك ما لم يتلقاه بالسماع والمشافهة، وعلى من أراد دراسة علم القراءات والتجويد أن يأخذه من أهل هذا الشأن وليس من أدعيائه وهم في زماننا كثر، وأنصح السائل وغيره أن لا يسمع لأدعياء العلم هؤلاء. - - -

القرآنييون

القرآنييون يقول السائل: قرأت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه) فهل هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أفيدونا. الجواب: هذا الحديث رواه الترمذي بإسناده عن أبي رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته -السرير- يأتيه أمرٌ مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وقال العلامة الألباني: صحيح. ورواه الترمذي أيضاً عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله) ثم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقال العلامة الألباني: صحيح. ورواه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ... ) وقال العلامة الألباني: صحيح، والحديث رواه أيضاً الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

ويعتبر هذا الحديث من دلائل نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث ظهر بعد عهد الرسالة جماعات طعنوا في السنة النبوية وزعموا الأخذ بالقرآن الكريم فقط وقد بدأت ظاهرة إنكار السنة على أيدي الخوارج والشيعة، وظهرت في العصور المتأخرة طوائف تنكر السنة النبوية وتدعو إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم فقد [بدأت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين الميلادي في بلاد الهند، ثم انتقلت إلى باكستان بعد استقلالها عن الهند، وما تزال. وأعجب أمر هؤلاء أنهم يُنْسَبون إلى القرآن المجيد، فهم يحبون أن يسموا أنفسهم "القرآنيون " نسبة إلى القرآن كتاب الله المجيد ظلماً وزوراً. وقد اختاروا هذه النسبة إيهاماً للناس بأنهم ملتزمون بكتاب الله القرآن] شبهات القرآنيين حول السنة النبوية ص 2 - 3. قال الشيخ المباركفوري في شرحه للحديث السابق: [وهذا الحديث دليل من دلائل النبوة وعلامة من علاماتها فقد وقع ما أخبر به فإن رجلاً قد خرج في الفنجاب من إقليم الهند وسمَّى نفسه بأهل القرآن وشتان بينه وبين أهل القرآن بل هو من أهل الإلحاد وكان قبل ذلك من الصالحين فأضله الشيطان وأغواه وأبعده عن الصراط المستقيم فتفوه بما لا يتكلم به أهل الإسلام فأطال لسانه في رد الأحاديث النبوية بأسرها رداً بليغاً، وقال هذه كلها مكذوبة ومفتريات على الله تعالى وإنما يجب العمل على القرآن العظيم فقط دون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت صحيحة متواترة ومن عمل على غير القرآن فهو داخل تحت قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون} وغير ذلك من أقواله الكفرية وتبعه على ذلك كثير من الجهال، وجعلوه إماماً وقد أفتى علماء العصر بكفره وإلحاده وخرجوه عن دائرة الإسلام والأمر كما قالوا] تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 7/ 354 - 355.

وهؤلاء القرآنيين لهم امتداد في الوقت الحاضر في جماعات تسمي نفسها بأهل القرآن ولهم انتشار في عدة بلدان من العالم ولهم مؤلفات ونشرات ومواقع على الشبكة العنكبوتية ينشرون من خلالها باطلهم وإفكهم، واسمع ما يقوله صاحب موقع أهل القرآن د. أحمد صبحي منصور تحت عنوان شروط النشر: [أولا: شروط النشر على موقع أهل القرآن: موقع أهل القرآن تم إنشاؤه خصيصاً من أجل هدف واحد، وهو توحيد كلمة كل من يؤمن بالقرآن الكريم كمصدر ((أوحد)) لتعاليم الإسلام وتوجيهاته وتفسير تشريعاته ومنهاجه، ومن ثم فلن يسمح الموقع لمن يتخذ من ما يطلق عليه (الحديث النبوي أو السنة النبوية) وسيلة أو مرجعاً لإثبات وجهة نظر معينه أو تفسير آيات القرآن الكريم. ثانياً: منهج أهل القرآن، موقع (أهل القرآن) يفتح أبوابه لكل فكر حر بشرط ألاّ يسند الكاتب حديثاً لخاتم النبيين محمد عليه السلام عبر ما يعرف بالسنة، أو أن ينسب قولاً لله تعالى خارج القرآن عبر الأكذوبة المسماة بالحديث القدسي. حين تنسب قولاً للنبي محمد أو لله تعالى فستكون في مشكلة يوم القيامة. وحين ننشر لك هذا القول فقد وقعنا في مشكلة أكبر، ونحن لا نريد أن نكون في صف العداء لله تعالى ورسوله، ولا نريد أن ننشر الكذب على الله تعالى ورسوله] www.ahlalquran.com/arabic/aboutus.php. وهذه الأفكار تجد لها صدى عند بعض المتسلقين على أسوار العلم فكادوا أن ينسخوا ما كتبه هذا الضال ونشروه مع بعض التعديل والتحوير. ويلتقي القرآنيون ومن تسموا بأهل القرآن في قضية أخرى لا تخلو منها نشراتهم ومواقعهم على الإنترنت ألا وهي سب علماء الإسلام والطعن فيهم ووصفهم بأقذع العبارات، يقول د. أحمد صبحي منصور صاحب موقع أهل القرآن في حق أهل

العلم: [أما بالنسبة لمن ماتوا من أئمة التراث فلنا حرية الحكم عليهم بما كتبوا في كتبهم وأسفارهم، خصوصاً إذا كانوا يتمتعون بالتقديس بينما تحوي كتبهم الطعن في رب العزة جل وعلا والإسلام والقرآن وخاتم النبيين عليهم جميعا السلام ... أولئك كذبوا على الله تعالى وعلى رسوله فيما يسمى بالسنة والحديث، وتلاعبوا بالكتاب العزيز فيما يعرف بالتفسير والتأويل وقاموا بحذف أحكامه بزعم النسخ، وكتبوا أقاويل تطعن في معظم سور القرآن وتشكك فيه تحت اسم (علوم القرآن). وفى كل هذا اقترفوا أفظع ظلم لله تعالى وهو الافتراء الكاذب على الله والتكذيب بآياته]، مع أن هذا الضال المضل يقول: [لا يسمح بالهجوم على معتقدات الأديان والعقائد الأخرى بالسب أو التسفيه أو التشويه أو ما إلى ذلك] ويتناسى هذا الضال أن القرآن الكريم قد سفه تلك العقائد الباطلة كما قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} سورة المائدة الآية 72. وقال تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} سورة المائدة الآية 73. وقد تصدى عدد كبير من علماء الإسلام لهؤلاء القرآنيين وبينوا عوار أقوالهم وفندوها ودافعوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتسع المقام لإيراد هذه الردود ولكن أشير إلى بعضها: 1. شبهات القرآنيين لعثمان بن معلم محمود بن شيخ علي. 2. شبهات القرآنيين حول السنة النبوية د. محمود محمد مزروعة. 3. دفاع عن السنة، د. محمد بن محمد أبوشهبة. 4. القرآنيون وشبهاتهم حول السنة خادم حسين إلهي بخش. 5. السنة ومكانتها في التشريع د. مصطفى السباعي.

6. منزلة السنة في الإسلام، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن للعلامة محمد ناصر الدين الألباني. 7. الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية د. عبد العظيم المطعني. هذا وأنوِّه إلى أنه يوجد على شبكة الإنترنت مقالات كثيرة في كشف ضلالات القرآنيين. وأخيراً أذكر خاتمة بحث أ. د. محمود محمد مزروعة وعنوانه: شبهات القرآنيين حول السنة النبوية حيث قال: [وقد بان لنا من خلال البحث جملة من الحقائق عن هذه الطائفة نوجزها فيما يلي: أولاً: هذه الطائفة نشأت ابتداء على أيدي الإنجليز الذين كانوا يستعمرون الهند، فهي صنيعة من صنائع الكفار أعداء الله ورسوله والمؤمنين. وهي حركة من الحركات الكثيرة التي قام بها الإنجليز في هذه المنطقة لهدم الإسلام وتفريق المسلمين، من مثل (القاديانية) و (البريلوية) وغيرهما. ثانياً: أثبتنا عند حديثنا عن رؤوس هذه الحركة أنهم كانوا على اتصال دائم وقوى بالإنجليز، وكان الإنجليز وراء حركاتهم تلك، وكانوا يمدونهم بالعون المادي والمعنوي، بل كان بعض هؤلاء على اتصال بحركة المنصّرين في الهند. ثالثاً: هذه الحركة بجميع طوائفها خارجة عن الإسلام، فاسقة عن الملّة، وإن زعمت لنفسها الإسلام، وانتسبت إلى القرآن. وإن انتسابها إلى القرآن باطل، لأنها كفرت بالقرآن في نفس اللحظة التي كفرت فيها بالسنة، فإنه لا تفرقة بين القرآن والسنة، فهما يخرجان من مشكاة واحدة، هي مشكاة الوحي الإلهي المعصوم.

رابعاً: يتضح من كل ما تقدم أن هدف هؤلاء، والغاية التي يسعون إلى تحقيقها هو القضاء على الإسلام وتفريق الأمة المسلمة. وأن انتسابهم إلى القرآن إنما هو ستار يتخفون وراءه ليزاولوا تحت شعاره أنشطتهم الهدامة، وحركاتهم التخريبية] ص54. وخلاصة الأمر أن حديث (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه) حديث صحيح وهو من علامات صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ظهر القرآنييون ومن يتسمون بأهل القرآن المكذبين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال قائلهم د. أحمد صبحي منصور (القرآن وكفى) وجعل هذه العبارة عنواناً لأحد كتبه، ولقد أعظم الفرية على دين الإسلام. - - -

الإسرائيليات في كتب التفسير

الإسرائيليات في كتب التفسير يقول السائل: ما هو موقف أهل العلم من الأخبار الإسرائيلية المذكورة في بعض كتب التفسير، أفيدونا؟ الجواب: الأخبار الإسرائيلية نسبة إلى بني إسرائيل، وهم منسوبون إلى إسرائيل وهو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام، والمراد بالإسرائيليات: الأخبار المنقولة عن بني إسرائيل في التوراة وأسفارها وشروحها، وفي التلمود وشروحه، ويدخل في ذلك ما نقل أيضاً من كتب النصارى، وقد نقل كثير منها عن طريق من أسلم من يهود مثل كعب الأحبار ووهب بن مُنبه وعبد الله بن سلام وغيرهم. ومن المفسرين من ذكر الإسرائيليات ونقدها وبين ما فيها كابن كثير، فتفسيره من خير كتب التفسير، ومنهم من نقلها بأسانيدها وأبرأ ذمته بذلك، كابن جرير الطبري، فالعهدة على القارئ، ومنهم من نقلها ولم يبين حالها كالثعلبي فكان كحاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع؛ مع أنه في نفسه كان فيه خيرٌ ودينٌ، كما قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 13/ 354. وقد اتفق أكثر أهل التفسير على أن الإسرائيليات الواردة في التفاسير على ثلاثة أقسام: وقد فصَّلها العلامة العثيمين فقال: [الإسرائيليات: الأخبار المنقولة عن بني إسرائيل من اليهود وهو الأكثر، أو من النصارى. وتنقسم هذه الأخبار إلى ثلاثة أنواع: الأولى: ما أقره الإسلام، وشهد بصدقه فهو حق، مثاله: ما رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع فيقول: أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم

قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} سورة الزمر الآية 67، والحديث رواه مسلم أيضاً. الثاني: ما أنكره الإسلام وشهد بكذبه فهو باطل، مثاله ما رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول إذا جامعها- أي الزوجة - من ورائها، جاء الولد أحول؛ فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (سورة البقرة الآية 223. والحديث رواه مسلم أيضاً. الثالث: ما لم يقره الإسلام، ولم ينكره، فيجب التوقف فيه، لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ () سورة العنكبوت الآية 46، ولكن التحدث بهذا النوع جائز، إذا لم يخش محذور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري] تفسير الشيخ العثيمين عن الإنترنت. وقال الإمام ابن كثير [ ... ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذكر للاستشهاد، لا للاعتضاد، فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحتَه مما بأيدينا مما نشهدُ له بالصدق، فذاك صحيح. والثاني: ما علمنا كذبَه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمِنُ به ولا نكذّبه، وتجوزُ حكايتُه لما تقدّم، وغالبُ ذلك مما لا فائدة فيه تعودُ إلى أمرٍ دينيّ، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيراً، ويأتي عن المفسرين

خلافٌ بسبب ذلك، كما يَذكرون في مثل أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعِدّتهم، وعصا موسى من أيِّ شجرٍ كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضُرِبَ به القتيلُ من البقرة، ونوع الشجرة التي كلَّم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم] تفسير ابن كثير 1/ 17. ولا بد أن نقرر أن العلماء قد بينوا أن ذكر الإسرائيليات في كتب التفسير المعتبرة كتفسير الطبري وابن كثير لا يقدح بحال من الأحوال في كتبهم، ولا يعتبر ذكرها مطعناً فيها ولا في مؤلفيها، لأن هذه الإسرائيليات إنما تذكر للاستشهاد، لا للاعتضاد، كما سبق في كلام ابن كثير، وكما قال أيضاً: [ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو القسم الذي لا يُصَدَّق ولا يُكَذَّب، مما فيه بسط لمختصر عندنا، أو تسمية لمبهم ورد به شرعنا مما لا فائدة في تعيينه لنا، فنذكره على سبيل التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه والاعتماد عليه ... ] البداية والنهاية 1/ 5. ويجب أن نحسن الظن بعلمائنا ولا ندعي أن ذكرهم للإسرائيليات هو طعن في كلام رب العالمين أو نحو ذلك، كما يزعم بعض المتعالمين الذين يزعمون أنهم يريدون تنقية كتب التفاسير من الإسرائيليات دفاعاً عن كتاب الله عز وجل!!! وبعض الجهلة يدعو إلى حرق كتب التفسير والتخلص منها، قال الدكتور محمد أبو شهبة: [وآراء الناس وأفكارهم متباينة في معالجة هذا الموضوع الخطير - أي الإسرائيليات - فمنهم من يرى الاستغناء عن كتب التفسير التي اشتملت على الموضوعات والإسرائيليات التي جنت على الإسلام والمسلمين، وجرّت عليهم كل

هذه الطعون والهجمات من أعداء الإسلام، وذلك بإبادتها أو حرقها ... وهو رأي فيه إسراف وغلو، إذ ليس من شكٍ في أن هذه الكتب فيها بجانب الإسرائيليات علم كثير، وثقافة إسلامية أصيلة، وأن ما فيها من خير وحق أكثر مما فيها من شر وباطل، فهل لأجل القضاء على الشر نقضي على الخير، ولأجل الإجهاز على الباطل نجهز على الحق أيضاً؟! أعتقد أن هذا لا يجوز عقلاً ولا شرعاً] الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص 8. وقال العلامة القاسمي: [ ... ومع ذلك فلا مغمز على مفسرينا الأقدمين في ذلك -أي نقل الإسرائيليات- طابق أسفارهم أم لا، إذ لم يألوا جهداً في نشر العلم وإيضاح ما بلغهم وسمعوه؛ إما تحسيناً للظن في رواة تلك الأنباء لا يروون إلا الصحيح، وإما تعويلاً على ما رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي عن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، ورواه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج). فترخَّصوا في روايتها كيفما كانت، ذهاباً إلى أن القصد منها الاعتبار بالوقائع التي أحدثها الله تعالى لمن سلف؛ لينهجوا منهج من أطاع، فأثني عليه وفاز، وينكبوا عن مهيع من عصى فحقت عليه كلمة العذاب وهلك. هذا ملحظُهم رضي الله عنهم] تفسير القاسمي 1/ 45 - 46. وينبغي أن يعلم أن موضوع الإسرائيليات في كتب التفسير قد نال حظاً وافراً من البحث، ولا يمكن استيفاؤه في هذه العجالة، ومن أراد التوسع فيه فليرجع إلى المصادر الآتية: 1. الإسرائيليات في التفسير والحديث للدكتور محمد حسين الذهبي.

2. الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة. 3. الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير للدكتور رمزي نعناعة. ومع هذه الإحالة ألخص أهم ما قرره العلماء في هذا الموضوع: أولاً: لا يلزم اعتقاد صحة الإسرائيليات، بل هي مجرد أخبار تذكر للاستشهاد لا للاعتماد. ثانياً: لم يثبت عن أحد من السلف أنهم بنوا على الإسرائيليات أي حكم اعتقادي أو عملي، قالت الدكتورة آمال ربيع: [الإسرائيليات في جامع الطبري لم نجدها في مجالات العقيدة أو الأحكام أو الشرائع، ولم نجدها في صلب الدين على الإطلاق، وإنما وجدناها في الجانب القصصي من تفسير القرآن الكريم؛ سواء في قصة الخلق أم في قصص الأنبياء أم الأنساب، وبعض القضايا المتفرقة ذات الطابع القصصي كذلك، وهي مجالات لا خشية منها على جوهر الدين] الإسرائيليات في تفسير الطبري ص 138. ثالثاً: لم يعتمد المفسرون في تفسير كلام الله عز وجل على الإسرائيليات، وإنما ذكروها مثالاً في التفسير لبيان المعنى وليست حاكمة على النص القرآني ولا قاطعةً بمعنىً من المعاني المحتملة دون غيره. وأخيراً أنبه على أن بعض المتعالمين في زماننا قد جاؤوا بأسوأ من الإسرائيليات المكذوبة وتلاعبوا في تفسير القرآن الكريم، مثل تفسير القدور الراسيات المذكورة في قوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} سورة سبأ الآية 13، بأنها المفاعلات النووية التي امتلكها سليمان عليه السلام، ومثل تفسير قوله تعالى على لسان فرعون: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً

لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} سورة القصص الآية 38، بأنه الصرح هو المرصد الفلكي هابل، وغير ذلك من السخف والخزعبلات. وخلاصة الأمر أن الإسرائيليات في كتب التفسير ثلاثة أنواع: ما وافق شرعنا فهذا مقبول، وما خالف شرعنا فهو مرفوض، والثالث المسكوت عنه وهو ما لم يوافق شرعنا ولم يخالفه، فهذا نتوقف فيه فلا نصدقه ولا نكذبه، ومع ذلك فهو يُروى ولا يُطوى ولكن على سبيل الاستئناس لا الاعتماد. - - -

حكم الاستعانة بالجن في العلاج الطبي

حكم الاستعانة بالجن في العلاج الطبي يقول السائل: في مدينتنا شخص يزعم أنه يقوم بعمليات جراحية للمرضى عن طريق الاستعانة بالجن المسلم، وقد توافد عليه أعداد كثيرة من المرضى، وأجرى لهم عمليات جراحية كانت مستعصية على الأطباء، وقد شاهدنا بعض من أجريت لهم العمليات الجراحية ورأينا آثار تلك العمليات كوجود شق طولي في الجلد، فما قولكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: الجن خلق من خلق الله عز وجل وقد أخبرنا الله جل جلاله أنه قد خلقهم من نار فقال تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} سورة الرحمن الآية 15، وقال تعالى: {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} سورة الحجر الآية 27، وطبيعة الجن وخصائصهم وقدراتهم تخالف الإنس، قال تعالى مخبراً عن الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً} سورة الجن الآيتان 8 - 9، وأخبر عز وجل عن تسخير الجن لسليمان عليه السلام فقال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (سورة سبأ الآيتان 12 - 13. والجن مكلفون بعبادة الله سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (سورة الذاريات 56 وقال تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ

كَافِرِينَ (سورة الأنعام الآية 130 وقد أسلمت طائفة من الجن، قال تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (سورة الأحقاف الآية 29. وقال تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (سورة الجن الآية 1. فالجن منهم المسلمون ومنهم الكفار كما قال تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً (سورة الجن الآية 11. إذا تقرر هذا فإن مسألة استعانة الإنسان بالجان من المسائل التي أثيرت قديماً وحديثاً، بل إن الناس في الجاهلية كانوا يستعينون بالجن كما قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً (سورة الجن الآية 6، وقد فصلَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله استعانة الإنس بالجن حيث قال: [فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ويأمر الإنس بذلك فهذا من أفضل أولياء الله تعالى وهو في ذلك من خلفاء الرسول ونوابه. ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله تعالى فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك وإما في قتل معصوم الدم أو في العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك من الظلم، وإما في فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر وإن

استعان بهم على المعاصي فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات، مثل أن يستعين بهم على الحج أو أن يطيروا به عند السماع البدعي أو أن يحملوه إلى عرفات ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكر به] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 11/ 307 - 308. وقد اعتمد كثير من الناس على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية السابق في جواز الاستعانة بالجن في العلاج، ولكن المحققين من العلماء يرون أن كلام ابن تيمية لا يفيد ذلك، قال العلامة العثيمين: [وقد اتخذ بعض الرقاة كلام شيخ الإسلام رحمه الله متكئاً على مشروعية الاستعانة بالجن المسلم في العلاج بأنه من الأمور المباحة، ولا أرى في كلام شيخ الإسلام ما يسوغ لهم هذا فإذا كان من البدهيات المسلّم بها أن الجن من عالم الغيب يرانا ولا نراه الغالب عليه الكذب معتد ظلوم غشوم مجهولة عدالته لذا روايته للحديث ضعيفة فما هو المقياس الذي نحكم به على أن هذا الجني مسلم وهذا منافق وهذا صالح وذاك طالح؟] عن شبكة الإنترنت. والذي تطمئن إليه نفسي أنه لا يجوز شرعاً الاستعانة بالجن في الطب والعلاج ولا في إجراء العمليات الجراحية لما يلي: أولاً: سلمنا أن للجن قدرات خارقة، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو قدوتنا وأسوتنا - لم يستعن بالجن في هذه الأمور ولا في غيرها مع أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ في ظروف عصيبة هو أصحابه الكرام فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم استعان بالجن، فمن ذلك حادثة الهجرة فقد كان صلى الله عليه وسلم بأمس الحاجة للمساعدة لينجو من كفار

قريش، وكذلك فلم يستعن بالجن في غزواته صلى الله عليه وسلم، وكذلك عندما مرض صلى الله عليه وسلم أو عندما سحر، أو عندما مرض أو جرح عدد من الصحابة رضوان الله عليهم في الغزوات وغيرها فلم يثبت أنهم استعانوا بالجن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والنوع الثالث أن يستعملهم في طاعة الله ورسوله، كما يستعمل الإنس في مثل ذلك، فيأمرهم بما أمر الله به ورسوله وينهاهم عما نهاهم الله عنه ورسوله كما يأمر الإنس وينهاهم، وهذا حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحال من اتبعه واقتدى به من أمته وهم أفضل الخلق، فإنهم يأمرون الإنس والجن بما أمرهم الله به ورسوله، وينهون الإنس والجن عما نهاهم الله عنه ورسوله ... ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 13/ 88. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [فلم يستخدم الجن أصلاً - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - لكن دعاهم إلى الإيمان بالله، وقرأ عليهم القرآن، وبلَّغهم الرسالة، وبايعهم كما فعل بالإنس] مجموع فتاوى شيخ الإسلام13/ 89. ثانياً: إن الإسلام قد شرع التداوي، فإذا مرض الإنسان فعليه أن يذهب إلى الأطباء للمعالجة وهذا من باب الأخذ بالأسباب ولا ينافي التوكل على الله، وقد جاء في حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: (نعم عباد الله، تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحداً، قالوا يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم) رواه الترمذي وابن ماجة، وقال العلامة الألباني: حديث صحيح. وقد قرر العلماء أن الذي يتولى المداواة لا بد أن يكون من أهل الطب والخبرة وقد ورد في الحديث، أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من طبب ولم يُعلم منه طب فهو ضامن) رواه أبو داود وابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. وجاء في رواية أخرى (أيما طبيب

تطبب على قوم لا يُعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن) رواه أبو داود، وقال العلامة الألباني: حديث حسن، كما في صحيح سنن أبي داود 3/ 866 - 867. ولا يجوز اللجوء إلى المشعوذين أو الدجالين ونحوهم للمعالجة وإن تحقق على أيديهم شفاء بعض الحالات المرضية فلا يجوز أن ننخدع بصدقهم فإنهم دجالون كذبة. ثالثاً: لو كان الأمر كما يزعم هؤلاء المستعينين بالجن في إجراء العمليات الجراحية، لما كان هنالك حاجة لدراسة الطب، ولا حاجة لإنشاء كليات الطب ولا المستشفيات ولا العيادات ونحوها، ولَكان الناس في غنىً عن كل ذلك، وإذا كان الأمر كما يزعمون فلماذا لا يستعينون بالجن في أمور أعظم من ذلك!!! رابعاً: إن زعم هؤلاء أنهم يستعينون بالجن المسلم، كلام غير مقبول ولا يقوم على دليل صحيح، لأنهم يعتمدون على خبر الجن بأنهم مسلمون، وخبرهم محتمل للصدق وللكذب، فما الذي يدرينا أنهم مسلمون حقاً؟ خامساً: لو سلمنا جدلاً بصحة زعم هؤلاء، فيجب إغلاق هذا الباب من باب سد الذرائع، لما قد يترتب عليه من المفاسد، كإيقاع بعض الناس في الشرك، فمن المعلوم عند أهل العلم أن الجن في الغالب لا يقدمون خدمة للإنسان إلا إذا أشرك بالله عز وجل. سادساً: [الجن خلق من خلق الله يعتريهم الجهل والقصور، ولا يعلمون ما غاب عنهم إلا بالطريقة الخلقية من خبرٍ أو نظر، فكيف تستطيع الجن أن تعرف خبر علة خفية، أو عينٍ نفسية، وهي التي مكثت سنة كاملة بين يدي سليمان عليه السلام تخدمه بكل تعب وعناء، وما علمت بموته؟! قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا

عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (سورة سبأ الآية 14] تحذير أهل الإيمان من إباحة العبيكان الاستعانة بالجان ص 22. وأخيراً أنبه على أن كثيراً من أهل العلم المعاصرين قد أفتوا بتحريم الذهاب إلى من يدَّعون العلاج عن طريق الاستعانة بالجن فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية ما يلي: [لا يجوز لذلك الرجل أن يستخدم الجن، ولا يجوز للناس أن يذهبوا إليه طلباً لعلاج الأمراض عن طريق ما يستخدمه من الجن ولا لقضاء المصالح عن ذلك الطريق. وفي العلاج عن طريق الأطباء من الإنس بالأدوية المباحة مندوحة وغنية عن ذلك مع السلامة من كهانة الكهَّان. وقد صحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء: لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم. وخرَّج أهل السنن الأربعة والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد). وهذا الرجل وأصحابه من الجن يعتبرون من العرَّافين والكهنة، فلا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم] فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 408 - 409. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً الذهاب إلى من يدَّعي أنه يقوم بإجراء العمليات الجراحية وغيرها من وسائل العلاج عن طريق الجن، وأن هذا باب شرٍ يجب سده.

الحديث الشريف وعلومه

الحديث الشريف وعلومه

درجة حديث (بارك الله لأمتي في بكورها)

درجة حديث (بارك الله لأمتي في بكورها) يقول السائل: ما درجة حديث (بارك الله لأمتي في بكورها)، أفيدونا؟ الجواب: قال الإمام الترمذي: [باب ما جاء في التبكير بالتجارة] ثم روى بإسناده عن صخر الغامدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم بارك لأمتي في بكورها)، قال وكان إذا بعث - أي النبي صلى الله عليه وسلم - سريةً - أي طائفة من الجيش - أو جيشاً بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلاً تاجراً وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار فأثرى وكثر ماله، قال الإمام الترمذي: وفى الباب عن علي وابن مسعود وبريدة وأنس وابن عمر وابن عباس وجابر. قال أبو عيسى -أي الإمام الترمذي- حديث صخر الغامدى حديث حسن. ولا نعرف لصخر الغامدي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث. سنن الترمذي 3/ 517. وهذا الحديث رواه أيضاً أبو داود في كتاب الجهاد (بابٌ في الابتكار في السَّفر)، ورواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهم، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وقد اعتنى بعض الحفاظ بجمع طرقه، فبلغ عدد ما جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفساً]. فتح الباري 6/ 138. وقد صححه العلامة الألباني في صحيح أبي داود وفي صحيح الترغيب والترهيب وفي صحيح الجامع الصغير. والبكور المقصود في الحديث هو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. وقال المباركفوري: [(فأثرى) أي صار ذا ثروة بسبب مراعاة السنة. وإجابة هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم] تحفة الأحوذي 4/ 338. وقد ذكر صاحب اللمع في أسباب ورود الحديث أن سبب ورود هذا الحديث ما رواه أنس قال: (خرجت

مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من شهور رمضان فمر بنيران في بيوت الأنصار فقال: يا أنس ما هذه النيران؟ قلت: يا رسول الله إن الأنصار يتسحرون فقال: اللهم بارك لأمتي في بكورها) أخرجه الخطيب وابن النجار في تاريخ بغداد. إذا تقرر أن هذا الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الحديث يدل على استحباب البكور، قال الإمام الشوكاني: [وحديث صخر المذكور فيه مشروعية التبكير من غير تقييد بيوم مخصوص سواء كان ذلك في سفر جهاد أو حج أو تجارة أو في الخروج إلى عمل من الأعمال ولو في الحضر] نيل الأوطار 7/ 274. ومن أول ما يفعله المسلم في بكوره صلاة الفجر، فقد قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} سورة الإسراء الآية 78. قال الشيخ ابن كثير: [{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} قال الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعود وعن أبي صالح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} قال: [تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار]. وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر). ويقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} قال: (تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار). ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، ثلاثتهم عن عبيد بن أسباط بن محمد، عن أبيه، به وقال الترمذي: حسن صحيح. وفي لفظ في الصحيحين، من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة الليل وملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم - وهو أعلم بكم - كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون) وقال عبد الله بن مسعود: يجتمع الحَرَسان في صلاة الفجر، فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء. وكذا قال إبراهيم النخعي، ومجاهد، وقتادة، وغير واحد في تفسير هذه الآية] تفسير ابن كثير 4/ 167 - 168. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى البَرْدَين دخل الجنة) رواه البخاري ومسلم، والبردان هما الصبح والعصر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله) رواه الترمذي، وقال العلامة الألباني حديث صحيح، كما في صحيح سنن الترمذي 1/ 71. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين،

كانت له أجر حجة وعمرة: تامة، تامة، تامة) رواه الترمذي، وقال العلامة الألباني حديث حسن، كما في صحيح سنن الترمذي 1/ 182. لذا فعلى المسلم أن يحافظ على صلاة الفجر في جماعة، فإن لم يفعل فلا أقل من أن يصليها في وقتها قبل طلوع الشمس، ومن المؤسف أن كثيراً من المصلين لا يصلون الفجر إلا بعد طلوع الشمس وارتفاعها، لأن كثيراً من الناس اليوم يسهرون إلى ساعة متأخرة من الليل ثم ينامون فلا يستيقظون إلا عند ذهابهم إلى أعمالهم، وقد كره جماعة من أهل العلم النوم بعد صلاة الفجر، فعن عروة بن الزبير أنه قال: (كان الزبير ينهى بنيه عن التصبح) - وهو النّوم في الصّباح - رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح في المصنف 5/ 222. وقال الشيخ السفاريني: [مطلب في كراهة النوم بعد الفجر والعصر: يكره نومك أيها المكلف بعد صلاة الفجر لأنها ساعة تقسم فيها الأرزاق فلا ينبغي النوم فيها، فإن ابن عباس رضي الله عنهما رأى ابناً له نائما نومة الصبحة فقال له: قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق. وعن بعض التابعين أن الأرض تعج من نوم العالم بعد صلاة الفجر، وذلك لأنه وقت طلب الرزق والسعي فيه شرعاً وعرفاً عند العقلاء] غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب ص 355. وأولى الناس بالبكور طلبة العلم، لأن من أفضل أوقات المذاكرة ما كان بعد صلاة الفجر، وقد روي في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغدوا في طلب العلم فإني سألت ربي أن يبارك لأمتي في بكورها) رواه الطبراني وقوله (اغدوا) أي اذهبوا وقت الغداة وهي أول النهار، وكذلك فإن طالب العلم يجب أن يكون أولى الناس محافظة على الوقت

اقتداءً بسلف هذه الأمة الذين كانوا أحرص ما يكونون على أوقاتهم، لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها. يقول الحسن البصري: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم! ومن هنا كان حرصهم البالغ على عمارة أوقاتهم بالعمل الدائب والحذر أن يضيع شيء منه في غير جدوى، يقول عمر بن عبد العزيز: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما! وكانوا يقولون: من علامة المقت إضاعة الوقت. ويقولون: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك. وكانوا يحاولون دائماً الترقي من حال إلى حال أحسن منها، بحيث يكون يوم أحدهم أفضل من أمسه وغده أفضل من يومه ويقول في هذا قائلهم: من كان يومه كأمسه فهو مغبون ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون! وكانوا يحرصون كل الحرص على ألا يمر يوم أو بعض يوم أو برهة من الزمان وإن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع إلى الغير حتى لا تتسرب الأعمار سدى وتضيع هباء وتذهب جفاء وهم لا يشعرون. وكانوا يعتبرون من كفران النعمة ومن العقوق للزمن: أن يمضي يوم لا يستفيدون منه لأنفسهم ولا للحياة من حولهم نمواً في المعرفة ونموا في الإيمان ونمواً في عمل الصالحات. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي! وقال آخر: كل يوم يمر بي لا أزداد فيه علماً يقربني من الله عز وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم] الوقت في حياة المسلم ص12 - 13. وخلاصة الأمر أن حديث (بارك الله لأمتي في بكورها)، حديث صحيح ويرشدنا هذا الحديث إلى المحافظة على أوقاتنا وخاصة وقت الفجر. - - -

درجة أحاديث العقل

درجة أحاديث العقل يقول السائل: إنه سمع على قناة الجزيرة في برنامج الشريعة والحياة شيخاً ذكر الحديث التالي (لما خلق الله العقل قال له: قم، فقام، ثم قال له: أدبر، فأدبر، ثم قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: اقعد، فقعد، فقال: ما خلقت خلقاً هو خير منك، ولا أفضل منك، ولا أحسن منك، ولا أكرم منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أعرف، لك الثواب، وعليك العقاب) وقال إنه حديث صحيح، فهل هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أفيدونا؟ الجواب: هذا الحديث مشهور عند أهل العلم بحديث العقل، وقد تكلم علماء الحديث على هذا الحديث وعلى غيره من الأحاديث الواردة في العقل وفضله، وقرروا أنها أحاديث باطلة موضوعة مكذوبة لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر ابن الجوزي في كتابه الموضوعات هذا الحديث وقال: [هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] ثم نقل عن الإمام أحمد قوله في هذا الحديث: [هذا الحديث موضوع ليس له أصل] الموضوعات 1/ 171. وقال ابن الجوزي أيضاً: [رويت في العقول أحاديث كثيرة ليس فيها شيء يثبت] الموضوعات 1/ 171. وذكر السيوطي عدة روايات لهذا الحديث وبين اتفاق العلماء على أنها موضوعة، اللآليء المصنوعة 1/ 129. وقال العلامة ابن القيم: [أحاديث العقل كلها كذب كقوله (لما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال ما خلقت خلقاً أكرم عليَّ منك، بك آخذ، وبك أعطي)، وحديث (لكل شيء معدن ومعدن التقوى قلوب العاقلين)، وحديث (إن الرجل ليكون من أهل الصلاة والجهاد وما يجزى إلا على قدر عقله)، قال الخطيب حدثنا الصوري: قال سمعت الحافظ عبد الغني

بن سعيد يقول: قال الدارقطني: إن كتاب العقل وضعة أربعة أولهم ميسرة بن عبد ربه ثم سرقه منه داود بن المحبر فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة وسرقه عبد العزيز بن أبي رجاء فركبه بأسانيد أخر ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي فأتى بأسانيد أخر، وقال أبو الفتح الأزدي لا يصح في العقل حديث قاله أبو جعفر العقيلي وأبو حاتم بن حبان والله أعلم] المنار المنيف ص 66. وقال الحافظ شمس الدين السخاوي: [حديث (إن الله لما خلق العقل قال له: أقبل، فأقبل ثم قال له أدبر، فأدبر، فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أشرف منك، فبك آخذ، وبك أعطي) قال ابن تيمية وتبعه غيره: إنه كذب موضوع باتفاق ... ثم ذكر رواية أخرى للحديث ثم قال: وأخرجه داود بن المحبر في كتاب العقل له حدثنا صالح المري عن الحسن به بزيادة «ولا أكرم علي منك، لأني بك أعرف، وبك أعبد» والباقي مثله، وفي الكتاب المشار إليه لداود من هذا النمط أشياء منها: أول ما خلق الله العقل، وذكره. وابن المحبر كذاب] المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ص 118. وقد تكلم العلامة الألباني على أحاديث العقل تحت أول حديث ذكره في سلسلة الأحاديث الضعيفة فقال: [الدين هو العقل، ومن لا دين له لا عقل له)، باطل. أخرجه النسائي في "الكنى" وعنه الدولابي في "الكنى والأسماء" (2/ 104) عن أبي مالك بشر بن غالب بن بشر بن غالب عن الزهري عن مجمع بن جارية عن عمه مرفوعاً دون الجملة الأولى " الدين هو العقل " وقال النسائي: هذا حديث باطل منكر. قلت -أي الألباني-: وآفته بشر هذا فإنه مجهول كما قال الأزدي، وأقره الذهبي في "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" والعسقلاني في "لسان

الميزان". وقد أخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن داود بن المحبر بضعاً وثلاثين حديثاً في فضل العقل، قال الحافظ ابن حجر: كلها موضوعة، ومنها هذا الحديث كما ذكره السيوطي في "ذيل اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (ص 4 - 10) ونقله عنه العلامة محمد طاهر الفتني الهندي في "تذكرة الموضوعات" (ص 29 - 30). وداود بن المحبر قال الذهبي: صاحب "العقل" وليته لم يصنفه، قال أحمد: كان لا يدري ما الحديث، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث غير ثقة، وقال الدارقطني: متروك، وروى عبد الغنى بن سعيد عنه قال: كتاب "العقل" وضعه ميسرة بن عبد ربه ثم سرقه منه داود بن المحبر فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة، وسرقه عبد العزيز بن أبي رجاء، ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي. ومما يحسن التنبيه عليه أن كل ما ورد في فضل العقل من الأحاديث لا يصح منها شيء، وهي تدور بين الضعف والوضع، وقد تتبعت ما أورده منها أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه "العقل وفضله" فوجدتها كما ذكرت لا يصح منها شيء، فالعجب من مصححه - أي مصحح كتاب "العقل وفضله" وهو - الشيخ محمد زاهد الكوثري كيف سكت عنها?! بل أشار في ترجمته للمؤلف (ص4) إلى خلاف ما يقتضيه التحقيق العلمي عفا الله عنا وعنه. وقد قال العلامة ابن القيم في "المنار" (ص25):أحاديث العقل كلها كذب] سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 13. إذا تقرر بطلان الأحاديث الواردة في فضل العقل، فلا بد أن يعلم أن دين الإسلام قد حث على التفكير والنظر وورد في ذلك آيات كثيرة منها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} سورة الروم الآية 24.

وقال تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} سورة البقرة الآية 242. وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} سورة العنكبوت الآية 43. وقال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} سورة الملك الآية 10. وقال تعالى: {انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} سورة الأنعام الآية 65. وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} سورة الأنعام الآية 50. وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} سورة محمّد الآية 24. وغير ذلك من الآيات. والعقل من نعم الله عز وجل على الإنسان التي ميزه بها على غيره من المخلوقات، وعقل الإنسان له حدود لا يصح أن يتجاوزها، قال أبو القاسم الأصبهاني: [العقل نوعان: عقلٌ أُعين بالتوفيق، وعقلٌ كِيدَ بالخذلان، فالذي أعين بالتوفيق يدعو صاحبه إلى موافقة الأمر المفترض بالطاعة، والانقياد لحكمه، والتسليم به، والعقل الذي كيد يطلب بِتَعَمُّقِه الوصول إلى علم ما استأثر الله بعلمه وحجب أسرار الخلق عن فهمه، حكمةً منه بالغة] وينبغي أن يعلم أن تقديس العقل وإنزاله في غير منزلته الصحيحة أمر مرفوض شرعاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والداعون إلى تمجيد العقل إنما هم في الحقيقة يدعون إلى تمجيد صنم سموه عقلاً، وما كان العقل وحده كافياً في الهداية والإرشاد، وإلا لما أرسل الله الرسل] موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول 1/ 21. كما ينبغي التنبيه على أن شريعة الإسلام لا تعارض العقل السليم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا

يعارضه معقول صريح قط، فالعقلاء متفقون على أن العقل الصريح لا يخالف نقلاً صحيحاً] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/ 338. وقال العلامة ابن القيم: [كيف ينقدح في ذهن المؤمن أن في نصوص الوحي المنزلة من عند الله عز وجل ما يخالف العقول السليمة؟! بل كيف ينفك العقل الصريح عن ملازمة النص الصحيح؟! بل هما أخوان لا يفترقان، وصل الله بينهما في كتابه، وإذا تعارض النقل وهذه العقول أخذنا بالنقل الصحيح، ورُمي بهذه العقول تحت الأقدام، وحُطَّت حيث حطها الله وأصحابها، فكيف يُظن أن شريعة الله الكاملة، ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو معقول خارج عنها، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعد محمد صلى الله عليه وسلم] الصواعق المرسلة 2/ 458 - 459. وقال الإمام الشاطبي: [العقل لا يُجعل حاكماً بإطلاق، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع، بل الواجب أن يقدم ما حقه التقديم -وهو الشرع- ويؤخر ما حقه التأخير -وهو نظر العقل- لأنه لا يصح تقديم الناقص حاكماً على الكامل؛ لأنه خلاف المعقول والمنقول] الاعتصام 2/ 326. وبناءً على ما سبق فإن العقل لا مدخل له في أمور العقيدة والغيبيات وكذا الأحكام التعبدية كصلاة المغرب ثلاثاً والعشاء أربعاً ونحو ذلك، قال العلامة ابن خلدون: [العقل ميزان صحيح، فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزن به التوحيد والآخرة وحقائق النبوة، وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال] مقدمة ابن خلدون ص364. وقال أبو المظفر السمعاني: [واعلم: أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الإتباع والمأثور تبعاً للمعقول،

وأما أهل السنة، قالوا: الأصل في الدين الإتباع، والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء، ولو كان الدين بني على المعقول لجاز للمؤمنين أن لا يقبلوا شيئاً حتى يعقلوا] الحجة في بيان المحجة 1/ 320. وانظر للتوسع: التيار العقلي لدى المعتزلة وأثره في حياة المسلمين المعاصرة للدكتور. سهل بن رفاع العتيبي، والاتجاهات العقلانية الحديثة، للدكتور ناصر العقل، وموقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، للأمين الصادق الأمين. وخلاصة الأمر أن أحاديث العقل مكذوبة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. - - -

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) يقول السائل: ما معنى ما ورد في الحديث (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، أفيدونا؟ الجواب: هذا جزء من حديث قدسي ونصه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخب -الخصام والصياح-، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمدٍ بيده لخلوف فم الصائم - الرائحة - أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه البخاري ومسلم واللفظ له. وقد ذكر شرَّاحُ الحديث وجوهاً عديدة في معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: (إلا الصوم فإنه لي) فمن ذلك ما أورده الحافظ ابن حجر العسقلاني فقال: [وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: (الصيام لي وأنا أجزي به) مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوال: أحدها أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، حكاه المازري ونقله عياض عن أبي عبيد، ولفظ أبي عبيد في غريبه: قد علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب. ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس في الصيام رياء) حدثنيه شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره يعني مرسلاً قال: وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات، إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس، وهذا

وجه الحديث عندي، انتهى. وقد روى الحديث المذكور البيهقي في " الشعب " من طريق عقيل، وأورده من وجه آخر عن الزهري موصولاً عن أبي سلمة عن أبي هريرة وإسناده ضعيف ولفظه (الصيام لا رياء فيه، قال الله عز وجل: هو لي وأنا أجزي به) وهذا لو صح لكان قاطعاً للنزاع. وقال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه، ولهذا قال في الحديث (يدع شهوته من أجلي) وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلَّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ، بخلاف الصوم. وارتضى هذا الجواب المازري وقرره القرطبي بأن أعمال بني آدم لما كانت يمكن دخول الرياء فيها أضيفت إليهم، بخلاف الصوم فإن حال الممسك شبعاً مثل حال الممسك تقرباً يعني في الصورة الظاهرة ... ثانيها: أن المراد بقوله (وأنا أجزي به) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس. قال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعني رواية الموطأ، وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال: (كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله - قال الله - إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) أي أجازي عليه جزاءً كثيراً من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} انتهى. والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال ... ثالثها: معنى قوله: (الصوم لي) أي أنه أحب العبادات إليَّ والمقدم عندي ... رابعها: الإضافة إضافة تشريف وتعظيم كما يقال بيت الله وإن كانت البيوت كلها لله ... ] فتح الباري 4/ 140 - 142.

ثم ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني بقية الأجوبة العشرة، وذكر أن أقرب الأجوبة إلى الصواب الأول والثاني. ولعل أصحها هو القول الأول، ولا بد أن يعلم أن المراد بالصيام هنا هو الصيام الذي سلم من المعاصي قولاً وفعلاً كما نقل الشيخ العيني اتفاق العلماء على ذلك. انظر عمدة القاري 8/ 14. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وقوله: (الصيام لي وأنا أجزي به) معناه والله أعلم أن الصوم لا يظهر من بن آدم في قول ولا عمل وإنما هو نية ينطوي عليها لا يعلمها إلا الله وليست مما يظهر فيكتبها الحفظة كما تكتب الذكر والصلاة والصدقة وسائر أعمال الظاهر، لأن الصوم في الشريعة ليس هو بالإمساك عن الطعام والشراب دون استشعار النية واعتقاد النية بأن تركه الطعام والشراب والجماع ابتغاء ثواب الله ورغبته فيما ندب إليه تزلفاً وقربةً منه كل ذلك منه إيماناً واحتساباً لا يريد به غير الله - عز وجل - ومن لم ينو بصومه أنه لله عز وجل فليس بصيام، فلهذا قلنا إنه لا تطلع عليه الحفظة لأن التارك للأكل والشرب ليس بصائم في الشرع إلا أن ينوي بفعله ذلك التقرب إلى الله تعالى بما أمره به ورضيه من تركه طعامه وشرابه له وحده لا شريك له لا لأحد سواه فمعنى قوله الصوم لي والله أعلم وكل ما أريد به وجه الله فهو له ولكنه ظاهر والصوم ليس بظاهر] الاستذكار 10/ 249. ويؤيد ما تقدم ما ورد في الأحاديث من ترتيب الأجر العظيم على كون الصيام إيماناً واحتساباً وكذلك قيام رمضان عامة وليلة القدر خاصة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [معنى إيماناً: تصديقاً بأنه حق معتقد فضيلته، ومعنى احتساباً، أنه يريد الله تعالى لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 378. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [المراد بالإيمان: الاعتقاد بحق فرضية صومه، وبالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى] فتح الباري 4/ 149. وقال المباركفوري: [قوله: (من صام رمضان وقامه إيماناً) أي تصديقاً بأنه فرض عليه حق وأنه من أركان الإسلام ومما وعد الله عليه من الثواب والأجر قاله السيوطي. وقال الطيبي: نصب على أنه مفعول له أي للإيمان وهو التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والاعتقاد بفرضية الصوم، (واحتساباً) أي طلباً للثواب منه تعالى، أو إخلاصاً، أي باعثه على الصوم ما ذكر لا الخوف من الناس ولا الاستحياء منهم ولا قصد السمعة والرياء عنهم] تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 2/ 293. إذا تقرر هذا فإن الصيام يجب أن يكون خالصاً لله تعالى لا تشوبه شائبة، وخاصة أن الصيام عبادة خفية لا يطلع عليها الناس، وهذا الحكم ينسحب على بقية أعمال المسلم ولكنه في الصيام أظهر وأوضح، وقد ورد في بعض النصوص النبوية الإشارة إلى الإيمان والاحتساب كما ورد في الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال: (من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها، ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط) رواه البخاري. وروى البيهقي بإسناده عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقالت: (حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء فجعله رحمة للمؤمنين فليس عبد يقع الطاعون فيقيم ببلده إيماناً واحتساباً يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد) أخرجه البخاري من حديث داود بن أبي الفرات كما قال البيهقي في السنن الكبرى 3/ 376. وخلاصة الأمر أن معنى كون الصوم لله وأنه يجزي به أن الصوم أبعد الأعمال عن الرياء لأنه أمر خفي لا يطلع عليه إلا الله عز وجل. ولا بد للمسلم من أن يخلص عمله كله لله تعالى لأننا قد أمرنا بإخلاص الأعمال كلها لله تعالى كما قال جل جلاله (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) رواه البخاري وغيره.

معنى الاعتداء في الدعاء

معنى الاعتداء في الدعاء يقول السائل: ما معنى الاعتداء في الدعاء، أفيدونا؟ الجواب: الدعاء عبادة عظيمة وحقيقته مناداة الله تعالى لما يريد الداعي من جلب منفعة أو دفع مضرة من المضار أو رفع البلاء بالدعاء، فهو سبب لذلك واستجلاب لرحمة المولى عز وجل وقد جاءت النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مبينة فضله وحاثة عليه ومن ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (سورة غافر الآية 60. وقال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (سورة الأعراف الآيتان 55 - 56. وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (سورة البقرة الآية 186. وجاء في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 138. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) رواه الترمذي وابن ماجة وقال العلامة الألباني حسن. انظر صحيح سنن الترمذي 3/ 138. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه

من السوء مثلها ما لم يدع بمأثمٍ أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: الله أكثر) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ووافقه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 181. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) رواه ابن حبان وأبو يعلى وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 1519. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي والحاكم وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 6290. إذا تقرر هذا فإن للدعاء أحكاماً وآداباً قد فصلها العلماء في كتبهم ومنها ما ذكره الإمام النووي في كتابه الأذكار ص 340 - 342. وأما مسألة الاعتداء في الدعاء فد وردت الإشارة إليها في الكتاب والسنة، أما الكتاب ففي قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (قال الإمام القرطبي: [يريد في الدعاء، وإن كان اللفظ عاماً]. تفسير القرطبي 7/ 226. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وقوله تعالى: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (عقيب قوله: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (دليل على أنّ من لم يدعه تضرعاً وخفيةً فهو من المعتدين الذين لا يحبهم] مجموع الفتاوى 15/ 24. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [وعلى هذا فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من

المعونة على المحرمات وتارة يسأل ما لا يفعله الله مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب ويسأله بأن يطلعه على غيبه أو أن يجعله من المعصومين أو يهب له ولدا من غير زوجة ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله وفسر الاعتداء برفع الصوت أيضاً في الدعاء وبعد فالآية أعم من ذلك كله وإن كان الاعتداء بالدعاء مراداً] مجموع الفتاوى 15/ 22. وورد في الحديث (أن سعداً رضي الله عنه سمع ابناً له يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحواً من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها فقال لقد سألت الله خيراً كثيراً، وتعوذت بالله من شرٍ كثير، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء، بحسبك أن تقول: اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود حديث رقم 1313. وورد في الحديث أن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال أي بني سل الله الجنة وعُذ به من النار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون قوم يعتدون في الدعاء). رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 3116. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [والاعتداء في الدعاء يقع بزيادة الرفع فوق الحاجة - أي في الصوت - أو بطلب ما يستحيل حصوله شرعاً أو بطلب

معصية أو يدعو بما لم يؤثر خصوصاً ما وردت كراهته كالسجع المتكلف وترك المأمور] فتح الباري 8/ 378. وقال الإمام القرطبي: [والاعتداء في الدعاء على وجوه؛ منها الجهر الكثير والصياح، ومنها أن يدعو طالباً معصية وغير ذلك، ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة، فيتخير ألفاظاً مقفرة وكلمات مسجعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معول عليها، فيجعلها شعاره، ويترك ما دعا به رسوله وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء] تفسير القرطبي 7/ 226. وقد نص أهل العلم على أن من الاعتداء في الدعاء أن يبالغ في تشقيق العبارات في الدعاء مثل من يقول (اللهم ارحمنا إذا ثقل منا اللسان، وارتخت منا اليدان، وبردت منا القدمان، ودنا منا الأهل والأصحاب، وشخصت منا الأبصار، وغسلنا المغسلون، وكفننا المكفنون، وصلى علينا المصلون، وحملونا على الأعناق، وارحمنا إذا وضعونا في القبور، وأهالوا علينا التراب، وسمعنا منهم وقع الأقدام، وصرنا في بطون اللحود، ومراتع الدود) ونحو ذلك من العبارات. وكذلك فإن من الاعتداء في الدعاء السجع المتكلف قال الإمام البخاري: باب ما يكره من السجع في الدعاء، ثم ذكر أثر ابن عباس رضي الله عنه وفيه ( ... وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب) انظر فتح الباري 11/ 166. ومن الاعتداء في الدعاء أن يدعو على غيره ظلماً وعدواناً فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثمٍ أو قطيعة رحم) رواه البخاري ومسلم. وكذا إذا دعا الإنسان على نفسه فإن ذلك من الاعتداء في الدعاء فقد قال الرسول صلى الله

عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم، فتُوَافِقُوا ساعة فيستجيب الله لكم) رواه مسلم، وورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد خفت -أي ضعف- فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه) قال: نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله لا تطيقه -أو لا تستطيعه- أفلا قلت اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قال فدعا الله له فشفاه) رواه مسلم. ومن الاعتداء في الدعاء المبالغة في رفع الصوت فعن أبى موسى الشعري رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفاً، ولا نعلو شرفاً، ولا نهبط في وادٍ، إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير، قال: فدنا منا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَ ولا غائباً إنما تدعون سميعاً بصيراً) رواه البخاري ومسلم. ومعنى قوله (اربعوا) أي ارفقوا. وبالإضافة إلى رفع الصوت فإن تمطيط الكلمات وتقعيرها يعتبر من الاعتداء في الدعاء، قال الفقيه الحنفي الكمال بن الهمام: [ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والاشتغال بتحريرات النغم إظهاراً للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية، فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد، وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به فكأنه قال اعجبوا من حسن صوتي وتحريري، ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع لعب، فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض

والرفع والتطريب والترجيع كالتغني، نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان] نقله المناوي في فيض القدير 1/ 296. وخلاصة الأمر أن صور الاعتداء في الدعاء كثيرة كالسجع والصياح وتشقيق الكلام والدعاء بمحال وغيرها وأن خير الدعاء هو الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام الغزالي: [والأولى ألا يتجاوز الداعي الدعوات المأثورة، فإنه قد يتعدى في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته] إحياء علوم الدين 1/ 341.

الصلاة

الصلاة

ضابط التخفيف في الصلاة

ضابط التخفيف في الصلاة يقول السائل: اختلف المصلون في مسجدنا عندما أطال الإمام القراءة في صلاة الفجر، فطالبه بعضهم بالتخفيف، فهل لكم أن توضحوا لنا ضابط التخفيف في الصلاة، أفيدونا؟ الجواب: قرر أهل العلم أن السنة في حق الإمام أن يخفف في الصلاة اعتماداً على حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم، قال الإمام الترمذي: [وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وهو قول أكثر أهل العلم اختاروا أن لا يطيل الإمام الصلاة مخافة المشقة على الضعيف والكبير والمريض] سنن الترمذي 1/ 462. وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على التخفيف منها: عن أبي مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأتخلف عن صلاة الصبح مما يطول بنا فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن منكم منفرين فأيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الكبير والسقيم وذا الحاجة) رواه البخاري ومسلم. وعن جابر رضي الله عنه قال: أقبل رجل بناضحين له -الناضح الجمل الذي يسقى عليه- وقد جنح الليل فوافق معاذ بن جبل يصلى المغرب، فترك ناضحيه وأقبل إلى معاذ ليصلي معه، فقرأ معاذ البقرة، أو النساء فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذاً نال منه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفاتن أنت، أو قال أفتان أنت ثلاث مرار. فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى فإنه يصلى

وراءك الكبير، وذو الحاجة والضعيف) رواه البخاري. وقصة معاذ رواها أحمد في المسند وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم، وهي: (كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع فيصلي بأصحابه، فرجع ذات ليلة فصلى بهم وصلى خلفه فتىً من قومه، فلما طال على الفتى صلى وخرج، فأخذ بخطام بعيره وانطلق. فلما صلى معاذ ذكر ذلك له فقال: إن هذا به لنفاق. لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي صنع. وقال الفتى: وأنا لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي صنع، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى. فقال الفتى: يا رسول الله يطيل المكث عندك، ثم يرجع فيطول علينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفتان أنت يا معاذ. وقال للفتى: كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت؟ قال: أقرأ بفاتحة الكتاب، وأسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، وإني لا أدرى ما دندنتك ودندنة معاذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني ومعاذ حول هاتين أو نحو ذا. قال: قال الفتى: ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم وقد خبروا أن العدو قد دنوا. قال: فقدموا فاستشهد الفتى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لمعاذ: ما فعل خصمي وخصمك. قال: يا رسول الله صدق الله، وكذبت استشهد) وغير ذلك من الأحاديث. وينبغي أن يعلم أن المرجع في ضابط التخفيف في الصلاة هو السنة النبوية، وليس الأمر متروكاً لرغبات المأمومين، ولا لأهوائهم، ولا لأفعال أئمة المساجد، فإن الرغبات والأهواء لا تنتهي، فقد سمعنا أن بعض أئمة المساجد يحافظ على قراءة سورتي القارعة والزلزلة في صلاة الفجر، وبعضهم صلى التروايح في رمضان كله يقرأ سورة البروج كل ليلة يقسمها على ركعاتها. وبعضهم يصلي العشاء

والتروايح في ربع ساعة، لذا كثر المصلون خلفه، وبعضهم لا يقرأ في صلاة المغرب إلا بقصار السور، وبعض المأمومين يطلب من إمام التروايح أن يخفف ليدرك حضور المسلسل التلفزيوني!! وحجة هؤلاء جميعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف)، وما درى هؤلاء أن التخفيف قضية نسبية كما قرر ذلك العلماء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ ... ومن المعلوم أن مقدار الصلاة واجبها ومستحبها لا يرجع فيه إلى غير السنة، فإن هذا من العلم الذي لم يكله الله ورسوله إلى آراء العباد إذ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى بالمسلمين في كل يوم خمس صلوات وكذلك خلفاؤه الراشدون الذين أمرنا بالإقتداء بهم، فيجب البحث عما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي أن يوضع فيه حكم بالرأي وإنما يكون اجتهاد الرأي فيما لم تمض به سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يجوز أن يعمد إلى شيء مضت به سنة فيرد بالرأي والقياس. ومما يبين هذا أن التخفيف أمر نسبي إضافي ليس له حدٌّ في اللغة ولا في العرف، إذ قد يستطيل هؤلاء ما يستخفه هؤلاء ويستخف هؤلاء ما يستطيله هؤلاء، فهو أمر يختلف باختلاف عادات الناس ومقادير العبادات ولا في كل من العبادات التي ليست شرعية. فعُلِمَ أن الواجب على المسلم أن يرجع في مقدار التخفيف والتطويل إلى السنة، وبهذا يتبين أن أمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف لا يُنافى أمره بالتطويل أيضاً في حديث عمار الذي في الصحيح لما قال: (إن طول صلاة الرجل وقِصَرَ خُطبته مَئِنَّةٌ مِنْ فقهه، فأطيلوا الصلاة واقُصُرُوا الخطبة). وهناك أمرهم بالتخفيف ولا منافاة بينهما، فإن الإطالة هنا بالنسبة إلى الخطبة والتخفيف هناك بالنسبة إلى ما فعل بعض الأئمة في زمانه من قراءة البقرة في العشاء الآخرة] مجموع الفتاوى 22/ 596 - 597.

وقال الشيخ ابن القيم: [وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أيكم أمّ الناس فليخفف) وقول أنس رضي الله عنه: (كان رسول الله أخف الناس صلاة في تمام)، فالتخفيف أمْرٌ نسبي يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين، فإنه لم يكن يأمرهم بأمرٍ ثم يخالفه، وقد عَلِمَ أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة، فالذي فَعَلَه هو التخفيف الذي أَمَرَ به، فإنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعاف مضاعفة، فهي خفيفة بالنسبة إلى أطول منها، وهَدْيه الذي كان واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بـ (الصافات) فالقرءاة بـ (الصافات) من التخفيف الذي كان يأمر به والله أعلم] زاد المعاد 1/ 213 - 214. وختاماً أذكر ما ذكره العلامة ابن القيم في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات فقال: [وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية وصلاها بسورة (ق) وصلاها بـ (الروم) وصلاها بـ (إذا الشمس كورت) وصلاها بـ (إذا زلزلت) في الركعتين كليهما وصلاها بـ (المعوذتين) وكان في السفر وصلاها فافتتح بـ (سورة المؤمنين) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى أخذته سعلة فركع، وكان يصليها يوم الجمعة بـ (ألم تنزيل السجدة) وسورة (هل أتى على الإنسان) كاملتين، ولم يفعل ما يفعله كثير من الناس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين وقراءة السجدة وحدها في الركعتين وهو خلاف السنة. وأما الظهر فكان يطيل قراءتها أحيانا حتى قال أبو سعيد: [كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم

يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها] رواه مسلم، وكان يقرأ فيها تارة بقدر (ألم تنزيل) وتارة بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) وتارة بـ (السماء ذات البروج) و (السماء والطارق). وأما العصر فعلى النصف من قراءة صلاة الظهر إذا طالت وبقدرها إذا قصرت. وأما المغرب فكان هديه فيها خلاف عمل الناس اليوم فإنه صلاها مرة بـ (الأعراف) فرقها في الركعتين ومرة بـ (الطور) ومرة بـ (المرسلات). قال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بـ (المص) وأنه قرأ فيها بـ (الصافات) وأنه قرأ فيها بـ (حم الدخان) وأنه قرأ فيها بـ (سبح اسم ربك الأعلى) وأنه قرأ فيها بـ (التين والزيتون) وأنه قرأ فيها بـ (المعوذتين) وأنه قرأ فيها بـ (المرسلات) وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل، قال: وهي كلها آثار صحاح مشهورة انتهى. وأما المداومة فيها على قراءة قصار المفصل دائماً فهو فعل مروان بن الحكم ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت وقال: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل؟ وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولى الطوليين قال: قلت: وما طولى الطوليين؟ قال: (الأعراف). وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن. وذكر النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة (الأعراف) فرقها في الركعتين فالمحافظة فيها على الآية القصيرة والسورة من قصار المفصل خلاف السنة، وهو فعل مروان بن الحكم. وأما العشاء الآخرة فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بـ (التين والزيتون) ووقت لمعاذ فيها بـ (الشمس وضحاها) و (سبح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) ونحوها وأنكر عليه قراءته فيها بـ (البقرة) ... وأما الجمعة فكان يقرأ فيها بسورتي (الجمعة) و

حكم الدعاء بالأمور الدنيوية في الصلاة المفروضة

(المنافقين) كاملتين و (سورة سبح) و (الغاشية). وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} إلى آخرها فلم يفعله قط وهو مخالف لهديه الذي كان يحافظ عليه. وأما قراءته في الأعياد فتارة كان يقرأ سورتي (ق) و (اقتربت) كاملتين، وتارة سورتي (سبح) و (الغاشية) وهذا هو الهدي الذي استمر صلى الله عليه وسلم عليه إلى أن لقي الله عز وجل لم ينسخه شيء] زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 209 - 212. وخلاصة الأمر أن التخفيف في الصلاة أمر نسبي ومرجعه إلى هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالخير كل الخير في اتباعه صلى الله عليه وسلم. - - - حكم الدعاء بالأمور الدنيوية في الصلاة المفروضة يقول السائل: سمعت أحد المشايخ يقول إنه لا يجوز الدعاء بالأمور الدنيوية في الصلاة المفروضة، فهل هذا الحكم صحيح، أفيدونا؟ الجواب: لا شك أن الدعاء عبادة عظيمة بل ورد في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة) رواه أصحاب السنن الأربعة، وقال الإمام الترمذي حديث حسن صحيح، وصححه الإمام النووي في الأذكار ص333. قال الإمام ابن العربي المالكي: [وجه تسمية الدعاء عبادة بيِّن، لأن فيه الإقرار بالعجز من العبد والقدرة لله وذلك غاية الذل والخضوع] عارضة الأحوذي 12/ 90. وقد وردت نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحض على الدعاء بشكل عام كما في قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} سورة غافر الآية 60. وكما في قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} سورة الأعراف الآيتان 55 - 56. وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: (ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء) رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 138. وعنه أيضاً أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: (من سرّه أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن الترمذي 3/ 140. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة) ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ

عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} سورة غافر الآية 60، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني في المصدر السابق. وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم يقول: (ما من أحدٍ يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو كف عنه من سوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني المصدر السابق 3/ 140. وغير ذلك من النصوص. ومن أعظم مواطن الدعاء الصلاة - فرضها ونفلها - فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود

فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) رواه مسلم. وقوله (فقمن) قال الإمام النووي: هو بفتح القاف وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع ومن كسر فهو وصف يثنى ويجمع قال: وفيه لغة ثالثة قمين بزيادة الياء وفتح القاف وكسر الميم ومعناه حقيق وجدير. شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 148. وقد ثبت في الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه مسلم. إذا ثبت هذا فإنه يجوز للمصلي أن يدعو في صلاته -الفرض والنافلة- بخيري الدنيا والآخرة على الراجح من أقوال أهل العلم، قال الإمام النووي: [قال الشافعي والأصحاب: وله أن يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، ولكن أمور الآخرة أفضل وله الدعاء بالدعوات المأثورة في هذا الموطن والمأثورة في غيره وله أن يدعو بغير المأثور ومما يريده من أمور الآخرة والدنيا] ثم نقل عن بعض الشافعية تردده في جواز الدعاء بالأمور الدنيوية ثم قال: [والصواب الذي عليه جمهور الأصحاب أنه يجوز كل ذلك ولا تبطل الصلاة بشيء منه ودليله الأحاديث الصحيحة ... منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ونحو ذلك من الأحاديث] المجموع 3/ 470. وقال الإمام النووي أيضاً: [مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا كقوله اللهم ارزقني كسباً طيباً وولداً وداراً ... واللهم خلص فلاناً من السجن وأهلك فلاناً وغير ذلك، ولا يبطل صلاته شيء من ذلك عندنا وبه قال مالك والثوري وأبو ثور واسحق ... واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء) وفي الحديث الآخر (فأكثروا الدعاء) وهما صحيحان ... فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده فتناول

كل ما يسمى دعاءً، ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا في مواضع بأدعية مختلفة فدل على أنه لا حجر فيه، وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد (ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه وأحب إليه وما شاء) وفى رواية مسلم كما سبق في الفرع قبله وفى رواية أبي هريرة (ثم يدعو لنفسه ما بدا له) قال النسائي وإسناده صحيح كما سبق] المجموع 3/ 471. ومما يدل على جواز الدعاء بالأمور الدنيوية في الصلاة مطلقاً أعني فرضاً كانت أم نافلة ما يلي: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعوه) رواه البخاري قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) زاد أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه (فيدعو به) ونحوه النسائي من وجه آخر بلفظ (فليدع به) ولإسحاق عن عيسى عن الأعمش (ثم ليتخير من الدعاء ما أحب) وفي رواية منصور عن أبي وائل عند المصنف في الدعوات (ثم ليتخير من الثناء ما شاء) ونحوه لمسلم بلفظ (من المسألة). واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة، قال ابن بطال: خالف

في ذلك النخعي وطاووس وأبو حنيفة فقالوا: لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن، كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة، والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث، وعبارة بعضهم: ما كان مأثوراً، قال قائلهم: والمأثور أعم من أن يكون مرفوعاً أو غير مرفوع، لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم، وكذا يرد على قول ابن سيرين: لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة، واستثنى بعض الشافعية ما يقبح في أمر الدنيا، فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل، وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقاً لا يجوز] فتح الباري 2/ 415. وجاء في رواية عند مسلم: (ثم يتخير من المسألة ما شاء) قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم يتخير من المسألة ما شاء) فيه استحباب الدعاء في آخر الصلاة قبل السلام، وفيه أنه يجوز الدعاء بما شاء من أمور الآخرة والدنيا ما لم يكن إثماً، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يجوز إلا بالدعوات الواردة في القرآن والسنة] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 89. واختار القول بجواز الدعاء بالأمور الدنيوية جماعة من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين منهم الشيخ ابن قدامة المقدسي حيث قال: [وحكى عنه ابن المنذر -أي عن الإمام أحمد- أنه قال: لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه؛ من حوائج دنياه وآخرته. وهذا هو الصحيح، إن شاء الله تعالى؛ لظواهر الأحاديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم ليتخير من الدعاء)، وقوله: (ثم يدعو لنفسه بما بدا له). وقوله: (ثم ليدع بعد بما شاء) ... ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون في صلاتهم بما لم يتعلموه، فلم ينكر عليهم النبي

صلى الله عليه وسلم ... ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) لم يعين لهم ما يدعون به، فدل على أنه أباح لهم كل الدعاء ... ] المغني 1/ 493 - 494. واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال بعد أن ذكر أقوال العلماء: [وهذا هو الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه) ولم يوقت في دعاء الجنازة شيئاً، ولم يوقت لأصحابه دعاءً معيناً، كما وقت لهم الذكر، فكيف يقيد ما أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم من الدعاء] مجموع الفتاوى 22/ 478. واختار هذا القول أيضاً الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز حيث قال بعد أن ساق الأدلة السابقة: [وهي تدل على شرعية الدعاء في هذه المواضع بما أحبه المسلم من الدعاء سواء كان يتعلق بالآخرة أو يتعلق بمصالحه الدنيوية بشرط ألا يكون في دعائه إثم ولا قطيعة رحم والأفضل أن يكثر من الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم] فتاوى الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز، واختاره أيضاً الشيخ العلامة العثيمين حيث قال جواباً على السؤال التالي: هل يصح أن يدعو بشيء يتعلق بالدنيا؟ فيقول مثلاً: اللهم ارزقني زوجة صالحة، أو داراً واسعة أو ما أشبه ذلك؟ فأجاب: نعم يصح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن مسعود: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) والإنسان مفتقر إلى ربه في حوائج دينه ودنياه. ومن قال من أهل العلم إنه لا يدعو بأمر يتعلق بالدنيا، فقوله ضعيف؛ لأنه يخالف عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء)] فتاوى الشيخ العلامة العثيمين.

حكم تسوية الصفوف في صلاة الجماعة

وخلاصة الأمر أن الدعاء في الصلاة مشروع بل مندوب إليه، ولا فرق بين صلاة الفريضة والنافلة، ويجوز الدعاء بأمور الآخرة والدنيا، ولكن أفضل الدعاء هو الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. - - - حكم تسوية الصفوف في صلاة الجماعة يقول السائل: هنالك تساهل من كثير من المصلين في تسوية الصفوف في صلاة الجماعة وكذلك فإن بعض أئمة المساجد لا يهتمون بذلك، وبعض المصلين يتضايق عندما يحاول أحد المصلين رص الصف، أرجو توضيح مسألة تسوية الصفوف؟ الجواب: قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب إقامة الصف من تمام الصلاة] ثم روى بإسناده عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده. فقولوا ربنا لك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون، وأقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة) ثم روى عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة)، ثم قال الإمام البخاري: [باب إثم من لم يتم الصفوف]، ثم روى عن أنس رضي الله عنه أنه قدم المدينة فقيل له ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف.

وروى الإمام مسلم من حديث أنس رضي الله عنه (فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) وقال الإمام البخاري أيضاً: [باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف، وقال النعمان بن بشير: رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه] قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [والمراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله. وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجاتٍ للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله] فتح الباري 2/ 273. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبر، فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال: عباد الله؛ لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم.) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته يُصَلون على الذين يَصِلون الصفوف، ومن سدَّ فرجةً رفعه الله بها درجة) رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 121. إذا تقرر هذا فإن تسوية الصفوف في صلاة الجماعة من تمام الصلاة أو من إقامة الصلاة، أو من حُسن الصلاة، كما ورد في الأحاديث، وتسوية الصفوف مطلوبة

شرعاً إما على سبيل الندب كما هو مذهب جمهور أهل العلم، وإما على سبيل الوجوب كما هو قول الإمام البخاري وابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد العثيمين، وعلى كلٍ فإن تسوية الصفوف أمر لابد منه، وهو مطلوب من المصلين عامةً، ومن الإمام خاصةً، فلا بد للإمام أن يأمر بتسوية الصفوف، كما هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف] ثم ذكر حديث أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: (أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري).وينبغي أن يعلم أنه يدخل في تسوية الصفوف ما يلي: أولاً: إتمام الصف الأول فالأول، لما ثبت في الحديث عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأُوَل ويتراصون في الصف) رواه مسلم. وعن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث حسن كما قال المنذري والحافظ ابن حجر. وبناءً على ذلك قرر أهل العلم أنه لا يجوز ابتداء صفٍ قبل إتمام الصف الذي قبله. ثانياً: التراص في الصف الواحد، بأن يقف المصلون متراصين، ويكون ذلك بإلزاق المنكب بالمنكب والكعب بالكعب، وسبق ما قاله الإمام البخاري في صحيحه: [باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف، وقال النعمان بن

بشير: رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه] قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله (وقال النعمان بن بشير) هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة ... واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرِجْل -وهو عند ملتقى الساق والقدم- وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافاً لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم ... ] فتح الباري 2/ 273 - 274. وروى الإمام أحمد في المسند أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (حاذوا بين المناكب وسدوا الخلل) وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 743. ومن المؤسف أن بعض المصلين يتركون فرجة بينهم وبين من يقف بجانبهم بحجة عدم التضييق على الآخرين وغيرها من الحجج الواهية، ويتضايقون جداً إذا حاول أحد المصلين التراص في الصف، وينطبق على هؤلاء ما ورد عن بعض السلف: (ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم نفر منك كأنه بغل شموس). ولا شك أن ترك الفرجات في الصف مخالف لما ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله) رواه أبو داود وصححه الحاكم وابن خزيمة. وعن أنس رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (راصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفس محمدٍ بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحَذَف) رواه أبو داود والنسائي. والحَذَف صغار الغنم.

ولابد من التنبيه على أمر هام وهو أن تسوية الصف تكون بمحاذاة الكعبين لا بمساواة الأقدام برؤوس الأصابع، قال الشيخ محمد العثيمين: [الصحيح أنّ المعتمد في تسوية الصف، محاذاة الكعبين بعضهما بعضاً، لا رؤوس الأصابع، وذلك لأنّ البدن مركب على الكعب. والأصابع تختلف الأقدام فيها، فقدم طويل وآخر صغير فلا يمكن ضبط التساوي إلا بالكعبين. وأما إلصاق الكعبين بعضهما ببعض فلا شك أنه وارد عن الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يسوون الصفوف بإلصاق الكعبين بعضهما ببعض، أي: أنّ كل واحد منهم يلصق كعبه بكعب جاره لتحقيق المساواة. وهذا إذا تمت الصفوف وقام الناس، ينبغي لكل واحد أن يلصق كعبه بكعب صاحبه لتحقيق المساواة فقط وليس معنى ذلك أنه يلازم هذا الإلصاق ويبقى ملاصقاً له في جميع الصلاة. ومن الغلو في هذه المسألة ما يفعله بعض الناس: تجده يلصق كعبه بكعب صاحبه ويفتح قدميه فيما بينهما حتى يكون بينه وبين جاره في المناكب فرجة، فيخالف السنة في ذلك. والمقصود أنّ المناكب والأكعب تتساوى] مجموع فتاوى العثيمين 13/ 51 - 52. ثالثاً: المطلوب من المصلي أن يكون ليناً في حركته لا جامداً كأنه جلمود صخر، فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله) رواه أبو داود وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث 6/ 74، قال أبو داود: [ومعنى (ولينوا بأيدي إخوانكم) إذا جاء رجلٌ إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجلٌ منكبيه حتى

يدخل في الصف]، وقال الإمام النووي: [يستحب أن يفسح لمن يريد الدخول إلى الصف ... ] المجموع 4/ 301. ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أعظم أجراً من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها) وصححه العلامة الألباني في المصدر السابق. رابعاً: المقاربة بين الصفوف، فلا يبعد الصف عن الآخر، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (راصوا صفوفكم، وقاربوا بينها). وخلاصة الأمر أن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، ومطلوب من الإمام أن يأمر بتسويتها ولا يدخل في الصلاة حتى تسوى الصفوف، وتكون تسوية الصف بإلصاق القدم بالقدم، والمنكب بالمنكب، وبمقاربة الصفوف، وإتمام الصف الأول فالأول، وينبغب للمصلي أن يكون ليناً هيناً بأيدي إخوانه المصلين، فيسمح بدخول شخص للصف إن كان هنالك فسحة. - - -

الفرق بين المسجد والمصلى

الفرق بين المسجد والمصلى يقول السائل: يوجد في المؤسسة التي أعمل فيها مصلىً نصلي فيه صلاة الظهر غالباً وأحياناً نصلي صلاة العصر، وقد حصل نقاش بين الموظفين في تحية المسجد عند دخولنا لهذا المصلى، فأحد الموظفين يقول نصلي تحية المسجد لأن له حكم المسجد، فما قولكم في المسألة، أفيدونا. الجواب: الأصل في المسجد أنه كل موضع من الأرض لقول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً) رواه البخاري، قال الإمام الزركشي: [ثم العرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس حتى يخرج المصلى المجتمع فيه للأعياد ونحوها فلا يعطى حكمه] إعلام الساجد بأحكام المساجد ص14. وأما المصلى فهو المحل المهيأ للصلاة في الفضاء والصحراء حيث تقام فيه صلاة العيد والاستسقاء، ويلحق بذلك ما تعارف عليه الناس من تخصيص غرفة في مؤسسة أو مستشفى أو شركة ونحوها لأداء الصلاة. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 37/ 195. قال الإمام النووي رحمه الله: [المصلى المتخذ للعيد وغيره، الذي ليس بمسجد لا يحرم المكث فيه على الجنب والحائض على المذهب. وبه قطع الجمهور. وذكر الدارمي فيه وجهين وأجراهما في منع الكافر من دخوله بغير إذن، ذكره في باب صلاة العيد، وقد يحتج له بحديث أم عطية في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض أن يحضرن يوم العيد ويعتزلن المصلى، ويجاب عنه بأنهن أمرن باعتزاله ليتسع على غيرهن وليتميزن] المجموع 2/ 180. ويجوز اتخاذ المصلى في محل العمل، وإن كان الأصل أن تؤدى الصلوات في المساجد،

ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عتبان بن مالك رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: قد أنكرت بصري أنا أصلي بقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم، لم أستطع أن آتي المسجد فأصلي بهم، وددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سأفعل إن شاء الله). قال عتبان: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: أين تحب أصلي من بيتك؟ قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه سلم فكبر، فقمنا فصففنا، فصلى ركعتين ثم سلم ... ) رواه البخاري ومسلم. وقد ثبت في السنة المشرفة التفريق بين المسجد وبين المصلى فالمسجد له أحكام خاصة به لا يشاركه فيها المصلى ومنها تحية المسجد، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (دخل رجل يوم الجمعة المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت؟ قال: لا. قال: فصل ركعتين) رواه البخاري ومسلم. وثبت في رواية أخرى عن جابر أيضاً قال: (جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين ثم يجلس) رواه مسلم. وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: (دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس. قال: فجلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟ قال: فقلت: يا رسول الله رأيتك جالساً والناس جلوس.

قال: فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين) رواه مسلم. وقد صح من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة العيد في المصلى فإذا وصل إلى المصلى بدأ الصلاة من غير أذان ولا إقامة فكان يصلي ركعتين فيهما تكبيرات زوائد، وما كان يصلي تحية المسجد، فقد جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها) رواه أحمد وابن ماجة، وقال الحافظ العراقي إسناده صالح، ونقل الترمذي تصحيحه عن البخاري. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (كان النبي صلى الله عليه وسلم الناس يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم) متفق عليه. فهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل تحية المسجد. وكذلك فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الاستسقاء أنه يصليها في المصلى كما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد سئل عن الصلاة في الاستسقاء فقال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعاً متبذلاً متخشعاً متضرعاً فصلى ركعتين كما يصلي في العيد) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وصححه. وهذا الحديث أيضاً يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل تحية المسجد. ومما يدل على التفريق بين المسجد والمصلى أنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في المسجد، قال الله تعالى: {ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} سورة البقرة الآية 187. ولم يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم إلا في المسجد فلا يصح الاعتكاف في المصليات. وكذلك فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان

يذبح أضحيته في المصلى، ومعلوم أن ذلك لا يصح في المسجد، فقد ثبت في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى). رواه البخاري. وكذلك فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ماعز الأسلمي رضي الله عنه أنه لما زنا (أمر به - النبي صلى الله عليه وسلم - فرجم بالمصلى) رواه البخاري. ومعلوم أن الحدود لا تقام في المسجد. ومن الفروق بين المسجد والمصلى أن المسجد لا يجوز تحويله إلى شيء آخر بشكل عام، لأن المسجد وقف لله تعالى، وأما المصلى فلا حرج في تحويله إلى مكتب أو نحوه ما لم يكن موقوفاً للصلاة فيه. ومن الفروق بين المسجد والمصلى أن الصلاة مع الجماعة في المسجد أفضل بسبع وعشرين درجة أو خمس وعشرين درجة كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى للبخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة). وكذلك فإن من أحكام المسجد الخاصة به أنه لا يجوز البيع والشراء فيه وكذلك نشد الضالة لما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد الضالة فقولوا: لا رد الله عليك) رواه الترمذي والدارمي وهو حديث صحيح. وروى أبو داود بسنده: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد وأن تنشد فيه ضالة وأن ينشد فيه شعر ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة) ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال الإمام الترمذي وحسنه العلامة الألباني أيضاً.

ولا بد من التذكير بمكانة بتحية المسجد فالتحية هي ما يُحيّا به الشيء أو يعظم به، ومن هنا جاءت تحية المسجد والأصل أنها تحية لرب المسجد، لأن المقصود بها التقرب إلى الله تعالى لا إلى المسجد. وتحية المسجد سنة مؤكدة عند جماهير أهل العلم، وقال بعض العلماء بوجوبها، والأول أرجح، ومما يدل على عدم الوجوب ما رواه البخاري في (باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها) حيث روى بسنده عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل إثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد قال فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه) ففي هذا الحديث لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على من جلس في الحلقة أو وراءها ولم يصل التحية. وخلاصة الأمر أن تحية المسجد خاصة بالمساجد فقط، وأما المصليات فلا تحية لها، وينبغي على المسلم أن يحافظ على تحية المسجد كلما دخل المسجد لما ورد فيها من أحاديث. - - -

أسس بناء المساجد

أسس بناء المساجد يقول السائل: ضاق المسجد الذي نصلي فيه بأهله وتداعى أهل الخير لتوسعته، ولكن تبين لهم أن المسجد قد بني بتصميم يجعل من توسعته أمراً صعباً جداً من الناحية الهندسية إلا إذا هدم معظم المسجد القائم، فهل نهدم المسجد ونبنيه من جديد، أفيدونا؟ الجواب: بناء المساجد من الأمور المرغب فيها شرعاً وهو باب من أبواب الخير ومن الصدقة الجارية وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في فضل بناء المساجد والمشاركة في بنائها فمن ذلك: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه ابن حبان والبزار والطبراني في الصغير وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. وهذا الحديث يدل على المشاركة في بناء المسجد لأن مفحص القطاة لا يكفي ليكون مسجداً. ومفحص القطاة هو المكان الذي تفحصه القطاة لتضع فيه بيضها وترقد عليه. وعن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى لله مسجداً صغيراً كان أو كبيراً بنى الله له بيتاً في الجنة) رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علَّمه ونشره أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً ورثه أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجة وابن خزيمة والبيهقي

وقال الشيخ الألباني: وإسناد ابن ماجة حسن. انظر صحيح الترغيب والترهيب ص 109 - 111. إذا تقرر هذا فإن بناء المسجد له خصوصية من الناحية العمرانية، فبناء المسجد ليس كبناء البيت، وإنما هنالك خصوصيات في بناء المسجد أذكر أهمها: أولاً: تحديد اتجاه القبلة بطريقة صحيحة، فإن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} سورة البقرة الآية 150، ويجب تحديد القبلة بدقة عند بناء المساجد فإذا بني المسجد، وتبين بعد ذلك أن هنالك خطأً كبيراً في قبلة المسجد فيجب تصحيح ذلك الخطأ والتوجه إلى القبلة، [فإذا كانت القبلة إلى الجنوب، وتوجّه المصلي إلى جهة الجنوب بناءً على اجتهاده فصلاته صحيحة. فإذا ابتعد عن عين القبلة يميناً أو يساراً حتّى 45 درجة فإنّه يظل متّجهاً إلى جهة الجنوب، فإذا زاد عن ذلك فقد بدأ يتّجه إلى جهة الشرق أو الغرب، لأنّ كلّ جهة من هاتين الجهتين تبعد عن جهة الجنوب 90 درجة. فإذا وصل إلى 45 درجة فقد وصل إلى نهاية الجنوب من جهة الشرق، وبدأ التوجّه إلى جهة الشرق الجنوبي. أو إلى نهاية الجنوب من جهة الغرب وبدأ التوجّه إلى الغرب الجنوبي ... فالخطأ في هذه الحدود مغتفر إن شاء الله إذا حصل بعد البحث والتحري والاجتهاد]. ثانياً: التقليل ما أمكن من عدد الأعمدة داخل المسجد، لأن الأعمدة تقطع اتصال الصفوف، وقد قرر العلماء كراهية الصف بين الأعمدة لغير حاجة من ضيق ونحوه، وقد وردت بعض الأحاديث التي تدل على كراهية الصف بين السواري فمن ذلك ما رواه الترمذي بإسناده عن عبد الحميد بن محمود قال: (صلينا خلف

أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين فلما صلينا قال أنس بن مالك: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ... قال أبو عيسى -أي الترمذي-: حديث أنس حديث حسن صحيح. وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري. وبه يقول أحمد وإسحق. وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 2/ 19. وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: [كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طرداً] رواه ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وكذلك لا بد من الاهتمام بقضية الصفوف في المسجد وخاصة الصف الأول فعند بناء المسجد على شكل دائري مثلاً، فإن هذا يؤدي إلى إرباكٍ في الصفوف وتقليل حجم الصف الأول وغيره، لذا لا بد للمهندسين من أخذ هذه القضية بالاعتبار عند تصميم المسجد. ثالثاً: الاقتصاد عند بناء المسجد فليس هنالك داعٍ للزخارف الفخمة والثريات الباهظة الثمن والقباب المذهبة والمآذن الطويلة، بل يجب أن يكون المسجد في غاية البساطة مع الاتساع وتوفر المرافق المريحة للمصلين كالحمامات النظيفة ووسائل التبريد والتدفئة والإضاءة الجيدة وغير ذلك، ولا بد من التنبيه إلى أن كثيراً من المساجد التي تبنى في أيامنا هذه يلاحظ فيها المبالغة في البناء وإنفاق الأموال الطائلة في زخرفة المسجد وتزيينه، وقد سمعنا عن بعض المساجد التي كلف الواحد منها مئات الملايين مع أن الناس يعانون من الفقر في تلك البلاد، فكان أولى أن تنفق تلك الأموال لسد حاجات الناس الضرورية.

ويجب أن يعلم أنه ليس من منهج الإسلام الصحيح المبالغة في بناء المسجد ولا إنفاق الملايين عليه مباهاةً وتفاخراً. وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديث عن ذلك فقد جاء في الحديث عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد وصححه ابن خزيمة وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 1237. وقال الشيخ الشوكاني: [أي يتفاخرون في بناء المساجد والمباهاة بها] نيل الأوطار 2/ 169.وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب بنيان المسجد وقال أبو سعيد: كان سقف المسجد من جريد النخل. وأمر عمر ببناء المسجد وقال: أكن الناس من المطر وإياك أن تحمِّر أو تصَفّر فتفتن الناس. وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلاً]. وقال الحافظ ابن حجر قوله: [ثم لا يعمرونها: المراد به عمارتها بالصلاة وذكر الله وليس المراد به بنيانها ... ] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 2/ 85 - 86.وورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أمرت بتشييد المساجد) رواه أبو داود وابن حبان وصححه. قال الإمام البغوي: (والمراد من التشييد: رفع البناء وتطويله ومنه قوله سبحانه وتعالى: {فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} وهي التي طول بناؤها ... وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إذا حليتم مصاحفكم وزوقتم مساجدكم فالدمار عليكم) شرح السنة 2/ 349 - 350. وقال ابن رسلان معلقاً على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم السابق: [وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة إخباره صلى الله عليه وسلم عما يقع بعده فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها

كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس بأخذهم أموال الناس ظلماً وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع نسأل الله السلامة والعافية] نيل الأوطار 2/ 168. رابعاً: العناية التامة بمرافق المسجد الملحقة به، مثل دورة المياه والمتوضأ، فلا بد أن تتحقق الشروط الصحية في هذه المرافق من حيث التهوية والنظافة وتناسب الأدوات المستخدمة فيها مع طريقة استعمالها فمثلاً ينبغي أن تكون صنابير المياه من النوع الذي يسمح بعملية الوضوء بشكل سهل، وأذكر أنني رأيت متوضأً وضعت فيه حنفيات قصيرة العنق لا تسمح للمتوضئ أن يغسل رجليه، وكذلك يقال في كراسي المراحيض. وكذلك الاهتمام بوجود ساحات حول المسجد لوقوف السيارات. خامساً: الاهتمام بعدة أمور عند بناء المسجد، كعملية العزل لمنع تدفق المياه إلى المسجد خلال فصل الشتاء، وكذا لحفظ المصلين من حرارة الصيف، وكذا موضع الشبابيك فينبغي أن تكون في مكان مناسب من المسجد للتهوية وإدخال الضوء، وألا تكون في قبلة المصلين بشكل مباشر. وكذا العناية بأبواب المسجد بحيث تكون متناسبة مع حجم المسجد، فالمسجد الكبير الواسع لا بد له من عدة أبواب، حتى لا يزدحم المصلون عند الخروج من المسجد، وكذا لا ينبغي أن تكون أبواب المسجد في جهة القبلة لما يترتب عليه من قطع الصفوف الأولى، وكذلك لا بد من الاهتمام بالشبكة الكهربائية للمسجد من حيث الإضاءة والمراوح والمكيفات وأن تكون مفاتيح التحكم فيها في مكان خاص يضبطه موظف المسجد، حتى لا تكون عرضة لأمزجة المصلين، وكذلك لا بد من الاهتمام بأماكن وضع الأحذية، وغير ذلك من الأمور التي يجب أن تراعى عند بناء المساجد،

وبمناسبة الحديث عن بناء المساجد فإنني أدعو المهندسين المعماريين لوضع أسس لبناء المسجد تكون متفقة مع ثقافة المسجد في الإسلام ولا بد من التعاون في ذلك مع أهل العلم الشرعي. سادساً: لا بد من الاهتمام بمصلى النساء عند بناء المسجد ابتداءً، ومراعاة دخولهن وخروجهن بطريقة مشروعة، والأخذ بعين الاعتبار حاجاتهن الخاصة. سابعاً: عند التفكير في بناء مسجد جديد لا بد أن يكون بعيداً عن أي مسجد قائم، فلا يجوز بناء مسجد جديد بقرب المسجد القديم ما دام أن المسجد القديم يتسع لأهل الحي، لأن من المقاصد التي بنيت لها المساجد جمع أكبر عدد من المصلين في المسجد الواحد ليتعاونوا ويتعارفوا. كما أن الله سبحانه وتعالى جعل الثواب العظيم لمن يمشي إلى المسجد للصلاة ولو كان بعيداً كما صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى) رواه البخاري ومسلم. وإنّ بناء المسجد الجديد بجوار المسجد القديم يعتبر من باب الضرار عند العلماء لأنه سيؤدي إلى تفريق جماعة المسلمين. وقد اعتبر الإمام السيوطي أن كثرة المساجد في المحلة الواحدة من المحدثات المخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر كتاب الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ص 300. وخلاصة الأمر أنه يجوز شرعاً هدم المسجد من أجل تحقيق مصلحة شرعية كإعادة بنائه أو توسعته أو نحو ذلك من الأسباب الشرعية، كم ينبغي مراعاة عدة أسس وقواعد عند بناء المساجد ذكرت أهمها. - - -

حكم استعمال مكبرات الصوت في المساجد لغير الأذان

حكم استعمال مكبرات الصوت في المساجد لغير الأذان يقول السائل: هل يجوز إعلان وفاة شخص باستخدام مكبرات الصوت في المساجد، وهل يعتبر هذا من النعي المحرم، أفيدونا؟ الجواب: ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات). رواه البخاري ومسلم، والنعي المذكور في الحديث هو الإخبار عن وفاة الشخص قال الإمام الترمذي: [والنعي عندهم أن ينادى في الناس أن فلاناً مات ليشهدوا جنازته] سنن الترمذي 3/ 313. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وفيه -أي حديث نعي النجاشي- إباحة الإشعار بالجنازة والإعلام بها ليجتمع إلى الصلاة عليها، وفي ذلك رد قول من تأول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النعي أنه الإعلام بموت الميت للاجتماع إلى جنازته، روي عن ابن مسعود أنه قال: لا تؤذنوا بي أحداً فإني أخشى أن يكون كنعي الجاهلية، وعن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا أنا مت فلا تقولوا للناس مات سعيد حسبي من يبلغني إلى ربي، وروي ذلك عن ابن مسعود قال: حسبي من يبلغني إلى حفرتي، وعن علقمة أنه قال: لا تؤذنوا بي أحداً فإن ذلك من النعي والنعي من أمر الجاهلية، وروي عن طائفة من السلف مثل ذلك قد ذكرتهم والأخبار عنهم في التمهيد، وروي عن ابن عون قال: قلت لإبراهيم أكان النعي يكره قال: نعم قال: وكان النعي أن الرجل يركب الدابة فيطوف ويقول أنعي فلاناً، قال ابن عون وذكرنا عن ابن سيرين أن شريحاً قال: لا تؤذنوا لجنازتي أحداً فقال إن شريحاً كان يكتفي بذكره ولا أعلم بأساً أن يؤذن الرجل

صديقه حميمه، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة كان له من الأجر كذا)، وقوله عليه السلام: (لا يموت أحد من المسلمين فتصلي عليه أمة من الناس يبلغون أن يكونوا مئة فيشفعون له إلا شفعوا فيه)، وعنه عليه السلام (ما من مسلم يصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب)، دليل على إباحة الإنذار والإشعار بالجنازة والاستكثار من ذلك للدعاء وإقامة السنة في الصلاة عليها، وقد أجمعوا أن شهود الجنائز خير وفضل وعمل برٍ، وأجمعوا أن الدعاء إلى الخير من الخير، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يمر بالمجالس فيقول: إن أخاكم قد مات فاشهدوا جنازته، فإن قيل إن ابن عمر كان إذا مات له ميت تحين غفلة الناس ثم خرج بجنازته، قيل قد روي عنه خلاف ذلك في جنازة رافع بن خديج لما نعي له قال كيف تريدون أن تصنعوا له؟ قالوا نحبسه حتى نرسل إلى قباء وإلى قريات حول المدينة ليشهدوا جنازته قال: نِعمَ ما رأيتم] الاستذكار 8/ 232 - 233. وقال الإمام العيني: [ذكر ما يستنبط منه - أي من حديث نعي النجاشي- من الأحكام وهو على وجوه: الأول فيه إباحة النعي وهو أن ينادى في الناس أن فلاناً مات ليشهدوا جنازته، وقال بعض أهل العلم لا بأس أن يعلم الرجل قرابته وإخوانه، وعن إبراهيم لا بأس أن يعلم قرابته، وقال شيخنا زين الدين: إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه استحسنه المحققون والأكثرون من أصحابنا وغيرهم وذكر صاحب الحاوي من أصحابنا وجهين في استحباب الإنذار بالميت وإشاعة موته بالنداء والإعلام: فاستحب ذلك بعضهم للغريب والقريب لما فيه من كثرة المصلين عليه والداعين له، وقال بعضهم يستحب ذلك للغريب ولا يستحب

لغيره، وقال النووي والمختار استحبابه مطلقاً إذا كان مجرد إعلام] عمدة القاري شرح صحيح البخاري 6/ 26. وينبغي أن يعلم أن استعمال مكبرات الصوت في المساجد للإعلان عن وفاة الميت، إنما هو استخدام لوسيلة حديثة لإخبار الناس عن وفاة الشخص، وهذا أمر جائز لا بأس به ما دام الهدف منه هو مجرد الإخبار فقط، وهذا من النعي الجائز شرعاً، والنعي ليس كله محرم، وإنما المحرم نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المآثر والمفاخر، وعلى هذا يحمل النهي الوارد عن النعي كما في الحديث عن حذيفة رضي الله عنه قال: (إذا متُّ فلا تؤذنوا بي، إني أخاف أن يكون نعياً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وصححه العلامة الألباني. وأما النعي الذي هو مجرد إخبار بالوفاة فقط ليشهد الناس الصلاة على الميت وليشهدوا جنازته ودفنه، فأمر مستحب لأنه وسيلة لأمور مندوبة ومستحبة، والوسائل لها أحكام المقاصد، قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام1/ 46. ومما يدل على جواز هذا النعي ما ورد في الحديث عن يزيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلما ورد البقيع فإذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقالوا: فلانة مولاة بني فلان، قال: فعرفها وقال: ألا آذنتموني بها؟ قالوا: ماتت ظهراً وكنت قائلاً صائماً فكرهنا أن نؤذيك قال: فلا تفعلوا لا أعرفن ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه رحمة، ثم أتى القبر فصففنا خلفه فكبر عليه أربعاً) رواه النسائي

وابن ماجة وابن حبان والبيهقي وإسناده صحيح على شرط مسلم قاله العلامة الألباني في أحكام الجنائز ص 89. ويدل عليه ما ورد عن أبى هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد - أو شاباً - ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها -أو عنه- فقالوا مات. قال: أفلا كنتم آذنتموني، قال: فكأنهم صغروا أمرها -أو أمره- فقال: دلوني على قبره، فدلوه فصلى عليها ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم) رواه مسلم. ويدل عليه أيضاً ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب) وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان، (ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرةٍ ففتحَ له) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس، قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب -وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم) رواه البخاري. ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن رشيد أحد شرَّاح صحيح البخاري قوله: [وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله، وإنما نهي عمَّا كان أهل الجاهلية يصنعونه فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق. وقال ابن المرابط: مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره

والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام ... وحاصله أن محض الإعلام بذلك لا يكره، فإن زاد على ذلك فلا، وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك حتى كان حذيفة إذا مات له الميت يقول: لا تؤذنوا به أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذنيَّ هاتين ينهى عن النعي، أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن، قال ابن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات، الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة، الثانية دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره، الثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم] فتح الباري 3/ 150 - 151. وقال الإمام النووي: [والصحيح الذي تقتضتيه الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها وغيرها، أن الإعلام بموته لمن لم يعلم ليس بمكروه بل إن قصد به الإخبار لكثرة المصلين، فهو مستحب، وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس يذكره بهذه الأشياء، وهذا نعي الجاهلية المنهي عنه فقد صحت الأحاديث بالإعلام فلا يجوز إلغاؤها وبهذا الجواب أجاب بعض أئمة الفقه والحديث المحققين] المجموع 5/ 216. وقال العلامة الألباني: [ويجوز إعلان الوفاة إذا لم يقترن به ما يشبه نعي الجاهلية وقد يجب ذلك إذا لم يكن عنده من يقوم بحقه من الغسل والتكفين والصلاة عليه ونحو ذلك] أحكام الجنائز ص32. وخلاصة الأمر أن الإخبار عن وفاة الميت باستعمال مكبرات الصوت في المساجد أمر جائز شرعاً، ومثل ذلك الإعلان عن وفاة الميت باستخدام الوسائل الحديثة

خطيب الجمعة غير مؤهل

كتداول الرسائل عبر الهواتف النقالة والبريد الإلكتروني وشبكة الإنترنت وغيرها بشرط أن يكون الإخبار خالياً من ذكر المآثر والمفاخر. - - - خطيب الجمعة غير مؤهل يقول السائل: هل يجوز لي أن لا أذهب يوم الجمعة إلى المسجد إلا بعد انتهاء الخطيب من خطبة الجمعة، لأن الخطيب في مسجدنا غير مؤهل وموضوعات خطبه مكررة ولا تعالج القضايا الهامة، أفيدونا؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة الجمعة الآية 9. قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: [{ذِكْرِ اللَّهِ} أي الصلاة، وقيل الخطبة والمواعظ، قاله سعيد بن جبير. - قال- ابن العربي: والصحيح أنه واجب في الجميع، وأوله الخطبة. وبه قال علماؤنا، إلا عبد الملك بن الماجشون فإنه رآها سنة. والدليل على وجوبها أنها تحرم البيع ولولا وجوبها ما حرمته، لأن المستحب لا يحرم المباح. وإذا قلنا: إن المراد بالذكر الصلاة فالخطبة من الصلاة. والعبد يكون ذاكراً لله بفعله كما يكون مسبحاً لله بفعله] تفسير القرطبي 18/ 107. وقد قال جمهور الفقهاء: إن خطبة الجمعة شرط لصحة صلاة الجمعة، فلابد من خطبة تسبق صلاة الجمعة، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ونقل عن عطاء والنخعي وقتادة والثوري وإسحاق وأبي ثور ونقله القاضي عياض عن كافة العلماء، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال -أي الخرقي-: فإذا فرغوا من

الأذان خطبهم قائما ً. وجملة ذلك أن الخطبة شرط في الجمعة لا تصح بدونها كذلك قال عطاء والنخعي، وقتادة والثوري والشافعي، وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا ً، إلا الحسن قال: تجزئهم جميعهم، خطب الإمام أو لم يخطب، لأنها صلاة عيد، فلم تشترط لها الخطبة كصلاة الأضحى، ولنا قول الله تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} والذكر هو الخطبة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك الخطبة للجمعة في حال وقد قال: (صلوا كما رأيتمونى أصلي)، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: قصرت الصلاة لأجل الخطبة، وقول عائشة نحو من هذا] المغني2/ 224، وانظر المجموع 4/ 514، بدائع الصنائع 1/ 589. إذا تقرر هذا فإن خطبة الجمعة لها شأن عظيم عند الله عز وجل فهي ذكرٌ لله كما سماها الله في كتابه الكريم، وهي شعيرة من شعائر الدين، وقد صح في الحديث أن الملائكة تشهدها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة - أي ناقة - ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) رواه البخاري ومسلم. وإذا كان لخطبة الجمعة هذه المكانة فإن كثيراً ممن يصعدون المنابر اليوم ما هم بخطباء على الحقيقة، بل هم أشباه خطباء، فليس كل من صعد المنبر يسمى خطيباً، قال محمد كاتب المهدي ـ وكان شاعراً راويةً وعالماً في النحو ـ: سمعت أبا داود بن جرير يقول - وجرى شيء من ذكر الخطب وتحبير الكلام - فقال: [رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة،

وجناحاها رواية الكلام، وحُليُّها الإعراب، وبهاؤها تخير الألفاظ] البيان والتبيين. إن كثيراً ممن يصعدون المنابر اليوم لا يقدرون قيمة هذا المنبر ولا يعطونه الأهمية التي يستحقها لأن مواصفات الخطيب الناجح بعيدة عنهم كل البعد، كما أنه لا تبذل جهود حقيقية للرقي بخطيب الجمعة وإعداده إعداداً صحيحاً ليقوم بهذه المهمة العظيمة، بعض من يصعدون المنابر في بلادنا يسيئون لخطبة الجمعة، فمثلاً بعض هؤلاء إذا اعتلى المنبر نظر للمصلين نظرة فوقية، فيبدأ بتوجيه اللوم لهم وكأنهم مسئولون عن كل النكبات التي حلت بالأمة الإسلامية، ولا تسمع منه إلا ذكر المصائب والآلام ويقتل روح الأمل في نفوس المصلين، مع أن واجب الخطيب الناجح أن يبعث الأمل في نفوس المصلين، ويغرس الثقة بالله عز وجل في نفوس الناس، قال علي رضي الله تعالى عنه: [ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه؟ قالوا: بلى. قال: من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه. ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا علم ليس فيه تفهم ولا قراءة ليس فيها تدبر]. جامع بيان العلم 2/ 55. ولا شك أن الأمة الإسلامية تمر في ظروف عصيبة ولكن هذا الظرف لا يدفعنا إلى القنوط واليأس، فالأمة تحتاج إلى خطيب يبعث الأمل، ويشحذ الهمم، ويمسح مرارة الأحداث، ولا شك أن الأمة المسلمة تسير إلى خيرٍ وتمكين، والوعد الرباني بنصر الإسلام والمسلمين سيتحقق بإذن الله عز وجل: قال تعالى: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (سورة آل عمران 140.وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن عبد الله بن عياض قال دخل عبيد بن عمير على عائشة فسألت: من هذا؟

فقال: أنا عبيد بن عمير. قالت: عمير بن قتادة؟ قال: نعم يا أمتاه. قالت: أما بلغني أنك تجلس ويجلس إليك؟ قال: بلى يا أم المؤمنين، قالت: فإياك وتقنيط الناس وإهلاكهم] مصنف عبد الرزاق 3/ 219 - 220. وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم التفاؤل فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن أو الفأل الصالح) كما في روايات الحديث، رواه البخاري ومسلم وغيرهما. فلا يقبل من خطيب الجمعة أن ينظر نظرة سوداء متشائمة، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم) رواه مسلم، ففي الحديث ذم للتشاؤم وتقنيط الناس، وفيه أيضا ذم من زكى نفسه وتنقص غيره بغير حق. قال الإمام النووي: [واتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس، واحتقارهم، وتفضيل نفسه عليهم، وتقبيح أحوالهم، لأنه لا يعلم سر الله في خلقه. قالوا: فأما من قال ذلك تحزناً لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه كما قال: لا أعرف من أمة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعاً. هكذا فسره الإمام مالك، وتابعه الناس عليه. وقال: الخطابي: معناه لا يزال الرجل يعيب الناس، ويذكر مساؤهم، ويقول: فسد الناس، وهلكوا، ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم، والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه، ورؤيته أنه خير منهم. والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 134 - 135. وبعض من يصعدون المنابر في بلادنا لا يخاطبون الناس على قدر عقولهم، فتراه يتكلم في موضوع يثير العامة عليه، فلا يحسن اختيار موضوع الخطبة، فليس كل

حقٍ يصلح أن يذكر على المنابر، فهنالك أمور لا تطرح على العامة، لأنهم قد لا يستوعبونها، أو تخالف ما ألفوه وعرفوه، فيحتاج الأمر إلى تمهيد وإعداد وليس محل ذلك خطب الجمعة، لذا ينبغي أن يكون الخطيب حصيفاً عند اختيار موضوع الخطبة، ولا يقبل أن يتناول الخطيب موضوعاً يثير العامة عليه، وقد يؤدي ذلك إلى إحداث فوضى في المسجد وصياح واعتراض على الخطيب وينتهي الأمر بأن يقوم بعض العامة بسحب الخطيب عن المنبر، فلا شك أن هذا حمق، وقصر نظر من الخطيب، وإساءة بالغة لخطبة الجمعة وتضييع لهيبتها من نفوس الناس، وكذا فيه إساءة لأدب المسجد، إن من مقتضيات نجاح الخطيب أن يخاطب الناس على قدر عقولهم، وعلى الخطيب أن يعلم أنه يستحيل إصلاح الناس في خطبة واحدة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله واصفاً خطب النبي صلى الله عليه وسلم: [وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم] زاد المعاد1/ 189. وقال ابن عباس رضي الله عنهما عمن وعظ العوام: [ليحذر الخوض في الأصول فإنهم لا يفهمون ذلك، لكنه يوجب الفتن، وربما كفروه مع كونهم جهلة] الآداب الشرعية 2/ 87. وقال ابن مفلح المقدسي الحنبلي: [ومن التغفيل تكلم القصاص عند العوام الجهلة بما لا ينفعهم، وإنما ينبغي أن يخاطب الإنسان على قدر فهمه ومخاطبة العوام صعبة، فإن أحدهم ليرى رأياً يخالف فيه العلماء ولا ينتهي ... فالحذر الحذر من مخاطبة من لا يفهم بما لا يحتمل ... فاحذر العوام كلهم، والخلق جملة ... ] الآداب الشرعية 2/ 87 - 88.

