فتاوى النووي

النووي

فَتَّاوَى الإِمامِ النَّوَوَيِ المُسمَّاةِ: "بالمَسَائِل المنْثورَةِ" ترتيبُ: تلميذه الشيخ عَلَاء الدِّين بن العَطّار تحقِيق وتعلِيق: محمَّد الحجَّار قوبِلَت عَلى نسخَةٍ خطيّةٍ قديمَةٍ دَارُ البشائرِ الإسلاميَّة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "مّنْ يُردِ اللَّهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْه في الدّيِن". حَديْث شريف حُقوُق الطّبْع محَفُوظة الطبعَة السَادسَة 1417 هـ - 1996 م قامَت بطباعَته وَإخرَاجه دَارُ البشائرِ الإسلاميَّة للطبَاعَة وَالنشرَ والتوزيع بَيروت - لبنان - ص. ب: 5955 - 14 وَيُطلب مِنهَا

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقَدمة نَحْمَدُكَ يَا مَعْبُودُ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ يَا ذَا الْفَضْل وَالْجُودِ، وَنُصَلِِّي وَنُسَلِّمُ عَلى نَبِيّكَ أفْضَلِ مَوْجُوْدٍ، وَنتَرَضَّى عَلَى صَحْبِهِ الكِرَامِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعيهِمْ بإحْسَانٍ. وبعد؛ فَإنَّ مِنْ أهَمِّ الْقُربَاتِ الَّتي تَصِلُ الْعَبْد بِرَبّهِ عَزَّ وَجَلَّ، نَشْرَ الكُتُبِ الشَّرْعِيّةِ الَّتي تُبيِّنُ الْحَلالَ من الْحَرامِ، وَلاَ سِيَّمَا في زَمَانٍ رَاجَ فِيهِ الْجَهْل، وَكَسَدَ فيهِ الْعِلْمُ. وَلَمَّا كانَ (كِتَابُ الْفَتَاوى) مِنَ الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ النَّافِعَةِ، حَمَلَنِي ذَلِكَ عَلَى خِدْمَتهِ، فَشَرعْت بهِ مسْتَعِينًا باللهِ مَعَ عَجْزِي الْحِسَّي، وَقِلَّةِ بضَاعَتِي الْعِلْمِيّة، متَبرِّكًا بِكِتَابِ هَذَا الِإمَام، وراجيًا أنْ يُدْخِلَني في عِدَادِ خَدَمَةِ الْعِلْمِ والعلماءِ. وَلَقَدْ عَثَرنَا - وَالْحمدُ لله- عَلى نُسْخَةٍ مَخْطوطَةٍ في الْمَكتَبةِ الأحْمَدِيَّةِ في حَلَب الْمَحْمِيَّةِ، وَأشَرْنَا في الْحَاشِيَةِ إِلى الْكَلِمَاتِ الْمُخالِفَةِ مِنْ زِيَادةٍ أوْ نَقْصٍ، أوْ تَخَالُفٍ في اللفْظِ بِإشَارَةِ (أ) رَمْزًا للأحْمَديّةِ، وَأضَفْتُ عَلى الطَّبعة الخامسة بَعْضَ الْفَوائِدِ وَالْمَسَائِلِ، ثُمَّ أضَفْتُ فِهْرِسًا جَدِيدًا للكتابِ تَسْهيلًا لِلْمراجعةِ، فَرَحِمَ الله الْمؤلِّفَ، وَغَفَرَ لِلْمُصَححِ، وَتَقبَّلَ عَمَلَ الْمُساهِم في نَشْرِهِ، والمشجعِ على طَبْعِهِ. 1410 هـ المدينة المنورة نَزيل المدَينة المُنورة الفقِير إليه تعالى محمَّد الحجَّار

ترجمة المؤلف رحمه الله تعالى

ترجمة المؤلف رحمه الله تعالى حمدًا لله جل وعلا، وصلاة وسلامًا على سيدنا محمد مَنْ بأخلاق الله تَحَلَّى. وبعد؛ فلقد رأيت من اللازم عليَّ، أن أذكر بعضَ مآثر الإِمام المؤلف، وموجزَ حياته، متبركًا بأستاذنا وإمامنا وقدوتنا، عَلَمِ الأعلام، وقدوة العبَّاد، ومفخرة الزهاد، الذي ترك أثرًا حسنًا لا يُنسى، وعلمًا غزيرًا لا يَدْرُسْ، وورعًا صحيحًا أتعب مَنْ بعده مِنَ الخلف، وذكَر الناسَ عمليًّا بحياة السلف. عزفت نفسه -رحمه الله تعالى- عن الدنيا، فصام نهارَها وقام ليلها، وزهد في مناصبها، فما نال منها ولا نالت منه، عاش عيشةَ المتواضعين النبلاء، ومات ميتة العارفين السعداء. فَاللهَ أسأل أن ينفعني به على قدر حبي له، واعتقادي به؛ وأن يَسْعِدَني وإخواني وأحبابي بعباده الصالحين، وبالعلماء العاملين. فأقول: نقلًا عن النسخة القديمة مع بعض التصرف: هو الإمام أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الدمشقي محرر المذهب ومهذبه، ومحققه ومرتبه، إِمام أهل عصره عِلْمًا وعبادة، وسيدُ أوانه ورعًا وسيادة، العَلم المفرد، عابدُ العلماءِ، وعالم العُبّاد، وزاهد المحققين، ومحقق الزهاد، لم تسمع بعد التابعين بمثله أذنٌ، ولم تر ما يدانيه عينٌ، راقبَ الله في سره وجهره، ولم يبرح طرفةَ عين

عن امتثال أمره، ولم يضيع من عمره ساعةً في غير طاعة مولاه، إلى أن صار قطبَ عصره، وحوى من الفضل ما حواه، وبلغ ما نواه، فشرفَت به نواه، ولم يلْفِ له من ناواه (¬1). كان مولده رحمه الله في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقدم دمشق سنة تسع وأربعين وستمائة، فسكن في الرواحية، واشتغل بالعلم، فحفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع المهذب حِفْظًا في باقي السنة على شيخه الكمال بن أحمد، ثم حج مع أبيه، وأقام بالمدينة شهرًا ونصفًا، وسمع من الرضي بنِ البرهان، وشيخ الشيوخ عبدِالعزيز بنِ محمد الأنصاري، وزينِ الدين بن عبد الدائم، وعماد الدين عبد الكريم الخرستاني وكثيرين. وتخرَّج عليه جماعةٌ من العلماء منهم: الخطيب صدرُ سليمان الجعفري، وشهاب الدين أحمد بن جعوان، وشهاب الدين الإِربدي، وعلاء الدين بن العطار. وحدَّث عنه: ابن أبي الفتح، والمِزّي، وشمس الدين بن العطار. ومن تصانيفه: شرحُ صحيح مسلم، ورياض الصالحين، والأذكار، والأربعون النووية، والِإرشاد في علوم الحديث، والتقريب، والمبهَمات، وتحرير الألفاظ للتنبيه، والعمدة في تصحيح التنبيه، والِإيضاح في المناسك، وله ثلاثة مناسك سواه، والتبيان في ¬

_ (¬1) نواه الأولى: من النية، نواه الثانية: بلدتُه نوى. ناواه الثالثة: عاداه، أي: لم يجد من يعاديه. اهـ. وقال تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى: لقيتِ خيرًا يا نوى ... وَوُقِيتِ مِنْ ألَمِ النَّوَى فلقدْ نَشا بكِ عالمٌ ... للهِ أخْلصَ ما نوى وعلى سِواه فضلُه ... فَضلَ الحبوبِ على النوى ففيه ضربٌ من ضروب البلاغة وهو الجناس التام.

وفاته

آداب حملة القرآن، وبستان العارفين، والفتاوى وهي المسماة بـ "المسائل المنثورة" وضعها غير مرتبة، ورتبها تلميذه ابن العطار، وزاد عليها أشياء سمعها منه، وغير ذلك من المؤلفات الكثيرة. وكان له جملةُ مواقفَ مع الملوك: يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، وجاهد في سبيل الله حقَّ جهاده، ولم يخشَ في الله لومةَ لائم. ولقد بسطت الحديث عنه في كتابه "بستان العارفين". وفاته: تُوفي رضي الله عنه بعد زيارته بيتَ المقدس في الرابع والعشرين من شهر رجب: سنةَ ستٍ وسبعين وستمائة، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيحَ جناته، ورفع درجاته، وجعله في أعلى عليين مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين. كتبه نَزيل المدَينة المُنوَّرة تم 1416 هـ الفقِير إليه تعالى محمَّد الحجَّار

مقدمة الشيخ علاء الدين بن العطار

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقَدّمة الشيخ عَلَاء الدِّين بن العَطّار الحمد لله ربِّ العالمين، خالقِ السموات والأرَضين ومنْ فيهن، ومدبرهن أجمعين. أحمده على جميع نعمه، وأسأله المزيدَ من فضله وكرمه. وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً أدَّخرها للقائه. وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله أرسله رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين وجميعِ أعدائه، وعلى آله، وأصحابه، وأزواجه، وذريته صلاةً دائمة إِلى يوم جزائه. أما بعد: فقد استخرت الله تعالى في ترتيب "الفتاوى" التي لشيخي وقدوتي إلى الله تعالى، أبي زكريا يحيى بنِ شرف النووي العالمِ الرباني -تغمده الله تعالى برحمته، وجمع بيني وبينه في دار كرامته- على أبواب الفقه ليسهل على مطالعها كشفُ مسائلها، ويظهرَ له تحقيقُها ودقائقُ دلائلها. والحق فيها من المسائل ما كتبته عن الشيخ رحمه الله في مجلسه، مما سئل عنه ولم يذكره فيها، وما كان فيها من المسائل مما لا تعلق له بالفقه أورده (¬1) في أبواب في آخرها. وأنا سائل أخًا -انتفعَ بشيء منها- أن يدعوَ لمؤلفها ومرتبها. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": أفرده.

واللهَ أسألُ أن يجعل ذلك خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع بها من طالعها، وقرأها، وكتبها. وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقد قال مؤلفها -رحمه الله تعالى- في خُطبتها (¬1): ولا ألتزم فيها ترتيبًا لكونها على حسب الوقائع فإن كملت أرجو (¬2) ترتيبها، وألتزم فيها الإيضاحَ وتقريبها إلى أفهام المبتدئين و (¬3) من لا اختلاط له بالفقهاء لتكون أعمَّ نفعًا، وأحرص على إِتقانها وتهذيبها والِإشارة إِلى بعض أدلة (¬4) ما قد يخفى منها، وإِضافة بعض ما يُستغرب منها إِلى قائله أو ناقله (¬5)، وأقتصر على الأصح في معظم ذلك، ولا أذكر الخلاف في المسائل المختَلف فيها إِلا نادرًا لحاجة، وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1) خطب على المنبر خُطبةً بضم الخاء. وخطب المرأة خِطبة بكسر الخاء. اهـ. مختار. (¬2) نسخة "أ": رُجي. (¬3) نسخة "أ": بل بدل الواو. (¬4) نسخة "أ": الأدلة مما. (¬5) هذا من أمانة العلم وإخلاص العالم أن يَعزوَ القولَ لقائله، قال المؤلف: في كتابه "بستان العارفين" ومن النصيحة أن تُضاف الفائدةُ التي تستغرب إلى قائلها، فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله، ومن أوهم ذلك فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حاله. اهـ.

قال رحمه الله

قال رحمه الله: مسألة: يستحب ابتداءُ كل أمرٍ له حال (¬1) يُهتم به بالحمد لله رب العالمين، وأن يُثنّى بالصلاة والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحديث المشهور: عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِالحمد للهِ فَهُوَ أجْذَمُ" (¬2) حديث حسن. مجامع الحمد، وأحسنُ الثناء قال الشافعي رحمه الله: أُحِبُّ أن يقدم المرء بين يدي خُطبته وكلِّ أمر طَلَبَهُ حمدَ الله تعالى، والثناءَ عليه سبْحانه وتعالى والصلاةَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال المتأخرون من أصحابنا الخراسانيين: لو حلف إنسان ليحمَدنَّ (¬3) الله تعالى بمجامع (¬4) الحمد أو بأجَلِّ التحاميد، فطريقه في بِرِّ يمينه أن يقول: "الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا يُوافي نِعَمَهُ وُيكافىءُ مَزِيده". ومعنى يوافي نعمه يلاقيها فتحصل (¬5) معه، وقوله يكافىء بهمزة ¬

_ (¬1) نسخة "أ": بال. (¬2) ذي بال: أي حال وشأن. وأجذم: أي أقطع. والمعنى ناقص البركة وقليلها. اهـ. (¬3) نسخة "أ": ليحمد. (¬4) نسخة "أ": بمحامد. (¬5) نسخة "أ": فيحصل.

في آخره (¬1) أي يساوي مزيد نعمه، ويقوم بشكر ما زاده من النعم والِّإحسان. قالوا: ولو حلف ليثنين على الله تعالى أحسنَ الثناء فطريق البرِّ أن يقول: لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثْنَيْتَ على نَفْسِكَ. وزاد بعضهم (¬2) فلك الحمدُ حَتى ترضى. وصوّر أبو سعيد المتولي المسألةَ فيمن حلف ليُثْنِينَّ على الله تعالى بأجَلِّ (¬3) الثناء وَأعْظَمهِ، وزاد في أول الذكر "سبحانك" والله أعلم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) نسخة "أ": آخرها. (¬2) نسخة "أ": للشيخ إبراهيم المروزي. (¬3) نسخة "أ": أجل. (¬4) الحمد: لغة: الثناء بالكلام على جميل اختياري على جهة التعظيم، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا، وسواء كان جميلًا شرعًا كالعلم أو في زعم الحامد كنهب الأموال. واصطلاحًا: فعل يُنبىء عن تعقيم المنعم من حيث كونُه منعمًا على الحامد أو غيره. اهـ. بشرى الكريم 1/ 3.

كتاب الطهارة

كِتابُ الطهَارة (¬1) وفيه ست وثلاثون مسألة وستة أبواب 1 - مسألة: الصواب في حد الماء المطلق (¬2) أنه المفهوم من قولك ماء. واختلف أصحابنا في الماء المستعمل هل هو مطلق؟ والأصح أنه ليس بمطلق، وقيل مطلقٌ مُنِع من استعماله تعبدًا (¬3). ¬

_ (¬1) الطهارة لغة: النظافة. وشرعًا: ما توقف على حصوله إباحة ولو من بعض الوجوه كالتيمم. وللطهارة أربع مراتب: 1 - المرتبة الأولى: تطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث. 2 - المرتبة الثانية: تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام. 3 - المرتبة الثالثة: تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة والصفات الممقوتة. 4 - المرتبة الرابعة: تطهير السر عما سوى الله تعالى. ولا وصول إلى مرتبة من هذه المراتب إلا بعد إحكام ما قبلها. اهـ. من الإحياء. (¬2) هو طاهر في نفسه مطهر لغيره غير مكروه استعماله وهو الذي يسمى ماءً بلا قيد لازم، والمستعمل هو طاهر في نفسه غير مطهر لغيره فلا يجوز استعماله في رفع حدث ولا في إزالة نجس ويجوز استعماله في غير ذلك من العادات كطبخ وعجن وشرب وتنظيف. اهـ. (¬3) إلا أن أهل البصائر من أهل الله قد كشف لهم عن سر ذلك ورأوا آثار النجاسة المعنوية ظاهرةً في الماء المستعمل، كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى من أهل هذا الميدان ولذا حكم بنجاسة الماء المستعمل. كان رضي الله عنه إذا رأى الماء الذي يتوضأ منه الناس يعرف أعيانَ تلك الخطايا التي خرت في الماء ويميز غسالة =

2 - مسألة: لو أغلي الماء فتولد من بخاره رشحٌ فهو طهور في أصح الوجهين لأنه من نفس الماء (¬1). 3 - مسألة: الماء الذي ينعقد ملحًا فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: أصحّها: أنه طهور. والثاني: لا. والثالث: إن انعقد بجوهر (¬2) أرضه فطهور، وان انعقد بجوهره (¬3) فلا (¬4). ¬

_ = الكبائر عن الصغائر، والصغائر عن المكروهات، والمكروهات عن خلاف الأولى، كالأمور المجسدة حسًا على حد سواء. وقد دخل مرةً مطهرة جامع الكوفة فرأى شابًا يتوضأ، فنظر في الماء المتقاطر منه فقال: يا ولدي: تب عن عقوق الوالدين! فقال: تبت إلى الله عن ذلك. وقال سيدي علي الخواص رضي الله عنه: اعلم أن الطهارة ما شرعت إلا لتزيد أعضاء العبد نظافة وحُسنًا ظاهرًا وباطنًا، والماء الذي خرت فيه الخطايا لا يزيد الأعضاء إلا تقذيرًا وقبحًا، تبعًا لقبح تلك الخطايا التي خرت في الماء، فلو كشف للعبد لرأى الماء الذي يتطهر منه الناس في المطاهر في غاية القذارة والنتن فكانت لا تطيب باستعماله نفسُه. اللهم نور بصائرنا، وأزل غشاوات الحجاب عن قلوبنا، حتى نرى حقائق الأشياء. اهـ. (¬1) دخان النجاسة نجس يعفى عن قليله، وبخارها كذلك إذا تصاعد بواسطة نار؛ لأنه جزء من النجاسة تفصله النار بقوتها وإلا فطاهر وعلى هذا يحمل إطلاق من أطلق نجاسته أو طهارته. اهـ. البجيرمي على المنهج 1/ 102. (¬2) نسخة "أ": لجوهر. (¬3) نسخة "أ": لجوهره. (¬4) وقد بسط صاحب الإعانة هذا الموضوع بسطًا مفصلًا عند قوله: وشروط الوضوء كشروط الغسل ثم قال: أحدها ماء مطلق غير مستعمل في رفعِ حدث، وإزالةِ نجس، قليلًا، وغيرُ متغير تغيرًا كثيرًا بحيث يمنع إطلاقَ اسمِ الماء عليه بخليط طاهر وقد غنى الماء عنه: كزعفران، وثمر شجر نبت قُرْبَ الماء، وورق طرح ثم تفتت، لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه، أي لا إن كان التغير بتراب، فإنه لا يضر، لموافقته للماء في الطهورية ولأن تغيره به مجرد كدورة. =

المياه المنهي عن الطهارة بها وشربها

المياه المنهي عن الطهارة بها وشربها 4 - مسألة: من المياه المنهي عن الطهارة بها وشربها: مياه بئار الحِجْر -منازل ثمود- إلا بئر الناقة. ثبت في الصحيحين من رواية ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ¬

_ = وقوله: وملح ماء: أي ولا إن كانْ التغير بملح ناشىء من الماء، فإنه لا يضر أيضًا لكونه منعقدًا من الماء فسومح فيه. بخلاف الجبلي، فإنه يضر لكونه غير منعقد من الماء فهو مستغنى عنه. اهـ. من إعانة الطالبين 1/ 30. وقال البجيرمي على المنهج 1/ 20: لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه، تسهيلًا على العباد، وبالملح المائي لكونه منعقدًا من الماء، لا يمنع إطلاق اسم الماء عليه. وفي الأسنوي على الحلبي: وأما الملح المائي، إذا كان منعقدًا من ماء مستعمل ولم يبلغ به الماء قلتين. اهـ. باختصار. (¬1) لما أهلك الله قومَ عاد بذنوبهم؛ أورث الله "ثمود" أرضهم وديارهم. وثمود: قبيلة عربية، كانوا يسكنون الحجر -هو ما بين تبوك والحجاز- وقد مر عليه الصلاة والسلام بهذه البلدة وهو ذاهب إلى تبوك. سميت ثمود؛ لأنه اسم أبيهم الأكبر وهو: ثمود بنُ عاد بنِ إرم بنِ سام بنِ نوح. كانوا في سعَة من العيش، ونعْمة وترف، ذلَّل الله لهم الصعاب، وبسط لهم الرزق، ولكنهم لم يشكروا الله تعالى على نعمته، ولم يحمدوه على فضله، بل زادوا عتوًا في الأرض وفسادًا، أشركوا بالله، وعبدوا الأصنام. فأرسل الله لهم سيدنا صالحًا، وعَظَهم وذكرهم، فلم ير إلا إدبارًا، عقروا الناقة التي أوجدها الله تعالى دلالةً على صدق نبيهم. وأرادوا إلحاق سيدنا صالح بالناقة، ومكروا مكرًا ومكر الله مكرًا، وهم لا يشعرون، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين. والنهي لأمر معنوي لا حسي؛ لأن تلك الديار مشئومة بشؤم أهلها، وارتكابِ الآثام. اهـ. وكذا مياه ثمود، وكلُّ ماء مغضوب على أهله كماء ديار قوم لوط، وماءِ البئر التي وضع فيها السحر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله تعالى مسخ ماءها حتى صار كنقاعة الحِناء، وماء ديار بابل هي مدينة السحر بالعراق كما في التقريب؛ إلا بئر الناقة فلا كراهة لاستعمال مائها. والمياه ليست بقيد؛ بل التراب والأحجار كذلك. اهـ. ابن حجر. =

الطهارة بماء زمزم

الطهارة بماء زمزم 5 - مسألة: لا تكره الطهارة بماء زمزم عندنا، وبه قال العلماء كافةً إِلا أحمد في رواية. دليلُنا (¬1) أنه لم يثبت فيه نهي، وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اُنه قال: "الماء طهور لا ينجسه شيء". وأما ما يقال عن العباس من النهي عن الاغتسال بماء زمزم فليس بصحيح عنه (¬2). الطهارة بالماء المتغير والماء المشمَّس 6 - مسألة: لا تكره الطهارة بالماء المتغير بطول المُكْث عندنا. وبه قال العلماء كافة إلا محمد بن سيرين فكرهه، ولا دليل لقوله. ودليلنا: الأصل الطهارة، والحديث السابق في المسألة قبلها (¬3). ¬

_ = قال في شرح العباب: ويتردد النظر في شجرها، والأولى الكراهة، فيكره أكل ثمره، واستعمالُ السواك منه. اهـ. البجيرمي على الخطيب 1/ 64. (¬1) نسخة "أ": دليل ذلك. (¬2) قال سيدي إبراهيم الباجوري في حاشيته على ابن قاسم 1/ 28: وأما بئر زمزم فالمعتمد أنه لا يكره استعمال مائها، ولو في إزالة النجاسة لكنه خلاف الأولى، وجَزْم بعضهم بحرمته ضعيفٌ؛ بل شاذ. اهـ. (¬3) قال صاحب الإعانة 1/ 31: وكالتغير بطول المكث، فهو لا يضر لعدم الاستغناء عنه. وعبارته صريحة في أنه من المخالط؛ لكن الذي لا غنى عنه مع أنه لا من المخالط ولا من المجاور. ولو أخرجه بمخالط لكان له وجه؛ وذلك لأن غير المخالط صادق بالمجاور، وبالذي ليس بمجاور ولا مخالط. اهـ. وقال البجيرمي على الخطيب: ولا يضر تغير بمكث، أي بسببه، وهو بتثليث الميم، مصدر مكث بضم الكاف وفتحها. وفي المصدر لغة رابعة وهي فتح الكاف والميم. =

7 - مسألة: المشهور من (¬1) مذهبنا كراهة الطهارة بالماء المشمس (والمختار) أنه لا يكره لأن الحديث المروي فيه عن عائشة رضي الله عنها، والأثر عن (¬2) ابن عمر رضي لله تعالى عنهما ضعيفان جدًا؛ وخوف البرص لا يعرفه إلا الأطباء. وقال الشافعي: لا أُكَرِّه المشمس إلا أن يكون (¬3) من جهة الطب (¬4). 8 - مسألة: الصحيح أن الماء المتغير بالدهن والعود ونحوهما طهور. وأن المستعمل في نفل الطهارة كالغسلة الثانية والثالثة وتجديد الوضوء (¬5) والأغسال المسنونة طهور. ¬

_ = قيل: قد قرىء بها في قوله تعالى: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106]. وإن فحش التغير. الغاية للرد على من قال بضرره. اهـ. ببعض تصرف. (¬1) نسخة "أ": في. (¬2) نسخة "أ": عن عمر رضي الله عنه. (¬3) نسخة "أ": يكره. (¬4) فالماء المشمس: هو طاهر في نفسه. مطهر لغيره مكروه استعماله. ولكن الكراهة لا تتحقق إلا بشروط قد ذكرها الفقهاء في هذا الباب: 1 - أن يكون ببلد حار وقطر حار كالحجاز واليمن الجنوبية وغيرهما. 2 - وأن تنقله الشمس من حالة إلى أخرى، بحيث تنفصل من إنائه زهومة تعلوه. 3 - وأن يكون في إناء منطَبع -أي: قابل للانطباع- كنحاس، وحديد، ورصاص، غير النقدين، لصفاء جوهرهما. 4 - وأن يكون استعماله حالَ حرارته. فلو برد وعاد إلى حالته الأولى انتفت الكراهة. 5 - وأن يكون التشميس في زمن حارٍ، وكذا يكره شديد السخونة والبرودة. اهـ. (¬5) والمراد بتجديد الوضوء إعادته. "والوضوء على الوضوء نور على نور" هذا لفظ حديث ذكر في الإحياء. قال الحافظ العراقي في تخريجه: لم أقف عليه. وسبقه لذلك الحافظ المنذري. وقال الحافظ ابن حجر: حديث ضعيف. ورواه رزين في مسنده. اهـ. جراحي. =

وأن الذي استعمله الصبي، والكتابية التي انقطع حيضها أو نفاسها واغتسلت لاستباحة المسلم ليس بطهور (¬1). 9 - مسألة: الماء الذي استعمله الحنفي وغيره ممن لا يعتقد وجوب نية الوضوء والغسل في وضوئه أو غسله، فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: 1 - أصحها: أنه ليس بطهور (¬2). 2 - والثاني: طهور؛ لأنه قد لا ينوي وإن نوى لا يعتقد وجوبها. 3 - والثالث: إِن نوى فليس بطهور، وإلا فطهور. 10 - مسألة: الصحيح المشهور أن الماء الذي توضأ به الصبي المميز مستعمل لا تجوز الطهارة به؛ لأنه قد رفع حدثًا وأُدِّيَتْ به عبادةٌ. ¬

_ = نعم روى أحمد بإسناد حسن مرفوعًا: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء" يعني ولو كانوا غير محدثين. وأما حديث: "من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات" رواه الترمذي وضعف إسناده. ونقل عن البخاري أنه حديث منكر. (¬1) ليس بطهور لغيره ولكنه طاهر بنفسه. (¬2) لأنه أُديَ به ما لا بد منه، أثم الشخص بتركه أم لا، عبادة كان أم لا. فشمل وضوءَ الصبي -ولو غير مميز- بأن وضأه وليه للطواف، فهو مستعمل؛ لأنه أدي به ما لا بد منه، وإن كان لا إثم عليه بتركه. وشمل أيضًا ماء غسل الكافرة لتحل لحليلها المسلم؛ لأنه أدي به ما لا بد منه، وإن لم يكن غُسلها عبادةً. فشمل -أيضًا- ماءَ وضوء الحنفي بلا نية؛ لأنه استعمل في رفع حدث عنده. وإن لم يُرفع عندنا لعدم النية. "اعلم" أنهم اختلفوا في علة منع استعمال الماء المستعمل: فقيل: -وهو الأصح- إنه غير مطلق. وقيل: مطلق ولكن منع من استعماله تعبدًا وهو الصحيح. اهـ. من إعانة الطالبين 1/ 27. ارجع إلى ص 13 رقم 3.

الخلاف في الماء المتنجس

وفيه: وجه حكاه البغوي وغيره أنه ليس بمستعمل لأنه لم يُؤَد به فرضٌ (¬1). الخلاف في الماء المتنجس 11 - مسألة: إذا وقع في الماء نجاسة أو لاقاها، ما حكمه - على مذهب الشافعي- بجميع وجوه الخلافِ والتفصيل فيه؟. الجواب: إِن الماء ضربان: متغير بالنجاسة، وغيرُه. 1 - الضرب الأول: المتغير بها وهو قسمان: "أحدهما": متغير بنجاسة مَيْتَةٍ لا نَفْسَ لها سائلة، فهذا نجس على أصح الوجهين. "والثاني": متغير بنجاسةٍ أخرى فهذا نجس بلا خلاف. 2 - الضرب الثاني: غير المتغير وله حالان: 1 - أحدهما: أن يكون قلتين فلا ينجس إِلا أن تقع (¬2) فيه نجاسة ¬

_ (¬1) وطاهر غير مُطهر: هو الماء المستعمل في رفع الحدث، أو إزالة النجس، إذا لم يتغير، ولا زاد وزنه فهو طاهر. لقوله عليه الصلاة والسلام: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه إلا ما غيَّر طعمه، أو ريحه". وفي ابن ماجه: "أو لونه" وهو ضعيف. والثابت: طعمه أو ريحه فقط. وهل هو طهور يرفع الحدث، ويزيل النجس أيضًا؟؟ -فيه خلاف- المذهب أنه غير طهور؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع شدة اعتنائهم بالدين، ما كانوا يجمعونه ليتوضؤا به ثانيًا، ولو كان ذلك سائغًا لفعلوه. واختلف الأصحاب في علة منع استعماله ثانيًا، والصحيح: أنه تأدى به فرض، وقيل: تأدى به عبادة. اهـ. باختصار من كفاية الأخيار 1/ 6. (¬2) نسخة "أ": يقع.

مائعة (¬1) موافقة له في الصفات وكانت بحيث لو قدرت مخالفة له في أغلظها لتغير طعمه أو لونه أو ريحه فإنه ينجس قطعًا. 2 - والثاني: أن يكون دونَ القلتين فالنجاسة فيه نوعان: 1 - أحدهما: ما لا يدرسها (¬2) الطَرْف فلا تنجسه (¬3) على الأصح من سبعة طرق مشهورة. 2 - والنوع الثاني: ما يدركها الطرف وهو صنفان: 1 - أحدهما: غسالة نجاسة لم تتغير، وأصح الأقوال: أنه إِن انفصل وقد طهر المحل فهو طاهر، وإلا فنجس هذا إِذا لم يزد وزنها، فإن زاد، فنجسة على المشهور، وقيل فيها الأقوال الثلاثة. 2 - والثاني (¬4): غير الغسالة وهو شيئان: 1 - أحدهما: راكد فنجس (¬5) على المذهب، وفي وجه لا ينجس بلا تغير كمذهب مالك. 2 - والثاني: جارٍ وأصح القولين أنه كالراكد فلا يزال نجسًا حتى يجتمع في موضعٍ قلتان (¬6) وقيل إِذا تباعد عن النجاسة الواقعة قدر قلتين فطاهر والله أعلم. 12 - مسألة: ما مقدار القلتين برطل دمشق وكم قدرهما بالمساحة؟. الجواب: هما نحو مائة وثمانية أرطال بالدمشقي، وبالمساحة (¬7) ذراع وربع طولًا وعرضًا وعمقًا (¬8). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": بعد مائعة "لا تعد". (¬2) نسخة "أ": يدركه. (¬3) نسخة "أ": ينجسه. (¬4) نسخة "أ": والصنف. (¬5) نسخة "أ": فينجس. (¬6) نسخة "أ": قلتين. (¬7) نسخة "أ": والمساحة. (¬8) إذ كلٌ من الطول، والعرض، والعمق: خمسة أرباع ذراع ... =

13 - مسألة: إذا سقى الزرع، والبقل، والثمر، ماءً نجسًا أو زبلت أرضه هل (¬1) يحل أكله؟. الجواب: يحل أكله، والله أعلم. * * * ¬

_ = فاضرب خمسة الطول في خمسة العرض يكون الحاصل /25/ اضربها في خمسة العمق يكون الحاصل /125/ وكل ربع يسعُ أربعةً. فتضرب في /125/ تبلغ 500. اهـ. بشرى الكريم 1/ 18. الذي قدره مشايخنا اليوم بأن القلتين تبلغ عشر تنكات من الماء تقريبًا لا تحديدًا فهذا الماء يعتبر كثيرًا لا ينجس بمجرد ملاقاته للنجاسة؛ إلا بتغير أحد أوصافه لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء" رواه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما وفي رواية: "إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ". اهـ. (¬1) نسخة "أ": بدون "هل".

باب في السواك وخضب اللحية

باب في السواك (¬1) وخضب اللحية 14 - مسألة: السواك بالأصبع فيه ثلاثة أوجه: أصحها: لا يجزىء. والثاني: يجزىء (¬2). والثالث: أنه يجزيه إِن فقد غيرها (¬3) ولا يجزىء مع إِمكان غيرها. ¬

_ (¬1) السواك: لغة: الدلك. وشرعًا: استعمال عودٍ أو نحوه: كأشنان في الأسنان وما حولها. والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلى أُمَّتِي لأمَرْتهُمْ بالسوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ". وفي رواية: "لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء". رواه النسائي، وصححه ابن خزيمة. وتعتريه أحكام أربعة: 1 - الوجوب: فيما إذا توقف عليه زوال نجاسة، أو ريحٍ كريه في نحو جمعة. 2 - والحرمة: فيما إذا استعمل سواك غيره بغير إذنه ولم يعلم رضاه. 3 - والكراهة: للصائم بعد الزوال. 4 - والندب: في كل حال. ويحصل بكل خشن وأفضلُه الأراك. لا بأصبعه ولو خشنةً، خلافًا لما اختاره النووي في المجموع من أن أصبعه الخشنة تجزىء. وإنما يتأكد السواك ولو لمن لا أسنان له لكل وضوء، ولكل صلاة فرضِها ونفلِها، وإن سلَّم من كل ركعتين، لقوله عليه الصلاة والسلام: "ركعتانِ بسواكٍ أفْضلُ مِنْ سَبْعينَ رَكعةً بغير سِواكٍ" رواه ابن النجار والديلمي ورجاله موثقون. (¬2) نسخة "أ": يجزيه. (¬3) نسخة "أ": غيره.

15 - مسألة: ما حكم خضاب اللحية البيضاء؟. الجواب: خضابها بحمرة أو صفرة سنة، وخضابها بالسواد حرام على الصحيح. وقيل: مكروه. وهذا في حق الرجل والمرأة (¬1) إِلا (¬2) الرجل المجاهد. قال الماوردي: لا يحرم في حقه. وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حين رأى لحية أبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بيضاء قال: "غَيِّرُوا هذا واجْتَنِبُوا السوَادَ"!! (¬3). ¬

_ (¬1) قال الشهاب الرملي في شرح الزبد وتبعه ابنه في شرحها: يجوز لها بإذنٍ من حليلها؛ لأن فيها تزيينًا لها وقد أُذن لها فيه. اهـ. بشرى الكريم 2/ 131. (¬2) نسخة "أ": لا. (¬3) أبو قحافة: والد أبي بكر رضي الله تعالى عنهما ولم يسلم إلا يوم فتح مكة. وعاش إلى خلافة عمر رضي الله تعالى عنه فجيء به يوم الفتح، ولحيته كالثغامة -بالفتح نبت أبيض الزهر والثمر- فقال عليه الصلاة والسلام: "غيروا هذا الشيب بشيء واجتنبوا اللون الأسود"!! وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - "يخضب بالصفرة" زاد في رواية: "فأنا أحب أن أصنع بها". وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن وهب قال: دخلنا على أم سلمة رضي الله تعالى عنها فأخرجت إلينا من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو مخضوب بالحناء والكتَم. والكتم: بفتح التاء: نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه. كما في القاموس. والكتم الصِرف كما قال القسطلاني: يوجب سوادًا مائلًا إلى الحمرة. والذي عليه بعض الناس من الخضب بالسواد المحض حالَ السلِم غيرُ سائغٍ شرعًا. وقد نجم عنه غِش وتغرير بالمرأة المخطوبة وأهلها، إذ خَضْبُ الخاطب به يوهمهم أنه شاب قوي. وهو أشيب ضعيف. وحكي أن أشيب قد خضب بالسواد وخطب امرأة شابة. فأعجبها عن بعدٍ سمْتُه ومنظره. فأجابته. فلما تم الزواج، وإذا بأصول الشعر ظهر بياضه بعد فترة فخاطبته قائلة: قالتْ أراكَ خَضَبْتَ الشيْبَ قلتُ لها ... سترتُه عنكِ يا سَمْعي ويا بصري =

الحديث على الختان

الحديث على الختان 16 - مسألة: لو مات إِنسان غيرَ مختون ففيه ثلاثة أوجه: الصحيح: أنه لا يختن لا الصغير ولا الكبير. والثاني: يختنان. والثالث: يختن الكبير دون الصغير. ولو ولد مختونًا فلا ختانَ عليه. ذكره الشيخ (¬1) أبو محمد في كتابه التبصرة (¬2). ¬

_ = فقهقتْ وقالتْ إنَّ ذا عجبٌ ... تكاثر الغِشُ حتى صار في الشَّعْرِ هذا كله إذا لم يكن لغرض شرعي كالجهاد، لأن السواد مظهر الشباب والقوة: وهو أرهبُ للأعداء، وأخوف لهم. ولا يقال: إن الخضاب فيه تغيير الخلقة؛ لأنه مأمور به، بخلاف نتف الشيب فإنه مكروه لحديث أصحاب السنن: "لا تنتفوا الشيب". "ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورًا يوم القيامة". وحكمة الشيب احتشام النفس: وخوفها من الله تعالى، فإنه علامة على كِبر السن، وانقضاء العمر وقرب الأجل، ونذير من نذر الموت. صبغ شعر المرأة بغير السواد جائز للزينة. وأما السواد فقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى التفصيل في حكمه. اهـ. (¬1) نسخة "أ": بدون "أبو". (¬2) قال في إعانة الطالبين 4/ 173: ووجب ختان المرأة والرجل، حيث لم يولدا مختونين؛ فإن ولدا كذلك فلا يجب الختان. ودليل الوجوب قوله سبحانه: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ومنها الختان؛ أي: ومن ملة إبراهيم الختان. اختتن عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم. وقيل: واجب على الرجال، وسنة على النساء. ويجب الختان ببلوغ وعقل إذ لا تكليف قبلهما، فيجب بعدهما فورًا. فالواجب في ختان الرجل قطع ما يغطي حشفته حتى تنكشف كلُّها. والمرأة قطع جزء يقع عليه الاسم من اللحمة الموجدة بأعلى الفرج فوق ثقبة البول، تشبه عرف الديك وتسمى البَظْرَ. =

باب في المضمضة والاستنشاق

باب في المضمضة والاستنشاق 17 - مسألة: هل الأفضل في المضمضة والاستنشاق أن يكونا بست غرفات كما هو المعتاد، أم بغير ذلك؟ وكيف صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟. الجواب: الأفضل أن يكونا بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ويستنشق، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهِما (¬1). وأما فعلهما بست غرفات فلم يصح فيه شيء. 18 - مسألة: هل يكره غمس يده المشكوك في نجاستها في المائع كالطبيخ والدبس والعسل (¬2) والزيت واللبن والدهن وغيرها قبل غسلها؟. الجواب: نعم يكره كل (¬3) ذلك سواء قام من النوم أم لا، وكذا يكره أن يأكل بها فاكهة فيها رطوبة. ¬

_ = ويندب تعجله سابعَ يوم الولادة للاتباع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ختن الحسن والحسين -رضي الله عنهما- يوم سَابعهما، فإن أخر عنه ففي الأربعين؛ وإلا ففي السنة السابعة، لأنها وقت أمره بالصلاة. ومن مات بغير ختان لم يختن في الأصح. ويسن إظهار ختان الذكر، واخفاء ختان الأنثى. اهـ. ببعض تصرف. فائدة: لقد روي أنه عليه الصلاة والسلام ولد مختونًا. اهـ. (¬1) قال في الأم: يجمع لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد". رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح. المجموع 1/ 401 - 402. ومنها حديث عبد الله بن زيد أنه وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتمضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثًا". رواه البخاري ومسلم. المجموع 1/ 409 - 410. (¬2) نسخة "أ": بدون لفظ "والعسل". (¬3) نسخة "أ": بدون لفظ "كل".

