فتاوى قاضي الجماعة ابن سراج الأندلسي

ابن سراج الأندلسي

الطهارة

الطهارة طهارة ما تخلل من الخمر سئل عن خمر تَخَلَّلَ بنفسه في آنيته التي جُعل فيها، وهو يبلغ منها إلى النصف. فهل هذا الخل طاهرٌ أم لا؟ وهل ما علا الخلَّ من الخابيةِ طاهرٌ أم لا؟ فأجاب: إن الخمر التي تخللتْ تطهرُ باتفاقٍ، هي وما يحاذيها من الآنية ويجوز الانتفاع بخلّها. لكن يُثقب أسفل الإناء ويُخرج الخل منه، ولا يخرج من أعلاها لأنه نجس فيمر فيه بعض الخل وينحدر إلى الإسفل فينجسه. وأما الشقف الأعلى فإن كان مزجَّجاً فيبالَغُ في غسله، وإن كان غير مزجَّجٍ فلا يكفيه ذلك، بل إذا بُولِغ في غسله جُعل فيه الماء وتُرك مدةً ثم يُراق، ثم يُجعل مرة أخرى ويُترك فيه مدةً ويُراق، ولا يزال يفعل

طهارة آنية الخمر

هكذا حتى يخرج الماء صافياً لا تغير فيه، ويطهر على الراجح من الخلاف فيه طهارة آنية الخمر وسئل عن آنية الخمر، هل تطهر أم لا؟ فأجاب: إن كانت من حديدٍ أو من نحاسٍ أو من فخار مزجج، فإنَّها إذا غُسلت بالماء يُنتفع بها في كل شيءٍ من خلٍّ وغيره، وأما إن كانت من فخار غير مزجج فتُغسل ويُنتفَعُ بها في اليابسات، يجعل فها دقيقٌ أو قمح أو غير ذلك. وأما الأشياءُ المائعاتُ من ماء أو زيتٍ أو خل فلا يُجعلُ فيها حتى يُغلَّى فيها الماءُ فذلك تطهيرها؛ وأما بمجرد الماء من غير تغليةٍ فلا، ويظهر - والله أعلم - أنه إذا أوقد النارَ وجُعلت عليه حتى حميت وانحلَّ كلُّ ما فيها من زفت، واحترق حتى ذهب وصب الماء فيها وهي محميةٌ، إن ذلك يقوم مقام تغليةِ الماءِ فيها. الانتفاع بآنية الخمر وسئل هل يجوز الانتفاع بآنية الخمر إذا تخلَّلَ الخمرُ فيها من غير صنيع آدمي فيها أم لا؟ فأجاب: أما ما يحاذي الخمر من الشقف فإنه يطهر، وما يكون أعلى

الزيت تقع فيه الفأرة

وكانت الخمر قد لاقته فإن كان مزججاً أو حديداً غسل غسلاً جيداً ويجعل فيها الماء ويبقى فيه مدة ويُراق، ثم يعمل له ذلك مراراً، فإذا ظهر أنه لا يخرج في الماء أثَرٌ طهر. الزيت تقع فيه الفأرة وسئل عن الزيت تقع فيه الفأرة؟ فأجاب: المشهور في الزيت النجس أنه لا يطهر بالغسل. وقيل: إنه يطهر به، ويجوز بيعه إذا طهر بعد التبيين وهذا القول له وجه، فمن قلده لم يعترض. وكيفية الغسل: أن يُجعل في إناء؛ قصرية أو ظرف أو غيرهما، ويصب عليه الماء. وإن كان معقوداً في زمن الشتاء كان الماء سخناً، ويُمزج بالماء حتى يختلط ثم يترك حتى يرتفع الزيت ويؤخذ من الماء، ويُجعل في إناءٍ آخر، ويُفعل له ذلك ثلاث مرات فأكثر ثم يُنتفع به، وكما تقدم.

التقاء الختانين في النوم

التقاء الختانين في النوم وسئل: في حكم التقاء الخِتَانين في النوم؟ فأجاب: التقاء الختانين إنما يُعتبر في اليقظة، أما في النوم فلا، فإذا رآه الإنسان في النوم ثم استيقظ، فإذا رأى احتلاماً وجب عليه الغُسْلُ، وإن لم يجد شيئاً ولم يخرج منه شيء فلا شيء عليه، ولو رأى أنه أنزل الماء الدافق في نومه.

الصلاة

الصلاة الانحراف عن القبلة وسئل: عن مسألة إمام كبير يؤم الناسَ بالمسجد الأعظم من ذلك القطر، وينحرف بداخل المحراب لجهة المشرق انحرافاً كثيراً، مع أنَّ المحرابَ على خمسة وأربعين جزءاً، كما هي أكثر المحاريب بمساجد الأندلس، فهل يسوغ ذلك - يا سيدي - للإمام ويلزم المأمومين اتباعُه في ذلك وينحرفون معه؟ أو لا يسوغ ذلك له؟ وعلى فرض جواز ذلك له هل يلزمهم اتباعه في ذلك وتصح صلاتهم؟ يبنوا لنا الحكمَ في ذلك كله بياناً شافياً مأجورين. والسلام الكريم يخص جلالكم العظيم ورحمة الله وبركاته. فأجاب بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. تصفحت السؤال أعلاه. والجواب، وبالله التوفيق: إنه لا ينبغي للإمام أن ينحرف الانحراف المسؤولَ عنه، لأن المحراب المنصوب بمصر كبير يعلم أن نصبه باجتماع كثير من الناس والعلماء، وذلك مما يدل على صحته ونصبه باجتهاد. وقد نص العلماء، رضيالله عنهم، أن المحاريب التي بالأقطار الكبار يصح تقليدها. ووجه آخر وهو أن قبلة المسجد المذكور، إن كانت كما ذكر، على خمسة وأربعين جزءاً في الربع الجنوبي الشرقي، فإنها إلى جهة الكعبة بلا إشكال، سواء استدللنا عليها بأدلة شرعية أو بطريق الآلات، ومن اختبر ذلك تبين له صحة ما ذكرته، ثم إن هذا الإمام لا يخلو إما أن يعترف بصحة قبلة

المسجد أو لا؟ فإن اعترف بصحته فلا معنى لانحرافه مع ما فيه من التنفير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: سَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا وإن زعم خللها فيبحث معه بما قرره العلماء في استخراج جهة القبلة، مع أنه يلزم على قوله، إن قال هذا، أن لا يجوز لمن لا ينحرف انحرافه أن يأتمَّ به، لأنَّ المصلّين إذا اختلفوا في القبلة لم يجز أن يأتمَّ بعضُهم ببعض. والسلام على من يقف عليه من محمد بن سراج وفقه الله انتهى.

رد ابن سراج على معارضة القرباقي لفتواه

رد ابن سراج على معارضة القرباقي لفتواه الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، تصفحت الاعتراض المكتوب قبل هذا على جوابي المكتوب قبله. والجواب وبالله التوفيق: أنه اختلف فيمن لم يعاين مكة، شرفها الله تعالى، هل يجب عليه استقبال القبلة؟ وهو المشهور في مذهبنا وهو مقتضى قول مالك في المجموعة، لأنه لما نقل فيها قول عمربن الخطاب رضيالله عنه: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه قبل البيت، قال مالك: وهو الأمر عندنا؛ وهو قول جمهور العلماء، والمشهور من مذهب الشافعية وهو قول أبي حنيفة وأحمدبن حنبل.

والقول الثاني أنه يجب طلب السمت وهو قول ابن القصار من علماء مذهب مالك، ومال إليه الباجي، وهو قول بعض علماء الشافعية، ورأى ابن القصار أن السمت يكون كما تسامت النجوم، وقد استشكل المازري القولَ بطلب السمت ورأى أنه لا يحصل بالجسم مع البعد، وإنما يكون بالأبصار، ورأى أنه لا ينبني على الخلاف فرع، فرأى أن القولين يرجعان إلى معنى واحد، فوجهُ القول باعتبار الجهة قوله صلى الله عليه وسلم: ما بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةً رواه الترمذي وصححه ونقله عن جماعة من الصحابة، منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب،

وابن عباس رضي الله عنهم ونقله الشيخ أبو عمر بن عبد البر عن ابن عباس أيضاً وابن الحنفية ونقل أبو عمر عن عثمان أنه قال: كيف يخطئ أحد صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة؟! وعن أحمد بن خالد قال في قول عمر ما بين المشرق والمغرب قبلة: في هذا سعة للناس أجمعين، قيل له: أنتم تقولون هذا في المدينة؟ قال: نحن وهم سواء، والسعة في القبلة للناس كلهم، قال: وهؤلاء المشرقون لا علم عندهم بسعة القبلة. ومما يدل على صحة طلب الجهة ما ثبت في الصحيح أن أهل قباء كانوا يصلّون فجاءهم آت وأخبرهم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن وأمر أن يستقبل الكعبة فاستداروا وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.

فبقاؤهم على صلاتهم دليل على أنهم بنوا على الجهة، لأن السمت يفتقر في طلبه إلى نظر وتأمل وصناعة هندسية. ومما يعضده من جهة النظر إجماع المسلمين على صحة صلاة الصفِّ المستطيل الذي يُقطع أن جرم الكعبة لا يوازيه، ومحل قول النبي صلى الله عليه وسلم ما بين المشرق والمغرب قبلة على العموم الذي هو مخصوص بقوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) يعني نحوه، فيخصص بمن تقع الكعبة من مكانه بين المشرق والمغرب، والسنة تخصص بالقرآن على حسب ما قاله أهل الأصول. ومما يدل على ذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الموطأ: مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إذَا تَوَجَّهَ قِبَلَ البَيْتِ. وقول ابن عمر في كتاب الترمذي: إذا جعلتَ المغربَ عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلةٌ إذا استقبلت القبلة، لكنه وإن كان مخصوصاً ففيه دليل على سعة القبلة. وقد أنكر غيرُ واحدٍ القولَ بطلب السمت لِتعذره وصعوبة التوصل إليه

وافتقاره لآلات هندسية لم يجىء الشرع بها، حتى قال فيه ابنُ العَرَبَي: إنه باطل قطعاً وحمله المازري على أن يكونَ بالأبصار لا بالأجسام. وإذا تقرر هذا فيقال: قد استقر عندنا أن مكة شرفها الله من بلادنا في الرُّبُع الجنوبي الشرقي، لأن المسافرين يستقبلون مطالع الشمس الجنوبية والكواكب الجنوبية في أكثر الطريق إذا توجهوا إليها، إلى غير ذلك من الأدلة التي لا يسع ذكرُهَا هنا، وحدُّ الربع الجنوبي الشرقي على ما تقرر عند العرب من مطلع النطح إلى خط الجنوب، وهو الخط الآخذ من القطب الشمالي إلى الجنوبي، وهو محل الشمس عند التوسط، ولهذا وقعت محاريب هذا القطر الأندلسي منصوبة إليه، وإن كانت مختلفة في التشريق والتغريب، ولكنها لا تخرج عنه جملة، فدلَّ على أن الأولين عولوا على الجهة، رحمهم الله، لكن لا ينبغي الميل كثيراً بحيث يتوقع الخروج منه لقوله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ وَالحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، الحديث وهذا من المشتبه.

وَأَمَّا الاسْتِدْلاَلُ بالآلات فلم يَرِدْ عن السلف الصالح، رضي الله عنهم، فلا يلزم الرجوع إليها، ولا يجوز أن تجعل حاكمة على الأدلة الشرعية وحسب من يستدلُّ بها أنْ يستخرجَ بها الجهةَ خاصةً، لأنه قد عُلم بالاستقراء صحةُ استخراج الجهة بها، وأما السمتُ فلم يرد الشرعُ بمراعاته فلا يُلتفت إليه، لأن السمتَ عند أهل الآلات هو أن يُقَدَّرَ أنْ لوْ وُضع خط مستقيمٌ من مكان الإنسان لوقع مقابلاً للكعبةِ والقائلون بطلب السمت من الفقهاء لا يضيقون هذا التضييق، وإنما يكفي عندهم المسامتة بالأبصار كما تسامت النجوم، وإن كانا يقربان من جهةِ المعنى، ولكن فيما قال أهلُ الآلة من التضييق ما ليس في كلام الفقهاء، وقد ذكرت ذا المعنى بأطولَ من هذا في غير هذا الموضع. هذا ما يتعلق بالمسألة من الفقه. وأما تتبع ألفاظ هذا المعترض فقوله: فيا ليت شعري أي المحاريب يقلد وأنت تشاهد من اختلافها الخ. . هذا كلام هائل ليس تحته طائل، فإنه قد تقرَّرَ حسبما تقدم أن محاريب قطرنا الأندلسي منصوبة كلها إلى جهة الربع الجنوبي الشرقي لا تتعداه، لكن سموتها مختلفة، وقد تقدم أن هذا بناء على القول المشهور من اعتبار الجهة. وقد نص القاضي أبو الحسن ابن القصَّار على أن المحرابَ الذي يعلم أن إمام المسلمين نصبَه أو اجتمع أهل البلد على نصبه أنَّ العالِمَ والعَامِّيَّ يُقلدانه، ولا أعلم أحداً خالفَ ابنَ القصار في هذا، وهو القائل بطلب السمت، فكيف غيره ممن هو يطلب الجهة؟ وقال ابن البنا: إنَّ المساجدَ التي بُنيت إلى الجهة على سموتٍ

مختلفةٍ صحيحة على ما بُنيت، لا يجوز تغييرُها، فإنها موافقة للاجتهاد، فصار البناءُ فيها حكماً واقعاً على وفق الاجتهاد لا يُنقض، وارتفع الخلاف فيه إجماعاً، وهذا كلام صحيح جار على الفقه والصواب، لأنها تدل على أن المتقدمين اعتبروا الجهة فصار نوعاً من إجماع عليها. وقال ابن العربي في مساجد الأمصار: هي باجتهادٍ ولكنه يتعاضد الأمر فيها ولا يعلم واضعها وهي مختلفة في التيامن والتياسر، وإن كانت لم تخرج عن السمت المتعارف مما بين المشرق والمغرب. وقد خُطَّ جامعُ قرطبة ووصل جماعة من الرفقاء الحجاج كَبَقِيّ بن مَخْلد ومحمدبن وضاح ووصل من أهل الصلاة جماعة ممن حجَّ وروى كيحيىبن يحيى وصلّوا القبلة ذاهبين وراجعين بإفريقية ومصر

والشام والحجاز والعراق، فما اعترضوا على جامعها بعيب سمته ولا حرفوا فيه، كم يصنع المتحذلقون اليوم، ولم يكن ذلك بجهل منهم بالحقيقة فالدين عندهم أمتن والعلم أوفر، ولكنهم رأوا الأمر متسعاً، أو عولوا على أن الجهةَ هي المقصودة، وعندنا بإشبيلية وبالأندلس مساجد لو انكشفت الجدران بينها وبيننا لرأيت أصلاً في. . . . آخر لكثرة التحريف، ثم قال: فإن أنتم عولتم على العين لم تفقدوا النصب والأين ولم تبلغوا إلى حيث ولا أين؛ انتهى. فهذا كلام هؤلاء الأئمة في المحاريب، ولم يُنقل عن أحد ممن يحتج بقوله خلاف، فقول المعترض: فيا ليت شعري أي المحاريب يقلد. . . الخ، لاخفاء بما فيه من عدم التحصيل. وقوله: لما أراد الحَكَم بن عبد الرحمن تحويل قبلة المسجد الخ، هو حجة عليه، لأن اتفاق أهل الحساب لا عبرة به لعدم ورود الشريعة المحمدية بطريقتهم في استخراج القبلة، ولأن موافقته للناس لما استعظموا القبلة لمخالفة ما درج عليه أسلافهم دليل واضح على أنها منصوبة بوجه يصح الاعتمادُ عليه. وقوله: ومن أغرب ما في جوابه قوله: وتقام عليه البراهين بالأدلة، ليت شعري مَنْ أهلُ البراهين على هذا، أهل الحساب أم غيرهم؟ الخ.

جوابه: أن هذا الكلام صرح بقلة معرفته. فإن الأدلة الشرعية وغيرها تعضد ما قلته. أما الأدلة الشرعية فقد تقدم أنَّ الاستقراء دَلَّ على أن الكعبة، شرفهاالله، تقع من أرض الأندلس في جهة الربع الجنوبي الشرقي، بدليل أن القطب الشمالي وبنات نعش تُرى في أرض الأندلس أرفع مما تُرى في مكة، وسُهيل يظهر من مكة ولا يُرى من أرض الأندلس إلا من بعضها كشلوبانية وسهيل وهو يظهر قريباً من الأرض جدّاً، حتى أن بعضهم قال: ليس بسهيل وإنما هو كوكب آخر أرفع منه شيئاً، فيدل هذا على أن مكة من أرض الأندلس في ناحية الجنوب وكون المتوجه لمكة يستقبل مطالع الشمس الجنوبية ومطالع الكواكب الجنوبية في أكثر الطريق دَليل على أنها منها بناحية المشرق، إلى غير ذلك من الأدلة. والربع الجنوبي الشرقي عند العرب، على ما ذكر أبو حنيفة الدينوري وهو من مطلع النطح إلى خط الجنوب، وهو الآخذ من أحد القطبين إلى الآخر وهو أيضاً من مطلع الشمس في يومي الاعتدال إلى خط الزوال، وهو خط الجنوب، وقد قال النبيصلى الله عليه وسلم: مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ فيؤخذ من هذا الحديث أن المشرق يتنزل في بلادنا على مطلع الشمس يوم الاعتدال، والمغرب على خط الجنوب لأنه الفاصل بين الربع الغربي الجنوبي والشرقي الجنوبي، وأنه عموم يراد به الخصوص يخصصه قوله تعالى: (ف ق ك ل م ن) يبين ذلك قول

عمر وابن عمر المتقدمين. فإذا تقرر هذا فيقال: إن القبلة التي تكون على وسط الربع صحيحة، كما ذكرته في الجواب، وإن خمسة وأربعين جزءاً في الربع المشار إليه هو على الوسط. وبيان صحتها: أنا إن اعتبرنا الجهة، على مقتضى المشهور، فقد حصلت بلا إشكال، لا سيما وقد نص بعض أهل الحكمة، ومنهم الغزالي على أن الإنسان إذا استقبل بنظره جهة أنه يرى بالعينين معاً ربع الدائرة، وإن قلنا بالقول الشاذ، وهو اعتبار السمت، فالغالب أنه يحصل مع استقبال الوسط، لأن الذين قالوا بالسمت رأوا أنه كما تسامت النجوم، وعلى هذا قد تحصل مع وسط الربع، والله أعلم، لأن الدائرة إذا عظمت كثر المسامتون لمركزها. وجه آخر أيضاً مما يدل على صحة الوسط: ما ذكر الشيخ أبو عمربن عبد البر وابن العربي، واللفظ لأبي عمر، عن أحمدبن حنبل أنه قال: هذا المشرق، وأشار بيساره، وهذا المغرب، وأشار بيمينه، وهذه القبلة فيما بينهما. إلا أنه ينبغي أن يُتحرَّى الوسط. وأما من جهة الآلات فإن أعمال أربابها تقتضي أنها متفقة على أنها من قطرنا في الربع الجنوبي الشرقي، وذلك أني أذكر لهم في ذلك ثلاثة أقوال:

الأول: أنه ينبني على استخراج الطول والعرض بشكل هندسي لا يسع ذكره هنا يخط خطاً من نقطة عرض الموضع الذي يريد إلى عرض مكة على استقامة وتخرج على استقامة في الربع الآخر، أشار إلى هذا الغزالي في كتاب الإحياء وقاله ابن جمهور، وابن حسان عمله لأمير المؤمنين المنصور بمراكش، وأمر المنصور برفعه للخزانة وهو يتضمن صحة ما عمله الموحدون من نصبهم القبلة بمراكش على وسط الجنوب بتقريب، وهذا العمل بمدينتنا غرناطة يخرج القبلة على وسط الجنوب بتقريب. القول الآخر: قول ابن الزبير في رسالته: إن الكعبة على ثلاثة عشر جزءاً من الربع الجنوبي بنسبة أرضنا، بناءً منه على أن طول مكة سبع وستون درجة، وهو معْتَرَضٌ. القول الثالث: إنها تكون من قطرنا على ست درجات أو سبع بتقريب، بناء على أن طول مكة سبع وسبعون، وهذا هو الصحيح على ما قاله ابن جمهور وغيره من أهل هذا الشأن، ومن نظر إلى كتبهم الموضوعة في أطوال البلدان تبين له أن الأكثر على أن طول مكة سبع وسبعون، حتى رأيت بعض المحققين منهم نسب الغلط إلى قول من قال: إنه سبع وستون، ورأى أنه تصحيف وأن العين اختلت من عز فظن الناسخ أنه صاد وأنه صز. فإذا تقرر هذا فيقال: قد تبين أن المشهور اعتبار الجهة، وهي تحصل على هذه الأقوال باعتبار الوسط وكذلك يمكن أن يكون على القول باعتبار المسامتة كما تسامت النجوم، ولا يجب الالتفات للسمت المطلوب عند أهل الآلة باتفاق كما تقدم، وكذلك قول شراح قصيدة الهاشمي تقتضي صحة الوسط، لأن الشمس تطلع في نصف كانون الأول، وهو دجنبر، على أربع وعشرين درجة، وهو آخر الميل الكلي في جهة الجنوب ومن المعلوم أن مستقبل وسط الربع تستقبله سواء استقبلها باعتبار الجهة أو بالسمت كما تسامت النجوم، وكذلك قول ابن العربي في الأحكام يقتضي صحته أيضاً، لأنه إذا استقبل طلوع الشمس في نصف دجنبر ومال منها إلى المشرق بنحو ذراع حصل صحة الوسط في استخراج الجهة والسمت كما تسامت النجوم.

وقد تبين من هذا جهالة المعترض بهذه الطريقة فإنه عول على قول ابن الزبير وهو معترَضٌ في هذا الموضوع وإن كان قد أحسن في رسالته، ولكنه قصر في هذا الموضع، والجواد قد يكبو. وقوله: ليس معنى من قال: المطلوب الجهة لا السمت، أن يستقبل المكلف أيَّ جزءٍ شاءَ إلخ غلط ظاهر، فأي معنى يكون للقول بالجهة إن لم يكن هذا معناه!؟ وقد تقدم قول ابن عمر وقول ابن حنبل وقول أحمدبن خالد مما يدل على ذلك. وقوله: وإلا كانت صلاة من صلَّى إلى جزء خمسة وثمانين إلخ. هذا المعترض متقول في قوله ولا قائل به، بل يقال: إذا حصل في جزء من الربع لا تبطل صلاته، لكن يقول: لا ينبغي أن يضيق هذا التضييق، لأن الصلاة تكون على خطر وغرر من حصول القبلة، ولقولهصلى الله عليه وسلم: إنَّ الحَلاَلَ بَيِّن والحَرَامَ بَيّنٌ، وبينهما مشتبهات. . . الحديث. وقوله: إنما قيل في المجتهدين إلى جهتين مختلفتين. . . إلخ. غلط فاحش لأن المقلدَ يجري مجرى الإمام الذي قلده هو، فإذا اختلف المجتهدان في القبلة وقلد كل واحدٍ إنسانا، فإن كلَّ واحدٍ من المقلدين يتنزل منزلة المجتهد المقلد له في أنه لا يصلي خلف المقلد الآخر ولا خلف المجتهد الذي لم يقلده. وقوله: وأما التيامن والتياسر. . . إلخ. غير صحيح لأن الاعتبار في التيامن والتياسر إنما هو فيما بعد الصلاة أو أنشأها منحرف، وأما أن يدخل عليه ابتداء فلا. فقد تبين مما ذكرته جهالة هذا المعترض وجرأته على الاعتراض، وكان الواجب عليه أن يتفكر في المسألة وينظر فيما يعتمد عليه أو يسأل، فإن المسألة دينية وليست بدنيوية فلا يُعوَّلُ فيها على مجرد الألفاظ الفصيحة والخطابة الشرعية. وقد قال بعض المحققين: من استهوته تراجم العبارات لم يحصل على علم مستقر، وقد هممت أن أعرض عن جوابه لجرأته مع قلة

هيئة الأصابع عند التشهد

تحصيله وبذاذة لسانه وعدم توقيره، ولكن خفت أن يغتر بكلامه من ليس عنده كبير علم، فرأيت من الواجب ومن النصح للشريعة الرد عليه حتى يعلم مقداره ولا يغتر به. والسلام على من يقف عليه من محمدبن سراج وفقهالله، انتهى. هيئة الأصابع عند التشهد وسئل عن قول ابن الحاجب: ويعقد في التشهد باليمنى شبه تسعة وعشرين وعن قول ابن العربي: يعقد عقدة الثلاثة والخمسين وعن قول ابن الجلاب يعقد عقدة الثلاثة والعشرين ما المراد بهذا العدد؟ فأجاب: وقفت على ما كتبت أعلى هذا، وهو كيف تكون الهيئة في الأصابع من اليد اليمنى في كيفية التشهد، والأكثر على أنَّ الهيئة على صورة

عقد الثلاثة والعشرين، ويليه في ذلك ما ذكره ابن العربي، وما ذكره ابن الحاجب لم يذكره غيره، والمراد بالعدد المشار إليه عقد العدد بالأصابع، وكثيراً ما يرد في الحديث الإشارةُ بذلك، وعقد هذا العدد من الواحد إلى الألف كل عدد له هيئة مخصوصة. وابن بندود في مقالته له باب ذكر فيه هذا العقد بالأصابع وجميع الهيئات بأبدع بيان. وما ذكره ابن العربي يقتضي أن يكون طرف الإبهام على الأنملة الوسطى، فتكون أنملة الإبهام العليا واقعة طرفها على أنملة الوسطى، وهي هيئة الثلاثة والخمسين. وما ذكره الأكثر هي أن تكون الإبهام ممدودة على أنملة الوسطى كالسبابة، وهي ثلاثة وعشرين. وما انفرد به ابن الحاجب هي أن تكون الخنصر والبنصر والوسطى أطرافهن على اللحمة التي تحت الإبهام. وعند الأكثر أن تكون الأصابع الثلاثة مقبوضة أطرافهن على بسط الكف، فهذا بيان الهيئات الثلاث انتهى.