نبش القبور لأغراض خبيثة

ومع أن المقام لا يتسع لتفصيل صفات الخطيب الناجح، فقد كتبت فيه مؤلفات، فلا بد أن أذكر أن من عوامل نجاح الخطيب أن لا يتعرض للأمور الخلافية المحتملة، وأن لا يتعصب لرأيه، وأن يبتعد عن التجريح للأشخاص والجماعات مع التصريح بأسمائهم، فلا شك أن هذا على خلاف الهدي النبوي فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة أنه كان يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) - كما في البخاري ومسلم وكتب السنن - دون أن يذكرهم بأسمائهم. وخلاصة الأمر أن خطبة الجمعة فريضة، وأنه لا يجوز لأحد أن يترك حضور خطبة الجمعة عمداً، لأن خطيب الجمعة لا يعجبه، أو أن خطيب الجمعة يطرح أموراً بعيدة عن واقع الأمة، فالأمة تذبح من الوريد إلى الوريد وهو يتحدث عن خطأ يقع فيه أحد المصلين، فلكل مقام مقال، ولا بد من الاهتمام بخطبة الجمعة، وأن يعاد تأهيل من يصعدون المنابر تأهيلاً علمياً صحيحاً حتى يستحقوا وصف خطيبٍ حقيقةً لا مجازاً. - - - نبش القبور لأغراض خبيثة يقول السائل: قام بعض الأشخاص بنبش بعض القبور في مقبرة بلدتنا لأغراض خبيثة، فما الحكم في هذه القضية، أفيدونا؟ الجواب: حرمة المسلم حرمة عظيمة حياً كان أو ميتاً وقد ورد في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) رواه البخاري ومسلم.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/ 630. ونظر ابن عمر رضي الله عنه يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) رواه الترمذي. ولا شك أن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً فلا يجوز الاعتداء عليه وهو ميت في قبره، كما لا يجوز الاعتداء عليه حال حياته، لأن حرمة المسلم ليست مقيدة بحال الحياة، بل تعم حال الحياة وحال الممات، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 3/ 214. وجاء في رواية أخرى عند ابن ماجة: (كسر عظم الميت ككسر عظم الحيّ في الإثم) سنن ابن ماجة 1/ 516. وروى البخاري بإسناده عن عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف - موضع قريب من التنعيم بضواحي مكة المكرمة - فقال ابن عباس: هذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا)، قال الحافظ ابن حجر: [قوله (وارفقوا) إشارة إلى أن مراده السير الوسط المعتدل، ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته، وفيه حديث (كسر عظم المؤمن ميتاً ككسره حياً) أخرجه أبو داود وابن ماجة وصححه

ابن حبان] فتح الباري 9/ 142. وعن عمارة بن حزم قال: (رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على قبر فقال يا صاحب القبر انزل عن القبر لا تؤذي صاحب القبر ولا يؤذيك) رواه الطبراني في الكبير، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح، فتح الباري3/ 285، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب حديث رقم 3566. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته) رواه ابن أبي شيبة في المصنف. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه سئل عن الوطء على القبر فقال: كما أكره أذى المؤمن في حياته فإني أكره أذاه بعد موته. إذا تقرر هذا فإن الأصل عند أهل العلم هو حرمة نبش قبور المسلمين، لأن نبشها يعتبر انتهاكاً لحرمةٍ أوجب الشرع حفظها وصيانتها، وقد قرر الفقهاء أنه لا يجوز نبش قبر الميت إلا لعذر شرعي وغرض صحيح، فالأصل هو حرمة نبش القبور إلا في حالاتٍ خاصة بينها الفقهاء، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم نباش القبور، فقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن المختفي والمختفية) رواه البيهقي والحاكم، وهو حديث صحيح كما بينه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 5/ 181. وفي صحيح الجامع حديث رقم 5102، والمقصود بالمختفي نباش القبور. واللعن هو الإبعاد من رحمة الله سبحانه وتعالى، وقال العلماء: اللعن على الفعل من أول الدلائل على تحريمه، واللعن لا يكون إلا على كبائر الذنوب، انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 308، 2/ 62. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وفي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النباش دليل على تحريم فعله والتغليظ فيه كما لعن شارب الخمر وبائعها وآكل الربا ومؤكله] الاستذكار 8/ 344.

إذا تقررت حرمة الميت فإن جماعة من الفقهاء قد قالوا بقطع يد النباش، وهو من يفتش القبور عن الموتى ليسرق أكفانهم وحليهم وما يتعلق بهم. وهذا قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وأبي يوسف من الحنفية وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وإسحاق بن راهويه والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وهو قول الظاهرية، وقرروا أن النباش يعتبر سارقاً تجري عليه أحكام السارقين، فتقطع يده إذا سرق من أكفان الموتى ما يبلغ نصاب السرقة، لأن الكفن مال متقوم سُرق من حرز مثله وهو القبر، فكما أن البيت المغلق في العمران يعتبر حرزاً لما فيه عادة، وإن لم يكن فيه أحد، فإن القبر يعتبر عادةً حرزاً لكفن الميت. واستدلوا بأدلة منها: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة المائدة الآية 38، حيث إن اسم السرقة يشمل النباش، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سارق أمواتنا كسارق أحيائنا) رواه البيهقي في كتاب المعرفة. وعن يحيى النسائي قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز في النباش فكتب إليَّ إنه سارق. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه ومن نبش قطعناه) رواه البيهقي في كتاب المعرفة، قالوا ومعناه أنه سرق مالاً كامل المقدار من حرز لا شبهة فيه فتقطع يده كما لو سرق لباس الحي، لأن الآدمي محترم حياً وميتاً، ولأن السرقة أخذ المال على وجه الخفية، وذلك يتحقق من النباش وهذا الثوب - الكفن - كان مالاً قبل أن يلبسه الميت فلا تختل صفة المالية فيه بلبس الميت، فأما الحرز فلأن الناس تعارفوا منذ ولدوا إحراز الأكفان بالقبور، ولا يحرزونها بأحصن من ذلك الموضع، فكان حرزاً متعيناً له باتفاق جميع الناس، ولا يبقى في إحرازه شبهة، لما كان لا

يحرز بأحصن منه عادةً، ولأنه روي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقطع المختفي)، قال الأصمعي: وأهل الحجاز يسمون النباش المختفي، إما لاختفائه بأخذ الكفن، وإما لإظهاره الميت في أخذ كفنه، وقد يسمى المظهر، وهو من أسماء الأضداد. ومن أدلة الجمهور أيضاً ما روي أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قطع نباشاً بعرفات وهو مجمع الحجيج، ولا يخفى ما جرى فيه على علماء العصر فما أنكره منهم منكر، ولأن جسد الميت عورة يجب سترها فجاز أن يجب القطع في سرقة ما سترها، ولأن قطع السرقة موضوع لحفظ ما وجب استبقاؤه على أربابه حتى ينزجر الناس عن أخذه، فكان كفن الميت أحق بالقطع لأمرين: أحدهما أنه لا يقدر على حفظه على نفسه، والثاني أنه لا يقدر على مثله عند أخذه] الموسوعة الفقهية الكويتية 40/ 19 - 20. بتصرف. وقال الشيخ ابن حزم الظاهري مؤيداً قول الجمهور بقطع النباش ورادَّاً على المخالفين: [ ... والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق: أن كل هذا لا معنى له، لكن الفرض هو ما افترض الله تعالى ورسوله عليه السلام الرجوع إليه عند التنازع، إذ يقول تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} ففعلنا: فوجدنا الله تعالى يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجب القطع على من سرق بقوله عليه السلام: (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها)، ووجدنا السارق في اللغة التي نزل بها القرآن وبها خاطبنا الله تعالى: هو الآخذ شيئاً لم يبح الله تعالى له أخذه، فيأخذه متملكا له، مستخفياً به فوجدنا النباش هذه صفته، فصح أنه سارق، وإذ هو سارق، فقطع اليد على السارق، فقطع يده واجب وبه نقول. وأما من رأى قتله، أو قطع يده ورجله، فما نعلم له حجة، إلا أن يكونوا رأوه محارباً وليس هاهنا دليل على

أنه محارب أصلاً؛ لأنه لم يخف طريقاً، فليس له حكم المحارب، ودماؤنا حرام، فدم النباش حرام] المحلى 12/ 315 - 316. ومما يدل على قطع يد النباش ما رواه ابن أبي شيبة من آثار عن جماعة من السلف، فقد روى بإسناده عن معمر قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قطع نباشاً. وروى بإسناده عن إبراهيم النخعي والشعبي قالا: يقطع سارق أمواتنا كما يقطع سارق أحيائنا. وروى بإسناده عن عطاء في النباش قال هو بمنزلة السارق، يقطع. وروى بإسناده عن أشعث قال: سألت الحسن عن النباش قال: يقطع، وسألت الشعبي فقال: يقطع. وروى بإسناده عن الحكم وحماد عن إبراهيم النخعي في النباش قال: يقطع. وروى بإسناده عن حماد وأصحابه قالوا: يقطع النباش لأنه قد دخل على الميت بيته. وروى بإسناده عن مكحول قال: لا يقطع إلا أن يكون للقبر باب. وروى بإسناده عن عبد الله بن مرة قال: النباش لص فاقطعه. وروى بإسناده عن حجاج أن مسروقاً وإبراهيم النخعي والشعبي وزاذان وأبا زرعة بن عمرو بن جرير كانوا يقولون في النباش: يقطع. المصنف 10/ 34 - 35. وخلاصة الأمر أن نبش القبور لسرقة ما فيها من المحرمات بل من الكبائر، وتقطع يد النباش على الراجح من أقوال أهل العلم إذا سرق ما يبلغ نصاب القطع. - - -

الصيام

الصيام

مقدار طعام المسكين لمن عجز عن الصيام

مقدار طعام المسكين لمن عجز عن الصيام يقول السائل: ما هو مقدار طعام المسكين المذكور في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، أفيدونا؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 183 - 184. وقد اختلف أهل التفسير في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} هل هذه الآية منسوخة أم أنها محكمة؟ وأرجح أقوال العلماء أن الآية الكريمة ليست منسوخة، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكيناً) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 8/ 225. وقد روى الإمام الطبري بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قال: يتجشمونه يتكلفونه. وروى الإمام الطبري بإسناده أيضاً عن مجاهد عن ابن عباس في قوله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ (قال: الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكيناً. وروى الإمام الطبري بإسناده أيضاً، عن ابن عباس قال: (الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ (، يتكلفونه، فدية طعام مسكين واحد، ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم، أو

المريض الذي يعلم أنه لا يشفى ثم قال الطبري: [هذا عن مجاهد] تفسير الطبري 3/ 431. وبناءً على أن الآية محكمة يكون معناها وعلى الذين يطيقون الصيام بصعوبة بالغة، أي يلاقون جهداً ومشقة وتعباً في الصوم، فلهم أن يفطروا وعليهم إطعام مسكين عن كل يوم يفطرونه. قال الإمام البخاري: [وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بن مالك بعدما كبر عاماً أو عامين كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً وأفطر]. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 8/ 225. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإذا عجز عن الصوم لكبر أفطر، وأطعم لكل يوم مسكينا. وجملة ذلك أن الشيخ الكبير والعجوز إذا كان يجهدهما الصوم، ويشق عليهما مشقةً شديدةً فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكيناً، وهذا قول علي وابن عباس وأبي هريرة وأنس وسعيد بن جبير وطاووس وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي. وقال مالك: لا يجب عليه شيء، لأنه ترك الصوم لعجزه فلم تجب فدية كما لو تركه لمرض اتصل به الموت، وللشافعي قولان كالمذهبين، ولنا الآية، وقول ابن عباس في تفسيرها: نزلت رخصة للشيخ الكبير، ولأن الأداء صوم واجب فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء ... ] المغني 3/ 151. إذا تقرر هذا فإن الواجب على الذي لا يطيق الصيام كالرجل الهرم وكذا المرأة الهرمة، إطعام مسكين عن كل يوم من رمضان، ويلحق بهما المريض مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه كالمصاب بالسرطان وغيره من الأمراض التي لا يرجى شفاؤها. وقد اختلف أهل العلم في مقدار طعام المسكين المذكور في الآية الكريمة، فقد ورد عن جماعة من الصحابة كعمر وابنه عبد الله وابن عباس وأبي هريرة رضي الله

عنهم أجمعين أن ذلك يقدر بمدٍ من الحنطة عن كل يوم من رمضان، فقد روى الدارقطني بإسناده الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إذا عجز الشيخ الكبير عن الصيام أطعم عن كل يوم مداً مداً). وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (مداً من حنطة لكل مسكين). وروى عبد الرزاق في المصنف عن سعيد بن المسيب قال: هي في الشيخ الكبير، إذا لم يطق الصيام، افتدى مكان كل يوم، إطعام مسكين مداً من حنطة). وروى عبد الرزاق في المصنف عن عكرمة بن عمار قال: سألت طاوساً عن أمي وكان بها عطاش -مرض- فلم تستطع أن تصوم رمضان، فقال: تطعم كل يوم مسكيناً ... ). ووردت آثار أخرى عن بعض الصحابة والتابعين قدروا الإطعام فيها بمدين، وفي بعضها بصاع أي أربعة أمداد، وأرجحها التقدير الأول، والذي يظهر لي أن المد كان يكفي المسكين طعاماً ليومه، ويؤيد ذلك أن مقدار الإطعام في كفارة اليمين هو مد لكل مسكين من المساكين العشرة كما هو قول جمهور أهل العلم، فقد ذكر مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مداً من حنطة. وروى مالك عن سليمان بن يسار أنه قال: [أدركت الناس وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مداً من حنطة بالمد الأصغر ورأوا ذلك مجزئاً عنهم] قال الحافظ ابن عبد البر: [والمد الأصغر عندهم مد النبي صلى الله عليه وسلم] الاستذكار 15/ 87 - 88. والمقصود بالطعام في الكلام السابق أي يطعم من غالب قوت أهل البلد، وكانوا يطعمون الحنطة والشعير والتمر، وأما في زماننا فلأرز والطحين هما غالب قوت الناس.

وينبغي التنبيه على أنه يجوز إخراج القيمة بدلاً عن الإطعام، أي إعطاء المسكين نقوداً بقيمة الطعام وذلك قياساً على جواز إخراج القيمة في الزكاة وفي صدقة الفطر والكفارات وهو مذهب الحنفية ونقل هذا القول عن جماعة من أهل العلم منهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري ونقل عن جماعة من الصحابة أيضاً وهذا القول هو الراجح إن شاء الله تعالى وهو الذي يحقق مصلحة الفقير وخاصة في هذا الزمان وهو قول وجيه تؤيده الأدلة الكثيرة ومنها أن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة فمن ذلك ما ورد عن طاووس قال معاذ باليمن: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج. وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة وذكر أثر معاذ السابق واحتجاج البخاري بهذا يدل على قوة الخبر عنده كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 4/ 54. ونقل الحافظ عن ابن رشيد قال: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. وفعل معاذ مع إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يدل على جوازه ومشروعيته وكذلك فإن سد حاجة المسكين تتحقق بالنقود أكثر من تحققها بالأعيان وخاصة في زماننا هذا لأن نفع النقود للفقراء أكثر بكثير من نفع القمح أو الأرز لهم ولأن الفقير يستطيع بالمال أن يقضي حاجاته وحاجات أولاده وأسرته. وأخيراً أنبه على جواز إخراج هذه الفدية في أول رمضان أو في آخره أو بعد رمضان حسب الوسع والطاقة، ويجوز إعطاؤها لمسكين واحد أو أكثر، والأفضل دفعها لأسرة فقيرة محتاجة.

وخلاصة الأمر أن إطعام المسكين المذكور في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} يقدر بمدٍ وهو ربع صاع والصاع يساوي 2176 غراماً وربعه المد ويساوي 544 غراماً، ويجوز إخراج القيمة بدلاً من الطعام على الراجح من أقوال العلماء. وينبغي أن لا تقل القيمة عن سبعة شواقل في زماننا هذا. - - -

حكم استئذان الزوجة زوجها في صوم القضاء

حكم استئذان الزوجة زوجها في صوم القضاء تقول السائلة: هل يلزم الزوجة استئذان زوجها في صوم ما أفطرته من رمضان، وما الحكم إذا أفطرت أثناء أيام قضاء رمضان، وهل تلزم الكفارة إذا كان الفطر بالجماع، أفيدونا؟ الجواب: القضاء على من أفطر في نهار رمضان واجب شرعاً، يقول الله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (سورة البقرة الآية 184. وينبغي أن يعلم أن قضاء ما أفطره المسلم من رمضان لعذر واجب على التراخي وليس واجباً على الفور، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وجملة ذلك أن من عليه صوماً من رمضان فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يكون عليَّ الصيام من شهر رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان) متفق عليه .. ] المغني 3/ 153. وما ذكره الشيخ ابن قدامة المقدسي هو مذهب جماهير أهل العلم أن قضاء ما أفطره من رمضان لعذر فهو على التراخي، وإن كانت المبادرة للقضاء أفضل لعموم النصوص المرغبة في المبادرة إلى الطاعات كما في قوله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (سورة البقرة/148. وقوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (سورة آل عمران/133. وأما إذا كان الفطر لغير عذر فالقضاء على الفور، قال الإمام النووي: [الصوم الفائت من رمضان كالصلاة فان كان معذوراً في فواته كالفائت بالحيض والنفاس

والمرض والإغماء والسفر فقضاؤه على التراخي ما لم يحضر رمضان السنة القابلة ... ، وإن كان متعدياً في فواته ففيه الوجهان كالصلاة أصحهما عند العراقيين قضاؤه على التراخي وأصحهما عند الخراسانيين وبعض العراقيين وهو الصواب أنه على الفور، وأما قضاء الحج الفاسد فهل هو على الفور أم التراخي؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب في موضعهما أصحهما على الفور لأنه متعد بالإفساد، وأما الكفارة فان كانت بغير عدوان ككفارة القتل خطأ وكفارة اليمين في بعض الصور فهي على التراخي بلا خلاف لأنه معذور وإن كان متعدياً فهل هي على الفور أم على التراخي فيه وجهان حكاهما القفال والأصحاب أصحهما على الفور] المجموع 3/ 69 - 70. إذا تقرر هذا فإن المرأة التي عليها قضاء من رمضان ينبغي أن تستأذن زوجها في القضاء ما دام وقت القضاء متسعاً، وهذا خير لها ولزوجها، وأما إذا ضاق وقت القضاء كأن يكون قد بقي من شعبان بعدد الأيام التي أفطرتها من رمضان فلا يلزمها الاستئذان وإذا صامت الزوجة قضاءً لما أفطرت من رمضان فلا يجوز لزوجها أن يلزمها بالفطر، وهذا بخلاف صومها نافلة فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه) رواه البخاري ومسلم، وقد حمل أهل العلم هذا الحديث على صوم النافلة قال الإمام النووي في شرح الحديث: [قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه) هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين، وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا، وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي، فإن قيل: فينبغي أن يجوز لها

الصوم بغير إذنه، فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها، فالجواب: إن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة؛ لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وزوجها شاهد) أي مقيم في البلد، أما إذا كان مسافراً فلها الصوم؛ لأنه لا يتأتى منه الاستمتاع إذا لم تكن معه.] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 95. ويؤيد حمل الحديث على غير رمضان ما ورد في رواية الترمذي (عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوماً من غير شهر رمضان إلا بإذنه) وهو حديث حسن صحيح، كما قال الترمذي، انظر سنن الترمذي 3/ 151. وأما إذا أفطرت أثناء أيام قضاء رمضان فلا يلزمها إلا قضاء يوم واحد فقط، ولكن يجب أن يعلم أنه لا ينبغي لمن صام قضاءً أن يقطع صومه لغير عذر ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أم هانئ قالت: (لما كان يوم فتح مكة جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم هانئ عن يمينه قالت فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه ثم ناوله أم هانئ فشربت منه، قالت يا رسول الله: لقد أفطرت وكنت صائمة فقال لها: أكنت تقضين شيئاً قالت: لا، قال: فلا يضرك إن كان تطوعاً) رواه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 222. وإذا أفطرت المرأة بالجماع فلا تلزمها الكفارة المذكورة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله. قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تتطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا. قال: ثم جلس. فأوتي النبي

صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فيه تمر، فقال صلى الله عليه وسلم: تصدق بهذا. قال: أفقر منا، فما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك) رواه البخاري ومسلم. والعَرَق هو القفة والمكتل ويسع خمسة عشر صاعاً وهي ستون مُدَّاً لستين مسكيناً لكل مسكين مُدّ، قاله الإمام النووي. شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 184. وهذه الكفارة تجب فقط فيمن أفسد صوم رمضان بالجماع على الراجح من أقوال أهل العلم، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان في قول أهل العلم وجمهور الفقهاء، وقال قتادة: تجب على من وطئ في قضاء رمضان لأنه عبادة تجب الكفارة في أدائها، فوجبت في قضائها كالحج، ولنا أنه جامع في غير رمضان فلم تلزمه كفارة، كما لو جامع في صيام الكفارة ويفارق القضاء الأداء لأنه متعين بزمان محترم فالجماع فيه هتك له، بخلاف القضاء.] المغني 3/ 138 - 139. وأخيراً أنبه على جواز قضاء ما أفطر من رمضان مفرقاً فلا يشترط التتابع في أيام القضاء، كما وأنه يجوز تأخير القضاء إلى أيام الشتاء، لأن نهارها أقصر فلا حرج في ذلك. كما وأن الأفضل في حق من كان عليه قضاء أيام من رمضان أن يقضيها أولاً ثم يصوم ستاً من شوال فإن القضاء واجب وصيام الستة سنة، والواجب مقدم على السنة. وخلاصة الأمر أن المرأة تستأذن زوجها في صوم القضاء ما دام وقت القضاء واسعاً، ولا تستأذنه إن ضاق وقت القضاء، وإن أفطرت في يوم القضاء لزمها قضاء يوم واحد فقط، وإن كان الفطر بالجماع فلا كفارة في ذلك. - - -

تصفيد الشياطين في رمضان

تصفيد الشياطين في رمضان يقول السائل: ورد في بعض الأحاديث أن الشياطين تصفد في رمضان ومع ذلك نرى معاصي كثيرة فما تعليل ذلك، أفيدونا؟ الجواب: تصفيد الشياطين في رمضان ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلِّقت أبواب النار وصفدت الشياطين) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية أخرى في صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلِّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) رواه الترمذي وغيره، وقال العلامة الألباني: حديث صحيح. انظر صحيح سنن الترمذي 1/ 209. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلُّ فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم) رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح كما بينه العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير حديث رقم 55.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا شهر رمضان قد جاءكم تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتسلسل فيه الشياطين) رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح كما ذكره العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير حديث رقم 6995. وفي صحيح الترغيب والترهيب 2/ 69. وقال الإمام ابن خزيمة في صحيحه: [باب ذكر البيان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله: وصفدت الشياطين مردة الجن منهم، لا جميع الشياطين إذ اسم الشياطين قد يقع على بعضهم، وذكر دعاء الملك في رمضان إلى الخيرات والتقصير عن السيئات مع الدليل على أن أبواب الجنان إذا فتحت لم يغلق منها باب ولا يفتح باب من أبواب النيران إذا أغلقت في شهر رمضان. ثم ساق بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين مردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنان فلم يغلق منها باب ونادى مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار) وقال العلامة الألباني: إسناده حسن. وقد اختلف شرَّاحُ الحديث في معنى تصفيد الشياطين وغلها وسلسلتها كما ورد في الأحاديث، وأجمع كلام في ذلك ما كتبه الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، فقد نقل عن الحليمي قوله: [يحتمل أن يكون المراد من الشياطين مسترقو السمع منهم، وأن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه، لأنهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ، ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما

يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر. وقال غيره: المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم، وترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه وأورد ما أخرجه هو والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن) وأخرجه النسائي من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ (وتغل فيه مردة الشياطين) زاد أبو صالح في روايته (وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) لفظ ابن خزيمة، وقوله (صفدت) بالمهملة المضمومة بعدها فاء ثقيلة مكسورة أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت، ونحوه للبيهقي من حديث ابن مسعود وقال فيه: (فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب الشهر كله). قال عياض: يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين. قال: ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم (فتحت أبواب الرحمة) قال: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة، وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار، وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات. قال الزين بن المنير: والأول أوجه، ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره .... وجزم التوربشتي شارح المصابيح بالاحتمال الأخير وعبارته: فتح

أبواب السماء كناية عن تنزل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن القبول، وغلق أبواب جهنم كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الفواحش والتخلص من البواعث عن المعاصي بقمع الشهوات ... وقال القرطبي بعد أن رجح حمله على ظاهره: فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك؟ فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية. وقال غيره: في تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذر المكلف كأنه يقال له قد كفت الشياطين عنك فلا تعتل بهم في ترك الطاعة ولا فعل المعصية] فتح الباري 4/ 147. إذا تقرر هذا فإن وقوع المعاصي في رمضان لا ينافي تصفيد الشياطين لأننا إذا حملنا الحديث على ظاهره فإن بعض الشياطين هي التي تصفد وهم مردتهم أو أنهم يصفدون في ليالي رمضان دون نهاره كما سبق في كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني. وإذا حملنا الحديث على المجاز فيكون المعنى كما قاله الحافظ أبو عمر بن عبد البر: [(صفدت الشياطين) وجهه عندي والله أعلم أنه على المجاز وإن كان قد روي في بعض الأحاديث سلسلت فهو عندي مجاز والمعنى فيه والله أعلم أن الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي ولا يخلص إليهم فيه

الشياطين كما كانوا يخلصون إليهم في سائر السنة وأما الصفد (بتخفيف الفاء) فهو الغل عند العرب] الاستذكار 10/ 252. ونحو كلام ابن عبد البر قاله القاضي عياض كما نقله الإمام النووي: [قال: ويحتمل أن يكون المراد المجاز، ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم وإيذاؤهم فيصيرون كالمصفدين، ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء، ولناس دون ناس، ويؤيد هذه الرواية الثانية (فتحت أبواب الرحمة) وجاء في حديث آخر: (صفدت مردة الشياطين) قال القاضي: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموماً كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات، وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها، وكذلك تغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات، ومعنى صفدت: غللت، والصفد بفتح الفاء، الغل بضم الغين، وهو معنى سلسلت في الرواية الأخرى. هذا كلام القاضي] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 154. وخلاصة الأمر أن تصفيد الشياطين في رمضان حق وصدق نؤمن به ونصدقه لأنه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ورد عن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: سألت أبي عن حديث (إذا جاء رمضان صفدت الشياطين) قال: نعم، قلت: الرجل يوسوس في رمضان ويصرع، قال هكذا جاء الحديث. ووقوع المعاصي من الناس في رمضان لا ينافي الحديث حيث حمل العلماء الحديث على عدة وجوه كما سبق. - - -

حكم العمرة من التنعيم

حكم العمرة من التنعيم يقول السائل: إنه يريد أن يعتمر في رمضان القادم إن شاء الله تعالى، ويرغب أن يعتمر عن أمه المتوفية بعد الفراغ من عمرته وذلك بأن يحرم من التنعيم، وقد سمع أن العمرة من التنعيم لا تصح، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: العمرة شعيرة من شعائر الله وللعمرة فضل عظيم فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه البخاري مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم) رواه ابن ماجة وابن حبان وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 149. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة) رواه النسائي والترمذي وغيرهما وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 244 - 245. وورد زيادة فضل للعمرة في شهر رمضان فقد روى الإمام البخاري بسنده عن عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يخبرنا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ما منعك أن تحجي معنا، قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه - لزوجها وابنها- وترك ناضحاً ننضح عليه قال: (فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان

حجة). وفي رواية عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة). وعن ابن عباس قال أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جملك، فقال: ما عندي ما أحجك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله وإنها سألتني الحج معك قالت أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما عندي ما أحجك عليه، فقالت أحجني على جملك فلان، فقلت ذاك حبيس في سبيل الله، فقال: أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله، قال وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرئها السلام ورحمة الله وبركاته وأخبرها أنها تعدل حجة معي يعني عمرة في رمضان) رواه أبو داود وغيره وقال الألباني حسن صحيح، انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 374. وقال الإمام الترمذي: (وقال أحمد وإسحق قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة قال إسحق معنى هذا الحديث مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقد قرأ ثلث القرآن) سنن الترمذي 3/ 276 - 277، وقال الإمام النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن عمرة فيه) أي في رمضان (تعدل حجة)، وفي الرواية الأخرى: (تقضي حجة) أي تقوم مقامها في الثواب، لا أنها تعدلها في كل شيء، فإنه لو كان عليه حجة فاعتمر في رمضان لا تجزئه عن الحجة. شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 385. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (قال ابن خزيمة: في هذا

الحديث أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها، لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر ... فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض، للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض. ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن. وقال ابن العربي: حديث العمرة هذا صحيح، وهو فضل من الله ونعمة، فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها. وقال ابن الجوزي: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد) فتح الباري 3/ 762 - 763. وتصح النيابة في العمرة عن الميت كما تصح في الحج، فقد جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت: (يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، قال: فحجي عنه) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: حج عن أبيك واعتمر) رواه أبو داود والترمذي، وقال الإمام الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح وإنما ذكرت العمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن يعتمر الرجل عن غيره] سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي 3/ 127. إذا تقرر هذا فإن العمرة من التنعيم -مسجد عائشة رضي الله عنها- جائزة على الراجح من أقوال أهل العلم للمكي وللآفاقي -وهو من أتى مكة من غير أهلها-

وبه قال جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم منهم عائشة وعلي وابن عباس وأنس بن مالك وأم الدرداء وجابر بن عبد الله وابن عمر وعبد الله بن الزبير، وقال به من التابعين عكرمة والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاووس وهو قول جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم، كما في نضرة النعيم في حكم العمرة من التنعيم، عن الإنترنت. قال الإمام مالك: [فأما العمرة من التنعيم فإنه من شاء أن يخرج من الحرم ثم يحرم فإن ذلك مجزىء عنه إن شاء الله، ولكن الفضل أن يهل من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما هو أبعد من التنعيم] الموطأ 1/ 282. وقال الإمام الشافعي: [ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل، والأفضل أن يحرم من الجعرانة أو التنعيم] الأم 2/ 133. وقال عطاء: [من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة فليحرم منها، وأفضل ذلك أن يأتي وقتاً - ميقاتاً - من مواقيت الحج] فتح الباري 3/ 606. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [مسألة: وأهل مكة إذا أرادوا العمرة فمن الحل وإذا أرادوا الحج فمن مكة، أهل مكة ومن كان بها سواء كان مقيماً بها أو غير مقيم، لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتاً له، وكذلك كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج وإن أراد العمرة فمن الحل لا نعلم في هذا خلافاً، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أن يعمِّر عائشة من التنعيم] المغني 3/ 246. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وإذا أراد المكي وغيره العمرة أهل من الحل، وأدناه من التنعيم، قال: وقال القاضي: يستحب الإحرام من الجعرانة، فإن

فاته ذلك أحرم من التنعيم، فإن فاته فمن الحديبية، وكذلك ذكر ابن عقيل، إلا أنه لم يذكر التنعيم هنا، وعمدة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة واعتمر عمرة الحديبية، وأمر عائشة أن تعتمر من التنعيم فخصت هذه بالفضل وكان أفضل هذه المواقيت، قال: وقال أبو الخطاب: الأفضل أن يحرم من التنعيم] شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، عن الإنترنت. ومما يدل على جواز العمرة من التنعيم ما يلي: ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان معه هدى فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً. فقدمت معه مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انقضي رأسك، وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة. ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق إلى التنعيم فاعتمرت فقال: هذه مكان عمرتك). وروى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم ... ) رواه مالك في الموطأ. وسئل عطاء عن عمرة التنعيم فقال: هي تامة ومجزئة) مجموع فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26/ 266. وغير ذلك من الأدلة تجدها مفصلة في نضرة النعيم في حكم العمرة من التنعيم. وخلاصة الأمر أن العمرة لها فضل عظيم وخاصة إذا كانت في رمضان، وتصح العمرة عن الميت، والعمرة من التنعيم -مسجد عائشة رضي الله عنها- جائزة على الراجح من أقوال أهل العلم. - - -

المعاملات

المعاملات

بيع القمح والملح والتمر بالدين لا يدخل في الربا

بيع القمح والملح والتمر بالدين لا يدخل في الربا يقول السائل: إنه صاحب متجر للمواد الغذائية وقد اعتاد على بيع القمح والملح والتمر بالدين لزبائنه، ولكنه سمع بعض الناس يحرم ذلك ويعتبره من الربا، فما قولكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: ورد في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم. هذا الحديث أصل في بيان الأصناف التي يجري فيها الربا، وقد اتفق جماهير أهل العلم على أن الربا يتعدى هذه الأصناف إلى غيرها إن اتحدت معها في العلة، ولكنهم اختلفوا في علة تحريم الربا في الأصناف المذكورة في الحديث، ومع ذلك فهم متفقون على أن الأصناف الستة المذكورة في الحديث تنقسم إلى مجموعتين: المجموعة الأولى: الذهب والفضة، والمجموعة الثانية: البر والشعير والتمر والملح، والفقهاء متفقون على أن علة التحريم في المجموعة الأولى واحدة، وعلة التحريم في المجموعة الثانية واحدة، أي أن علة التحريم في الذهب والفضة هي غير علة التحريم في البر والشعير والتمر والملح، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [واتفق المعللون على أن علة الذهب والفضة واحدة، وعلة الأعيان الأربعة واحدة ثم اختلفوا في علة كل واحدٍ منهما] المغني 4/ 5. وقال الشيخ تقي الدين السبكي: [الأمة أجمعت على أن السنة المذكورة في الحديث جملتان متفاضلتان، النقدان والأشياء الأربعة، تنفرد كل جملة بعلتها] تكملة المجموع 10/ 91. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية 22/ 64 ما

نصه: [اتفق عامة الفقهاء على أن تحريم الربا في الأجناس المنصوص عليها إنما هو لعلة، وأن الحكم بالتحريم يتعدى إلى ما تثبت فيه هذه العلة، وأن علة الذهب والفضة واحدة، وعلة الأجناس الأربعة الأخرى واحدة]. وينبغي أن يعلم أن مسألة تحديد العلة في الأصناف الربوية محل خلاف كبير بين العلماء، فهي مسألة اجتهادية وقد تباينت فيه أقوال العلماء: [فقال الحنفية: العلة: الجنس والقدر، وقد عرف الجنس بقوله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والحنطة بالحنطة)، وعرف القدر بقوله صلى الله عليه وسلم: (مثلاً بمثل)، ويعني بالقدر الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن لقوله صلى الله عليه وسلم: (وكذلك كل ما يكال ويوزن)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الصاع بالصاعين) ... وقال المالكية: علة الربا في النقود مختلف فيها، فقيل: غلبة الثمنية، وقيل: مطلق الثمنية ... وعلة ربا الفضل في الطعام الاقتيات والادخار ... وعلة ربا النساء مجرد الطعم ... وذهب الشافعية إلى أن العلة في تحريم الربا في الذهب والفضة كونهما جنس الأثمان غالباً ... والعلة في تحريم الربا في الأجناس الأربعة وهي البر والشعير والتمر والملح أنها مطعومة ... وروي عن أحمد بن حنبل في علة تحريم الربا في الأجناس الستة ثلاث روايات: أشهرها أن علة الربا في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس، وفي الأجناس الباقية كونها مكيلات جنس ... والرواية الثانية: أن العلة في الأثمان الثمنية، وفيما عداها كونه مطعوم جنس ... والرواية الثالثة: العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا] الموسوعة الفقهية الكويتية 22/ 64 - 67. إذا تقرر هذا فقد اتفق أهل العلم على أن بيع الأصناف الربوية بعضها ببعض يكون على النحو الآتي:

1. إذا بيع الشيء بجنسه كتمر بتمر، فيشترط لذلك شرطان: التماثل والتقابض، أي تماثل الوزنين أو الكيلين مع التقابض في مجلس العقد. ولا يصح في هذه الحالة اختلافهما في القدر -الوزن أو الكيل- ولا يصح التأجيل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثلًا بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى) رواه البخاري ومسلم. 2. إذا بيع الشيء بغير جنسه مع اتحاد العلة كذهب بفضة، فيشترط لذلك التقابض دون التماثل. فيصح أن يبيع مئة غرام ذهب بخمسمئة غرام فضة بشرط القبض في المجلس. 3. إذا بيع الشيء بغير جنسه مع عدم الاتحاد في العلة، كبيع القمح بالذهب، أو الملح بالفضة، فلا يشترط لذلك لا تقابض ولا تماثل. ويلحق بذلك بيع أحد الأصناف الأربعة وهي البر والشعير والتمر والملح وما يجري مجراها بالنقود الورقية المعروفة اليوم، فيصح أن تبيع القمح إلى أجل، أي كما يسميه الناس اليوم البيع بالدين، قال الإمام النووي: [وأجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلاً ومؤجلاً، وذلك كبيع الذهب بالحنطة، وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل] شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 9. وقال الشيخ ابن حزم: [وجائز بيع القمح والشعير والتمر والملح بالذهب أو بالفضة يداً بيد ونسيئةً وجائز تسليم الذهب أو الفضة بالأصناف التي ذكرنا لأن النص جاء بإباحة كل ذلك وبالله تعالى التوفيق] المحلى 7/ 438. وقال الشيخ تقي الدين السبكي: [وأما إسلام النقدين في المطعومات فصحيح إذ لم يجتمعا في علة واحدة قال محمد بن يحيى: فإن قيل ينبغي ألا يصح لأن الحديث أخذ علينا شرطين: الحلول والتقابض عند اختلاف الجنس. قلنا:

ظاهر هذا الكلام يقتضي هذا تنزيلاً على اختلاف الجنسين في هذه السنة المذكورة غير أن الأمة أجمعت على أن السنة المذكورة في الحديث جملتان متفاضلتان النقدان والأشياء الأربعة، تنفرد كل جملة بعلتها، والمراد بالحديث اختلاف الجنسين من جملة واحدة كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير، وحاصله تخصيص عام أو تقييد مطلق بالإجماع وهذا الإجماع الذى قاله محمد بن يحيى والذى قاله المصنف في آخر هذا الفصل وسأذكر من نقله غيرهما إن شاء الله تعالى] تكملة المجموع 10/ 91. وقال الشيخ تقي الدين السبكي أيضاً: [قاعدة: العقود بالنسبة إلى التقابض على أربعة أقسام: (منها) ما يجب فيه التقابض قبل التفرق بالإجماع وهو الصرف، ومنها ما لايجب بالإجماع كبيع المطعومات وغيرها من العروض بالنقدين الذهب والفضة ... ] تكملة المجموع 10/ 93. وقال الشيخ تقي الدين السبكي أيضاً: [إذا عرف ذلك فإذا باع الربوي بربوي آخر يخالفه في علة الربا حلَّ فيه التفاضل والنساء - أي التأجيل- والتفرق قبل التقابض لما ذكره المصنف رحمه الله وللإجماع المذكور نقله الشافعي رحمه الله تعالى في الإملاء واقتضاه كلامه في الأم والمختصر ولفظه في الإملاء أصرح قال فيه: [لأن المسلمين أجمعوا على أن الذهب والورق يسلمان فيما سواهما] وقال في الأم في باب الآجال في الصرف: [ولا أعلم المسلمين اختلفوا في أن الدنانير والدارهم يسلمان في كل شئ إلا أن أحدهما لا يسلم في الآخر] وقال في مختصر المزني رحمه الله: [ولا أعلم بين المسلمين خلافاً في أن الدينار والدرهم يسلمان في كل شيء ولا يسلم أحدهما في الآخر] تكملة المجموع 10/ 173.

ومما يدل على جواز بيع الحنطة والشعير والتمر والملح بالنقود إلى أجل ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاماً بنسيئة وأعطاه درعا له رهناً) رواه البخاري ومسلم. ومعنى نسيئة أي إلى أجل. ويدل عليه أيضاً ما ورد في الحديث عن ابن عباس: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: (من أسلف في شيء؛ فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) رواه البخاري ومسلم. قال الشيخ العثيمين: [ ... وعلى هذا يجوز بيع صاع من البر بدينار من الذهب مع التفرق وعدم التساوي لاختلاف القصد؛ لأن هذا يقصد به النقد والثمنية، وهذا يقصد به القوت. فإن قيل: الحديث يدل على أنه لا يصح إلا بالقبض؛ فما هو الجواب؟ نقول: حقيقة إن هذا مقتضى الحديث أنك إذا بعت ذهباَ ببر وجب التقابض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأصناف؛ فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد). والجواب عن هذا أن نقول: قد دلت السنة من وجه آخر على أن القبض ليس بشرط فيما إذا كان أحدهما ثمناً، قال ابن عباس رضي الله عنهما: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: (من أسلف في شيء؛ فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم). وعلى هذا؛ فحديث: (فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) لا عموم لمفهومه؛ فلا يشترط القبض في كل صورة من صور المخالفة، وإنما يشترط القبض فيما إذا اتفقا في الغرض؛ كذهب بفضة، أو بر بشعير، وأما ذهب أو فضة بشعير ونحوه؛ فلا يشترط القبض] مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين 9/ 501 - 502.

حكم السحب على المكشوف من البنك الربوي

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية 13/ 282: [أجمع العلماء على جواز بيع الحنطة والشعير والتمر والملح بنقد ذهبي أو فضي أو ما قام مقامهما من العملات النقدية، حالاً أو مؤجلاً، سواء كان المؤجل بسعر الحال، أو أكثر أو أقل]. وخلاصة الأمر أنه يجوز شرعاً بيع القمح والشعير والتمر والملح - وكذا كل ما يتحد معها في العلة - بالنقود إلى أجل، وأن القول بمنع ذلك قول مخالف لما دلت عليه الأدلة ولما تعارف عليه الناس منذ عهد بعيد، وما هو إلا جمود على ظاهر النص. - - - حكم السحب على المكشوف من البنك الربوي يقول السائل: أنا موظف وراتبي محول على أحد البنوك التجارية وأقوم بسحب الراتب قبل تحويله من المؤسسة التي أعمل فيها، وأحياناً أسحب ضعف الراتب قبل نزوله فما حكم هذه العملية، أفيدونا؟ الجواب: هذه العملية تسمى السحب على المكشوف، وتكييفها الشرعي أنها قرض ربوي، لأن البنوك التجارية التي تتعامل بها ترتب فوائد ربوية عليها، فحقيقة هذه المعاملة أن البنك يقرض الموظف مبلغاً من المال قبل موعد نزول راتب الموظف لدى البنك، ثم يقوم البنك باستيفاء القرض مع الفائدة الربوية عند نزول الراتب، وهذا هو الربا بعينه، والربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ

قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا) رواه البخاري. وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة) رواه ابن ماجة، ورواه الحاكم وقال: صحيح

الإسناد، وفي لفظ له قال: (الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قل) وقال فيه أيضاً صحيح الإسناد، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 3542 وبرقم 5518. وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع يقول: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلّغت؟ قالوا: نعم، ثلاث مرات. قال: اللهم اشهد ثلاث مرّات) رواه أبو داود وابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 641 - 642. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمِن الحلال أم مِنَ الحرام) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (يأتي على الناس زمان يأكلون الربا، فمن لم يأكله، أصابه من غباره). رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم في المستدرك وقال: قد اختلف في سماع الحسن عن أبي هريرة، فإن صح سماعه منه، فهذا حديث صحيح. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633.

وعن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه - غسيل الملائكة - أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ من ستٍّ وثلاثين زنية) رواه أحمد، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد 4/ 117. وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 29. وغير ذلك من النصوص الحرمة للربا. ومن صور السحب على المكشوف في البنوك الربوية التعامل ببطاقات الإئتمان التي تتيح لحاملها أن يسحب من البنك مبالغ مالية مع أن حسابه لا يغطيها ويقوم البنك بترتيب فوائد ربوية على ذلك، وهذا لا شك في تحريمه، وقد صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي وضح فيه القواعد الأساسية للتعامل مع هذه البطاقات ونصه: [ ... بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (بطاقات الائتمان غير المغطاة) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم 63/ 1/7 الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنه: مستند يعطيه مصدرُه (البنك المصدر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات، ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد. قرر ما يلي:

أولاً: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازماً على السداد ضمن فترة السماح المجاني. ثانياً: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدَّين. ويتفرع على ذلك: أ. جواز أخذ مصدرها من العميل رسوماً مقطوعة عند الإصدار أو التجديد، بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة منه. ب. جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد. ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراضاً من مصدرها، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعاً كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/ 2) و 13 (1/ 3). رابعاً: لا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة] انتهى قرار المجمع الفقهي. ومن صور السحب على المكشوف أيضاً إصدار شيك بدون رصيد حيث إن بعض المتعاملين مع البنوك الربوية يتفقون معها عند إصدارهم شيكات بدون رصيد، على أن يقوم البنك بتغطية قيمة هذه الشيكات التي لا رصيد لها واحتساب فوائد ربوية على مبلغ الشيكات، وهذا رباً واضح وهو محرم شرعاً.

حكم إصدار شيك بدون رصيد

وخلاصة الأمر أن السحب على المكشوف الذي تتعامل به البنوك الربوية محرم شرعاً، لأنه في حقيقته عقد ربوي، كما أن التعامل ببطاقات الإئتمان التي تسمح لحاملها أن يسحب أكثر من رصيده يحرم التعامل بها، وكذا إصدار شيكات بدون رصيد على أن يقوم البنك بتغطيتها مع ترتيب فائدة ربوية من المحرمات. - - - حكم إصدار شيك بدون رصيد يقول السائل: أرجو بيان حكم إصدار شيك بدون رصيد، أفيدونا؟ الجواب: الشيك نوع من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة، كما ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي [الأوراق التجارية -الشيكات ... - من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة] مجلة المجمع العدد السابع ج 2 ص9. والتعامل بالشيكات الأصل فيه الجواز بشرط أن يكون وفق الضوابط الشرعية التي قررها الفقهاء المعاصرون وكذا المجامع الفقهية، وإصدار شيك بدون رصيد أمر معروف ويتعامل به الناس وخاصة التجار، حيث إنهم يشترون بضاعة ويعطون بائعها شيكاً متأخراً بلا رصيد، ويجوز إصدار شيك بدون رصيد إذا كان المصدر للشيك سيقوم بتغطية المبلغ المرقوم في الشيك قبل تاريخ استحقاقه، فإذا التزم مصدر الشيك بهذا القيد فلا حرج في إصداره شيكاً بدون رصيد. وأما إذا أصدر شيكاً بدون رصيد وهو عازم على عدم تغطية المبلغ المرقوم في الشيك قبل تاريخ استحقاقه، وحان موعد صرف الشيك وليس له رصيد، فإن هذا العمل محرم لما يلي:

أولاً: لأن هذا يعتبر من باب تعمد إخلاف الوعد، والأصل في المسلم أن يفي بوعده، وخاصة أن مصدر الشيك إذا كان تاجراً فإنه يكون قد استلم البضاعة، وصاحب البضاعة ما سلَّمها له إلا ثقة به على أن يستلم ثمن البضاعة حين يأتي تاريخ الشيك المتأخر. وكثيرٌ من النصوص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أمرت بالوفاء بالوعد وحثت على ذلك وذمت من لم يف بوعده فمن هذه النصوص قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. فهذه الآية الكريمة تأمر بالوفاء بالعقود والوعد داخل في ذلك. قال الزجاج: [المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم مع بعضكم مع بعض] نقله عنه القرطبي في تفسيره 6/ 33. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف الآية 3. وهذه الآية من أشد الآيات في وجوب الوفاء بالوعد لأنها تضمنت الذم الشديد لمن لم يف بما يعد. قال القرافي: [والوعد إذا أخلف قول لم يفعل فيلزم أن يكون كذباً وأن يحرم إخلاف الوعد مطلقاً] الفروق 4/ 20. وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} سورة النحل الآية 91. وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} سورة الإسراء الآية 34. وورد في السنة النبوية ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد فمن ذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف) رواه البخاري ومسلم. وجاء في رواية أخرى عند مسلم: (من علامات المنافق ثلاث ... ). وفي رواية ثالثة عند مسلم أيضاً: (آية المنافق ثلاث ... وإن صام وصلى

وزعم أنه مسلم). وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: (دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتها فقالت: تعال أعطك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه؟ فقالت: أعطيه تمراً. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة) رواه أبو داود وحسّنه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 943، وفي السلسة الصحيحة 2/ 384. وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في صلاته كثيراً من المأثم والمغرم -الإثم والدَّين- فقيل له: يا رسول الله، ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم -أي استدان- حدث فكذب ووعد فأخلف) رواه البخاري. والذي أميل إليه وأختاره وجوب الوفاء بالوعد ديانةً وقضاءً وهذا قول جماعة من أهل العلم منهم جماعة من فقهاء السلف كالفقيه المعروف ابن شبرمة والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والقاضي سعيد بن الأشوع وإسحاق بن راهويه وغيرهم. ثانياً: إن إصدار شيك بدون رصيد مع عدم تغطيته في موعده يُعَدُّ من باب أكل أموال الناس بالباطل ولا شك في تحريم ذلك، يقول الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} سورة البقرة الآية 188. ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} سورة النساء الآية 29. وعن صهيب رضي

الله عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل يدين ديناً وهو مجمع على أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقاً) رواه ابن ماجة والبيهقي وقال العلامة الألباني: حسن صحيح كما في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 52. ثالثاً: بعض المتعاملين مع البنوك الربوية يتفقون معها عند إصدارهم شيكات بدون رصيد، حيث يقوم البنك بتغطية قيمة هذه الشيكات التي لا رصيد لها واحتساب فوائد ربوية على مبلغ الشيكات، وهذا رباً واضح وهو محرم شرعاً بالنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أثيم إن الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َفإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (سورة البقرة الآيات 275 - 279. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. رابعاً: إن إصدار شيك بدون رصيد مع عدم تغطيته في موعده، فيه إلحاق الضرر بالناس وهو أمر محرم وقد جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250.

خامساً: إصدار شيك بدون رصيد مع عدم تغطيته في موعده، من المسائل المستجدة التي ينبغي أن يعاقب عليها بعقوبة تعزيرية رادعة، لأنها صارت منتشرة بين الناس بشكل كبير ويترتب عليها أضرار كثيرة، والقوانين الوضعية تعاقب عليها، فقد جاء في ذلك المادة 421 من قانون العقوبات الأردني: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على مائتي دينار كل من أقدم بسوء نية على ارتكاب أحد الأفعال التالية: أ. إذا أصدر شيكاً وليس له مقابل وفاء قائم وقابل للصرف. ب. إذا سحب بعد إصدار الشيك كل المقابل لوفائه أو بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمته. ج. إذا أصدر أمراً إلى المسحوب عليه بالامتناع عن صرف الشيك في غير الحالات التي يجيزها القانون. د. إذا ظهَّر لغيره شيكاً أو أعطاه شيكاً مستحق الدفع لحامله وهو يعلم أنه ليس له مقابل يفي بكامل قيمته أو يعلم أنه غير قابل للصرف]. كما أن بعض البلدان قد وضعت عقوبات أخرى لمن يصدر شيكات بدون رصيد مثل شطب السجل التجاري لمن يصدر بشكل متكرر شيكات بدون رصيد، والتحفظ على محل التاجر أو شركته. وختاماً أنبه على أمرين: أولهما تعامل البنوك الإسلامية مع الشيكات بدون رصيد، حيث إن البنوك الإسلامية لا تتقاضى أية فوائد في حال قبلت كشف حساب الزبون المصدر للشيك بدون رصيد، لأن القاعدة الأساسية التي تقوم عليها البنوك الإسلامية هي عدم التعامل بالربا لا أخذاً ولا إعطاءً، كما أن البنوك الإسلامية لا تقبل كشف

حكم جوائز حسابات التوفير

حساب الزبون المصدر للشيك بدون رصيد، إلا إذا كان عنده ضمانات مثل وديعة استثمارية، وكذلك أن يكون كشف الحساب لمدة قصيرة لا تتجاوز نهاية الشهر الذي قُدمَ فيه الشيك بدون رصيد. وثانيهما: إذا صدر شيك بدون رصيد وأرجعه البنك المسحوب عليه، فإن البنك يتقاضى رسوماً على ذلك، وهذه الرسوم يجب أن يتحملها المصدر للشيك بدون رصيد. وخلاصة الأمر أنه يحرم إصدار شيكات بدون رصيد إذا لم يتم تغطية المبلغ المرقوم فيها، لاشتمال هذه العملية على عدة مفاسد بينتها. - - - حكم جوائز حسابات التوفير يقول السائل: ما حكم جوائز حسابات التوفير التي تقدمها البنوك، أفيدونا؟ الجواب: الجائزة هي العطيّة إذا كانت على سبيل الإكرام كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية 15/ 76. وقد ورد في الحديث عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته). قالوا وما جائزته يا رسول الله؟ قال: (يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه) رواه البخاري ومسلم. والأصل في الجائزة الإباحة ما دامت منضبطة بالضوابط الشرعية، ورد في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي: [الأصل إباحة الجائزة على عمل مشروع سواء أكان دينيّاً أو دنيويّاً لأنّه من باب الحثّ على فعل الخير والإعانة عليه بالمال وهو من قبيل الهبة] 15/ 77.

إذا تقرر هذا فأعود إلى جواب السؤال فأقول: إن حسابات التوفير إذا كانت في البنوك الربوية فهي محرمة، وبالتالي فإن الجوائز التي تعطيها البنوك الربوية على حسابات التوفير حرام أيضاً، وتعتبر هذه الجوائز من باب الفوائد الربوية، ويضاف إلى ذلك أنها تحرم أيضاً لأنها من باب القمار، جاء في فتاوى الشبكة الإسلامية ما يلي: [فإذا كان البنك يتعامل بالربا فلا يجوز ذلك، وهذه الجوائز هي عين الفائدة الربوية، لكن اختلفت طريقة التوزيع فقط، بل هذا جمع بين الربا والميسر، فإن العميل سيضع ماله على أمل أن يكون من الفائزين، وقد يقع عليه الاختيار وقد لا يقع.] عن موقع الشبكة الإسلامية على شبكة الإنترنت. ويجب أن يعلم أن الأصل في المسلم أنه لا يتعامل مع البنوك الربوية إلا في حالات خاصة، فقد جاء في قرار مجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة سنة 1406 هـ/ 1986م ما يلي: [يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج؛ إذ لا عذر له في التعامل معها مع وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام]. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية ما يلي: [لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية، سواء كان إيداعها بفوائد أو بدون فوائد؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، إلا إذا خيف عليها من الضياع، بسرقة أو غصب أو نحوهما، ولم يجد طريقاً لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربويةٍ مثلاً، فيرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية

بدون فوائد، محافظةً عليها؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين] فتاوى اللجنة الدائمة 13/ 346. وأما حسابات التوفير في البنوك الإسلامية فالأصل فيها الجواز، لأن البنوك الإسلامية لا تتعامل بالربا (الفائدة) لا أخذاً ولا إعطاءً، وهذه حقيقة ما زال بعض الناس يجادل فيها، ويزعمون أنه لا فرق بين البنوك الربوية وبين البنوك الإسلامية، وهذا كلام باطل، فإن خاصية البنوك الإسلامية في عدم التعامل بالربا هي الخاصية الأساسية التي يتميز بها البنك الإسلامي عن البنك الربوي لأن الربا كما هو معلوم محرم بالنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أثيم إن الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َفإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم. يقول الدكتور غريب الجمال: [تشكل خاصية استبعاد الفوائد من معاملات المصارف الإسلامية المعلم الرئيسي لها وتجعل وجودها متسقاً مع البنية السليمة

للمجتمع الإسلامي وتصبغ أنشطتها بروح راسية ودوافع عقائدية تجعل القائمين عليها يستشعرون دائماً أن العمل الذي يمارسونه ليس مجرد عمل تجاري يهدف إلى تحقيق الربح فحسب بل إضافة إلى ذلك أسلوب من أساليب الجهاد في حمل عبء الرسالة والإعداد لاستنقاذ الأمة من مباشرة أعمال مجافية للأصول الشرعية وفوق كل ذلك وقبله يستشعر هؤلاء العاملون أن العمل عبادة وتقوى مثاب عليها من الله سبحانه وتعالى إضافة إلى الجزاء المادي الدنيوي] المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ص 192 - 193. والجوائز التي تعطيها البنوك الإسلامية على حسابات التوفير يختلف حكمها من بنك لآخر، لذا يصعب إصدار فتوى واحدة تعمها بالجواز أو المنع، والأمر يحتاج إلى تفصيل كما يلي: أولاً: لا يجوز أن يكون إعطاء الجائزة مشروطاً بفتح الحساب، بمعنى أنه يشترط عند فتح حساب التوفير للدخول في السحب على الجائزة شروط معينة على المتعامل كأن يفتح حساب توفير بعملة معينة كالدولار الأمريكي. وأن لا يقل رصيد الحساب عن كذا دولار. وأن يعمل على تغذية الحساب بشكل مستمر، بحيث يمنح صاحب الحساب عن كل مئة دولار فرصة للفوز بالجائزة. فهذه الجوائز تعتبر من باب الفائدة الربوية، لأن التكييف الصحيح لحساب التوفير أنه من باب القرض، ومن المعلوم أن أي زيادة مشروطة على القرض تعد من باب الربا. وقد قرر الفقهاء أن كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا، كما جاء في معنى حديث غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن معناه صحيح، وقد اتفق الفقهاء على تحريم أي منفعة يستفيدها المقرض من قرضه، ولكن ليس على

إطلاقها، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. قال الحافظ ابن عبد البر: [وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط]. وقال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة ربا] الموسوعة الفقهية 33/ 130. ثانياً: إذا أعطت البنوك الإسلامية جوائز على حسابات التوفير بدون شرط مسبق عند فتح الحساب، فإن كثيراً من هيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية قد أجازت ذلك، وأجازه كذلك عدد من الباحثين المعاصرين، انظر كتاب الجوائز أحكامها وصورها المعاصرة ص 110 - 114، وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية ما يلي: [فالذي يترجح أن هذه الجوائز إذا كانت مقدمة من طرف بنك إسلامي فهي مباحة يجوز أخذها. فهي تشجيع من البنك لاستقطاب أكثر عدد ممكن من العملاء بطريقة لا تفضي إلى محظور شرعاً. ولا يشبه هذا القمار، لأن العميل لم يدفع شيئاً فيغنم أو يغرم كما هو الشأن في القمار، وإنما يودع ماله ليستثمر له.] عن موقع الشبكة الإسلامية على شبكة الإنترنت. وجاء في فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني ما يلي: [يجوز أن يمنح البنك جوائز لأصحاب ودائع الادخار دون علم سابق من جانبهم وكيف يحددها البنك بحيث تتعدد وتتباين صور هذه الجوائز في كل مرة، ولا تكون في فترات ثابتة، حتى تصبح هي الدافع للادخار ولا يجوز تقديم جوائز للمدخرين بصورة معلنة ومتكررة، وإن كانت غير مشروطة في عقد وديعة الادخار لأن ذلك سيصير بمرور الزمن عرفا وبالتالي يأخذ حكم المنفعة المشروطة

لا يجوز تثبت سعر العملة في عقد القرض

في عقد الوديعة، ويما أن أصحاب الودائع أذنوا للبنك في التصرف في ودائعهم، وضمن البنك ردها إليهم فإنها تأخذ حكم القرض، ولا يجوز اشتراط منفعة للمقرض] عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن الجوائز على حسابات التوفير في البنوك الربوية محرمة شرعاً وأما الجوائز على حسابات التوفير في البنوك الإسلامية فإذا كان هنالك شرط سابق لها فلا تجوز وأما إذا كانت بدون شرط مسبق فلا بأس بها. - - - لا يجوز تثبت سعر العملة في عقد القرض يقول السائل: اقترضت قبل حوالي السنة مبلغ أربعة آلاف دولار من أحد الأقارب وكتبنا ورقة بيننا على أن سعر الدولار 3. 4 شيكل، واتفقنا على أنه إذا ارتفع سعر الدولار فأسدد المبلغ بالدولار، وإذا انخفض سعر الدولار فأسدد بالشيكل حسب سعر صرف الدولار يوم القرض أي بسعر الدولار 3. 4 شيكل، فما حكم هذه المعاملة، أفيدونا؟ الجواب: الشرط المذكور في الاتفاق بينكما شرط باطل، لأن المقترض يلزمه أن يرد مثل ما اقترض فقط، ولا يلزمه أن يرد قيمته، قال ابن عابدين نقلاً عن كتاب الخلاصة: [القرض بالشرط حرام، والشرط لغو] حاشية ابن عابدين. وحقيقة ما تم بين السائل وبين المقرض أنه قرض وبيع، فالسائل اقترض أربعة آلاف دولار، وفي نفس الوقت اشترها بسبعة عشر ألف ومئتي شيكل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع، كما ثبت في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل سلف

وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال العلامة الألباني: حسن. إرواء الغليل 5/ 146. وقال العلامة ابن القيم: [وحرم الجمع بين السلف والبيع، لما فيه من الذريعة إلى الربح في السلف بأخذ أكثر مما أعطى] إغاثة اللهفان 1/ 363. إذا تقرر هذا فالواجب عليك أن ترد له مبلغ أربعة آلاف دولار بغض النظر عن ارتفاع سعر الدولار أو انخفاضه، لأن الأصل المقرر في الفقه الإسلامي أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء)، وفي رواية أخرى: (أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، [فابن عمر كان يبيع الإبل بالدنانير أو الدراهم وقد يقبض الثمن في الحال وقد يبيع بيعاً آجلاً وعند قبض الثمن ربما لا يجد مع المشتري بالدنانير إلا دراهم وقد يجد مع من اشترى بدراهم ليس معه إلا دنانير أفيأخذ قيمة الثمن يوم ثبوت الدين أم يوم الأداء؟ مثلاً إذا باع بمئة دينار وكان سعر الصرف: الدينار بعشرة دراهم أي أن له ما قيمته ألف درهم وتغير سعر الصرف فأصبح الدينار مثلاً بأحد عشر درهماً أفيأخذ الألف أم ألفاً ومئة؟ وإذا أصبح بتسعة دراهم فقط أفيأخذ تسعمئة درهم يمكن صرفها بمئة دينار يوم الأداء أم يأخذ ألف درهم قيمة مئة الدينار يوم البيع؟ بين الرسول صلى الله عليه وسلم

أن العبرة بسعر الصرف يوم الأداء، وابن عمر الذي عرف الحكم من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، سأله بكر بن عبد الله المزني ومسروق العجلي عن كرَّيٍ لهما له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير فقال ابن عمر: أعطوه بسعر السوق. فهذا الحديث الشريف يعتبر أصلاً في أن الدين يؤدى بمثله لا بقيمته حيث يؤدي عن تعذر المثل بما يقوم مقامه وهو سعر الصرف يوم الأداء، يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 جزء 3 ص1727 - 1728. وهذا مذهب أكثر الفقهاء، الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة واختار هذا القول كثير من الفقهاء والعلماء المعاصرين، حيث إنهم يرون أن الدين إذا استقر في ذمة الشخص بمقدار محدد فالواجب هو تسديد ذلك المقدار بدون زيادة أو نقصان فالديون تقضى بأمثالها في حالة الرخص والغلاء ولا تقضى بقيمتها جاء في المدونة: [كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا] المدونة 4/ 25. وقال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي: [ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل لأن مقتضى القرض رد المثل] المهذب مع المجموع 12/ 185. وقال الكاساني الحنفي: [ولو لم تكسد - النقود - ولكنها رخصت قيمتها أو غلت لا ينفسخ البيع بالإجماع وعلى المشتري أن ينقد مثلها عدداً ولا يلتفت إلى القيمة هاهنا] بدائع الصنائع 5/ 542. وقال الشيخ ابن عابدين في رسالته عن النقود: [ ... لأن الإمام الإسبيجاني في شرح الطحاوي قال: وأجمعوا على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد] رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود 2/ 60 ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [لا يجب في القرض إلا رد المثل بلا زيادة] مجموع الفتاوى 29/ 535. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [والدراهم لا تقصد عينها فإعادة المقترض نظيرها كما يعيد المضارب نظيرها وهو رأس المال. ولهذا لم يستحق المقرض إلا نظير ماله، وليس له أن يشترط الزيادة عليه في جميع الأموال باتفاق العلماء، والمقترض يستحق مثل قرضه في صفته ... ] مجموع الفتاوى 29/ 473. وقال العلامة الغزي الحنفي: [أما إذا غلت قيمتها أو ازدادت، فالبيع على حاله، ولا يتخير المشتري، ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع، كذا في فتح القدير. وفي البزازية معزياً إلى المنتقى: [غلت الفلوس أو رخصت فعند الإمام الأول والثاني أولاً ليس عليه غيرها) رسالة بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود ص 83 - 84. وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي: [العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 3/ 2261. وبناءً على ما سبق فإن قضاء الديون بأمثالها لا بقيمتها هو الأصل في هذه المسألة، ويعتبر قضاء الديون بقيمتها من الربا المحرم شرعاً [إن الحكم على المدين المماطل بتعويض دائنه بفرق هبوط القوة الشرائية للنقد عقب مطله غير سائغ شرعاً إذ هو وقوع في حمى الربا المحرم تحت ستار تعويض الدائن عن انخفاض القوة الشرائية للنقود، بل إن الدائن ليحصل في كثير من الأحيان باسم ذلك التعويض على ما يزيد قدراً ويفوق جوراً الفوائد التأخيرية في البنوك

الربوية] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص500. ويستثنى من الأصل المذكور حالة واحدة فقط وهي: إذا كان تغير قيمة العملة كبيراً وهنالك خلاف بين الفقهاء في مقدار التغير الكبير فمنهم من يقول الثلث ومنهم من يقول النصف. وأود أن أنبه على بعض القضايا المرتبطة بمسألة تغير قيمة العملة وهي: أولاً: للمقترض أن يحسن لمن أقرضه فيعوضه عن هبوط قيمة العملة، كما أحسن المقرض له عندما أقرضه، وهذا من باب الإحسان، ولا يجوز أن يكون ذلك مشروطاً، فقد ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ضحىً فقال: صل ركعتين، وكان لي عليه دين فقضاني وزادني) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري قال جابر رضي الله عنه: (فلما قدمنا المدينة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا بلال: اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطاً). وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: (استلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً - الفتي من الإبل - فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت: إني لم أجد من الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً - جملاً كبيراً له من العمر ست سنوات - فقال: أعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء) رواه مسلم. وعن مجاهد قال: (استلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم ثم قضاه دراهم خيراً منها فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي التي أسلفتك، فقال عبد الله بن عمر: قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة) رواه مالك في الموطأ. وقال الإمام مالك: (لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئاً من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان ممن أسلفه ذلك أفضل مما أسلفه إذا لم يكن ذلك على شرط

منهما ... ). وقال الإمام القرطبي: [وأجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه لأن ذلك من باب المعروف استدلالاً بحديث أبي هريرة في البكر- الفتي من الإبل -: (إن خياركم أحسنكم قضاء) رواه الأئمة البخاري ومسلم. فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة] تفسير القرطبي 3/ 241. ثانياً: يدخل فيما سبق قيام أصحاب العمل بتثبيت سعر الدينار أو الدولار عند مقدار معين، وهذا أيضاً من باب التفضل والإحسان، ولا يجوز أن يكون بشرط سابق. ثالثاً: لا مانع شرعاً من أن يكون هنالك اتفاقٌ بين صاحب العمل والعامل على تعديل أجر العامل دورياً مثلاً كل شهر أو شهرين بنسبة تعادل انخفاض قيمة العملة. كأن يتفق العامل مع صاحب العمل على أن يعطيه زيادة على أجره كل آخر شهر بنسبة 2% أو 3% أو نحو ذلك من أجل المحافظة على أجر العامل من انخفاض قوته الشرائية. وسبق لمجمع الفقه الإسلامي أن ناقش هذه القضية وأصدر القرار التالي: [يجوز أن تتضمن أنظمة العمل واللوائح والترتيبات الخاصة بعقود العمل التي تتحدد فيها الأجور بالنقود شرط الربط القياسي للأجور على أن لا ينشأ عن ذلك ضرر للاقتصاد العام. والمقصود هنا بالربط القياسي للأجور تعديل الأجور بصورة دورية تبعاً للتغير في مستوى الأسعار وفقاً لما تقدره جهة الخبرة والاختصاص والغرض من هذا التعديل حماية الأجر النقدي للعاملين من انخفاض القدرة الشرائية لمقدار الأجر بفعل التضخم النقدي وما ينتج عنه من

عقد الإجارة يورث

الارتفاع المتزايد في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات. وذلك لأن الأصل في الشروط الجواز إلا الشرط الذي يحل حراماً أو يحرم حلالاً] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 8 ج 3/ 787. وخلاصة الأمر أن الأصل في الديون أنها تقضى بأمثالها لا بقيمتها، وأنه لا يجوز ربط سعر عملة بعملة أخرى عند الاقتراض أو البيع أو عند ترتيب أي حق مالي، ويجوز للمقترض أن يعوض المقرض عن هبوط قيمة العملة بدون شرط سابق، وأن هذا من باب المعروف والإحسان. - - - عقد الإجارة يورث يقول السائل: استأجر والدي محلاً تجارياً وجعله بقالة كبيرة وبعد أقل من سنة توفي والدي ويطالبنا مالك المحل بإخلاء المحل لأن المستأجر قد توفي فهل عقد الإجارة ينتهي بوفاة والدي، أفيدونا؟ الجواب: الإجارة عند الفقهاء عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض، انظر الموسوعة الفقهية 1/ 252. وهي عقد مشروع بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وانعقد الإجماع على ذلك يقول الله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}. وورد في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل حديث رقم 1498. وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر

ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري. وقد اختلف أهل العلم في فسخ عقد الإجارة بوفاة أحد المتعاقدين، فذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة وبه قال إسحاق بن راهويه وعثمان البتي وأبو ثور وابن المنذر، إلى أن عقد الإجارة لا يفسخ بوفاة أحد المتعاقدين، وذهب الحنفية وبعض التابعين إلى أنه يفسخ، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [قال: (وإذا مات المكري والمكتري أو أحدهما فالإجارة بحالها) هذا قول مالك والشافعي وإسحاق والبتي وأبي ثور وابن المنذر. وقال الثوري وأصحاب الرأي والليث: تنفسخ الإجارة بموت أحدهما ; لأن استيفاء المنفعة يتعذر بالموت، لأنه استحق بالعقد استيفاءها على ملك المؤجر، فإذا مات زال ملكه عن العين، فانتقلت إلى ورثته، فالمنافع تحدث على ملك الوارث، فلا يستحق المستأجر استيفاءها، لأنه ما عقد مع الوارث، وإذا مات المستأجر، لم يمكن إيجاب الأجر في تركته]. ثم قال الشيخ ابن قدامة المقدسي مستدلاً لقول الجمهور: [ولنا أنه عقد لازم، فلا ينفسخ بموت العاقد، مع سلامة المعقود عليه، كما لو زوج أمته ثم مات، وما ذكروه لا يصح; فإنا قد ذكرنا أن المستأجر قد ملك المنافع، وملكت عليه الأجرة كاملة في وقت العقد ... ولو صح ما ذكروه لكان وجوب الأجر ها هنا بسبب من المستأجر، فوجب في تركته بعد موته، كما لو حفر بئراً، فوقع فيها شيء بعد موته، ضمنه في ماله ; لأن سبب ذلك كان منه في حال الحياة، كذا ها هنا] المغني 5/ 347.

ومذهب جمهور الفقهاء هو الراجح لأن الإجارة عقد لازم فلا ينفسخ بموت العاقد مع سلامة المعقود عليه، ولذلك تبقى العين عند المستأجر حتى يستوفي منها ما تبقى له من المنفعة، وليس لورثة المؤجر أن يمنعوه من الانتفاع بها، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر لأهلها ليعملوا فيها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها واستمر الحال على ذلك في عهد أبي بكر رضي الله تعالى عنه حتى أخرجهم عمر رضي الله عنه، قال الإمام البخاري في صحيحه [باب إذا استأجر أرضاً فمات أحدهما] وقال ابن سيرين ليس لأهله أن يخرجوه إلى تمام الأجل، وقال الحكم والحسن وإياس بن معاوية تمضى الإجارة إلى أجلها، وقال ابن عمر أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعد ما قبض النبي صلى الله عليه وسلم] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 4/ 583. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح الباب: [(قوله باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما) أي هل تفسخ الإجارة أم لا؟ والجمهور على عدم الفسخ وذهب الكوفيون والليث إلى الفسخ، واحتجوا بأن الوارث ملك الرقبة والمنفعة تبع لها فارتفعت يد المستأجر عنها بموت الذي آجره، وتعقب بأن المنفعة قد تنفك عن الرقبة كما يجوز بيع مسلوب المنفعة، فحينئذ ملك المنفعة باق للمستأجر بمقتضى العقد. وقد اتفقوا على أن الإجارة لا تنفسخ بموت ناظر الوقف فكذلك هنا. قوله (وقال ابن سيرين ليس لأهله) أي أهل الميت (أن يخرجوه) أي يخرجوا المستأجر (إلى تمام الأجل وقال الحسن والحكم وإياس بن معاوية تمضى الإجارة إلى

أجلها) وصله بن أبي شيبة من طريق حميد عن الحسن وإياس بن معاوية ومن طريق أيوب عن بن سيرين نحوه. ثم أورد المصنف حديث ابن عمر أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود على أن يعملوها ... وكذلك الطريق المعلقة آخر الباب وهي قوله (وقال عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر حتى أجلاهم عمر) ... والغرض منه هنا الاستدلال على عدم فسخ الإجارة بموت أحد المتآجرين وهو ظاهر في ذلك وقد أشار إليه بقوله ولم يذكر أن أبا بكر جدد الإجارة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه حديث بن عمر في كراء المزارع وحديث رافع بن خديج في النهي عنه] فتح الباري 4/ 583 - 584. قال الماوردي مستدلاً لقول جمهور الفقهاء: [ودليلنا هو أن ما لزم من عقود المعاوضات المحضة لم ينفسخ بموت أحد المتعاقدين كالبيع، فان قيل ينتقض بموت من أجر نفسه لم يصح لأن العقد إنما يبطل بتلف المعقود عليه لا بموت العاقد، ألا تراه لو كان حياً فزمن بطلت الإجارة، وان كان العاقد حياً، ... ويتحرر من هذا الاعتلال قياسان: (أحدهما) أنه عقد لازم على منافع ملكه فلم يبطل بموته ... والثانى: ... ولأن المنافع قد تنتقل بالمعاوضة كالأعيان فجاز أن تنتقل بالإرث كالأعيان. ويتحرر من هذا الاعتلال قياسان: أحدهما: أن ما صح أن ينتقل بعوض صح أن تنقل به المنافع في الإجارات ولأن بالموت يعجز عن إقباض ما استحق تسليمه بعقد الإجارة فلم يبطل بعد العقد كالجنون والزمانة، ولأنه عقد لا يبطل بالجنون فلم يبطل بالموت كالبيع، ولان منافع الأعيان مع بقاء ملكها قد تستحق بالرهن تارة وبالإجارة أخرى. فلما كان ما تستحق منفعته بارتهانه إذا انتقل ملكه بالموت لم يوجب بطلان رهنه وجب أن يكون ما

استحقت منفعته بالإجارة إذا انتقل ملكه بالموت لم يوجب بطلان إجارته، وقد استدل الشافعي بهذا في الأم. ولأن الوارث إنما يملك بالإرث ما كان يملكه الموروث، والموروث إنما كان يملك الرقبة دون المنفعة فلم يجز أن يصير الوارث مالكاً للرقبة والمنفعة، ولان إجارة الوقف لا تبطل بموت مؤجره بوفاق أبى حنيفة. وإن قال بعض أصحابنا: تبطل، فكذلك إجارة الملك لا تبطل بموت مؤجره كالوقف] الحاوي الكبير 7/ 401. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل استأجر بستاناً مدة عشر سنين وقام بقبض مبلغ الأجرة ثم توفي لانقضاء خمس سنين من المدة وبقي في الإجارة خمس سنين وله ورثة وأقاموا ورثة المتوفى بعد مدة سنة من وفاته. فهل يجوز للمالك فسخ الإجارة على الأيتام؟ أم لا؟ فأجاب: ليس للمؤجر فسخ الإجارة بمجرد موت المستأجر عند جماهير العلماء؛ لكن منهم من قال: إن الأجرة على المستأجر تحل بموته وتستوفى من تركته فإن لم يكن له تركة فله فسخ الإجارة. ومنهم من يقول: لا تحل الأجرة إذا وثق الورثة برهن أو ضمين يحفظ الأجرة؛ بل يوفونه كما كان يوفيها الميت وهذا أظهر القولين] مجموع الفتاوى 30/ 157. وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن وقف تعطل وبيع نصفه لإصلاح النصف ... واستؤجر ... من يسقي النصف الآخر عشر سنين فمات الذي استؤجر لما مضى سنتان وأراد ورثته أن يتموا باقي المدة وأراد المستأجر الفسخ؟ فأجاب: الإجارة صحيحة ثابتة لا تنفسخ بموت المستأجر، فإذا تمم الورثة ما على ميتهم استحقوا ما استحقه، وليس للمؤجر الفسخ; ودليل هذا: أن القول بانفساخ الإجارة، أو المساقاة قول ضعيف، رده أهل العلم بالنص الثابت، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ساقى أهل خيبر، لم يجدد الخلفاء بعده

عقداً، فإذا ثبت هذا فقد أمر الله بالوفاء بالعقود بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ (سورة المائدة الآية1، وهذا لفظ عام من جوامع الكلم، فمن ادعى في صورة من العقود أنه لا يجوز، أو لا يجوز الوفاء به لأجل الموت أو غيره، فعليه الدليل، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وكذلك: أن من ادعى أن مثل هذا العقد وغيره، لا يجب الوفاء به، لأجل شرط أو ترك شيء من العقد أو غيره، فعليه الدليل، وقد كمل الله الدين بمحمد صلى الله عليه وسلم والله أعلم] الدرر السنية في الكتب النجدية 7/ 355. وخلاصة الأمر أن عقد الإجارة لا يفسخ بموت المستأجر، وقد جرى عرف الناس في بلادنا على هذا القول الراجح، وإذا قلنا بالفسخ فإن ضرراً واضحاً يلحق بورثة المستأجر، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بدفع الضرر فقد: ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني: صحيح. إرواء الغليل 3/ 408. وانظر السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. وبناءً على ما سبق فلا يجوز لصاحب الملك أن يطالب بإخلاء المحل، لأن المستأجر قد توفي، فعقد الإجارة لا ينتهي بوفاة أحد العاقدين، المؤجر أو المستأجر.

حكم الشفعة في المنقولات

حكم الشفعة في المنقولات يقول السائل: إنه شريك في سيارة نقل مع صديق له، لكل منهما النصف، ويريد شريكه أن يبيع حصته لشخص آخر نكاية به فهل تثبت له الشفعة، أفيدونا؟ الجواب: اتفق أهل العلم على ثبوت الشفعة في الأراضي والعقارات الثابتة وقد دل على ذلك أحاديث منها عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا أوقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) رواه البخاري. وعن جابر رضي الله عنه أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذه وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) رواه مسلم. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: ورجاله ثقات، بلوغ المرام ص 185، وغير ذلك من النصوص. وقد اختلف العلماء في ثبوت الشفعة في الأشياء المنقولة، فجمهور أهل العلم يرون أن الشفعة لا تثبت في المنقولات، وإنما هي خاصة بالعقارات والأراضي، وقال بعض أهل العلم بثبوت الشفعة في المنقولات، قال الإمام الترمذي: [وقال أكثر أهل العلم إنما تكون الشفعة في الدور والأرضين ولم يروا الشفعة في كل شيء، وقال بعض أهل العلم الشفعة في كل شيء] سنن الترمذي 4/ 513. والقول بثبوت الشفعة في المنقولات قال به عطاء بن أبي رباح وابن أبي ليلى، وبه قالت الظاهرية، وهو رواية عن الإمام مالك، ونقل عن الإمام مالك القول

بثبوت الشفعة في السفينة، وهي تشبه السيارة محل السؤال، وقال الإمام أحمد في رواية أبي الخطاب عنه بثبوت الشفعة في الحيوان، وهو من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، انظر فتح الباري 4/ 551، تحفة الأحوذي 4/ 513، المغني 5/ 232. قال الشيخ ابن حزم: [الشفعة واجبة في كل جزء بيع مشاعاً غير مقسوم بين اثنين فصاعداً من أي شيء كان مما ينقسم ومما لا ينقسم من أرض أو شجرة واحدة فأكثر أو عبد أو ثوب أو أمة أو من سيف أو من طعام أو من حيوان أو من أي شيء بيع لا يحل لمن له ذلك الجزء أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه أو شركائه فيه ... ] المحلى 8/ 3. واختار هذا القول جماعة من المعاصرين كالشيخ العلامة العثيمين حيث قال: [ ... وعليه فالقول الراجح أن الشفعة تثبت في كل مشترك، سواء كان أرضاً، أم أوانِيَ، أم فرشاً، أم أي شيء] الشرح الممتع عن موقع الشيخ على الإنترنت. وهذا القول هو الذي أختاره وأرجحه، فالشفعة تثبت في المنقولات كالسيارات والسفن والقطارات والآلات ونحوها، ويدل على ثبوت الشفعة في المنقولات عموم الأدلة الدالة على مشروعية الشفعة كحديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم ... ) رواه البخاري، فقوله (في كل ما لم يقسم) يدخل في عمومه المنقولات، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وقد تضمن هذا الحديث ثبوت الشفعة في المشاع، وصدره يشعر بثبوتها في المنقولات، وسياقه يشعر باختصاصها بالعقار وبما فيه العقار. وقد أخذ بعمومها في كل شيء مالك في رواية، وهو قول عطاء. وعن أحمد تثبت في

الحيوانات دون غيرها من المنقولات، وروى البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعاً (الشفعة في كل شيء) ورجاله ثقات إلا أنه أعل بالإرسال، وأخرج الطحاوي له شاهداً من حديث جابر بإسناد لا بأس برواته] فتح الباري 4/ 550 - 551. ويؤيد ما أشار إليه الحافظ من أن الحديث مشعر بثبوت الشفعة في المنقولات ما جاء في رواية أخرى للحديث عند البخاري (الشفعة في كل مال لم يقسم)، فقوله كل مال يدخل فيه المنقولات. قال الشيخ ابن حزم: [وأما اللفظ الذي في رواية أبي سلمة عن جابر (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فلا حجة لهم فيه لأنه ليس في هذا اللفظ نص ولا دليل على أن ذلك لا يكون إلا في الأرض والعقار والبناء، بل الحدود واقعة في كل ما ينقسم من طعام وحيوان ونبات وعروض وإلى كل ذلك طريق ضرورة كما هو إلى البناء وإلى الحائط ولا فرق، وكان ذكره عليه السلام للحدود والطرق إعلاماً بحكم ما يمكن قسمته وبقي الحكم فيما لا يقسم على حسبه، فكيف وأول الحديث بيانٌ كافٍ في أن الشفعة واجبة في كل مالٍ يقسم، وفى كل ما لم يقسم، وهذا عموم لجميع الأموال ما احتمل منها القسمة وما لم يحتملها، ومن الباطل الممتنع أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد بهذا الحكم الأرض فقط ثم يجمل هذا الإجمال حاش لله من هذا، وهو مأمور بالبيان لا بالإيهام والتلبيس] المحلى 8/ 9. ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشريك شفيع والشفعة في كل شيء) رواه الترمذي والبيهقي والطحاوي وغيرهم، وهذا الحديث محل خلاف بين المحدثين، فمنهم من احتج به، ومنهم من لم يحتج به، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ ... وروى البيهقي

من حديث ابن عباس مرفوعاً (الشفعة في كل شيء) ورجاله ثقات إلا أنه أعل بالإرسال، وأخرج الطحاوي له شاهداً من حديث جابر بإسناد لا بأس برواته.] فتح الباري 4/ 550 - 551. وقواه العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين 2/ 141، وانظر السلسلة الضعيفة للعلامة الألباني 3/ 60 - 65، فقد توسع في بيان حال الحديث وضعَّفه، وانظر الإلمام بأحاديث الأحكام 1/ 229، وقد بين أن الحديث ورد من عدة طرق وهو لا يقل عن درجة الحسن. وقد احتج الشيخ ابن حزم بأدلة كثيرة لثبوت الشفعة في كل شيء منها ما ذكرته آنفاً، ثم قال: [فهذه آثار متواترة متظاهرة بكل ما قلنا، جابر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشفعة في كل مال وفي كل شيء وفي كل ما لم يقسم، ورواها كذا عن جابر أبو الزبير سماعاً منه وعطاء وأبو سلمة، ورواه عن ابن عباس ابن أبى مليكة، فارتفع الإشكال جملة ولله تعالى الحمد، وممن قال بقولنا في هذا ... عمر بن الخطاب قال: إذا وقعت الحدود وعرف الناس حقوقهم فلا شفعة بينهم ... عثمان قال: لا مكايلة إذا وقعت الحدود فلا شفعة، فهذان عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهما يحملان قطع الشفعة بعد وجوبها بوقوع الحدود ومعرفة الناس حقوقهم ولم يخصا أرضاً دون سائر الأموال، بل أجملا ذلك، والحدود تقع في كل جسم مبيع وكذلك معرفة كل أحد حقه] المحلى 8/ 6. ويؤيد ذلك أيضاً ما ورد في الحديث عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذه وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) رواه مسلم. والشاهد قوله (لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن

شاء أخذه وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) والشريك في المنقول كالسيارة داخل في ذلك. ومما يدل على ثبوت الشفعة في المنقولات المعنى والحكمة التي من أجلها شرعت الشفعة وهي إزالة الضرر عن الشريك كما ذهب إليه طائفة من أهل العلم، ولا شك أن إزالة الضرر من مقاصد الشارع الحكيم. قال الشيخ ابن حزم: [فلا تخلو الشفعة من أن تكون من طريق النص كما نقول نحن أو من طريق النظر كما يقول المخالفون، فان كانت من طريق النص فهذه النصوص التي أوردنا لا يحل الخروج عنها، وإن كانت من طريق النظر كما يزعمون أنها إنما جعلت لدفع ضرر عن الشريك، فالعلة بذلك موجودة في غير العقار كما هي موجودة في العقار بل أكثر وفيما لا ينقسم كوجودها فيما ينقسم بل هي فيما لا ينقسم أشد ضرراً] المحلى 8/ 6. وقال العلامة ابن القيم [وقالت طائفة أخرى إنما شرعت الشفعة لرفع الضرر اللاحق بالشركة فإذا كانا شريكين في عين من الأعيان بإرث أو هبة أو وصية أو ابتياع أو نحو ذلك لم يكن رفع ضرر أحدهما بأولى من رفع ضرر الآخر، فإذا باع نصبيه كان شريكه أحق به من الأجنبي، إذ في ذلك إزالة ضرره مع عدم تضرر صاحبه، فإنه يصل إلى حقه من الثمن، ويصل هذا إلى استبداده بالمبيع، فيزول الضرر عنهما جميعاً، وهذا مذهب من يرى الشفعة في الحيوان والثياب والشجر والجواهر والدور الصغار التي لا يمكن قسمتها، وهذا قول أهل مكة وأهل الظاهر ونص عليه الإمام أحمد في رواية حنبل، قال قيل لأحمد فالحيوان دابة تكون بين رجلين أو حمار أو ما كان من نحو ذلك، قال هذا كله أوكد، لأن خليطه

متى يثبت حق الشفعة

الشريك أحق به بالثمن، وهذا لا يمكن قسمته، فإذا عرضه على شريكه وإلا باعه بعد ذلك] إعلام الموقعين 2/ 140. وخلاصة الأمر أن الشفعة تثبت في المنقولات كالسيارة على الراجح من أقوال أهل العلم، وهذا القول تؤيده الأدلة النقلية كالعمومات التي ذكرتها، وكذا ما ورد من الحديث في ثبوت الشفعة في كل شيء، وإن كان محل خلاف بين المحدثين فهو صالح للاحتجاج، كما أن مقاصد الشريعة الغراء قد جاءت برفع الضرر وإزالته عن الشريك، فلذلك رجحت هذا القول وإن كان جمهور أهل العلم على خلافه، وأقول ما قاله الإمام الشوكاني: [وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق] نيل الأوطار 4/ 263. - - - متى يثبت حق الشفعة يقول السائل: اختلفت مع جاري عندما بعت قطعة من أرضي لابن أختي فادعى جاري أن له حق الشفعة، مع العلم أن واجهة أرضي تقع على شارع غير الشارع الذي تقع عليه واجهة أرض جاري وإنما أرضه تحد أرضي من الجهة الخلفية، فهل تثبت الشفعة لجاري، أفيدونا؟ الجواب: الشفعة حق تملك قهري ثابت على خلاف الأصل، لأن الأصل المقرر شرعاً أن المالك حر التصرف فيما يملك، يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء الآية 29. وورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم وهو حديث صحيح

كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 5/ 279. لذا قرر جمهور الفقهاء أن الشفعة استحقاق وليست بيعاً، انظر أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي ص 60. وقد ثبتت النصوص في مشروعية الشفعة منها عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا أوقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) رواه البخاري. وفي لفظ: (إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة ... ) رواه أحمد والبخاري وأبو داود. وعن جابر رضي الله عنه أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذه وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) رواه مسلم. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: ورجاله ثقات، بلوغ المرام ص 185، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قسمت الدار وحدت فلا شفعة فيها) رواه أبو داود وابن ماجة. وعن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جار الدار أحق بالدار من غيره) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. وعن الشريد بن سويد قال: (قلت: يا رسول الله أرض ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار؟ فقال: الجار أحق بسقبه ما كان) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، وعن عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة ثم جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا سعد ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله ما أبتاعها، فقال المسور: والله لتبتاعنَّها، فقال سعد: والله ما أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة، قال أبو رافع:

لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بسقبه) -السقب القرب والملاصقة- ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار، فأعطاها إياها) رواه البخاري. وهذه الأحاديث أثبتت حق الشفعة، ولكن الفقهاء اختلفوا فيمن يثبت له هذا الحق، ومذهب جمهور الفقهاء أن الشفعة تثبت للشريك فيما لم يقسم، فإذا قسمت الأرض مثلاً فلا شفعة، وقالوا لا يثبت حق الشفعة للجار، وعند الحنفية تثبت الشفعة للشريك وللجار الملاصق، وقد اختار بعض أهل العلم قولاً وسطاً بين هذين القولين السابقين فقرروا أن الشفعة تثبت للشريك وللجار إذا كان شريكاً مع جاره في حقٍ من حقوق الارتفاق الخاصة كأن يكون طريقهما واحداً، وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والإمام الشوكاني ونقل عن الإمام أحمد، وعزاه ابن القيم إلى عمر بن عبد العزيز والبصريين من فقهاء الحديث. انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 30/ 383، الإنصاف للمرداوي 6/ 255، نيل الأوطار 5/ 376. قال الشيخ ابن القيم: [والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه إن كان بين الجارين حقٌ مشترك من حقوق الأملاك من طريقٍ أو ماء أو نحو ذلك تثبت الشفعة وإن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان كل واحدٍ منهما متميزاً ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة] إعلام الموقعين 2/ 149. وقال الشيخ ابن القيم أيضاً: [والقياس الصحيح يقتضي هذا القول فإن الاشتراك في حقوق الملك شقيق الاشتراك في الملك، والضرر الحاصل بالشركة فيها كالضرر الحاصل بالشركة في الملك أو أقرب إليه، ورفعه مصلحة للشريك من غير مضرة

على البائع ولا على المشتري فالمعنى الذي وجبت لأجله شفعة الخلطة في الملك الموجود في الخلطة في حقوقه فهذا المذهب أوسط المذاهب وأجمعها للأدلة وأقربها إلى العدل .. ] إعلام الموقعين 2/ 150 - 151. وهذا القول هو أرجح أقوال أهل العلم في المسألة، ويمكن أن يجاب عن الأحاديث التي أثبتت الشفعة للجار مطلقاً بما يلي: هذه الأحاديث قسمان: صحيح صريح، فهذه مؤولة ومصروفة عن ظاهرها، فقوله صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بسقبه) يراد بالجار الشريك، [قال ابن بطال: استدل به أبو حنيفة وأصحابه على إثبات الشفعة للجار وأوَّله غيرهم على أن المراد به الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين ولذلك دعاه إلى الشراء منه] فتح الباري 4/ 552. وإطلاق الجار على الشريك معروف في لغة العرب، قال الإمام الشافعي: [ ... وذلك يدل على أن رسول الله أراد أن الشفعة لبعض الجيران دون بعض وأنها لا تكون إلا لجار لم يقاسم، قال: أفيقع اسم الجوار على الشريك؟ قلت: نعم وعلى الملاصق وعلى غير الملاصق، قال: فالشريك ينفرد باسم الشريك، قلت: أجل والملاصق ينفرد باسم الملاصقة دون غيره من الجيران ولا يمنع ذلك واحداً منهما أن يقع عليه اسم جوار، قال أفتوجدني ما يدل على أن اسم الجوار يقع على الشريك، قلت: زوجتك التي هي قرينتك يقع عليها اسم الجوار، قال حمل بن النابغة: كنت بين جارتين لي، يعني ضرتين، وقال الأعشى: أجارتنا بيني فإنك طالقه ... وموموقة ما كنت فينا ووامقة ... ] الأم 4/ 5 - 6. وهذا التأويل الذي ذهب إليه الجمهور تأويل صحيح قريب يحتمله اللفظ، ودلت عليه القرينة وهي ما جاء في حديث آخر (فإذا أوقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) رواه البخاري. وفي رواية أخرى (إذا كان طريقهما واحداً).

وقال الإمام الشوكاني: [والحاصل أن الجار المذكور في الأحاديث الآتية إن كان يطلق على الشريك في الشيء والمجاور له بغير شركة كانت مقتضية بعمومها لثبوت الشفعة لهما جميعاً، وحديث جابر وأبي هريرة المذكوران يدلان على عدم ثبوت الشفعة للجار الذي لا شركة له، فيخصصان عموم أحاديث الجار، ولكنه يشكل على هذا حديث الشريد بن سويد، فإن قوله: (ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار) مشعرٌ بثبوت الشفعة لمجرد الجوار، وكذلك حديث سمرة لقوله فيه (جار الدار أحق بالدار) فإن ظاهره أن الجوار المذكور جوار لا شركة فيه، ويجاب بأن هذين الحديثين لا يصلحان لمعارضة ما في الصحيح، على أنه يمكن الجمع بما في حديث جابر الآتي بلفظ (إذا كان طريقهما واحداً) فإنه يدل على أن الجوار لا يكون مقتضياً للشفعة إلا مع اتحاد الطريق لا بمجرده، ولا عذر لمن قال بحمل المطلق على المقيد من هذا إن قال بصحة هذا الحديث وقد قال بهذا، أعني: ثبوت الشفعة للجار مع اتحاد الطريق، بعض الشافعية، ويؤيده أن شرعية الشفعة إنما هي لدفع الضرر، وهو إنما يحصل في الأغلب مع المخالطة في الشيء المملوك أو في طريقه، ولا ضرر على جار لم يشارك في أصل ولا طريق إلا نادراً، واعتبار هذا النادر يستلزم ثبوت الشفعة للجار مع عدم الملاصقة؛ لأن حصول الضرر له قد يقع في نادر الحالات كحجب الشمس والإطلاع على العورات ونحوهما من الروائح الكريهة التي يتأذى بها ورفع الأصوات وسماع بعض المنكرات ولا قائل بثبوت الشفعة لمن كان كذلك، والضرر النادر غير معتبر؛ لأن الشارع علق الأحكام بالأمور الغالبة، فعلى فرض أن الجار لغة لا يطلق إلا على من كان ملاصقاً غير مشارك ينبغي تقييد الجوار باتحاد الطريق، ومقتضاه: أن لا تثبت الشفعة بمجرد الجوار وهو الحق] نيل الأوطار 5/ 376.

وأما القسم الثاني من الأحاديث المثبتة للشفعة للجار مطلقاً، فالجواب عنها أن في سندها كلاماً للمحدثين. قال الإمام الشوكاني: [فأحاديث إثبات الشفعة بالجوار مخصصة بما سلف، ولو فرض عدم صحة التخصيص للتصريح بنفي الشركة فهي مع ما فيها من المقال لا تنتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بنفي شفعة الجار الذي ليس بمشارك] نيل الأوطار 5/ 376. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية 4/ 298 ما نصه [ومقتضى الأصل أن لا يثبت حقّ الأخذ بالشّفعة أصلاً، لكنّها ثبتت فيما لا يقسم بالنص الصّريح غير معقول المعنى، فبقي الأمر في المقسوم على الأصل، أو ثبت معلولاً بدفع ضررٍ خاصٍّ وهو ضرر القسمة. وما استدلّ به الحنفيّة ومن معهم من أحاديث، فإنّ في أسانيدها مقالاً. قال ابن المنذر: الثّابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث جابرٍ - السّابق ذكره - وما عداه من الأحاديث الّتي استدلّ بها الحنفيّة ومن معهم، كالحديث الّذي رواه أبو رافعٍ (الجار أحقّ بسقبه)، والحديث الّذي رواه سمرة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (جار الدّار أحقّ بالدّار). فإنّ فيها مقالاً. على أنه يحتمل أنه أراد بالجار الشّريك، فإنّه جارٌ أيضاً. فكلّ هذا أورث شبهةً عند الجمهور، لأنّ ما استدلّ به الحنفيّة غير قويٍّ، وجاء على خلاف الأصل، ولذا لم يثبتوا الشّفعة بسبب الجوار والشّركة في مرافق العقار، وقصروها على الشّركة في العقار نفسه]. وختاماً أود أن أنبه لمفهوم خاطئ يتعلق بالشفعة شائع بين الناس، وهو أن الشفعة تثبت للقريب كالأخ وابن العم ونحوهما، وهذا كلام باطل فالشفعة لا علاقة لها بالقرابة لا من قريب ولا بعيد.