حكم التطهر بالثلج والبرد

19 - مسألة: وَجَدَ المسافرُ وغيرُهُ خابيةَ ماءٍ مسبلةً (¬1) على الطريق يجوز له الشربُ منها ويحرمُ عليه الوضوء به؛ لأنها سُبِّلَتْ للشرب الذي لا بَدَلَ له، ولم تسبل للوضوء لأن له بدلًا وهو التيمم، صرح بهذه المسألة المتولي وغيرُه من أصحابنا، والله أعلم. 20 - مسألة: توضأ من (¬2) حدثٍ، وصلى الصبحَ والظهر (¬3) ثم نسي أنه توضأ، وصلى، فأعادهما (¬4)، ثم علم أنه ترك سجدة من إِحدى الصلاتين، وَمَسْحَ الرأسِ في إِحدى الطهارتين، فطهارته صحيحة الآن وعليه إِعادة الصلاة؛ لاحتمال أنه ترك المسح من الأولى والسجدة من الثانية. حكم التطهر بالثلج والبَرد 21 - مسألة: إذا أمر المتطهر على أعضائه ثلجًا أو بَردًا وسال كفاه على الصحيح عند أصحابنا؛ لأنه حصل الغَسْلُ. وقال الإصطخري من أصحابنا: لا يصح غسله، وإن لم يسل لم يُجْزه إلا الممسوح: وهو الرأس والجبيرة والخف. باب في الحديث على مس الفرج 22 - مسألة: من مس ذكره بباطن كفه ناسيًا هل تبطل صلاته وطهارته؟. أجاب رضي الله عنه: نعم؛ تبطل صلاته وطهارته، والله أعلم (¬5). "كتبته عنه". ¬

_ (¬1) نسخة "أ": بدون لفظ مسبلة. (¬2) نسخة "أ": عن. (¬3) نسخة "أ": بدون لفظ الظهر. (¬4) نسخة "أ": فأعادها. (¬5) لقوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ مَسَّ فَرجَهُ فَلْيَتَوضِّأ" رواه ابن ماجه عن أم حبيبة =

مس المصحف من المحدث

مس المصحف من المحدث 23 - مسألة: هل يجوز تمكينُ الصبي المميز من كتابة القرآن في اللوح، وحمله، وحمل المصحف، وهو محدث، أو جنب. وكيف تتصور الجنابة في حقه؟ وهل للبالغ كتابة القرآن وهو محدث أوجنب، وكذلك المرأة؟. الجواب: يجوز تمكين الصبي المميز من ذلك، وتتصور جنابته بالوطء سواء أولج (¬1) أو أولج فيه غيرُه. وأما البالغ من الرجال أو النساء، فلا يجوز له كتابةُ القرآن إِلا أن يكتبه بحيث لا يمسّ المكتوبَ فيه. ولا يحمله بأن يضعه بين يديه ويرفع يده في حال الكتابة (¬2). ¬

_ = وأبي أيوب رضي الله عنهما. وفي رواية: "من مسَّ ذكره فليتوضأ" ولخبر ابن حبان في صحيحه: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ". اهـ. قال في بشرى الكريم 1/ 31: من نواقض الوضوء: مس قُبُل الآدمي، وحَلْقةِ دبره، بباطن الكف: من حي أو ميت، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، من نفسه أو غيره، من مَحْرمه أو غيره. ولا يُنقض فرج البهيمة من جميع الحيوانات، إذ لا تُشتهى، ولذا حل نظره إليها، وانتفى الحدُّ به. ولا اللمس برءوس الأصابع، وحروفها لأنها خارجة عن سمت الكف. اهـ. باختصار. (¬1) نسخة "أ": ولج. (¬2) ويحرم بالحدث حمل المصحف، ومس ورقه، وحواشيه، وجلده، وخريطته، وصندوقه، أي المعدات له، وهو فيه. ومنه بيت الربعة فيحرم مسه وفيه شيء من الأجزاء. وما كتب لدراسة قرآن. ويحرم محو ما كتب من القرآن بالريق لأنه مستقذر، ويحرم وضعه على الأرض، ويحرم وضع نحو نقد عليه، ومسه بمستقذر ولو ريقًا في نحو قلب ورقه. ويكره أخذ الفأل منه. ويحل حمله في أمتعة تبعًا لها لا بقصد المصحف. =

باب في حكم الصلاة في أرض الغير

24 - مسألة: هل يكره استقبال بيت المقدس بالبول والغائط في الصحراء من غير حائل؟. الجواب: نعم، يكره والحالة هذه وفيه حديث (¬1). باب في حكم الصلاة في أرض الغير 25 - مسألة: هل يجوز للمسافر وغيره الصلاة في الأرض المملوكة في الصحراء، إِذا لم يكن فيها زرعٌ يتضرر به، وهل له التيمم بترابها؟. ¬

_ = ويجوز قلب ورقه بعود. ولا يمنع الصبي المميز من حمله، ومسه للدراسة لمشقة دوام طهره. وأما حمله لغير الدراسة حرام. ويحرم تمكين غير المميز من حمله. هذا كله إذا كان لغير ضرورة، أما لها كان خاف عليه تنجيسًا، أو ضياعًا، وعجز عن الطهارة، واستيداعه مسلمًا فيجوز عند ذلك ضرورة. اهـ. من بشرى الكريم 1/ 31 باختصار. (¬1) الحديث المتفق عليه في هذا الباب: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا". أقول: هذا خطاب لأهل المدينة ومن كان على سَمْتهم وجهتهم كالشام واليمن، بخلاف أهل المشرق والمغرب. واعلم!! أن استقبال الكعبةِ واستدبارها، في فضاء غير مُعَدٍ لذلك بلا سترة حرام. وبها .. أي بالسترة خِلاف الأولى .. أما في مُعَدٍ، ولو بلا سترة: فلا حرمة، ولا كراهة، ولا خلاف الأولى؛ بل خلاف الأفضل حيث أمكن الميل عن القبلة بلا مشقة. وخرج بالكعبة ما كان قبلة قبلُ ثم نسخ كصخرة بيت المقدس، فاستقباله واستدباره مكروه وتنتفي الكراهة فيه بما تنتفي به الحرمة. اهـ. من الشرقاوي على التحرير 1/ 125. وأما حديث بيت المقدس فلم أقف عليه والله أعلم.

صلاة فاقد الطهورين

الجواب: تجوز (¬1) الصلاة فيها والتيمم منها إن علم بقرينة حال، أو اطراد (¬2) عرفٍ أن مالكها لا يكره ذلك؛ فإن علم كراهتَه لذلك أو شكَّ فيها لم يجز. صلاة فاقد الطهورين 26 - مسألة: إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا، ففيه أربعة أقوال: الصحيح أنه تلزمه الصلاة على حسب حاله، وتجب إِعادتها، ولا تجوز الِإعادة إِلا بالوضوء، أو التيمم في موضع يسقط به الفرض (¬3). فإن كان في الحضر، وعُدِم الماء لم تجز الِإعادة بالتيمم إِذ لا فائدة فيها؛ وإِنما أمرناه بالصلاة أولًا لحرمة الوقت، وليس ذلك موجودًا بعد خروج. الوقت؛ فلا يجوز أن يصلي محدِثًا بلا تيمم من غير ضرورة ولا حرمة وقت صلاةٍ لا تنفعه (¬4). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": يجوز. (¬2) نسخة "أ": أو ظنٍ. (¬3) بأن كان المحل الذي يصلي فيه، يغلب فيه فقد الماء أو يستوي الأمران. اهـ. (¬4) ومن لم يجد ماء ولا ترابًا صلى الفرضَ وحْده لحرمة الوقت: كالعاجز عن نحو السترة. وهي صلاة صحيحة في أحكامها؛ لكنها تبطل بتوهم التراب، ولو بمحل لا يسقط القضاء كما نقل ابن قاسم عن الرملي. وخرج بالفرض: النفل: من سجدة التلاوة، ومس المصحف، وقراءة القرآن، سوى الفاتحة في الصلاة، وتمكين الحليل، والنذر، والقضاء، لعدم الضرورة في جميع ذلك. وصلاةُ الجنازة كالنفل عند الرملي. ويصلي قبل الدفن ويعيد عند ابن حجر إذا وجد الماء، أو التراب. قال صاحب العُباب (فرع) إذا وجد فاقد الطهورين في الوقت بعد فعل الصلاة، (الترابَ) بمحل لا تسقط فيه الصلاة بالتيمم وجب فعلها. اهـ واختار النووي القول بأن كل صلاة وجبت في الوقت مع خَلل، لا تجب إعادتها لأن القضاء بأمر جديد ولم يثبت. اهـ. بشرى الكريم 1/ 50.

باب في نفقة المتحيرة

27 - مسألة: إِذا تيمم برمل خالص له غبار يَعْلَق بالوجه واليدين، هل يصح تيممه؟ ولو سُحِق الرمل وتيمم به هل يصح أم لا؟. أجاب رضي الله عنه: نعم، يصح تيممه في الصورتين. وكلام صاحب "التنبيه" مؤول، والله أعلم "كتبته عنه". باب في نفقة المتحيرة (¬1) 28 - مسألة: المستحاضة المتحيرة (¬2) تجب لها النفقة ¬

_ (¬1) أقول: من المصائب الفادحة، اللاتي أصيبت بها نساؤنا اليوم، جهلُهن في معظم أبواب الفقه الإسلامي. ترى الواحدة منهن تتقن ما يتعلق بأمور شهواتها وأزيائها إتقانًا جيدًا وتحفظ من الأغنيات وأسماء المغنين الشيء الكثير. وإن كانت من المتعلمات، تصل إلى القمة بعلمها وثقافتها، وإذا ما دعاها داعي الدين، تراها في ليلٍ دامس، وجهالة جهلاء، لا تفقه شيئًا من ذلك. وقد أوجب الله على النساء، تعلم ما يحتجن إليه، ولا سيما "باب الحيض" لأن كثيرًا من الأحكام متعلقة ومربوطة في هذا الباب. فإن كان لها زوج فيجب عليه أن يتعلم ويعلمها، وإن لم تكن ذاتَ بعل فلتخرج ولتسأل. وقد أثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نساء الأنصار حيث قال: "رَحِمَ اللهُ نساءَ الأنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحياءُ عن السُّؤالِ عَنْ أمْرِ دِينهنَّ"!!. وليس لها الخروج لغير تعلم واجب من نحو مجلس فكر أو حضور جماعة، ولا سيما إن كانت متكشفةً بثوبها الشفاف، ولباسها الضيق الذي يُظهر معالم جسمها. وإن أرادت أن تجاوز سور بلدها لا بد لها من مَحرم يرافقها خوفًا من الفتنة فما قولك بسفرها إلى بلاد بعيدة؟ شكت إحدى الفتيات والدَها بتعدي رفاقها عليها فاستهجن هذه الشكوى وقال لها بعنف: ماذا تريدين من هذا؟ تريدين أن تضحي بمستقبلك في سبيل عرضك؟؟ فهذا وأمثاله مما وقع فيه المسلمون اليوم وهو قليل من كثير. اهـ. محمد. (¬2) سميت متحيرة لأن أمرها حيَّر الفقهاء.

والكسوة وسائر مؤن النكاح على زوجها، ولا خيار له في فسخ نكاحها كما لو كانت مريضةً. 29 - مسألة: إِذا قالت المتحيرة: كنت أحيض خمسة أيام من كل شهر، منها يومان من إِحدى خَمَسَاتِ الشهر، وثلاثةٌ من خمسةٍ تليها لا أدري أيُّ الخمسات هي، ولا أدري هل اليومان سابقان للثلاثة أم عكسه؟ فليس لها حيض بيقين ولها أربعة أيام طهر بيقين -وهي اليومان الأولان والآخران (¬1) من الشهر- وباقي الأيام يحتمل الحيض والطهر، وحكمهما معروف، وعليها عشرة أغسال، وهي عقب الثاني والثالث من كل خمسة سوى الخمسةِ الأولى، والله أعلم. 30 - مسألة: المشهور من (¬2) المذهب أن المستحاضة المتحيرة إِذا لزمها صوم يومين تصومهما بصوم (¬3) ستة أيام من ثمانيةَ عشر يومًا: ثلاثةٌ في أولها، وثلاثة في آخرها، وإِن لزمها ثلاثةٌ، صامت ثمانية، وإِن لزمها أربعة، صامت عشرة وهكذا أربعة عشر (¬4) فيلزمها ثلاثون هذه طريقة الأصحاب، وحاصلها أنها تضعّف الواجبَ، وتزيد يومين. والصواب طريقة الدارمي أنها يكفيها التضعيف وزيادة يوم واحدة فإذا كان عليها يومان صامت خمسةً. وهي اليوم الأول والثالث والسابعَ عشر، والتاسعَ عشر، وتفطر الرابع، والسادس عشر، ويومًا من الأحد عشر الباقية بينهما أيها شاءت وتبرأ ذمتها على كل تقدير، وقد صنف الدارمي في المسألة مجلدًا ضخمًا وقد انتخبت مقاصده في شرح المهذب، وبالله التوفيق (¬5). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": والأخيران. (¬2) نسخة "أ": في. (¬3) نسخة "أ": بدون "بصوم". (¬4) نسخة "أ": يومًا. (¬5) والاستحاضة: دم علة يخرج من عرقٍ، فمُه في أدنى الرحم، وتنحصر بأنها الدم الخارج في غير أوقات الحيض والنفاس. =

باب النجاسة الواقعة في الخمر قبل التخلل

31 - مسألة: تُقبل شهادةُ النساء على الحيض، كما تقبل على الولادة، والرضاع، والعيوب تحتَ الثياب. والمسألة مشهورة في كتب أصحابنا. وممن صرح بها في مَظنتها وموضعها من كتاب الشهادات البغوي وغيرُه، وذكرها صاحب الشامل في كتاب الخلع، ولا خلاف فيها. وإنما ذكرت هنا (¬1) لأنها حدثت في زماننا، واضطرب جماعة فيها لعدم وقوفهم على النقل فيها. وتخيَّل (¬2) بعضُهم أنهم يعسُر اطلاعهن عليه، وهذا عجيب، وكيف يخفى على النسوة الخبيرات ما هنَّ ممارساتٍ له في أنفسهن وفي غيرهن معظم أعمارهن! والله أعلم. باب النجاسة الواقعة في الخمر قبل التخلل 32 - مسألة: إِذا وقعت في الخمر نجاسة أخرى كعظم ميتة ونحوه (¬3)، فأخرجت منها ثم انقلبت الخمر خلًا لم تطهر بلا خلاف، ¬

_ = فهي الدم الخارج قبل تسع سنينَ، أو بعدها، ونقص عن قدر يوم وليلة، والزائدُ على خمسةَ عشر يومًا بلياليها، والآتي قبل تمام أقل الطهر، أو مع الطلق، ولم يتصل بحيض قبله. وقيل: هي المتصلة بدم الحيض فقط. وغيره: دمُ فساد. والاستحاضة: حدث دائم فلا تمنع شيئًا مما يمتنع بالحيض: من نحو صلاة، ووطء، ولو مع جريان الدم. والمستحاضة: تغسل فرجها، ثم تحشوه -أي قطنًا- إلا إذا أحرقها الدم، أو كانت صائمة، وتجب الطهارة، وتجديد العَصْب لكل فرض. اهـ. بشرى الكريم باختصار 1/ 52. (¬1) نسخة "أ": هذا. (¬2) نسخة "أ": وعلل. (¬3) أو طاهرة استمرت إليه، أو لم تستمر، لكن تحلل منها شيء فتطهر، وإن فتح رأسها، أو نقلت من محلّها، أو تخللت لا بفعل فاعل بأن غلت، واشتدت وقذفت بالزبد. اهـ.

في الزيت المتنجس وغيره

ذكره صاحبُ التتمة في باب الاستطابة. أما اذا لم يقع في الخمر نجاسةٌ أخرى، ولا خللها بشيء؛ لكنها غلت وارتفعت إلى أعلى الدَنِّ، ثم سكنت ونزلت إِلى وسطه، ثم انقلبت بنفسها خلًا طهرت وطهر أجزاء الدن التي ارتفعت (¬1) إِليها تبعًا، صرح به أصحابنا، والله أعلم (¬2). في الزيت المتنجس وغيره 33 - مسألة: خابية زيت فيها (¬3) جبن وقعت فيه فأرة هل يمكن طهارة الزيت والجبن؟. الجواب: لا يطهر الزيت بالغسل (¬4) بالماء (¬5)؛ ولكن يجوز الاستصباح به. وأما الجبن فيطهر بالغسل بالماء مع تراب ونحوه بحيث يَطْفو عنه الزيت فيطهر الجبن. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": ارتفع. (¬2) والحاصل: أن العين إن كانت نجسةً ضرت مطلقًا. تحلل منها شيء أو لا، نزعت قبل التخلل أو لا!! وإن كانت طاهرة، فإن وقعت بعد التخلل لم تضر مطلقًا، وإن وقعت قبله، فإن دامت إلى التخلل ضر مطلقًا، وإن نزعت قبله فإن لم يتحلل منها شيء لم يضر، وإلا ضر. اهـ. الشرقاوي على التحرير 1/ 43. (¬3) نسخة "أ": فيه. (¬4) نسخة "أ": بدون "بالماء". (¬5) وقيل: يطهر الدهن بغسله بأن يصب الماء ويكاثرَه ثم يحركه بخشبة ونحوها بحيث يظن وصولَه لجميعه، ثم يُتْركُ ليعلو، ثم يُثْقبُ أسفلُه، فإذا خرج الماء سده. ومحل الخلاف كما قاله في "الكفاية" إذا تنجس بما لا دهنية فيه كالبول، وإلا لم يطهر بلا خلاف. اهـ. حاشية البجيرمي على المنهج 1/ 109.

34 - مسألة: إِذا صبغ الثوب بصبغ نجس، أو خضب رأسه أو شعره بخضاب نجس، هل يطهر بالغسل مع بقاء اللون؟. الجواب: نعم يطهر. 35 - مسألة: إِذا سقى سكينًا ماء نجسًا، هل تطهر بغسل ظاهرها، أم يُشترط سقيُها بماء طاهر مرةً أخرى؟ وما حكم ما يقطع بها قبل ذلك، وهل فيه خلاف؟. الجواب: الأصح أنه يكفي غسل ظاهرها، فلو قطع بها شيئًا رطبًا قبلَ غسلها صار نجسًا. 36 - مسألة: الصحيح: أن الزيت، والسمن، والشيرج، وسائر الأدهان، إِذا تنجست لا تطهر بالغسل، وهو المنصوص للشافعي وصححه الأكثرون، ودليله الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال في الفأرة التي تموت في السمن: "إِنْ كانَ مائعًا فَأرِيقُوهُ، وَإِن كانَ جَامِدًا فَألقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا" فأمر -رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- بإراقة المائع، مع نهيه -صلى الله عليه وآله وسلم- عن إضاعة المال، فلو كان الغسل يُطَهِّره لما أمر بإتلافه (¬1)، ومعلوم أن النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- لا يُقر على حكم باطل والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) نسخة "أ": بإراقته.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (¬1) وفيه ثمان وثلاثون مسألة 1 - مسألة: هل ثبت أن النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- صلى بالأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- (¬2) ليلة الِإسراء ببيت المقدس أم لا؟ وهل كانت الصلاة وجبت؟ وهل هي (¬3) الصلاة المعهودة أم الدعاء؟ وهل كان الِإسراء في المنام أم في اليقظه؟ وهل كان مرةً أو مرتين؟ وهل رأى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ربَّه سبحانه وتعالى ليلةَ الِإسراء بعيني رأسِه أم لا؟ ومتى كان الِإسراء؟. الجواب: نعم؛ ثبت أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ليلةَ الِإسراء ببيت المقدس، ثم يحتمل أنه كانت الصلاة قبلَ صعوده إلى السماء، وُيحْتَمَلُ أنها بعد نزوله منها. واختلف العلماء في هذه الصلاة. فقيل: إِنها الصلاةُ اللغويةُ، وهي الدعاء والذكر. وقيل: هي الصلاة المعروفة وهذا أصح (¬4)؛ لأن اللفظ يُحمل على ¬

_ (¬1) هي لغة: الدعاء. وشرعًا: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير المقرون بالنية، مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة. فأقوالها الواجبة خمسة، وأفعالها ثمانية مذكورة بالمطولات. (¬2) نسخة "أ": بدون "أجمعين". (¬3) نسخة "أ": هذه بعد هي. (¬4) نسخة "أ": الأصح.

حقيقته الشرعية قبل اللغوية، وإِنما نحمله على اللغوية إِذا تعذر حمله على الشرعية ولم يتعذر هنا؟ فوجب الحمل على الصلاة الشرعية. وكانت الصلاة واجبةً قبل (¬1) ليلة الإِسراء، وكان الواجبُ قيامَ بعض الليل كما نص الله سبحانه وتعالى عليه في سورة المزمل، وكان الواجبُ أولًا ما ذكره (¬2) الله سبحانه وتعالى في أول السورة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} (¬3) ثم نسخ ذلك بعد سنةٍ بما ذكره (¬4) الله تعالى في آخر السورة بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (¬5) ثم نسخ قيام الليل ليلةَ الِإسراء ووجبت فيها الصلوات الخمس (¬6). وكان (¬7) الِإسراء سنة خمس أو ست من النبوة، وقيل سنة اثنتي (¬8) عشرة منها، وقيل بعد سنة وثلاثة أشهر منها، وقيل غير ذلك، وكانت ليلةَ السابع والعشرين من شهر (¬9) ربيع الأول. وكان الِإسراء به - صلى الله عليه وسلم - مرتين: 1 - مرة في المنام. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": بدون لفظ "قبل". (¬2) نسخة "أ": ما ذكر. (¬3) سورة المزمل: الآية 1 - 4. (¬4) نسخة "أ": بما ذكر. (¬5) سورة المزمل: الآية 20. (¬6) والحكمة في وقوع فرضها تلك الليلة أنه عليه الصلاة والسلام لما قدَّس ظاهرًا وباطنًا؛ حيث غسل بماء زمزم، وملىء بالإيمان والحكمة ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهر؛ ناسب ذلك أن تُفرض فيها، ولم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الأمر به من قيام الليل من غير تحديد، وذهب بعضهم: إلى أنها كانت مفروضة. ونقل الشافعي عن بعض أهل العلم: أنها كانت مفروضة ثم نسخت. اهـ. بجيرمي بتصرف. (¬7) نسخة "أ": وكانت ليلة. (¬8) نسخة "أ": اثني عشر منه. (¬9) نسخة "أ": من ربيع بدون شهر.

2 - ومرة في اليقظة. ورأى -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- ربه سبحانه وتعالى ليلة الِإسراء بعيني رأسه، هذا هو الصحيح الذي قاله ابن عباس، وأكثر الصحابة والعلماء رضي الله عنهم أجمعين. ومنعته عائشة وطائفة من العلماء -رضي الله عنهم أجمعين- وليس للمانعين دليل ظاهر، وإِنما احتجت عائشة بقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (¬1) وأجاب الجمهور عنه بأن الإِدراك هو الِإحاطة والله تعالى لا ¬

_ (¬1) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن ناسًا قالوا: يا رسول الله نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تضارُّونَ في رؤية القمرِ ليلةَ البدر"؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: "هل تضارون في الشمس ليس دونَها سحابٌ". قالوا: لا. قال: "فإنكم ترونه كذا" رواه البخاري ومسلم. وعن صهيب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله عز وجل: تريدون شيئًا أزيدكم؟. فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجينا من النار؟. قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. ثم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}. رواه مسلم والترمذي والنسائي. وعن مسروق قال قلت لعائشة: يا أماه هل رأى محمد ربه؟. فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: 1 - من حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب ثم قرأتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}. {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}. 2 - ومن حدثك أنهِ يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 3 - ومن حدثك أن محمدًا كتم أمرًا فقد كذب، ثم قرأتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}. ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين. أخرجاه في الصحيحين. وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربًك؟ قال: "نورٌ أَنَّى أراه؟ ". انظر الخازن 6/ 215. فأجْمَعُ مَنْ كتب وأوسع من نقل في رؤية النبي ربَّه المؤلفُ رحمه الله في شرحه على مسلم فقد ذكر أقوال الفريقين وحجة كلٍ منهما. وهكذا قد دلت الأخبار المتضافرة، والآثار الصحيحة، على أن رؤية الله في الجنة ثابتة، وفسر الجمهور قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} بأن الزيادة هي النظر إلى وجهه تعالى. وأما المعقول: فنقول: إن الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف فانصرفت إلى المعهود السابق وهو الجنة في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}، فثبت بهذا أن المراد في لفظة الحسنى هي الجنة، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الزيادة أمرًا مغايرًا لكل ما في الجنة من النعيم، وإلا لزم التكرار، وإذا كان كذلك؛ وجب حمل الزيادة على رؤية الله تعالى. ومما يؤكد هذا قوله سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فأثبت لأهل الجنة أمرين: أحدهما النضارة، وهو حسن الوجوه وذلك من نعيم الجنة. والثاني النظر إلى وجه الله تعالى. وقالت المعتزلة: لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية لأن الدلائل العقلية، دلت على أن رؤية الله ممتنعة، ولأن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه، ورؤية الله تعالى ليس جنسًا من جنس نعيم الجنة، إلا أن الجمهور قد ردوا هذه الشبهة بأدلة عقلية أيضًا مع الأدلة النقلية. اهـ. باختصار انظر الخازن 3/ 152 من سورة يونس فقد بسط هذا الموضوع بسطًا جيدًا، وفتحه فتحًا علميًا مفيدًا. أقول: ولا يحسن بنا ونحن في أحرج الظروف أن تكون المعركة حاميةً بين المثبت =

يُحاط به؛ لكن يراه المؤمنون في الدار الآخرة بغير إِحاطة وكذلك رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الِإسراء. 2 - مسألة: قال لأمَتِه إِن صليتِ صلاةً صحيحةً فأنتِ حرةٌ قبلها؛ فصلت مكشوفة الرأسِ صحت صلاتها، ولم تَعْتقُ إِن صلت وهي قادرة على السترة، لأنها لو عتقت "لكان (¬1) عتقها" قبل الصلاة لم تصح؛ لأنها (¬2) مكشوفةُ الرأس مع إِمكان السترة، وإِذا لم تصح لم تعتق، فإثبات العتق يؤدي إلى إبطاله، وإبطالِ الصلاة فأبطلناه وحده كما تقرر في نظائره من مسائل الدور (¬3). وأما إذا عَجزتْ عن تحصيل السترة، فصلت مكشوفة الرأس، فتصح صلاتها وتعتق. لأن (¬4) الحرة تصح صلاتُها مكشوفة الرأس عند العجز، والله أعلم. 3 - مسألة: لو كبر للإحرام بالصلاة، ثم كبر ثانية وثالثة وأكثر، فإن قصد بما سوى الأولى الذكر، أو لم يقصد شيئًا لم تبطل صلاته، ولا يضره. وإِن قطع الصلاة بعد التكبيرة الأولى أو غيرها، ثم نوى وكبر انعقدت بالثانية. وإن قصد بكل واحدة من تكبيراته تكبيرةَ الإحرام، انعقدت صلاته بالأوتار، وتبطل (¬5) بالأشفاع. ¬

_ = والمنفي. وينشق المسلمون على إثر هذا، ويُحمل في القلوب التنافر والأحقاد، مع التضليل والتخطيء. والأمة غارقة في الكبائر، وخارجة عن جادة الصواب. كتبه محمد. (¬1) نسخة "أ": بدون "لكان عتقها". (¬2) نسخة "أ": من المسائل الدورية. (¬3) نسخة "أ": بدون "لأنها". (¬4) قوله: لأن الحرة إلخ ... زائدة عن نسخة "أ". (¬5) نسخة "أ": ولا تنعقد.

في حكم صلاة المريض إذا ضمد جراحه بنجاسة

فإن انتهى إلى وتر فصلاته صحيحة مجزئة، وإِن انتهى إِلى شفع، لم تصح صلاته؛ لأنها تنعقد بالأولى. فإِذا كبر الثانية بنية الِإحرام، تضمن إِبطالَ الأولى والدخول في الصلاة، والتكبيرةُ الواحدة لا تَصلح لقطع (¬1) الصلاة وعقدها فتبطل صلاته. فإذا كبر الثالثة انعقدت لأنه ليس في صلاة، وإِذا كبر الرابعة بطلت صلاته لما ذكرناه في الثانية، فإِذا كبر الخامسة انعقدت لما ذكرناه في الثالثة، وهكذا أبدًا، وهذا لا خلافَ فيه بينَ أصحابنا. في حكم صلاة المريض إذا ضمد جراحه بنجاسة 4 - مسألة: إنسان به مرض وصف له مَنْ يجوز اعتماده من الأطباء المسلمين أن يتضمد (¬2) بالترياق الفاروق ويبقى عليه أيامًا وقال: لا تحصل المداواة إِلا بذلك. وهذا الترياق يعمل (¬3) فيه خمر ولحمُ الحيات، هل يجوز له ذلك ويصلي على حسب (¬4) حاله؟. الجواب: يجوز وتلزمه إعادة الصلاة. تكبيرة الإحرام 5 - مسألة: إِذا ترك التلفظ بتكبيرة الِإحرام هل تنعقد صلاته؟. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": لبطلان. (¬2) ضمد الجرح من باب ضرب شدَّه بالضِماد. والضمادة: وهي العصابة بالكسر فيها. وضَمَّد رأسه تضميدًا شده بعصابة أو ثوب غير العمامة. اهـ. مختار. (¬3) وهذا الترياق فيه الخمر إلخ ... بدون لفظ "يعمل" عن نسخة "أ". (¬4) ويصلي على حاله من غير "حسب" نسخة "أ".

عدد التكبيرات إن كانت الصلاة رباعية

أجاب: رضي الله عنه لا تنعقد صلاته (¬1)، والله أعلم "كتبته عنه". عدد التكبيرات إن كانت الصلاة رباعية 6 - مسألة: الصلاة الرباعية فيها اثنان (¬2) وعشرون تكبيرةً، في كل ركعة خمسٌ، وتكبيرة الإِحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول. والثلاثية سبعَ عَشْرة، والثنائية إِحدى عشرة. وفي الثلاثية والرباعية أربعُ جلساتٍ جلسة (¬3) بين السجدتين، وجلسة الاستراحة، وجلسة (¬4) التشهد ¬

_ (¬1) التكبيرة: ركن من أركان الصلاة، وقد شرط الفقهاء لصحتها وجوبَ التلفظ بها للخبر المتفق عليه "إذا قمت إلى الصلاة فكبر". سميتْ بذلك لأن المصلي يحرم عليه بها ما كان حلالًا له قبله من مفسدات الصلاة. اهـ. من إضافة السبب للمسبب؛ أي تكبيرة سببٌ في تحريم ما كان حِلًا له قبلُ: كالأكل والشرب، أي وتحريم ذلك عليه. يدخل في أمر محترَم. يقال: أحرم الرجل إذا دخل في حرمة لا تُنتهك. وحكمة افتتاح الصلاة بالتكبير: استحضار المصلي عظمة مَنْ تهيأ لخدمته. ثم اختلف العلماء في حكم تكبيرة الإحرام، ودليلِ افتراضِها:. روي عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مفتاحُ الصلاة الطهُور وتحريمُها التكبير، وتحليلُها التسليمُ". رواه الخمسة إلا النسائي. فيه دليل على أن افتتاح الصلاة، لا يكون إلا بالتكبير دونَ غيره من الأذكار وإليه ذهب الجمهور. وفي الباب أحاديثُ كثيرة تدل على تعيين لفظ التكبير من قوله، وفعله عليه الصلاة والسلام. وقال أبو حنيفة: تنعقد الصلاة بكل لفظ قصد به التعظيم. اهـ. محمد. انظر كتاب فتح العلام للإمام محمد عبد الله الجرداني هو من تحقيقنا والحمد لله 2/ 226، فقد فتح الإمام هذا الموضوع وأضفنا عليه بعض الإضافات أثناء التحقيق فنسأل الله التوفيق. (¬2) نسخة "أ": ثنتان وهو الصحيح. (¬3) نسخة "أ": الجلسة. (¬4) نسخة "أ": وجلوس.

الأول، وجلوس التشهد الأخير. والسّنّة أن يفترش في الثلاث الأول ويتورك في الأخيرة، إِلّا المسبوق والساهي، فالأصح أنهما يفترشان في الأخيرة. ويتصور في المغرب أربعُ تشهدات في حق المسبوق، إِذا أدرك الِإمام بعد فوات ركوع الثانية وقبل تشهده الأول، والله أعلم. 7 - مسألة: إِذا قرأ الِإمام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬1) فقال المأموم مثلَه هل هو مخطىء أم (¬2) مصيب؟ وهل قال أحد تبطل صلاته؟. الجواب: هو مخطىء مبتدع (¬3). قال (¬4) بعض أصحابنا: وتبطل صلاته إلا أن يقصد الدعاءَ أو القراءة. ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة: الآية 5. (¬2) نسخة "أ": أو. (¬3) فالبدعة: لها إطلاقات عِدة، واحتمالات متباينة، أقلها الخطأ، وتنتهي إلى الكفر، عند استحلالٍ، أو استخفافٍ، أو استهزاء. فمن استحل الحرام المتفق على حرمته، أو استخف بأمر شرعي معلوم من الدين، أو استهزأ بحكم من أحكام الإسلام، فقد دخل في الكفر من أوسع أبوابه. وعليه ينزل الحديث: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". وأما من فعل فعلًا بدون قصد، أو عمل عملًا من غير عمد، فليس لنا إلا تخطيئه فحسب. وعليه يُحْملُ قولُ المؤلف: لمن أعاد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} خلف إمامه (مبتدع) وأراد به الخطأ ليس إلا. وبهذه المناسبة، نقدم لقُرْاء هذا الكتاب كلمةً خالصة، نبتغي بها النصح لأنه ركن الإسلام وأساسه، فنقول: إن كثيرًا من المسلمين قد اتصفوا بالعجلة وعدم التثبت، في مثل هذا الميدان بوسمهم كثيرًا من المسلمين بالابتداع لأقل بادرة، وأتفه عمل، ويطلقون البدعة على ظاهرها من غير ورع، مع التسرع بالتكفير، أو التضليل وهذا خطير جدًا، فمن كفَّر مؤمنًا فقد كفر فليتنبه لهذا!!. اهـ. محمد. (¬4) نسخة "أ": قال أصحاب الشافعي: تبطل.

الحديث على السكتة بعد الفاتحة في حق الإمام

الحديث على السكتة بعد الفاتحة في حق الإمام 8 - مسألة: إِذا قرأ الإمامُ الفاتحة في الصلاة الجهرية، ثم سكت حتى يقرأ المأمومُ الفاتحة، يُستحبُ له السكوتُ حقيقةً؟ أم تستحب له القراءةُ سرًا أو التسبيح؟ وهل لذلك أصل في الشرع أو ذكره أحد من العلماء؟. الجواب: إِنه يستحب له في هذه الحالة أن يشتغل بالذكر أو الدعاء أو القراءة سرًا. والقراءةُ عندي: أفضلُ؛ لأن هذا موضعُها. ودليل هذا الاستحبابِ أن الصلاة ليس فيها سكوتٌ حقيقيٌ في حق الإمام، وبالقياس على قراءته في انتظاره في صلاة الخوف "فإن قيل" كيف يسمى سكوتًا وفيه قراءة أو ذكر؟. الجواب: أنه لا يمتنع كما في السكتة بعد تكبيرة الإحرام، فإنه يستحب فيها دعاء الافتتاح، وقد ثبت في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قلت يا رسول الله إِسكاتك بين التكبير والقراءة ماذا (¬1) تقول فيه؟ قال: "أقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْني وَبَيْن خطَايَاي كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرق والمَغْربِ، اللَّهُمَّ نَقَنِي مِنَ الخَطَايا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ" إلى آخر الحديث (¬2)، فسماه سكوتًا مع القول فيه؛ ولأنه سكوت بالنسبة إِلى الجهر قبله وبعده (¬3). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": ما تقول فيه؟ بدون "ذا". (¬2) تمام الحديث: اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد، قال المؤلف رحمه الله في كتابه الأذكار: هذا الحديث، ثبت في الصحيح. اهـ. (¬3) تسن سكتة لطيفة بين تكبيرة الإحرام، ودعاء الإفتتاح، وبينه وبين التعوذ، وبيْنه وبين الفاتحة، وبينها وبين آمين، وبينه وبين السورة، وبينها وبين الركوع. عن الحسن عن سمرة رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسكت سكتتين: إذا استفتح الصلاة، وإذا فرغ من القراءة كلها. =

حكم القراءة بالشواذ، واللحن في القرآن عمدا

وممن ذكر المسألة من العلماء أبو الفرج السرخسي في كتابه (الأمالي) فقال: يستحب أن يدعو في هذه السكتة بما ذكرناه في حديث أبي هريرة: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي" الحديث. وهذا الذي قاله حسن، ولكن المختار القراءة سرًا كما قدمناه. فإن قيل هذا الذكر والقراءة لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (¬1) فكيف يستحب؟. الجواب: أنه كما لم ينقل إِثباته، لم ينقل نفيه ولا النهي عنه، فتكون مسألة لا نص فيها، فيعْمَل فيها بالقياس الذي ذكرناه، والله أعلم. حكم القراءة بالشواذ، واللحن في القرآن عمدًا 9 - مسألة: هل تحل له (¬2) القراءة بالشواذ في الصلاة وهل تبطل بها (¬3)؟. الجواب: لا تحل له القراءة بالشواذ في الصلاة ولا في غيرها؛ فإن قرأ بها في الصلاة وغيرت المعنى بطلت صلاته إن كان عالمًا عامدًا. ¬

_ = وفي رواية: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين. روى ذلك أبو داود. وكذلك أحمد والترمذي وابن ماجه بمعناه. الغرض من هذه السكتة: ليفرغ المأمومون من النية، وتكبير الإحرام، لأنه لو قرأ الإمام عقب التكبير لفات من كان مشتغلًا بالتكبير والنية بعض سماع القراءة. انظر كتاب فتح العلام 2/ 385 فقد تكلم على هذا الحكم بشكل واسع مع ذكر آرآء العلماء من مجيز ومانع. وهو بحث علمي مفيد إن شاء الله تعالى. كتبه محمد. (¬1) نسخة "أ": إثباته، ولم ينقل نفيه ولا النهي عنه. (¬2) نسخة "أ": هل تحل القراءة بدون "له". (¬3) نسخة "أ": به.

حكم القراءة جهرا إذا شوشت على الغير

10 - مسألة: إذا لحن في القراءة عمدًا (¬1) بلا عذر هل هو حرام أو مكروه؟. الجواب: هو حرام. حكم القراءة جهرًا إذا شوشت على الغير 11 - مسألة: جماعة يقرءون القرآن في الجامع يوم الجمعة جهرًا، وينتفع بسماع قراءتهم ناس، ويشوشون على بعض الناس، هل قراءتهم أفضل أم تركها؟. الجواب: إن كانت المصلحة فيها، وانتفاع الناس بها أكثر من المفسدة المذكورة فالقراءة أفضل، وإِن كانت المفسدة أكثَر كُرِهت القراءة. 12 - مسألة: قراءة القرآن في غير الصلاة هل الأفضل فيها الجهر أم الإسرار. وما الأفضل في القراءة في التهجد بالليل؟. الجواب: الجهر في التلاوة في غير الصلاة أفضلُ من الإِسرار، إِلا أن يترتب على الجهر مَفْسدةٌ: كرياءٍ، أو إعجاب، أو تشويش على مصل، أو مريض، أو (¬2) نائم، أو معذور، أو جماعة مشتغلين بطاعة، أو مباح (¬3). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": عامدًا. (¬2) نسخة "أ": بدون "أو". (¬3) ويحرم الجهر إن شوش على غيره: من مصل وقارىء وغيرهما في الصلاة وخارجها للضرر، ويؤخذ بقول المتشوش ولو فاسقًا، إذ لا يعرف إلا منه، وهذا إن اشتد التشويش، وإلا فهو مكروه. أما من له عذر له كأن كثر اللغط فاحتاج للجهر ليأتي بالقراءة على وجهها فلا كراهة ولا حرمة. اهـ. من بشرى الكريم 1/ 102.

وأما قراءة التهجد: فالأفضل فيها التوسط بين الجهر والِإسرار، وهذا هو الأصح، وقيل: الجهر أفضل بالشروط (¬1) المذكورة. 13 - مسألة: هذه القراءة التي يقرؤها بعضُ الجهَلة على الجنائز بدمشقَ بالتمطيط الفاحش، والتغني الزائد، وإِدخال حروفٍ زائدة في (¬2) كلمات، ونحو ذلك مما هو مشاهد منهم، هل هو مذموم أم لا؟. الجواب: هذا منكر ظاهر، ومذموم فاحش، وهو حرام بإجماع العلماء، وقد نقل الِإجماعَ فيه الماورديُ، وغيرُ واحد. وعلى وليّ الأمر -وفقه الله تعالى- زجرُهم عنه وتعزيرُهم (¬3) واستتابتهم، ويجب إِنكاره على كل مكلف تمكن من إِنكاره، والله أعلم. 14 - مسألة (¬4): هذا الذي يفعله بعض المصلين بالناس في صلاة التراويح وهو قراءة سورة الأنعام في الركعة الأخيرة من التراويح في الليلة السابعة من شهر (¬5) رمضانَ أو غير السابعة، هل هو سنة أو بدعة؟. فقد قال قائل: بأنها نزلت جملةً واحدةً، فهل هذا ثابتٌ في الصحيح أم لا؟. وهل فيه دليل لما يفعلونه. فإن كانت بدعةً فما سببُ كراهتها؟. الجواب: هذا الفعل المذكور ليس بسنة، بل هو بدعة مكروهة، ولكراهتها أسباب: منها إِيهام كونها سنةً، ومنها تطويل الأخيرة على ¬

_ (¬1) نسخة "أ": بالشرط المذكور. (¬2) نسخة "أ": و. (¬3) التعزير لغة: التأديب. وشرعًا: تأديبٌ دون الحد، ثم قد يكون بالحبس، وبالصفع، وتفريك الأذن، وبالكلام العنيف وبالشتم وغير ذلك. اهـ. شرح متن الكنز ص 72 أنظر ص 129 من هذا الكتاب في التعليق. (¬4) نسخة "أ": هل. (¬5) نسخة "أ": من رمضان.

جلسة الاستراحة

الأولى، ومنها التطويل على المأمومين، وإنما السنة التخفيف، ومنها هذه القراءة وهَذْرَمتها (¬1)، ومنها المبالغة في تخفيف الركعات قبلها، وغير ذلك من الأسباب، ولم يثبت نزولُ الأنعام دفعةً واحدة، ولا دلالة فيه لو ثبت لهذا الفعل، فينبغي لكل مصلٍّ اجتنابُ هذا الفعل، وينبغي إشاعةُ إنكارِ هذا، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في النهي عن محْدثاتِ الأمور، وأن كل بدعة ضلالة، ولم يُنقل هذا الفعل عن أحد من السلف وحاشاهم، والله أعلم. جلسة الاستراحة (¬2) 15 - مسألة: تستحب المحافظة على جَلسة الاستراحة، وهي ¬

_ (¬1) الهذرمة: السرعة في القراءة والكلام يقال: هذرم ورده أي هذَّه. اهـ. مختار. (¬2) هي: جلسة خفيفة عقب السجدة الثانية وقبل القيام، وهي سنة عند الشافعي وإسحاق وأحمد: فقد روي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: صلَّى لنا مالك بن الحويرث صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى قعد ثم قام. رواه الخمسة إلا مسلمًا. ولفظ البخاري: "وكان إذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام". أقول: ومن الهيئات جلسة الاستراحة. يؤتى بها بعد كل سجدة ثانية يقوم عنها. فلا تسن بعد سجدة التلاوة، ولا للمصلي قاعدًا، ولا في الركعة الرابعة من الظهر مثلًا، ولا في الثانية منه، إن أراد التشهد فإن أراد تركه سن له أن يأتي بها. وهي: فاصلة بين الركعتين على المعتمد ليست من الأولى ولا من الثانية. والأفضل: أن لا تزيد على قدر الطمأنينة، لأنها من السنن التي أقلها أكملها كسكتات الصلاة. ويكره تطويلها على الجلوس بين السجدتين، ولا تبطل الصلاة به عند الرملي، وتبطل عند ابن حجر إن زاد على الذكر المطلوب. وقال القليوبي على الجلال: وللمأموم ولو بطيء الحركة فعلها، لكن مع الكراهة، وإن تركها الإمام، بخلاف التشهد الأول فيجب تركه لطوله. اهـ. =

الصيغة المختارة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -

جلسة لطيفة عقب السجدتين في كل ركعة لا يتشهد عقبها، وقد ثبت حديثها في صحيح البخاري، وثبت في سنن أبي داود والترمذي من طرق أخرى بأسانيدَ صحيحةٍ، وهو الصحيح في مذهب الشافعي باتفاق المصنفين، ولا تستحب (¬1) عقب سجدة التلاوة في الصلاة. الصيغة المختارة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - 16 - مسألة: في كيفية الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المختار أن يقول: اللهم صلِّ على محمدٍ عبدك ورسولك النبيّ الأميِّ وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إِنك حميد مجيد. ودليل استحباب هذه الكيفية أن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬2) وثبت في الأحاديث الصحيحة أنهم قالوا: يا رسول الله أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِ على مُحَمَّدٍ". وذكر - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ برواياتٍ جاءت في الصحيحين، وكل هذه الألفاظ ثابتةٌ معظمها في الصحيحين إلا قولَه (النبي الأمي) فإنها في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح، وقد أوضحت هذه الطرقَ وما يتعلق بها مفصلةً في صفة الصلاة في "شرح المهذب". 17 - مسألة: هل الأفضلُ أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول وعلى آله أم لا؟ وهل الأفضلُ قراءة السورة في الركعتين ¬

_ = انظر كتاب "فتح العلام" 2/ 399 وفيه كلام نفيس وأحكام مفيدة وهو من تحقيقنا - والحمد لله- فنسأله سبحانه القبول مع نفع المسلمين به. (¬1) نسخة "أ": يستحب بالياء. (¬2) سورة الأحزاب: الآية 56.