تكرار قراءة الإخلاص في الركعة

تكرار قراءة الإخلاص في الركعة وأما المسألة الرابعة فإنه يُكره أن يكرر الإنسانُ قراءةَ (قل هو الله أحد) في ركعة واحدة قاله مالك في العتبية وجعله من المُحْدَثَاتِ. من أُقيمت عليه الصلاة وهو يصلي وحده وسئل فيمن كان يصلي الظهر وحده بالمسجد، فإذا بصلاة العصر قد أُقيمت عليه وهو لم يتم الظهر: ماذا يفعل؟ فأجاب: إن المحرمَ بصلاةِ الظهر إذا أُقيمت عليه صلاةُ العصر، إن طمع أن يُتم صلاتَهُ التي أحرمَ بها قبل أن يعقد الإمامُ من صلاتهُ ركعةً، تمادى على صلاته ودخل بعد ذلك مع الإمام في صلاته، وإن خاف أن يعقد الإمامُ الركعةَ الأولَى، قبل أن يتم هو صلاتَهُ، قطع ودخل مع الإمام ثم أعادَ الصلاتين. هذا هو المشهور. وقد رُوي عن مالك: أنه إن طمع أن يتم صلاتَهُ قبل أن يفرغَ الإمام من صلاته كلها تمادى على صلاته. وإن خاف فوْتَ صلاةِ الإمام كِلّهَا قطع صلاته.

ذكر منسية في الصلاة

وذهب ابن عبد الحكم من أصحاب مالك: أنه يتمادى على صلاته ويشتغل بها، وإن فاتته صلاةُ الإمامِ كلها. ذكر منسية في الصلاة وسئل فيمن ذكر منسية وهو في الصلاة؟ فأجاب: أما مسألة من ذكر منسيةً في صلاته يستخلف إن كان إماماً، أو يقطع إن كان منفرداً؟ فالمشهور أنه لا يستخلف وتبطل صلاته وصلاة من خلفه. والصحيح: أنه جائز، وتصح صلاة من خلفه. هذا في حق الإمام، وأما المنفرد فإن كان لم يركع قطع على المشهور، وإن عقد الركعة أضاف إليها أخرى، وصيرها نافلة، وهذا في غير المغرب. وإن لم يعقد الثالثة رجع للجلوس وسلم وصيَّرهَا نافلة، وإن عقد الثالثة أتم الرابعة.

سهو في صلاة الظهر

سهو في صلاة الظهر وسُئل فيمن سها في صلاة الظهر سهواً فطال، ثم نسي الإعادة حتى صلى العصر؟ فأجاب: يعيد صلاة العصر لأجل الترتيب، إن كان وقتها باقياً، وإن خرج وقتُها فلا يعيدها. قراءة المأموم مع الإمام وسئل عن المصلي خلف الإمام: هل يقرأ السورةَ مع أمِّ القرآن؟ وفي الجهر هل يقرأها أيضاً مع الإمام؟ فأجاب: لا ينبغي أن يقرأ المأموم مع الإمام في الجهر فاتحةَ الكتابِ ولا غيرها. وأما السر فيستحب أن يقرأ فيه الفاتحة والسورة، فإن لم يقرأ معه فلا شيء عليه، لكنه فعل مكروها شديد الكراهية. صلاة المقيمين خلف المسافر وأما الرابعة فيجوز للإمام المسافر الذي صلى بالمقيمين أن يخبرهم قبل الصلاة أو بعْد سلامه، كما فعل عمر رضي الله عنه.

صلاة المسافر خلف المقيم

صلاة المسافر خلف المقيم أما الخامسة فإن صلاة المسافر خلف المقيم مكروهة، فإن فعل فإنه يتمُّ معه، ولا يعيد في الوقت ولا بعده، على المشهور، وهو مذهب المدونة. سجود سهو قبلي من أدرك ركعة من العشاء الآخرة فقضى ركعتين متواليتين فالحكم أن يسجد قبل السلام، فإن نسي سجد بعد السلام، فإن نسي حتى طال أعاد الصلاة على المشهور في المذهب. صلاة الإمام الشفعَ والوترَ به نزلِهِ أما المسألة السادسة وهي الإمام يصلي الشفعَ والوترَ بمنزله فذلك واسع إلا أنه ينبغي له أن يتنفل في المسجد، ولو في بعض الأوقات مخافة أن يقتديَ به الجاهل، ويعتقد أن الشفعَ والوتر والتنفل غير مطلوب، ولا مما يرغب فيه فيحمله ذلك على ترك التنفل، ويظن بالإمام أيضاً التهاون بالوتر وغيره من النوافل، فينبغي أن يلاحظ هذا المعنى، وقد قال عمر بن الخطاب رضيالله عنه، لبعض الصحابة: إنكم أيها الرهط يقتدي بكم الناسُ، فهذا المعنى ينبغي للإنسان المشار إليه أن يلاحظه.

القدح في إمامة ضارب الخط

القدح في إمامة ضارب الخط وسئل عن إمام يشتغل بضرب الخط، هل يقدح ذلك في إمامته أم لا؟ فأجاب: لا تجوز الصلاةُ خلفَ الإمام الموصوف في سؤالك، ويؤخر عن الإمامة، لأن ضرب الخط غير جائز، وكذلك الحسابة والكهانة والتنجيم والقرعة والحب، وغير ذلك مما يشبه هذه الأشياء. صلاة الفوائت جماعة وسئل هل تُصلَّى الفوائتُ بإمام؟ فأجاب: يجوز الجمعُ في الفوائت بإمام، إذا لم تكن مختلفةً في صفتها ولا في أيامها؛ مما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى بأصحابه الصبحَ حِينَ نَامُوا عَنْهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمِسِ يَوْمَ الوَادِي.

الصلاة خلف من يشهد في الأمور المخزنية

الصلاة خلف من يشهد في الأمور المخزنية وسئل هل تجوز الصلاة خلف من يشهد في الأمور المخزنية أم لا؟ وهل: يعيد صلاته من صلى خلفه أم لا إذا قلنا بالمنع؟ والسلام عليكم ورحمةالله. فأجَاب: أما مسألة الصلاة خلف الشاهد في الأمور المخزنية فالصحيح جوازها إذا كان هذا الإمام مأموناً على ما يتعلق بالصلاة من الطهارة والشروط وغير ذلك مما تحتاج إليه الصلاة ويقدح تركها في صحتها. فإذا أمن جازت إمامته. وإن كان من الانهماك والجرأة بحيث لا يبالي ما ارتكب من المخالفات حتى لا يؤمن أن يصلي بغير طهارة وبغير نية بل هو كالمتلاعب، فمن علم منه ذلك أو ظن فلا تجوز إمامته، ويعيد من صلى خلفه. أما إذا كان الإنسان متحرياً في دينه محافظاً على ما تحتاج إليه الصلاة، غير أنه يتعاطى أموراً لا تُرضَى فتجوز إمامته، وإن كان لا يُصَلَّى إلا خلف من لا يقال فيه، ما صُلّيَ خلف أحد. وقد ورد في بعض الأحاديث أن الإمام إن كان ممن لا ترضى أحواله بسبب ما يرتكب، أنه إذا دخل في الصلاة حطت عنه ذنوبه حتى تزكو صلاة المأمومين خلفه، فإذا انصرف من الإمامة رجعت ذنوبه في عينه كما كانت قبل الإمامة. حضور خطبة الجمعة وسئل عن الإمام يصعد المنبر يوم الجمعة وليس بالمسجد غير ستة رجال أو نحوها، وسائر أهل القرية برحاب المسجد ينتظرون إقامة الصلاة، وحينئذ يدخلون المسجد على عادة البادية، فهل تصح خطبة الإمام لأولئك النفر اليسير أم لا؟

الجماعة التي تشترط لإقامة الجمعة

فأجاب: ما يفعل هؤلاء القوم جهل عظيم، يجب أن يُؤمروا بالدخول للمسجد لحضور الخطبة، لكن الجمعة صحيحة إذا كانوا عند الباب. الجماعة التي تُشترطُ لإقامة الجمعة وسئل عن مقدار الجماعة التي تُقام بهم الجمعة؟ فأجاب: لا تقام الجمعةُ إلا بثلاثين رجلاً فأكثر، أو نحوهم، فإن أقيمت باثني عشر فأكثر لم تُعَدْ. وبأقلَّ أُعِيدَتْ. ويُمنعُونَ من إقامتها ابتداءً بأقلَّ من نحو ثلاثين على المشهور، فإن أقيمت بأقل لم تُعَدْ، إلا أن يكُونُوا أقلَّ من اثني عشَرَ رَجُلاً. وجوب الجمعة على المقيمين وأما السادسة فإن القوم الذين نزلوا بالحصن الخالي من الناس، إن كانوا عزموا على الإقامة فيه، فإنهم يصلون الجمعة، وهي فرض عليهم، وإن نووا الاستيطان شهراً مثلاً أو أقل أو أكثر، ولا ينوون الإقامة على التأبيد، فالمشهور أنهم لا يجمعون الجُمعة. القرية التي يجب على أهلها الجمعة وسئل عن قرية لم يتم بناؤها بعد، أعني بناء أسوارها ودورها التي بداخل السور، إلا أنهم ساكنون هناك في كهوف ومغارات متقاربة،

ولهم فُرْنٌ لطبخ الخبز، وبين موضع البناء والكهوف قريب من الميل. وبعضهم يسكن حيث البناء، فهل لمن هذه حاله أن يجمعوا الجمعة أم لا؟ وقد جمعوها فيتألف منهم مرة ثمانية ومرة عشرة ومرة عشرون. فهل يسوغ لهم الجمع أو يمنعون من ذلك؟ وكيف إن اجتمع معهم عدد يسير كالثمانية أو العشرة. هل يجمع من تآلف مثل هذا؟ وقد اتخذوا مسجداً على هيئة المساجد حيث الكهوف وربما ضموا إلى الكهوف سقائف وزربوا حولها بشعراء لصيانة البهائم، وهم ساكنون هناك دائمون على ذلك في فصول السنة، وبعض أهلها يسكن في غيرها من البلاد ريثما يتم بناؤها، والموضع بالقرب من العدو، ولا يمكن فيه الثواء على الوصف المذكور إلا مدة المهادنة بيننا وبين العدو، إلا أن يتم بناء الحصن فيسكن. فأجاب: وقفت على السؤال فوقه، ولا تصلي الثمانية ولا العشرة ولا ما قارب هذا العدد جمعة. ومن راعى العدد من أهل المذهب يقول: أقل العدد ثلاثون، وقيل: خمسون. والمشهور أن العدد لا يراعَى وأن المعول على عدد تتقرى بهم القرية ويمكنهم فيها مداومة الثواء وتحصل لجماعتهم إقامة أبهة الإسلام. وإذا كانت القرية قليلةَ البيوت ليست من قرى التجميع، إلا أنَّ حولها قرى صغاراً فاجتمع من تلك القرى إلى هذه القرية حتى صاروا جماعة كبيرة، فلا يجوز لهم أن يجمعوا حتى تكون القرية ضخمة جامعة من أمهات القرى في كثرة أهلها واتصال بنيانها الثلاثين بيتاً ونحوها. وأما ما ذكر في السؤال أنهم يسكنون في كهوف مفترقة ومغارات، فلا يجمع هؤلاء بوجه.

المنع من العمل وقت الجمعة

المنع من العمل وقت الجمعة وسئل عن المتسبب في الساعة المنهي عنها من يوم الجمعة من فران أو حراث أو غيرهما، وذلك إذا كان المتسبب غير بالغ ولا مكلف، والمنفعة في السبب لمن يجب عليه الجمعة؟ فأجاب: لا يعود ذلك بفساد على المنفعة، لكن يتأكد ترك ذلك، لأن الصبي إذا بلغ ذلك المقدار يُؤمر بالصلاة ويدرَّبُ عليها ويؤدب عليها ومسألة الفرن أقوى في المنع، لأن الرواية جاءت بأنه لا يُتركُ بعد النداء أحدٌ يبيع في السوق، وإن كان ممن لا تلزمه الجمعة، لئلا يعامله من تجب عليه فيكون عوناً على معصية. صلاة الأشفاع بين العشاءين وسئل عمن أراد أن يُصلِّيَ الأشفاعَ بين العشاءين لأجل الخوف. فأجاب: صلاة التراويح في رمضان هي بعد العشاء الأخيرة، وأما بين

القراءة من المصحف في الأشفاع

العشاءين فهي من جملة النوافل، والصحيح كراهة الاجتماع في النوافل ما عدا قيام رمضان إلا بشرطين: أن يكون الموضع خفياً، وأن تكون الجماعة يسيرة. ورأى اللخمي أن ظاهر المدونة جوازها من غير الشرطين. فعلى طريقة اللخمي تصلى التراويح بين العشائين. القراءة من المصحف في الأشفاع وسئل فيمن يقرأ في الأشفاع من المصحف؟ فأجاب: القراءة من المصحف في قيام رمضان جائزة. جمع الصلاتين بسبب الثلج وسئل عن مسألة تظهر من جوابه. فأجاب: وأما الثالثة فالجمع للثلج لا أذكر فيه نصّاً في مذهب مالك رضي الله عنه. واختلف علماء الشافعية فيه، فمنهم من أجازه قياساً على المطر ومنهم من منعه، لأنه يزول بنفضه من الثياب. والذي يترجح، والله أعلم، أنه إن كان كثيراً جدّاً ويتعذر نفضُه أن يجوز.

الصلاة على من مات سكرانا

الصلاة على من مات سكراناً وسئل في الرجل يموت مخموراً: هل يُصلَّى عليه؟ فأجاب: تجوز الصلاةُ عليه، لكن ينبغي لمن يُشار إليه في الدين والفضل والعلم أن لا يُصلِّيَ عليه ولا يحضر جنازته، ليرتدعَ الناسُ عن تلك الحال. قصر الصلاة أثناء السفر وسئل عن المسافر يقيم في البلد لا يدري كم يجلس، فهل يبقى على قصره أم لا؟ فأجاب: إن كان البلد في أثناء السفر فله أن يقصر مدة مقامه فيه، وإن كان في منتهاه أتَمَّ. انتهى.

الصوم

الصوم ثبوت هلال شوال وسئل عن أهل وطن أُخبِروا بظهور هلال شوال بموضع آخر، فمنهم من صدَّق وأكل، ومنهم من ترددت نيتُه؟ فأجاب: إن عيدَ الفطرِ المسؤولِ عنه لم يثبت أنه كان يوم الخميس بشهادة من يُعتدُّ به، فمن أفطر ذلك اليومَ فعليه القضاء، ولا كفارة عليه لأنه متأول غير مُنْتَهِك. وأما من رآه وتحققه من غير شك، أعني رأى هلاله، فأفطر فهو غير آثم فيما بينه وبينالله، وكان من حقه أن لا يفطر، كما قال مالك في الموطأ وهو المشهور في المذهب. ولا يجوز أن يبني الإنسان في رؤية الهلال إلا على عدلين محققي

الرسم الوارد برؤية هلال شوال

العدالة فأكثر أو على جماعة يعلم أنهم صادقون بالعادة. ولا يجوز أن يعتمد في الإخبار أنه قد ثبت رؤية الهلال إلا على رجل صادق عنده، وأما المتردد ولم يفطر فصومه صحيح. الرسم الوارد برؤية هلال شوال وسئل عن الرسم الوارد برؤية الهلال المذكور. فأجاب: الرسم المشار إليه في السؤال لا يعول عليه، لأن نائب القاضي الذي أعلم بثبوته إعلاماً مطلقاً أظهر به جهله وعدم معرفته بما يُشترطُ في الشهادة على رؤيةِ الهلال. وذلك أنَّ الرسمَ كان فيه أربعة شهود، وكتب على الأول: إنه عدل وعلى الثاني: أُثني عليه، ولم يكتب على اسم الثالث والرابع شيئاً، ثم كتب عليه: أعلم بثبوته فلان. ووجه الصواب في هذا: أن لو كُتب بأداء الشهود وعدالة الأول والثناء على الثاني، فإن كان شهد عند القاضي الوارد عليه هذا الخطاب شهود آخر تعاضدت شهادتهم بهذا، وإلاَّ فلاَ يُعملُ عليه بمجرده، لأنَّ الهلال لا يثبت إلا بشهادة عدلين فأكثر أو بعدد يستحيل تواطؤُهم على الكذب عادةً حسبما ذكروه في ذلك، ولا يكتفي بمجرد الثاني في التزكية. فتبين بهذا أن إعلام هذا المعلم بثبوت الرسم إعلاماً مطلقاً جهل وقلة علم بما يشترط في الشهادة على الهلال، وقد بين وجه مستنده. ولا خلاف أن القاضي إذا بين وجه مستنده، وهو خطأ، أنه يُنقض حكمه. ولو كان هذا الرسم في حق آدمي ما كان يحكم به إلا بعد الإعذار وتقرير

الشهود وغير ذلك مما يشترط في الحكم حسبما هو مقرر في كتب الأحكام وأما حق الله تعالى كثبوت الأهلة فلا إعذار فيه، فلا يُعول على ما ثبت فيه إلا بشرطه. فإذا تقرر هذا فيقال: لا يجوز الإفطارُ اعتماداً على ذلك الرسم بمجرده، ومن أفطر وجب عليه القضاءُ، والظاهر أنه لا كفارة عليه لأنه معتمد على من قلده ممن أفتاه بذلك ولم يكن منتهكاً. ومن شرط وجوب الكفارة الانتهاك. وأما المفتي بجواز الإفطار اعتماداً على ذلك الرسم خاصة فلا إشكال في جرأته وجهله، لأنه يدل على عدم اطلاعه ومعرفته بما يشترط في الإعلام، وحكم ما يرد عليه، وما يُعد تزكيةً من الألفاظ المزكَّى بِها، ومراتب الشهود والشهادة، إلى غير ذلك. ولو علم هذا أو مسألةً منها واحدةً لَمَا أفتى بما أفتى. فقد ارتكب أمراً عظيماً قال الله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) إلى قوله: (مسؤولا). وقال تعالى: (قل أرءيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالا). في هاتين الآيتين عظةٌ للمفتِي، كما قال بعض العلماءِ. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ أُفْتِيَ بِغيرِ عِلمِ كان إثْمهُ على

عدالة المخبر برؤية الهلال

من أفْتَاهُ. وفي الحديث: أجْرأْكُم علَى النَّارِ أجْرَأُكُمْ عَلَى الفتْيَا. ومحمل هذا على من لم يعتمد على مُستَنَدٍ صحيح. وفي العتبية عن مالك رضي الله عنه أنه قال: إذا كان من يُشار إليه يُفتي بالجهالة سرت في الناس. وقال أيضاً: إذا كان الشيءُ من أمر دينك فعليك أيضاً فيه بالثقة فلن يُنجِيَكَ أنْ تَقُولَ: سمعت، وقد كان يُقال: كفى بالمرء كذباً. فهذا ما حضر من الكلام على هذه المسألة، ومن خالف فيه أو في بعضه فعليه الدليل قاله ابن سراج. عدالة المخبر برؤية الهلال وسئل عن الصوم والإفطار بمجرد الخبر؟

إضرام النار للإعلام بالرؤية

فأجاب: لا ينبغي لأحد أن يعتمد في صومه وفطره عمن لا تعرف عدالته فإن أفطر فلا كفارة عليه، لأنه متأول. وأما القرية إذا لم يكن فيها قاضٍ ولا من يعتني بارتقاب الهلال فيعتمد على من أخبره من أهل العدالة أنه رآه، وإن كان واحداً، سواء كان من أهل القرية أو غيرها أو يكتفي أيضاً بخبر الواحد العدل بحصول الرؤية على شرطها في قرية أخرى. قاله ابن سراج. إضرام النار للإعلام بالرؤية وسئل عن إضرام النار من قرية إلى أخرى إعلاَماً برؤية الهلال؟ فأجاب: النار توقد علامة على رؤية الهلال حسبما ذكر، إذا كان قد حصل لأهل القرية ثقة من أهل القرية الأخرى أنهم لا يوقدون النار إلا إذا رأوا الهلال، بنوا عليه وإلا فلا. قاله ابن سراج.

الزكاة

الزكاة دفع القيمة في الزكاة وسئل عمن وجبت عليه شاةٌ واحدة في الزكاة؟ فأجاب: بأنه يتصدق بها على مستحقها ولا يخرج ثمنها إلاَّ إِن أُخذ منه جبراً، وإن لمْ يعلمْ به العدَّادُ ولا المشرف فإنه يتصدق بها ولا يُخبر أحداً منهما بذلك، وأما إن علما به وأخذاها منه أو قيمتها بقصد الزكاة فذلك جائز يجزئه، ولا يفتقر إلى إعادتها. دفعُ زكاةِ الماشيةِ لمستحقها وسئل فيما يأخذه العادُّ للكسبِ من الزكاةِ؟ فأجاب: لا بد أن تُدفع زكاةُ الماشيةِ لمن يستحقُّهَا، ولا يجزيه ما أخذ المشرف، لأنه إنما أخذ ما أخذ على وجه أنَّهُ مَغْرَمٌ من المغارم المخزنية بالظلم لا أنه على وجه الزكاة. ومعنى قول ابن أبي زيد وقول غيره: إنَّ إخراج القيمةُ يجزىءُ،

توزيع دراهم الزكاة

إذا أجبر عليها إنما ذلك إذا أخذ المصدق عليه القيمة على أنها زكاة. فلا بد أن يُخرج زكاةَ تلك الماشية، ويدفعها للمساكين، بحيث لا يعلم بها العدَّادُ، ولا يجعلها في زمامه، وإنما يعطيها لمستحقها من غير إعلام العدّاد ولا غيره بها. توزيعُ دراهم الزكاة الثالثة: الرجل يعطيه الناسُ من زكاةِ أموالهِمْ ليفرقها على الفقراء والمساكين، فيجيء منهم من يحتاج إلى كسوة أو طعام أو يرى هو أنَّ المسكينَ محتاج، فهل يجوز أن يشتريَ هو ذلك بنفسه للمسكين ويدفعها له أولا يجوزُ ذلك؟ بل يفرق الدراهم عليهم. الجواب: وأما الثالثة فإن مُفَرِّقَ الزكاةِ يُخبر المسكينَ، ويقول له: لك عندي زكاة، فانظر ما تريد أن أشتريَ لك، فيأمره بما أراد، ويأخذ منها ما يحتاج لنفقته، ونحو ذلك.

شورة اليتيمة من الزكاة

شورة اليتيمة من الزكاة الرابعة: وكذلك إذا رأى أن يتيمةً ضعيفةً تتزوج، هل يدفع لها من الزكاة برسم شَوْرَةٍ لدخولها بزوجها؟ الجواب: وأما الرابعةُ فإنْ كان ما تُشَوَّرُ به اليتيمةُ يسيراً لا يبلغ النصاب فيجوز أنْ يُعْطِيَهَا من الزكاةِ ما تشتري به ثوباً تلبسه أو فراشاً وما أشبه ذلك، لا ما يُتَّخَذُ به حليٌ وزخرف.