صندوق التكافل الاجتماعي

وخلاصة الأمر أن الشفعة لا تثبت بمطلق الجوار، وإنما تثبت للشريك قبل القسمة وتثبت للجار إذا كان بينه وبين جاره شيء مشترك، وعليه فلا حق للجار المذكور في السؤال في الشفعة، لأن الحدود مبينة ولا شيء مشترك بينهما. - - - صندوق التكافل الاجتماعي يقول السائل: إنه يعمل في إحدى الهيئات الدولية وعندهم صندوق تقاعد ويقوم نظامه على أن يحسم من راتب الموظف 7% شهرياً وتدفع الهيئة 14%، ويتم تشغيل المال بالفائدة، ثم ذكر السائل طريقتين لاستفادة الموظف من هذا الصندوق، كما وسألني شخص آخر عن صندوقين يتبعان إحدى النقابات، أحدهما يسمى صندوق إنهاء خدمة ويقوم نظامه على أن يدفع المشترك رسم اشتراك لمرة واحدة بالإضافة لقسط سنوي وعندما يبلغ المشترك سن الخامسة والستين يعطى حسب معادلة ذكرها السائل في رسالته، وأما الصندوق الآخر فيسمى صندوق التكافل الاجتماعي وهو خاص لحالة وفاة المشترك حيث يدفع كل عضو مبلغاً محدداً عند وفاة أحد المشتركين. وقد طلب السائلان بيان حكم هذه الصناديق؟ الجواب: إن الإسلام قد حث على التعاون والتكافل وإن فكرة إنشاء صناديق للتكافل الاجتماعي فكرة طيبة وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. ولكن يجب أن تكون صناديق التكافل الاجتماعي وما شابهها منضبطة بالضوابط الشرعية لكي يصح الاشتراك فيها وسأذكر مجموعة من هذه الضوابط:

أولاً: يجب أن تقوم هذه الصناديق على فكرة التكافل والتعاون وينبغي النص على ذلك في اللوائح المنظمة لعمل الصندوق. ثانياً: يحرم الاشتراك في أي صندوق إذا كانت أمواله تشغل بطرق محرمة شرعاً مثل تشغيل الأموال في البنوك الربوية بالفائدة، ومثل المتاجرة بأسهم الشركات التي يحرم التعامل بأسهمها، ومثل تشغيل الأموال في البورصات العالمية لأن أكثر تعاملاتها محرمة شرعاً، وهذا في حالة كون الاشتراك في هذه الصناديق اختيارياً، وأما إذا كان الاشتراك إجبارياً، فيجوز الاشتراك في الصندوق بشرط أن يتخلص المشترك من الفوائد الربوية كما سيأتي. وحسب ما أعلم فإن معظم صناديق التكافل وصناديق التوفير والتقاعد التابعة لكثير من المؤسسات تشغل أموالها في البنوك الربوية بالفائدة، ومن المعلوم أن تحريم الربا قطعي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يقولن قائلٌ إن الموظف ليس مسئولاً عما قام به الصندوق من تشغيل أمواله بالربا أو أن الإثم يقع على المسؤول عن الصندوق أو نحو ذلك من الاعتذارات التي تردها قواعد الشريعة الإسلامية فإنه ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يكون طرفاً في أي عملية ربوية بطريق مباشر أو غير مباشر، لأن الربا محرم بنصوص صريحة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ

أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279.ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات - المهلكات - قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه مسلم. وجاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم، وفي رواية النسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة) وهو حديث صحيح، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه، وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وغير ذلك من النصوص. ثالثاً: إن الاتفاق على أن يدفع الصندوق مبلغاً معيناً عند بلوغ المشترك سن الستين أو الخامسة والستين أو عند وفاته قبل بلوغه تلك السن المتفق عليها، مع كون هذا المبلغ لا علاقة له بالاشتراكات التي دفعها المشترك، يعتبر من باب الربا، لأنه دفع مبلغاً محدداً وأخذ أكثر منه، وفي المعادلة التي ذكرها السائل الثاني أنه إذا ساهم مشترك في الصندوق مدة عشرين سنة وتوفي وعمره 65 سنة فيحسب له كما يلي: عدد سنوات الاشتراك - 4 × عدد المشتركين×10 ويقسم

الناتج على 30، ثم ذكر السائل نتيجة المعادلة بأن ورثته يحصلون على مبلغ قدره 26666 ديناراً مع العلم أن مجموع اشتراكاته كان 2050 دينار، وأما إذا توفي المشترك قبل بلوغه 65 سنة فإن الصندوق يعيد له ما دفعه من أقساط فقط، والذي يتضح مما ذكر أن هذه المعاملة ربوية لأن المشترك سيحصل على مبلغ أكبر بكثير من الأقساط التي دفعها، وهذه المعاملة ليست مبنية على فكرة التكافل أو التعاون. رابعاً: من القواعد المقررة شرعاً لصحة أي معاملة أن لا يكون فيها غرر وهو ما كان مجهول العاقبة لا يدرى هل يحصل أم لا؟ وقد صح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم، ومعاملة الصندوق حسب ما أفاد السائل الثاني فيها غرر واضح حيث إنه قد يشترك شخص في هذا الصندوق وعمره ثلاثون سنة مثلاً ولا يدري هل يصل إلى سن 65 سنة أم لا؟ خامساً: إذا كانت فكرة الصندوق قائمة على التعاون والتكافل ودفعت الأموال على سبيل التبرع فلا حرج في ذلك، بل هذا أمر حضت عليه الشريعة كما قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى (، وصحَّ في الحديث عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه؛ من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته؛ ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (من فرَّج عن مسلم كربةً فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... ) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) رواه البخاري. إذا تقرر هذا فإن ما ذكره السائل الثاني عن صندوق التكافل الخاص بحالة وفاة المشترك حيث يدفع كل عضو مبلغاً محدداً عند وفاة أحد المشتركين، فهذا أمر جائز ومرغب فيه شرعاً. وأخيراً أنبه على ما ورد في رسالة السائل الأول من صرف الفوائد في تسديد الضرائب المترتبة على المشترك أو في استخراج رخصة بناء ونحو ذلك فأقول: لا يجوز الانتفاع بتلك الأموال انتفاعاً شخصياً كأن ينفقها الشخص على نفسه أو على أهله فهذه الأموال لا تحل للشخص أبداً، ولا يحل له إنفاقها في مصالحه الشخصية كتسديد الضرائب المترتبة على المشترك أو في استخراج رخصة بناء. وعليه إنفاق تلك الأموال على الفقراء والمحتاجين والغارمين والمؤسسات الخيرية ومصالح المسلمين العامة كبناء مدرسة أو مستشفى أو تجهيز شارع ونحو ذلك. وقد أفتى بذلك طائفة من علماء العصر منهم فضيلة الشيخ العلامة مصطفى الزرقا رحمة الله عليه حيث قال: [إن التدبير الصحيح الشرعي في هذه الفوائد أن يأخذها المودع من المصرف دون أن ينتفع بها في أي وجه من وجوه الانتفاع

التأمين الإسلامي

فعليه أن يأخذ تلك الفوائد التي يحتسبها له المصرف الربوي عن ودائعه ويوزعها على الفقراء حصراً أو قصراً لأنهم مصرفها الوحيد]. وهذا رأي سديد إن شاء الله ولكن لا أوافقه على قصر تلك الأموال على الفقراء فقط بل يجوز صرفها في مصالح المسلمين العامة كما ذكرت. وخلاصة الأمر أن الإسلام قد أقر مبدأ التكافل والتعاون على الخير وأن إنشاء صندوق للتكافل والتعاون داخل في ذلك ما دام نظام الصندوق مضبوطاً بالضوابط الشرعية. - - - التأمين الإسلامي يقول السائل: هلا بينتم لنا الأسس التي يقوم عليها التأمين الإسلامي، أفيدونا؟ الجواب: الفقه الإسلامي فقه حيوي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وفقهاء الأمة في كل عصر وأوان يقدمون الحلول للمشكلات التي يواجهها المجتمع المسلم، لذا فالفقه الإسلامي فقه غني، وهو فقه عملي تطبيقيي أيضاً، وفي عصرنا الحاضر قدَّم فقهاء الأمة حلولاً للقضايا المعاصرة في مختلف جوانب الحياة، كالقضايا الطبية المعاصرة وكذا القضايا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وكان من أهم هذه القضايا المعاصرة ما يتعلق بالمعاملات المالية المعاصرة مثل الحقوق المعنوية كحق التأليف والاختراع والاسم التجاري ونحوها ومثل قضايا النقود، ومثل البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامي وغيرها كثير، وهذه الحلول تقوم على الأصول الفقهية المقررة عند أئمتنا وفقهائنا، وكثير من هذه المسائل بحثت على

مستوى المجامع الفقهية والندوات الخاصة والبحوث والرسائل الجامعية وغير ذلك. إذا تقرر هذا فإن تعريف التأمين الإسلامي باعتباره نظاماً: هو [اتفاق بين شركة التأمين الإسلامي باعتبارها ممثلة لهيئة المشتركين (حساب التأمين أو صندوق التأمين) وبين الراغبين في التأمين (شخص طبيعي أو قانوني) على قبوله عضواً في هيئة المشتركين والتزامه بدفع مبلغ معلوم (القسط) على سبيل التبرع به وبعوائده لصالح حساب التأمين على أن يدفع له عند وقوع الخطر تعويض طبقاً لوثيقة التأمين والأسس الفنية والنظام الأساسي للشركة] التأمين الإسلامي د. علي القرة داغي ص 203. وانظر أيضاً التأمين على حوادث السيارات د. حسين حامد حسان. وقد بدأ التأمين الإسلامي بشكل عملي وتطبيقي منذ حوالي الأربعين عاماً، وقد نشأ التأمين الإسلامي ليكون بديلاً عن التأمين التجاري ذي القسط الثابت، وقد سبقت نشأة التأمين الإسلامي وصاحبته، دراسات فقهية معمقة، لبيان حكمه وتأصيله شرعاً، ولوضع حلول للمشكلات التي تواجه التأمين الإسلامي، وكان من القرارات الصادرة بجواز التأمين الإسلامي وتأصيله شرعاً القرار الصادر عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية سنة 1397هـ وفق 1977م، وجاء فيه ما يلي: [ الأول: إن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار والاشتراك في تحمل المسئولية عند نزول الكوارث وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر، فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحاً من أموال غيرهم وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر.

الثاني: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النساء فليست عقود المساهمين ربوية ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية. الثالث: إنه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليهم من النفع لأنهم متبرعون فلا مخاطرة ولا غرر ولا مغامرة بخلاف التأمين التجاري فإنه عقد معاوضات مالية تجارية. الرابع: قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون سواء كان القيام بذلك تبرعاً أو مقابل أجر معين]. وقرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1398هـ وفق 1978م وقد جاء فيه ما يلي: [قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 51 بتاريخ 4/ 4/1397هـ من جواز التأمين التعاوني بدلاً عن التأمين التجاري المحرّم]. وقرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1406هـ وفق 1985م وجاء فيه ما يلي: أولاً: إن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعاً. ثانياً: إن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون، وكذلك الحال بالنسبة لإعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني. ثالثاً: دعوة الدول الإسلامية للعمل على إقامة مؤسسات التأمين التعاوني وكذلك مؤسسات تعاونية لإعادة التأمين، حتى يتحرر الاقتصاد الإسلامي من

الاستغلال، ومن مخالفة النظام الذي يرضاه الله لهذه الأمة] مجلة المجمع عدد 2، ج2/ 731. وهذا ما أفتت به ووافقت عليه هيئات الرقابة الشرعية لعدد من البنوك الإسلامية وهيئات الرقابة الشرعية لشركات التأمين الإسلامية. وفي وقتنا الحاضر صار التأمين الإسلامي له حصة كبيرة من سوق التأمين، وشركات التأمين الإسلامي في ازدياد، وقد جاء في دراسة حديثة لواقع شركات التأمين الإسلامي ما يلي: [تبلغ نسبة نمو قطاع التأمين المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية "التأمين الإسلامي" مابين 20 - 25% سنويا بينما يبلغ نمو قطاع التأمين التجاري نسبة تتراوح ما بين 6 - 7% سنويا ويعزى ذلك إلى نمو القطاع المالي الإسلامي بوجه عام. ويعمل في سوق قطاع التأمين الإسلامي 60 شركة منتشرة في 23 دولة ومن المتوقع أن يصل حجم إجمالي أقساط هذا القطاع إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2010 حسب تقديرات سوق التأمين العالمية] عن شبكة الإنترنت. وأما عن أهم الأسس التي يقوم عليها التأمين الإسلامي فهي: أولاً: التأمين الإسلامي يقوم على مبدأ التعاون والتكافل، وهو مبدأ شرعي أصيل قامت عليه عشرات الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: إن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار، فالأقساط المقدمة من حملة الوثائق في التأمين التعاوني تأخذ صفة التبرع وهو تبرع يلزم بالقول على رأي الإمام مالك رحمه الله. وعلى هذا يكون العضو ملتزماً بدفع القسط بمجرد توقيعه على العقد، وبالتالي يكون الأعضاء متبرعين بالأقساط التي يدفعونها، وبعوائد استثمار هذه الأقساط، في

حدود المبالغ اللازمة لدفع التعويضات عن الأضرار التي تصيب أحدهم. كما يتضمن التوقيعُ على وثيقة التأمين قبولَ العضو للتبرع من مجموع أموال التأمين أي الأقساط وعوائدها الاستثمارية وفقاً لأحكام وثيقة التأمين والنظام الأساسي للشركة حسب أحكام الشريعة الإسلامية، والعضو لا يتبرع بالأقساط وعوائدها جملة، بل يتبرع منها بما يكفي لدفع التعويضات ... ولا مانع أن يحقق التأمين التعاوني أرباحاً من خلال استثمار الأرصدة المجتمعة لديه استثماراً مشروعاً، والممنوع هو أن تكون الغاية المعاوضة والاسترباح لا مجرد تحقيق الأرباح] التأمين التعاوني الإسلامي د. صالح بن حميد عن الإنترنت. ثالثاً: تخلو عقود التأمين الإسلامي من الربا بنوعيه: ربا الفضل وربا النسيئة، فعقود المساهمين ليست ربوية ولا يستغل ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية. التأمين الإسلامي د. علي القرة داغي ص 210. رابعاً: التأمين الإسلامي يعتمد على أقساط التأمين المحصلة، وعلى استثمارها في أمور مشروعة تخلو من الربا أو المعاملات المحرمة ويتم دفع التعويضات من ذلك. كما أن شركة التأمين الإسلامي لا تتملك أقساط التأمين وإنما تكون ملكاً لحساب التأمين وهو حق للمشتركين، وتقوم شركة التأمين الإسلامي بإدارة الحساب نيابة عنهم. خامساً: الفائض في التأمين الإسلامي يعود إلى مجموع المؤمنين ولا يعود إلى شركة التأمين، ولكن شركة التأمين الإسلامي تأخذ حصة من الفائض إما باعتبارها وكيلة بأجر أو باعبتارها مضارباً. سادساً: تحتفظ شركة التأمين الإسلامي بحسابين منفصلين، أحدهما لاستثمار رأس المال، والآخر لحسابات أموال التأمين.

سابعاً: شركات التأمين الإسلامي هي شركات خدمات، أي أنها تدير عمليات التأمين وتستثمر أمواله نيابة عن هيئة المشتركين، وعلاقة الشركة بهيئة المشتركين علاقة معاوضة، فهي الأمينة على أموال التأمين، وتقوم بالإدارة نيابة عن هيئة المشتركين، والعوض الذي تأخذه الشركة مبلغ مقطوع، أو نسبة من الأقساط التي تجمعها، أو التعويضات التي تدفعها باعتبارها وكيلاً، أو نسبة معلومة من عائد الاستثمار باعتبارها مضارباً، أو هما معاً] التأمين التعاوني الإسلامي د. صالح بن حميد. عن الإنترنت. ثامناً: تخضع جميع أعمال شركة التأمين الإسلامي للتدقيق من هيئة رقابة شرعية للنظر في مدى توافقها مع الأحكام الشرعية. وخلاصة الأمر أن التأمين الإسلامي عقد مشروع إذا تمَّ وفق القواعد والضوابط الشرعية. - - -

حكم تهريب الأدوية والتلاعب بها

حكم تهريب الأدوية والتلاعب بها السؤال: وصلتني رسالة من نقيب الصيادلة تتضمن مجموعة من الأسئلة أختصرها فيما يلي: أولاً: ما حكم تهريب الأدوية بحجة أنها أرخص أو غير متوفرة في السوق المحلي، علماً بأن طريقة نقل هذه الأدوية لا تكون سليمة. ثانياً: ما حكم بيع وشراء الأدوية المسروقة. ثالثاً: هل يجوز شرعاً بيع الدواء إذا كان تالفاً وغير مخزن بالطرق المناسبة. رابعاً: الأدوية التي توزعها وزارة الصحة الفلسطينية مجاناً، بعض المرضى يحرمون أنفسهم منها ويبيعونها إلى بعض الصيادلة، فما حكم ذلك. خامساً: ما حكم قيام الجمعيات الخيرية ببيع الأدوية التي يتبرع بها لصالح تلك الجمعيات. سادساً: قيام الصيدلي بصرف أقل من الكمية المكتوبة في الوصفة الطبية وبدون إعلام المريض لكي يظن المريض أن أسعار الصيدلي مخفضة. سابعاً: قوانين مزاولة مهنة الصيدلة تحتم أن الصيدلي هو مالك الصيدلية الوحيد وهنالك يمين يحلفها الصيدلي فما حكم الحلف كاذباً. ثامناً: حدد قانون النقابة سعر بيع الدواء فهل يحق للصيدلي أن يبيع بأقل من السعر المحدد بقصد الإضرار بغيره من الصيادلة. تاسعاً: ما هي ضوابط الإعلان في وسائل الإعلام عن المستحضرات التي لها صفة علاجية كالأدوية الجنسية والأدوية النباتية. عاشراً: ما حكم تعامل الصيدلي مع الأدوية المزيفة، مع العلم أنها تباع بسعر أقل بكثير من الأدوية الأصلية. أفيدونا.

الجواب: إن مضمون أسئلة نقيب الصيادلة يشير إلى فقدان الصدق في التعامل عند بعض الناس، وتغليب الجشع والطمع، ومن المعلوم أن الصدق مطلوب من المسلم عموماً في كل أموره وأحواله ومطلوب من التاجر خصوصاً قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة الآية 119. وثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) رواه البخاري ومسلم. وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما) رواه البخاري ومسلم، فالصدق في البيع والشراء سبب لحصول البركة، والكذب سبب لمحق البركة. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وجاء في الحديث عن رفاعة رضي الله عنه أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: (يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فالبر والصدق والتقى منجاة للتاجر من النار يوم القيامة. إذا تقرر هذا فأعود إلى الأجوبة:

أولا: تهريب الأدوية محرم شرعاً إذا ترتب عليه ضرر كما هو الحال في تهريب الأدوية التي تحتاج إلى ظروف خاصة عند نقلها وتخزينها مما يؤدي إلى فسادها، وهذا يلحق الضرر بمستعمليها. ثانياً: يحرم على المسلم أن يشتري مالاً مغصوباً أو مسروقاً أو أخذ من صاحبه بغير حق وهو يعلم، ولا شك أن في شراء المال المسروق أو المغصوب تشجيعاً للصوص الذين يأخذون أموال الناس بالباطل، ويدخل شراء المسروق في باب التعاون على الإثم والعدوان وقد نهانا الله عن ذلك بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. وكذلك فإننا نعلم أنه لا يحل أخذ مال المسلم إلا إذا طابت نفسه بذلك وهذه الأموال المسروقة أو المغصوبة تؤخذ بالقوة أو بالخفية ولا تطيب نفس صاحبها بها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل مال امرئٍ مسلمٍ إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وهو حديث صحيح. وقد روي في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (من اشترى سرقة - شيئاً مسروقاً - وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في إثمها وعارها) رواه الحاكم والبيهقي وسنده مختلف فيه. ويجب أن يعلم أنه لا فرق بين أن تكون الأموال مسروقة من فرد أو جهة عامة أو خاصة أو غير ذلك، فكله حرام بل إن حرمة المال العام أشد من حرمة المال الخاص. ثالثاً: لا يجوز شرعاً بيع الأدوية بعد انتهاء صلاحيتها وكذا الأدوية التالفة، لأن في ذلك إضراراً بالناس وإلحاقاً للأذى بهم ويحرم على المسلم أن يلحق الضرر بغيره لما ورد في الحديث الشريف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والحاكم، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 3/ 408. وإذا ثبت أنه قد لحق ضرر بمن استهلك الأدوية

المنتهية الصلاحية أو الأدوية التالفة فإن من باعها يكون مسئولاً عن ذلك وينبغي أن يعاقب على فعلته. ومن جهة أخرى فإن بيع الأدوية المنتهية الصلاحية مع علم البائع بذلك يعتبر غشاً وكتماناً لعيب السلعة عن المشتري والغش محرم في الشريعة الإسلامية، فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم. رابعاً: الأدوية التي توزعها وزارة الصحة الفلسطينية مجاناً لبعض المرضى فيحرمون أنفسهم منها ويبيعونها إلى بعض الصيادلة، هذا العمل غير جائز شرعاً لأن المقصد من صرفها مجاناً مساعدة المرضى الفقراء والغالب أن وزارة الصحة الفلسطينية تمنع بيع هذه الأدوية. خامساً: لا يجوز شرعاً بيع الأدوية التي يتبرع بها للجمعيات الخيرية، طالما أن المتبرعين قدموها كذلك، والجمعية الخيرية التي تسلمتها هي بمثابة وكيل عن المتبرع، فلا يجوز لها أن تبيعها للصيادلة أو غيرهم. سادساً: قيام الصيدلي بصرف أقل من الكمية المكتوبة في الوصفة الطبية وبدون إعلام المريض لكي يظن المريض أن أسعار الصيدلي مخفضة، هذا نوع من الغش والغش من المحرمات كما سبق، كما أن تنقيص كمية الدواء قد يؤثر على صحة المريض فيؤخر شفاءه وقد يقلل من فاعلية الدواء، وهذا فيه إلحاق الضرر بالمريض وهو محرم شرعاً. سابعاً: الحلف الكاذب من المحرمات، قال الله تعالى: {إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة آل عمران الآية 77. ويقول الرسول صلى الله

عليه وسلم: (لا يقتطع الرجل حق امرئ مسلم بيمينه إلا حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقال رجل من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: وإن كان سواكاً من أراك) رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما وهو حديثٌ صحيح. وورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس) رواه البخاري. ثامناً: لا يجوز للصيدلي أن يبيع الدواء بأقل من السعر المحدد بقصد الإضرار بغيره من الصيادلة وقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجة والدارقطني والحاكم وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. تاسعاً: ضوابط الإعلان في وسائل الإعلام عن المستحضرات الطبية والأدوية وغيرها من المنتجات كما يلي: 1. أن يكون الإعلان سالماً وخالياً من المحظورات الشرعية فلا يجوز الإعلان عن السلع والأمور المحرمة كالخمور والمخدرات ونحوها. 2. لا يجوز أن تستعمل في الإعلان وسائل محرمة كظهور النساء العاريات أو يظهر في الإعلان أناس يشربون الخمر ونحو ذلك. 3. أن يكون الإعلان صادقاً في التعبير عن حقيقة السلعة لأننا نلاحظ أن كثيراً من الإعلانات التجارية فيها مبالغة واضحة في وصف السلع وغالباً ما تكون هذه الأوصاف كاذبة وغير حقيقية ويعرف صدق هذا الكلام بالتجربة. إن الإعلان الكاذب عن السلع والذي يظهرها على غير حقيقتها يعتبر تغريراً وغشاً وخداعاً

وكل ذلك محرم في شريعتنا الإسلامية ويؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. ويدخل ضمن الغش والخداع أن يُذكر في الإعلان أوصاف للسلعة ولا تكون فيها حقيقة كما ورد في رسالة نقيب الصيادلة أن بعض الصيادلة يعلن عن أدوية نباتية تعالج أكثر من مئة مرض ولا شك أن في ذلك دجلاً وتضليلاً للمستهلك. 4. أن لا يترتب على الإعلان عن السلعة إلحاق الضرر بسلع الناس الآخرين كأن يذم الأصناف المشابهة، لأن هذا من الضرر الممنوع شرعاً. عاشراً: يحرم على الصيدلي أن يتعامل مع الأدوية المزيفة، لما في ذلك من إلحاق الأذى والضرر بالناس. وخلاصة الأمر أن الصيادلة وغيرهم من المتعاملين بالأدوية يطلب منهم أن يتقوا الله عز وجل في المرضى ويطلب منهم أن يتذكروا أن مهنتهم فيها أبعاد إنسانية، ولا يصح أن ينظروا فقط إلى الربح المادي، وأن يجعلوا الصدق في المعاملة شعاراً لهم. - - -

حكم مشروبات الطاقة

حكم مشروبات الطاقة يقول السائل: هل مشروبات الطاقة المنتشرة في الأسواق من المشروبات المباحة أم لا؟ أفيدونا. الجواب: بدأ انتشار مشروبات الطاقة منذ بضع سنوات في الأسواق المحلية وأقبل عليها الناس وخاصة فئة الشباب لما صاحب انتشارها من دعايات جذابة حول تأثيرها الفعال [وقد نجحت أساليب الدعاية الخاصة بمشروبات الطاقة في السيطرة على ذهن المستهلك بشكل ربما لم يسبق له مثيل، خاصة في أوساط المراهقين، الذين يبحثون عن وسائل مختلفة، لإثبات أنفسهم في المجالات المختلفة، مثل القوة الجسدية والنجاح في الامتحانات، وقوة التحمل واليقظة وغير ذلك، مما له علاقة بأحلام المراهقين] عن شبكة الإنترنت. وعن محتويات مشروبات الطاقة تقول د. مريم الجلاهمة: [هذه المنتجات تحتوي على 4 مواد رئيسة، هي الكافيين، السكر، التورين وفيتامينات (ب). ومعظم هذه المشروبات تحتوي على كميات عالية من الكافيين بما يعادل كوباً كبيراً من القهوة المركزة، ويكفي شرب علبةٍ واحدةٍ من هذه المشروبات لتسبب القلق ومشكلات النوم والتبول الليلي للطفل، كما يمكن أن يؤدي الكافيين إلى الإجهاض خصوصاً في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، حيث إن كوبين كبيرين يومياً من القهوة كافيان لحدوث الضرر. كما أن الكافيين يسبب الأرق، وصعوبة النوم لدى البالغين. إضافة إلى ذلك، فإن محتويات هذه المشروبات من السكر في العلبة الواحدة تعادل 12 ملعقة شاي، وهذه كمية كبيرة جداً تؤدي إلى السمنة. أما المادة الثالثة التي تحتويها هذه المشروبات فهي مادة التورين المستخلصة من عصارة الصفراء من الثيران وهي مادة تستخدم في عمليات حيوية بالجسم لإنتاج

الطاقة، إلا أنه ليست هناك معلومات علمية متوافرة بشأن سلامتها، كما تحتوي هذه المشروبات على مجموعات من فيتامينات (ب) وهي فيتامينات يحتاجها الجسم لإنتاج الطاقة، لكن لا توجد مبررات علمية لإضافتها إلى هذه المشروبات، على اعتبار أن تناول غذاء متوازن يفي بحاجة الجسم منها. وفي ذات الإطار، فإن هذه المشروبات لها تأثيرات سلبية على الرياضيين، حيث إن محتوياتها العالية من السكر تؤدي إلى حدوث الجفاف لدى الرياضيين بسبب منع دخول الماء إلى داخل الجسم] عن شبكة الإنترنت. وقال الدكتور إبراهيم بن محمد الرقيعي -أستاذ الغذاء والتغذية في معهد بحوث الموارد الطبيعية والبيئة بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية-: [إن هذه المشروبات تحتوي على كمية من الطاقة تبلغ 45 سعراً حرارياً، لكل 100مل (120 كيلو سعر لكل علبة 250 مل)، وعلى نسبة عالية من الكافيين تبلغ 32 ملجم لكل 100 مل مشروب (80 ملجم في علبة سعتها 250 مل)، واحتمال أن تصيب الإنسان بالجفاف، وأمراض الكلى، وارتفاع ضغط الدم، واضطراب ضربات القلب، والنوبات المرضية، والسكتة الدماغية] عن شبكة الإنترنت. وقد قامت عدة جهات صحية وعلمية بدراسات حول مشروبات الطاقة وقد أكدت هذه الدراسات على أضرار تناولها وأن لمشروبات الطاقة تأثيرات سلبية ضارة لصحة الإنسان فقد جاء في دراسة للدكتور فهد بن صالح العريفي استشاري الأطفال ورئيس قسم الطوارئ والإسعاف في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض: [مشروبات طاقة المتداولة خاصة بين فئة المراهقين والتي يعتقدون أنها تمدهم بالطاقة لها أضرار لا تحمد عقباها خاصة عند تناولها بشكل متكرر خلال 24 ساعة ومن خلال عملنا في أقسام الطوارئ تأتي حالات

كثيرة من الأطفال والمراهقين بأعراض تتعلق بارتفاع مادة الكافيين والتي تزيد عن معدل ما هو موجود في المرطبات والتي تصل إلى 20 ضعفاً في بعض تلك المشروبات، ومن الأعراض الناتجة عن ارتفاع معدل مادة الكافيين في الدم عند هؤلاء الأطفال والمراهقين التي تتمثل في ازدياد دقات القلب تصل إلى 150 في الدقيقة وارتفاع في ضغط الدم وزيادة تدفق الدم للعضلات وتقليل كمية الدم إلى الجلد وهذا ما نلاحظه من شحوب في الوجه في حالات التسمم] عن شبكة الإنترنت. وتقول الجمعية السعودية لعلوم الغذاء والتغذية: إن التناول المفرط لمادة الكافيين، المتوفرة بنسبة عالية في مشروبات الطاقة، من شأنه أن يثير القلق الحقيقي، لأن للكافيين تأثيرات سلبية، مثل زيادة معدل نبضات القلب، وارتفاع ضغط الدم، والجفاف، وعلى الرغم من عدم وجود معلومات كافية عن تأثير استهلاك هذه المشروبات، على المرأة الحامل، إلا أن العبوات تحمل تنبيهاً ينصح الحامل بعدم تناولها، أو عدم الإكثار منها، تماماً مثلما ينصح الأطباء الحامل بعدم الإكثار من شرب القهوة والشاي، والمشروبات الغازية التي تحتوي على المنبهات.] عن شبكة الإنترنت. وقال الدكتور عبد العزيز بن محمد العثمان الأستاذ المساعد للتغذية الإكلينيكية في كلية العلوم الطبية التطبيقية بجامعة الملك سعود بالرياض: [والذي لا يعرفه الكثيرون أن تلك المشروبات تسبب القلق بعد فترة من تناولها بسبب الكمية الكبيرة من الكافيين، فبعد فترة من الزمن يستهلك الجسم الكافيين فتقل نسبته في الدم بعد تخلص الجسم منه فيؤدي ذلك إلى حالة من القلق، وتلك حالات مشابهة لتأثير المخدرات، لو تزداد الكمية لأدت بالتأكيد إلى عدم انتظام ضربات

القلب، ومشاكل النوم، وبعض الأعراض النفسية "الانسحابية" والصداع، وأكدت الدراسات الطبية بأن هذه المشروبات تساهم في ارتفاع ضغط القلب وزيادة نسبة السكر في الدم والأرق وآلام الصداع والقلق ونزيف الأنف والنوبات المرضية، ومشاكل تسوس الأسنان، وتقليل الاعتماد على النفس كأحد التأثيرات النفسية للمواد المخدرة] عن شبكة الإنترنت. وأفادت حصيلة دراسة طبية أميركية جديدة بوجود ارتباط بين استهلاك مشروبات الطاقة وارتفاع ضغط الدم أو مخاطر الإصابة بأمراض القلب، حسب ما أورده تقرير لشبكة "إي فلوكس ميديا" العلمية. وأجرى هذه الدراسة فريق بحث طبي بقيادة الدكتور جيمس كالوس، المدير الأول لخدمات رعاية المرضى في مستشفى هنري فورد بمدينة ديترويت، وقدمت نتائجها في فعاليات المؤتمر العلمي السنوي لرابطة طب القلب الأمريكية لهذا العام (2007)، الذي انعقد مؤخراً بمدينة أورلاندو بولاية فلوريدا ... واكتشف الباحثون أن مستويات ضغط الدم ومعدلات دقات القلب قد ارتفعت في كل القياسات التي أجريت بعد اليوم الأول. وارتفع معدل دقات القلب بزيادة تصل إلى 11% في اليوم السابع. وتشير هذه النتائج تحديداً إلى أنه قد تكون هناك خطورة، عندما يتجاوز تناول هذه المشروبات مقدار علبتين في اليوم الواحد، خاصة في حالة الأشخاص المرضى بأمراض القلب. وينصح الدكتور جيمس كالوس الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في ضغط الدم ودقات القلب بأن يتجنبوا هذه المشروبات. وأضاف أنه لا ينبغي أن تؤخذ هذه المشروبات مع النشاط البدني أو مع غيرها من المشروبات التي تسبب ارتفاعاً في ضغط الدم.] عن شبكة الإنترنت.

إذا تقرر أن مشروبات الطاقة ضارة بصحة الإنسان كما هو ثابت في كثير من التقارير الطبية والعلمية المنشورة على شبكة الإنترنت، فإنه يجب إخراج مشروبات الطاقة من دائرة المباح، لأننا إذا طبقنا قواعد إباحة الأطعمة والأشربة المقررة شرعاً عليها نحكم بخروجها من دائرة المباح، يقول الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (سورة النساء الآية 29، ويقول تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (سورة البقرة الآية 195، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجة والدارقطني والحاكم وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. وإذا أخرجنا مشروبات الطاقة من دائرة المباح فإنها تكون في دائرة الحرام أو المكروه، ولا أستطيع أن أجزم بالتحريم، لأن التحريم يحتاج إلى نص صحيح صريح أو إلى قياس صحيح، فتبقى مشروبات الطاقة ضمن دائرة الكراهة الشديدة القريبة من الحرام، والمسلم يجتنب ما كان كذلك. وقد صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلا ما لا يريبك) رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. وأخيراً فإن على التجار أن يراعوا الحلال والحرام فيما يبيعون للناس وأن يتقوا الله في ذلك وأن يعلموا أنهم مسئولون أمام الله عز وجل الذي لا تخفى عليه خافية وأن يجنبوا الناس تناول المحرمات ويبعدوهم عن الشبهات.

حكم الامتناع عن تسديد رسوم الخدمات التي تقدمها المجالس البلدية

وخلاصة الأمر أن مشروبات الطاقة ضارة بالصحة ويترتب على شربها أخطار كثيرة على صحة الإنسان وحكمها الشرعي الكراهة الشديدة وينبغي للمسلم أن لا يشربها، وفي المشروبات الحلال ما يغني عنها. - - - حكم الامتناع عن تسديد رسوم الخدمات التي تقدمها المجالس البلدية يقول السائل: في بلدتنا لا يدفع كثير من السكان رسوم الخدمات التي يقدمها المجلس المحلي كجمع النفايات ونحوها، مما أدى إلى تراكم النفايات في الشوارع وصارت تشكل مكرهة صحية، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: إن ما تقوم به البلديات والمجالس المحلية من أعمال خدمية يصب في الصالح العام للسكان، ولا شك أن من واجب جميع سكان البلد أن يتعاونوا فيما يحقق لهم المصالح ويدرأ عنهم المفاسد، وهذا التعاون واجب شرعي لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. ولا شك أن جمع النفايات من الأمور النافعة التي تعود بالمصلحة على جميع الساكنين من حيث النظافة والمحافظة على الصحة العامة، والمحافظة على البيئة، وكل ذلك من المقاصد الشرعية، والإسلام دين النظافة، ويظهر ذلك واضحاً جلياً في كثير من النصوص الشرعية التي تحث على النظافة والطهارة والتطيب وإزالة ما يجب إزالته من الروائح الكريهة، كقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} سورة المدثر الآية 4، وكقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} سورة البقرة

الآية 222. وكقوله تعالى: (لا تقم فيه أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (سورة التوبة الآية108. وورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا وبات معه ملك في شعاره) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد، وقال الهيثمي: أرجو أنه حسن الإسناد. وقال العلامة الألباني: إسناده حسن، انظر السلسلة الصحيحة حديث رقم 2539، وحسنه العلامة الألباني أيضاً في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 599. وورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها). صححه العلامة الألباني ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط وقال المناوي: قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني. وأخرجه الترمذي 2/ 131من طريق خالد بن إلياس ... قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود. قاله العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 418. وكذلك فإن إزالة النفايات فيه محافظة على البيئة وفيه أيضاً رفع للأذى من طريق المسلمين، وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم، وعن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أماط أذىً من طريق المسلمين، كتبت له حسنة، ومن تُقبلت منه حسنة دخل الجنة) رواه الطبراني والبخاري في الأدب المفرد، وقال

العلامة الألباني حديث حسن، انظر صحيح الأدب المفرد ص 221. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي في الطريق إذ وجد غصن شوك، فأخره فشكر الله له فغفر له) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم) رواه مسلم. وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر هذا فإن من الواجب الشرعي على المسلم أن يدفع ثمناً للخدمات التي تقدمها البلديات والمجالس المحلية، ما دام أن تلك الخدمات تقدم بأجر، ويحرم الامتناع عن دفع تلك الرسوم أو التهرب من دفعها، ويعتبر ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. وكذلك فإن الامتناع من دفع رسوم الخدمات للبلديات والمجالس المحلية يعد من خيانة الأمانة قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} سورة النساء الآية 58. ويعتبر ذلك من الإخلال بالعقود والعهود والمواثيق فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء، ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ (المسلمون عند شروطهم) أي بدون الاستثناء. وقال شيخ الإسلام ابن

تيمية: [إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً] مجموع الفتاوى 29/ 516 والقواعد النورانية ص53. وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية: هل يجوز التحايل للامتناع عن دفع فاتورة الكهرباء أو الماء أو التليفون أو الغاز أو أمثالها؟.فأجابت: [لا يجوز؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل، وعدم أداء الأمانة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}] فتاوى اللجنة الدائمة 23/ 441. وجاء في فتاوى الإسلام سؤال وجواب 1/ 5749 حول سؤال يتعلق بتهرب بعض الناس من دفع الالتزامات [لا يجوز لهم ذلك، فالعقد شريعة المتعاقدين، والله جل وعلا أمر بالوفاء بالعقود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فهؤلاء الذين يتهربون من دفع شيء تعاقدوا عليه، ويأخذون أشياء لهم، ويمتنعون من دفع أشياء عليهم أخطئوا من وجهين: الأول: عدم الوفاء بالعقود، والثاني: أنهم يأخذون حقوقاً ليست لهم ويتهربون من دفع حقوق عليهم. فالواجب عليهم أن يدفعوا ما يطلب منهم، وإذا كانوا يتحرجون من ذلك، فلا يستفيدوا من الخدمات التي تقدم لغيرهم مقابل دفع هذه الأموال المطلوبة منهم]. وأخيراً أنبه على بعض الأمور القريبة من السؤال مثل سرقة المياه وسرقة الكهرباء ورمي النفايات في الشوارع وكذلك التعدي على الشوارع بالبناء وغير ذلك، فهذه الأمور كلها محرمة وتضر بمصالح الناس، وقد صح في الحديث عن أبي سعيد

الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجة والدارقطني والحاكم وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني، السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. وقد اعتبر الفقهاء هذا الحديث من القواعد الفقهية العامة فلا يجوز لأحد أن يتعدى على حقوق الآخرين، ومن ضمن ذلك ما يتعلق بالطرق والشوارع، فمن المعلوم أن الطريق من الحقوق العامة التي ينتفع بها الناس كافة فلا يجوز لأحد أن يؤذي غيره فيها. فاستعمال الطرق والشوارع له أحكام شرعية متعلقة به وليس للإنسان مطلق الحرية أن يتصرف في الشوارع حسبما يريد وكيفما يريد، جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس على الطرقات. فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى وردّ السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر) رواه البخاري. وفي رواية أخرى، قال صلى الله عليه وسلم (إذ أبيتم إلا الجلوس في الطريق فأعطوا الطريق حقه قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال غض البصر، ورد السلام، وإماطة الأذى عن الطريق) وخلاصة الأمر أنه يحرم الامتناع عن دفع رسوم جمع النفايات للبلديات والمجالس المحلية وفي ذلك مفاسد من جهات عديدة بينتها، والأعمال الخدمية التي تقوم بها البلديات والمجالس المحلية تعتبر من المصالح العامة للسكان والتعاون في ذلك من الواجبات الشرعية. - - -

توزيع الأموال على الأولاد قبل الوفاة

توزيع الأموال على الأولاد قبل الوفاة يقول السائل: إنه يريد أن يوزع تركته على أولاده قبل وفاته خشية أن يختلفوا بعد مماته، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن التركة لا تكون تركة إلا بعد وفاة المورث، فقد عرَّف جمهور الفقهاء التّركة بأنها كلّ ما يخلّفه الميّت من الأموال والحقوق الثّابتة مطلقاً. الموسوعة الفقهية الكويتية 11/ 206. وتنتقل ملكيّة التّركة جبراً إلى الورثة ولا يكون ذلك إلا بعد تحقق موت المورّث، فقد اتّفق الفقهاء على أنّ انتقال التّركة من المورّث إلى الوارث يكون بعد وفاة المورّث حقيقةً أو حكماً أو تقديراً. الموسوعة الفقهية الكويتية 11/ 210. إذا تقرر هذا فإن توزيع الشخص لأمواله على أولاده لا يكون من باب الميراث وإنما يكون من باب الهبة، وحتى يصح هذا التصرف شرعاً لا بد أن تتحقق الشروط الآتية: أولاً: لا بد أن يكون صاحب المال في كامل قواه العقلية والصحية، فإذا حصل هذا التصرف في مرض موته، فلا يصح، لأنه حينئذ يُعد بمثابة الوصية، ومن المقرر شرعاً أنه لا وصية لوارث إلا إذا أجازها بقية الورثة، لما ثبت في الحديث من قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. ومرض الموت هو: المرض المخوف الّذي يتّصل بالموت، ولو لم يكن الموت بسببه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء. وذهب الحنفيّة إلى أنّ مرض الموت: هو الّذي يغلب فيه خوف الموت، ويعجز معه المريض عن رؤية مصالحه خارجاً عن داره إن كان من الذكور، وعن رؤية مصالحه داخل داره إن كان من الإناث، ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة. الموسوعة الفقهية الكويتية 37/ 5. قال ابن المنذر: [أجمع

كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب: حكم الوصايا] المغني 6/ 61. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وحكم العطايا في مرض الموت المخوف حكم الوصية في خمسة أشياء: أحدها أن يقف نفوذها على خروجها من الثلث وإجازة الورثة، الثاني: أنها لا تصح لوارث إلا بإجازة بقية الورثة، الثالث: أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة ... الرابع: أنه يزاحم بها الوصية في الثلث، الخامس: أن خروجها من الثلث معتبر حال الموت لا قبله ولا بعده.] المغني 6/ 193. ثانياً: أن يقبض الموهوب له الهبة حال حياة الواهب، أي أن يحوزها الحيازة الشرعية بحيث يصير مالكاً لها وحر التصرف فيها، لأن من شروط صحة الهبة عند جمهور الفقهاء القبض، ويدل على ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها: (أن أبا بكر رضي الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالعالية، فلما مرض قال: يا بنية: كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً، ولو كنت جذذته أو قبضته كان ذلك، فإنما هو اليوم مال وارث، فاقتسموه على كتاب الله تعالى). رواه مالك في الموطأ ورواه البيهقي كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير 3/ 72 - 73. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي مستدلاً لهذا الشرط: [ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن ما قلناه مروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف ... -ثم ذكر خبر عائشة رضي الله عنها السابق- ثم قال: وروى ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري أن عمر بن الخطاب قال: ما بال أقوام ينحلون أولادهم، فإذا مات أحدهم قال: مالي وفي يدي وإذا مات هو قال: كنت نحلته ولدي؟ لا نحلة إلا نحلة يحوزها

الولد دون الوالد، فإن مات ورثه وروى عثمان أن الوالد يحوز لولده إذا كانوا صغاراً قال المروذي: اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة] المغني 6/ 41 - 42. وبهذا يتبين لنا أن ما يفعله بعض الناس من توزيع أموالهم وقسمتها على أولادهم، ثم لا يمكنونهم من التصرف فيها حال حياتهم، أي لا يقبضونها، فهذه القسمة غير ملزمة لأنها غير صحيحة ولا تعتبر هبة بل وصية للوارث وهي لا تصح لما ذكرته سابقاً. ثالثاً: لا بد من العدل بين الأولاد في الهبة والعطية، فالعدل بين الأولاد مطلوبٌ سواء أكان في الأمور المادية أو المعنوية، وقد رفض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشهد على إعطاء أحد الصحابة لأحد أولاده عطية دون الآخرين كما جاء في الحديث عن عامر قال: (سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي أعطيةً فقالت عمرة بنت رواحة - أم النعمان - لا أرضى حتى تشهد رسول صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. قال فرجع فردَّ عطيته) رواه البخاري، وفي روايةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير والد النعمان (لا تشهدني على جورٍ أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم. قال: أشهد على هذا غيري) رواه أبو داود بسندٍ صحيح. ويدل على أنه يجب على الأب أن يسوي بين أولاده في الهبات والعطايا قوله صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديثٌ صحيح.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء) رواه سعيد بن منصور والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن. وقال صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أولادكم في النِحَل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البِر) رواه مسلم. ومن الجدير بالذكر أن جمهور الفقهاء يرون أن الذكر والأنثى سواءٌ في الهبات والأعطيات لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد (فسووا بينهم) وفي روايةٍ أخرى (أليس يسرك أن يكونوا في البر سواء) والبنت كالابن في وجوب برها لأبيها. ويرى الحنابلة ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة واسحاق وبعض الشافعية وبعض المالكية أن على الأب أن يقسم بين أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين لأن الله سبحانه وتعالى قسم بينهم ذلك. وورد أن شريحاً القاضي قال لرجل قسَّم ماله بين أولاده (ارددهم إلى سهام الله تعالى وفرائضه). ويرون أن الأب إذا لم يعدل في الهبة لأولاده فهو آثم وتصرفه باطل شرعاً قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ ... يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية، وإذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها أثم ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر، قال طاوس: لا يجوز ذلك، ولا رغيف محترق، وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد وعروة وكان الحسن يكرهه ويجيزه في القضاء ... ] ثم استدل الشيخ ابن قدامة المقدسي لهذا القول [ولنا ما روى النعمان بن بشير قال: (تصدق عليَّ أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده

على صدقته فقال: أكلَّ ولدك أعطيت مثله؟ قال: لا قال: فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة) وفي لفظ قال: (فاردده) وفي لفظ قال: (فأرجعه) وفي لفظ: (لا تشهدني على جور) وفي لفظ: (فأشهد على هذا غيري) وفي لفظ: (سوِ بينهم) وهو حديث صحيح متفق عليه، وهو دليل على التحريم لأنه سماه جورا ً، وأمر برده وامتنع من الشهادة عليه والجور حرام، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم فمنع منه، كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها ... ] المغني 6/ 51 - 52. وقال الإمام القرطبي مرجحاً القول بالرد: [فإن قيل: الأصل تصرف الإنسان في ماله مطلقاً، قيل له: الأصل الكلي والواقعة المعينة المخالفة لذلك الأصل لا تعارض بينهما كالعموم والخصوص. وفي الأصول أن الصحيح بناء العام على الخاص، ثم إنه ينشأ عن ذلك العقوق الذي هو أكبر الكبائر، وذلك محرم، وما يؤدي إلى المحرم فهو ممنوع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم). قال النعمان: فرجع أبي فردَّ تلك الصدقة، والصدقة لا يعتصرها الأب بالإنفاق وقوله: (فأرجعه) محمول على معنى فاردده، والرد ظاهر في الفسخ، كما قال عليه السلام (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود مفسوخ. وهذا كله ظاهر قوي، وترجيح جلي في المنع] تفسير القرطبي 6/ 214. ولا بد من تذكير الآباء أنه ينبغي عند توزيع أموالهم على أولادهم أن يكون ذلك التوزيع في بعض الأموال، وليس في كلها حتى لا يحرم الأب نفسه من ماله، وخاصة إذا امتد به العمر، فيصبح عالة يتكفف الناس، وكذلك إذا وجد ورثة آخرون كما يحصل أن يتزوج زوجة أخرى وقد يرزقه الله عز وجل أولاداً

آخرين، فيحرمون من أمواله، وهذا ليس عدلاً ولا إنصافاً. وهنا يأتي قول بعض أهل العلم إن الأفضل أن لا يوزع الوالد أمواله على أولاده حال حياته، بل يتركها لتوزع بعد موته توزيع الميراث الشرعي، وهذا الأمر له حسنات كثيرة. [قال - الإمام - أحمد: أحب أن لا يقسم ماله، ويدعه على فرائض الله تعالى لعله أن يولد له فإن أعطى ولده ماله، ثم ولد له ولد فأعجب إليَّ أن يرجع فيسوي بينهم، يعني يرجع في الجميع أو يرجع في بعض ما أعطى كل واحد منهم ليدفعوه إلى هذا الولد الحادث،، ليساوي إخوته] المغني 6/ 61. وخلاصة الأمر أنه يجوز للوالد أن يوزع أمواله على أولاده حال حياته وأن ذلك لا يعتبر ميراثاً، لأن من شرط الميراث موت المورث، ويعد ذلك من الهبة، ولكن لا بد من تحقق الشروط التي ذكرتها. - - -

حكم رجوع الوالد فيما وهبه لولده

حكم رجوع الوالد فيما وهبه لولده يقول السائل: أعطاني والدي قطعة أرض فبنيت عليها بيتاً، وبنيت حوله سوراً، ووصلته بشبكة الكهرباء والماء والهاتف، وكلفني ذلك مبلغاً كبيراً من المال، وسكنته مع عائلتي، والآن وبعد مضي سنوات وبضغوط من إخوتي يطالبني والدي باسترجاع قطعة الأرض، حيث إن والدي لم يعطهم مثلما أعطاني، فهل يجوز لوالدي أن يسترجع قطعة الأرض مني، أفيدونا؟ الجواب: صح في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) رواه البخاري. وقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم إعطاء بعض الأولاد شيئاً دون الآخرين من الجور، فقد ورد في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قالت امرأة بشير: إنحل - أي أعط - ابني غلاماً وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (له إخوة؟ قال: نعم. قال: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته. قال: لا. فقال له عليه الصلاة والسلام: فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق) رواه مسلم. وفي روايةٍ أخرى قال صلى الله عليه وسلم: (لا تشهدني على جور إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم) رواه أبو داود. وفي روايةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير والد النعمان: (لا تشهدني على جورٍ، أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم. قال: أشهد على هذا غيري) رواه أبو داود بسندٍ صحيح. ومما يدل على أنه يجب على الأب أن يسوي بين أولاده في الهبات والعطايا قوله صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين

أبنائكم) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديثٌ صحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم: (سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء) رواه سعيد بن منصور والبيهقي، وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن. وقوله صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أولادكم في النِِحَل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر) رواه مسلم. وبناءً على هذه النصوص قرر العلماء أن الأصل في هبة الوالد لأولاده العدل ولا ينبغي له أن يفاضل بينهم إلا لموجب شرعي. والوالدة كالوالد في المنع من المفاضلة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والأم في المنع من المفاضلة بين الأولاد كالأب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، ولأنها أحد الوالدين، فمنعت التفضيل كالأب، ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من الحسد والعداوة يوجد مثله في تخصيص الأم بعض ولدها،، فثبت لها مثل حكمه في ذلك.] المغني 6/ 54 - 55. وقرر جمهور أهل العلم أنه لا يجوز للواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما يهبه لولده، لورود الأدلة المخصصة للوالد من هذا الحكم، وهو حرمة الرجوع في الهبة كما سأذكر لاحقاً، ويدل على حرمة رجوع الواهب في هبته أحاديث منها: عن قتادة قال: سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه) رواه البخاري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب، يقيء ثم يعود في قيئه فيأكله) رواه مسلم.

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على تحريم الرجوع في الهبة، قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته] ثم ذكر حديثي ابن عباس، الأول والثاني، انظر فتح الباري 6/ 162 - 163. وقال الإمام النووي: [باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض إلا ما وهبه لولده، وإن سفل] شرح صحيح مسلم 4/ 236. وينبغي للواهب أن يعلم أن العائد في هبته قد شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بالكلب الذي يقيء، ثم يعود فيأكل منه، وهذا مثل سوءٍ، فلا ينبغي للمسلم أن يتمثل بالكلب، وقد جاء في الحديث أنه ينبغي تعريف الواهب الذي يريد الرجوع في هبته بهذا المثل حتى يرتدع فلا يعود في هبته، فقد روى أبو داود بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذي يسترد ما وهب كمثل الكلب، يقيء فيأكل قيئه، فإذا استرد الواهب فليتوقف فليعرف بما استرد ثم ليدفع إليه ما وهب) رواه ابن ماجة، وقال العلامة الألباني: حسن صحيح، انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 676. وأما استثناء الوالد من الحكم السابق، فيجوز للوالد الرجوع فيما وهبه لولده، كما هو مذهب جمهور الفقهاء، فلما صح في الحديث عن طاووس، عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل للرجل أن يعطي عطية أو يهب هبةً فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب، يأكل فإذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه) رواه أصحاب السنن وأحمد، وقال الترمذي حسن صحيح، ورواه ابن حبان والحاكم وصححاه، وصححه العلامة الألباني أيضاً.

ويؤيد ذلك أيضاً ما ورد في إحدى روايات حديث النعمان بن بشير أنه قال: إن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلَّ ولدك نحلته مثل هذا، فقال: لا، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأرجعه) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير: (فاردده). قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وحجة الجمهور في استثناء الأب أن الولد وماله لأبيه فليس في الحقيقة رجوعاً وعلى تقدير كونه رجوعاً فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك] فتح الباري 6/ 143. وقد ألحق أكثر الفقهاء الأم بالأب في جواز الرجوع في الهبة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فصل: وظاهر كلام الخرقي أن الأم كالأب في الرجوع في الهبة لأن قوله وإذا فاضل بين أولاده يتناول كل والد ثم قال في سياقه: أمر برده فيدخل فيه الأم وهذا مذهب الشافعي لأنها داخلة في قوله (إلا الوالد فيما يعطي ولده)، ولأنها لما دخلت في قول النبي صلى الله عليه وسلم (سووا بين أولادكم) ينبغي أن يتمكن من التسوية والرجوع في الهبة، طريق في التسوية وربما تعين طريقاً فيها إذا لم يمكن إعطاء الآخر مثل عطية الأول، ولأنها لما دخلت في المعنى في حديث بشير بن سعد، فينبغي أن تدخل في جميع مدلوله لقوله (فاردده)، وقوله (فأرجعه)، ولأنها لما ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضله به تخليصاً لها من الإثم وإزالة للتفضيل المحرم كالأب، والمنصوص عن أحمد أنه ليس لها الرجوع، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله الرجوع للمرأة فيما أعطته ولدها كالرجل؟ قال ليس

هي عندي في هذا كالرجل لأن للأب أن يأخذ من مال ولده والأم لا تأخذ وذكر حديث عائشة: (أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه) أي كأنه الرجل، قال أصحابنا: والحديث حجة لنا، فإنه خص الوالد وهو بإطلاقه إنما يتناول الأب دون الأم، والفرق بينهما أن للأب ولاية على ولده ويحوز جميع المال في الميراث والأم بخلافه، وقال مالك للأم الرجوع في هبة ولدها ما كان أبوه حياً فإن كان ميتاً فلا رجوع لها، لأنها هبة ليتيم، وهبة اليتيم لازمة كصدقة التطوع، ومن مذهبه أنه لا يرجع في صدقة التطوع] المغني 6/ 55 - 56. إذا تقرر هذا فإن جمهور الفقهاء الذين أجازوا للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده اشترطوا شروطاً حتى يصح رجوعه فيما وهبه لولده، الأول: أن تكون الهبة باقية في ملك الابن فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو إرث ونحوه من كل ما يخرج الشيء الموهوب عن ملك الموهوب له، فمثل هذا الخروج يمنع الوالد من الرجوع في الهبة. الثاني: عدم تعلق حق الغير بالموهوب كأن يداين الناس الموهوب له نظراً لملاءة ذمته لما وهب له، وذلك إعمالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني وغيرهم وهو حديث صحيح. الثالث: عدم هلاك الموهوب أو استهلاكه لأنه لا سبيل إلى الرجوع في الهالك ولا سبيل إلى الرجوع في قيمته، لأنها ليست بموهوبة لعدم ورود العقد عليها، وقبض الهبة غير مضمون. الرابع: أن لا تزيد زيادة متصلة كأن يكون الموهوب أرضاً فيبني عليها. انظر المغني 6/ 56 - 58. وخلاصة الأمر أن المطلوب من الوالد والوالدة أن يعدلا في الهبة لأولادهما، وأنه يجوز للوالد وكذا للوالدة الرجوع فيما وهبا لولدهما، ولكن بشروط ومنها أن لا

يحدث الولد في الموهوب زيادة متصلة كما في السؤال، فلا يجوز للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده ما دام أن الولد قد أحدث تغييراً في الأرض بالبناء عليها حيث بنى الولد عليها بيتاً، وبنى حوله سوراً، ووصله بشبكة الكهرباء والماء والهاتف، وكلفه ذلك مبلغاً كبيراً من المال. - - -

نقض حكم المحكمين

نقض حكم المحكمين يقول السائل: كنت شريكاً مع أحد الأشخاص في شركة تجارية ثم حصل نزاع بيننا على مبلغ كبير من المال، فاتفقنا على اللجوء إلى التحكيم، فاختار كل واحدٍ منا محكماً، وقدمنا حججنا مكتوبة للمحكمين، ولكن المحكمين لم يستمعا لنا، ولم يقبل المحكان أن أطلع على حجة خصمي، ولم يقبلا أن أطلع على كشف الحساب الذي قدمه خصمي، ثم أصدرا الحكم وألزماني بتنفيذه، مع أن الحكم جائر في حقي، فهل يجوز نقض حكم المحكمين، أفيدونا؟ الجواب: التحكيم بين الناس في الخصومات مشروع بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وثابت عن الصحابة والتابعين. فمن كتاب الله قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} سورة النساء الآية 35، وهذه الآية نص صريح في إثبات التحكيم كما قال الإمام القرطبي في تفسيرها، تفسير القرطبي 5/ 179. ومن السنة النبوية ما رواه البخاري في صحيحه في قصة تحكيم سعد بن معاذ رضي الله عنه في يهود بني قريظة، وقد رضي الرسول صلى الله عليه وسلم بسعدٍ رضي الله عنه حكماً. وقد وقعت حوادث كثيرة في زمن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحكّمون فيها بين المتخاصمين. إذا تقرر هذا فإن جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية في القول المعتمد عندهم والحنابلة وهو قول الظاهرية، ونقل عن جماعة من السلف يرون أن حكم المحكّم أو المحكّمين لازم للمتخاصمين، ولا يصح شرعاً رفض حكم المحكّم أو المحكّمين من قبل أحد المتخاصمي، ويدل على هذا أن المتخاصمين ما داما قد قبلا بالتحكيم ورضيا

بالمحكّم أو المحكّمين فلا بد لهما من قبول الحكم الذي يصدر عن المحكّم أو المحكمين. ولولا أن حكم المحكّم لازم للمتخاصمين لما كان للترافع إليه أي معنىً، قياساً على الحاكم المولّى من ولي الأمر. انظر عقد التحكيم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي ص 147 - 149، الموسوعة الفقهية الكويتية 10/ 244. وهذا ما قررته مجلة الأحكام العدلية فقد جاء في المادة 1448 ما يلي: [كما أن حكم القضاة لازم الإجراء في حق جميع الأهالي الذين في داخل قضائهم كذلك حكم المحكّمين لازم الإجراء، على الوجه المذكور في حق من حكّمهم وفي الخصوص الذي حكموا به، فلذلك ليس لأي واحدٍ من الطرفين الامتناع عن قبول حكم المحكّمين بعد حكم المحكّمين حكماً موافقاً لأصوله المشروعة]. وكلام العلماء هذا وارد في المحكم صاحب الأهلية والكفاءة للحكم والنظر، وهو من كان أهلاً لتولي القضاء، وعلى ذلك اتفاق المذاهب الأربعة، انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 10/ 237. وكذلك فإن حكم المحكم يكون لازماً ومقبولاً إذا كان موافقاً للأصول الشرعية، كما ورد في مجلة الأحكام العدلية: [ ... فلذلك ليس لأي واحدٍ من الطرفين الامتناع عن قبول حكم المحكّمين بعد حكم المحكّمين حكماً موافقاً لأصوله المشروعة]، ومما يؤسف له أنه قد دخل في التحكيم الشرعي من ليس أهلاً له من بعض المتسلقين الجهلة الذين لا يعرفون ألف باء التحكيم الشرعي، وخاصة في القضايا المالية، وكذلك فإن هؤلاء اتخذوا التحكيم الشرعي مصدراً للتكسب فتراهم يفرضون على المتحاكمين مبالغ مالية كبيرة، وبعضهم يتقاضى نسبة مئوية

من المبلغ محل الخصومة والنزاع، فكانت أجورهم بالآلاف. وقد صدرت عن هؤلاء أحكام كأحكام قراقوش، فيها من الجور والظلم ما الله به عليم. وبناءً على ما سبق فإن الفقهاء قد نصوا على أنه يمكن نقض حكم المحكم أو حكم المحكمين إذا كان مخالفاً للشرع كأن يصدر الحكم عن محكم جاهل، بل قال جماعة من الفقهاء تنقض كل أحكامه حتى لو أصاب في بعضها وإلى هذا ذهب الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة وقول للمالكية إلى أن أحكامه -أي المحكم الجاهل- كلها تنقض وإن أصاب فيها، لأنها صدرت ممن لا ينفذ حكمه، وذهب بعض المالكية وبعض الحنابلة إلى أنه تنقض أحكامه المخالفة للصواب كلها، سواء أكانت مما يسوغ فيه الاجتهاد أم لا يسوغ، لأن حكمه غير صحيح وقضاؤه كعدمه، لأن شرط القضاء غير متوفر فيه، ولكن القول المعتبر هو ما اختاره صاحب الإنصاف الشيخ المرداوي الحنبلي ومعه جماعة من فقهاء الحنابلة بأنه لا ينقض من أحكامه إلا ما خالف كتاباً أو سنةً أو إجماعاً، وأن هذا عليه عمل الناس من زمن ولا يسع الناس غيره. انظر الإنصاف للمرداوي 11/ 225 - 226، الموسوعة الفقهية الكويتية 41/ 162 - 163. وقرر جمهور الفقهاء أن الحكم إذا كان جائراً فإنه ينقض، بل إن فقهاء الحنفية قد نصوا على أنه إن كان القاضي تعمد الجور فيما قضى وأقر به فالضمان في ماله، سواء كان ذلك في حق الله أو في حق العبد، ويعزر القاضي على ذلك لارتكابه الجريمة العظيمة، ويعزل عن القضاء ونص أبو يوسف على أنه إذا غلب جوره ورشوته ردت قضاياه وشهادته. حاشية ابن عابدين 5/ 418. وكذلك فإن عدم إتباع الإجراءات القضائية بشكل صحيح يعتبر سبباً في نقض حكم المحكم أو حكم المحكمين، فإذا لم يستمع المحكم أو المحكمون لأحد

الخصوم أو لم يمكنوه من الاضطلاع على حجة خصمه أو لم يمكنوه من الرد عليها والدفاع عن نفسه، أو قصر المحكم في الكشف عن الشهود وبيان حالهم حتى لا يكونوا شهود زورٍ، فإن هذه تعتبر أسباباً كافية لنقض الحكم الصادر عن المحكم أو المحكمين، قال صاحب درر الحكام شرح مجلة الأحكام عند شرحه المادة (1849): (إذا عرض حكم المحكم على القاضي المنصوب من قبل السلطان فإذا كان موافقاً للأصول صدَّقه وإلا نقضه) إذا عرض حكم المحكم على القاضي المنصوب من قبل السلطان أو على محكمٍ ثانٍ ليدقق الحكم مرةً ثانيةً فإذا كان موافقاً للأصول صدَّقه لأنه لا فائدة من نقض الحكم الموافق للأصول والحكم ثانية بذلك. وفائدة تصديق حكم المحكم من قبل القاضي هو: أنه لو عرض هذا الحكم على قاضٍ آخر يخالف رأيه واجتهاده رأي المحكم فليس له نقضه، لأن إمضاء وقبول القاضي لحكم المحكم هو بمنزلة الحكم ابتداءً من القاضي؛ أما إذا لم يصدق القاضي على حكم المحكم فيكون من الممكن للقاضي الآخر أن ينقض حكم المحكم - نقلاً عن الزيلعي في تبيين الحقائق - فإذا حكم المحكم حكماً غير موافق للأصول ينقضه القاضي والمحكم الثاني. وعدم موافقة حكم المحكم للأصول يكون على وجهين: الوجه الأول: أن يكون حكم المحكم خطأً لا يوافق أي مذهب من المذاهب؛ وبتعبير آخر أن يكون حكم المحكم غير موافق لمذهب المجتهد الذي يقلده القاضي ولا يوافق رأي أي مجتهد من المجتهدين والعلماء. وبما أن الحكم الذي يكون على هذه الصورة ظلمٌ واجبٌ رفعه فيرفع هذا الحكم وينقض، ويحكم القاضي في القضية على وجه الحق ... ] درر الحكام شرح مجلة الأحكام 4/ 702.

وكذلك فإن من أسباب نقض حكم المحكم أو المحكمين التهمة، فإنها تؤثر في حكم القاضي وتعرضه للنقض، فإذا كان المحكم قريباً لأحد الخصوم فهذه تهمة تعرض حكمه للنقض، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: [اختلف الفقهاء فيما إذا حكم القاضي لنفسه أو لأحد أبويه أو ولده أو زوجته أو من لا تقبل شهادته له، ولهم في ذلك رأيان: الرأي الأول يرى الحنفية والحنابلة والمختار عند المالكية والشافعية على الصحيح نقض الحكم لكونه باطلاً لمكان التهمة، بخلاف ما إذا حكم عليهم فينفذ حكمه لانتفاء التهمة. وزاد الحنفية والشافعية أنه لا ينفذ حكمه لنفسه أو شريكه في المشترك. الرأي الثاني يرى المالكية في مقابل المختار والشافعية في مقابل الصحيح أنه ينفذ حكمه لهم بالبينة، لأن القاضي أسير البينة، فلا تظهر منه تهمة. وأضاف المالكية أنه إن كان مبنى الحكم هو اعتراف المدعى عليه يجوز الحكم عليه لابنه أو غيره ممن ذكر، أما إذا كان الحكم يحتاج إلى بينة فلا يجوز الحكم لهم لأنه يتهم بالتساهل فيها. وينقض الحكم إذا أثبت المحكوم عليه ما ادَّعاه من وجود عداوة بينه وبين القاضي، أو بينه وبين ابنه أو أحد والديه، وهو ما ذهب إليه الحنفية والمالكية والحنابلة والمشهور في المذهب عند الشافعية. وجوز الماوردي الحكم في هذه المسألة بقوله: إن أسباب الحكم ظاهرة بخلاف شهادته على عدوه.] الموسوعة الفقهية الكويتية 41/ 164 - 167. وأخيراً أنبه من يلجأ للتحكيم أن يختار محكمين من أهل الخبرة والمعرفة، فليس كل شيخٍ أو إمام مسجد أو حامل شهادة في الشريعة أو القانون، يكون أهلاً للتحكيم، وكذلك فإني أنصح بالبعد عن المتكسبين من التحكيم لأن الغالب على هؤلاء الجشع والطمع وقد تشترى أحكامهم بالمال.

وخلاصة الأمر أن التحكيم مشروع في الخصومات وأن الأصل الذي قرره فقهاؤنا هو أن الحكم الذي يصدره المحكم لازم للخصوم وواجب التنفيذ، مادام المحكم أهلاً للتحكيم، وما دام الحكم غير مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، وصدر الحكم بعد استكمال جميع الإجراءات اللازمة لإصداره من استماع حجج الخصوم وطعونهم فيها ونحو ذلك. - - -

المرأة والأسرة والمجتمع

المرأة والأسرة والمجتمع

الزواج قسمة ونصيب

الزواج قسمة ونصيب يقول السائل: تقدمت لخطبة فتاة وتمنَّعَ أهلُها في الموافقة على الزواج، وبعد مدة وافقوا على زواجي منها، ولكنني تراجعت عن فكرة الزواج منها ثم تزوجت الفتاة من شخص آخر، ولما علمت بزواجها ندمت ندماً شديداً، فهل ما حصل معي أمر مقدر حتمي وأنه ليس لي نصيب في تلك الفتاة، أفيدونا؟ الجواب: لاشك ولا ريب أنه لا يقع في ملك الله عز وجل إلا ما قدَّره الله وسبق في علمه سبحانه وتعالى، ومن ضمن ذلك زواج فلان بفلانة، فهذا من القدر، وما يقوله العامة: الزواج قسمة ونصيب، صحيح شرعاً، ويستند إلى الإيمان بالقدر، وهو ركن من أركان الإيمان، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي صاحب العقيدة المرضية عند أهل السنة والجماعة: [ونؤمن باللوح والقلم، وبجميع ما فيه قد رقم ... فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن، ليجعلوه غير كائن، لم يقدروا عليه. ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه، ليجعلوه كائناً، لم يقدروا عليه. جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ... وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه ... وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه، فقدر ذلك تقديراً محكماً مبرماً، ليس فيه ناقض، ولا معقب ولا مزيل ولا مغير ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه ... وذلك من عقد الإيمان وأصول المعرفة والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته، كما قال تعالى في كتابه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} سورة الفرقان الآية 2، وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً} سورة الأحزاب الآية 28] شرح العقيدة الطحاوية ص 292 - 304.

وصح في حديث جبريل المشهور لما سأل النبيَ صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. وقال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: يا عمر أتدري من السائل؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبرائيل، أتاكم يعلمكم دينكم) رواه مسلم. وقال الإمام الترمذي: [باب ما جاء أن الإيمان بالقدر خيره وشره، ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلمَ أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 227. ومما يدل على أن كل شيء يحصل للإنسان مقدرٌ وسابقٌ في علم الله عز وجل بما في ذلك الزواج، قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} سورة الحديد الآية 22. وقوله تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (سورة يونس 61. وقوله تعالى: (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (سورة الأنعام الآية 59. وقوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (سورة يس الآية 12. وقوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (سورة الحج الآية70. وقوله تعالى: (قُل لَن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا (سورة التوبة الآية 51. وورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)، قال العلماء المراد تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ أو غيره، لا أصل التقدير فإن ذلك أزلي لا أول له، وقوله: (وعرشه على الماء) أي قبل خلق السماوات والأرض] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 155. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس). رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [قال القاضي ... ويحتمل أن العجز هنا على ظاهره، وهو عدم القدرة. وقيل: هو ترك ما يجب فعله، والتسويف به وتأخيره عن وقته، قال: ويحتمل العجز عن الطاعات، ويحتمل العموم في أمور الدنيا والآخرة. والكيس ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور. ومعناه أن العاجز قد قدِّر عجزُه، والكَيِّس قد قدِّر كَيسُه.] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 156. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم، فقال له اكتب، قال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) رواه أبو داود والترمذي وصححه العلامة الألباني في تخريجه لأحاديث العقيدة الطحاوية ص294. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً ثم يكون علقةً مثل ذلك ثم يكون مضغةً مثل ذلك ثم يرسل إليه ملك فينفخ فيه الروح

ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقيٌ أو سعيد) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من النصوص. إذا تقرر هذا فإن زواج فلان وفلانة مقدر ومكتوب وسابق في علم الله عز وجل، وهنا لا بد من توضيح عدة أمور: أولها: إن المسلم لا يعلم ما قدره الله عز وجل إلا بعد وقوعه، فالقدر من الأمور الغيبية، والمسلم مأمور أن يأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب لا ينافي القدر، بل هو من قدر الله عز وجل، فإذا أراد شخص الزواج من فتاة فالمطلوب أن يسعى في ذلك، فسعيه للزواج من تلك الفتاة قدر من الله عز وجل، فإذا تم زواجه منها فهو قدر من الله سبحانه وتعالى. وقد جاء في حديث عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ، لقيه أمراء الأجناد، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا فقال بعضهم: قد خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء فقال: ارتفعوا عني ثم قال: ادعوا لي الأنصار فدعوتهم، فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم فقال: ارتفعوا عني ثم قال: ادع لي من كان ههنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء فنادى عمر، في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه، قال أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر الله فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم، نفر من قدر الله إلى قدر

الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان، إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وان رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علماً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إذا سمعتم به - أي الطاعون - بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه قال: فحمد الله عمر، ثم انصرف) رواه البخاري ومسلم. ثانياً: قرر العلماء أن القدر قدران: أحدهما: القدر المثبت، أو المطلق، أو المبرم: وهو ما في أم الكتاب - اللوح المحفوظ - فهذا ثابت لا يتغير، ولا يتبدل. وثانيهما: القدر المعلق، أو المقيد: وهو ما في كتب الملائكة، فهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات، فالآجال والأرزاق والأعمار، وغيرها مثبتة في أم الكتاب لا تتغير، ولا تتبدل، أما ما في صحف الملائكة فيقع فيه المحو والإثبات، والزيادة والنقص. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [والأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد) وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه). فإن الله أمر الملَك أن يكتب له أجلاً وقال: إن وصل رحمه زدته كذا وكذا. والملَك لا يعلم أيزداد أم لا؟ لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 8/ 517. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في موطن آخر عندما سئل عن الرزق: هل يزيد وينقص؟ [الرزق نوعان: أحدهما ما علمه الله أنه يرزقه، فهذا لا يتغير.

والثاني: ما كتبه، وأعلم به الملائكة، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب] مجموع فتاوى 8/ 517. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: [كأن يقال للملَك - مثلاً - إنَّ عُمُرَ فلان مائة عامٍ -مثلاً- إن وصل رحمه، وستون إن قطعها. وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع. فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر. والذي في علم الملَك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} سورة الرعد الآية 39. فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملَك. وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه ألبتة، ويُقال له: القضاء المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلَّق. فتح الباري 10/ 430] عن موقع الإسلام اليوم. وخلاصة الأمر أن زواج شخص ما من امرأة ما، أمر مقدر ولا مفر منه، وقد سبق في علم الله عز وجل، وهو مكتوب في اللوح المحفوظ، ولكن الإنسان لا يعلم ما كتب له، وهو مطالب بالأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب من قدر الله عز وجل، وإذا تقدم شخص لخطبة فتاة ثم لم يتزوجها وتزوجت غيره، فهذا يدلنا على أن الله لم يقدر زواجهما، ونحن ما علمنا بقدر الله عز وجل إلا بعد وقوعه. - - -

وجوب تغطية المرأة المسلمة

وجوب تغطية المرأة المسلمة يقول السائل: ما قولكم فيمن يزعم أن تغطية المرأة المسلمة لرأسها ليس عليه دليل صحيح، أفيدونا؟ الجواب: لا شك أن الإسلام يتعرض لهجمة شرسة من أعدائه ومن بعض أبنائه المنفلتين من الأحكام الشرعية، والمضبوعين بالثقافة الغربية، وما ذكره السائل مثال واضح على ذلك، حتى قال قائلهم: [غطاء رأس المرأة أو شعرها حكم ذكوري وليس قرآنياً] www.ahlalquran.com ولا شك أن هذا الكلام من المفتريات على دين الإسلام عامة، وعلى القرآن الكريم خاصة، حيث اتفق أهل العلم قديماً وحديثاً على وجوب تغطية المرأة لرأسها، وهذه المسألة لا خلاف فيها بين علماء المسلمين، وإنما جاءت هذه الدعوات المنكرة من بعض المنحرفين عن دين الإسلام كالقرآنيين منكري السنة النبوية الذين زعموا أن هذا الحكم لا نص عليه في كتاب الله عز وجل فقال أحدهم: [إن المدقق في النص القرآني كله لا يجد ذكر كلمة الرأس أو الشعر مستخدمة في النصوص المتعلقة بلباس المرأة، مما يؤكد ابتداءً انتفاء الدلالة القطعية على وجوب تغطية الرأس أو الشعر، وإن عملية الاجتهاد في مسألة إخراج حكم وجوب تغطية الرأس أو الشعر من القرآن إنما هي نتيجة ظنية أو وهمية!! ... أما السنة فهي طريقة عملية مرتبطة بالشعائر التعبدية ليس وظيفتها التشريع أبداً ... أما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ (الأحزاب 59، فهو ليس نصاً تشريعياً، وإنما هو خطاب على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقوم بتوجيه وتعليم المرأة أن تقوم باختيار لباس يحقق لها الحماية من الأذى الاجتماعي، لأن شكل اللباس يدل

على الثقافة ويكون رسالة للتخاطب بين المرأة والرجال، إما خطاب ثقافي أو جنسي، وعلى المرأة أن تختار طريقة تواصلها مع الرجال، وفي حال مخالفة المرأة لهذا التوجيه فعقوبتها ما يصيبها من الأذى أثناء نشاطها الاجتماعي. والنص لا يوجد فيه دلالة على غطاء الرأس أبداً] المصدر السابق عن الإنترنت. وهذا الهراء يدل على جهل واضح بدلالات آيات الكتاب الكريم، ويشير إلى إنكار حجية السنة النبوية، وهو كلام متهافت ساقط ويدل على تهافته وسقوطه قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (سورة الأحزاب الآية 59، فقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن الجلباب يغطي الرأس كما نقله الطبري في تفسيره عن ابن عباس وقتادة ومجاهد، ونقله ابن كثير عن ابن مسعود، وعبيدة، وقتادة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وعطاء الخراساني، وغير واحد. قال ابن كثير: [وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن خثيم، عن صفية بنت شيبة، عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها] تفسير ابن كثير 5/ 231، والحديث رواه البخاري أيضاً ويدل على إبطال دعواهم الزائفة قوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وليضربن بخمرهن على جيوبهن (سورة النور الآية31. وقد ورد في المعاجم اللغوية أن الخمار: كل ما ستر، ومنه خمار المرأة، وهو ثوب تغطي به رأسها، وقال

القرطبي: [الخمر: جمع الخمار، وهو ما تغطى به رأسها، ومنه اختمرت المرأة وتخمرت] تفسير القرطبي 12/ 230. وقال ابن كثير في تفسير الخمر: [والخمر: جمع خمار، وهو ما يخمر به، أي: يغطى به الرأس، وهي التي تسميها الناس المقانع. قال سعيد بن جبير: (وَلْيضْربْنَ (: وليشددن، (بخمرهن على جيوبهن (يعني: على النحر والصدر، فلا يرى منه شيء. وقال البخاري: وقال أحمد بن شبيب: حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: {وَلْيَضْربْنَ بِخُمُرَهنَّ عَلَى جُيُوبِهنَّ} شققن مروطهن فاختمرن به، وقال أيضاً: حدثنا أبو نعيم، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة؛ أن عائشة، رضي الله عنها، كانت تقول: لما نزلت هذه الآية: {وَلْيَضْربْنَ بِخُمُرَهنَّ عَلَى جُيُوبِهنَّ}: أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثني الزنجي بن خالد، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن صفية بنت شيبة قالت: بينا نحن عند عائشة، قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن. فقالت عائشة رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلاً وإني - والله - وما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً بكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل. لقد أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْربْنَ بِخُمُرَهنَّ عَلَى جُيُوبِهنَّ}، انقلب إليهن رجالهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته، وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به،

تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح معتجرات، كأن على رؤوسهن الغربان.] تفسير ابن كثير 5/ 539. ومن الأدلة التي تبطل الرأي السابق ما أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب شامية رقاق فأعرض عنها ثم قال: ما هذا يا أسماء؟ إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه. قال أبو داود هذا مرسل، خالد بن دريك لم يدرك عائشة. وقال البيهقي: مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة رضي الله عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة فصار القول بذلك قوياً وبالله التوفيق. وصححه العلامة الألباني في صحيح أبي داود حديث رقم 3458. ويدل على وجوب تغطية المرأة لرأسها ما ذكره العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة الحديث رقم 2930 قال: [ما أخرجه الطحاوي في شرح المعاني والطبراني في المعجم الكبير والزيادة له، عن عقبة بن عامر الجهني قال: نذرت أختي أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة، فأتى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال هذه؟ قالوا: نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة! فقال: فذكره. وإسناده صحيح. وتابعه الحسن عن عقبة أنه قال: يا رسول الله! إن أختي نذرت أن تحج ماشية وتنشر شعرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لغني عن نذر أختك، مروها فلتركب ولتهد هدياً، وأحسبه قال: وتغطي شعرها. أخرجه الروياني في مسنده ورجاله ثقات. وتابعه ابن عباس رضي الله عنهما عن عقبة بن عامر به نحوه، وقال: ولتهد هدياً. مكان الزيادة. أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح. وتابعه أبو عبد الرحمن الحبلى عن عقبة بن

عامر به، إلا أنه قال: ولتصم ثلاثة أيام. مكان الزيادة. أخرجه الطحاوي أيضا وإسناده جيد. ورواه الشيخان وغيرهما من طريق أخرى: عن أبي الخير عن عقبة به مختصراً جداً بلفظ: لتمش ولتركب. وفي الحديث فوائد هامة منها: أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به. وفيه أحاديث كثيرة صحيحة معروفة. ومنها أن إحرام المرأة في وجهها، فلا يجوز لها أن تضرب بخمارها عليه، وإنما على الرأس والصدر، فهو كحديث: لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين. أخرجه الشيخان. ومنها: أن الخمار إذا أطلق، فهو غطاء الرأس وأنه لا يدخل في مسماه تغطية الوجه، والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة وآثار السلف. خلافا لبعض العلماء النجديين الذين ادعوا أن الخمار غطاء الوجه أيضاً. انظر جلباب المرأة المسلمة.] وقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى (وتغطي شعرها)، دليل على وجوب تغطية المرأة لشعرها لأن كشف المرأة لشعر رأسها حرام باتفاق جماهير أهل العلم، فشعر المرأة عورة كسائر جسدها على الصحيح من أقوال العلماء. ومما يدل على وجوب تغطية المرأة لرأسها ما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها). رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان، وقال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 2688: حديث صحيح. وغير ذلك من الأدلة الكثير التي تدل على وجوب تغطية المرأة لرأسها. وخلاصة الأمر أن المرأة المسلمة مأمورة بتغطية رأسها وشعرها وأن ذلك ثابت بالنصوص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز الالتفات

الاحتياط في الرضاع مطلوب شرعا

لكل ناعق ممن يزعمون خلاف ذلك، فإن قولهم متهافت ساقط لا يعول عليه ولا يلتفت إليه. - - - الاحتياط في الرضاع مطلوب شرعاً يقول السائل: عقد شاب نكاحه على فتاة وبعد مدة قالت أم الشاب إنها أرضعت تلك الفتاة، حيث إن الأم تقول إنها أرضعت الفتاة بعد أن طلقت من أبيه وتزوجت برجل آخر، فهل يجوز المضي في هذا الزواج، أفيدونا؟ الجواب: يقول الله تعالى عند ذكر المحرمات في النكاح {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} سورة النساء الآية 23، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ عند النسائي: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). وجاء في صحيح البخاري عن عقبة بن الحارث قال: تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت أرضعتكما، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت لي إني قد أرضعتكما وهي كاذبة، فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه، قلت إنها كاذبة، قال: كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ دعها عنك). وفي رواية أخرى للبخاري عن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي إيهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت قد أرضعت عقبة والتي تزوج. فقال لها عقبة ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني. فأرسل إلى آل أبي إيهاب يسألهم فقالوا ما علمنا أرضعت صاحبتنا. فركب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف وقد قيل). ففارقها، ونكحت زوجاً غيره، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [(قوله كيف وقد قيل) فإنه يشعر بأن أمره بفراق امرأته إنما كان لأجل قول المرأة أنها أرضعتهما فاحتمل أن يكون صحيحاً فيرتكب الحرام فأمره بفراقها احتياطاً على قول الأكثر، وقيل بل قبل شهادة المرأة وحدها على ذلك] فتح الباري 4/ 374. وجاء في رواية أخرى عن عبد الله بن أبي مليكة قال: سمعت عقبة بن الحارث، وحدثني صاحب لي، وأنا لحديث صاحبي حافظ، قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إيهاب، فدخلت علينا امرأة سوداء، فزعمت أنها أرضعتهما جميعاً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عني، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني، فذكرت ذلك له فأعرض عني، فقلت: إنها كاذبة، فقال: (وما يدريك أنها كاذبة؟ وقد قالت ما قالت، دعها عنك) رواه الطبراني في المعجم الكبير. والحديث صحيح كما في إرواء الغليل للعلامة الألباني 7/ 225. إذا تقرر هذا فإن الشاب المذكور في السؤال يكون أخاً من الرضاعة للفتاة المذكورة من جهة الأم، فيحرم عليه أن يتزوجها لعموم قوله تعالى: (وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ (ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وقد ورد في شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية للأبياني، في شرح المادة رقم (376) ما نصه: [وكذا لا يجوز للرجل أن يتزوج أخته من الرضاعة سواءً كانت شقيقةً بأن رضعا من امرأة كان سبب اللبن الذي رضعا منه واحداً أو كانت أختاً له لأب بأن رضع الصبي من امرأة ورضعت الصبية من امرأة أخرى كان السبب نزول اللبن لهما رجلاً واحداً بأن كان زوجاً لهما. أو كانت أختاً له من الأم بأن أرضعت امرأة غلاماً ثم طلقت من زوجها وتزوجت

بآخر فولدت منه وأرضعت بنتاً من اللبن الذي تسبب في وجوده عندها الزوج الثاني] 2/ 56. ولا بد هنا من التنبيه على أمرين هامين: أولهما: ينبغي الأخذ بالاحتياط في مسائل التحريم، ومنها مسألة الرضاع، وخاصة أن الدخول لم يتم، وقد قرر الفقهاء القاعدة الفقهية التي تقول: الاحتياط في باب الحرمة واجب، كما في المبسوط للسرخسي30/ 296،فالحل والحرمة حكمان شرعيان فالحلال ما أحله الشرع بدليله، والحرام ما حرمه الشرع بدليله، فإذا لم يقم الدليل على الراجح على الحل أو الحرمة، واشتبه الأمر على المكلف، فالأصل التوقف والبناء على الأحوط للدين والبعد عن الشكوك والتهمة والريبة، وتغليب جانب الحرمة لأنه المتيقن. ويؤيد هذه القاعدة ما ورد في الحديث عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة) رواه ابن حبان في صحيحه والترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي 3/ 239. فمن شك في شيءٍ من الأقوال والأعمال هل هو حلال أم حرام؟ فليتركه تورعاً ويبني أمره على اليقين البحت والتحقيق الصرف، ويكون على بصيرة في دينه، لأن ترك ما يشك فيه أصل عظيم في الورع. انظر فتح الباري 4/ 293. ويدل للقاعدة السابقة ما جاء في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد

مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) رواه البخاري ومسلم. ففي هذا الحديث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأحكام ثلاثة أقسام: الحلال وهو بيِّن، والحرام وهو بينِّ والثالث: وهو المشتبه به لخفائه فلا يدري المكلف هل هو حلال أو حرام؟ وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لأنه إن كان في نفس الأمر حراماً فقد بريء من تبعته وإن كان حلالاً فقد أجر على تركه بهذا القصد0انظر شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 27. وقال الإمام ابن دقيق العيد عند شرحه للحديث السابق: [هذا أحد الأحاديث العظام التي عدت من أصول الدين وأدخلت في الأربعة الأحاديث التي جعلت أصلاً في هذا الباب وهو أصل كبير في الورع وترك المتشابهات في الدين والشبهات لها مثارات منها الاشتباه في الدليل الدال على التحريم أو التحليل وتعارض الإمارات والحجج0] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 4/ 182. ثانيهما: إن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في مسائل الرضاع على الراجح من أقوال أهل العلم، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وإذا شهدت امرأة واحدة على الرضاع حرم النكاح إذا كانت مرضية ... وجملة ذلك أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع إذا كانت مرضية وبهذا قال طاوس، والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب، وسعيد بن عبد العزيز ... ولنا ما روى عقبة بن الحارث قال: (تزوجتُ أم يحيى بنت أبي إيهاب فجاءت أمة سوداء، فقالت: قد أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: وكيف، وقد زعمت ذلك) متفق عليه، وفي لفظ رواه النسائي قال: (فأتيته من قبل وجهه، فقلت: إنها كاذبة قال: كيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما خل سبيلها)، وهذا يدل على الاكتفاء بالمرأة الواحدة، وقال الزهري: فرِّق بين أهل أبياتٍ في زمن عثمان رضي الله عنه

بشهادة امرأة في الرضاع، وقال الأوزاعي: فرَّق عثمانُ بين أربعةٍ وبين نسائهم، بشهادة امرأة في الرضاع، وقال الشعبي: كانت القضاة يفرقون بين الرجل والمرأة بشهادة امرأة واحدة في الرضاع، ولأن هذا شهادة على عورة فيقبل فيه شهادة النساء المنفردات، كالولادة، وعلَّلَ الشافعي بأنه معنىً يقبل فيه قول النساء المنفردات فيقبل فيه شهادة المرأة المنفردة، كالخبر] المغني 8/ 190 - 191. وقال الإمام البخاري في صحيحه: (باب شهادة المرضعة) ثم ذكر حديث عقبة بن الحارث السابق، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [واحتج به من قَبلَ شهادة المرضعة وحدها، قال علي بن سعد: سمعت أحمد -يعني الإمام ابن حنبل- يُسأل عن شهادة المرأة الواحدة في الرضاع قال: تجوز على حديث عقبة بن الحارث، وهو قول الأوزاعي. ونقل عن عثمان وابن عباس والزهري والحسن وإسحاق، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب قال: (فرَّق عثمان بين ناس تناكحوا بقول امرأة سوداء أنها أرضعتهم) قال ابن شهاب: الناس يأخذون بذلك من قول عثمان- إلى - اليوم ... ] فتح الباري 5/ 331. وقال الإمام الشوكاني: [ ... فالحق وجوب العمل بقول المرأة المرضعة حرة كانت أو أمة حصل الظن بقولها أو لم يحصل لما ثبت في رواية (أن السائل قال: وأظنها كاذبة) فيكون هذا الحديث الصحيح هادماً لتلك القاعدة المبنية على غير أساس أعني قولهم: إنها لا تقبل شهادة فيها تقرير لفعل الشاهد ومخصصاً لعمومات الأدلة كما خصصها دليل كفاية العدالة في عورات النساء عند أكثر المخالفين] نيل الأوطار 6/ 359.

الطلاق قبل الدخول

وخلاصة الأمر أنه يجب الاحتياط في مسائل التحريم، ومنها مسائل الرضاع، فلا يجوز لمن قيل إنهما رضعا من امرأة واحدة أن يتزوجا وخاصة إذا جاء الإخبار بالرضاع قبل الدخول. - - - الطلاق قبل الدخول يقول السائل: عقد رجل على امرأة ثم طلقها قبل الدخول وبعد ذلك دخل بها بدون عقد جديد ولا مهر لأنه جاهل بالحكم، وأنجب منها أولاداً وبعد عدة سنوات طلقها طلقة، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: طلاق الرجل المذكور واقع، وبما أنه لم يدخل بزوجته حيث أوقع الطلاق قبل الدخول فهذا الطلاق يكون بائناً، لأن كل طلاق يقع قبل الدخول يكون بائناً، وعليه فيلزمه عقد جديد بمهر جديد وولي وشاهدين، ويبقى له طلقتان. وهذا الطلاق بائن بينونة صغرى، حيث إن هذا الرجل قد طلق زوجته قبل الدخول بها يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} سورة الأحزاب الآية 49، وقد اتفق أهل العلم على أنه إذا انتفت العدة انتفت الرجعة. وهذا ما قرره قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا حيث جاء في المادة 94 (كل طلاق يقع رجعياً إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول والطلاق على مال والطلاق الذي نص على أنه بائن في هذا القانون)، وبما أن الرجل المذكور قد دخل بالمرأة بدون عقد ولا مهر جديدين، فإن نكاحه

باطل لفقده شروط صحة النكاح، حيث تم بدون عقد ومهر جديدين بعد طلاقه لزوجته قبل الدخول بها، ثم إنه طلق مرة أخرى بعد عدة سنوات، وهذا الطلاق الأخير يعتبر لغواً لأنه لم يصادف محلاً، حيث إن زوجته قد بانت منه بينونة صغرى عندما طلقها قبل الدخول، وبما أنه لم يعقد عليها عقداً جديداً فلم تعد محلاً للطلاق فلذا اعتبرنا طلاقه لغواً لا أثر له، كما أن دخوله بتلك المرأة حرام شرعاً، ويجب التفريق بينهما فوراً، وأما الأولاد الذين كانوا نتيجة لهذه العلاقة المحرمة فيلحقون بأبيهم، لوجود الشبهة. إذا تقرر هذا فإن هذا الرجل والمرأة يستطيعان تصحيح الوضع الخاطئ بينهما بإنشاء عقد جديد بمهر جديد وولي وشاهدين فعلى هذا الرجل أن يراجع المحكمة الشرعية في بلده لإتمام ذلك. ويجب أن نقرر هنا أن الأولاد الذين كانوا ثمرة هذه العلاقة المحرمة لا ذنب لهم، وإنما الذنب على الرجل والمرأة، فلذا فإن الواجب على المسلم أن يتفقه في أحكام دينه، وخاصة أمثال هذه القضايا الخطيرة، والتي لا يعذر الإنسان فيها بالجهل، فالعذر بالجهل ليس مقبولاً على إطلاقه عند أهل العلم بل المسألة فيها تفصيل فهنالك أمور من الدين، العلم بها فرض عين ولا يعذر المسلم بجهلها، فقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجة وغيره وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وانظر صحيح الترغيب والترهيب 1/ 140. والمقصود بالعلم الذي هو فريضة ما هو فرض عين والمقصود بفرض العين ما يجب على كل مسلم مكلف أن يحصله ولا يعذر بجهله، وحدُّ هذا القسم هو ما تتوقف عليه صحة العبادة أو المعاملة فيجب على المسلم أن يتعلم كيفية الوضوء والصلاة والأحكام الأساسية في الصوم والزكاة إن

كان عنده نصاب والأحكام الأساسية في الحج إن كان من أهل الاستطاعة وكذلك يجب عليه أن يتعلم أحكام المعاملات التي يحتاج إليها. قال ابن عابدين في حاشيته نقلاً عن العلامي في فصوله: [من فرائض الإسلام تعلم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى ومعاشرة عباده وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد تعلمه علم الدين والهداية تعلم علم الوضوء والغسل والصلاة والصوم وعلم الزكاة لمن له نصاب والحج لمن وجب عليه والبيوع على التجار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات وكذا أهل الحرف وكل من اشتغل بشيء يفترض عليه علمه وحكمه ليمتنع عن الحرام فيه] حاشية ابن عابدين 1/ 42. وقال الإمام النووي: [ ... فرض العين وهو تعلم المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به ككيفية الوضوء والصلاة ونحوها] المجموع 1/ 42. فهذا النوع من العلم هو الذي لا يسع المسلم أن يجهله، وهو علم العامة كما قال الإمام الشافعي: [قال لي قائل: ما العِلْمُ؟ وما يَجِبُ على الناس في العلم؟ فقلت له: العلم عِلْمان: علمُ عامَّةٍ، لا يَسَعُ بالِغاً غيرَ مغلوب على عقْلِه جَهْلُهُ. قال: ومِثْل ماذا؟ قلت: مثلُ الصَّلَوَاتِ الخمس، وأن لله على الناس صومَ شهْر رمضانَ، وحجَّ البيت إذا استطاعوه، وزكاةً في أموالهم، وأنه حرَّمَ عليهم الزِّنا والقتْل والسَّرِقة والخمْر، وما كان في معنى هذا، مِمَّا كُلِّفَ العِبادُ أنْ يَعْقِلوه ويعْملوه ويُعْطُوه مِن أنفسهم وأموالهم، وأن يَكُفُّوا عنه ما حرَّمَ عليهم منه. وهذا الصِّنْف كلُّه مِن العلم موجود نَصًّا في كتاب الله، وموْجوداً عامًّا عنْد أهلِ الإسلام، ينقله عَوَامُّهم عن مَن مضى من عوامِّهم، يَحْكونه عن رسول الله، ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم. وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط

مِن الخبر، ولا التأويلُ، ولا يجوز فيه التنازعُ. قال: فما الوجه الثاني؟ قلت له: ما يَنُوبُ العِباد مِن فُروع الفرائض، وما يُخَصُّ به مِن الأحكام وغيرها، مما ليس فيه نصُّ كتاب، ولا في أكثره نصُّ سنَّة، وإن كانت في شيء منه سنةٌ فإنما هي مِن أخْبار الخاصَّة، لا أخبارِ العامَّة، وما كان منه يحتمل التأويل ويُسْتَدْرَكُ قِياسًا] الرسالة ص 357 - 359. وقال جلال الدين السيوطي: [كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك، كتحريم الزنا والقتل والسرقة والخمر والكلام في الصلاة والأكل في الصوم.] الموسوعة الفقهية الكويتية 16/ 199. وما يدل على أن المسلم لا يعذر بالجهل في هذا القسم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل عذر الجهل من الرجل الذي أساء الصلاة فلم يعتد بصلاته فعن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثاً، فقال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً وافعل ذلك في صلاتك كلها) رواه البخاري ومسلم. ويدخل في هذا القسم حكم الطلاق قبل الدخول فهذا الحكم لا يعذر المسلم بالجهل به بشكل عام ما دام يعيش في ديار الإسلام. وهنالك حالات يعذر فيها المسلم بالجهل كمن يجهل دقائق المسائل الفقهية كالفرعيات في الصلاة

والصيام والزكاة والحج وغيرها فقد عذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي بال في المسجد كما ورد في الحديث عن أبي هريرة أن أعرابياً بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء أو سجلاً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) رواه البخاري ومسلم، وكما عذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي أحرم في ملابس مطيبة فعن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق أو قال أثر صفرة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ... قال أين السائل عن العمرة اغسل عنك أثر الصفرة أو قال أثر الخلوق واخلع عنك جبتك واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) رواه البخاري ومسلم. وقد فصل العلامة محمد العثيمين مسألة العذر بالجهل فقال: [الجهل نوعان: جهل يعذر فيه الإنسان، وجهل لا يعذر فيه، فما كان ناشئاً عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم، فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أو في المعاصي، وما كان ناشئاً عن خلاف ذلك، أي أنه لم يهمل ولم يفرط ولم يقم المقتضي للتعلم بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء حرام فإنه يعذر فيه فإن كان منتسباً إلى الإسلام، لم يضره، وإن كان منتسباً إلى الكفر، فهو كافر في الدنيا، لكن في الآخرة أمره إلى الله على القول الراجح، يمتحن، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار. فعلى هذا من نشأ ببادية بعيدة ليس عنده علماء ولم يخطر بباله أن هذا الشيء حرام، أو أن هذا الشيء واجب، فهذا يعذر، وله أمثلة: منها: رجل بلغ وهو صغير وهو في بادية ليس عنده عالم، ولم يسمع عن العلم شيئاً، ويظن أن الإنسان لا تجب عليه العبادات إلا إذا بلغ خمس عشر

سنة، فبقي بعد بلوغه حتى تم له خمس عشرة سنة وهو لا يصوم ولا يصلي ولا يتطهر من جنابة، فهذا لا نأمره بالقضاء لأنه معذور بجهله الذي لم يفرط فيه بالتعلم ولم يطرأ له على بال، وكذلك لو كانت أنثى أتاها الحيض وهي صغيرة وليس عندها من تسأل ولم يطرأ على بالها أن هذا الشيء واجب إلا إذا تم لها خمس عشرة سنة، فإنها تعذر إذا كانت لا تصوم ولا تصلي. وأما من كان بالعكس كالساكن في المدن يستطيع أن يسأل، لكن عنده تهاون وغفلة، فهذا لا يعذر، لأن الغالب في المدن أن هذه الأحكام لا تخفى عليه، ويوجد فيها علماء يستطيع أن يسألهم بكل سهولة، فهو مفرط، فيلزمه القضاء ولا يعذر بالجهل] القول المفيد على كتاب التوحيد للشيخ العثيمين. وقال الإمام القرافي: [القاعدة الشرعية دلّت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه، لا يكون حجة للجاهل، فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله، وأوجب عليهم كآفّة أن يعلموها، ثم يعملوا بها، فالعلم والعمل بها واجبان، فمن ترك التعلم والعمل وبقي جاهلاً فقد عصى معصيتين لتركه واجبين] الفروق 4/ 264. وخلاصة الأمر أن طلاق الرجل المذكور في السؤال قد وقع قبل الدخول وهو طلاق بائن وبما أنه دخل بالمرأة بدون عقد ومهر جديدين فقد وقع في الحرام، وطلاقه الثاني لغو لأنه لم يصادف محلاً، وعليه إنشاء عقد زواج جديد، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة، وأما الأولاد فلا ذنب لهم ويلحقون بأبيهم وجهل الرجل في هذه المسألة غير مقبول. - - -

التسرع في الطلاق

التسرع في الطلاق يقول السائل: حصل نزاع وخصام بينه وبين زوجته فقال لها أنت طالق، فغضبت وذهبت إلى بيت أبيها، ثم ندم على تطليقها وخاصة أنها أول مرة يطلق في حياته الزوجية، فطلب من بعض الأقارب التدخل فأعادوها إلى البيت، وعادت الأمور إلى وضعها الطبيعي وانتهت المشكلة، فماذا يترتب على ما حصل بينه وبين زوجته، أفيدونا؟ الجواب: لا ينبغي للزوج أن يلجأ للطلاق في كل مشكلة تحدث بينه وبين زوجته، وإنما الواجب هو حل المشكلات الزوجية بالتفاهم وبالتي هي أحسن، وإذا كان الواقع كما ذكر السائل فإنه يكون قد طلق زوجته طلقة واحدة رجعية، والمطلقة الرجعية تعتبر زوجة فلا ينبغي أن يخرجها زوجها من البيت، ولا يجوز لها أن تخرج إلى بيت أبيها أو غيره، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} سورة الطلاق الآية 1. ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن المرأة المطلقة تقضي عدتها في بيت الزوجية {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} فأضاف الله عز وجل البيوت لهن. قال القرطبي: [أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة، والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل. وهذا معنى إضافة البيوت إليهن كقوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} وقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} فهو إضافة إسكان وليس إضافة

تمليك] تفسير القرطبي 18/ 154. وينبغي للزوج أن يراجع زوجته حفاظاً على الأسرة ورعاية للأطفال حتى لا يتعرضوا للتشريد والضياع، [ ... فارْتِجَاعَ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْإِصْلَاحِ، لِذَلِكَ نَجِدُ الشَّرِيعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ قَدْ نَظَّمَتْ أَحْكَامَهَا. وَقَدْ أَشَارَ الْكَاسَانِيُّ إلَى حِكْمَةِ الرَّجْعَةِ بِقَوْلِهِ: [إنَّ الْحَاجَةَ تَمَسُّ إلَى الرَّجْعَةِ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَنْدَمُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا أَشَارَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ بِقَوْلِهِ: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} فَيَحْتَاجُ إلَى التَّدَارُكِ، فَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ الرَّجْعَةُ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ، لِمَا عَسَى أَنْ لَا تُوَافِقَهُ الْمَرْأَةُ فِي تَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَلَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهَا فَيَقَعُ فِي الزِّنَا] لِذَا شُرِعَتْ الرَّجْعَةُ لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهَذِهِ حِكْمَةٌ جَلِيلَةٌ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ] الموسوعة الفقهية الكويتية 22/ 104 - 105. وبما أن بعض الأقارب كما ذكر السائل قد تدخلوا وأرجعوا الزوجة إلى زوجها فإن الرجعة عند جمهور الفقهاء يستحب فيها الإشهاد، أي يُشهدُ الزوجُ اثنين عدلين على أنه أرجعها إلى عصمته، قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} سورة الطلاق الآية2، قال ابن كثير: [وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي على الرجعة إذا عزمت عليها، كما رواه أبو داود وابن ماجة عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد. وقال ابن جريج: كان عطاء يقول: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} قال: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا رجاع إلا شاهدا عدل كما قال الله عز وجل إلا أن يكون من عذر] تفسير ابن كثير

6/ 239. وقد حمل أكثر أهل العلم الأمر في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} على الندب مع أن الأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب. ومما يدل على أن الأمر مصروف عن الوجوب، ما ورد في الحديث في قصة تطليق ابن عمر رضي الله عنه لزوجته كما رواها الإمام البخاري بإسناده عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء). قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما الشهادة ففيها روايتان - أي في مذهب الحنابلة -: إحداهما: تجب، وهذا أحد قولي الشافعي، لأن الله تعالى قال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباحة بضعٍ مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع. والرواية الثانية: لا تجب الشهادة، وهي اختيار أبي بكر، وقول مالك، وأبي حنيفة. لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج، ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد كالبيع، وعند ذلك يحمل الأمر على الاستحباب ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الإشهاد] المغني 7/ 522 - 523. وقال القرطبي: [الإشهاد عند أكثر العلماء على الرجعة ندب] تفسير القرطبي 18/ 158. وقال الإمام النووي: [إن الإشهاد على الرجعة ليس شرطاً ولا واجباً في الأظهر] روضة الطالبين 2/ 216.