الإشارة بالمسبحة في التشهد ووقتها

الأخيرتين من الرباعية أو الركعة الأخيرة من المغرب؟ وهل يصلي على النبي صلى الله تعالي عليه وسلم إِذا مرَّ ذكره في الصلاة؟. أجاب رضي الله عنه: الأفضل أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول دونَ آله، والأفضل تركُ السورة في الركَعات الأخيرة من الصلوات (¬1)، وأما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في القراءة في الصلاة فلا يفعلها إِذ لا أصلَ لها كذلك هنا (¬2)، والله أعلم "كتبته عنه". الإشارة بالمسبحة في التشهد ووقتها 18 - مسألة: هل تستحب الإِشارةُ بالأصبع المسبِّحة من اليد اليمنى في التشهد؟ ومتى يشير بها؟ وهل يحركها أم تبطل الصلاة بتكرار تحريكها؟ وهل يشير معها بمسبحة اليسرى؟ ولو قطعت مسبحة اليمين هل يشير بمسبِّحة اليسرى أو لا؟. ¬

_ (¬1) سوآء كانت الصلاة فرضًا أو غيره، مؤكدة أو غير مؤكدة. اهـ. (¬2) قال الإمام الجرداني في كتابه "فتح العلام" هو من تحقيقنا والحمد لله: مطلب: في حكم مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة وفيه تفصيل مفيد. أما خطاب نبينا صلوات الله وسلامه عليه؛ فلا يُبطل، أي الصلاة، ولو في غير التشهد على المعتمد حيث كان في دعاء. أي كانت الصيغة صيغة دعاء لا إنشاء كصلى الله عليك يا محمد. أما بغير الدعآء: فتبطل به. اهـ. باختصار 2/ 443. أقول: فالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: قربة من أعظم القرب، وهي مطلوبة كلما سمع بذكره عليه الصلاة والسلام، إلا أن الصلاة مقام القرب. لها شأنها الخاص وفيها انفراد بالتقديس والتعظيم لله تعالى ولذا اختلف العلماء في صحة الصلاة عليه إذا سمع اسمه أثناء التلاوة. فالأفضل: تركها خروجًا من الخلاف، سواء بصيغة الدعاء أو الإنشاء والله يعلم المفسد من المصلح، وإنما الأعمال بالنيات، ومع ذلك عُدْ لكتاب "فتح العلام" واقرأ الموضوع على مهل. وخذ برأي أهل العلم في هذا. اهـ. محمد.

فيما إذا عطس في صلاته

الجواب: تستحب الِإشارةُ برفع المسبحة من اليد اليمنى عند الهمزة من قوله: إِلا الله مرةً واحدة (¬1) ولا يحركها، فلو كرر تحريكَها كره ولم تبطل صلاته على الصحيح. وقيل: تبطل. ولا يشير بمسبحة اليسرى سواء كانت مسبحة اليمنى سليمةً أو مقطوعةً فإن أشار بها كره ولم تبطل صلاته. فيما إذا عطس في صلاته 19 - مسألة: إذا عطس في الصلاة هل يستحب له أن يقول: الحمد لله؟ وإِذا قاله هل يستحب لمن سمعه أن يقول له: يرحمك الله؟. الجواب: نعم، يستحب له ذلك، ويستحب لسامعه الذي ليس في صلاة ونحوها أن يقول له: يرحمك الله (¬2). فيما إذا أدرك المسبوق الإمام راكعًا 20 - مسألة: إِذا أدرك المسبوقُ الِإمامَ راكعًا قال أصحابنا: إِن كبر المأموم قائمًا ثم ركع واطمأن قبلَ أن يرفع (¬3) الِإمامُ حُسبتْ له الركعةُ، فإن لم يطمئن حتى رفع الِإمامُ لم تحسب له هذه الركعة، ولو شكَّ في ذلك فهل تحسب له؟ فيه وجهان: أصحهما: لا تحسب؛ لأن الأصل عدم الإدراك، فعلى هذا ¬

_ (¬1) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى وقَبَضَ أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى. رواه الخمسة إلا البخاري. اهـ. من التاج الجامع للأصول 1/ 196. (¬2) ولكن لا يجوز له أن يجيبه على تشميته بأن يقول له: يهديكم الله فتنبه. اهـ. محمد. (¬3) نسخة "أ": يرتفع.

الخشوع في الصلاة

يسجد للسهو في آخر ركعته التي يأتي بها بعد سلام الِإمام؛ لأنه أتى بركعة في حال انفراده وهو شاكٌ في زيادتها، فهو كمن شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟ فإنه يأتي بركعة ويسجد للسهو، وممن صرح بمسألتنا الغزالي في الفتاوى، وهي مسألة نفيسة تعم البلوى بها، ويغفل أكثر الناس عنها، فينبغي إِشاعتُها، والله أعلم. 21 - مسألة: إِذا صلى سنة الظهر أربعًا قبلها أو بعَدها، أو سنة العصر هل يسلم تسليمة أوتسليمتين؟. الجواب: يجوز له تسليمةٌ بتشهد واحد وتشهدين، والأفضل تسليمتان. 22 - مسألة: إِذا قضى صلاة الصبح هل يستحب له أن يقنت؟. أجاب رضي الله عنه: نعم؟ يستحب له ذلك، والله أعلم (¬1) الخشوع في الصلاة 23 - مسألة: إِذا فكر في صلاته في المعاصي والمظالم ولم يحضر قلبه فيها ولا تدبر قراءتها هل تبطل صلاته أم لا؟. أجاب رضي الله عنه: تصح صلاته وتكره، والله أعلم. "كتبتها عنه" (¬2). ¬

_ (¬1) هذا إن كان منفردًا في خلوته -بالنسبة لرفع يديه- وإلا يسبل ويقنت مختصِرًا لأن مبنى أمره -والحالة هذه- على الستر فافهم. (¬2) لقد اختلف العلماء في حكم الخشوع في الصلاة: فمن قائل: إنه سنة، وعليه الجمهور. ومن قائل: إنه واجب، وعليه السادةُ الصوفية. =

الصلاة بالنعلين ودليلها

الصلاة بالنعلين ودليلها 24 - مسألة: هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالنعلين، وهل الصلاة فيهما أفضل أم حافيًا، وهل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلع نعليه في الصلاة فخلع أصحابه نعالهم، فسألهم عن ذلك وأنكره عليهم ولماذا أنكره (¬1)؟. ¬

_ = فعلى الأول: أنَّ مَنْ تفرق قلبه، وشغلته الخواطر ولو محرمة وتغلبت عليه الهواجس ولو سيئةً، فلا فساد لصلاته، فيسقط الفرض، وترتفع المؤاخذة، إلا أنه لا ثوابَ له ولا أجر، كمن صلى في ثوب مغصوب، أو حجَّ بمال من حرام، فهو آثم من حيث الكسب، ولا أجر له من حيث العمل، ويسقط الفرض من حيث الأداء إن وافق شروط الصحة. وعلى الثاني: فإن روح الصلاة الخشوع فيها، وحضور القلب وتدبر القراءة، وفهم معانيها، واستشعار الخضوع والتواضع لله، فالحاضر الخاشع في جميع صلاته تكتب له صلاته كلها والغافل اللاهي لا يُكتب له شيء منها. ولله در القائل: تصلي بلا قلب صلاةً بمثلها ... يكون الفتى مستوجبًا للعقوبة تظلُّ وقد أتممتها غيرَ عالمٍ ... تزيد احتياطًا ركعةً بعدَ ركعةِ فويلك تَدري مَنْ تناجيه مُعْرِضًا ... وبين يديْ مَنْ تنحني غيرَ مخبت تخاطبه إياك نعبدُ مقبلًا ... على غيره فيها لغير ضرورة ولو رَدّ مَنْ ناجاك للغير طرْفَه ... تميزتَ من غيظٍ عليه وغيرةِ أما تستحي من مالك الملك أن يرى ... صدودَك عنه يا قليلَ المروءةِ إلهي اهدنا فيمن هديتَ وخُذْ بنا ... إلى الحق نهجًا في سواء الطريقة وقال بعضهم: فكم من مصلٍ ماله من صلاته ... سوى رؤيةِ المحراب والخفضِ والرفعِ تراه على سطح الحصيرة قائمًا ... وهمته في السوق في الأخذ والدفع اهـ (¬1) أقول: المسح على الخفين هو: من خصائص هذه الأمة، ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام: "صَلُّوا في خِفَافِكُمْ فإنَّ الْيَهُودَ لا يُصَلُّونَ في خِفَافِهِمْ". =

حكم إشارة الأخرس

الجواب: الحديثان صحيحان، والصلاة حافيًا أفضل؛ لأنه الأكثر من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإِنما صلى بالنعلين في بعض الأوقات بيانًا للجواز، وخَلَعهما حينَ أخبره جبريلُ صلى الله عليه وسلم أن فيهما أذى، وإِنما أنكر عليهم خلعَ نعالهم، لأنه يكره للمصلي إحداثُ الفعل في الصلاة من غير حاجة. حكم إشارة الأخرس 25 - مسألة: إِشارة الأخرس بالبيع، والنكاح، وسائر العقود إِذا كانت مفهومةً كانت كعبارة الناطق؛ فيصح البيع، والنكاح، وسائر العقود، ولا تقبل شهادته فيها في الأصح، ولو أشار في صلاته ببيع أو غيره صح البيع وغيره بلا خلاف، ولا تبطل صلاته على الصحيح صححه الغزالي رضي الله تعالى عنه في "كتاب الطلاق" من الوسيط، وجزم به في فتاويه. وجزم القاضي حسين في فتاويه: ببطلان الصلاة (والصحيح) صحتُها؛ لأنه ليس بكلام حقيقة. ¬

_ = وجاءت رواية: عن شداد بن أوس: صلوا في نعالكم ولا تشبهوا باليهود. وهو رخصة يرفع الحدث رفعًا مقيدًا بمدة. وغسل الرجلين: أفضل منه خلافًا لبعض الحنفية، وإحدى الروايتين عن أحمد. نعم؛ قد يسن كأن كان لابسُ الخف ممن يقتدى به، أو وجد في نفسه كراهة المسح، أو خاف فوت الجماعة لو غسل. ويستحب لمن أراد لبس الخف أن ينفضه لئلا يكون فيه حية أو عقرب، أو شوكة، أو نحو ذلك لما ورد: أنه عليه الصلاة والسلام دعا بخفيه فلبس أحدهما، ثم جاء غراب فاحتمل الآخر ورماه، فخرجت منه حية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما". رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة. انظر كتاب "فتح العلام" 1/ 318، 329 فقد ذُكِرتْ هذه الأحكام بشكل مفصل ومفيد.

26 - مسألة: يُتصور أن يعقد عقدَ البيع، والنكاح، وغيرهما في صلاته. ويصح العقد والصلاة. وصورته؛ إِذا عقد ناسيًا للصلاة، ولم يطل أو جاهلًا بتحريم الكلام، وهو ممن يُعذر في الجهل، أو عقد الأخرس بإشارته المفهومة، فإنه يصح عقدُه بلا خلاف، وصلاتُه على الصحيح كما سبق قريبًا (¬1). 27 - مسألة: هل تكره ركعتا سُنَّةِ الوضوء في أوقات الكراهة؟. الجواب: لا تكره (¬2)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) أقول: وُيعقد بإشارة أخرسَ سوآء كان خرسُه عارضًا، أو أصليًا، وإن قدر على الكتابة في طلاق وغيره: كنكاح، وبيع، وإقرار. ودعوى، وعتق؛ لا في صلاة فلا تبطل بها، ولا في شهادة فلا تصح بها، ولا في حِنْثٍ فلا يحصل بها في الحلف على عدم الكلام. فإن فهمها كل أحد، كأن اقترنت بها قرينة ظاهرة، كأن قيل له طلق!! فأشار بثلاثة أصابع فصريحة. وإن اختص بفهمها الفطن ولو واحدًا فكناية تحتاج الى نية، فإن لم يفهمها أحد فلغو على المعتمد. أما إشارة الناطق بالطلاق كأن قالت له طلقني. فأشار بيده أن اذهبي فلغو، بخلاف إشارته بالأمان أو الإذن في دخول، أو الإجازة بإقرآء العلم مثلًا أو الإفتآء، كما إذا قيل له: أيجوز هذا؟ فأشار برأسه مثلًا أي نعم جاز العمل به. ومن الكناية كتابة من ناطق، أو أخرس، فإن نوى بها الطلاق، وقع لأنها طريقٌ في إفهام المراد كالعبارة، وقد اقترنت بالنية. ويعتبر في الأخرس إذا كتب الطلاق أن يكتب، إني قصدت الطلاق أو يشير إلى ذلك كتبه محمد. انظر حاشية الشرقاوي على التحرير 2/ 298. فهذه فروع وأحكام نفيسة عَضَّ عليها بالنواجذ قلما تجدها في كتاب. (¬2) لأن كل صلاة ذات سبب لا تكره إيقاعها في أوقات الكراهة. اهـ. محمد.

الحديث على الصلاة الوسطى وآكد الجماعات

الحديث على الصلاة الوسطى (¬1) وآكد الجماعات 28 - مسألة: المشهور من مذهب الشافعي رضي الله عنه والمعروف عنه وعن أصحابه: أن الصلاة الوسطى المذكورة في القرآن هي: الصبح. وقال الماوردي صاحب (¬2) الحاوي: مذهب الشافعي أنها العصر، للأحاديث الصحيحة فيها قال: وغلط بعضُ أصحابنا فقال: للشافعي فيها قولان، فهاتان الصلاتان أصح ما قيل في الوسطى، والعصر أقربهما للأحاديث. واعلم أن آكد الجماعاتِ في المكتوبات غيرِ الجمعة صلاةُ الصبح والعشاء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لوْ يَعْلَمْونَ ما في الصُّبْحِ والْعَتَمَةِ لأتَوْهُمَا ولوْ حَبْوًا" رواه البخاري ومسلم، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ صَلى ¬

_ (¬1) وعن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يومَ الأحزاب: "اللهم املأ قبورهم وبيوتهم نارًا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس". رواه البخاري والترمذي. يوم الأحزاب أي: غزوة الخندق، اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارًا أي: الكفار الذين جاءوا لقتالنا، فإنهم شغلونا عن الصلاة الوسطى وهي العصر حتى غابت الشمس. وعن أبي يونس مولى عائشة قال: أمرَتْني عائشة أن أكتب لها مصحفًا فقالت: إذا بلغت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فآذني!! فلما بلغتها أعلمتها فأمْلَت عليَّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} صلاة العصر. وقالت: سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه الترمذي بسند صحيح. ظاهر العطف يقتضى المغايرة، فتكون الصلاة الوسطى غير العصر، وهي الظهر عند عائشة، وبعض الصحب؛ لوقوعها ظاهرةً وسط النهار، ولكن صريح الحديث قبله أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر لتوسطها بين صلاتين قبلها، وصلاتين بعدها وعليه الجمهور. اهـ. من التاج 4/ 64. كتبه محمد. (¬2) نسخة "أ": وصاحب.

الكلام على المصافحة بعد الصلاة

الْعِشَاءَ في جَماعةٍ فَكأنَّما قام نِصْفَ الليْلِ، ومنْ صَلى الصبْحَ في جماعةٍ فَكأنما قامَ الليل كلَّهُ" (¬1). الكلام على المصافحة بعد الصلاة 29 - مسألة: هل المصافحة بعد صلاة العصر والصبح فضيلةٌ أم لا؟. الجواب: المصافحة سنة عند التلاقي، وأما تخصيص الناس لها بعد هاتين الصلاتين فمعدود في البدع المباحة (والمختار) أنه إن كان هذا الشخص قد اجتمع هو وهو -قبل الصلاة- فهو بدعة مباحة كما قيل، وان كانا لم يجتمعا فهو مستحب؛ لأنه ابتداءُ اللقاء (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث رواه مسلم: "بلفظ من صلى العشاء في جماعة؛ فكأنما قام نصف ليلة ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله". (¬2) المصافحة بعد الصلاة: للعلماء فيها كلام واختلاف، فمن مجيز ومن مانع. والمجيزون أخذوا بإطلاق طلب المصافحة فيما ورد في أدلتها الشرعية وهي وإن لم يقم دليل خاص على فعل السلف لها في أعقاب الصلوات، فليس هناك دليل يمنع من فعلها حينئذٍ وعن هذا لا ينهى عنها. والمانعون لحظوا أن المداومة عليها في أدبار الصلوات يجعل منها سنة في أنظار الجاهلين، فإن تركها تارك أقاموا عليه النكير، ورموه بالخطأ والتقصير. وقد كتب العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" قال في كتاب الحظر والإباحة: إذ نقل عن النووي الشافعي قوله: اعلم أن المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاة الصبح والعصر، فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به؛ فإن أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها. اهـ. باختصار من "ردود على أباطيل" للأستاذ محمد الحامد. أقول: =

صلاة الرغائب

صلاة الرغائب 30 - مسألة: صلاة الرغائب المعروفة في أول ليلة جمعة من رجب هل هي سنة وفضيلة أو بدعة؟. الجواب: هي بدعة قبيحة منكرَة أشد إِنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والِإعراض عنها، وإِنكارُها على فاعلها، وعلى ولي الأمر وفقه الله تعالى منعُ الناس من فعلها: فإنه راعٍ، وكلُ راعٍ مسؤولٌ عن رعيته. وقد صنف العلماء كتبًا في إنكارها وذمَّها، وتسفيه فاعلها، ولا يغتر بكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان، ولا بكونها مذكورةً في قوت القلوب (¬1) وإِحياء علوم الدين ونحوهِما فإنها بدعة باطلة، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ أحْدَثَ في ديننَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" وفي الصحيح: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي صحيح مسلم وغيره: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كلُّ بِدْعَةٍ ضلالة" وقد أمر الله تعالى عند التنازع بالرجوع إِلى كتابه فقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬2) ولم يأمر ¬

_ = أمثال هذا الاختلاف في المسائل الفرعية التي تجرُّ وراءه الويلات السيئة بين من يحمل في نفسه جمودًا علميًا، أو تعصبًا مذهبيًا، فيترك المسلمين وقد غرقوا في الكبائر، وارتكبوا الموبقات، واستحلوا المحرمات، وإذا بعُصْبَة يدعون الإصلاح: يضلل بعضهم بعضًا، ويجهِّل بعضهم بعضًا، وتحمل من الضغائن في نفوسهم ما يندى لها الجبين، والإسلام أصبح كبش الفداء، يتخبط بدمه، وأبناؤه في أمثال هذه الخلافيات تائهون وعن الحقيقة غافلون فلا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ. محمد. (¬1) لأبي طالب المكي، يحتوي هذا الكتاب على مجلدين كبيرين في التصوف. (¬2) سورة النساء: الآية 59.

صلاة المريض إذا عجز عن إزالة النجاسة

باتباع الجاهلين، ولا بالاغترار بغلَطاتِ المخطئين، والله أعلم (¬1). 31 - مسألة: إِذا شك المأموم هل هو متقدم في موقفه على الِإمام أم لا؟. الجواب: صلاته صحيحة نص عليه الشافعي سواء جاء من قدام الِإمام أو من ورائه. صلاة المريض إذا عجز عن إزالة النجاسة 32 - مسألة: رجل ثقل في المرض وعجز عن القيام والقعود، وعن إِزالة النجاسة، هل تلزمه الصلاة؟. الجواب: يلزمه أن يصلي مضطجعًا، ويومىء بالركوع ¬

_ (¬1) قال في الإحياء 1/ 202: أما صلاة رجب: فقد روي بإسناد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من أحد يصوم أولَ خميس من رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات، وقل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة؛ فإذا فرغ من صلاته صلى عليَّ سبعين مرة يقول: اللهم صلِ على محمد النبي الأمي وعلى آله، ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: سُبُوحٌ قدوس رب الملائكة والروح، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى. ثم يسأل حاجته في سجوده فإنها تقضى" .. الخ. قال الحافظ العراقي: هذا الحديث أورد في صلاة الرغائب أورده رزين في كتابه وهو حديث موضوع. قال في أسنى المطالب: وما ورد في رجب كقوله: لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة "الرغائب". وقال في حرف الميم: من صلى بعد المغرب أول ليلة من رجب عشرين ركعة جاز على الصراط بلا حساب "باطل"، ولم يرد في رجب شيء بعينه. اهـ. كتبه محمد.

صلاة المسافر

والسجود، ويحترز من (¬1) النجاسة بحسب الِإمكان، وإِذا عجز عن شيء منها: فإن تعافى لزمه إعادةُ تلك الصلوات المفعولات مع النجاسة، والله أعلم. صلاة المسافر 33 - مسألة: إِذا سافر إلى موضع يبلغ مسافة القصر، ونيتُه أن لا يجاوزه، فهل إذا وصله ينقطع ترخصه بمجرد وصوله أم له حكم سائر البلدان التي يمر بها في طريقه؟ وهل في مذهب الشافعي فيه خلاف؟ وهل صرح أحد بالمسألة أم لا؟. الجواب: لا ينقطع ترخصه بذلك؟ بل حكم ذلك البلد -الذي هو مقصده- حكم سائر البلدان التي يمر بها في طريقه، هذا هو الصحيح في مذهب الشافعي وبه الفتوى، وهو ظاهر نصوص الشافعي في أكثر المواضع، وقد جزم به -تصريحًا- القاضي أبو علي البندنيجي وآخرون، وهو مقتضى إِطلاق الجمهور. وذكر جماعة من الخراسانيين منهم البغوي في "التهذيب" والرافعي في "المسألة" قولين للشافعي: 1 - أصحهما: عندهم لا ينقطع ترخصه كما قدمناه. 2 - والثاني: ينقطع. ودليل الصحيح ما ثبت في "الصحيحين" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصر في حجة الوداع في مكةَ ومِنى ومزدلفة وعرفات، وهذا منتهى سفرِه وموضعُ قصدِه صلى الله عليه وآله وسلم، والله أعلم (¬2). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": عن. (¬2) أقول: وينتهي سفر المسافر بمجرد وصوله لموضع نوى فيه الإقامة مطلقًا من غير تقييد بزمن. =

تطويل الثوب والعذبة

تطويل الثوب والعذبة 34 - مسألة: إِذا طوَّل ثوبه أو سراويله فنزل عن الكعبين هل هو حلال؟ وكذا إِذا طوَّل عذبة عمامته؟ وما قَدْرُ المستحب منها؟ وهل ترك العَذَبة للعمامة بدعة مكروهة أم لا؟. الجواب: ما نزل عن الكعبين من القميص والسراويل والِإزار وغيرها من ملابس الرجل: إِن كان للخيلاء فهو حرام، وإِلا فمكروه. والسنة في عذبة العمامة أن تكون بين كتفيه: فإِن طوَّلها طولًا فاحشًا فهو كما لو نزل القميص عن الكعبين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "الِإسْبَالُ المنهيُ عَنْه يكونُ في القَمِيصِ والعِمَامَة" وليس ترك العذبة بدعةً؛ بل له فعلهُ وتركه (¬1). ¬

_ = فلو نوى الإقامة وهو مستقل ماكث، أتم لانتفاء سبب الرخصة وهو السفر، أما لو نوى الإقامة وهو غير مستقلٍ: كالزوجة، والجندي، أو وهو سائر، فلا أثر لنيته الإقامة مع متابعة السير. أو نوى أن يقيم فيه أربعةَ أيام بلياليها صحيحة أي: غير يومي الدخول والخروج. فهذه موجز الصور التي ينتهي بها سفره. أما إذا وصل لمكان مقصوده، وبلغ مسافة القصر فلا ينتهي سفره كما ذكر المصنف رحمه الله بمجرد وصوله، وهو الصحيح كما صُرِّح به في باب القصر. كتبه محمد. (¬1) وقد ورد في هذا أحاديث كثيرة وإليك جانبًا منها: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة -يعني العذبة- من جر شيئًا خيلاءَ لم ينظر الله إليه يوم القيامة". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وفي رواية البخاري ومسلم: "لا يَنْظُر اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلى مَنْ جَر ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ". وعن أنس رضي الله تعالى عنه، قال حميد: كأنه يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإزار إلى نصف الساق"، فشق عليهم، فقال: "أو إلى الكعبين، لا خير فيما أسفل من ذلك". رواه أحمد ورواته رواة الصحيح. =

لبس زي غير المسلمين

لبس زي غير المسلمين 35 - مسألة: من لبس غير زي المسلمين هل عليه ضرر في دينه وصلاته أم لا؟ وهل لبس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يلبسه الأجناد في زماننا من قَباء وغيره مما هو ضيق الكمين أم لا؟. الجواب: يُنهى عن التشبه بالكفار في لباس وغيره، للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك وتنقص به صلاته. وثبت في "صحيح البخاري" وغيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس قباء في بعض الأوقات. وثبت في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس جبة شامية ضيقة الكمين، والله أعلم. 36 - مسألة: كيف يصلي مَنْ في طريقه الجمعةَ إِذا سافر قبل الزوال؟. أجاب رضي الله عنه: صورته أن يعرف أن في طريقه قريةً أخرى قريبة من وطنه بحيث يصل إِليها ويصلي الجمعة مع أهلها في ذلك اليوم (¬1)، والله أعلم "كتبته عنه". ¬

_ = وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة". فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، إن إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنك لستَ ممن يفعله خيلاء". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وقد ذكر الخازن في تفسيره عن قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وجهًا من وجوه أربعة بمعنى فقصر، وذلك لأن المشركين كانوا يطولون ثيابهم، ويجرون أذيالهم على النجاسات، وفي الثوب الطويل من الخيلاء والكبر والفخر ما ليس في القصير من الثياب فنهي عن تطويل الثوب. اهـ. كتبه محمد. (¬1) السفر يوم الجمعة بعد الفجر وقبل الزوال حرام إن علم أنه تفوته صلاة الجمعة، وإلا فلا يحرم. وقد ورد "من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه". كتبه محمد.

37 - مسألة: هل يستحب للنساء صلاةُ العيد جماعةً في بيوتهن وتؤمهن إِحداهُن، أو مَحْرم، أو صبيٌّ مميز؟. الجواب: نعم، يستحب ذلك ويستحب حثُّهن عليه (¬1). 38 - مسألة: إِذا أمر ولي الأمر الناسَ بصيام ثلائة أيام ¬

_ (¬1) حكم تارك الصلاة: أقول: إذا امتنع شخص من فعل الصلاة، نُظِرَ: إن كان مُنكِرًا لوجوبها، وهو غير معذور لعدم إسلامه، ومخالطة المسلمين كُفِرَ، لأنه جحد أصلًا مقطوعًا به، ولا عذر له فيه، فتضمن جحده تكذيبَ اللهِ تعالى ورسولهِ، ومن كذبهما فقد كفر. ويقتل لقوله عليه الصلاة والسلام: من بدل دينه فاقتلوه. وحكمه: حكم المرتد. وإن تركها وهو يعتقد وجوبها، إلا أنه تركها كسلًا، حتى خرج الوقت. فهل يكفر يا ترى؟. قيل: يكفر لقوله عليه الصلاة والسلام: "بين العبد وبين الكفر، ترك الصلاة". وأخذ به خلائق: منهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، والإمام ابن حنبل. والصحيح وبه قال الجمهور: لا يُكفر، ولأن الكفر بالاعتقاد، واعتقادُه صحيحٌ. فعلى الصحيح: يُستتاب، لأنه ليس بأسوء حالًا من المرتد، فإن تاب، وتوبتُه أن يصلي، وإلا قتل بضرب عنقه. وقيل: يضرب بالخشب إلى أن يموت. وقيل: يُنخس بحديدة إلى أن يصلي أو يموت. فإذا مات غسل وصلي عليه، ودفن في مقابر المسلمين لأنه مسلم. وقيل: لا يُغسل ولا يصلى عليه، ولا يرفع نعشه، ويطمس قبرُه إهانةً له بإهماله هذا الفرض الذي هو شعار ظاهر في الدين. اهـ. انظر كفاية الأخيار. ومن أراد التوسع في هذا فليرجع إلى كتاب "فتح العلام". للإمام الجرداني 2/ 5. فهو من تحقيقنا والحمد لله وقد فتح المؤلف هذا الموضوع فتحًا جيدًا. وقد ذكرت في كتابي "سمير المؤمنين" كلمة حول هذا فعد إليه إن شئت لأنه موضوع مهم كاد أن يجعل في زوايا الإهمال، لتهاون كثير من المسلمين بأمر الصلاة. كتبه محمد.

للاستسقاء عند الحاجة إِليه -كما هو مقرر في كتب الفقه- هل يكون الصوم واجبًا على من بلغه الأمرُ إِذا استطاع الصوم؟. الجواب: نعم؛ يكون واجبًا. ومن أخلَّ به والحالة هذه أثم، لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬1) والأمر للوجوب وللأحاديث الصحيحة في الأمر بطاعة ولاة الأمر (¬2)، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) سورة النساء: الآية 59. (¬2) يسن للإمام الأمرُ به، أي بالصوم، ويجب عليهم الصوم بأمره. فيجب فيه تبييت النية، والتعيين، وإذا لم يبيت النية، ونوى نهارًا صح ووقع نفلًا مطلقًا وأجزأ عن الصوم به فتبييتُ النية إنما هو لدفع الحرمة، وإذا لم ينو نهارًا لم يجب الإمساك، لأنه من خواص رمضان لحرمة الوقت. ولا يجب قضاؤه لو فات، لأن وجوبه ليس لعينه، بل لعارض الأمر به، والقصد منه الفعل في الوقت لا مطلقًا، نعم إن أمر الإمام بالقضاء وجب. ويكفي صوم تلك الأيام عن نذر، أو قضاء، أو كفارة، أو نفل كصوم اثنين وخميس، لأن المقصود وجود الصوم فيها. ولا يجب الصوم على الإمام الآمر به. سواء قلنا: إن المتكلم يدخل في عموم كلامه أم لا لبعد أن يوجب الإنسان على نفسه شيئًا. ولو سقوا قبل إتمام المأمور به لزمهم صوم بقية أيامه لأنها كالشيء الواحد. وفائدته لم تنقطع إذ ربما كان سببًا للمزيد. ولو وقع سبب استسقاء في النصف الثاني من شعبان فأمر الإمام حينئذٍ بالصوم وجب كما في غيره من بقية الأشهر لوجود سببه وهو الحاجة للاستسقاء وأمر الإمام به. اهـ. باختصار انظر كتاب الشرقاوي على التحرير 1/ 289. وهو كلام نفيس جدًا وبحث علمي مفيد عضَّ عليه بالنواجذ. كتبه محمد.

كتاب المساجد

كِتابُ المَسَاجد وفيه أربع مسائل فضل بناء المساجد 1 - مسألة: في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ بَنى للهِ مَسْجدًا بَنى اللهُ تَعَالَى لَهُ بَيْتًا في الجنَّة". وفي رواية: "بيتًا مثله" يحتمل أن معناه بيتًا فَضْلُهُ على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا، ويحتمل أنه مثله في مسمى البيت، وأما صفته في السعة وغيرها من صفات الفضل فمعلومٌ كثرتُها وأنها مما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر. الأكل في المسجد 2 - مسألة: أكلُ الخبز والبطيخِ (¬1) والفاكهة وغير ذلك في المسجد هل هو جائز؟ وهل يُمنع منه؟. الجواب: هو جائز، ولا يمنع منه؛ لكن ينبغي له أن يبسط شيئًا، ويصون المسجد، ويحترز من سقوط الفُتات والفاكهة وغيرها في المسجد. وهذا الذي ذكرناه فيما ليس له رائحة كريهة: كالثوم، والبصل، والكراث، والطبيخ الذي ليس فيه شيء من رائحة ذلك، ونحوه، فإن كان فيه شيء من ذلك فيكره أكله في المسجد، ويمنع آكلهُ ¬

_ (¬1) نسخة "أ": والطبيخ.

حكم بناء المسجد في المقبرة

من المسجد حتى يذهب ريحه؛ فإِن دخل المسجد أُخرج منه، للحديث الصحيح المشهور في ذلك، هذا كله مع وجود الرائحة: فإن ماتت رائحته بالطبخ لم يمنع آكله (¬1) من المسجد، ويجوز أكله في المسجد، والله أعلم. حكم بناء المسجد في المقبرة 3 - مسألة: مقبرة مسبَّلة للمسلمين بَنى إنسان فيها مسجدًا وجعل فيها (¬2) محرابًا هل يجوز ذلك؟ وهل يجب هدمه (¬3)؟. الجواب: لا يجوز له ذلك، ويجب هدمه. حكم تنجيس ماء المسجد 4 - مسألة: مسجد فيه قناة تحت الأرض يجري الماء فيها الى أماكنَ كثيرةٍ، وفيها مكان تصلح منه القناة بوضع الزبل وغيره، ولم يُعْلم هل القناة عُمّرَتْ قبل المسجد أم بعده؟ لكن الظاهر أن القناة عمرت قبل المسجد هل لمتولي المسجد منعهم من ذلك أم لا؟. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": لم يمنع من أكله في المسجد. (¬2) نسخة "أ": فيه. (¬3) اتخاذ القبور مساجد هي عادة من عادات اليهود المغضوب عليهم، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبورهم مساجد" متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج". وقد زعم بعضهم أن ذلك إنما كان ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان. ورده ابن دقيق العيد. وفيه دليل على تحريم اتخاذ السرج على المقابر لما يفضي ذلك من الاعتقادات الفاسدة. علاوة على أن بناء المساجد في المقابر فيه تصرف غير صحيح في اشتراط حق الواقف، وفيه تضييق على موتى المسلمين، فبناء الزائد على القبر كما يفعله الجهلة من المسلمين حرام، حرمه الفقهاء والعلماء فضلًا على بناء المساجد ولهذا أفتى المؤلف رحمه الله بهدم ما بني في المقابر من المساجد. اهـ. محمد.

أجاب رضي الله عنه: ليس له تغييره والحالة هذه والله تعالى أعلم ولا المنع من إِدخال الزبل على الوجه المذكور، ولا تكليفُ أصحابِ الماء البينةَ المذكورة؛ بل يكفي استمرار الانتفاع حتى يثبت أنه عدوان، والله أعلم "كتبته عنه". * * *

كتاب السلام وغيره

كِتابُ السَلامَ وغيره وفيه عشر مسائل 1 - مسألة: هل يستحب لمن قام من مجلس أن يسلم على الجالسين فيه أم لا؟ وهل فيه حديث أم لا؟. الجواب: هو سنة، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "إِذَا انْتهَى أحَدُكمْ إِلى المجْلِسِ فَلْيسلمْ، فَإذَا أرَادَ أنْ يَقُومَ فَلْيُسَلمْ، فَلَيْسَتِ الأولَى بِأحَق مِنَ الثَّانِيةِ". رواه الترمذي وقال: هو حديث حسن. 2 - مسألة: إِذا غلب على ظنه أنه إِذا سلم لا يرد عليه السلام فهل يسلم أم لا (¬1)؟. الجواب: نعم؛ يسلم. تشميت العاطس ودليله 3 - مسألة: إِذا عطس المسلم ولم يقلِ الحمدلله، هل يستحق التشميت؟ وهل تشميته أفضل أم تركه؟ وهل جاء عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ذلك شيء أم لا؟. ¬

_ (¬1) أقول: لقد تعرضت لموضوع السلام في كتاب "الصحوة القريبة" الجزء الثاني، وذكرت آدابًا له دقيقة، وأحكامًا نافعة. وفضائل تعود على المجتمع الإسلامي بخير عميم، وأجر كبير. وأن السلام من أبرز شعائر الدين، لما يُستَل به من الصدور من أحقاد وأضغان وويلات تمزق صفوف المسلمين، وتهدم كيانَهم، فعد لهذا الموضوع تجد ما تقر به عينك إن شاء الله تعالى. اهـ. محمد.

حكم القيام

الجواب: لا يستحق ذلك، ويكره تشميته والحالة هذه، وقد ثبت في صحيحي "البخاري ومسلم" رضي الله عنهما عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: "عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلَمَ، فَشمَّتَ أحدَهما ولَم يُشمِتِ الآخرَ، فقالَ الذي لمْ يُشَمِّتهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتهُ، وَعَطَسْتُ فلم تُشمِّتْني فقال: هذا حَمِدَ اللهَ وإِنَّكَ لم تحمَدِ الله". وفي صحيح "مسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول: إِذا عَطَسَ أحَدُكمْ فَحَمِدَ الله تَعالى فَشَمّتُوه؟ فإنْ لمْ يحمدِ الله فَلا تُشَمِّتوهُ". وفي صحيح "البخاري" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إِذا عَطَسَ أحَدُكمْ فَلْيقُلِ الْحمدُ لله وَلْيَقُلْ لهُ أخُوهُ أو صَاحبُهُ: يرْحَمُكَ اللهُ، فإذا قالَ لهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَلْيَقُلْ: يهديكُم اللهُ وَيُصلحُ بالَكم". حكم القيام 4 - مسألة: قيام الناس بعضِهم لبعضٍ كما هو المعتاد، هل هو جائز أم مكروه أم حرام؟ وهل ثبت في جوازه أو منعه شيء؟ (¬1). ¬

_ (¬1) قال في فتح المعين 4/ 192: ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة: من نحو علم، وصلاح، أو ولادة كأب، وأم، أو ولاية مصحوبة بصيانة كعفة وعدالة. قال ابن عبد السلام: أو لمن يُرجى خيره أو يُخشى شره ولو كافرًا خشي منه ضررًا عظيمًا ويحرم على الرجل أن يُحبَّ قيامهم له للحديث الحسن: "مَنْ أحَبَّ أنْ يَتَمَثَّلَ النَاسُ لَهُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ الَّنارِ". قال سيدي أمين الكردي في كتابه تنوير القلوب ص 200: ويسن أيضًا القيام لأهل الفضل إكرامًا لا رياء قياسًا على المصافحة والتقبيل الوارد لهما. اهـ. كتبه محمد.

حكم الانحناء

الجواب: القيام لأهل الفضل وذوي الحقوق فضيلة على سبيل الِإكرام، وقد جاءت به أحاديث صحيحةٌ، وقد جمعْتُها من آثار السلف وأقاويلِ العلماء في ذلك، والجواب عما جاء مما يوهم معارضتها وليس مُعارضًا، وقد أوضحتُ كل ذلك في جزء معروف، فالذي نختاره ونعمل به واشتهر عن السلف من أقوالهم وأفعالهم، جواز القيام واستحبابه في الوجه الذي ذكرناه (¬1)، والله تعالى أعلم. حكم الانحناء 5 - مسألة: الانحناء الذي يفعله الناسُ بعضُهم لبعض -كما هو معتاد لكثير من الناس- ما حكمه؟ وهل جاء فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن أصحابه؟. الجواب: هو مكروه كراهةً شديدة، وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: "قالَ رَجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، الرَّجُلُ منَّا يَلْقَى أخاهُ أو صَديقَهُ أيَنْحَني لهُ؟ قال: لا. قال: أفَيَلْتَزمُهُ وُيقَبِّلهُ؟ قال: لا. قال: أفَيَأخُذُ بيَدهِ وُيصَافحهُ؟ قال: "نَعَمْ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن. فهذا حديث صريح في النهي عنه، ولم يأت له معارض فلا مصير إِلى مخالفته. ¬

_ (¬1) ولا فرق في جواز القيام للقادم في المسجد وغيره. وليس قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} بمانع من القيام للصلحاء والفضلاء في المساجد. ذلك أن كونها له سبحانه لا يمنع تكريمَ الصالحين فيها، ألا إن طلحة بن عبيد الله قام في المسجد لكعب بن مالك، أحدِ الثلاثة الذين خُلِّفوا لما أنزل الله توبتهم رضي الله تعالى عنهم. قام إليه مهنئًا بمحضرٍ من سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينهه. وذا دليل جواز القيام في المسجد. والنهي عن دعاء غير الله سبحانه لا يعني منع القيام للفضلاء لأنه ليس دعاء لهم، فالآية الكريمة بعيدة عن هذا الوهم راجع "ردود على أباطيل" للأستاذ الحامد رحمه الله. كتبه محمد.

الانحناء بالرأس

ولا يُغترَّ بكثرة من يخالفه ممن ينسب إِلى فقه أو غيره من خصال الفضل، فإن الاقتداء إِنما يكون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (¬1). قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬2). وقال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3). الانحناء بالرأس 6 - مسألة: الانحناء بالرأس للإنسان والسلام بالِإشارة باليد وغيرها هل هو حلال أم لا؟. الجواب: الانحناء بالرأس مكروه، والسلام بالِإشارة من غير نطق مكروه في حق الناطق، مستحب في حق الأخرس، فإن كان الذي يسلم عليه بعيدًا جمع بين اللفظ والِإشارة. السلام على الذمي 7 - مسألة: هل يجوزُ ابتداء الذّمِي بالسلام، والقيامُ له، وتشميته إِذا عطس، والدعاء له، والصلاة عليه إِذا مات، وزيارةُ قبره، وغسله؟. الجواب: لا يجوز ابتداؤه بالسلام، ويكره القيام له (¬4). ¬

_ (¬1) وعن الفضيل بن عياض رحمه الله: اتبع طريق الهدى ولا يضرك قلةُ السالكين، وإيَّاك وطريقَ الضلالةِ ولا تغتر بكثرة الهالكين. (¬2) سورة الحشر: الآية 7. (¬3) سورة النور: الآية 63. (¬4) إن لم يخف ضررًا وإلا فلا كراهة قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} سورة آل عمران: الآية 28.