الأيمان

الأيْمان يمين الرجل أن لا يسكن إلا بداره وسئل في رجل كان ساكناً مع ربيبه بدار زوجه، وأنه حلف باللازمة أنه لا يسكن إلا بدار نفسه. فهل يجوز له أن يبيت مع ربيبه بالدار المحلوف عليها على وجه الزيارة ويقيم معه الجمعة ونحوها؟ بينوا لنا الحكم في ذلك، وأجركم على الله والسلام عليكم ورحمة الله. فأجاب: إنه يحنث إن كان الدخول إليه بالنهار، أو بات معه في غير مرض، إلا أن يكون ببلد آخر فسافر إليه، فَيُسْتَخَفُّ أنْ يقيمَ معه يومين أو ثلاثة. حكاه ابنُ رشد عن مالك من رواية ابن القاسم. وحكاه ابن

كفارة من حلف أن تذهب زوجته إلى أولادها

حبيب عن مالك وأصحابه. أعني مقدار الإقامة إذا شخص إليه من بلد آخر. كفارة من حلف أن تذهب زوجتُه إلى أولادها وسئل فيمن قال لزوجته: والله تمشي لأولادك ما تكون لي بامرأةٍ؟ فأجاب: إن حنث كفَّر بإطعامِ عشرةِ مساكينَ: رطل ونصف رطل لكل مسكين، حب أو دقيق، أو خبز مما يَقتات بلدُ المكفِّر من قمح أو غيره وشيء من إدام، أو ما يكفر به من غير الطعام.

الحالف بالأيمان كلها أن لا يزوج أخته

الحالف بالأيمان كلها أن لا يُزوجَ أخته وسئل فيمن حلف الأيمان كلِّها، ولم يذكر اللزوم، أن لا يزوج أخته ولا يتكلم فيها؟ فأجاب: إن تكلم الحالفُ في تزوج أختِه حنث ولزمه ما نوى بالأيمان كلِّهَا من معنى اللاَّزمة أو غيرها. فإن لم ينو معنى اللازمة ولا طلاقاً أو لم ينو بها شيئاً لجهله فيما يلزم فيها فيلزمه ثلاث كفارات عن ثلاث أيمانٍ باللَّه عزَّ وجَلَّ.

الحالف بالأيمان كلها أن لا يفعل شيئا

وإن رُفع الأمْرُ إلى القاضي وزوَّج القاضِي مضى النكاحُ، وكان صحيحاً. الحالف بالأيمان كلِّهَا أن لا يفعل شيئاً وسئل فيمن حلف بالأَيمان كلهَا أن لا يفعل شيئاً. فهل له أن يُكفِّرَ، ويفعل الذي حلف عليه؟ فأجاب: إن نَوَى بالأَيمان كلِّهَا معنَى اللاَّزِمةِ فيلزمه حكمها إن فعل المحلوفَ عليه، وإن لم ينو بها اللاَّزمةَ ولم يعتقد معناها، فعليه إن حنت ثلاث كفارات عن ثلاثةِ أيمانٍ بالله تعالى. من حلف باللاَّزمة أن يقتل شخصاً وسئل في إنسان حلف باللازمة على فَرّانِ قريتِه، إن خدم في ذلك الفرن قتله. فما يلزم الحالفَ إن تغلبَ الفرَّانُ ورجع للفرن يخدم فيه؟ فأجاب: إن عاد الفرانُ إلى الفرنِ وجب على الحالف أن يحنث نفسه، لأنَّ قتل المؤمن بغير حقٍّ لا يحلُّ، وإذا حنث نفسه وجب عليه الطلاق، فإن نوى باللاَّزمة الثلاثَ لزمه ذلك، وإلا لزمته طلقةٌ واحدةٌ بائنةٌ. من حلف باللاَّزمة أن لا يزوج وليته وسئل فيمن حلف باللاَّزمة أن لا يزوج وَلِيَّتَهُ؟ فأجاب: إن بادر وليٌّ أبعدُ من الذي حلف فعقد النكاحَ مضى على المشهور، وإن رُفِعَ الأمْرُ إلى القاضي فزوج صحَّ النكاحُ. من حلف باللاَّزمةِ ثم ماتت زوجته وسئل فيمن حلف باللاَّزمة أن لا يدخل دارَ أخته ولا يكلمها، فبقى كذلك مدةَ حياةِ زوجهِ، ثم إنَّ زوجَه توفيت؟

الحلف بصيام العام

فأجاب: إن الحالفَ لهُ أنْ يدخلَ دارَ أختِهِ، لأَنَّ المرأةَ المحلوفَ بطلاقتِها قد ماتت، ولا تلزمه اليمينُ فيمن تزَّوجَ بعد ذلك من النساء. وأما الثانية: فمن حلف باللاَّزمة وفي عصمته امرأة فماتت وتزوج أخرى وحنث، فلا يلزم فيها الحنث، لأن اليمين بها إنما تنعقد في الزوجة يوم الحلف. وكذلك لو حلف وهو غير متزوج فحنث بعد أن تزوج، لا يلزمه طلاقٌ فيها الحلف بصيام العام وسئل في امرأةٍ حلفتْ بصيام السَّنَةِ على شيء حنثت فيه، فما يكون الحكم في ذلك؟ فأجاب: يجب عليها أن تصومَ سنةً على المشهور، ولكن لا يلزم تتابعها وفي المذهب قول آخر: إنه يجب عليها كفارةُ يمينٍ بالله عز وجل. ومال إليه جماعةٌ من المتأخرينَ، ووجهه قوله صلى الله عليه وسلم: لاَ نَذْرَ فِي

غَضَبٍ وَلاَ فِي معصية اللَّهِ عز وجل وكفارته كفارةُ يمينٍ وهو قول له وجهٌ من النظر والحديث، ومن بنى عليه كان مُخلِّصًا إن شاء الله. وسئل في امرأة حلفتْ بصوم عامٍ يلزمُهَا فيه الذي يلزمها، على شيء حنث فيه، فما يكون الحكمُ في ذلك؟ فأجاب: تكفر عن يمين بالله تعالى، فإن أطعمت عشرةَ مساكينَ رطلاً ونصفاً من خبز من غالب ما يَقتات أهلُ الموضع وشيئاً من إدام لكل مسكين أجْزَأَهَا. وسئل في امرأة حلفتْ بصومِ عامٍ أن لا تَرجعَ لزوجها؟ فأجاب: المرأة إن رجعتْ لزوجهَا حنثت، ولزمها صوم عام كامل لا تحسب فيه رمضانَ ولا أيامَ الأعيادِ، ولا يلزمها تتابعه. وفي المذهب قول آخر: إنه يجزيها كفارة يمين بالله، وله وجه من النظر من قلَّده لم يُعترضْ.

الذكاة

الذكاة ذكاة مقطوعة الحلقوم وسئل في شاة ذبحها رجل قطع من حلقومها مقدار الثلثين. هل تعمل فيها الذكاة؟ فأجاب: إن الذكاة تعمل فيها. أكل مقطوعة أحد الودجين وسئل في رجل ذبح عرض بقر، فقطع الحلقومَ والودج الواحد وبقي الودج الآخرُ لَمْ يقطعْ منه شيئاً. فهل يجوز أكله أم لا يجوز؟ فأجاب: المشهور من مذهب مالك وأصحابه: أنه لا يؤكل. ويُروَى عن مالك جوازُ أكله، وهو قول جمهور العلماء خارج المذهب فمن أخذ بهذا القول لم يُعترض، لأنه صحيح من جهة البحث والنظر.

اضطراب الذبيحة

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أَنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ. والقطع: بأن ما قُطع ودجُه لا يعيش. وسئل فيمن ارتفعت يدُه عن الذبح مغلوباً، وقد قطع بعضَ الأوداج، ثم أعاد يده في الفورِ فأجهزها؟ فأجاب: اختُلف فيها، والصحيح جواز أكلها. اضطراب الذبيحة وأمّا المسألة الثانية، وهي اضطراب البهيمة عند الذبح حتى قامت من يد الذابح، وقد قطع بعضَ الأوداج، ثم ردّها بعد ساعة فأجهز عليها، فلا تحل تلك الذبيحة. الغلصمة في الذبيحة وسئل في الغلصمة تكون لجهة الصدر، ولم يبق منها شيء لجهة الرأس؟

ذبح فروج دون قطع الحلقوم الذي فيه الغلصمة

والجواب: فيها اختلافٌ كثيرٌ في المذهب. فذهب جماعة كثيرة من أصحاب مالك إلى منع أكلها. وذهب جماعة كثيرة منهم أيضاً إلى الجواز. وروي عن مالك المنعُ، وطعن بعضهم في صحة هذه الرواية. والصحيح من جهة النظر: الجواز. ذبح فروج دون قطع الحلقوم الذي فيه الغلصمة وسئل فيمن ذبح فروجاً وقطع الودجَيْن وكلَّ ما يتعلّق بهما، إلا الحلقوم الذي فيه الغلصمة لم يُقطع منه شيء، قال اللخمي على هذا: لا يكون شرطاً في الذكاة على من أجاز الأكل، وإن كانت الغلصمةُ للأسفل؟ فأجاب: إن قطعَ الذابحُ فوْقَ الجوزةِ، وكانت الجوزةُ أسفلَ من القطع فهي مغلصمة، وتؤكل الذبيحةُ على القول الصحيح. وأمّا إن لم يقطع شيئاً من فوق الجوزة ولاتحتها فلا تؤكل. الذبيحة المغلصمة وسئل عن الذبيحة المغلصمة؟

ذبح الفروج المختنق بالعجين

فأجاب: كثر فيها الخلاف في المذهب. رُوي عن مالك منع أكلها، فأنكر ابنُ وضّاح صحّةَ هذه الرواية، ورأى ابن رشد أنّ المشهورَ منعُ أكلها. والصحيح من جهة النظر: جوازه. ذبح الفروج المختنق بالعجين وسئل في فروج يعلف بالعجين، فاختنق في حين العلف، فذبح ولم يتحرك منه إلا ريشتان من طرف جناحه وسال دمه؟ فأجاب: الفروج لا يؤكل. الشاة التي يوجد كرشها مثقوباً وسئل في نطيحة أو متردية ذُبحت، وعلامات الحياة بها مثل سيلان الدم وركض الرجْل وما أشبهه، فيوجد كرشها مثقوباً، أو يوجد في أحد مقاتلها قطع قليل أو كثير. هل يجوز أكلها أم لا؟

ذبيحة يسيل دمها ولا تتحرك

فأجاب: أكل الشاة التي كانت مثقوبة الكرش يجوز على قول ابن رزق شيخ ابن رشد. وهو الصحيح. ووقع الخلاف فيها في زمانه لكن لا يبيعها إلا بعد أن يُبَيِّنَ. وأما انتثار الحشوة فالمعمول عليه في المذهب: أنه من المقاتل. ذبيحةٌ يسيل دمها ولا تتحرك وسئل فيمن ذبح عرض بقر فلم يتحرك منه عضوٌ، إلا أنَّ الدمَ خرج منزعجاً حتى رش ثياب الذابح، وسال من الذبيحة دم كثير. فهلْ تُؤكَلُ أم لا؟ فأجاب: إن كانت الذبيحةُ صحيحةً عند الذبح فتؤكل إن سال دمها ولم تتحرك. وإن كانت مريضةً فلا يُكْتَفَي منها بسيلان الدم حتى تركض بيد أو رجل، أو تحرك ذنبها، أو تطرف بعينها، أو يجري نفسها في حلقها.

ذبيحة السارق

وسئل في الشاةِ إذا ذُبحت وسَالَ دمُهَا، ولم تتحرك؟ فأجاب: إن كانت الشاةُ التِي سالَ دمُهَا ليس بها مرض فيكتفى فيها بسيلان الدم، وإن كانت مريضة أو منخنقة أو ما أشبه ذلك، فلا يُكتَفَى بالدم ولا بد من التحريك. ذبيحة السارق وسئل في السارق إذا ذبح شاةً مسروقةً، ثم أُطلقت من يده. هل تُؤْكَلُ أم لاَ؟ فأجاب: السارق تُؤكل ذبيحتُه إذا كان قد قطع الودجين والحلقوم. وأجاب على مثل السؤال: إن وافق السارقُ وجهَ الصواب في الذبيحةِ أُكلت ذبيحتُهُ، وإلا فلا. المقاتل المتفق عليها في الحيوان بينوا لنا المقاتل المتفق عليها؟ وكيف هو انتثار الحشوة؟ جوابه: أما المقاتل فهي: انتثار الحشوة على الصحيح المعروف.

وانتثار الدماغ. وقطع النخاع: وهو المخ الذي في السلسلة. وقطع الأوداج. وثقب المصير الأعلى. واختلف في ثقب الكرش، وشق الودجين، وكسر الصلب والعنق من غير قطع النخاع. والصحيح: أنه ليس من المقاتل، حتى ينقطع النخاع، وإذا قُطع من النخاع شيء يسير فالظاهر أن البهيمة تؤكل. وسئل بما نصه: الفقهاء - رضي الله عنهم - عدوا انتثار الحشوة من المقاتل، فالحشوة على ماذا تشتمل؟ وبالانتثار ما معناها؟ فإن البهيمة ربما عدا عليها السَّبُعُ ففتح بطنها، فخرج بعض مصارينها سالماً من الشوق بحيث يمكن رده وخياطة الجلد ومعالجتها حتى تبرأ لمن أراد ذلك، وربما خرج المصران مثقوباً، يسيل منه الروث يخاف عليها الموت أكثر من الأخرى؟ فأجاب: الحشوة تشمل ما احتوى عليه البطن من الأمعاء والرئة والطحال والغرنوق والقلب والكلى. وأما الكرش فليس من المقاتل على الصحيح. وإذا فتح السبعُ بطنَ الشاة أو غيرها، وخرج من مصرانها شيء فخيط ورد في الجوف من غير شق فيه فليس بمقتل.

وأما ثقب المصران الذي فيه الفرث، فليس بمقتل على الصحيح. وأجاب في المعنى المتقدم: المراد بالحشوة: ما حواه البطن، فيدخل في هذا الأمعاء والرئة والكبد والقلب وغيرها. وانتثارها: انقطاعها، وانفصال بعضها عن بعض. وأما مجرد ثقبها فالراجح أنه لا يضر. وقد حكى بعضُ المتأخرين الخلافَ في انشقاقِ القلبِ والكلى، كما وقع الخلافُ بين ابن رشد وشيخه ابن رزق في ثقب الكرش. والراجح في ذلك كله: الجواز: وأما المصير الأعلى فهو عبارة عن المعدة وما قرب منها، فإن حدث فيه انقطاعٌ أو انخراق ينقطع به الغذاء فهو مقتل على المشهور، وإن كان ثقباً يسيراً لا ينقطع الغذاء به فالراجح جواز الأكل. وضرب النخاع لا يضر. وفيما لم تنفذ مقاتله وأصابها ما يخاف على البهيمة منه الموت ثلاثة أقوال: جواز الأكل ومنعه. والفرق بين أن يشك في موتها فيجوز، أو يظن فلا يجوز. والظاهر: جواز الأكل مطلقاً. وكل ما فيه خلاف فلا يطعمه الإنسان أحَداً، فقيراً أو غيره، إِلاَّ بعْدَ التَّبْيِينِ.

النكاح وما شاكله

النكاح وما شاكله ولاية الأخ لأم في النكاح وسئل في عقد نكاح بولاية أخ لأم؟ فأجاب: إن كان الأخُ للأم ابنَ عم البنت أو وصيًّا صحَّ إنكاحُه إيَّاهَا، وإلا فلا يصِحُّ، وهو مفسوخ قبل البناءِ وبعده. خطبة الرجل على خطبة غيره وسئل في رجلٍ خطب بنتاً لوالدها ووقع بينهما التقاربُ والتراكُنُ في كل شيءٍ، حتى لم يبق إلا الإشهادُ بينهما، فتوفي والد الزوجة، ثم خطبها آخر وعقد عليها معه أخوها؟ فأجاب: نكاح الثاني ممنوع، لأنه بعدما ركن الأولُ، لكنه لا يُفسخ على القول الصحيح، ويؤمر الزوج بأن يعرض الزوجة على الأول، فإن تركها له فيسوغ له البقاء على النكاح، وإلاَّ يستحب له أنْ يطلقها. فإن تزوَّجَها الأولُ كان ذلك له، وإلا فللثاني أن يتزوجَها.

النكاح بشاهد واحد

النكاح بشاهد واحد وسُئل في رجل خطب بنتاً وتحدَّث مع وصِيّهَا، ووقع الاتفاقُ والتراكن وشهد عليها شاهدٌ واحدٌ ووالدُ الزوجِ، ثم أنكر الوصيُّ؟ فأجاب: النكاحُ غيرُ ثابتٍ، لأن والدَ الزوجِ لا يُقْبَلُ، لأنه شهد لولده، والنكاح لا يثبت بشاهد واحدٍ. الصيغة في عقد النكاح وسئل: عن رجل تحدث مع رجل آخر في تزويج شقيقته البكر واتفق معه على شيء معلوم من نقد، وكالئ وعروض وغير ذلك، ثم ساق الزوج بعضَ العروض ودفعها للزوجة على العادة في ذلك، وهما لم تقع بينهما الشهادةُ، والبكر المذكورة يتيمةٌ مهملةٌ دون وصي، ثم توفي الزوج. فهل للزوجةِ أن ترثه بمجرد ما وقع بينهما من غير إشهاد؟ فأجاب: لا ميراث بينهما إلا أن يثبتَ وقوعُ صيغةِ النكاح، والمراد بالصيغة أن يثبت من الزوجين ما يستلزم النكاحَ مثل أن يقول الزوج: قد تزوجت وشبهه، وتقول المرأة إن كانت مالكة أمرَهَا: قد تزوجتُك أو رضيت وشبه ذلك، أو يقول وليها إن كان مجبِراً: قد زوجتك، وشبه ذلك، فإن

صداق المتوفى زوجها قبل البناء

كانت الزوجةُ يجب استئمارُهَا فَتُسْتَأْمَرُ وتُرَضَّى بما يدل على الرضى في حقها، فإن لم يقعْ شيءٌ من هذا فلا يَصِحُّ النكاحُ، ولا يَحْصُلُ فيه ميراثٌ. صداق المتوفَّى زوجُهَا قبلَ البِنَاءِ وسئل فيما يجب للزوجة من صداقها إذا مات زوجُها قبل البناءِ بها؟ فأجاب: تُوَفَّى الزوجةُ ما يجبُ لها من نصفِ صداقِها ومن نصف سياقتها، وإن أتى ذلك على المال كله. الزواجُ في مدَّةِ الاستبراءِ من الزنى وسئل في بكرٍ تزوجتْ، ثم أتتْ بولدٍ لشهرينِ من تاريخ العقدِ وثبتَ ذلك، وفُسِخَ النكاحُ بغير طلاقٍ، ثم أراد تزوجَها وردَّها لملكه؟ فأجاب: المشهور أنه لا تحل لزوجها أبداً، لأنه تزوجها في استبراءِ الزنى، فهي بمنزلة من تزوجت في العدة. وفي المذهب قولٌ آخر: أنه يجوز له أن يتزوجها بعد الاستبراءِ بثلاثِ حِيض، ووجهه: أنه لا يرى الماءَ الفاسدَ كالصحيح، وهو قول لَهُ وجهٌ من النظرِ صحيحٌ، فمن قلَّدَهُ لم نعترضه. وإن كان هذا الرجلُ لم يمسها بعد الولادة يفتقر إلى استبراء.

الزواج في العدة

الزواج في العِدَّة وسئل في امرأةٍ اعْترفتْ بتمام عِدَّتها بالأقراء وعُقِد عليها النكاحُ، ثم بعد ذلك زعمت أنها لم تحضْ إلا حيضتَيْن؟ فأجاب: هذا النكاحُ فاسدٌ، يُفسخ قبلَ الدخولِ وبعدَهُ، وإنْ طال وولدت الأولادَ، فإن فسخ قبل الدخول صحَّ للرجلِ أن يتزوجَهَا بعد ذلك بعقدٍ آخَر صحيح. نكاح المرتَدِّ وسُئل عن رجل تنصر وتزوج في أرض العدوّ نصرانيةً وأقام معها سنين، ثم عاد إلى الإسلام وأسلم وأسلمتْ هي معه في زمان واحد، وخرجا إلى بلاد المسلمين، هل يُقَران على نكاحهما أو يُفسخ بطلاق، وبعد ذلك يُنشئان عقداً آخر، وعلى أنهُ يفسخُ فما يكون الحكمُ فيهما اليوم، إذ هما باقيان على ما كانا عليه لم يفرق بينهما، وهل يؤدب كل واحدٍ منهما أم لا؟ فأجاب: تصفحت السؤال أعلاه، والجواب أنَّ المرتدَّ لا يُقَرُّ على

من حرم على نفسه الزواج

نكاحه في حال ردته على المشهور، وهو مذهب المدونة. وقال ابنُ الماجشون: إنه يقر، وذهب إليه ابنُ حبيب. والمشهور المعول عليه هو الأول، فيفسخ النكاح المسؤول عنه بطلاق، وتتربصُ المرأةُ حتى يمضيَ لها ثلاثةُ أطهار ويردها الزوجُ إن أحَبَّ، ولا يلحق واحداً منهما أدبٌ في إبقاءِ الزوجة معه في الأيام التي أبقاها، مراعاةً للخلاف، والولد لاحق. من حرَّمَ على نفسه الزواجَ وسئل في رجل قال: متى حل لي الزواجُ في هذه الجزيرة فهو حرام عَلَيَّ؛ ثم أقام بعد ذلك فيها، فأراد الزواج خوف العنت للعصمة؟

تحريم الزوجة

فأجاب: إن كان قصد بقوله: متى حل لي الزواج، متى تزوجتُ، فلا يتزوج بهذه الجزيرة. وإن لم يقصد ذلك، وإنما قصد تحريمَ الزواج، فلا شيء عليه. تحريم الزوجة وسئل فيمن قال لزوجته: أنتِ عليَّ حرام؟ فأجاب: إن قصد الثلاثَ بقوله: أنت حرام، لزمَهُ ذلك وإن لم يقصدْ الثلاثَ وكانت الزوجةُ مدخولاً بها لزمه الثلاثُ على المشهور. وفي المذهب قول: إنه تلزمه طلقة واحدة بائنة. وقد رجحه بعضُ أشياخِ المذهب، وهو قول صحيح له وجه من النظر مَن قلده لم يُعْتَرضْ فيه. وسئل فيمن قال لزوجته: هي عليه حرام كلحم الخنزير. ما يلزمه في يمينه من الطلاق؟ وقد سئل الحالف، فقال: إنه لم ينو طلاق الثلاث. فأجاب: قد اختلفت العلماء قديماً وحديثاً فيمن قال لزوجته: أنت عليَّ حرام، على أقوال كثيرة ذكر ابنُ العربي منها خمسة عشر قولاً يتحصل منها في المذهب خمسةُ أقوال.

فقال مالك وابنُ القاسم في المدونة: هي ثلاث في المدخول بها ولا يُنَوَّى وفي غير المدخول بها له نيته: من واحدةٍ أو غيرها. وقال عَبدُ الملك: هي ثلاث على كل حال. وقال أبو مصعب وابنُ عبد الحكم: هي ثلاث في المدخول بها، وفي غيرها واحدة. وقال عبد العزيزبن أبي سلمة: هي واحدةٌ رجعيةٌ مطلقاً. وروى ابن خويز منداد عن مالك: إنها واحدة بائنة في المدخول بها وغيرها. وكان بعضُ الشيوخ - رحمهمالله - ممن له الفتوى ببلدنا هذا، يعتمد هذه الرواية، ويُفتي بها، ويرى أن ذلك جارٍ على مذهب المدونة المتقدم ذكره، لأنه إنما فرَّق فيها بين المدخول بها وغيرَهَا، لأن البينونة لم تكن عندهم إلا بالثلاث في المدخول بها، أما عندنا فإنها تَبِينُ بالواحدة. فالمدْخول بها اليوم نظير غير المدخول بها إذ ذاك، فحكمها واحد.