ومع أن الإشهاد على الرجعة ليس واجباً ولا شرطاً كما قرره جمهور الفقهاء إلا أن الإشهاد على الرجعة أولى لما فيه من حفظ للحقوق وخاصة في حال حدوث شقاق وخصام بين الزوجين، وقد وردت بعض الآثار التي تؤكد على الإشهاد، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه (سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد) رواه أبو داود وابن ماجة ولم يقل (ولا تعد) والأثر أخرجه أيضاً البيهقي والطبراني وزاد (واستغفر الله)، قال الحافظ في بلوغ المرام وسنده صحيح] نيل الأوطار7/ 25. وروى ابن أبي شيبة في المصنف بإسناده عن الشعبي أنه سئل عن رجل طلق امرأته ثم راجعها فيجهل أن يشهد قال: يشهد إذا علم. وتصح الرجعة بالقول بأن يقول الزوج لفظاً يدل على إرجاع زوجته، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما القول فتحصل به الرجعة بغير خلاف وألفاظه: راجعتك، وارتجعتك ورددتك وأمسكتك، لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة، فالرد والإمساك ورد بهما الكتاب بقوله سبحانه: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}، وقال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}، يعني: الرجعة، والرجعة وردت بها السنة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها)، وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف، كاشتهار اسم الطلاق فيه، فإنهم يسمونها رجعة، والمرأة رجعية، ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره دون غيره كقولنا في صريح الطلاق، والاحتياط أن يقول: راجعت امرأتي إلى نكاحي أو زوجتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي ... ] المغني 7/ 524.

وتصح الرجعة عند جمهور العلماء بالفعل أيضاً، وذلك بأن يجامع الرجل مطلقته الرجعية، وكذلك تصح الرجعة بمقدمات الجماع كاللمس بشهوة والقبلة بشهوة ونحو ذلك مع نية الزوج إرجاعها وهذا أرجح أقوال أهل العلم في المسألة. فقد وروى ابن أبي شيبة في المصنف بإسناده عن الحسن البصري في الرجل يطلق امرأته ثم يغشاها ولم يشهد قال: غشيانه لها مراجعة فليشهد. وروى أيضاً عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم وعن جابر عن الشعبي وعن سلمان التيمي عن طاوس قالوا: الجماع رجعة فليشهد. وينبغي التنبيه أنه لا يجوز التلاعب بالرجعة أو الهزل فيها لما في ذلك من أضرار قد تلحق بالحياة الزوجية، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم، وهو حديث حسن احتج به الأئمة والعلماء كالإمام الترمذي والحافظ ابن عبد البر والحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والإمام النووي والإمام البغوي والشوكاني والألباني وغيرهم كثير. قال الترمذي بعد أن روى هذا الحديث: [هذا حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 304. وقد ذكر الحافظ ابن حجر شواهد للحديث يتقوى بها في التلخيص الحبير 3/ 209 - 210. وكذلك فعل الشيخ الألباني حيث ذكر أربعة شواهد للحديث وآثاراً عن الصحابة ثم قال: [والذي يتلخص عندي مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طريق أبي هريرة الأولى التي حسنها الترمذي وطريق الحسن البصري المرسلة وقد يزداد قوة بحديث عبادة بن الصامت والآثار المذكورة عن الصحابة فإنها ولو لم

حكم تصوير الفتيات خلسة بكاميرا الجوال

يتبين لنا ثبوتها عنهم عن كل واحد منهم تدل على أن معنى الحديث كان معروفاً عندهم والله أعلم] إرواء الغليل 6/ 228. وخلاصة الأمر أن الطلاق للمرة الأولى يكون رجعياً وينبغي للزوج أن يراجع زوجته لما في ذلك من محافظة على الأسرة، والإشهاد على الرجعة مندوب إليه. وتصح الرجعة بالقول وبالفعل. - - - حكم تصوير الفتيات خلسة بكاميرا الجوال يقول السائل: برزت ظاهرة تصوير الفتيات خلسة بواسطة الجولات ذات الكاميرا، وصار بعض الشباب يتداولون تلك الصور عبر ما يعرف بالبلوتوث وعبر البريد الإلكتروني وبعضهم يستخدمها في أغراض خبيثة، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: أبين أولاً أن الراجح من أقوال أهل العلم هو جواز التصوير الفوتوغرافي، كالتصوير بالكاميرا ومثله التصوير بالفيديو والتصوير التلفزيوني ونحوها من الوسائل الحديثة، بشرط أن لا يعرض للتصوير ما يحرمه، كتصوير امرأة سافرة ونحو ذلك، والتصوير الفوتوغرافي بالشرط المذكور جائز، لأنه لا ينطبق عليه ما ورد من النصوص في تحريم الصور كقول النبي صلى الله عليه وسلم (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون) رواه البخاري ومسلم، وكقوله صلى الله عليه وسلم (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة) رواه البخاري ومسلم، وكقوله صلى الله عليه وسلم: (من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ) رواه البخاري. ومن احتج بهذه الأحاديث ونحوها على تحريم الصور الفوتوغرافية فاستدلاله غير صحيح، لأن التصوير الفوتوغرافي لم يكن معروفاً في العهد النبوي، كما أن هذه النصوص لا تتناول

التصوير الفوتوغرافي في دلالتها اللغوية، قال الدكتور محمد الحسن الدّدو: [إن الصور الفوتوغرافية لم تكن موجودة في العهد النبوي ولا في عهد أئمة الاجتهاد، وإنما عرفت في العصور المتأخرة، ولذلك فالنصوص الشرعية الواردة في التصوير لا تتناولها بدلالة الألفاظ قطعاً، لأن اللفظ النبوي في التصوير إنما يتناول ما كان موجوداً إذ ذاك، فالتصوير الذي حرَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منه هو ما كان موجوداً في زمانه، وهو النحت من الحجر أو من الطين أو من الخشب أو الرسم باليد فهذا هو التصوير، وهي كذلك لا يمكن أن تقاس على الصور المحرمة، فهي لا تدخل في دلالة اللفظ قطعاً، ومن فسر الألفاظ الواردة في التصوير بها فهو بمثابة من فسر نصوص القرآن بغير معانيها، كالذي يقول في قول الله تعالى: (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ (أن السيارة مثلا (كابرس) أو (لاندروفر) أو نحو هذا، فهذا فسر القرآن بغير معناه ... فلذلك تفسير هذه النصوص بغير دلالاتها اللغوية منافٍ للمقصد الشرعي، وهو من القول على الله بغير علم ... وكذلك لا يمكن أن تقاس هذه الصور الفوتوغرافية على الصور الحقيقية التي وردت فيها النصوص، لأن العلة مختلفة، فالعلة التي حرم النبي صلى الله عليه وسلم التصوير من أجلها، بينها بأنها مضاهاة خلق الله ومحاكاته، ولذلك يعذب المصور يوم القيامة (من صوِّر ذا روح عذب حتى ينفخ فيه الروح وما هو بنافخ)، ولذلك قال: المضاهون خلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة، فلهذا بين علة التحريم، وهذه العلة لا تتحقق في الصور الفوتوغرافية ... ] عن شبكة الإنترنت.

إذا تقرر هذا فإن ما ذكره السائل من تصوير الفتيات بالجولات ذات الكاميرا وتداول تلك الصور بالتقنيات الحديثة المعروفة اليوم، محرم شرعاً، لأنه مشتمل على مفاسد عديدة منها: أولاً: الاضطلاع على العورات وكشفها، وهو أمر محرم شرعاً، فقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو اطلع في بيتك أحدٌ ولم تأذن له، حذفته -أي رميته- بحصاة ففقأت عينه، ما كان عليك من جناح) رواه البخاري، وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: إن رجلاً اطلع في جحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى - مشط له أسنان يسيرة - يحك به رأسه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإذن من أجل البصر) رواه البخاري ومسلم. ثانياً: إيذاء الناس وإلحاق الضرر بهم، وقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (سورة الأحزاب الآية58. ولا شك أن تصوير الفتيات وتداول صورهن فيه أذىً وضررٌ كبير وتتبع لعوراتهم، فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع فقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه! لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله - وفي رواية أخرى (في بيته) - ونظر ابن عمر إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وما أعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال فيه (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا

تعيروهم ولا تطلبوا عثراتهم) والحديث حسن صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 588. وصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والحاكم، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 3/ 408. ثالثاً: إن نشر صور الفتيات وتداولها عبر التقنيات الحديثة - وخاصة المتبرجات منهن - فيه إشاعة للفاحشة بين المؤمنين، ولا شك في تحريم ذلك، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سورة النور الآية 19. كما إن فيه فساداً وإفساداً حيث يقوم بعض الناس بعمل دبلجة للصور ونشرها في أوضاع مخلة بالآداب الشرعية، وهذا الأمر صار ميسوراً مع التقدم العلمي واستخدامه استخداماً سيئاً. رابعاً: إن نشر صور الفتيات وتداولها عبر التقنيات الحديثة يحرم أيضاً لأنه يدخل في باب التجسس على الناس، وقد قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} سورة الحجرات الآية 12.قال الإمام القرطبي: [ومعنى الآية: خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين، أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله] تفسير القرطبي 16/ 333. وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد

الله إخواناً كما أمركم، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره - بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله. إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه البخاري ومسلم، وهذه النصوص تدل دلالة واضحة على تحريم التجسس بكافة أشكاله وأنواعه، ولا شك أنه يدخل فيه التقاط الصور للفتيات وتداولها عبر التقنيات الحديثة. خامساً: إن نشر صور الفتيات وتداولها عبر التقنيات الحديثة يتسبب في وقوع كثير من المشكلات العائلية، وخاصة إذا كانت الفتاة التي نشرت صورتها متزوجة، فقد يتسبب ذلك في وقوع الطلاق وتشريد الأطفال، لأن بعض الأزواج لديهم غيرة شديدة على زوجاتهم، فيتسرعون في تطليقهن لأدنى سبب، ولا شك أن الغيرة محمودة بشكل عام، ومنها ما هو مذموم وهو ما كان في غير ريبة، فقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل ومنها ما يبغض الله عز وجل، ومن الخيلاء ما يحب الله عز وجل ومنها ما يبغض الله عز وجل فأما الغيرة التي يحب الله عز وجل فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله عز وجل فالغيرة في غير ريبة، والاختيال الذي يحب الله عز وجل اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة، والاختيال الذي يبغض الله عز وجل الخيلاء في الباطل) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان، وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 7/ 58.

والغيرة من غير ريبة نوع من الإفراط، وأما التفريط في الغيرة فهو من لا يغار على زوجته ومحارمه مع وجود الريبة، فهذا ينطبق عليه وصف الديوث، والدياثة من كبائر الذنوب كما قال ابن حجر المكي في الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 109 - 111. وقد وردت الأحاديث التي تحذر من الدياثة فمنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة قد حرّم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يقر الخبث في أهله). وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث) رواه أحمد وذكر الشيخ الألباني أن حديث ابن عمر رواه النسائي والحاكم والبيهقي في سننه من طريقين صحيحين وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأقرهما العلامة الألباني على ذلك في جلباب المرأة المسلمة ص 145. وخلاصة الأمر أن تصوير الفتيات ونشر صورهن وتداولها عبر التقنيات الحديثة أمر محرم شرعاً لاشتماله على مفاسد عظيمة كما بينت بعضها، وعلى الناس أن يتقوا الله عز وجل في أعراضهم، وعلى المسلم أن يحسن التعامل مع الأجهزة الحديثة وألا يسيء استخدامها بل ينتفع بها الانتفاع الحسن. - - -

لفظ (الاختلاط) ليست دخيلة على التراث الإسلامي

لفظ (الاختلاط) ليست دخيلة على التراث الإسلامي يقول السائل: إنه سمع الشيخ يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة يتحدث عن الاختلاط وأن الشيخ قد قال: إن لفظ (الاختلاط) دخيل على التراث الإسلامي ولم يرد فيه مطلقاً، فما قولكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: ما قاله الشيخ يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة حول لفظة الاختلاط، ما هو إلا تكرار لما قرره في بعض مؤلفاته، فقد سبق أن قال في أحد كتبه: [دخلت مجتمعنا الحديث كلمات أصبح لها دلالات لم تكن لها من قبل، من ذلك كلمة (الاختلاط) بين الرجل والمرأة] ملامح المجتمع المسلم ص368. وقال الشيخ يوسف القرضاوي في كتاب آخر: [وأود أن أبادر هنا فأقول: إن كلمة (الاختلاط) في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة، كلمة دخيلة على (المعجم الإسلامي) لم يعرفها تراثنا الطويل العريض طوال القرون الماضية، ولم تعرف إلا في هذا العصر، ولعلها ترجمة لكلمة (أجنبية) في هذا المعنى، ومدلولها له إيحاء غير مريح بالنظر لحس الإنسان المسلم. وربما كان أولى منها كلمة (لقاء) أو (مقابلة) أو (مشاركة) الرجال للنساء، ونحو ذلك] فتاوى معاصرة 2/ 279. هذا ما قاله الشيخ يوسف القرضاوي وقرره من أن كلمة الاختلاط في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة، كلمة دخيلة على (المعجم الإسلامي) لم يعرفها تراثنا الطويل العريض طوال القرون الماضية، ولم تعرف إلا في هذا العصر، وأقول إن هذه دعوى عريضة بلا دليل ولا برهان، بل إن تراثنا الإسلامي قد عرف كلمة الاختلاط في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة، واستعملت في تراثنا الإسلامي بنفس المعنى الذي تستعمل فيه في عصرنا

الحاضر، ولا أريد هنا أن أناقش رأي الشيخ يوسف القرضاوي في مسألة الاختلاط الآن، ولعلي أعود إليه لاحقاً، ولكن سأقتصر في الرد على إثبات وجود واستعمال لفظة الاختلاط في تراثنا الإسلامي، الشيء الذي نفاه الشيخ يوسف القرضاوي، ولكن قبل ذلك أقول: إن استعمال لفظة الاختلاط في لغة العرب ليس مقصوراً على الامتزاج والذوبان كما قال الشيخ يوسف القرضاوي في البرنامج المذكور: [فكلمة الاختلاط ... لا يوجد عندنا شيء اسمه الاختلاط، كلمة الاختلاط نفسها اختلط الشيء بالشيء كأنه امتزج به وكأنه ذابت الحدود ولم يعد هناك ... ]، وأقول: لكنها استعملت في اختلاط الشيئين مع عدم ذوبان أحدهما في الآخر قال ابن منظور: [والخلاط اختلاط الإبل والناس والمواشي ... وفي حديث أبي سعيد كنا نرزق تمر الجمع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الخلط من التمر أي المختلط من أنواع شتى ... ويكون الخلطاء أيضاً أن يخلطوا العين المتميز بالعين المتميز كما فسر الشافعي ويكونون مجتمعين كالحلة يكون فيها عشرة أبيات لصاحب كل بيت ماشية على حدة فيجمعون مواشيهم على راع واحد يرعاها معا ويسقيها معا وكل واحد منهم يعرف ماله بسمته ونجاره] لسان العرب مادة خلط. هذا من حيث اللغة وأما في الشرع فقد وردت كلمة الاختلاط بالمعنى المستعمل اليوم في السنة النبوية، فمن ذلك: 1. ما رواه أبو داود بإسناده عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن (أي تركبن حقها وهو وسطها) الطريق ... ) ورواه أيضاً

البيهقي في شعب الإيمان 6/ 173 حديث رقم 7822، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 261، وقال العلامة الألباني: حديث حسن، السلسلة الصحيحة 2/ 537. 2. وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب طواف النساء مع الرجال. وقال لي عمرو بن على حدثنا أبو عاصم قال ابن جريج أخبرنا قال أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال قال كيف يمنعهن، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال قلت أبعد الحجاب أو قبل؟ قال إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب. قلت كيف يخالطن الرجال؟ قال لم يكن يخالطن كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرةً من الرجال لا تخالطهم - أي تعتزلهم -، ... ] قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (باب طواف النساء مع الرجال) أي هل يختلطن بهم أو يطفن معهم على حدة بغير اختلاط أو ينفردن] فتح الباري 3/ 606. هذا من السنة النبوية، وسأذكر نصوصاً كثيرة من أقوال أهل العلم ورد فيها استعمال لفظ الاختلاط بالمعنى الذي نستعمله اليوم، منها: 1. قال الإمام شمس الأئمة السرخسي المتوفى في حدود سنة 490 هـ: [وينبغي للقاضي أن يقدم النساء على حدة والرجال على حدة ; لأن الناس يزدحمون في مجلسه، وفي اختلاط النساء مع الرجال عند الزحمة من الفتنة والقبح ما لا يخفى] المبسوط 16/ 80. 2. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي المتوفى سنة 620 هـ: عند كلامه على استحباب مكث الإمام والرجال بعد صلاة الجماعة قليلاً لتنصرف

النساء: [ ... ولأن الإخلال بذلك من أحدهما يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء ... ] المغني 1/ 402. 3. وقال الشيخ أبو شامة المقدسي المتوفى سنة 665 هـ: [أما الألفية فصلاة ليلة النصف من شعبان سميت بذلك لأنها يقرأ فيها {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ألف مرة لأنها مائة ركعة في كل ركعة يقرأ الفاتحة مرة وبعدها سورة الإخلاص عشر مرات وهي صلاة طويلة مستثقلة لم يأت فيها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع، وللعوام بها افتتان عظيم والتزم بسببها كثرة الوقيد في جميع مساجد البلاد التي تصلي فيها، ويستمر ذلك كله ويجري فيه الفسوق والعصيان، واختلاط الرجال بالنساء، ومن الفتن المختلفة ما شهرته تغني عن وصفه ... وأما إن كان على الوجه الذي يجري في هذا الزمان من اختلاط الرجال والنساء ومضامة أجسامهم ومزاحمة من في قلبه مرض من أهل الريب ومعانقة بعضهم لبعض ... فيختلط الرجال والنساء والصبيان والغوغاء ... ] الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 50 - 58. 4. وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي المتوفى سنة 476 هـ: [ولا تجب الجمعة على صبى ولا مجنون ... ولا تجب على المرأة ... ولأنها تختلط بالرجال وذلك لا يجوز) المهذب 4/ 484. 5. وقال الإمام النووي المتوفى سنة 676 هـ: [ ... وقوله ولأنها تختلط بالرجال وذلك لا يجوز ليس كما قال فإنها لا يلزم من حضورها الجمعة الاختلاط بل تكون وراءهم ... ولأن اختلاط النساء بالرجال إذا لم يكن خلوة ليس بحرام] المجموع 4/ 484.

6. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى 728 هـ: [وأما ما يفعل في هذه المواسم مما جنسه منهي عنه في الشرع فهذا لا يحتاج إلى ذكر، لأن ذلك لا يحتاج أن يدخل في هذا الباب، مثل رفع الأصوات في المسجد أو اختلاط الرجال والنساء ... ] اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 145. 7. وقال العلامة ابن القيم المتوفى سنة 751 هـ: [(فصل) ومن ذلك: أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق ... ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر ... واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا] الطرق الحكمية ص 274 - 275. 8. وقال الإمام الشاطبي المتوفى سنة 790 هـ: [ ... ومنها اختلاط الرجال والنساء والشمع بينهم ووجوههم بارزة ... ] الاعتصام 2/ 130. 9. وقال الشيخ ابن الحاج المالكي المتوفى 737 هـ: [ ... وأما إن كان على الوجه الذي يجري في هذا الزمان من اختلاط الرجال والنساء ومصادمة أجسادهم ومزاحمة من في قلبه مرض من أهل الريب ... لما يجري فيه من اختلاط الرجال والنساء ... ] المدخل 2/ 446. وغير ذلك من النقول الكثيرة. وخلاصة الأمر أن ما ادعاه الشيخ القرضاوي من أن كلمة الاختلاط دخيلة على تراثنا الإسلامي ولم ترد فيه مطلقاً، ادعاءٌ باطلٌ لم يقم عليه أي دليل، بل إن لفظة الاختلاط عرفت قديماً، فهي مستعملة في السنة النبوية، واستعملها العلماء قديماً في مؤلفاتهم، وادعاء الشيخ القرضاوي بأنها لم تعرف إلا في هذا العصر، ادعاء غير صحيح كما ظهر ذلك جلياً من خلال كلام أهل العلم الذين ذكرتهم مع ذكر سنة وفاة كلٍ منهم.

ظاهرة التسول في المساجد

ظاهرة التسول في المساجد يقول السائل: كثرت في بلدنا ظاهرة التسول داخل المساجد فما أن ينتهي الإمام من الصلاة بالسلام إلا وتفاجأ بتشويش المتسول على الذاكرين والمسبوقين المصلين وهو يطالب الناس بالمساعدة وإظهار المسكنة فسؤالي ما حكم التسول داخل المسجد؟ وهل يجوز للإمام أو أحد المكلفين بالمسجد أن يطالب المتسول مدعي الفقر الخروج من المسجد؟ وهل يعتبر حينئذ مخالفاً لقوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (؟ وما صحة ما يقال: أن أحد السلف قال: لو كنت قاضياً لرددت شهادة كل من يعطي متسولاً داخل المسجد؟، أفيدونا. الجواب: التسول هو طلب الصدقات من الناس في الأماكن العامة والبيوت والمساجد، والمتسول هو من يحترف مهنة التسول فأصبحت مهنته وصنعته، ومن المتسولين من يمضي حياته متسولاً، ومنهم من تبين بعد موته أنه يملك أموالاً طائلة، والحوادث في ذلك كثيرة، ... وقد انتشرت ظاهرة التسول وكثرت بشكل كبير ويعود ذلك لعدة عوامل منها الأحوال الصعبة التي يعشها شعبنا الفلسطيني من الحصار والإغلاق وقلة الأعمال وغير ذلك، والأصل في الشرع أن التسول حرام شرعاً إلا لضرورة أو حاجة ماسة وفق ضوابط معينة، قال أبو حامد الغزالي: [السؤال حرام في الأصل وإنما يباح بضرورة أو حاجة مهمة قريبة من الضرورة فإن كان عنها بدٌ فهو حرام، وإنما قلنا إن الأصل فيه التحريم لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور محرمة: الأول: إظهار الشكوى من الله تعالى إذ السؤال إظهار للفقر وذكر لقصور نعمة الله تعالى عنه وهو عين الشكوى وكما أن العبد المملوك لو سأل لكان سؤاله تشنيعاً على سيده فكذلك سؤال العباد تشنيع على الله تعالى وهذا ينبغي أن يحرم ولا يحل إلا لضرورة كما تحل الميتة.

الثاني: أن فيه إذلال السائل نفسه لغير الله تعالى وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير الله بل عليه أن يذل نفسه لمولاه فإن فيه عزه، فأما سائر الخلق فإنهم عباد أمثاله فلا ينبغي أن يذل لهم إلا لضرورة وفي السؤال ذل للسائل بالإضافة إلى المسؤول. الثالث: أنه لا ينفك عن إيذاء المسؤول غالباً لأنه ربما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب قلب منه فإن بذل حياءً من السائل أو رياءً فهو حرام على الآخذ وإن منع ربما استحيا وتأذى في نفسه بالمنع إذ يرى نفسه في صورة البخلاء ففي البذل نقصان ماله وفي المنع نقصان جاهه وكلاهما مؤذيان والسائل هو السبب في الإيذاء والإيذاء حرام إلا بضرورة] إحياء علوم الدين 4/ 205. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن السؤال في المسجد فقال: [أصل السؤال محرَّم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كانت ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدًا كتخطيه رقاب الناس، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهراً يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يسمعون علماً يشغلهم به ونحو ذلك جاز] نقلاً عن غذاء الألباب للسفاريني 2/ 267. وقد وردت أدلة كثيرة تنهى عن التسول، وسؤال الناس من غير ضرورة أو حاجة ملحة منها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر). رواه مسلم.

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المسألة كدٌ يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لا بد منه) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما بموت عاجل، أو غنى عاجل) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. وعن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: تحملت حمالةً فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، قال: ثم قال: (يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش فما سواهن في المسألة، يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره فيتصدق به على الناس: خيرٌ له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه) رواه البخاري ومسلم. وعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة ابن حصن والأقرع بن حابس، فسألاه فأمر لهما بما سألاه وأمر معاوية فكتب لهما بما سألا فأما الأقرع: فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق وأما

عيينة: فأخذ كتابه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه فقال: يا محمد أراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل وعنده ما يغنيه: فإنما يستكثر من النار) وفي لفظ: (من جمر جهنم قالوا: يا رسول الله وما يغنيه) وفي لفظ: (وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة قال: قدر ما يغديه وما يعشيه) وفي لفظ: (أن يكون له شِبع يومٍ وليلة) رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 306 - 307. - وصحيفة الملتمس: مثل يضرب للذي يحمل أسباب هلاكه، من غير أن يدري، وله قصة مشهورة في كتب الأدب - وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر هذا فإنه يجب منع المتسولين داخل المساجد لما يحدثونه من التشويش على المصلين والذاكرين، وأرى أن لا يعطوا شيئاً إذا سألوا داخل المسجد، وإنما يقفون على أبواب المسجد أو في ساحاته من غير تشويش على أهل المسجد، وخاصة أن كثيراً من المتسولين ليسوا أصحاب حاجةٍ حقيقيةٍ وإنما هم محترفون لمهنة التسول والشحاذة، والمساجد يجب أن تنزه عن مثل هذه الأمور، فالمساجد بنيت لعبادة الله عز وجل بإقامة الصلاة وتلاوة القرآن الكريم وتعليم العلم النافع وغير ذلك مما ينفع المسلمين، ولا يجوز أن تكون المساجد لنشد الضالة أو للبيع والشراء أو للتسول والشحاذة، فقد ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (نهى عن البيع والشراء في المسجد وأن تنشد فيه ضالة وأن ينشد فيه شعر ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال الترمذي وحسنه العلامة الألباني أيضاً في صحيح سنن أبي داود 1/ 201.

وأما قوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (سورة الضحى الآية 10، فقد قال أهل التفسير إن الآية المذكورة تحمل على السائل عن العلم وعلى السائل للصدقة، قال ابن كثير: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (أي: وكما كنت ضالاً فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد] تفسير ابن كثير 6/ 483. وقال الطبري: [وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته] تفسير الطبري. وقال القرطبي: [وأما السائل فلا تنهر، أي لا تزجره فهو نهي عن إغلاظ القول، ولكن رُدَّه ببذلٍ يسير، أو ردٍّ جميل] تفسير القرطبي 20/ 101. وعدم السماح للمتسولين بالسؤال داخل المساجد لا يتنافى مع الآية الكريمة. وأما القول المنسوب لأحد السلف وهو: [لو كنت قاضياً لرددت شهادة كل من يعطي متسولاً داخل المسجد] فقد وجدته بعد البحث والتقصي منسوباً لخلف بن أيوب العامري البلخي المتوفى سنة 215 هـ، وهو فقيه أهل بلخ وزاهدهم أخذ الفقه عن أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة وابن أبي ليلى والزهد عن إبراهيم بن أدهم، ونسبه إليه ابن مفلح المقدسي الحنبلي: [قال خلف بن أيوب لو كنت قاضياً لم أقبل شهادة من تصدق عليه] الآداب الشرعية 3/ 394. ونقل ابن مفلح أيضاً قول أبي مطيع البلخي الحنفي: لا يحل للرجل أن يعطي سؤَّال المسجد. وخلاصة الأمر أن الأصل في الشحاذة والتسول التحريم إلا لضرورة أو حاجة ملحة وينبغي للمسئولين عن المساجد منع المتسولين داخل المساجد، ويجوز إعطاء المتسولين خارج المساجد إن كانوا صادقين، ومشكلة التسول تحتاج إلى حل تسهم فيه الجهات الرسمية والخيرية.

الحلف على ترك التدخين

الحلف على ترك التدخين يقول السائل: إنه مدخن شره وقد حلف يميناً بالله العظيم ليلزم نفسه على ترك التدخين ولكنه لم يستطع ترك الدخان ورجع إلى التدخين فماذا يلزمه في هذه الحالة، أفيدونا؟ الجواب: لا شك أن الدخان خبيث من الخبائث، وإن أبى بعض المدخنين ذلك، كما أن التدخين حرام على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن أبى بعض المشايخ المدخنين ذلك، وخاصة الذين يزعمون أن التدخين مباح من المباحات، فقولهم هذا قول ساقط متهافت، ولا قيمة له بعد أن اتفقت المصادر الطبية والعلمية والصحية على ضرر التدخين المتحقق على صحة المدخن وعلى نفسيته وعلى ماله وعلى صحة من حوله، وأضرار التدخين على المجتمع بشكل عام، بل إن التدخين أشد فتكاً بالإنسان من مرض الإيدز، وقد اتفقت الهيئات العلمية والمجامع الطبية والصحية على أضرار التدخين، وقررت أنه سبب رئيس للسرطان وتليف الكبد وأمراض الشريان التاجي والذبحة الصدرية وسرطان الفم وغيرها من الأمراض الخبيثة، وهذا ما أكده أهل الخبرة والاختصاص من الأطباء والكيميائيين وغيرهم، فالدخان يتكون من مجموعة كثيرة من المواد، منها أكثر من خمسة عشر نوعاً من السموم الفتاكة كالنيكوتين الذي يعد من السموم القوية والفعالة وله أثر سيء على الكلية والجهاز العصبي والدم، ومنها أول أكسيد الكربون وهو معروف بتأثيره السام وله تأثير سيء على الدم. ومنها القطران وهو المادة اللزجة الصفراء التي تؤدي إلى اصفرار أسنان المدخن ونخرها، وإلى التهابات اللثة، وهو أخطر محتويات الدخان على الصحة ويسبب السرطان والتهابات الشعب الهوائية وغير ذلك من المواد الضارة التي تلحق الضرر والأذى

بصحة المدخن، فالتدخين يضر بالفم وبالشفاه واللثة والأسنان واللسان واللوزتين والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والأعصاب والدورة الدموية والجهاز البولي، كما أن للتدخين ضرراً على النسل لذلك تُنصح الحوامل بعدم التدخين وما كان ضرره كذلك فلا شك في حرمته، لأن الإسلام يحرم كل خبيث وضار، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} سورة الأعراف الآية 127. وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني وهو حديث صحيح، كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. والأدلة على تحريم التدخين كثيرة وليس هذا محل ذكرها. إذا تقرر تحريم التدخين فإن الواجب على المدخن أن يقلع عن هذه المعصية، وأن يترك التدخين، وترك التدخين يحتاج إلى عزيمة صادقة وإرادة قوية، وليس الأمر كما يزعم كثير من المدخنين أنهم لا يستطيعون تركه، فهذا هراء، فالإرادة القوية تلعب دوراً مهماً في السيطرة والتخلص من العادات السلبية التي تضرُّ بصحة الإنسان، ومنها عادة التدخين. وتشكل عزيمة الإنسان الصادقة نقطة البداية في ترك التدخين، ولا بد أن يقتنع المدخن أولاً بضرر الدخان الحقيقي على صحته وماله، حتى يسهل عليه تركه، ثم يعزم على ذلك مع الصبر ومخالفة الهوى، مع العلم أنه يوجد اليوم أساليب علمية تساعد في الإقلاع عن التدخين. وبعد هذا البيان الموجز لحكم التدخين وضرره أعود إلى السؤال فأقول: يجب على من حلف بالله تعالى ليلزم نفسه بترك الدخان أن يبر بيمينه، فيمتنع عن التدخين، وقد قرر الفقهاء أن من حلف على ترك معصية من المعاصي كالحلف

على ترك التدخين فيلزمه البر بيمينه شرعاً، يقول الله تعالى: {وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} سورة النحل الآية91. فإن لم يفعل أي لم يترك التدخين فقد حنث بيمينه وتلزمه كفارة اليمين، يقول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة المائدة الآية 89. وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة على التخيير، أي أن الحالف يختار واحدة من هذه الخصال الثلاث، فإذا كان فقيراً عاجزاً عن التكفير بإحدى هذه الخصال فإنه يصوم ثلاثة أيام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ ... الذي يحلف على فعل ما يجب عليه، من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وطاعة السلطان، ومناصحته وترك الخروج، ومحاربته، وقضاء الدَّين الذي عليه، وأداء الحقوق إلى مستحقيها والامتناع من الظلم والفواحش، وغير ذلك، فهذه الأمور كانت قبل اليمين واجبة، وهي بعد اليمين أوجب، وما كان محرماً قبل اليمين فهو بعد اليمين أشد تحريماً، ولهذا كان الصحابة، رضي الله عنهم يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على طاعته والجهاد معه، وذلك واجب عليهم ولو لم يبايعوه، فالبيعة أكدته، وليس لأحد أن ينقض مثل هذا العقد). مجموع الفتاوى 33/ 145. ومن الجديد بالذكر أن من نذر نذراً ليلزم نفسه فعل شيء أو تركه، كأن قال المدخن لئن رجعت إلى التدخين لأتصدقن بمائة دينار مثلاً، فهذا له

حكم اليمين، لأن النذر يمين، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصه فلا يعصه) رواه البخاري، فالواجب الوفاء بهذا النذر فإن لم يف بنذره لزمته كفارة يمين. ومما يدل على لزوم الكفارة عند عدم الوفاء بالنذر، عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر كفارة اليمين) رواه مسلم، قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر كفارة اليمين) اختلف العلماء في المراد به، فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج، وهو أن يقول إنسان يريد الامتناع من كلام زيد مثلاً: إن كلمت زيداً مثلاً فلله عليَّ حجة أو غيرها، فيكلمه فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزمه، هذا هو الصحيح في مذهبنا، وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق، كقوله: عليَّ نذر، وحمله أحمد وبعض أصحابنا على نذر المعصية، كمن نذر أن يشرب الخمر، وحمله جماعة من فقهاء أصحاب الحديث على جميع أنواع النذر، وقالوا: هو مخير في جميع النذورات بين الوفاء بما التزم، وبين كفارة يمين] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 269. ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما النذر يمين، كفارتها كفارة يمين) أخرجه أحمد وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 2860. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النذر نذران: فما كان لله فكفارته الوفاء، وما كان للشيطان فلا وفاء فيه، وعليه كفارة يمين) رواه النسائي والبيهقي وغيرهما وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 479.

وأخيراً أنبه على أن الحلف لا يكون إلا بالله أو بأسمائه وصفاته فقط ولا يجوز الحلف بغير الله عز وجل، فالحلف أو القسم المشروع لا يكون إلا بالله سبحانه وتعالى أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته وما عدا ذلك لا يجوز الحلف به. وقد علَّل أهل العلم عدم جواز الحلف إلا بالله لأن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به والعظمة إنما هي لله وحده، فلا يحلف إلا بالله وأسمائه وصفاته. فالحلف بغير الله حرام، سواء حلف بما هو معظم شرعاً كالحلف بالكعبة أو بالصلاة أو الصيام أو المسجد أو غيرها أو حلف بحياة فلان أو حلف بأبيه أو أمه أو حلف بحياة الملك أو حياة الرئيس أو غير ذلك، فكله حلف محرم، والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) رواه مسلم، فهذا الحديث يدل دلالة صريحة على قصر الحلف بالله فقط، وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يحلف بأبيه فقال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم، وعن سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: (لا والكعبة. فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، وفي رواية (فقد كفر)، رواه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل حديث رقم 2561. وكذلك النذر فلا بد أن يكون لله عز وجل، فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله) رواه أبو داود والحاكم وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث

رقم 13479. وعن ثابت بن الضحاك (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال: أكان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) رواه أبو داود وابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1732، وبوانة مكان قريب من مكة المكرمة. وخلاصة الأمر أن الدخان من الخبائث وأن التدخين حرام شرعاً على الصحيح من أقوال أهل العلم، وأن من حلف على ترك التدخين فيلزمه البر بيمينه، فإن لم يفعل لزمته كفارة اليمين. - - -

متفرقات

متفرقات

الفتوى اصطلاح شرعي

الفتوى اصطلاح شرعي يقول السائل: ما قولكم فيما يقوله بعض الكاتبين من أن اصطلاح الفتوى محدث، ولم يكن معروفاً زمن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أو زمن الصحابة أو تابعيهم أو تابعي تابعيهم، وأن الفتوى لا يمكن اعتبارها مصطلحاً شرعياً وأن الصحيح استعمال مصطلح الحكم الشرعي بدلاً من الفتوى، أفيدونا؟ الجواب: لا ينقضي عجبي من هؤلاء المتسلقين على حياض العلم الشرعي، ويظن هؤلاء أن كل من أمسك قلماً صار عالماً، وكل من استعمل الشبكة العنكبوتية صار باحثاً، هيهات هيهات. إن كلمة الفتيا - وهي أكثر استعمالاً في كلام العرب من لفظ الفتوى وكلاهما فصيح، -انظر الفتيا ومناهج الإفتاء ص7 - وما اشتق منها قد استعملت في كتاب الله عز وجل ووردت في السنة النبوية ووردت في كلام الصحابة والتابعين وأتباعهم بمعنى السؤال عن الحكم الشرعي فمن ذلك: قول تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ... (سورة النساء الآية 127. وقوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ (سورة النساء الآية 176. ففي هاتين الآيتين يظهر لنا أن الله عز وجل تولى شأن الإفتاء بنفسه جل جلاله، وهذا يدلنا على أهمية هذا المنصب وخطورته كما قال العلامة ابن القيم [وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات ... ] إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/ 10.

وقد تولى النبي صلى الله عليه وسلم منصب الإفتاء بنفسه، قال العلامة ابن القيم [وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيبن عبد الله ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده فكان يفتي عن الله بوحيه المبين وكان كما قال له أحكم الحاكمين {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} فكانت فتاويه صلى الله عليه وسلم جوامع الأحكام ومشتملة على فصل الخطاب وهي في وجوب إتباعها وتحكيمها والتحاكم إليها ثانية الكتاب وليس لأحدٍ من المسلمين العدول عنها ما وجد إليها سبيلاً وقد أمر الله عباده بالرد إليها حيث يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}] إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/ 11. وقد ورد في ذلك أحاديث عديدة منها: ما رواه البخاري بإسناده عن عروة أنه سأل عائشة رضي الله عنها {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى} قالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن ينتقص صداقها، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن، قالت واستفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فأنزل الله {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء}. وفي صحيح البخاري أيضاً (استفتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ). وعن عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة بنت جحش زوجة عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي وصلي ... ) رواه البخاري ومسلم. وروى النسائي بإسناده عن سليمان بن يسار أن أبا هريرة وابن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنهم تذاكروا عدة المتوفى عنها زوجها تضع عند وفاة زوجها فقال ابن عباس تعتد آخر الأجلين وقال أبو سلمة بل تحل حين تضع فقال أبو هريرة أنا مع ابن أخي فأرسلوا إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت وضعت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بيسير فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تتزوج. وعن ابن عباس رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذرٍ كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه فأفتاه أن يقضيه عنها) رواه البخاري ومسلم.

وروى النسائي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فأمرتني أن استفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لتمشي ولتركب). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه) رواه أبو داود وابن ماجة. وعن ثوبان رضي الله عنه قال: (إنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك - يعني الغسل من الجنابة - فقال: أما الرجل، فلينشر رأسه فليغسله، حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة، فلا عليها أن لا تنقضه، لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها) رواه أبو داود. وفي رواية عند الإمام أحمد في المسند عن الزهري قال: قال سهل الأنصاري - وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة في زمانه - حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعدها.

وروى مسلم عن قتادة قال: سمعت أبا حسان الأعرج قال: قال رجل من بني الهجيم لابن عباس ما هذه الفتيا التي قد تشغفت أو تشغبت بالناس أن من طاف بالبيت فقد حلَّ؟ فقال سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وإن رغمتم). وروى الدارمي بإسناده عن عطاء بن السائب قال سمعت عبد الرحمن بن أبى ليلى يقول: (لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار وما منهم أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا يسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا). وروى الطبراني في الكبير بإسناده عن أبي صالح ذكوان، أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما، عن بيع الذهب بالفضة، فقال: هو حلال بزيادة أو نقصان إذا كان يداً بيد، قال أبو صالح: فسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك، فقال: هو حرام إلا مثلا بمثل فأخبرت أبا سعيد بما قال ابن عباس، وأخبرت ابن عباس بما قال أبو سعيد الخدري، فالتقيا وأنا معهما فابتدأه أبو سعيد الخدري، فقال: ابن عباس، ما هذه الفتيا التي تفتي بها الناس في بيع الذهب بالفضة، تأمرهم أن يشتروه بزيادة بنقصان أو زيادة يداً بيد، فقال ابن عباس: ما أنا بأقدمكم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، يقولان: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم). وورد في مسند الشافعي أن نفيعاً مكاتباً لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم استفتى زيد بن ثابت فقال إني طلقت امرأة لي حرة تطليقتين فقال زيد حرمت عليك). والنصوص التي ورد فيها استعمال الفتيا أو الفتوى بمعنى السؤال عن الحكم الشرعي كثيرة جداً. إذا تقرر هذا فليس من المستغرب هذا الهجوم على الفتوى من قبل بعض الكاتبين كما جاء في كلام بعضهم أن [كلمة الفتوى في وقتنا هذا تعنى الجهل وعدم

البحث وحب الخلود إلى الكسل وباقي موروث (علقها في رقبة عالم واطلع سالم). وكما جاء في دوسية أحد الأحزاب: [ ... وإنه بغض النظر عن كون الفتوى أحط أنواع الفقه، وبغض النظر عن كون مجرد وجود كلمة مفتي بما لها من واقع، هي انحطاط في المجتمع ... ] أقول: يتناسى هؤلاء أن منصب الإفتاء قد تولاه رب العزة والجلال كما سبق، وتولاه خير البشر صلى الله عليه وسلم، وتولاه كبار الصحابة الكرام، ومن بعدهم كبار علماء الأمة، ويغض هؤلاء الطرف عن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} سورة النحل الآية 43. وخلاصة الأمر أن منزلة الإفتاء في دين الإسلام منزلة عظيمة ولخصها الإمام الشاطبي بقوله [المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم] الموافقات 4/ 244. وأن كلمة الفتيا أو الفتوى مصطلح شرعي واستعمل في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد استفتي النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل كثيرة، واستفتي كبار الصحابة رضوان الله عليهم وكذا التابعون وأتباعهم وكبار علماء الأمة، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو معاند. - - -

تعجيل العقوبة للمذنب في الدنيا

تعجيل العقوبة للمذنب في الدنيا يقول السائل: هلاّ وضحتم لنا مسألة تعجيل العقوبة للمذنب في الدنيا، أفيدونا؟ الجواب: اقتضت حكمة الله عز وجل أن يعجل عقوبة بعض الذنوب في الدنيا، وقد يكون ذلك من باب الاعتبار والاتعاظ بما يصيب العصاة كما هو الحال في الظالمين وقاطعي الأرحام وحالفي الأيمان الكاذبة، وقد يكون تعجيل العقوبة من باب إرادة الخير بالمؤمن لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وتفصيل ذلك كما يلي: إن تعجيل العقوبة في الدنيا ثابت في مجموعة من الأحاديث، فمن ذلك ما ورد في تعجيل عقوبة المستهزئ بالسنة النبوية فقد ورد في الحديث عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال صلى الله عليه وسلم: (كل بيمينك) قال: لا أستطيع. قال صلى الله عليه وسلم: (لا استطعت) ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه-فمه-، أي شلت يده. رواه مسلم. فهذا الرجل لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل بيمنه لم يعجبه ذلك تكبراً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليه فشلت يده. ومن ذلك أيضاً ما ورد عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يتبختر يمشى في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) رواه مسلم. ومن الذنوب التي قد يعجل الله عقوبتها في الدنيا الظلم والبغي وقطيعة الرحم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أُطيعَ الله فيه، أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من

البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع) رواه البيهقي وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 706، وبلاقع، جمع بلقع وبلقعة، وهي الأرض القفر التي لا شجر فيها، ذكره الزبيدي ونقل عن بعض العلماء، أن معنى الحديث [أي يفتقر الحالف ويذهب ما في بيته من المال، أو يفرق الله شمله ويغيّر ما أولاه من نعمة] تاج العروس 11/ 30. وفي رواية أخرى: (إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم، وإن أهل البيت ليكونون فجاراً، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا وصلوا أرحامهم، وإن أعجل المعصية، عقوبة البغي والخيانة، واليمين الغموس يذهب المال ويثقل في الرحم، ويذر الديار بلاقع) رواه الطبراني في الأوسط وقال العلامة الألباني: إنه صحيح بمجموع طرقه وشواهده. وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليمين الفاجرة تذهب المال) رواه البزار بسند صحيح، كما قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 404. وجاء في الحديث أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. ومن الذنوب التي قد يعجل الله عقوبتها في الدنيا حلف اليمين الكاذب ليستحل دماء الناس وأموالهم، كما ثبت في صحيح البخاري في الحادثتين التاليتين: الأولى: روى الإمام البخاري بسنده، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن أول قسامة كانت في الجاهلية، لفينا بني هاشم، كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش، من فخِذٍ أخرى، فانطلق معه في إبله فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه، فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي

لا تنفر الإبل فأعطاه عقالاً، فشد به عروة جوالقه، فلما نزلوا، عقلت الإبل إلا بعيراً واحداً، فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ قال: ليس له عقال، قال: فأين عقاله؟ قال: فحذفه بعصاً كان فيها أجله، فمر رجل به من أهل اليمن فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد، وربما شهدته، قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر؟ قال: نعم، قال: فكتب، إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش، فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم، فإن أجابوك، فسل عن أبي طالب، فأخبره أن فلاناً قتلني في عقال، ومات المستأجَر، فلما قدم الذي استأجره، أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال مرض فأحسنت القيام عليه، فوليت دفنه، قال: قد كان أهل ذاك منك فمكث حيناً، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه، وافى الموسم فقال: يا آل قريش، قالوا هذه قريش، قال يا بني هاشم، قالوا: هذه بنو هاشم، قال: من أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة، أن فلاناً قتله في عقال، فأتاه أبو طالب فقال له: إختر منا إحدى ثلاث، إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل، فإنك قتلت صاحبنا وإن شئت، حلف خمسون من قومك، أنك لم تقتله، فإن أبيت، قتلناك به، فأتى قومه، فقالوا نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب، أحب أن تجيز أبني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان، ففعل، فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب، أردت خمسين رجلاً أن يحلفوا مكان مئة من الإبل، يصيب كل رجل بعيران، هذان بعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون، فحلفوا، قال ابن عباس: فالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرف).

الثانية: روى الإمام البخاري بسنده عن أبي قلابة حديثاً طويلاً وفيه: (وقد كانت هذيل خلعوا خليعاً لهم في الجاهلية، فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء، فانتبه له رجل منهم، فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل فأخذوا اليماني، فرفعوه إلى عمر بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا، فقال: إنهم قد خلعوه، فقال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه، قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلاً، وقدم رجل منهم من الشام، فسألوه أن يقسم، فافتدى يمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجلاً آخر، فدفعه إلى أخي المقتول، فقرنت يده بيده، قالوا فانطلقنا والخمسون الذين أقسموا حتى إذا كانوا بنخلة أخذتهم السماء -أي المطر- فدخلوا في غار في الجبل، فانهجم الغار على الخمسين الذين أقسموا، فماتوا جميعاً وأفلت القرينان وأتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول فعاش حولاً ثم مات). ومن الذنوب التي يخشى أن يعجل الله عز وجل عقوبتها في الدنيا سب العلماء وأكل لحومهم كما قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله: [اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}]. وأما كون تعجيل العقوبة في الدنيا من باب الخير للمؤمن فقد ورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة) رواه الترمذي وقال العلامة الألباني حسن صحيح. وهذا

التعجيل رحمة بالمؤمن لأن عذاب الآخرة أشد وأبقى كما قال تعالى: (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (سورة طه الآية 127. وصح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين: (إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) رواه البخاري ومسلم. وأخيراً ينبغي التنبيه على أنه لا يجوز للمسلم أن يتمنى تعجيل العقوبة في الدنيا ولا يجوز له أن يدعو الله أن يعجل له عقوبة الذنوب في الدنيا قبل الآخرة بل ذلك من فعل الكفرة كما قال تعالى: (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (سورة ص الآية 16.وقال تعالى: (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (سورة الأنفال الآية 32. وصح في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد خفت - أي ضعف - فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه) قال نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله لا تطيقه - أو لا تستطيعه - أفلا قلت اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قال فدعا الله له فشفاه) رواه مسلم. وخلاصة الأمر أن الله قد يعجل عقوبة بعض الذنوب كما في عقوبة الظالم فإن الله يمهل ولا يهمل وكما هو الحال في قاطع الرحم والعاق لوالديه وآكل حقوق الناس والمعتدي عليهم بيمينه الكاذب، وقد يكون تعجيل العقوبة في الدنيا رحمة بالمؤمنين لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، أجارنا الله وإياكم منه. - - -

لا تثبت نسبة كتاب الجفر إلى علي رضي الله عنه

لا تثبت نسبة كتاب الجفر إلى علي رضي الله عنه يقول السائل: قرأت في كتابٍ يتحدث عن المهدي المنتظر أن كتاب الجفر المنسوب إلى علي رضي الله عنه كتاب صحيح النسبة إليه، فما قولكم في ذلك، أفيدونا. الجواب: كتاب الجفر المنسوب إلى علي رضي الله عنه أو إلى جعفر الصادق رحمه الله من أكاذيب الرافضة ومن ضلالاتهم، وأود بداية أن أعرِّف بكتاب الجفر كما ورد في مصادر الشيعة حيث قالوا: [كتاب الجَفْر هو كتابٌ أملاه رسول الله محمد صلَّى الله عليه وآله في أواخر حياته المباركة على وصيِّه وخليفته علي بن أبي طالب عليه السَّلام وفيه علم الأولين والآخرين ويشتمل على علم المنايا والبلايا وعلم ما كان ويكون إلى يوم القيامة وقد جُمعت هذه العلوم في جلد شاة] ثم ذكر أنه [بعد الإطلاع على الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السَّلام ودراستها أن الأئمة تحدثوا عن جِفارٍ أربعة لا عن جَفْرٍ واحد، أما الجفر الأول فهو كتابٌ، والثلاثة الأخرى أوعيةٌ ومخازن لمحتويات ذات قيمة علمية ومعلوماتية ومعنوية كبيرة، وهذه الجِفار هي: كتاب الجَفْر والجَفْر الأبيض والجَفْر الأحمر والجَفْر الكبير الجامع] عن موقع الكرباسي الشيعي على الإنترنت. وكلمة الجفر تعني جلد الماعز حيث زعموا أن ذلك الكتاب كتب في جلد ماعز أو جلد ثور، إذا تقرر هذا فإن النفس البشرية تطمح إلى معرفة أحوالها المستقبلية وما قد يحدث لها وهذا أمر مقرر من القدم يقول ابن خلدون [اعلم أن من خواص النفوس البشرية التشوف إلى عواقب أمورهم، وعلم ما يحدث لهم من حياة وموت وخير وشر، سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا، ومعرفة مُدد الدول أو تفاوتها. والتطلع إلى هذا طبيعة للبشر مجبولون عليها.

ولذلك نجد الكثير من الناس يتشوفون إلى الوقوف على ذلك في المنام. والأخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل ذلك] مقدمة ابن خلدون ص330. هذا أولاً، وأما ثانياً فإن كتاب الجفر ذكرت فيه أمور غيبية مستقبلية من تغير دول ووقوع حروب وكوارث ... إلخ ومن المقرر عند أهل العلم أن علم الغيب مختص بالله عز وجل قال الله تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} سورة النمل الآية 65، وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} سورة الجن الآية 26، وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} سورة يونس الآية 20، وقال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} سورة الأنعام الآية 59، وقال تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} سورة الأعراف الآية 188، وقال أيضاً: {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} سورة هود الآية 31. وقد قرر علماء الإسلام أن كتاب الجفر لا تصح نسبته بحال من الأحوال لعلي رضي الله عنه أو إلى جعفر الصادق، قال ابن خلدون [واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي، وهو رأس الزيدية، كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق، وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة

والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء. وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير، فرواه عنه هارون العجلي وكتبه، وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب عليه، لأن الجفر في اللغة هو الصغير وصار هذا الاسم علماً على هذا الكتاب عندهم، وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق. وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه، وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل] مقدمة ابن خلدون ص334. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأهل العلم بجعفر - الصادق - وأحواله يعلمون قطعاً أن ذلك مكذوب على جعفر كما كذب عليه الناقلون عنه الجدول في الهلال وكتاب الجفر والبطاقة والهفت واختلاج الأعضاء والرعود والبروق ونحو ذلك مما هو من كلام أهل النجوم والفلسفة ينقلونه عن جعفر وأهل العلم بحاله يعلمون أن هذا كله كذب عليه] بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية ص 328. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [وأما الكتب والأسرار التي يدعونها عن جعفر الصادق، فمن أكبر الأشياء كذبًا حتى يقال: ما كُذب على أحد ما كُذب على جعفر ـ رضي الله عنه. ومن هذه الأمور المضافة: كتاب الجَفْر، الذي يدعون أنه كتب فيه الحوادث. والجفر: ولد الماعز، يزعمون أنه كتب ذلك في جلده، وكذلك كتاب البطاقة الذي يدعيه ابن الحِلِّيّ ونحوه من المغاربة، ومثل كتاب: الجدول في الهلال، والهفت عن جعفر وكثير من تفسير القرآن وغيره] مجموع الفتاوى 4/ 26. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [والإسماعيلية والقرامطة والباطنية الثنوية والحاكمية وغيرهم من الضلالات المخالفة لدين الإسلام، وما ينسبونه إلى علي بن

أبي طالب، أو جعفر الصادق، أو غيرهما من أهل البيت، كالبطاقة والهفت والجدول والجفر، وملحمة بن عنضب وغير ذلك من الأكاذيب المفتراة باتفاق جميع أهل المعرفة، وكل هذا باطل ... ] مجموع الفتاوى 11/ 55. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [والكتب المنسوبة إلى علي رضي الله عنه أو غيره من أهل البيت في الأخبار بالمستقبلات كلها كذب مثل كتاب الجفر والبطاقة وغير ذلك، وكذلك ما يضاف إليه من أنه كان عنده علم من النبي صلى الله عليه وسلم خصه به دون غيره من الصحابة] منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية 8/ 68. وقال الإمام الذهبي: [مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه، وقد كذبت عليه الرافضة ونسبت إليه أشياء لم يسمع بها، كمثل كتاب الجفر، وكتاب اختلاج الأعضاء، ونسخ موضوعة] تاريخ الإسلام 3/ 55. وقال الشيخ محمد رشيد رضا عن كتاب الجفر: [لا يعرف له سند إلى أمير المؤمنين، وليس على النافي دليل، وإنما يطلب الدليل من مدعي الشيء، ولا دليل لمدعي هذا الجفر] فتاوى محمد رشيد رضا 4/ 1307. وقال الشيخ شعيب الأرناؤط: [إن كتاب الجفر لا تصح نسبته إلى جعفر الصادق رحمه الله، والذين نسبوه إليه من أجهل الناس بمعرفة المنقولات والأحاديث والآثار، والتمييز بين صحيحها وضعيفها، وعمدتهم في المنقولات التواريخ المنقطعة الإسناد، وكثير منها من وضع من عًرف بالكذب والاختلاف، كأبي مخنف لوط، وهشام بن محمد السائب، وأمثالهما، وغير خافٍ على طلبة العلم أن ما لا يعلم إلا من طريق النقل لا يمكن الحكم بثبوته إلا بالرواية الصحيحة السند، فإذا لم توجد، فلا يسوغ لنا شرعاً وعقلاً أن نقول بثبوته] سير أعلام

النبلاء 19/ 543 الهامش. ومن أراد التوسع فليرجع إلى كتاب (كتب حذر منها العلماء) للشيخ مشهور حسن 1/ 108 - 124. ولا بد من التنبيه إلى أن الروافض قد غالوا في علي رضي الله عنه ونسبوا إليه أموراً كثيرة هو منها براء ومن ذلك ما نسبوه إليه من علم الغيب والحوادث المستقبلية وقد أبطل علي رضي الله عنه ذلك بما صح عنه في الحديث أن أبا جحيفة رضي الله عنه قال: قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه، إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر) رواه البخاري. وروى مسلم عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه قال: (خطبنا علي بن أبي طالب فقال من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة - قال وصحيفة معلقة في قراب سيفه- فقد كذب، فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات ... ). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وبهذا الحديث ونحوه من الأحاديث الصحيحة استدل العلماء على أن كل ما يذكر عن علي رضي الله عنه وأهل البيت من أنهم اختصوا بعلم خصهم به النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهم كذب عليهم، مثل ما يذكر منه الجفر والبطاقة والجدول وغير ذلك وما يأثره القرامطة الباطنية عنهم فإنه قد كُذب على جعفر الصادق رضي الله عنه ما لم يكذب على غيره وكذلك كُذب على علي رضي الله عنه وغيره من أئمة أهل البيت رضي الله عنهم] مجموع الفتاوى 2/ 217. وقال الإمام النووي في شرح الحديث السابق: [هذا تصريح من علي رضي الله تعالى عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم إن علياً رضي

وفاة العلماء ... لكن العلماء لا بواكي لهم

الله تعالى عنه أوصى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة وأنه صلى الله عليه وسلم خصَّ أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها ويكفى في إبطالها قول علي رضي الله عنه هذا] شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 143. وخلاصة الأمر أن كتاب الجفر المنسوب إلى علي رضي الله عنه أو إلى جعفر الصادق من أكاذيب الرافضة ومن ضلالاتهم ولا يجوز شرعاً تصديق ما فيه من أباطيل، والغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل. - - - وفاة العلماء ... لكن العلماء لا بواكي لهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري ومسلم. وورد في الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) وهو حديث حسن. وقال علي رضي الله عنه: (يموت العلم بموت حملته) رواه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (عليكم بالعلم قبل أن يُرفع، ورفعُهُ هلاك العلماء) رواه الدارمي. ولا شك أن موت العلماء يعتبر خسارة عظيمة للأمة كما قال الشاعر: تعلَّم ما الرزيَّة فَقْدُ مالٍ ... ولا شاةٌ تموت ولا بعيرُ ولكن الرزيَّةُ فَقْدُ حُرٍّ ... يموت بموته بشرٌ كثيرُ

وكما قال الآخر: الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها متى يمت عالم منها يمت طرف كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها وإن أبى عاد في أكنافها التلف فقدت الأمة الإسلامية هذا الأسبوع عالمين جليلين من كبار العلماء المتخصصين في الفقه وأصوله، أما أولهما فهو العلامة شيخ الأصول في بلاد الشام الشيخ الدكتور مصطفى سعيد الخن الذي توفي يوم الجمعة 1 شباط 2008 حيث مات ميتةً كريمة في المسجد أثناء استماعه لخطبة الجمعة، وهذه نبذة موجزة عنه: هو مصطفى بن سعيد بن محمود الخن، الشَّافعي، الدِّمشقي، من أسرةٍ دمشقيةٍ عريقةٍ، وقد تتلمذ على الشَّيخ حسن حبنكة وعلى الشَّيخ علي بن عبد الغني الدقر وعلى الشَّيخ محمد أمين سويد وعلى الشَّيخ إبراهيم بن محمَّد الغلاييني وغيرهم، التحق بالجامع الأزهر عام 1369هـ -1949م وحصل على شهادته ثم اشتغل بعد تخرجه بالتَّدريس في كلِّية الشَّريعة بجامعة دمشق، ثم أعير لكلِّية الشَّريعة واللُّغة العربية، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، ثم رجع إلى الأزهر فسجل رسالة الدكتوراه بعنوان (أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء) بإشراف الأستاذ الدكتور مصطفى عبد الخالق، وحصل على الدكتوراه عام (1391هـ-1971م) مع مرتبة الشَّرف الأولى. عُيِّن بعدها في كلِّيي الشَّريعة والتَّربية بجامعة دمشق، ثم رجع إلى كلِّية الشَّريعة بجامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة، وأشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه.

ومن أهم مؤلفاته ما يلي: 1.أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء. وكتابه هذا يدرس في عدة جامعات لطلبة الدراسات العليا. 2. عبد الله بن عباس: حبر الأمة وترجمان القرآن. 3. دراسة تاريخية للفقه وأصوله والاتِّجاهات التي ظهرت فيهما. 4. الحسن بن يسار البصري الحكيم الواعظ والزَّاهد العالم. 5. الأدلَّة الشَّرعية وموقف الفقهاء من الاحتجاج بها. 6. أبحاثٌ حول أصول الفقه الإسلامي (تاريخه وتطوره). 7. الكافي الوافي في أصول الفقه الإسلامي. 8. (المنهل الراوي، في تقريب النواوي)، للإمام الفقيه المحدث أبي زكريا النووي. 9. (تسهيل الحصول على قواعد الأصول)، للعلامة محمد أمين سويد. 10. (نزهة المتَّقين شرح رياض الصَّالحين من كلام سيِّد المرسلين)، وقد شارك بالتَّأليف الدكتور مصطفى البغا والدكتور محيي الدين مستو والأستاذ علي الشربجي، والأستاذ محمد أمين لطفي. 11. (الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي)، وقد شارك بالتَّأليف الدكتور مصطفى البغا والأستاذ علي الشربجي. 12. (العقيدة الإسلامية): أركانها- حقائقها- مفسداتها، وقد شارك بالتَّأليف الدكتور محيي الدين مستو. 13. (الإيضاح في علوم الحديث والاصطلاح)، وقد شارك بالتَّأليف الدكتور بديع اللحام.

14. (حسن الأسوة بما ثبت عن الله ورسوله في النسوة)، محمد صديق القَنُّوجي البخاري. بالاشتراك مع الدكتور محيي الدين مستو. 15. (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول)، للإمام الشوكاني. بالاشتراك مع الدكتور محيي الدين مستو. 16. (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، للبيضاوي. بالاشتراك مع الدكتور محيي الدين مستو، والدكتور بديع اللحام. 17. (المنهاج القويم في مسائل التَّعليم)، لابن حجر الهيتمي. بالاشتراك مع الدكتور محيي الدين مستو، والأستاذ علي الشربجي. وقد كتب عنه د. محيي الدين مستو كتابه: (مصطفى سعيد الخن، العالم المربِّي، وشيخ علم أصول الفقه في بلاد الشام) وقد أسلم روحه لبارئها بعد تسع وثمانين سنة أمضاها في طلب العلم والتعليم والتأليف والنصح للمسلمين. وأما العالم الثاني الذي فقدناه يوم الثلاثاء 28/ 1/1429 هـ وفق 5/ 2/2008م فهو فضيلة الشيخ العلامة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء سابقاً وهذه نبذة موجزة عنه: ولد عام 1365 هـ. درس في كلية الشريعة بالرياض، عمل أميناً للمكتبة العامة بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ومن مشايخه الشيخ القاضي صالح بن مطلق والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز والشيخ سليمان بن عبد الرحمن بن حمدان، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم، نال شهادة الماجستير والدكتوراه من المعهد العالي للقضاء واشتغل قاضياً في المدينة المنورة وكان مدرساً وإماماً وخطيباً في المسجد النبوي الشريف وكان عضواً

في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي ثم رئيساً للمجمع. وكان عضواً في المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي. أما أهم مؤلفاته: فقد ألف في الحديث والفقه واللغة والمعارف العامة وكتبه تزيد على الستين كتاباً، أولاً في الفقه:1 - 15 فقه القضايا المعاصرة: (فقه النوازل) ثلاثة مجلدات فيها خمس عشرة قضية فقهية مستجدة وهي: التقنين والإلزام والمواضعة في الاصطلاح وأجهزة الإنعاش وعلامة الوفاة وطفل الأنابيب وخطاب الضمان البنكي والحساب الفلكي والبوصلة والتأمين والتشريح وزراعة الأعضاء وتغريب الألقاب العلمية وبطاقه الائتمان وبطاقة التخفيض واليوبيل والمثامنة في العقار والتمثيل. 16. (التقريب لعلوم ابن القيم) مجلد. 17. (الحدود والتعزيرات) مجلد.18 - (الجناية على النفس وما دونها) مجلد. 19. (اختيارات ابن تيمية) للبرهان ابن القيم، تحقيق.20. (حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية) مجلد. 21. (معجم المناهي اللفظية) مجلد. 22. (لا جديد في أحكام الصلاة). 23. (تصنيف الناس بين الظن واليقين). 24. (التعالم). 25. (حلية طالب العلم). 26. (آداب طالب الحديث من الجامع للخطيب). 27. (الرقابة على التراث). 28

(تسمية المولود). 29. (أدب الهاتف).30. (الفرق بين حد الثوب والأزرة). 31. (أذكار طرفي النهار). 32. (المدخل المفصل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل) مجلدان. 33. (البلغة في فقه الإمام أحمد بن حنبل) للفخر ابن تيمية، مجلد، تحقيق. 34. (فتوى السائل عن مهمات المسائل). ثانياً: في الحديث وعلومه:35. (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل). ثلاث مجلدات، طبع منها الأول. 36. (معرفة النسخ والصحف الحديثية). 37. (التحديث بما لا يصح فيه حديث). 38. (الجد الحثيث في معرفة ما ليس بحديث) للغزي، تحقيق. 39 - 43. (الأجزاء الحديثية) مجلد، فيه خمس رسائل هي:39. (مرويات دعاء ختم القرآن الكريم) جزء. 40. (نصوص الحوالة) جزء. 41. (زيارة النساء للقبور) جزء. 42. (مسح الوجه باليدين بعد رفعهما بالدعاء) جزء. 43. (ضعف حديث العجن) جزء. ثالثاً: في المعارف العامة:44 - 47. (النظائر) مجلد، ويحتوي على أربع رسائل: 44. (العزاب من العلماء وغيرهم). 45. (التحول المذهبي). 46. (التراجم الذاتية). 47. (لطائف الكلم في العلم). 48. (طبقات النسابين) مجلد. 49. (ابن القيم: حياته، آثاره، موارده) مجلد.50

-54. (الردود) مجلد، ويحتوي على خمس رسائل 50. (الرد على المخالف). 51. (تحريف النصوص). 52. (براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة). 53. (عقيدة ابن أبي زيد القيرواني وعبث بعض المعاصرين بها). 54. (التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير). 55. (بدع القراء) رسالة. 56. (خصائص جزيرة العرب). 57. (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة)،3 مجلدات، للشيخ محمد بن عبد الله بن حميد مفتي الحنابلة بمكة ت سنة 1296 هـ تحقيق بالاشتراك. 58. (تسهيل السابلة إلى معرفة علماء الحنابلة) للشيخ صالح بن عبد العزيز بن عثيمين المكي- رحمه الله تعالى- تحقيق في مجلدين. 59. (علماء الحنابلة من الإمام أحمد إلى وفيات القرن الخامس عشر الهجري)، مجلد. 60. (دعاء القنوت). 61. (فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد) للشيخ حامد بن محمد الشارقي مجلد، تحقيق. 62. (نظرية الخلط بين الإسلام وغيره من الأديان). 63. (تقريب آداب البحث والمناظرة). 64. (جبل إلال بعرفات)، تحقيقات تاريخية وشرعية. 65. (مدينة النبي صلى الله عليه وسلم رأي العين). 66. (قبة الصخرة، تحقيقات في تاريخ عمارتها وترميمها). رحم الله مشايخنا رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وإنَّ لله ما أخذَ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمَّى، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها. اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وارفع درجتهم في عليين اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم. وإنا لله وإنا إليه راجعون. - - -

الأعمال العلمية للمؤلف الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة 1. الحقيقة والمجاز في الكتاب والسنة وعلاقتهما بالأحكام الشرعية (رسالة الماجستير) 2. بيان معاني البديع في أصول الفقه (رسالة الدكتوراه) 3. الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية (كتاب) 4. أحكام العقيقة في الشريعة الإسلامية (كتاب) 5. يسألونك الجزء الأول (كتاب) 6. يسألونك الجزء الثاني (كتاب) 7. بيع المرابحة للآمر بالشراء على ضوء تجربة شركة بيت المال الفلسطيني العربي (كتاب) 8. صلاة الغائب دراسة فقهية مقارنة (كتاب) 9. يسألونك الجزء الثالث (كتاب) 10. يسألونك الجزء الرابع (كتاب) 11. يسألونك الجزء الخامس (كتاب) 12. المفصل في أحكام الأضحية (كتاب) 13. شرح الورقات في أصول الفقه لجلال الدين المحلي (دراسة وتعليق وتحقيق) 14. فهارس مخطوطات مؤسسة إحياء التراث الإسلامي ج1 15. الفتاوى الشرعية (1) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي)

16. الفتاوى الشرعية (2) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) 17. الشيخ العلامة مرعي الكرمي وكتابه دليل الطالب (بحث) 18. الزواج المبكر (بحث) 19. الإجهاض (بحث) 20. مسائل مهمات في فقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات (كتاب) 21. مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة للعلامة المحدث الألباني (كتاب) 22. إتباع لا ابتداع (كتاب) 23. بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود للغزي التمرتاشي (دراسة وتعليق وتحقيق) 24. يسألونك الجزء السادس (كتاب) 25. رسالة إنقاذ الهالكين للعلامة محمد البركوي (دراسة وتعليق وتحقيق) 26. الخصال المكفرة للذنوب (يتضمن تحقيق مخطوط للخطيب الشربيني) (كتاب) 27. أحاديث الطائفة الظاهرة وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (كتاب) 28. التنجيم (بحث بالاشتراك) 29. الحسابات الفلكية (بحث بالاشتراك) 30. يسألونك الجزء السابع (كتاب) 31. المفصل في أحكام العقيقة (كتاب) 32. يسألونك الجزء الثامن (كتاب) 33. يسألونك الجزء التاسع (كتاب)

34. فهرس المخطوطات المصورة ج 2 (الفقه الشافعي) (كتاب) 35. فقه التاجر المسلم وآدابه (كتاب) وقد ترجم الكتاب إلى اللغة التركية الدكتور ثروت بايندر من جامعة إستنبول 36. يسألونك الجزء العاشر (كتاب) 37. يسألونك الجزء الحادي عشر (كتاب) 38. يسألونك عن الزكاة (كتاب) 39. يسألونك الجزء الثاني عشر (كتاب) 40.فهرس المخطوطات المصورة ج 3 (الفقه الحنفي) (كتاب) 41. يسألونك عن رمضان (كتاب) 42. يسألونك الجزء الثالث عشر (كتاب) 43. فهرس المخطوطات المصورة ج 4 (الحديث النبوي) (كتاب) 44. بيع المرابحة المركبة كما تجريه المصارف الإسلامية في فلسطين (بحث) 45. يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة الجزء الأول (كتاب) 46. يسألونك الجزء الرابع عشر (هذا الكتاب) موقع الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة على شبكة الإنترنت: www.yasaloonak.net وعنوان البريد الإلكتروني: [email protected] أو: [email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. وبعد ... فيقول الإمام أبو حامد الغزالي: [وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع، وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل، فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول، ولا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد] المستصفى 1/ 4. ومن أهم القضايا الفقهية التي تحتاج إلى اصطحاب الرأي والشرع، النوازل الفقهية المستجدة، فهذه تشكل في أيامنا هذه ميداناً فسيحاً للدراسة والبحث، فالنوازل الفقهية المعاصرة تحتاج إلى دراسات معمقة قبل إصدار الفتوى فيها، ولا بد من تأصيلها وفق القواعد والضوابط الشرعية المقررة لدراسة القضايا المعاصرة، ومن أمثلة النوازل الفقهية المعاصرة التي تحتاج إلى دراسات طبية

فقهية معمقة، قضية انتشار مرض إنفلونزا الخنازير ومدى تأثيره على الحج والعمرة - سيأتي بحثها في هذا الكتاب-، فقد صدرت بعض الفتاوى المتسرعة الداعية إلى إلغاء موسم الحج لهذا العام وتأجيل العمرة، وهذه الفتاوى لم تدرس النازلة وفق الأسس العلمية لدراسة وبحث النوازل المعاصرة والتي يمكن تلخيصها فيما يلي: 1. بعد التأكد من وقوع النازلة لا بد من فهمها فهماً صحيحاً مطابقاً للواقع، يقول العلامة ابن القيم: [ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علماً. والنوع الثاني فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك، لم يعدم أجرين أو أجرٍ، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله ... ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا، ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم] إعلام الموقعين 1/ 187. 2. استشارة أهل الاختصاص إذا كانت النازلة من المسائل الطبية والاقتصادية والمالية والفلكية والطبيعية ونحوها، فالرجوع إلى أهل العلم في هذه الفنون مطلوب شرعاً امتثالاً لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} سورة النحل الآية 43. يقول الخطيب البغدادي: [ثم يذكر المسألة - المفتي - لمن بحضرته ممن يصلح لذلك من أهل العلم ويشاورهم في الجواب، ويسأل كل واحدٍ منهم عما عنده، فإن في ذلك بركة واقتداء بالسلف الصالح، وقد قال

الله تبارك وتعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ}، وشاور النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع وأشياء وأمر بالمشاورة، وكانت الصحابة تشاور في الفتاوى والأحكام] الفقيه والمتفقه 2/ 71. 3. عرض النازلة على كتاب الله عز وجل وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما أمر الله تبارك وتعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} سورة النساء الآية 59. ثم دراسة النازلة بالنظر فيما قرره الفقهاء من قياسٍ واجتهادٍ ومصلحةٍ وعرفٍ وقواعد فقهية، ومقاصد شرعية يمكن أن تندرج النازلة تحتها. 4. ذكر دليل الحكم في الفتوى النازلة، يقول العلامة ابن القيم: [ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه ذلك، ولا يلقيه إلى المستفتي ساذجاً مجرداً عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عَطَنِه وقلة بضاعته من العلم، ومن تأمل فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قوله حجة بنفسه رآها مشتملة على التنبيه على حِكمة الحكم ونظيره ووجه مشروعيته] إعلام الموقعين4/ 161. وقال العلامة ابن القيم أيضاً: [عاب بعضُ الناس ذكر الاستدلال في الفتوى، وهذا العيب أولى بالعيب بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل، فكيف يكون ذكر كلام الله ورسوله وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم والقياس الصحيح عيباً، وهل ذكر قول الله ورسوله إلا طراز الفتاوى، وقول المفتي ليس بموجبٍ للأخذ به، فإذا ذكر الدليل فقد حرم على المستفتي أن يخالفه وبرئ هو من عهدة الفتوى بلا علم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عن المسألة، فيضرب لها الأمثال ويشبهها بنظائرها، هذا

وقوله وحده حجة، فما الظن بمن ليس قوله بحجة، ولا يجب الأخذ به وأحسن أحواله وأعلاها أن يسوغ له قبول قوله وهيهات أن يسوغ بلا حجة، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل أحدهم عن مسألة أفتى بالحجة نفسها فيقول قال الله كذا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا فيشفى السائل ويبلغ القائل، وهذا كثيرٌ جداً في فتاويهم لمن تأملها، ثم جاء التابعون والأئمة بعدهم، فكان أحدهم يذكر الحكم ثم يستدل عليه، وعلمُه يأبى أن يتكلم بلا حجة والسائل يأبى قبول قوله بلا دليل، ثم طال الأمد وبَعُد العهدُ بالعلم وتقاصرت الهمم، إلى أن صار بعضهم يجيب بنعم أو لا فقط، ولا يذكر للجواب دليلاً ولا مأخذاً، ويعترف بقصوره، وفضل من يفتى بالدليل، ثم نزلنا درجة أخرى، إلى أن وصلت الفتوى إلى عيب من يفتى بالدليل وذمه، ولعله أن يحدث للناس طبقة أخرى لا يُدرى ما حالهم في الفتاوى والله المستعان] 4/ 259 - 260. 5. ما يصدر عن المجامع الفقهية من قرارات في النوازل المعاصرة، وإن كان لا يعتبر في حكم الإجماع الأصولي، ولكن قرارات هذه المجامع مقدمة على اجتهادات أفراد العلماء. فالاجتهاد الجماعي الذي تمارسه مجامع الفقه الإسلامي المعاصرة، يعد مَعْلَماً من معالم مسيرة الفقه الإسلامي في العصر الحاضر، ولا شك أن وجود هذه المجامع وصدور الآراء الفقهية الجماعية عنها يعطي قوة للفقه الإسلامي، وخاصة أن المجامع الفقهية تتصدى لكثير من النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة، وهذا يجعل الفقه الإسلامي قادراً على مواجهة تطور الحياة العصرية. ولا شك أن الاجتهاد الجماعي الذي تمثله المجامع الفقهية، مقدم على الاجتهاد الفردي الذي يصدر عن أفراد الفقهاء، فهو أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيه تحقيقاً لمبدأ الشورى في

الاجتهاد، وهو مبدأٌ أصيلٌ في تاريخ الفقه الإسلامي، فقد روى ميمون بن مهران: (أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر، كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا. فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به ... ) سنن الدارمي 1/ 40. وقال العلامة ابن القيم: [ ... ولهذا كان من سداد الرأي وإصابته أن يكون شورى بين أهله ولا ينفرد به واحد وقد مدح الله سبحانه المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس عنده فيها نصٌ عن الله ولا عن رسوله، جمع لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعلها شورى بينهم] إعلام الموقعين 2/ 156 - 157. وختاماً فهذا هو الجزء الرابع عشر من كتابي يسألونك وأصله حلقات تنشر صباح كل يوم جمعة في جريدة القدس المقدسية، وقد سلكت فيه المنهج الذي سلكته في الأجزاء السابقة، من اعتمادٍ على كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى فهم سلف هذه الأمة، وعلى الاجتهادات الجماعية الصادرة عن المجامع الفقهية والهيئات العلمية

المعتبرة، فإن أصبت فذلك الفضل من الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأقول ما قاله القاضي البيساني رحمه الله: [إني رأيت أنه لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه، إلا قال في غده لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ كذا لكان يستحسن، ولو قُدِمَ هذا لكان أفضل، ولو تُرِكَ هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر]. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة أبوديس/ القدس المحتلة صباح يوم الأربعاء السابع من شعبان 1430هـ وفق التاسع والعشرين من تموز 2009 م.

العقيدة والتفسير

العقيدة والتفسير

قصة مكذوبة منسوبة إلى إبراهيم عليه السلام

قصة مكذوبة منسوبة إلى إبراهيم عليه السلام يقول السائل: سمعت أحد المشايخ يذكر قصة إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار، وأن جبريل عليه السلام جاءه فقال: يا إبراهيم، لك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فقال جبريل: فاسأل ربك، فقال إبراهيم: علمه بحالي يغني عن سؤالي، فهل هذه الكلام صحيح، أفيدونا؟ الجواب: هذه القصة ذكرها بعض المفسرين، ومنهم البغوي في معالم التنزيل، والثعلبي في الكشف والبيان، والسمرقندي في بحر العلوم، والألوسي في روح المعاني، وذكرها غيرهم من المفسرين كالبيضاوي والنسفي والنيسابوري، ومن المعاصرين الدكتور راتب النابلسي، وهذه القصة باطلة، ولا تصح بل هي من القَصَص المكذوب الموضوع، كما أنها معارضة للعقيدة الإسلامية، ومعارضة لما هو مقرر في كتاب الله عز وجل، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء واللجوء إلى الله في السراء والضراء، وكذلك فإنها مخالفة لمنهج الأنبياء جمعياً في دعاء الله سبحانه وتعالى كما سأذكر لاحقاً. أما بطلان هذه القصة من حيث الرواية فبينهُ العلامة الألباني فقال: [لا أصل له. أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو من الإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع، وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيراً لضعفه فقال: روي عن كعب الأحبار ... وبالجملة فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام، فكيف يصدر ممن سمَّانا المسلمين؟! ثم وجدت الحديث قد أورده ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة 1/ 250، وقال: قال ابن تيمية: موضوع] سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 28 - 29.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وما يُروى أن الخليل لما ألقي في المنجنيق قال له جبريل: سل، قال: (حسبي من سؤالي علمه بحالي) ليس له إسناد معروف وهو باطل، بل الذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: (حسبي الله ونعم الوكيل)] مجموع الفتاوى 1/ 183. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر: [وأما قوله: (حسبي من سؤالي علمه بحالي فكلام باطل)، خلاف ما ذكره الله عن إبراهيم الخليل وغيره من الأنبياء، من دعائهم لله، ومسألتهم إياه، وهو خلاف ما أمر الله به عباده من سؤالهم له صلاح الدنيا والآخرة] مجموع الفتاوى 8/ 539. وأما بطلان ذلك درايةً فإن هذه الحكاية مخالفة لما هو مقرر في القرآن الكريم وفي السنة النبوية من مشروعية الدعاء، فالدعاء من العبادة وهو نوع من الأخذ بالأسباب وهو جزء من عقيدة المؤمن، وقد جاءت النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مبينةً فضله وحاثةً عليه، فمن ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} سورة غافر الآية 60. وقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} سورة الأعراف الآيتان 55 - 56. وقوله: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} سورة النمل62.وقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} سورة البقرة الآية 186. وقال جل جلاله في وصف عباده المؤمنين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} سورة السجدة الآية 16.

ودعاء الله عز وجل من منهج الأنبياء؛ فقد قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} سورة إبراهيم 39. وقال أيضاً: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} سورة إبراهيم 40. وقال على لسان موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} سورة الأعراف 151. وقال أيضاً: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} سورة المائدة25. وقال أيضاً: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} سورة القصص 16. وقال على لسان زكريا عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً} سورة مريم 4. وقال أيضاً: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} سورة آل عمران38. وقال على لسان سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} سورة ص35. وغير ذلك من الآيات. وأما من السنة النبوية فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس شيءٌ أكرمُ على الله تعالى من الدعاء) رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 138. وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سرَّه أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي وقال العلامة الألباني حديث حسن، انظر صحيح سنن الترمذي 3/ 140.

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة) ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} سورة غافر الآية 60. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وصححه العلامة الألباني في المصدر السابق. وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من أحدٍ يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو كفَّ عنه من سوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) رواه الترمذي وحسنه العلامة الألباني، المصدر السابق 3/ 140. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض من مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بمأثم أو بقطيعة رحم. فقال رجل من القوم: إذاً نكثر؟ قال: الله أكثر) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وكذا قال العلامة الألباني في المصدر السابق 1/ 181. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) رواه ابن حبان وأبو يعلى وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع 1519، وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر مصادمة هذه القصة المكذوبة لنصوص الكتاب والسنة، فإن الواجب على الخطباء والوعاظ والمدرسين أن يتثبتوا من الأحاديث قبل روايتها وذكرها للناس، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يميزون بين الصحيح والضعيف

من الأحاديث، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما بينهم فيُسهم الوعاظ والخطباء والمدرسون وأمثالهم في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. وبناءً على ذلك فإني أنصح كل من يذكر حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتثبت من ذلك الحديث، وأن يرجع إلى كتب أهل الحديث ليعرف حال ذلك الحديث قبل أن يذكره للناس. فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). وقال الحافظ ابن حبان: [فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته]، ثم روى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وإسناده حسن كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط، الإحسان 1/ 210، ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حدث حديثاً وهو يُرى -بضم الياء ومعناه يُظن- أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم أيضاً. وقال الإمام الشوكاني: [فلما كان تمييز الموضوع من الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجَلِّ الفنون، وأعظم العلوم، وأنبل الفوائد من جهات يكثر تعدادها، ولو لم يكن منها إلا تنبيه المقصرين من علم السنة على ما هو مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحذروا من العمل به واعتقاد ما فيه وإرشاد الناس إليه. كما وقع لكثير من المصنفين في الفقه والمتصدرين للوعظ والمشتغلين بالعبادة والمتعرضين للتصنيف في الزهد فيكون لمن بين لهؤلاء ما هو كذب من السنة أجر من قام بالبيان الذي أوجبه الله، مع

ما في ذلك من تخليص عباد الله من معرة العمل بالكذب، وأخذه على أيدي المتعرضين لما ليس من شأنه من التأليف والاستدلال والقيل والقال، وقد أكثر العلماء رحمهم الله من البيان للأحاديث الموضوعة وهتكوا أستار الكذابين، ونفوا عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم انتحال المبطلين وتحريف الغالين وافتراء المفترين وزور المزورين] الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 3. وكما ينبغي أن يعلم أن في الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغني ويكفي عن الأحاديث المكذوبة. وخلاصة الأمر أن هذه القصة المنسوبة إلى إبراهيم عليه السلام مكذوبة ومخالفة للكتاب والسنة والواجب على خطباء المساجد والوعاظ أن يتأكدوا من درجة الأحاديث التي يذكرونها في خطبهم ومواعظهم ودروسهم؛ حتى لا يسهموا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن في الأحاديث الصحيحة والحسنة ما يغني ويكفي عن الأحاديث الباطلة والمكذوبة. - - -

قصة باطلة تطعن في الصحابة رضوان الله عليهم

قصة باطلة تطعن في الصحابة رضوان الله عليهم يقول السائل: قرأت في أحد كتب أسباب النزول أن قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِين} نزل كما نقل عن ابن عباس في امرأة كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن النساء، فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فنزلت الآية، فهل هذا الكلام صحيح، أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يُعلم أولاً أن سورة الحجر والآية المذكورة منها هي سورة مكية باتفاق، كما قال الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب، وابن حزم في الناسخ والمنسوخ، وقال ابن أبى زمنين: [سورة الحجر وهي مكية كلها] عن الإنترنت. ومن المعلوم أنه لم يكن للمسلمين مسجدٌ يصلي فيه الرجال والنساء إلا بعد الهجرة في المدينة. ثانياً: إن ما ذكره السائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قد رواه عنه الترمذي بإسناده قال: حدثنا قتيبة حدثنا نوح بن قيس الحداني عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن النساء فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِين} قال أبو عيسى-الترمذي- وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه ولم يذكر فيه عن ابن

عباس وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح] ورواه أحمد والنسائي وابن ماجة وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 2472. ثالثاً: إن القول بأن هذه الآية نزلت في هذه الحادثة المذكورة يعني أن الآية نزلت بالمدينة، وهذا الكلام غير سليم، لأن سورة الحجر كلها مكية كما سبق، وما قاله بعض العلماء إن هذه الآية نزلت بالمدينة اعتماداً على الرواية السابقة عن ابن عباس غير صحيح. لأن هذه الرواية لا تصح عن ابن عباس، وإن صححها الحاكم قديماً والعلامة الألباني حديثاً، فهذه الرواية منكرة، قال الشيخ ابن كثير: [وهذا الحديث فيه نكارة شديدة، وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك وهو النكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ} في الصفوف في الصلاة {الْمُسْتَأْخِرِين} فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط، ليس فيه لابن عباس ذكر وقد قال الترمذي: هذا أشبه من رواية نوح بن قيس والله أعلم] تفسير ابن كثير 4/ 12. وكلام الترمذي الذي أشار إليه ابن كثير هو: [قال أبو عيسى وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح] سنن الترمذي 5/ 277، وكلام الترمذي يشير إلى أن الحديث مرسل، والمرسل حديث ضعيف عند المحدثين. ويضاف إلى ذلك أن نوح بن قيس فيه كلام وقد خالفه جعفر بن سليمان فرواه عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء من قوله - يعني ليس من كلام ابن عباس- وليس فيه القصة وإنما فسر معنى الآية وهذا في تفسير عبد الرزاق وتفسير الطبري. انظر تفسير ابن كثير بتحقيق المهدي 4/ 11.

رابعاً: قال الثعالبي في تفسيره: [والحديث المتقدم إن صح فلا بد من تأويل فإن الصحابة ينزهون عن فعل ما ذكر، فيؤول بأن ذلك صدر من بعض المنافقين أو بعض الأعراب الذين قرب عهدهم بالإسلام ولم يرسخ الإيمان في قلوبهم، وأما ابن عباس فإنه كان يومئذ صغيراً بلا شك، هذا إذا كانت الآية مدنية، فإن كانت مكية فهو يومئذ في سن الطفولية وبالجملة فالظاهر ضعف هذا الحديث من وجوه] الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي عن الإنترنت. خامساً: إن القصة السابقة من رواية أبي الجوزاء وهو تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام البخاري في التاريخ الكبير: في إسناده نظر. وقال عنه الحافظ ابن حجر: يرسل كثيراً، وقال ابن كثير: وهذا الحديث فيه نكارة شديدة، وقال الجوزجاني: أبو الجوزاء مجهول لا يُعرف. سادساً: إن تصحيح العلامة الألباني للقصة ودفاعه عنها حيث قال: [ثالثاً: وأما النكارة الشديدة التي زعمها ابن كثير رحمه الله، فالظاهر أنه يعني أنه من غير المعقول أن يتأخر أحد من المصلين إلى الصف الآخر لينظر إلى امرأة! وجوابنا عليه، أنهم قد قالوا: إذا ورد الأثر بطل النظر، فبعد ثبوت الحديث لا مجال لاستنكار ما تضمنه من الواقع، ولو أننا فتحنا باب الاستنكار لمجرد الاستبعاد العقلي للزم إنكار كثير من الأحاديث الصحيحة، وهذا ليس من شأن أهل السنة والحديث، بل هو من دأب المعتزلة وأهل الأهواء. ثم ما المانع أن يكون أولئك الناس المستأخرون من المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر؟ بل وما المانع أن يكونوا من الذين دخلوا في الإسلام حديثاً، ولما يتهذبوا بتهذيب الإسلام، ولا تأدبوا بأدبه؟] السلسلة الصحيحة 5/ 612.

أقول مع احترامي وتقديري للعلامة الألباني إلا أنه جَانَبَ الصواب في تصحيحه لهذه القصة، فكلامه صحيح لو ثبتت القصة ولكن هذه القصة غير ثابتة سنداً كما سبق وغير ثابتة متناً، فالحادثة مردودة دراية، لأن السورة مكية باتفاق، ولأن مضمون القصة يردها، فلو نظرنا إلى قول الراوي (ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه) فكيف سينظر إلى المرأة والحال أن المرأة تكون راكعة فكيف ينظر إليها وماذا يرى منها؟ ويضاف إلى ذلك أن هذه الحادثة المزعومة تطعن في عدالة الصحابة، وقد قرأت طعوناً كثيرة في حق الصحابة رضوان الله عليهم في مواقع كثيرة على الإنترنت اعتماداً على تصحيح العلامة الألباني لهذه القصة المزعومة!!! ولا بد من التذكير بأمر مهم وهو إن المحدثين قد اعتنوا بنقد المتن ولم يكتفوا بنقد السند فقط، ولا يصح الحكم على الحديث بفصل الكلام في السند عن الكلام في المتن، وهذا ما قرره المحدثون، قال ابن الصلاح: [قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح، لكونه شاذاً أو معللاً] مقدمة ابن الصلاح ص 23. وقال النووي: [قد يصح أو يحسن إسناده أو يحسن الإسناد دون المتن لشذوذ أو علة] التقريب مع شرحه تدريب الراوي1/ 161. وقال ابن كثير: [والحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن، إذ قد يكون شاذا أو معللاً] اختصار علوم الحديث ص43. فهذه القصة المنكرة تطعن في عدالة الصحابة كما ذكرت وعدالتهم ثابتة باتفاق أهل السنة والجماعة، قال الحافظ ابن حجر: [اتفق أهل السنة على أن الجميع -أي جميع الصحابة- عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك، فقال عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم فمن ذلك قوله

تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} وقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} وقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} وقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} إلى قوله: {إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحدٍ من الخلق ... ] الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 6 - 7. سابعاً: إن القول بأن الآية الكريمة: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِين} محمولة على المتقدمين في الصفوف الأولى من الصلاة والمتأخرين في صفوف الصلاة، قول ضعيف جداً، لأنه لم يكن للمسلمين مسجدٌ يصلي فيه الرجال والنساء إلا بعد الهجرة في المدينة. وكذلك فإن شيخ المفسرين الإمام الطبري ذكر أقوالاً كثيرة في تفسير الآية ثم قال: [وأولى الأقوال عندي في ذلك بالصحة قول من قال: معنى ذلك: ولقد علمنا الأموات منكم يا بني آدم فتقدم موته، ولقد علمنا المستأخرين الذين استأخر موتهم ممن هو حي ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث بعد، لدلالة ما قبله من الكلام، وهو قوله: {وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} وما بعده وهو قوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} على أن ذلك كذلك، إذ كان بين هذين الخبرين، ولم يجر

واجب الأمة لنصرة المسلمين المستضعفين

قبل ذلك من الكلام ما يدل على خلافه، ولا جاء بعد ... ] تفسير الطبري عن الإنترنت. وخلاصة الأمر أن القصة المذكورة في السؤال قصة باطلة، وقد احتفت بها قرائن تؤكد بطلانها، حتى لو ثبتت من حيث السند فهي منكرة ومردودة، وفيها طعن في عدالة الصحابة رضوان الله عليهم، ويكفينا قول ابن كثير: [وهذا الحديث فيه نكارة شديدة]. - - - واجب الأمة لنصرة المسلمين المستضعفين يقول السائل: حصل نقاش حول واجب المسلمين تجاه إخوانهم في قطاع غزة وذكر أحدهم حديث (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) فهل هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أفيدونا؟ الجواب: ورد هذا الحديث بعدة روايات كلها غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فصَّل العلامة الألباني الكلام عليها في السلسلة الضعيفة فذكر ما يلي: [(من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء، ومن لم يتق الله فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم) موضوع - أي مكذوب - أخرجه الحاكم وسكت عليه وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: ... وأحسب الخبر موضوعاً. قلت - أي الألباني- وأورده ابن الجوزي في (الموضوعات) ثم ذكر الألباني رواية ثانيةً للحديث (من أصبح وهمه الدنيا، فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس منا).

ضعيف جداً أخرجه الطبراني في الأوسط وأما الهيثمي فقال في مجمع الزوائد: رواه الطبراني وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو متروك، وأشار المنذري إلى تضعيفه، قلت: وقد أنكر أبو حاتم أحاديثه عن أبي الأشعث كما في الجرح والتعديل وهذا منها كما ترى، وقال الجوزجاني: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة. ثم ذكر الألباني روايةً ثالثةً للحديث (من أصبح وهمه غير الله عز وجل فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم) موضوع، ابن بشران في الأمالي والحاكم، ثم ذكر الألباني رواية رابعةً للحديث (من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لا يصبح ويمسي ناصحاً لله ورسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم) ضعيف. أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط ... ] السلسلة الضعيفة 1/ 320 - 324 بتصرف واختصار. وهذا الحديث وإن كان غير ثابتٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن معناه صحيح وورد في معناه أدلة كثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث معتبر في المعنى وإن لم يثبت من حيث الإسناد، وقد سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذا الحديث فقال: [الحديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث ضعيف ليس بصحيح، ومعناه أن الذي لا يهتم بأمور المسلمين بالنظر إلى مصلحتهم، والدفاع عنهم إذا حصل عليهم خطر، ونصر المظلوم، وردع الظالم، ومساعدتهم على عدوهم، ومواساة فقيرهم، إلى غير هذا من شئونهم، معناه أنه ليس منهم، وهذا لو صح من باب الوعيد، وليس معناه أنه يكون كافراً، لكنه من باب الوعيد والتحذير، والحث على التراحم بين المسلمين، والتعاون فيما بينهم، ويغني عن هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبَّك بين أصابعه). وقوله صلى الله عليه

وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). وهو معناه أنه لا يتم إيمانه ولا يكمل إيمانه الواجب إلا بهذا، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). فجعل المسلمين شيئاً واحداً، وجسداً واحداً، وبناءً واحداً، فوجب عليهم أن يتراحموا، وأن يتعاطفوا، وأن يتناصحوا، وأن يتواصوا بالحق، وأن يعطف بعضهم على بعض، وهذه كلها تكفي عن الحديث الضعيف الذي ذكره السائل ... ] موقع الشيخ على الإنترنت. ولا شك أن سكوت المسلمين عما يحصل لأهلنا في غزة هاشم يعد من باب الكبائر، ويعتبر خيانة لله ورسوله وللمؤمنين، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} سورة الحجرات الآية 10، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم، قال القاضي عياض: [فتشبيه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيلٌ صحيحٌ، وفيه تقريبٌ للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية، وفيه تعظيم حقوق المسلمين، والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضاً. وقال ابن أبي جمرة: شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف، فإذا أخلَّ المرءُ بشيءٍ من التكاليف شأن ذلك الإخلال بالأصل، وكذلك الجسد أصل الشجرة وأعضاؤه كالأغصان، فإذا اشتكى عضو من الأعضاء اشتكت الأعضاء كلها، كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب] فتح الباري 10/ 540.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم) رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 6666. وغير ذلك من النصوص، فكل مسلم يفهم حقيقة هذا الدين فهماً صحيحاً، لا بد أن يقدم ما يستطيع لنصرة المسلمين المستضعفين الذين يتعرضون لأشرس الحروب وأقذرها، ومن لم يفعل فعليه أن يراجع نفسه، لأن منهج أهل السنة والجماعة يقضي أن يقف المسلم مع أخيه المسلم، وأن يكون عوناً له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن أصول أهل السنة والجماعة: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات. ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشدُ بعضُه بعضاً وشبَّك بين أصابعه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء] العقيدة الواسطية. وأما من يخذل المسلمين ويسهم في حصارهم ويمنع العون عنهم فإن الله عز وجل سيخذله، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئٍ يخذل امرأ مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن

يحب فيه نصرته) رواه أحمد وأبو داود وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 5690. إذا تقرر هذا فإن واجب المسلمين هو نصرة إخوانهم المسلمين ومدُّ يد العون والمساعدة لهم كلٌ حسب وسعه وطاقته، وأقل ذلك الدعاء لهم، ومن ذلك القنوت في الصلوات المفروضات، وهذا هو قنوت النوازل، فمن الثابت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت أحياناً في النوازل التي كانت على عهده صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحدٍ أو يدعو لأحدٍ قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده: اللهم ربنا لك الحمد، اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسني يوسف يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} سورة آل عمران الآية 128. وفي رواية عند مسلم عن أبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه حدثهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاة شهراً إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج عياش بن أبي

ربيعة، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد ... ). والذي يؤخذ من هذه الأحاديث وغيرها مشروعية القنوت عند النوازل والمصائب والبلايا العامة في الصلوات الخمس ويقنت الإمام جهراً في جميع الصلوات بعد الركوع ويجوز قبله فإذا ارتفعت النازلة ترك القنوت. وختاماً يجب التذكير ببعض القضايا الهامة في ظل الظروف العصيبة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأيام، فمن ذلك أنه لا بد من التوكل على الله سبحانه وتعالى وتفويض الأمر لله عز وجل فالأمور كلها بيده يعز من يشاء ويذل من يشاء. ولا بد للمسلم الصادق أن يطهر إيمانه من الولاء للكافرين، وليحذر المسلم من أن يحب ظهور الكافرين على المسلمين أو يتمنى ذلك أو يشمت بما حصل للمسلمين، فإن هذا يطعن في إيمانه. وعلى المسلم الصادق أن يوقن أن الله قد وعد هذه الأمة بالتمكين لدينه ونصر أوليائه قال الله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة المجادلة الآية 21. وخلاصة الأمر أن حديث (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ليس ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن معناه صحيح، وواجب الأمة المسلمة جمعاء، نصرة المسلمين المستضعفين، ومدهم بكل عونٍ ومساعدة، وأقلُ ذلك الدعاء لهم بنصرهم وتأييدهم، والدعاء على عدوهم وأعوانه ومناصريه بالهزيمة والخذلان. - - -

حكم المظاهرات التي تقام لنصرة المسلمين المستضعفين

حكم المظاهرات التي تقام لنصرة المسلمين المستضعفين يقول السائل: ما قولكم في فتوى بعض العلماء بأن المظاهرات التي تقام لنصرة المسلمين المستضعفين من البدع، وبأنها أعمال غوغائية وضوضاء لا خير منها، وأنها تصد الناسَ عن ذكر الله عز وجل، وأنها من الفساد في الأرض، أفيدونا؟ الجواب: المظاهرات من الوسائل المعاصرة للتعبير عن الرأي وإظهار المشاعر والأحاسيس، وإذا أردنا أن نعطي حكماً شرعياً للمظاهرات، فلا بد أولاً من تحرير محل النزاع كما يقول الفقهاء، حتى يكون كلامنا دقيقاً، فالمظاهرات التي أتكلم عليها هي المظاهرات التي تخلو من المحرمات والمخالفات مثل: اختلاط الرجال بالنساء أثناء المظاهرة، وخروج النساء متبرجات، ومثل الاعتداء على ممتلكات الناس كتحطيم السيارات والمحلات أو حرق المباني، واستخدام السباب والشتائم والهتاف بشعارات لا يقرها الشرع، ونحو ذلك من المخالفات التي تحدث في المظاهرات. إذا تقرر هذا فإن المظاهرات تضبطها القواعد الشرعية التالية: أولاً: قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة، وهذه القاعدة كما قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية: [كلمةٌ جامعةٌ ومقالةٌ عامة وقضية فاضلة عظيمة المنفعة واسعة البركة يفزع إليها حملة الشريعة فيما لا يحصى من الأعمال وحوادث الناس] مجموع الفتاوى 2/ 535. ومن المعلوم عند الفقهاء والأصوليين أن الأفعال داخلة في عموم القاعدة، قال العلامة العثيمين: [الأصل في الأشياء عموماً الأفعال والأعيان وكل شيء الأصل فيه الحل] القواعد الفقهية ص31، ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل،

فلو كان شيءٌ يُنهى عن لنهى عنه القرآن) رواه البخاري ومسلم، قال العلامة ابن القيم: [وهو يدل على أمرين: أحدهما: أن أصل الأفعال الإباحة ولا يحرم منها إلا ما حرمه الله على لسان رسوله ... ] إعلام الموقعين 2/ 387. وقال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: [وأحب أن أنبه هنا على أن أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة وهي التي نسميها (العادات والمعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد إلا ما حرمه الشارع وألزم به، وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} سورة الأنعام الآية 119، عامٌ في الأشياء والأفعال. وهذا بخلاف العبادة فإنها من أمر الدين المحض الذي لا يؤخذ إلا عن طريق الوحي وفيها جاء الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ) ... قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى ... ] القواعد النورانية 112 - 113] الحلال والحرام ص21 - 23. وبناءً على ما سبق فإن المظاهرات داخلة تحت القاعدة السابقة والقول بتحريمها باطلٌ لأنه لا تحريم إلا بنص. ثانياً: قرر العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد، فالمظاهرات وسيلة للتضامن مع المسلمين، وفيها إظهارٌ للحق، ورفضٌ للظلم، وشحذٌ للهمم، وتعبيرٌ عن كون المسلمين كالجسد الواحد، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين

في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) رواه البخاري ومسلم. فلا شك أن المظاهرة وسيلة لمقاصد عظيمة، وهذه المقاصد مطلوبة شرعاً، فالوسيلة المؤدية إليها مطلوبة شرعاً، قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد، هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام 1/ 46. وقال الإمام شهاب الدين القرافي: [وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنَّها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها، والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما يتوسط متوسطة، ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة] الفروق 2/ 33. وقال العلامة العثيمين: [وقد قال أهل العلم للوسائل أحكام المقاصد فما كان وسيلةٌ لمطلوبٍ فهو مطلوب وما كان وسيلةً لمنهيٍ منه فهو منهيٌ عنه] عن شبكة الإنترنت. ثالثاً: إذا سلَّمنا بأنه لم يرد دليل شرعي خاص في المظاهرات - مع أن القائلين بالجواز أوردوا أدلة كثيرة - فيمكن تخريج جواز المظاهرات بناءً على قاعدة المصلحة المرسلة، وهي التي لم يرد دليل من الشرع باعتبارها ولا بإلغائها.