تقبيل اليد

وأما الدعاء له بالهداية فمستحب. وأما التشميت فيستحب تشميته بأن يقال له: يهديكم الله، كما جاء به الحديث، ويجوز غسله إِذا مات، وزيارة قبره، ولا تجوز الصلاة عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة (¬1). تقبيل اليد 8 - مسألة (¬2): تقبيل يد غيره ما حكمه؟. الجواب: يستحب تقبيل أيدي الصالحين وفضلاء العلماء، ويكره تقبيل يد غيرهم. ولايقبلُ يدَ أمردَ حسنٍ بحال (¬3). ¬

_ (¬1) فقد ذكرت هذه الأحكام في كتابي "الصحوة القريبة" الجزء الثاني كما تقدم معنا من قريب فعد إليها إن شئت. اهـ. محمد. (¬2) نسخة "أ": هل يجوز. (¬3) وأفتى الإمام النووي في غير هذا، بكراهة تقبيل نحو رأس، أو يد أو رجل لحديث: "من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه". ومحلها في غير تقبيل الأمرد الحسن الوجه. أما هو: فيحرم بكل حال -سواء قدمِ من سفر أم لا- والمعانقة كالتقبيل؛ بل هي أولى. ويندب ذلك لنحو صلاح، أو علم، أو شرف. فإذا أراد تقبيل يد غيره، إن كان ذلك لزهده، وصلاحه، أو علمه وشرفه، وصيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يكره، بل يستحب؛ لأن أبا عبيدة قبَّل يد عمر رضي الله عنهما. وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك فهو مكروه شديد الكراهة. وقال المتولي من أصحابنا: لا يجوز. فأشار إلى أنه حرام. رُوِّينا في سنن أبي داود عن زارع رضي الله تعالى عنه وكان في وفد عبد قيس قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجلَه. قال الإمام الخفاجي: قبّلْ يَدَ الخِيرة أهلِ التُقَى ... وَلاَ تَخَفْ طَعْنَ أعَادِيهِمْ رَيْحَانَةُ الرَّحْمانِ عُبَّادُهُ ... وَشمُها لَثمُ أيَادِيهِمْ اهـ. كتبه محمد

في السجود بين يدي المشايخ

في السجود بين يدي المشايخ 9 - مسألة: السجود الذي يفعله بعض الناس بين يدي المشايخ ونحوهم ما حكمه؟. الجواب: هو حرام شديد التحريم، والله أعلم (¬1). العطاس عند الحديث 10 - مسألة: هذا الذي يقوله الناس عند الحديث إِذا عطس إنسان: إِنه تصديق للحديث هل له أصل أم لا؟. ¬

_ (¬1) وسجود لمخلوق سواء كان صنمًا، أو شمسًا، أو مخلوقًا، فيُكْفر به لأنه أثبت لله شريكًا. قال في الإعلام: سواء كان السجود في دار الحرب، أم في دار الإسلام، بشرط أن لا تقوم قرينة على عدم استهزائه أو عذره، ولو كان المخلوق نبيًا فإنه يكفر بالسجود له وإن أنكر استحقاقه له، واعتقد أنه مستحق لله تعالى خاصة، أو لم يطابق قلبه جوارحه؛ لأن ظاهر حاله يكذبه. وفي الروضة عن التهذيب: من دخل دار الحرب فسجد لصنم، أو تلفظ بكفر، ثم ادعى إكراهًا؛ فإن فعله في خلوته لم يُقبل أو بين أيديهم وهو أسير قبل قوله. وخرج بالسجود الركوع؛ لأن صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرًا، بخلاف السجود فإن صورته لا تقع في العادة لمخلوق. قال شيخنا: نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الإطلاق. قال البيجرمي: والحاصل أن الانحناء لمخلوق -كما يفعل عند ملاقاة العظماء- حرام عند الإطلاق أو قصد تعظيمهم لا كتعظيم الله تعالى، وكفر إن قصد تعظيمهم كتعظيم الله تعالى لا شك في كفره. اهـ. من إعانة الطالبين 4/ 136. في بعض تصرف. كتبه محمد.

الجواب: نعم له أصل أصيل، روى أبو يعلى الموصلي في مسنده بإسناد جيد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "منْ حَدَّثْ حديثًا فعُطس عِندَهُ فَهوَ حَقٌ" كل رجال إِسناده ثقات متقنون، إِلا بقية بن الوليدِ فمختلف فيه، وأكثر الحفاظ والأئمة يحتجون بروايته عن الشاميين، وهو يروي هذا الحديث عن معاوية بن يحيى الشامي (¬1). * * * ¬

_ (¬1) قال البيهقي: إنه منكر. وقال غيره: إنه باطل. وعطس بالبناء للفاعل والمفعول. وهو مخالف للواقع فكم من حديثٍ كذبٍ يوافقه عطاس. والنووي -قُدس سره- خالف مَنْ قبله بقوله: له أصل أصيل. اهـ. من أسنى المطالب. وقال في الدرر تبعًا للزركشي: وأخطأ من قال: إن الحديث باطل انتهى. وقال في المقاصد: وله شاهد عند الطبراني عن أنس مرفوعًا: أصدق الحديث ما عطس عنده. وفي معرفة الصحابة ومسند الديلمي عن أبي رهم مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرفوعًا: من سعادة المرء العطاس عند الدعاء. والكلام عليه مستوفى في تخريج الأذكار. وتقدم العطاس شاهد صدق. اهـ. من كشف الخفاء. كتبه محمد.

كتاب الجنائز

كِتابُ الجنائز وفيه اثنتا عشرة مسألة 1 - مسألة: تلقين المحتَضر قبل الغرغرة لا إِله إِلا الله سنة، للحديث في صحيح مسلم وغيره: "لَقنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلهَ إِلا اللَّهُ"، واستحب جماعةٌ من أصحابنا معها: محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يذكره الجمهور. قال أصحابنا وغيرهم: ولا يُلَحُّ عليه في قولها، ولا يقال له قل: لا إِله إِلا الله مخافة (¬1) أن يتضجر فيردَّها، بل يُعَرِّضُ له بقولها، وإِذا قالها مرة لا تعاد عليه، إِلا أن يتكلم بعدها بغيرها، ويستحب أن يكون الملقّنُ غيرَ وارثٍ، وأن يكون غيرَ متَّهمٍ بالمسرة بموته، وأن يكون ممن يُعْتقد فيه الخير. وأما التلقين المعتاد في الشام بعد الدفن "فالمختار" استحبابه، وممن نص على استحبابه من أصحابنا: القاضي حسين، وأبو سعيد المتولي، والشيخ أبو الفتح نصرُ المقدسي الزاهدُ، وأبو القاسم الرافعي وغيرهم، ونقله القاضي حسين عن أصحابنا قالوا: يستحب (¬2) أن يجلس إِنسان عند رأس الميت عقب دفنه، ويقولَ: يا فلانُ ابنَ فلانٍ، أو: يا عبدَ اللهِ ابنَ أمةِ الله أُذكر العهدَ الذي خرجت عليه من دار الدنيا، وهي شهادة أن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث مَن في القبور، وأنك رضيت بالله تعالى ربًا، وبالِإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًا، ¬

_ (¬1) نسخة "أ": من أن. (¬2) نسخة "أ": فيستحب.

وبالقرآن إمامًا، وبالكعبة قِبلةً، وبالمؤمنين إخوانًا، ربيَ الله الذي لا إله إلا هو (¬1)، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. وجاء في هذا التلقين من الحديث حديثُ سعيد بن عبد الأزدي قال: شهدت أبا أمُامةَ الباهليِّ (¬2) وهو في النزع فقال: إِذا مِتُّ فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "إِذا مات أحدٌ من إِخوانكم فسويتُم الترابَ على قبره، فليقم أحدُكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلانُ ابنَ فلانةٍ فإنه يسمعه ولا يجيبه ثم ليقل: يا فلانُ ابنَ فلانةٍ فإنه يستوي قاعدًا، ثم يقول: يا فلانُ ابنَ فلانةٍ فيقول: أَرْشِدْنَا رحمك الله، ولكن لا تَشعرون، فليقل: اذكر ما خرجْتَ عليه من الدنيا: شهادة أن لا إِله إِلا الله، وأن محمدًا عبدهُ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنك رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيًا، وبالقرآن إمامًا: فإنَّ منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ما يُقْعدنا عند من لُقِّنَ حُجَّتُهُ؟ فيكون الله عز وجل حجَّهما دونَه فقالوا: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: فلْينسبْه إِلى أمه حواءَ يا فلانَ ابن حواءَ" رواه الطبراني في معجمه وهو حديث ضعيف، ولكن يُستأنس به، وقد اتفق علماء الحديث وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد بسطتُ هذا بشواهد من الأحاديث بينتها في شرح المهذب، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا في زمن من يُقتدى به إلى الآن وهذا التلقين إِنما هو في حق الميت المكلف وأما الصبي فلا يلقن (¬3)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}. (¬2) نسخة "أ": ليس فيها "الباهلي". (¬3) قال الإمام الجرداني في كتابه "فتح العلام" 3/ 285: ولا يلقن الصبيُّ لأن السؤال خاص بالمكلفين. =

التكفين بالحرير حرام

التكفين بالحرير حرام 2 - مسألة: تكفين الرجل في الحرير حرام، وتكفين المرأة به ليس بحرام، لكن مكروه. وقال أصحابنا: يجوز تكفين كلِ شخص فيما كان يجوز له لبسه في الحياة، وما لا فلا (¬1) والخنثى (¬2): كالرجل و "الأصح" جوازُ إِلباسِ الصبيِ الحريرَ والحليَّ وقيل: يحرم على الولي تمكينه منه (¬3)، وقيل: يحرم في حق المميز (¬4) دون غيره. لبس المداس في صلاة الجنازة 3 - مسألة: إذا صلى المأموم قُدَّام الِإمام صلاة الجنازة، أو صلى غيرُه قدام الجنازة هل تصح صلاته؟ وهل فيه خلاف في مذهب الشافعي؟ وهل تصح صلاة الجنازة لمن هو لابس مداسًا أسفله نجِسٌ؟. ¬

_ = وقيل: إن الأطفال يُسألون فيسن تلقينهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقن ولده إبراهيم. روى أنه قال: "قل الله ربي، ورسول الله أبي، والإسلام ديني". فقيل له: يا رسول الله أنت تلقنه فمن يلقننا؟ فأنزل الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}. سورة إبراهيم: الأية 27. كتبه محمد. (¬1) فعليه يترتب أن الله أباح للنساء أنواع الحرير لأنه زينة لهن في الحياة، ولهذا يجوز تكفين المرأة فيه. وأما الرجال: فإن الله تعالى قد حرم عليهم لبس الحرير في الحياة، فانسحب حكم التحريم لما بعد الممات. اهـ. محمد. (¬2) الخنثى: هو إنسان أشكل أمره وهو نادر الوجود -لا تعرف أنوثته من ذكورته- ويقال له: "خنثى مشكل". (¬3) وعليه السادة الحنفية، فالصغير كالكبير في المحظورات، والقلب مستريح لهذا، ليشب الولد على الخوف من ارتكاب الحرام. اهـ. محمد. (¬4) المميز: هو من بلغ من العمر سبع سنين؛ وقيل: هو من يميز الخير من الشر، والضار من النافع. وقد ورد في الحديث الشريف: "مُروا أوْلَادَكُمْ بالصَّلاةِ وَهُمْ أبْناءُ سَبْع، وَاضْربُوهُمْ عَليْها وَهُمْ أبناءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقوا بَيْنهم في المَضَاجِعِ" وهذا الأمر للوجوب.

إعادة الصلاة على الميت

الجواب: أما لابس المداس فلا تصح صلاته بلا خلاف في مذهب الشافعي (¬1). وأما من صلى قدام الجنازة، أو قدام الِإمام -وإن لم يتقدم على الجنازة- فصلاته باطلة "هذا هو الصحيح" في مذهب الشافعي -وبه قال جماهير أصحابه (¬2) - والله أعلم. إعادة الصلاة على الميت 4 - مسألة: إِذا صلى على جنازة في جماعة، أو منفردًا، ثم أراد إِعادتها مع جماعة أخرى ففيه ثلاثة أوجه: 1 - الأصح: أنه خلاف الأولى. 2 - والثاني: مكروه. 3 - والثالث: مستحب (¬3). ¬

_ (¬1) إن تيقن وجود النجاسة في نعليه؛ وإن كان شاكًا فيها فيجوز؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، والأصل في الشيء طهارتهُ. وأما السادة الحنفية، فقد اعتبروا أن التراب مطهر، كالشمس، والنار، والهواء؛ فإن دلَّك المصلي نعلَه المتنجسَ في التراب طهر. والأحوط مراعاة السادة الشافعية. اهـ. محمد. (¬2) فحكم صلاة الجنازة في هذا، كحكم باقي الصلوات، فيشترط لصحتها ألا يتقدم المأموم على إمامه. ويشترط فيها أي صلاة الجنازة شروطُ الصلاة، ولها شروط زائدة: منها تقدم طهره بماء أو تراب، وطهر ما اتصل به كصلاة الحي، فيضر نجاسة ببدنه، أو كفنه، أو برجل نعشه وهو مربوط به. نعم لا يضر نجاسة القبر، ونحو دم من مقتول لم ينقطع. ثم قال: ومنها عدم التقدم على الميت الحاضر ولو في القبر فإن كان غائبًا جاز. ويجب تقديم الصلاة على الدفن، فإن دفن قبلها، أثم كل من علم به ولم يعذر، ويسقط الفرض بالصلاة على القبر. اهـ. بشرى الكريم 2/ 34. كتبه محمد. (¬3) أما غير الجنائز من الصلوات الخمس: فيُسَنَّ إعادتها باتفاق الشافعية بلا خلاف، مع شروط مذكورة في المطولات. اهـ.

موت المرأة الحامل

موت المرأة الحامل 5 - مسألة: إذا ماتت المرأة حاملًا هل تكون شهيدةً أم لا؟. الجواب: إِذا ماتت بعد اجتماع خلْق الحمل، فهي شهيدة في ثواب الآخرة؛ لكن تُغسَّل، وُيصلَّى عليها، كمن مات غريقًا، أو تحت هَدْم، أو مبطونًا، أو في الطاعون، أو قُتِلَ دون دينِه، أو دونَ مالِه، ونحوهم فكلهم شهداء في ثواب الآخرة، وُيغسَّلون وُيصلَّى عليهم (¬1). ¬

_ (¬1) واعلم أنه قد اختلف في الشهيد الذي وقع الخلاف في غسله، والصلاة عليه هل هو مختص بمن قتل في المعركة أو أعم من ذلك؟؟ فعند الجمهور أن المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار إن مات في ساحة المعركة. أما إذا نقل إلى داره، أو المستشفى فمات فحكمه حكم غيره من الأموات؛ ولكن له أجر الشهيد، ويقال له: شهيد آخرة. وقال صاحب التاج رحمه الله 1/ 319. وعدم غَسلهم باتفاق، وعدم الصلاة عليهم، لعدم الغسل؛ فإن التكليف وإن انقطع بالموت؛ ولكن الصلاة من فعلنا، فاشترط لها الطهارة من المصلي والمصلى عليه، فلا صلاة على الشهيد وعليه الجمهور. وقال أبو حنيفة: يصلى عليه وإن كان لا يغسل، فإن الصلاة وشرطَها من الحي موفوران ... وورد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قتلى أُحد، وحمله الجمهور على الدعاء. اهـ. وهو بحث علمي نفيس. وقال في بشرى الكريم 2/ 36: ولا يغسل الشهيد ولا يصلى عليه، وهو: مَنْ مات في قتال الكفار، أي بسببه، ولو برمْح دابة، أو قتله مسلم خطأ، أو عاد إليه سهمه، أو سقط من دابته، وإن لم يكن به أثر دم. وخرج بقتال الكفار قتلهم أسيرًا صبرًا، وموته حالَ القتال بنحو حمى، وجرحه فيه مع بقاء الحياة المستقرة بعد انقضائه فيه وإن قطع بموته. اهـ. والشهداء ثلاثة: 1 - شهيد آخرة: هو ما ذكره المصنف. =

الحديث على القيراط

الحديث على القيراط 6 - مسألة: إِذا صلى على جنازة حصل له قيراطٌ من الأجر، كما ثبت في الصحيحين، فإذا صلى عليها ثم تبعها، ودام معها حتى تُدفنَ حصل له قيراطان (¬1)، كما ثبت في الصحيحين، ولا يقال: يحصل بالمجموع ثلاثة قراريط، وإِنما يحصل قيراطان كما ذكرته، وطرق الأحاديث توضحه. ومما يحصل به القيراط الثاني: ثلاثة أوجه -حكاه السرخسي وآخرون من أصحابنا-: 1 - أصحها: عند صاحب الحاوي والمحققين: أنه لا يحصُل إلا بالفراغ من الدفن. 2 - والثاني: يحصُل بالمواراة باللّبن. وإن لم يُهل عليه الترابُ، قاله القفال والمروزي، واختاره إِمامُ الحرمين. 3 - والثالث: إِذا وضع في اللحد فقط قبل نصب اللّبن، ويحتج لقول القفال، وللثالث: بحديث في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ صَلى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قيراطٌ، وَمَنِ اتَّبعَهَا حتَى تُوضَعَ في القبر (¬2) فَلَه قِيرَاطانِ"، وفي رواية: "حتى توضعَ في اللَّحد". ¬

_ = 2 - وشهيد دنيا: هو من قاتل رياء، أو للغنيمة. 3 - وشهيد دنيا وآخرة: هو من قاتل لله. فالأول يغسل ويصلى عليه، والآخران لا يغسلان ولا يصلى عليهما. وعن أنس رضي الله عنه أن شهداء أُحُد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصلَّ عليهم. رواه أحمد وأبو داود والترمذي. كتبه محمد. (¬1) وفي حديث أبي زيد: "سَتَفْتَحونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بأهلِها خَيْرًا فإنَّ لهم ذمةً وَرِحَمًا". والقيراط: جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءًا من أربعة وعشرين. اهـ. من النهاية. كتبه محمد. (¬2) نسخة "أ": في اللحد.

الذمية إذا ماتت وهي حامل بمسلم

وُيحتج للأول برواية البخاري ومسلم في هذا الحديث الشريف: "وَمَنْ تَبِعَهَا حَتى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنها فلهُ قِيراطَانِ" وفي رواية مسلم: "حَتى يُفْرَغَ منهَا". ويتأول رواية: "حتى توضع في القبر، أو في اللحد" على أن المراد وضعُها مع الفراغ، وتكون الِإشارة إِلى أنه ينبغي أن لا يرجع قبل وصولها إِلى (¬1) القبر، "والصحيح" المختار: أنه لا يحصُل إِلا بالفراغ من إِهالة التراب وتتميم الدفن، فالحاصل أن للانصراف عن الجنازة أربعة أحوالٍ: 1 - الأول: أن ينصرف عقب الصلاة. 2 - والثاني: أن ينصرف عقب وضعها في اللحد وسترها باللّبن قبل إِهالة التراب. 3 - والثالث: أن ينصرف بعد إهالة التراب وفراغ القبر. 4 - والرابع: أن يمكث عقب الفراغ، ويستغفرَ للميت، ويدعو له، ويسألَ الله تعالى له التثبيتَ. والرابع: أكمل الأحوال، والثالث: يُحَصّلُ القيراطين، ولا يحصله الثاني على الأصح، وَيَحْصُلُ بالأول قيراطٌ فقط بلا خلاف، والله أعلم. الذمية إِذا ماتت وهي حامل بمسلم 7 - مسألة: إِذا ماتت ذمية -وهي حامل بمسلم- فأين تدفن؟ وهل فيه خلاف؟. الجواب: الأصح: أنها تدفن بين مقابر المسلمين والكفار. وقيل: في طرق مقابر المسلمين. وقيل: تدفع إِلى أهل دينها ليتولَّوا ¬

_ (¬1) نسخة "أ": بدون "إلى".

هل يجوز نبش القبر؟

غسلَها ودفنها في مقابرهم. وحيث دفنت يكون ظهرها للقبلة؛ لأن وجهَ الجنينِ إِلى ظهر أمه. هل يجوز نبش القبر؟ 8 - مسألة: إِذا دفن مع الميت شيء سوى الكفنِ: كمتاعٍ وحلي ونحوِه هل يُنبش لأخذه؟ وهل يقطع سارقه؟. الجواب: نعم، يُنبش، ولا يقطع سارقه إِلا أن يكون القبر في بيت محرز (¬1). ¬

_ (¬1) السرقة: هي لغة: أخذ الشيء من الغير خفية. وشرعًا: باعتبار الحرمة، أخذه كذلك بغير حق نصابًا كان أم لا. وباعتبار القطع: أخذ مكلفٍ، ولو أنثى، أو عبدًا، أو كافرًا، أو مجنونًا؛ حال إفاقته: ناطق، بصير، فلا يُقطع أخرسُ؛ لاحتمال نطقه بشبهة، ولا أعمى لجهله بحالِ غيره. عشرة دراهم أو مقدارها وتعتبر القيمة وقت السرقة، ووقت القطع. شمل الأخذ حكمًا: وهو أن يدخل جماعة من اللصوص منزل رجل، وياخذوا متاعه، ويحملوه على ظهر واحدٍ منهم، ويخرجوه من المنزل، فإن الكل يقطعون استحسانًا .. اهـ. ابن عابدين 3/ 215، 265. ويحرم نبش القبر -أي فتحه- قبل بلي الميت عند أهل الخبرة بتلك الأرض إلا لضرورة: كدفن بلا طهر، أو لغير القبلة إن لم يتغير، أو في أرض أو ثوب مغصوب، أو وقع فيه مال وإن قل، ولو من تركته أو لغيره وإن لم يطلبه، وإن تغير الميت. عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبيٍّ بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه. وفي رواية: أتى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبيّ بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصَه،. فالله أعلم، وكان كسا عباسًا قميصًا. =

البكاء على الميت

البكاء على الميت 9 - مسألة: هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الميت يُعذب ببكاء الحي عليه، أو ببكاء أهله عليه" وما معناه؟. الجواب: نعم، هو صحيح، والصحيح في معناه: أن المراد به من أوصى أن يناح عليه. وقيل: المراد من أوصى بالنَّوْح أو لم يوصِ بتركه (¬1). ¬

_ = قال سفيان: فيرون النبي - صلى الله عليه وسلم -، ألبس عبد الله قميصه مكأفاة بما صنع. رواهما البخاري. وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلى أحد أن يُردوا إلى مصارعهم وكانوا نقلوا إلى المدينة. رواه الخمسة وصححه الترمذي. اهـ. باختصار من كتاب فتح العلام 3/ 291. كتبه محمد. (¬1) وحرم ندب، ونوح، وجزع، بنحو ضرب نحو صدر لخبر مسلم: "الِنَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَعَلَيّها سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ". وله أيضًا: "ليس مِنَّا مَنْ ضَرَب الْخُدودَ، وَشَق الْجُيُوبَ، ودَعَا بِدَعْوى الْجَاهِلِيةِ". السربال: القميص البالي. والدرع: القميص. والقطران: معروف وهو أبلغ من اشتعال النار بالنائحة. قال في كشف النقاب: "البكى بالقصر: الدمع، وبالمد: رفع الصوت" كما قاله ابن حجر. اهـ. بشرى الكريم 2/ 39. أنواع البكاء: وذكر القليوبي على الجلال: أنه إن كان البكاء على الميت لخوف عليه من هول يوم القيامة ونحوه، فلا بأس به، أو لمحبة ورقة كطفل فكذلك؛ ولكن الصبر أجمل، أو لصلاح وبركة وشجاعة، وفقد نحو علم، فمندوب، أو لفقد صلة وبر، وقيام بمصلحة فمكروه، أو لعدم =

وصول الثواب إلى الميت

وصول الثواب إلى الميت 10 - مسألة: هل يَصلُ إِلى الميت ثوابُ ما يُتصدق به عنه، أو الدعاء، أو قراءةُ القرآن؟. الجواب: يصله ثوابُ الدعاء، وثوابُ الصدقة بالِإجماعْ واختلفوا في ثواب القراءة فقال أحمد وبعض أصحاب الشافعي: يصل. وقال الشافعي والأكثرون: لا يصل (¬1). ¬

_ = تسليم للقضاء، وعدم الرضا، فحرام. اهـ. من كتاب فتح العلام 3/ 208. وهو تقسيم جميل ما أظنك تعثر عليه في كتاب. كتبه محمد. (¬1) فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ أُمِيّ تُوفيتْ أينفعُها إنْ تَصَدَّقْتُ عنها؟ قال: "نعم"، قال: فإنَّ لي مَخْرفًا فأنا أُشْهدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عنها. رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي. وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل يصل إلى الميت؟ فذهب المعتزلة إلى أنه لا يصل إليه شيء، والمختار الوصول إذا سأل الله إيصالَ ثواب قراءته وينبغي الجزم به؛ لأنه دعاء. وقد ذكر الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار 4/ 91 أدلة الأئمة وبَسَط البحث فيه بسطًا وافيًا. وفي كتاب الروح للحافظ أبي عبد الله الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية ما حاصله: أنه اختلف في إهداء الثواب إلى الحيّ فقيل: يصح لإطلاق قول أحمد: يفعل الخيرَ، ويجعل نصفه لأبيه، أو أمه. وقيل: لا؛ لكونه غير محتاج؛ لأنه يمكنه العمل بنفسه. واستثنى مالك، والشافعي العبادات البدنية المحضة: كالصلاة، والتلاوة، فلا يصل ثوابها إلى الميت عندهما، بخلاف غيرها: كالصدقة، والحج، والعمرة. والذي حرره المتأخرون من الشافعية، وصولُ القرآن للميت إذا كان بحضرته، أو دُعِيَ له عقبها ولو غائبًا؛ لأن محل القرآن تنزل الرحمة والبركة، والدعاء عقبها أرجى للقبول، ومقتضاه: أن المراد انتفاع الميت لا حصول ثوابها .. اهـ. باختصار ا/ 844. ابن عابدين.

موت أهل النار

11 - مسألة: إِنسان أسلم، وكان أبواه كافرين من الترك وسُبي -وهو صغير- ومات الأبوان، وما يَعلم هل أسلما أم لا؟ إِلا أنه يَغلب على ظنه إِسلامُ الأم دون إِسلامِ الأبِ، هل له الاستغفار لهما والدعاء لهما بالرحمة؟. الجواب: لا يجوز أن يدعو لهما بأعيانهما؛ لأن الأصل بقاؤهما على الكفر، والدعاء بالمغفرة للكافر حرام. قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (¬1). لكن يستحب أن يدعوَ بالمغفرة والرحمة لكل مسلم من والدِيه (¬2) كلّهم، فيدخل فيه كل من أسلم من أبيه، وأمه، وأجداده، وجداته إِلى آدمَ وحواءَ عليهما السلامُ، والله أعلم. موت أهل النار 12 - مسألة: هل يموت أحد في جهنم؟ وهل صح في ذلك حديثٌ أم لا؟ فإن صح فما معنى هذا الموتِ ولمن هو؟. الجواب: ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمَّا أهْلُ النَار الذينَ هُمْ أهلُها فإنَّهم لا يَمُوتونَ فيها ولا يَحْيوْنَ؛ ولكن ناسٌ أصَابتْهُم النَارُ بِذُنوبِهمْ -أو قال: بِخَطاياهم- فأماتَهُمُ الله إِماتَةً حتَى إِذا كانوا فَحْمًا أذِنَ بالشَفاعَةِ، فَجيء بهمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ (¬3)، فَيأتُوا على أنهَار ¬

_ (¬1) سورة التوبة: الآية 113. (¬2) والديه: بكسر الدال جمع والد وليس بفتحها تثنية ولد. (¬3) جماعاتٍ جماعات.

الجنَّة، ثم قيل: يا أهل الجنَّة أفيضُوا عَليهم فَيَنْبُتُون نباتَ الحِبَّة (¬1) تكُونُ في حميلِ السَّيل". قال العلماء: المراد بأهلها الذين هم أهلها الكفار، فلا يخرجون منها أبدًا، ولا يموتون فيها أصلًا. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} (¬2) وأما من عصاة الموحدين (¬3): أصحاب الكبائر، فيعذبون علىِ قدْر ذنوبهم المدةَ التي قدَّرها الله تعالى عليهم، ثم يموتون موتةً خفيفةً يذهب فيها إِحساسهم، ثم يبقون محبوسين في النار من غير إِحساس المدةَ التي قدرها الله تعالى، ثم يخرجون موتى قد صاروا فحمًا، كما تُحمل الأمتعة، فَيُلْقَوْن على أنهار الجنة، وُيصبُّ عليهم ماءُ الحياة فيحيَوْنَ وينبتون في أول حياتهم نباتًا ضعيفًا؛ لكنه بسرعة كنبات الحبة "بكسر الحاء" ثم تشتدُّ قوتهم، وتكمل أحوالهم، ويصيرون إِلى منازلهم في الجنة، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) الحبة: بالكسر، بزور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت صغير ينبت في الحشيش فأما الحبة بالفتح فهي الحنطة. اهـ. مختار الصحاح. (¬2) سورة فاطر: الآية 36. (¬3) نسخة "أ": من قبل أصحاب.

كتاب الزكاة

كِتابُ الزّكَاةِ (¬1) وفيه أربع مسائل السائمةُ الموقوفةُ ونَتَاجُها: ثمارُ الأشجارِ 1 - مسألة: السائمة الموقوفة ونَتاجُها، وثمارُ الأشجارِ الموقوفة، هل فيها زكاةٌ؟ وهل فيها خلاف على مذهب الشافعي؟. الجواب: أما الثمار: فإن كانت أشجارها وقفًا على مُعين، لزمته زكاتها بلا خلاف؛ لأنه يملك هذه الثمارَ ملكًا تامًا، يتصرف فيه كيف شاء، فإن كانت على جهة عامة فلا زكاة فيها على الصحيح المشهور من نصوص الشافعي وأصحابه. وللشافعي قولٌ ضعيف -حكاه عنه ابن المنذر في الإشراف- أنه يجب فيه العشر. وأما الماشية فإن كانت وقفًا على جهة عامة فلا زكاةَ فيها بلا خلافٍ، ولا تجيء حكايةُ ابن المنذر؛ لأن زكاةَ الماشيةِ مبنيةٌ على المسامحة، ولهذا يشترط لها الحول (¬2) وتدخُلها الأوقاص (¬3) -بخلاف الثمار- وإِن كانت وقفًا على معين، فينبني على أن المِلْكَ في رقبة الموقوف لمن هو، وفيه خلافٌ: ¬

_ (¬1) هي لغة: التطهير والنماء. وشرعًا: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص. وهي أحد أركان الإسلام، يُكفر جاحدها في الزكاة المجمع عليها بخلاف المختلف فيها كزكاة التجارة وزكاة مال الصبي. اهـ. (¬2) نسخة "أ": النصاب. (¬3) الأوقاص: في الصدقة هو ما بين الفريضتين وكذا الشنَق، وبعض العلماء يجعل الوقَصَ في البقر خاصة والشنق في الإبل خاصة. اهـ. مختار.

1 - والأصح: أنه لله تعالى. 2 - والثاني: أنه للموقوف عليه، فإن قلنا لله تعالى فلا زكاة بلا خلاف، وان قلنا للموقوف عليه فوجهان: 1 - أحدهما: يجب؛ لأنه ملكه. 2 - وأصحهما: أنه لا يجب؛ لأنه ملك ضعيف لا ينفذ التصرف فيه بالبيع ونحوه، ولا يورث عنه. وأما نَتاج الموقوف: فإن كان وقفًا على جهة عامة فلا زكاة فيه، وإِن كان على معيَّن فينبني أن المِلْكَ في النَّتاج لمن هو له، وفيه وجهان مشهوران: 1 - الأصح: أنه للموقوف عليه، فعلى هذا يلزمه زكاته بلا خلاف لأنه يملكه ملكًا تامًا كالثمار. 2 - والثاني: أنه وقف كالأم، فعلى هذا حكمه حكم الأم. فإن قلنا: الملك فيه لله تعالى فلا زكاة؛ وإن قلنا: للموقوف عليه فوجهان: الأصح: لا زكاة، والله أعلم. نصاب المعشرات (¬1) 2 - مسأله: قد قال العلماء: إِن نصابَ المعشراتِ خمسةُ أوْسقٍ، وهي ألف وستمائة رطل بالبغدادي، فكم قدْرها بالرطل الدمشقي؟ وهل في قدر رطل بغداد خلاف أم لا؟. ¬

_ (¬1) المعشرات: هي النابت من الأرض، الشامل للشجر والزرع. والشجر: كل ما له ساق. والزرع: ما لا ساق له، ويُسمى نجمًا، قال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}. فالزكاة تجب فيما يخرج من النوعين. =

صفة الفقراء الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء

الجواب: الأصح: بأنَ رِطل بغدادَ مائةُ درهمٍ، وثمانية وعشرون درهمًا، وأربعة أسباع درهم. وهي تسعون مثقالًا. وقيل: مائة وثمانية وعشرون بلا أسباع، وقيل: مائة وثلاثون، فعلى الأصح الأولِ يكون قدر الأوسُق الخمسة بالرطل الدمشقي ثلاثمائةً واثنين وأربعين رِطلًا وستةَ أسباعِ رطلٍ، والصاع بالدمشقي رِطلٌ وأوقيةٌ وخمسةُ أسباعِ أوقيةٍ، والمد: ربعُ صاع، والله أعلم. صفة الفقراء الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء 3 - مسألة: ما صفةُ الفقراء الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام؟. ¬

_ = والأصل في وجوبها قبل الإجماع قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}. لا زكاة في شيء منه، إلا فيَ رُطبٍ وَعِنَبٍ، وما صلح للخبز من الحبوب: كبُرٍّ وشعير، وأرُزْ، وعدس، وفُرَة، وحمص، وغير ذلك مما يؤكل تقوتًا ويصلح للادخار، بخلاف ما يؤكل تفكهًا، أي على وجه التنعم: كالسكر والتين والمشمش والتفاح وغير ذلك فلا زكاة فيها ولأنها لا تصلح للادخار. وواجبها العشر، إن سقيت بلا مؤنة: كماء السماء أو الأنهار، وإلا فنصف العشر، لثقل المؤنة في الثاني، وخفتها في الأول. ويتعلق الوجوب بعد بدو الصلاح، واشتداد الحب انظر الشرقاوي على التحرير 1/ 363. وقد ذكر أحكامًا مفيدة جزاه الله خيرًا. أقول: هذه الموازين التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى قد كانت في الزمن السابق، وفيها تكلف بالمقادير كما هو ظاهر لك. وهذا لا يفهمه العالم فضلًا عن غيره. ولكن نقول كما فهمنا من مشايخنا بأن خمسة الأوسق ما تعادل خمسةَ شنابلَ تقديريًا، فإذا ملك المزارع هذا المقدار وجب عليه الزكاة. وهذا أمر يجب أن نعي فيه لأهل العلم كي لا نقع في مغالطة أو خطأ وجهل. اهـ. محمد.

حكم دفع الزكاة إلى تارك الصلاة

الجواب: هم المحتاجون الذين ليس لهم كفايتهم، وليسوا مرتكبين كبيرةً من المعاصي هذا ما ظهر لنا، والله أعلم. حكم دفع الزكاة إلى تارك الصلاة 4 - مسألة: هل يجوز دفع الزكاة إِلى مسلم بالغ، لا (¬1) يصلي، ويعتقد أن الصلاة واجبة عليه ويتركها كسلًا؟. الجواب: إِن كان بالغًا تاركًا للصلاة، واستمر على ذلك إِلى حين دفع الزكاة لم يَجُزْ دفعها إِليه، لأنه محجور عليه بالسَّفه فلا يصح قبضه، ولكن يجوز دفعها إِلى وليه فيقبضها لهذا السفيه، وإن كان بلغ مصليًا رشيدًا، ثم طرأ ترك الصلاة ولم يحجر القاضي عليه جاز دفعُها إِليه، وصح قبضُه لنفسه (¬2)، كما تصح جميع تصرفاته.؟. * * * ¬

_ (¬1) نسخة "أ": لم يصل. (¬2) ولا يصح دفع الزكاة لمن بلغ تاركًا للصلاة، أو مبذرًا لماله، بل يقبضها له وليه: كالصبي والمجنون، بخلاف ما لو طرأ تركه لها، أو تبذيره ولم يُحجر عليه، فإنه يقبضها بنفسه. انظر فتح العلام 3/ 492. كتبه محمد.

كتاب الصيام

كِتابُ الصِيَام (¬1) وفيه أربع مسائل 1 - مسألة: كم صام النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمضان؟. الجواب: تسعَ سنين، نزلت فريضته في شعبان سنةَ اثنتين من الهجرة. 2 - مسألة: إِذا ذاق الصائم طعامًا (¬2) ولم يبلعْه، أو مضغ الخبز أو نحوَه ولم يبلعه، أَو جمع الريق في فيه ثم ابتلعه، أو دخلت ذبابة في جوفه بغير اختياره، أو كان يغربل حِنطة، أو دقيقًا، أو غيرَهما وفتح فمه فدخله شيء من الغبار، أو سبقه ماء المضمضمة، أو الاستنشاق من غير مبالغة هل يُفطر؟. الجواب: لا يفطر في جميع ذلك، والله أعلم. كفارة الأكل والجماع 3 - مسألة: إٍذا أكل في حَضرٍ في نهار رمضانَ عامدًا، ثم جامع بعد الأكل عامدًا في النهار هل تلزمه الكفارة؟ وهل إِذا كرر الجماع في رمضان تتكرر الكفارة أم لا؟. ¬

_ (¬1) هو لغة: الإمساك، وشرعًا: إمساك عن مفطر بشروطه، والصوم فرض بالإجماع، معلوم من الدين بالضرورة، فيكفر جاحده إلا إذا كان جاهلًا نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، أو كان قريبَ عهد بالإسلام. اهـ. (¬2) نسخة "أ": الطعام.

ليلة القدر

أجاب رضي الله عنه: لا يلزمه في ذلك كفارة؛ بل يأثم ويلزمه إِمساك بقية النهار، والقضاء والتوبة، وإِن جامع الصائم مرارًا في النهار، جماعًا موجبًا للكفارة، لزمه كفارة واحدة بالجماع الأول، ولا يلزمه بالثاني، والله أعلم "كتبته عنه" (¬1). ليلة القدر 4 - مسألة: المشهور في مذهبنا أن ليلة القدر منحصرة في العشر الأواخر من شهر رمضان، وأنها ليلة معينة لا تنتقل، بل تكون كل سنة في تلك الليلة، والمختار أنها تنتقل، فتكون في بعض السنين في ليلة، وفي بعضها في ليلة أخرى، ولكن إِنما تنتقل في العشر الأواخر، وبهذا يجمع بين الأحاديث الصحيحة المختلفة فيها، وممن قال به من أئمة أصحابنا: أبو إِبراهيم إِسماعيل بن يحيى المُزَني، وصاحبه إِمام ¬

_ (¬1) أحكام تتعلق بهذه المسألة: واعلم أن الوطء المفسد للصوم يترتب عليه خمسة أشياء: 1 - الإثم. 2 - الإمساك. 3 - القضاء. 4 - الكفارة. 5 - التعزير. لكن الكفارة إنما تجب على الواطىء دون الموطوء وهو الصحيح. ولا تتعدد بتعدد الوطء في يوم واحد، فإن، وطىء في يوم مرتين لم يجب بالوطء الثاني كفارة. والكفارة: هي عتق رقبة، أي ذات مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل والكسب، فلا تجزىء الكافرة ولا المعيبة، فإن لم يجدها، أطعم ستين مسكينًا، فإن لم يجدها، صام شهرين متتابعين، فلو أفسد يومًا منها وجب عليه استئنافها، ولو لعذر: كسفر أو مرض لندرة ذلك، نعم لا يضر الجنون والإغماء والحيض والنفاس. اهـ. باختصار من كتاب فتح العلام 4/ 91.

الأئمة: أبو بكر محمد بن إِسحاق بن خزيمة رحمهما الله تعالى، والله أعلم (¬1). * * * ¬

_ (¬1) وفي إخفاء هذه الليلة وعدم تعيينها أسرار ولطف من الحكيم الخبير، يقول فخر الدين الرازي في تفسيره: وأخفاها سبحانه وتعالى كما أخفى كثيرًا من الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات حتى يرغب العباد في الكل، وأخفى غضبه في المعاصي ليحترزوا عن الكل، فكذلك أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان. اهـ. لقد تعرضت في كتابي الصحوة القريبة الجزء الثاني وذكرت فضائل هذه الليلة وأقوال العلماء فيها مع أحكام مفيدة إن شاء الله تعالى علميةٍ واجتماعية فعد إليها تجد ما تقربه عينك. اهـ. محمد.

كتاب الحج

كِتابُ الحَج (¬1) وفيه مسائل الحديث على قوله - صلى الله عليه وسلم - من حج فلم يرفث 1 - مسألة: هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولم يَفْسُقْ رجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". ومتى يكون المراد بترك الرَّفثِ والفسوق وما تفسيرهما؟. الجواب: هذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، والظاهر أنه من حين يُحرِم بالحج إِلى أن يفرغ منه، لا من حين يخرج من بلده، والرفث، الجماع على الصحيح المشهور، والفسق: المعصية. حكم بيع الأرض المستغلة لأداء فريضة الحج 2 - مسألة: له أرض مملوكة يحصُل له منها كلَّ سنة من الغلة كفايتُه، وكفاية عياله، ولا يفضل شيء، وإذا باعها يمكنه الحج بثمنها، ¬

_ (¬1) هو لغة: القصد. وشرعًا: قصد الكعبة للنسك، وهو من الشرائع القديمة، يُكَفّر الصغائر والكبائر حتى التبعات على المعتمد إن مات قبل تمكنه من أدائها؛ أما إن عاش بعد التمكن فلا تسقط عنه، فيجب عليه قضاء الصلاة وأداء الدين الذي عليه ونحو ذلك. اهـ. وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: من اعتقد أن الحج يُسقط ما وجب عليه من الحقوق، يستتاب وإلا قتل ولا يسقط حق الآدمي بحج إجماعًا. اهـ.