تحريم الزوجة التي لم يدخل بها

وقد أشار إلى هذا اللخمي في بعض أبحاثه. وقد رجح ابنُ رشد القولَ بتصديق من يزعم أنه لم يُرِد بالحرام الطلاقَ، وصحَّحَه، وجاءت به روايةٌ في العتبية. ومن باب أولَى تصديقُه إذا زعم أنه أرادَ غيرَ الثلاث. فمن أخذ بهذا القول الأخير فهو مخلِّصٌ، إن شاءالله. تحريم الزوجة التي لم يدخل بها وسئل في رجل له زوجة لم يدخل بها، فقال في حال حرج: هي عليه حرام ثلاث مرات، ثم قال بعد ذلك في فور واحد: اشْهَدُوا علَيَّ أنها مطلقةٌ. فأجاب: يُنَوَّى هذا القائلُ: هي عليه حرام، فإن نوى بها الثلاثَ لزمته؛ وَإن قال: إنه لم ينو بها الثلاث، فإن كان قولُه: اشهدوا بطلاقها، متصلاً بالتحريم، فتلزمه طلقتان: طلقة بالتحريم، وهذه الأخرى، وإن لم يكن متصلاً وكان بعد سكوته فيلزمه طلقةٌ واحدة بائنة بالتحريم خاصة. من قال لزوجته: امشي عن وجهي وسئل فيمن قال لزوجته: امشي عن وجهي، ما لي بك حاجة، فخرجت إلى دار والدها؟ فأجاب: إن قصد بقوله ذلك الطلاقَ لزمه، وإن لم يقصد به الطلاقَ فلا شيء عليه.

النية في تحريم الزوجة

النية في تحريم الزوجة وسئل في رجل قصد غشيان زوجته، فلم تطاوعه، فقال لها في الحين: هي عليه حرام في هذه الساعة، وخرج عن السرير حيث كان معها مضطجعاً. فما يجب عليه في قوله هذا؟ فأجاب: ذكر مُوَصِّلُهْ وزعم أنهُ الحالفُ، وأنه لم ينو بقوله: هي عليَّ حرام، طلاقاً ولا تحريماً، وإنما أراد الامتناعَ منها في الحال. والجواب: أنه لا يلزمه، لعدم النية على الصحيح. تحريم الزوجة عقب طلاقها وسئل فيمن طلق زوجه وحرَّمَها عقب الطلاق تحريماً مُرْدَفاً على الفور، وزعم بعد وقوع الطلاق أن نيتَه بالتحريم تأكيد الطلاق الأول، ولم يقصد به إلا واحدةً خاصة. فهل تُسمَعُ دعواه هذه أم لا؟ فأجاب: إن كان التحريم متصلاً بالطلاقِ فيلزمه طلاقُ الثلاثِ، ولا يُصدق فيما ادعى من التأكيد. وأما إن كان بعد سكوته وانقطاع اللفظ

مراجعة الزوجة التي حرمت بعد طلاق الثلاث

بالطلاق، فإن كان قصد بالطلاق الطلاقَ المتعارفَ عند الناس اليومَ، وهو المملك، فلا يرتدف، وإن قصد الرجعي فيرتدف وهو مصدق فيما يدعي من القصد. مراجعة الزوجة التي حرمت بعد طلاق الثلاث وسئل فيمن طلَّق زوجتَه ثلاثاً،. ثم قال بعد إيقاعه للطلاق: متى حلت حرمت، متى ما حلت حرمت، ثم تزوجت هذه المطلقة بعد ذلك وفارقها الزوج الثاني، والأول يريد رجوعها. هل له ذلك أم لا؟ فأجاب: إنَّ له أن يُراجعَها. الطلاق والمراجعة في يوم واحد وسئل فيمن حلف باللازمة أن لا تبقى زوجُه في ملكه، وأراد طلاقها ومراجعتها في يوم واحد. فأجاب: يجب عليه طلاقها، ويجوز له مراجعتُها في يوم واحد. مراجعة المطلقة وسئل في رجل حلف باللازمة لزوجه أن لا تخرج من الدار، فأشهد بطلاقها رجلاً واحداً وامرأتين، وخرجت المرأةُ من الدار بعد إشهاده، وهو يريد ارتجاعها؟ فأجاب: يُشْهِدُ الآن بطلاق زوجته شاهداً آخر، ثم يردها.

مراجعة الزوجة الحامل

مراجعة الزوجة الحامل وسئل فيمن راجع زوجه بعد مضي ستة أشهر من الحمل؟ فأجاب: إن كانت حاملاً في الشهر السادس ولم تدخل في السابع فتجوز مراجعتُها على الصحيح، وأما إن كانت بعدما دخلت في الشهر السابع فلا تجوز مراجعتها على المشهور. فإن راجعها فيه فُسخ النكاح، فإن لم يفسخ حتى تضع وبقيت حية تم النكاح ولم يفسخ، لزوال الحمل. خُلْعُ المَرأة التي أَضرَّ بها زوجُها وسئل عن امرأة اختلعتْ لزوجها بأقلَّ مما يجب لها عليه في مطالبها قِبَلَهُ، وضمن عنها الدرك في ذلك، وطلقها زوجها عليه. ثم بعد ذلك شهد شهودٌ بالسماع أنه كان يضربها إلى الافتداء منه، فإن وجب الغرم على الزوج، فهل له مطالبةُ الضامن؟ وهل تعمل شهادة السماع في مثل هذا؟ فإن أعلمت فما معناها وكيفيتها؟ فأجاب: إذا ثبتَ الضررُ لم يلزم للزوجة الخلعُ باتفاق، ولا ضامن

من أوقف طلاق زوجته على تنازلها عن صداقها

الدرك على الصحيح، ويكفي في ثبوت الضرر شهادةُ السماع. من أوقف طلاق زوجتِهِ على تنازلها عن صداقها وسئل في رجل سألته زوجُه طلاقها فقال لها: إن تركتِ مالكِ عندي من صداق وسياقة فلكِ ذلك، فقالت له: نعم. فأتى بشاهدين وأشهدهما بذلك وتراضيا به وضمنت الزوجةَ أمُّهَا، وأشهدت على نفسها أنها متى قامت بسنتُهَا تطلبُ ما ذكر فالأم حاملة عنه، ولم يسم الرجلُ طلاقاً، ولم يلفظ به حين إشهاد الزوجة وأمها بما ذُكر، وإن بعض الناسِ سأله عند انصرافه من موطن الإشهاد، فقال له: إني بريء منها على خير، ثم سأله ثان وثالث فقال لهما مثل قوله للأول، فمكث أياماً قلائل، ثم قال: إني لم أطلقها ولا أشهدت بطلاقها، ولم أوقعه عليها حين انصرافها. فهل الطلاق واقع على حكم الخلع أم لا؟ وهل يرد إلى نيته في قوله: برئت منها؟ بينوا لنا ما يلزمه في ذلك كله. فأجاب: إن ثبت ما ذُكر بشهادة العدول، أو اعترف الزوج به لزمه الطلاق، وإن لم يلفظ به، قياساً على ما قالوا فيمن قال لزوجته: إن أعطيتني كذا فارقتك، إِن فُهم من قرائن الأحوال وبساط الكلام أنه أراد وجهَ الخلع، أنه يلزمه الطلاقُ والخلعُ. وهذه المسألة المسؤولُ عنها كذلك، لأن بساط الحال وضمان الكلام، وهو حاضر ساكت، وقوله بعد ذلك: برئت منها على خير، يقتضي أنه أراد الطلاقَ والخلع.

سقوط النفقة على الناشز

سقوط النفقة على الناشز وسئل هل للناشز نفقةٌ على زوجها أم لا؟ فأجاب: إن ثبت عند القاضي نشوزُ المرأةِ على الوجه المذكور في السؤال، تسقط نَفَقَتُهَا مدةَ نشوزِها. نفقة زوجة المفقود وسئل في امرأة فُقِدَ زوجُها، ورفعَتْ أمرها إلى القاضي بموضعها بعد فقده بمدة، وكانت قد أخذتَ نفَقتَها وكسوتَهَا من مال المفقود من يوم الفقد إلى يوم رفعها لأمرها فحكم لها القاضي بالنفقة والصرف وسائر فرضها من يوم رفع الأمر، ولم يثبت لها شيئاً مما قبل ذلك. فهل ما حكم به القاضي صَحيحٌ أم لا؟ بينوا لنا وجهَ الصوابِ في ذلك. فأجاب: ما حكم به القاضي هو فقه المسألة. نفقةُ الزوجة قبل الدخول وسئل في من طُلب بالنفقة قبل الدخول؟

حضانة جدتين ليتيم

فأجاب: إن كان قد دُعي الزوجُ للدخول وامتنع لغير عذر بالزوجة قُضِيَ عليه بالنفقة وإلاَّ فلا. حضانة جدتين ليتيم وسئل عن رجل كان له زوج فتوفيت وتركت له بنتاً من نحو عام، فأخذتها جدتها للأم فحضنتها مدةَ ستةِ أعوام، حتى نفدَ مالُ البنت ولم يبق منه إلا بعضُ أرض، فأراد والدها وجدها للأب أخذَها، والتزمت جدتها للأب أن تنفق عليها وتربيتها وتجري عليها النفقة وسائر المؤنة إلى أن تتزوج، ليبقى مال البنت على ملكها، وقصدها بذلك الرفق بالبنت وتوفير ما بقي من مالها. فتفضلوا بالجواب مأجورين مشكورين. فأجاب: إنه نُقل في كتاب الاستغناء الخلافُ فيما إذا كانت لليتيم جدتان جدة للأم وجدة للأب، ولم يكن معه إلا دار قيمتها عشرون ديناراً أو نحوها، فأرادت جدة الأم بيعها عليه لتنفق ثمنها عليه، وقالت جدةُ الأب: أنا أنفق عليه من مالي ويكون معي وتبقى له داره رفقاً به، وليس له مال تجري عليه منه النفقةُ عند جدة الأم، فحكي عن بعض المفتين من الشيوخ

أن الجدةَ للأم أولَى بالحضانة. وقال المشاوَر: يُنظرُ إلى الأرفق بالصبي، لأنهما وليان جميعاً؛ فوجه القول الأول البقاء مع الأصل في أن الجدة للأم أولى بالحضانة مقدمة في الحضانة. ويعضد هذا القولَ، القولُ بأن الحضانةَ حق للحاضن، ووجه الثاني أنَّ الحضانةَ أصلُها الرفق بالمحضون، ولذلك قدم فيها النساء على الرجال لما ظهر من الشفقة والحنان وحسن القيام على التربية، ويعضده القول بأن الحضانةَ حقٌ للمحضون، وقيل: إنها حق لهما معاً. والظاهر عندي في هذه المسألة المسؤول عنها: أنه إن كان بقاء الصبية مع جدتها للأم يؤدِي إلى الإجحافِ بها في يسارةِ مالها، ويُخاف أن يُباعَ عليها وتصيرَ فقيرةً من فقراء المسلمين، وكانت جدة الأب تلتزم نفقتها وجميعُ مؤنها وهي في الرفق بها وحسن التربية بمنزلة الجدة للأم، والأب ضعيف لا كبير مال معه يواسيها به، أن تنتقل حضانتُها إلى جدة الأب، ولا تمنع من زيارة جدتها للأم والمقام معها في بعض الأيام. وإن كان لا يؤدي إلى الإجحاف بها كثيراً وكان لأبيها من أن يواسيها وامتنع من ذلك بخلاً منه، لا إضرار بجدة الأم أن تبقى معها ولا تنتقل إلى الجدة للأب، والنظر في ذلك إلى القاضي، أعانهالله ووفقه، فيما يظهر له من مخايل الأمور والأحوال وما يثبت عنده في ذلك.

إلحاق بنت بنسب أبيها للشبهة

إلحاق بنت بنسب أبيها للشبهة وسئل في رجل تُوفي عن زوجة وبنت منها، وأُلفِيَ في صداقهما طلقةٌ ومراجعةٌ، والرسمان غيرُ مشهودَين، والبنت عن وطء بعد المراجعة. فأجاب: تُلحقُ البنتُ به للشبهة الدالة علَى أنَّهَا ابنَتُه. اتهامُ زوج زوجتَهُ بالزنى وسُئل فيمن اتَّهَمَ زوجه بالزنى، والزوجة حامل منه؟ فأجاب: إنَّ تحققَ أنها وقعت في الزنى وجب عليه أن يُمسك عنها، حتى تضع حملها، وإن لم يحقق أمسك عنها على جهة الورع، من غير وجوب. من أقرت أن رجلاً جامعَها غلبةً ثم أنكرت وسئل في امرأةٍ ذاتِ حَمْلٍ، أقرتْ أنَّ رجلاً دخل عليها غلبةً وجامعها، ثم أنكرت بعد الإقرارِ؟ فأجاب: إن كانت المرأةُ غيرَ متزوجةٍ لا يجوز لها أن تتزوج حتى تضعَ؛ وإن كانت متزوجةً لا يجوز لزوجها أن يَقربها، إلا بعد ثلاثِ حِيَضٍ، وإن حملت من الماء الفاسد فلا يقربُها حتى تضع، وإذا أنكرتْ قُبِلَ إنكارُهَا بعد اعترافها.

شرب الرجل لبن زوجته

شُرْب الرجلِ لبنَ زوجتِه وأما الثالثة فلا نصَّ في الرجل يشرَبُ لبن امرأته في الحولين أو بعدهما. تزوج زوجة المفقود وقسمة ماله وسئل عن جماعة من الفرسان فُقِدوا في معترك القتال بين المسلمين والنصارى منذ عامين ونصف وثبت بالسماع الفاشي المستفيض على ألسنة أهل العدل وغيرِهم أنَّهمْ قُتلوا واستشهِدُوا، ولم يعش منهم إلا أربعة لا غير، وذلك لكثرة تردد الفكاكين إلى أرض لورقة ونواحيها، وخرج الأسرى من المسلمين منها كلهم يشهدون بذلك، ومنهم من شهد فيه على التعيين بأنه مات هناك، وذلك أيضاً بالسماع الفاشي المستفيض، وأنه لم يثبت حياة واحد منهم ولا سمع أنه حي بوجه طول المدة، فهل يجوز لنسائهم أن يتزوجن وتقسم أموالُهم؟ أو لا تكون الشهادة عاملةً في مثل هؤلاء إلا من شهد فيه على التخصيص بأنه مات بالسماع الفاشي المستفيض؟ ومن تزوجت منهن باجتهاد من الحاكم هل يفسخ نكاحْها ويُنقضُ حكمُ الحاكم أم لا؟

فأجاب: الجواب وبالله التوفيق أنه إن ثبت فيمن فقد من المسلمين المسؤول عنهم أعلاه أنه كان في العسكر متوجهاً للقتال، ورُئي في المعترك، أن الحكم بموته وقسم ماله وتزوج زوجته كما ذُكر في السؤال، صحيح، سواء شهد فيه على التخصيص أنه مات أو شهد بالسماع المستفيض، فقد أفتى القاضي أبو عبد اللهبن الحاج رحمهالله في بعض المغازي الواقعة بأرض الأندلس بين المسلمين والكفار في رجل شُهد فيه بالسماع الفاشي أنه استشهد في تلك الواقعة، وثبت رسم آخر أنه رُئي في العسكر، أنه يحكم بموته في تاريخ ثبوت موته على السماع ويرثه ورثته الأحياء يومئذ، ولا يحكم بموته الآن، ولا يُعمَّر كما يُعمَّرُ المفقودُ وليس لزوجته نفقةٌ في ماله، هي كالمتوفَّى عنها زوجُهَا. وذكر اللخمي فيمن فقد في زمن الطاعون وفيمن توجه إلى بلد فيه طاعون أنه يحمل أمره على الموت، فتعتد امرأته ويقسم ماله، قال: وذكر بعض أصحابنا عن مالك أن الناسَ أصابتهم سنةً بطريق مكة سعالٌ. وكان الرجل لا يسعل إلا يسيراً حتى يموت فمات في ذلك عالم وفقد ناس ممن خرج فلم يأت لهم خبر حياة ولا موت، فرأى أن تُقسم أموالُهم ولا يضرب لهم أجل المفقود ولا غيرُه، فهذا بعضُ ما حكم فيه في هذه النازلة، ويدل على أنه مبني على غلبة الظن في ذلك، فما حكم به صحيح لا مجال فيه لاعتراض معترض.

الميراث والوصية

الميراث والوصية مطالبةُ الأولادِ والدَهم بميراثٍ من أمهم وسئل في رجل كان له مع زوجته نحو ثلاثين عاماً، ثم توفيت الزوجة فطلب الأولادُ والدَهُم بميراثهم مما تركت المتوفاةُ من زرعٍ وزيتٍ وحرير؟ فأجاب: للأولادِ طلبُ أبيهم بالكراء وبغلة ما أخذ من الأملاك ما دون دار السكنى، إن كان للزوجة دارٌ، ويرجعُ هو بإجارة خدمته. ميراث المفقود وسئل في مفقودٍ توفي له ولده. هل يرث أباهُ المفقودَ أم يرثه المفقود؟ فأجاب: يُضربُ للمفقود الأجلُ سنةً من يوم الرفع، فإن لم تثبتْ حياتُه وحكم القاضي بموته يوم الكائنة فيورث منه ولده الذي مات بعد فقده. وعلى هذا جرى العملُ اليومَ. وإن لم يحكم بموته يومَ الكائنةِ، وهو البيِّنُ، فلا يورث منه. وسئل في من غاب في أداء فريضة الحج وانقطع خبرُه وماتت

وصية صبي لحاضنته

ابنة عمه وهو غائب. هل يرثها هو أو من يجب له الميراث؟ فأجاب: يُعَمَّرُ، فإذا انقضَى أجلُ التعمير وهو سبعون سنةً من يوم ولادته على المشهور، فإن لم يُعرفْ له خبرٌ ورثه يومئذ أحياءُ ورثته، ولا يرث هو من مات قبل انقضاء أمدِ التعميرِ، ابنة عمه أو غيرها. وصية صبي لحاضنته سؤال: عن صبي عهد بثلث ماله لحاضنته ومات، وكان ابن تسعة أعوام، وثبت العهد كما يجب، فادعى وصيُّ الوارث للعاهد المذكور أن العاهد ما كان يعقل القربة، فأحضر قاضي الموضع الشاهدين بمجلس الحكم وسألهما: هل كان يعقل ذلك أم لا؟ فقال: إنه قال لهما: اشْهَدَا عليَّ بالثلث الجائز لحاضنتي فلانة، لأنها خدمتني وربتني، فقال القاضي: التسعة الأعوام تكفي أم كيف وقد عرف المجازاة على تربيتها له وخدمتها إياه، وأنفذ الحكم بالثلث المعهود لها به، فتفضلوا بالجواب، هل ما حكم به القاضي صحيح أم لا؟ والجواب: إن وصية الصبي المذكورة فيه نافذة لأنه يعقل القربة على ما وُصف به، قال في المدونة: تجوز وصية الصغير ابن عشر سنين وأقل مما

يقاربها، إذا أصاب وجه الوصية، وذلك إذا لم يكن فيها اختلاط، وفي كتاب ابن المواز: قال مالك وأصحابه: تجوز وصية الصغير إذا عقل ما يوصي به مثل ابن تسع سنين وشبهه، فما حكم به القاضي من إنفاذها صحيح لا يطعن فيه، وذكر السائل أن مخاصمي الموصَى له أثبتوا رسماً بأنَّ الصبيَّ كان لا يعقل القربة، فلا يُلتفت إليه، إذ الصحيح أنَّ البينةَ المثبتةَ أنه كان يعقل مقدمةٌ على غيرها، لا سيما وقد حَكَمَ القاضِي في مسألتنا.

الهبة والحبس

الهبة والحبس الهِبة بشاهد واحد وسئل في رجل وهب ابناً له صغيراً موضعاً بشاهدٍ واحدٍ، وتوفي ولم يشهد غيره. فهل تصح الهبة بالشاهد الواحد دون يمين أو توقف بخلال ما يكبر الابنُ ويحلف ما شاهده؟ فأجاب: يُسألُ الورثةُ: فإن وافقوا صحت الهبةُ للموهوب له، وإن لم يوافقوا حلفوا على نفي العلم، ووقف الموهوب بأيديهم إلى أن يبلغ الصبي، فإن حلف أخذه وإلا فلا. نحلة الأب بنتيه في مرضه وسئل في إنسان وقع في المرض، وتمادى مرضُه نحواً من سبعة أشهر، وفي أثناء هذه المدة عقد النكاح على بنتين له، ونحل كلَّ بنتٍ أملاكاً من أملاكه والتزم لها شِواراً بعدد معلوم، ثم توفي في مرضه ذلك. فهل يصح فعلُه فيما ذكر أم لا؟ فأجاب عن المسألة: تقفُ النحلةُ على إجازة الورثة.

نحلة الأب ابنه قبل عقد نكاحه

نحلة الأب ابنه قبل عقد نكاحه وسئل عمن نحل ابنَه نحلةً وأشهد بها قبل عقد النكاح المنحول له بأيامٍ، هل يصحُّ ذلك أم لا؟ فأجاب: النحلةُ صحيحةٌ لازمةٌ للأب إن كان حازها الابن في صحة والده وحياته، وإن كان الأب قد مات قبل أن يحوزها فلا تصح له إلا بتسليم الورثة، لأنها تقدمت النكاح بخلاف ما هو في عقد النكاح فلا يفتقر لحوز وأما إن كان الأبُ حيّاً فيُجبر على التَّحْويز. الحبس بشاهد واحد وسئل في حبس بشاهد واحد؟ فأجاب: اختُلف في الحَبَس المعقب بشاهد واحد، فقيل: يحلف من يستحقه ويثبت الحبس له ولمن بعده. وقيل: يثبت له، فإن حلف من جاء بعده استحقه وإلا فلا. والذي يترجح في مسألتنا: أن هذا الذي هو الحبس بيده يحلف مع

الحبس على مدرس العلم والحديث

الشاهد الذي شهد على خطه، ويثبت له ولغيره لثبوت أصل الحبس، وصرفه فيما حبس عليه. الحبس على مدرس العلم والحديث وسئل عن حبس حبسَ على مقرىء العلم وقارىء الحديث، هل يجوز أن يخص مقرئ العلم نفسه بفائد الحبس ولا يعطي منه لقارىء الحديث شيئاً أم لا؟ فأجاب: لا يجوز أن يخص بالحبس أحد الصنفين إلا أن يكون في عقد الحبس دليل على ذلك. والسلام على من يقف عليه، من محمد بن سراج، وفقها لله. الكتب المحبسة على جامع غرناطة وسئل عن كتب محبسة في خزانة الجامع الأعظم، فاشترط المحبس فيها ألا تُقرأَ إلا في الخزانة المذكورة، وأن لا تخرج منها، ومنها ما اشترط أن يخرج لكن بعد وضع رهن أو ثقة. فهل يجوز أن يتعدى ما اشترط في الحبس فيأثم المتعدي بسبب ذلك أم لا؟ فأجاب: لا يجوز أن يُتعدَّى شرطُ المحبِّس، لأنه تصرف في ملك الغير بغير بإذنِهِ، لأن الانتفاعَ بالحبس على ذمة المحبس. صرف أحباس المساجد وسئل عن مسجد له أصول زيتون لا يُعلم هي هي محبسة على

ما يستحق الإمام من غلة أحباس المسجد

الإمام أو للوقود؟ فاستمرت العادةُ بطول السنين أنه كان يقسم الزيت على الإمام والمسجد إلى أن منعت البادية ما كان يُعطَى للإمام من الزيت، وصرفوه في بناء المسجد وحصره ووقوده، وأن الزيت شط على ذلك كله، فهل يكون للإمام عادة كما كانت، أو يعطى منه شيئاً معلوماً؟ فأجاب: إن كان المسجدُ جرت العادةُ فيه أن يُدفعَ لإمامه شيء معلوم مما سئل عنه كان ذلك للإمام، وأما إن لم تكن عادة فَيُبَدَّأُ بالبناء ثم الحُصُر ثم الإمام. ما يستحق الإمام من غلة أحباس المسجد وسئل عن إمام قرية أَمَّ بها مدةً من عامين بطعام معلوم وفائدة أحباس المسجد، ومن جملة أحباسه أصول زيتون لم يكن فيها في العام الأول غلة، وجاءت في العام الثاني بغلة كاملة على العادة في غلة الزيتون أنها عام وعام. خرج هذا الإمام عن الإمامة في أكتوبر بعد تمام العامين، ودخل غيرُهُ فأراد الداخل أخذَ الغلةِ كلَّهَا. بينوا لنا لمن تكون الغلةُ منهما؟ فأجاب: إذا كانت الغلةُ في العام الذي خرج فيه الإمام من المسجد فله منها بحسب ما أمَّ فيه من شهور العام.