فيقال [هذه الممارسات التي لم ترد في العهد النبوي، ولم تعرف في العهد الراشدي، ولم يعرفها المسلمون في عصورهم الأولى، وإنما هي من مستحدثات هذا العصر: إنما تدخل في دائرة المصلحة المرسلة ... وشرطها: أن لا تكون من أمور العبادات حتى لا تدخل في البدعة، وأن تكون من جنس المصالح التي أقرها الشرع، والتي إذا عرضت على العقول، تلقتها بالقبول، وألا تعارض نصاً شرعياً، ولا قاعدة شرعية. وجمهور فقهاء المسلمين يعتبرون المصلحة دليلاً شرعياً يُبنى عليها التشريع أو الفتوى أو القضاء، ومن قرأ كتب الفقه وجد مئات الأمثلة من الأحكام التي لا تعلل إلا بمطلق مصلحةٍ تُجلب، أو ضررٍ يُدفع، وكان الصحابة - وهم أفقه الناس لهذه الشريعة- أكثر الناس استعمالاً للمصلحة واستناداً إليها] عن موقع إسلام أون لاين. رابعاً: إن ما زعمه المانعون من المظاهرات بأنها بدعة لم ترد في الشرع، وأن كل بدعة ضلالة، أقول هذا الكلام مردود، لأن الراجح من أقوال أهل العلم أن البدعة التي هي ضلالة، محصورة في العبادات ولا تدخل في الأمور العادية. قال الإمام الشاطبي: [فالبدعة إذا عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه. وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات] الاعتصام 1/ 37. إذا تقرر هذا فإن البدعة هي التعبد لله بما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى ولا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأت عن الخلفاء الراشدين، وهذا لا يكون إلا في العقائد والعبادات، فالبدعة التي تُعدُّ بدعةً في الدين، هي البدعة في العقيدة أو العبادة قولية أو فعلية، كبدعة نفي القدر وبناء المساجد على القبور وإقامة القباب على القبور وقراءة القرآن عندها للأموات والاحتفال

بالموالد إحياءً لذكرى الصالحين والوجهاء والاستغاثة بغير الله والطواف حول المزارات، فهذه وأمثالها كلها ضلال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ... وأما الأمور العادية والدنيوية فالمحْدَث منها لا يسمى بدعةً شرعاً وإن سمي بدعة لغة، فلا تُعدُّ المحدثات الجديدة بدعاً في الدين مثل الطائرات ووسائل الاتصالات ومكبرات الصوت ... الخ. وكذلك ما يٌعدُّ من الوسائل كتعلم العلوم المختلفة كعلم النحو وكذا طبع المصحف وحفظه بوسائل الحفظ الحديثة كالأشرطة المسجلة والحاسوب ونحوها فهذه الوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد فإذا كانت الغايات مشروعة كانت وسائلها المؤدية إليها مشروعة وليست من البدع في شيء] إتباع لا ابتداع ص 43 - 44. وبناءً على ما سبق فالمظاهرات لا تدخل في مفهوم البدعة. خامساً: قول المانعين للمظاهرات بسبب ما يرافقها من أمور منكرة، لا يعني منعها مطلقاً، بل المنع يكون مُنصبَّاً على تلك الأمور المرافقة المحرمة فقط، ولا ينسحب هذا التحريم على أصل المسألة، ما دام هذا الأصل ضمن دائرة الإباحة. ويضاف إلى ما سبق أن المظاهرات لنصرة المسلمين والوقوف مع المستضعفين، فيها نوعٌ من تحقيق الشعور بالأخوة الإسلامية وتعبيرٌ واضحٌ عن كون المؤمنين كالجسد الواحد، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). ولا شك أن هذا الأمر داخل في عقيدة أهل السنة والجماعة، هذه العقيدة التي يجب أن تطبق بشكل عملي، وليس مجرد كلام يطير مع الهواء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن أصول أهل

السنة والجماعة: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات. ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشدُ بعضُه بعضاً وشبَّك بين أصابعه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء] العقيدة الواسطية. وأخيراً فإن وسيلة التظاهر لا تمنع التعبير عن الإخوة الإيمانية بوسائل أخرى كالدعم المالي والمادي والدعاء للمسلمين وخاصة في قنوت النوازل وفي قيام الليل، وغير ذلك. وخلاصة الأمر أن المظاهرات وسيلة مشروعة للتعبير عن الرأي وللتضامن مع المسلمين الذين يتعرضون للمحن والويلات والمآسي من تقتيلٍ وتشريدٍ وهدمٍ للمنازل وهدمٍ للمساجد والمؤسسات العامة والخاصة، والقول بأن المظاهرات بدعةٌ أو إفسادٌ في الأرض قول غير صحيح، تأباه قواعد الشريعة الإسلامية. - - -

مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام

مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام يقول السائل: قرأت في بعض كتب العقائد أن مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام، فما مدى صحة ذلك، أفيدونا؟ الجواب: قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب: [اعلم أن نواقض الإسلام عشرة: الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} وقال: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو للقبر. الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم، كفر إجماعاً. الثالث: من لم يكفِّر المشركين أو شكَّ في كفرهم أو صحح مذهبهم. الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه - كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه - فهو كافر. الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به، كفر. السادس: من استهزأ بشيءٍ من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه، والدليل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}. السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف- الصرف هو التفريق بين المرء وزوجه وأما العطف فهو التوفيق بين المرء وزوجه وكلاهما يتم بواسطة السحر - فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}. الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على

المسلمين، والدليل قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فهو كافر. العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون}. ولا فرق في جميع هذه بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً وأكثر ما يكون وقوعاً، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه] الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة. وقد ذكر الشيخ رحمه الله تعالى أن مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين من نواقض الإسلام، وهذا حق وصدق، فقد اتفق العلماء على أن مظاهرة الكفار على المسلمين كفر ورِدَّة عن الإسلام، قال العلامة عبد العزيز بن باز: [وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم] مجموع فتاوي ابن باز 1/ 274. وقال العلامة عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى بالسعودية سابقاً: [وأما التولي: فهو إكرامهم، والثناء عليهم، والنصرة لهم والمعاونة على المسلمين، والمعاشرة، وعدم البراءة منهم ظاهراً، فهذا رِدَّةٌ من فاعله، يجب أن تجرى عليه أحكام المرتدين، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأئمة المقتدى بهم] الدرر السنية 15/ 479. وقال العلامة الشيخ أحمد شاكر في فتوى له في بيان حكم التعاون مع الإنجليز والفرنسيين أثناء عدوانهم على مصر: [أما التعاون مع الإنجليز، بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح، لا يقبل فيه

اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفرادٍ أو حكوماتٍ أو زعماء، كلهم في الكفر والردة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم، إن أخلصوا لله، لا للسياسة ولا للناس] كلمة حق 126 - 137. وقالت لجنة الفتوى بالأزهر في فتوى لها: [ ... لا شك أن بذل المعونة لهؤلاء؛ وتيسير الوسائل التي تساعدهم على تحقيق غاياتهم التي فيها إذلال المسلمين، وتبديد شملهم، ومحو دولتهم؛ أعظم إثماً؛ وأكبر ضرراً من مجرد موالاتهم ... وأشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين ... والذي يستبيح شيئاً من هذا بعد أن استبان له حكم الله فيه يكون مرتداً عن دين الإسلام، فيفرق بينه وبين زوجه، ويحرم عليها الاتصال به، ولا يُصلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين ... ] مجلة الفتح العدد 846. وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي: [إذا أعان المشركين على المسلمين فمعناه أنه تولى المشركين وأحبهم وتوليهم ردة، لأن هذا يدل على محبتهم، فإذا أعانهم على المسلمين بالمال أو بالسلاح أو بالرأي، دلَّ على محبتهم ومحبتهم ردة، فأصل التولي هو المحبة، وينشأ عنها الإعانة والمساعدة بالرأي أو بالمال أو بالسلاح فإذا أعان المشركين على المسلمين فمعناه أنه فضل المشركين على المسلمين] شرح نواقض الإسلام عن موقع صيد الفوائد. وقال الشيخ سليمان العلوان: [ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين فتنةٌ عظيمة قد عمت فأعمت، ورزيةٌ رمت فأصمت، وفتنةٌ دعت القلوب فأجابها كل قلب مفتون بحب المشركين، ولا سيما في هذا الزمن، الذي كثر فيه الجهل، وقلَّ فيه العلم، وتوفرت فيه أسباب الفتن، وغلب الهوى

واستحكم، وانطمست أعلام السنن والآثار ... لأن مظاهرتهم رِدَّة عن الإسلام] التبيان شرح نواقض الإسلام ص 49. وقال الشيخ سليمان العلوان أيضاً: [وقد حكى غيرُ واحدٍ من العلماء الإجماع على أن مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال والذب عنهم بالسنان والبيان كفر وردة عن الإسلام قال تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. وأي تولٍ أعظم من مناصرة أعداء الله ومعاونتهم وتهيئة الوسائل والإمكانيات لضرب الديار الإسلامية وقتل القادة المخلصين]. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز [أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقض الإسلام لقول الله عز وجل {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}] فتاوى إسلامية الفتوى رقم 6901. وقال الشيخ صالح الفوزان في شرح الناقض الثامن السابق: [الشيخ رحمه الله تعالى أخذ نوعاً واحداً من أنواع موالاة الكفار وهو المظاهرة، وإلا فالمولاة تشمل المحبة بالقلب والمظاهرة على المسلمين والثناء والمدح لهم إلى غير ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين معاداة الكفار وبغضهم والبراءة منهم، وهذا ما يسمى في الإسلام بباب الولاء والبراء]. وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ: [أما مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين، هذا من نواقض الإسلام، كما هو مقرر في كتب فقه الحنابلة وذكره العلماء ومنهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في النواقض العشر في الناقض الثامن. وهذا الناقض مبني على أمرين: الأول: هو المظاهرة، والثاني: هو الإعانة، قال: مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين. والمظاهرة: أن يجعل طائفة من المسلمين - يجعلون- أنفسهم ظهراً

للمشركين، يحمونهم فيما لو أراد طائفة من المؤمنين أن يقعوا فيهم، يحمونهم وينصرونهم ويحمون ظهورهم ويحمون بيضتهم، وهذا مظاهرة بمعنى أنه صار ظهراً لهم، فقول الشيخ رحمه الله مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين مركبة من الأمرين - الناقض مركب من الأمرين - المظاهرة بأن يكون ظهراً لهم - بأي عملٍ يكون ظهراً يدفع عنهم ويقف معهم ويضرب المسلمين لأجل حماية هؤلاء. أما الثاني فالإعانة: إعانة المشرك]. وكلام أهل العلم في بيان ذلك كثير جداً لا يتسع المقام لذكره. وأما مستند إجماع العلماء على أن مظاهرة الكفار على المسلمين كفر وردة عن الإسلام، فأدلته كثيرة منها: قول الله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} سورة آل عمران الآية 28. وقوله الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} سورةالنساء الآيتان 138 - 139. وقوله الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} سورة المائدة الآية51. قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية: [والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان] تفسير الطبري عن الإنترنت.

وقال الشيخ ابن حزم: [صح أن قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين] المحلى 11/ 138. ويدل على ذلك أيضاً قوله الله تعالى: {تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَااتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} سورة المائدة الآيتان 80 - 81. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو التي تقتضي مع انتفاء الشرط انتفاء المشروط، فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} فدلَّ على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه. ومثله قوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمناً، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً] مجموع الفتاوى 7/ 17 - 18، وغير ذلك من الأدلة. وخلاصة الأمر أن مظاهرة الكافرين على المسلمين تعتبر من نواقض الإسلام، ويدخل في ذلك مظاهرتهم مادياً كتقديم العون والمساعدة لهم بغض النظر عن شكلها وحجمها، وكذا تقديم الدعم المعنوي لهم كمساندتهم وممالئتهم في وسائل الإعلام المختلفة. - - -

موقف الشيعة من الصحابة رضوان الله عليهم

موقف الشيعة من الصحابة رضوان الله عليهم يقول السائل: ما قولكم فيما بثته القناة الإيرانية الثالثة في مقابلة مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من تعدٍ على ثلاثة من الصحابة الكرام وهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم، ووصف طلحة والزبير بالرِّدة عن دين الإسلام بسبب ما حصل في موقعة الجمل وتنقص من معاوية، فما حكم الشرع في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: ما قاله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ليس مستغرباً فهذا جزء من اعتقاد الشيعة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالشيعة الاثنا عشرية - شيعة إيران- يكفرون معظم الصحابة رضوان الله عليهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والرافضة كفَّرت أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعامة المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفروا جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المتقدمين والمتأخرين. فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين، والأنصار العدالة، أو ترضَّى عنهم كما رضي الله عنهم، أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم، ولهذا يكفرون أعلام الملة: مثل سعيد بن المسيب، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومثل مالك والأوزاعي، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وفضيل بن عياض، وأبي سليمان الدارني، ومعروف الكرخي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وغير هؤلاء، ويستحلون دماء من خرج عنهم، ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28/ 477.

وما قاله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في حق طلحة والزبير من أنهما ارتدا عن الإسلام بسبب موقفهما في معركة الجمل، فيه تكذيب صريح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة والزبير رضي الله عنهما من العشرة المبشرين بالجنة، فقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، منها عن عبد الرحمن بن الأخنس (أنه كان في المسجد فذكر رجلٌ علياً رضي الله عنه، فقام سعيد بن زيد فقال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته وهو يقول: عشرة في الجنة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، ولو شئت لسميت العاشر، قال: فقالوا: من هو؟ فسكت، قال: فقالوا: من هو؟ فقال هو سعيد بن زيد) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 110. فهؤلاء العشرة المذكورين، مقطوع بدخولهم الجنة لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في العقيدة الطحاوية: [وأن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة، نشهد لهم بالجنة، على ما شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله الحق، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، علي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة ابن الجراح، وهو أمين هذه الأمة، رضي الله عنهم أجمعين] ص 728، ثم ذكر شارح الطحاوية بعض فضائلهم فقال: [ ... وفي صحيح مسلم، عن قيس بن أبي حازم، قال: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد

قد شلت. وفيه أيضاً عن أبي عثمان النهدي، قال: لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد. وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله قال: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير، ثم ندبهم، فانتدب الزبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكل نبي حواري، وحواري الزبير، وفيهما أيضاً عن الزبير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: فداك أبي وأمي ... وقد اتفق أهل السنة على تعظيم هؤلاء العشرة وتقديمهم، لما اشتهر من فضائلهم ومناقبهم ... والرافضة يتبرؤون من جمهور هؤلاء، بل يتبرؤون من سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا من نفرٍ قليل، نحو بضعة عشر نفراً!!] شرح العقيدة الطحاوية ص 729 - 734. وأما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه والذي تنقصه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد فهو صحابي ابن صحابي ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو متجاهل، وهو صحابي جليل، بل أطلق عليه العلماء أنه خال المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين. فهو خال المؤمنين لأن أخته حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أمهات المؤمنين وهو من كتبة الوحي فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وقد عدد الحافظ ابن كثير كتاب الوحي وذكر منهم معاوية. وكذلك فإن معاوية رضي الله عنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 163 حديثاً وخصص له الإمام أحمد في كتابه مسنداً خاصاً وروى له أكثر من مائة حديث. وكذا أبو يعلى الموصلي في مسنده والحميدي في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم.

قال الإمام النووي: [وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنهم] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 530. وقد وردت أحاديث نبوية في فضل معاوية رضي الله عنه منها عن عبد الرحمن بن أبي عميرة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية: (اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به) رواه الترمذي وقال العلامة الألباني: صحيح كما في السلسلة الصحيحة حديث رقم 1969، وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر هذا فإن حب الصحابة الكرام جزء من عقيدة المسلم، عقيدة أهل السنة والجماعة، قال الإمام الطحاوي: [ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان] العقيدة الطحاوية ص 689. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم] شرح العقيدة الواسطية ص142. وقد قامت على صحة هذه العقيدة ألا وهي حب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وحرمة سبهم وحرمة بغضهم، عشرات الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانعقد إجماع الصحابة على ذلك. فمن الآيات الكريمات الدالة على ذلك وفيها ثناء الله على الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}

سورة التوبة الآية 100. وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} سورة آل عمران الآية 110. وقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} سورة الفتح الآية 29. وقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} سورة الحديد الآية 10. وأما الأحاديث النبوية فكثيرة منها عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري ومسلم. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) رواه البخاري ومسلم. ونص أهل العلم على وجوب احترام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأنه يحرم الطعن فيهم أو سبهم أو الانتقاص منهم. قال أبو زرعة الرازي: [إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق] ولتكن ممن يقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} سورة الحشر الآية10] صب العذاب على من سب الأصحاب للألوسي ص391 - 392. وقال الإمام النووي: [واعلم أن سبَّ الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك

الحروب متأولون ... ] ثم نقل عن القاضي عياض قوله: [وسب أحدهم -أي الصحابة- من المعاصي الكبائر] شرح النووي على صحيح مسلم5/ 72 - 73. وقال الإمام الآجري: [ومن سبهم فقد سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، استحق اللعنة من الله عز وجل ومن الملائكة ومن الناس أجمعين]. وقال أيضاً: [لقد خاب وخسر من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه خالف الله ورسوله ولحقته اللعنة من الله عز وجل ومن رسوله ومن الملائكة ومن جميع المؤمنين ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً لا فريضة ولا تطوعاً وهو ذليل في الدنيا وضيع القدر كثر الله بهم القبور وأخلى منهم الدور] من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاوية ص15. وخلاصة الأمر أن ما قاله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في حق طلحة والزبير ومعاوية، يعتبر تعدياً على دين الإسلام، وتكذيباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الموقف منه إنما هو تجسيد لموقف الشيعة من الصحابة، ولعل في موقف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هذا تنبيهاً لبعض مشايخ المسلمين السنة الذين يقولون إنه لا فرق بين الشيعة والسنة ما دام الجميع يدينون بدين الإسلام وأنه لا يوجد خلاف كبير بين الشيعة وبين أهل السنة والجماعة إلا في الفروع الفقهية، ويظنون أن الشيعة ما هي إلا مذهب كأحد المذاهب الأربعة ولا يعرفون عن معتقدات الشيعة إلا شيئاً يسيراً. وهذه الظنون من الأخطاء الفاحشة، وعلى أهل السنة أن يحذروا من خطورة هذه الأفكار، والواجب عليهم أن ينتبهوا للمد الشيعي في بلادهم، وينبغي أن يعلم أن من سب الصحابة ومنهم طلحة والزبير ومعاوية، فأمه هاوية. - - -

أكذوبة التقارب السني الشيعي

أكذوبة التقارب السني الشيعي يقول السائل: ما قولكم في التحذير الذي صدر عن الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من الغزو المذهبي الشيعي لمسلمي أهل السنة، وهل يمكن إنهاء الخلاف بين السنة والشيعة أو التقارب بينهما، أفيدونا؟ الجواب: كثير من المسلمين في العالم الإسلامي وخاصة في بلادنا، لا يعرفون عن معتقدات الشيعة إلا شيئاً يسيراً، بل إنهم يظنون أن الشيعة ما هي إلا مذهب كأحد المذاهب الأربعة، وأنه لا يوجد خلاف كبير بين الشيعة وبين أهل السنة والجماعة، إلا في الفروع الفقهية، ولا شك أن هذا ظن خاطئ، سببه عدم الاطلاع على عقائد الشيعة بشكل صحيح، ومن مصادرهم المعتمدة أو حسن ظن بهم وهو في غير محله. وكثيرون يزعمون أنه لا فرق بين الشيعة والسنة ما دام الجميع يدينون بدين الإسلام، وقد تعالت أصوات كثيرة - بعدما قاله الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مؤخراً عن المد الشيعي والتمدد على حساب أهل السنة- ونادت تلك الأصوات بعدم فتح النقاش فيما عليه الشيعة من أفكار بحجة المحافظة على وحدة المسلمين وأن الواجب الشرعي يحتم الوقوف صفاً واحداً، سنةً وشيعةً أمام أعداء الإسلام، ولا بد من التقريب بين مذهب أهل السنة وبين الشيعة إلى غير ذلك من الدعوات. وتحذير الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من الغزو الشيعي هو عين الحق والصواب وإن جاء متأخراً، فمن المعلوم أن الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي كان من أنصار التقريب بين السنة والشيعة، وطالما دعا إلى ذلك قولاً وعملاً، ولكنه انتبه أخيراً إلى أن دعوات التقريب إنما هي دعوات فارغة، وأن التقريب الذي يريده الشيعة هو تقريب أهل السنة للمذهب الشيعي وتخليهم عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد سبق أن وصل لمثل

هذه النتيجة الدكتور مصطفى السباعي رحمة الله عليه حيث قال: [فتحت داراً للتقريب بين السنة والشيعة في القاهرة منذ أربعة عقود، لكنهم رفضوا أن تفتح دور مماثلة في مراكزهم العلمية كالنجف وقم وغيرها لأنهم يريدون تقريبنا إلى دينهم] السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي. ومما لاشك فيه أن الخلاف بين أهل السنة والشيعة خلاف في العقائد والأصول وليس خلافاً في الفروع، فعند الشيعة الكثير من العقائد الباطلة، ويعرف ذلك من يقرأ في مصادرهم المعتمدة، وإن حاول بعض مراجعهم الدينية المعاصرون إخفاء ذلك أو عدم الحديث عنه، وهم يفعلون ذلك انطلاقاً من مبدأ التُقْيَة وهي عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر بغير ما يبطنون ويقولون: (من لا تُقيَة له لا دين له). يقول الشيخ محب الدين الخطيب: [وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه التُقْيَة فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب وهم لا يريدون ذلك ولا يرضون به، ولا يعلمون له، إلا على أن يبقى من الطرف الواحد مع بقاء الطرف الآخر في عزلته لا يتزحزح عنها قيد شعرة] الخطوط العريضة ص11. ولا شك لديَّ أن أغلب شيعة اليوم ما هم إلا صورة طبق الأصل عن كتبهم السوداء وما فيها من عقائد باطلة، وهذا ظاهر وواضح وضوح الشمس في مقالاتهم ودروسهم على قنواتهم الفضائية وعلى مواقعهم على شبكة الإنترنت.

وإني لآسفٌ على بعض المسلمين من أهل السنة من المشايخ والكتاب والدعاة الذين يضعون رؤؤسهم في الرمال ويتباكون على وحدة المسلمين ويتعامون عن الحقائق الناصعة التي تبين أباطيل الشيعة وأكاذيبهم وافتراءاتهم على دين الله، وكأني بهؤلاء ما اطلعوا على المصادر المعتمدة عند الشيعة التي تذكر بما لا يدع مجالاً للشك هذه العقائد الباطلة التي يعتقد بها الشيعة قديماً وحديثاً، كطعنهم في القرآن الكريم وزعمهم بأنه ناقص حيث ألف أحد كبار علماء النجف، وهو الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي كتاباً سماه: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة ومجتهديهم في مختلف العصور زعموا فيها بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه، وقد طبع كتاب الطبرسي هذا في إيران. ويقول المفسر الشيعي محسن الكاشاني: [إنّ القرآن الذي بين أيدينا ليس بتمامه كما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغيرٌ محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة] تفسير الصافي، المقدمة- محسن الكاشاني. انظر الخطوط العريضة ص 14، الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة ص 34. وأين هؤلاء من قول الله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} سورة الحجر الآية 90. [كما أن الشيعة يردون كتب السنة جملةً وتفصيلاً فلا يعتبرونها ولا يُقِرّونها، وترتب على ردِّهم للسنة أن يوجدوا بدائل وهذه البدائل هي أقوال الأئمة، لذلك لا تجد لهم في كتبهم من الأحاديث ما هو مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم إلا نادراً بالذات كتب الفقه الشيعي، لا تجد فيها عن فلان عن فلان عن النبي صلى الله وسلم، فكل الروايات تسند عن أئمتهم. فالسنة عندهم ليست سنة النبي عليه السلام فحسب؛ بل سنة الأئمة الاثني عشر، وأقوال

هؤلاء الأئمة كأقوال الله ورسوله، ولهذا اعترفوا بأن هذا مما ألحقته الشيعة بالسنة المطهرة، قالوا: (وألحق الشيعة الإمامية كلّ ما يصدر عن أئمتهم الاثني عشر من قول أو فعل أو تقرير بالسنة الشريفة) محمد تقي الحكيم، سنة أهل البيت ص9] الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة ص 87 - 88. كما أنهم لا يقبلون روايات السنة النبوية التي اعتمدها أهل السنة فعندهم كتاب الكافي للكليني وهو بمثابة صحيح البخاري عندنا، وهو كتاب مملوءٌ بالأكاذيب. كما أنهم يلعنون أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ويلعنون عدداً كبيراً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطلقون على أبي بكر وعمر (الجبت والطاغوت) كما جاء في أكبر وأكمل كتبهم في الجرح والتعديل، وهو كتاب (تنقيح المقال في أحوال الرجال 1/ 207 لشيخ الطائفة الجعفرية العلامة الثاني آية الله المامقاني. وجاء في تفسير القمي عند قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} سورة النحل الآية 90، قالوا: الفحشاء أبو بكر، والمنكر عمر، والبغي عثمان. وزعم الشيعة أن مهديهم عندما يرجع فإنه يخرج أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من قبريهما، ويصلبهما ويحرقهما. الأنوار النعمانية 2/ 85. وعند الشيعة دعاء يسمونه (دعاء صنمي قريش) ويعنون بهم أبا بكر وعمر، ونص دعائهم: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما ... الخ) ويريدون بابنتيهما أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة رضي الله عنهما، وهذا الدعاء في كتابهم (مفتاح الجنان) ص114. كما أنهم يعظمون قاتل عمر بن الخطاب ويسمونه (بابا شجاع الدين) وهو أبو لؤلؤة المجوسي، ويحتفلون بيوم مقتل عمر رضي الله عنه، وقد قال القمي الأحوص من مشايخ الشيعة المعروفين: إن يوم قتل عمر بن

الخطاب هو يوم العيد الأكبر ويوم المفاخرة ويوم التبجيل ويوم الزكاة العظمى ويوم البركة ويوم التسلية. ولذا فإنهم أقاموا له نصباً تذكارياً في إيران يعظمونه ويقدسونه. كما أن الشيعة يكفرون كل من لا يؤمن بولاية الأئمة الاثني عشر، يقول رئيس محدثيهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق في رسالة الاعتقادات ص103 ط مركز نشر الكتاب إيران ص1370ما نصه: [واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده عليهم السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله]. وعقائد الشيعة الباطلة كثيرة جداً لا يتسع المقام لذكرها. وأخيراً أذكرُ للمتباكين على الوحدة مع الشيعة والذين يعتبرون أنه لا فرق بين سني وشيعي، (عقيدة الطينة) التي يعتقد بها الشيعة، وملخص هذه العقيدة: [أن الشيعي خلق من طينة خاصة والسني خلق من طينة أخرى، وجرى المزج بين الطينتين بوجه معين، فما في الشيعي من معاصي وجرائم هو من تأثره بطينة السني، وما في السني من صلاح وأمانة هو بسبب تأثره بطينة الشيعي، فإذا كان يوم القيامة فإنّ سيئات وموبقات الشيعة توضع على أهل السنة، وحسنات أهل السنة تعطى للشيعة]. أصول مذهب الشيعة الإمامية 2/ 956. واسمعوا يا دعاة التقريب ما قاله الدكتور عبد المنعم النمر في كتابه المؤامرة على الكعبة من القرامطة إلى الخميني ص 118: [ولكننا نحن العرب السنيين لا نفطن إلى هذا، بل ظننا أن السنين الطويلة قد تكفلت مع الإسلام بمحوه وإزالته، فلم يخطر لنا على بال، فشاركنا الإيرانيين فرحهم واعتقدنا أن

الخميني سيتجاوز أو ينسى مثلنا، كل هذه المسائل التاريخية، ويؤدي دوره كزعيم إسلامي لأمة إسلامية يقود الصحوة الإسلامية منها، وذلك لصالح الإسلام والمسلمين جميعاً، لا فرق بين فارسي وعربي، ولا بين شيعي وسني، ولكن أظهرت الأحداث بعد ذلك أننا كنا غارقين في أحلام وردية، أو في بحر آمالنا، مما لا يزال بعض شبابنا ورجالنا غارقين فيها حتى الآن برغم الأحداث المزعجة]. ولا بد من التأكيد على أن كثيراً من دعاة التقريب بين السنة والشيعة قد أُتوا من عدم اطلاعهم على أمهات كتب الشيعة المعتمدة، وكذا عدم معرفتهم بخيانات الشيعة على مر العصور والأيام وأشهرها الدور الخياني للوزير ابن العلقمي في سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية، انظر كتاب خيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية ص 81. وخلاصة الأمر أن تحذير الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من الغزو المذهبي الشيعي لمسلمي أهل السنة تحذير صحيح، ولكن وقته متأخر جداً، ودعوات التقريب بين السنة والشيعة دعوات فارغة من المضمون، لأن التقريب الذي يريده الشيعة هو إدخال أهل السنة في المذهب الشيعي، ويجب على أهل العلم والدعاة أن يكونوا على بينة من عقائد الشيعة، وعليهم أن يوقنوا بأن شيعة اليوم ما هم إلا نسخة طبق الأصل عن شيعة الأمس، كما أن عليهم أن لا يخلطوا بين مواقف بعض الشيعة السياسية وبين عقائدهم الباطلة. ومن زعم أنه لا فرق بين سني وشيعي فهو واهمٌ غافل. - - -

الحديث النبوي وعلومه

الحديث النبوي وعلومه

تداول الأحاديث المكذوبة والقصص الغريبة على الإنترنت

تداول الأحاديث المكذوبة والقصص الغريبة على الإنترنت يقول السائل: يردني كثير من الرسائل على بريدي الإلكتروني - الإيميل - وفيها أحاديث منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص غريبة، ويُطلب مني إرسالها إلى أكبر عددٍ من الناس، لأنها من باب الدعوة إلى الخير كما يقولون، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: ما ذكره السائل من نشر أحاديث منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص غريبة وخرافات وخزعبلات، أصبح آفة خطيرة، ومنتشرة بشكل كبير على الشبكة العنكبوتية - الإنترنت - وكذلك على شبكات الهاتف المحمول بالإضافة للبريد الإلكتروني - الإيميل -، وقد زعم هؤلاء أن مَنْ ينشر مثل هذه الأخبار فله كذا وكذا من الحسنات، وأنه ينال شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنه يصيبه خير كثير أو يسمع أخباراً تسره، وأن من لم ينشرها سيصيبه كذا وكذا إلى غير ذلك من الترهات، ولا شك أن كل هذا من أعظم الكذب والدجل بلا خجل، لأن الأجر والثواب لا يعلمه إلا الله عز وجل، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنال بمجرد نشر هذه الأخبار المكذوبة، وكذلك ما ورد من الوعيد الشديد لمن لم ينشرها وأنه يحرم من رحمة الله، فهو كذبٌ على الله وافتراءٌ عظيم. قال العلامة اللكنوي مبيناً أصناف الكذابين على الرسول صلى الله عليه وسلم: [ ... الثالث قومٌ كانوا يضعون الأحاديث في الترغيب والترهيب، ليحثوا الناس على الخير، ويزجروهم عن الشر، وأكثر أحاديث صلوات الأيام والليالي من وضع هؤلاء، ومن هؤلاء من كان يظن أن هذا جائز في الشرع لأنه كذب للنبي صلى الله عليه وسلم لا عليه ... ] الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص 15.

ويجب أن يُعلم أن نشر الأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم دون التأكد من ثبوتها، يعتبر من باب الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أمرٌ جد خطير، لأن هؤلاء قد يدخلون في دائرة الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر وعاقبته وخيمة، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند مسلم (إن كذباً علي َّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). قال الحافظ ابن حبان: (فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته)، ثم روى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)، وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن، الإحسان 1/ 210، وقال العلامة الألباني: وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه، السلسلة الضعيفة 1/ 12. ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حدث حديثاً وهو يُرى - بضم الياء ومعناه يظن - أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم في مقدمة صحيحه. وفي رواية عند ابن ماجة وغيره (من حدث عني حديثاً .... الخ). وقال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم. فهذه الأحاديث وغيرها تدل على وجوب التثبت من الأحاديث قبل روايتها ونشرها بين الناس، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يميزون بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث

وينشرونها فيما بينهم، فيسهم هؤلاء في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. وقد نص أهل العلم على تحريم رواية الأحاديث المكذوبة، قال الحافظ العراقي في ألفيته: شرُ الحديث الخبر الموضوعُ ... الكذبُ المختَلقُ المصنوعُ وكيف كأن لم يجيزوا ... ذكره لعالم ما لم يبين أمره وقال الإمام النووي: [باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وغيره من الأحاديث، ثم ذكر بعد ذلك: [باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها] واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في آخر الزمان ناسٌ من أمتي يُحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم) رواه مسلم. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 62 - 70. وينبغي أن يُعلمَ أن في الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغني ويكفي عن الأحاديث المكذوبة. ولا يقولن قائل إنه ينشر هذه الأخبار من باب نشر الخير والدعوة إليه، فإن هذا الكلام من الباطل، فالنية الحسنة لا تكفي لصلاح العمل، وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه عنه الدارمي/234. وهنا لا بد من توضيح قاعدة هامة في العمل الذي يجوز للمسلم أن يعمله وهي ما قرره العلماء من أن للوسائل أحكام المقاصد، قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام 1/ 46. فوسيلة المحرم محرمة، أي إن ما أدى إلى الحرام فهو حرام، والكذب

على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك في تحريمه، فكذلك نشر الأحاديث المكذوبة محرم. إذا تقرر هذا فإن كثيراً من الأحاديث الواهية والمكذوبة والقصص والخرافات أخذت طريقها للنشر على الشبكة العنكبوتية - الإنترنت - وعلى شبكات الهاتف المحمول بالإضافة للبريد الإلكتروني - الإيميل - ومطبوعات مختلفة، وأذكر هنا أمثلة منها ليحذرها القراء، فمن هذه المكذوبات: الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ أحمد، حديث عشرةٌ تمنع عشرة، السور المنجيات، حديث أبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث محاورة إبليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث الأعرابي الذي أبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل جبريل من السماء مرتين، حديث يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي قراءة القرآن كله، التصدق بأربعة آلاف درهم، زيارة الكعبة، حفظ مكانك بالجنة، إرضاء الخصوم، قصة يا ابن آدم أتدري ماذا يقول ملك الموت وأنت نائم على خشبة الغسل؟، قصة المرأة المتكلمة بالقرآن، حديث دعاء جبريل عليه السلام، حديث من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة، حديث يا ابن ادم لا تخف من ذي سلطان، حديث: يا ابن آدم جعلتك في بطن أمك، قصة أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية، حديث موت الملائكة، حديث دعاء الجوشن، حديث دعاء كنز العرش، حديث استئذان ملك الموت من النبي صلى الله عليه وسلم ليقبض روحه، حديث مجيء جبريل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ساعة ما كان يأتيه فيها متغير اللون فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: (مالي أراك متغير اللون؟، فقال: يا محمد جئتك في الساعة التي أمر اللَّه بمنافخ النار أن تنفخ فيها، حديث نزول جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في

أحسن صورة لم ينزل في مثلها قط؛ ضاحكا مستبشراً، حديث الأعرابي في الطواف، بينما النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف، إذ سمع أعرابياً يقول: يا كريم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلفه: يا كريم، فمضى الأعرابي إلى جهة الميزاب، وقال: يا كريم، وحديث من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة، وغير ذلك من الأخبار المكذوبة، ويمكن لمن أراد الاستزادة من ذلك أن يرجع إلى الصفحة الإلكترونية التالية: www.islam2all.com ومن فضل الله عز وجل أن صار في زماننا هذا من السهولة بمكان التأكد من صحة أي حديث منسوب للنبي صلى الله عليه ومسلم، وذلك بمراجعة كتب أهل العلم المتخصصة في ذلك، وهي كثيرة ومنشورة طباعة، وموجودة على شبكة الإنترنت، كما أنه يوجد عدد كبير من المواقع الإلكترونية بإشراف أهل العلم، والتي تقوم بتخريج الأحاديث النبوية وتبين الحكم عليها، وهذه بعض عناوينها: جامع الحديث النبوي: www.sonnaonline.com الحديث الشريف: www.hadith.al-islam.com كتب الحديث للألباني: www.arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp الموسوعة الشاملة: www.islamport.com الحديث الشريف - الشبكةالإسلامية www.islamweb.net الدرر السنية. www.dorar.net ملتقى أهل الحديث: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/index.php شبكة السنة: www.alssunnah.com

هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم

وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً نشر الأحاديث بأي وسيلة من وسائل النشر قبل التأكد من ثبوتها، ويحرم ترويج الأحاديث المكذوبة والموضوعة، وكذا القصص والخرافات ونحوها. - - - هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم يقول السائل: سمعت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم)، فهل هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أفيدونا؟ الجواب: هذا النص المذكور ليس بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو أثر منقول عن بعض السلف، وقد بين العلامة الألباني أنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو ضعيفٌ جداً، ثم ذكر أنه رواه تمام وابن عدي والسهمي والهروي والديلمي، ثم ذكر أن الصحيح وقفه على محمد بن سيرين، وورد عن زيد بن أسلم والحسن البصري والضحاك بن مزاحم وإبراهيم النخعي موقوفاً عليهم، وروي عن ابن عباس وأبي هريرة موقوفاً عليهما بأسانيد ضعيفة. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 5/ 503. وقد رواه الإمام مسلم عن محمد بن سيرين من أئمة التابعين في مقدمة صحيحه 1/ 76. وهذا الأثر يبين أن العلم الشرعي من الدين، فلا بد للناس أن ينظروا في أحوال من يأخذون العلم عنهم، وفي زماننا هذا كثر المتسورون على العلم الشرعي ممن ليسوا أهلاً ليؤخذ العلم عنهم، وخاصة أن وسائل الظهور على الناس ومخاطبتهم قد كثرت وتنوعت كما في الفضائيات والإذاعات وشبكة الإنترنت والصحف والمجلات وغيرها.

ويضاف إلى ذلك أن بعض من ينتسب إلى العلم الشرعي يقفون مواقف الشبه والشك والريبة، وتصدر عنهم أمور مخالفة لشرع الله عز وجل وهم يزعمون أنهم يتكلمون باسم الدين، وقد عجبت من أحدهم يحتفل بعيد ميلاده!؟ ونُشرت صورتُه وهو يقطع الكعكة، في أحد النوادي المشبوهة (الليونز)، وحوله مجموعة من النساء الكاسيات العاريات، وغنوا له هابي بيرث داي تو يو ... ، ثم يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتفل بعيد ميلاده!! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} سورة الكهف الآية 5. ولا شك أن هذا من الأمراض التي تصيب المشايخ في مقتل، وهذا يُعد من الأهواء التي تصيب هؤلاء المشايخ المتصدرين، كحب المال والجاه والشهرة وحب الظهور الذي يقصم الظهور، وكمرض العلم وعدم العمل، ومرض اتباع أهل البدع والأهواء، وكمداهنة الكفرة والفسقة، فهؤلاء الذين يحملون العلم الشرعي ما صانوه حق صيانته وينطبق عليهم قول القاضي الجرجاني: ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوسِ لعُظِّما! ولكنْ أهانوه فهان ودنّسوا ... مُحيَّاهُ بالأطماعِ حتى تجهَّما! فكل هؤلاء وأشباههم لا يؤخذ عنهم العلم الشرعي، وأسوق هنا طائفة من الأحاديث ومن أقوال السلف فيمن يؤخذ عنهم العلم الشرعي ومن لا يؤخذ عنهم حتى يكون المسلم على بينة من أمره: فعن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في آخر أمتي أناسٌ يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم) رواه مسلم. وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلون) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارمي، وقال الترمذي: حديث صحيح. وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 4/ 156. وقال الإمام القدوة يزيد بن هارون: [إن العالِم حُجَتُك بينك وبين الله تعالى، فانظر مَنْ تجعل حجتك بين يدي الله عز وجل] الفقيه والمتفقه 2/ 178. وروى الخطيب البغدادي عن إبراهيم النخعي- أحد أئمة التابعين- قال: (كان الرجل إذا أراد أن يأخذ عن الرجل، نظر في صلاته، وفي حاله، وفي سمته، ثم يأخذ عنه). ونقل الحافظ ابن عبد البر عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله قوله: [لا يُؤخذ العلم عن أربعة: سفيهٌ معلنٌ السفه، وصاحب هوى يدعو الناس إليه، ورجلٌ معروف بالكذب في أحاديث الناس، وإن كان لا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجلٌ له فضلٌ وصلاحٌ لا يعرف ما يحدث به] جامع بيان العلم وفضله.

وذكر الإمام ابن أبي حاتم هذا الأثر [دينك، دينك، إنما هو لحمك ودمك، فانظر عمن تأخذ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا]. وسئل عبد الله بن المبارك: [من الملوك؟ قال الزهاد. قالوا من السفلة؟ قال: الذين يأكلون بدينهم. قالوا: من سفلة السفلة؟ قال الذين يصلحون دنيا غيرهم بإفساد دينهم). وجعل الشيخ ابن مفلح الحنبلي المقدسي في كتابه (الآداب الشرعية) فصلاً بعنوان (صفات من يؤخذ عنهم الحديث والدين ومن لا يؤخذ عنهم)، وذكر فيه قول الإمام مالك لرجلٍ: [اطلب هذا الأمر أي -العلم- من عند أهله]، وقول عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: [لا يؤخذ العلم إلا عمن شُهدَ له بطلب العلم]. وقول الإمام أحمد: [يُكتب الحديثُ عن الناس كلهم إلا عن ثلاثة: صاحب هوى يدعو إليه، أو كذاب، أو رجل يغلط في الحديث فيرد عليه فلا يقبل]. وقول الإمام أبي حنيفة: [تكتب الآثار ممن كان عدلاً في هواه إلا الشيعة، فإن أصل عقيدتهم تضليل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أتى السلطان طائعاً حتى انقادت العامة له، فذاك لا ينبغي أن يكون من أئمة المسلمين]. وقول حرملة: [سمعت الشافعي يقول: ما في أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة - أي الشيعة -]. وقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن علمائهم وأمنائهم، فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا). [وقد نقل الخطيب البغدادي عن ابن قتيبة أنه سئل عن معنى هذا الأثر، فأجاب: يريد لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم

الأحداث، ثم يعلل هذا التفسير فيقول: لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب وحِدَّتُه وعجلته وسفهه، واستصحب التجربة والخبرة، فلا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزله الشيطان استزلال الحَدَث، مع السّن والوقار والجلال والهيبة، والحَدَث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أُمنت على الشيخ فإذا دخلت عليه وأفتى هلك وأهلك] شبكة الإنترنت. ثم ذكر الشيخ ابن مفلح الحنبلي المقدسي فصلاً آخر في سمت العلماء الذين يؤخذ عنهم الحديث والعلم وهديهم. وساق فيه طائفة من أقوال أهل العلم في ذلك. وقال الخطيب البغدادي في كتابه (الفقيه والمتفقه) [باب اختيار الفقهاء الذين يتعلم منهم، ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة، وعرف بالستر والصيانة] ثم ذكر عن سليمان موسى أنه قال: (لا تقرءوا القرآن على المصحفيين، ولا تأخذوا العلم من الصحفيين)، وقال ثور بن يزيد: (لا يفتي الناس الصحفيون)، وقال أبو زرعة: (لا يفتي الناس صُحفي، ولا يقرئهم مصحفي). ويقصد بالصُحفي من يأخذ علمه من الكتب بدون شيخ يُعلمه، والمصحفي من يُعلم الناس القرآن والتجويد والقراءات دون أن يتلقاها من أفواه القراء. قال الخطيب البغدادي: [الذي لا يأخذ العلم من أفواه العلماء لا يُسمى عالماً، ولا يُسمى الذي يقرأ من المصحف من غير سماعٍ من القارئ قارئاً، إنما يسمى مُصحفياً]. إذا تقرر هذا فإن العلم الشرعي لا يؤخذ عن كل من هب ودب، وإنما يؤخذ عن أهل العلم الصادقين، العاملين به، ويؤخذ من العلماء الربانيين، كما قال العلامة محمد بن صالح العثيمين: [فلا بد من معرفة من هم العلماء حقاً، هم الربانيون الذين يربون الناس على شريعة ربهم، حتى يتميز هؤلاء الربانيون

عمن تشبه بهم وليس منهم، يتشبه بهم في المظهر والمنظر والمقال والفعال، لكنه ليس منهم في النصيحة للخلق وإرادة الحق، فخيار ما عنده أن يلبس الحق بالباطل ويصوغه بعبارات مزخرفة، يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، بل هو البدع والضلالات الذي يظنه بعض الناس هو العلم والفقه وأن ما سواه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون] شرح كشف الشبهات عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن الأثر المذكور في السؤال وهو: (إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم)، لم يثبت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول محمد بن سيرين من التابعين، وقد نصح أهل العلم قديماً وحديثاً بالعمل بهذا الأثر، فيجب على المسلم عامة وطالب العلم خاصة أن ينظر عمن يأخذ دينه، فلا يأخذه إلا من العلماء العاملين الصادقين، الذين ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)، وهو حديث مشهور صححه الإمام أحمد وابن عبد البر وغيرهما. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا منهم. - - -

الدين المعاملة

الدين المعاملة يقول السائل: هل القول المشهور بين الناس (الدين المعاملة) حديث نبوي، أفيدونا؟ الجواب: جملة (الدين المعاملة) ليست حديثاً نبوياً، وإنما هي عبارة متداولة على ألسنة الناس، وذكر العلامة الألباني هذه العبارة في مقدمة المجلد الخامس من سلسة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأفاد بأنه لا أصل لها في السنة النبوية، سلسلة الأحاديث الضعيفة 5/ 11. ومع أن عبارة (الدين المعاملة) ليست حديثاً نبوياً فهي صحيحة المعنى، حيث إن الدين الإسلامي لا يقتصر على الأعمال الظاهرة كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، بل لا بد أن يكون لهذه الأعمال آثار طيبة تظهر في سلوك المسلم في جوانب حياته كلها، يقول الله تعالى في شأن الصلاة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، فالصلاة ليست مجرد حركات تؤدى، وإنما لا بد أن تنهى المصلي عن الفواحش والمنكرات. ويقول الله تعالى في شأن الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}. فالزكاة ليست مجرد مبلغ من المال يدفعه الإنسان كما يدفع الضرائب، بل هي وسيلة لتطهير النفس وتزكيتها، ويقول الله عز وجل في شأن الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (ولعل) في لغة العرب تفيد الترجي، فالذي يرجى من الصوم تحقق التقوى، أي أن الصوم سبب من أسباب التقوى. وبناء على ذلك فليس الصوم هو مجرد الامتناع عن المفطرات الثلاث الطعام والشراب والشهوة فحسب، بل لا بد من صوم الجوارح أيضاً، فاليد لا بد أن تكف عن أذى

الناس، والعين لا بد أن تكف عن النظر إلى المحرمات، والأذن لا بد أن تكف عن السماع للمحرمات، واللسان لا بد أن يكف عن المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها، والرِجل لا بد أن تكف عن المحرمات فلا تمشي إلى ما حرم الله. وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري. وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّك أحدٌ أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم) رواه ابن خزيمة والحاكم وصححه العلامة الألباني. وقال تعالى في شأن الحج: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} فالحج تربية للمسلم على التطهر والتخلص من سوء الأخلاق والبعد عن شهوات النفس، وهذا الكلام ينطبق على أحكام الإسلام الأخرى التي يجب أن تنعكس إيجاباً في سلوكنا وتصرفاتنا، ولكن إذا نظرنا في واقع كثيرٍ من المسلمين اليوم لوجدنا هذه المعاني مفقودة أو تكاد، وأذكر في هذا المقام أربعة أمثلة فقط على الانفصال ما بين العمل وأثره المرتجى شرعاً: المثال الأول: تعامل كثير من الناس في الطريق والشارع العام، فقد جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس على الطرقات. فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى وردُّ السلام وأمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر) رواه البخاري. وقد دلت النصوص على أن إزالة الأذى من طرقات الناس تعتبر صدقةً، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي

صلى الله عليه وسلم قال: (تميط الأذى عن الطريق صدقة) رواه البخاري. وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر له) رواه البخاري ومسلم. وإزالة الأذى من طرقات الناس إحدى مراتب الإيمان كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم. وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: (قلت يا نبي الله علمني شيئاً أنتفع به قال: اعزل الأذى عن طريق المسلمين) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق سواء كان الأذى شجرة تؤذي أو غصن شوكة أو حجراً يعثر به أو قذراً أو جيفة أو غير ذلك] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 131. وما ذكره الإمام النووي من أنواع الأذى المادية التي كانت معروفة في زمانه قد يكون يسيراً مع أنواع الأذى الموجودة في زماننا مثل التعدي على الطرق، وإساءة استخدامها وخاصة من السائقين، فمن المعروف أن القيادة فنٌ وذوقٌ وأخلاقٌ كما يقولون، وكثير من سائقي زماننا ليس عندهم فنٌ ولا ذوقٌ ولا أخلاق. المثال الثاني التعامل مع الجيران: وردت نصوص كثيرة في الإحسان إلى الجار وأذكر حديثاً واحداً فقط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) رواه البخاري. فهذا النهي الوارد في الحديث يعم كل أذىً فلا يجوز إلحاق الأذى بالجار سواء أكان الأذى مادياً أو

معنوياً. ولكن انظر إلى واقع تعامل كثيرٍ من الناس مع جيرانهم، فماذا ترى؟ الجواب لديك أيها القارئ!! المثال الثالث التعامل داخل الأسرة، فمن المعلوم أن الحياة الزوجية في الإسلام تقوم على المودة والمحبة والتفاهم بين الزوجين قال تعالى: {وَمِنْءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الروم الآية 21. إن الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة وتعني عطف قلوبهم بعضهم على بعض وقال بعض أهل التفسير: المودة المحبة والرحمة الشفقة وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها سوء] تفسير القرطبي 14/ 17. ويجب على كل من الزوجين أن يعرف ما له وما عليه وقد بين الإسلام واجبات الزوجين وحقوقهما بياناً شاملاً فقد وردت نصوص كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تبين حقوق الزوجة على زوجها يقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} سورة البقرة:227. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً) فمن حقوق الزوجة على زوجها أن يعاملها معاملة كريمة فيها اللطف والرحمة وحسن المعاملة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَاءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} وقد حثّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة الزوجة في أحاديث

كثيرة وقد بوب على بعضها الإمام البخاري بتراجم مناسبة فقال: (باب الوصاة بالنساء)، وقال الإمام البخاري أيضاً: (باب المداراة مع النساء)، وقال الإمام البخاري أيضاً: (باب حسن المعاشرة مع الأهل). ومن هذه الأحاديث حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وقد ورد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) رواه أبو داود، ومعنى لا تقبح أي لا تقل قبحك الله. وهو حديث حسن صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أب داود 2/ 402، وينبغي أن يعلم أنه يحرم على الزوج أن يسب زوجته وأهلها أو يلعنها فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه. هذه النصوص غيض من فيض، ولكن كيف هو تعامل الزوج مع زوجته في الأسرة اليوم؟ تجد سوء المعاملة، وتجد السب والشتم، وتجد الضرب والأذى المادي والمعنوي!! وليس الأمر مقصوراً على الزوج، بل تجد سوء المعاملة أيضاً من الزوجة فتسيء إلى زوجها وأولادها، فتلعن المرأة زوجها وأولادها،

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه. المثال الرابع في التعامل في الأسواق، تجد بعض التجار يبيعون المواد الفاسدة والمنتهية الصلاحية. ويتلاعبون في الأوزان ويسوقون البضاعة الرديئة، ويبيعون المواد الضارة بالصحة ويغشون الناس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم. والأمثلة أكثر من أن تعد. وخلاصة الأمر أن عبارة (الدين المعاملة) ليست حديثاً نبوياً، ولكنها عبارة صحيحة المعنى، ولا بد للمسلم أن يقف مع نفسه وقفة مراجعة صادقة، ولينظر في سلوكه وتصرفاته وتعاملاته مع الناس، هل هي منضبطة بضوابط الشرع الحنيف؟ وهل يجد فيها الآثار الطيبة لعباداته؟ فإن كان الأمر كذلك فليحمد الله عز وجل، وإن لم تكن، فلا بد أن يعيد حساباته ويراجع نفسه، حتى لا تذهب أعماله أدراج الرياح، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رب صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائمٍ - مصلٍ- ليس له من قيامه إلا السهر) رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم، وصححه العلامة الألباني. - - -

حديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها)

حديث (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها) يقول السائل: سمعت على إحدى الفضائيات شخصاً يذكر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها) ويحتج به على تقديم علي رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فهل هذا الحديث ثابت، أفيدونا؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن الشيعة هم أكثر الفرق الإسلامية كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قرر ذلك جماهير أهل العلم من المحدثين والنقاد والفقهاء، فقد كذب الشيعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم آلاف الأحاديث التي تؤيد مواقفهم في مختلف المجالات، ومن ضمن ذلك الأحاديث المكذوبة التي وضعوها في فضائل علي رضي الله عنه خاصة وآل البيت عامة، وكذبهم معروف ومشهور عند أهل العلم، فقد سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن الرافضة فقال: [لا تكلمهم ولا تروِ عنهم فإنهم يكذبون] منهاج السنة 1/ 37. وقال الإمام الشافعي: [ما رأيت في أهل الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة] منهاج السنة 1/ 39، وقال شريك بن عبد الله القاضي: [احمل عن كل من لقيت إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث، ويتخذونه ديناً] منهاج السنة 1/ 38. وقال حماد بن سلمة: [حدثني شيخ لهم - يعني الرافضة - قال: كنَّا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئاً جعلناه حديثاً] السنة ومكانتها في التشريع للدكتور مصطفى السباعي ص 79. وقال يزيد بن هارون: [يكتب عن كل مبتدع إلا الرافضة، فإنهم يكذبون] المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص 22. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وقد رأينا في كتبهم - كتب الشيعة الرافضة - من الكذب والافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وقرابته، أكثر

مما رأينا من الكذب في كتب أهل الكتاب من التوراة والإنجيل] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28/ 481 - 482. وسبب ما قرره أهل العلم واتفقوا عليه من أن الشيعة أكذب الفرق هو أن أصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد، وتعمد الكذب فيهم كثير، وهم يقرون بذلك، حيث يقولون ديننا التقية، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه، ويقولون: (من لا تقية له لا دين له)، وهذا هو الكذب والنفاق، ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة. انظر مجموع مؤلفات عقائد الرافضة والرد عليها على موقع الشاملة على شبكة الإنترنت. إذا تقرر هذا فإن الحديث المذكور (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها)، حديثٌ باطلٌ مردودٌ سنداً ومتناً، وقد تكلم عليه العلماء قديماً وحديثاً، فقد حكم عددٌ كبيرٌ من أهل العلم على هذا الحديث بأنه مكذوب موضوع ومنهم: يحيى بن معين، والإمام البخاري والترمذي والدارقطني وابن طاهر المقدسي وابن الجوزي والنووي وابن دقيق العيد وابن تيمية والذهبي وعبد الرحمن بن علي الأثري الشافعي ومحمد بن السيد درويش الحوت والمعلمي اليماني والعلامة الألباني وغيرهم كثير. وقد فصَّل العلامة الألباني الكلام على هذا الحديث - بعد أن حكم عليه بأنه موضوع أي مكذوب - فقال: [أخرجه ابن جرير الطبري في (تهذيب الآثار) كما يأتي، والطبراني في (المعجم الكبير) (3/ 108/1)، والحاكم (3/ 126)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (11/ 48)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (12/ 159/2) من طريق أبي الصلت عبد السلام بن صالح العروي: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً. وقال ابن جرير والحاكم: (صحيح الإسناد). وردَّه الذهبي بقوله: (بل موضوع). ثم قال الحاكم: (وأبو الصلت ثقة مأمون). فتعقبه الذهبي

بقوله: (قلت: لا والله، لا ثقة ولا مأمون). وقال في كتابه (الضعفاء والمتروكين): [اتهمه بالكذب غيرُ واحدٍ، قال أبو زرعة: لم يكن بثقة. وقال ابن عدي: متهم. وقال غيره: رافضي]. وقال الحافظ في (التقريب): [صدوق، له مناكير، وكان يتشيع، وأفرط العقيلي فقال: كذاب] ... وقد روي الحديث عن علي أيضاً، وجابر، وأنس بن مالك. 1. أما حديث علي؛ فأخرجه الترمذي واستغربه، وقد بينت علته في (تخريج المشكاة) (6087). 2. وأما حديث جابر، فيرويه أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني: حدثنا عبد الرزاق: حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وهو آخذٌ بيد علي يقول: (هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، - يمد بها صوته - أنا مدينة العلم ... ) أخرجه الحاكم (3/ 127 و 129) مفرقاً، والخطيب (2/ 377). وقال الحاكم: إسناده صحيح! وردَّه الذهبي بقوله: قلت: العجب من الحاكم وجرأته في تصحيح هذا وأمثاله من البواطيل، وأحمد هذا دجال كذاب ... وجملة القول؛ أن حديث الترجمة ليس في أسانيده ما تقوم به الحجة، بل كلها ضعيفة، وبعضها أشد ضعفاً من بعض ... ] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 6/ 519 - 530. وقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية الحديث من حيث المتن، لأن متنه باطل شرعاً، ومخالف لما هو مقرر شرعاً فقال: [وأما حديث مدينة العلم فأضعف وأوهى ولهذا إنما يُعَدُ في الموضوعات المكذوبات، وإن كان الترمذي قد رواه، ولهذا ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وبين أنه موضوع من سائر طرقه،

والكذب يُعرف من نفس متنه لا يحتاج إلى النظر في إسناده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينة العلم لم يكن لهذه المدينة إلا باب واحد، ولا يجوز أن يكون المبلغ عنه واحداً، بل يجب أن يكون المبلغ عنه أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب، ورواية الواحد لا تفيد العلم إلا مع قرائن، وتلك القرائن إما أن تكون منتفية، وإما أن تكون خفية عن كثير من الناس أو أكثرهم، فلا يحصل لهم العلم بالقرآن والسنة المتواترة، بخلاف النقل المتواتر الذي يحصل به العلم للخاص والعام. وهذا الحديث إنما افتراه زنديق أو جاهل، ظنه مدحاً وهو مطرق الزنادقة إلى القدح في علم الدين إذا لم يبلغه إلا واحد من الصحابة، ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر، فإن جميع مدائن المسلمين بلغهم العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير طريق علي رضي الله عنه، أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهم ظاهر، وكذلك أهل الشام والبصرة، فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن علي رضي الله عنه إلا شيئاً قليلاً، وإنما كان غالب علمه في أهل الكوفة، ومع هذا فقد كانوا تعلموا القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان فضلاً عن خلافة علي، وكان أفقه أهل المدينة وأعلمهم تعلموا الدين في خلافة عمر، وقبل ذلك لم يتعلم أحد منهم من علي شيئاً إلا من تعلم منه لما كان باليمن، كما تعلموا حينئذ من معاذ بن جبل، وكان مقام معاذ بن جبل أكثر مما رووه عن علي وشريح وغيره من أكابر التابعين، إنما تفقهوا على معاذ، ولما قدم عليٌّ الكوفة كان شريح قاضياً فيها قبل ذلك، وعليٌ وجد على القضاء في خلافته شريحاً وعبيدة السلماني، وكلاهما تفقه على غيره، فإذا كان علم الإسلام انتشر في مدائن الإسلام بالحجاز والشام واليمن والعراق وخراسان ومصر والمغرب قبل أن يقدم إلى الكوفة، لما صار إلى الكوفة عامة ما بلغه من

العلم بلغه غيره من الصحابة، ولم يختص عليٌ بتبليغ شيء من العلم إلا وقد اختص غيره بما هو أكثر منه، فالتبليغ العام الحاصل بالولاية حصل لأبي بكر وعمر وعثمان منه أكثر مما حصل لعليٍ، وأما الخاص فابن عباس كان أكثر فتيا منه، وأبو هريرة أكثر رواية منه، وعليٌ أعلم منهما، كما أن أبا بكر وعمر وعثمان أعلم منهما أيضاً، فإن الخلفاء الراشدين قاموا من تبليغ العلم العام بما كان الناس أحوج إليه مما بلغه من بلغ بعض العلم الخاص] الفتاوى الكبرى 4/ 437. وأما الاحتجاج بهذا الحديث الباطل على تقديم علي رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فمن أبطل الباطل عند علماء أهل السنة والجماعة، لأن الحديث مكذوب كما سبق، ولأن أهل السنة متفقون على تقديم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على علي رضي الله عنه في الفضل وفي العلم والفقه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [لم يقل أحد من علماء المسلمين المعتبرين إن علياً أعلم وأفقه من أبي بكر وعمر، بل ولا من أبي بكر وحده ومدعي الإجماع على ذلك من أجهل الناس وأكذبهم، بل ذكر غيرُ واحدٍ من العلماء إجماع العلماء على أن أبا بكر الصديق أعلم من علي، منهم الإمام منصور بن عبد الجبار السمعاني المروزي أحد الأئمة الستة من أصحاب الشافعي ذكر في كتابه تقويم الأدلة على الإمام، إجماع علماء السنة على أن أبا بكر أعلم من علي وما علمت أحداً من الأئمة المشهورين ينازع في ذلك، وكيف وأبو بكر الصديق كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يفتي ويأمر وينهى ويقضي ويخطب كما كان يفعل ذلك إذا خرج هو وأبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ولما هاجرا جميعاً ويوم حنين وغير ذلك من المشاهد والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت يقره على ذلك ويرضى بما يقول ولم تكن

حديث يوم الجائزة

هذه المرتبة لغيره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته لأهل العلم والفقه والرأي من أصحابه يقدم في الشورى أبا بكر وعمر فهما اللذان يتقدمان في الكلام والعلم بحضرة الرسول عليه السلام على سائر أصحابه مثل قصة مشاورته في أسرى بدر ... ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 4/ 429. وخلاصة الأمر أن حديث: (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها) حديث باطل مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هو إلا من كذب الشيعة وافتراءاتهم على دين الإسلام، ولا يصح شرعاً تقديم علي رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. - - - حديث يوم الجائزة يقول السائل: هنالك حديث نبوي يردده بعض خطباء المساجد في خطبة عيد الفطر، وفيه أن يوم العيد يسمى يوم الجائزة، فهل هذا الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفيدونا؟ الجواب: روي في الحديث عن سعد بن أوس الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا اغدوا يا معشر المسلمين إلى ربٍ كريمٍ يمنُ بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلَّوا نادى منادٍ ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمَّى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة) رواه الطبراني في المعجم الكبير، ورواه الأصبهاني في الترغيب، وأبو نعيم في (معرفة الصحابة)، وذكره الهيثمي في

مجمع الزوائد 2/ 201، وقد حكم المحدثون الذين وقفت على كلامهم على هذا الحديث بأنه حديث ضعيف وشبه موضوع كما سيأتي. قال العلامة الألباني: ضعيف، أخرجه الطبراني في (الكبير) 618، والمعافى بن زكريا في (الجليس) 4/ 83، والأصبهاني في (الترغيب) 188/ 1 من طريقين عن سعيد بن عبد الجبار [عن توبة] عن سعيد بن أوس الأنصاري عن أبيه مرفوعاً به. والزيادة للطبراني. وكذلك رواه الحسن بن سفيان في (مسنده)؛ إلا أنه قال: عن توبة أو أبي توبة. وكذلك أخرجه المعافى في (الجليس)؛ لكنه قال: عن أبي توبة .. بغير شك، وكذا نقله في (الإصابة). قلت: وأبو توبة -أو توبة- لم أعرفه. ومن المحتمل أن يكون هو الذي في (الجرح) 1/ 1/446: توبة بن نمر الحضرمي المصري، وكان قاضي مصر، فلما مات استقضي عبد الله بن لهيعة، وابنته تحت ابن لهيعة. روى عن أبي عفير عن ابن عمر. روى عنه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وابن لهيعة. ولعله مما يرجح الاحتمال المذكور: أن الراوي عنه -سعيد بن عبد الجبار- هو حضرمي أيضاً، وهو سعيد بن عبد الجبار بن وائل الحضرمي، وهو ضعيف. وعلى كل حال؛ فقد روي الحديث من طريق أخرى عند الطبراني 617 من رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير عن سعيد بن أوس الأنصاري به. وهذا إسناد واهٍ بمرة؛ أبو الزبير مدلس؛ وقد عنعنه، لكن الآفة ممن دونه؛ فإن جابراً هذا - وهو الجعفي - متروك. وعمرو بن شمر شرٌ منه. قال الحاكم: كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي، وليس يروي تلك الموضوعات الفاحشة عن جابر غيره. وأعله الهيثمي 2/ 201 بالجعفي وحده، فقصَّر. ومدار الطريقين على سعيد بن أوس الأنصاري، ولم أجد من ترجمه. ووقع في (ترغيب الأصبهاني): سعد بن أوس ولم أجده أيضاً؛

فهو علة الحديث. والله أعلم] السلسلة الضعيفة والموضوعة 11/ 829. وضعّفه العلامة الألباني أيضاً في ضعيف الترغيب والترهيب 1/ 335. وقد تكلم الشيخ أبو إسحاق الحويني على هذا الحديث كلاماً مفصلاً فقال: [حديث منكر جداً شبه موضوع. أخرجه الطبراني في الكبير ج 1/رقم 617، وعند أبو نعيم في (معرفة الصحابة) 996 ... وأعلَّه الهيثمي 2/ 201 بجابر الجعفي، وترك التنبيه علي حال عمرو بن شمر وهو أحد التلفى. فقد تركه النسائي والدارقطني وغيرهما وقال البخاري (منكر الحديث). وكذَّبه الجوزجاني. وقال ابن معين: ليس بشيء. ورماه السليماني بوضع الحديث للروافض. وقال ابن حبان في المجروحين 2/ 76: كان رافضياً يشتم أصحاب رسول الله، وكان ممن يروي الموضوعات عن الثقات في فضائل أهل البيت وغيرهم، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. انتهى. أضف إلى ذلك عنعنة أبي الزبير، ولكن له طريق آخر إلى سعيد ابن أوس. أخرجه الطبراني في الكبير 618، والحسن بن سفيان في مسنده، كما في الإصابة 1/ 161، ومن طريقه أبو نعيم في المعرفة994، والشجري في الأمالي2/ 47 من طرق عن سلم بن سالم ثنا سعيد بن الجبار عن توبة - أو أبي شك سلم - عن سعيد بن أوس الأنصاري، عن أبيه مرفوعاً مثله. وهذا سندٌ ضعيفٌ جداً. وسلم بن سالم كان ابن المبارك شديد الحمل عليه، وكان يقول: (اتق حيات سلم لا تلسعك)! وقد سئل ابن المبارك عن الحديث في أكل العدس، وأنه قدِّس على لسان سبعين نبياً!! فقال: لا، ولا على لسان نبي واحد؛ إنه لمؤذٍ منفخٍ، من يحدثكم؟ قالوا: سلم بن سالم. قال: عمن؟ قالوا: عنك! قال: وعني أيضاً!!. وقال أحمد: ليس بذاك. وضعفه ابن معين، وقال أبو زرعة: لا يُكتبُ حديثه ... وقال أبو حاتم: ليس بقوي، مضطرب الحديث وتوبة أو أبو توبة لا

أعرفه. وسعيد بن أوس مجهول ... ووقفت له على شاهدٍ عن ابن عباس مرفوعاً، فساق حديثاً طويلاً، جاء في آخره: فإذا كانت ليلة الفطر وسميت ليلة الجائزة، فإذا كانت غداة بعث الله تبارك وتعالى الملائكة في كل ملاء فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس، فيقولون: يا أمة محمد اخرجوا إلى ربٍ كريمٍ يغفر العظيم، وإذا برزوا في مصلاهم يقول الله تعالى: يا ملائكتي ما أجر الأجير إذا عمل عمله؟ فتقول الملائكة إلهنا وسيدنا جزاؤه أن يوفى أجره، فيقول الله عز وجل: أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضائي ومغفرتي، فيقول الله عز وجل: سلوني وعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئاً في جمعكم هذا لآخرتكم إلا أعطيتكموه، ولا لدنيا إلا نظرت لكم، وعزتي لأسترنَّ عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزتي وجلالي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الحدود، وانصرفوا مغفوراً لكم قد أرضيتموني ورضيت عنكم، قال: فتفرح الملائكة ويستبشرون بما يعطي الله هذه الأمة إذا أفطروا. أخرجه الأصبهاني في الترغيب 11741، وابن الجوزي في الواهيات 2/ 43 - 45/ 880، وقال: لا يصح. سنده واهٍ جداً. وعزاه المنذري في الترغيب 2/ 99 - 101 لأبي الشيخ كتاب الثواب، والبيهقي وقال: ليس في إسناده من أجمع على ضعفه، وليس من شرط الحديث الباطل أن يكون الإجماع انعقد على ضعف أحد رواته. وهذا حديثٌ منكرٌ جداً شبه الموضوع. وان كان ابن الجوزي أخطأ في زعمه أن القاسم بن الحكم العرني- أحد رواته - مجهول. فليس بمجهول بل هو معروف، فقد وثقه غير واحدٍ منهم أحمد وابن معين والنسائي. وقال أبو زرعة: صدوق. وقال ابن حبان: مستقيم الحديث. وضعفه العقيلي وأبو نعيم الفضل بن دكين

لغفلة كانت فيه، وعلى كل حال، فليس يصح في هذا الباب شيء أعلمه. والله أعلم] الفتاوى الحديثية للحويني 1/ 403 - 405. وحديث ابن عباس الأخير حكم عليه العلامة الألباني بأنه موضوع، وعلَّق على قول المنذري- ليس في إسناده من أجمع على ضعفه- بقوله: [قلت نعم لكنه منقطع، بين الضحاك بن مزاحم وابن عباس، والراوي عنه لين، وآثار الوضع والصنع عليه لائحة، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 191 ... ] ضعيف الترغيب والترهيب 1/ 302. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: وقد روي أن الصائمين يرجعون يوم الفطر مغفوراً لهم وأن يوم الفطر يسمى يوم الجوائز وفيه أحاديث ضعيفة، وقال الزهري [إذا كان يوم الفطر خرج الناس إلى الجبار اطلع عليهم قال: عبادي لي صمتم ولي قمتم ارجعوا مغفوراً لكم]، قال مورق العجلي لبعض إخوانه في المصلى يوم الفطر: يرجع هذا اليوم قوم كما ولدتهم أمهاتهم، وفي حديث أبي جعفر الباقر المرسل: [من أتى عليه رمضان فصام نهاره وصلى ورداً من ليله وغض بصره وحفظ فرجه ولسانه ويده وحافظ على صلاته في الجماعة وبكَّر إلى الجمعة فقد صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب] قال أبو جعفر: جائزة لا تشبه جوائز الأمراء إذا أكمل الصائمون صيام رمضان وقيامه فقد وفوا ما عليهم من العمل وبقي ما لهم من الأجر وهو المغفرة فإذا خرجوا يوم عيد الفطر إلى الصلاة قسمت عليهم أجورهم فرجعوا إلى منازلهم وقد استوفوا الأجر واستكملوه كما في [حديث ابن عباس رضي الله عنهما المرفوع: إذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك ... خرَّجه سلمة بن شبيب في كتاب فضائل رمضان وغيره وفي إسناده مقال، وقد روي من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً بعضه

أول من تسعر بهم نار جهنم

وقد روي معناه مرفوعاً من وجوهٍ أخر فيها ضعف] لطائف المعارف ص 373 - 374. وخلاصة الأمر أن أحاديث تسمية عيد الفطر بيوم الجائزة ليست ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقولن قائلٌ إن الحديث الضعيف يعمل به في باب فضائل الأعمال، وهذا منها، لأن القاعدة عند المحدثين كما قال الإمام النووي: [يجوز العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً] الأذكار ص5. وهذه الأحاديث المذكورة قد حكم عليها جماعة من المحدثين بأنها موضوعة أو فيها من هو كذاب أو متهم بالوضع فلا تنطبق عليها القاعدة السابقة، ويغني عنها ما صح من الأحاديث كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم. - - - أول من تُسَعَّرُ بهم نارُ جهنم يقول السائل: سمعت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أوصاف أول من تُسَعَّرُ بهم نارُ جهنم، فهل هذا الحديث ثابت، أفيدونا؟ الجواب: ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استشهد فأُتيَ به فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال هو جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار، ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فأتي به فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال:

تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل ثم أمر به فسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار، ورجلٌ وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل ثم أمر به فسُحبَ على وجهه ثم ألقي في النار) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وإدخالهم النار دليلٌ على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال الله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}، وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصاً، وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات، كله محمولٌ على من فعلَ ذلك لله تعالى مخلصاً] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 46. وفي الحديث السابق ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أصناف من الناس هم أول من تسعر بهم نار جهنم والعياذ بالله، وأولهم هو من قاتل ليقال عنه جريء، أو قاتل عصبية أو قاتل غير مريدٍ وجهَ الله عز وجل، فلما لم يكن عمله لله تعالى كان مصيره إلى نار جهنم، كما ورد في الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليُرَى مكانُه، فمن في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) رواه البخاري ومسلم.

وأما الصنف الثاني فهم حملة العلم والقرآن الذين لا يعملون بعلمهم، وهؤلاء قد كثروا في زماننا مع الأسف الشديد، فكم ممن ينتسبون إلى العلم الشرعي، ويتبوؤن المناصب الدينية العليا، كالمفتين والقضاة الشرعيين وقراء القرآن الكريم وغيرهم من حملة الشهادات العليا في العلوم الشرعية، كم من هؤلاء لا يصونون العلم الذي يحملونه، ويقفون مواقف الريب والشبهات، بل يقفون مواقف مخزية مع أعداء الإسلام وأعوانهم، وقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( ... والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدُ فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه مسلم، ومعناه أن قارئ القرآن ينتفع به إن تلاه وعمل به وإلا فهو حجة عليه. وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يُؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمُه سورةُ البقرة وآلُ عمران، تحاجَّان عن صاحبهما) رواه مسلم. قال العلامة ملا علي القاري: [ ... دلَّ على أن من قرأ ولم يعمل به لم يكن من أهل القرآن ولا يكون شفيعاً لهم بل يكون القرآن حجة عليهم] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 4/ 627. وهذا الحديث يدل على أن أهل القرآن هم العاملون به وليس الأمر مقتصراً على حفظه وتلاوته وتجويده والتشدق به، فلابد من التزام أخلاق القرآن، والتأدب بآدابه، وتحريم حرامه والعمل بما فيه. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف، ولكن إقامة حدوده] التذكار في أفضل الأذكار ص 68. وقال الحسن البصري: [أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن كله فما أسقطت منه حرفاً، وقد والله

أسقطه كله. ما يُرى له القرآن في خلقٍ ولا عملٍ، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نَفَسْ، والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة. متى كانت القراءة مثل هذا؟ لا كثر الله في الناس مثل هؤلاء] الزهد لابن المبارك ص 274. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وحملة القرآن هم العاملون بأحكامه وحلاله وحرامه] التمهيد 17/ 430. وقال الإمام القرطبي: [القرآنُ حجةٌ لمن عمل به واتبع ما فيه، وحجةٌ على من لم يعمل به ولم يتبع ما فيه، فمن أُوتيَ علم القرآن فلم ينتفع به، وزجرته نواهيه فلم يرتدع، وارتكب من المآثم قبيحاً، ومن الجرائم فضوحاً كان القرآنُ حجةً عليه وخصماً لديه] التذكار في أفضل الأذكار ص 87. وهذا الأمر الخطير وهو الانفصال ما بين الأقوال والأفعال صار ديدناً لكثير من حملة القرآن، الذين يزعمون أنهم أهل القرآن، وهم أبعد الناس عنه بأفعالهم، التي تتعارض مع تعاليم القرآن الكريم وأخلاقه وآدابه، فتراهم يقولون ما لا يفعلون ويتلاعبون بالأحكام الشرعية ويتطاولون على العلم وأهله، بل ديدنهم سب العلماء وشتمهم والوقيعة فيهم، فهؤلاء هم أهل القرآن الجافين عنه كما ورد في الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط) رواه أبو داود والبيهقي في شعب الإيمان، وقال العلامة الألباني حديث حسن كما في صحيح الجامع الصغير 1/ 438. قال العلامة ملا علي القاري: [(وحامل القرآن) أي وإكرام قارئه وحافظه ومفسره غير الغالي فيه ... أي غير المجاوز عن الحد لفظاً ومعنىً كالموسوسين

والشكاكين أو المرائين أو الخائن في لفظه بتحريفه كأكثر العوام، بل وكثير من العلماء أو في معناه بتأويله الباطل كسائر المبتدعة، (ولا الجافي عنه) أي وغير المتباعد عنه المعرض عن تلاوته وإحكام قراءته وإتقان معانيه والعمل بما فيه، وقيل: الغلو المبالغة في التجويد أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبر المعنى، والجفاء أن يتركه بعدما علمه لا سيما إذا كان نسيه فإنه عُدَّ من الكبائر، ... ولذا قيل اشتغلْ بالعلم بحيث لا يمنعك عن العمل، واشتغلْ بالعمل بحيث لا يمنعك عن العلم، وحاصله أن كلاً من طرفي الإفراط والتفريط مذموم، والمحمود هو الوسط العدل المطابق لحاله في جميع الأقوال والأفعال] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 8/ 706 - 707. وقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عام تبوك خطب الناس وهو مُضيفٌ ظهرَه إلى نخلة فقال: ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؟ إن من خير الناس رجلاً عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلاً فاجراً جريئاً يقرأ كتاب الله لا يرعوي إلى شيء منه) رواه النسائي وأحمد والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. قال العلامة المناوي في شرح الحديث: [(وإن من شر الناس رجلاً فاجراً) أي منبعثاً في المعاصي (جريئاً) بالهمز على فعيل اسم فاعل من جرؤ جراءةً مثل ضخم ضخامة، والاسم الجرأة كالغرفة وجرأته عليه بالتشديد فتجرأ واجترأ على القول أسرع بالهجوم عليه من غير توقف والمراد هنا هجَّام قويُ الإقدام (يقرأ كتاب الله) القرآن (لا يرعوي) أي لا ينكف ولا ينزجر (إلى شيء منه) أي من مواعظه وزواجره وتقريعه وتوبيخه ووعيده] فيض القدير 3/ 133.

وأخرج الدرامي عن علي رضي الله عنه أنه قال: [يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عملَ بما علم، ووافق علمُه عمَله، وسيكون أقوامٌ يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف عمُلهم علمَهم، وتخالف سريرتُهم علانيَتهم ... ] سنن الدارمي 1/ 73. وورد في الحديث الإخبار عن أؤلئك الذين (يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم) رواه البخاري ومسلم. وقال أبو عبد الرحمن السُّلمي: [حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأخذون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قال: فتعلمنا العلم والعمل جميعاً]. ويقول الخطيب البغدادي: [والعلم يراد للعمل، كما يراد العمل للنجاة، فإذا كان العلم قاصراً عن العمل، كان العلمُ كلاَّ على العالم، ونعوذ بالله من علم عاد كلاً، وأورث ذلاً، وصار في رقبة صاحبه غلاًّ] اقتضاء العلم العمل ص158. لذا فإن الواجب على المنتسبين للعلم الشرعي أن يصونوا العلم الذي يحملونه، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا به أهل زمانهم ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم فهانوا عليهم] رواه ابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان. انظر ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين ص 54 - 55. وقال الشاعر: ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظَّموه في النفوس لعُظِّما وأما الصنف الثالث فهم المراءون في الإنفاق، الذين لا يريدون وجه الله عز وجل في النفقة، ولذا استحب أهل العلم إخفاء الإنفاق في سبيل الله كما ورد

في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله [ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه] رواه البخاري ومسلم. وخلاصة الأمر أن إخلاص العمل مطلوب، وهو علامة قبول العمل، فكل عملٍ إن لم يكن خالصاً لوجه الله عز وجل فهو مردود، والواجب على أهل العلم أن يكونوا على قدر المسؤولية والأمانة التي يحملونها، وكذا حملة القرآن لا بد لهم أن يعملوا به وإلا فالقرآن حجة عليهم. - - -

الصلاة

الصلاة

دعاء الإمام في الصلاة لنفسه

دعاء الإمام في الصلاة لنفسه يقول السائل: ما الحكم في أن يدعو الإمام في الصلاة لنفسه، وهل صحيح أن ذلك يعتبر خيانة للمأمومين، أفيدونا؟ الجواب: قرر العلماء أنه يستحب تعميم الدعاء إذا دعا مع جماعة كما في خطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء ودعاء القنوت في الصلاة ونحوها، قال الحافظ العراقي: [من أدب الدعاء أنَّ مَن دعا بمجلس جماعةٍ لا يخص نفسه بالدعاء مِن بينهم، أو لا يخص نفسه وبعضَهم دون جميعهم ... ويتأكد استيعاب الحاضرين على إمام الجماعة، فلا يخص نفسه دون المأمومين، لما روى أبو داود والترمذي من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤم رجلٌ قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم) قال الترمذي: حديث حسن. والظاهر أن هذا محمولٌ على ما لا يشاركه فيه المأمومون، كدعاء القنوت ونحوه، فأما ما يدعو كل أحدٍ به كقوله بين السجدتين: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، فإن كلاً من المأمومين يدعو بذلك، فلا حرج حينئذ في الإفراد، إلا أنه يحتمل أن بعض المأمومين يترك ذلك نسياناً أو لعدم العلم باستحبابه، فينبغي حينئذ أن يجمع الضمير لذلك] طرح التثريب في شرح التقريب 2/ 136 - 137. والحديث الذي ذكره الحافظ العراقي تكلم فيه المحدثون وكثير منهم لم يوافق الترمذي في تحسينه، حتى قال ابن خزيمة إنه موضوع، وضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والعلامة الألباني وغيرهم. انظر: ضعيف الترغيب والترهيب 2/ 201. وقد فصَّل العلامة الألباني الكلام على هذا الحديث من رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم، ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل

فقد خانهم) وبيَّن أنه حديث ضعيف مضطرب وقد حكم ابن خزيمة بالوضع على الشطر الثاني من الحديث - ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم - وأقره ابن تيمية وابن القيم، وذلك لأن عامة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وهو الإمام بصيغة الإفراد، فكيف يصح أن يكون ذلك خيانة لمن أمهم؟ فهذا هو الصواب أن هذه الزيادة - ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم - لا تصح بل هي منكرة لمخالفتها لأدعية النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يدعو بها في الصلاة وهو إمامهم. انظر تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص 278 - 280. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وقد سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجل يؤم قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم). فهل يستحب للإمام أنه كلما دعا الله عز وجل أن يُشرك المأمومين؟ وهل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخص نفسه بدعائه في صلاته دونهم؟ فكيف الجمع بين هذين؟ فأجاب: [الحمد للَّه رب العالمين. قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة. ما تقول؟ قال: (أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، فهذا حديث صحيح صريح في أنه دعا لنفسه خاصة، وكان إماماً. وكذلك حديث عليٍ في الاستفتاح الذي أوله: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض)، فيه: (فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت). وكذلك ثبت في الصحيح أنه كان يقول بعد رفع رأسه

من الركوع بعد قوله: (لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)، (اللهم، طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، اللهم، نقني من الخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس). وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد من فعله، ومن أمره، لم ينقل فيها إلا لفظ الإفراد. كقوله: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال). وكذا دعاؤه بين السجدتين، وهو في السنن من حديث حذيفة، ومن حديث ابن عباس، وكلاهما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه إماماً، أحدهما بحذيفة، والآخر بابن عباس. وحديث حذيفة: (رب اغفر لي، رب اغفر لي)، وحديث ابن عباس فيه: (اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني)، ونحو هذا. فهذه الأحاديث التي في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد. وكذلك اتفق العلماء على مثل ذلك. حيث يرون أنه يشرع مثل هذه الأدعية. وإذا عرف ذلك تبين أن الحديث المذكور إن صح فالمراد به الدعاء الذي يُؤمِّن عليه المأموم -كدعاء القنوت- فإن المأموم إذا أَمَّن كان داعياً، قال الله تعالى لموسى وهرون: {قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} سورة يونس الآية 89، وكان أحدهما يدعو، والآخر يؤمن. وإذا كان المأموم مؤمناً على دعاء الإمام، فيدعو بصيغة الجمع، كما في دعاء الفاتحة في قوله: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}، فإن المأموم إنما أمَّن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما جميعاً، فإن لم يفعل، فقد خان الإمام المأموم. فأما المواضع التي يدعو فيها كل إنسان لنفسه -كالاستفتاح، وما بعد التشهد، ونحو ذلك- فكما أن المأموم يدعو

لنفسه، فالإمام يدعو لنفسه. كما يسبح المأموم في الركوع والسجود، إذا سبح الإمام في الركوع والسجود، وكما يتشهد إذا تشهد، ويكبر إذا كبر، فإن لم يفعل المأموم ذلك فهو المفرط. وهذا الحديث لو كان صحيحاً صريحاً معارضاً للأحاديث المستفيضة المتواترة، ولعمل الأمة، والأئمة، لم يلتفت إليه، فكيف وليس من الصحيح، ولكن قد قيل: إنه حسن، ولو كان فيه دلالة لكان عاماً، وتلك خاصة، والخاص يقضي على العام. ثم لفظه (فيخص نفسه بدعوة دونهم)، يراد بمثل هذا إذا لم يحصل لهم دعاء، وهذا لا يكون مع تأمينهم. وأما مع كونهم مؤمِّنين على الدعاء كلما دعا، فيحصل لهم كما حصل له بفعلهم، ولهذا جاء دعاء القنوت بصيغة الجمع: (اللهم إنا نستعينك، ونستهديك) إلى آخره. ففي مثل هذا يأتي بصيغة الجمع، ويتبع السنة على وجهها] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/ 116 - 118. وبيَّن العلامة ابن القيم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء فقال: [وكان صلى الله عليه وسلم يدعو في صلاته فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، وكان يقول في صلاته أيضاً: اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي فيما رزقتني، وكان يقول اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، وكان يقول في سجوده: رب أعط نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، وقد تقدم ذكر بعض ما كان يقول في ركوعه وسجوده وجلوسه واعتداله في الركوع]. ثم قال العلامة ابن القيم: [والمحفوظ في أدعيته صلى الله

عليه وسلم في الصلاة كلها بلفظ الإفراد كقوله رب اغفر لي وارحمني واهدني وسائر الأدعية المحفوظة عنه، ومنها قوله في دعاء الاستفتاح اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب الحديث. وروى الإمام أحمد وأهل السنن من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤم عبد قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم) قال ابن خزيمة في صحيحه: وقد ذكر حديث اللهم باعد بيني وبين خطاياي الحديث، قال في هذا دليل على رد الحديث الموضوع لا يؤم عبد قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هذا الحديث عندي في الدعاء الذي يدعو به الإمام لنفسه وللمأمومين ويشتركون فيه كدعاء القنوت ونحوه والله أعلم] زاد المعاد 1/ 261 - 264. وقد فسر العلامة علي القاري خيانة الإمام المذكورة في الحديث بقوله: [قال الطيبي: نسب الخيانة إلى الإمام لأن شرعية الجماعة ليفيض كل من الإمام والمأموم الخير على صاحبه ببركة قربه من الله تعالى، فمن خص نفسه فقد خان صاحبه، قلت: وإنما خص الإمام بالخيانة فإنه صاحب الدعاء، وإلا فقد تكون الخيانة من جانب المأموم] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 3/ 157. وخلاصة الأمر أن الإمام يدعو بصيغة الجمع له وللمصلين في المواطن التي يجهر فيها بالدعاء، ويؤمن المصلون على دعائه، كدعاء القنوت في الصلاة، والدعاء في خطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء ونحوها، وأما المواطن التي يُسِر فيها بالدعاء، كالدعاء عند استفتاح الصلاة، والدعاء في السجود، والدعاء بين السجدتين، والدعاء في آخر التشهد وقبل السلام، فهذه المواطن يجوز للإمام أن يدعو لنفسه خاصة، والمأمومون كلٌ يدعو لنفسه. وعليه فإذا

حكم إمامة الإمام المدخن

خص الإمام نفسه بالدعاء في هذه المواطن فلا يعتبر خائناً للمأمومين، هذا إن صح الحديث، وهو لم يصح. - - - حكم إمامة الإمام المدخن يقول السائل: يصلي بنا إمامان متطوعان، أحدهما حافظ لكتاب الله ولكنه مدخن، والآخر لا يحفظ كتاب الله كاملاً ولا يدخن، فمن أولى بإمامة الصلاة منهما، أفيدونا؟ الجواب: لابد من بيان أمرين قبل الجواب على السؤال، أولهما: إن الدخان خبيث من الخبائث، وإن أبى بعض المدخنين ذلك، كما أن التدخين حرام على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن أبى بعض المشايخ المدخنين ذلك، وخاصة الذين يزعمون أن التدخين مباح من المباحات، فقولهم هذا قول ساقط متهافت، ولا قيمة له بعد أن اتفقت المصادر الطبية والعلمية والصحية على ضرر التدخين المتحقق على صحة المدخن وعلى نفسيته وعلى ماله وعلى صحة من حوله، وأضرار التدخين على المجتمع بشكل عام، بل إن التدخين أشد فتكاً بالإنسان من مرض الإيدز، وقد اتفقت الهيئات العلمية والمجامع الطبية والصحية على أضرار التدخين، وقررت أنه سبب رئيس للسرطان وتليف الكبد وأمراض الشريان التاجي والذبحة الصدرية وسرطان الفم وغيرها من الأمراض الخبيثة، وهذا ما أكده أهل الخبرة والاختصاص من الأطباء والكيميائيين وغيرهم، فالدخان يتكون من مجموعة كثيرة من المواد، منها أكثر من خمسة عشر نوعاً من السموم الفتاكة كالنيكوتين الذي يعد من السموم القوية والفعالة وله أثر سيء على الكلية والجهاز العصبي والدم،

ومنها أول أكسيد الكربون وهو معروف بتأثيره السام وله تأثير سيء على الدم. ومنها القطران وهو المادة اللزجة الصفراء التي تؤدي إلى اصفرار أسنان المدخن ونخرها، وإلى التهابات اللثة، وهو أخطر محتويات الدخان على الصحة ويسبب السرطان والتهابات الشعب الهوائية وغير ذلك من المواد الضارة التي تلحق الضرر والأذى بصحة المدخن، فالتدخين يضر بالفم والشفاه واللثة والأسنان واللسان واللوزتين والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والأعصاب والدورة الدموية والجهاز البولي، كما أن للتدخين ضرراً على النسل لذلك تُنصح الحوامل بعدم التدخين وما كان ضرره كذلك فلا شك في حرمته، لأن الإسلام يحرم كل خبيث وضار، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} سورة الأعراف الآية 127. وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. والأدلة على تحريم التدخين كثيرة وليس هذا محل ذكرها. إذا تقرر تحريم التدخين فإن الإصرار على التدخين مع العلم بحرمته يُعد فسقاً عند أهل العلم، والفسقُ هو ارتكابُ الكبائر عمداً، أو الإصرارُ على الصغائر بغير تأويل. كما أن تدخين الإمام يعتبر من المجاهرة بالمعصية. ويضاف إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من أكل بصلاً أو ثوماً عن الحضور إلى المسجد لما في ذلك من إيذاءٍ للمصلين بالروائح الكريهة فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربنَّ مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) متفق عليه. وعن عمر رضي الله عنه قال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما - البصل والثوم - من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى

البقيع متفق عليه. وينبغي أن يعلم أن كلَّ رائحةٍ كريهةٍ تُلحق برائحة البصل والثوم، فرائحة المدخن نتنةٌ عند ذوي الفطرة السليمة، فينبغي له أن لا يدخل المسجد لأن المساجد تصان عن جميع الروائح الكريهة. الأمر الثاني: إن إمامة الصلاة تعتبر من خيرة الأعمال التي ينبغي أن يتولاها خيرة الناس، ذوو الصفات الفاضلة من العلم والقراءة والعدالة، قال الإمام أحمد: [ومن الحقِّ الواجب على المسلمين: أن يُقدِّموا خيارهم وأهل الدين والأفضل منهم، أهل العلم بالله الذين يخافون الله ويراقبونه]. رسالة الإمام أحمد في الصلاة ص14. وقال الإمام السرخسي: [والأصل فيه: أنَّ مكانة الإمامة ميراث من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أول من تقدَّم للإمامة، فَيُختار لها مَن يكون أشبه به خَلْقاً وخُلُقاً، ثم هو مكان استُنبط منه الخلافة، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أمر أبا بكر رضي الله عنه أنْ يُصلي بالناس، قالت الصحابة رضي الله عنهم بعد موته صلى الله عليه وسلم: إنه اختار أبا بكر لأمر دينكم، فهو المُختار لأمر دنياكم، فإنما يختار لهذا المكان من هو أعظم في الناس] المبسوط 1/ 40. وقال الإمام الماوردي: [ينبغي أن يَتقدَّم إلى الإمامة مَنْ جَمَعَ أوصافها، وهي خمسة: القراءة، والفقه، والنسب، والسنّ، والهجرة، بعد صحَّة الدين وحسن الاعتقاد، فمَنْ جمعها وكملت فيه، فهو أحقُّ بالإمامة ممَّن أخلَّ ببعضها، لأنَّ الإمامة منزلة اتباع واقتداء، فاقتضى أن يكون متحمِّلها كامل الأوصاف المعتبرة فيها، فإن لم تجتمع في واحدٍ، فأحقُّهم بالإمامة من اختصَّ بأفضلها] الحاوي الكبير 2/ 352، وانظر رسالة حكم إمامة وأذان المُجاهر بالمعصية لعبد الرحمن بن سعد الشثري ص7.

وقد ذكر الفقهاء في كتبهم تفصيل شروط إمام الصلاة، ومنها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، فاشترطوا أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً ذكراً، فلا تصح إمامة المرأة للرجال، وأن يكون سالماً من البدع المكفرة وأن يكون قادراً على القراءة، وسالماً من الأعذار، وقادراً على توفية أركان الصلاة، وغير ذلك، انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 6/ 201 - 207. والأصل في الأحق بالإمامة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلماً، ولا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) رواه مسلم. وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) رواه مسلم. وقد اختلف أهل العلم في حكم إمامة الفاسق، فمنهم من منعها، ومنهم من أجازها، وهو الراجح، لأن من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته بغيره، وقد ثبت أن عدداً من الصحابة قد صلوا خلف بعض الفسقة كالوليد بن عقبة والحجاج، وثبت في صحيح البخاري أن عثمان رضي الله عنه لما حُصر صلى بالناس شخص، فسأل سائلٌ عثمان فقال: إنك إمام عامة وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فقال: [يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ولهذا قالوا في العقائد: إنه يُصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام، برَّاً كان أو فاجراً، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمامٌ واحد، فإنها تُصلَّى خلفه الجماعات، فإن الصلاة في جماعة خيرٌ من

صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقاً، هذا مذهب جماهير العلماء أحمد بن حنبل والشافعي وغيرهما] مجموع فتاوى ابن تيمية 23/ 353. وقال الإمام الشوكاني: [والحق جواز الائتمام بالفاسق لأن الأحاديث الدالة على المنع كحديث (لا يؤمنكم ذو جراءة في دينه)، وحديث (لا يؤمنَّ فاجرٌ مؤمناً)، ونحوهما ضعيفة لا تقوم بها حجة، وكذلك الأحاديث الدالة على جواز الائتمام بالفاسق، كحديث (صلوا مع من قال لا إله إلا اللَّه)، وحديث (صلوا خلف كل بر وفاجر) ونحوهما، ضعيفة أيضًا ولكنها متأيدة بما هو الأصل الأصيل وهو أن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره، فلا ننتقل عن هذا الأصل إلى غيره إلا لدليل ناهض] نيل الأوطار 2/ 28. وبناءً على ما سبق فإن الأصل أن المدخن لا يكون إماماً في الصلاة، فإن صلى الإمام المدخن بالناس فإمامته صحيحة، قال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم مفتي السعودية سابقاً: [لا ريب في تحريم شرب الدخان الخبيث، وكذا حلق اللحية، ومثل هذا لا يجوز أن يُوَلَّى الإمامة، لأنه فاسق، والفاسق ليس أهلاً للإمامة، لكنَّ الصلاة خلفه صحيحة مجزئة، من صلاها إذا ابتُليَ به الناس على ما فيها من النقص] مجموع فتاوى الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم 2/ 294. ويضاف إلى ما سبق أن كثيراً من المصلين يكرهون أن يكون إمامهم في الصلاة مدخناً، وبالتالي فإن صلاة الإمام المدخن لا ترفع كما ورد في الحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قومٍ وهم له كارهون) رواه الترمذي، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 1/ 328.

معنى دعاء (اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا)

وخلاصة الأمر أن إمامة الصلاة من خير الأعمال، فيتولاها خير الناس قراءةً وأخلاقاً وعدالةً، والإمام المدخن مرتكب للحرام ومجاهر به، فهو وإن صحت إمامته، ولكن لا ينبغي أن يولى الإمامة، ويجب نصحه وبيان حرمة التدخين وأضراره، حتى يتركه، ولا شك أن غير المدخن أولى بالإمامة من المدخن، وإن كان المدخن أقرأ وأحفظ لكتاب الله عز وجل. - - - معنى دعاء (اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً) يقول السائل: ما معنى هذا الدعاء (اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً) وهل يجوز الدعاء به، أفيدونا؟ الجواب: روى الإمام البخاري في صحيحه بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عيناً وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جدُ عاصم بن عمر بن الخطاب حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة ذُكِروا لحيٍ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجلٍ رامٍ، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، فقالوا تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم، فلما حس بهم عاصمٌ وأصحابه لجئوا إلى موضعٍ فأحاط بهم القوم فقالوا لهم انزلوا، فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحداً، فقال عاصم بن ثابت أيها القوم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ثم قال اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، قال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا

أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم - فقتلوه- فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيبٌ عندهم أسيراً حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث، موسىً يستحدُ بها - يحلق عانته - فأعارته فدرج بُنَيٌ لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مُجلسَه على فخذه والموسى بيده، قالت ففزعت فزعةً عرفها خبيب، فقال أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، قالت والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل قطفاً من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول إنه لرزقٌ رزقه الله خبيباً، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزعٌ لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بَدداً، ولا تبق منهم أحداً، ثم أنشأ يقول: فلست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنبٍ كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلوٍ ممزع - أي أعضاء جسدٍ يقطع - ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب هو سنَّ لكل مسلم قُتل صبراً الصلاة، وأخبر - النبي صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناسٌ من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حُدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلاً عظيماً من عظمائهم، فبعث الله لعاصمٍ مثل الظُلَّة من الدبر - أي مثل السحابة من الزنابير -فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئاً ... ).

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (ثم قال: اللهم أحصهم عدداً) زاد في رواية إبراهيم بن سعد (واقتلهم بدداً) أي متفرقين (ولا تبق منهم أحداً) وفي رواية بريدة بن سفيان (فقال خبيب: اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلِّغه) وفيه فلما رفع على الخشبة استقبل الدعاء قال: فلبد رجل بالأرض خوفاً من دعائه فقال: (اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً) قال فلم يحلْ الحولُ ومنهم أحدٌ حيٌ غير ذلك الرجل الذي لبد بالأرض. وحكى ابن إسحاق عن معاوية بن أبي سفيان قال كنت مع أبي فجعل يلقيني إلى الأرض حين سمع دعوة خبيب) وفي رواية أبي الأسود عن عروة (ممن حضر ذلك أبو إهاب بن عزيز والأخنس بن شريق وعبيدة بن حكيم السلمي وأمية بن عتبة بن همام (وعنده أيضاً) فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأخبر أصحابه بذلك (وعند موسى بن عقبة) فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس: وعليك السلام يا خبيب، قتلته قريش)] فتح الباري 7/ 479. قال ابن الأثير: [وفيه (اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً) يروى بكسر الباء جمع بُدّة وهي الحصة والنصيب، أي اقتلهم حصصاً مقسمة لكل واحدٍ منهم حصته ونصيبه. ويروى بالفتح أي متفرقين في القتل واحداً بعد واحد، من التبديد] النهاية في غريب الحديث 1/ 105. وقد أخذ أهل العلم من هذه الحادثة جواز الدعاء على الكفار بمثل هذا الدعاء (اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً)، لأن هذه الحادثة حصلت في العهد النبوي فأقرها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينكر على خبيب دعائه، وورد كما سبق في كلام الحافظ ابن حجر فلم يحل

الحول ومنهم أحدٌ حيٌ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين. ومما يؤيد الدعاء على الكفرة المحاربين بمثل دعاء خبيب ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة، يدعو عليهم، يدعو على حيٍ من بني سُليم، على رعل وذكوان وعصية، ويُؤَمِن من خلفه) رواه أحمد وأبو داود وإسناده حسن أو صحيح كما قال النووي في الخلاصة 1/ 461. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لَأُقَرِّبَنَّ بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة في صلاة الظهر والعشاء الأخيرة وصلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار) رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعنةُ الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه البخاري ومسلم. ويدل على ذلك قوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} سورة نوح الآيتان 26 - 27. وجاء في دعاء نبي الله موسى عليه السلام: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي

الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} سورة يونس الآية 88. قال ابن كثير: [وهذه دعوة غضبٍ لله تعالى ولدينه ولبراهينه، فاستجاب الله لها وحقّقها وتقبَّّلها، كما استجاب لنوحٍ في قومه] البداية والنهاية 2/ 106. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والدعاء على جنس الظالمين الكفار مشروع مأمور به، وشرع القنوت والدعاء للمؤمنين، والدعاء على الكافرين] مجموع الفتاوى 8/ 335. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلةٍ بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمَّى من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً] مجموع الفتاوى 22/ 271. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [وكذلك المأثور عن الصحابة مثل: عمر، وعلي، وغيرهما رضي الله عنهم هو: القنوت العارض قنوت النوازل، ودعاء عمر فيه، وهو قوله: (اللهم عذب كفرة أهل الكتاب ... إلخ)، يقتضي أنه دعا به عند قتاله للنصارى] مجموع الفتاوى 22/ 373. قال الإمام النووي: [قال أصحابنا: وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حسناً وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: [اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أوليائك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة

حكم الخروج في رحلات للنزهة صباح يوم الجمعة

وثبتهم على ملة رسولك صلى الله عليه وسلم وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم]. واعلم أن المنقول عن عمر رضي الله عنه [عذب كفرة أهل الكتاب] لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب، وأما اليوم فالاختيار أن يقول [عذب الكفرة] فإنه أعم] الأذكار 48 - 50. وخلاصة الأمر أن الدعاء بمثل دعاء خبيب رضي الله عنه (اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً)، جائزٌ ومشروعٌ على الكفرة المتسلطين على رقاب المسلمين، الذين يذيقون المسلمين سوء العذاب قتلاً وذبحاً وتهجيراً وهدماً للمساجد وللمنازل وغيرها من مصالح المسلمين، وهذا الدعاء هو المناسب لأحوال الأمة اليوم في ظل ما تعانيه من هذه الهجمة الشرسة التي تستهدف الإنسان والحيوان والشجر والحجر. ولا يلتفت لقول من منع ذلك بحجة أنه من الاعتداء في الدعاء فقوله باطل مردود عليه، وفيه خذلان للمسلمين. - - - حكم الخروج في رحلات للنزهة صباح يوم الجمعة يقول السائل: ما حكم الخروج في رحلات للنزهة صباح يوم الجمعة، أفيدونا؟ الجواب: صلاة الجمعة فريضة من الفرائض المعلوم فرضيتها بالضرورة، وبدلالة الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة الجمعة الآية 9. وقد

ورد في فضل صلاة الجمعة أحاديث كثيرة منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصا فقد لغا) رواه مسلم. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجلٌ يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت للإمام إذا تكلم، إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم. وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيبٍ إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى) رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات كما قال الهيثمي، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 1/ 432. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها) رواه مسلم. وغير ذلك من الأحاديث. وقد وردت أحاديث أخرى في الترهيب من ترك صلاة الجمعة لغير عذر منها: عن

ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقومٍ يتخلفون عن الجمعة: لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم) رواه مسلم. وعن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لينتهين أقوامٌ عن ودْعهم - أي تركهم - الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكوننَّ من الغافلين) رواه مسلم. وعن أبي الجعد الضمري وكانت له صحبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاث جمعٍ تهاوناً بها طبع الله على قلبه) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 1/ 451. وجاء في رواية لابن خزيمة وابن حبان (من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر فهو منافق) قال العلامة الألباني: حسن صحيح، المصدر السابق. وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه) رواه أحمد بإسناد حسن والحاكم وقال صحيح الإسناد، وقال العلامة الألباني: صحيح لغيره، المصدر السابق. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم على رأس ميل أو ميلين فيتعذر عليه الكلأ فيرتفع، ثم تجيء الجمعة فلا يجيء ولا يشهدها، وتجيء الجمعة فلا يشهدها، فيطبع على قلبه) رواه ابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه، وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب 1/ 452.