إذن الوالدين لحج التطوع والفريضة

ويفضل ما يكفي عيالَه في الذَّهاب إِلى الحج والرجوع، أو كان له رأسُ مالٍ يَتَّجِرُ فيه -وهو بهذه الصفة- هل يلزمه الحج وهل فيه خلاف؟. الجواب: الأصح في مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وجوبُ الحج عليه، والحالةُ هذه والله سبحانه وتعالى أعلم (¬1). إذن الوالدين لحج التطوع والفريضة 3 - مسألة: هل له الحج بغير إِذن والديه، ويصح حجه، والخروجُ في طلب العلم، وهل يأثمان بمنعه؟ (¬2). الجواب: لهما منعه من حج التطوع، ولا يأثمان بذلك، وليس ¬

_ (¬1) قال الإمام الجرداني رحمه الله تعالى في كتابه "فتح العلام" هو من تحقيقنا والحمد لله: ولو كان له عروض تجارة، أو عقاراتٌ يستغلها، وجب عليه بيعُها وصرفها في الحج على الأصح، وإن لم يكن له كسب كما يلزمه صرف ذلك في الدين. وفارق المسكنَ والعبدَ، بأنه يحتاج إليهما في الحال، وما نحن فيه يُتخَذ ذخيرةً في المستقبل، والحج لا ينظر فيه للمستقبل. وقيل: لا يلزمه ذلك لئلا يُلتحقَ بالمساكين، واختاره ابن الصلاح. قال الأذرعي: وهو قوي إذا لم يكن له كسب بحال، وفرق بينه وبين الدين بأن الحج على التراخي بخلاف الدين. ولا يلزم العالم أو المتعلم، بيعُ كتبه المحتاج إليها، ولا الزراعَ بيعُ بهائمه ومحراثه، ولا المحترف بيع آلة حرفته. وفرق الشبراملسي بينه وبين ما تقدم في التجارة، بأن المحترف محتاج إلى الآلة حالًا، بخلاف مال التجارة فإنه ليس محتاجًا إليه في الحال. واعلم أن الحاجة إلى النكاح لا تمنع وجوب الحج وإن خاف العنت، ولكن الأفضل لخائف العنت تقديم النكاح، ولغيره تقديم النسك. فلو قدم النكاح ومات قبل أن يحج مات عاصيًا في الحالة الثانية دون الأولى، وفي الحالتين يُقضى عنه الحج من تركته. اهـ. باختصار من جزء 4/ 212. كتبه محمد. (¬2) نسخة "أ": إذا منعاه.

لهما منعه من الحج المفروض (¬1)، ويأثمان بمنعه، ومتى حج بغير إِذنهما صح حجه مطلقًا -وإِن كان عاصيًا في التطوع-، وله السفر في طلب العلم بغير إِذنهما (¬2). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": من حج الفرض. (¬2) ويجوز للأبوين ولمن علا منعُ الولدِ وإن سفل، غير المكي من الإحرام بتطوع حج أو عمرة، ابتداءً ودوامًا، بأن يأمره بالتحلل فيلزمه، إذ التطوع أولى باعتبار إذنهما فيه من فرض الكفاية، لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: لمن استأذنه في الجهاد: "ألك أبوان؟ ". قال نعم. قال: "استأذنتهما؟ ". قال: لا. قال: "ففيهما فجاهد". دون الفرض، أي حجة الإسلام وعمرته أداءً وقضاءً. ومثلهما النذر فليس له منعه منه ولو فقيرًا؛ لأنه إذا تكلفه أجزأه عن فرضه. نعم للأصل منع فرعه من الفرض لنحو خوف طريق، ولغرض شرعي: كسفره مع غير مأمونين أو ماشيًا وهو لا يطيقه. وله منعه من السفر حتى يترك له نفقة، أومنفقًا حيث وجبت مؤنته عليه. وله منعه إذا كان الولد أمردًا يخاف عليه. وندب استئذان أصل في الفرض، فإن أذن وإلا أخر ما لم يتضيق كالقضاء. اهـ. بشرى الكريم 2/ 121. أقول: لقد اتفق العلماء سلفًا وخلفًا على أن الولد له أن يسافر لطلب العلم ولو لم يأذنا له. ولكن يا ترى ما المراد من العلم؟ فهل هو علم الحديث الذي لا يُبتغى من ورائه إلا الدنيا التي طغت على العقول، ولعبت دورها بأبنائها حتى أصبحوا عبيدًا لها، أم المراد من العلم الذي يزيده قربًا من دار الخلود، وبعدًا من دار الغرور والذي يزيده حبًا في مولاه وبغضًا فيما سواه، العلم الذي يزيده فقهًا في الدين، وقربًا من رب العالمين. فهنا يجب علينا أن نقف قليلًا عند هذه المقاطع متأملين ومتألمين بما صار إليه اليوم معظم المسلمين. ومع ذلك إذا أردت أن تعرف نفسك والإخلاص في علمك فاقرأ كتاب "بداية الهداية" للإمام الغزالي فهو يدلك على الصواب، وَيَنْظِمُك في سلك الأحباب إن شاء الله تعالى. اهـ. محمد.

طريقة إزالة عقوق الوالدين بعد موتهما

طريقة إِزالة عقوق الوالدين بعد موتهما 4 - مسألة: إِذا كان الإنسان عاقًا لوالديه، وماتا ساخطين عليه فما طريقه إِلى إِزالة ذلك، وإِسقاط مطالبتهما له في الآخرة؟. الجواب: أما مطالبتهما له في الآخرة فلا طريق إِلى إِبطالها، ولكن ينبغي له بعد الندم على ذلك، أن يُكثر من الاستغفار لهما والدعاء، وأن يتصدق عنهما إن أمكن، وأن يكرم من كانا يحبان إِكرامَه: من صديق لهما ونحوه، وأن يصلَ رَحِمَهما، وأن يقضي دَيْنهما (¬1)، أو ما تيسر له من ذلك (¬2). 5 - مسألة: رجل حج عن غيره بأجرة، هل هو مخطىء، وهل يكون له ثواب ما يفعله زائدًا على الحج، من زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والطواف الزائد، والأدعية، والزيارات، وغير ذلك من العبادات أم لا؟. أجاب رضي الله عنه: ليس هو بمخطىءٍ؛ بل له الثواب على هذه الأمور المذكورة -وهي من طرق الخير- وإِن كان الحاج متبرعًا أفضلَ منه، والله أعلم "كتبته عنه" (¬3). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": وينفل عنهما. (¬2) لقد تعرضت لموضوع الوالدين في كتابي الصحوة القريبة الجزء الأول تحت عنوان "الولد والوالدان" وبينت موقف كلٍ من الآخر، وأن الولد مهما قدم من معروف، أو بذل من إحسان لا يستطيع أن يؤدي بعضَ ما يجب عليه من حق. ثم تناولت هذا الموضوع بشرح أوسعَ في كتابي "سمير المؤمنين". وتذكرت قولَ الإمام الشعراني في كتابه المنن. حيث قال: ومما منَّ اللهُ عليَّ أنْ أمات أبوي وأنا طفل صغير، لأن أمثالي لا يستطيع أن يقوم بحقوقهما فعد إلى الكتابين واقرأهما على مهل، وادع لي بقبول العمل مع حسن الأجل. اهـ. محمد. (¬3) قال النووي في شرح مسلم، ومذهبنا ومذهب الجمهور: =

صورة نادرة الوقوع في الحج

صورة نادرة الوقوع في الحج 6 - مسألة: لا يُتصور مسلم بالغ عاقل حلال، ولا يصح إِحرامه بالعمرة، إِلا في صورة واحدة، وهي في الحاج إِذا تحلل التحللين، وبقي بِمِنى لرمي الجِمار أيامَ التشريق ومبيت لياليها (¬1). ¬

_ = جواز الحج عن العاجز بموت، أو عَضْب؛ وهو: الزمانة والهرم ونحوهما. وقال مالك والليث والحسن بن صالح: ولا يحج أحد إلا عن ميت لم يحجَّ حجة الإسلام. قال القاضي عياض وحكى عن النخعي وبعض السلف: لا يصح الحج عن ميت ولا غيره وهي رواية عن مالك وإن أوصى به. ثم قال النووي: ويجوز الاستنابة في حجة التطوع على أصح القولين عندنا. اهـ. والإجارة على الحج جائزة عند الشافعي. وكذا عند مالك مع الكراهة، ومنع أبو حنيفة من ذلك. اهـ. باختصار انظر فتح العلام 4/ 231. فقد فصل المؤلف رحمه الله هذا الموضوع تفصيلًا جيدًا وقد أكرمني الله بخدمة هذا الكتاب من حيث التحقيق فالله أسأل الصدق والتوفيق، لأقوم طريق. (¬1) أقول: وأما الحاج: فلا يصح إحرامه لعمرته ما دام محرمًا بالحج ... وكذا لا يصح إحرامه بها بعد التحللين ما دام قاطنًا بمنى. والملحظ في هذا: أن الوقت مستحق لبقية النسك، فلا يُصْرَف لنسك آخر. فلو نفر النفر الأول، ثم اعتمر، لزمت، لأنه لم يبق عليه للحج عمل، ومتى لم ينفر نفرًا شرعيًا، واعتمر في بقية أيام التشريق لم تنعقد، لأن ما بقي من مناسك الحج وتوابعه يمنع من الاشتغال بها كالصوم. فإذا علمت ذلك ظهر لك أنه لا يصح الإحرام أي بالعمرة وإن قصد ترك الرمي والمبيت، وإن شرط النفر المجوز لفعلها أن يكون شرعيًا وهو أن يكون بعد زوال اليوم الثاني ورميه، وإلا يأتي فيه ما مر من التفصيل. اهـ. انظر كتاب المناسك لابن حجر على الإيضاح ص 190 ففيه أحكام مفيدة ونفيسة. كتبه محمد.

حمل الهدية للمسافر

7 - مسألة: لو نذر من لم يحجَّ في هذه السنة، ففعل، قال أصحابنا: وقع عن حجة الِإسلام، وخرج عن نذره، وليس في نذره إِلا التزامُ تعجيل ما كان له تأخيره. والله أعلم. 8 - مسألة: قال الماوردي في مسألة القِران بين الحج والعمرة: لو أحرم بالعمرة، ثم أحرم بالحج وشك، هل كان إِحرام الحج قبل طواف العمرة فيكون صحيحًا، أو بعده فيكون باطلًا؟ حُكِم بصحته؛ لأن الأصل جواز الإِحرام بالحج حتى يتيقن أنه كان بعده. قاله أصحابنا، قالوا: وهو كمن أحرم وتزوج ولم يدْرِ هل أحرم قبل تزوجه أم بعده. قال الشافعي: صح تزوجه. حمل الهدية للمسافر مسألة: هل يستحب للمسافر حمل هدية إِلى أهله؟ وهل جاء فيه حديثٌ أو ذكره أحد من العلماء؟. الجواب: نعم؛ يستحب ذلك، وممن ذكره من العلماء: القاضي أبو الطيب في تعليقه في آخر كتاب الحج، واحتج له بحديث عائشةَ رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إِذا قَدِمَ أحَدُكم مِنْ سَفَرِهِ فَلْيُهْدِ إلى أهْلِهِ، وَلْيُطْرِفْهُم (¬1) ولو كانت حجارةً". رواه الدارقطني في سننه في آخر كتاب الحج. 10 - مسألة: مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل هي شامية أم يمانية؟. الجواب: ليست شاميةً ولا يمانيةً؛ بل هي حجازية، وهذا لا خلافَ فيه بين العلماء. * * * ¬

_ (¬1) الطرفة: الشيء المستحدث الجديد.

كتاب الصيد والذبائح

كِتابُ الصَيْد وَالذبَائِح (¬1) وفيه ست مسائل 1 - مسألة: ما حقيقة الحياة المستقرة التي إِذا ذُبح الْحَيَوانُ وهي فيه حَلَّ وإِلا فلا، وإِذا شكَّ في الحياة المستقرة هل يحل له أم لا؟. الجواب: تُعْرفُ الحياةُ المستقرة بقرائنَ يُدركها الناظر ومن علامتها: الحركة الشديدة بعد قطع الحلقوم والمريء (¬2) وجريان الدم، فإذا حصلت قرينةٌ مع واحد منهما حلَّ الحيوان. "والمختار" الحل بالحركة الشديدة وَحْدَها، فإذا شك في المذبوح، هل كان فيه حياة مستقرة حالَ ذبحه أم لا؟ لم يحلَّ على أصح الوجهين للشك في المبيح. 2 - مسألة: الشاة إِذا أخرج السبْعُ حشْوَتها، وأبانها عنها - وفيها بعضُ حياة- فذكيت هل تحل؟. الجواب: لا تحل (¬3). ¬

_ (¬1) ويحرم ذبح الحيوان غير المأكول ولو لإراحته، ويحرم قتل الكلب غير العقور الذي لا منفعة فيه ولا ضرر. ويطلب من الذابح أن يحد شفرته، وأن يكون بحيث لا تراه الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة والأخرى تنظر إليها. ولا يقل: باسم الله واسم محمد! فإنه يحرم مع حل الذبيحة: فإن قصد التشريك كفر وحرمت الذبيحة. اهـ. محمد. (¬2) مَريءُ الجزور والشاة مجرى الطعام والشراب وهو متصل بالحلقوم. اهـ .. (¬3) فلو أخذ الذابح في قطع الحلقوم وأخذ آخر في نزع حشوتها أو القطع من لحمها حرم أكله، وما قطع من حيوان حي فهو كميتته. اهـ.

أحكام نفيسة تتعلق بالصيد

3 - مسألة: قال أصحابنا: كل من حلت مناكحته للمسلم حلت ذبيحته، ومن لا فلا، إِلا الأمة الكتابية فتحل ذكاتُها، ولا يحل نكاحها للمسلم. أحكام نفيسة تتعلق بالصيد 4 - مسألة: لو توحَّل في أرضه صيد، أو عشَّش فيها طير، أو سقط فيها ثلج، لم يملك شيئًا من ذلك؛ لأنه ليس من نفس الأرض بخلاف الحشيش والماء النابع، ولكن لا يحل لأحدٍ دخولُ أرضه، لأخذ الصيد، والطير، والثلج؛ إِلا بإذنه أو علْمِه أنه لا يكره دخوله إِليها؛ فإن دخل بغير إِذنه وأخذه مَلَكه، وإِن كان عاصيًا بدخوله. ولو نصب فخًا أو أحبولةً فوقع فيها صيدٌ ملكه ناصبُه سواء كان الفخ، أو الأحبولة مُلْكًا له أو مغصوبًا؛ لكن عليه أجرة المغصوب، وكذا لو صاد بكلب مغصوب فالأصح أن الصيد -أيضًا- للصائد، ولا شيء عليه لصاحب الكلب؛ إِلا إِذا قلنا بالضعيف: أنه يجوز إِجارته فتجب أجرته، وفيه وجه ضعيف، أن الصيد لصاحب الكلب كما لو غصب عبدًا فاصطاد، فإنه لسيد العبد بلا خلاف، والله أعلم (¬1). ¬

_ (¬1) الأصل في الصيد قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}. سورة المائدة: الآية 2. وهو أمر إباحة، لأنه أمر بعد التحريم إذ القاعدة الأصولية: أن الأمر بعد الحظر للإباحة. ويجوز الاصطياد بكل جارحة معلَّمَةٍ من سباع البهائم، وجوارح الطير، وشرائطُ تعليمها أربعٌ: 1 - أن تكون إذ أُرْسِلَتْ اسْتُرْسِلَتْ. 2 - وإذا زُجرتْ انزجرت. 3 - وإذا قتلت لم تأكل منه. 4 - ويتكرر ذلك منها ليغلب على الظن. فإن عدم أحد الشرائط لم تحلَّ إلا أن يُدرَك حيًا فيُذكى. =

إخصاء الحيوان

إخصاء الحيوان 5 - مسألة: قال البَغوي وغيره: لا يحل إِخصاء الحيوان الذي لا يؤكل، وأما المأكول فيجوز إخصاؤه في صغره، ولا يجوز في كبره. ¬

_ = وجوارحُ السباع: كالكلب، والفهد، والنمر وغيرها ... وجوارح الطير: كالصقر، والشاهين والباز ... لقوله تعالىَ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. سورة المائدة: الآية 4. وروى مسلم: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ، فَاذْكِرِ اسْمَ اللهِ، فَإنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَأَدرَكْتَه حَيًَا فَاذْبَحْهُ، وَإنْ أدْرَكْتَه قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يَأكُلْ منه فَكُلْ". ولو أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع، وصار يضارب ويقاتل دونه فهو كالأكل. أما لعق الدم: فلا يضر. ويحل ذكاة كل مسلم وكتابي، ولا يحل ذكاة مجوسي ولا وثني. والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}. سورة المائدة: الآية 5. فخرج غير أهل الكتاب: كمن يعبد الشمس، والقمر، والكواكب، والبقر، والدهرية، وغيرهم: كالزنادقة والدروز. وأما اللحوم المستوردة من الخارج: فإن كانوا أهل كتاب، فجاز الأكل منها وإلا فلا. وإن جهل الأمر، ولم تعلم طريقة الذبح، فالورعُ الترك، لأننا لا نستطيع أن نحكم بالحرمة، ولا بالحل، فأصبح الأمر مشبوهًا، وتركُ الشبهات، هو استبرآء للدين، إلا إذا علمنا علم اليقين وقامت بينة، بأن هذا المصنع ذبحُهُ غير صحيح، فالحرمة قاصرة على الناظر، والمصدق له، وإلا نكون قد أوقعنا المسلمين بالحرام وضيقنا على كثير من الفقراء. فهذا ما تلقفناه من مشايخنا والله أعلم بذلك. اهـ. محمد.

رمي الصيد بالبندق

رمي الصيد بالبندق 6 - مسألة: رمي الصيد بالبندق، هل هو حلال أم حرام؟. الجواب: هو حلال؛ لأنه طريق إِلى اصطياده، والاصطياد مباح، وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مغفَّل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أنَّهُ نَهَى عن الْخَذْفِ وقال: إِنَة لا يَنْكِ (¬1) الْعَدُوَّ، ولا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلكِنْ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ". فمقتضى هذا الحديث إِباحةُ الصيد بالبندق، والله أعلم (¬2). وقد ذكر البخاري في صحيحه عن الحسن البصري: أنه كره رميَ البندق في القرى، ولا يرى به بأسًا فيما سواها، وإِنما نهى عنه في القرى خوفًا من أن يُصيب إِنسانًا (¬3) بخلاف الصحراء. والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) الخذف: بسكون الذال هو رميك حصاة، أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها. اهـ. من النهاية. نكى في العدو قتل فيهم وجرح؛ ينكي نكاية. اهـ. مختار. (¬2) وقد اتفق العلماء إلا من شذ منهم على تحريم أكل ما قتله البندق والحجر وإنما كان كذلك لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحده كذا في الفتح. اهـ. أو يصاد بإرسال نحو سهم أي: من كل محدّد لا مُثَقَّل، كبندق الرصاص فلا يحل إذا أدرك فيه حياة مستقرة، وكذا لو وضع في البندق محددًا لأنه إنما ذبح بالتحامل لا بنفسه. اهـ. الشرقاوي على التحرير 2/ 459. كتبه محمد. (¬3) نسخة "أ": أحدًا.

كتاب الأطعمة

كِتابُ الأطعِمة وفيه سبع مسائل لحم السنور وما يحل للمضطر، وأكل اللحم نيئًا 1 - مسألة: الأصح أن سنور البر لا يحل أكله، وكذا جلد الميتة المدبوغ، والمني. وأن المضطر لا يحل له من الميتة إِلا سد الرمق، وأنه لا يحل شرب الخمر للدواء ولا للعطش (¬1). ¬

_ (¬1) وقد روى البخاري في صحيحه: "إِن اللهَ تَعالى لَمْ يَجْعلْ شِفَاءَكُمْ فيما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ". وفي رواية: "لِكُلِّ دَاءٍ دوَاءٌ فَتَداوَوْا ولا تَتَداووا بِحَرام" والخمر: لا يدفع العطش؛ بل يزيده؛ نعم له أن يتجرع شيئًا قليلًا إذا غصَّ في الطعام وخاف على نفسه ولم يجد غيره. اهـ. ويحل للمضطر في المخمصة أن يأكل من الميتة ما يسد به رمقه. مع أن نص القرآن على تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والموقوذة، والمتردية والنطيحة، وما أكل السبع كل هذا في غير حالة الضرورة. وأما المضطر: فيباح له الأكل لقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. سورة البقرة: الآية 173. ثم الأكل قد يجب لدفع الهلاك. وحد الاضطرار: بأن يخاف على نفسه من أثر الجوع عن المشي، وعن الركوب، أو ينقطع عن الرفقة، أو يضيع، ونحو ذلك. فإذا انتهى إلى الحالة التي يباح له فيها الأكل، فماذا يأكل؟ فلا يجوز له أن يشبع بل يأخذ ما يسد به الرمق، إلا إذا كان بعيدًا عن العمران فله أن يتضلع بقدر ما يوصله إليها. =

في تصغير اللقمة في الأكل

2 - مسألة: هل يجوز أكل اللحم نيئًا؟. الجواب: نعم، والله أعلم. في تصغير اللقمة في الأكل 3 - مسألة: هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بتصغير اللقمة في الأكل، وتدقيق المضغ، أو يُستحب ذلك؟. الجواب: لم يصحَّ في ذلك شيءٌ، وهو مستحب إِذا كان فيه رفق بجلسائه وقصد بذلك تعليمَهم الأدبَ، أو كان في الطعام قلةٌ وكان ضعيفًا، أو كان شبعان وعرف أنه إِذا رفع يده يرفع غيره ممن له حاجة في الأكل، أو نحوَ ذلك من المقاصد الصالحة (¬1). ¬

_ = وله أن يتزود من الميتة إن لم يرج الوصول إلى الحلال. والاضطرار: علة لابتداء الأكل دون استدامته، وعلى هذا فليس المراد بالشبع أن يمتلىء حتى لا يبقا مساغ فإن هذا حرام بلا خلاف. اهـ. من كفاية الأخيار ببعض اختصار وتصرف 143/ 2. كتبه محمد. (¬1) وبهذه المناسبة رأيت أن أذكر للقارىء بعض آداب تتعلق بالطعام ... أقول: 1 - ومن آداب الأكل أن يبدأ بـ "بسم الله" ويجهر به ليذكر الكبير، ويعلم الصغير، ويبعد الشيطان عن مشاركته. 2 - وأن يأكل باليد اليمنى مخالفًا لأكل الشيطان، لأن الشيطان يأكل بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله. 3 - وأن يصغر اللقمة كما أشار المصنف، ويُجيد مضغها، ولا يتناول الثانية حتى يبلع اللقمة الأولى؛ فإن ذلك من العجلة المذمومة. 4 - وأن لا يذم الطعام، أو يمدحه، فإن الذم ازدراء للنعمة وكفران لها، والمدح دليل الحب له والتعلق به. 5 - وأن يأكل مما يليه إلا الفاكهة، أو عند تنوع الطعام. 6 - وأن لا يضع على الخبز إناءً أو كأسًا، إلا ما يأكله من أدم، ولا يمسح يده بالخبز. 7 - وإذا سقطت لقمة فليأخذها وليُمط الأذى عنها ويأكلها ولا يدعها للشيطان. =

الأكل والشرب قائما

الأكل والشرب قائمًا 4 - مسألة: هل يكره الأكل والشرب قائمًا، وما الجواب عن الأحاديث في ذلك؟. الجواب: يكره الشرب قائمًا من غير حاجة، ولا يحرم. وأما الأكل قائمًا فإن كان لحاجة فجائز، وإِن كان لغير حاجة فهو خلاف الأفضل. ولا يقال: إِنه مكروه، وثبت في صحيح البخاري من رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنهم كانوا يفعلونه، وهذا مقدم على ما في صحيح مسلم عن أنس: أنه كرهه. وأما الشرب قائمًا ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه، وفي صحيح البخاري وغيره، أحاديثُ صحيحةٌ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله. فأحاديث النهي تدل لكراهة (¬1) التنزيه، وأحاديث فعله تدل (¬2) لعدم التحريم (¬3). ¬

_ = 8 - ولا ينفخ في الطعام الحار؛ بل يصبر حتى يسهل أكله. 9 - وأن لا يكثر الشرب أثناء الطعام إلا إذا غص، أو صدق عطشه، وهو مستحب في الطب. 10 - وأن لا يأكل وحده لأنه دليل الشره فخير الطعام ما كثرت عليه الأيدي. 11 - وأن ينوي بأكله التقوى على طاعة الله، ليثاب على ذلك، وليحذر قصد التلذذ فحسب فهو من شأن أهل الغفلة، المفتونين بشهوة البطن. 12 - وأن لا يبتدىء بالطعام ومعه من يستحق التقديم من أستاذ ووالد، أو كِبَرِ سن. 13 - وأن لا ينظر إلى أصحابه ويراقب أكلهم فيستحون بل يغض بصره عنهم. 14 - وأن يؤثر غيره بأطايب الطعام فإن ذلك داع للمحبة والألفة. ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب الإحياء للإمام الغزالي. اهـ. محمد. (¬1) نسخة "أ": على أن الكراهة. (¬2) نسخة "أ": على عدم. (¬3) فقد روى أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نَهى أنْ يَشْرَبَ الرجلُ قائمًا. قال قتادة: فقلنا لأنس: فالأكل؟ قال: ذلك أشَرُّ أوْ أخْبَثْ. رواه مسلم. وفي رواية له: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زَجَرَ عَنِ الشُرْبِ قَائِمًا. =

حكم كرع الماء

حكم كرع الماء 5 - مسألة: هل يكره الكرع (¬1) في الماء -وهو الشرب بالفم- من غير عذر في ذلك؟. الجواب: لا يكره. وفي صحيح البخاري فيه حديث (¬2). مشاركة الشيطان الإنسان 6 - مسألة: هل يأكل الشيطان ويشرب من طعام الناس ومائهم اُم لا؟. أجاب رضي الله عنه: نعم؛ يأكل ويشرب من طعام الناس والله أعلم "كتبته عنه" (¬3). ¬

_ = وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَشْرَبَن أحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِيء". رواه مسلم. أي: يتقيأ. قال المصنف: بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في المنع من الشرب قائمًا، والواردة في إجازة ذلك. الصواب: أن النهي فيها محمول على التنزيه. وشربه قائمًا لبيان الجواز، ومن زعم نسخًا، أو غيره؛ فإنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر إمكان الجمع مع ثبوت التاريخ. وفعلُه - صلى الله عليه وسلم - لذلك لا يكون مكروهًا في حقه أصلًا؛ لأنه كان يفعل الشيء للبيان المرة والمرات، ويواظب على الأفضل. اهـ. من دليل الفالحين 5/ 262. (¬1) يقال: كرع في الماء تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بالإناء. اهـ. مختار. (¬2) فقد روى أبو داود: في المراسيل -أيضًا- من رواية عطاء بن أبي رباح: "إذَا شَرِبْتُمْ فَاشْرَبُوا مَصًََّا". وفي رواية أنس رضي الله عنه: "مُصُّوا الْماءَ مَصًَّا وَلَا تعبُّوه عَبًّا فإنَ الْكِبَادَ مِنَ الْعَبِّ"!!. اهـ. (¬3) فقد روى جابر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَه فَذَكَر اللهَ تعالى عِنْدَ دُخُولِهِ وعندَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ لِأصْحَابه: لا مَبيتَ وَلا عَشَاءَ. =

آداب غسل الأيدي قبل الطعام

آداب غسل الأيدي قبل الطعام 7 - مسألة: ذكر بعض أهل الأدب: أنه يستحب في غسل الأيدي عند إِرادة أكل الطعام أن يُبدأ بغسل أيدي الشباب والصبيان، ثم الشيوخ (¬1)، فإذا فرغوا من الأكل يُبدأ بغسل أيدي الشيوخ. قال: ويستحب مسح اليد بالمنديل بعد فراغ الطعام، ولا يستحب ذلك قبله، فما الحكمة في ذلك على تقدير صحته؟. الجواب: أما تقديم الشباب والصبيان قبل الطعام: فسببه أن أيديهم أقربُ إِلى الوسخ والنجاسة لتساهلهم، فكان تقديمهم أهمَّ وآكد. وربما قلَّ الماء، فبقاء أيدي الشيوخِ أقل مَفْسدةً. وأما تقديم الشيوخ بعد الفراغ: فلكرامتهم وحرمتهم مع عدم الحاجة المذكورة أولًا. وأما ترك المسح بالمنديل أولًا: فسببه أنه ربما كان في بعض المناديل وسخ ونحوُه مما يتقذره من يغمس يدَه معه، بخلاف ما بعد الطعام، والله أعلم. * * * ¬

_ = وَإذَا دَخَلَ فَلْم يَذْكُرِ اللهَ تَعَالى عِنْدَ دُخُولِه، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ والْعَشَاءَ". رواه مسلم. فهذا دليل على أن الشيطان يشارك الغافلين، ويكون بعيدًا عن الذاكرين. اللهم اجعلنا ممن يذكرك فلا ينساك حتى لا يكون للشيطان علينا سبيل!!. اهـ. محمد. (¬1) قال في شرح الروض: لكن المالك يبتدىء به فيما قبله، ويتأخر به فيما بعده ليدعوَ الناس إلى كرمه. اهـ. أقول: لأن في التقديم سرعةَ المبادرة إلى تناول الطعام، وفي التأخير بطأ القيام عنه. وفي ذلك إشارة لكرم الداعي وحب أضيافه وكثرةِ الأكل من طعامه. اهـ. محمد.

كتاب البيوع

كِتابُ البُيُوع (¬1) وفيه أربع وعشرون مسألة بيع المكره بنوعيه 1 - مسألة: بيع المكره بغير حق باطل، وبيع المكره بحق ¬

_ (¬1) جمع بيع، هو لغة: مقابلة شيء بشيء. أي على وجه المعاوضة، ليخرجَ نحوُ ابتداءِ السلام ورده. فلا تسمى مقابلة ابتداء السلام برده، ومقابلة عيادة المريض، بعيادة مريض آخر، بيعًا في اللغة -كذا قال بعضهم-. وقال بعضهم: الأولى إبقاء المعنى اللغوي على إطلاقه. وشرعًا: مقابلة مال بمال على وجه مخصوص، أو هو عقد معاوضة محضة يقتضي ملك عين أو منفعة على الدوام. لا على وجه القربة. والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} "سورة البقرة: الآية 275". وأخبار -كخبر-: سُئلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الْكسْبِ أَطْيَبُ؟ فقال: "عَمَلُ الرجُلِ بيَدِه، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ". أي لا غش فيه ولا خيانة. وأركانه ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة. 1 - الأول: البائع والمشتري. 2 - الثاني: الثمن والمثمن. 3 - الثالث: الإيجاب والقبول.

بيع الفقاع والصبي والسفيه

صحيح (¬1) وبيع المصادَر (¬2) فيه وجهان: أصحهما صحيح؛ لأنه لم يكره على بيع هذا المال، والله أعلم. 2 - مسألة: يصح بيع الهرة والقرد؛ لأنهما طاهران منتَفعٌ بهما جامعان شروطَ المبيع (¬3)، وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه: "نهى عن بيع الهرِّ" وله تأويلان: 1 - أحدهما: أنه نهيُ تنزيهٍ لتسامح الناس بذلك، ويهَبُه بعضهم لبعض كما هو الغالب. 2 - والثاني: أنه محمول على هرٍ وحشي؛ لأنه لا يستأنس فينتفع به، ولا يحل أكله على الصحيح، والله أعلم. بيع الفقاع والصبي والسفيه 3 - مسألة: يصح بيعُ الفُقَّاع (¬4) -وإن كان غائبًا- ولا يجيء فيه الخلاف في بيع الغائب؛ لأنه مستور بما فيه صلاحه، وشربه حلال، ولا كراهةَ فيه. ¬

_ (¬1) ولا ينعقد من مكره بغير حق ما لم ينوه؛ فإن نواه وقت الإكراه صح. أما إن كان بحق كان يتوجه عليه بيع ماله لوفاء دينه، أو شراء عين لزمته بعقد سلم فأكرهه الحاكم عليه، فيصح بيعه وشراؤه. اهـ. محمد. (¬2) صادره على كذا: طالبه به ملحفًا، أي: كالمحجور على دين، له الوفاء بأي وجه كان. (¬3) نسخة "أ": البيع. (¬4) ويتسامح في فقاع الكوز فلا يشترط رؤية شيء منه؛ لأن بقاءه فيه من مصلحته؛ ولأنه تشق رؤيته، ولأنه قدر يسير يتسامح به في العادة، وليس فيه غرر يفوت به قدر معتبر. وقال العبادي: يفتح رأس الكوز فينظر منه بقدر الإمكان. اهـ. روض 2/ 11. وقد يغتفر الجهل للمسامحة كما في بيع الفقاع وكتب الرشيدي: قال في القاموس: الفقاع كرمان هذا الذي يشرب، سمي به لما يرتفع في رأسه من الزبد انتهى. وهو ما يتخذ من الزبيب. اهـ. نهاية 3/ 391.

4 - مسألة: إِذا أسلم الصبي درهمًا إِلى صَيْرفي ليَنْقدَه (¬1)، أو متاعًا لينظره له ويعرفَ قيمته، أو نحوَ ذلك، هل يحل له رده إِلى الصبي؟ وما حكُم شراءِ الصبي والسفيه؟. الجواب: لا يحل له رده إِليه؛ بل يلزمه رده إِلى وليه، ويلزم الوليَّ طلبهُ، فلو تلِف في يد القابض بتفريط، أو بغير تفريط، لزمه ضمانه. وهكذا لو اشترى الصبي شيئًا وسلَّم ثمنَه لم يصح شراؤه، ويلزم البائعَ ردُّ الثمن إِلى ولي الصبي، ولا يجوز له تسليمه إِلى الصبي، فإن تلِف الثمنُ في يد البائع، أو ردَّه إِلى الصبي فتلف في يده قبل أن يوصله إِلى الولي بإتلاف الصبي، أو بإتلاف غيره لزم البائع ضمانه (¬2). ¬

_ (¬1) نقده الدراهم ونقد له الدراهم: أي أعطاه إياها فانتقدها أي قبضها، ونقد الدراهم وانتقدها أخرج منها الزيف. وبابهما نصر. اهـ. مختار. (¬2) قال ابن عابدين 4/ 145 في حاشيته: (كما بطل بيع صبي لا يعقل ومجنون). قُيِّدَ به لأن الصبي العاقل إذا باع، أو اشترى، انعقد بيعه وشراؤه، موقوفًا على إجازة وليه إن كان لنفسه، ونافذًا بلا عهدة عليه، إن كان لغيره بطريق الولاية. وهذا إذا باع الصبي العاقل مالَه، أو اشترى بدون غبنٍ فاحشٍ، وإلا لم يتوقف؛ لأنه حينئذٍ لا يصح من وليه عليه، فلا يصح منه بالأولى. اهـ. باختصار. وقالت الشافعية: فلا يصح عقد صبي، ومجنون، ومن حُجر عليه بسفه. ومما عمت به البلوى بعثان الصغار لشراء الحوائج، واطردت فيه العادة في سائر البلاد، وقد تدعو الضررة إلى ذلك ... فينبغي إلحاق ذلك بالمعاطاة إذا كان الحكم دائرًا مع العرف .. مع أن المعتبر في ذلك التراضي. وقد كانت المغيبَات يبعثن الجواري والغلمان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لشراء الحوائج فلا يُنكره وكذا في زمن غيره من السلف والخلف. أقول: هذا في الأمور التافهة: كخبز ولحم وأدم وغير ذلك، أما في الأمور التي لها قيمة وثمن لا بدَّ لها من عقد صحيح مع رشد وبلوغ في البائع والمشتري. اهـ.

وأما العين التي اشتراها، فإن أوصلها (¬1) إلى البائع، فإن تلفت في يد الصبي، أو أتلفها الصبي فلا ضمان على الصبي، لا في الحال، ولا بعد بلوغه؛ لأن البائع مفرِّط بتسليمه (¬2) إليه، ومسلِّط له على الإِتلاف، هذا إذا كان البائع رشيدًا، فإن اشترى الصبي من صبي، أو من سفيه وتقابضا، فإن أتلف كل واحدٍ منهما ما قبضه نُظر، إن جرى ذلك بإذن الوليين فالضمان على الوليين، وإلا فلا ضمان عليهما. ويجب الضمان في مال الصبيين؛ لأن تسليمَهما لا يعد تضييعًا وتسليطًا، بخلاف الرشيد. وأما البالغ المحجور عليه بالسفه فهو كالصبي في كل ما ذكرناه. ولو تزوج هذا السفيه بغير إِذن الولي، ووطىء فالنكاح فاسد، ولا يلزمه مهر، لا في الحال، ولا بعد فك الحجر عنه، هذا إِذا كانت الزوجة رشيدةً؛ لأنها سلَّطته على إِتلاف بُضعها (¬3) كما ذكرناه في البائع، وإن كانت صبيَّة محجورًا عليها بالسفه وجب مهر المثل في مال الواطىء؛ لأنه لا يصح بذلُها وتسليطها كما قلنا في الصبي البائع، والله أعلم. 5 - مسألة: بيع الفقاع حرام أو مكروه؟. الجواب: هو حلال لا كراهة فيه (¬4). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": فإن أوصلها الولي لزمه إلى البائع. (¬2) نسخة "أ": بتسليمها. (¬3) البضعة: بالفتح القطعة من اللحم والجمع البضع، مثل تمرة وتمر. اهـ. مختار. وفي الحديث: "فاطمة بضعة مني". "وبُضع" بضم الباء. ففيه تُستأمر المرأة في إبضاعهن، يقال: أَبْضَعْتُ الْمَرأَةَ إبْضَاعًَا إذا زَوَّجْتُها. والاستبضاع نوع من نكاح الجاهلية، وهو استفعال من البضع وهو الجماع وذلك أن تطلب المرأة جماع الرجل لتنال منه الولد فقط. (¬4) وقد تقدم قريبًا في هذا الباب عند المسألة الثالثة، الحديث عن الفقاع ومعناه اللغوي والاصطلاحي.

6 - مسألة: إِذا كان له عبد، فباع السيد العبدَ نفْسه هل يصح؟ ولمن يكون الولاء؟. الجواب: يصح البيع وَيعْتِق العبدُ بذلك، ويثبت عليه الوَلاء للبائع (¬1). 7 - مسألة: هل يجوز بيع الترياقِ، وشراباتِ الحيَّات أم لا؟ ولو اصطاد الحَوَّاء (¬2) حيةً، وحبسها معه على عادتهم، فلسعته ومات، هل يأثم؟ وإِن انفلتت وأتلفت شيئًا هل يضمن؟. الجواب: إِن كان الترياق والشرابات طاهرين جاز بيعهما وإِلا فلا. ¬

_ (¬1) الولاء: بالمد وفتح الواو، وهو: مشتق من الموالاة، وهي المعاونة، فكأن العبد أحدُ أقارب المعْتِق. وهو في الشرع: عصوبة متراخية من عصوبة النسب تقتضي للمعتق الإرثَ والعقلَ، وولاية أمر النكاح، والصلاة عليه، وعصبته الذكور من بعده. والولاء: من حقوق العتق، وحكمِّه: حكمه التعصيب عند عدمه، وينتقل من المعْتِق إلى الذكور من عصبته كما مر. والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "الولاء لمن أعتق". رواه الشيخان. وفي رواية: "الولاء لمن وُلِّيَ النعمة". وقوله عليه الصلاة والسلام: "الولاء لحمة كَلُحْمَةِ النسب لا يباع ولا يوهب، ولا يورث". ولا يرث النساء بالولاء إلا من أعتقن لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ" او أَعتَقَنَ مَنْ أَعْتَقَنَ. فإن ماتت المرأة المعتقة، انتقل حقها من الولاء إلى أقرب الناس إليها من العصبات. اهـ. باختصار. انظر كفاية الأخيار 2/ 177. كتبه محمد. (¬2) من صيغ النسب: فعّال في الحِرَف كحَداد وبقّال، ومنه الحَواء جامع الحَيَّات. اهـ.

وإِن اصطاد الحيةَ ليرغب (¬1) الناس في اعتماد معرفته، وهو حاذق في صنعته، ويسلم منها في ظنه، ولسعته لم يأثم، وإِذا انفلتت وأتلفت لم يضمن. 8 - مسألة: هل يجوز بيع الأرْزِ في قشره والسلَم فيه كذلك؟ وهل فيه خلاف؟. الجواب: الصحيح جوازهما (¬2). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": ليرعب. (¬2) قال في كفاية الأخيار 1/ 153: ولا يجوز بيع الغرر. والأصل في ذلك أنه عليه الصلاة والسلام: "نهى عن بيع الغرر". رواه مسلم. والغرر: ما انطوى عنا عاقبته. ثم الغرر تحته صور لا تكاد تنحصر: فنذكر نبذة منها لتعرف بها غيرها. فمن ذلك: 1 - بيع البعير الناد. 2 - وكذا الجاموس المتوحش. 3 - والعبد المنقطع الخبر. 4 - والسمك في الماء الكثير. 5 - وكبيع الثمرة التي لم تخلق. 6 - والزرع في سنبله. 7 - وكذا بيع اللحم قبل سلخ الجلد. 8 - وكذا بيع القطن في جوزه باطل وإن كان بعد التشقق في جوزه وإن كان على الأرض. أقول: هذا هو المذهب المختار الذي عليه الفتوى وينزل الحديث عليه، لأن الغرر ظاهر، والجهالة في المبيع أشد ظهورًا. ولكن نقل السبكي عن صاحب التتمة، وأقره أنه لو باع القطن بعد تشققه صح وهو ما يقتضيه ما نقله في الروضة في بيع أصول القطن عن صاحب التهذيب، وإن لم يكن =

قول الغزالي في الفتاوى

9 - مسألة: إِذا خلط الزيت بالشَّيرَج، أو دقيقُ حِنطةٍ بدقيق شعير، أو سمن البقر بسمن الغنم، ونحو ذلك، وباعه على أنه من النوع الجيد أو الرديء هل يحرم؟. الجواب: يحرم كل ما كان غشًا من ذلك وغيره (¬1). قول الغزالي في الفتاوى 10 - مسألة: لو باع شيئًا ومات البائع، فظهر أن المبيع كان مِلْكًا لابن الميت، فقال المشتري: باعها عليك أبوك في صغرك للحاجة، وصدقه الابن أن الأب باعها في صغره أو قامت بينة بذلك، لكن قال الابن: باعها لنفسه متعديًا ولم يبعْها لحاجتي. قال الغزالي في الفتاوى: القول قول المشتري بيمينه (¬2)، لأن الأب نائب الشرع فلا يُتَّهم إِلا بحجة، كما لو قال المشتري: اشتريت ¬

_ = تشقق وإن انعقد القطن فباعه على شرط التبقية لم يصح، فإن انعقد القطن ولم يتشقق فحكمه حكم الحنطة في السنبل والله أعلم. أقول: والسلم: عقد غرر جوز للحاجة، وهو: أدق غررًا من البيع فينبغي الرجوع به إلى أهل العلم والفقه. وأحكام السلم ستأتي معك إن شاء الله مفصلة وموضحة فترقبها ومع ذلك لا بد من الرجوع إلى أهل العلم لأنها دقيقة ما ذكرت لك. كتبه محمد. (¬1) روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأدْخَلَ يَدَهُ فيها فَنَالَتْ أصَابعُه بللًا فقال: ما هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعامِ؟ قال: أصَابَتْهُ السَّماءُ يا رَسُولَ اللهِ. قال: أَفَلَا جَعَلْتَه فَوْقَ الطعَامِ حَتَى يَراهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَنَا فَلَيْسَ مِنّا". فالنصح في المعاملة وإظهار العيب في المبيع من صفات المؤمنين. وستر العيب وإخفاؤه حرام قد حرمه الإسلام ولم يُقرَّ في دين من الأديان. اهـ. محمد. (¬2) نسخة "أ": مع يمينه.