خروج الإمام بعد دفع الأرض المحبسة على المسجد

خروج الإمام بعد دفع الأرض المحبسة على المسجد مزارعة وسئل عن إمام أعطى الأرضَ المحبسةَ على المسجد لشريكين مزارعةً، وزال من الإمامة في إبان الزراعة، فلما كان قبل زواله بيسير دفع للشريك الواحد حظه من الزريعة، وزرع الشريك ما كان بيده. وزال من الإمامة ومكث الحصن مدة من شهر أو نحوه بغير إمام، فحينئذ زرع الشريك الآخَرُ ما كان بيده من تلك الأرض وجعل الزريعة من عنده. ثم إن أهل الحصن نظروا إماماً آخر وأرادوا أن يدفعوا ذلك الذي استفيد في تلك الأرض، أعني النصف منها، وقال الإمام الأولُ: الزرع لي، لكوني أنا دفعت الأرضَ للشريك، فهل يكون الزرع للإمام الأولِ - ما دفع حظه من الزريعة وما زرعه الشريك من عنده - أو يكون له الزرع الذي دفع حظه من الزريعة دون غيره؟ فأجاب: للإمام الخارج من الإمامة حظُّه من الزرع الذي أعطى زريعته ويغرم كراء الأرض، ولا شيء له من الزرع الذي لم يدفع زريعته. زرع الإمام الأرضَ المحبسة على المسجد وسئل عن رجل كان إمامَ موضعٍ، وكان للمسجد الذي يؤمُّ فيه أرضٌ محبسة عليه، فزرع الأرضَ على حسب العادةِ في ذلك، ثم إنَّ أهلَ الموضِع أخرجوه وأخروه عن الإمامة، والزرعُ لم يتم بل بقي لزمان حصاده مدة، ثم إنه دخل إمامُ آخر عوضه، فأراد الإمامُ الثاني أن يتبع الأولَ بكراء الأرض المزدرعة من يوم خرج إلى يوم الحصاد وقلع الكتان، فقيل له: لا يجب لك شيء، لأن الإمامَ أخرجَ وهو كارهٌ فكأنهم غصبوه. فأجاب: يجب على الإمام الذي زال أن يؤديَ كراءَ ما بقيَ من شهوره العامِ بنسب ما بقي من شهورِ السنةِ، ويقض عليه ما ينوبه من كراء الأرض في العام كله إذا وزع عن شهور العام.

المعاملة في فرن محبس على مسجد

المعاملة في فرن محبس على مسجد وسئل عن فرنٍ حُبس على مسجدٍ اتفق إمامُه والفرّانُ على حظ معلوم منه بالأيام. هل يجوز هذا الاتفاقُ على هذا الوجه أم لا؟ فأجاب: المعاملة في الفرن على الأيام جائزة كما ذكر في السؤال، ومانع ذلك جاهل. قاله ابن سراج. ما يناله الإمامُ من الفرن المحبس على المسجد وسئل في قريةٍ لها فرنَان، أحدها للجانب والآخر للمسجد، ولكل فرن جهة معلومة من ديار القرية، ربما طبخ بعض أناس من الجهتين بفرن الجهة الأخرى لقصد أو عارض يعرض له، فانتقل من جهة فرن الجانب قوم لفرن الأحباس، فقال بعض الناس: لا يجوز للإمام ذلك، وأخذه لذلك الدقيق الذي يتألف، قادح فيه، فبينوا لنا وجه الصواب في القضية؟ فأجاب: ليس على الإمام جناح في ذلك ولا على غيره، وهو حلال، ومن ادعى تحريمه فهو جاهل متقول على الشرع، يجب عليه التوبةُ من كلامه. الرجوع في التحبيس وسئل عن رجل كانت له أملاكٌ وكان بعض جيرانه يضرُّ بِهِ،

صرف أحباس المساجد المعطلة في مساجد أخرى

فجاء يوماً ووجده قد قُطع له فيها أشجار، فلحقه من ذلك غيظ شديد، فخاف على نفسه وقوعَ الشر بينه وبين جيرانه فحبسها دفعاً للشر لا تقرباً إلىالله تعالى، ثم أراد الرجوع في ذلك متعذراً بكونه حبسها على غير وجه التحبيس ولكونها ليس فيها للمسجد منفعة بسبب كثرة الماء فيها وعدم من يحفر بلاطها، فهل له رجوع لهذا العذر أم لا؟ فأجاب: التحبيس لازم إلا ن يثبت أنه لم يقصده، وأما إن جهل أمرُه فهو لازم لا رجوع له فيه. صرف أحباس المساجد المعطلة في مساجد أخرى وسئل عن أحباسٍ مكتراةٍ من قَبْل استيلاء العدوِّ على الحصن، فتعطلت عمارتها ولم تتم مدة الكراء، فهل يلزمهم الكراء لبقاء مدته أم يُحط عنهم ذلك؟ إذ لا يمكن تعميرها. فأجاب: بأن الأحباس التي حبست على المساجد التي استولت الكفارُ على مواضعها فإنها تُصرف على مساجد المسلمين. بيع الأنقاض التي بأرض الحبس وسئل عن أرض محبسة اغترس فيها وبنى، فلما بلغ حد الانتفاع أراد الباني أو الغارس أو ورثته بيع ما غرس وبنى خاصة، إذ الأرض محبسة، فهل تجوز هذه المسألةُ مطلقاً أو يشترط البائعُ القلعَ والهدمَ، والضمائرُ منعقدةٌ على التبقيةِ أو العادة التبقية؟ فأجاب: بيع الأنقاض المبنية في الأرضِ المحبسةِ من غير شرط القلعِ والهدمِ، فيهِ خلافٌ، منعه جماعة من أهل المذهب، وأجازه جماعةٌ أخرى، والصحيح جوازه إذا جرت العادةُ بإبقائها.

بيع حبس لا منفعة فيه

بيع حبس لا منفعة فيه وسئل عن شَعْرَاء بأحواز قرية قرطبة من عمل قمارش حبست على المسجد بالقرية المذكورة منذ أزيد من مائة عام، وإن المسجد المذكور لم ينتفع بها منذ حبست عليه إلى الآن، وأهل القرية يريدون بيعها ووضع ثمنها في بناء المسجد وبلغ ثمنها سبعة دنانير فضية عشرية. فهل يجوز لهم بيعها أم لا؟ فأجاب: إذا ثبت ما ذكر جاز بيع الشعراء وجعل ثمنها في مصالح المسجد المذكور. الانتفاع بأَنقاض المسجد المهدم وسئل عن قرية بأرض قمارش تعرف بالزاوية، وكانت قرية ضعيفة، فهلكت فأحاط بميراث مسجدها قرية أخرى تعرف بالزنج، فهلكت قرية الزنج فأحاط بميراث مسجدها قرية أقوطة، فبقي مسجد قرية الزنج من غير بناء فخفنا عليه من فساد عدته، مثل القرمد والخشب والدفاف. فهل يجوز أن يؤخذ ما بقي منه أو يصلح - إن كان معه سبب لذلك؟ فنريد من كمال فضلكم أن تبينوا لنا حكم هذه المسألة المباركة. فأجاب: المسجد الخرب الذي لا يُصلَّى فيه لبناء من يجاوره يؤخذ نقضه ويبنى به مسجد آخر. متى يجوز هدم المسجد وسئل عن مسجد قرية خلت من السكان حتى لم يبق فيها

للسكنى إلا داران، غير أن المسجد والقرية في وسط العمران، وعلى طريق تُسلك على الدوام، فقلما يخلو المسجد ممن يصلي فيه، وله حبس أُضيف إلى حبس مسجد القرية القريبة منه، التي هي عامرة وصار ينتفع به، ومسجد القرية هو جيد البناء، إلا أن بعضه يحتاج للإِصلاح وفيه عدة جيدة، فهل يجوز هدمه واستخلاص أنقاضه وآلته يبنى بذلك مسجد القرية العامرة لكون بعض أهل الموضع يرومون ذلك خوفاً أن يبقى المسجد الذي بالقرية الخالية على ما هو عليه فتهدم آلته أم يؤخذ من فائد أحباسه، التي أضيفت لمسجد القرية العامرة، ما يصلح به بناؤه ويرم ويبقى مسجداً كما كان؟ على أن القرية الخالية لم يبق فيها أحد يسكن، وهي منذ عشرين عاماً خالية، وإنما بقي من الدارين اللتين بقيتا فيها بعض بنائهما بغير سكنى. فأجاب: الجواب، وبالله التوفيق، أنه إن كان المسجد المشار إليه في السؤال أعلاه، يخاف من اجتماع أهل الشر والفساد فيه، فيهدم ويستعان بنقضه في مسجد آخر، وإن كان لا يخاف من ذلك فيه، فيبنى ما تهدم منه من أوقافه التي نقلت لغيره من المساجد.

البيع بثمن منجم مع شرط فاسد

البيع والمبادلة البيع بثمن منجم مع شرط فاسد وسئل عن رجل باع ملكاً له من آخر بثمن منجم، وشرط عليه البائعُ في عقد الابتياع أن الثمنَ يبقى لأنجمه المذكورة سواء عاش المشتري أو مات ودفع له الأنجم وأحال في باقيها، ثم قيل له بعد ذلك: إنَّ الصفقةَ لا تجوز بسبب الشرط المذكور، فبقي في نفسه من ذلك شيء إلى أن اجتمع مع المشتري، فقال له: المشتري: إذ هي فاسدة. فإنا نشهد بفسخها ونعقد بعد ذلك عقدة أُخرَى صحيحة، فطاوعه البائعُ على ذلك، وأشهدا بالتفاسخ، فلما انعقد الفسخ بينهما هرب منه، ولم يقدر بعد على ضمه لتجديد العقد، وهو الآن يطلب البائع بما دفع إليه من الثمن، والمحال الذي أحاله البائع على المشتري يقول الآن للبائع: حين أحلتني في بقية الثمن خرجت أنت عن العقدة فبأي وجه حللتها وفسختها ولم يبق لك فيها طلب؟ والبائع المذكور لم يفسخ العقدة إلا ظاناً أنها مفسوخة، فلكم الفضل في بيان الحكم في النازلة بياناً شافياً. فأجاب: تصفحت السؤال المكتوب أعلاه، والجواب أنَّ العقدة أولاً، الظاهر فيها أن البيع صحيح والشرط فاسد، ولا يقال بفساد البيع لأن بعض العلماء خارج المذهب يرى أن الدين لا يحل بموت من هو عليه، وابن القصَّارِ يرى أنه إن التزم الورثة أداءَ الدين عند أجله وكانوا أملياء، أنْ يحكم على صاحب الدين بذلك، وإنما رأى مالك رضيالله عنه أن يحل

بيع ورق التوت

الدين بموت من هو عليه، لأنَّ الميتَ تخرب ذمته بموته، فيؤدي إلى خسارة صاحب الدين، فلذلك حكم بحلوله، لا أنه يثبت فيه سُنةٌ تمتنعُ مخالفتُها. فإذا كان الأمر هكذا فيكون البيعُ صحيحاً، والشرط فاسداً، وأما ما وقع بينهما بعد ذلك من الفسخ فإن ثبتَ ما ذكر في السؤال من أن الفسخ لم يكن إلا في ظاهر الأمر دون الباطن فلا يلزم الفسخ، وإلا فيلزم فيه. والسلام على من يقف عليه من محمد بن سراج. بيع ورق التوت وسئل عن بيع ورق التوت تحرياً دون وزن، يكون بعضها بقرية وبعضها بقرية أخرى؟ وهل يجوز التفاضلُ فيها؟ وهل تجوز المعاوضة بالعصير تحرياً إذا بدا صلاحهُ أو يشتري هذا وهذا وتقع المقاصَّةُ في هذا الثمن؟ وهل يجوز بيعه حِصْرماً إذا كان غير طيب. فأجاب: يجوز بيع ورق التوت بعضها ببعض تحرباً إذا كان البائع والمشتري عارفين بالتحري، أو قدَّمَا عَارِفاً يركنان لقوله، ويجوز التفاضلُ فيهما وأن يكون بعضها بقرية وبعضها بقرية أخرى، ولا تجوز المعاوضة بالعصير لعدم التناجز، ولا يتقاص، ولا أن يأخذ عصيراً في ثمن عصير آخر، ويجوز بيع العنب حِصْرماً إذا كان يقطع حصرماً، وقد كان بلغ أَنْ ينتفع به فيما ينتفع بالحصرم.

بيع القصيل بالطعام

بيع القصيل بالطعام وسئل عن بيع القصيل بالطعام؟ فأجاب: بيع القصيل بالطعام جائز باتفاق، نقداً أو إلى أجل ويبادر لاتصال القصيل ولا يتركه حتى يتحبب، وإن تركه حتى تحبب فُسخ البيع على المنصوص لابن القاسم. دفع سلعة عوضاً عن سلعة أخرى في الذمة وسئل عمن وجب عليه حرير، هل يدفع قمحاً أو كتاناً أو غيره من السلع؟ فأجاب: له أن يأخذ عن الدين ما ذكر في السؤال إذا تعجله، إلا أن يكون هذا المأخوذ صنف الدين الذي دفع في الحرير وأخذ أقل أو أكثر فلا يجوز. من أسلَمَ طعاماً في عروض وسئل فيمن أسلم لآخر قمحاً في حرير، فلما حان أمَدُهُ أرادَ الغريمُ أنْ يعطيَهُ قيمةَ الحريرِ دراهمَ فهل يجوز ذلك؟ فأجاب: ذلك جائز بشرط التعجيل لئلا يكون فسخَ دينٍ في دين.

مبادلة الطعام وزنا

مبادلة الطَّعَامِ وزناً وسئل عن المبادلة في الطعام يَجعلُ هذا طعَامَهُ في كفةٍ والآخر في الكفة الأخرى؟. فأجاب: لا تجوزُ المبادلةُ بأن يجعل الملحُ في كفةٍ والشعيرُ في كفةٍ، وكذلك ما أشبه هذا، لأنه كالزنة بحجر مجهول، فلا يجوز لأنه غرر، إلا أن يُعرفَ مقدارُ وزنِ أحدِهِمَا بما يوزن به الآخر فيجوز، لأنه يصير معلوماً، وقد نصَّ على المنعِ فيما ذكر المنع فيه عبدُ الملك بن حبيب. وسئل عن إمام يجتمع له في فرنِ الأحباسِ دقيقٌ مختلطٌ من الذرة والقمح والشعير والسلت. هل يجوز له المبادلةُ بالذرة مثلاً أو القمح حبوباً فيجعل الحبوب في كفةٍ والدقيق في الكفة الأخرى؟ فأجاب: لا تجوز المبادلةُ على الوجه المذكور المسؤول عنه، إلا أن يكون بغير ما اختلط به مثل أن يختلط دقيق قمحِ ودقيقُ شعيرٍ، فيبدله بدقيق ذرة بالميزان بالصنجة لا في كفتين، لأن دقيقَ الذرة صنف آخر ودقيق الشعير والقمح صنف واحد، وأما بيعه بالدراهم فيجوز. سلف الدقيق وزناً وسئل عن سلف الدقيق بالوزن حسبما جرت به العادةُ،

وذلك أنَّ بعضَ أهلِ الزمانِ منعه، ورأى أنه لا يجوز إلا كيلاً، لأنه المعروفَ في الدقيق عند الفقهاء الأقدمين؟. فأجاب: روى النسائي وغيرُه عن النبيصلى الله عليه وسلم أنه قال: المِكْيَالُ عَلى مِكْيَالِ أهْلِ المَدِينَةِ، والوَزْنُ عَلَى وَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ فاتفقَ العلماءُ، إلاَّ مَنْ شذَّ منهم ممن لا يُعتدُّ به في المسألة، على أنه يرجع لهذا الحديث في نصب الزكاة، فالمعتبر في الدنانير والدراهم العدد والأواقي المعتبرة في الشرع، وَتُرَدُّ دَرَاهِمُنَا ودنانيرنا إليها، وتعتبر سكتنا بالنسبة إليها، وكانت سكة الذهب والفضة معروفة بمكة قبل الإسلام، فأقرَّهَا النبي عليه السلام على ما كانت عليه في الجاهلية وقَدَّرَ بها النصابَ، وكذلك المعتبر في الحبوب من التمر والقمح والشعير والقطاني، وغير ذلك الكيل، فيكون على مقدار النصاب المشروع بمكيال أهل المدينة، ويعتبر في كيل كل بلدٍ نسبته في النصاب بالمقدار المحدود شرعاً إلى مكيالِ أهلِ المدينة، ولا يعتد بما جرت به العادةُ إن كانت مخالفةً لعادةِ الشرع بالوزن، فيما كان المعروف فيه في الشرع الكيل وبالعكس، وكذلك الكفارات على تفصيل فيها، وكذلك فدية الأَذَى.

وأما في البيوع والسَّلَمِ والمعاملات فتُعْتَبَرُ العوائدُ وما جرى به عرفُ كل موضعٍ من كيلٍ أو وزن، ولا أعلمُ في ذلك خلافاً، فالتمر مثلاً كان المعروف فيها بالشرع الكيل، وعندنا المعروف فيها الوزن فلا يجوز عندنا التعامل فيها بالكيل، لأنه مجهول فيقع في الغرر، وقد نهى النبيصلى الله عليه وسلم عن بيعِ الغرر فيخص بهذا النهي قولهصلى الله عليه وسلم: المِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ المَدِينَةِ الحديث المتقدم. وأما المبادلةُ فيما تطلب فيه المساواةُ شرعاً فهل يُعتبر فيهَا ما هو معتادٌ في موضع التعامل كالبيوع، وإن خالفَ عادة الشرع، أو لا يُعتبر إلا ما اعتبر فيه في الشرع من كيل أو غيره؟ اختُلِفَ في ذلك على قولين: أحدهما: أنه اعتبر ما جرت به العادةُ في موضع التعامل، وهذا قول ابن القصَّار، فأجاز مبادلة القمح بالقمح وزناً، وأجاز مبادلة القمح بدقيقه وزناً، وقيد إحدى الروايتَيْنِ عن مالك بالمنع من مبادلة القمح بالدقيق إلاَّ إذا كانت بالكيل، ورأى أنها إذا كانت بالميزان جازت كما قال في الرواية الأخرى. والقول الثاني: أنه يُعتبر فيها ما قرر في الشرع في ذلك الشيء من كيل أو وزن، وهذا قول الباجي ومال إليه بعده جماعة من المتأخرين كابن

شاس وابن الحاجب وغيرهما. فوجه القولِ الأولِ أنَّ المقصودَ المساواةُ وقد حصلت. والمعتبر فيهما ما يعلم به ذلك عادة كالبيوع، ويُخَصُّ الحديث المتقدم وهو قولهصلى الله عليه وسلم: المِكْيَالُ علَى مِكْيَالِ أهْلِ المَدِينَةِ والوزْنُ وَزْنُ أهْلِ مَكَّةَ بالزكاة والكفارات. ووجه القول الآخر: أنَّ المعتبر ما عرفَ في الشرع، فيه يتحقق التساوي، لأن الشارع لما أمر بالمُمَاثَلَةِ اعتبر فيها ما كانت تحصل به في زمانه، ويعضده بالحديث المتقدم ويعمه في الزكاة والمبادلة، بخلاف المعاملة فإنه يخصه بحديث النهي عن بيع الغرر، ومنع في كتاب الصرف من المدونة بيع القمح وزناً فيحتمل أن يكونَ وجهُ المنع ما تقدم فيكون مذهب اعتبار العادة عندهم فيه الكيل فمخالفتها توقع في الغرر، وعبارات الفقهاء في الموطإ وغيره تقتضي أنَّ التعاملَ في الدقيق بالكيل، والمعروف فيه عندنا بالعادة الوزن لا الكيل. فإذا تقرر هذا فنقول: السلف يشبه المبادلةَ في طلب التساوي ابتداءً، فلا يجوز التفاضُلُ فيه بالشرط ويشبه المبايعةَ في كونه متعلقاً بالذمة، والذي يترجح، والله أعلم، أنْ يُعتبر فيه بابُ المبايعة، لأنه يتعلق بالذمة، فيعتبر فيه ما يعلم به المقدارَ عادةً لِيُعلم ما يرد ويرتفع به الغرر، لأنه إذا انتقلَ فيه إلى

مكيالٍ لم يعتبر في العرف وقع في الجهل والغرر، لأن بعضَ القمح أخفُّ وزناً من غيره، بخلاف المبادلة فإنها في معين. ووجه آخر وهو أنْ يُقال: القرض بُني فيه على المسامحة في القضاء، فيجوز اقتضاء أقلَّ مع الرضى باتفاق واقتضاء أكثر من غير شرط على اختلاف، والمبادلة لا يجوز فيها شيءٌ من المسامحة بالزيادة أو النقصان، وإن كان مع الرضى، باتفاق. فيدل هذا على افتراق البابين، وأن القرض يُسمح فيه ما لا يُسمح في المبادلة، فقد بُني فيه على ما يحصل به التماثل بالعادة ولا يلزم ما اعترف به الشرع ويضيق فيه كما ضُيِّقَ في باب المبادلةِ، ولأن القرضَ أصلُه المنعُ لأنه مبادلة بالتأخير، ولكن سمح فيه لما فيه من الرفق فهو مبني على التخفيف. ووجه آخر: أن التفاضُلَ في مبادلة العرض بالعرض جائزةٌ، وفي القرض يمنع باتفاق مع الشرط، لكونه سلفاً جرَّ منفعةً، فدلَّ على أنَّ عِلَّةَ المنعِ في البابين ليست واحدة وأنها في المبادلة التفاضلُ وفي السلف الوقوعُ في سلفٍ جرَّ منفعةً، وإذا افترقت علةُ المنعِ لم يُقَسْ أحدُ البابين على الآخر، وهذا كله على طريقة الباجي. وأما على طريقة ابن القصار فيجوز بلا إشكالٍ، لأنه إذا أجازه في المبادلة فمن باب أولَى أنْ يجيزَهُ في السَلفَ.

فعلى هذا يترجح في المسألة المسؤول عنها أن يكون في الدقيق عندنا بالميزان. والسلام عل من يقف عليه من ابن سراج وفقه الله. وسئل هل يجوز سلف الدقيق من الجيران بالوزن أم لا؟ فإن بعض الناس منعه ورأى أنه ربا، وهل يجوز سلف الخبز بالشخص واحدة بواحدة أو بالعدد إن كان أكثر على أن تكون خبزة في مقابلة خبزة، أو تكون اثنتان باثنتين أو ثلاث بثلاث؟ فأجاب: سلف الدقيق بالوزن جائز، لا أعلم فيه خلافاً، والقول بأنه ربا خطأ، وسلف الخبز تحرياً بأن يقدر ما في الخبزة من مقدار الدقيق، فإذا رد المتسلف خبزة نظر، فإن قدر أنها مثلها فلا إشكال، وإن كانت أقل ورضيَ المسلف بذلك فهوجائز، وإن لم يرض فلا يلزمه ذلك، وله طلب ما نقص، وأمَّا إن كانت أكثر ورضي المتسلف بدفع الزائد فيجوز على قول عيسىبن دينار مطلقاً، وعلى قول أشهب إن كانت الزيادة يسيرة، وأما على قول ابن القاسم فيظهر أن يمنع، لأنه يمنع الزيادة في السلف من غير شرط، ويحتمل أن يقال بالجواز في هذه المسألة على

رد ابن سراج على تعقيب القرباقي على هذه الفتوى

مذهبه لِيَسَارَةِ الزيادة، ولقصد المعروف بين الجيران، والتساوي فيها من كل وجه قد يصعب، والذي يترجح عندي في هذه المسألة خصوصاً الجواز لما ذكرته. رد ابن سراج على تعقيب القربَاقي على هذه الفتوى لم يبينّ هذا المعترض وجهاً للاعتراض، ولا أبدى مانعاً في الفقه، ولا نقل قول إمام يعارض به، فقلت وبالله التوفيق: سلف الدقيق بالميزان جائز، لا أعرف أحداً ممن يقتدى به منعه، وذلك أنه يطلب في السلف معرفة المقدار المسلف ليعلم قدر ما يؤخذ، وقد حصل بالوزن، وبه أيضاً يعرف التساوي، وقد أجاز ابن القصار رحمهالله مبادلة الحنطة بدقيقها وزناً، وفسّر به قول مالك، وكذلك أجاز مبادلة القمح بالقمح وزناً لأن المقصود المساواة، وقد حصلت، وعلى هذا يكون قول ابن القصار نصاً في مسألتنا، لأنه إذا أجاز ذلك في المبادلة كانت إجازته في السلف أولى وأحرى، ولا أعلم لهذا المانع وجهاً، فإن كان استند إلى القول بالمنع من مبادلة القمح بالقمح وزناً فلا دليل له، لأن باب المبادلة أشد، لأنه يمنع فيه التفاضل في الصنف الواحد الربوي، وإن كان التفاضل يسيراً جداً، ولذلك منعت الزيادة اليسيرة في المراطلة، وإن كانت حبةً بإجماع لحصول الربا بذلك، وباب السلف أخف لما فيه من الرفق

والمعروف بين الناس، لا سيما الدقيق بين الجيران، ولأن قضاءً أقل إذا رضيه المسلف جائز باتفاق، وقضاء أكثر من غير شرط، إذا رضي المتسلّف، جائز مطلقاً على قول ابن حبيب وعيسىبن دينار، ويجوز عند أشهب إن كانت الزيادة يسيرة، ووجه الجواز مطلقاً قولهصلى الله عليه وسلم: خَيَارُكُمْ أحْسَنَكُمْ قضاءً، فحمله على إطلاقه في زيادة الصفة، وروى البزَّار عن ابن عباس رضيالله عنه أن رسولاللهصلى الله عليه وسلم: اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ أرْبعينَ صَاعاً فَرَدَّ إلَيْهِ ثمانين: أَرْبَعِينَ عَنْ سَلَفِهِ، وأَرْبَعِينَ فَضْلاً. فقد تبينّ من هذا أن باب المبادلة لا يُسْمَح فيه بِشَيْءٍ من التفاضل اختياراً بخلاف القرض، ولا يقاس فرع على أصل إلا بشرط اتفاقهما في العلّة، ومهما حصل فرق لم يصح القياس. ووجه آخر: وهو أن العلة في منع الزيادة في المبادلة التفاضل، وفي السلف عند من منع ردّ الأكثر الوقوع في سلف جرّ منفعة، وهو ممنوع لا للتفاضل بدليل أنه منع ذلك في سلف العروض وهي لا يدخلها الربا، وقد أجاز اقتضاء أقل في الطعام وغيره، والطعام يدخله الربا، وإذا اختلفت العلة لم تقس إحدى المسألتين على الأخرى. ووجه آخر: وهو أنه من باع طعاماً بثمن لم يجز أن يَقتضيَ بعد المفارقة من ذلك الثمن طعاماً من جنس الطعام المبيع أجود أو أكثر باتفاق، وقد نصّ في المدونة أنه من أسلف آخر مائة درهم تنقص نصفاً أنه يجوز أن يقتضي منها مائة وازنة.