والصبة: المجموعة من الغنم ما بين العشرين إلى الثلاثين وقيل غير ذلك من العدد. وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر هذا فقد اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز السفر يوم الجمعة بعد دخول وقتها في حق المخاطب بها، [فيحرم عند الجمهور إنشاء سفرٍ بعد الزوال - وهو أول وقت الجمعة - من المصر الذي هو فيه، إذا كان ممن تجب عليه الجمعة، وعلم أنه لن يدرك أداءها في مصر آخر، فإن فعل ذلك فهو آثمٌ على الراجح ما لم يتضرر بتخلفه عن رفقته. وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة حيث صرحوا بحرمة السفر بعد الزوال] الموسوعة الفقهية الكويتية 9/ 211. وأما السفر قبل دخول وقت الجمعة أي قبل الزوال، فقد أجازه جماعة من الفقهاء، قال الشوكاني: [وقد اختلف العلماء في جواز السفر يوم الجمعة من طلوع الفجر إلى الزوال على خمسة أقوال: الأول: الجواز، قال العراقي: وهو قول أكثر العلماء. فمن الصحابة عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وأبو عبيدة بن الجراح وابن عمر. ومن التابعين الحسن وابن سيرين والزهري. ومن الأئمة أبو حنيفة ومالك في الرواية المشهورة عنه والأوزاعي وأحمد بن حنبل في الرواية المشهورة عنه وهو القول القديم للشافعي، وحكاه ابن قدامة عن أكثر أهل العلم] نيل الأوطار 3/ 261. ويدل للقول بالجواز ما رواه عبد الرزاق في المصنف بإسناده (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلاً عليه ثياب سفر بعد ما قضى الجمعة، فقال: ما شأنك؟ قال أردت سفراً فكرهت أن أخرج حتى أصلي، فقال عمر: إن الجمعة لا تمنعك السفر ما لم يحضر وقتها) وسنده صحيح كما قال العلامة الألباني، وقال الطحاوي: لا يُعرف عن الصحابة خلافه. وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن صالح بن كيسان أن أبا عبيدة رضي الله عنه خرج يوم

الجمعة في بعض أسفاره ولم ينتظر الجمعة. وإسناده جيد كما قال العلامة الألباني. واحتجوا بما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في سريةٍ فوافق ذلك يوم جمعة، قال: فتقدم أصحابه وقال: أتخلف فأصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ألحقهم، قال: فلما صلى رسول الله رآه، فقال: ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ فقال: أردت أن أصلي معك الجمعة ثم ألحقهم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما أدركت غدوتهم) رواه أحمد والترمذي، ثم قال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وضعفه العلامة الألباني في ضعيف سنن الترمذي حديث رقم 81. وقد استدل من منع السفر قبل الزوال يوم الجمعة بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه أن لا يصحب في سفره ولا تُقضى له حاجة) وهذا الحديث مكذوب، كما قال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 254. وقال ابن المنذر: [لا أعلم خبراً ثابتاً يمنع من السفر أول نهار الجمعة إلى أن تزول الشمس وينادي المنادي، فإذا نادى المنادي وجب السعي إلى الجمعة على من سمع النداء] الأوسط لابن المنذر 5/ 330. وبناءً على ما سبق فإن السفر قبل الزوال يوم الجمعة يجوز إذا كان السفر للمباحات كالسفر للتنزه أو للتجارة أو لغرض مشروع، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي مرجحاً القول بجواز السفر قبل الزوال: [ولأن الجمعة لم تجب عليه فلم يحرم السفر كالليل ... والأولى الجواز مطلقاً لأن ذمته بريئة من الجمعة فلم يمنعه إمكان وجوبها عليه كما قبل يومها] المغني2/ 269.

ولكن الأفضل والأولى أن يكون السفر بعد انقضاء صلاة الجمعة، كما قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة الجمعة الآية 10. وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن خيثمة أنه قال: (كانوا يستحبون إذا حضرت الجمعة أن لا يخرجوا حتى يجمعوا). وروى أيضاً عن سعيد بن المسيب قال: (السفر يوم الجمعة بعد الصلاة). وإنما قالوا ذلك لما فيه من فوات صلاة الجمعة وهي من الشعائر المعظمة شرعاً، ومن القواعد المقررة شرعاً وجوب تعظيم شعائر الله يقول الله تعالى: {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32. ويقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} سورة الحج الآية 30. قال الإمام القرطبي: [{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم ... فشعائر الله أعلام دينه ... ] تفسير القرطبي 12/ 56. وخلاصة الأمر أن الواجب على المسلم أن يحافظ على صلاة الجمعة، فهي من شعائر الله عز وجل، وأن لا يضيعها من أجل النزهات والرحلات، فإن خرج في رحلة في صباح الجمعة فليحرص على أداء صلاة الجمعة في أي مسجد قريب من موقع الرحلة. - - -

ارتباك المصلين بسبب سجود التلاوة

ارتباك المصلين بسبب سجود التلاوة يقول السائل: إن الإمام في صلاة الجمعة قرأ في آخر الركعة الثانية آية فيها سجدة تلاوة، ثم كبر وركع ولم يسجد سجود التلاوة، وقد حصلت بلبلةٌ بين المصلين، حيث إن المسجد مكون من ثلاثة طوابق، فبعض المصلين سجدوا سجود التلاوة وبعضهم لما سمع الإمام قال: سمع الله لمن حمده، قام وأتى بالركوع وتابع الإمام، وبعضهم ترك الركوع وجاء بالسجود، وبعض هؤلاء جاء بركعة بعد تسليم الإمام، وبعد انتهاء الصلاة حصل اختلاف بين المصلين، فقال بعض المشايخ الصلاة صحيحة لأن الإمام ضامن، وبعضهم قال أعيدوها ظهراً، فما الحكم في صلاة المأمومين، أفيدونا؟ الجواب: المشروع في حق الإمام إذا قرأ آية فيها سجدة تلاوة أن يسجد إذا كان ذلك في صلاة جهرية كصلاة الجمعة، فقد صح في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه ... ) رواه البخاري ومسلم. ويجوز له ترك سجود التلاوة، لأنه سنة عند جماهير أهل العلم وليس بواجب، فقد ثبت عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم - سورة - النجم، فلم يسجد فيها) رواه البخاري ومسلم. وقد كره الإمام مالك أن يقرأ الإمام سورة فيها سجدة التلاوة لما في ذلك من بلبلة للمأمومين، قال الإمام مالك: [لا أحب للإمام أن يقرأ في الفريضة بسورة فيها سجدة لأنه يخلط على الناس صلاتهم] المدونة 1/ 200. وتَرْكُ قراءة آيات فيها سجود التلاوة أولى وخاصة في المساجد المتعددة الطوابق كما هو الحال في السؤال، حيث لا يرى المأمومون الإمام ومَنْ وراءَه، فلا يعرفون حال الإمام أراكع هو أم ساجد؟

إذا تقرر هذا فإن أحوال المأمومين المذكورين في السؤال كما يلي: من سجد ظاناً أن الإمام سجد للتلاوة ثم لما سمع تسميع الإمام قام فجاء بالركوع ولحق بالإمام في باقي الصلاة فصلاته صحيحة ولا سجود سهو عليه، لأن الإمام يتحمل ذلك عنه. من سجد ظاناً أن الإمام سجد للتلاوة ولم يأت بالركوع ثم لما سلَّم الإمام من الصلاة قام فجاء بركعة فصلاته صحيحة أيضاً، لأنه اعتبر الركعة التي ترك الركوع فيها - وهو ركن من أركان الصلاة - لاغيةً فجاء بركعة بدلها وعليه سجود السهو. وأما من لم يأت بالركوع وتابع الإمام وسَّلم معه من الصلاة ولم يأت بركعة أخرى فصلاته باطلة، لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة باتفاق أهل العلم وهو الركوع ولا يسقط سهواً ولا جهلاً، ولا يحمله الإمام عن المأموم. وهؤلاء يلزمهم أن يصلوا الظهر أربعاً، لأن جمعتهم قد بطلت، وصلاة الجمعة لا تقضى، فمن بطلت جمعته أو فاتته صلاة الجمعة فإنه يصلي الظهر أربعاً. وأما قول من قال إن صلاة الجميع صحيحة لأن الإمام ضامن، فقول باطل لا دليل عليه، فالإمام لا يحمل الأركان عن المأمومين باتفاق الفقهاء وإنما يحمل عنهم السنن، فقد روى ابن ماجة بسنده عن أبي حازم قال: كان سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه يقدم فتيان قومه يصلون بهم، فقيل له تفعل ذلك ولك من القِدم ما لك؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء يعني فعليه ولهم) قال العلامة الألباني: حديث صحيح، السلسلة الصحيحة 4/ 366. وجاء في رواية أخرى عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) رواه

أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والبيهقي وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 1/ 231. ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن) أي الحفظ والرعاية لا ضمان الغرامة لأنه يحفظ على القوم صلاتهم كما قال ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث 3/ 102. وقال الإمام الماوردي: يريد بالضمان والله أعلم أنه يتحمل سهو المأموم كما يتحمل الجهر، والسورة، والفاتحة، والقنوت، والتشهد الأول وغير ذلك] أسنى المطالب 3/ 148. وقال الشوكاني: [قوله: (الإمام ضامن) الضمان في اللغة الكفالة والحفظ والرعاية، والمراد أنهم ضمناء على الإسرار بالقراءة والأذكار حكي ذلك عن الشافعي في الأم. وقيل: المراد ضمان الدعاء أن يعمَّ القوم به ولا يخص نفسه. وقيل: لأنه يتحمل القيام والقراءة عن المسبوق. وقال الخطابي: معناه أنه يحفظ على القوم صلاتهم وليس من الضمان الموجب للغرامة] نيل الأوطار 2/ 39. وقال صاحب عون المعبود: [(الإمام ضامن) أي متكفل لصلاة المؤتمين بالإتمام، فالضمان هنا ليس بمعنى الغرامة، بل يرجع إلى الحفظ والرعاية، قال الخطابي: قال أهل اللغة الضامن في كلام العرب معناه الراعي، والضمان الرعاية، فالإمام ضامن بمعنى أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم، وقيل معناه ضمان الدعاء يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم، وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا بشيء، وقد تأوله قوم على معنى أنه يتحمل القراءة عنهم في بعض الأحوال وكذلك يتحمل القيام أيضا إذا أدركه المأموم راكعاً] عون المعبود شرح سنن أبي داود2/ 152.

وبناءً على ما سبق فقد اتفق أهل العلم على أنه لا يدخل في ضمان الإمام أركان الصلاة كالركوع والسجود، فإذا ترك المأموم ركناً من أركان الصلاة كالركوع والسجود ولم يتداركها حتى سلَّم إمامه وطال الفصل بعد التسليم، فإن صلاة المأموم تبطل لأن أركان الصلاة لا تسقط سهواً ولا جهلاً، ولا يحملها الإمام عن المأموم، وقرر الفقهاء أن الإمام يتحمل عن المأموم السنن والمستحبات في حال تركها من المأموم. وقد عدَّ بعض الفقهاء ما يحمله الإمام عن المأموم فقال: [ذكروا أنه يتحمل ثمانية أشياء ... الأول: القراءة، قراءة الفاتحة، وقراءة السورة ... الثاني: سجود التلاوة. الثالث: سجود السهو، سجود التلاوة وسجود السهو إذا سجدهما الإمام يعني سقط عن مأمومه، ولكن يتأكد عليه أن يتابع إمامه، وذلك ولو لم يسه المأموم .... الرابع: السترة: يعني التي تكون أمامه، يقولون: سترة المأمومين إمامهم، وسترة الإمام سترة لمن خلفه، سترة الصفوف بعضهم سترة لبعض، فالصف الأول سترة للثاني، والصف الثاني سترة للثالث وهكذا .... الخامس: دعاء القنوت، المأمومون يؤمِّنون إذا دعا للقنوت، فلا يقنتون ولا يدعون بمثل دعائه، ويكفيهم التأمين. السادس: مما يحمله الإمام: التسميع (سمع الله لمن حمده) لا يقوله إلا الإمام. الثامن: قوله: ملء السماوات وملء الأرض إذا قال المأموم: ربنا ولك الحمد فقوله: ملء السماوات يحمله الإمام عنه ... ] أخصر المختصرات في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل شرح الشيخ عبد الله الجبرين، شبكة الإنترنت بتصرف. وأخيراً فيجب التنبيه على أنه تحرم الفتوى بغير علم، فقد أخطأ ذلك الشيخ في فتواه بأن صلاة الجميع صحيحة، لأن الإمام ضامن، وقوله هذا غير صحيح ولا أعلم أحداً من أهل العلم قال بفتواه الخاطئة وهذا من الإفتاء

بغير علم ومن الجرأة على دين الله عز وجل وإن التسرع في الفتيا خطأ وخطر يفضي إلى عدم إصابة الحق والجرأة على الله تعالى والوقوع فيما نهى عنه يقول تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، ومن أفتى بغير علم فعمل بفتواه عاملٌ كان إثم العامل على من أفتاه، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أجرؤكم على الفتيا، أجرؤكم على النار). فلا ينبغي لأحدٍ أن يقتحم حمى الفتوى ولمَّا يتأهل لذلك، وقد قرر أهل العلم أن من أفتى وليس بأهل للفتوى فهو آثمٌ عاصٍ. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية شديد الإنكار على أدعياء العلم الذين يتصدرون للفتيا، فقال له بعضهم يوماً: أَجُعلتَ محتسباً على الفتوى؟ فقال له: يكون على الخبازين والطباخين محتسبٌ ولا يكون على الفتوى محتسب] فعلى هذا الشيخ أن يتق الله في نفسه وفي الناس الذين أفتاهم بغير علم. وخلاصة الأمر أنه ينبغي على أئمة المساجد أن يراعوا أحوال المصلين وأن لا يوقعوهم في الحرج، ولو أدى ذلك لترك قراءة آيات سجود التلاوة، وخاصة في المساجد المتعددة الطوابق كما هو الحال في السؤال، حيث لا يرى المأمومون الإمام ومَنْ وراءه، فلا يعرفون حال الإمام أراكع هو أم ساجد؟ فوقعوا في إرباك شديد، وقد بينت أحوالهم في تلك الصلاة، والواجب على المسلم أن لا يفتي بغير علم لخطورة ذلك عليه وعلى من أفتاه. - - -

جمع صلاة الجمعة مع العصر للمسافرين في المسجد الأقصى

جمع صلاة الجمعة مع العصر للمسافرين في المسجد الأقصى يقول السائل: ما قولكم في جمع صلاة الجمعة مع العصر للمسافرين في المسجد الأقصى المبارك، حيث إن مؤذن المسجد وبعد انتهاء صلاة الجمعة يقيم الصلاة للعصر عبر مكبرات الصوت، ويصلي معظم المصلين مع هذه الجماعة، علماً أن أكثرهم غير مسافرين، وبعض هؤلاء يقول إنه يصلي مع هذه الجماعة سنة الجمعة البعدية، أفيدونا؟ الجواب: إن الأصل في باب العبادات هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بدون زيادة ولا نقصان، فليس لأحد مهما كان أن يزيد في العبادة شيئاً ولا أن ينقص منها شيئاً وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثين صحيحين مشهورين بالالتزام بالعبادة كما فعلها هو عليه الصلاة والسلام، أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، فهذا الحديث الصحيح الصريح يقرر هذا الأصل وهو لزوم الاتباع في الصلاة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فنؤدي الصلاة كما وردت عن رسول صلى الله عليه وسلم بلا زيادة ولا نقصان. ثانيهما: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم، فهذان الحديثان يدلان على أن الأصل في العبادات هو التوقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يثبت شيء من العبادات إلا بدليل من الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وجماع الدين أصلان أن لا يعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع لا نعبده بالبدع، كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} سورة الكهف الآية 110. وذلك تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله، ففي الأولى: أن لا نعبد إلا إياه. وفي الثانية:

أن محمداً هو رسوله المبلغ فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره وقد بين لنا ما نعبد الله به ونهانا عن محدثات الأمور وأخبر أنها ضلالة، قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة الآية112] رسالة العبودية ص 170 - 171. وذكر الإمام ابن العربي عن الزبير بن بكار قال: [سمعت مالك بن أنس وأتاه رجلٌ فقال: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول صلى الله عليه وسلم. فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل. قال: فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة. فقال: وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}] الاعتصام للشاطبي 1/ 132. إذا تقرر أن الأصل في العبادات التوقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كما يعبر بعض أهل العلم أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، فإنه لا يجوز شرعاً جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة لا في حق المقيم ولا في حق المسافر، لعدم ورود ذلك في السنة النبوية، وما نقل ذلك الجمع عن أحدٍ من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا يصح إثبات ذلك بالقياس على جواز جمع الظهر مع العصر للفروق الكثيرة بين صلاتي الجمعة والظهر، فصلاة الجمعة لها كيفية خاصة بها، ولها أيضاً شروط خاصة بها، فلا يصح قياسها على الظهر لأنه لا قياس في الصلاة، قال العلامة محمد صالح العثيمين: [فإن قال قائل: أفلا يصح قياس جمع العصر إلى الجمعة على جمعها إلى الظهر؟

فالجواب: لا يصح ذلك لوجوه: الأول: أنه لا قياس في العبادات. الثاني: أن الجمعة صلاة مستقلة منفردة بأحكامها تفترق مع الظهر بأكثر من عشرين حكماً، ومثل هذه الفروق تمنع أن تلحق إحدى الصلاتين بالأخرى. الثالث: أن هذا القياس مخالف لظاهر السنة، فإن في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، فسئل عن ذلك فقال: (أراد أن لا يحرج أمته)، وقد وقع المطر الذي فيه المشقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع فيه بين العصر والجمعة، كما في صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة وهو على المنبر، فما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، ومثل هذا لا يقع إلا من مطر كثير يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة، قال: وفي الجمعة الأخرى دخل رجل فقال: يا رسول الله غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله يمسكها عنا، ومثل هذا يوجب أن يكون في الطرقات وحلٌ يبيح الجمعَ لو كان جائزاً بين العصر والجمعة. فإن قال قائل: ما الدليل على منع جمع العصر إلى الجمعة؟ فالجواب: أن هذا سؤال غير وارد لأن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل، فلا يطالب من منع التعبد لله تعالى بشيء من الأعمال الظاهرة، أو الباطنة، وإنما يطالب بذلك من تعبد به لقوله تعالى منكراً على من تعبدوا لله بلا شرع: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة الشورى الآية21، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة المائدة

الآية 3، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). وعلى هذا: فإذا قال القائل: ما الدليل على منع جمع العصر مع الجمعة؟ قلنا: ما الدليل على جوازه؟ فإن الأصل وجوب فعل صلاة العصر في وقتها، خولف هذا الأصل في جمعها إلى الظهر عند وجود سبب الجمع، فبقي ما عداه على الأصل، وهو منع تقديمها على وقتها] مجموع فتاوى ورسائل العلامة العثيمين 16/ 181 - 183. وبعد هذا التأصيل، لا بد من التنبيه على الأمور التالية: أولاً: لا جمعة على المسافر باتفاق أهل العلم، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الجمعة في السفر، ولكن إن حضر المسافر الجمعة لزمته، لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة الجمعة الآية 9، وإذا صلى المسافر الظهر في يوم الجمعة فيجوز له أن يجمع إليها العصر، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين الظهر والعصر. ثانياً: لا شك أن الكيفية التي تتم بها الصلاة المذكورة في السؤال في المسجد الأقصى المبارك، كيفية بدعية، لم ترد في الشرع، حيث إن مؤذن المسجد يقيم لصلاة العصر عبر مكبرات الصوت، ثم أكثر من في المسجد يصلي معهم، مع العلم أنهم من أهل بيت المقدس وأكنافه، ومن هؤلاء عوام قد صلوا العصر جمعاً مع أنهم غير مسافرين!؟ ثالثاً: دعوى بعض الناس أنهم يصلون سنة الجمعة البعدية مع هذه الجماعة، دعوى باطلة، لأن الأصل في السنن أن تصلى بشكل فردي لا مع الجماعة، إلا ما ورد فيه دليل خاص، وقد قرر المحققون من أهل العلم أنه لا يجوز إثبات نوع من العبادات لدخوله تحت الدليل العام، بل لا بد من دليل خاص، فمثلاً

لو قال شخص عندما رأى المصلين في المسجد يصلون سنة الفجر أشتاتاً في أنحاء المسجد فقال: يا جماعة هلا اجتمعتم وصلينا سنة الفجر في جماعة، لأنه صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يد الله على الجماعة)، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس أو سبع وعشرين درجة). فاستدلال هذا الرجل بالأدلة العامة لا يقبل ولا يصح ولا يجوز أن تدخل سنة الفجر في هذه العمومات، ولو لم يثبت لدينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لا تصلوا سنة الفجر في جماعة. حيث لا يوجد لدينا حديث بهذا المعنى، فصلاة سنة الفجر في جماعة بدعة وإن كان الشرع قد حث على الجماعة وعلى صلاة الجماعة وأن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد، انظر فتاوى العلامة الألباني ص 49 - 50. رابعاً: ينفرد المسجد الأقصى المبارك بهذه البدعة المقدسية دون المساجد الأخرى، ويخشى إن استمر الحال كذلك، وتطاول الزمن، أن يعتقد عامة الناس مشروعيتها، وقد صح في الحديث قول النبي صلي الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم. خامساً: لو سلمنا جدلاً بجواز الجمع بين الجمعة والعصر- وهو قول ضعيف لا يسنده دليل صحيح- فإن الواجب على المسافرين أن يتنحوا في ناحية من المسجد ويصلوا لوحدهم، لا أن تقام لهم الصلاة من مؤذن المسجد عبر مكبرات الصوت، ويهب معظم المصلين ليصلوا معهم، وفي ذلك من تضليل العامة ما فيه، وخاصة مع تكراره أيضاً في غير يوم الجمعة، حيث تقام الصلاة بعد انتهاء صلاة الظهر فيصلى معظم أهل المسجد معهم، وأصبح الأمر كأنه سنة متبعة!

صلاة الاستسقاء على هيئة صلاة العيد محل صلاة الجمعة

وخلاصة الأمر أن جمع صلاة الجمعة مع العصر للمسافرين في المسجد الأقصى المبارك بالكيفية التي يتم بها أمر مبتدع، وهو على خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواجب على القائمين على المسجد منع ذلك. وواجب أهل العلم أن ينبهوا الناس إلى بدعية تلك الصلاة، وأن يحثوهم على اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. - - - صلاة الاستسقاء على هيئة صلاة العيد محل صلاة الجمعة يقول السائل: ما قولكم فيما فعله خطيب الجمعة في مسجدنا حيث إنه خطب الجمعة، وفي الخطبة الثانية حوَّل ردائه وهو على المنبر، وطلب من المصلين أن يقفوا، ثم استقبل القبلة وهو على المنبر ثم دعا والمصلون يؤمنون على دعائه، ثم طلب من المؤذن أن يقيم الصلاة للاستسقاء، فصلوا ركعتين كهيئة صلاة العيد، وبعد انتهاء هذه الصلاة خرج عدد كبير من المصلين من المسجد ولم يصلوا الجمعة، ثم طلب بعض المصلين من الإمام أن يصلي الجمعة فصلى بهم ركعتين، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: إن الأصل الذي قرره العلماء في العبادات عامة، والصلاة بشكل خاص، هو التلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالأصل فيها التوقيف أو الحظر كما يعبر بعض العلماء، أي أن الأصل أن لا نفعل شيئاً في باب العبادات ما لم يكن وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب علينا أن نلتزم بذلك بلا زيادة ولا نقصان، يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} سورة المائدة الآية 3، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ) رواه مسلم. وكان

عليه الصلاة والسلام يقول في خطبه: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم، فالأصل في المسلم أن يقف عند موارد النصوص فلا يتجاوزها لأننا أمرنا بالإتباع ونهينا عن الابتداع، فنحن مأمورون بإتباعه صلى الله عليه وسلم والإقتداء به، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} سورة الأحزاب الآية21. وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وكل ما يتعلق بها، وعلَّم الصحابة كيف يصلون وصلى أمامهم، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري. هذا هو الأصل الأصيل فقوام هذا الدين في أمرين: الأول ألا يُعبدَ إلا الله. والثاني أن لا يُعبدَ اللهُ إلا بما شرع. وبناءً على ذلك فما فعله خطيب الجمعة المذكور في السؤال مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة لوقوعه في عدة أخطاء، ومن هنا تأتي ضرورة أن يكون أئمة المساجد وخطباء الجمعة على درجة من الفقه في الدين وبالذات فيما يتعلق بأحكام الصلاة، لا أن تترك المساجد عامة وخطب الجمعة خاصة لكل من هب ودب ممن لا يحسنون ألف باء العلم الشرعي. إذا تقرر هذا فإن صلاة الاستسقاء مشروعة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قلة الأمطار وانحباسها فلا بد للناس أن يبادروا إلى التوبة والاستغفار مصداقاً لقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} سورة نوح الآيات 10 - 12.

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه رضي الله عنهم] المغني3/ 334. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وأجمع العلماء على أن الخروج إلى الاستسقاء، والبروز، والاجتماع إلى الله عز وجل خارج المصر بالدعاء، والضراعة إلى الله تبارك اسمه في نزول الغيث عند احتباس ماء السماء وتمادي القحط سنة مسنونة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك] التمهيد17/ 172. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على عدة أوجه كما قال العلامة ابن القيم: [ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وجوه: أحدها: يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته وقال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا. الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه إلى المصلى فخرج لما طلعت الشمس متواضعاً متبذلاً متخشعاً مترسلاً متضرعاً فلما وافى المصلى صعد المنبر - إن صح وإلا ففي القلب منه شيء - فحمد الله وأثنى عليه وكبره وكان مما حفظ من خطبته ودعائه: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت تفعل ما تريد اللهم لا إلا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا وبلاغاً إلى حين ثم رفع يديه وأخذ في التضرع والابتهال والدعاء وبالغ في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حوَّل إلى الناس ظهره واستقبل القبلة وحوَّل إذ ذاك رداءه وهو مستقبل القبلة فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن وظهر الرداء لبطنه وبطنه لظهره وكان الرداء خميصة سوداء وأخذ في الدعاء مستقبل القبلة والناس كذلك ثم نزل

فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد من غير أذان ولا إقامة ولا نداء ألبتة جهر فيهما بالقراءة وقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية. الوجه الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى على منبر المدينة استسقاءً مجرداً في غير يوم جمعة ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء صلاة. الوجه الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى وهو جالس في المسجد فرفع يديه ودعا الله عز وجل فحفظ من دعائه حينئذ اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً طبقاً عاجلاً غير رائث - غير بطيء ولا متأخر - نافعاً غير ضار. الوجه الخامس: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء وهي خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام نحو قذفة حجر ينعطف عن يمين الخارج من المسجد. الوجه السادس: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء فأصاب المسلمين العطش فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعض المنافقين لو كان نبياً لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوقد قالوها؟ عسى ربكم أن يسقيكم ثم بسط يديه ودعا فما ردَّ يديه من دعائه حتى أظلهم السحاب وأمطروا فأفعم السيل الوادي فشرب الناس فارتووا] زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 457 - 458. وأكمل وجوه صلاة الاستسقاء هو الثاني كما قال الإمام النووي: [أفضلها وهو الاستسقاء بصلاة ركعتين] المجموع 5/ 64. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي [قال القاضي: الاستسقاء ثلاثة أضرب، أكملها الخروج والصلاة على ما وصفنا ويليه استسقاء الإمام يوم الجمعة

على المنبر ... والثالث أن يدعو الله تعالى عقيب صلواتهم وفي خلواتهم] المغني 2/ 327. وأما الاستسقاء يوم الجمعة بالدعاء أثناء خطبة الجمعة فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم اسقنا اللهم اسقنا، قال أنس: والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئاً وما بيننا وبين سلع - اسم جبل بالمدينة المنورة - من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال: والله ما رأينا الشمس سبتاً - أي أسبوعاً - ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبله قائماً. فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها. قال: فرفع رسول الله يديه ثم قال: اللهم حوالينا لا علينا اللهم على الآكام والجبال والظراب والأودية ومنابت الشجر. قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس). وبعد توضيح هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، أعود لبيان ما فعله الخطيب المذكور فأقول: أولاً: إن طلب الخطيب من الناس أن يقفوا ليؤمنوا على دعاء الخطيب، أمر غير مشروع وبدعة ابتدعها على خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه

وسلم. فمن المعلوم الثابت أن المصلين يؤمنون على دعاء الخطيب وهم جلوس. ثانياً: قلب الخطيب لردائه واستقباله القبلة وهو على منبر الجمعة، على خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الحديث الذي ذكرته سابقاً أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم لما استسقى وهو على منبر الجمعة، رفع يديه فقال: اللهم اسقنا اللهم اسقنا ... إلخ. ثالثاً: طلب الخطيب من المؤذن أن يقيم الصلاة للاستسقاء، هذا فيه عدة أخطاء، حيث صلى الاستسقاء محل صلاة الجمعة، وهذا أمر باطل، لأن خطبة الجمعة جزء من صلاة الجمعة، وقد فصل الخطيب بين صلاة الجمعة وخطبة الجمعة، ولا يشرع أن يصلي الاستسقاء محل صلاة الجمعة، كما أنه لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة للاستسقاء، لما ثبت في صحيح البخاري عن أبى إسحاق خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري وخرج معه البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم فاستسقى، فقام بهم على رجليه على غير منبر فاستغفر، ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة ولم يؤذن ولم يقم. قال أبو إسحاق ورأى عبد الله بن يزيد النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولا يسن لها أذان ولا إقامة، ولا نعلم فيه خلافاً] المغني 3/ 337. رابعاً: المصلون الذين خرجوا من المسجد بعد انتهاء صلاة الاستسقاء المبتدعة ولم يصلوا الجمعة، يلزمهم أن يقضوا صلاة الظهر، لأنهم لم يصلوا الجمعة. وخلاصة الأمر أن صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة وأن أكمل صفاتها أن يخرج الناس إلى مصلى العيد فيصلوا ركعتين كصلاة العيد مع خطبة، فإن استسقى إمام الجمعة أثناء خطبة الجمعة فحسن، ولا يشرع بحال من الأحوال أن يصلي الاستسقاء محل صلاة الجمعة، وكذلك لا أرى أن يصلي ركعتين بعد

الجمعة ويقنت في الثانية بعد الركوع كما يفعله بعض أئمة المساجد، لأن هذه الصفة لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل بها أحد من العلماء فيما أعلم، وإنما يُكتفى بالدعاء في خطبة الجمعة، وأن ما فعله الخطيب المذكور، فيه جملة من الأخطاء حيث إنه صلى الاستسقاء على هيئة صلاة العيد محل صلاة الجمعة، ولا شك في بطلان ذلك وأنه غير مشروع ولا بحال من الأحوال. - - -

الزكاة والصيام والحج والأيمان

الزكاة والصيام والحج والأيمان

احتساب العيدية من زكاة المال

احتساب العيدية من زكاة المال يقول السائل: هل يجوز أن أجعل عيدية أخواتي من مال الزكاة، وإذا أعطيت عيدية لأولادي وبناتي فهل يشترط أن أعطي الجميع نفس المبلغ، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: العيدية كما هو معروف بين الناس هي مبلغ من المال، يعطيه الشخص لقريبه بمناسبة حلول العيد - عيد الفطر أو عيد الأضحى - وهذه العيدية صارت لازمة أو شبه لازمة بحكم العرف، حيث إن الناس قد تعارفوا على ذلك، وهذا عرف صحيح يتفق مع الشرع، فالعيدية من باب البر والصلة والإحسان والمرؤة، ومن باب بذل المعروف للأقارب، وهذه المعاني مقررة شرعاً بنصوص الكتاب والسنة، والعرف الصحيح الذي لا يصادم النصوص الشرعية معتبر عند أهل العلم، قال الإمام القرافي: [وأما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها] شرح تنقيح الفصول ص 488. وقال الشيخ العلامة ابن عابدين الحنفي: والعرف في الشرع له اعتبارُ ... لذا عليه الحكم قد يدارُ رسالة (نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف) ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 2/ 112. وقد قامت الأدلة الكثيرة على اعتبار العرف ووضع الفقهاء القواعد الفقهية في ذلك كما في قولهم: العادة محكمة، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، واستعمال الناس حجة يجب العمل بها، وغير ذلك. [وسلطان العرف العملي كبير في أحكام الأفعال المعتادة والمعاملات المختلفة المتعلقة بحقوق الناس أو أحوالهم الشخصية أو القضاء أو الشهادات والعقوبات وغيرها ويعمل بالعرف ما لم يصادم نصاً شرعياً من القرآن أو السنة واضح الدلالة

قطعياً أو نصاً تشريعياً كالقياس ويعتبر ما ثبت بالعرف حينئذ ثابتاً بالنص اتباعاً للقاعدة الشرعية الثابت بالعرف كالثابت بالنص أو الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي] نظرية العرف ص 48. ومن أوسع مجالات إتباع العرف ما يتعلق بالأسرة مثل عشرة النساء والنفقة عليهن ومن ضمن ذلك ما تعارف عليه الناس من تقديم العيدية للأقارب، وهذا عرف صحيح ينبغي اعتباره والعمل به فهو لا يصادم النصوص الشرعية بل يؤكد مقاصد الشارع الحكيم. إذا تقرر هذا فإنه لا يصح شرعاً اعتبار العيدية للأخوات من الزكاة إن لم يكن من أهلها، وذلك لأن الزكاة لها مصارفها المقررة شرعاً، ولا يجوز صرف الزكاة إلا في تلك المصارف، يقول الله سبحانه وتعالى في بيان مصارف الزكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِي0لِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة الآية 60. وقد أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا تصرف إلا في المصارف الثمانية المذكورة في الآية الكريمة ولا حق لأحدٍ من الناس فيها سواهم، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [هذه لهؤلاء]. وقد روي في الحديث عن زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته - وذكر حديثاً طويلاً - فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يرض بحكم نبيٍ ولا غيره في الصدقة حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت في تلك الأجزاء أعطيتك حقك) رواه أبو داود والبيهقي والدارقطني وفي سنده ضعف. وإعطاء الأخوات من الزكاة يجوز شرعاً في حالة كون المزكي غير ملزمٍ شرعاً بالإنفاق عليهن، وهناك خلاف بين أهل العلم في النفقة على الأقارب غير

الأصول والفروع، مثل الأخ أو الأخت والعم والعمة والخال والخالة وغيرهم. والقول الراجح في ذلك هو: إن النفقة تجب على ذي الرحم الوارث، سواء ورث بفرض أو تعصيب أو برحم، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وبناءً على ذلك لا يجوز أن يعطي الرجل زكاة ماله لمن وجبت عليه نفقته، فمثلاً أخرج المزكي زكاة ماله وله أخت وليس لها من ينفق عليها إلا المزكي المذكور، فلا يجوز أن يعطيها من زكاة ماله. وهذا الأساس الذي بني عليه الحكم في المنع من إعطاء الزكاة للأقارب إذا كانت النفقة واجبة على المزكي، قال به جماعة من أهل العلم من السلف والخلف فمن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي حفصة قال: [سألت سعيد بن جبير عن الخالة تعطى من الزكاة فقال: ما لم يغلق عليكم باباً] المصنف 3/ 192، - أي ما لم يضمها إلى عياله -. وما رواه أيضاً بإسناده عن عبد الملك قال: قلت لعطاء: [أيجزي الرجل أن يضع زكاته في أقاربه، قال: نعم إذا لم يكونوا في عياله] المصنف 3/ 192. وما رواه أيضاً عن سفيان الثوري أنه قال: [لا يعطيها من تجب عليه نفقته] المصنف 3/ 192وروى أبو عبيد القاسم بن سلام بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إذا لم تعط منها أحداً تعوله فلا بأس)، ورواه الأثرم في سننه بلفظ آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [إذا كان ذوو قرابة فأعطهم من زكاة مالك وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لمن تعول] نيل الأوطار 4/ 200. وقال أبو عبيد: قال لي عبد الرحمن: [إنما كرهوا ذلك لأن الرجل إذا ألزم نفسه نفقتهم وضمهم إليه ثم جعل ذلك بعده إلى الزكاة كان كأنه قد وقى ماله بزكاته] الأموال ص695.

وأما إذا لم تكن نفقة الأخوات واجبة على المزكي، فيجوز إعطاؤهن من الزكاة، بل الأخوات أولى بالزكاة من غيرهن في هذه الحالة، وللمزكي أجران أجر الصدقة وأجر الصلة، لما ثبت في الحديث عن سلمان بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، ورواه الحاكم وقال: إسناده صحيح ووافقه الذهبي وحسنه العلامة الألباني في إرواء الغليل 3/ 387. قال المباركفوري: [قوله: (الصدقة على المسكين) أي صدقة واحدة (وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة) يعني أن الصدقة على الأقارب أفضل لأنه خيران ولا شك أنهما أفضل من واحد] تحفة الأحوذي 3/ 261. وجاء في الفتاوى الهندية: [والأفضل في الزكاة والفطر والنذور الصرف أولاً إلى الأخوة والأخوات، ثم إلى أولادهم، ثم إلى الأعمام والعمات، ثم إلى أولادهم ثم إلى الأخوال والخالات، ثم إلى أولادهم، ثم إلى ذوي الأرحام ثم إلى الجيران ثم إلى أهل حرفته ثم إلى أهل مصره أو قريته] الفتاوى الهندية 1/ 190.وأما إعطاء الزكاة للأخوات - إن كن من أهلها - تحت غطاء العيدية فهذا فيه نوع إيهام غير مقبول، لأن الناس يعرفون أن العيدية من مقتضيات الأعراف الحميدة، وأما الزكاة فإنها مما أوجبه الله تعالى، وكذلك فإن إعطاء الزكاة للأخوات - إن كن من أهلها - تحت غطاء العيدية، فيه دفاع عن مال المعطي ووقاية له مما لزمه عرفاً، ولا يصح شرعاً جعل الزكاة وقايةً لمال المزكي مما لزمه شرعاً كالنفقات الواجبة أو عرفاً كالعيدية، كما أنه لا يصح جعل الزكاة وقاية من مال لا تستطيع الوصول إليه، كما يفعله بعض المزكين من احتساب ديونهم على الفقراء العاجزين عن السداد من مال الزكاة، قال أبو عبيد

القاسم بن سلام، في تعليل منع احتساب الدين من الزكاة: [ ... إني لا آمن أن يكون إنما أراد أن يقي ماله بهذا الدين قد يئس منه فيجعله ردءاً لماله يقيه به إذا كان منه يائساً ... ] الأموال ص533 - 534. وأما العدل عند إعطاء الأولاد والبنات العيدية، فمطلوب شرعاً لعموم الأدلة الواردة في العدل بين الأولاد، وقد رفض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشهد على إعطاء أحد الصحابة لأحد أولاده عطية دون الآخرين كما جاء في الحديث عن عامر قال: (سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي أعطيةً فقالت عمرة بنت رواحة - أم النعمان - لا أرضى حتى تشهد رسول صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. قال فرجع فردَّ عطيته) رواه البخاري، وفي روايةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير والد النعمان (لا تشهدني على جورٍ أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم. قال: أشهد على هذا غيري) رواه أبو داود بسندٍ صحيح. ويدل على أنه يجب على الأب أن يسوي بين أولاده في الهبات والعطايا قوله صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديثٌ صحيح كم قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 677. وقوله صلى الله عليه وسلم: (سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء) رواه سعيد بن منصور والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن. وقال صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أولادكم في النِحَل كما

تحبون أن يعدلوا بينكم في البِر) رواه مسلم. ومن الجدير بالذكر أن جمهور الفقهاء يرون أن الذكر والأنثى سواءٌ في الهبات والأعطيات وكذا في العيديات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد (فسووا بينهم)، وفي روايةٍ أخرى (أليس يسرك أن يكونوا في البر سواء)، والبنت كالابن في وجوب برها لأبيها. ولكن يجوز التفضيل بينهم لسبب معتبر شرعاً، والقول بجواز تفضيل بعض الأولاد لمسوغ شرعي لا بأس به ولا يخالف الأدلة الواردة في وجوب العدل بين الأولاد في العطية، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة السعودية: [المشروع في عطية الأولاد هو التسوية بينهم في العطاء على السواء، ولا يجوز التفضيل إلا لمسوغ شرعي؛ لكون أحدهم مقعداً أو صاحب عائلة كبيرة أو لاشتغاله بالعلم، أو صرف عطية عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يعصي الله فيما يأخذه ... ] فتاوى اللجنة الدائمة 16/ 193. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز للشخص أن يحتسب العيدية من زكاة ماله، بل ينبغي أن تكون العيدية من ماله الخاص، وينبغي العدل بين الأولاد في العيدية فلا يعطي بعضهم ويحرم الآخرين، وتجوز المفاضلة في مبلغ العيدية بين الأولاد، فالكبير يعطى أكثر من الصغير، ولا تشترط المساواة بينهم فيها. - - -

السيئات لا تضاعف في شهر رمضان المبارك

السيئات لا تضاعف في شهر رمضان المبارك يقول السائل: ما صحة القول بأن السيئات تضاعف في شهر رمضان المبارك كما تضاعف الحسنات، أفيدونا؟ الجواب: لا شك أن حرمة شهر رمضان المبارك حرمة عظيمة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق عن عقوبة من ينتهك حرمة رمضان فقد ورد في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضَبعيَّ - أي بعضُديَّ - فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا: اصعد فقلت: إني لا أطيقه فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً، قال قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم ... ) رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 7/ 1669، وفي صحيح الترغيب والترهيب 1/ 588. وقد قرر المحققون من أهل العلم أنه مع هذه الحرمة العظيمة لرمضان، فإن السيئات لا تضاعف أعدادها في رمضان بل المضاعفة خاصة بالحسنات في رمضان وفي غيره، وما ورد في بعض الأحاديث من مضاعفة السيئات في رمضان فلا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سأبين لاحقاً. وقد نصت آيات الكتاب الكريم على أن جزاء السيئة سيئة مثلها فقط، قال الله تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ

يُظْلَمُونَ} سورة الأنعام الآية 160. وقال الله تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة القصص الآية 84. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} سورة يونس الآية 27. وقال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} سورة غافر الآية 40. وقال الله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} سورة الشورى الآية 40. وثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن همَّ بحسنة فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها عنده حسنة كاملة، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة) رواه البخاري ومسلم، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي عند شرحه للحديث [النوع الثاني عمل السيئات: فتكتب السيئة بمثلها من غير مضاعفة كما قال الله تعالى: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} وقوله (كتبت له سيئة واحدة) إشارة إلى أنها غير مضاعفة كما خرج في حديث آخر، لكن السيئة تعظم أحياناً بشرف الزمان أو المكان كما قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}، في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرماً وعظَّم حرمتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم، وقال قتادة في هذه الآية: اعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزراً فيما سوى ذلك، وإن كان الظلم في كل حال غير طائل، ولكن الله تعالى يعظم من أمره ما يشاء تعالى ربنا. وقد روي في حديثين مرفوعين أن السيئات تضاعف في رمضان ولكن إسنادهما لا يصح] جامع العلوم والحكم ص 438 - 439. وما أشار إليه الحافظ ابن رجب الحنبلي من مضاعفة السيئات في رمضان هو ما رواه الطبراني وابن عدي عن أم هانئ رضي الله عنها، وابن عدي وابن صصري في أماليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن أمتي لن تخزى ما أقاموا صيام شهر رمضان، قيل: يا رسول الله؟ وما خزيهم في إضاعة شهر رمضان؟ قال: انتهاك المحارم فيه، من زنى فيه، أو شرب خمراً فيه لعنه الله ومن في السموات إلى مثله من الحول، فإن مات قبل أن يدرك رمضان فليست له عند الله حسنة يتقي بها النار. فاتقوا الله في شهر رمضان، فإن الحسنات تضاعف فيه ما لا تضاعف فيما سواه، وكذلك السيئات) وهذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي، وممن ضعَّف الحديث السابق أيضاً ابن الجوزي حيث قال: هذا حديث لا يصح كما في العلل المتناهية 3/ 537. إذا تقرر هذا فإن العلماء متفقون على أن الحسنات تضاعف كما قال الله تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} سورة الأنعام الآية 160. وقال تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} سورة البقرة الآية 245 وغير

ذلك من الآيات. وتزداد مضاعفة الحسنات في مواسم الخير كرمضان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم له، يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) رواه مسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث: [ ... المراد بقوله (وأنا أجزي به) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس. قال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعني رواية الموطأ، وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال: (كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله - قال الله - إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) أي أجازي عليه جزاءً كثيراً من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} انتهى. والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال ... ] فتح الباري 4/ 139. وكذلك تضاعف الحسنات في الأمكنة الفاضلة كالحرمين والمسجد الأقصى المبارك، فقد ورد في الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن كما قال الهيثمي مجمع الزوائد 4/ 7، ورواه البزار وقال إسناده حسن، الترغيب والترهيب 2/ 175. وقال المحققون من أهل العلم بأن مضاعفة السيئات لا تكون في كمياتها وأعدادها ولكن تكون في كيفيتها فتكون السيئة مغلظة في الأزمنة الفاضلة وفي

الأمكنة الفاضلة، فمن يعص الله عز وجل في رمضان وفي الأشهر الحرم فذنبه مغلظ، وكذا من يعص الله في المسجد الحرام، فذنبه مغلظ، قال العلامة ابن القيم: [ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه - أي المسجد الحرام - لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها سيئة لكن سيئة كبيرة، وجزاؤها مثلها، وصغيرة جزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه، فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات والله أعلم] زاد المعاد 1/ 51. وقال الشيخ ابن حجر المكي [ينبغي حمل مضاعفة السيئات على مقابلها دون الزيادة على كميتها، لقوله تعالى: {فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} وكذا يقال بمثل ذلك السيئات في حرم مكة. وقول مجاهد وغيره رحمهم الله تعالى بمضاعفتها فيه، إن أرادوا به ما ذكر كان قريباً، أو زيادة كميتها على مائة ألف في مقابلة السيئة الواحدة كالحسنة، كان بعيداً من ظواهر نصوص الكتاب والسنة] إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام ص52. وخلاصة الأمر أن شهر رمضان المبارك موسم للطاعات ولفعل الخيرات، وعلى المسلم أن يحرص على طاعة ربه عز وجل وأن يبتعد عن المعاصي والآثام، لأن حرمة رمضان عظيمة، ومن يعص الله عز وجل في رمضان فذنبه مغلظ، وأن الحسنات تضاعف في رمضان وغير رمضان، وأما السيئات فلا تضاعف لا في رمضان ولا في غير رمضان ولكنها في رمضان تغلظ، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة. - - -

الإحرام من بيت المقدس بحج أو عمرة

الإحرام من بيت المقدس بحج أو عمرة يقول السائل: نويت الحج هذا العام وأرغب أن أحرم من المسجد الأقصى المبارك حيث إنني سمعت حديثاً في فضل الإحرام من بيت المقدس، فما حكم ذلك، أفيدونا؟ الجواب: اتفق جماهير أهل العلم على جواز الإحرام بالنسك، حجاً أو عمرة، قبل المواقيت المكانية التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمن أهله، حتى أهل مكة يهلون منها) رواه البخاري ومسلم. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [لا خلاف في أن من أحرم قبل الميقات يصير محرماً، وتثبت في حقه أحكام الإحرام] المغني 3/ 250. إلا أن أهل الظاهر منعوا الإحرام قبل المواقيت مطلقاً، وقولهم مرجوح، قال الإمام النووي: [أجمع من يُعْتد به من السلف والخلف من الصحابة فمن بعدهم على أنه يجوز الإحرام من الميقات ومما فوقه، وحكى العبدري وغيره عن داود - الظاهري - أنه قال: لا يجوز الإحرام مما فوق الميقات، وأنه لو أحرم مما قبله لم يصح إحرامه، ويلزمه أن يرجع ويحرم من الميقات، وهذا الذي قاله مردود عليه بإجماع من قبله] المجموع 7/ 200. ومع اتفاق جمهور الفقهاء على جواز الإحرام قبل المواقيت المكانية إلا أنهم اختلفوا في الأفضل، هل هو الإحرام من المواقيت؟ أم الإحرام من بلد مريد الحج؟ والمسألة محلُ خلافٍ بين أهل العلم، والراجح أن الإحرام من الميقات

أفضل، وبه قال المالكية والشافعية في أصح القولين عندهم والحنابلة، وقد كره عمر وعثمان رضي الله عنهما أن يحرم أحدٌ قبل الميقات، فقد ورد (أن عمران بن الحصين رضي الله عنه أحرم من مصره، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فغضب وقال: يتسامع الناس أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره) رواه البيهقي في السنن الكبرى والطبراني في الكبير، وروى البخاري تعليقاً أن عثمان رضي الله عنه كره أن يُحرم من خراسان أو كرمان)، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وصله سعيد بن منصور ... أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: أحرم عبد الله بن عامر من خراسان، فقدم على عثمان فلامه وقال: غزوتَ وهانَ عليك نُسُكك، وروى أحمد بن سيار في (تاريخ مرو) من طريق داود بن أبي هند قال: لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال: لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرماً، فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع. وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضاً] فتح الباري 3/ 530. ولا شك أن الاقتداء بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم أولى وأهدى، فقد أحرم الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من ذي الحليفة - آبار علي- كما هو ثابت في السنة النبوية، وهكذا فعل صحابته رضوان الله عليهم، فقد كانوا يحرمون من المواقيت، قال الإمام البخاري في صحيحه: (باب فرض مواقيت الحج والعمرة) ثم روى عن زيد بن جبير أنه أتى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في منزله وله فسطاط وسرادق، فسألته من أين يجوز أن أعتمر؟ قال فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجدٍ قرناً، ولأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة) ثم قال الإمام

البخاري: (باب ميقات أهل المدينة، ولا يُهلون قبل ذي الحليفة) ثم روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يُهل أهلُ المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجدٍ من قَرْن. قال عبد الله وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهل أهل اليمن من يلملم) صحيح البخاري 3/ 482، 488. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وهذا التوقيت يقتضي نفي الزيادة والنقص، فإن لم تكن الزيادة محرمةً، فلا أقلَّ من أن يكون تركها أفضل] شرح العمدة 5/ 129. وقد سئل الإمام مالك رحمه الله حيث أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال: لا تفعل. فإني أخشى عليك الفتنة، فقال: وأي فتنة في هذه؟ إنما هي أميال أزيدها! قال: وأي فتنةٍ أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. ذكر هذا الأثر عن الإمام مالك الشيخ ابن العربي في أحكام القرآن 3/ 432، والإمام الشاطبي في الاعتصام 1/ 132. وقال الإمام النووي: [والأصح على الجملة أن الإحرام من الميقات أفضل للأحاديث الصحيحة المشهورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم في حجته من الميقات، وهذا مجمعٌ عليه، وأجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد وجوب الحج ولا بعد الهجرة غيرها، وأحرم صلى الله عليه وسلم عام الحديبية بالعمرة من ميقات المدينة ذي الحليفة، رواه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي، وكذلك أحرم معه صلى الله عليه وسلم بالحجة المذكورة والعمرة المذكورة أصحابه من الميقات، وهكذا فعل بعده صلى الله عليه

وسلم أصحابه والتابعون وجماهير العلماء وأهل الفضل، فترك النبي صلى الله عليه سلم الإحرام من مسجده الذي صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وأحرم من الميقات فلا يبقى بعد هذا شكٌ في أن الإحرام من الميقات أفضل] المجموع 7/ 201. إذا تقرر هذا فأعود للحديث الذي أشار إليه السائل في فضيلة الإحرام من بيت المقدس، وهو عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أهلَّ بحجٍ أو عمرةٍ من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة) رواه أبو داود وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وأحمد، وهذا الحديث ضعيف، ضعفه البخاري والمنذري وابن حزم والنووي وابن كثير وابن القيم والحافظ ابن حجر وغيرهم، قال الشيخ ابن حزم: [واحتج من رأى هذا - أي جواز الإحرام قبل الميقات - بما روينا من طريق أبي داود ... عن أم سلمة أم المؤمنين أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أهلَّ بحجةٍ أو عمرةٍ من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة) شك عبد الله أيهما قال، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ... عن أم حكيم بنت أمية عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أهلَّ بعمرةٍ من بيت المقدس غُفر له). قال عليٌ - أي ابن حزم -: أما هذان الأثران، فلا يشتغل بهما من له أدنى علم بالحديث، لأن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي، وجدته حكيمة، وأم حكيم بنت أمية لا يُدرى من هم من الناس، ولا يجوز مخالفة ما صح بيقينٍ، بمثل هذه المجهولات التي لم تصح قط] المحلى 5/ 59 - 60.

وقد ضعف الحديث السابق العلامة الألباني حيث فصلَّ الكلام عليه فقال: [ضعيف، أخرجه أبو داود وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وأحمد من طريق حكيمة عن أم سلمة مرفوعاً. قال ابن القيم في تهذيب السنن: قال غير واحد من الحفاظ: إسناده غير قوي. قلت: وعلته عندي حكيمة هذه فإنها ليست بالمشهورة، ولم يوثقها غير ابن حبان وقد نبهنا مراراً على ما في توثيقه من التساهل، ولهذا لم يعتمده الحافظ فلم يوثقها، وإنما قال في التقريب: مقبولة، يعني عند المتابعة، وليس لها متابع هاهنا فحديثها ضعيف غير مقبول، هذا وجه الضعف عندي، وأما المنذري فأعله بالاضطراب فقال في مختصر السنن وقد اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافاً كثيراً، وكذا أعله بالاضطراب الحافظ ابن كثير كما في نيل الأوطار. ثم إن المنذري كأنه نسي هذا فقال في الترغيب والترهيب: رواه ابن ماجة بإسناد صحيح! وأنى له الصحة وفيه ما ذكره هو وغيره من الاضطراب، وجهالة حكيمة عندنا؟! ثم إن الحديث قال السندي وتبعه الشوكاني: يدل على جواز تقديم الإحرام على الميقات. قلت: كلا، بل دلالته أخص من ذلك، أعني أنه إنما يدل على أن الإحرام من بيت المقدس خاصة أفضل من الإحرام من المواقيت، وأما غيره من البلاد فالأصل الإحرام من المواقيت المعروفة وهو الأفضل كما قرره الصنعاني في سبل السلام، وهذا على فرض صحة الحديث، أما وهو لم يصح كما رأيت، فبيت المقدس كغيره في هذا الحكم ... ] سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 248 - 249. ويضاف إلى ما سبق، أن الإحرام قبل الميقات، كالإحرام من بيت المقدس، فيه نوع حرج وتضييق على المحرم، حيث تطول مدة الإحرام، وقد يلحق الأذى والضرر بالمحرم، كما لو كان الفصل شتاءً، وكما أن الإنسان لا يخلو من

إلغاء موسم حج هذا العام بسبب مرض إنفلونزا الخنازير

الوقوع في الذنوب، فإذا وقع في الذنب وهو محرم كان الذنب عظيماً، قال عطاء من كبار التابعين: [انظروا هذه المواقيت التي وُقتت لكم فخذوا برخصة الله فيها، فإنه عسى أن يصيب أحدُكم ذنباً في إحرامه، فيكون أعظم لوزره، فإن الذنب في الإحرام أعظم من ذلك] المغني 5/ 251. وخلاصة الأمر أن الإحرام من المواقيت المكانية المعروفة هو الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحرم منها الصحابة ومنهم الخلفاء الراشدون وغيرهم من التابعين، فالخير كل الخير في إتباعهم، والحديث الوارد في فضل الإحرام من المسجد الأقصى أو من بيت المقدس حديث ضعيف عند المحدثين، لذا أنصح الحجاج والمعتمرين أن يحرموا من المواقيت التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم. - - - إلغاء موسم حج هذا العام بسبب مرض إنفلونزا الخنازير يقول السائل: ما قولكم في بعض الفتاوى التي نادت بتأجيل موسم الحج لهذا العام بسبب انتشار مرض إنفلونزا الخنازير، أفيدونا؟ الجواب: انتشار إنفلونزا الخنازير وتأثيرها على الحج والعمرة، من النوازل المعاصرة التي تحتاج إلى دراسة طبية فقهية معمقة، وما صدر من فتاوى طالبت بإلغاء موسم الحج لهذا العام وتأجيل العمرة، ما هي إلا فتاوى متسرعة ومتعجلة لم تدرس النازلة وفق القواعد والضوابط الشرعية المقررة لدراسة القضايا المعاصرة، والفتاوى المطالبة بإلغاء موسم الحج لهذا العام مشت على منهج المبالغة في التيسير والتساهل بحجة أن الدين يسر، وأن المصلحة تقضي بالمحافظة على صحة الناس، وأن حفظ الصحة أهم من الشعائر، كما قالت

إحدى المفتيات!! [إن المحافظة على الحياة أحد المقاصد الرئيسية للشريعة، لافتة إلى أن الإسلام دين يسرٍ لا عسر، والمشقة فيه تجلب التيسير؛ حيث يقول تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، ويقول جل شأنه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. ودعت إلى تطبيق قاعدة (درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة) مستنكرة أن يخاف المسلمون من تأجيل العمرة أو حتى الحج، وكذلك الصلاة في الخلاء؛ لأنه يجب أن يكون خوفهم على حياتهم أكبر من خوفهم على فوات العبادة في هذه الظروف الاستثنائية التي تهدد الحياة!!!] وهذه المخاوف التي بنيت عليها هذه الفتاوى المتسرعة ما هي إلا ظنون متوهمة ولا يجوز شرعاً أن نلغي فريضة الحج بسبب هذه الأوهام. ويمكن تلخيص الرد على هذه الفتاوى العرجاء بما يلي: أولاً: إن المبالغة في العمل بالمصلحة ولو عارضت النصوص الشرعية أمر مرفوض شرعاً، لأن المصلحة دليل متأخر الرتبة عند من يستدل به. ولا يجوز بحال من الأحوال تقديم المصلحة على نصوص الكتاب والسنة، حيث إن الحج فريضة محكمة، يقول الله عز وجل: {َلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} سورة آل عمران الآية97. ثانياً: هنالك تسرع واضح في إصدار هذه الفتاوى قبل استشارة أهل الاختصاص من الأطباء وغيرهم، فإن رأي الجهات الطبية ورأي الأطباء الثقات أهل الاختصاص يجب أن يؤخذ أولاً وبعد دراسته يمكن إصدار الفتاوى المناسبة، ومن المعلوم حتى الآن أن الأطباء لا يقولون بأنه يوجد داعٍ لإلغاء موسم الحج بسبب إنفلونزا الخنازير، فقد قال الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء المصريين: [إنه لا مانع من إنجاز موسم الحج والعمرة، مع

ضرورة تقديم السلطات السعودية ضماناتٍ صحيةً بالحفاظ على الحجَّاج والمعتمرين، وأعرب عن استغرابه للدعوات المطالبة بوقف موسمَي الحج والعمرة، مؤكدًا أن العشرات يموتون في الأراضي المقدسة كلَّ عام بالإنفلونزا وغيرها؛ نتيجة تقدُّم الأعمار، وإصابة عدد كبير منهم بأمراض مزمنة وضعف مناعة] وأعلنت نقابة أطباء مصر في بيان لها أنه لا ضرورة علمية أو صحية لإلغاء رحلات الحج والعمرة هذا العام بسبب فيروس إنفلونزا الخنازير، معتبرة أن الفيروس المسبب للمرض (إتش 1 إن 1) هو من نوع الأنفلونزا الموسمية نفسها، بل أخف منها ضرراً وقالت النقابة: إن الأطباء المتخصصين في علم الميكروبيولوجيا الإكلينيكية الذين استطلعت آراؤهم أجمعوا على أن الاتجاه إلى إلغاء الحج والعمرة للمصريين هذا العام يعتبر إجراءً علمياً غير صحيح، واستشهدت النقابة بأن معظم المصابين المصريين الوافدين لمصر تماثلوا للشفاء]. ثالثاً: إن فهم الواقعة المعاصرة فهماً صحيحاً، مطلوب قبل إصدار الفتوى، يقول العلامة ابن القيم: [ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علماً. والنوع الثاني فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرٍ، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله ... ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا، ومن سلك غير هذا

أضاع على الناس حقوقهم ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم] إعلام الموقعين 1/ 187. رابعاً: إن هذه النازلة المعاصرة العظيمة - انتشار إنفلونزا الخنازير وتأثيرها على الحج والعمرة - تحتاج إلى فتوى جماعية تصدر عن المجامع الفقهية المعتبرة، ولا يقبل فيها فتاوى فردية متسرعة لا تقوم على قواعد الفتوى الصحيحة. ولا شك أن الاجتهاد الجماعي الذي تمثله المجامع الفقهية اليوم، مقدمٌ على الاجتهاد الفردي الذي يصدر عن أفراد الفقهاء، فهو أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيه تحقيقاً لمبدأ الشورى في الاجتهاد، وهو مبدأ أصيل في تاريخ الفقه الإسلامي، قال العلامة ابن القيم: [ ... ولهذا كان من سداد الرأي وإصابته أن يكون شورى بين أهله ولا ينفرد به واحدٌ، وقد مدح الله سبحانه المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم، وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس عنده فيها نصٌ عن الله ولا عن رسوله، جمع لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعلها شورى بينهم] إعلام الموقعين 2/ 156. وما يصدر عن المجامع الفقهية من قرارات لا يعتبر في حكم الإجماع الأصولي، ولكن قرارات هذه المجامع مقدمة على اجتهادات أفراد العلماء. خامساً: وقد بحث المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وهو يضم مجموعة من علماء العصر هذه النازلة - تأجيل العمرة وإلغاء الحج بسبب إنفلونزا الخنازير - في أواخر حزيران الماضي وجاء في قراره ما يلي: [تلقى المجلس استفتاءً بخصوص السفر لأداء مناسك الحج أو العمرة في هذا العام في ضوء ما حدث أخيراً من انتشار أنفلونزا الخنازير في الكثير من بلدان العالم، ورفع درجة التحذير من الوباء إلى الدرجة السادسة، وقد قام المجلس بالاتصال

بالمسئولين في منظمة الصحة العالمية، فأفادوا أن هذه الدرجات المشار إليها هي درجات للانتشار الجغرافي، ولا علاقة لها على الإطلاق بدرجة الخطورة، وقد أعلنت الدرجة السادسة لأن عدة حالات من المرض قد ظهرت في جميع قارات العالم، وقد أوضحت المديرة العامة للمنظمة - وهي المفوضة الوحيدة من قبل دول العالم بتطبيق وتفسير اللوائح الصحية الدولية - أن شدة المرض معتدلة، ولا تزيد عن شدة الأنفلونزا الموسمية المعهودة. ولم يحدث أبداً من قبل أن أوبئة الأنفلونزا الموسمية قد دفعت إلى منع أو تحديد الحج أو العمرة، علماً بأن حكومة المملكة العربية السعودية قد تعهدت ... بتنفيذ الخطة المتكاملة لمكافحة الوباء، وباتخاذ الاستعدادات لمنع وقوع المزيد من الحالات. وقد أصدرت وزارة الصحة في المملكة الاشتراطات الصحية لأداء الحج والعمرة لهذا العام، واحتفظت بحقها باتخاذ أي إجراءات احترازية إضافية. وبناء على ما تقدم، لا يرى المجلس مسوغاً لأية فتوى يكون مفادها تثبيط همم من يعقد العزم على أداء الحج أو العمرة هذا العام. على أنه من الضروري على كل حال اتخاذ التدابير الواقية من هذا المرض ومن غيره من الأوبئة، وتتلخص هذه التدابير بالدرجة الأولى في الامتناع عن العناق والقبلات والتقليل من المصافحة ما أمكن، وغسل اليدين بعد كل ملامسة لمريض، أو عقب تلوثهما، وستر الأنف والفم في حال العطاس والسعال بمنديل ورقي، والأفضل في أثناء التجمعات استعمال الأقنعة والكمامات، مع الانتباه إلى تبديل هذه الأقنعة أو الكمامات مراراً، والتخلص منها بطريقة صحية. ومن وسائل الوقاية أيضاً الالتزام بالتوصيات الصادرة عن السلطات الصحية في السعودية أو في البلدان التي ينتمي إليها الحجاج والمعتمرون، حول أخذ اللقاحات أو اصطحاب الأدوية اللازمة، علماً بأن هذه التوصيات قد

حكم إفتداء اليمين بالمال

يتم تخفيفها أو تشديدها بما يلائم الوضع الصحي السائد. كما يوصي المجلس بتأجيل القيام بأداء هذه المناسك للمسنين والمصابين بأمراض موهنة، أو المتعاطين لأدوية تخفف من المناعة، كما يوصي بذلك أولئك الذين حجوا أو اعتمروا من قبل تخفيفاً للزحام]. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً المناداة بإلغاء موسم الحج وتأجيل العمرة بسبب ظنون وأوهام وتخوفات لا محل لها بسبب إنفلونزا الخنازير، ولا يجوز شرعاً تثبيط همم الحجاج والمعتمرين بمثل هذه الظنون، ومثل هذه القضايا المعاصرة الكبيرة تحتاج إلى اجتهادات جماعية وأخذ رأي أهل الاختصاص، ومن الغريب أن هذه الفتاوى العرجاء طالبت بإلغاء موسم الحج وتأجيل العمرة فقط دون النظر إلى تجمعات الناس الأخرى كالتي تحصل في مباريات كرة القدم ودور السينما والملاهي وغيرها، ولا نستبعد غداً أن تخرج فتاوى أخرى تنادي بإلغاء صلاة الجمعة وصلاة الجماعة بمثل هذه الظنون والأوهام!!! - - - حكم إفتداء اليمين بالمال يقول السائل: حصل نزاع بيني وبين شخص في قضية ما وتوجهت اليمين عليَّ، ولكني هبت من حلف اليمين فعرضت عليه مبلغاً من المال ليعفيني من اليمين، مع العلم أنني إذا حلفت فأنا صادق في يميني، فهل هذا الأمر جائز شرعاً، أفيدونا؟ الجواب: إذا طُلبت اليمينُ من شخصٍ فحلف وهو صادق في يمينه فلا حرج عليه، واليمين مشروعة كما هو معلوم، ولكن مطلوب من المسلم أن يحفظ

يمينه، كما قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} سورة المائدة الآية 89. قال القرطبي: [أي بترك الحلف فإنكم إذا لم تحلفوا لم تتوجه عليكم هذه التكليفات] تفسير القرطبي 6/ 285. ونقل القرطبي أيضاً عن بعض المفسرين في قوله تعالى: {ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآية 224، [بأن المعنى لا تكثروا من اليمين بالله تعالى فإنه أهيب للقلوب ولهذا قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} وذمَّ من كثَّر اليمين فقال الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} والعرب تمتدح بقلة الأيمان ... ] تفسير القرطبي3/ 97. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ومن توجهت عليه يمين هو فيها صادق، أو توجهت له، أبيح له الحلف، ولا شيء عليه من إثم ولا غيره; لأن الله تعالى شرع اليمين، ولا يشرع محرماً. وقد أمر الله تعالى نبيه عليه السلام، أن يقسم على الحق، في ثلاثة مواضع من كتابه. وحلف عمر لأبيٍّ رضي الله عنهما على نخيل، ثم وهبه له، وقال: خفت إن لم أحلف أن يمتنع الناس من الحلف على حقوقهم، فتصير سنة. قال حنبل: بُلي أبو عبد الله- أي الإمام أحمد - بنحو هذا، جاء إليه ابن عمه، فقال: لي قِبَلكَ حقٌ من ميراث أبي، وأطالبك بالقاضي، وأحلفك. فقيل لأبي عبد الله: ما ترى؟ قال: أحلف له، إذا لم يكن له قِبَلي حق، وأنا غيرُ شاكٍ في ذلك حلفت له، وكيف لا أحلف، وعمر قد حلف، وأنا من أنا؟ وعزم أبو عبد الله على اليمين، فكفاه الله ذلك، ورجع الغلام عن تلك المطالبة] المغني10/ 208. وقال صاحب الهداية الحنفي: [ومن ادَّعى على آخر مالاً فافتدى يمينه أو صالحه منها على عشرة - مثلاً - فهو جائز] شرح فتح القدير. ومع ذلك فإن شأن اليمين عظيم، والتورع عن اليمين أمر معروف عند الصحابة والتابعين،

قال الحافظ الهيثمي: باب الورع والخوف من الحلف، وساق فيه مجموعة من الآثار عن الصحابة والتابعين في ذلك، وأين حالهم من حالنا الذي يعبر عنه المثل العامي الدارج بين الناس: (قالوا للحرامي احلف فقال جاء فرج الله)!! فأي استخفاف هذا باليمين! قال العلامة ابن القيم: [قد ثبت وتقرر أن الإقدام على اليمين يصعب، ويثقل على كثير من الناس، سيما على أهل الدين وذوي المروءات والأقدار، وهذا أمر معتاد بين الناس على ممر الأعصار، لا يمكن جحده. وكذلك روي عن جماعة من الصحابة: أنهم افتدوا أيمانهم، منهم: عثمان، وابن مسعود وغيرهما، وإنما فعلوا ذلك لمروءتهم، ولئلا تسبق الظلمة إليهم إذا حلفوا، فمن يعادي الحالف، ويحب الطعن عليه، يجد طريقاً إلى ذلك، لعظم شأن اليمين وعظم خطرها] الطرق الحكمية1/ 125. إذا تقرر هذا فإنه يجوز لمن طلبت منه اليمين أن يفتدي يمينه بالمال على الراجح من أقوال أهل العلم، فقد ثبت افتداء اليمين بالمال عن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم، فقد روى الطبراني بإسناد جيد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه افتدى يمينه بعشرة آلاف درهم ثم قال: ورب الكعبة لو حلفت، حلفتُ صادقاً وإنما هو شيء افتديت به يميني. ورواه أيضاً الدارقطني في السنن. وروى عبد الرزاق في المصنف عن معمر قال: سئل الزهري عن الرجل يقع عليه اليمين، فيريد أن يفتدي يمينه، قال: قد كان يُفعل، قد افتدى عبيد السهام - صحابي اسمه عبيد بن سليم الأنصاري الأوسي ويقال له عبيد السهام لأنه كان اشترى من سهام خيبر ثمانية عشر سهماً فقيل له ذلك كما في الإصابة- في إمارة مروان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة كثير، افتدى يمينه بعشرة آلاف. وروى عبد الرزاق في المصنف أيضاً عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه، قال: عرف

حذيفة بعيراً له مع رجل، فخاصمه، فقضي لحذيفة بالبعير، وقضى عليه باليمين، فقال حذيفة: افتدي يمينك بعشرة دراهم، فأبى الرجل، فقال له حذيفة: بعشرين، فأبى، قال: فبثلاثين، قال: فأبى، قال: فبأربعين، فأبى الرجل، فقال حذيفة: أتظن أني لا أحلف على مالي، فحلف عليه حذيفة. وروى البيهقي في كتاب المعرفة في كتاب أدب القاضي عن الإمام الشافعي قال: بلغني أن عثمان بن عفان رُدت عليه اليمين فافتداها بمال، وقال: أخاف أن يوافق قدر بلاء، فيقال: هذا بيمينه. وقال البيهقي في آخر الباب وفي كتاب المستخرج لأبي الوليد بإسناد صحيح عن الشعبي: وفيه إرسال، أن رجلاً استقرض من عثمان بن عفان سبعة آلاف درهم، فلما تقاضاه، قال له: إنما هي أربعة آلاف، فخاصمه إلى عمر، فقال: تحلف أنها سبعة آلاف؟ فقال عمر: أنصفك، فأبى عثمان أن يحلف، فقال له عمر: خذ ما أعطاك. وروى الإمام البخاري بسنده عن أبي قلابة حديثاً طويلاً وفيه: (وقد كانت هذيل خلعوا خليعاً لهم في الجاهلية، فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء، فانتبه له رجل منهم، فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل فأخذوا اليماني، فرفعوه إلى عمر بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا، فقال: إنهم قد خلعوه، فقال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه، قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلاً، وقدم رجل منهم من الشام، فسألوه أن يقسم، فافتدى يمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجلاً آخر، فدفعه إلى أخي المقتول، فقرنت يده بيده، قالوا فانطلقنا والخمسون الذين أقسموا حتى إذا كانوا بنخلة أخذتهم السماء - أي المطر- فدخلوا في غار في الجبل، فانهجم الغار على الخمسين الذين أقسموا، فماتوا جميعاً وأفلت القرينان وأتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول فعاش حولاً ثم مات).

وقد اختلف أهل العلم في أيهما أولى الحلف أم افتداء اليمين؟ والذي أرجحه هو افتداء اليمين، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [واختلف في الأولى، فقال قوم: الحلف أولى من افتداء يمينه; لأن عمر حلف; ولأن في الحلف فائدتين; إحداهما، حفظ ماله عن الضياع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته. والثانية، تخليص أخيه الظالم من ظلمه، وأكل المال بغير حقه، وهذا من نصيحته ونصرته بكفه عن ظلمه، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم على رجلٍ أن يحلف ويأخذ حقه. وقال أصحابنا: الأفضل افتداء يمينه; فإن عثمان افتدى يمينه، وقال: خفت أن تصادف قدراً، فيقال حلف فعوقب، أو هذا شؤم يمينه. وروى الخلال بإسناده، أن حذيفة عرف جملاً سرق له، فخاصم فيه إلى قاضي المسلمين، فصارت اليمين على حذيفة فقال: لك عشرة دراهم. فأبى، فقال لك عشرون، فأبى، فقال: لك ثلاثون، فأبى، فقال: لك أربعون، فأبى، فقال حذيفة: أتراني أترك جملي؟ فحلف بالله أنه له ما باع ولا وهب. ولأن في اليمين عند الحاكم تبذلاً، ولا يأمن أن يصادف قدراً، فينسب إلى الكذب، وأنه عوقب بحلفه كاذباً، وفي ذهاب ماله له أجر، وليس هذا تضييعاً للمال، فإن أخاه المسلم ينتفع به في الدنيا ويغرمه له في الآخرة. وأما عمر، فإنه خاف الاستنان به، وترك الناس الحلف على حقوقهم، فيدل على أنه لولا ذلك، لما حلف، وهذا أولى، والله تعالى أعلم] المغني 10 208 - 209. ويؤيد ترجيح افتداء اليمين أن في ذلك [صون عرضه وهو مستحسن عقلاً وشرعاً، ولأنه لو حلف يقع في القيل والقال، فإن الناس بين مصدقٍ ومكذب، فإذا افتدى بيمينه فقد صان عرضه وهو حسن] البحر الرائق. ويؤيده أيضاً ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى

حكم النذر فيما لا يملكه الناذر

الله عليه وسلم قال: (ذبوا عن أعراضكم بأموالكم) صححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 3/ 445، وفي صحيح الجامع 1/ 644. وخلاصة الأمر أن شأن اليمين عظيم وينبغي التورع منها والخوف منها، وإذا طلبت اليمين من شخص فحلف وهو صادق في يمينه فلا حرج عليه، ويجوز لمن طُلبت منه اليمين أن يفتدي يمينه بالمال على الراجح من أقوال أهل العلم، لثبوت افتداء اليمين بالمال عن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم. وإذا قبل المدعي افتداء اليمين من المدَّعى عليه فإن حقه في اليمين يسقط ولا تقبل مطالبته باليمين بعد ذلك، لأن القاعدة الفقهية تقول الساقط لا يعود، يعني إذا أسقط شخصٌ حقاً من الحقوق التي يجوز إسقاطها، يسقط ذلك الحق وبعد إسقاطه لا يعود. - - - حكم النذر فيما لا يملكه الناذر يقول السائل: نذرت أمي إن توظفت لتوزعن أول راتب لي على الفقراء، فما حكم هذا النذر، وهل نذرها يلزمني، أفيدونا؟ الجواب: النذر عند أهل العلم هو أن يلزم المكلف نفسه بقربة لم يلزمه بها الشارع الحكيم، والوفاء بالنذر واجب لقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} سورة الحج الآية 29، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصه فلا يعصه) رواه البخاري ومسلم. وقد اشترط الفقهاء لصحة النذر أن يكون المنذور به ملكاً للناذر، وفي السؤال المذكور فإن الأم نذرت أن توزع راتب ابنها وهي لا تملكه، قال ابن عابدين [وشرط صحة النذر أن يكون المنذور ملكاً للناذر] حاشية ابن عابدين 4/ 46. وقال الإمام

البخاري في صحيحه [باب النذر فيما لا يملك وفي معصية] ثم ساق مجموعة من الأحاديث يفهم منها هذا الشرط كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري 11/ 714. ومما يدل على أنه يشترط في المنذور به أن يكون ملكاً للناذر ما رواه الإمام مسلم بإسناده عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء - اسم ناقة الرجل المأسور - فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق، قال يا محمد فأتاه، فقال ما شأنك؟ فقال بم أخذتني وبم أخذت سابقة الحاج؟ - أي ناقته - فقال إعظاماً لذلك أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف، ثم انصرف عنه فناداه، فقال يا محمد يا محمد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رقيقاً، فرجع إليه فقال ما شأنك؟ قال: إني مسلم، قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، ثم انصرف فناداه، فقال يا محمد يا محمد فأتاه فقال ما شأنك؟ قال إني جائع فأطعمني وظمآن فأسقني، قال هذه حاجتك ففدي بالرجلين. قال وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ، قال وناقة منوقة - أي مذللة - فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت، ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم، قال ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله صلى

الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد). قال الإمام النووي: [وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا فيما لا يملك العبد)، فهو محمول على ما إذا أضاف النذر إلى معين لا يملكه، بأن قال: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أعتق عبد فلان، أو أتصدق بثوبه أو بداره أو نحو ذلك. فأما إذا التزم في الذمة شيئاً لا يملكه فيصح نذره، مثاله: قال: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ عتق رقبة، وهو في ذلك الحال لا يملك رقبة ولا قيمتها، فيصح نذره، وإن شفي المريض ثبت العتق في ذمته] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 267. وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عُذِب به يوم القيامة، وليس على رجلٍ نذرٌ في شيءٍ لا يملكه) رواه مسلم. وورد في الحديث عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) رواه النسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي 2/ 807. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا وفاء لنذرٍ فيما لا تملك) رواه أبو داود وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 412. وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجلٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة - اسم مكان قريبٌ من ينبع - فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي

صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟ قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) رواه أبو داود وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 637. وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر أنه يشترط في المنذور به أن يكون ملكاً للناذر، فقد اختلف أهل العلم فيما يترتب على من نذر ما لا يملكه، فمنهم من قال لا شيء عليه، لا كفارة ولا غيرها. قال الحافظ ابن حجر: [واختلف فيمن وقع منه النذر في ذلك هل تجب فيه كفارة؟ فقال الجمهور: لا، وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية نعم، ونقل الترمذي اختلاف الصحابة في ذلك كالقولين] فتح الباري 11/ 715، وقال الإمام النووي: [ ... لا يصح النذر فيما لا يملك، ولا يلزم بهذا النذر شيء] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 294. ومن الفقهاء كالحنفية والحنابلة وبعض الشافعية وبعض أهل الحديث من ألزمه كفارة يمين، وهذا القول أرجح لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر كفارة اليمين) رواه مسلم، قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر كفارة اليمين) اختلف العلماء في المراد به، فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج، وهو أن يقول إنسان يريد الامتناع من كلام زيد مثلاً: إن كلمت زيداً مثلاً فلله عليَّ حجة أو غيرها، فيكلمه فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزمه، هذا هو الصحيح في مذهبنا، وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق، كقوله: عليَّ نذر، وحمله أحمد وبعض أصحابنا على نذر المعصية، كمن نذر أن يشرب الخمر، وحمله جماعة

من فقهاء أصحاب الحديث على جميع أنواع النذر، وقالوا: هو مخير في جميع النذورات بين الوفاء بما التزم، وبين كفارة يمين] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 269. ويؤيده ما ورد في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما النذر يمين، كفارتها كفارة يمين) أخرجه أحمد وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 2860. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النذر نذران: فما كان لله فكفارته الوفاء، وما كان للشيطان فلا وفاء فيه، وعليه كفارة يمين) وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 479. وبناءً على ما تقدم يلزم المرأة المذكورة في السؤال كفارة يمين، وهي المذكورة في قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة المائدة الآية 89. ولا بد من التنبيه هنا أن مال الابن مملوك له، وليس ملكاً للأم ولا للأب، كما يفهمه بعض الناس من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) والأم كذلك، رواه ابن ماجة والطحاوي والطبراني وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 3/ 323 - 330. فإن هذا الحديث ليس على ظاهره كما قال أكثر العلماء، قال ابن حبان في صحيحه: تحت عنوان [ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة العلم أن مال الابن يكون للأب ... ] ثم ذكر الحديث وعقب عليه بقوله: [ومعناه أنه صلى

الله عليه وسلم زجر عن معاملته أباه بما يعامل به الأجنبي وأمره ببره والرفق به في القول والفعل معاً إلى أن يصل إليه ماله فقال له: (أنت ومالك لأبيك)، لا أن مال الابن يملكه الأب في حياته عن غير طيب نفس من الابن له] صحيح ابن حبان 2/ 142 - 143. ويرى بعض أهل العلم أن اللام في قوله صلى الله عليه وسلم: (لأبيك) تفيد الإباحة لا التمليك فيباح للوالد أن يأخذ من مال الابن حاجته ولا تفيد أن الأب يملك مال الابن، قال الشوكاني: [قوله: (أنت ومالك لأبيك) قال ابن رسلان: اللام للإباحة لا للتمليك، فإن مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه] نيل الأوطار 9/ 232. وقال الشيخ علي الطنطاوي: [إن الحديث قوي الإسناد لكن لا يؤخذ عند جمهور الفقهاء على ظاهره بل يؤول ليوافق الأدلة الشرعية الأخرى الثابتة والقاعدة الشرعية المستنبطة منها وهي أن المالك العاقل البالغ يتصرف بماله وليس لأحد التصرف به بغير إذنه ... ] فتاوى الطنطاوي ص 137. وخلاصة الأمر أن هذه الأم قد نذرت أن توزع مالاً لا تملكه ويلزمها أن تكفر كفارة يمين، ولا يلزم ولدها شيء. - - -

المعاملات

المعاملات

العقد شريعة المتعاقدين

العقد شريعة المتعاقدين يقول السائل: هل قاعدة (العقد شريعة المتعاقدين) قاعدة من قواعد الفقه الإسلامي؟ وما مدى صحتها، أفيدونا؟ الجواب: قاعدة (العقد شريعة المتعاقدين) ليست من قواعد الفقه الإسلامي، وإنما هي قاعدة قانونية وأصلها مستمد من القوانين الغربية ونقلت إلى القوانين المدنية الوضعية، فقد نصت عليها بعض القوانين المدنية العربية، كالقانون المدني المصري حيث ورد في المادة رقم 147 منه: [العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون؛ ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة؛ جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول. ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك] وكذلك ورد النص عليها في القانون المدني السوري مادة رقم 148. والحكم الشرعي في هذه القاعدة أنها غير مُسلَّمةٍ على إطلاقها، وإن جرى استعمالها على ألسنة كثيرٍ من علماء العصر، قال الدكتور بكر أبو زيد: [العقد شريعة المتعاقدين: هذا من مصطلحات القانون الوضعي، الذي لا يراعي صحة العقود في شريعة الإسلام، فسواء كان العقد ربوياً أو فاسداُ، حلالاً، أو حراماً، فهو في قوة القانون ملزم كلزوم أحكام الشرع المطهر، وهذا من أبطل الباطل ويغني عنه في فقه الإسلام مصطلح: (العقود الملزمة). ولو قيل في هذا التقعيد: (العقد الشرعي شريعة المتعاقدين) لصح معناه ويبقى جلْبُ قالب إلى

فقه المسلمين، من مصطلحات القانونيين فليجتنب، تحاشياً عن قلب لغة العلم] معجم المناهي اللفظية ص 394. فالقاعدة المذكورة لا يعمل بها على إطلاقها كما قلت وتوضيح ذلك كما يلي: إن الراجح من أقوال الفقهاء أن الأصل في العقود وما فيها من شروط هو الإطلاق، وقد دلت على هذا الأصل دلائل النصوص الشرعية من كتاب الله عز وجل ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجب الالتزام والوفاء بكل ما يلتزم به المتعاقدان ويشترطانه، ما لم يكن في النصوص الشرعية أو القواعد الشرعية ما يمنع تنفيذ عقد أو شرط معين، فحينئذ يمتنع بخصوصه على خلاف القاعدة، ويعتبر الاتفاق باطلاً، كالتعاقد على الربا أو الشروط التي تحل حراماً أو تحرم حلالاً، وهذا الاجتهاد هو ما عليه كثير من الفقهاء كالحنابلة وبعض المالكية وهو مذهب شريح القاضي وابن شبرمة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، المدخل الفقهي لمصطفى الزرقا 1/ 479 - 480. وبناءً على ذلك يجب أن تكون العقود موافقة للأحكام الشرعية، وليس العبرة بمطلق تراضي المتعاقدين فقط، وإنما تراضيهما ضمن دائرة الحكم الشرعي، فإذا اتفق المتعاقدان على عقدٍ لا يخالف الحكم الشرعي، فحينئذ يقال إن الأصل في العقود تراضي المتعاقدين، وأما إذا تراضيا على ما يخالف الحكم الشرعي فلا قيمة لتراضيهما، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ ... وإذا ظهر أن العقود لا يحرم فيها إلا ما حرمه الشارع فإنما وجب الوفاء بها لإيجاب الشارع، والوفاء بها مطلقاً إلا ما خصه الدليل، على أن الوفاء بها من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل والعقلاء جميعهم، وأدخلها في الواجبات العقلية من قال بالوجوب العقلي، ففعلها ابتداءً لا يحرم إلا بتحريم الشارع،

والوفاء بها واجب لإيجاب الشرع، وكذا الإيجاب العقلي أيضاً. وأيضاً فإن الأصل في العقود رضا المتعاقدين ونتيجتها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد، لأن الله تعالى قال في كتابه: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} وقال: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} فعلَّقَ جواز الأكل بطيب النفس تعليق الجزاء بشرطه، فدل على أنه سببٌ له، وهو حكمٌ معلَّقٌ على وصفٍ مشتقٍ مناسبٍ، فدلَّ على أن ذلك الوصف سبب لذلك الحكم، وإذا كان طيب النفس هو المبيح للصداق، فكذلك سائر التبرعات قياساً بالعلة المنصوصة التي دل عليها القرآن، وكذلك قوله: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} لم يشترط في التجارة إلا التراضي، وذلك يقتضي أن التراضي هو المبيح للتجارة، وإذا كان كذلك فإذا تراضا المتعاقدان أو طابت نفس المتبرع بتبرعٍ ثبت حله بدلالة القرآن إلا أن يتضمن ما حرمه الله ورسوله كالتجارة في الخمر ونحو ذلك] الفتاوى الكبرى 4/ 90. إذا تقرر هذا فإن العقد يكون شريعة المتعاقدين إذا لم يكن فيه مخالفة لأحكام الشريعة وقواعدها، فمن المعلوم عند أهل العلم أن الإنسان ليس حراً فيما يشترطه من شروط في عقوده ومعاملاته، بل لا بد أن تكون هذه الشروط لا تتعارض مع قواعد الشريعة وأصولها، قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب المكاتب وما لا يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله ... وقال ابن عمر أو عمر: كل شرطٍ خالف كتاب الله فهو باطلٌ، وإن اشترط مئة شرط] ثم روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أتتها بريرة تسألها في كتابها فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرته ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابتاعيها فأعتقيها،

فإنما الولاء لمن أعتق. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: ما بال أقوامٍ يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله! فمن اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مئة شرط). وفي رواية في صحيح مسلم (ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق ... )، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وأن المراد ما خالف كتاب الله ثم استظهر على ذلك بما نقله عن عمر أو ابن عمر، وتوجيه ذلك أن يقال المراد بكتاب الله في الحديث المرفوع حكمه وهو أعم من أن يكون نصاً أو مستنبطاً فكل ما كان ليس من ذلك فهو مخالف لما في كتاب الله] فتح الباري 6/ 282. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وهذا الحديث الشريف المستفيض الذي اتفق العلماء على تلقيه بالقبول اتفقوا على أنه عامٌ في الشروط في جميع العقود، ليس ذلك مخصوصاً عند أحد منهم بالشروط في البيع، بل من اشترط في الوقف أو العتق أو الهبة أو البيع أو النكاح أو الإجارة أو النذر، أو غير ذلك شروطاً، تخالف ما كتبه الله على عباده، بحيث تتضمن تلك الشروط الأمر بما نهى الله عنه، أو النهي عما أمر به، أو تحليل ما حرمه، أو تحريم ما حلله، فهذه الشروط باطلة باتفاق المسلمين في جميع العقود، الوقف وغيره، وقد روى أهل السنن أبو داود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلح جائزٌ بين المسلمين إلا صلحاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً). وحديث عائشة هو من العام الوارد على سبب، وهذا وإن كان أكثر العلماء يقولون: إنه يؤخذ فيه بعموم اللفظ، ولا يقتصر على سببه، فلا نزاع بينهم أن أكثر العمومات الواردة على أسباب لا تختص بأسبابها، كالآيات النازلة بسبب

معين، مثل آيات المواريث والجهاد والظهار واللعان والقذف والمحاربة والقضاء والفيء والربا والصدقات وغير ذلك، فعامتها نزلت على أسباب معينة مشهورة في كتب الحديث والتفسير والفقه والمغازي، مع اتفاق الأمة على أن حكمها عام في حق غير أولئك المعينين، وغير ذلك مما يماثل قضاياهم من كل وجه، وكذلك الأحاديث، وحديث عائشة مما اتفقوا على عمومه وأنه من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم وبعث بها حيث قال: (من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطلٌ، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق) ... ] الفتاوى الكبرى 4/ 247. وقال العلامة ابن القيم: [والمقصود أن للشروط عند الشارع شأناً ليس عند كثير من الفقهاء، فإنهم يلغون شروطاً لم يلغها الشارع، ويفسدون بها العقد من غير مفسدة تقتضى فساده، وهم متناقضون فيما يقبل التعليق بالشروط من العقود، وما لا يقبله، فليس لهم ضابط مطرد منعكس يقوم عليه دليل، فالصواب الضابط الشرعي الذي دلَّ عليه النص أن كل شرط خالف حكم الله وكتابه فهو باطل، وما لم يخالفه حكمه فهو لازم، يوضحه أن الالتزام بالشروط كالالتزام بالنذر، والنذر لا يبطل منه إلا ما خالف حكم الله وكتابه، بل الشروط في حقوق العباد أوسع من النذر في حق الله، والالتزام به أوفى من الالتزام بالنذر. وإنما بسطت القول في هذا لأن باب الشرط يدفع حيل أكثر المتحيلين ويجعل للرجل مخرجاً مما يخاف منه ومما يضيق عليه، فالشرط الجائز بمنزلة العقد، بل هو عقد وعهد وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} وقال {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ}. وها هنا قضيتان كليتان من قضايا الشرع الذي بعث الله به رسوله: إحداهما أن كل شرط خالف حكم الله وناقض كتابه فهو باطلٌ كائناً ما كان. والثانية أن كلَّ شرطٍ لا يخالف حكمه

رؤية شرعية لأزمة الرهن العقاري

ولا يناقض كتابه وهو ما يجوز تركه وفعله بدون الشرط فهو لازم بالشرط، ولا يستثنى من هاتين القضيتين شيءٌ، وقد دلَّ عليهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق الصحابة] إعلام الموقعين 3/ 390. وخلاصة الأمر أن عبارة (العقد شريعة المتعاقدين) ليست قاعدة فقهية، ولم يستعملها الفقهاء المتقدمون، واستعملها بعض فقهاء العصر، وهي في الأصل قاعدة قانونية، وهذه القاعدة تكون صحيحة شرعاً إذا لم يكن في العقد وشروطه وقيوده ما يخالف الأحكام الشرعية، فليس للمتعاقدين حرية مطلقة فيما يتعاقدان عليه أو يشترطانه، بل لا بد من الانضباط بأحكام الشرع وقواعده. - - - رؤية شرعية لأزمة الرهن العقاري يقول السائل: هل من رؤية شرعية لأزمة الرهن العقاري التي عصفت بالاقتصاد الغربي، أفيدونا؟ الجواب: وصلتني رسالة على بريدي الإلكتروني من أحد خبراء الاقتصاد وفيها شرح مفصل لأسباب نشوء أزمة الرهن العقاري وخلاصتها: [إقدام كثير من الأمريكيين على شراء بيوت للسكن بالتقسيط عن طريق الحصول على قروض من البنوك مقابل رهن البيت ولكن بمعدلات فائدة عالية مع العلم أن أسعار الفائدة متغيرة وليست ثابتة. وهذه الأسعار تكون منخفضة في البداية ثم ترتفع مع الزمن. وترتفع أسعار الفائدة كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة، وإذا تأخر المشتري عن دفع أي دفعة فإن أسعار الفائدة تتضاعف بنحو ثلاث مرات، كما أن المدفوعات الشهرية خلال السنوات

الثلاث الأولى تذهب كلها لسداد الفوائد، وهذا يعني أن المدفوعات لا تذهب إلى ملكية جزء من البيت إلا بعد مرور ثلاث سنوات. وبعد أشهر رفع البنك المركزي أسعار الفائدة فارتفعت الدفعات الشهرية ثم ارتفعت مرة أخرى بعد مرور عام كما نصت عليه عقود الشراء. وإذا تأخر المشتري في السداد فهنالك فوائد على التأخير، وقد توقف كثيرون عن الدفع، وقامت البنوك ببيع القروض على شكل سندات لمستثمرين وأخذ عمولة ورسوم خدمات منهم. وهؤلاء المستثمرين رهنوا هذه السندات، على اعتبار أنها أصول، مقابل ديون جديدة للاستثمار في شراء مزيد من السندات. وبما أن قيمة السندات السوقية وعوائدها تعتمد على تقييم شركات التقييم لهذه السندات بناء على قدرة المدين على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى البيوت له القدرة نفسها على الوفاء، فإنه ليست كل السندات سواسية. فالسندات التي تم التأكد من أن قدرة الوفاء فيها ستكون فيها أكيدة ستكسب تقدير (أ) وهناك سندات أخرى ستحصل على (ب) وبعضها سيصنف على أنه لا قيمة له بسبب العجز عن الوفاء. ولتلافي هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت، الأمر الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم كافة على اقتناء مزيد من هذه السندات. ولما توقف أصحاب البيوت عن سداد الأقساط فقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار المختلفة. أما الذين اشتروا تأميناً على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها كاملة، فنتج عن ذلك إفلاس شركات التأمين] ولا شك أن أزمة الرهن العقاري قد سببت ضرراً بليغاً للاقتصاد الرأسمالي، ونتج عنها إفلاس عدد

من البنوك وشركات الرهن العقاري وشركات التأمين وكل ذلك ينعكس سلباً على مختلف النشاطات الاقتصادية - وقد نشرت الجزيرة نت لائحةً بأسماء المصارف والمؤسسات المالية وشركات التأمين المتضررة من الأزمة المالية العالمية-. ولا شك أن أهم أسباب أزمة الرهن العقاري التعامل بالربا - الفائدة - وكذلك بيع الديون [وكشفت هذه الأزمة عن فقاعتين تحكمان الاقتصاد العالمي الأولى: فقاعة الربا، والثانية: فقاعة بيع الديون، وكل منهما ترتبط بالأخرى. وارتبطت بوادر تلك الأزمة بصورة أساسية بالارتفاع المتوالي لسعر الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منذ العام 2004م وهو ما شكل زيادة في أعباء القروض العقارية من حيث خدمتها وسداد أقساطها، خصوصا في ظل التغاضي عن السجل الائتماني للعملاء وقدرتهم على السداد حتى بلغت تلك القروض نحو1.3 تريليون دولار في آذار من العام 2007م وتفاقمت تلك الأزمة مع حلول النصف الثاني من العام نفسه، وإلى الآن لا يعرف يقيناً المدى الذي يمكن أن تصل إليه تلك الأزمة. وسعى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى خفض الفائدة على الدولار أكثر من مرة لدعم الاقتصاد الأمريكي، والخروج من أزمة الرهن العقاري على الرغم من مواصلة الضغوط التضخمية التي تحد من اتجاه خفض الفائدة، من دون أثر ملموس يبشر بقرب انفراج تلك الأزمة. أما فقاعة بيع الديون فجاءت من خلال (توريق) أو (تسنيد) تلك الديون العقارية وذلك بتجميع الديون العقارية الأمريكية وتحويلها إلى سندات وتسويقها من خلال الأسواق المالية العالمية. ونتج عن عمليات التوريق زيادة في معدلات عدم الوفاء بالديون لرداءة العديد منها، مما أدى إلى انخفاض قيمة

هذه السندات المدعمة بالأصول العقارية في السوق الأمريكية بأكثر من 70%] عن صحيفة الخليج الإماراتية على شبكة الإنترنت. ومن الأمور اللافتة للنظر في هذه الأزمة ظهور أصوات في الغرب تطالب بإعادة النظر في نظام الفائدة (الربا)، بل إن بعض تلك الأصوات طالبت باعتماد النظام الإسلامي في المعاملات، ففي افتتاحية مجلة (تشالينجز)، كتب (بوفيس فانسون) رئيس تحريرها موضوعاً بعنوان (البابا أو القرآن)، وقد تساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا المنزع والتساهل في تبرير الفائدة، مشيراً إلى أن هذا النسل الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية إلى الهاوية. وتساءل الكاتب قائلاً: (أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلاً من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود). وطالب رئيس تحرير صحيفة (لوجورنال دفينانس) بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حدٍ لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة. وكتب مقالاً بعنوان: هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟ المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الإسراع بالبحث عن خيارات بديلة لإنقاذ الوضع، وقدَّم سلسلة من المقترحات المثيرة في مقدمتها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية. وذكر جوهان فيليب بتمان مدير البنك الألماني في فرانكفورت في كتابه (كارثة الفائدة) [أن الفوائد سبب

رئيسي في تدهور النقد وظهور التضخم، ولو استمرت الفوائد في الازدياد فإن هناك كارثة لا مفر من حدوثها، ومن السهل التنبؤ بها، فهي ليست مصادفة، أو أنها ستأتي فجأة كنتيجة عفوية أو كسوء حظ، وإنما ستأتي نتيجة السياسة الاقتصادية الخاطئة التي تعتمد على نظام الفوائد، فهذه السياسة هي المسؤولة عن الكارثة] ونادى بعض الاقتصاديين الغربيين وعلى رأسهم الاقتصادي الكبير (كينز) بإلغاء نظام الفائدة الربوية ويرون أن الفائدة تعوق النمو الاقتصادي، وتعطل حركة الأموال، وأن التنمية لا تتحقق إلا إذا كان سعر الفائدة صفراً أو ما يقرب منه. وفي كتاب صدر مؤخراً للباحثة الإيطالية لووريتا نابليوني بعنوان (اقتصاد ابن آوى) أشارت فيه إلى أهمية التمويل الإسلامي ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي. واعتبرت (التوازن في الأسواق المالية يمكن التوصل إليه بفضل التمويل الإسلامي بعد تحطيم التصنيف الغربي ... ورأت نابليوني أن التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال الكوني) عن شبكة الإنترنت. إذا تقرر أن السببين الأساسين في نشوء أزمة الرهن العقاري هما نظام الفائدة (الربا) وبيع الديون، فإن الشريعة الإسلامية قد حرمتهما، فالربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا

الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 275 - 279. وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وقد اتفق الفقهاء على أن بيع الدين بالدين ممن هو ليس عليه محرم، انظر كشاف القناع 3/ 265، وهذا ما حصل في أزمة الرهن العقاري حيث بيعت الديون مع ربطها بأسعار الفائدة. وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن المصارف الإسلامية لم تلحقها خسائر من أزمة الرهن العقاري التي تشهدها الأسواق المالية العالمية، وهو ما فشلت فيه عدد من أكبر البنوك العالمية، بحسب مسئولين وخبراء اقتصاد. وتوقع الخبراء أن تصب أزمة الرهن العقاري في مصلحة البنوك والمصارف الإسلامية من خلال جذب عدد أكبر من العملاء الذين سيبحثون عن البديل في ضوء تلك الأزمة، مشيرين إلى أن ذلك سيزيد من حجم التمويل الإسلامي على مستوى العالم. عن إسلام أون لاين. وخلاصة الأمر أن من أهم عوامل نشوء أزمة الرهن العقاري هو التعامل بالربا وبيع الديون، وإن هذه الأزمة لتؤكد لنا أنه لا خلاص للبشرية إلا

حكم نشر صور الممثلين والممثلات على المنتجات

بإتباع دين الله عز وجل، وأنه المنهج الوحيد القادر على تقديم الحلول الناجعة لمشكلات البشرية جمعاء. - - - حكم نشر صور الممثلين والممثلات على المنتجات يقول السائل: انتشرت ظاهرة نشر وترويج صور ممثلي بعض المسلسلات التركية التي تبثها القنوات الفضائية على بعض المنتجات الخاصة بالأطفال (كالشيبس) والدفاتر المدرسية وبعض الملابس وغيرها، فما الحكم الشرعي في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: لا شك أن كثيراً من القنوات الفضائية أصبحت معولاً من معاول محاربة الدين والأخلاق والفضيلة، بل هي منابر لنشر الفساد والرذيلة، ومع الأسف الشديد فإن القنوات الفضائية قد دخلت بيوتنا، وأصبحت مربيةً لأبنائنا وبناتنا، ومرشدةً لزوجاتنا، وموجهةً لشبابنا ورجالنا، إلا من رحم ربي وحماه من هذه الطوفان الهادر، والفيضان الرهيب. ومن ضمن سموم القنوات الفضائية، هذه المسلسلات الفاسدة المفسدة، الطافحة بالانحرافات الفكرية والمسلكية، التي تتعارض مع ديننا ومع أخلاقنا ومع عادتنا وتقاليدنا الأصيلة، هذه المسلسلات التي تنشر الفواحش والمنكرات، وتجعل الزنا أمراً عادياً، وتجعل العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج وما يترتب عليها من حملٍ، أموراً طبيعية، يجب على الأسرة أن تتقبلها وتقر بها، هذه المسلسلات التافهة التي تروج [للممارسات غير الأخلاقية التي اجتاحت بعض المجتمعات كهروب الفتيات والزواج السري وغيرها ... إن الدراما العربية ووسائل

الإعلام ساهمت في تلك الانحرافات وأن نموذج الراقصة أو الفنانة التي تهرب من بيت الأسرة تحت دعاوى الضغوط الأسرية وإظهارها بعد ذلك بمظهر القدوة والبطولة قد أثر في وجدان العديد من الفتيات وصرن يمارسنه في الواقع كما أن الترويج لمفهوم معين للحب يقوم على التلاقي بين الفتى والفتاة بعيداً عن الأسرة والأطر الشرعية عبر الإلحاح الإعلامي بكل وسائله أثر بشكلٍ كبيرٍ على المجتمع وعلى طبيعة العلاقات التي تحكم الرجل بالمرأة فالعديد من الأفلام تصور الراقصة بطلة ولديها أخلاقيات ومثل عليا!!! ... وفي بعض الأفلام تعيش المرأة المتزوجة مع حبيبها وتقدم هذه المرأة على أنها تستحق التعاطف معها!!] من دراسة ميدانية للدكتور أحمد المجذوب الخبير الاجتماعي، عن الإنترنت. كما أن هذه المسلسلات التافهة تبرز المرأة كرمز للجنس المكشوف أو الموارب. ويضاف إلى ذلك أن هذه المسلسلات قد أسهمت في تفكيك الحياة الأسرية بزيادة المشكلات في البيوت، وزيادة عدد حالات الطلاق، يقول أحد قضاة المحاكم الشرعية في السعودية: [الفضائيات تتسبب في ارتفاع حالات الطلاق، فالفضائيات تدعو إلى تمرد المرأة على زوجها، فهي تظهر لها أن الزوج متسلط وظالم، سلب منها حقوقها وحياتها. كما أن من أسباب الطلاق مقارنة الزوج لزوجته بنساء الفضائيات، اللائي جملّتهن كاميرات التصوير حتى القبيحات منهن أصبحن جميلات بفعل أنواع الماكياج] مجلة الأسرة العدد 105، إن هذه القنوات الفضائية ينطبق عليها قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} سورة النور الآية 19. فما تعرضه هذه القنوات من هذه المسلسلات، تحرم مشاهدته ومتابعته، ويجب شرعاً مقاطعة كل ذلك لما فيه من المنكرات والمفاسد ولما يترتب عليه من

انحرافات، ولما فيه من نشرٍ للمشاهد الفاضحة التي تؤدي إلى إثارة الغرائز وإسهامٍ في تسميم أفكار الجيل الناشئ، وتسويقٍ للقيم والسلوكيات الغربية المنافية للقيم الإسلامية، مثل مشاهد تعاطي المخدرات والمسكرات والجريمة والجنس، ويضاف إلى ذلك ما تقدمه القنوات الفضائية من برامج تؤدي إلى إشغال المرأة بعالم الموضة والأزياء وعالم الطبخ المبالغ فيه، وغير ذلك من المفاسد والمنكرات، والأمور التافهة، التي تعتبر من باب، العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر. وهذا غيض من فيض مفاسد القنوات الفضائية بشكل عام، وأما المسلسلات التركية المدبلجة باللغة العامية الشامية، التي أشار لها السائل، فقد سلبت عقول كثيرٍ من الناس- نساءً ورجالاً - في عالمنا العربي التائه الضائع، وفتنت كثيراً من الناس مما جعل بعض ضعاف النفوس من التجار يستغلون هذه الحالة للترويج لسلعهم وذلك بنشر صور ممثلي هذه المسلسلات على بضائعهم، فأصبحت الأسواق ممتلئة بالبضائع التي تحمل صور هؤلاء الذين يسمونهم أبطالاً ونجوماً!! هؤلاء الذين يمارسون بطولاتهم المزعومة في الخنا وفي الفحشاء والمنكر، فتجد في الأسواق صوراً لهؤلاء الممثلين على كثيرٍ من المنتجات التي يستهلكها الأطفال (كالشيبس) واللعب وأنواع مختلفة من القرطاسية، خاصة أننا على أبواب العام الدراسي الجديد، وكذلك تجد صورهم على الملابس، وجعلت صورهم خلفيات للجوالات والكمبيوترات وغير ذلك. إذا تقرر هذا فإن من الضوابط الشرعية التي تحكم العمل في التجارة تحريم الاتجار والعمل بالمحرمات سواء كان ذلك بانتهاك محرم أو ترك واجب. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} سورة المنافقون الآية 9.