جهالة البائع في ملكه المبيع

من وكيلك. فقال: هو وكيلي؛ ولكن باع لنفسه، فالقول قول المشتري بيمينه، والله أعلم (¬1). جهالة البائع في ملكه المبيع 11 - مسألة: رجل خلف دارًا وله ابن بالغ رشيد وأولاد صغار، فأذن الحاكم للبالغ في بيع نصيب إِخوته، فباع نصيبه ونصيبهم، ثم ثبت بينة: أن الدار كانت مِلكًا للبائع البالغ بكمالها، لا حقَّ لِإخوته الصغار فيها، وإن جده كان ملَّكها له وقَبِلها له أبوه في حال صغر البائع، وخفي ذلك التمليك على البائع، فهل يصح البيع في جميع الدار أو في بعضها؟. الجواب: يصح بيعه في جميع الدار -والحالة هذه-؛ لأنه صادف ملكَه ولا تضر جهالته بكونها مِلكَه: كمن باع مال مورثه (¬2) يظن ¬

_ (¬1) أقول: تجوز الوكالة بالبيع مطلقًا، وكذا الشراء فليس للوكيل بالبغ مطلقًا أن يبيع بدون ثمن المثل، ولا بغير نقدٍ حال، ولا بغبن فاحش، ولا يجوز أن يبيع لنفسه، وكذا ليس له أن يبيع لولده الصغير، لأن العرف يقتضي ذلك. ولو باع لأبيه أو ابنه البالغ فهل يجوز وجهان: أحدهما: لا، خشية الميل. والأصح: الصحة، لأنه لا يبيع منهما إلا بالثمن الذي لو باعه لأجنبي لصح فلا محذور. قال ابن الرفعة: ومحل المنع في بيعه لنفسه فيما إذا لم ينص على ذلك أما إذا نص له على البيع من نفسه، وقَدر الثمن، ونهاه عن الزيادة فإنه يصح البيع. واتحاد الموجب والقابل إنما يمنع لأجل التهمة، بدليل الجواز في حق الأب والجد. اهـ. باختصار من كفاية الأخيار 1/ 177. فالمصنف رحمه الله تعالى لم يتعرض في كتابه للوكالة فذكرت للقارىء موجزها ليطمح إلى مفصلها. (¬2) نسخة "أ": وهو يظن.

حياته فبان ميتًا، وأنه انتقل إِليه، فإنه يصح بيعه على الأصح عند أصحابنا، وكذا (¬1) يصح على الأصح في الجميع، والله أعلم (¬2). 12 - مسألة: باع دارًا فظهر أن رُبُعَها كان مستحقًا لغير البائع؟. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": وكذا هذا. (¬2) وشُرِطَ في معقود عليه خمسةٌ: الأول: ملك للعاقد. الثاني: طهره. الثالث: رؤيته. الرابع: القدرة على تسليمه. الخامس: أن يكون منتفعًا به شرعًا ولو في المآل. ثم تحدث على الشرط الأول من شروط الصحة الذي سئل الإمام النووي رحمه الله تعالى عنه فقال: فمن شروط صحة المعقود عليه بأن لم يكن ربويًا ملك للعاقد بأن يكون له السلطنة التامة على المعقود عليه: بملك أو وكالة، أو ولاية. فلا يصح بيعُ فضولي -هو من ليس مالكًا، ولا وليًا- وإنما لم يصح. لحديث: "لا بيع إلا فيما يملك". رواه أبو داود وغيره. وعدم صحة البيع هو القول الجديد، والقول القديم يقول: أنه يوقف، فإن أجاز مالكه نفذ وإلا فلا. ومثل البيع سائر تصرفاته القابلة للنيابة، كما لو زوج أمةَ غيره، أو ابنته، أو أعتق عبدَه، أو آجره ونحو ذلك، كل هذا دخل تحت قول الشارح: فلا يصح بيع فضولي. وقال صاحب الحاشية: -ولو قال الشارح- ولا يصح تصرف فضولي لشمل ذلك كلِّه. ثم قال: ويصح بيع مال غيره ظاهرًا، إن بان بعد البيع أنه له؛ بل المدار على كونه له عليه ولاية؛ كان باع مال مورثه ظانًا حياته فبان ميتًا حينئذٍ لتبين أنه ملكه، ولا أثر لظن خطأٍ بان صحتُه لأن الاعتبار في العقود بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف. وهذه قاعدة فقهية تشمل جميع المعاملات في العقود، فقد يظن المكلف أمرًا والواقع خلافه، ويعتقد شيئًا والحقيقة تناقضه فنرجع لهذه القاعدة. اهـ. بتصرف من إعانة الطالبين 3/ 8.

ثواب الغراس ولمن يكون ومتى ينتهي؟

الجواب: يصح في ثلاثة أرباعها بثلاثة أرباع الثمن (¬1). ثواب الغراس ولمن يكون ومتى ينتهي؟ 13 - مسألة: فيمن غرس غرسًا فمات وصار لورثته فلمن ثوابه؟. وما أخذ من ثمر هذا الغِراس ظلمًا في حياة الغارس هل الأفضل له إِبراء الآخذ أم تركه في ذمته؟. وإِذا لم يُبرئْه وارثه، ولم يستوفِ ويبقى في ذمة الآخذ إِلى يوم القيامة فهل يطالبه يوم القيامة بذلك الغارسُ أم الوارث؟. الجواب: للغارس ثوابٌ مستمر من حين غَرَسَ إِلى فَناء المغروس، وللوارث ثواب ما أكل من ثمره في مدة استحقاقه من غير معارضة. وما أخذ من ثمره، فإِبراؤه عنه أفضل من تركه في الذمة وإِذا لم يبرىء فلكل واحد من الميت والوارث ثوابُ كل ما أُخِذَ حتى مطل الآخذ في مدة استحقاقه. وأما المطالبة بأصل المأخوذ يومَ القيامة فللمغصوب منه أولًا على الأصح، وقيل: للوارث الأخير من المتوارثين بطنًا بعد بطن، ولا يختص هذا بالغراس، بل كل دَيْنٍ تعذر أخذُه فهذا حكمه، والله أعلم. ومما يستدل به لأصل هذه المسألة من السنة حديثُ جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) كذلك نعود للقاعدة السابقة التي ذكرناها لأنه باعها كلها ظانًا أنها ملك له فبان أن ربعها لغيره، فالعبرة بما في نفس الأمر، فننجز البيع في ثلاثة أرباعها. ونوقفه فيما تبقى. اهـ. محمد.

"مَا من مُسْلمٍ يَغْرسُ غَرْسًا إِلا كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقةٌ ومَا سُرِقَ مِنْهُ لهُ صَدَقةٌ". رواه مسلم. وفي رواية لمسلم: "فَلا يَغْرِسُ المُسلمُ غَرسًا فَيأكلَ منه إِنسَانٌ، ولا طَيرٌ، وَلا دَابَّةٌ إِلا كانَ لهُ صَدَقةٌ إِلى يَوْمِ القيامَة". وفي رواية لمسلم أيضًا: "فَلا يَغْرِسُ مُسْلم غَرْسًا، وَلا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيأكُلُ مِنْهُ إِنْسانٌ وَلا شَيء إِلا كانت له صَدَقةٌ". رواه البخاري ومسلم جميعًا من رواية أنس رضي الله تعالى عنه. 14 - مسألة: باع شجرة معينة من بستانه لِإنسان، فيبست تلك الشجرة، أو قلعها هو أو غيرُه هل للمشتري أن يغرس موضعها غيرَها؟. الجواب: ليس له ذلك، ولا يدخل الغرس في البيع، هذا هو الأصح في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى والله أعلم. 15 - مسألة: رجل باِعَ مقثأة، وأخذ المشتري جميع القُثَّاء في مدته، وفرغت ولم يبقَ فيها قُثَّاءُ، ولا يخرج منها شيء وتنازع البائع والمشتري في أصول القثاءِ، فطلب كل واحد منهما أن ترعاها دوابه فلمن تكون؟. الجواب (¬1): هي للبائع، وكذا أفتى الجماعة، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) لقد أحببت أن أضيف هذه المسألة لهذا الباب لكثرة وقوعها وعموم البلوى فيها. وهي: مسألة الاستجرار لقد ذكر العلامة ابن عابدين رحمه الله في حاشيته 4/ 16. فقال: ما يستجره الإنسان من البياع، إذا حاسبه على أثمانه بعد استهلاكه جاز استحسانًا. اهـ. وهذه رخصة عظيمة -والحمد لله- وإلا وقعنا في حرج.

الخيار

الخيار (¬1) 16 - مسألة: رجل اشترى بستانًا في قرية فألزمه المتولي أن يصير فلاحًا بسبب البستان، هل له الخيار في فسخ البيع؟. الجواب: إِن كان ذلك البستان معروفًا بمثل ذلك فله الخيار، وإِلَّا فلا. وقد ذكر الغزالي والأصحاب: أنه لو اشترى دارًا فكانت معروفةً ¬

_ (¬1) الأصل في البيع اللزوم إلا أن الشارع أثبت فيه الخيار، وهو: طلب خير الأمرين: من إمضاء البيع، أو فسخه رفقًا بالمتعاقدين. والدليل عليه: قوله عليه الصلاة والسلام: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا". وهو ثلاثة أقسام: 1 - الأول: خيار المجلس وهو ثابت في كل بيع ويسقط باختيار لزومه من كل منهما، أو من أحدهما كأن يقول: ألزمت البيع أي: جعلته لازمًا، وبفرقة بدنٍ عرفًا وطوعًا، ولو ناسيًا أو جاهلًا. 2 - والثاني: خيار الشرط، ويثبت في كل ما فيه خيار المجلس؛ إلا ما شرط فيه القبض، وهو الربوي، والسلم، وما يسرع إليه الفساد. وأكثرُ مدته ثلاثة أيام من حين الشرط فإن زاد عليه في عقد واحد لم يصح العقد. 3 - والثالث: خيار العيب، ويثبت بظهور عيب قديم تنقص به القيمة، أو العين نقصًا يفوت به غرض صحيح، وغلب في جنس المبيع عدمه: كاستحاضة، وسرقة، وزنا، وبول بفراش، وجماح دابة، ويثبت فور إعادة. فيبطل بالتأخير بلا عذر. ويعذر في التأخير بجهل جواز الرد بالعيب إن قرب عهده بالإسلام، أو نشأ بعيدًا عن العلماء. اهـ. من تنوير القلوب باختصار.

بنزول الجند فله الخيار؟ لأن الخيار يثبت بكل ما نقص العين، أو القيمة، أو الرغبة. 17 - مسألة: إِذا اشترى شيئًا، ورأى فيه عيبًا، ورضي به، ثم قال: هذا العيب إنما رضيت به، لأني أعتقد به العيبَ الفلانيَّ وقد بان خلافهُ هل له الرد بالعيب؟. الجواب: إِن أمكن اشتباه ذلك العيب بما ادعاه وكان العيب الذي بان دونَ ما رضي به أو مثلَه فلا رد، وإِن كان أعظم منه ضررًا فله رده. 18 - مسألة: لو اشترى شيئًا، رأى فيه شيئًا، ثم بعد ذلك ظهر أن ذلك الشيء كان عيبًا فقال المشتري: أنا ظننت أنه أثر ليس بعيب؟. الجواب: إِن كان ذلك مما قد يخفى على مثله صدق المشتري بيمينه. 19 - مسألة: لو اشترى عبدًا فوجده غير مختونٍ، أو أمةً فوجدها غير مختونة؟. الجواب: قال أصحابنا: لا خيارَ له في الأمة، ولا في العبد إن كان صغيرًا، فإن كان كبيرًا يُخاف عليه من الختان كان عيبًا على الصحيح وله الرد (¬1). ¬

_ (¬1) أحكام عامة قريبة من هذا: * ثبت خيار الشرط بالسنة والإجماع، بشرط ألا يزيد على ثلاثة أيام. فإن زاد بطل البيع. روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رجلًا يشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يزال يُغبن في البيع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بايعت فقل: لا خِلابةَ، ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليالٍ". =

الاحتكار

الاحتكار 20 - مسألة: هل يدخل الاحتكار في الصوف، والمزروع، والمعدود، ونحوها؟. أجاب رضي الله عنه: لا يدخل ذلك في الاحتكار، والله أعلم. ¬

_ = * ولو شُرِطَ الخيارُ لأحدهما صح، وكذا الأجنبي في أظهر القولين، لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، لكونه أعرف بالمعقود عليه. * واذا خرج بالمبيع عيب فللمشتري رده، إذا ظهر بالمبيع عيب قديم جاز له الرد سواء كان العيب موجودًا وقت العقد، أو حدث بعد العقد وقبل القبض. أما جواز الرد له بالعيب الموجود وقتَ العقد فبالإجماع. روت عائشة رضي الله تعالى عنها، أن رجلًا ابتاع غلامًا فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبًا فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرده عليه. * لو باع شخص عينًا، وشرط البراءة من العيوب، ففيه خلاف: الصحيح: أنه يبرأ من كل عيب باطن في الحيوان، لم يعلم به البائع دون غيره لأن ابن عمر رضي الله عنهما باع غلامًا بثمانمائة، وباعه بالبراءة فقال المشتري لابن عمر: بالعبد داء لم تسمّه لي، فاختصما إلى عثمان رضي الله تعالى عنه، فقضى عثمان على ابن عمر أنه يحلف، لقد باعه العبدَ وما به دآءٌ يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف، وارتجع العبدَ فباعه بألف وخمسمائة، فدل قضاء عثمان أنه يبرأ من عيب الحيوان الذي لم يعلم به. والفرق بين الحيوان وغيره ما قاله الشافعي: أن الحيوان يأكل في حالتي صحته وسقمه، وتتبدل أحواله سريعًا، فقل أن ينفك عن عيب خفي أو ظاهر، فيحتاج البائع إلى هذا الشرط ليثق بلزوم العقد. والفرق بين الظاهر، والباطن، أن الظاهر يسهل الاطلاع عليه، وُيعلم في الغالب، فأعطيناه حكم المعلوم، وإن كان قد يخفى على ندور، فيرجع الأمر إلى أنه لا يبرأ عن غير الباطن في الحيوان، ولا عن غيره من غير الحيوان مطلقًا؛ سواء كان ظاهرًا أو باطنًا. سواء في ذلك الثياب والعقار ونحوهما. اهـ. باختصار 1/ 155. من كتاب كفاية الأخيار. كتبه محمد. فأبعدني الله من الأشرار، وألحقني بالأخيار.

21 - مسألة: إِذا دخل عليه غلة من ملكه فتربص بها الغلاء للمسلمين وامتنع من بيعها وقتَ الرخص هل يكون ذلك احتكارًا ويفسق بفعله ذلك وهل حرام؟. أجاب رضي الله عنه: ليس هذا باحتكار ولا يحرم ولا يفسق به، وإِنما الاحتكار أن يشتريَ القوت في وقت الغلاء، وَيمتنعَ من بيعه في الحال لانتظار زيادة الغلاء، وإذا اشترى في وقت الرخاء وانتظر به الغلاء لا يكون ذلك احتكارًا، ولا يفسق به -أيضًا- ولا تُرد شهادتُه والله أعلم. "كتبته عنه" (¬1). ¬

_ (¬1) وقد جاءت الآثار النبوية محرمة الاحتكار تحريمًا شديدًا ومهددة كل من احتكر بالدمار والهلاك. فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِىءَ اللهُ مِنْهُ". وفي رواية لمسلم: "مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا فَهُوَ خَاطِىءٌ". وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ والْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ". رواه ابن ماجه والحاكم. وعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بِئسَ الْعَبْدُ الْمُحْتَكِرُ، إِنْ أرْخَصَ اللهُ الأسْعَارَ حَزِنَ، وَإِنْ أغْلَاها فَرِحَ". وفي رواية: "إِنْ سَمِعَ بِرُخْصٍ سَاءَهُ، وَإِنْ سَمِعَ بِغَلاءٍ فَرِحَ". ذكره زيد في جامعه. وقال الإمام الغزالي: فبائع الطعام يدخر الطعام ينتظر به غلاء الأسعار. والاحتكار ظلم وصاحبه مذموم في الشرع، واعلم أن النهي مطلق ويتعلق النظر به في الوقت والجنس: أما الجنس فيطرد النهي في أجناس الأقوات، أما ما ليس بقوت، ولا هو معين على القوت كالأدوية والعقاقير والزعفران وأمثاله فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعومًا، وأما ما يعين على القوت كاللحم والفواكه فهذا في محل نظر. وأما الوقت فيحتمل طرد النهي في جميع الأوقات، ويحتمل أن يخصص بوقت قلة الأطعمة وحاجة الناس إليه حتى يكون في تأخير بيعه ضرر ما. اهـ. كتبه محمد.

السلم: صيغته، شروطه، حكمه

السلم (¬1): صيغته، شروطه، حكمه 22 - مسألة: ما الصيغة التي يذكرها من أسلم في حنطة أو شعير أو نحوهما؟. ¬

_ (¬1) السلم جائز: في المكيلات، والموزونات، والمعدودات التي لا تتفاوت، وفي المزروعات، ولا يجوز في الحيوان، ولا في أطرافه. ولو انقطع بعد الاستحقاق خُيّرَ ربُّ السلم بين انتظار وجوده والفسخ. وهو بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السلم أو السلف ولا يصح السلم إلا بشروط: 1 - جنسٍ معلوم. 2 - نوعٍ معلوم. 3 - وصيغةٍ معلومة. 4 - ومقدارٍ معلوم. 5 - وأجلٍ معلوم. 6 - وتسمية المكان إن كان لحمله مؤنة. 7 - وقبض رأس المال في مجلس العقد. والدليل عليه الإجماع وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة البقرة: الآية 282. قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في السلم. وقوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أسْلَفَ في شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ". رواه الشيخان. فالسلم من البيوع المأذون بها ولكن له شروطًا متى اختل شرط منها بطل العقد، وذلك لأنه ورد على خلاف القياس المعهود في البيوع، فيراعى فيه ما امتاز به من بين بقية البيوع. ولما كان هذا البيع من البيوع الدقيقة مع احتياج الناس إليه، وإقدام كثير من الجهلة عليه بدون علم. وقد نهى سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الإنسان ما ليس عنده ورخص في السَلَم. أحببت أن أذكر موجز الشروط: لتكون على بينة من أمر دينك فأقول: أولًا: يشترط لصحة عقد السلم، بيان جنس المبيع كحنطة مثلًا، وبيان نوعه كشرقية، وبيان صفته كجيدة، وبيان مقداره بالموازين المختلفة باختلاف الأزمان، وبيان مقدار رأس المال. ثانيًا: يشترط بيان التسليم من حيث اليوم، والأسبوع، والشهر، والسنة، وأقل أجل في السلم شهر. ثالثًا: يشترط بيانُ مكان التسليم، إن كان المبيع مما يُحمل حتى لا يقع تنازعٌ بينهما. رابعًا: ويشترط أن يكون جنس المبيع موجودًا في الأسواق بنوعه، وصفته، من وقت العقد إلى وقت التسليم. خامسًا: ويشترط ألا يذكر في العقد تعيين الجهة بأن يكون القمح من قرية كذا أو كذا، لأنها قد تصاب بآفة فلا تثمر شيئًا. سادسًا: تسليم رأس المال في مجلس العقد، فلو سلم البعض وأخر البعض فسد العقد. سابعًا: ويشترط في السلم أن يكون منضبطًا مقدارُه، ومع ذلك ينبغي لمن أراد هذا البيع أن يسأل أهل الذكر والفقه. فكثير من عقود السلم في مثل هذا الزمن الذي =

الجواب: مثاله أن يقول: أسلمت الدراهمَ في غرارة (¬1) قمح من الجولان (¬2) الجيد الجديد الأصفر لتسلمها إِليَّ في الموضع الفلاني ويجوز أن يقول أسلفتك بدل أسلمت إِليك. 23 - مسألة: رجل أقرَّ أنَّ في ذمته شرباتٍ معدودةٍ من هذا المسمى استادرود (¬3)؟. الجواب: لا يصح الِإقرار لأن هذين الجنسين لا يتصور ثبوتُه في الذمة (¬4)، لأنه إِن أتلفه على غيره فالواجب قيمته لا مثله؛ لأنه ليس مثليًا وإِن أسلم فيه لم يصح السلم لعلتين: 1 - إحداهما: كونه مختَلف الأعلى والأسفل. 2 - والثاني: كونه يجمع جنسين مختلفين فإنه مركب من نحاس ورصاص، والله أعلم. 24 - مسألة: إِذا كان له دين على غيره: قرضٌ أو غيره فأهدى الذي عليه الدين هديةً إِلى صاحب الدين جاز له قبولُها ولا كراهة في ذلك: سواء أكان دين قرض أو غيره. هذا مذهبنا، ومذهبُ ابنِ عباس -رضي الله تعالى عنهما- وآخرين (¬5). * * * ¬

_ = ارتفع فيه العلم، واستحكم الجهل، فلا تجتمع فيها الشروط فهي باطلة غير صحيحة. فحذارِ ثم حذارِ من المغامرة وعدم التثبت في أمر السَلم. اهـ. من مصادرَ مختلفة. وإنما ذكرت هذه الشروط. وبسطت موضوعه لدقته واحتياج الناس إليه، وخطره في المجتمع. اهـ. محمد. (¬1) الغِرارة: بالكسرة واحدة غرائر التبن. اهـ. مختار. (¬2) الجَوْلان: بسكون الواو جبل بالشام. اهـ. مختار. (¬3) وفي مخطوطة "أ": أسادروذ. (¬4) وفي مخطوطة "أ": في ذمته. (¬5) هذا إن لم توجد قرينة بأن صاحب الدين وهو ربُّ المال لا يعطي إلا بفائدة ولو =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ضمنية، وإلا حرم الأخذ والإعطاء، لأن المعروف كالمشروط. اهـ. قال ابن عابدين في حاشيته 4/ 242: كل قرض جر نفعًا فهو حرام، أي إذا كان مشروطًا، وإن لم يكن مشروطًا في القرض لا بأس به، ومثله فيما لو أهدى المستقرض للمقرض إن كانت الهدية بشرط كره وإلا فلا. أقول: ففيه فرق بين المذهبين فانتبه. كتبه محمد.

باب في الحجر وفيه ثلاث مسائل

باب في الْحَجْرِ (¬1) وفيه ثَلاثُ مسائلَ 1 - مسألة: إذا حُجِرَ على المفلس، وقسمت أموالُه، وبقي عليه شيء من الديون، لم يلزمه أن يكتسب بصنعته لوفاء الدين، ولا أن يؤجِّر نفسه. والأصح عند أصحابنا: وجوبُ إِجارة أم ولده وأرضه الموقوفة عليه، إِذ لا ضرر عليه في ذلك. وعلى أصحاب الدينِ الضرر في ترك ذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ضرَرَ وَلا ضِرَارَ"، والله أعلم. 2 - مسألة: إِذا ثبت على إِنسان دينٌ حالٌّ، وله مال من عقار أو غيره، فأمره الحاكم ببيعه فلم يجد راغبًا يشتريه بثمن مثله في ذلك الوقت لم يُجبر على بيعه بدون ثمن مثله بلا خلاف؛ بل يصبر حتى يوجد من يشتريه بثمن مثله. قال أصحابنا: وهكذا لو أُسْلِم عبدٌ لكافر وأمرناه بإزالة مُلْكه عنه فلم يوجد من يشتريه بثمن مثله في الحال، يمهل حتى يوجد؛ لكن تُزال يده عنه وُيسْتَكتب (¬2). ¬

_ (¬1) هو المنع من تصرفات خاصة بأسباب خاصة. والحجر نوعان: 1 - نوع شرع لمصلحة المحجور عليه كالصبي، والمجنون، والسفيه، فإنه لحفظ مالهم. 2 - ونوع شرع لمصلحة غيره كالحجر على المفلس فإنه لمصلحة الغرماء وهم أرباب الديون. اهـ. (¬2) لأن الله تعالى لم يجعل للكافر على المؤمن سبيلًا لإهانته واستغلاله، فيؤمر العبد المسلم بالتكسب ليشتري نفسه فيعتقها مع كف يد الكافر عنه. اهـ. محمد.

3 - مسألة: اشترى جارية فأحبلها، ثم حُجِر عليه قبل أداء الدين، هل للبائع الرجوعُ في الجارية دون الولد؟. الجواب: له ذلك. * * *

باب تابع لما قبله وفيه خمس مسائل

باب تابعٌ لما قبله وفيه خَمْسُ مسائلَ ضرب الولد وتأديبه 1 - مسألة: هل له استخدام ولده وله ضربه على ذلك؟. الجواب: يجوز له ذلك فيما فيه تأديب الصبي، وتدريبُه، وحسن تربيته ونحو ذلك (¬1). ¬

_ (¬1) أقول: إن أصدق الأصدقاء الأبوان، وإن أخلص المخلصين الوالدان، وليس أحد يؤثرك على نفسه سواهما. فهما الحريصان كل الحرص على سعادة الولد، فيكدحان في هذه الحياة في سبيل راحته، لِما يحملان بين جوانحهما من حب عميق لا يصفه واصف، ورحم الله القائل: وانما أولادنا بيننا ... أكبادُنا تمشي على الأرض لو هبت الريحُ على بعضهم ... لا متنعتْ عيني من الغُمْضِ فهما لا يقسوان إلا لمصلحة، ولا يزجران إلا لفائدة: فلا يُتهمان أبدًا في مجال التأديب. فإفتاء المؤلف رحمه الله بجواز الضرب والخدمة من هذا القبيل؛ ولكن المصلحة تتفاوت على حسب الولد سنًا، وعلمًا، ومنزلة: فمنهم مَنْ تكفيه الإشارة، ومنهم من تكفيه العبارة، ومنهم من لا يأتي إلا بالعتب، ومنهم من لا ينزجر إلا بالعصا والتوبيخ. وصدق مَنْ قال: العبد يُقرعُ بالعصا ... والحر تكفيه المقالة وقال آخر: تكفي اللبيبَ إشارةٌ مرموزةٌ ... وسواه يُدعى في النداء العالي =

السفر في مال اليتيم

السفر في مال اليتيم 2 - مسألة: هل يجوز للولي المسافرة بمال اليتيم والسفيه في البحر بنفسه أو مع العامل؟ وهل في المسألة نقل لأصحاب الشافعي أم لا؟ والمسئول بيانه واضحًا مضافًا إِلى قائليه (¬1)؟. الجواب: قال إِمام الحرمين: في "النهاية" في "أول" باب تجارة الوصي بمال اليتيم: أما المسافرة بمال اليتيم في البحر، فإن كان معطبةً فلا سبيل إِليه ولا يجوز، وإن لم يكن كذلك -وكان يركبه التجار في تجاراتهم وقد يقال: الأمْنُ غالب فيه- فقد قطع معظمُ الأصحاب بالمنع من المسافرة فيه بمال اليتيم بخلاف البر فإنَ غِرَرَ أسْلَمِ البحار لا ينقص عن خطر البر مع الخوف. وقال بعض الأئمة: إِن لم نوجب ركوب البحر للحج لم يجز المسافرة بمال الأطفال فيه، وإن أوجبناه جاز؛ لأننا نزلناه منزلة البر، قال: وقد صح أن عائشة رضي الله عنها أبضعت مالَ محمدِ بن أبي بكر في البحر. ومن منع ذلك تعب في تأويله، وأقرب التأويل أنها أمرت بذلك والممر (¬2) على الساحل بحيث لا يتوقع غَرر من جهة البحر؛ لأنه كالبر وقيل: لعلها فعلت ذلك بشرط الضمان. قال الإمام: وهذا بعيد؛ لأن ما لا يُضْمنُ فالإِقدام عليه ممنوع. قال: والأولى أن يقال: رأتْ ذلك مذهبًا، والمسألة مظنونة منقولة، هذا ¬

_ = وسواهما بالزجر من قَبْلِ العصا ... ثم العصا هي رابعُ الأحوال اهـ. (¬1) وله السفر به في طريق آمن لمقصد آمن برًا لا بحرًا، فله أن يسافر في البر لا في البحر، وإن غلبت السلامة فيه؛ لأنه مظنة عدمها. وقال في التحفة: نعم، إن كان الخوف في السفر ولو بحرًا أقل منه في البر ولم يجد من يقترضه سافر به. اهـ. (¬2) نسخة "أ": على أن يكون الممر.

ولي السفيه في زواجه

آخر كلام الإِمام "وحاصله" أن الذي يُفتى به المنعُ من المسافرة بمال المُتوَلَّى عليه يتيمًا كان، أو سفيهًا، أو مجنونًا، أو ولدًا صغيرًا، ووليه أبوه فالجميع لا يجوز. وجزم القاضي حسين في الباب المذكور في تعليقه بتحريم السفر بمال المذكورين السابقين قال القاضي: ولا ينعزل الولي بهذا القدر من التعدي كما لا تُرد شهادةُ الشاهد بكل فسق، والله تعالى أعلم. ولي السفيه في زواجه 3 - مسألة: إِذا كان محجورًا عليه بالسفه فمن وليه الذي يزوجه أو يأذن له بالتزوج (¬1)؟ هل يستقل الولي بتزويجه أم لا بد من إِذن السفيه؟. الجواب: إِذا كان بلغ رشيدًا، ثم طرأ السفه، فنكاحه متعلق بالقاضي. وإن بلغ سفيهًا؛ فإِن كان له أب، أو جد، فالتزويج: إِليه وإِلا فلا يجوز له أن يزوجه إِلا القاضي، أو من فوض إِليه القاضي تزويجه. وإن استقل السفيه بالتزوج، من غير إِذن الولي، فنكاحه: باطل. فإن وطىء، فلا مهر إن كانت الموطوءة رشيدة، وإِلا فيجب مهر المثل. وإِن زوجه الولي من غير إِذنه، فالأصح: بطلان النكاح، وإن استأذن الأب، أو الجدَ، فمنعه فينبغي أن يرفع أمره إِلى القاضي فيزوجه حينئذٍ. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": في التزويج.

المال المشترك بين الوصي والأيتام

ومتى أذن له الولي في أن يتزوج صح إِذنه، سواء عيَّن المرأةَ، أو قبيلتها أم لا. فإن تزوج بأكثر من مهر المثل، وجب مهر المثل، والله أعلم. المال المشترك بين الوصي والأيتام 4 - مسألة: رجل وصي على أيتام، وله أولاد وعيالٌ، وله ولهم مِلك مشترَك، ويأكلون كلَّهم جميعًا، ويُضيف الوصيُّ بعضَ الأوقات، ناسًا من ذلك الطعام المشترك بينه وبين الأيتام، هل يجوز له ذلك؟. الجواب: يجوز له ذلك كلّه بشرط أن لا يكون على الأيتام حَيْف في ذلك، والله أعلم (¬1). ¬

_ (¬1) أقول: يد الوصي على مال اليتيم يدُ أمانةٍ، وإن الله سائلُه عنه فلا يجوز التصرفُ بماله إسرافًا ولا تبذيرًا، وله أن يأخذ بالمعروف قدر الحاجة إن كان محتاجًا. قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} سورة الأنعام: الآية 152. وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} سورة البقرة: الآية 220. وكفى الأكل بدون حق قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} سورة النساء: الآية 10. وقوله عليه الصلاة والسلام: "اجتنبوا السبع الموبقات! ". قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما هي؟ =

صورة يستحق فيها الجد أجرة المثل

صورةٌ يستحق فيها الجد أجرةَ المثل 5 - مسألة: رجل توفي وخلف زوجة وابنًا له ثلاثُ سنين، فذهبت الزوجة إِلى أبيها، وأخذ أبوها ابن بنته، وبقي عنده يستخدمه حتى بلغ الابنُ عند جده -أبي أمه- عشرينَ سنةً ومات، على الجد أجرةُ مثله، ولم يكن وصيًا، ولا أذن له في ذلك قاض؟. الجواب: يستحق عليه أجرةُ مثله للمدة التي لم يكن فيها رشيدًا قبلَ البلوغ، وما بعده قبل الرشد، والله أعلم. * * * ¬

_ = قال: "الشِرْكُ باللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ التي حَرَّمَ اللهُ إلا بالْحَق، وَأكْلُ الرِّبا، وَأكْلُ مَالِ اليتيمِ، وَالتَّولِّي يَوْمَ الزحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمنَاتِ الغَافِلاتِ" فذكر من السبعة المبيدة أكْلَ مالِ اليتيم. فحذار ثم حذار!! إلى كل من تولى مالَ هذا القاصِر عن طريق الوصاية أو غيرِها أن يمد يده إليه بغير حق فيكون قد أكل رَضْفَ جهنم وهو لا يدري، ومعنى الموبقات: المهلكات. كتبه محمد.

باب الصلح وفيه خمس مسائل

باب الصلح (¬1) وفيه خَمْسُ مسائلَ 1 - مسألة: رجلان لأحدهما بيت، وللآخر فوقه بيت، وسقف الأسفل معلق على خشبة فاستغنى عنها وتنازعاها؟. الجواب: هي للأسفل؛ لأنها في يده حقيقةً، ولا يؤثِّر انتفاع ¬

_ (¬1) هو لغة: قطع النهل، وشرعًا: عقد يحصل به ذلك. والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "الصُلْحُ جَائِزٌ بيْنَ الْمُسْلِمينَ إلَأ صُلْحًَا أحَلَّ حَرَامًا، أوْ حَرمَ حَلَالًا". رواه ابن حبان وصححه. والصلح الذي يُحلل الحرام، كأن يُصَالِحَ على خمر. والذي يحرم الحلال، كأن يصالح على أن لا يتصرف في المصالَح به. إعلم أن الصلح: إما أن يكون عن عينٍ، وإما يكون عن دَين. فكل منهما: إما أن يجري من المدعي به على غيره، ويُسمَّى صلحَ المعاوضة، أو على بعضه: ويسمى صلحَ الحطيطة. فالأقسام أربعة أنواع: 1 - صلح بين المسلمين والكفار: وعقدوا له بابَ الهدنة، والجزية، والأمان. 2 - وصلح بين الإمام والبغاة: وعقدوا له بابَ البغاة. 3 - وصلح بين الزوجين عند الشقاق: وعقدوا له باب القَسْمِ والنشوز. 4 - وصلح في المعاملات: وعقدوا له هذا الباب. والأصل فيه قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. اهـ. سورة النساء: الآية 128.

إذا هدم حائط غيره

الأعلى بها، بخلاف السقف فإنه بينهما، لأنه لا ترجيح لأحدهما في النسبة إِليه، والله أعلم. إذا هدَمَ حَائِطَ غَيْرِه 2 - مسألة: رجل هدم حائطَ غيره هل يضمنه ببناء مثله أو بأرش (¬1) ما نقص؟ وهل للشافعي في ذلك نص أم لا؟ وهل فيه خلاف؟ وهل يُفهم من كلام التنبيه حُكم هذه المسألة أم لا؟ بينوه واضحًا. الجواب: نقل البغوي وغيرُه أن الشافعي رضي الله تعالى عنه نص أنه يلزمه بناؤه. قالوا: والقياس أنه يلزمه "أرشُ" ما نقص، ولكن المنصوص أنه يلزمه بناؤه فهو مذهب الشافعي، وعليه العمل، وبه الفتوى. وهذا الحكم: يُفْهَمُ من التنبيه في "قوله" في آخر باب الصلح. وإِن استهدم فنقضه أحدُهما، أجبر على إِعادته تصريح بأنه يلزمه بناؤه. وقوله: وقيل: هو -أيضًا- على قولين؛ ليس هو خلافًا في أنه يلزمه بناؤه أم "أرش" ما نقص وإِنما معناه، وقيل: هو أيضًا على القولين السابقين في وجوب إِجبار الشريك على العمارة، لأنه هدمه للمصلحة فهو معذور وكأنه لم يهدمه؛ بل سقط بنفسه فيكون فيه القولان: 1 - أحدهما: يلزمه بناؤه. 2 - والثاني: لا شيء عليه. فحصل أن كلامه في التنبيه صريح في بنائه، وإِن لم يذكر "أرشَ" النقص. وذكر -مثل هذا الذي في التنبيه- جمهورُ أصحاب الشافعي. ¬

_ (¬1) الأرش: الديةُ والخدشُ، وطلبُ الأرش، والرشوةُ، وما نقص العيب من الثوب؛ لأنه سبب للأرش. والخصومة بينهما أرشٌ، أي اختلاف وخصومة. وما يُدفع بين السلامة والعيب فى السلعة. اهـ. من القاموس.

وقال إِمام الحرمين -في أواخر باب ثمرة الحائط-: يُباع أصلُه إذا هدم حائط غيره عدوانًا لزمه "أرش" نقصه لا بناؤه، لأنه ليس مثليًا وقد ذكر جماعة في باب الغصب نحو هذا؛ ولكن المشهور في المذهب ما سبق، والله تعالى أعلم. 3 - مسألة: إِنسان له سطح، يستحق إِجراءَ ماءِ المطر الذي له في بالوعة دربٍ غير نافذ، فأراد أن يبني فوقَه سطحًا آخرَ، وُيجري ماء مطره في المجرى الذي كان أولًا، فهل لأهل الدرب منعه؟. الجواب: ليس لهم منعه إِلا أن يكون في الثاني زيادةُ ضرر على ما كان أولًا. 4 - مسألة: إِذا كان عليه دين، فأوفاه من مال حرام، وأبرأه صاحب الدين، ولم يعلم أن المال الذي استوفاه حرام، هل تصح براءته ويسقطه دينه؟. الجواب: إن أبرأه براءة استيفاء لم يصحَّ (¬1) ويبقى الدين في ذمته (¬2)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) يصح: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه: السكون المقدر على آخره منع ظهوره اشتغال المحل بحركة الإدغام. (¬2) ويصح الحط من المبيع، إن كان المبيع دينًا، وإن كان عينًا لا يصح لأنه إسقاط، واسقاط العين لا يصح، بخلاف الدين، فيرجع بما دفع في براءة الإسقاط لا في براءة الاستيفاء اتفاقًا. لأن براءة الإسقاط، تُسقط الدين عن الذمة بخلاف براءة الاستيفاء. مثال الأولى: أسقطتُ وحططتُ وأبرأتُ براءة إسقاط. ومثال الثانية: أبرأتك براءةَ استيفاء، أو قبض، أو أبرأتك عن الاستيفاء. وحاصله: أن براءة الاستيفاء عبارة عن الإقرار بأن استوفى حقه وقبضه. اهـ. من حاشية ابن عابدين 4/ 233. =

الضمان

الضمان (¬1) 5 - مسألة: إِنسان ضمن دينًا على غيره فقال: أنا ضامنه إِن عجز عن وفائه أوفيتك، هذا لفظه؟. الجواب: هذا ضمان فاسد؛ لأنه علقه على شرط ينافي مقتضاه فإنه شرط العجز في المضمون عنه، ولا يلزم هذا الضامنَ شيء، والحالة هذه، والله تعالى أعلم. * * * ¬

_ = أقول: لما كان مال الحرام، لا حرمة له ولا ثمن؛ لأنه مورد خبيث مع جهله به فلم تبرأ ذمته، ولقد توسعت في هذا ليفهم القارىء معنى البراءتين لأنه بحث علمي مفيد. اهـ محمد. (¬1) الضمان لغة: الالتزام. وشرعًا: عقد يحصل به التزام حق ثابت في ذمة الغير، أو إحضارِ مَنْ هو عليه، أو عين مضمونة. ويقال: للعقد الذي يحصل به ذلك، ويسمى الملتزم لذلك: ضامنًا، وضمينًا، وحميلًا، زعيمًا، وكفيلًا، وصبيرًا. والأصل فيه حديث: "الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ، والدَّيْنُ مَقْضِيٌّ". وحديث: أنه عليه الصلاة والسلام، تحمل عن رجل عشرة دنانير. وأركانه خمسة: ضامن، ومضمون عنه، ومضمون له، ومضمون، وصيغة. قال العلماء: الضمان أوله شهامة، وأوسطه ندامة، وآخره غرامة. اهـ.

باب الوكالة وفيه مسألتان

باب الوكالة (¬1) وفيه مسألتان الوكالة الفاسدة 1 - مسألة: قال بعض أصحابنا: لو قال: وكلت كلَّ من أراد ¬

_ (¬1) هي لغة: التفويض. وشرعًا: تفويضُ شخصٍ أمرَه إلى آخرَ فيما يقبل النيابة، لا ليفعله بعد موته. والأصل فيها خبر الصحيحين: أنه عليه الصلاة والسلام بعث السعاة لأخذ الزكاة، وقد وكل عليه الصلاة والسلام عمرو بنَ أميةَ الضمريّ في نكاح أم حبيبة. وأركانها أربعة: موكل، ووكيل، وموكل فيه، وصيغة. ويكفي فيها اللفظ المشعر بالرضا من أحدهما، والقبول من الآخر. 1 - وشرط في الموكل: صحة مباشرته ما وكل فيه بملك، أو ولاية؛ لأنه إذا لم يقدر على التصرف بنفسه، فبنائبه أولى. 2 - وشرط في الوكيل: صحة مباشرته ما وكل فيه كالموكل؛ لأنه إذا لم يقدر على التصرف فيه لنفسه، فلغيره أولى. 3 - وشرط في الموكل فيه: أن يكون قابلًا للنيابة، وأن يملكه الموكل حين التوكيل، وأن يكون معلومًا. 4 - وشرط في الصيغة: لفظ من موكل يشعر برضاه، ولا يشترط من الوكيل القبول بل يشترط عدم الرد منه. وتعتريها الأحكام الخمسة 1 - الحرمة: إن كان فيها إعانة على مُحَرَّم. 2 - والكراهة: إن كان فيها إعانة على مكروه. 3 - والوجوب: إن توقف عليها دفع ضرر الموكل. =

وديعة الغائب

بيع داري هذه في بيعها فالوكالة باطلة، لا ينفذ تصرف أحدٍ فيها اعتمادًا على هذا التوكيل بخلاف ما لو قال: من حج عني فله مائة درهم، فسمعه إِنسان وحج فإنه يستحق المائة، ويقع الحج عن القائل، هكذا نص عليه الشافعي، وتابعه جمهور الأصحاب. وقال المزني: وبعضهم يستحق الأجير أجرةَ المثل. وديعة الغائب 2 - مسألة: رجل عنده وديعةٌ لغائبٍ وكَّلَ مَنْ يقبضها، وثبتت الوكالة فبلغ المودَع أن المالك عزله عن الوكالة، هل له الدفع إِلى الوكيل مع هذه الريبة أم لا؟. الجواب: إِذا ألزمه الوكيلُ دَفْعها إِليه لزمه دفعُها، ولا يكون ما بلغه من عزل الموكَّل عزلًا له، حتى يثبت العزل؛ لأن وكالة الوكيل واستحقاقَه القبضَ ثابتان في الظاهر فلا يبطلها بالشك، فإن رضي الوكيل بتأخير الدفع فهو الأحوط لهما "والله أعلم". * * * ¬

_ = 4 - والإباحة: كما إذا لم يكن للموكل حاجة في الوكالة. 5 - والندب: كالقيام بمصالح الغير لكون الحاجة داعيةً إليها.