ووجه آخر: أن المبادلة في الربويات لا يجوز فيها التأخير، والقرض مبادلة بالتأخير، لكن جاز لما فيه من الرفق. فهذه الأمور تدل على افتراق حكم البابين، وأنه يسمح في باب القرض ما لا يسمح فيه في باب المبادلة، فلا يلزم على هذا القائل باعتبار المعيار الشرعي في المبادلة أن يقوله في القرض، فينبغي الجواز في مسألتنا، لأن معرفة المساواة تحصل بالميزان، وهو المعروف عندنا في الدقيق، على أنه لا يجوز عندنا بيعه إلا به، لأن المبايعة إنما تكون بالمعيار المعروف، وإن خالفت العادة عادة الشرع، كالتمر مثلاً لايجوز بيعه عندنا بالكيل، وإن كان ذلك هو المعروف في عادة الشرع له لما يقع في الغرر المنهي عنه، ويعتضد في مسألتنا بما تقدم عن ابن القصار. إذا تقرر هذا فيقال: قد جرى العرف عند الناس والجيران في سلف الدقيق بالميزان، وهو يحصل به التساوي المطلوب في السلف، ولا يعرفون فيه الكيل، وله وجه صحيح، فلا يمنعون منه، لأن الناس إذا جرى عملهم على شيء له وجه صحيح يستند إليه لا ينبغي أن يحمل الناس على قول إمام، ويلزمون ذلك، إن كانوا مستندين في عملهم لقول إمام معتمد، أمّا إن كان المانع لا مستند له إلا مجرد نظره من غير نص ولا مشاورة فمنعه خطأ، فقد نصّ العلماء على أن من شرط تغيير المنكر أن يحقق كونه منكراً، وإلا فلا يجوز، ومن شرطه أيضاً أن يكون متفقاً عليه عند العلماء. فحسب هذا الرجل إن كان ظهر له المنع أن يمتنع منه في خاصة نفسه، ويتورع في ذاته، ولا يحمل الناس عليه ويدخل عليهم شغباً في

أنفسهم وحيرة في دينهم لمجرد نظره من غير استناد لمن يعتمد عليه من العلماء، فهذا ما يتعلق بالمسألة من الفقه. وأما جواب هذا الإنسان، الذي أتى بسجع كسجع الكهان، فهو أن يقال: ثَبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بِغرّة: عبدٍ أو وليدةٍ، فقال المقضي عليه: كيف أغرم ما لا شرب ولا أكَلَ، ولا نطق ولا اسْتَهَلَّ، ومثل ذلك بطل؟! وفي رواية أخرى: يُطَلُّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا ذَلِكَ مِنْ إخْوَانِ الكُهَّانِ، قال الراوي: من أجل سجعه الذي يسجع، وَوَجْهُ إنكاره صلى الله عليه وسلم أنه أتى بالاسجاع ليستميل بها القلوب لغير الحق لأجل الفصاحة، وروى أبو داوود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ تَعلَّمَ صَرْفَ الكَلاَم لِيَسْبِي بِهِ قُلُوبَ الرِّجَالٍ والنِّسَاءِ لَمْ يَقْبَل اللَّهُ مِنْهُ يوم الْقِيَامَةِ صَرْفاً ولا عَدْلاً وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إلَيَّ وَأقْرَبِكُمْ مِنّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامة أَحاسِنَكُمْ أخْلاقاً. وإنَّ أبغَضَكُمْ إلَيَّ وَأبْعَدَكُمْ مِنّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُون والمُتَشَدِّقُون والْمُتَفَيْهقُونَ. قالوا: يا رَسُول الله: قَدْ عَلمْنا الثرِّثَّارِينَ والْمُتَشَّدَّقِين فَمَا الْمُتَفَيْهُقُون؟ قال: الْمُتَكَبِّرُونَ قال الترمذي: الثرثار هو كثير الكلام، والمتشدق الذي يتطاول على الناس في الكلام ويبدو عليهم.

ففي هذا وأشباهه عظة لهذا الرجل، فإن الذي كان ينبغي له ويليق به أن يبين وجه الصواب ممّا قال، ويستدل على صحة ما ادّعاه، وأمّا ما أتى به من الأسجاع الرديئة فإن كان لم يرها قبيحة في حق نفسه فإنها قبيحة، وعدم صدق الطريقة التي انتسب إليها، فإن من أقامهالله مقام الاقتداء، وانتسب للعلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وجعل في رتبة الإمامة، وحلّ محلّ من تُرجى شفاعته يوم القيامة، فيجب عليه أن يتأدّب بأدب الشرع ويَقتدي بأهله. ولا يضع الشيء في غير محله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنْزلُوَا الناس مَنَازِلَهُمْ وروي أن مالكاً رضي الله عنه كانت أمه ترسله وهو صغير إلى حلقة ربيعة وتقول له: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل أن تتعلّم من علمه، وروي عن ربيعة أنه قال: لا تعلموا العلم سفهاءكم فيصرفوا أخلاقهم فيه. فمن أقامه الله تعالى في تعليم العلم وبثّه للناس والفتيا به واسطة بين الربّ وعباده، فيجب عليه أن يشكر مولاه على ما أقامه فيه، ويسأل من ربِّه التوفيق والتسديد، ويفكّر في جوابه إذا وقف عند ربّه ويسأله عن كل مسألة أفتى فيها وفيما يكون خلاصه. والبحث عن المسائل من أحسن العمل إذا صحّت النية، وكان على

تراجع في إقاله

طريقة الناس والعلماء، فإن تبينّ الحق وجب الرجوع إليه، وإن وقع اختلاف ولكل واحد من الناظرين وجه صحيح ارتفعت المسألة خلافية، كما كانت العلماء العاملون. والبحث في المسائل الفقهية وإجراؤها على الأصولِ الصحيحة مع صحّة النيّة من أفضل العبادات وأقرب القربات وأعظم الوسائل إلى الله، فإن اتّعظ هذا الإنسان وانتهى عن حاله وشاور فيما يشكل عليه وبحث وناظر على طريقة الطلبة والعلماء فحسن، وإن عاد لحاله رفعت أمره وبينت حاله في هذا وفيما صَدَرَ منه قبل عند من يجب، فقد قيل: إنالله يَزَعُ بالسلطان ما لاَ يَزَعُه بالقرآن. والله يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه بمنه وفضله، ولله در القائل: اصبر على كل الأذى تحمد، سوى أذى له تعلق بالدين، والسلام على من يقف عليه من محمد بن سراج ورحمة الله وبركاته. تراجع في إقاله وسئل عن رجل اشترى داراً من رجل آخر دفع له من الثمن أربعين ديناراً وبقي منه أمر يسير، ثم مات المشتري وبقي ورثته، فقالوا للبائع: أَقِلْنَا في الدار المذكورة، ورد لنا الثمنَ في آخر السنة، فقال لهم: نعم على شرط أنْ تصبروا عليَّ في الذي صار قِبَلِي من الثمن للعَاقد.

فتشاهدوا على ذلك، فلما حان الأمدُ الذي خرجوا عليه طالبوه بالثمن، فقال لهم: قد بدا لي في تلك الإقالة ولا أريد إلا بقية الثمن، وهو إذ ذاك يعمر الدار، وما زال منها؟ فأجاب: إذا ثبتت الإقالةُ فلا مقال له بعد ذلك، وهي لازمة له. قاله ابن سراج وفقه الله تعالى.

الصرف والسكة

الصرف والسكة الرد في النقود الجارية وصرفها سئل عن مسائل تتعلق بالرد في الدراهم وبصرف نقود السكة الجارية بين الأندلسيين، وفيما يلي نصوص الأسئلة وأجوبتها، مع الملاحظ أن بعض المسائل تتكرر وفي تكرر أجوبتها مزيد تفصيل فقهي. الأولى هل يجوز رد القيراط على الدرهم الصغير إذا وُزن الدرهم ولم يوزَن القيراط إذ جل الموازين ليس فيها ميزان القيراط؟ فأجاب: أما المسألة الأولى فهي جائزة للضرورة، لأن الأصل في المسألة المنع، وإن كان بالميزان، لأنه فضة بفضة وسلعة، وأصل المذهب المنع في ذلك، وقد كان مالك يمنع الرد مطلقاً، ثم قال: كنا نمنعه ويخالفنا فيه أهل العراق، ثم أجزناهُ للضرورة، ولأن الناس لا يقصدون به صرفاً، فتعليل مالك بهذا يقتضي جواز ما ذكر في الرد إذا غلب على ظنه وزن القيراط، لكونه لا يظهر فيه أثر كسر ونحو ذلك. والثانية: إن بعض فقهاء الوقت يُفْتي بمنع صرف الدرهم الكبير بدرهمين صغيرين أو درهم صغير بقيراطين ويُفْتِي بمنع رد درهم صغير على درهم كبير أو قيراط على درهم صغير بالميزان المعروف بالقلسطون، ويعلل بأن التساوي بعد الوزن بالقلسطون غير حاصل، إذ بعض الدراهم أوزن من بعض فالمسرع فيه في الهبوط أثقل من البطيء، قال: فيجب على الإنسان

أن يعمل شاهدًا ويزن فيه بالصنجة؟. فأجاب: وأما الثانية فإنها جائزة، ومنعُها علو وتنطع، وقد قال تعالى: (لا تغلو في دينكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ. هذا في الرد بالقلسطون، وأما مبادلة الكبير بالصغيرين على القول بجوازه فالذي يترجح جوازه. الثالثة: في القراريط المقروضة الجارية بين الناس، هل يجوز ردها على الدرهم الصغير أو على الكبير إذا اشترى بدرهم ونصف؟ فأجاب: أما المسألة الثالثة فإن شيخنا القاضي أبا عبد اللهبن علاق رحمهالله كان يجيز الرد في الدراهم الصغيرة المقطوعة من الكبار وفي القراريط المقطوعة من الدراهم للضرورة، ولأنّها مسكوكة، لأن أثر السكة فيها، ولأنّ مالكاً لم ينقل عنه أنّه منع التعامل بها، فلم تشبه قطعة الفضة التي ليس فيها أثر سكة، وهذا بين لما نذكره في المسألة الثانية إن شاءالله. الرابعة: إذا قيل بالجواز هل يجوز رده ورد القيراط الصحيح بغير وزن القيراط إذ لا يوجد للقيراط ميزان في أكثر الموازين أعني في القلسطون؟ فهل يجوز رد القيراط صحيحاً كان أو مقروضاً بغير وزن لكن يعدون الدرهم إذ لا ضرورة فيه؟ وأما المسألة الرابعة فيقال: الأولى في الرد في الدرهم على المذهب المنع، لأنه فضة وسلعة بفضة، ومذهب مالك منع هذا، لكن أجازه في الرد

في الدرهم للضرورة، وخالف أصله، فقد روي عنه أنه قال: كنا نمنعه ويخالفنا أهل العراق، ثم أجزناه لضرورة الناس، ولأنهم لا يقصدون به صرفاً، فإذا تقرر هذا فيقال: كان الأولى في الوزن أن يكون بميزان غير القلسطون حتى يتحقق به مقدار النقص، فإن الدرهم إذا وزن بالقلسطون إنما يفيد معرفة وزنه من نقصه، وأما مقدار ما بين درهمين فلا، وجرى العمل من الشيوخ بالمسامحة في الرد به للضرورة، لأنه لا يوجد ميزان غيره لذلك، وقد يكون الدرهم يهبط في القلسطون من كل جهة، ويكون المردود عليه يهبط فيه من جهة واحدة وبالعكس، فقد تحقق عدم التساوي بين الدرهمين، ولكن سمحوا بهذا للضرورة مراعاة لمذهب أهل العراق، فإنهم يجيزون فضة بفضة وسلعة، ويجعلون ما يقابل ما نقص من الفضة عن الفضة الأخرى في مقابلة السلعة، والإمام قد راعى هذا في مسألة الرد، وهم لا يشترطون تساوي الفضتين، فكذلك يلزم في هذا، فعلى هذا يجوز رد القيراط من غير وزن إذا لم يوجد له ميزان واضطر لذلك، لأنه إذا كان من تقدم من الشيوخ لا يمنع الرد بالقلسطون للضرورة وهو يتحقق فيه التفاضل لكون أحد الدرهمين أكثر وزناً من الآخر ومراعاة لمذهب أبي حنيفة ولقول الإمام: أجزناه لضرورة الناس، ولأنهم لا يقصدون به صرفاً فكذلك هذا، وقد أخبرني به وابن القباب رحمهما الله أنه إذا كان المردود وازناً في بعض الموازين لا يلزم البائع بدله، لأنه كالاختلاف في وجود العيب، فلم يراعيا ما يتوقع من الربا، ووجه ذلك ما تقدم، والله أعلم.

ووجه آخر: أن اعتبار الوزن في الرد لم ينقل عن مالك ولا عن أحد من أصحابه المتقدمين فيما يذكر، وإنما ذكره ابن الكاتب تأويلاً عن مسألة ابن البلاط لما سأله ابن عمر، وهي الواقعة في كتاب الصرف من المدونة إلى جواز الرد بغير قلسطون ولا ميزان عند بعدهما كان يذهب شيخنا الخطيب أبو عبد الله الحفار رحمهالله. تلقيت ذلك أنا منه واحتج بما ذكرته، وهو بينَّ إذا نظر في المسألة بالانصاف. والذي يظهر - والله أعلم - أن الذي يعتبر من الشروط في الرد ما كان الخروج عنه يؤدي إلى الربا المتفق عليه بين أهل المذاهب المعتمدة، مثل عدم التناجز أو الردّ على الهبة والصدقة والسلف وما أشبه ذلك، وأما ما اختلف فيه فيجوز للضرورة، لأن مالكاً رضيالله عنه خالف أصله لذلك، فإن منعنا من غير نص منه على المنع خالفنا أصله الذي اعتمده من مراعاة الخلاف للضرورة. الخامسة: ما معنى اشتراط الفقهاء في الدرهم المدفوع

تغير السكة الجارية

والمردود أن تكون السكة فيهما واحدة؟ هل معنى ذلك أن يكونا معاً مضروبين صحيحين كانا أو مقروضين؟ الجواب: وأما المسألة الخامسة وهو اشتراط أن تكون السكة واحدة فلم يشترطها فيما يذكر إلا ابن القباب رحمهالله، وكان شيخنا القاضي أبو عبد الله بن علاق رحمهالله يستشكله ويعترضه بأنه إن أراد التساوي في الجودة والرداءة فهذا لم يقله أحد، ولم يكن يشترطه فيما يعلم، وإن أراد أن لا يكون أحدهما من ضرب ستين درهماً في الأوقية والآخر من ضرب سبعين فاشتراط الوزن يكفي. تَغَيَّرُ السِّكَّةِ الجاريةِ وسئل في من باع بسكة فقطعت، ماذا يجب له؟ فأجاب: للبائع دراهم سكته من الجارية يوم العقد، ولا يجوز له أخذ دراهم جديدة إلا قدر البالية، وإن طابت نفس الدافع بذلك. . .

الشفعة

الشفعة الشفعة في أصل توت وسئل في أصل توت مشترك، باع أحد الشريكين حَظَّهُ، فأراد الآخر الشفعة فيه؟ فأجاب: لا شفعة في ذلك على رواية ابن القاسم، وهو المشهور. سقوط الشفعة وسئل في فدان مشترك بين أختين محجورتين، فباعت وصي البنت الواحدة على محجورتها النصف الواحد منه لجهة معينة، ثم إنَّ البنتَ الأُخرى قامت بعد أربعة أعوام تريد الشفعة فيما بيع على أختها من ذلك. فهل تجب لها أم لا؟ فأجاب: لا تثبت الشفعة فيما سئل عنه أعلاه، وبيع الوصي نافذ إلا أن يثبت أنه لمْ يُوافق السَّدَاد.

لا حق في الشفعة في الماء

لا حق في الشفعة في الماء وسئلفي رجل باع شِرْبَ ماءٍ كان لأخته منه الخمس فأرادت أخذه بالشفعة. هل لها ذلك أم لا؟ فأجاب: لا شفعة في الماء، قاله ابن سراج.

الشركة والمزارعة

الشركة والمزارعة الشركة في عقد اللبن جُبناً وسئلعن رجلين يشتركان في عقد اللبن، فيجعل هذا من اللبن كيلاً معلوماً ويجعل الآخر بقدر ذلك، ثم يعقدانه جُبْناً ويقتسمانه عند نهوضه جبناً؟ فأجاب: المسألة تجري على الخلاف في خلط الجلجلان والزيتون في المعصرة، والذي يترجح - والله الموفق - جوازُها للحاجة، لكن بشرط أن يُكال اللبن عند الخلط، ويقسم الجبن على حسبه. الشركةُ في غلة الزيتون وسئل في الشركة في غلة الزيتون على أن يقول الرجلُ

الشركة في دودة الحرير

للرجل: اخدمْ في أصل الزيتون بالموضع بكذا، وأعطيك من غلتها كذا: الربع أو ما يتفقان عليه؟ فأجاب: إن كانت الغلةُ لم تطلب، وعامل صاحب الأرض الآخر على أن يخدمه ويسقيه وغير ذلك، فهي مساقاة جائزة. وإن كان عامله بعد طيبها على جمعها بالربع فهي ممنوعة، لأنها إجارة مجهولة، إلا أن يحزراها ويخمناها ويكونان عارفين بذلك، أو يقدما عارفا، فيجوز وتكون إجارة بالربع بعد علمه بالتقدير. الشركة في دودة الحرير وسئل عن علوفة دودة الحرير وشركتها وإجارتها؟. فأجاب: عن المسألة: إذا كانت الورق لإنسان فدفعها لآخر يعلف عليها على الثلث للعلاف والثلثين لرب الورق والزريعة بينهما كذلك والمؤونة كلها على العامل، بما نصه: الشركة في العلوفة إذا وقعت على الوجه المذكور يظهر أنها جائزة بشروط: الشرط الأول: أن تكون الورق قد ظهرت وبدا صلاحُهَا. الشرط الثاني: أن ينظر إلى الورق ويحْرزها ويعلم مقدارها بالحزر والتخمين.

الشرط الثالث: أن يشترطا أنهما إن نفدت الورق واحتاجا إلى ورق آخر أنْ يشترياها مَعاً من غير أن يختص أحدُهما بشراءٍ دون الآخر. الشرط الرابع: أن يكون العمل معلوماً إما بالشرط وإِمَّا بالعادة. الشرط الخامس: إن احتاجا إلى شراء ورق أن يكون العمل معلوماً بينهما على حسب الشركة كما كان الشراء بينهما كذلك، فإذا لم تتوفر هذه الشروط فتمتنع، وإن توفرت فيظهر، والله أعلم، أنها جائزة قياساً على المزارعة وإن كانت رخصة. والقياس على الرخص مختلف فيه، ولكن البناء على القول بجوازه ظاهر في مسألتنا للضرورة والحاجة إليه، ولما يؤدي إليه من إضاعة المال في بعض الأحوال إن لم يعمل به وقد علمنا من أصل الشرع مراعاة هذه المصالح في المزارعة والقراض والمساقاة، فكذلك مسألتنا. وقد قال مالك رضيالله عنه - في بعض المسائل: لا بد للناس مما يصلحهم، فظاهر هذا الكلام أنه تُراعى مصلحة الناس إذا كانت تجري على أصل شرعي. وروى سحنون أنه أجاز للرجل أن يدفع ملاحته لمن يعمل فيها بجزء معلوم منها، وإن كان بعض أشياخ المذهب اعترضها، لأنها إجارة بجزءٍ مجهول، وهذا بناءً على الأصل، وسحنون رحمهالله راعى ما تقدم من الضرورة فيها والحاجة إليها، وروى ابن رشد المنع في مسألة الملاحة إن سموها إجارةً، والجواز إن سموها شركة، وإن وقعت بلفظ محتمل تتخرج على قولين فأجاز ابن رشد المعاملة فيها إن سموها شركة وقول سحنون

فيها دليل على جواز مسألتنا، لما تقدم من شدة الحاجة إلى ذلك. ورأيت في بعض النوازل أنه حُكي عن أصبغبن محمد أحد فقهاء الأندلس المنع من مسألة العلوفة وإن اشتركا في الزريعة، إلا أن يبتاع العامل من صاحب الورق منها جزءاً على قدر حظه من الزريعة بثمن معلوم يتفقان عليه يخدم صاحب التوت حظه من الزريعة أو يستأجر العامل على خدمة ذلك بشيء معلوم من غير الحرير الذي تخرجه، وما تقدم من الجواز بالشروط المذكورة هو البين، والله أعلم، لما تقدم، وأيضاً فإن إجارتَه لذلك إذا ابتاع العاملُ من الورق جزءاً بثمن معلوم يتفقان عليه واستأجره صاحبُ الورق في حظه من العمل بإجارةٍ معلومةٍ إذا كان ثمن ما ينوبه من الورق مساوياً لما يعمل له العامل في الورق يرجع في المعنى إلى ما قررته لأنه إن أجاز المقاصَّةَ بينهما فقد آل الأمرُ إلى ما ذكرته، وإن لم يجز المقاصَّةَ فإذا أعطى كل واحد ما قبله من الثمن فقد آل أحدهما أيضاً إلى ذلك، وإظهار الثمن لا معنى له، وقاعدة المذهب: اعتبار ما دخل باليد وما خرج منها، ولست على يقين مما روي عن أصبغبن محمد لأنه منقول في بعض النوازل وإنما يقلد الإمام فيما ينقل عنه بالرواية الصحيحة أو بالاستظهار، وكلاهما معدوم في مسألتنا فيبني على ما تقدم مما يدل على جوازها.