ومن الأمور المحرمة في التجارة الترويج للمحرمات والمنكرات كالمسلسلات المذكورة وغيرها، فنشر صور الممثلين على البضائع محرم شرعاً، لأن من المعلوم عند أهل العلم أن للوسائل أحكام المقاصد، قال الإمام العز بن عبد السلام: للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل) قواعد الأحكام 1/ 46. فوسيلة المحرم محرمة أي إن ما أدى إلى الحرام فهو حرام. فالصور التي تشتمل على نشر الفحشاء والمنكر محرمة والترويج للرذائل والفساد والإفساد، لا يجوز استعمالها في ترويج البضائع بمختلف أشكالها، ومما يدل على تحريم هذا العمل قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي رحمه الله: [وهذا النهي يقتضي التحريم] المغني 4/ 167. فلا شك أن نشر صور هؤلاء الساقطين والساقطات، فيه نشر للفساد والرذيلة وفيه إثارة للشهوات وكل ذلك داخل في باب التعاون على الإثم والعدوان. كما إنه يدخل في إشاعة الفاحشة بين الناس وهذا من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} سورة النور الآية 19. كما أن نشر صور هؤلاء يغرس معاني الفساد والرذيلة في نفوس أبنائنا، وخاصة أن بعض المنتجات التي عليها صور الممثلين كالدفاتر المدرسية، تستمر بأيدي طلابنا فترات طويلة، مما يؤثر سلبياً على ثقافة أبنائنا وسلوكهم. ولا بد للتجار الذين ينشرون هذا الفساد من خلال نشر صور الممثلين على منتجاتهم أن يعلموا أنهم يدخلون بعملهم هذا ضمن دائرة الكسب الحرام، والكسب الحرام نوع من أكل السحت، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي

الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} سورة المائدة الآية 42. وقال الله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة المائدة الآية 62.وقوله تعالى: {لوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} سورة المائدة الآية 63. قال أهل التفسير في قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أي الحرام، وسمي المال الحرام سحتاً، لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها. انظر تفسير القرطبي 6/ 183. وقال جماعة من أهل التفسير: ويدخل في السحت كل ما لا يحل كسبه] فتح المالك 8/ 223. ومن السحت الربا والغصب والقمار والسرقة ومهر البغي وثمن الخمر والخنزير والميتة والأصنام والتماثيل والصور الإباحية والأفلام الجنسية ونشر صور الممثلين والممثلات وغير ذلك، وقد جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به) رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان. وفي رواية أخرى: (كل جسدٍ نبت من سحتٍ فالنار أولى به) رواه أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 831. وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ... يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وصححه العلامة الألباني. صحيح سنن الترمذي 1/ 189. وعن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة جسد غُذِيَ بحرام) رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أبي يعلى ثقات وفي بعضهم اختلاف قاله

الهيثمي. مجمع الزوائد 10/ 293. وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 320. وغير ذلك من النصوص. فيا أخي التاجر ابتعد عن الكسب الحرام واحرص على الكسب الحلال واعلم أن من الواجبات على المسلم أن لا يأكل إلا الحلال بل إن الله قدم الأكل من الطيبات على العمل الصالح فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلونَ عَلِيمٌ}. وفي هذا الزمان تحقق ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق حيث أخبر أن من الناس من لا يفرق في كسبه بين حلال وحرام فلا يهمه من أين اكتسب المال وكل ما يهمه أن يكون المال بين يديه ينفقه كيفما شاء. فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام) رواه البخاري. وقد ينسى بعض الناس أنه سيحاسب على ماله وأنه سيسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني. وقد وردت نصوص كثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على الأكل من الطيبات منها: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} سورة البقرة آية 172. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا

الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلونَ عَلِيمٌ}. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: (تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج) رواه الترمذي وقال حديث صحيح غريب وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 318. وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (استحيوا من الله حق الحياء. قلنا: يا نبي الله إنا لنستحي والحمد الله. قال: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء هو أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى وتتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا - يعني من الله - حق الحياء) رواه الترمذي وحسّنه العلامة الألباني. صحيح سنن الترمذي 2/ 299. وخلاصة الأمر أنه يحرم مشاهدة المسلسلات الفاسدة والمفسدة، كما يحرم نشر صور الممثلين والممثلات على المنتجات، وأن ذلك يدخل في إشاعة المنكرات والفواحش بين الناس، وأن التاجر الذي يستعمل هذه الوسائل المحرمة لترويج تجارته فإنه يُدخل في كسبه الحرام، كما يحرم بيع المنتجات التي تشتمل على صور الممثلين والممثلات. - - -

متى تعتبر رسوم القروض من الربا؟

متى تعتبر رسوم القروض من الربا؟ يقول السائل: هنالك بعض الجمعيات والمؤسسات تقدم قروضاً بهدف إقامة مشاريع صغيرة، زراعية، وتجارية، وصناعية، وللإسكان، وتقول هذه المؤسسات إن قروضها بدون فوائد، ولكنها تأخذ رسوماً عند استلام القرض وعند تسديد كل قسط من الأقساط، فهل هذه الرسوم تعتبر من الربا، أفيدونا؟ الجواب: تغيير الأسماء لا يغير شيئاً من حقائق المسميات، فتغيير اسم الخمور إلى مشروبات روحية لا يؤثر في حقيقتها وكونها محرمة، وقد أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقال: (ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 136. وكذلك تغيير اسم الربا إلى فائدة أو ربح أو دخل أو غير ذلك من الأسماء، لا يغير شيئاً من حقيقة الربا المحرم، وتلاعب الناس بالألفاظ في المعاملات لا يؤثر على حقيقتها شيئاً، لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا، وأذكر أنني حسبتُ مرة ما زعمت إحدى المؤسسات المقرضة أنه رسوم خدمات إدارية ورسوم تسديد قسط، فوجدته قد بلغ 14% زيادة على القرض، ثم يقولون هذا ليس من الربا؟! فما هو الربا إذن! لا شك أن التحايل لاستحلال ما حرم الله من أشد المحرمات، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين، وهو أن يظهر عقداً مباحاً يريد به محرماً ً، مخادعةً وتوسلاً إلى فعل ما حرم الله واستباحة محظوراته أو إسقاط واجب، أو دفع حق ونحو ذلك، قال أيوب

السختياني: إنهم ليخادعون الله كأنما يخادعون صبيا ًً، لو كانوا يأتون الأمر على وجهه كان أسهل عليَّ] المغني 4/ 43. وقد نعى الله سبحانه وتعالى تحيل اليهود لانتهاك المحرمات فقال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} سورة الأعراف الآية 163. وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت يهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) رواه ابن بطة في إبطال الحيل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [هذا إسناد جيد يصحح مثله الترمذي وغيره تارة ويحسنه تارة] إبطال الحيل ص112، مجموع الفتاوى 29/ 29. وقال الحافظ ابن كثير: هذا إسناد جيد، وقال العلامة الألباني: [وحسن إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير] صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 33. وثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل الله اليهود لما حرم شحومها جملوه - أي أذابوه - ثم باعوه فأكلوا ثمنه) رواه البخاري ومسلم. وقد قرر الفقهاء أن أي زيادة مشروطة على مبلغ القرض تعتبر من الربا، فقد جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه البخاري ومسلم. ومما يدل أيضاً على منع الزيادة المشروطة على القرض، ما روي في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة) رواه الحارث بن أبي أسامة في

مسنده، وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 34. ورواه البيهقي في السنن 5/ 350، بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/ 169 والحديث ضعيف، ضعفه الحافظ ابن حجر وضعفه العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 235. ولكن معنى الحديث صحيح وقد اتفق الفقهاء على تحريم أي منفعة يستفيدها المقرض من قرضه ولكن ليس على إطلاقها، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. قال الحافظ ابن عبد البر: [وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط]. وقال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة ربا] الموسوعة الفقهية 33/ 130. وقال الإمام القرطبي: [أجمع أهل العلم على أن استقراض الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل ما له مثل من سائر الأطعمة جائز. وأجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف رباً ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة] تفسير القرطبي3/ 241. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [كل قرضٍ شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف] المغني 4/ 240. إذا تقرر هذا فإن الزيادة على القرض التي تسمى رسوم خدمات القرض أو أجور القرض أو مصاريف إدارية أو أتعاب إدارية للقرض بين فيها أهل العلم ما يلي: أولاً: إن هذه الرسوم لا بد أن تكون مقابل خدمات فعلية لا وهمية.

ثانياً: أي زيادة على الخدمات الفعلية تعتبر من الربا المحرم شرعاً، فقد جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث سنة 1407هـ وفق 1986م ما يلي: [ ... بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية: قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية: 1. جواز أخذ أجور عن خدمات القروض. 2. أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية. 3. كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعًا] مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 3 الجزء 1/ 305. ووجه جواز هذه الزيادة واعتبارها مصاريفاً إدرايةً أنها تعتبر من باب الأجرة مقابل خدمات حقيقية فعلية كمتابعة القرض والإشراف الهندسي على التنفيذ ونحو ذلك. ومن المتفق عليه بين الفقهاء أنه يشترط في الأجرة تحديدها والاتفاق عليها قبل البدء في العمل، لا بعده. ثالثاً: إن هذه الرسوم لا يجوز أن تكون مقابل استيفاء القرض بل تكون عند إنشاء عقد القرض بمعنى أنها مصاريف إدارية تغطي التكاليف الإدارية مثل أجور الموظفين والشؤون المكتبية ونحو ذلك، وإذا كانت الجهة المقرضة تتولى الإشراف على التنفيذ فيدخل في ذلك أجور المهندسين أو المراقبين كما هو الحال في بعض المؤسسات التي تقرض للبناء والإسكان. وأما إذا كانت مقابل استيفاء القرض فهي ربا، كما هو الحال في بعض المؤسسات المقرضة فإنها تحصل رسوماً تحت اسم رسوم تحصيل القرض وهو أن يدفع المقترض مبلغاً من المال مع كل قسط يسدده كرسوم تحصيل للقرض فهذا ربا محرم وإن سموه رسوماً. رابعاً: يجب أن تقدر هذه الرسوم بمبلغ مقطوع ولا تقدر بنسبة

مئوية وخاصة إذا أخذت هذه الرسوم مقابل الأمور المكتبية فقط، لأنها إذا قدرت بنسبة مئوية فستختلف باختلاف مبلغ القرض لأنها لو كانت رسوماً للخدمات فعلاً لما اختلف مقدارها باختلاف حجم القرض وشروطه إذ أن الخدمات المكتبية التي تؤدى لمن يقترض ألفاً، هي ذاتها الخدمات التي تؤدى لمن يقترض عشرة آلاف، ولكنه التلاعب ومحاولة تغيير الأسماء ليخدع الناس، ويظنوا أن ذلك لا شيء، فيه ويجب أن يعلم أن هذه الرسوم بهذه الصورة هي ربا وإن غيرت أسماؤها لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما سبق. وينبغي التنبيه إلى ما ورد في تحريم الربا من نصوص الكتاب والسنة، وبيان أنه من كبائر الذنوب، وأن الله قد لعن كل من يتعامل بالربا بأي شكل من الأشكال، أو يعين عليه، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278 - 279. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها إتيان الرجل أمه) رواه الحاكم وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر السلسلة الصحيحة 3/ 488.

وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 633. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 636. وقال الإمام السرخسي: [وقد ذكر الله تعالى لآكل الربا خمساً من العقوبات: أحدها: التخبط قال الله تعالى: {لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} ... والثاني: المحق قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا} والمراد: الهلاك والاستئصال، وقيل: ذهاب البركة والاستمتاع، حتى لا ينتفع هو به ولا ولده بعده. والثالث: الحرب. قال الله تعالى: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} ... والرابع: الكفر قال الله تعالى: {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أي: كفار باستحلال الربا أثيم فاجر بأكل الربا والخامس: الخلود في النار. قال الله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} المبسوط 12/ 109 - 110. وخلاصة الأمر أن رسوم خدمات القرض يجب أن تقابل بخدمات فعلية حقيقية، حتى تخرج عن نطاق الربا، وأن تكون معلومة ومقدرة تقديراً حقيقياً. وأن أي زيادة على القرض سوى ذلك تعتبر من الربا، وختاماً أوصي من يتعرض للسؤال عن هذه القضايا وغيرها أن ينظر إلى حرمة الربا القطعية في الكتاب والسنة وإلى خطورة الربا وما يجلبه على الناس من مصائب، وما الأزمة المالية العالمية الحالية عنا ببعيد.

ربط نسبة الربح في بيع المرابحة بمؤشر الليبور

ربط نسبة الربح في بيع المرابحة بمؤشر الليبور يقول السائل: هل يجوز شرعاً حساب الأرباح في البيوع الآجلة بربطها بمؤشر (الليبور)، فتكون الأرباح غير ثابتة، بل متغيرة مع تغير عدد الأشهر والأيام، وتتم تسويتها مع النسبة العالمية للأرباح مثلاً: ( Libour2%) فما الحكم في ذلك أفيدونا؟ الجواب: مؤشر الليبور كما عرفه الدكتور سامر قنطقجي: [نظام الليبور هو المؤشر الرئيسي الذي تستخدمه البنوك الربوية ومؤسسات الائتمان والمستثمرون لتثبيت تكلفة الاقتراض في أسواق المال في جميع أنحاء العالم، وكلمة Libor هي اختصار لمعدل الفائدة المعروض من قبل مصرف لندن، ويستخدم الليبور لحساب معدلات الفائدة الربوية المطبقة في قطاع كبير من العقود والقروض والتبادل التجاري على المدى القصير. ويتم وضع الليبور من قبل جمعية المصارف البريطانية BBA عند تثبيت معدل الليبور وتتبادل الـ BBA الرأي مع Libor Steering Group التي تقود نشاط ممارسي سوق المال في لندن] كتاب معيار قياس أداء المعاملات المالية الإسلامية بديلاً عن مؤشر الفائدة ص 16 بتصرف. ونظام الليبور نظام معتمد لدى البنوك الربوية في العالم العربي، ومع الأسف الشديد أن بعض البنوك الإسلامية قد انزلقت في هذا المنزلق الربوي الخطير، فصارت تربط أرباح بيع المرابحة للآمر بالشراء بنظام الليبور، فتكون الأرباح التي يحصل عليها البنك الإسلامي غير ثابتة، بل متغيرة مع تغير عدد الأشهر والأيام، ولا يتم البت بمقدار الربح عند توقيع عقد المرابحة، بل تُسجل مع نهاية كل شهر عند دفع القسط المستحق، بعد تسويتها مع نظام الليبور ( Libour 3%) أو أكثر أو أقل.

ولا بد أن نقرر أن من شروط صحة بيع المرابحة أن يكون الثمن معلوماً وأن يكون الربح معلوماً، وهذا ما قررته المجامع الفقهية والمؤسسات التي تعنى بشؤون المصارف الإسلامية، فقد جاء في المعيار الشرعي رقم 8 من معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين المتعلق بالمرابحة ما يلي: [يجب أن يكون كل من ثمن السلعة في بيع المرابحة للآمر بالشراء وربحها محدداً ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع. ولا يجوز بأي حال أن يترك تحديد الثمن أو الربح لمتغيرات مجهولة أو قابلة للتحديد في المستقبل؛ وذلك مثل أن يعقد البيع ويجعل الربح معتمداً على مستوى الليبور الذي سيقع في المستقبل. ولا مانع من ذكر مؤشر من المؤشرات المعروفة في مرحلة الوعد

للاستئناس به في تحديد نسبة الربح، على أن يتم تحديد الربح في عقد المرابحة للآمر بالشراء على أساس نسبة معلومة من التكلفة ولا يبقى الربح مرتبطاً بالليبور أو بالزمن. يجب أن يكون الربح في عقد المرابحة للآمر بالشراء معلوماً ولا يكفي الاقتصار على بيان الثمن الإجمالي، ويجوز أن يكون الربح محدداً بمبلغ مقطوع أو بنسبة مئوية من ثمن الشراء فقط أو من ثمن الشراء مضافاً إليه مبلغ المصروفات. ويتم هذا التحديد بالاتفاق والتراضي بين الطرفين]. وجاء في الضوابط الشرعية لهيئة الرقابة الشرعية لبنك البلاد السعودي - مصرف إسلامي - ما يلي: [للبنك أن يُفصح عن ثمن السلعة، وربحها في بيع المرابحة للآمر بالشراء على أن يكون الثمن الإجمالي للسلعة محدداً ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع. ولا يجوز بأي حال أن يربط تحديد الثمن أو الربح بأمر مستقبلي مثل مؤشر الليبور ( libor) أو السيبور ( sibor) . ولا مانع من ذكر مؤشر من المؤشرات المعروفة في مرحلة الوعد للاستئناس به في تحديد نسبة الربح، على أن يكون الربح محدداً، ولا يبقى الربح مرتبطاً بالمؤشر أو بالزمن]. ولا بد من توضيح ما ورد في الضوابط السابقة بخصوص الاسترشاد بمؤشر الليبور في مرحلة المواعدة في عقد المرابحة، وليس في مرحلة العقد، فمن المعلوم أن المواعدة في المرابحة تكون قبل عقد بيع المرابحة، ولا تعتبر عقد بيع، وبالتالي لا مانع شرعاً من الاسترشاد بمؤشر الليبور في هذه المرحلة، كمؤشرٍ لتحديد نسبة الربح في البنوك الإسلامية في بيع المرابحة للآمر بالشراء وغيره من معاملاتها [فلا يوجد في الشريعة - بحسب ما نعلم- طريقة لحساب الربح، والمعول في المعاملات هو على صيغة العقد لا على طريقة الحساب، فإذا كان بيعاً وجب أن يكون مكتمل الأركان تام الشروط خالياً من الربا والغرر والغش والغبن ... إلخ، فإذا توفر ذلك فلا أهمية للطريقة التي حسب بها الربح، وهذا يعني أن ربط هامش الربح بأسعار الفائدة مقبول إذا كانت صيغة البيع صحيحة] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8، ج3/ 683 - 684. وانظر أيضاً الربح في الفقه الإسلامي ضوابطه وتحديده في المؤسسات المالية المعاصرة ص 246. وهنالك فرق واضح بين الحالتين السابقتين وهما: الحالة الأولى: الاسترشاد بمؤشر الليبور لتحديد نسبة الربح في مرحلة المواعدة في بيع المرابحة للآمر بالشراء. الحالة الثانية: ربط الأرباح بمؤشر الليبور فتكون الأرباح غير ثابتة، بل متغيرة مع تغير عدد الأشهر والأيام، وتتم تسويتها مع النسبة العالمية للمؤشر مثل: ( Libour 2%) . ففي الحالة الأولى لا تعدو العملية عن استرشاد، فلا تؤثر في صحة العقد، بينما في الحالة الثانية يربط الربح بمؤشر الليبور، فيؤدي

ذلك إلى جهالة الربح وعدم معلوميته، وهذا يؤدي إلى بطلان عقد المرابحة. لأن من شروط صحة عقد المرابحة أن يكون الربح معلوماً ومحدداً، وربطه بمؤشر الليبور ينافي ذلك حيث يجعله متذبذباً، فإذا ارتفع مؤشر الليبور ارتفع الربح وإذا انخفض مؤشر الليبور انخفض الربح. وهذا الربط بمؤشر الليبور يحول بيع المرابحة إلى معاملة باطلة، لاشتمالها على غرر فاحش مفسد للعقد. إذا تقرر هذا فإن البنوك الإسلامية بحاجة ماسة لاعتماد مؤشرات لقياس الربح بخلاف ما هو معتمد في البنوك الربوية حتى تتميز البنوك الإسلامية في أعمالها عن البنوك الربوية وحتى تبتعد ابتعاداً تاماً عن الشبهات. وقد أوصى مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الثامن، بالإسراع بإيجاد المؤشر المقبول إسلامياً الذي يكون بديلاً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية في تحديد هامش الربح في المعاملات] وقد بُحثت مسألة إيجاد المؤشر المقبول إسلامياً الذي يكون بديلاً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية، في عدد من الندوات وكتبت بعض الأبحاث في ذلك، وخرجت بمقترحات جيدة لإيجاد مؤشر شرعي في المعاملات الإسلامية، منها ما قدمه الدكتور سامر قنطقجي [من طرق بديلة مقترحة عن مؤشر الليبور: 1. يمكن اللجوء إلى آخر أرباح موزعة (من الممكن اللجوء إلى التوزيعات الربع سنوية) لثمانية مصارف أو مؤسسات مالية إسلامية بأخذ وسطي أقرب رقمين، أو بأخذ وسطها الحسابي. 2. يمكن اللجوء إلى تقديرات ثمانية مصارف أو مؤسسات مالية إسلامية وأخذ وسطي أقرب رقمين. 3. البحث عن سعر التضحية المناسب لكل قطاع من قطاعات العمل واعتبار أقلها هو تكلفة الفرصة البديلة. ولما كان المؤشر هو شكل من أشكال التسعير

فإن مؤشر سعر الفائدة هو عبارة عن دليل يسترشد به العاملون في السوق لتسعير أعمالهم من إقراض واقتراض أو في تقييم الاستثمارات ومقارنة ريعها وجدواها. لذلك فإن تحديد مؤشر الفائدة هو شكل من أشكال التسعير بغض النظر عن مضمونه الشرعي. ويرى ابن تيمية ضرورة التسعير عندما يخشى من الاحتكار بقوله: [إذا امتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامها بقيمة المثل، فيجب أن يلتزموها بما ألزمهم الله به] الحسبة في الإسلام ص23. أما عن آلية تحقيق ذلك، فيقول ابن تيمية: [ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهاراً على صدقهم فيسألهم كيف يشترون وكيف يبيعون، فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد، حتى يرضوا ولا يجبرون على التسعير] الحسبة في الإسلام ص 40. والرضا عامل مهم في زرع الثقة والطمأنينة بين أفراد السوق مما يعني ازدهار ونمو التبادل واستقرار في الأسعار مما يؤدي لحركة تجارية تنعش الدخول، أما العكس أي إكراه البائعين على البيع بسعر معين دون النظر لتكاليفهم فإنه يؤدي إلى [فساد الأسعار وإخفاء الأقوات وإتلاف أموال الناس]. الحسبة في الإسلام ص 41. وتلجأ أسواق البورصة حاليا لأمور مشابهة لتحديد أسعار الصرف، [أما أسعار الصرف الخاصة بالعملات الأجنبية فيتم تحديدها يومياً من قبل الوسطاء المقبولين أو المعتمدين من قبل البورصة المعنية، أي المصارف بما فيها المصرف المركزي] البورصة وأسس الاستثمار والتوظيف ص 31. فابن تيمية جمع وجوه أهل السوق وفي البورصة الوسطاء المقبولين، والإمام عند ابن تيمية قابلها المصارف وزاد ابن تيمية عند تحديده للسعر بالمنازلة أي المساومة دون الإكراه. لذلك يمكن اللجوء إلى إحدى الطرق الثلاث السابقة

بعد تكوين هيئة من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية مهمتها إعداد المعيار، إضافة إلى لجنة إشراف مؤلفة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وأساتذة جامعيين وممارسين وخبراء من ذوي السمعة والشهرة في عالم الاستثمار، وهي التي ستكافئ الإمام عند ابن تيمية، حيث تستأنس اللجنة بالمعيار المحسوب بإحدى الطرق المذكورة سابقًا لمقابلة هيئة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في المنازلة والمساومة وصولاً للرضا الذي يحقق مصلحة الطرفين دون إكراه] كتاب معيار قياس أداء المعاملات المالية الإسلامية بديلاً عن مؤشر الفائدة ص21 - 22. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً ربط نسبة الربح في بيع المرابحة بمؤشر الليبور في مرحلة العقد، لأنه يؤدي إلى جهالة مفسدة للعقد، ولا بأس بالاستئناس بمؤشر الليبور في مرحلة المواعدة، حتى يوجد بديل لمؤشر إسلامي. - - -

جريان الربا في النقود الورقية

جريان الربا في النقود الورقية يقول السائل: قرأت مقالاً نشرته صحيفة القدس بتاريخ 23/ 2/2009م بعنوان (فتوى الشيخ جمعة بتحليل الفوائد البنكية تثير لغطاً بين المتعاملين مع المصارف السعودية) وجاء في المقال أن الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية يجيز أخذ الفائدة البنكية لأن غطاء العملات قد تغير فلم تعد كالسابق بالذهب والفضة، فما قولكم في هذه الفتوى، أفيدونا؟ الجواب: الخلاف في جريان الربا في النقود الورقية خلاف قديم وجد منذ أن عرفت العملات الورقية، وهو مبني على مسألة مهمة وهي علة الربا في الأصناف الربوية، وقد اختلف العلماء في ثمنية النقود الورقية، فمنهم من قال إنها ليست نقوداً شرعية، وإنما هي سندات بديون على الدولة التي أصدرتها، ومنهم من قال النقود الورقية عروض ولا تأخذ صفة الثمنية وتسري عليها أحكام العروض من عدم جريان الربا فيها. وقد ذهب جماهير علماء العصر وكذا المجامع الفقهية المعتبرة إلى أن النقود الورقية تقوم مقام الذهب والفضة وتأخذ أحكامهما فتثبت لها صفة الثمنية، وبالتالي يجري فيها الربا بنوعيه النسيئة والفضل، انظر المعاملات المالية المعاصرة ص 151 - 153، وهذا القول هو الصحيح الذي تؤيده الأدلة، والأقوال الأخرى ضعيفة لا يلتفت إليها ولا يعول عليها، وقول المفتي المذكور ومن قبله قول شيخ الأزهر ومن قال بمثل قولهما، يعتبر هدماً لتحريم الربا الذي جاءت به النصوص من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، حيث إن القول الصحيح عند جماهير علماء العصر أن ربا البنوك هو الربا المحرم في القرآن والسنة. ومن المعلوم أن أرجح أقوال أهل العلم في علة الربا في النقدين الذهب والفضة هي الثمنية أو مطلق الثمنية، قال العلامة ابن القيم: [وأما

الدراهم والدنانير، فقالت طائفة العلة فيهما كونهما موزونين، وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه ومذهب أبي حنيفة، وطائفة قالت: العلة فيهما الثمنية، وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الأخرى، وهذا هو الصحيح بل الصواب] إعلام الموقعين 2/ 156. وقد آلت هذه العلة إلى النقود الورقية، فقد أصبحت العملة الورقية ثمناً للأشياء، وتدفع بها الالتزامات كما هو متعارف عليه بين الناس، قال الشيخ صالح السدلان: [الأوراق النقدية قائمة في الثمنية مقام ما تفرعت عنه، وبدل عما حلت محله من عملات الذهب والفضة، وما كان منها متفرعاً عن الذهب فله حكم الذهب، وما كان منها متفرعاً عن الفضة فله حكم الفضة، والأمور الشرعية بمقاصدها ومعانيها لا بألفاظها ومبانيها: وأنها إذا زالت عنها الثمنية أصبحت مجرد قصاصات ورق لا تساوي بعد إبطالها شيئاً مما كانت تساويه قبل إبطالها إذن: فلها حكم النقدين الذهب والفضة مطلقاً، لأن ما يثبت للمبدل عنه يثبت للبدل] عن شبكة الإنترنت. وهذا ما أقرته المجامع الفقهية المعتبرة كما ذكرت، فقد جاء في قرار هيئة كبار العلماء ما يلي: [بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح، بحيث يلقى قبولاً عاماً كوسيط للتبادل]. كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: [وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حدٌ طبعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح؛ وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به، بل الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها، بل هي وسيلة إلى التعامل بها؛ ولهذا كانت أثماناً ... إلى أن قال: والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض، لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت] مجموع الفتاوى 29/ 251، وذكر

نحو ذلك الإمام مالك في المدونة من كتاب الصرف حيث قال: [ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة] المدونة الكبرى 3/ 5، وحيث إن الورق النقدي يلقى قبولاً عاماً في التداول، ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياساً للقيم ومستودعاً للثروة، وبه الإبراء العام، وحيث ظهر من المناقشة مع سعادة المحافظ: أن صفة السندية فيها غير مقصودة، والواقع يشهد بذلك ويؤكده، كما ظهر أن الغطاء لا يلزم أن يكون شاملاً لجميع الأوراق النقدية، بل يجوز في عرف جهات الإصدار أن يكون جزءاً من عملتها بدون غطاء، وأن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهباً، بل يجوز أن يكون من أمور عدة: كالذهب والعملات الورقية القوية، وأن الفضة ليست غطاءً كلياً أو جزئياً لأي عملة في العالم، كما اتضح أن مقومات الورقة النقدية قوة وضعفاً مستمدة مما تكون عليه حكومتها من حال اقتصادية، فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها، وأن الخامات المحلية؛ كالبترول والقطن والصوف لم تعتبر حتى الآن لدى أي من جهات الإصدار غطاء للعملات الورقية. وحيث إن القول باعتبار مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلاً، والأقرب إلى مقاصد الشريعة، وهو إحدى الروايات عن الأئمة مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، قال أبو بكر: روى ذلك عن أحمد جماعة، كما هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما. وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية؛ لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها: أن الورق النقدي يعتبر نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان، وأنه أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار، بمعنى: أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي

جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية: أولاً: جريان الربا بنوعيه فيها، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين: الذهب، والفضة، وفي غيرهما من الأثمان كالفلوس، وهذا يقتضي ما يلي: (أ) لا يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقاً، فلا يجوز مثلاً بيع الدولار الأمريكي بخمسة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة. (ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريالاً سعودياً ورقاً. (ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي، ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر يداً بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة] أبحاث هيئة كبار العلماء 1/ 90 - 93. وكذلك ورد في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يلي: [أولا: إنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة وإن كان معدنهما هو الأصل وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمناً وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تُقَوم الأشياء في هذا العصر لاختفاء التعامل بالذهب والفضة وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والإبراء

العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها وإنما في أمر خارج عنها وهو حصول الثقة بها كوسيط في التداول والتبادل وذلك هو سر مناطها بالثمنية، وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر أن العملة الورقية نقدٌ قائمٌ بذاته له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها ويجري الربا عليها بنوعيه فضلاً ونسياً كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماماً باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياساً عليهما وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها. ثانياً: يعتبر الورق النقدي نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان كما يعتبر الورق النقدي أجناساً مختلفةً تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسياً كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان، وهذا كله يقتضي ما يلي: (أ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض، أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى، من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقًا. فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض. (ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئةً أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورقاً، بأحد عشر ريالاً سعودية ورقاً، نسيئةً أو يداً بيد. (ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية

بريال سعودي ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك، أو أكثر. وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية، أو أقل من ذلك، أو أكثر، إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر يداً بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، لا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة ... ]. ومثل ذلك ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: [بخصوص أحكام العملات الورقية: أنها نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة، والسلم وسائر أحكامهما] وسُقتُ قرارات المجامع الفقهية لأنني أعتبر أن الاجتهاد الجماعي الذي تمثله المجامع الفقهية، مقدمٌ على الاجتهاد الفردي الذي يصدر عن أفراد الفقهاء، فهو أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيه تحقيقاً لمبدأ الشورى في الاجتهاد، وهو مبدأ أصيل في تاريخ الفقه الإسلامي، كما بينت ذلك سابقاً في إحدى حلقات يسألونك. وخلاصة الأمر أن الربا بنوعيه يجري في النقود الورقية، وأن الفتوى المذكورة في السؤال باطلة حيث إنها تهدم الربا المحرم في كتاب الله عز وجل وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. بل إن هذه الفتوى وأمثالها تهدم كل أساس في نظرية الربا المقررة في الكتاب والسنة. - - -

حكم شراء شقة على المخططات قبل البناء

حكم شراء شقة على المخططات قبل البناء يقول السائل: ما حكم شراء شقة لم يتم بناؤها بعد، ويقع الشراء على المخططات المعدة للشقة، أفيدونا؟ الجواب: يجوز شراء شقة أو عمارة على المخططات والخرائط، وهذا يعتبر عقد استصناع، بشرط أن تكون المخططات والخرائط تفصيلية ومبيناً فيها كافة المواصفات، منعاً للنزاع والخلاف مستقبلاً، وعقد الاستصناع هو عقد على بيع عين موصوفة في الذمة مطلوب صنعها، وهو عقدٌ مشروع عند عامة الفقهاء، فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (اصطنع خاتماً) رواه البخاري. وثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استصنع منبراً كما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى امرأة من الأنصار: مُري غلامَك النجار يعمل لي أعواداً أجلس عليهن) وفي رواية عند مسلم (انظري غلامك النجار يعمل لي أعواداً أكلم الناس عليها. فعمل هذه الثلاث درجات ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت هذا الموضع فهي من طرفاء الغابة). وقد تعامل المسلمون بالاستصناع في مختلف العصور وما زالوا يتعاملون به من غير نكير. وقد أقرت المجامع الفقهية والهيئات العلمية الشرعية عقد الاستصناع ووضعت له ضوابط معينة، فمن ذلك ما ورد في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: [بعد استماعه للمناقشات التي دارت حوله - عقد الاستصناع - ومراعاة لمقاصد الشريعة في مصالح العباد والقواعد الفقهية في العقود والتصرفات، ونظراً لأن عقد الاستصناع له دور كبير في تنشيط الصناعة، وفي فتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي، قرر ما يلي:

أولاً: إن عقد الاستصناع - وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة - ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط. ثانياً: يشترط في عقد الاستصناع ما يلي: أ. بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة. ب. أن يحدد فيه الأجل. ثالثاً: يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة. رابعاً: يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة] مجلة المجمع عدد 7 ج2 ص 223. وهذا القرار في عقد الاستصناع بشكل عام، وقد قرر المجمع جواز شراء المساكن قبل بنائها وفق المخططات الهندسية المفصلة فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بالتمويل العقاري لبناء المساكن ما يلي: [تملك المساكن عن طريق عقد الاستصناع - على أساس اعتباره لازماً - وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع دون وجوب تعجيل جميع الثمن بل يجوز تأجيله بأقساط يتفق عليها مع مراعاة الشروط والأحوال المقررة لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السلم] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 6 ج 1 ص188. ولا بد هنا من التأكيد أن لعقد الاستصناع معايير وضوابط خاصة لا بد من مراعاتها حتى يكون العقد صحيحاً فمن ذلك: 1. عقد الاستصناع ملزم للطرفين إذا توافرت فيه شروطه، وهي: بيان جنس الشيء المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة ومعلومية الثمن وتحديد الأجل إن وجد. ويثبت للمستصنِع الخيارُ إذا جاء المصنوع مخالفاً للمواصفات المشروطة.

2. لا يجوز عقد الاستصناع إلا فيما تدخله الصنعة وتخرجه عن حالته الطبيعية. فما دام الصانع التزم بالعين المصنوعة صح الاستصناع. 3. يجب على الصانع إنجاز العمل وفقاً للمواصفات المشروطة في العقد، وفي المدة المتفق عليها، أو في المدة المناسبة التي تقتضيها طبيعة العمل وفقاً للأصول المتعارف عليها لدى أهل الخبرة. 4. يشترط أن يكون ثمن الاستصناع معلوماً عند إبرام العقد، ويجوز أن يكون نقوداً، أو عيناً، أو منفعة لمدة معينة، سواء كانت منفعة عين أخرى أم منفعة المصنوع نفسه. 5. يجوز تأجيل ثمن الاستصناع، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة، أو تعجيل دفعة مقدمة وتسديد باقي الثمن على دفعات متوافقة مع مواعيد التسليم لأجزاء من المصنوع. ويجوز ربط الأقساط بمراحل الإنجاز إذا كانت تلك المراحل منضبطة في العرف ولا ينشأ عنها نزاع. 6. إذا كان العمل مكوناً من عدة أجزاء، أو كان الثمن محدداً على أساس الوحدة، فيجوز أن يشترط الصانع على المستصنِع أن يؤدي من الثمن المؤجل بقدر ما أنجزه من العمل مطابقاً للمواصفات. 7. يجوز اتفاق الصانع والمستصنِع بعد عقد الاستصناع على تعديل المواصفات المشروطة في المصنوع، أو الزيادة فيه، مع تحديد ما يترتب على ذلك بالنسبة للثمن وإعطاء مهلة في مدة تنفيذه، ويجوز النص في العقد على أن مقابل التعديلات أو الزيادات هو بنسبتها إلى الثمن حسبما تقتضيه الخبرة أو العرف، أو أي مؤشر معروف تنتفي به الجهالة المفضية إلى النزاع. 8. لا يجوز زيادة الثمن لتمديد أجل السداد. أما تخفيض الثمن عند تعجيل السداد فيجوز إذا كان غير مشترط في العقد.

9. تبرأ ذمة الصانع بتسليم المصنوع إلى المستصنع أو تمكينه منه، أو تسليمه إلى من يحدده المستصنع. 10. إذا كان المصنوع وقت التسليم غير مطابق للمواصفات فإنه يحق للمستصنع أن يرفضه، أو أن يقبله بحاله، فيكون من قبيل حسن الاقتضاء. ويجوز للطرفين أن يتصالحا على القبول ولو مع الحط من الثمن. 11. يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً غير مجحف لتعويض المستصنع عن تأخير التسليم بمبلغ يتفق عليه الطرفان إذا لم يكن التأخير نتيجة لظروف قاهرة أو طارئة، ولا يجوز الشرط الجزائي بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء الثمن، لأن ذلك يعتبر من باب الربا، لأن كل غرامة تفرض على المدين تعتبر من باب الربا، وإن سُميت غرامة تأخير أو سُميت شرطاً جزائياً، فإن الشرط الجزائي لا يكون في الديون، وإنما يكون في العقود المالية التي تخلو من الديون كعقود المقاولات والتوريد والاستصناع وغيرها، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية ما يلي: [إن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حلَّ أجلُه وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد. هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً] مجلة المجمع عدد 2 ج 2 ص 873. وبما أن عقد الاستصناع هو عقد على العمل، فيصح أن يدخله الشرط الجزائي، فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 65 (3/ 7).: يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة]. 12. لا يجوز بيع المصنوع قبل تسلمه من الصانع حقيقةً أو حكماً، وبناء على ذلك لا يجوز أن تُباع الشقة التي اشتريت على المخططات قبل أن يتسلمها المشتري.

13. يجوز أن تجري المؤسسة بصفتها صانعاً عقد استصناع مع عميل بثمن مؤجل، وتتعاقد مع صانع أو مقاول للشراء منه بالاستصناع الموازي لمصنوعات أو مبانٍ بنفس المواصفات بثمن حال، بشرط عدم الربط بين العقدين. 14. لا يجوز الربط بين عقد الاستصناع وعقد الاستصناع الموازي، ولا يجوز التحلل من التسليم في أحدهما إذا لم يقع التسليم في الآخر، وكذلك التأخير أو الزيادة في التكاليف، ولا مانع من اشتراط المؤسسة على الصانع في الاستصناع الموازي شروطاً (بما فيها الشرط الجزائي) مماثلة للشروط التي التزمت بها مع العميل في الاستصناع الأول أو مختلفة عنها] انظر المعيار الشرعي رقم (11) من معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 173 فما بعدها. وأخيرا لا بد من التأكيد على أن بعض البائعين والمقاولين - الصانعين - لا يفون بشروط العقود التي يوقعونها مع المشترين، وبالتالي تقع المنازعات والخصومات التي تمتد لمدة طويلة، ولا شك في تحريم ذلك، لأن الوفاء بالعقود فريضة شرعية. فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية1. وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} سورة الإسراء الآية 34. وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} سورة المعارج الآية 32. وقال تعالى: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} سورة البقرة الآية 177. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف الآيات 2 - 3. وقال: {بلى من

ضمان المضارب لرأسمال المضاربة في حالتي التعدي والتقصير

أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} سورة آل عمران الآية 76، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} الأنفال الآية 58. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء، ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ (المسلمون عند شروطهم) أي بدون الاستثناء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً] مجموع الفتاوى 29/ 516 والقواعد النورانية ص53. وخلاصة الأمر أنه يجوز شراء الشقق والعمارات على المخططات الهندسية التفصيلية المبينة لكافة المواصفات، منعاً للنزاع والخلاف مستقبلاً، ويجب على البائع أن يسلم الشقة محل الاستصناع وفقاً للشروط التي تم الاتفاق عليها. - - - ضمان المضارب لرأسمال المضاربة في حالتي التعدي والتقصير يقول السائل: دفعت مبلغاً من المال لشخص يشتغل في تجارة المواد الغذائية كشريك مضارب، وقام هذا الشخص وبدون علمي بتشغيل مالي مع شخص آخر يشتغل في مجالات أخرى فخسر المال، فمن يتحمل الخسارة في هذه الحال، أفيدونا؟ الجواب: عقد المضاربة عند الفقهاء هو أن يدفع شخص مبلغاً من المال لآخر ليتجر فيه، والربح مشترك بينهما على حسب ما يتفقان. والمضاربة جائزة عند

عامة الفقهاء اتباعاً لما ورد عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم الذين أجازوها وعملوا بها ولم يثبت فيها بعينها دليل لا من الكتاب ولا من السنة كما قال جماعة من أهل العلم. ويشترط في المضاربة أن يكون نصيب كل من المتعاقدين من الربح معلوماً على أن يكون جزءاً مشاعاً كنسبة مئوية 10% أو 15% أو 40% على حسب ما يتفقان. ولا يجوز أن يكون الربح مبلغاً محدداً، فإن حصل ذلك أدى ذلك إلى فساد عقد المضاربة. ومن الأمور المهمة في عقد المضاربة أن الخسارة إن حصلت يتحملها صاحب المال دون العامل لأن العامل يخسر جهده وعمله، إلا إذا كانت المضاربة مقيدة ومشروطة بشروط محددة، فخالف العامل تلك الشروط فإنه حينئذٍ يضمن، والأصل المتفق عليه بين الفقهاء أن يد المضارب يد أمانة، ويد الأمانة في الفقه الإسلامي لا تضمن إلا بالتفريط أو التعدي أو التقصير. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والوضيعة (الخسارة) في المضاربة على المال خاصة، ليس على العامل منها شيء، لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال، وهو مختص بملك ربه، لا شيء للعامل فيه، فيكون نقصه من ماله دون غيره، وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء] المغني5/ 22. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ما يلي: [المضارب أمين ولا يضمن ما يقع من خسارة أو تلف إلا بالتعدي أو التقصير، بما يشمل مخالفة الشروط الشرعية أو قيود الاستثمار المحددة التي تم الدخول على أساسها، ويستوي في هذا الحكم المضاربة الفردية والمشتركة] قرار رقم 122. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة 1408هـ، بشأن سندات المقارضة: [لا يجوز أن

تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضِمناً بطل شرط الضمان] مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 3/2159. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يلي: [الخسارة في مال المضاربة على رب المال في ماله، ولا يُسأل عنها المضارب إلا إذا تعدى على المال أو قصر في حفظه]. وورد في فتاوى المستشار الشرعي لمجموعة البركة الجزء 2 الفتوى رقم (107) ما يلي: [رأس المال في شركة المضاربة أمانة في يد المضارب فلا يضمن ما يحصل فيه من خسارة إلا في حالات التعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط] وورد في مجلة الأحكام العدلية: المادة 1413 - المضارب أمين ورأس المال في يده في حكم الوديعة، ومن جهة تصرفه في رأس المال وكيل لرب المال، وإذا ربح يكون شريكاً فيه] والمادة التي ذكرت حكم الوديعة في المجلة هي: المادة 777 - الوديعة أمانة بيد المستودع بناء عليه إذا هلكت أو فقدت بدون صنع المستودع وتعديه وتقصيره في الحفظ لا يلزم الضمان. وقد قرر العلماء أن المضارب يضمن في حالات التعدي أو التقصير أو التفريط أو مخالفة شرط رب المال، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا تعدَّى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نُهي عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ... ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب] المغني 5/ 39.

ومن المعلوم أن الأصل المقرر عند الفقهاء أن على المضارب أن يتولى العمل بنفسه، لأن صاحب المال ما أعطى ماله للمضارب إلا لحصول الثقة به وبخبرته في العمل، فلا يجوز له أن يعطي مال المضاربة لغيره إلا أن يأذن له صاحب المال، فإن أذن له في ذلك جاز وهذا مذهب جمهور الفقهاء. قال الشيخ المرداوي: [ليس للمضارب دفع مال المضاربة لآخر من غير إذن رب المال على الصحيح] الإنصاف 2/ 438. وجاء في الموسوعة الفقهية: [ولو ضارب العامل شخصاً آخر بغير إذن المالك فسدت المضاربة مطلقاً، سواء أقصد المشاركة في عملٍ وربحٍ أم ربحٍ فقط أم قصد الانسلاخ، لانتفاء إذن المالك فيها وائتمانه على المال غيره، فإن تصرف العامل الثاني بغير إذن المالك فتصرف غاصب فيضمن ما تصرف فيه، لأن الإذن صدر ممن ليس بمالك ولا وكيل ... وإذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله فهو ضامن للمال لأنه متصرف في مال غيره بغير إذنه، فلزمه الضمان كالغاصب، ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه فربح فيه فالربح لرب المال] الموسوعة الفقهية الكويتية 38/ 60 - 61. وكذلك فإن على المضارب أن يلتزم بالشروط التي يفرضها صاحب المال بناءً على العقد المبرم بين الفريقين، ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية1. ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء، ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ (المسلمون عند شروطهم) أي بدون الاستثناء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الوفاء بها

أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً] مجموع الفتاوى 29/ 516. ومن المعلوم حرص صاحب المال على ماله فهو أدرى بما يحفظ ماله، وقد كان الصحابة يشترطون في المضاربة ما يرونه مناسباً لحفظ أموالهم، فعن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبدٍ رطبةٍ ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي) رواه البيهقي والدارقطني وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 295 ... وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالاً مضاربةً اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحراً ولا ينزل به وادياً ولا يشتري به ذات كبدٍ رطبةٍ، فإن فعل فهو ضامن فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه) رواه البيهقي والدارقطني والطبراني وفي سنده ضعف. قال الإمام الماوردي: [ ... فأما تعدي العامل في مال القراض من غير الوجه الذي ذكرنا فعلى ضربين: أحدهما: أن يكون تعديه فيه لم يؤمر به مثل إذنه بالتجارة في الأقوات فيتجر في الحيوان، فهذا تعدٍ يضمن به المال، ويبطل معه القراض، فيكون على ما مضى في مقارضة غيره بالمال. والضرب الثاني: أن يكون تعديه لتغريره بالمال، مثل أن يسافر به ولم يؤمر بالسفر أو يركب به بحراً ولم يؤمر بركوب البحر، فإن كان قد فعل ذلك مع بقاء عين المال بيده ضمنه، وبطل القراض بتعديه، لأنه صار مع تعديه في عين المال غاصباً] الحاوي الكبير 7/ 340 - 341. وقد نصت مجلة الأحكام العدلية على التزام المضارب بشروط رب المال وأن المضارب إذا خالفها فهو ضامن، فقد جاء في المادة (1420) يلزم المضارب

في المضاربة المقيدة مراعاة قيد وشرط رب المال مهما كان. وجاء في المادة (1421) إذا خرج المضارب عن مأذونيته وخالف الشرط يكون غاصباً وفي هذا الحال يعود الربح والخسارة في بيع وشراء المضارب عليه، وإذا تلف مال المضاربة يكون ضامناً. وورد في المادة (1422) إذا خالف المضارب حال نهي رب المال إياه بقوله: لا تذهب بمال المضاربة إلى المحل الفلاني أو لا تبع بالنسيئة، فذهب بمال المضاربة إلى ذلك المحل فتلف المال أو باع بالنسيئة فهلك الثمن يكون المضارب ضامناً]. وهذا الكلام الذي ذكرته في ضمان المضارب لرأس المال في حالات التعدي أو التقصير أو التفريط أو مخالفة شرط رب المال، ينطبق على المصارف الإسلامية، فالأصل أن المصرف الإسلامي لا يضمن إلا في الحالات المذكورة، فإذا حصل شيء من التعدي أو التقصير أو التفريط أو مخالفة شرط رب المال، [المسئول عما يحدث في البنوك والمؤسسات المالية ذات الشخصية الاعتبارية هو مجلس الإدارة؛ لأنه الوكيل عن المساهمين في إدارة الشركة، والحالات التي يُسأل عنها مجلس الإدارة هي الحالات التي يُسأل عنها مضارب الشخص الطبيعي، فيكون مجلس الإدارة أيضاً مسئولاً أمام أرباب المال عن كل ما يحدث في مال المضاربة من خسارة بتعدٍ أو تفريط، أما إذا لم يكن هناك تعدٍ ولا تفريط، فإن الشركة أو البنك لا يتحمل شيئاً من الخسارة، وعلى المساهمين محاسبة مجلس الإدارة على التعدي أو التقصير] مسائل متعلقة بشركات المساهمة عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أنه يجب على المضارب أن يعمل في المال بنفسه ولا يصح أن يعطيه لغيره بدون إذن رب المال، فإن فعل فهو ضامن ويتحمل الخسارة وحده ولا شيء على رب المال، لأنه قد تعدى بإخراج المال من يده إلى يد

شراء الأرض المصادرة بالباطل

أخرى لم يأذن لها رب المال بالتصرف، وإن حصل ربح من ذلك فهو لرب المال. - - - شراء الأرض المصادرة بالباطل يقول السائل: صادرت البلدية أرضاً لجارنا بالباطل ثم عرضتها بعد مدة للبيع فتقدمتُ لشرائها، فقيل لي لا يجوز لك شراؤها، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: اتفق العلماء على تحريم شراء المال المغصوب والمأخوذ من صاحبه عنوةً، سواء كان من المنقولات أو غيرها كالأراضي والعقارات، لأن الغاصب فرداً كان أو جهةً أو مؤسسةً أو دولةً، لا يملك المال المغصوب، فالغصب محرمٌ شرعاً وليس من طرق التملك المعتبرة شرعاً، وقد نص الفقهاء على أن العدو إذا استولى على أموال المسلمين فإنه لا يملكها، ورد في كتاب للإمام الشافعي: [العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب، سألت الشافعي عن العدو يأبق إليهم العبد أو يشرد البعير أو يغيرون فينالونهما أو يملكونهما أسهما؟ قال: لا، فقلت للشافعي: فما تقول فيهما إذا ظهر عليهم المسلمون فجاء أصحابهما قبل أن يقتسما؟ فقال: هما لصاحبهما ... ثم استدل الشافعي بما ورد في الحديث عن عمران بن حصين رضي الله عنه في قصة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم التي استولى عليها الكفار - وسأذكره بنصه لاحقاً - ثم قال الشافعي: وهذا الحديث يدل على أن العدو قد أحرز ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأنصارية انفلتت من إسارهم عليها بعد إحرازهموها ورأت أنها لها، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قد

نذرت فيما لا تملك ولا نذر لها وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، ولو كان المشركون يملكون على المسلمين لم يعد أخذ الأنصارية الناقة أن تكون ملكها بأنها أخذتها ولا خمس فيها، لأنها لم توجف عليها وقد قال بهذا غيرنا ولسنا نقول به، أو تكون ملكت أربعة أخماسها وخمسها لأهل الخمس أو تكون من الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون أربعة أخماسها للنبي صلى الله عليه وسلم وخمسها لأهل الخمس ولا أحفظ قولاً لأحدٍ أن يتوهمه في هذا غير أحد هذه الثلاثة الأقاويل. قال: فلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته دل هذا على أن المشركين لا يملكون شيئاً على المسلمين ... ] الأم 4/ 268. وحديث عمران بن حصين رضي الله عنه في قصة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم رواه مسلم في صحيحه وهو: (كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيفٌ رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء - اسم ناقة الرجل المأسور - فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق، قال يا محمد فأتاه، فقال ما شأنك؟ فقال بم أخذتني وبم أخذت سابقة الحاج؟ - أي ناقته - فقال إعظاماً لذلك أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف، ثم انصرف عنه فناداه، فقال يا محمد يا محمد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رقيقاً، فرجع إليه فقال ما شأنك؟ قال: إني مسلم، قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، ثم انصرف فناداه، فقال يا محمد يا محمد فأتاه فقال ما شأنك؟ قال إني جائع فأطعمني وظمآن فأسقني، قال هذه حاجتك ففدي بالرجلين. قال وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم

فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ، قال وناقة منوقة -أي مذللة- فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت، ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم، قال ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد). قال الإمام النووي: [وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه: أن الكفار إذا غنموا مالاً للمسلم لا يملكونه ... وحجة الشافعي وموافقيه هذا الحديث، وموضع الدلالة منه ظاهر. والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 32. وقال الشيخ ابن حزم الظاهري: [ولا يملك أهل الكفر الحربيون مال مسلم، ولا مال ذمي أبداً إلا بالابتياع الصحيح، أو الهبة الصحيحة، أو بميراث من ذمي كافر، أو بمعاملة صحيحة في دين الإسلام، فكل ما غنموه من مال ذمي أو مسلم، أو آبق إليهم، فهو باق على ملك صاحبه ... وحكمه حكم الشيء الذي يغصبه المسلم من المسلم، ولا فرق. وهو قول الشافعي وأبي سليمان- أي داود الظاهري - ثم ذكر الشيخ ابن حزم كلاماً طويلاً في بيان هذه المسألة ثم قال: أخبرونا عما أخذه منا أهل الحرب أبحق أخذوه أم بباطل؟ وهل أموالنا مما أحله الله تعالى لهم أو مما حرمه عليهم؟ وهل هم ظالمون في ذلك أو غير ظالمين؟ وهل عملوا من ذلك عملاً موافقا لأمر الله تعالى وأمر نبيه عليه السلام، أو عملاً مخالفا لأمره تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم؟

فالقول بأنهم أخذوه بحق أنه مما أحله الله تعالى لهم وأنهم غير ظالمين في ذلك، وأنهم لم يعملوا بذلك عملا مخالفا لأمر الله تعالى وأمر رسوله عليه السلام ... فسقط هذا القول، وإذ قد سقط فلم يبق إلا الآخر، وهو الحق اليقين من أنهم إنما أخذوه بالباطل وأخذوا حراماً عليهم، وهم في ذلك أظلم الظالمين، وأنهم عملوا بذلك عملاً ليس عليه أمر الله تعالى: وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وأن التزام دين الإسلام فرض عليهم. فإذ لا شك في هذا فأخذهم لما أخذوا باطلٌ مردودٌ، وظلمٌ مفسوخٌ، ولا حق لهم ولا لأحدٍ يشبههم فيه; فهو على ملك مالكه أبداً] المحلى 5/ 352 - 359. وقال الإمام الماوردي: [وما غلب عليه المشركون من أموال المسلمين وأحرزوه لم يملكوه وكان باقياً على ملك أربابه من المسلمين] الأحكام السلطانية] 1/ 264. ومما يدل على بطلان شراء المال المغصوب أن الفقهاء قد اتفقوا على أنه لا يجوز بيع ما لا يملك فإذا باع شخص مال غيره فالعقد باطل، فقد ورد في الحديث عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يأتيني الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر إرواء الغليل 5/ 132. وفي رواية أخرى عند الترمذي عن حكيم بن حزام قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع ما ليس عندي). وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 361. وهذا الحديث يدل على أنه لا

يجوز أن يبيع المسلم ما ليس عنده أي ما ليس في ملكه عند العقد، قال المباركفوري: [وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبع ما ليس عندك) دليل على تحريم بيع ما ليس في ملك الإنسان ولا داخلاً تحت قدرته] تحفة الأحوذي 4/ 360. وقال الشوكاني: [وظاهر النهي تحريم ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلاً تحت مقدرته وقد استثني من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم] نيل الأوطار 5/ 175. ومما يدل على بطلان شراء المال المغصوب أيضاً القاعدة المقررة عند الفقهاء وهي أن ما بُني على الباطل فهو باطل، فالاستيلاء على مال الغير باطل من أساسه وما بني على الباطل فهو باطل. قال الشيخ ابن حزم الظاهري: [وكل عقد انعقد على باطل فهو باطل، لأنه لم تعقد له صحة إلا بصحة ما لا صحة له، فلا صحة له] المحلى 6/ 382. وكذلك فإن شراء المال المغصوب يعتبر من باب التعاون على الإثم والعدوان، وهو محرم بنص كتاب الله عز، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة الآية2. وكذلك فإنه يعتبر من باب أكل أموال الناس بالباطل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29. وجاء في الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 279.

للزوجة ذمة مالية مستقلة عن زوجها

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحلبنَّ أحدٌ ماشية أحدٍ إلا بإذنه ... ) رواه البخاري ومسلم، قال الإمام النووي: [ ... وفي الحديث فوائد منها تحريم أخذ مال الإنسان بغير إذنه والأكل منه والتصرف فيه ... ] شرح صحيح مسلم 4/ 391. وخلاصة الأمر أنه يحرم شرعاً شراء المال المغصوب، لأن استيلاء الغاصب على المال لا يزيل ملكية صاحبه الأصلي. وكل ما بُني على باطلٍ فهو باطلٌ. - - - للزوجة ذمةً ماليةً مستقلةً عن زوجها تقول السائلة: ورثت قطعة أرض من والدي، وحاول زوجي أن يستولي عليها ليبني عليها محلات تجارية ورفضت ذلك، إلا أنني فوجئت بأن زوجي قد باع الأرض بدون موافقتي وتصرف في ثمنها، فما حكم هذا البيع، أفيدونا؟ الجواب: من المقرر شرعاً أن للمرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها فلها أن تتملك وأن تتصرف في ملكها، ولا يتوقف ذلك على إذن زوجها، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله بالتبرع والمعاوضة. وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر ... ثم قال ابن قدامة مستدلاً لذلك: [ولنا قوله تعالى: {فَإِنْءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وهو ظاهر في فك الحجر عنهم وإطلاقهم في التصرف. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر النساء

تصدقن ولو من حليكن) وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن ولم يسأل ولم يستفصل. وأتته زينب امرأة عبد الله، وامرأة أخرى اسمها زينب، فسألته عن الصدقة: هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن وأيتام لهن؟ فقال: نعم ولم يذكر لهن هذا الشرط، ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير إذن كالغلام، ولأن المرأة من أهل التصرف، ولا حق لزوجها في مالها فلم يملك الحجر عليها في التصرف بجميعه ... ] المغني 4/ 348 - 349. وقد قرر العلماء أنه لا يجوز للزوج أن يتصرف في مال زوجته دون رضاها وموافقتها، يقول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} سورة النساء الآية 4.ومن القواعد المقررة شرعاً أنه لا يجوز أخذ مال المسلم -ويدخل في ذلك المسلمة- إلا بإذنه، ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء الآية 29. ويدل على ذلك أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) رواه البخاري ومسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس) رواه أحمد والبيهقي والطبراني والحاكم وابن حبان وصححاه، وقال العلامة الألباني صحيح، إرواء الغليل 5/ 279. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس) رواه البيهقي بإسناد صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يحلبن أحدٌ ماشية أحدٍ إلا بإذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشرُبته فينتقل طعامه،

وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم، فلا يحلبن أحدٌ ماشية أحدٍ إلا بإذنه) رواه البخاري ومسلم، والمشرُبة بضم الراء، الغرفة. قال الإمام النووي: [ومعنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه اللبن في الضرع بالطعام المخزن المحفوظ في الخزانة في أنه لا يحل أخذه بغير إذنه، وفي الحديث فوائد منها تحريم أخذ مال الإنسان بغير إذنه والأكل منه والتصرف فيه، وأنه لا فرق بين اللبن وغيره وسواء المحتاج وغيره إلا المضطر ... فيأكل الطعام للضرورة ويلزمه بدل عندنا وعند الجمهور ... ] شرح صحيح مسلم 4/ 391. وقال الحافظ ابن عبد البر: [في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئاً إلا بإذنه، وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه فنبه به على ما هو أولى منه] فتح الباري 6/ 14. إذا تقرر هذا فإن ما قام به الزوج من بيع أرض زوجته بغير إذنها، يسمى بيع الفضولي عند الفقهاء، ويطلق الفضولي على من يتصرف في حق الغير بلا إذنٍ شرعي، وذلك لكون تصرفه صادراً من غير ملكٍ ولا وكالةٍ ولا ولاية، انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 32/ 171. وقد ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية، والشافعي في قوله القديم، وهو أحد قوليه في الجديد، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، إلى أن البيع صحيح إلا أنه موقوف على إجازة المالك. وذهب الشافعي في القول الثاني من الجديد، وأحمد في الرواية الأخرى عنه، إلى أن البيع باطل. قال الإمام النووي [سبق أن شروط المبيع خمسة: منها أن يكون مملوكاً لمن يقع العقد له، فإن باشر العقد لنفسه فشرطه كونه مالكاً للعين، وإن باشره لغيره بولاية أو وكالة، فشرطه أن يكون لذلك الغير، فلو باع مال غيره بغير إذن ولا ولاية، فقولان، الصحيح أن العقد باطل، وهذا نصه في الجديد، وبه قطع

المصنف- أبو إسحاق الشيرازي - وجماهير العراقيين وكثيرون أو الأكثرون من الخراسانيين لما ذكره المصنف ... والقول الثاني وهو القديم أنه ينعقد موقوفاً على إجازة المالك، إن أجازه صح البيع وإلا لغا ... ثم قال الإمام النووي: فرع في مذاهب العلماء في تصرف الفضولي بالبيع وغيره في مال غيره بغير إذنه، قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور بطلانه، ولا يقف على الإجازة، وكذا الوقف والنكاح وسائر العقود، وبهذا قال أبو ثور وابن المنذر وأحمد في أصح الروايتين عنه. وقال مالك يقف البيع والشراء والنكاح على الإجازة، فان أجازه من عقد له صح وإلا بطل، وقال أبو حنيفة إيجاب النكاح وقبوله يقفان على الإجازة، ويقف البيع على الإجازة، ولا يقف الشراء، وأوقفه اسحق بن راهويه في البيع ... ] المجموع 9/ 259. والراجح من أقوال أهل العلم في بيع الفضولي أنه صحيحٌ، ولكنه موقوفٌ على إجازة المالك، ويدل لذلك ما ورد في الحديث الذي رواه الإمام البخاري بإسناده عن شبيب بن غرقدة، قال: (سمعت الحي يحدثون عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب أربح فيه). [فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز هذا البيع، ولو كان باطلاً لرده، وأنكر على من صدر منه، وأيضاً فإن هذا تصرف تمليك، وقد صدر من أهله فوجب القول بانعقاده، إذ لا ضرر فيه للمالك مع تخييره، بل فيه نفعه، حيث يكفي مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن (أي المطالبة) وغيره، وفيه نفع العاقد لصون كلامه عن الإلغاء، وفيه نفع المشتري لأنه أقدم عليه طائعاً، فثبتت القدرة الشرعية تحصيلا لهذه الوجوه] الموسوعة الفقهية الكويتية 9/ 136.

ويدل على جواز بيع الفضولي أيضاً حديث ابن عمر في قصة الثلاثة أصحاب الغار، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الثالث اللهم استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمَّرتُ أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِ إليَّ أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت لا أستهزئ، فأخذه كله فاستاقة فلم يترك منه شيئاً) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأدلة. وبناءً على ما سبق فإن بيع الأرض الذي عقده الزوج، يعتبر عقداً موقوفاً على إجازة الزوجة، فإن أجازته جاز، وإن فسخته فُسخ، قال الزيلعي الحنفي: [ومن باع ملك غيره فللمالك أن يفسخه ويجيزه إن بقي العاقدان والمعقود عليه وله وبه لو عرضاً] أي للمالك أن يجيز العقد بشرط أن يبقى المتعاقدان والمعقود عليه والمعقود له وهو المالك بحالهم والأصل فيه أن كل تصرف صدر من الفضولي وله مجيز حال وقوعه انعقد موقوفاً على الإجازة عندنا وإن لم يكن له مجيز حالة العقد لا يتوقف ويقع باطلاً] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 4/ 102 - 103. وجاء في المادة 378 من مجلة الأحكام العدلية: [بيع الفضولي إذا أجازه صاحب المال، أو وكيله، أو وصيه، أو وليه نفذ وإلا انفسخ إلا أنه يشترط لصحة الإجازة أن يكون كل من البائع والمشتري والمجيز والمبيع قائماً وإلا فلا تصح الإجازة]. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: [اتفق الفقهاء على أن من شروط البيع: أن يكون المبيع مملوكاً للبائع أو له عليه ولاية أو وكالة تجيز تصرفه فيه واتفقوا أيضا على صحة بيع الفضولي، إذا كان المالك حاضراً وأجاز البيع، لأن الفضولي حينئذ يكون كالوكيل. واتفقوا أيضا على عدم

صحة بيع الفضولي إذا كان المالك غير أهل للإجازة، كما إذا كان صبياً وقت البيع] الموسوعة الفقهية الكويتية 9/ 117. ويدل لما قرره الفقهاء أن من شروط صحة البيع أن يكون المبيع مملوكاً للبائع، ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 6/ 173. وبناءً على ما سبق فإن أجازت الزوجة تصرف زوجها في أرضها فإن ثمن الأرض من حقها وحدها، تتصرف فيه كما شاءت، وما قام به الزوج من التصرف في ثمن أرض زوجته بدون إذنها، فهو تصرفٌ باطلٌ شرعاً، ويلزمه أن يرد المال إليها، وإن لم يفعل فهو من باب أكل أموال الناس بالباطل، وقد سبقت النصوص الشرعية في تحريمه. وأما إن فسخت الزوجة تصرف زوجها في بيع الأرض، فهو ملزم شرعاً أن يرد المال إلى المشتري وتبقى الأرض للزوجة. وخلاصة الأمر أن الإسلام قد قرر ذمةً ماليةً مستقلةً للزوجة، ولها أن تتملك وأن تتصرف في ملكها كما تشاء، ولا يجوز لزوجها أن يمنعها من ذلك، وأن ما قام به زوج السائلة من بيع أرضها بدون إذنها، يعتبر تصرفاً موقوفاً على إجازتها على الراجح من أقوال أهل العلم، فإن أجازته جاز، وكان ثمن الأرض من حقها وحدها، وإن فسخته فسخ ويلزم الزوج بإرجاع المال للمشتري. - - -

العمل في الكنائس والكنس

العمل في الكنائس والكنس يقول السائل: أنا أعمل مقاولاً في أعمال البناء وقد عُرض عليَّ بناء كنيس فما الحكم الشرعي في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن من أهم ضوابط العمل المباح في دين الإسلام أن لا يكون للعمل علاقة بعقائد غير المسلمين، كالعمل في بناء الكنس والكنائس، مهما كان هذا العمل، وكذا العمل في المدارس الدينية التي تدرس مللهم، وكذا العمل في طباعة كتبهم الدينية أو التجارة فيها، ويحرم العمل بكل ما له ارتباط بدينهم، ويدل لهذا الضابط قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية 2. وهذا مذهب جماهير الفقهاء المالكية والحنابلة وأكثر الشافعية وهو قول صاحبي أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد فقد نصوا على تحريم بناء معابد غير المسلمين والعمل على تشييدها وإقامتها وترميمها، فمن ذلك: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأما مذهب أحمد في الإجارة لعمل ناووسٍ ونحوه، فقال الآمدي لا يجوز رواية واحدة، لأن المنفعة المعقود عليها محرمة، وكذلك الإجارة لبناء كنيسة أو بيعة أو صومعة كالإجارة لكَتْبِ كُتُبهم المحرفة] اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 244. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ ... ولا على معصية كبيت النار والبيع والكنائس، وكتب التوراة والإنجيل لأن ذلك معصية، فإن هذه المواضع بنيت للكفر، وهذه الكتب مبدلة منسوخة، ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال: (أفيَّ شكٌ أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان موسى أخي حياً ما وسعه إلا إتباعي) ولولا أن ذلك معصية ما غضب منه] المغني 6/ 38. والحديث

المذكور في كلام ابن قدامة المقدسي حديث حسن رواه أحمد والدارمي وابن أبي عاصم وابن عبد البر كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل حديث رقم 1589. وقال الإمام الشافعي: [وأكره للمسلم أن يعمل بنَّاءً، أو نجاراً، أو غير ذلك في كنائسهم التي لصلاتهم] الأم 4/ 203، والكراهة في كلام الشافعي يقصد بها التحريم كما هو معروف في كلام السلف. وورد في المدونة المعروفة في مذهب المالكية: [أرأيت الرجل أيجوز له أن يؤاجر نفسه في عمل كنيسة في قول مالك؟ قال: لا يحل له؛ لأن مالكاً قال: لا يؤاجر الرجل نفسه في شيء مما حرم الله. قال مالك: ولا يكري داره ولا يبيعها ممن يتخذها كنيسة] المدونة 10/ 361. وقال صاحب منح الجليل شرح مختصر خليل: [ولا تجوز الإجارة على دخول حائضٍ لمسجدٍ لتكنسه لحرمة دخولها فيه، ومثلها إجارة مسلمٍ لكنس كنيسة أو رعي خنزير أو لعمل خمر فيفسخ - العقد - ويؤدب إن لم يعذر بجهل، وإن نزل وفات فاستحب ابن القاسم التصدق بالأجرة] 16/ 169. وقال الحطاب المالكي: [ ... أن يؤاجر المسلم نفسه لكنس كنيسة أو نحو ذلك، أو ليرعى الخنازير أو ليعصر له خمراً فإنه لا يجوز، ويؤدب المسلم إلا أن يتعذر بجهالة] مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ... 16/ 187. وقال الشيخ تقي الدين السبكي: [فقد سئلت عن ترميم الكنائس أو إعادة الكنيسة المضمحلة فأردت أن أنظر ما فيها من الأدلة ... وقفوت أثر عمر بن الخطاب وعدله وشروطه التي أخذها لما فتح البلاد وشيد الإسلام وأهله، وهذا الترميم يقع السؤال عنه كثيراً ولا سيما في الديار المصرية، ويفتي كثير من الفقهاء بجوازه وتخرج به مراسيم من الملوك والقضاة بلا إذن فيه، وذلك خطأ بإجماع المسلمين، فإن بناء الكنيسة حرام بالإجماع، وكذا ترميمها وكذلك قال الفقهاء: لو وصى ببناء كنيسة فالوصية باطلة، لأن بناء الكنيسة معصية،

وكذا ترميمها ولا فرق بين أن يكون الموصي مسلماً أو كافراً، وكذا لو وقف على كنيسة كان الوقف باطلاً مسلماً كان الواقف أو كافراً، فبناؤها وإعادتها وترميمها معصية مسلماً كان الفاعل لذلك أو كافراً، هذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم. وهو لازم لكل مكلف من المسلمين والكفار ... وجميع الشرائع نسخت بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يشرع اليوم إلا شرعه، بل أقول: إنه لم يكن قط شرعٌ يسوغ فيه لأحدٍ أن يبني مكاناً يُكْفرُ فيه بالله، فالشرائع كلها متفقة على تحريم الكفر، ويلزم من تحريم الكفر تحريم إنشاء المكان المتخذ له، والكنيسة اليوم لا تتخذ إلا لذلك وكانت محرمة معدودة من المحرمات في كل ملة، وإعادة الكنيسة القديمة كذلك؛ لأنها إنشاء بناءٍ لها وترميمها أيضاً كذلك؛ لأنه جزء من الحرام، ولأنه إعانة على الحرام، فمن أذن في حرام ومن أحله فقد أحل حراماً، من توهم أن ذلك من الشرع رُدَّ عليه بقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}] فتاوى السبكي 4/ 175. وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي تحريم بناء المسلم للكنائس والإعانة على ذلك في دورة مؤتمره الثالث في عمان بالأردن سنة 1407هـ/1986م ضمن الإجابة على استفسارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، فقد جاء في قراره: السؤال الخامس والعشرون والسؤال السادس والعشرون: ما حكم تصميم المهندس المسلم لمباني النصارى كالكنائس وغيرها علماً بأن هذا هو جزء من عمله في الشركة الموظفة له، وفي حالة امتناعه قد يتعرض للفصل من العمل؟ وما حكم تبرّع المسلم فرداً كان أو هيئة لمؤسسات تعليمية أو تنصيرية أو كنيسة؟ الجواب: لا يجوز للمسلم تصميم أو بناء معابد الكفار أو الإسهام في ذلك مالياً أو فعلياً].

وجاء في قرارات وتوصيات المؤتمر الخامس لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا المنعقد بالمنامة -مملكة البحرين- سنة 1428هـ/2007م: [القرار التاسع: العمل في المجال الهندسي وضوابطه عند اختلاط الحلال بالحرام خارج ديار الإسلام. لا يجوز لأصحاب شركات التصميم والإنشاء من المسلمين أن يصمموا أو يبنوا أبنية تُمَارسُ فيها المعاصي مثل الحانات وصالات القمار ومحلات بيع الخمور والمعابد التي تمارس فيها عبادات شركية، كما لا يجوز لهم تقبل مشروعات تتضمن شيئاً من ذلك]. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية: [كل دين غير دين الإسلام فهو كفر وضلال، وكل مكان يُعدّ للعبادة على غير دين الإسلام فهو بيت كفر وضلال، إذ لا تجوز عبادة الله إلا بما شرع الله سبحانه في الإسلام، وشريعة الإسلام خاتمة الشرائع، عامة للثقلين الجن والإنس وناسخة لما قبلها، وهذا مُجمع عليه بحمد الله تعالى. ومن زعم أن اليهود على حق، أو النصارى على حق سواء كان منهم أو من غيرهم فهو مكّذب لكتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد وإجماع الأمة، وهو مرتد عن الإسلام إن كان يدّعي الإسلام بعد إقامة الحُجة عليه إن كان مثله ممن يخفى عليه ذلك، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} سورة سبأ الآية 28، وقال عز شأنه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} سورة الأعراف الآية 158، وقال سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} سورة آل عمران الآية 19، وقال جل وعلا: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} سورة آل عمران الآية 85، وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ

الْبَرِيَّةِ} سورة البينة الآية 6، وثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان النبي يُبْعَث إلى قومه خاصة، وبُعثْتُ إلى الناس عامة). ولهذا صار من ضروريات الدين: تحريم الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام، ومنه تحريم بناء معابد وفق شرائع منسوخة يهودية أو نصرانية أو غيرهما؛ لأن تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية؛ لأن العبادات التي تُؤدى فيها على خلاف شريعة الإسلام الناسخة لجميع الشرائع قبلها والمبطلة لها، والله تعالى يقول عن الكفار وأعمالهم: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} سورة الفرقان الآية 23. ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء المعابد الكفرية مثل: الكنائس في بلاد المسلمين، وأنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام، وألا يكون فيها شيءٌ من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها] الفتوى رقم 21413 من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية. وجاء في فتوى أخرى للجنة الدائمة جواباً عن سؤالٍ عن المسلم الذي وظيفته البناء، هل يجوز له أن يبني كنيسة، فأجابت اللجنة: [لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبني كنيسةً أو محلاً للعبادة ليس مؤسساً على الإسلام الذي بعث اللهُ به محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز وجل يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}] فتاوى اللجنة الدائمة 14/ 482 وخلاصة الأمر أنه يحرم على المسلم أن يعمل في بناء معابد غير المسلمين أو ترميمها أو أن يشتغل في أي عمل له ارتباط بعقيدة غير المسلمين. - - -

حكم الوصية بجميع المال

حكم الوصية بجميع المال يقول السائل: أنا رجل موسر وليس لي أولاد ولا بنات ولي إخوة وأخوات وقد كفلت ابن أخي منذ الصغر وعمل معي في تجارتي وأريد أن أوصي له بجميع ما أملك فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: الوصية مشروعة بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} سورة النساء 12. وقال الإمام البخاري في صحيحه [باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم (وصية الرجل مكتوبة عنده)، وقول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة البقرة الآيات 180 - 182. وورد في الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها قال: يرحم الله ابن عفراء. قلت يا رسول الله، أوصي بمالي كله قال: لا. قلت فالشطر قال: لا. قلت الثلث. قال: فالثلث، والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك- أي فمها - وعسى الله أن يرفعك فينتفع بك ناسٌ ويضر بك آخرون. ولم يكن له يومئذ إلا ابنة) رواه البخاري ومسلم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حقُ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما مرت عليًّ ليلةٌ منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي) وغير ذلك من النصوص. وقد اتفق أهل العلم على أنه لا وصية لوارث، لما ثبت في الحديث من قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. واتفق العلماء على أنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، لما ورد في حديث سعد السابق من قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (الثلث والثلث كثير)، وقال الإمام الترمذي بعد أن رواه: [حديث سعد حديث حسن صحيح وقد روي عنه من غير وجه وقد روي عنه (والثلث كبير) والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون أن يوصي الرجل بأكثر من الثلث ويستحبون أن ينقص من الثلث. قال سفيان الثوري كانوا يستحبون في الوصية الخمس دون الربع، والربع دون الثلث، ومن أوصى بالثلث فلم يترك شيئاً لا يجوز له إلا الثلث] سنن الترمذي 3/ 306. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لو غض الناس إلى الربع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث والثلث كثير أو كبير) رواه البخاري. إذا تقرر هذا فإن السائل له ورثة وابن أخيه ليس من الورثة، فيجوز أن يوصي له، ولكن لا يزيد في الوصية عن الثلث، فإن زادت الوصية عن الثلث

فتكون الزيادة عن الثلث موقوفة على إجازة الورثة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة في الصحيح من المذهب والمالكية في قول، فإن أجاز الورثة ما زاد عن الثلث، نفذت الوصية، وإن ردوا الزيادة بطلت. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ومن أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث، فأجاز ذلك الورثة بعد موت الموصي جاز وإن لم يجيزوا، رد إلى الثلث، وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم، فإن أجازوه جاز،، وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء، والأصل في ذلك (قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: أوصى بمالي كله؟ قال: لا قال: فبالثلثين؟ قال: لا قال: فبالنصف؟ قال: لا قال: فبالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم)، يدل على أنه لا شيء له في الزائد عليه، وحديث عمران بن حصين في المملوكين الذين أعتقهم المريض ولم يكن له مال سواهم، فدعا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين، وأرق أربعة وقال له قولاً شديداً يدل أيضا على أنه لا يصح تصرفه فيما عدا الثلث، إذا لم يجز الورثة ويجوز بإجازتهم لأن الحق لهم] المغني 6/ 146. ولا بد من التنبيه على أمرين هامين يتعلقان بالوصية: أحدهما عدم المضارة في الوصية حيث قال الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن

بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} سورة النساء الآية 12. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: {غَيْرَ مُضَآرٍّ} ... فالإضرار راجع إلى الوصية والدين، أما رجوعه إلى الوصية فبأن يزيد على الثلث أو يوصي لوارث، فإن زاد فإنه يرد، إلا أن يجيزه الورثة، لأن المنع لحقوقهم لا لحق الله تعالى. وإن أوصى لوارث فإنه يرجع ميراثاً] تفسير القرطبي 5/ 80. فإذا كان قصد الوارث من الوصية لغير الوارث المُضَارَّة بالوارث وتقليل نصيبه من الميراث، فإن ذلك حرام عليه وهو آثم بهذا القصد، لقوله تعالى:: {غَيْرَ مُضَآرٍّ} وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار) ثم قرأ أبو هريرة {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ} رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب. قال الشوكاني: [الحديث حسنه الترمذي وفي إسناده شهر بن حوشب وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة. ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ولفظ أحمد وابن ماجة الذي أشار إليه المصنف (أن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وان الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيدخل الجنة) وفيه وعيد شديد وزجر بليغ وتهديد، لأن مجرد المضارة في الوصية إذا كانت من موجبات النار بعد العبادة الطويلة في السنين المتعددة فلا شك أنها من الذنوب التي لا يقع في مضيقها إلا من سبقت له الشقاوة، وقراءة أبي هريرة للآية لتأييد معنى الحديث وتقويته، لأن الله سبحانه قد قيد ما شرعه

من الوصية بعدم الضرار فتكون الوصية المشتملة على الضرار مخالفة لما شرعه الله تعالى وما كان كذلك فهو معصية] نيل الأوطار 6/ 42 - 43. وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (الإضرار في الوصية من الكبائر) رواه سعيد بن منصور موقوفاً بإسناد صحيح، ورواه النسائي ورجاله ثقات كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 5/ 441. وقد عدَّ الشيخ ابن حجر المكي الإضرار بالوصية من كبائر الذنوب، انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 614. ثانيهما: كتابة الوصية والإشهاد عليها، اتفق الفقهاء على أنه يستحب للمسلم إذا أوصى أن يكتب وصيته لقوله صلى الله عليه وسلم (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة)، ويستحب للموصي أن يبدأ الوصية بالبسملة، والثناء على الله تعالى بالحمد ونحوه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الشهادتين كتابةً أو نطقاً، ثم الإشهاد على الوصية، لأجل صحتها ونفاذها، ومنعاً من احتمال جحودها وإنكارها. روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كانوا يكتبون في صدور وصاياهم بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن الساعة آتية لا ريب فيها. وأن الله يبعث من في القبور، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، أوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب (إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون). الموسوعة الفقهية الكويتية ومما يدل على الإشهاد على الوصية قوله تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم

مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ} سورة المائدة الآية 106. وخلاصة الأمر أنه يجب أن لا تزيد الوصية عن الثلث، فإن زادت عن الثلث فلا بد من إجازة الورثة، وعليه فلا يجوز للسائل أن يوصي بجميع ماله لابن أخيه إلا إذا أجاز ذلك ورثته، ولا يجوز لأحد أن يضار بالوصية، ويستحب كتابة الوصية والإشهاد عليها. - - -

المرأة والأسرة

المرأة والأسرة

مخالفات وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية

مخالفات وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية يقول السائل: أثير نقاش مؤخراً حول وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية وأنها تتضمن بنوداً مخالفة للإسلام، فما قولكم في ذلك أفيدونا؟ الجواب: إن وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية لا تعتبر الإسلام من مرجعيتها أو من مصادرها، بل فيها ردٌ واضح للأحكام الشرعية المنصوصة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذه الوثيقة تجعل مرجعيتها مجموعة من الأنظمة والقوانين الوضعية مثل المواثيق الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية والقانون الأساسي الفلسطيني، فقد ورد في الوثيقة ما يلي: [لم يكن للمرأة الفلسطينية أن تسمو بوضعها القانوني الخاص دون أن تستند في مطالبها إلى منظومة قانونية متكاملة، ترتكز في مجملها على مجموعة من الثوابت والحقوق القانونية التي تحقق في مجموعها نتائج ايجابية، لتحقيق المساواة المطلقة بينها وبين الرجل، حسب ما نصت عليه المواثيق والأعراف الدولية والقانون الأساسي الفلسطيني]. والمدقق في بنود هذه الوثيقة يقرأ بشكل واضح الدعوة إلى إقصاء الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة وغيرها إقصاءً تاماً، وتدعو الوثيقة باسم حقوق المرأة إلى هدم المعقل الأخير للمرأة المسلمة ألا وهو الأسرة، قال تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} سورة البقرة الآية 61. وهذا عرض سريع لأهم بنود الوثيقة التي تسير في هذا السياق وبيان ما تخالفه من النصوص والأحكام الشرعية: 1. ورد في الوثيقة [يحق للمرأة الفلسطينية تقلد جميع المناصب العامة في الدولة، وممارسة جميع الصلاحيات القانونية المرتبطة بعمل هذه المناصب، وذلك وفقاً للحاجات والشروط القانونية والمهنية دونما تمييز بينها وبين

الرجل] ومعلوم شرعاً أن المرأة لا تتولى الولايات العامة لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري ولغير ذلك من الأدلة. 2. ورد في الوثيقة: [تحقيق وحدة الأسرة الفلسطينية في وطنها وفق إعلان حقوق الإنسان] ومن المعلوم شرعاً أن الإسلام قد بين كل الأحكام المتعلقة بالأسرة بياناً واضحاً جلياً. ودين الإسلام هو خير من رعى الأسرة. 3. ورد في الوثيقة: [يؤخذ بشهادة المرأة في جرائم الزنا على نحو مساوٍ لشهادة الرجل، على اعتبار تساويهما في شروط الأهلية القانونية] وهذا فيه مصادمة واضحة للنصوص الشرعية، قال الله تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ} سورة النساء الآية 15. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} سورة النور الآية 4. وقال الله تعالى: {لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} سورة النور الآية 13. وروى مالك عن الزهري: (مضت السنة بأن لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص) الموطأ. 4. ورد في الوثيقة: [تلتزم السلطة الفلسطينية بمقاومة كافة الأعراف والتقاليد والمعتقدات الدينية التي تبيح العنف ضد المرأة] ولا شك أن هذا افتراء عظيم على الدين، فالدين الإسلامي لا يبيح العنف ضد المرأة ولكن الإسلام نظم مسألة تأديب الزوج لزوجته، يقول الله تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} سورة النساء الآية 34.

5. ورد في الوثيقة: [للمرأة متى أدركت سن الثمانية عشر، حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين، وهي متساوية مع الرجل في كافة الحقوق عند الزواج وخلال قيامه ولدى انحلاله] وهذا فيه دعوة إلى تأخير سن الزواج وإلى إلغاء الولاية في النكاح وإلى زواج المسلمة من غير المسلم وإلغاء مبدأ القوامة وإلى قيام المرأة بتطليق زوجها وغير ذلك من المفاسد والمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية. 6. ورد في الوثيقة: [يلتزم المشرع الفلسطيني باعتبار الحد الأدنى لسن زواج الفتيات الثمانية عشرة سنة شمسية كون هذا السن متوافقاً مع ما أخذت به أحكام القانون المدني من سن الأهلية القانونية اللازم لمباشرة التصرفات القانونية] وهذا البند كسابقه فيه دعوة إلى تأخير سن الزواج، وهذا بناءً على الفكرة الغربية التي ترى أن سن الطفولة يمتد إلى ثمانية عشر عاماً!! وهو مخالف لما هو مقرر شرعاً ومخالف لما قرره قانون الأحوال الشخصية المعمول به في بلادنا، حيث حدد أقل سن للزواج كما جاء في المادة الخامسة منه ما يلي: [يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين، وأن يتم الخاطب السنة السادسة عشرة وأن تتم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر]. 7. ورد في الوثيقة: [الأصل في عقد الزواج الوحدانية والديمومة، ويجوز للقاضي استثناء السماح للرجل بالزواج من ثانية شريطة إبداء أسباب ضرورية وملحة، على أن يثبت القدرة على الإنفاق والعدل، بالإضافة إلى اشتراط علم الزوجة الأولى بهذا الحق، وعلم الزوجة الثانية بوجود زوجة سابقة] وهذا فيه تعدٍ على الأحكام الشرعية، فالإسلام أباح تعدد الزوجات بشروطه المعروفة، ولم يشترط إبداء أسباب ضرورية وملحة، وليس من شروط التعدد علم الزوجة الأولى ولا الزوجة الثانية، قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ

أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} سورة النساء الآية 3. 8. ورد في الوثيقة: [للمرأة الحق في الحصول على تعويض عن الطلاق التعسفي، ومنحها الحق في طلب التفريق القضائي عند وجود المبرر لذلك، مثل إصابة الرجل بالعقم أو بمرض مزمن أو عدم قدرته على مباشرة حياته الزوجية أو تعدد زوجاته] فهذه الوثيقة جعلت تعدد الزوجات من أسباب طلب الطلاق وهذا مخالف للشرع مخالفة واضحة. 9. ورد في الوثيقة: [للمرأة حق المساواة المطلق مع الرجل في جميع مجالات القانون المدني، كالمساواة في حق الملكية والتوريث]، ونحن نؤمن [الإيمان المطلق بأن دين الإسلام هو دين العدل، ومقتضى العدل التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين ويخطىء على الإسلام من يطلق أنه دين المساواة دون قيد؛ لأن المساواة المطلقة تقتضي أحياناً التسوية بين المختلفين، وهذه حقيقة الظلم، ومن أراد بالمساواة العدل فقد أصاب في المعنى وأخطأ في اللفظ، ولم يأت حرفٌ واحدٌ في القرآن يأمر بالمساواة بإطلاق، إنما جاء الأمر بالعدل، قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} سورة النحل الآية90، فأحكام الشريعة قائمة على أساس العدل، فتسوي حين تكون المساواة هي العدل، وتفرق حين يكون التفريق هو العدل، قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} سورة الأنعام الآية115، أي صدقاً في الإخبار، وعدلاً في الأحكام] وثيقة حقوق المرأة المسلمة وواجباتها.

وكذلك فإن الدعوة إلى المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث فيها مصادمة صريحة للنصوص الشرعية، قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} سورة النساء الآية 11. 10. ورد في الوثيقة: [للمرأة حرية التنقل والسفر والعمل دون اشتراط الحصول على إذن من أحد، متى بلغت الأهلية القانونية المطلوبة لذلك دونما تمييز عن الرجل] وهذا مخالف للنصوص الشرعية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم). رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها) رواه مسلم. هذه طائفة من البنود الواردة في الوثيقة التغريبية للمرأة الفلسطينية. ومناقشة بنودها تحتاج إلى مجال أوسع من هذا المقام، ولكن لا بد من التأكيد على أن هذه الوثيقة ما هي إلا امتداد لحركة تغريب المرأة المسلمة وسلخها من دينها، وغلفت هذه الوثيقة بأغلفة براقة خداعة كالحقوق والمساواة، ونحن نعتقد [الاعتقاد الجازم بأن مصدر الخير والحق - فيما يتعلق بأمر الدنيا والآخرة - هو الوحي الإلهي بمصدريه الكتاب والسنة المطهرين، ومن ذلك الإجماع الثابت المعتبر، واعتبار الرجوع إليها وعدم مخالفتها، من أصل الإيمان وشرطه، قال عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} سورة النساء الآية 65، ومن المعلوم بالضرورة أن من توحيد الله في ربوبيته الإيمان بأن الحكم والتشريع حق لله، في شؤون المجتمع، وشؤون أفراده، وفي الحياة كلها، ومن توحيده في ألوهيته الإيمان

بوجوب التحاكم إليه في كل شيء. واليقين بصلاحية هذه الشريعة للتطبيق في كل زمان ومكان، وبشمولها لكل مناحي الحياة، والثقة التامة بهذا الدين، وأحكامه الكلية والجزئية، والإيمان بأنه هو الخير كله، والعدل كله، والرحمة كلها، قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} سورة الإسراء الآية 9، وسبب هذه الثقة صدور هذه الأحكام عن الله العزيز الحكيم، اللطيف الخبير، الموصوف بالعلم الشامل والحكمة التامة، قال الله عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} سورة المائدة الآية 50. لذا فإن التصحيح والإصلاح لأي خلل في أي وضع أو ممارسة، يجب أن يكون وفق معيار الشريعة في الصواب والخطأ، والحق والضلال، وليس وفق موازين الآخرين من غير المسلمين أومن تأثر بهم من أبناء المسلمين، قال الله تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ} سورة المائدة الآية 49. ونحن نعتقد أن الشريعة الإسلامية تحرم التمييز الظالم ضد المرأة، الذي يخل بحقوقها، أو يخدش كرامتها. ولا يوجد تمييز مجافٍ للعدل ومحابٍ للرجل في منهج الإسلام أو أحكامه ضد المرأة، إلا ما كان في أذهان المرضى بالهزيمة النفسية، أو عند الجاهلين بالشرع المطهر، الذين لم يدركوا الحِكَم من وجود بعض الفروق الخَلقية والجبلية، وما لزم على ذلك من وجود بعض الاختلاف في الأحكام الشرعية والوظائف والحقوق الحياتية، وكل دعوى تنافي ذلك - سواء صدرت عن عدو مغرض أو عن صديق جاهل - فهي مبنية على وهم وغفلة، أو حجة داحضة] وثيقة حقوق المرأة المسلمة وواجباتها.

تولي المرأة للقضاء الشرعي

ويجب شرعاً على أهل العلم وغيرهم التصدي لأهل الأهواء ومتبعي الشهوات في كل المجالات التعليمية والثقافية والإعلامية والنسوية وغيرها، وعدم تمكينهم من انتهاك الحقوق الشرعية للنساء المسلمات، أو تبني المناهج والبرامج التي تقود إلى انتهاك عفتهن، أو إشاعة الفاحشة بين المؤمنين؛ إرضاءً للمناهج الغربية، وترويجاً للمبادئ الوضعية واعتبار ذلك معياراً للتقدم والحضارة، وما ذلك إلا سراب زائف. وخلاصة الأمر أن وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية مشتملة على جملة مخالفات صريحة وواضحة للنصوص الشرعية، وبالتالي فهذه الوثيقة ما هي إلا انسلاخ من الدين واعتداء على ثوابته، وتغريب للمرأة المسلمة، ويحرم شرعاً العمل بها أو الرضا بمضامينها. - - - تولي المرأة للقضاء الشرعي يقول السائل: ما قولكم في تولي المرأة للقضاء الشرعي، أفيدونا؟ الجواب: منصب القضاء الشرعي من الولايات العامة التي لا يجوز شرعاً للمرأة أن تتولاها، كما هو مقرر عند العلماء، وإن أبى ذلك الذين يدَّعون مناصرة قضايا المرأة، فمن المعلوم أن الإسلام قد أكرم المرأة أيما إكرام، وأعطاها كل حقوقها، بخلاف ما عليه الشرائع الأخرى والأنظمة الوضعية، وقضية تكريم الإسلام للمرأة قضية واضحة جلية من خلال نصوص الكتاب والسنة، وإن كان كثير ممن أعمى الله بصائرهم وأبصارهم لا يرونها كما قال الشاعر: قد تنكرُ العينُ ضوء الشمسِ من رمدٍ ... ويُنْكِرُ الفَمُ طَعْمَ الماء منْ سَقَم

ولاشك أن الله جل جلاله قد خلق الذكر والأنثى وبينهما تفاوت في مجالات عدة، ومنها تفاوت وعدم تساوٍ في بعض الأحكام الشرعية كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} سورة آل عمران الآية 36، فليست الأنثى كالذكر في كل الأمور، فهنالك فوارق واضحة في الخلقة الطبيعية، وكذلك في الأحكام الشرعية بين الذكر والأنثى، فالمرأة تختلف عن الرجل في أحكام تتعلق بالصلاة والصيام والحج والنفقات والديات وولاية الحكم وغيرها، والتفريق بين الذكر والأنثى مقرر في شريعتنا وفي الشرائع السابقة، وحتى في الأنظمة الوضعية، فالدعوة إلى مساواة الرجل بالمرأة في كل شيء، كذب وافتراء على دين الإسلام، قال الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} سورة القلم الآية 14. إذا تقرر هذا فإن جماهير أهل العلم لا يجيزون للمرأة أن تتولى القضاء، وقد قامت على ذلك أدلة كثيرة لا يتسع المقام لذكرها كلها، ولكن أذكر أهمها: قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} سورة النساء الآية 34. وهذه الآية عامة حيث إن (أل) تفيد الاستغراق فتشمل كل النساء والرجال في جميع الأحوال، ومن المقرر عند الأصوليين أن العام يبقى على عمومه حتى يأتي ما يخصصه، ولم يوجد مخصص لهذا العموم، انظر إرشاد الفحول ص 14.وقال الشيخ ابن كثير في تفسير الآية: [أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت {ِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خيرٌ من المرأة؛ ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري ... وكذا منصب القضاء وغير

ذلك {وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي: من المهور والنفقات والكُلَف التي أوجبها الله عليهم لهنَّ في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيماً عليها، كما قال الله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} سورة البقرة الآية 228] تفسير ابن كثير 2/ 293. ومما يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء ما رواه الإمام البخاري في صحيحه بإسناده عن أبى بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى قال: (لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة)، فهذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من أسباب عدم الفلاح تولي المرأة للولايات العامة، والقضاء داخل فيها، فإن قال قائل إن هذا الحديث ورد في حادثة خاصة، فنقول إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين. قال الأمير الصنعاني عند شرحه للحديث السابق: [فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات، ولا يحل لقومها توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب] سبل السلام 4/ 96. وقال الشيخ ابن العربي المالكي: [وهذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه. ونقل عن محمد بن جرير الطبري إمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية؛ ولم يصح ذلك عنه؛ ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة على الحكم، إلا في الدماء والنكاح، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة، بدليل قوله صلى الله عليه

وسلم: (لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة) وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير] أحكام القرآن 3/ 1457. ومما يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء ما ورد في الحديث عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القضاة ثلاثةٌ، واحدٌ في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجلٌ عرف الحق فقضى به، ورجلٌ عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجلٌ قضى للناس على جهل فهو في النار) رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 2315. وهذا الحديث يدل دلالة واضحة على اشتراط كون القاضي رجلاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر القضاة بينهم بقوله: رجلٌ في الحالات الثلاث، قال ابن تيمية الجد: [وهو - أي الحديث - دليل على اشتراط كون القاضي رجلاً] وقال الشوكاني: [واستدل المصنف أيضاً على ذلك بحديث بريدة المذكور في الباب لقوله فيه رجل ورجل، فدلَّ بمفهومه على خروج المرأة] نيل الأوطار 4/ 112. ومما يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء أنه لم يثبت في تاريخ الإسلام وعلى مدى هذه القرون المتطاولة أن تولت امرأة القضاء، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من خلفاء المسلمين لا في عهد الراشدين ولا الأمويين ولا العباسيين ولا غيرهم أنهم ولوا امرأة القضاء، ولو حصل لنقل، قال الإمام القرافي: [ولذلك لم يسمع في عصر من الأعصار أن امرأة وليت القضاء، فكان ذلك إجماعاً، لأنه غير سبيل المؤمنين] الذخيرة 10/ 22. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه

وسلم ولا أحدٌ من خلفائه، ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالباً] المغني 5/ 34. ولا شك أن فتح هذا الباب إنما هو فتح لباب شرٍ، والمسلمون في غنىً عنه، وهو من باب من سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، كما ورد في الحديث في صحيح مسلم. ومما يؤكد أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء أن في ذلك مدخلاً للخلطة المنهي عنها شرعاً، قال الإمام البغوي: [اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إماماً ولا قاضياً، لأن الإمام يحتاج إلى البروز لإقامة أمر الجهاد، والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور، ولأن المرأة ناقصة، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال] شرح السنة 10/ 77. ويضاف إلى ذلك ما يعتري المرأة من عوارض طبيعية كالحمل والرضاع والحيض والنفاس، وهذه أمور تتعارض مع توليها لمنصب القضاء الذي يحتاج إلى الصحة البدنية والنفسية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وغير ذلك من الأدلة. ولا بد أن أذكر هنا أمرين أولهما: مستند من قال بجواز تولي المرأة للقضاء هو تعيين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها على ولاية الحسبة وهي أخطر من منصب قاضي الأحوال الشخصية كذا زعموا، أقول إن هذا الاستدلال باطل، لأن قصة تولية الشفاء للسوق في عهد عمر رضي الله عنه قصة ليست ثابتة، قال الشيخ ابن العربي المالكي: [وقد

روي أن عمر قدَّم امرأة على حسبة السوق، ولم يصح؛ فلا تلتفتوا إليه؛ فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث].أحكام القرآن 3/ 1457. وهذه الحادثة روتها كتب التراجم بدون إسناد، ومع ذلك رويت بصيغة التضعيف فلا يعول عليها ولا يعتمد عليها، قال ابن سعد: [وكانت الشفاء بنت عبد الله أم سليمان بن أبي حثمة من المبايعات ... ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق، وولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه] طبقات ابن سعد 1/ 250، ولاشك أن أولادها أعلم بحال أمهم من غيرهم. وقال الحافظ ابن عساكر: [وكانت الشفاء بنت عبد الله أم سليمان بن أبي حثمة من المبايعات ... ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق، وولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه) تاريخ دمشق عن المكتبة الشاملة، وقال الحافظ المزي في ترجمة الشفاء بنت عبد الله: [وكان عمر بن الخطاب يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما ولاها شيئاً من أمر السوق] تهذيب الكمال عن المكتبة الشاملة، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وكان عمر يقدمها في الرأي ويرعاها ويفضلها وربما ولاها شيئا من أمر السوق] الإصابة 4/ 14. ثانيهما: لو سلمنا بجواز تولي المرأة للقضاء فإن من أجاز للمرأة تولي القضاء أجازه بشروط منها: أن تتوافر في المرأة المراد تقليدها القضاء الشروط المطلوبة في القضاة، من أهلية القضاء من رجحان العقل، والاتزان، وسلامة الحواس، ومن العدالة والاستقامة على طريق الحق، والقدرة على الوقوف أمام الباطل من خلال شخصية قوية متزنة، إضافة إلى العلم بالأحكام الشرعية؛ لأن القاضي الجاهل في النار، كما ورد ذلك في الحديث. وأن تهيأ للقاضيات الأجواء التي لا تتعارض مع أحكام الشريعة. وألا يكون هذا المنصب على

الجندر فكرة تغريبية مشبوهة

حساب تربية أولادها والحقوق المتبادلة بينها وبين زوجها. عن موقع إسلام أون لاين، وإذا نظرنا في هذه الشروط نجد أنه من الصعب جداً تحققها. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً أن تتولى المرأة منصب القضاء، وهذا هو القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة في هذه المسألة، وليس عند من أجاز ذلك دليل صحيح يعتمد عليه. - - - الجندر فكرة تغريبية مشبوهة تقول السائلة: إنها دعيت للمشاركة في دورة عن (الجندر) تنظمها إحدى الجمعيات النسوية، فما هو الحكم الشرعي في المشاركة في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: لا بد أن نتعرف أولاً على مصطلح (الجندر)، وهو من المصطلحات الوافدة على أيدي التغربيين وفلول الماركسيين والجمعيات النسوية المدعومة غربياً [فقد بدأ استخدام لفظ (جندر) Gender في مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة عام 1994، وهو لفظ غامض لم يحدد المؤتمرون معنىً دقيقاً له على طريقة دعاة العولمة الذين يمررون أفكارهم في مجتمعات المسلمين على صورة مصطلحات غير واضحة، فتنطلي على السذج. والراصدون لما يدخله أعداء الأمة المسلمة على دينها وثقافتها لهدم كيانها وخصوصيتها، يرون أن (الجندر) ليست مجرد كلمة، وإنما هي منظومة فلسفية متكاملة من القيم الغريبة على مجتمعنا الإسلامي، تهدف إلى إلغاء كافة الفروق بين الرجل والمرأة، والتعامل مع البشر على أنهم نوع من المخلوقات المتساوية في كل شيء من الخصائص والمقومات، وهذا النوع الإنساني في مقابل الحيوان والنبات. فالداعون إلى (الجندر) يعتبرون أن الفوارق التشريحية والفوارق بين

وظائف الأعضاء والهرمونات بين الرجل والمرأة لم تعد ذات قيمة، وأنه يمكن تخطيها واعتبارها غير مؤثرة!! فهؤلاء لا يدعون إلى مجرد المساواة بين الرجل والمرأة، بل يدعون إلى إلغاء الفروق بينهما وعدم اعتبارها، بل واستغناء كل منهما عن الآخر، فلا تكامل بين الرجل والمرأة، ولا افتقار لأحدهما إلى الآخر لا في الجانب الاقتصادي ولا الاجتماعي ولا الجنسي، فالمرأة وفق هذا المفهوم تستطيع أن تقضي وطرها مع امرأة مثلها، والرجل يستطيع أن يقضي وطره مع رجل مثله. والحقيقة أن هذه الدعوة تهدف أول ما تهدف إلى هدم الكيان الأسري وتدمير المجتمع، وإحياء الفكر الماركسي، فهي تلتقي مع الفلسفة الماركسية في أمرين: الأول: فيما يتعلق بمفهوم الصراع، فأصحاب نظرية (الجندر) يؤكدون على وجود صراع بين الرجل والمرأة، ويكرسون ذلك الصراع ويؤججون ناره، ويفترضون وجود معركة بينهما!! الأمر الثاني الذي تلتقي فيه هذه النظرية مع الماركسية هو الدعوة إلى هدم الأسرة باعتبارها في نظر ماركس إلى جانب الدين هي أهم المعوقات التي تقف أمام تطور المجتمعات] الشبكة الإسلامية. ويضاف إلى ما سبق أن من أهم الأفكار التي ينادي بها (الجندر) التشكيك بصحة الدين الإسلامي عن طريق بث الشبهات مثل: إن الدين الإسلامي سبب في عدم المساواة بين الرجل والمرأة في أمور عدة؛ كالقوامة والميراث ونقصان شهادة المرأة، وتعدد الزوجات، وعدم تعدد الأزواج، والحجاب حتى قضايا مثل ذكورة لفظ الجلالة، وإشارة القرآن إلى ضمير المذكر أكثر من ضمير المؤنث، لم تسلم من سموم (الجندر). وقد بدأ مصطلح (الجندر) وتطبيقاته بالتغلغل في الدول العربية بداية التسعينيات مع تزايد نفوذ مؤسسات التمويل الأجنبي ولجان المرأة ومؤسسات الأمم المتحدة. وعبر الاتفاقيات الصادرة عن المؤتمرات الدولية، وهذه الآلية

الدولية فيها طابع من الإلزام للحكومات العربية والإسلامية، بما وقعت عليه من اتفاقيات قد يتبع عدم تنفيذها ضغوط سياسية واقتصادية، أو إغراءات اقتصادية وسياسية. وقد شكلت مقررات مؤتمر بكين أساساً عملياً للسير في هذا الاتجاه، وكان بمثابة إشارة واضحة لكل الدول بحكوماتها ومنظماتها المدنية للعمل على تعزيز المساواة الاجتماعية بين الرجل والمرأة. عن الإنترنت. ويسعى (الجندريون والجندريات) إن صح التعبير فيما يسعون إليه، إلى إلغاء دور الأسرة من المجتمع المسلم وإلغاء دور الأب وإلغاء دور الأم ورفض الزواج ويدعون إلى ملكية المرأة لجسدها، وهي دعوة صريحة للإباحية، ورفض الإنجاب وإباحة الإجهاض والشذوذ الجنسي، وصدق من قال إن (الجندر) ما هو إلا مطية الشذوذ الجنسي. ومما ينادي به ويروج له (الجندريون والجندريات) [الأفكار الخطيرة التالية: أولاً: رفض أن اختلاف الذكر والأنثى راجع لصنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} سورة النجم الآيتان 45 - 46. ثانياً: فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها. ثالثاً: الاعتراف بالشذوذ الجنسي وفتح الباب لإدراج حقوق الشواذ من زواج المثليين وتكوين أسر غير نمطية، والحصول على أبناء بالتبني ضمن حقوق الإنسان. رابعاً: العمل على إضعاف الأسرة الشرعية التي هي لبنة بناء المجتمع السليم المترابط، ومحضن التربية الصالحة، ومركز القوة الروحية، ومفخرة الشعوب المسلمة في عصر الانحطاط المادي. خامساً: إذكاء روح العداء بين الجنسين، وكأنهما متناقضان متنافران، ويكفي لتأييد هذا الاتجاه مراجعة أوراق المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين الذي نظمه مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء - اليمن، فقد كان مما

جاء فيه الاعتراض على كثرة وجود اسم الإشارة للمذكر في اللغة العربية أكثر من المؤنث، وكذلك ضمائر المخاطبة للمذكر أكثر منها للمؤنث. سادساً: التقليد الأعمى للاتجاهات الجنسية الغربية المتطرفة ... سابعاً: رفع المسؤولية عن الشواذ جنسياً وإظهارهم بثوب الضحية التي جنى عليها المجتمع، وهذه محاولة قديمة تتشح بثوب العلمية أحياناً وتأتزر بلباس بعض الأبحاث المغرضة- التي ترى أنّ هناك سبباً فسيولوجياً في تركيب الدماغ يسبب الشذوذ- أحياناً أخرى، وكِلا القولين مردود، ذلك أنه لا أحد ينكر أن هناك عوامل مختلفة تؤثر وربما تدعو إلى الشذوذ، لكن كما يقول د. ستيفن أر. كوفي: (بين المؤثر والاستجابة توجد مساحة رحبة مِن حرية الاختيار)، وهذه هي المسؤولية التي يحاسب العبد بموجبها، وينتفي الحساب بانتفائها كما في حالة المجنون والصبي ونحوه] المرأة المسلمة والتحديات الغربية للدكتور صالح الرقب. ويجب الانتباه إلى أن فكرة الجندر وما ترتب عليها آخذة بالانتشار في بلادنا عبر الجمعيات النسوية والمراكز البحثية - زعموا - المدعومة غربياً، التي تنشط في نشر هذه الأفكار الخبيثة من خلال المؤتمرات والندوات والمحاضرات، بل إن بعض جامعتنا مع الأسف الشديد أصبحت تعتبر ذلك من ضمن الدراسات والبرامج التي تفرض على الطلبة، فهذه المراكز البحثية المزعومة تهدف إلى تثبيت دراسات الجندر كحقل أكاديمي، وإجراء الدراسات والأبحاث المتعلقة بالجندر والمساندة في صياغة السياسات والاستراتيجيات في المجتمع الفلسطيني. والمشاركة في تطوير الوعي بالنوع الاجتماعي، والتأثير على صياغة سياسات فعالة تسهم في بناء مجتمع ديمقراطي يتمتع جميع أفراده بالعدل والمساواة. وهذه العبارات المعسولة تخفي تحتها السم الزعاف. وكذلك فإن بعض جامعتنا تسعى إلى إيجاد تخصص

فرعي في دراسات الجندر لطلبة البكالوريوس وطرح مساقات تخدم ذلك التوجه الخبيث. وتطوير مشاريع مشتركة مع بعض الجامعات الأمريكية، وتبادل الكتب والمنشورات والأفلام الوثائقية، وتبادل باحثات وأساتذة على مدار عام أو فصل أكاديمي، وتبادل الزيارات القصيرة بين أعضاء الهيئات التدريسية وعمل أبحاث مشتركة حول قضايا المرأة، وتطوير مناهج الدراسات النسائية والجندر وتنظيم مؤتمرات دولية حول المرأة، ولا يتسع المقام إلى تفصيل أكثر مما سبق. وخلاصة الأمر أن الجندر فكرة خبيثة هدامة يراد تسويقها بين المسلمين، لهدم البقية الباقية من الدين والأخلاق والقيم الطيبة، وهي فكرة مرفوضة إسلامياً قلباً وقالباً، ويجب على علماء الأمة والدعاة وخطباء المساجد أن يتصدوا لهذه الفكرة المشبوهة وأمثالها، وأن يقوموا بدورهم المنشود في توعية الناس، وخاصة النساء المسلمات بخطورة هذه الأفكار الخبيثة وبأضرارها المدمرة التي تعود بالخراب والفساد على المجتمع المسلم. ولا بد من التحذير من بعض المشايخ الذين يُستخدَمون لتسويق هذه الفكرة المشبوهة وأمثالها وهم يشعرون أو لا يشعرون. ويجب أن يعلم أنه يحرم شرعاً المشاركة في أي عمل له علاقة بفكرة الجندر من قريب أو بعيد، لأنها فكرة تصادم الدين الإسلامي مصادمة ظاهرة، بل تهدف إلى هدم المبادئ والأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة المسلمة خصوصاً والمجتمع المسلم عموماً، والواجب على المسلمين التمسك بدينهم فهو منهج رباني، فهو هدايتنا وطريق سعادتنا، ولسنا بحاجة إلى زبالة أفكار البشر المستوردة. - - -

الحملة الفرنسية على الحجاب وموقف شيخ الأزهر المتخاذل

الحملة الفرنسية على الحجاب وموقف شيخ الأزهر المتخاذل يقول السائل: ما قولكم في هذه الهجمة الشرسة التي تشن في فرنسا ضد الحجاب والنقاب، وما قولكم في موقف شيخ الأزهر بأن منع النقاب شأنٌ فرنسيٌ داخليٌ لا ينبغي للمرء أن يتدخل فيه، لأن لكل بلد قوانينها الخاصة بها كما زعم، أفيدونا؟ الجواب: الحجاب أو الجلباب الشرعي فريضة من فرائض الله سبحانه وتعالى، وهي قضية مسلَّمة عند المسلمين، لأنها ثابتة بالنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} سورة الأحزاب الآية 59. وقال تعالى: {قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} سورة النور الآيتان 30 - 31. وعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (أُمرنا أن نخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدون جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن. قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها) رواه البخاري ومسلم. وجاء في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أنها كانت عند أختها عائشة وعليها ثياب واسعة الأكمام فلما نظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم قام فخرج. فقالت عائشة رضي الله عنها تنحي فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً كرهه فتنحت فدخل رسول الله

فسألته عائشة رضي الله عنها لم قام؟ قال: أو لم تري هيئتها إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا - أي وجهها وكفيها -) رواه الطبراني والبيهقي وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص 59. وغير ذلك من الأدلة. وهذه الهجمة الغربية على الجلباب ما هي إلا حلقة من حلقات الهجوم على الإسلام، وعلى ثوابته، فمن السب والشتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الرسوم المسيئة في الدنمارك، إلى الطعن في كتاب الله عز وجل، إلى الهجوم المتجدد والمحاربة للجلباب الشرعي، فقد سبق لساركوزي عندما كان وزيراً لداخلية فرنسا أن أصدر تشريعاً قانونياً حظر فيه الحجاب في المدارس، وكان ذلك بمباركة شيخ الأزهر محمد طنطاوي الذي قال وقتها: [مسألة الحجاب للمرأة المسلمة فرضٌ إلهي، وإذا قصرت في أدائه حاسبها الله على ذلك؛ ولذلك لا يستطيع أي مسلم سواء كان حاكماً أو محكوماً أن يخالف ذلك، ولا نسمح لغيرنا أن يتدخل في شئوننا كدولة مسلمة، هذا إذا كانت المرأة المسلمة تعيش في دولة إسلامية، أما إذا كانت تعيش في دولة غير إسلامية كفرنسا، وأراد المسئولون بها أن يقرروا قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب للمرأة المسلمة، فهذا يُعد حقهم، وأكرر أن هذا حقهم الذي لا أستطيع أن أعارض فيه كمسلم لأنهم غير مسلمين ... في هذه الحالة عندما تستجيب المرأة المسلمة لقوانين الدولة غير المسلمة، تكون من الناحية الشرعية في حكم المضطر] انتهى كلام شيخ الأزهر. واليوم يكرر شيخ الأزهر محمد طنطاوي موقفه المتخاذل فيقول: [أنا ليس لي شأن بقرار الرئيس الفرنسي بمنع ارتداء (النقاب) في بلاده لأن لكل دولة قوانينها التي تحكمها وهذا أمر داخلي تنظمه كل دولة كيفما تشاء].