باب الوديعة وفيه ثلاث مسائل

باب الوديعة (¬1) وفيه ثلاث مسائل فيما إذا ضاعت الوديعة 1 - مسألة: إِنسان أودع فرسًا في السفر فركبها المودَع في الطريق لحفظها ثم ضاعت؟. الجواب: إِن لم يكن حِفْظُها إِلا بالركوب، ولم يزد في ركوبه على القَدْرِ الذي يحفظها به، وضاعت بلا تفريط، لم يلزمه شيء والقول: قوله بيمينه في ذلك، والله أعلم. فيما إذا مات المودَع 2 - مسألة: إِذا مات المودَع لزم وَارِثُهُ ردُّ الوديعة إِلى مالكها، أو مَنْ يقوم مقامه وهو وكيله، وإِلا فالقاضي إِن فقدهما. فإِن تلفت في يده بعد التمكن من الرد، ضمنها على الأصح. ¬

_ (¬1) هي توكيل يحفظ الحق. والأصل فيها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} سورة النساء: الآية 58. وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} سورة البقرة: الآية 283. وخبر: "أدِّ الأمانةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَكَ ولا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ". رواه الحاكم.

فى الوديعة الموصوفة

ولو ادعى هذا الوارثُ أن الميت ردها على المالك، أو هلكت في يد الميت بلا تفريط، أو في يد الوارث قبل التمكن من الرد. فالقول: قوله بيمينه على الأصح. فى الوديعة الموصوفة 3 - مسألة: رجل ادعى على رجل، أن أخاه الميتَ، أودعه وديعةً موصوفة، وأنه وارثهُ لا وارثَ له سواه، وصدقه المودَع على ذلك، فطلبها الوارث، فقال له المودَع: أمرني المودَع بدفعها إِلى فلان، فصدقه الوارث على ذلك وقال: إِنما أمرك بالتسليم إِلى فلان ليشتري له بها شيئًا بطريق الوكالة، أو قال: لتكون وديعةً في يده، فهل القول قول الوارث أم لا؟. الجواب: القول: قول الوارث، ويجب تسليمُها إِليه، ولا يجوز تسليمها إِلى غيره والحالة هذه. ولو قال الوارث: لا أعلم على أي وجه أمر بدفعها إِلى فلان، لم تكن ملكًا لفلان؛ بل يجب تسليمها إِلى الوارث؛ لأن الأصل بقاؤها في مِلْك الميت وسلطته، فتنتقل إِلى وراثه، والله أعلم (¬1). * * * ¬

_ (¬1) أحكام تتعلق بهذا الباب: الوديعة أمانة يستحب قبولُها لمن قام بالأمانة فيها. وهي اسم لعين يضعها مالكها عند آخر ليحفظها. ولا خفاءَ أن الحاجة بل الضرورةَ داعية إلى الإيداع. ثم مَنْ عُرض عليه شيءٌ ليستودعه نُظِرَ، إن كان أمينًا قادرًا على حفظها، ووثق من نفسه بذلك، استُحِبَّ له أن يستودع، لقوله عليه الصلاة والسلام: "وَاللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ في عَوْنِ أخيهِ". أقول: لا شك أن الوديعة أمانة في يد المودَع، وإذا كان كذلك فلا ضمان عليه كسائر الأمانات نعم؛ إن تعدى فيها أو قصر ضمن. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأسباب التقصير كثيرة جدًا: 1 - منها: أن يودعها المودَع عند غيره بلا عذر من غير إذن المالك. 2 - ومنها: السفر بها فإن سافر بها ضمن وإن كان الطريق آمنًا. 3 - ومنها: ترك الإيصاء بها، فإذا مرض المودَع مرضًا مخوفًا لزمه الإيصاء بها. 4 - ومنها: نقلها فإذا أودعها في قرية فنقلها إلى أخرى إن كان ما بينهما يُسمى سفرًا. 5 - ومنها: التقصير في دفع المهلكات كلٌ على حسبه. 6 - ومنها: التعدي بالانتفاع، كالانتفاع بالوديعة كلبس الثوب، وركوب الدابة ونحو ذلك. 7 - ومنها: المخالفة في الحفظ، فإذا أمره بالحفظ على وجه مخصوص فعدل عنه، وتلفت. اهـ. وإذا طولب بها فأخرها مع القدرة عليها حتى تلفت ضمن. ولو ترك حماره في صحن خان، وقال للخاني: احفظه كيلا يخرج وكان الخاني ينظره فخرج في بعض غفلاته فلا ضمان لأنه لم يقصر في الحفظ. وأن الثياب إذا سرقت في مشلح الحمام، والحمامي جالس مكانه ومستيقظ فلا ضمان عليه، وإن نام، أو قام من مكانه، ولم يترك نائبًا ضمن. كتبه محمد. فهذا موجز ما يتعلق في هذا الباب، انظر كفاية الأخيار 2/ 7.

باب الغصب وفيه خمس مسائل

باب الغصب (¬1) وفيه خمس مسائل المال المغصوب 1 - مسألة: إِذا غصب إِنسان دراهمَ، أو حنطةً من جماعة: من كل واحد شيئًا معينًا، ثم خلط الجميع ولم يتميز، ثم فرق عليهم جميع المختلَط على قدر حقوقهم، هل يحل لهم أخذُ قدر حصصهم؟. الجواب: يحل لكل واحد أخذُ قدرِ حقه، إِذا فرق جميعه على جميعهم، فإن فرق على بعضهم، لزم المدفوع إِليه أن يَقسم القدر الذي أخذه عليه، وعلى الباقين بالنسبة إِلى قدر أموالهم. ولو أخذ إِنسانٌ دراهمَ، أو حبًا، أو غيره لغيره، وخلطه بماله ولم يتميز، فله عزل قدر الذي لغيره، ويتصرف في الباقي. وقد اتفق أصحابنا، ونصوصُ الشافعي على مثله فيما إِذا غصب حنطة، أو زيتًا، أو غيرَهما وخلطه بمثله. ¬

_ (¬1) هو لغة: أخذ الشيء ظلمًا. وشرعًا: استيلاءٌ على حق الغير ولو منفعة؛ كإقامة من قعد بمسجد. والأصل في تحريمه قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة: الآية 188. وخبر: "إنَّ مَاءَكُمْ، وَأموَالَكُمْ، وَأَعرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ". وخبر: "مَنْ ظَلم قِيدَ شبرٍ من أرض طُوِّقه من سبع أرضين". رواهما الشيخان.

قالوا: يدفع إِليه من المختلط قدر حقه الباقي للغاصب. وأما ما يقوله بعض العوام: اختلاط الحلال بالحرام يحرمه فباطل، لا أصل له "والله أعلم". 2 - مسألة: فرس مشترك: فباع أحدٌ الشريكين نصيبه وسلّم الفرسَ إِلى المشتري بغير إِذن شريكه، فتلفت في يد المشتري، فللشريك أن يطالب بقيمة نصيبه مَنْ شاء منهما. 3 - مسألة: إِذا أخذ المكَّاسُ من إِنسان دراهمَ، فخلطها بدراهم المكس، ثم رد عليه قَدْرَ دراهمه من ذلك المختلَط هل له أخذُها؟. الجواب: لا يجوز ذلك إِلا أن تُقسَّم بينه وبين الذي أُخذت منهم بالنسبة. 4 - مسألة: سرق صبي مالًا، وسلمه إِلى أبيه، ثم مات أبوه ولم يخلف شيئًا، فهل يلزم الابنَ غرامةُ المال بعد البلوغ؟. الجواب: نعم؛ تلزمه غرامته. 5 - مسألة: إِذا سرق الصبي شيئًا، وسلمه إِلى أبيه، فأتلفه أبوه ومات فبلغ الصبيُ؛ وليس لأبيه تَرِكَةٌ يؤخذ منها بدلُ المسروق فهل يجب ذلك في مال الصبي؟. الجواب: نعم؛ يجب في مال الابن؛ لأنه من أهل الضمان في غرامة المتلفات (¬1). * * * ¬

_ (¬1) أحكام تتعلق بهذا: 1 - فلو جلس على بساط الغير، أو اغترف بآنية الغير بلا إذن فغاصب، وإن لم يقصد الاستيلاء، لأن غاية الغصب أن ينتفع بالمغصوب وقد وجد. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 2 - ولو دخل دارًا، وأخرج صاحبها، أو أخرجه ولم يدخلها فغاصب. 3 - وكذا لو ركب دابة الغير، أو حال بينه وبينها فغاصب. 4 - ولو دخل دار الغير، ولم يكن صاحبها فيها، وقصد الاستيلاء عليها فغاصب، بخلاف من دخلها لينظر هل تصلح له أم لا؟. 5 - ولو دفع إلى عبد غيره شيئًا ليوصله إلى منزله بلا إذن مالك فيكون غاصبًا. ثم متى ثبت الغصب، وجب عليه ردُّ ما غصبه إلى مالكه، ولو غرم في الرد أضعاف قيمة المغصوب، وكما يجب رد المغصوب كذلك يجب أرش نقصه، ولا فرق بين نقص الصفة، ونقص العين. مثال نقص الصفة: بأن غصب دابة سمينة فهزلت ثم سمنت فإنه يردها وأرش الثمن الأول لأن الثاني غير الأول. ومثال نقص العين: كمن غصب زوجي خفٍ، قيمتها عشرة دراهم، فضاع أحدهما، وصار قيمة الباقي درهمين، لزمه قيمة التالف وهو خمسة، وأرش النقص وهو ثلاثة، فيلزمه ثمانية، لأن الأرش حصل بالتفريق الحاصل عنده. فكما يلزم الرد وأرش النقص، يلزم الغاصب أجرة المثل لاختلاف السبب، لأن سبب الأرش النقص، والأجرة بسبب تفويت المنافع. "فرع": لو فتح بابَ قفص طير ونَفَّره ضمن بالإجماع، لأنه نَفَر بفعله. وإن اقتصر على الفتح بدون تنفير فالراجح: أنه إن طار في الحال ضمن، لأن الطائر ينفر ممن يقرب منه، فطيرانه في الحال منسوب إليه كتهييجه. انظر كفاية الأخيار 1/ 182. كتبه محمد.

باب القراض وفيه مسألتان

باب القراض (¬1) وفيه مسألتان 1 - مسألة: رجل دفع مالًا لرجل قراضًا، فعامل العامل عاملًا ثانيًا بغير إذن الأول، وتلف المال في يد الثاني، هل للمالك أن يطالبهما بالضمان أم لا، وعلى مَنْ يكون قرارُ الضمان (¬2)؟. الجواب: له مطالبة كل واحد منهما وقرار الضمان على الأول إِن كان الثاني جاهلًا بالحال، فإن كان عالمًا بالحال فالقرار على الثاني "والله أعلم". ¬

_ (¬1) هو لغة: القرض وهو القطع. وشرعًا: هو أن يعقد على مال يدفعه لغيره ليتجر فيه على أن يكون الربح مشترَكًا بينهما. وحقيقته: أن أوله وكالة، وآخرَه جعالة. والأصل فيه: الإجماع، وبأنه عليه الصلاة والسلام ضارب لخديجةَ بمالها إلى الشام وأنفذت معه عبدهَا ميسرة. (¬2) وشروط القراض: 1 - أن يكون المال نقدًا. 2 - وأن يكون معلومًا. 3 - وأن يكون بيد العامل. 4 - وأن يستقل العامل بعمله. 5 - وأن يكون العمل تجارة. 6 - وأن لا يضيق عليه بالعمل. 7 - وأن لا يؤقت بمدة. 8 - وأن يكون الربح بينهما معلومًا. 9 - وإذا حصل في المال خسران جبر بالربح، ولكل منهما الفسخ متى شاء. اهـ.

المزارعة

المزارعة (¬1) 2 - مسألة: المشهور من مذهبنا أن المزارعة الخالية عن المساقاة باطلة، وهو نص الشافعي. وقال به جمهور أصحابنا وجماهير العلماء. وقال أحمد بن حنبل: إِنها صحيحة (¬2)؛ وبه قال ثلاثة من كبار أئمة أصحابنا: وهم إِمام الأئمة أبو بكر محمد بن إِسحاق بن خزيمة، وأبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، وأبو سليمان أحمد بن محمد بن إِبراهيم الخطابي وهو المختار الراجح في الدليل. وأما الأحاديث الواردة في النهي عنها فأجاب عنها المُجَوِّزُون وصنف فيها ابن خزيمة كتابًا وتلخيصه في شرح المهذب "والله أعلم". * * * ¬

_ (¬1) المزارعة: هي معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها، والبذرُ من المالك، وهي: جائزة في بياض بين نخل، وشجر، وعنب، تبعًا للمساقاة، بشرط اتحاد عقدٍ وعامل، وعُسْرِ إفراد شجر بسقي. فإن أفردت المزارعة لا تصح، والثمر للمالك، وعليه للعامل أجرةُ عمله، ودوابه وآلاته. وطريق التخلص من حرمة المزارعة -مع جعل الغلة لهما ولا أجرة- أن يكتري المالك العاملَ بنصف البذر، ونصف منفعة الأرض، أو بنصف البذر، ويعيره نصفَ الأرض من غير تعيين، فيكون لكل منهما نصفُ الغلة شائعًا. اهـ. قوله في بياض: أي أرض لا زرع فيها ولا شجر وإن كثر البياض. (¬2) قياسًا على القراض المجمع عليه، ومنعها أبو حنيفة وأجاب على الخبر الوارد في الصحيحين: من أنه - صلى الله عليه وسلم - دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع بأن معاملة الكفار تحتمل فيها الجهالة وخالفه صاحباه ولأجل هذا الخلاف قدر القراض عليها. اهـ. بجيرمي على المنهج 3/ 157.

كتاب الإجارة وغيرها

كِتابُ الإجارة وغيرها (¬1) وفيه خمس عشرة مسألة 1 - مسألة: إِذا آجر داره أو غيره بجارية جاز له وطء الجارية بعد الاستبراء قبل انقضاء مدة الِإجارة، وإِن كانت معرضةً للانفساخ بانهدام الدار وغيره؛ لكنه احتمال نادر فلا يؤثر في استقرار ملكه صرح ¬

_ (¬1) هي لغة: اسم للأجرة. وشرعاً: عقد على منفعة مقصودة معلة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم، والأصل فيها، خبر البخاري: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصديق استأجرا رجلًا من بني الديل يقال له: عبد الله بن الأريقط ليدلهما على طريق المدينة لما هاجرا من مكة حين خرجا من الغار". أركان الإجارة وأحكامها أركانها ثلاثة: 1 - عاقد: أي مكرٍ ومكتر. 2 - ومعقود عليه: أي أجرة ومنفعة. 3 - وصيغة: أي إيجاب وقبول. ولا بد في المنفعة من أن تقدر بمدة أو بمحل عمل. وشرط صحة الإجارة: علم العاقدين بالمدة - كسكنى الدار سنة، أو بمحل العمل، كركوب الدابة إلى مكة، وخياطة الثوب وعلمهما بالأجرة. وأن لا يُشترط فيها عقد كقوله له: أجَّرتك داري سنة على أن تبيعني كذا. وأن يتصل الشروع في استيفاء المنفعة بالعقد في إجارة العين، فلو أجَّره دارًا للسنة القابلة لم يصح إلا في إجارة مدة على مدة إجارة سابقة قبل انقضائها لمالك منفعتها. ولا يصح إكراء الدار بعمارتها، ولا استئجار الطحَّانِ بالنخالة، أو ببعض دقيق. ويد المكتري على المنافع والأعيان: يد أمانة، فلا يضمنها إلا بعدوان. اهـ.

استحقاق الأجرة المسماة

بهذه المسألة أصحابُنا، منهم: الماوردي في مسألة زكاة الأجرة قبل انقضاء المدة. استحقاق الأجرة المسماة 2 - مسألة: قال أصحابنا؛ إِذا استأجره ليبني له حائطًا فبناه معتقدًا أن الحائط لنفسه، ثم بان أنه للمستأجر استحق الأجرة المسماة بلا خلاف. واستدل أصحابنا بهذه المسألة المشهورة، وهي: إِذا استأجر أجيرًا للحج عن ميت، أو معضوب، فأحرم الأجير عمن استؤجر له، ثم صرف الِإحرام إِلى نفسه والمذهب أنه لا ينصرف؛ بل يبقى للمستأجر. وهل يستحق الأجير الأجرة؟ فيه قولان مشهوران: 1 - أصحهما: عند الأصحاب يستحق كما ذكرنا في مسألة بناء الحائط. 2 - والثاني: لا؛ لأنه حج معتقدًا أن الأفعال لنفسه وعلى هذا: الفرق بينهما أنه في الحج خائن، مخالف بصرف الِإحرام، وإِن كان لا ينصرف بخلاف البناء "والله أعلم". 3 - مسألة: إِذا أُوجر المكانُ الموقوف على جهة عامة بأجرة مثله حالَ الِإيجاب، ثم زاد إِنسان في الأجرة بعد التفوق من مجلس الِإجارة، واستقر العقد، هل ينفسخ العقد، أم يجوز للناظر أو لغيره فسخه -والحالة هذه-؟. الجواب: لا ينفسخ، ولا يجوز للناظر ولا لغيره فسخُه، وسواءٌ زيد فيه الثلثُ، أو أكثرُ لا يجوز فسخُه، فهذا هو الصواب. وأما ما يفعله بعضُ الجهلاء أو الجهلة: من متولي الأوقاف

ونحوها ونحوهم من قبول الزيادة، إِذا بلغت الثلثَ، وفسخِهم بذلك فباطل لا أصل له، ولا يُغتر بارتفاع مرتبة من يتعاطاه؛ فإِنه خطأ من جاهل أو متجاهل، وإنما ذكر بعضُ أصحاب الشافعي وجهًا أنه يجوز الفسخ مطلقًا، وهذا الوجه ضعيف باتفاق الأصحاب لا يحكيه جمهورهم، ومن حكاه منهم متفقون على ضعفه، وبطلانه وأنه لا يُفتى به، ولا يُعَوَّل عليه "والله أعلم". 4 - مسألة: رجل استأجره (¬1) رجلًا ليحفر له بركة، أو بئرًا أو حفرة طولها عشرة أذرع، في عرض عشرة أذرع، في عمق عشرة أذرع فحفره خمسة في خمسة ثم انفسخت الِإجارة، ما يستحق من الأجرة؟. الجواب: طريق عمل هذا النوع أن يكعب ما وقع الاستئجار عليه، ثم يكعب ما عمله وينسبه إِليه، فما حصل فهو مقدار ما يستحقه من الأجرة. ومعنى التكعيب: أن يضرب الطول في العرض في العمق؛ فإذا ضربت المستأجر عليه، ضربت عشرة الطول في عشرة العرض، فيحصل مائة ثم تضربها في عشرة العمق صارت ألفًا؛ ثم تضرب خمسة في خمسة فيحصل خمسة وعشرون ثم تضربها في خمسة فيحصل مائة وخمس وعشرون؛ فإذا نسبتها إِلى الألف كانت ثمنًا فيستحق ثمنَ الأجرة وعلى هذا يعمل كل ما جاء من هذا النوع "والله أعلم". 5 - مسألة: إِذا أجر السيد عبده نفسه لم تصح الِإجارة بخلاف ما لو باعه فإنه يصح (¬2) البيع على الصحيح المنصوص. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": "رجل استأجر رجلًا". وهذه الرواية أوضح وأصح من حيث العربية. فتأمل. اهـ محمد. (¬2) نسخة "أ": يجوز.

موت الدابة المستأجرة

موت الدابة المستأجرة 6 - مسألة: إِذا استأجر دابةً للركوب، فركب وضربها الضرب المعتاد فماتت منه؛ قال أصحابنا: لا ضمان فيه؛ لأنه متولد من مباح؛ قالوا: والفرق بينه وبين ضرب الزوج زوجته، حيث كان مضمونًا، إِذا ماتت منه، أنه يمكنه تأديبها بغير الضرب بخلاف الدابة. 7 - مسألة: إِنسان استأجر نجارًا، ليقيم له دارًا مائلة، بأجرة معلومة، فنقض النجار أعاليها، ولم يعلقها على ما تقتضيه الصنعة، وذهب ليُحضر الآلات، فوقعت على بيت جارٍ للدار فأتلفته، فعلى من تجب غرامة ذلك البيت؟. الجواب: يجب على النجار لتفريطه بترك التعليق المعتاد ولا شيء على صاحب الدار. الأرض المشغولة بالزرع 8 - مسألة: قال الشافعي والأصحاب: لا تصح إِجارة الأرض المشغولة بالزرع للزراعة لعلتين: 1 - إحداهما: أنها مستورة لا يمكن رؤيتها. 2 - والثاني: أنه لا يمكن تسليمها في الحال فتصير في معنى إِجارة الزمان المستقبل. 9 - مسألة: قال الغزالي في الفتاوى: إِذا طرح في المسجد غلة أو غيرها، لزمه أجرته؛ فإن أغلق بابه لزمه أجرة جميع المسجد، كما لو طرح ذلك في بيت من دار أو في دهليز وأغلق؛ فإنه يلزمه أجرة جميع الدار، قال: وكما تضمن أجرة المسجد بالإِغلاق تضمن منفعته بالِإتلاف كمنفعة الأملاك، هذا آخر كلام الغزالي وهو صحيح متعين وإِن

حبس الثوب عند الخياط

شغل بالغلة جانبًا من المسجد ولم يغلقه لزمه أجرة ما شغله وتصرف الأجرة في مصالح المسجد "والله أعلم". 10 - مسألة: إِذا أقطع السلطان جنديًا أرضًا، هل يجوز له إِجارتها؟. الجواب: نعم يجوز؛ لأنه مستحق لمنفعتها ولا يمنع من ذلك، كونها معرضةً لأن يستردها السلطان منه لموته أو غيره، كما يجوز للزوجة أن تؤجر الأرض التي هي صداقها قبل الدخول، وإِن كانت معرضة لأن يسترد منها لانفساخ النكاح. حبس الثوب عند الخياط 11 - مسألة: هل للخياط والقصار حبس الثوب إِلى أن يستوفي الأجرة؟. الجواب: يجوز ذلك للقصار، ولا يجوز ذلك للخياط؛ لأن الصحيح أن القصارة عين فهي كالمبيع له حبسه. حكم قبول هدية المعلم 12 - مسألة: إِذا أهدى إِلى المقرىء، أو المعلم من يقرأ عليه ويتعلم ولولا الِإقراء والتعليم لم يُهد إِليه فهل يحل (¬1) له قبولها؟. الجواب: لا يحرم ذلك والورع ترك قبولها (¬2). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": يجوز. (¬2) وحكي أن عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه بعث يزيدَ بنَ أبي مالك الدمشقي، والحارث بن يمجد الأشعري يفقهان الناس في البادية، وأجرى عليهما رزقًا ... =

13 - مسألة: إِذا كان الِإنسان في حبس السلطان، أو غيره من المتعذرين حُبِسَ ظلمًا فبذل مالًا لمن يتكلم في خلاصه بجاهه وبغيره هل يجوز؟ وهل نص عليه أحد من العلماء؟. الجواب: نعم؛ يجوز وصرح به جماعة منهم: القاضي حسين في أول باب الربا من تعليقه، ونقله عن القفال المروزي، قال: هذه جعالة مباحة، قال: وليس هو من باب الرشوة؛ بل هذا العوض حلال كسائر الجعالات. 14 - مسألة: هذه الحجارة التي تكون ملقاة حول القرى وبين الأزقة هل يحل لأحد أخذُها، والبناء بها، وتملكها؟. الجواب: يجوز ذلك إِن كانت تُرِكَتْ رغبةً عنها "والله أعلم". 15 - مسألة: رجل ضاع فرسه، فلقيه إِنسان، وهما في العسكر الكثير، فتركه الواجد عنده نحوَ خمسةِ أشهر، ونادى عليه صاحبُه أيامًا، والعادة في المعسكر أنَّ مَنْ وجد شيئًا حمله إِلى دهليز السلطان، فظهر خبرُ الفرس بعد هذه المدة، وحضر (¬1) واجد المتاع الذي كان على الفرس، وادعى أنَّ الفرس مات عنده فهل يُقبل قولُه في موته؟. وهل يلزمه قيمته؟ وهل على ولي الأمر خلاص قيمة الفرس؟ وإِن أخذ صاحب الفرس القيمة أثم أم لا؟. ¬

_ = فأما يزيد: فقبل. وأما الحارث: فأبى أن يقبل وقال: ما كنت لأخذ على علم علمنيه الله أجرًا، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بذلك. فكتب عمر قائلًا: إنّا لَا نَعْلَمُ بِمَا صَنَعَ يَزِيدُ بَأْسًا، وَأكْثَرَ اللهُ فِينا مِثْلَ الْحَارِثِ بنِ يَمْجُدَ. (¬1) نسخة "أ": فأحضر.

الجواب: القول في موت الفرس قول الواجد بيمينه، فإن كان فرط في إيصاله إِلى صاحبه بعد معرفته به، إما بسماع النداء، وإما بغيره لزمه (¬1) قيمتُه، وإِلا فلا يلزمه. وإِذا لزمه وبلغ ذلك ولي الأمر فعليه تخليصُ قيمته لصاحبه إِذا طلبها ولا يأثم مالكه بأخذ قيمته إِن كان الواجد فرط بحيث لزمته "والله أعلم". * * * ¬

_ (¬1) نسخة "أ": لزمته.

كتاب الوقف وغيره

كِتابُ الوقفِ وغَيره (¬1) وفيه ستة وعشرون مسألة 1 - مسألة: إِذا اشترى السلطان من بيت المال أرضًا، أو ¬

_ (¬1) هو لغة: الحبس، وشرعًا: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح. والأصل فيه خبر الصحيحين: أن عمر رضي الله عنه أصاب أرضًا بخيبر فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها: فتصدق بها على أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث". اهـ. وأركان الوقف أربعة: 1 - الأول: الواقف، وشرطه: أن يكون مكلَّفًا، مختارًا، أهلًا للتبرع، مالكًا للموقوف، فلا يصح من صبي، ومجنون، ووليهما، ولا من مكره، ولا من محجور سفه، أو فَلس، ولا من نحو مكتر، ولا موصى له بالمنفعة: مؤقتًا، أو مؤبدًا. 2 - الثاني: الموقوف، وشرطه: أن يكون عينًا معينة، مملوكة للواقف، قابلةً للنقل من ملك شخص إلى ملك آخر، تفيد نفعًا مباحًا مقصودًا لا بذهاب عينها، سواء كان عقارًا، كدار، أو منقولًا، كعبد وكتب، أو مُشاعًا، كأن وقف نصفَ دار على الشيوع ولو مسجدًا. ويصح وقف العيون، والأبار، والأشجار للثمار، والبهائم للَّبن، والصوف والوبر. 3 - الثالث: الموقوف عليه، وهو قسمان: 1 - "معين" ويشترط فيه: أ- إمكانُ تمليكه حالَ الوقف؛ بأن يكون موجودًا في الخارج: فلا يصح الوقف على ولده، ولا ولد ولده. ب- وقبولهُ فورًا إن كان حاضرًا، وعند بلوغه الخبر إن كان غائبًا. ج- أو قبولُ وليه إن كان غيرَ مكلف. د- وعدمُ المعصية. =

غيرَها، ووقفه على شيء من مصالح المسلمين: كمدرسة، أو مارستان، أو رباط، أو خانة (¬1)، أو زاوية، أو رجل صالحٍ، أو ذريته، ثم على الفقراء، فهل يصح وقفه؟ أو وقف على ذلك أرضًا لبيت المال؟. الجواب: نعم؛ يصح وقفه من بيت المال إِذا رأى ذلك مصلحة؛ لأن بيت المال لمصالح المسلمين، وهذا منها. 2 - مسألة: رجل وقف على زيد، ثم على أولاده، ثم على أولاد أولاده، ثم على نسله، وعقبه على أن الذكر والأنثى سواء، وأنَّ مَنْ (¬2) مات: عن ولد، أو نسل، أو عقب، عاد نصيبُه إِليه، ومن مات: عن غير نسل، أعطى نصيبه للأعلى، فالأعلى من أهل الوقف، فمات زيد، وترك ابنًا يسمى بَكْرًا، وثلاثَ بناتٍ: عائشةَ، وزينبَ، وهند (¬3)، ثم مات بكر، وخلَّف ثلاثَ بنين: إِبراهيم، ومحمدًا، وأحمد، ثم ماتت زينب ولم تخلف عقبًا، ثم مات أحمد، وخلف إِسماعيل، ثم مات ¬

_ = 2 - "وغير معين" وشرطه عدم معصية، فيصح على العلماء، والمجاهدين، والمساجد، والربط، والفقراء، وكذا الأغنياء، والفسقة، وأهل الذمة؛ لأن الصدقة تجوز عليهم. 4 - الرابع: الصيغة، وهي: لفظُ يُشعر بالمراد، نحو وقفت كذا على كذا، أو حبسته، أو سَبَّلْته، أو جعلته وقفًا عليه، وشرطها: 1 - التأبيد، فلا يصح وقفت كذا سنة مثلًا. 2 - وبيان المصرف فلا يصح وقفته. 3 - وأن تكون منجزة فلا يصح إن جاء زيد وقفت. ْ4 - وعدم الخيار فلو قال: وقفت هذا، على كذا بشرط الخيار، أو الرجوع فيه متى شاء، أو أن يُدخل من شاء وُيخرج من شاء لم يصحَّ إن لم يَحكم بصحته من يراه، وإلا صح جزمًا. اهـ. من تنوير القلوب. (¬1) نسخة "أ": خانقاه. (¬2) نسخة "أ": فإن مات. (¬3) قاعدة: يجوز التنوين في الثلاثي الساكن الوسط وعدمُه نحو "هند ومجد". اهـ.

فيما إذا اتفقت العادة جاز العمل بها

محمدُ، ولم يخلف عقبًا، ثم ماتت هند، وخلفت ابنًا، ثم ماتت عائشة، وخلفت ابنَ ابن؟. الجواب: يكون لابن هندٍ من الموقوف ربع وسدس، ولابن ابن عائشة، ربعٌ وسدسٌ -أيضًا- ولإِبراهيم بنِ بكر، نصفٌ وسدس، ولأحمد، نصف وسدس. 3 - مسألة: وقف وقفًا على من يقرأ كل يوم جُزْءًا من القرآن قراءة مرتلة، ما حدُّ المرتلة (¬1)؟. الجواب: أنها تُعْرف بالعرف، وتقريبها أنها قراءة مبيَّنة فيها تمهل (¬2). فيما إذا اتفقت العادة جاز العمل بها 4 - مسألة: رجل ولي تدريس مدرسة، ولم يقف على شرطها لعدم كتاب الوقف، ولم يعرف شرط الواقف على (¬3) كيفية الصرف إِليه وإِلى الفقهاء، فمشى على عادة المدرسين قبله في جميع ذلك، فهل يحل له ما كان يأخذه منها على وفق العادة، أم يكون حرامًا أم فيه شبهة، مع أن الذين كانوا قبله فيهم من هو أهل لأن يُقتدى به في مثل ذلك، وفيهم من لم يكن أهلًا لذلك؟. ¬

_ (¬1) قال الشيخ علاء الدين بن العطار تلميذ المؤلف: رحمهما الله تعالى حكى البيهقي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه في السنن الكبرى في باب كيفية قراءة المصلي أنه قال: أقل الترتيل: تركُ العجلة في القرآن غير الإمامة والله أعلم. اهـ. من حاشية المخطوط "أ". (¬2) بأن يحافظ على أحكام القراءة ويعطي كل حكم حقه مع إخراج كل حرف من مخرجه كما هو موضح في علم التجويد. اهـ. محمد. (¬3) نسخة "أ": في.

الوقف يثبت بالاستفاضة

الجواب: إِذا اتفقت عادتُهم جاز العمل بها، وكان المأخوذ منها حلالًا: فإن شكَّ في شيءٍ استحب الاحتياط "والله أعلم". الوقف يثبت بالاستفاضة 5 - مسألة: هل يثبت الوقف أو شروطه بالاستفاضة؟ فإن لم يثبت فكيف يصرف؟ ولو حكم بثبوت شروطه وتفصيله بالاستفاضة حاكمٌ هل ينفذه حاكم آخر أم لا؟. الجواب: أما الوقف فيثبت بالاستفاضة. وأما شروطه وتفصيله فلا يثبت بها إِن (¬1) كان وقفًا على جماعة معيَّنين، أو جهاتٍ متعددةٍ قسمت الغلة بين الجميع بالسوية، وإِن كان على مدرسة مثلًا وتعذرت معرفةُ الشروط صرفَ الناظرُ الغلةَ فيما يراه من مصالحها، وإِذا حكم حاكمٌ بثبوت شروطه بالاستفاضة -وهو من الحكام المقلِّدينَ لأئمة مذاهبهم كما هو الغالب ولم يكن ذلك مذهبَ إِمامه- لم ينفذ حكمه فلا ينفذه غيره "والله أعلم". 6 - مسألة (¬2): وقف وقفًا على أن يُشْترى بغلَّتِه ثيابٌ، وتُفرق على الأيتام يومَ الرابع عشر من شعبانَ كل سنة، فتعذر تفريقُه في (¬3) اليوم بعد ذلك؛ لعدم حضور الغلة أو لغيره (¬4)، هل يجب تأخيرُ تفرقته إِلى اليوم الرابعَ عشر من شعبانَ المستقبل؟. الجواب: لا يجب ذلك؛ بل تجب المبادرة بتفريقه على الأيتام في أول وقت الِإمكان؛ لأن الزمانَ (¬5) الذي شرطه الواقف قد فات، ¬

_ (¬1) نسخة "أ": بل إن. (¬2) نسخة "أ": رجل وقف. (¬3) نسخة "أ": ذلك. (¬4) نسخة "أ": غيره. (¬5) نسخة "أ": الزمن.

وصارت تفرقته قضاءً لا أداءً، فمتى تمكن أخرجه كالأضحية المنذورَة إِذا لم يذبحها حتى فاتت أيامُ التشريق، يذبحها متى تمكن، ولا يؤخرها إِلى وقت الأضحية من السنة الثانية. 7 - مسألة: إِذا استناب إِمامُ مسجد يصلي فيه بجامْكيةٍ (¬1) من يصلي عنه مدة، هل تكون الجامكية للنائب أم للإمام الأصلي؟؟. الجواب: إِذا استناب لعذر لا يُعد بسببه مقصرًا كانت الجامكية للِإمام الأصلي، وأما النائب فإِن ذكر له جَعْلًا استحقه، وإِلا فلا شيء له، لأنه متبرع. وإِن استناب على صفة يُعدُّ معها مقصرًا لم يستحقَّ الِإمام الأصلي شيئًا من الجامكية، وأما النائب فإن أذِن له الناظرُ فيه استحق الجامكية، وإِلا فلا يستحقها. 8 - مسألة: إِذا وقف شيئًا على جماعة يقرؤون القرآن في سبع وغيره، وشرط أن يكونوا بالغين رجالًا هل يدخل فيهم مَنْ هو بالغ ولا لحيةَ له، أم يختص بمن له لحيةٌ، فإن لم يختص فما فائدةُ قوله رجالًا؟. الجواب: نعم، يدخل البالغ الذي لا لحية له. وفائدة التقييد في قوله رجالًا: إِما للتوكيد، وإِما للاحتراز من النساء. 9 - مسألة: إِذا فسق ناظر الوقف، ثم صار عدلًا، هل تعود ولايته؟. الجواب: إِن كانت ولايته مشروطةً في أصل الوقف، منصوصًا عليه بعينه عادت ولايته، وإِلا فلا. ¬

_ (¬1) هذه الكلمة غير عربية فهي معربة المقصود منها الراتب.

10 - مسألة: إِذا شرط الواقف النظرَ لإِنسان، وجعل له أن يُسنده إِلى من شاء، ولمن أسنده إِليه إِسنادُه إِلى من شاء، وكذلك مسندًَا بعد مسنَد، فأسنده إِلى إِنسان، فهل للمُسْنِد عزلُ المسنَدِ إِليه أم لا؟ وهل له مشاركته أم لا؟ ولو مات هل يعود النظر إِلى المسند أم لا؟ ولو أسنده المسند إِليه إِلى ثالث فهل للأول عزلُه أم للثاني؟. الجواب: ليس للمُسنِد عزلُ المسنَد إِليه، ولا مشاركته، ولا يعود النظر إِليه بعد موته، وليس له ولا للثاني عزل الثالث الذي أسند إليه الثاني، "والله أعلم". 11 - مسألة: مدرسة فيها بيوت موقوفة على سُكنى الفقهاء والمتفقهين على مذهب إِمام معين، فسكن بيتًا منها فقيه من فقهاء ذلك المذهب؛ وليس له منزلٌ فيها هل يجوز له ذلك؟. الجواب: نعم؛ يجوز له ذلك إِذا أسكنه الناظرُ إِلا أن يتحقق أن شرط الواقف أن لا يسكن فيها من ليس له منزل "والله أعلم". 12 - مسألة: رجلٌ إِمامُ مسجدٍ، وللمسجد أرض موقوفةٌ يتناول الِإمام غلَّتها، فيعمر المسجدَ منها، وُيسْرِجُه، ويَفرشه بالحصر (¬1) وغيرها، فإذا تمت مصلحته أخذ الباقي لنفسه وتصرف فيه، هل له الزيادة على كفاية المسجد، وهل يحل له الحج بها؟. الجواب: إذا ولَّاه ذلك من له النظرُ، وأذنا له أن يأخذ الزيادة على كفاية المسجد، ولم يكن فيه مخالفةٌ لشرط الواقف، ولا للمصلحة، كانت الزيادة له، ويحل له الحج بها، وسائرُ التصرفات. 13 - مسألة (¬2): وقف شيئًا على بناته الثلاث، وعلى من ¬

_ (¬1) جمع حصير، وهي التي تبسط في البيوت، مثل بريد وبُرْود، وتأنيثها بالهاء. اهـ. المصباح والنهاية. (¬2) نسخة "أ": رجل.

يحدث له من الأولاد، للذكر مثلُ حظ الأنثيين: على أنَّ من مات منهم عاد نصيبه إِلى أقرب أهل الواقف إِليه، فماتت إِحدى البنات، وخلّفت أختيها: 1 - إِحداهما: من أبويها. 2 - والأخرى: من أبيها فقط، ثم حدث له ابنٌ؟. الجواب: لما ماتت إِحدى البناتِ، انتقل نصيبها إِلى أختها من أبويها: فيكون لها الثلثان، وللأخرى الثلث، فلما حدث الابن استحق نصفَ الوقف، ويكون النصف الآخر للبنتين؛ للتي من الأبوين ثلثاه، وللأخرى ثلثه، وتصح من ستة للابن ثلاثةٌ وللأخت من الأبوين سهمان، وللأخرى سهم (¬1). 14 - مسألة: رجل وقف على بنيه الثلاثة: علي،. وأحمد، وأبي بكر، بينهم بالسويه، يجري على كل واحد نصيبُه من ذلك وهو ¬

_ (¬1) تنبيه في المسألة مناسخةُ ورَدٌ: فلما ماتت إحدى البنات، خلفت أختيها، و"أخا" أخذت الأخت الشقيقة نصف مال أختها "فرضًا"، وأخذت الأخت لأب سدس مال أختها "فرضًا" ورُدَّ الباقي وهو -2 - عليهما بالتساوي، فأصبح نصيب الشقيقة يعادل ثلثي المال ونصيب الأخرى يعادل ثلث المال، ولما أخذ الأخ الذي حدث نصف أصل المال، أخذت الأختان نصيبهما من النصف الآخر كما هو موضح في الرسم. ت ........ بنت .......... 1 ........ ت ................................................... ش ........ بنت ......... 1 ........ نصف فرضًا والباقي ردًا .......... 3 +1=4 ...... 2 ........... بنت ......... 1 ........ سدس فرضا والباقي ردًا ........... 1+1=2 ....... 1 ...................................... نصف أخ .......................................... 3

الثلث أيامَ حياته، فمن توفي منهم عن نسل (¬1) وإِن سفل، كان ما كان عليه جاريًا من ذلك لنسله وإِن سفل، ومن توفي من بنيه الثلاثة المذكورين من غير نسل في حياة أخويه، عاد ما كان من ذلك -وهو الثلث- إلى أخويه الباقيين بينهما نصفين، ثم إِلى نسلهما للذكر مثل حظِ الأنثيين، فتوفي علي وخلَّف عبدَ الخالق ومظفرًا وإِسماعيل، وسارة، ومحبوبة، ثم مات أحمد، ثم (¬2) أبو بكر عن غير ولد، ولا نسل، ثم مات عبد الخالق، وخلف ابنًا وبنتًا، ثم مات مظفر، ولم يُعْقب، ثم مات إِسماعيل، وخلف ابنًا واحدًا، ثم ماتت سارة ولم تعقب، ثم ماتت محبوبة وخلفت ابنين، فالحاصل أن الباقي الآن: ابنُ إِسماعيل، وولدا عبدِ الخالق، وابنا محبوبة، فكيف يقسم بينهم (¬3)؟. الجواب: لابن إِسماعيل سهم من ثلاثين، ويقسم الباقي بينه وبين الباقين بالسوية، وتصح من مائة وخمسين: لابن إِسماعيل أربعةٌ وثلاثون، ولكل واحد من الأربعة الباقين، وهم ولدا عبدِالخالق وولدا محبوبةِ تسعةٌ وعشرون؛ لأن أصل المسألة من ثلاث، مات علي عن سهم، فانتقل إِلى أولاده الخمسة، فتضرب خمسة في ثلاثة بخمسةَ عشر، فمات (¬4) ابنه عبدُ الخالق عن سهم واحد وخلف ولدين، فتضربهما في خمسةَ عشر، تبلغ ثلاثين لأولاد علي منها عشرة لكل واحد سهمان، فينتقل نصيب إِسماعيل وهو اثنان إِلى ابنه، ونصيب عبد الخالق وهو اثنان إِلى ولديه، ونصيب محبوبة وهو اثنان إِلى ولديها، ويبقى من الثلاثين أربعةٌ وعشرون، منها عشرة كانت لأحمدَ، وعشرة ¬

_ (¬1) نسخة "أ": وعقب. (¬2) نسخة "أ": مات. (¬3) ففي هذه المسألة مناسخات عديدة ولهذا تركنا حلها وتصويرها عمليًا، لطول البحث فيها، فهي تتعلق بالوقف أكثر من كونها فرضية. اهـ. (¬4) نسخة "أ": فماتت ابنة عبد الخالق عن سهم وخلفت.