وسئل عن الشركة في العلوفة على أن يكون الورق على واحد وعلى الآخر الخدمة، وتكون الزريعةُ بينهما على نسبة الحظ المتفق عليه؟ فأجاب: العلوفة على الوجه المذكور المسؤول عنها أجازها بعضُ الفقهاء فمن عمل به على الوجه المذكور للضرورة وتعذر الوجه الآخر فيرجى أن يجوز. جواب آخر: وأما السابعة وهي مسألة العلوفة بورق التوت على ما جرت به عادة الناس عليه اليومَ، فإن كان يجد الإنسان من يوافقه على وجه جائز مثل أن يقلبَ العاملُ الوَرقَ ويشتري نصفَهَا مثلاً من صاحبها بعمله، وما يحتاج إليه من الورق إن نَفَدَتْ تلك يشتريانها معاً أو يشتريها صاحبُ الورق من غير شرط في أول المعاملة أو يشتريها وحده بدفع نصفها له مثلاً بنصف عمله، فإنْ وجد من يعمل هذا فلا يجوز له أن يعمل ما جرت به عادةُ الناس اليوم على مذهب مالك وجمهور أهل العلم، ويجوز على مذهب أحمدبن حنبل وبعض علماء السلف قياساً على القراض والمساقاة، وأما إن لم يجد الإنسانُ من يعملها إلا على ما جرت به العادة، وتركُ ذلك يؤدي إلى تعطيلها ولَحِق الحرجُ وإضاعة المال، فيجوز على مقتضى قول مالك في إجازة الأمر الكلي الحَاجيِّ.

من صور المزارعة

من صور المزارعة وسئل فيمن دفع أرضاً لمن يعملها له بالربع على أنْ لا يلزمه بشيء من المناب، فلما نَضَّ الفائدُ طلبه الشركاءُ بالربع من إجارة حراسة الخنزير. فهل يجب عليه ذلك أم لا؟ وهل يجب له الربع من التبن أم لا؟ فأجاب: ما ناب من إجارة في حراسة الخنزير فهو بين رب الأرض والعامل، ولرب الأرض حظُّهُ من التبن على القدر الذي يأخذ من الحب، ويجب عليه من الدرس بقدر حظه، إلا إن كان اشتُرط الدرسُ كله على العامل فيكون عليه خاصة، ولا يجوز أن يشترط في أصل العقد أن يكون التبنُ كلُّه للعامل في مقابلة الدرس.

الإجارة والكراء

الإجارة والكراء إجارة نساج بالقمح وسئل فيمن دفع لقزَّازٍ قمحاً على أن ينسج له أذرعاً معلومة مع غزل كتان وصفه له، لانقضاء أمد بعيد؟ فأجاب: إن كان على الشروع أو يشرع لأجل قريب، مثل خمسة أيام، فيجوز تعجيل النقد بالشرط وغير تعجيله، وسواء كان الأجل قريباً أو بعيداً، أعني أمد الإجارة، وأما إن لم ينقد فيجوز تأخير الشروع، إن كان الأجير مُعيَّناً وإن كان مضموناً وتأخر الشروع أكثر من ثلاثة أيام فلا يجوز، لأنه ديْنٌ بديْنٍ.

الأجرة من لحم الضحايا

الأجرة من لحم الضحايا أما الأولى وهي المستأجر في البناء والحصاد وغزل الحرير إذا اشترطوا في إجارتهم الإدام، فلا يجوز أن يُعطَوْا من لحمِ الضحايا، إلا أن يُعطوا الإدامَ الواجبَ ويُطعَمُوا منها على وجه الهدية. وأما الأجير في الدار فقد يُستخف للضرورة، من جهة الاستحسان. كما يجوز أن يُطعم منها الكافر في الدار، ولا يجوز أن يُمَكَّنَ من الخروج بها، ولا أن يُرْسَلَ شيءٌ منها إليه. أكل الرجل من أجرة رضاع امرأته وأما الرابعة فيجوز للرجل أن يأكل ما تأخذه امرأتُه في أجرة رضاعها. حيازة أجير ما صيرته له مؤجرته وسئل عن رجل خدم امرأةً نحو ثماني عشرة سنة، فأشهدت له بمائة دينار واحدة وثمانين ديناراً من الذهب عن إجارته في مدة خدمته لها، وصيرت له في ذلك ملكاً من أملاكها، رضي به في العدد

إجارة السفينة بجزء مما تحمله

المذكور وبقي تحت يدها بعد التصيير نحو أربعة أعوام فتغله. فأجاب: الدين ثابت والتصيير مرود، قاله ابن سراج. إجارة السفينة بجزء مما تحمله وسئل عن مسألة درج عليها أهل الأساطيل، وذلك أنه يتعذر عليهم تسفيرها بالإجارة المعلومة، ليس في الأندلس من يسافر بالإجارة، فمن رام ذلك أو دعا إليه إرادةً منه أن يخرج عن فعلهم لم يجده أو كاد. وكيفية فعلهم الآن: إن قدمت السفينةُ يسافرون بها ذاهبةً وراجعة، وما اجتمع فيها من كراء زرع وسمن وركاب وأثقال يأكلون منه، وما بقي يقتسمونه على نسبة حق لهم من نصف أو ثلث، والجزء الآخر لأرباب السفينة. فهل يمتنع ذلك لما فيه من الجهل أو يجوز لتعذر من يسافر بها بالإجارة المعلومة؟ كيف والقطر الأندلسي لا يخفى حالُه، والحاجة فيه إلى الطعام، وجل طعامه الآن من البحر. وكثير من أهل الفضل يروم التسبب

في إنشاء سفينة أو شرائها والمشاركة في ذلك، ويمنعه من ذلك كراؤها على الوجه المذكور، والحال في الوطن لا يخفى والضرورة فيه ظاهرة، وإن كانت المسألة أخف إذا تُركَتِ النفقةُ، فربما يمكن تركها ويراد فيه الخدمة في الجزء؟ فأجاب: إذا كان الأمرُ كما ذُكر في السؤال فإنه يجوز إعطاء السفينة بالجزء نصفاً أو ثلثاً أو ربعاً أو غير ذلك من الأجزاء للضرورة الداعية لذلك لأنه قد عُلم من مذهب مالك رحمهالله مراعاةُ المصلحةِ إذا كانت كُلِّيَّةً حاجيَّةً وهذه منها. وأيضاً فإن أحمدبن حنبل وجماعةً من علماء السلف أجازوا الإجارة بالجزء في جميع الإجارات قياساً على القِراضِ والمساقاة والشركة وغيرها مما استُثنيَ جوازُهُ في الشرع. وقد اختُلف في جواز الانتقال من مذهب إلى آخر في بعض المسائل، والصحيح من جهة النظر جوازُهُ.

ويعضد الجوازَ في هذه المسألة خصوصاً ما تقدَّمَ في أنها تجري على أصل مالك في جواز المصلحة الكلية الحاجية. ووجه آخر مما يدل على الجواز: ما ذكره الشعبي عن أصبغ أنه سُئل عن رجل يستأجر أجيراً على أن يعمل له في كرم على النصف مما يخرج من الكرم أو ثلثه أو جزء منه؟ قال: لا بأس بذلك. قيل له: وكذلك جميع مما يضطر إليه، مثل الرجل يستأجر الأجير يحرس له الزرع وله بعضه؟ قال: يُنظر إلى أمر الناس إذا اضطرُّوا إلى ذلك في أمر لا بد لهم منه ولا يوجد العملُ إلا به فأرجو أن لا يكونَ به بأسٌ إذا عَمَّ ولا تكون الإجارةُ إلا به. ومما يبين ذلك مما يُرجع فيه إلى عمل الناس وإلى سنتهم ولا يجدون منه بُدٍّا مثل كراء السفن في حمل الطعام انتهى. وهذا نَصٌّ في مسألتنا مع ما تقدم فيترجح الجوازُ في المسألة، والله أعلم.

إجارة على خدمة الجباح بجزء من غلتها

إجارة على خدمة الجباح بجزء من غلتها سئل عن إعطاء الجباح لمن يخدمها بجزءٍ من غلتِها؟ فأجاب: هي إجارة مجهولة. وكذلك في الأفران والأرْحَى، وإنَّمَا يجوزُ ذلك من يستبيح القياسَ على المساقاة والقراض، وحكي هذا عن ابن سيرِين وجماعة. وعليه يُخْرَجُ اليوم عملُ الناس في أجرة الدلاَّل لحاجة الناس إليه، وعليه الضمان لقلة الأمانة وكثرة الخيانة، كما اعتذر مالك بمثل هذا في إباحة تأخير الأجرة في الكراء المضمون في طريق الحج، لأن الأكرياء ربما لا يوفون. فعند مالك هذا ضرورة. كراء المناسج وسئل عن أهلِ صنعةِ الحِيَاكة، وذلك أنهم كانوا يكترون المناسج من النَّيَّارِين على عمل معلوم وأجرة معلومة، من غير أجل، فمُنعوا من ذلك، وقالوا: لا يجوز ولا يكون الكراء إلا لأجلٍ معلوم وأجرةٍ معلومة وكراء معلوم، وأنه يلغى في ذلك أنهم يعقدون الأجرة لأجل معلوم كالشهر ونحوه والجمعة ونحوها، ومع ذلك يقول النيار للصانع: إن عملتَ مثلاً

مِلْحَفَةً واحدةً إلى ذلك الأجل تعطني خسمة دراهم، وإن عملت اثنين تعطني عشرة؛ وقد لا يقول النيارُ شيئاً، على ما ذكر بعضُهم، ولكنه إذا جاءه بالمنسج يقول له: ما عملت فيه؟ فإن قال له: ملحفةً واحدةً، أخذ منه خمسةَ دراهم، وإن قال له اثنين: أخذ منه عشرة دراهم. فهل يجوز ما قصدوه من جهة الفقه أم لا؟ وهل بنوا على وجه صحيح سائغٍ من جهة الفقه فيما مضى علينا من السنين الماضية؟. فبينوا لنا ذلك وأجركم على الله. وجوابكم رضي الله عنكم في مسألة ثانيةٍ أنَّ أهلَ الصناعة المذكورة كانوا إذا جاءهم صاحب شغل اتفقوا معه على أجرةٍ معلومةٍ، فإذا تمَّ الشغلُ أخبر بقدر ما نقص من غزله في خدمة الشغل وبقدر البجول كذا الذي بقي في المنسج فيسلم في ذلك من غير اعتراض لكون أصحاب الأشغال يعرفون ذلك عادةً وعرفاً، لا بد من ذلك للضرورة، فبيّنُوا لنا ذلك متفضلين، ثم بعد ذلك يحْملون المنسج ويأخذون آخر غيره، فلا الحائك يذكر البجول له الذي بقي في المنسج ولا النيار يذكر بجوله الذي في منسجه للحائك ويبقى عنده؛ فهل يجوز له تملكه أم لا؟ بينوا ذلك من جهة الفقه وثوابكم عندالله عظيم. فأجاب: العمل الذي كان الناس عليه فيه إشكالٌ من وجهين: الأول: ما فيه من بيع وسلف على مقتضى المذهب، إنَّ سلَمَ الشيءِ في مثلِهِ سلفٌ والإجارة كالبيع. الوجه الثاني: ما فيه من الغرر بعدم وصف البجول الثاني، وليس ما جرى به العمل في ذلك بالحرام البيّن ولا بالمنكر المجمع على منعه، بل يتخرج جوازه من أقوال عاليةٍ ومذهبية. أمَّا أوَّلاً ففي اللخمي ما نصه: قال الشافعي يجوز بيعُ ثوبٍ بثوبين

مؤجلة؛ فعلى هذا يجوز أن يبيعه عبداً بمائة دينار ويسلفه ثوباً، لأنَّ التقديرَ: عبد وثوب، هذا بمائة دينار وثوب مؤجل انتهى. وهو كالنص في المسألة. وأيضاً فمن المشهورات عن أبي حنيفة جواز بيع سلعةٍ ودراهمَ بسلعةٍ ودراهمَ إلى أجل يوزع ذلك، لأن الوجه الجائز بجعل الدرهم المؤجل في مقابلة السلعة المؤجلة والسلعة المعجلة في مقابلة الدرهم المؤجل. وقصارى ما يكون البجول في المسألة هذه كالدرهم في مسألة أبي حنيفة، فإذا وزعت على الوجه الجائز جعلت البجول الأول في مقابلة الدراهم، والبجول الثاني في مقابلة المنافع، وقد راعى ابن القاسم، رحمهالله، في هذا الباب. أعني سلف العروض في مثلها - هذه الطريقة من التوزيع على الوجه الجائز، فقد أجاز سلم فسطاطية في فسطاطيتين مثلها إحداهما معجلة والأخرى مؤجلة جعل المعجلة في مقابلة المؤجلة والمؤجلة هبة، ولا يجوز في المذهب سلم درهم في درهمين أحدهما معجل، وأيضاً فإنما كان يتصور سلف البجول في هذه النازلة متمماً لو كان خارجاً عن النسج، وأما وهو به منتظم مرتبط فلا يتبين في ذلك البيان إنما هو جزء من المنسج الذي وقعت الإجارة عليه؛ وابن الماجشون وسحنون قد أجازا

بيع السيف المُحَلَّى بجنس ما حُلِّي به إلى أجل وهما لا يجيزان البيع والسلف. وهذه المسألة أشبه شيء بمسألتنا، إذ حاصلها أنَّ السيفَ مثلاً قد اشتمل على عرض ونقد أخذ في مقابلته نقداً. والنقدُ بالنقد عين السلف، ولم يراعه مجيزُ هذه المسألةِ، ولا أذكر أيضاً من اعتلَّ لمنعها بأنه بيعٌ وسلف، بل قد راعى في المدونة القول بالجواز حيث أمضى البيع في المحلَّى بتفصيل حليته، وإنما كرهه مالك ولم يشدِّدْ فيه الكراهة، وكأنه نُحِيَ به ناحية العروض، هكذا في المدونة. فإن قلتَ: إنما جاء هذا فيما تكون حِليته تبعاً: الثلث فأدنى؟ فالجواب: أن المتلقي من السائلين هو أَنَّك إذا نظرتَ إلى ما يخص البجول من الكراء وقيمة البجول الثاني وجدته الثلث فأقل على كل تقدير. فإن قلت: إن المُحَلَّى كله بحليته معه فيتبع بعضه بعضاً، وهذه ليست كذلك فإن البجول مبيع والمنسج مكترى؟ فالجواب: أنه لا ينبني على هذا شيء، فحكم عقدة الكراء - كحكم عقدة البيع، وقد أجازوا كراءَ الدار واشتراطَ غلةِ شجرتها، وإن لم تُخلق غلتُها، أو لم يبد صلاحُها، وهي - أعني المسألة - قد اشتملتْ على كراءٍ وبيع، ألغي المبيعُ لكونه تبعاً للكراء، وفي مسألتنا - إذا ألغيتَ المبيعَ ارتفع

مانعُ السلف، وكذلك أجاز في المدونة كراءَ البقرةِ للحرث واشتراط لبنها، وهي أيضاً قد اشتملتْ على كراءٍ وبيع أُلغي اللبن لما كان تابعاً لكراء البقرة، وهذه أيضاً مثل مسألتنا، بل كان المنعُ إليها أقرب، إذ بيع لبنِ بقرةٍ على انفراده لا يجوز. أما ثانياً فلأنَّ عدم وصف البجول الثاني فيه غرر لا ربا فيه، وإنما هو من الغرر، وله حكمه، ومن حكمه اعتفارُهُ إذا كان يسيراً غيرَ مقصود، أما يسارتُه فبينةٌ لأنَّ المنسج مما يضبط رِقة البجول أو خشونته وكذلك يضبط عرضه، وإنما يبقَى غيرَ معلوم طولُه، وذلك عندهم غير كثير، ولأنَّ العادةَ إذا جرت بالمسامحة فيه وعدم المناقشة والرضى به أيًّا ما كان، فهي غيرُ مقصود، كما ذكر في السؤال، ولأنه تبع أيضاً لغيره، والغرر أيضاً في الأتباع ليس منعه بذلك، فقد أجازوا بيع الثوب في داخله القطن، ولا يجوز بيعُ القطن وحده غير مرئيٍّ. الباجي والمازري: يجوز الغرر اليسيرُ غير المقصود، وأصله جواز بيع الثمرة بعد بدوِّ صلاحها، وإن كانت العاهة غير مأمونة، والشرب من فم السقي والناس يختلفون في مقدار حاجتهم. هذا وللنظر أيضاً في هذه المسألة مجالٌ لِمَا تقرَّرَ من أنَّ مذهب مالك - رضيالله عنه - القولُ بالمصالح المرسلة وهي أن تكون المصلحةُ كليةً محتاجاً إليها، كقوله بجواز تأخير الإجارة في الكراءِ المضمونِ - أعني كراء الدابة إذا نقد الدينارُ أو نحوه، وعلَّله بأنَّ الأكرياء اقتطعوا أموال الناس، فانظر كيف أجاز بالتَّبَع للضرورة، فمن باب أولى أن لا يمنعَ بالتبع إذا كانت الضرورةُ موجودة، إلى غير ذلك من المسائل التي اعتلَّ في إجازتها بحاجة

كراء مسكن مع بيع ثمار لم يبد صلاحها

الناس إليها كالردِّ في الدرهم وخلْط الذهب في دار الضرب وقسمته بعد تصفيته، وخلط الزيتون في المعصرة واقتسام الزيت، وقد ذكر الشعبي عن أصبغ أنَّهُ سُئِلَ عن الرجل يستأجرُ الأجيرَ على أنْ يعملَ لهُ في كرمٍ على النصف مما يُخرجُ الكرمُ أو ثلثه أو جزء منه؟ فقال: لا بأس بذلك؛ وقال: ينظر إلى أمرِ النَّاسِ فما اضطروا إليه مما لا بُدَّ لهمْ منه ولا يجدون العمل إلا به فأرجو أن لا يكون به بأس إذا علم، ولا تكون الإجارة إلاَّ به، ويرجع ذلك إلى سُنَّةِ الناسِ وإلى أعمالهم. فهذا ما حضر من الجواب على سؤالكم عما جرت به عادةُ الناسِ من قبل، ولست ممن يقول بجبر الناس على البقاء عليه، ولا بإكراههم على ذلك، بل يكري كل واحد ما له كيف شاء لا سيما إذا كان في الأمر اشتباهَّ وإشكال. وأما الإجارة إلى أجل معلوم إن عمل فيه ملحفةً واحدةً دفع خمسة، وإن عمل اثنين دفع عشرة فلا يجوز، لأنه من وجه بيعتين في بيعة والسلام على من يقف عليه من كاتبه محمدبن سراج وفقهالله. كراء مسكن مع بيع ثمار لم يبد صلاحَها وسئل عن الرجل تكون له الكرم يجيئه مشتري العصير فيقول له: اكترى منك المسكن وما يتصل به من رحبة وموضع جنان إن كان فيه، فإذا طابت صائفته باعه منه، فيبيع منه الحب إذا بدا صلاحه، ثم العبقر، ثم

التفاح، ثم الإِجَّاص والباكور، شيئاً بعد شيء إلى أن يتم جميع ما في الكرم من الثمر حزراً من بيع الفاكهة قبل بدو صلاحها، إلا أن الضمائر منعقدة على بيع ذلك كله، إذ المعلوم من العادة أن المكتري الرحبة لم يكن ليعطى في ذلك ثمناً حتى علم أنه لا بد أن يشتري الفاكهة كلّها. فأجاب: أما هذه المسألة فلا تجوز، لأن الثمرة التي لم يبد صلاحها نابها حصة من كراء الرحبة، لكن أجاز اللخمي وشيخه السيوري بيع الثمر قبل بدو صلاحها إذا لم ينقد الثمن أو وقف إلى بدو الصلاح وأمنت هذه العلة التي علّل بها النبيصلى الله عليه وسلم المنع.

الرهن

الرهن بيع المرتهن الرهن وسئل في بيع المرتهِن الرهْن دون إذنٍ من الراهن، ولا من القاضي، بل يمقتضى الشرط الواقع في رسم الرهن؟ فأجاب: المرهون عنده إن جعل له الراهنُ أنه أقامه في بيعه مقام الوكيل المفوَّضِ إليه في الحياة، والوصي بعد الممات كان له بيعه. وإن لم يجعل له هذا في عقد الرهن فلا يبيعه إلا بمشاورة الراهن أو القاضي، فإن لم يفعل وباع من غير مشاورة فينظر القاضي في ذلك، فإن ثبت أنَّ البيع سداد مضى، وإلا رده. اشتراط منفعة الشجر في الرهن وسئل فيمن باع من أحدٍ حريراً لثلاثة أعوام، ورهن بيده في ذلك أصل توتٍ مشترطاً المنفعة؟ فأجاب: إن كان أصلُ التوتِ قد بدا صلاحُ ورقه، وكان الرهنُ لعامٍ

واحد، فهو جائز؛ وإلا فهو فاسد وتفسخُ المعاملةُ ويُردُّ الحريرُ أو مثله ويغرم قيمة الورق. وذلك إذا كان الرهنُ في أصل العقد. فأمَّا إن كان بعده فيفسخُ الرهنُ خاصَّةً.

الضرر والضمان

الضرر والضمان شجرة توتٍ قائمةٌ على ملك الغير وسئل فيمن له أصلُ توتٍ على ملك غيره، فوقع الأصلُ وامتدَّ على الفدَّانِ، وصاحبُ الفدَّانِ يطلب ربَّ الأَصْلِ بإزالَتِهِ أو قطعِهِ. فما الحكم في ذلك؟ فأجاب: لصاحب الفدَّانِ أنْ يأمرَ صاحبَ التوتةِ بإزالة ما يؤذيه منها بقطعٍ أو غيره. إحداثُ برج الحمام وسُئِل عمَّنْ أرادَ إحدَاث برجٍ واتخاذَ حمَام؟ فأجاب: اتخاذُ الحمامِ في الأبراج جائز، مضى عليه العملُ؛ قاله اللخمي. قال مالك: من أمر الناس اتخاذُ الأبراج، لكن هذا إذا لم يضر بغيره، مثل أن يجاوره فدانٌ لأحد فيضربه إذا زرع أو يحدث برجاً بقرب برج آخر فيأخذ له الحمام بسبب ذلك فيمنع من إحداثه. قاله ابن سراج.

تبدل الطعام في الرحى والفرن

تبدل الطعام في الرحى والفرن وسئل في الذي يتبدل له زرعه بالرحى، فيأخذ زرع غيره على غلط ويأكله؟. وكذلك الرجل يأخذ من الفرن قِدْرَ غيره ويأكلها، فما يجب عليه في ذلك إذا فعله، من غرم القيمة أو المثل؟ وكيف إن وجب عليه غرمُ المثلِ؟ هل تجوز المواعدة في ذلك؟ بينوا لنا الحكم في ذلك، ولكم الأجر والثواب، والله ينفعكم. فأجاب: الواجب في ذلك القيمة، وإن رضي كل واحد منهما بالصلح على طعام من غير جنس طعامه مما يكون بينهما التفاضلُ جاز، بشرط أن يتعجل ذلك، ولا يتأخر كثيراً إلا قدر أن يسوق من منزله وعاءً يحمله فيه ونحو ذلك، لئلا يكون فسخ دين في دين. وأما أخذُ طعامٍ من جنسه فلا يجوز، إلا أن يتحقق أنه أكثر أو أقل، ورضي من له الزيادة، بتركها، لأن الأخذَ عن الطعام المستهلك لا يُمنع فيه التفاضل، فإن أخذ قدراً بالجَزْرِ يقدر أن يكون مثله أو أقل أو أكثر فلا يجوز، وإذا أخذ أقل أو أكثر فلا بد من التناجز أو التأخير اليسير، كما تقدَّم. وأما المواعدة فيه من غير قطع فتجري على الخلاف في المواعدة في الصرف؛ والصحيح من جهة النظر جوازها.

أخذ قيمة التاليف من الأضحية

أخذ قيمة التاليف من الأضحية وسئل فيمن طبخ من أضحية قدراً في الفرن، فأخذ قِدر غيره، وأكله على غلط. فهل يجوز للمأكول لحمُ قدرِهِ أخذُ الثمن أم لا؟ فأجاب: أخذ القيمة فيما أُتلف من الأضحية من لحمٍ أو غيره جائز على القول المشهور. وأما أكل القِدر عوضاً من قدره قبل أن يعرفَ صاحبَهَا فهو مكروهٌ، وليسَ بحرام في الأضحية، لأنه لا يجوز بيعُها، فأشبه اللحم منها الملتقَط الذي لا يبقى ولا ثمن له. وأما غيرُ الأضحية فلا يجوز، لأنه يُباع ويوقف ثمنه. من شك هل بقي عليه حق لغيره وأما المسألة الثالثة، فإذا لم يحقق أنه بقي عليه لأحد شيء ولم يطلبه أحد من معاملته بشيء فيسألهم: هل بقي لأحد منهم شيء؟ فإن طلبوه بشيء دفعه لهم وإلاَّ فلا يجب عليه شيء ويتصدق ويكثر من ذلك ما لم يضر به، فإن كان عليه تبعةٌ لأحد لعلَّ أن يجد ما يوفيه منه في الآخرة من أجر الصدقة.