ويبدو أن شيخ الأزهر لم يقرأ تصريحات ساركوزي أو أنه تغافل عنها ليبرر موقفه المتخاذل، فكلام ساركوزي عن النقاب والحجاب وقد جعلهما شيئاً واحداً فقال: [إن البرقع أو النقاب الذي يغطي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها يشكل علامة استعباد للمرأة وان ارتداءه غير مرحب به في فرنسا. وأكد ساركوزي أن البرقع ليس رمزاً دينياً، وإنما رمز استعباد للمرأة، وأريد أن أؤكد علناً أن البرقع غير مرحب به في أراضي الجمهورية الفرنسية. وأضاف الرئيس الفرنسي: لا يمكن أن نقبل في بلادنا نساء سجينات خلف سياج ومعزولات عن أي حياة اجتماعية ومحرومات من الكرامة. هذه ليست الرؤية التي تتبناها الجمهورية الفرنسية بالنسبة لكرامة المرأة]. إن كلام شيخ الأزهر كلام باطل وموقفه هذا خذلان لمسلمات فرنسا وغيرهن من المسلمات اللواتي يعشن في غير العالم الإسلامي، وفي كلام شيخ الأزهر فتحٌ لباب شر واسع على المسلمين في الغرب، فغداً ستحذو دول أخرى حذو فرنسا في اتخاذ قرارات بمنع الحجاب، وماذا لو اتخذت دول الغرب قرارات بمنع إقامة صلاة الجمعة أو إغلاق المساجد أو منع المسلمين من الأضحية وغير ذلك مما يطمس شخصية المسلمين في الغرب؟!! وكان الواجب الشرعي على شيخ الأزهر أن يطالب الحكومة الفرنسية بإتاحة حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين وفق مبادئ الحرية التي تتغنى بها فرنسا، أم أن الحرية إذا وصلت للمسلمين فإنها تتوقف!! وإنه لمن المؤسف حقاً أن يكون هذا هو موقف من يجلس على رأس الهرم في هيئة من أهم الهيئات الشرعية في العالم الإسلامي- الأزهر -، وليته سكت لكان السكوت أولى من هذا الموقف المخزي. إن الواجب على علماء الأمة وعلى الهيئات الشرعية في العالم الإسلامي أن يتصدوا لما قاله ساركوزي عن الجلباب، وأن يساندوا

المسلمات في فرنسا وغيرها، وأن يبطلوا كلام شيخ الأزهر، ويبينوا له وجه الحق في هذه المسألة وغيرها من المسائل، التي كانت فيها مواقفه مدعاة للسخرية!! ومتى يدرك شيخ الأزهر أن مسألة الحجاب والجلباب ليست شأناً فرنسياً داخلياً، بل هي شأنٌ إسلاميٌ عام، وأين أنت يا شيخ الأزهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبَّك بين أصابعه) رواه البخاري ومسلم، وأين أنت يا شيخ الأزهر من قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم. وأين أنت يا شيخ الأزهر من قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم) رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 6666. وأما من يخذل المسلمين ولا يقف معهم ولا يدافع عن أخواته المسلمات، فإن الله عز وجل سيخذله، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئٍ يخذل امرأً مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصر مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) رواه أحمد وأبو داود وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 5690. إذا تقرر هذان فإن الجلباب الشرعي فريضة من فرائض الله عز وجل، لا يملك أحدٌ من البشر مهما كان أن يشطبها أو يلغيها، والجلباب ليس علامة استعباد للمرأة كما زعم ساركوزي، بل هو طاعة لله عز وجل، واستعباد واستسلام لشرع رب العباد، وهو رمز للعفة والطهارة، وهو تاج الوقار

والكرامة للمرأة المسلمة، التي اختارت طريق العفاف والطهر، لا طريق الرذيلة والعهر. ونحن لا نأخذ ديننا من غير كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا نطيع كافراً في شأن ديننا كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} سورة آل عمران الآية 100. ويجب أن يعلم أن كلام ساركوزي عن الحجاب ما هو إلا اعتداءٌ صريحٌ وواضحٌ على دين الإسلام، وعلى كتاب الله عز وجل وعلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى فريضة من فرائض الله، ولا يقل جرماً عن الرسوم المسيئة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والواجب على كل مسلم الوقوف في وجه هذه الحملة الفرنسية الجديدة على الإسلام والمسلمين. وهذه الحملة الفرنسية على النقاب والحجاب تتناقض مع شعارات الحرية والمساواة التي ترفعها فرنسا!!! وتصريحات ساركوزي تتناقض مع القرار الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 28 أيار 2008 وانتقد خلاله القانون الفرنسي الذي يقضي بحظر ارتداء الزي الديني في المدارس بما فيه الحجاب الإسلامي، ثم لماذا هذه الهجمة على الجلباب الشرعي مع أنه يوجد في فرنسا بل في كل العالم الغربي راهبات يغطين رؤوسهن، ويلبسن ما يشبه الجلباب، ولماذا لا يعتبر ساركوزي ذلك استعباداً، أم أنها الحرب لكل ما يمت للإسلام بصلة، {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} سورة البقرة الآية 120. وخلاصة الأمر أن الجلباب الشرعي فريضة ربانية، وأن الهجوم عليه تعدٍ على دين الإسلام، وأن الواجب على الأمة الإسلامية عامة، والعلماء خاصة أن

تحريم الجمع بين المرأة وعمتها في النكاح

يتصدوا لهذه الحملة الفرنسية الجديدة، ويجب أن يُعلم أن الحجاب إيمان وطهارة وتقوى وحياء وعفة، واستعباد وطاعة لرب العباد. - - - تحريم الجمع بين المرأة وعمتها في النكاح يقول السائل: إنه طالب يدرس الشريعة الإسلامية وإن أحد مدرسيه يقول بجواز الجمع بين المرأة وعمتها في النكاح، ويزعم أن الحديث الوارد في تحريم ذلك ليس حجة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك أن يحرم شيئاً لم ينص على تحريمه في القرآن الكريم، فما قولكم في زعمه، أفيدونا؟ الجواب: مما يؤسف له أن بعض المؤتمنين على تدريس العلم الشرعي قد خانوا الأمانة، وصاروا يكررون شبهات المستشرقين وغيرهم من أعداء الإسلام، ويسيرون خلف كل ناعق، ويضربون بالحقائق الثابتة عرض الحائط، ومن ضمن تلك الشبهات الساقطة إنكار حجية السنة النبوية، وأنها لا تستقل بالتشريع، ويزعم هؤلاء أن الإسلام هو القرآن فقط، فلا سنة ولا إجماع ولا قياس، ويردّون أقوال الصحابة جملة وتفصيلاً، وغير ذلك من الترهات التي يرددها أفراخ المستشرقين، ولا شك لديَّ أن من يقول بذلك فإنه سائر في طريق الزندقة، فإن علماء الأمة قديماً وحديثاً متفقون على حجية السنة النبوية، وأنها أصل عظيم من أصول الإسلام، وقد قامت على ذلك عشرات الأدلة الصحيحة على إثبات ذلك، قال الإمام الشوكاني: [إن ثبوت حجية السنة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في الإسلام] إرشاد الفحول ص 33.

وقال أيوب السختياني: [إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: دعنا من هذا وحدثنا من القرآن، فاعلم أنه ضال مضل] الكفاية في علم الرواية1/ 28. وقد بين علماء الأصول حجية السنة أوضح بيان وذكروا النصوص من كتاب الله عز وجل التي تدل على ذلك فمنها: قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} سورة الحشر الآية 7. وقوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} سورة آل عمران الآية 32.وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة النور الآية 63. وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} سورة الأحزاب الآية 36. وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} سورة النساء الآية 65. وقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}. وقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} سورة النحل الآية 44. وقد ذكر أهل العلم أن من دلائل نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما أخبر به في بعض الأحاديث أنه سيأتي أقوام ينكرون حجية السنة النبوية، وأنهم لا يقبلون إلا ما ورد في القرآن الكريم، فقد ورد في الحديث عن أبي رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال لا أُلفينَ أحدَكم متكئاً على أريكته - السرير - يأتيه أمرٌ مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) رواه الترمذي ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وقال العلامة الألباني: صحيح. ورواه الترمذي أيضاً عن

المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا هل عسى رجلٌ يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله) ثم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقال العلامة الألباني: صحيح. ورواه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجلٌ شبعانٌ على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلالٍ فأحلوه وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرِّموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ... ) وقال العلامة الألباني: صحيح، والحديث رواه أيضاً الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. قال الإمام الخطابي في شرح الحديث [ ... يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس له ذكر في القرآن على ما ذهب إليه الخوارج والروافض من الفرق الضالة فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي ضمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا ... وفي الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ كان حجة بنفسه] معالم السنن 4/ 276. وهذه الفرية عرفت قديماً فقد روى الخطيب البغدادي بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه كان جالساً ومعه أصحابه يحدثهم، فقال رجل من القوم لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له عمران بن حصين: ادنه- اقترب -، فدنا، فقال: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، تقرأ في اثنتين،

أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعاً، والطواف بالصفا والمروة ثم قال: أي قوم، خذوا عنا فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن. وفي رواية أخرى: أن رجلاً قال لعمران بن حصين: ما هذه الأحاديث التي تحدثونها وتركتم القرآن؟ قال: أرأيت لو أبيت أنت وأصحابك إلا القرآن، من أين كنت تعلم أن صلاة الظهر عدتها كذا وكذا، وصلاة العصر عدتها كذا، وحين وقتها كذا، وصلاة المغرب كذا، والموقف بعرفة، ورمي الجمار كذا، واليد من أين تقطع، أمن هنا أم هاهنا أم من هاهنا، ووضع يده على مفصل الكف، ووضع يده عند المرفق، ووضع يده عند المنكب، اتبعوا حديثنا ما حدثناكم وإلا والله ضللتم] الكفاية في علم الرواية1/ 28. إذا تقرر أن السنة حجة لا شك فيها، فقد ثبت في الحديث الصحيح المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها) وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أهل الحديث، وهذا الحديث متواتر رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد من الصحابة فقد رواه أبو هريرة رضي الله عنه وقد ورد عنه من أكثر من سبع طرق صحيحة، وللحديث شواهد كثيرة عن جماعة من الصحابة منهم جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وابن عمرو وأبو سعيد وابن عمر وعلي رضي الله عنهم، وقد فصلَّ الكلام على هذه الطرق والشواهد العلامة الألباني في إرواء الغليل 6/ 288 - 291. وقد اتفق أهل العلم على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها، قال الإمام أبو زرعة العراقي بعد أن ذكر الحديث محل السؤال: [فيه تحريم الجمع في النكاح بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها وهو مجمع على تحريمه، كما حكاه ابن المنذر وابن عبد البر والنووي وغيرهم، وقال الشافعي

رضي الله عنه: هو قول من لقيت من المفتين لا اختلاف بينهم فيما علمته. حكاه عنه البيهقي في المعرفة، وقال النووي بعد حكايته إجماع العلماء في ذلك، وقالت طائفة من الخوارج والشيعة: يجوز، وقال أبو العباس القرطبي: أجاز الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها ولا يعتد بخلافهم، لأنهم مرقوا من الدين وخرجوا منه ولأنهم مخالفون للسنة الثابتة في ذلك. انتهى. وذكره الأختين هنا سبق قلم، فلم يخالف في هذا أحدٌ وهو منصوص القرآن] طرح التثريب 7/ 31 - 32. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على القول به - حرمة الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها- وليس فيه بحمد الله اختلاف إلا أن بعض أهل البدع ممن لا تعد مخالفته خلافاً وهو الرافضة والخوارج لم يحرموا ذلك، ولم يقولوا بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ما روى أبو هريرة قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها) متفق عليه، وفي رواية أبي داود: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها لا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى) ولأن العلة في تحريم الجمع بين الأختين إيقاع العداوة بين الأقارب وإفضاؤه إلى قطيعة الرحم المحرم وهذا موجود فيما ذكرنا، فإن احتجوا بعموم قوله سبحانه: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} خصصناه بما رويناه، وبلغنا أن رجلين من الخوارج أتيا عمر بن عبد العزيز فكان مما أنكرا عليه رجم الزاني وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها، وقالا ليس هذا في كتاب الله تعالى، فقال لهما: كم فرض الله عليكم من الصلاة؟ قالا خمس صلوات في اليوم والليلة وسألهما عن عدد ركعاتها فأخبراه بذلك

وسألهما عن مقدار الزكاة ونصبها فأخبراه، فقال فهل تجدان ذلك في كتاب الله؟ قالا: لا نجده في كتاب الله، قال فمن أين صرتما إلى ذلك؟ قالا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده، قال فكذلك هذا ... ] المغني7/ 115. ومع اتفاق أهل العلم قديماً وحديثاً على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وعلى صحة الأحاديث في ذلك إلا أنه قد وجد من شذاذ الآفاق من قال بإباحة الجمع بينهما كما ذكر السائل، وكما قال أحد القرآنيين وهو المدعو أحمد صبحي منصور، تحت عنوان (الدين السني والتشريع بما لم يأذن به الله جل وعلا) قال: [ ... ولكن الفقهاء أعملوا القياس فحرموا الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها قياساً على حرمة الجمع بين المرأة وأختها، وحرموا الخالة والعمة من الرضاع قياساً على تحريم الأم من الرضاع والأخت من الرضاع، ثم صاغوا في ذلك أحاديث هي أشبه بمتون الفقه وأحكام الفقهاء فقالوا (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (وقالوا) لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها). وهنا يقع التناقص مع كتاب الله. فإذا أراد رجل أن يتزوج عمة زوجته أجاز له القرآن ذلك لأن عمة الزوجة ليست من المحرمات في نص القرآن ولأنها تدخل في الحلال من النساء للزواج ضمن قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} ولكن الفقه السني يجعل ذلك الحلال القرآني حراماً. وإذا أراد رجل أن يتزوج خالته من الرضاع أحلها له القرآن وحرمها عليه الفقه .. !! وذلك يعني بوضوح أنهم يحرمون ما أحل الله وينسبون ذلك للرسول، والرسول عليه السلام بريء من ذلك] عن الإنترنت. إلى غير ذلك من الأباطيل والترهات.

القرينة من الجن

وخلاصة الأمر أن السنة النبوية أصل من أصول الشرع، بل هي الأصل الثاني، وأن السنة النبوية تستقل بالتشريع، وهنالك عشرات بل مئات الأحكام التي شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرد لها ذكر في القرآن الكريم، وأن منكر حجية السنة النبوية لا حظ له في الإسلام، وأن من أنكر حجيتها في بعض الجوانب كمن أنكر حجية خبر الواحد في العقيدة أو في الأحكام، فقوله شاذ مردود، لا يلتفت إليه ولا يعول عليه، وأن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها مما اتفق عليه من يعتد بقوله من علماء الإسلام. - - - القرينة من الجن تقول السائلة: إنها امرأة متزوجة من عدة سنوات وكلما حملت أسقطت جنينها، وقالت لها إحدى النساء إن تابعتها قرينة من الجن تتسلط على الحمل فتسقطه فهل هذا الأمر صحيح، أفيدونا؟ الجواب: الاعتقاد بوجود التابعة من الجن، فكرة قديمة وهي من موروثات عرب الجاهلية، قال الهروي في شرح حديث النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن حلوان الكاهن: [والكاهن هو الذي يتعاطى الأخبار عن الكائنات في المستقبل ويدعي معرفة الأسرار، وكانت في العرب كهنةٌ يدَّعون أنهم يعرفون كثيراً من الأمور الكائنة، ويزعمون أن لهم تابعة من الجن تلقى إليهم الأخبار] تحفة الأحوذي 4/ 413. وهذه الفكرة من الخرافات التي لا وجود لها، ولا يمكن عقلاً ولا شرعاً أن تؤثر هذه التابعة المزعومة في الحمل فتسقطه، فالأمور كلها بيد الله عز وجل، وقد ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي

الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: (يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن لإجهاض الحمل أسباباً كثيرةً يعرفها الأطباء، فينبغي مراجعة الأطباء فهم أهل الاختصاص في ذلك. ويجب التفريق بين التابعة المزعومة وبين القرين وهو من الجن الموكل بكل إنسان، فالقرين ثابت بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} سورة ق الآية27. قال الإمام البخاري في باب تفسير سورة ق: [وقال قرينه: الشيطان الذي قيض له] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 8/ 754. وقال الإمام الطبري في تفسير الآية السابقة: [يقول تعالى ذكره: قال قرين هذا الإنسان الكفَّار المنَّاع للخير، وهو شيطانه الذي كان موكلاً به في الدنيا كما حدثني ... عن ابن عباس قوله (قال قرينه ربنا ما أطغيته) قال: قرينه شيطانه] تفسير الطبري 22/ 357. وقال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} سورة الزخرف الآية 36. وثبت في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينُه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلمُ، فلا يأمرني إلا بالخير) رواه مسلم.

قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (فأسلم) برفع الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان فمن رفع قال: معناه: أسلمُ أنا من شره وفتنته، ومن فتحَ قال: إن القرين أسلمَ، من الإسلام وصار مؤمناً لا يأمرني إلا بخير، واختلفوا في الأرجح منهما فقال الخطابي: الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضي عياض، الفتح وهو المختار، لقوله: (فلا يأمرني إلا بخير)، واختلفوا على رواية الفتح، قيل: أسلمَ بمعنى استسلم وانقاد، وقد جاء هكذا في غير صحيح مسلم (فاستسلم)، وقيل: معناه صار مسلماً مؤمناً، وهذا هو الظاهر، قال القاضي: واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه. وفي هذا الحديث: إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان] شرح النووي على مسلم 6/ 293. وروى مسلم بإسناده عن عروة أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً، قالت فغرت عليه فجاء فرأى ما أصنع فقال: (ما لك يا عائشة أغرت) فقلت وما لي لا يغار مثلي على مثلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقد جاءك شيطانك). قالت يا رسول الله أو معي شيطان، قال: نعم. قلت ومع كل إنسان قال: نعم. قلت ومعك يا رسول الله قال: نعم ولكن ربى أعانني عليه حتى أسلمَ). فهذه النصوص وغيرها تثبت أن كل إنسانٍ قد وكِّل به قرينٌ من كفرة الجن، وعمل هذا القرين أنه يغوي الإنسان ويوسوس له. ونحن نؤمن أن الجن خلق من خلق الله عز وجل وأن لهم قدرات خاصة بهم كقدرتهم على سرعة الحركة مثلاً كما قال تعالى: {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} سورة النمل الآية 39. ولكن لا يصح أن نبالغ في

قدراتهم، فهم لا يقدرون على إلحاق الضرر بالإنسان إلا بإذن الله عز وجل، كما أنه لا سلطان لهم على عباد الله الصالحين كما قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} سورة الإسراء الآيتان 64 - 65. ولهم تسلط على الناس الضالين الغاوين كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} سورة النحل الآيتان 99 - 100. ويمكن للمسلم أن يحارب الشيطان وأن ينتصر عليه إذا تمسك بكتاب الله عز وجل وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، [ومن الأسباب المعينة على السلامة من شر الشيطان وجنوده 1. الإيمان بالله وعبادته بإخلاص والتوكل عليه والاستعاذة به، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة الأعراف الآية200، وقال الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} سورة النحل الآيات 98 - 100. وقد أخبر الله تعالى عن الشيطان أنه قال: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} سورة الحجر الآيتان 39 - 40. فأجابه الله {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} سورة الحجر الآيتان 41 - 42.

2. الالتزام بالكتاب والسنة والإكثار من تلاوة القرآن ولاسيما سورة البقرة وبالأخص آية الكرسي والآيتين الأخيرتين من السورة. ففي حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطاً بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم. وفي حديث أبي هريرة: (أن الشيطان قال له إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقول الشيطان، قال: صدقك وهو كذوب) رواه البخاري. وروى النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان) رواه الترمذي والحاكم والطبراني، وقال الهيثمي رجاله ثقات وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب. 3. المحافظة على الصلاة في الجماعة والأذان لها وقيام الليل، فقد روى أبو الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية) رواه النسائي وقال: قال السائب -أحد رواة الحديث- يعني بالجماعة جماعة الصلاة، ورواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن ابن مسعود قال: (ذُكر عند النبي صلى الله

عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه) رواه البخاري ومسلم. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) رواه البخاري ومسلم. 4.المحافظة على ذكر الله تعالى دائماً، ولا سيما الأذكار المقيدة: صباحاً ومساء عند النوم وعند الدخول والخروج والأكل والجماع وعند الخلاء ونزع الثياب، ففي حديث الحارث الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وآمركم بذكر الله كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه فيه، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله) رواه أحمد والترمذي والحاكم وأبو يعلى وصححه العلامة الألباني. ويمكن مراجعة كتب الأذكار للتعرف على أدعية الدخول والخروج والأكل والشرب والجماع وعند الخلاء ونزع الثياب وأذكار الصباح والمساء. 5. الالتزام بالجماعة، ففي حديث عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) رواه الترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي. 6. البعد عن اتباع خطوات الشيطان ومظان وجوده، كالسوق ومجالس النساء ولا سيما الخلوة والانفراد بهن، ومجالس الغناء، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} سورة النور الآية21. وفي الحديث: (لا تكن أول من

ضوابط في تسمية المواليد

يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، ففيها باض الشيطان وفرخ) رواه مسلم، وفي الحديث: (ألا لا يخلونّ رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. ويمكن مراجعة كتاب إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان لابن القيم، وتلبيس إبليس لابن الجوزي، ووقاية الإنسان من الجن والشيطان لوحيد عبد السلام بالي، والصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة لمصطفى العدوي والأذكار النووية وغيرها فإنها كتب نافعة في هذا الباب. وخلاصة الأمر أنه لا وجود للتابعة وإنما ذلك من الخرافات، وأما القرين فهو من الجن وهو ثابت بالكتاب والسنة، وليس من قدرة الجن إسقاط الحمل، وينبغي مراجعة الأطباء فهم أهل الاختصاص لمعرفة أسباب سقوط الحمل. - - - ضوابط في تسمية المواليد يقول السائل: رزقت بمولودة سميتها سالي ولا أدري ما معناه، ثم قررت أن أغير اسمها إلى اسم آخر من الأسماء العربية المتداولة فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: تسمية المواليد صارت من ميادين التقليد والتغريب الفسيحة التي قلد فيها المسلمون غيرهم، وخاصة تقليد أسماء الغربيين ذكوراً وإناثاً فصرنا نسمع أسماء مثل: جاكلين، جولي، ديانا، سوزان، فالي، فكتوريا، كلوريا، لارا، لندا، ليسندا، مايا، منوليا، هايدي، يارا. وتلك الأسماء الأعجمية: مرفت، شيريهان، شيرين، نيفين، شادي، وتلك الأسماء التافهة مثل: زوزو، فيفي، ميمي، وتلك الأسماء الغرامية الرخوة المتخاذلة: أحلام، أريج، تغريد،

غادة، فاتن، ناهد، هيام، وهو بضم الهاء: ما يشبه الجنون من العشق أو داء يصيب الإبل، وبفتحها: الرمل المنهار الذي لا يتماسك. وتلك الأسماء ذوات المعاني القبيحة كعفلق وغير ذلك من الأسماء الكثيرة. انظر تسمية المولود ص2. ولا بد للمسلمين أن يتميزوا عن غيرهم من الأمم في كل شؤونهم وحتى بأسمائهم، وأن يلتزموا أدب الإسلام في تسمية المواليد، قال الشيخ بكر أبو زيد رحمة الله عليه: [أنادي بلسان الشريعة الإسلامية على المسلمين أن يتقوا الله، وأن يلتزموا بأدب الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن لا يؤذوا السمع والبصر في تلكم الأسماء المرذولة، وأن لا يؤذوا أولادهم بها، فيحجبوا بذلك عنهم زينتهم: الأسماء الشرعية. وما هذه إلا ظاهرة مرضية مؤذية، يجب على من بسط الله يده أن يصدها عن مواليد المسلمين، فليزمهم عن طريق الأحوال المدنية بالأسماء المشروعة فحسب، فلا يسجل إلا ما كان شرعياً. وإذا كانت القوانين تصدر في فرنسا وغيرها لضبط اختيار أسماء المواليد حتى لا تخرج عن تاريخهم، ولا تتعارض مع قيمهم الوطنية، وإذا ألزم المسلمون في بلغاريا بتغيير أسمائهم الإسلامية، فنحن في الالتزام بدين الله - الإسلام - أحق من أمم الكفر] تسمية المولود ص 3. ومن المعلوم أنه ينبغي على المسلم أن يحسن تسمية أولاده، لأن الاسم يبقى مع الإنسان طوال حياته وبعد مماته، وقد ورد في الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسمائكم) رواه أبو داود بإسناد حسن كما قال العلامة ابن القيم في تحفة المودود ص89. وقد اعتنى أهل العلم بهذا الموضوع ومنهم من خصَّه بالتأليف كالعلامة ابن القيم حيث ألف كتابه (تحفة المودود بأحكام المولود) وجعل فيه باباً (في ذكر التسمية

وأحكامها) ويقع في سبع وثلاثين صفحة، وألف الدكتور بكر أبو زيد كتاباً بعنوان (تسمية المولود) فصَّل الكلام فيه على الموضوع تفصيلاً حسناً، ويضاف إلى ذلك كلام متفرق لأهل العلم في كتبهم وفتاويهم، وقد حاولت أن أجمع أهم ضوابط تسمية المولود من كلام العلماء فكانت كما يلي: دلت الشريعة على تحريم تسمية المولود في واحد من الوجوه الآتية: 1. اتفق المسلمون على أنه يحرم كل اسم معبد لغير الله تعالى، من شمس أو وثن أو بشر أو غير ذلك، مثل: عبد الرسول، عبد النبي، عبد علي، عبد الحسين، عبد الأمير (يعني: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه)، عبد الصاحب (يعني: صاحب الزمان المهدي المنتظر)، وهي تسميات الروافض. وقد غيَّر النبي صلى الله عليه وسلم كل اسم معبد لغير الله تعالى، مثل: عبد العزى، عبد الكعبة، عبد شمس، عبد الحارث. ومن هذا الباب: غلام الرسول، غلام محمد، أي: عبد الرسول ... وهكذا. والصحيح في عبد المطلب المنع. ومن هذا الغلط في التعبيد لأسماء يظن أنها من أسماء الله تعالى وليست كذلك مثل: عبد المقصود، عبد الستار، عبد الموجود، عبد المعبود، عبد الهوه، عبد المرسل، عبد الوحيد، عبد الطالب ... فهذه يكون الخطأ فيها من جهتين: من جهة التسمية الله بما لم يرد به السمع، وأسماؤه سبحانه توفيقية على النص من كتاب أو سنة. والجهة الثانية التعبيد بما لم يسم الله به نفسه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. 2. التسمية باسم من أسماء الله تبارك وتعالى فلا تجوز التسمية باسم يختص به الرب سبحانه، مثل: الرحمن، الرحيم، الخالق، البارئ، وقد غيَّر النبي صلى الله عليه وسلم ما وقع من التسمية بذلك. وفي القرآن العظيم: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ

وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} سورة مريم الآية 65، أي لا مثيل له يستحق مثل اسم الذي هو الرحمن. 3. التسمية بالأسماء الأعجمية المولدة للكافرين الخاصة بهم. والمسلم المطمئن بدينه يبتعد عنها وينفر منها ولا يحوم حولها. وقد عظمت الفتنة بها في زماننا، فيلتقط اسم الكافر من أوروبا وأمريكا وغيرهما، وهذا من أشد مواطن الإثم وأسباب الخذلان، ومنها: بطرس، جرجس، جورج، ديانا، روز، سوزان ... وغيرها ... وهذا التقليد للكافرين في التسمي بأسمائهم، إن كان عن مجرد هوى وبلادة ذهن، فهو معصية كبيرة وإثم، وإن كان عن اعتقاد أفضليتها على أسماء المسلمين، فهذا على خطر عظيم يزلزل أصل الإيمان، وفي كلتا الحالتين تجب المبادرة إلى التوبة منها، وتغييرها شرط في التوبة منها. 4. التسمي بأسماء الأصنام المعبودة من دون الله ومنها: اللات، العزى، إساف، نائلة، هبل. 5. التسمي بالأسماء الأعجمية، تركية، أو فارسية أو بربرية أو غيرها مما لا تتسع لغة العرب ولسانها، ومنها: ناريمان، شيريهان، نيفين، شادي - بمعنى القرد عندهم - جيهان. وأما ما ختم بالتاء، مثل: حكمت، عصمت، نجدت، هبت، مرفت، رأفت ... فهي عربية في أصلها، لكن ختمها بالتاء الطويلة المفتوحة - وقد تكون بالتاء المربوطة - تتريك لها أخرجها عن عربيتها، لهذا لا يكون الوقف عليها بالهاء. والمختومة بالياء مثل: رمزي، حسني، رشدي، حقي، مجدي، رجائي هي عربية في أصلها، لكن تتريكها بالياء في آخرها منع من عربيتها بهذا المبنى، إذ الياء هنا ليست ياء النسبة العربية مثل: ربعي، ووحشي، وسبتي (لمن ولدت يوم السبت)، ولا ياء المتكلم، مثل: كتابي، بل ياء الإمالة الفارسية والتركية.

6. كل اسم فيه دعوى ما ليس للمسمى، فيحمل من الدعوى والتزكية والكذب ما لا يقبل بحال. ومنه ما ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك) متفق عليه. ومثله قياساً على ما حرمه الله ورسوله: سلطان السلاطين، حاكم الحكام، شاهنشاه، قاضي القضاة. قال ابن القيم: [وقال بعض العلماء وفي معنى ذلك كراهية التسمية بقاضي القضاء وحاكم الحكام فان حاكم الحكام في الحقيقة هو الله، وقد كان جماعة من أهل الدين والفضل يتورعون عن إطلاق لفظ قاضي القضاة وحاكم الحكام قياساً على ما يبغضه الله ورسوله من التسمية بملك الأملاك وهذا محض القياس] تحفة المولود ص 91. وكذلك تحريم التسمية بمثل: سيد الناس، سيد الكل، سيد السادات، ست النساء. ويحرم إطلاق (سيد ولد آدم) على غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي حديث زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم) رواه مسلم. 7. قال ابن القيم: التسمية بأسماء الشياطين، كخنزب، والولهان، والأعور، والأجدع، وقد وردت السنة بتغيير اسم من كان كذلك. ومن ضوابط الأسماء المكروهة ما يلي: يكره التسمي بما تنفر النفوس من معناه من الأسماء، إما لما يحمله من معنى قبيح أو مثير للسخرية، كما أن فيه مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بتحسين الأسماء، ومثال ذلك اسم حرب، وهيام وهو اسم مرض يصيب الإبل ونحوها من الأسماء التي تحمل معان قبيحة وغير حسنة. ويكره التسمي بأسماء فيها معان رخوة أو شهوانية، ويكثر هذا في تسمية الإناث، مثل بعض الأسماء التي تحمل أوصافا جنسية أو شهوانية. ويكره تعمد التسمي بأسماء الفساق من المغنيين والمغنيات والممثلين

والممثلات ونحوهم، فإن كانوا يحملون أسماء حسنة فيجوز التسمي بها لكن لأجل معانيها الحسنة وليس لأجل التشبه بهم أو تقليدهم. ويكره التسمي بأسماء فيها معان تدل على الإثم والمعصية، مثل سارق وظالم، أو التسمي بأسماء الفراعنة والعصاة مثل فرعون وهامان وقارون. ويكره التسمي بأسماء الحيوانات المشهورة بالصفات المستهجنة، مثل الحمار والكلب والقرد ونحوها. وتكره التسمية بكل اسم مضاف إلى الدين والإسلام، مثل نور الدين وشمس الدين وكذلك نور الإسلام وشمس الإسلام، لما فيها من إعطاء المسمى فوق حقه، وقد كان علماء السلف يكرهون تلقيبهم بهذه الألقاب، ولكن البلوى عمت بمثل هذه الأسماء كاسمي، وقد كان الإمام النووي يكره تلقيبه بمحيي الدين، وشيخ الإسلام ابن تيمية يكره تلقيبه بتقي الدين، ويقول: لكن أهلي لقبوني بذلك فاشتهر. تسمية المولود ص26. ويكره التسمي بأسماء الملائكة، وكذلك بأسماء سور القرآن مثل طه ويس ونحوها، وهذه الأسماء هي من الحروف المقطعة وليست من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم. وينبغي أن أذكر أن بعض أهل العلم ذكر مراتب الأسماء المستحسنة شرعاً أربعة: المرتبة الأولى: اسميْ عبد الله وعبد الرحمن، وذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) رواه مسلم. المرتبة الثانية: سائر الأسماء المعبدة لله عز وجل: مثل عبد العزيز وعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الإله وعبد السلام وغيرها من الأسماء المعبدة لله عز وجل. المرتبة الثالثة: أسماء الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولاشك أن خيرهم وأفضلهم وسيدهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أسمائه كذلك أحمد، ثم أولوا العزم من الرسل وهم إبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام، ثم سائر الأنبياء والمرسلين عليهم

خرافات متعلقة بعدة الوفاة

جميعا صلوات الله وسلامه. المرتبة الرابعة: أسماء عباد الله الصالحين، وعلى رأسهم صحابة نبينا الكريم، فيستحب التسمي بأسمائهم الحسنة اقتداء بهم وطلبا لرفعة الدرجة. المرتبة الخامسة: كل اسم حسن ذو معنى صحيح جميل. وخلاصة الأمر أنه ينبغي على الوالد أن يحسن اسم ولده، وأن ينتقي له الأسماء المشروعة، وأن لا يسميه بالأسماء المحرمة والمكروهة، ومنها اسم سالي فهو يطلق على إعصار يضرب سواحل أمريكا، وينبغي تغيير الأسماء القبيحة اقتداءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو ثابت في تغييره صلى الله عليه وسلم لعدد من الأسماء القبيحة واستبدالها بأسماء حسنة. - - - خرافات متعلقة بعدة الوفاة تقول السائلة: توفي والدي ودخلت والدتي في العدة فقالت لها بعض النساء إنه يحرم عليها أن ترى أو تتكلم مع غير محارمها، فهل هذا الكلام صحيح، أفيدونا؟ الجواب: يشيع في مجتمعنا وخاصة بين النساء كلام كثير يتعلق بعدة الوفاة، لا أصل له في الدين، فمثلاً يقال بأن المرأة المتوفى عنها زوجها تدخل عدة الوفاة متى شاءت! ويقال بأن المرأة الكبيرة في السن لا تعتد عدة الوفاة! ويقال بأن المعتدة عدة وفاة لا يجوز أن يراها الرجال الأجانب مطلقاً! وإذا رأوها بطلت عدتها! ويقال بأن المعتدة عدة وفاة لا تتكلم مع غير محارمها! ولا ترد على الهاتف! ولا تنشر الغسيل! إلى غير ذلك من الأقاويل التي ليس لها مستند شرعي، والأصل أن نتلقى الأحكام من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن عدة الوفاة أمر تعبدي أوجبه الله على

المرأة. ويجب أن يعلم أولاً أن عدة الوفاة فريضة على كل امرأة مات عنها زوجها، سواء كانت عجوزاً أو غير عجوز، وسواء كانت تحيض أو لا تحيض، والمدخول بها وغير المدخول بها سواء في لزوم عدة الوفاة، لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} سورة البقرة الآية 234. فالآية الكريمة عامة في كل زوجة مات عنها زوجها لقوله تعالى {أَزْوَاجاً} فيجب على كل زوجة مات عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، إلا إذا كانت حاملاً فتعتد بوضع الحمل على الراجح من أقوال أهل العلم. ويدل على وجوب العدة قوله تعالى {يَتَرَبَّصْنَ} فهذا خبر بمعنى الأمر والأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب. قال العلامة ابن القيم: [وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل اتفاقاً كما دل عليه عموم القرآن والسنة] زاد المعاد في هدي خير العباد 5/ 664. ويجب أن يعلم ثانياً أن عدة الوفاة تبدأ عقيب وفاة الزوج، فتحسب المتوفى عنها زوجها عدتها من يوم موت زوجها، وهذا باتفاق الفقهاء وليس صحيحاً أن المرأة المتوفى عنها زوجها تختار وقت دخولها في عدة الوفاة. ثالثاُ: تنتهي عدة الوفاة بانقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ وفاة الزوج، إذا لم تكن الزوجة حاملاً، وأما الحامل فتنقضي عدتها بوضع الحمل لقوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} سورة الطلاق الآية 4. رابعاً: تستقر المعتدة عدة وفاة في بيت الزوجية، فقد ورد في الحديث عن فُرَيعة بنت مالك - وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما - قالت: (خرج زوجي في طلب عبيدٍ له قد هربوا فأدركهم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دارٍ شاسعة من دور أهلي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت:

إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته وليس المسكن له، فتحولت إلى أهلي وإخواني، فكان أرفق لي في بعض شأني، فقال: تحولي، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني فقال: (امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله)، قالت: فاعتددت أربعة أشهر وعشراً) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، وقال الترمذي: حسن صحيح. قال الإمام الشوكاني: [وقد استدل بحديثها - أي الفريعة - هذا على أن المتوفى زوجها عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه، ولا تخرج منه إلى غيره، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين من بعدهم] وذكر الشوكاني أن هذا قول جماهير أهل العلم. نيل الأوطار 6/ 336. ولا تخرج المعتدة من بيتها إلا للأمور الحاجية والضرورية، كالذهاب إلى المستشفى للعلاج، ولشراء حوائجها من السوق كالطعام واللباس ونحو ذلك، هذا إذا لم يكن عندها من يقضي لها حوائجها. وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمعتدة أن تخرج من بيتها للعذر فعن جابر رضي الله عنه قال: (طُلقت خالتي ثلاثاً، فخرجت تجدُ نخلاً لها فلقيها رجلٌ فنهاها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: اخرجي فجُدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً). رواه مسلم. [وروي جواز خروج المتوفى عنها للعذر عن جماعة منهم عمر رضي الله عنه، أخرج عنه ابن أبي شيبة أنه رخص للمتوفى عنها أن تأتي أهلها بياض يومها. وأن زيد بن ثابت رضي الله عنه رخص لها في بياض يومها. وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان له ابنة تعتد من وفاة زوجها فكانت تأتيهم بالنهار فتحدث إليهم فإذا كان بالليل أمرها أن ترجع إلى بيتها. وأخرج أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه في نساء نُعي

إليهن أزواجُهن وتَشَكَّين الوحشة، فقال ابن مسعود: يجتمعن بالنهار ثم ترجع كل امرأة منهن إلى بيتها بالليل ... وروى الحجاج بن منهال أن امرأة سألت أم سلمة بأن أباها مريض وأنها في عدة وفاة فأذنت لها في وسط النهار. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق عن مجاهد مرسلاً أن رجالاً استشهدوا بأحد فقال نساؤهم: يا رسول الله إنّا نستوحش في بيوتنا أفنبيت عند إحدانا فأذن لهن أن يتحدثن عند إحداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها] نيل الأوطار 6/ 336 - 337. وإذا خرجت المعتدة لغير حاجة فعدتها لا تبطل وتستغفر الله عز وجل وتتوب. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: [عن امرأة معتدة عدة وفاة، ولم تعتد في بيتها بل تخرج في ضرورتها الشرعية: فهل يجب عليها إعادة العدة؟ وهل تأثم بذلك؟ فأجاب: العدة انقضت بمضي أربعة أشهر وعشراً من حين الموت، ولا تقضي العدة. فإن كانت خرجت لأمر يحتاج إليه ولم تبت إلا في منزلها فلا شيء عليها. وإن كانت قد خرجت لغير حاجة وباتت في غير منزلها لغير حاجة، أو باتت في غير ضرورة أو تركت الإحداد، فلتستغفر الله وتتوب إليه من ذلك، ولا إعادة عليها] مجموع الفتاوى 34/ 28. والمعتدة لا تخرج لصلاة الجمعة ولا لصلاة الجماعة فالنساء ليس عيلهن جمعة ولا جماعة. خامساً: على المعتدة عدة وفاة أن تحدَّ على زوجها ويلزمها أن تتجنب الملابس الجميلة المزينة ويجوز لها أن تلبس ما عداها، ولا يعني أن تكون هذه الملابس سوداء كما جرت عادة النساء في بلادنا. وعليها أن تتجنب جميع أنواع العطور والمكياج والكحل. وأن تتجنب التزين بالذهب والفضة ونحوهما، فقد ورد في الحديث عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا نُنهى أن نحدَّ على ميتٍ فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ولا نكتحل ولا نتطيب ولا

نلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار - نوع من البخور -). رواه البخاري ومسلم، وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة - المصبوغة - ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل). رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 438. سادساً: لا تسافر المعتدة عدة وفاة مطلقاً، ولا لحج أو عمرة استدلالاً بحديث الفريعة السابق، وقد ورد عن عمر رضي الله عنه (أنه كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج) رواه مالك في الموطأ والبيهقي وعبد الرزاق. وروى عبد الرزاق عن مجاهد قال: (كان عمر وعثمان يرجعانهن حواج ومعتمرات من الجحفة وذي الحليفة) المصنف 7/ 33]، وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ولو كانت حجة الإسلام، فمات زوجها، لزمتها العدة في منزلها وإن فاتها الحج، لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها، والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام] المغني 8/ 168. سابعاً: يجوز للمعتدة أن ترى الرجال الأجانب وأن ينظروا إليها، وتتكلم معهم ما دام أن كل ذلك ضمن الضوابط الشرعية المقررة كما قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} سورة الأحزاب الآية 32، ولو رآها شخص أجنبي أو كلمها أثناء عدتها فلا تبطل عدتها، وكذلك لا يحرم عليها أمر من الأمور إلا ما ورد الشرع بتحريمه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [المعتدة عدة الوفاة تتربص أربعة أشهر وعشراً، وتتجنب الزينة والطيب في بدنها وثيابها، ولا تتزين ولا تتطيب ولا تلبس ثياب الزينة، وتلزم منزلها ولها أن تأكل كل ما أباحه الله ... ولا يحرم عليها عمل شغل من الأشغال

المباحة، مثل التطريز والخياطة والغزل وغير ذلك مما تفعله النساء، ويجوز لها ما يباح لها في غير العدة، مثل كلام من تحتاج إلى كلامه من الرجال إذا كانت مستترة وغير ذلك، وهذا الذي ذكرته هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يفعله نساء الصحابة إذا مات أزواجهن، مجموع الفتاوى 34/ 27 - 28. وقال الرحيباني الحنبلي: [لها- للمعتدة - التجمل بالفرش والستور، وأثاث البيت لأن الإحداد في البدن لا في الفرش ونحوه، ولها التنظيف بالحمام إن لم يكن فيه خروج محرم وغسل الرأس، ومشطه وتقليم الأظفار والاستحداد، وإزالة الأوساخ؛ لأنها ليست من الزينة] أسنى المطالب 17/ 450. ثامناً: لا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبة المعتدة صراحة خلال مدة العدة، ويجوز التعريض بذلك أي التلميح لقوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} سورة البقرة الآية 235 وخلاصة الأمر أن عدة الوفاة فريضة شرعية وهي مسألة تعبدية لا تؤخذ أحكامها إلا من كتاب الله سبحانه وتعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يعتمد في ذلك على ما هو شائع ومنتشر بين الناس، وقد بينت أهم أحكام المعتدة عدة وفاة باختصار. - - -

انتفاع بعض الورثة بالتركة والمنع من تقسيمها

انتفاع بعض الورثة بالتركة والمنع من تقسيمها يقول السائل: مضى على وفاة والدي أكثر من عشر سنوات، وقد ترك أموالاً وعقارات وقطعة أرض، وما زالت تركته غير مقسَّمة، وبعض الورثة ينتفع بالعقارات، ويرفض تقسيم التركة مع إلحاحي على القسمة، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أن الواجب بعد وفاة الميت مباشرة هو تجهيزه للدفن بالسرعة الممكنة، وتكون تكلفة ذلك من مال الميت، ولا يصح تأخير دفنه، فالإسراع في دفن الميت أمرٌ مطلوبٌ شرعاً، وقد نصت السنة النبوية على ذلك، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسرعوا بالجنازة فإن تكُ صالحةً فخير تقدمونها إليه وإن يكُ سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) رواه البخاري ومسلم. والإسراع بالجنازة يشمل السرعة حال حملها والإسراع بها إلى الدفن، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قال القرطبي: مقصود الحديث: أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن] فتح الباري 3/ 235. ويؤيد المسارعة في الدفن ما رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره) قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن، المصدر السابق. ويؤيده أيضاً ما رواه أبو داود بإسناده أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: (إني لا أُرَى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله). ويؤيده أيضاً ما رواه الترمذي وأحمد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث يا علي لا يؤخرن: الصلاة إذا آنت، والجنازة إذا حضرت، والأيم - هي المرأة التي لا

زوج لها - إذا وجدت لها كفؤاً)، وذكر ابن الجوزي عن بعض السلف أنه قال: (كان يقال العجلة من الشيطان إلا في خمس، إطعام الطعام إذا حضر الضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب) أحكام النساء ص304. فإذا تم َّ دفن الميت فهنالك عدة حقوق تتعلق بتركته وهي كما يلي: قضاء الديون التي في ذمة الميت، ويدخل فيها مهر زوجته ونحو ذلك من حقوق الآدميين، والديون المتعلقة بحقوق الله عز وجل كالزكاة وحج الفريضة والكفارات. وبعد ذلك تنفذ وصايا الميت فيما لا يزيد عن ثلث التركة، وينبغي أن يعلم أن قضاء الدين مقدم على تنفيذ وصايا الميت وإن كانت الوصية مقدمة على الدين في آية المواريث، يقول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}. وبعد ذلك يوزع الباقي على الورثة حسب التقسيم الشرعي لذلك، ومن المعلوم عند أهل العلم أنه بمجرد وفاة الميت فإن ملكية أمواله تنتقل لورثته وتصير حقاً شرعياً لهم، والأصل أن تقسم التركة على الورثة بعد استيفاء الحقوق المتعلقة بالتركة كما ذكرت سابقاً، ويكون توزيع التركة على الورثة بعد وفاة الميت مباشرة وبعد حصر أمواله وحصر ورثته، وهذا أولى من تأخير التوزيع، حتى وإن تراضى الورثة على التأخير، لأنه قد يترتب على تأخير توزيع التركة مشكلات تقع بين الورثة، وأما أن يمنع بعض الورثة توزيع التركة مع انتفاعهم ببعضها، فهذا أمر محرم شرعاً، لأن هذا من التعدي على حقوق بقية الورثة، وحينئذ يكون انتفاع الوارث ببعض التركة كالعقار المذكور في السؤال من باب الغصب، وهو من الظلم المحرم قال الله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} سورة غافر الآية 18، وقال تعالى: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} سورة الحج

الآية 71. وجاء في الحديث القدسي فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة والجلال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) رواه مسلم. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم. وجاء في خطبة الوداع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن الله حرم عليكم دمائكم وأموالكم، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) رواه البخاري. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من غصب الأراضي وأخذها من أصحابها بغير حق فقد جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه طوقه من سبع أرضين) رواه أحمد بإسنادين أحدهما صحيح، ورواه مسلم إلا أنه قال: (لا يأخذ أحدٌ شبراً من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة)، وقوله: (طوقه من سبع أرضين) قيل: أراد طوق التكليف لا طوق التقليد وهو أن يطوق حملها يوم القيامة، وقيل: إنه أراد أنه يخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة في عنقه كالطوق. وجاء في الحديث عن سالم عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين) رواه البخاري. وعن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما رجل ظلم شبراً من الأرض كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ به سبع أرضين

ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس) رواه أحمد والطبراني وابن حبان، وفي رواية لأحمد والطبراني عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخذ أرضاً بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر). وقال العلامة الألباني: صحيح. وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعظم الغلول عند الله عز وجل ذراع من الأرض تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين) رواه أحمد بإسناد حسن والطبراني في الكبير. وقال العلامة الألباني: حسن صحيح. وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غصب أرضاً ظلماً لقي الله وهو عليه غضبان) رواه الطبراني من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني، وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/ 379 - 381. وإذا أخذ هذا الوارث- الذي يمنع قسمة التركة- مالاً من الميراث دون موافقة بقية الورثة، فإنه يكون داخلاً ضمن دائرة الكسب الحرام، والكسب الحرام نوع من أكل السحت، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} سورة المائدة الآية 42. وقال الله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة المائدة الآية 62.وقوله تعالى: {لوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} سورة المائدة الآية 63. قال أهل التفسير

في قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أي الحرام وسمي المال الحرام سحتاً لأنه يسحت الطاعات، أي يذهبها ويستأصلها. انظر تفسير القرطبي 6/ 183. وقال جماعة من أهل التفسير: ويدخل في السحت كل ما لا يحل كسبه] فتح المالك 8/ 223. وعقوبة هذا الغاصب النار، فقد جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به) رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان، وفي رواية أخرى: (كل جسدٍ نبت من سحتٍ فالنار أولى به) رواه أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 831.وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ... يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وصححه العلامة الألباني. صحيح سنن الترمذي 1/ 189.وعن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة جسد غُذِيَ بحرام) رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أبي يعلى ثقات وفي بعضهم اختلاف قاله الهيثمي. مجمع الزوائد 10/ 293. وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 320. وغير ذلك من النصوص. وإذا أصر بعض الورثة على المنع من توزيع التركة فإن للورثة الآخرين رفع الأمر إلى القضاء لإجبار الممتنع عل القسمة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [أما إذا طلب أحدهما - الشريكان - القسمة، فامتنع الآخر، لم يخل من حالين؛ أحدهما، يجبر الممتنع على القسمة، وذلك إذا اجتمع ثلاثة شروط: أحدها: أن يثبت عند الحاكم ملكهما ببينة؛ لأن في الإجبار على

القسمة حكماً على الممتنع منهما، فلا يثبت إلا بما يثبت به الملك لخصمه، بخلاف حالة الرضا؛ فإنه لا يحكم على أحدهما، إنما يقسم بقولهما ورضاهما. الشرط الثاني: أن لا يكون فيها ضرر، فإن كان فيها ضرر، لم يجبر الممتنع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر، ولا ضرار). رواه ابن ماجه، ورواه مالك في (موطئه) مرسلاً، وفي لفظ: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار). الشرط الثالث: أن يمكن تعديل السهام من غير شيء يجعل معها، فإن لم يمكن ذلك، لم يجبر الممتنع؛ لأنها تصير بيعاً، والبيع لا يجبر عليه أحد المتبايعين ... فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة، أجبر الممتنع منهما على القسمة؛ لأنها تتضمن إزالة ضرر الشركة عنهما، وحصول النفع لهما؛ لأن نصيب كل واحد منهما إذا تميز، كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره، ويتمكن من إحداث الغراس والبناء والزرع والسقاية والإجارة والعارية، ولا يمكنه ذلك مع الاشتراك، فوجب أن يجبر الآخر عليه؛ لقوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار)] المغني 10/ 102. وخلاصة الأمر أنه إذا مات الميت فإنه يجهز ويدفن ثم تقضى ديونه وتنفذ وصاياه في حدود الثلث، وبعد ذلك توزع تركته، وينبغي التعجيل في توزيع التركة، ولا يحل لأحد من الورثة أن يمنع توزيعها، نظراً لتعلق حقوق الآخرين بها. - - -

الجنايات

الجنايات

لا يجوز لأحد من الناس أن يتولى تنفيذ العقوبات بنفسه

لا يجوز لأحدٍ من الناس أن يتولى تنفيذ العقوبات بنفسه يقول السائل: إن شخصاً قد قتل أخاه، وقد اعتقل القاتل، ثم أفرج عنه بعد مدة قصيرة لعدم كفاية الأدلة، فهل يجوز لنا شرعاً أن نقتل القاتل مع العلم أننا متأكدون من قتله لأخي، أفيدونا؟ الجواب: لا شك أن حرمة دم المسلم من أعظم الحرمات عند الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن قتل النفس المعصومة من أكبر الكبائر، وقد وردت الأدلة الكثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي تدل على ذلك فمنها قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} سورة الإسراء الآية 33. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} سورة النساء الآية 93. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} سورة الفرقان الآيتان 68 - 69. وثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين، فقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قال قول الزور أو قال شهادة الزور، قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري

ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) رواه البخاري ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الشيخ ابن العربي قوله: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول] فتح الباري 12/ 233. وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله) وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله (إن من ورطات) بفتح الواو والراء، وحكى ابن مالك أنه قيد في الرواية بسكون الراء والصواب التحريك وهي جمع ورطة بسكون الراء وهي الهلاك يقال وقع فلان في ورطة أي في شيء لا ينجو منه، وقد فسرها في الخبر بقوله التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها. قوله (سفك الدم) أي إراقته والمراد به القتل بأي صفة كان، لكن لما كان الأصل إراقة الدم عبر به. قوله (بغير حله) في رواية أبي نعيم (بغير حقه) وهو موافق للفظ الآية، وهل الموقوف على ابن عمر منتزع من المرفوع فكأن ابن عمر فهم من كون القاتل لا يكون في فسحه أنه ورط نفسه فأهلكها] فتح الباري 12/ 233 - 234. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ... كل المسلم على

المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً يقول يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 40. وغير ذلك من النصوص التي تدل على عظمة النفس المعصومة. إذا ثبت هذا فإن تنفيذ العقوبات كالقصاص والحدود من اختصاص الحاكم المسلم، وليس من اختصاص الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب أو غيرها من الجهات. قال الشيخ أبو إسحق الشيرازي: [لا يقيم الحدود على الأحرار إلا الإمام أو من فوض إليه الإمام، لأنه لم يُقمْ حدٌ على حرٍ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه، ولا في أيام الخلفاء إلا بإذنهم، ولأنه حق لله تعالى يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن في استيفائه الحيف فلم يجز بغير إذن الإمام] المهذب 20/ 34. وروى الإمام البيهقي بإسناده: [عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين يُنْتَهى إلى قولهم من أهل المدينة كانوا يقولون لا ينبغي لأحدٍ أن يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان] سنن البيهقي 8/ 245. وقال الإمام النووي: [أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنا أو السرقة أو الشرب لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد، لأن الحدود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها للإمام] المجموع. ومما يدل على أن تنفيذ العقوبات من اختصاص الدولة المسلمة مُمَثلةً بالإمام أو من يقوم مقامه، قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}

سورة النور الآية 2. قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: [لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر الإمام ومن ناب منابه] تفسير القرطبي 12/ 161. وقال الإمام القرطبي أيضاً: [لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك، لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعاً أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود] تفسير القرطبي 2/ 245 - 246. وقال الإمام القرطبي أيضاً: [اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض، وإنما ذلك للسلطان أو من نصبه السلطان لذلك، ولهذا جعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض] تفسير القرطبي 2/ 256. وقال ابن رشد القرطبي: [وأما من يقيم هذا الحد - جلد السكران - فاتفقوا على أن الإمام يقيمه وكذلك الأمر في سائر الحدود] بداية المجتهد 2/ 233. وقال البهوتي الحنبلي: [(وإقامته) أي: الحد (للإمام ونائبه مطلقاً) أي: سواء كان الحد لله تعالى كحد زنا أو لآدمي كحد قذف، لأنه يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن فيه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في خلقه. ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود في حياته وكذا خلفاؤه من بعده ويقوم نائب الإمام فيه مقامه لقوله صلى الله عليه وسلم: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها).وأمر برجم ماعز ولم يحضره، وقال في سارق أتي به اذهبوا به فاقطعوه] منتهى الإرادات. وقال الشيخ عبد القادر عوده تحت عنوان (من الذي يقيم الحدّ): [من المتفق عليه بين الفقهاء أنه لا يجوز أن يقيم الحدّ إلا الإمام أو نائبه لأن الحدّ حق الله تعالى ومشروع لصالح

الجماعة فوجب تفويضه إلى نائب الجماعة وهو الإمام ولأن الحدّ يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن في استيفائه من الحيف والزيادة على الواجب فوجب تركه لولي الأمر يقيمه إن شاء بنفسه أو بواسطة نائبه وحضور الإمام ليس شرطاً في إقامة الحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير حضوره لازماً فقال: اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. وأمر عليه الصلاة والسلام برجم ماعز ولم يحضر الرجم وأتي بسارق فقال: اذهبوا به فاقطعوه. لكن إذن الإمام بإقامة الحدّ واجب، فما أقيم حدّ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه وما أقيم حدّ في عهد الخلفاء إلا بإذنهم] التشريع الجنائي الإسلامي 2/ 444. وجاء في الموسوعة الفقهية: [اتفق الفقهاء على أنه لا يقيم الحدّ إلا الإمام أو نائبه وذلك لمصلحة العباد وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم والإمام قادر على الإقامة لشوكته ومنعته وانقياد الرعية له قهراً وجبراً كما أن تهمة الميل والمحاباة والتواني منتفية عن الإقامة في حقه فيقيهما على وجهه فيحصل الغرض المشروع بيقين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود وكذا خلفاءه من بعده] 17/ 144 - 145. وخلاصة الأمر أن القتل العمد جريمة من كبائر الذنوب، وأنه موجبٌ للقصاص كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة البقرة الآية 178، وقد اتفق أهل العلم على أن من يتولى تنفيذ العقوبة هو الحاكم المسلم أو من ينيبه، ولا يجوز لأحد من الناس أن يتولى تنفيذ العقوبات بنفسه، لأن في ذلك فتحاً لأبواب الشرور والمفاسد الكثيرة، التي لا يعلم نتائجها إلا الله عز وجل. - - -

حكم من قتل في عماة

حكم من قُتل في عَماةٍ يقول السائل: وقعت مشاجرة كبيرة بين عدد كثير من الناس وبعد انتهاء الشجار عثر على جثة شخص مقتول، ولم يعرف قاتله، فماذا يترتب على ذلك، أفيدونا؟ الجواب: إن كثرة القتل والتساهل في دماء الناس من علامات الساعة الصغرى كما ورد في الحديث عن أبي وائل قال كنت جالساً مع عبد الله وأبي موسى رضي الله عنهما فقالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة أياماً يُرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل) رواه البخاري ومسلم. والهرج: القتل والفتن واضطراب الأمور. وجاء في رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتقارب الزمان ويقبض العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج قالوا وما الهرج قال: القتل) رواه مسلم. ومع الأسف فإن الناس قد تساهلوا في أمر عظيم فصار الإنسان يُقتل لأتفه الأسباب، وصارت حرمة دم المسلم لا قيمة لها، مع أن حرمة دم المسلم من أعظم الحرمات عند الله سبحانه وتعالى، وقتل النفس المعصومة من أكبر الكبائر، وقد وردت النصوص الكثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي تدل على ذلك فمنها قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} سورة الإسراء الآية 33. وقوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} سورة النساء الآية 93. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ

اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} سورة الفرقان الآيتان 68 - 69. وثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين، فقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال قول الزور أو قال شهادة الزور قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل يا رسول الله وما هن قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراماً) رواه البخاري، ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الشيخ ابن العربي قوله: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول] فتح الباري 12/ 233. وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله)، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله (إن من ورطات) بفتح الواو والراء، وحكى ابن مالك أنه قيد في الرواية بسكون الراء، والصواب التحريك وهي جمع ورطة بسكون الراء وهي الهلاك يقال وقع فلان في ورطة أي في شيء لا ينجو منه، وقد فسرها في الخبر بقوله التي لا مخرج لمن أوقع

نفسه فيها. قوله (سفك الدم) أي إراقته والمراد به القتل بأي صفة كان، لكن لما كان الأصل إراقة الدم عبر به. قوله (بغير حله) في رواية أبي نعيم (بغير حقه) وهو موافق للفظ الآية، وهل الموقوف على ابن عمر منتزع من المرفوع فكأن ابن عمر فهم من كون القاتل لا يكون في فسحه أنه ورط نفسه فأهلكها] فتح الباري 12/ 233 - 234. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ... كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً يقول يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/ 40. وقد ورد في النصوص أن حرمة دم المسلم مقدمة على حرمة الكعبة المشرفة، بل حرمة دم المسلم أعظم عند الله عز وجل من زوال الدنيا فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) رواه الترمذي وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 56. وجاء في رواية أخرى عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى

الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار) وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/ 629. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/ 630. ونظر ابن عمر رضي الله عنه يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) رواه الترمذي. إذا تقرر هذا فإنه إذا وجد قتيلٌ بعد مشاجرة ولم يُعرف قاتلُه، أو كان هنالك شكٌ كبيرٌ في معرفة القاتل، فلا يجوز شرعاً اتهام شخص معين بالقتل، والحكم في هذه الحال هو ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قُتل في عِمِّيَّة، أو رِمِّيَّة بحجر، أو سوطٍ، أو عصا فعقله عقل الخطأ. ومن قتل عمداً فهو قود. ومن حال بينه وبينه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني وغيرهم بإسناد قوي كما قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، وقال العلامة الألباني حديث صحيح كما في صحيح سنن النسائي حديث رقم 4456. وقوله (في عِمِّيَّة) بكسر العين وتشديد الميم والياء، وهي الأمر الذي لا يستبين وجهه. وقيل كناية عن جماعة مجتمعين على أمر مجهول لا يعرف أنه حق أو باطل. ونقل الدارقطني عن الإمام أحمد بن حنبل: العِمِّيَّا هو الأمر الأعمى للعصبية لا

تستبين ما وجهه. وقال إسحاق: هذا في تحارج القوم وقتل بعضهم بعضاً. فكأن أصله من التعمية وهو التلبيس. وقال ابن الأثير في تفسير اللفظين: المعنى أن يوجد بينهم قتيل يُعمَّى أمرُه، ولا يُتبين قاتلُه فحكمه حكم قتيل الخطأ تجب فيه الدية. النهاية في غريب الحديث 3/ 305. وروى الدارقطني عن طاووس قال في الرجل يصاب في الرِمِّيا - بكسر وتشديد وقصر، بوزن الهجيرى من الرمي، مصدر يراد به المبالغة - في القتال بالعصا أو السوط أو الترامي بالحجارة، يودى ولا يُقتل به من أجل أنه لا يُدرى منْ قاتلُه. قال الإمام الصنعاني في شرح الحديث السابق: [ ... إنه دليل على أن من لم يُعرف قاتلُه، فإنها تجب فيه الدية وتكون على العاقلة وظاهره من غير أيمان قسامة، وقد اختلف في ذلك: فقالت الهادوية إن كان الحاضرون الذين وقع بينهم القتل منحصرين لزمت القسامة وجرى فيها حكمها من الأيمان والدية، وإن كانوا غير منحصرين لزمت الدية في بيت المال، وقال الخطابي: اختلف هل تجب الدية في بيت المال، أو لا؟ قال إسحاق بالوجوب، وتوجيهه من حيث المعنى أنه مسلمٌ مات بفعل قوم من المسلمين، فوجبت ديته في بيت مال المسلمين، وذهب الحسن إلى أن ديته تجب على جميع من يحضر، وذلك لأنه مات بفعلهم، فلا تتعداهم إلى غيرهم، وقال مالك إنه يهدر؛ لأنه إذا لم يوجد قاتله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد. وللشافعي قول إنه يقال لوليه ادع على من شئت واحلف، فإن حلف استحق الدية، وإن نكل حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة، وذلك لأن الدم لا يجب إلا بالطلب، وإذا عرفت هذا الاختلاف وعدم المستند القوي في أي هذه الأقوال، وقد عرفت أن سند الحديث قوي كما قاله المصنف علمت أن القول به أولى الأقوال] سبل السلام 5/ 388.

وما رجحه الإمام الصنعاني هو الراجح لقوة دليله، فمن وجد مقتولاً بعد مشاجرة ولا يعرف قاتله، ففيه دية قتل الخطأ وتقسم الدية على من حضر الشجار وعلى عواقلهم، ولا يجوز شرعاً تحميل شخص بعينه القتل ما دام أنه لم يثبت أنه قاتل، وأمر القاتل إلى الله كما ورد عن عمر بن عبد العزيز أنه كُتب إليه في رجلٍ وجد قتيلاً لم يُعرف قاتله فكتب إليهم أن من القضايا قضايا لا يُحكم فيها إلا في الدار الآخرة وهذا منها. المغني 10/ 7. وخلاصة الأمر أن حرمة المسلم حرمة عظيمة، و {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} سورة المائدة الآية 32، وأن حرمة دم المسلم أعظم عند الله عز وجل من حرمة الكعبة، وأن تساهل الناس في أيامنا هذه في القتل بغير حق من علامات الساعة الصغرى، وأن من وجد مقتولاً بعد مشاجرة ولا يُعرف قاتلُه، ففيه دية قتل الخطأ وتقسَّم الدية على من حضر الشجار وعلى عواقلهم، ولا يجوز شرعاً تحميل شخص بعينه القتل ما دام أنه لم يثبت أنه قاتل. - - -

متفرقات

متفرقات

قرارات المجامع الفقهية مقدمة على الفتاوى الفردية

قرارات المجامع الفقهية مقدمة على الفتاوى الفردية يقول السائل: ظهر في هذا العصر عدد من المجامع الفقهية والتي تبحث قضايا فقهية وتصدر عنها قرارات بعد اجتهاد جماعي فما قولكم في هذه المجامع الفقهية، وما قوة قراراتها من الناحية الشرعية، أفيدونا؟ الجواب: الاجتهاد الجماعي الذي تمارسه مجامع الفقه الإسلامي المعاصرة، يُعدُّ مَعْلَماً من معالم مسيرة الفقه الإسلامي في العصر الحاضر، ولا شك أن وجود هذه المجامع وصدور الآراء الفقهية الجماعية عنها يعطي قوةً للفقه الإسلامي، وخاصة أن المجامع الفقهية تتصدى لكثير من النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة، وهذا يجعل الفقه الإسلامي قادراً على مواجهة تطور الحياة العصرية. ولا شك أن الاجتهاد الجماعي الذي تمثله المجامع الفقهية، مقدمٌ على الاجتهاد الفردي الذي يصدر عن أفراد الفقهاء، فهو أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيه تحقيقاً لمبدأ الشورى في الاجتهاد، وهو مبدأ أصيل في تاريخ الفقه الإسلامي، فقد روى ميمون بن مهران: (أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر، كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاءً، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا. فإن أعياه أن يجد فيه سنةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمع

رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمرٍ قضى به ... ) سنن الدارمي 1/ 40. وروى الإمام النسائي في باب الحكم باتفاق أهل العلم بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أكثروا على عبد الله - ابن مسعود - ذات يوم فقال عبد الله: إنه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هنالك ثم إن الله عز وجل قدر علينا أن بلغنا ما ترون فمن عرض له منكم قضاءٌ بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله فإن جاء أمرٌ ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم فإن جاء أمرٌ ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم فليقض بما قضى به الصالحون فإن جاء أمرٌ ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم ولا قضى به الصالحون فليجتهد رأيه ولا يقول إني أخاف وإني أخاف، فإن الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمورٌ مشتبهات، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. قال أبو عبد الرحمن - النسائي- هذا الحديث جيد جيد. ثم روى النسائي بإسناده عن شريح أنه كتب إلى عمر رضي الله عنه يسأله، فكتب إليه: أن اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله، فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقض به الصالحون، فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيراً لك والسلام عليكم] سنن النسائي 8/ 230. وروى البيهقي عن ميمون بن مهران أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكر رضي

الله عنه فيه قضاء، فإن وجد أبا بكر رضي الله عنه قد قضى فيه بقضاء قضى به، وإلا دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم، فاستشارهم فإذا اجتمعوا على الأمر قضى بينهم. السنن الكبرى 10/ 114. وقال الإمام الجويني: [والمعتقد أنه لا يفرضُ وقوعُ واقعةٍ مع بقاءِ الشريعة بين ظهراني حملتها إلا وفي الشريعة مستمسكٌ بحكم الله فيها. والدليل القاطع على ذلك أَن أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم استقصَوْا النظرَ في الوقائع والفتاوىَ والأَقضية، فكانوا يعرضونها على كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوا فيها متعَلَّقاً، راجعوا سُنَنَ المصطفى عليه الصلاة والسلام، فإن لم يجدوا فيها شفاءً، اشتوروا، واجتهدوا، وعلى ذلك درجوا في تمادي دهرِهم، إِلى انقراض عصرهم، ثم استنَّ مَن بعدهم بسنتهم] غياث الأمم. وقد ذكر ابن الجوزي في حوادث سنة سبع وثمانين للهجرة أن عمر بن عبد العزيز ولي المدينة فقدم والياً في ربيع الأول وهو ابن خمس وعشرين سنة، فقدم على ثلاثين بعيراً، فنزل دار مروان، فلما صلى الظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خثيمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد، فدخلوا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، ما أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً استعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحَرِّجُ على من بلغه ذلك إلا بلغني، فجزوه خيراً وانصرفوا. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 6/ 278.

وقال العلامة ابن القيم: [ ... ولهذا كان من سداد الرأي وإصابته أن يكون شورى بين أهله ولا ينفرد به واحد وقد مدح الله سبحانه المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس عنده فيها نصٌ عن الله ولا عن رسوله، جمع لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعلها شورى بينهم. قال البخاري حدثنا سنيد حدثنا يزيد عن العوام بن حوشب عن المسيب بن رافع قال كان إذا جاءه الشيء من القضاء ليس في الكتاب ولا في السنة سمَّى صوافي الأمر فرفع إليهم فجمع له أهل العلم فإذا اجتمع عليه رأيهم فهو الحق. وقال محمد بن سليمان الباغندي حدثنا عبد الرحمن بن يونس حدثنا عمر بن أيوب أخبرنا عيسى بن المسيب عن عامر عن شريح القاضي قال: قال لي عمر بن الخطاب أن اقض بما استبان لك من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم تعلم كل أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين، فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين، فاجتهد رأيك واستشر أهل العلم والصلاح] إعلام الموقعين 2/ 156 - 157. ومن أهمية الاجتهاد الجماعي في عصرنا الحاضر أنه أقدر على تقديم الحلول للمشكلات المعاصرة، وهذا الأمر جِدُ ظاهرٍ من خلال قرارات المجامع الفقهية التي عالجت كثيراً من القضايا الفقهية المعاصرة، مثل قضايا البنوك الإسلامية والتأمين التعاوني والقضايا الطبية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وتأسيساً على ما سبق فإن القرارات التي تصدر عن المجامع الفقهية والهيئات العلمية المعتبرة، ينبغي أن تقدم على الآراء الفردية، وهذا من ضمن أسس منهجي الذي أسير عليه في هذه السلسلة المباركة - سلسلة يسألونك - فإني أعتدُّ كثيراً بما تصدره المجامع الفقهية، وأعتمد عليه في هذه الفتاوى، لأنها أكثر

دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيها تحقيقاً لمبدأ الشورى في الاجتهاد كما ذكرت سابقاً. ولا بد أن أذكر هنا هذه المجامع الفقهية والهيئات العلمية المعتبرة: أولاً: مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومقره في جدة بالمملكة العربية السعودية، وهو أهم المجامع الفقهية وأنشطها. وأعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة من فقهية وثقافية وعلمية واقتصادية من أنحاء العالم الإسلامي. ثانياً: المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ومقره في مكة المكرمة. وهو عبارة عن هيئة علمية إسلامية ذات شخصية اعتبارية مستقلة، داخل إطار رابطة العالم الإسلامي، مكونة من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها. ثالثاً: هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وهي هيئة علمية تتكون من كبار العلماء في المملكة العربية السعودية المتخصصين في الشريعة الإسلامية وهي أكبر هيئة علمية في المملكة. رابعاً: مجمع الفقه الإسلامي في الهند أنشأ سنة 1989م تحت إشراف كبار علماء الهند المسلمين. خامساً: مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا وهو مؤسسة علمية تتكون من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها. سادساً: المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ويتكون من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها. سابعاً: مجمع البحوث الإسلامية وقد أنشأ في الأزهر سنة 1961م برئاسة شيخ الأزهر.

تركيب برج اتصالات على مئذنة المسجد

وخلاصة الأمر أن عمل المجامع الفقهية عمل مبارك ويقدم خدمة جليلة للفقه الإسلامي، وما يصدر عن المجامع الفقهية من قرارات لا يعتبر في حكم الإجماع الأصولي، ولكن قرارات هذه المجامع مقدمة على اجتهادات أفراد العلماء. - - - تركيب برج اتصالات على مئذنة المسجد يقول السائل: ما حكم تركيب برجٍ للاتصالات فوق مئذنة المسجد، لأن مئذنة المسجد هي أعلى مبنى في بلدتنا، أفيدونا؟ الجواب: لا بد أولاً من التأكيد أن المساجد لها وضعية خاصة في دين الإسلام، ولا يجوز أن نتعامل مع المساجد كتعاملنا مع أي مبنى آخر، لأن المساجد بيوت الله عز وجل، قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} سورة النور الآيتان36 - 37. والبيوت المذكورة في الآية الكريمة هي المساجد، كما قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري ورجحه القرطبي في تفسيره 12/ 265، وقد قرر أهل العلم أن الأصل في المساجد أنها تبنى لذكر الله تعالى وإقامة الصلاة، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدا} سورة الجن الآية 18، والمساجد لها أحكام خاصة بها وآداب لا بد من المحافظة عليها كي تبقى للمسجد هيبته وحرمته في نفوس المسلمين، لذا يمنع المسلم من فعل أمور كثيرة في المساجد مع أنه يجوز فعلها خارج

المساجد، وقد ثبت في الحديث عن بريدة رضي الله عنه (أن رجلاً نشد في المسجد - أي طلب ضالةً له - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بُنيت له) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [في هذين الحديثين فوائد منها: النهي عن نشد الضالة في المسجد، ويُلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد ... وقوله صلى الله عليه وسلم (إنما بنيت المساجد لما بُنيت له) معناه لذكر الله والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها] شرح النووي على مسلم 2/ 215. وقال الإمام القرطبي بعد أن ذكر حديث بريدة السابق: [وهذا يدل على أن الأصل ألا يعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن. وكذا جاء مفسراً من حديث أنس قال: (بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه دعوه. فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن) ... وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوت رجلٍ في المسجد فقال: ما هذا الصوت؟ أتدري أين أنت!] تفسير القرطبي 12/ 269. ونقل العينى عن المحب الطبري قوله: [إن الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص] عمدة القاري 6/ 270. وهذه النصوص والآثار وغيرها تدل على أن المسجد له أحكامه الخاصة التي تميزه عن المباني الأخرى، ومئذنة المسجد رمز للمسجد ومن معالم المسجد الهامة، فلا ينظر إليها كمبنى مرتفع فقط، وإنما هي منارة وشعار ينطلق منها الأذان المعلن بعقيدة التوحيد، ومن

القواعد المقررة شرعاً وجوب تعظيم شعائر الله، يقول الله تعالى: {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32. ويقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} سورة الحج الآية 30. قال الإمام القرطبي: [{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم ... فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك ... ] تفسير القرطبي 12/ 56. ولا شك أن المساجد داخلة في عموم شعائر الله. إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز تركيب برجٍ للاتصالات فوق مئذنة المسجد، لأن ذلك يتنافى مع تعظيم المسجد كما قررت سابقاً، وفيه إخلالٌ بوقار المساجد وإهدارٌ لهيبة بيوت الله وإضعافها في نفوس الناس فوق ما هي ضعيفة مع الأسف. ويضاف إلى ذلك أن أبراج الاتصالات لا تخلو من ضررٍ صحيٍ على جمهور الناس المجاورين للمسجد ومن حولهم، صحيحٌ أن هنالك عدمَ وضوحٍ في مسألة أضرار أبراج الاتصالات إلى الآن، فهنالك من العلماء المختصين من أثبت ضررها على صحة الإنسان وهنالك من نفاه، ولكن هنالك [بعض الدراسات العلمية التي تناولت تأثير أبراج الاتصالات الخلوية على صحة الإنسان، لما تصدره من إشارات كهرومغناطيسية ذبذباتها عالية جداً وتحتاج إلى طاقة عالية، وبعد فترات طويلة، فإن قربها من الناس قد يكون له أضرار صحية، وقد تساهم في تطوير أمراض سرطانية على المدى البعيد، وحيث إن منظمة الصحة العالمية قد حددت شروطاً لاختيار أماكن إنشاء أبراج الاتصالات منها: ألا يكون البرج داخل منطقة سكنية أو بالقرب من مدارس الطلاب.

وهذا مؤشر على وجود الضرر من أبراج الاتصالات، وبمناقشة الادعاءات القائلة بعدم وجود دليل مادي على أن هنالك مخاطر لهذه الأبراج، نقول إنه لا يوجد في الدول النامية من العلم والخبرة أكثر مما هو متوفر لدى منظمة الصحة العالمية التي اشترطت إنشاء الأبراج خارج المناطق السكنية، لأن خطورتها تتمثل في الذبذبات والترددات التي تنبعث منها مما يؤكد وجود علاقة بين تلك الأبراج وبعض الأمراض الخطيرة، فهذه الموجات لها تأثير كبير على الجهاز العصبي وخلايا المخ وأمراض الأذن والقلب وألم الرأس وغيرها، ولقد أشارت بعض الأبحاث الحديثة إلى أن كثرة استخدام الهاتف النقال يؤدى إلى اضطرابات في السمع وخلل في الجهاز العصبي، فما بالكم بمحطات التقوية والأبراج التي تعتبر المصدر الرئيس المغذي لهذه الموجات والذبذبات. وبهذا الخصوص أعدت منظمة الصحة العالمية دراسات حول تأثيرات الإشعاعات المنبعثة عن أبراج الاتصالات على سلامة الإنسان والتي تؤكد أن الأبراج والهواتف النقالة تصدر أشعة (غاما) التي تعد إحدى المسببات الخطرة لأمراض السرطان خصوصاً إذا لم تلتزم بشروط السلامة الصحية] وورد في بعض الدراسات أن بعض المتخصصين بينوا مخاطر أبراج الاتصالات على المدى البعيد وليس المباشر مما ينذر بخطر يشمل كل أهالي الذين هم على مقربة أو تماس مباشر بالبرج الذي يسبب تلوثاً كهرومغناطيسيا يؤدي للإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة. بل وقد يتسبب البرج بعدد من المشاكل لمرضى القلب حيث يؤثر على عمل أجهزة تنظيم دقات القلب، كما يؤثر بشكل سلبي على القدرة العامة للأفراد حيث يتسبب بالخمول والشعور المستمر بالتعب والإرهاق كما أن له تأثيرات مستقبلية على المدى البعيد وبالخصوص على الأطفال فقد أثبتت إحدى الدراسات الحديثة

أوردها أحد المعاهد البريطانية المختصة ببحوث السرطان أن الإشعاعات الناتجة عن أبراج نقل الكهرباء أو الهاتف تسبب تلوثاً كهرومغناطيسيا غير مرئي يسبب سرطان الدم والعديد من الأمراض الخطيرة الجسدية والنفسية والتي قد تتدرج في الظهور على مراحل، كما أنها تسبب حالات من الإرهاق والقلق والتوتر والأرق وتأثيرها على المدى البعيد بالنسبة للأطفال كما ويعتقد أنها تسبب سرطان الدم (اللوكيميا) وسرطان الثدي لدى النساء وأمراض الجهاز العصبي المركزي ومنها الزهايمر، ومن الآثار السلبية للترددات الصادرة عن محطات الهاتف المحمول الحرارة المستحثة الناتجة من جراء التعرض لمجال راديوي قد تسبب نقصاً في القدرة البدنية والذهنية وتؤثر في تطور ونمو الجنين وقد تحدث عيوباً خلقية وتؤثر في خصوبة النساء، كما أن لها تأثيراً على الخلية وتفاعلاتها الكيميائية في جسم الإنسان ونسبة السوائل في الجسم ويعد وجود برج للجوال أو أعمدة للأسلاك الكهربائية بالقرب من المنازل أمراً خطيراً ويسبب الضرر وقد أثبتت العديد من الدراسات والمنظمات الطبية والبيئية ذلك، وهناك قائمة طويلة من الأعراض والأمراض المتهمة بها هذه الأشعة] عن شبكة الإنترنت بتصرف. ومن المعلوم أن شريعتنا الإسلامية قد منعت إلحاق الضرر بالناس، فقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250، وفي إرواء الغليل 3/ 408. وقد أخذ الفقهاء من الحديث السابق القاعدة الفقهية الكلية (لا ضر ولا ضرار): ومعناها أن الفعل الضار محرم، وقد تفرع على القاعدة السابقة أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح. ورد في شرح المادة رقم 30 من مجلة الأحكام العدلية [درء المفاسد أولى من جلب

المنافع، أي إذا تعارضت مفسدة ومصلحة، يقدم دفع المفسدة على جلب المصلحة، فإذا أراد شخص مباشرة عمل ينتج منفعةً له ولكنه من الجهة الأخرى يستلزم ضرراً مساوياً لتلك المنفعة أو أكبر منها يلحق بالآخرين، فيجب أن يقلع عن إجراء ذلك العمل درءً للمفسدة المقدم دفعها على جلب المنفعة، لأن الشرع اعتنى بالمنهيات أكثر من اعتنائه بالمأمور بها] درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1/ 41، فالمفاسد المترتبة على تركيب أبراج الاتصالات على مئذنة المسجد بعضها متحقق وبعضها متوقع وما كان كذلك فدفعه مقدم على جلب المصالح. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً تركب برج اتصالات على مئذنة المسجد، لأن ذلك يتنافى مع تعظيم بيوت الله عز وجل، ويجب أن تصان المساجد عن مثل هذه الأمور. ولأنه لم يثبت إلى الآن انتفاء الأضرار الصحية لأبراج الاتصالات. - - -

حكم عملية ربط المعدة

حكم عملية ربط المعدة يقول السائل: إنه يعاني من زيادة الوزن المفرطة مما سبب له مشكلات صحية كثيرة، وقد استعمل عدة وسائل لتخفيف الوزن بدون فائدة وقد نصحه بعض الأطباء بعملية ربط للمعدة، فهل هذا الأمر جائز شرعاً، أفيدونا؟ الجواب: شرع الإسلام التداوي، فإذا مرض الإنسان أو طرأ عليه ما يخل بصحته كالسمنة المفرطة فعليه أن يعالج ما يعرض لصحته من عوارض، وقد دلت نصوصٌ كثيرةٌ على جواز التداوي، منها ما جاء في حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: (نعم عباد الله، تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحداً، قالوا يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وغيرهم، وقال العلامة الألباني: حديث صحيح كما في صحيح سنن أبي داود حديث رقم 3264. وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أنزل الله من داء، إلا أنزل له شفاء) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله) رواه مسلم. وغير ذلك من النصوص. ولا شك أنه يترتب على السمنة المفرطة أضرار صحية كثيرة، لذا فإن علاج السمنة المفرطة داخل تحت عموم النصوص التي تدل على جواز التداوي، وهنالك وسائل ينبغي لمن كانت عنده سمنة مفرطة أن يستعملها قبل اللجوء إلى عملية ربط المعدة، ومن أهمها تقليل الطعام والشراب، فكثرة الطعام والشراب من الأسباب الرئيسة للسمنة المفرطة، وقد وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقليل منهما، بل ذكر أن كثرة الطعام من الشرور، كما ورد

في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما ملأ آدميٌ وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يُقْمنَ صُلْبَهُ، فإن كان لا محالة، فثلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنَفَسِه) رواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم، وقال العلامة الألباني: صحيح. سلسلة الأحاديث الصحيحة، حديث رقم 2265. وورد في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عظيم البطن فقال بإصبعه لو كان هذا في غير هذا لكان خيراً لك) رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. وقال الشيخ الساعاتي: [لو كان العظم في غير البطن من أعضائه ... كان خيراً لأن عظم البطن يثقل الرجل ويضره ولا يفيده لأنه ينشأ عن كثرة الأكل وكثرة الأكل مذمومة فكأنه صلى الله عليه وسلم يحثه على التقليل من الأكل والشرب لأنه أصح للبدن) الفتح الرباني 17/ 218. ومن الوسائل التي تعين على تخفيف السمنة، المداومة على الصوم، كصيام الاثنين والخميس وغيرهما من الأيام كما ورد في الحديث عن ربيعة بن الغاز أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان يتحرى صيام الاثنين والخميس) رواه ابن ماجة وابن خزيمة وغيرهما وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 1414. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد، والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء، والخميس) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. ومن الوسائل المعينة على التخلص من السمنة المفرطة ممارسة الرياضة، وخاصة رياضة المشي.

فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير) رواه مسلم. إذا تقرر هذا، فإن عملية ربط المعدة وهي عملية تجرى لتصغير المعدة، تجوز إذا استنفذت الوسائل الأخرى لعلاج السمنة المفرطة التي أشرت إليها، فحينئذ تكون هنالك حاجةٌ ماسةٌ لإجراء هذه العملية، ولا بد من تحقق الضوابط والشروط الشرعية المقررة لجواز العمليات الجراحية بشكل عام وهي: [ الشرط الأول: أن تكون الجراحة مشروعة: فلا يجوز للمريض أن يطلب فعل الجراحة ولا للطبيب أن يجيبه إلا بعد أن تكون تلك الجراحة مأذوناً بفعلها شرعاً، لأن الجسد ملك لله رب السماوات والأرض وما فيهن (فلا يجوز للإنسان أن يتصرف فيه إلا بإذن المالك الحقيقي. الشرط الثاني: أن يكون المريض محتاجاً إلى الجراحة: أي بأن يخاف على نفسه الهلاك أو تلف عضو من أعضاء جسده أو دون ذلك كتخفيف الألم. الشرط الثالث: أن يأذن المريض أو وليه بفعل الجراحة: فإذا رفض المريض ولو كان يتألم فلا يجوز للطبيب أن يجري الجراحة حتى يأذن له. الشرط الرابع: أن تتوفر الأهلية في الطبيب الجراح: ويتحقق هذا الشرط بوجود أمرين: أن يكون ذا علم وبصيرة بالعملية المطلوبة، وأن يكون قادراً على تطبيقها وأدائها على الوجه المطلوب، فلو كان جاهلاً بالكلية كأن تكون خارجة عن اختصاصه أو جاهلاً ببعضها فإنه يحرم عليه فعلها، ويعتبر إقدامه عليها في حال جهله بمثابة الجاني المعتدي على الجسم المحرم بالقطع والجرح. وهنا لا بد من استشارة الأطباء الأخصائيين الثقات قبل القيام بعملية ربط المعدة.

الشرط الخامس: أن يغلب على ظن الطبيب الجراح نجاح الجراحة: بمعنى أن تكون نسبة نجاح العملية ونجاة المريض من أخطارها أكبر من نسبة عدم نجاحها وهلاكه، فإذا غلب على ظنه هلاك المريض بسببها فإنه لا يجوز له فعلها. الشرط السادس: ألا يوجد البديل الذي هو أخف ضرراً من الجراحة: كالعقاقير والأدوية، فإن وجد البديل لزم المصير إليه صيانة لأرواح الناس وأجسادهم حتى لا تتعرض لأخطار الجراحة وأضرارها ومتاعبها كالقرحة الهضمية في بدايته يتم علاجه بالعقاقير والتي ثبت مؤخراً تأثيرها على القرحة وأنها أنجح العلاجات وأفيدها. وقد أشرت لبدائل عملية ربط المعدة. أما إذا كان الدواء أشد خطراً وضرراً ولا ينفع في علاج الداء أو زواله فإنه لا يعتبر موجباً للصرف عن فعل الجراحة كبعض الأمراض العصبية حيث يمكن علاج المريض بالعقاقير المهدئة لكنها لا تنفع في زوال الداء وقد تسبب الإدمان فوجود البديل على هذا الوجه وعدمه سواء. وهنا لا بد من التأكيد أنه إذا ترتب ضرر أكبر على عملية ربط المعدة فتحرم حينئذٍ لقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} سورة البقرة الآية 195، ولقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيما} سورة النساء الآية 29. الشرط السابع: أن تترتب المصلحة على فعل الجراحة: إنما شرعت الجراحة لمصلحة الأجساد ودفع ضرر الأسقام عنها فإذا انتفت تلك المصالح وكانت ضرراً محضاً، فإنه حينئذ ينتفي السبب الموجب للترخيص بفعلها شرعاً وتبقى على أصل الحرمة، ومثال على هذا جراحة إزالة الثآليل بالقطع أو الكت الجراحي فقد ثبت طبياً أن الثآليل لا تزول بالعمل الجراحي، بل فعل القطع

والكحت ينتهي بالمصاب إلى عواقب وخيمة وأضرار منها العدوى الجرثومية وتندب موضع الجراحة. وينبغي في هذه المصلحة أن تكون من جنس المصالح التي شهد الشرع باعتبارها وأنها مصلحة مقصودة، أما المبنية على الهوى كجراحة تغيير الجنس فلا يجوز فعلها لعدم اعتبار الشرع لها. الشرط الثامن: أن لا يترتب على فعلها ضرر أكبر من ضرر المرض: كجراحة التحدب الظهري الحاد فالغالب فيها أنها تنتهي بالشلل النصفي، فعلى الطبيب أن يقارن بين نتائج ومفاسد الجراحة ومفاسد المرض، فإن كانت المفاسد التي تترتب على الجراحة أكبر من المفاسد الموجودة في المرض حرمت الجراحة، لأن الشريعة لا تجيز الضرر بمثله أو بما هو أشد، وأما إذا كان العكس فتجوز] الوجيز في أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها بتصرف يسير، وانظر للتوسع أحكام الجراحة الطبية للدكتور محمد الشنقيطي ص 104 - 125. وخلاصة الأمر أن عملية ربط المعدة جائزةٌ شرعاً، إذا استنفذت الوسائل الأخرى لعلاج السمنة المفرطة، ضمن الشروط الشرعية المقررة لأحكام الجراحة الطبية. - - - تمَّ الكتاب بحمد الله تعالى

الأعمال العلمية للمؤلف الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة

الأعمال العلمية للمؤلف الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة 1. الحقيقة والمجاز في الكتاب والسنة وعلاقتهما بالأحكام الشرعية (رسالة الماجستير) 2. بيان معاني البديع في أصول الفقه (رسالة الدكتوراه) 3. الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية (كتاب) 4. أحكام العقيقة في الشريعة الإسلامية (كتاب) 5. يسألونك الجزء الأول (كتاب) 6. يسألونك الجزء الثاني (كتاب) 7. بيع المرابحة للآمر بالشراء على ضوء تجربة شركة بيت المال الفلسطيني العربي (كتاب) 8. صلاة الغائب دراسة فقهية مقارنة (كتاب) 9. يسألونك الجزء الثالث (كتاب) 10. يسألونك الجزء الرابع (كتاب) 11. يسألونك الجزء الخامس (كتاب) 12. المفصل في أحكام الأضحية (كتاب) 13. شرح الورقات في أصول الفقه لجلال الدين المحلي (دراسة وتعليق وتحقيق) 14. فهارس مخطوطات مؤسسة إحياء التراث الإسلامي ج1 15. الفتاوى الشرعية (1) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) 16. الفتاوى الشرعية (2) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي)

17. الشيخ العلامة مرعي الكرمي وكتابه دليل الطالب (بحث) 18. الزواج المبكر (بحث) 19. الإجهاض (بحث) 20. مسائل مهمات في فقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات (كتاب) 21. مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة للعلامة المحدث الألباني (كتاب) 22. إتباع لا ابتداع (كتاب) 23. بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود للغزي التمرتاشي (دراسة وتعليق وتحقيق) 24. يسألونك الجزء السادس (كتاب) 25. رسالة إنقاذ الهالكين للعلامة محمد البركوي (دراسة وتعليق وتحقيق) 26. الخصال المكفرة للذنوب (يتضمن تحقيق مخطوط للخطيب الشربيني) (كتاب) 27. أحاديث الطائفة الظاهرة وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (كتاب) 28. التنجيم (بحث بالاشتراك) 29. الحسابات الفلكية (بحث بالاشتراك) 30. يسألونك الجزء السابع (كتاب) 31. المفصل في أحكام العقيقة (كتاب) 32. يسألونك الجزء الثامن (كتاب) 33. يسألونك الجزء التاسع (كتاب) 34. فهرس المخطوطات المصورة ج 2 (الفقه الشافعي) (كتاب) 35. فقه التاجر المسلم وآدابه (كتاب)

وقد ترجم الكتاب إلى اللغة التركية الدكتور ثروت بايندر من جامعة إستنبول 36. يسألونك الجزء العاشر (كتاب) 37. يسألونك الجزء الحادي عشر (كتاب) 38. يسألونك عن الزكاة (كتاب) 39. يسألونك الجزء الثاني عشر (كتاب) 40.فهرس المخطوطات المصورة ج 3 (الفقه الحنفي) (كتاب) 41. يسألونك عن رمضان (كتاب) 42. يسألونك الجزء الثالث عشر (كتاب) 43. فهرس المخطوطات المصورة ج 4 (الحديث النبوي) (كتاب) 44. بيع المرابحة المركبة كما تجريه المصارف الإسلامية في فلسطين (بحث) 45. يسألونك عن المعاملات المالية المعاصرة الجزء الأول (كتاب) 46. يسألونك الجزء الرابع عشر (هذا الكتاب) موقع الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة على شبكة الإنترنت: www.yasaloonak.net وعنوان البريد الإلكتروني: [email protected] أو: [email protected]

§1/1