غرم الظالم ما تسبب في إتلافه

غرم الظالم ما تسبب في إتلافه وسئل عمن اشتكى به إنسانٌ إلى قائد موضعه بالباطل فأغرم القائدُ المشتكَى به جُعْلاً، وهو يريد أن يأخذَ جعلَه ممن اشتكى به بالحكم الشرعي، لكونه تسبب في إتلاف ماله، فهل له ذلك أم لا؟ فأجاب: إن ثبت أنَّ الرجلَ شكا الرجلَ الآخر إلى القائد وأغرمه بسبب ذلك، ولولا شكواه ما أغرمه القائد، فيغرم له ما أغرمه القائد، لأنه ظالم له ومتعد؛ هذا هو الصحيح عندي مما قيل في المسألة. عدم ضمان جائحة البرد وسئل عمن اكترى فداناً زرعه كتاناً فأصابه البَرَدُ حتى أعدم الكتانَ والمكتري يطالب بالكراء؟ فأجاب: يغرم المكتري الكراء كلَّه، ولا يحط عنه شيء بسبب جائحة البرَدِ، لأنه لا يقام في الكراء بالجائحة إلا إن كانت من الأرض وما يرجع إليها. قاله ابن سراج.

الأقضية والشهادات

الأقضية والشهادات دعوى في إجارة وكراء وسئل فيمن خدم مع أخيه في شغل البادية مدةَ عشرين سنة وكان له أملاكٌ بيد المخدوم يستغلها بطول المدة المذكورة، وكان يجري عليه النفقة، ثم توفي الأخ المخدوم فقام الخديم يطلب أجرته من الورثة وكراء أملاكه؟ فأجاب: له إجارتُهُ وكراءُ أملاكه، ويرجع عليه الورثة بما أنفق عليه موروثُهُمْ. من دفع لغريمه حريراً في دراهم وسئل فيمن دفع لغريمه حريراً في دراهم كانت عليه، دون تعيين ثمن فباعه في غير موضع الأمانة بأقل مما هو يساوي بموضع الأمانة؟ فأجاب: إذا كان الأمرُ كما ذُكر فيغرم صاحبُ الحق الذي باع الحرير متعدياً قيمته التي يقوّمه بها أهلُ البصرِ والمعرفة يوم التعدي، وهو يوم البيع. تنازع أرباب ساقية وأصحاب أرض وسئل في ساقيةٍ على فدان هي مرفوعة من الفدان بنحو قامتين ولجانب الساقية طريق لجهة الفدان ونبت بجانب الطريق على الفدان ثمرات وقع فيها التنازع بين صاحب الفدان وأرباب الساقية؟

بين دائن وغريمه

فأجاب: يُرجَعُ فيها لأهل البصر، فإن رأوا أنَّ تلكَ الثمرات لأحد المتنازعيْن فيها كانت له، وإن أشكل قُسِمَتْ بينهما. بين دائن وغريمه وسُئل فيمن أخذ لغريمه حماراً في حرير، وبقي عنده مدة؟ فأجاب: لصاحب الحمار أنْ يرجع بإجارة حماره على صاحب الديْن، ولصاحب الديْن أن يرجع على صاحب الحمار بقيمة علفه وإجارة مؤنته وعلفه. تداع في صيغة طلاق وسئل في رجل قال بمحضر شاهديْنِ من أهل موضعه لزوجته: تراها مخلصة يريد - بزعمه - من حقٍّ كان لها عليه، فقال أحد الشاهدين: ما قلتَ إلا مطلقة، وقال الآخر: ما عندي ما أشهد به في ذلك. فهل يثبت الطلاق بالشاهد الواحد أو يكون القول قول الرجل على حسب زعمه؟ فأجاب: يحلف الزوج أنَّهُ ما أراد بقوله: مخلصة، إلا من الذي بقي لها قِبَلَهُ، وأنه لم يلفظ بمطلقة، ولا يلزمه شيء في الظاهر. وأما فيما بينه وبينالله تعالى فلا ينجيه إلاَّ الحَقُّ. القيام بمظلمة وسئل فيمن اشتكى به إنسانٌ إلى قائد موضعه بالباطل فأغرم

تداع بين زوجة وبين ورثة زوجها في حوائج وثياب

القائدُ المشتكَى به جُعْلاً ثقيلاً وهو يريد أن يأخذَ جُعْلَهُ مِن الذي اشتكى به بالحكم الشرعي، لكونه تسبب في إتلاف ماله. فهل له ذلك أم لا؟ فأجاب: إن ثبت أنَّ الرجلَ شكا الرجلَ الآخر إلى القائد، وأغرمه بسبب ذلك ولولا شكواه ما أغرمه القائد، فيغرم له ما أغرمه القائدُ، لأنه ظالم له ومتعد. هذا هو الصحيح عندي مما قيل في المسألة. تداع بين زوجةٍ وبين ورثةِ زوجها في حوائج وثياب وسئل عن رجل اشترى لزوجه جملةَ حوائجَ من قصب ذهب وثوبي حرير وعقد جوهر وفرخة شرب، وغير ذلك ودفع ذلك كلَّهُ لزوجه المذكورة وألبسها إيَّاها على وجه المتعة والتمليك، ثم بعد ذلك اشترى قطيفتين ومطرحين وغير ذلك وجعل ذلك لداره، وبقيت الزوجة تلبس ما ساق لها وتتزيَّنُ به وتَمْتَهِنُ القطيفتين والمطرحتين وغير ذلك مدةً أزيد من ثمانية أعوام، فلما توفي الزَّوْجُ في هذه الأشهر القريبة قام بعضُ ورثته يطلب ميراثه من جملة ما ذكر، ويدعيه ملكاً لموروثه. فهل يجب للطالب من ذلك شيء مع بقاء ذلك بيد الزوجة هذه المدة، وسكوت الزوج مع علمه بامتهان ذلك كله ودفعه أوَّلاً على الوجه المذكور؟ فأجاب: إن ثبت أنَّ الزوجَ ملَّكَ زوجتَهُ تلك الحوائج كانت لها، وإلا فيحلف الورثةُ أنَّهمْ لا يعملون أنه ملَّكها إياها، ويقع فيها الميراث.

إشهاد كافل ليتيم بمال في الصحة وفي المرض

إشهاد كافلٍ ليتيمٍ بمالٍ في الصِّحَّةِ وفي المرض وسئل في رجل كفل يتيماً فأشهد له بمالٍ في صِحَّته بمعزةٍ، وفي مرِضهِ بخمسين ديناراً فِضَّةً مِنْ أجرةٍ له، ثمَّ تُوفِّي فتنازع ورثتُهُ في ذلك؟ فأجاب: أما المعزة فتجب له، وأما الخمسون مثقالاً فإنْ كانت قدرَ أجرته الواجبةِ له فتجب في رأس ماله، وإنْ كانت أكثر مما يجب له في أجرته كان قدر الأجرة من رأس ماله والزائد في ثلثه. شهادة النساء في الاستهلال وسئل عن رجلٍ تُوفي وترك زوجَهُ حاملاً فولدت ولداً حيَّا واستهلَّ صارخاً، ثم توفيت الأم بعد وضعه بساعةٍ وعاش الابنُ بعدها ليلةً كاملة ثم توفي، ولم يحضر ذلك كله إلا النساء، فجاء حافز بيت المال وأراد الدخول في التركة لكون الأم لم يكن لها عاصب إلا الولد المذكور، فقيل له: إن الولد استهلَّ وعاش بعد وفاة أمه ليلةً كاملةً، فكلَّفَهُمْ إثباتَ ذلك. فهل يا سيدي تعملُ شهادةُ النساءِ هُنَا في المسألة من دون يمين تلزم الورثةَ أو تلزم في وفاة الولد خاصة لكون لم يحضر ذلك رجل معهن؟ فأجاب: إن كان النساء من أهل العدالة قُبلت شهادتُهن ولا يحتاج إلى يمين، وإن كانت واحدةً، وهي من أهل العدالة، حلف معها.

نزاع في جارية غاب سيدها وأنفق عليها غيره

نزاع في جاريةٍ غابَ سيِّدُها وأنفق عليها غيره هذه المسألة هي مسألة الجارية الواقعة لشيخنا قاضي الجماعة الحافظ أبي القاسمبن سراج، أبقىالله بركته، ووقع فيها بينه وبين الكثير من معاصريه ممن يشاركه في النظر في الفقه وممن لا يشاركه، وصدر فيها من أجوبتهم، ما اشتهر في ذلك الوقت. وصورة مسألة الجارية المنبهِ عليها: أنَّ تاجراً من هؤلاء السفارة ترك جارية له كان قد تسراها بغرناطة، وغاب عنها إلى ناحية تونس بقصد حاجةٍ مَّا، فطالت غيبتُه بها وصارت الجاريةُ تَدَّعِي أنها بحال ضياع، فكفلها بعضُ حاشيةِ السلطان، ممَّن له وجاهةٌ في الدولة، وكتب على سيدها النفقة، إلى أنْ تَجملَ له قِبَلَهْ قريب من مقدار ثمنها، فرفع أمره إلى القاضي، وأثبت ديْنه ذلك المترتب من النفقة وغيبة مالك الجارية وصحة ملكه إيَّاها وحَلَف على المتجمل له وَقُوّمت الجارية وصُيِّرتْ في النفقة لكافلها، فأعتقها وتزوجَها، ووقف للتاجر ما فضل من ثمنها، وكان قليلاً، ثم قَدِم التاجرُ مالكُها الأول بعد بيعها بأشْهُر، فتظلَّم من بيع الجارية على هذه الصورة، وادَّعى أنَّه ترك لها ما تقوم به لأكثر مدة مغيبه، وأنها صَناع اليدين يمكنها إثبات نفقتها بعد نفاد ما ترك لها من صنعة يدها، وما أشبه هذا من الدعاوى التي ربما لم تثبت له، وكان يتعلق من الدولة بجهة لا تقصر عن تعلق خصمه، فكان هذا الخصام متكافئاً في الاستظهار بالوجاهة بين هذين الخصمين اللذين بغى بعضهما على بعض، وعَزَّ أحدُهما صاحبَهُ في

تصرف الوكيل في نطاق الوكالة

الخطاب، وظلمه سؤال نعجته هذه إلى نعجة له أخرَى، وثبت الشيخ على مقتضى حكمه وخالفه سواه في رأيه، ولم يتكلم شيخنا، أبقىالله بركته، بإثبات عجزها عن النفقة من صنعتها ولا كلفها إثبات كون مالكها لم يترك لها نفقةً. تصرف الوكيل في نطاق الوكالة وسئل ابن عتاب وابن سراج عن توكيل جعفربن أشرس محمدبن شخيص عن الخصومة عنه، وله طلبه أو طولِبَ به وعلى الإقرار عليه والأنكار عنه توكيلاً أقامه في ذلك مقامه وبدلاً منه، ثم إنَّ ابنَ شخيص قال عن موكله جعفر: إنَّ موكله رضي بأن يأخذ من أخيه عبد الرحمن خمسين مثقالاً وتقسم الدار بينهما شطرين، فقيل لابن شخيص: لم يجعل لك موكلك البيع ولا المصالحة، فقال: إنما أقول هذا عنه على وجه الإقرار عنه حسبما قاله، وحضر جعفر موكل ابن شخيص فوقف على ما قاله وكيله ابن شخيص عنه، فأنكره وقال: إنه لم يأمره بشيء مما ذكر عنه ولا جرى له معه؟ فأجاب ابن سراج: وجه الإقرار والإنكار في الخصام معروف، ولم يجعل له موكله الإقرارَ عليه والبيع، ولا الإقرار عليه على غير وجهه، فلا تجز مقاله وامنعه واتهمه إن وقع في مثل ذلك ففيه ريبة واعتداء على موكله

وأجر المتخاصمين على ما كانا عليه.

مسائل مختلفة

مسائل مختلفة ضالة الغنم وسئل فيمن وجد ضَالَّةً من الغنم؟ فأجاب: إنَّ الشاةَ إذا كانتَ يوم وجدها ملتقطُها منقطعةً عن القُرَى وغنَمُ الناس في جهةٍ يُخاف عليها، إن تُركت من السباع، ولا يُطمع في التصاقها بغنم بالعادة، فهي لواجدها؛ وإنْ لم تكن بهذه الحالة فَيُعَرِّفُهَا، فإن انقضت السنةُ فله أن يحبسها ونسلَها إن تناسلَ منها شيءٌ، فإذا جاء صاحبُهَا أخذَها ونسْلَها ورجع عليه ملتقطها بما نابه من حراسةٍ ومغرمٍ وغير ذلك. وللملتقط أن يبيعَها إذا يئس من مجيء أحدٍ يعرفها ويتصدق بثمنها ويغرمه لصاحبها، وله أن يأخذَ من الثمن ما نابَهُ من مغرم وغيره. وما كان يموتُ وذكَّاه جاز له أكْلُه ويحسبُ ثمنَه، فإن نابه شيءٌ عليها فله أن يقتَطِعَ ذلك منه. التصرف في مرض الموت وسئل في إنسانٍ وقع في المرض وتمادى مرضُه نحواً من سبعة أشهر؛ وفي أثناء هذه المدة عقد النكاح على بنتين له، ونحل كلَّ بنتٍ أملاكاً من أملاكه والتزم لها شواراً بعددٍ معلوم ثمَّ توفي من مرضه ذلك.

من ادعى أنه ليس له ما يسلف

فهل يصحُّ فعلهُ فيما ذُكر أم لا؟ فأجاب عن المسألة: تقف النِّحلةُ على إجازة الورثة. من ادَّعى أنهُ ليس له ما يسلف وسئل في الإنسان يُطلبُ بالسلف، فيقول: ما معي ما نسلف، فيقع في الكذب من عدم الإنصاف؟ فأجاب: أما المسألة الأولى فإنه يقول: ما عندي شيء وما معي، وينوي في يده أو حزامه، وإن كان معه شيء في داره وشبه ذلك، لكن هذا إذا أُلْجِىءَ لذلك ولحقته ضرورة. معاملة من اختلط عنده الحلال والحرام وسئل في معاملة من لا تطيبُ النفسُ على معاملته؟ فأجاب: إن عرف الحرام بعينه فلا يجوز أن يبيع له؛ وإن لم يعرفه فإنْ كان الغالبُ على مال المشتري الحرام، فلا يبيع منه، فإن خاف منه إن لم يبع منه باع وتصدق بالثمن، إن لم تلحقه ضرورة، فإنْ كان يلحقه حرجٌ في معيشته فيتمسك به، ويتصدق بالمحاباة إن كان فيه، فإن لم يكن فيه محاباة انتفع به كله. ومن المحاباة أن يعطى في السلعة أكثر مما تسوى يعني أكثر مما يجب أن يُعطى فيها بالعادة، وأما إن كان الغالب عليه الحلال فيجوز البيع منه.

حكم الأسرى المسلمين الهاربين من أيدي النصارى

حكم الأسرى المسلمين الهاربين من أيدي النصارى وسئل في مسلمين مأسورين بأيدي النصارَى، وهربوا من الجفن الذي كانوا به، وهو رَاسٍ بمرسى من مراسي المسلمين؟ فأجاب: الذي يترجَّحُ من جهة الفقه أنَّه لا يجب غرمُ فديتهم ولا ردهم، لأن المراكبَ اليوم بالعادة تنزل منزلة بلادهم ومعاقلهم، لأنَّهم لا يسرحونهم فيها، ولا ينزلونهم منزلة أموالهم التي أخذوا الأمان عليها. وقد ذهب أكثرُ أصحاب مالك - فيما ذكر ابنُ حبيب - إلا ابن القاسم: أنّهمْ لا يمكَّنُونَ من الرجوع بهم ويُجْبرون على تركهم بالقيمة، فكيف هروبهم بأنفسهم؟!. السلام على من يستنجي أما المسألة الأولى فإنه لا ينبغي أن يُسلَّمَ على من يكون في حالة الاستنجاء، فإنْ سُلم عليه فلا يرد. قاله ابن شعبان وغيره. وعن جابربن عبدلله أن رجلاً سَلَّم على رسولالله، صلى الله عليه وسلم، وهو يبول فلم يرد

السلام على من يتوضأ

عليه، فلَمَّا فرغ قال: إذا رأيتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِه الحَالِ فَلاَ تُسَلِّمْ علَيَّ فإنِّي لاَ أَرُدُّ عَلَيْكَ. السَّلاَم على من يتوضأ وأمَّا المسألة الثانية فيجوز السلامُ على من يكون في حالة وضوئه، ويجب عليه أن يَرُدَّ على من سَلَّمَ عليه. السَّلام على قارئ القرآن وأما المسألة الثالثة، وهي: من يكون في حال قراءة القرآن، فاختلف هل يُكره أنْ يسلم عليه أم لا؟ وهل يرد السلام بالإشارة أو يلفظ بالرَّدِّ؟ والصحيح أنْ يُسَلِّم عليه ويرد السلام باللَّفْظ. وأما إن كان مشتغلاً بالنظر، فهو بمنزلة المشتغل بالتلاوة. السلام على من كان في حال الدعاء المسألة الرابعة: وأما من كان في حال الدعاء، فتردد النووي

الاشتغال بقراءة آيات متفرقة من القرآن

من علماء الشافعية فيه إذا كان مستغرقاً فيه مجتمع القلب عليه، قال: فيحتمل أنْ يُقال: هو كالمشتغل بالقراءة؛ يعني يجري على الخلاف المتقدم، قال النووي: والأظهر من هذا عندي أنَّه يُكرَه السلامُ عليه لأنَّه يتنكر به ويشقَّ عليه. الاشتغال بقراءة آياتٍ متفرقة من القرآن وأما المسألة الخامسة وهي المشتغل بآيات من القرآن، فهو جائز، في ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَمِعْتُكَ يَا بَلالُ وأنْتَ تَقْرأُ من هذه السورة ومن هذه السورة، فقال: كلاَمٌ طيِّبٌ يجمَعُاللَّهُ بعضَهُ إلى بَعْضٍ فصوَّبَ النبي صلى الله عليه وسلم فِعْلَهُ. الذِّكْرُ أمَامَ الجَنَازَةِ وسئل في الذكر أمام الجنازة؟ فأجاب: الأولَى والأفضلُ تركُ ذلك متابعةً للسلف الصالح، فإنهم كانوا يمشون سكوتاً أمام الجنازة.

تصدي الرجال للبيع من النساء

تصدي الرِّجَال للبيع من النساء جوابكم في مسألة وهي: الرجال من المسلمين ومن أهل الذمة يتصدون لبيع السلع من النساء في الدور أو لتعديل الحوائج مثل المغزل وغيره؛ وقد تخرج إليهم المرأة لتباشر البيع وهي مكشوفة الوجهِ وخصوصاً في زمن الحرِّ، وقد تدفع عوضاً مما تشتريه شيئاً من مال زوجها ببَخْسٍ من الثمن من الزرع وغيره ولا تُؤْمَنُ الخلوةُ، وخصوصاً في القائلة. فهل يسوغ تقديمُ مثلِ هؤلاءِ للبيع من النساء أم لاَ؟ الجواب: وأما المسألة الثانية فاشتراء المرأة وبيعها من الرجال أو استيجارها إياهم في عمل ومباشرة ذلك بنفسها للضرورة والحاجة إذا لم يقع فساد ولا تهمة ولا خلوة ولا ميل لشهوة فاسدة جائزٌ، ولا يضر كَشفُ وجهها ويديها بذلك كما تكشفهما في الصلاة، وعلى هذا حمل جماعة من العلماء قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها). والمراد بالزينةِ الوجهُ واليدانِ إلى الكوعين، وعبر عن هذين العضوين

بالزينة، لأنَّ الوجهَ محلُّ الكحل في العينين واليدين محلُّ الخاتم فهو من المجاز تسمية للشيء بملابسه ومجاوره، لكن هذا في الصلاة وفي معاملة الناس للضرورة على الوجه المتقدم، ومذهب مالك رضيالله عنه: جوازُ كشفِ المرأة وجهها ويديها لأجنبي لكن على الوجه المذكور. وفي كتاب الظهار من المدونة جوازُ نظرِ الأجنبي إلى وجه المرأة وفي كتاب طلاق السنة منها في الرجل يُطلِّقُ زوجته ثلاثاً فيجحد الطلاقَ وعِلمَتْه هي أنَّها لا تتزين له ولا يرى شعرها ولا وَجْهها ولا يأتيها إلا وهي كارهة. فحمل ابن محرز هذه الرواية التي في طلاق السنة على أنه لا تُمكِّنه من ذلك لأن قصده التلذذ بها ولا شكَّ في المنع على هذا الوجه. أمَّا إن وقعتْ خلوةٌ فذلك ممنوع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ وقال صلى الله عليه وسلم: لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامرأةٍ فإنَّ

ثالثهما الشيطان وكذلك إن وقع إكْثَارٌ مِنْ جُلُوس النساءِ للصُّنَّاعِ وطول مقام من المرأة لغير فائدةٍ أو في أوقاتٍ يُخاف فيها التطرق إلى الفساد، مثل أوقات القائلة وغفلة الناس أو يكون المكان خالياً أو خلوة في منزل الصانع، ولا يكون مع زوجة ولا مع من لا يتعرض لفساد بحضرته، فممنوع يجب على من ولاَّها لله أمرَ المسلمين من الحكام المنعُ من ذلك وتغييره، وقد استحب بعض العلماء أن لا يعلم الإنسانُ ولده صنعةً تكون فيها مخالطة النساء، لما يُخشَى من توقع الفساد، ولأن ذلك يكسب الرجلَ التخنث. وفي العتبية قال مالك رضي الله عنه: أرى للإمام أنْ يتقدمَ إلى الصناع في قُعُود النساء إليهم، وأن لا يترك المرأة الشَّابة تَجْلِسُ إلى الصناع فأما المُتَجَالَّةُ والخادم الدُّونُ التي لا تتهم على القعود ولا يُتَّهَمُ من تقعد عنده فإني لا أَرى بذلك بأسا؛ قال ابن رشد وهذا كما قال، يجب على السلطان تفقد مثل هذا والنظر لرعيَّتِه فيه لأنه مَسْؤولٌ عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولُ عَنْ رَعيته. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ما تركت بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء. وقال صلى الله عليه وسلم: باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء. وأما المسألة الثالثة فإن علم ما تشتريه المرأة من مال زوجها يسمح بذلك بالعادة لَيَسَارتِهِ ولا أن لا تجعل ذلك. . . زوجها وضروريات أموره فذلك جائز وإن غلب على ظنه خلاف ذلك لم يحل له، وإن أشكل عليه الأمر منع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بين والحرام بين وبينهما متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لِدِينِه وعرضه. . . الحديث وقال صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ أَيْ دع ما اعترض لك الشك فيه ذاهباً إلى ما لا تشك فيه وقال ابن عمر: إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أحرمها. والسلام على من يقف عليه مِن محمد بن سراج وفقه الله.

المشروع في الاستسقاء

المشروع في الاستسقاء وسئل عما يفعله الناس في الاستسقاء من الاستغفار على صوت واحد، والطواف على الأزقة والمساجد رافعين أصواتهم بالدعاء والذكر. هل ذلك من سنة الاستسقاء؟ بينوا لنا الواجب في ذلك مأجورين. فأجاب: المشروع هو الصلاة والخطبة والدعاء والتضرع إلىاللَّهِ بالإخلاص والتوبة والصدقة. وأما الطواف في الجبال والصحاري والأزقة بالصبيان والنساء والبكاء والصياح فقال ابن حبيب: إنه مكروه مبتدَع، ولا أعلم لأحد من أهل العلم كلاماً في المسألة غير ابن حبيب إلا أن يُقال: إنّ ذلك تِرقُّ به القلوبُ، فقد يستخف على هذا الوجه. كما رُوي أنّ موسىبن نُصَيْر استسقى بإفريقية وخرج بالناس فجعل الصبيانَ على حدة

والآباء على حدة، والبقر على حدة، والنساء على حدة، وأهل الذمة على حدة، واستحسن ذلك بعضُ علماء المدينة وقال: أراد اسْتجلابَ رقّةِ القلوب بما فعل. وإن خرج النساءُ فَلْيَكُنَّ مُتَجَالاَّتٍ ولا يخالطن الرجال.

§1/1