كانت لأبي بكر، وأربعة كانت لمظفر وسارة، وهذه الأربعة والعشرون تكون للموجوين الآنَ من أهل الوقف، وهم هؤلاء الخمسة: ولدا عبدِالخالق، وولدا محبوبة، وابن إِسماعيل بينهم بالسوية، وهي منكسرة فتضرب الخمسة في الأصل، وهو ثلاثون تكون مائة وخمسين، فيكون لابن إِسماعيل اثنان في خمسة بعشرة، ولولدي عبد الخالق عشرة لكل واحد خمسة، وكذلك لولدي محبوبة يبقى مائة وعشرون للخمسة لكل واحد أربعة وعشرون، ولابن إِسماعيل منها (¬1) العشرة التي ذكرناها فصار له أربعة وثلاثون، ولكل واحد من الباقين أربعة وعشرون وخمسة فصارت تسعةً وعشرين، وإِنما قلنا: إِنه يُقْسم بينهم كذلك؛ لأن نصيبَ كل واحد من الثلاثين الذين أعقبوا من أولاد علي يكون لعقبه، ونصيب من لم يعقب منهم مع نصيب أحمد وأبي بكر يكون مسكوتًا عن مصرفه، فيصرف إِلى الموجودين الآن من أهل الوقف وهذا معروف في كتب الأصحاب، وقد كان قبل هذا الحال مقسومًا على غير هذا، لكن مقتضاه الآن قسمته هكذا، لأن الاعتبار في كل زمان بالموجودين فيه ممن يدخلما في الوقف، فإن مات بعضُهم عن غير عقب عاد نصيبه إِلى الموجودين فزاد نصيبهم، فإن حدث معهم أحدٌ شاركهم فنقص نصيبهم، وإنما لم يعد نصيبُ كل إِنسان إِذا مات إِلى عقبه، لأن الواقف إِنما ذكر ذلك فيما يستحقه كل واحد من أولاده الثلاثة من الثلث، لا في كل شيء يصير إِليهم، فيبقى فيما سواه مسكوتًا عنه، فَيُصرَف إِلى الموجودين بالسوية. وأما قوله: ومن توفي من بنيه الثلاثة المذكورين عن غير نسل في حياة أخويه عاد ما كان له من ذلك، وهو الثلث إِلى أخويه ثم إِلى نسلهما. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": عنها.

نقل غلة مسجد لآخر

فهذا أمر لم يوجد؛ لأنه شرط فيه أن يموت من غير نسل في حياة أخويه؛ بل مات أبو بكرٍ عن غير نسلٍ، ثم مات أحمدُ فلم يُخلفْ أخويه، بل أحدهما، فلم يوجد الشرط. وإِذا لم يوجد يكون هذا الكلام كالعدم، وحينئذ لا يقسم شيء من ذلك للذكر مثل حظ الأنثيين، بل يقسم بالسوية بمقتضى الإِطلاق والله أعلم. نقل غلة مسجد لآخر 15 - مسألة: ناظرُ أوقافِ مساجدَ، كان عادته أن يصرف غلةَ مسجدٍ في عمارة مسجد، ثم عُزِل هذا الناظرُ ووُلّيَ غيرُه، واحتاج بعض المساجد إِلى عمارة، هل له عمارته من غلة مسجد آخر لاحتمال أن (¬1) الذي قبله أخذ من (¬2) هذا الثاني وصرفه في عمارة الأول؟. الجواب: ما لم يثبت أنه أخذ من غلة المسجد المحتاج إِلى عمارةٍ شيئًا صرف في عمارة هذا الآخر، لا يجوز صرف شيء من غلة هذا في عمارة ذلك، وإِن ثبت صرفه من غلة ذاك في عمارة هذا، فإن كان المصروف أعيانًا موجودةً كالأحجار، والأخشاب والآجُرُّ ونحوها، رُدَّت إِلى المسجد الذي أَخذت من غلته. وإِن كان المصروف ليس بعين، وإِنما هو أجرة صناع ونحوها لم يَجُزْ أخذه من غلة المسجد الثاني، بل يجب ضمانه على الذي صرفه، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) نسخة "أ": هذا. (¬2) نسخة "أ": غلّة.

الوصية مسائل علمية تتعلق بها

الوصية (¬1) مسائل علمية تتعلق بها 16 - مسألة: أوصى لأولاد زيدٍ، وله أولاد ذكورٌ، وإِناث من نسوة كيف يُقْسَمُ بينهم؟. ¬

_ (¬1) الوصية: لغة، الإيصال، من وصى الشيء بكذا وصله به؛ لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه. وشرعًا: تبرع بحقٍ مضافٍ لما بعد الموت. وهي سنة مؤكدة إجماعًا. وإن كانت الصدقة بصحةٍ فمرضٍ أفضلُ. فينبغي أن لا يغفل عنها ساعةً: كما صرح به الخبر الصحيح: "ما حَقُّ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فيهِ يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلتينِ إلا وَوَصيَّتُة مَكْتوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ"؛ لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت. وتكره الزيادة على الثلث إن لم يقصد حرمان ورثته، وإلا حرمت. وقد تجب؛ كما إذا نذرها، أو ترتب على تركها ضياع حق عليه، أو عنده. وقد تحرم؛ كما إذا غلب على ظنه أن الموصى له يصرف الموصى به في معصية. وقد تكره؛ كما إذا لم يقصد حرمانَ ورثته بالزائد على الثلث فتعتريها الأحكام الخمسة. والأصل فيها قبل الإجماع: قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} من سورة النساء: الآية 11. وتقديمها على الدين للاهتمام بشأنها؛ ولأن النفس قد لا تسمح بها لكونها تبرعًا. وأخبار: كخبر ابن ماجه: "الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الْوَصِيَّةَ، مَنْ مَات عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبيلٍ، وَسُنّةٍ، وتُقَى، وشَهَاةٍ، وَمَاتَ مَغْفُورًا لهُ". وكانت أول الإسلام واجبة بكل المال للوالدين والأقربين لقوله تعالى: {كُتِبَ =

الجواب: يُقسم بينهم بالسوية؛ للأنثى مثلُ الذكر. والله أعلم. 17 - مسألة: إِذا أوصى لرجل بمائة معينة، ثم أوصى له بمائة معينة أخرى، قال أصحابنا: استحق المائتين، وإن أطلق إحداهما حُمِلَت المطْلَقَةُ على المعينة. وكذا لو أطلقها لم يكن (¬1) له إِلا مائةٌ، ولو أوصى له بخمسين. ثم بمائة، استحق المائة فقط. ولو أوصى له بمائة، ثم بخمسين فوجهان: 1 - أصحهما: ليس له إِلا خمسون. 2 - والثاني: له مائة وخمسون. 18 - مسألة: رجل أوصى أن يُشْترى من ثلث ماله أرضًا بألف درهم، في موضع بدمشقَ، يُدفن في موضع منها، والباقي يكون وقفًا على من يقرأ كلَّ يوم جزءًا من القرآن عند قبره المذكور، ثم إِن تعذر القارىء، كان وقفًا على القراء (¬2). فمات الوصي المذكورُ في الحجاز، ودفن هناك، فماذا يُصنَع بالألف. ¬

_ = عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة: الآية 180، 181 ثم نسخ وجوبها بآية المواريث، وبقي استحبابها في الثلث فأقل، لغير الوارث -وإِن قل المال وكثر العيال-. قال الدميري: رأيت بخط ابن الصلاح أبي عمرو: "أن من مات بغير وصية لا يتكلم في مدة البرزخ؛ وأن الأموات يتزاورون في قبورهم سواه". فيقول بعضهم لبعض: ما بال هذا؟ فيقال: مات من غير وصية. اهـ من إعانة الطالبين 3/ 198. (¬1) وترد (كان) في ثلاثة أحوال: ناقصة وتامة "بمعنى وجد" وزائدة. اهـ. (¬2) نسخة "أ": الفقراء.

الجواب: يُحكم ببطلان الوصيةِ لتعذرها، ويجب رَدُّ الألف درهمٍ إِلى التركة، فتقسم بين الورثة كسائر التركة (¬1). 19 - مسألة: رجل تملَّك (¬2) نصفَ عبدٍ وأعتقه، لا يَسْري العتق إِلى باقيه مع إِنه قِنٌ. صورته أن يكون باقيه موقوفًا، فلا يسري إِلى النصف الآخر باتفاق أصحابنا، وفرق صاحب الشامل وغيرُه من أصحابنا بينه وبين نصيب الشريك، لأن نصيب الشريك يُتصور إِعتاقه، بخلاف هذا. 20 - مسألة: إِذا خارج السيد عبدَه بمالٍ قرره (¬3) عليه، كلَّ يوم أو أسبوع، فبقي مع العبد شيء بعد نفقته، وأداء وظيفة الخراج، هل للسيد أن ينتزع منه ما فَضل؟. الجواب: نعم؛ له ذلك (¬4). 21 - مسألة: إِذا قَتلَتْ أم الولد، والمدبَّرُ سيّدهما، هل يَعتِقان؟ وإِذا قتل مُستَحِقُّ الدَّين، مَنْ عليه دينٌ مؤجلٌ هل يحل الدين؟. ¬

_ (¬1) أقول: لما تبين بطلان الوصية لعدم إمكان تحققها فلا يجوز توزيعها على الفقراء إلا بإجازة الورثة وإلا يجب ردها للتركة كما ذكر المصنف رحمه الله. اهـ. محمد. (¬2) نسخة "أ": ملك. (¬3) نسخة "أ": فرده. (¬4) الخراج: ما تبرعتَ به. والخراج: ما لزمك أداؤه. وقيل: الخرْج على الأرض. والخراج: على الرقاب. يقال: أدِّ خرْجَ رأسك، وخراج مدينتك. وقرأ: أم تسألهم خرْجًا فخراج ربك خير، وأم تسألهم خراجًا. وقرأ: فهل نجعل لك خرْجًا وخراجًا. اهـ. من معالم التنزيل 4/ 189. وهو مال يؤخذ من المنتفع بها، أي: الأرض المأخوذة من الكفار عنوة، أي: بدون قتال.

الجواب: يعتقان، ويحل الدين (¬1). * * * ¬

_ (¬1) أم الولد: هي أمة ملكها سيدها ملكَ اليمين، فاستفرشها فجاءت منه بولد. والأصل فيه خبر: "أَيُّما أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيّدِها فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ". وخبر: "أُمَّهَاتُ الأَوْلاَدِ، لا يُبعْنَ، وَلاَ يُوهَبْنَ، وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتعُ بِها مَا دَامَ حَيًَّا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ". المدبر: التدبير في اللغة: النظر في العواقب. وشرعًا: تعليق عتق من مالك بموته، وسمي تدبيرًا، من الدبر لأن الموت دبرُ الحياة. والأصل فيه قبل الإجماع خبر الصحيحين: أن رجلًا دبَّر غلامًا ليس له مال غيره، فباعه النبي - صلى الله عليه وسلم - أي: في دين كان عليه بغير إذنه للولاية العامة. وقاعدة: مَنِ اسْتَعْجَلَ بشيءٍ قَبْلَ أوَانِهِ عُوقبَ بِحرْمَانِهِ، أغلبية. ولهذا نرى في مسألة 21 الحكم الثاني موافقًا لهذه القاعدة حيث كان الدين مؤجلًا فلما ارتكب جريمة القتل صار الدين حالًا. اهـ. محمد.

يأجوج ومأجوج

يأجوجُ ومأجوج (¬1) 22 - مسألة: يأجوجُ ومأجوجُ، هل هم من أولاد حواء؟ وكم صح في قَدْر أعمارهم؟. ¬

_ (¬1) روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. في السد قال: "يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدًا، فيعيده الله تعالى، كأشدْ ما كان، حتى إذا أراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدًا إن شاء الله تعالى واستثنى، فيرجعون فيجدونه كهيئته، حين تركوه فيخرقونه، فيخرجون على الناس، فيستقون المياه، ويفر الناس منهم فيرمون بسهامهم في السماء، فترجع مخضَّبةً بالدماء، فيقولون: قهرنا مَنْ في الأرض، وعلونا مَنْ في السماء قهرًا وعلُوًا، فيبعث الله عليهم نغفًا في أقفائهم فيهلكون، فوالذي نفسي بيده إن دواب الأرض تسمن وتبطر وتشكر شكرًا من لحومهم". رواه الترمذي بسند حسن. النّغَفَ: -كسبَبَ- دود يظهر في أنف الإبل والغنم فتهلك. يأجوج ومأجوج هما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف. وهما من ولد يافث وهمزهما عاصم فقرأهما بالهمز. ثم من الناس من وصفهم بقصر القامة، وصغر الجثة يكون طول أحدهم شبرًا، ومنهم من وصفهم بالطول المفرط، وكبر الجثة، وأثبتوا لهم مخاليب في الأظفار، وأضراسًا كأضراس السباع. واختلفوا في كيفية إفسادهم في الأرض. فقيل: كانوا يقتلون الناس، وقيل: يأكلون لحوم الناس، وقيل: كانوا يخرجون أيام الربيع، فلا يتركون شيئًا أخضر إلا أكلوه، ولا يابسًا إلا احتملوه. وهذا اللفظ: مأخوذ من تأجج الملح، وهو شدة ملوحته، فلشدتهم بالحركة سموا بذلك. راجع الفخر الرازي 22/ 170. فخروج يأجوج ومأجوج، علامة من علامات الساعة الكبرى فقد روى الإمام أحمد عن سفيان الثوري عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بت أم حبيبة =

العلم والجهاد

الجواب: هم من ولد آدم من حواءَ عند جماهير العلماء، وقيل: إِنهم من بني آدم لا من حواءَ، فيكونون إِخوتنا لأب، ولم يثبت في قدْر أعمارهم شيء، وذكر المفسرون وأهل التاريخ في ذلك أشياء لا تثبت. العلم والجهاد 23 - مسألة: الاشتغال بالعلم، والجهاد أيُّهما أفضل؟. الجواب: ما دام الجهاد فرضَ كفاية، فالاشتغال بالعلوم أفضل، وإِن صار الجهاد فرضَ عين فهو أفضل من العلم، سواء أكان فرضَ عين أم فرضَ كفاية "والله أعلم". مسائل نفيسة تتعلق بعلم الفرائض 24 - مسألة: مذهب الجمهور من الصحابة، ومَنْ بعدهم رضي الله عنهم إِثباتُ العَوْل في مسائل الفرائض، إِذا زادت الفروض على السهام، وهذا هو القياس كما لو ضاقت أموالُ المفلس، والميتِ عن ديونه، فإِنه تقسط بنسبتها. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا عول. فما قولُ ابن عباس إِذا ضاقت السهام عن الفروض؟. الجواب: يدخل النقصُ على الأخوات والبنات، لأنهنَّ يكنَّ عصباتٍ في بعض الأحوال وهو مع إخوتهن، وشأنُ العصبة أن يدخل ¬

_ = بنت أبي سفيان، عن أمها حبيبة عن زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: استيقظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول: "وَيْلٌ لِلْعَربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ. فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْل هذا". وحلق بأصبعه السبابة، والإبهام، قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟. قال: "نعم، إذا كَثُر الْخَبَثُ". أي: المعاصي والمنكرات.

النقص عليه فيأخذ ما بقي بعد الفروض، ولا بد في مسائل العَول من أخوات أو بنات "مثاله" زوج، وأم، وأخت، قال ابن عباس: للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأخت ما بقي وهو السدس. زوج وأبوان، وبنتان: للزوج الربع، وللأبوين السدسان، والباقي للبنتين: وهو خمسة أسهم من اثني عشر سهمًا (¬1). ¬

_ العول (¬1) العول لغة: الارتفاع والزيادة. وفي الاصطلاح: زيادة ما يبلغه مجموع السهام المأخوذ من الأصل عند ازدحام الفروض عليه، ومن لازمه دخول النقص على أهلهم بحسب حصصهم. ولم يقع العول في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وإنما وقع في زمن عمر رضي الله عنه؛ وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أول من عال الفرائض عمر رضي الله عنه، لما التوت عليه الفرائض ودافع بعضها بعضًا وقال: ما أدري أيكم قدَّم الله، ولا أيكم أخر؟ -وكان امرءًا ورعًا- فقال: ما أجد شيئًا أوسع لي من أن أقسم التركة عليكم بالحصص؛ وأدخل على كل ذي حق ما أدخل عليه من عول الفريضة. اهـ. وروي أن أول فريضة عالت في الإسلام: زوج، وأختان، فلما رفعت إلى عمر رضي الله عنه، قال: إن بدأت بالزوج، أو بالأختين، لم يبق للآخر حقه: فأشيروا عليَّ. فأول من أشار بالعول العباس رضي الله عنه على المشهور. وقيل: علي رضي الله عنه. وقيل: زيد بن ثابت رضي الله عنه. والظاهر كما قال السبكي رحمه الله: إنهم كلهم تكلموا في ذلك لاستشارة عمر رضي الله عنه إياهم واتفقوا على العول. فلما انقضى عصر عمر رضي الله عنه أظهر ابن عباس رضي الله عنه الخلاف في المباهلة، فقيل له ما بالك لم تقل هذا لعمر؟ فقال: كان رجلًا مهابًا. وتعول من أصول مسائل الفرائض ثلاثةٌ: ضابطها: الستة، وضعفها، وضعف ضعفها. قالَ فى الرحبية: فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ أُصُولُ ... ثَلَاثَةٌ مِنْهُنُّ قَدْ تَعُولُ وَبَعْدَها أرْبَعَةٌ تَمَامُ ... لا عَوْلَ يَعْرُوها وَلاَ انْثِلامُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أما عول الستة: فتعول الستة إلى عشرة، وترًا وشفعًا. فعولها إلى سبعة: كزوج وأختين لغير أم. وإلى ثمانية: كزوج وأختين وأم. وإلى تسعة: كزوج وأختين وأم وأخ لأم. وإلى عشرة: كزوج وأختين وأم أخ 2. وتعول اثنا عشر إلى سبعة عشر وترًا. فعولها إلى ثلاثة عشر: كزوجة، وأم، وأختين لغير أم. وإلى خمسة عشر: كزوجة، وأم، وأختين وأخ لأم. وإلى سبعة عشر: كزوجة، وأم، وأختين، وأخ 2. وتعول أربعة وعشرون: لسبعة وعشرين فقط. كبنتين، وأبوين، وزوجة: للبنتين ستة عشر. وللأبوين ثمانية وتسمى بالمنبرية. اهـ. وللزوجة ثلاثة. وإليك حلها عمليًا: المسألة الأولى أما عول الستة: فتعول الستة إلى عشرة: وترًا، وشفعًا. فعولها إلى سبعة: كزوج، وأختين لغير أم. الحل: ............................. 6 ..... 7 - نصف ....... زوج ......... 3 ثلثين ...... 2 أخت ش ..... 4 3 =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المسألة من ستة: لأن فيها نصفًا وثلثين، فللزوج ثلاثة، وللأختين الثلثان أربعة، ومجموعها سبعة فيقسم المال بينهما أسباعًا. المسألة الثانية وأما عولها إلى ثمانية: كزوج، وأختين لغير أم، وأم. الحل: ............................... 6 .... 8 نصف ....... زوج .......... 3 ثلثين ........ 2 أخت ش .... 4 سدس ....... أم .............. 1 فللزوج النصف ثلاثة، وللأختين الثلثان أربعة، وللأم السدس واحد، ومجموع ذلك ثمانية. فيصير للزوج ربع وثمن، وللأختين نصف. المسألة الثالثة وأما عولها إلى تسعة: كزوج، وأختين لغير أم، وأم، أخ لأم. الحل: ............................. 6 .... 9 - نصف ...... زوج ......... 3 ثلثين ....... 2 أخت ش ... 4 سدس ...... أم ............. 1 سدس ...... أخ لأم ........ 1 فللزوج النصف ثلاثة، وللأختين الثلثان أربعة، وللأم السدس واحد، وللأخ للأم السدس كذلك. ومجموعها تسعة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المسألة الرابعة وأما عولها إلى عشرة: كزوج، وأختين لغير أم، وأم، وأخوْين لأم. الحل: .................................... 6 ..... 10 نصف ........... زوج ........... 3 ثلثين ............ 2 أخت ش ..... 4 سدس ........... أم ............... 1 سدسين ....... 2 لأخ لأم ......... 2 فللزوج النصف ثلاثة، وللأختين الثلثان أربعة، وللأم السدس واحد، وللأخوين لأم الثلث وتلقب مسألتهم بأم الفروخ لأنها شبهت بطائر وحوله أفراخه وبالشريحية لأن القاضي شُريح أول من جعلها عشرة. فمجموع هذه المسألة عشرة. المسألة الأولى وأما عول الإثني عشر: وتعول إثنا عشر، إلى سبعة عشر وترًا. فعولها إلى ثلاثة عشرة، كزوجة، وأم، وأختين شقيقتين. الحل: ............................... 12 .... 13 ربع ........... زوجة ........ 3 سدس ......... أم ............. 2 ثلثين ........ 2 أخت ش ..... 8 فمسألتهم من إثني عشر. لأن فيها ربعًا وسدسًا: فللزوجة الربع ثلاثة، وللأم السدس اثنان، وللأختين الثلثان، ومجموعها ثلاثة عشر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المسألة الثانية وأما عولها إلى خمسةَ عشر: كزوجة، وأم، وأختين شقيقتين، وأخ لأم. الحل: .................................... 12 ... 15 ربع ......... زوجة .............. 3 سدس ......... أم ................. 2 ثلثين ......... 2 أخت ش ........ 8 سدس ......... أخ لأم ............ 2 فيصير للزوجة الربع ثلاثة أجزاء: وللأم السدس جزءان وللأختين الشقيقتين الثلثان ثمانية أجزاء وللأخ لأم السدس جزءان فيصير المجموع خمسة عشر. المسألة الثالثة وأما عولها إلى سبعة عشر: كزوجة، وأم، وأختين شقيقتين، وأخوين لأم. الحل: .................................. 12 ... 17 ربع ......... زوجة ............. 3 سدس ......... أم ................ 2 ثلثين ......... 2 أخت ش ....... 8 ثلث ......... 2 أخ لأم .......... 4 فيصير المجموع سبعة عشر: للزوجة الربع ثلاثة، وللأم السدس اثنان، وللأختين الثلثان ثمانية، ولكل أخ السدس، وهو اثنان. وأما عول الأربعة والعشرين: وتعول أربعة وعشرون: لسبعة وعشرين فقط. كبنتين، وأبوين، وزوجة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الحل: ..................................... 24 ..... 27 ثلثين ........... 2 بنت ........... 16 سدس ........... أب ............... 4 سدس ........... أم ................ 4 ثمن ........... زوجة .............. 3 فأصل مسألتهم من أربعة وعشرين؛ لأن فيها ثمنًا للزوجة، وثلثين للبنتين. وبينهما تباين، فيضرب مخرج أحدهما وهو ثلاثة في كامل مخرج الآخر، وهو ثمانية يكون الحاصل أربعة وعشرين، فللبنتين الثلثان ستة عشر. وللأبوين الثلث ثمانية، وللزوجة الثمن ثلاثة فتعال المسألة بها إلى سبعة وعشرين وتلقب هذه المسألة بالبخيلة لقلة عولها. هذا مذهب الجمهور من الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم، إثبات العَوْل في مسائل الفرائض، إذا زادت الفروض على السهام وهذا هو القياس كما ذكره "المؤلف" رحمه الله تعالى وكما صورتُ المسائل الفرضية التي تعول عمليًا للإيضاح والبيان. وأما صورة المسألة على رأي ابن عباس في عدم إثبات العول، بإدخاله النقص على الأخوات والبنات، لاعتبارهن عصبات، وشأن العصبة أن يدخل النقص عليه، فيأخذ ما بقي بعد الفروض. وإليك صورة المسألتين عمليًا على رأيه رضي الله عنه: ........................ 6 زوج .................. 3 أم ..................... 2 أخت .................. 1 الباقي تعصيبًا =

25 - مسألة: مما وقع السؤال فيه مراتٍ: مسألة المشرَّكة في الفرائض: وهي زوج وأم، أو جدة واثنان من ولد الأم، وذكر فأكثرُ من ولد الأبوين، فلو كان الذين من الأبوين ذكورًا، أو إِناثًا، والذين من الأم كذلك، فكيف يتقاسمون الثلث الذي هو فرض ولد الأم؟. الجواب: قال أصحابنا وغيرهم: يتقاسمه أولاد الأبوين، وأولاد الأم: الذكر والأنثى بالسوية، ولا تفضيل للذكر، سواء كان من الأم، أو من الأبوين لأنهم إِنما يرثون بولادة الأم ولا تفضيل فيها "والله أعلم". 26 - مسألة: سئل عن خمسة عشر ذكرًا، ورثوا مالًا بالنسب: خمسة منهم نصفه، وخمسة ثلثه، وخمسة سدسه؟. الجواب: الأولون أولاد عم (¬1) وهم إخوة لأم، والخمسة الثانية أولاد عم فقط، والخمسة الثالثة إخوة لأم فقط (¬2)، والله أعلم. * * * ¬

_ = 2 ............................. 12 ...... 24 ربع ........... زوج ....... 3 ........ 6 سدس ........... أب ........ 2 ........ 4 سدس ............ أم ........ 2 ........ 4 الباقي تعصيبًا .... 2 بنت ... 5 ....... 10 (¬1) نسخة "أ": فقط. (¬2) وصورتها: أن يموت الإنسان عن خمسة أخوة لأم، وخمسة أخوة لأم وهم أبناء عم، وخمسة أبناء عم: فأصل المسألة من ستة، اشترك الأخوة لأم، العشرة جميعًا بالثلث، واشترك خمسة منهم مع أبناء العم الخمسة بالتعصيب. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثم صحت المسألة، بضرب أصل المسألة بعدد "الرؤوس" (5) للتماثل، فأصبحت من (30). أخذ منها الأخوة لأم (5) فقط، وهو نصيبهم من الثلث ويعادل سدس التركة. وأخذ الخمسة الآخرون من الأخوة لأم نصيبهم من الثلث أيضًا وهو (5). وأخذوا معهم حظهم من التعصيب وهو (10) فأصبح مجموع نصيبهم (15) وهو يعادل نصف التركة وبقي لأبناء العم الخمسة (10) تعصيبًا، وهو يعادل ثلث التركة. وهذه صورتها عمليًا: 5 .................................... 6 .......... 30 .......... المجموع ثلث ...... 5 أخ لأم ............... 1 .......... 5 ............ 5 ........... 5 أخ لأم، وأبناء عم ... 1 + 2 ..... 5 +10 ...... 15 ........... 5 أبنا عم .............. 2 .......... 10 .......... 10 اهـ. محمد.

كتاب النكاح

كِتابُ النِكَاحِ (¬1) وفيه خمس عشرة مسألة 1 - مسألة: هل الزواج من أعمال الآخرة أم من أعمال الدنيا وحظوظ النفوس؟. الجواب: إِن قصد به شيئًا من الطاعات، بأن قصد الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو تحصيلَ ولد صالح، أو إعفافَ نفسه، وصيانةَ فرجه، وعينه، وقلبه، ونحو ذلك، فهو من أعمال الآخرة وُيثابُ عليه، وإن لم يقصد به شيئًا من ذلك فهو مباح من أعمال الدنيا وحظوظ النفس، ولا ثواب فيه، ولا إِثم (¬2)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) هو لغة: الضم. وشرعًا: عقد يعتبر فيه لفظ إنكاح، أو نحوه وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء. والأصل فيه قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} سورة النساء: الآية 3. وخبر: "تناكحوا تكثروا". رواه الشافعي بلاغًا. (¬2) فالنكاح سنّة ماضية، وخلُق من أخلاق الأنبياء، وله فوائدُ وآفات. فوائد النكاح فمنها: الولد وهو الأصل، ولأجله وضع النكاحُ والمقصود إبقاء النسل، وأن لا يخلوَ العالَم عن جنس الإنس، وإنما الشهوة خلقت في الإنسان باعثةً له. ومنها: التحصن عن الشيطان وكسر التوقان، ودفع غوائل الشهوة، وغض البصر، وحفظ الفرج. ومنها: ترويح النفس، وإيناسها: بالمجالسة، والنظر، والملاعبة، وتقوية له على العبادة؛ فإن النفس ملول. =

كشف وجه المسلمة

كشف وجه المسلمة 2 - مسألة: هل يجوز للمسلمة أن تكشف وجهها ونحوَه من بدنها (¬1) ليهودية أو نصرانية وغيرهما من الكافرات؟ وهل في ذلك خلافٌ في مذهب الِإمام الشافعي وما دليلهُ؟. الجواب: لا يجوز لها ذلك؛ إِلا أن تكون الكافرة مملوكةً لها، هذا هو الصحيح في مذهب الشافعي رضي الله عنه، ودليله قول الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ ¬

_ = ومنها: تفريغ القلب عن تدبير المنزل، والتكفل بشغل الطبخ، والكنس والفرش، وتنظيف الأواني، وتهيئة أسباب المعيشة؛ فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة الوقاع، لتعذر عليه العيش. ومنها: مجاهدة النفس، ورياضتها: بالرعاية، والولاية، والقيام بحقوق الأهل، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، والسعي في إصلاحهن، وإرشادهن إلى طريق الدين. وأما آفات النكاح فثلاث الأولى: وهي أقواها العجز عن طلب الحلال؛ فإن ذلك لا يتيسر لكل أحد، لا سيما في هذه الأوقات. الثانية: القصور عن القيام بحقهن، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، وهذه دون الأولى. الثالثة: أن يكون الأهل، والولد، شاغلًا له عن الله تعالى، وجاذبًا له إلى طلب الدنيا، وحسن تدبير المعيشة للأولاد، بكثرة جمع المال، وادخاره لهم. وكل ما شغل عن الله تعالى من أهل ومال وولد فهو مشؤوم. اهـ. من الإحياء بتصرف واختصار. ذكرت للقارىء الكريم هذه الفوائدَ والأفات، لإخلاص النية، وابتغاء المقصد الحسن، والغاية القصوى من ثمرات الزواج، وفوائد النكاح، فرضي الله عن إمامنا "الغزالي" الطبيب الوقاف، والعلامة الثبت الذي شخص الداء، ووصف الدواء، وكشف اللثام عن دخائل النفس ونواياها ومقاصدها، وخباياها. اهـ. محمد. (¬1) نسخة "أ": يديها.

زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1) أي نساء المسلمات، فبقيت الكافرات (¬2) على النهي المذكور في أول الآية. وقد كتب سيدنا عمر بنُ الخطاب رضي الله عنه إِلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وهو بالشام يأمره: أن ينهى المسلمات عن ذلك، والله أعلم (¬3). ¬

_ (¬1) سورة النور: الآية 31. (¬2) نسخة "أ": الكفار. (¬3) قال الإمام الشرقاوي على التحرير 1/ 173. وعورة الحرة خارجَ الصلاة، بالنسبة لنظر الأجنبي إليها، جميعُ بدنها حتى الوجهَ، والكفين، ولو عند أمن الفتنة، ولو رقيقة. فيحرم عليه أن ينظر إلى شيء من بدنها، ولو قلامةَ ظفر منفصلة منها. وبالنسبة للرجال المحارم، والنساء مطلقًا غير الكافرات. وكذا في الخلوة فما بين سرتها وركبتها. أما بالنسبة للنساء الكافرات، فما عدا ما يبدو عند المهنة. اهـ. وقال الإمام الجرداني في كتابه "فتح العلام" 2/ 178 الطبعة الثالثة، تحت عنوان "عورة المرأة بالنسبة للنساء الكافرات" وبالنسبة لنظر النساء الكافرات، جميعُ بدنها إلا ما يظهر منها عند المِهنة على المعتمد. وقيل: ما بين السرة والركبة. وقيل: ما عدا الوجه والكفين. ورجح البلقيني أنها معهن، كالأجنبي. وصرح به القاضي وغيره. وقال شيخ الإسلام في شرح منهجه: إنه الأوجه، وعليه فيحرم عليهن النظر لجميع بدنها بدون استثناء، وقد علمت أن المعتمد استثناء ما يظهر عند المهنة. ثم يحل ما تقرر حيث لم يكن بين المسلمة والكافرة محْرمية ولا مملوكية، وإلا جاز النظر لما عدا ما بين السرة والركبة. =

النظر إلى الأمرد

النظر إلى الأمرد 3 - مسألة: هل يجوز النظر إِلى الأمرد أم لا؟ ولو كان رجل يهوى المرْد، وُينفق عليهم ماله، ويهون عليه إِعطاء الواحد منهم جملة كثيرة، ويشق عليه إِعطاءُ درهم لفقير ذي عيال محتاج، هل يحرم عليه اجتماعه هو وهم؟ وإِنفاقه على هذا الوجه؟ وهل إِذا جمع بينهم يكون آثمًا أم لا؟ وهل تسقط عدالة من جمعهم، وداوم على ذلك أم لا؟ وهل قال بإجازة ذلك أحد من العلماء أم لا؟. الجواب: مجرد النظر إِلى الأمرد الحسن حرامٌ، سواء كان بشهوة أم بغيرها، إِلا إذا كانت لحاجة (¬1) شرعية: كحاجة البيع، والشراء، أو التطبب، أو التعليم ونحوها، فيباح حينئذ قدرُ الحاجة، وتحرم الزيادة، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (¬2) وقد نص الشافعي رحمه الله تعالى وغيرُه من العلماء رحمهم الله تعالى على تحريم النظر إِليه من غير حاجة شرعية واحتجوا بالآية الكريمة، ولأنه (¬3) في معنى المرأة؛ بل بعضهم أحسنُ من كثير من النساء، ولأنه يمكن في حقه من الشر ما لا يمكن في حق المرأة، ويتسهل من طرق الريبة والشر في حقه، ما لا يتسهل (¬4) في حق المرأة، فهو بالتحريم أولى، وأقاويل السلف في التنفير منهم، والتحذير من رؤيتهم أكثرُ من أن تحصر، وسموهم الأنتانَ؛ لأنهم مستقذَرون شرعًا، وسواء في كل ما ذكرناه، نظر المنسوب إِلى الصلاح وغيره. ¬

_ = وحرمة النظر على الكافرة مبني على كونها مكلفةً بفروع الشريعة، وهو الأصح وإذا كان حرامًا عليها، حرم على المسلمة تمكينها منه؛ لأنها تعينها به على مُحَرَّمٍ. اهـ. (¬1) نسخة "أ": الحاجة. (¬2) سورة النور: الآية 30. (¬3) نسخة "أ": وبأنهم. (¬4) نسخة "أ": يسهل.

وأما الخلوة بالأمرد فأشد تحريمًا من النظر إِليه؛ لأنها أفحش وأقرب إِلى الشر، وسواءٌ خلا به منسوبٌ إِلى الصلاح أو غيره. وأما جمع المرد على الوجه المذكور فحرام على الجامع والحاضرين. وإنفاق المال في ذلك حرام، شديد التحريم، ومن جمعهم كذلك (¬1) وأصر عليه فسق، ورُدت شهادتُه، وسقطت روايته، وبطلت ولايته. ويجب على ولي الأمر وفقه الله لمرضاته أن يمنعهم من ذلك وُيعزّرَهم تعزيرًا بليغًا، ويزجرهم وأمثالهم (¬2) عن مثل ذلك. ويجب على كل مكلف علم حال هؤلاء أن يُنكر عليهم بحسب قدرته. ومن عجز عن الإِنكار عليهم، وأمكنه رفعُ حالهم إِلى وليِ الأمر، لزمه ذلك، ولم يقل أحد من العلماء بإباحة ذلك على هذا الوجه المذكور (¬3)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": لذلك. (¬2) معطوفة على الهاء من يزجرهم. (¬3) ولقد جاءت الأحاديث الصحيحة: مهددة ومحذرة، ومخوفة، عن أمثال هذه الأعمال السيئة الدالة على خبث في الطبع، وفساد في النفس، وقبح في العمل، وانحراف في الخلق. منها ما رواه جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أخوف ما أخاف على أمتي من عمل قوم لوط". رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. وعمل قوم لوط: هو إتيان الذكر في دبره، كما تؤتى المرأة في فرجها. وعن جابر من حديث طويل: "وإذا كثر اللوطية. رفع الله عز وجل يده عن الخلق". رواه الطبراني. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: "ملعون من عمل عمل قوم لوط. ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط". رواه الحاكم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به". رواه أبو داود والترمذي. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال البغوي: اختلف أهل العلم في حد اللوطي، فذهب إلى أن حد الفاعل حدُّ الزنا: إن كان محصنًا يرجم، وإن لم يكن محصنًا يجلد مائة. وهو قول: سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والحسن، وقتادة، والنخعي. وبه قال الثوري؛ والأوزاعي؛ وهو قول الشافعي. ويحكى أيضًا عن أبي يوسف، ومحمد بن الحسن. وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مائة، وتغريب عام رجلًا كان أو امرأة، محصنًا كان أو غير محصن. وذهب بعضهم إلى أن اللوطي يرجم محصنًا كان أو غير محصن. والقول الآخر للشافعي أنه يقتل الفاعل والمفعول به وقال الحافظ: حَرَقَ اللوطيةَ بالنار، أربعة من الخلفاء: أبو بكر، وعلي، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك. ويحرم مصافحة الأمرد؛ وذلك لأنه أشد فتنة من النساء. قال بعض التابعين: ما أنا بأخوفَ على الشاب الناسك من سَبُعٍ ضارٍ من الغلام الأمرد يقعد إليه. "والحاصل أن أقاويل السلف في التنفير عن المُرْدِ، والتحذير من رؤيتهم ومن الوقوع في فتنتهم، ومخالطتهم، أكثر من أن تحصر. وكانوا رضوان الله عليهم يسمون المرد الأنتان والجيف؛ لأن الشرع الشريف استقذر النظر إليهم، ومنع من مخالطتهم. ولله درُّ مَنْ قال: لا تَصْحَبنَّ أمْرَدًا يا ذا النُهَى ... واترك هَواهُ وارتجعْ عن صُحْبته فهو مَحَل النقص دَوْمًا والبَلا ... كلَّ البلاءِ أصْلُهُ من فتنته "ويحكى" أن سفيان الثوري رضي الله عنه دخل عليه في الحمام أمرد حسن الوجه. فقال: أخرجوه عني!! فإني أرى مع كل امرأة شيطانًا، ومع كل أمرد سبعةَ عشر شيطانًا. والأمرد: هو الشاب الذي لم تنبت لحيته. واختلفوا في حد الجمال: قال ابن حجر: الجميل بالنسبة لطبائع الناظر، فقد يكون جميلًا عند قوم، وقبيحًا عند آخرين. وقال الرملي: هو الوصف المستحسن عرفًا لذوي الطباع السليمة. راجع إعانة الطالبين: 4/ 263. =

الحرمة المؤبدة

الحرمة المؤبدة (¬1) 4 - مسألة: في حقيقة المرأة التي هي مَحْرم له، يحل النظرُ ¬

_ = تجد ما تقر عينك فإني أسهبت القلم في هذا، وأطلت الكلام؛ لأننا في زمانٍ فاض شره، وخمد خيره، وظهرت الفاحشة، فاكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وأصبحت المرد تنكح كما تنكح النساء. أعاذنا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اهـ. محمد. (¬1) يحرم على الرجل: المحارم المؤبدة 1 - نكاح الأم. 2 - والجدات. 3 - والبنات. 4 - وبنات الأولاد وإن سفلوا. 5 - والأخوات. 6 - وبنات الأخوات. 7 - وبنات أولاد الأخوات وإن سفلوا. 8 - وبنات الأخوة. 9 - وبنات أولاد الأخوة وإن سفلوا. 10 - والعمات. 11 - والخالات وإن علون. ويحرم عليه: 12 - أمُ المرأة. 13 - وجداتُها، سواء كن من رَضاع أو نسب. 14 - وبنت المرأة. 15 - وبنات أولادها، فإن بانت الأم منه قبلَ الدخول بها حلَّتْ له، فإن دخل بها حرمن على التأبيد. ويحرم عليه: 16 - أم مَنْ وطئها بملك، أو شبهة وإن علت. 17 - وبنتها. =

إِليها، والخلوةُ بها، هي (¬1): كل من حرُم عليه نكاحُها على التأبيد (¬2)، احترازٌ من أخت امرأته ونحوها. وقولنا بسبب مباح: احترازٌ من أم الموطوءة بشبهة وبنتها، فإنهما محرمتان على التأبيد؛ لكن لا بسبب مباح؛ لأن (¬3) وطء الشبهة لا يوصف بأنه مباح ولا حرام؛ لأنه ليس فعلَ مكلف؛ لأن الغافل (¬4) ليس مكلفًا. ووقع في كلام صاحب المهذب وغيرِه أنه حرام، وهو تساهل، ومرادُهم صورتهُ صورة الحرام. ¬

_ = 18 - وبناتُ أولادها. ويحرم عليه: 19 - زوجة أبيه. 20 - وأزواجُ آبائه، سواءٌ كانوا من جهة الأب، أو من جهة الأم، وسواءٌ كانوا من نسب أو رضاع. 21 - وزوجة ابنه من النسب، أو الرضاع وإن نزل. 22 - ومن وطئها الأبُ، أو آباؤه بملك أو شبهة. 23 - ومن وطئها الابن، وإن نزل بملك أو شبهة. وإن تزوج امرأة، ثم وطئها أبوه، أو ابنه بشبهة، أو وطيء هو أمها، أو بنتها بشبهة انفسخ نكاحها. هذه المحارم على التأبيد. وأما المحارم التي ليست على التأبيد: 1 - أن يجمع بين المرأة وأختها. 2 - وأن يجمع بين المرأة وعمتها. 3 - وأن يجمع بين المرأة وخالتها. (أي: أخت الزوجة، وعمتها، وخالتها) فإذا وقع طلاق أو وفاة للزوجة فله أن يتزوج إحداهن. اهـ. محمد. (¬1) نسخة "أ": هل. (¬2) نسخة "أ": "بسبب مباح لحرمتها فقولنا: على التأبيد". (¬3) نسخة "أ": فإن. (¬4) نسخة "أ": العاقد.

استعمال الحرير ولبسه

وقولنا (¬1) لحرمتها: احتراز من الملاعنة، فإنها محرمة على التأبيد بسبب مباح (¬2)؛ ولكن لا لحرمتها، عقوبةً لهما، والله أعلم. استعمال الحرير ولبسه 5 - مسألة: جرت عادة كبراءِ الناس أن يكتبوا الصداق على ثوب حرير محض هل يجوز؟. الجواب: لا يجوز؛ لأنه لا يجوز للرجال استعمال الحرير في لبس، ولا في غيره، وإِنما يجوز للنساء لبسه، وهذا استعمال من الرجال، فهو حرام، فلا يغتر بكثرة من يفعله في العادة، ولا بكثرة من يراه ولا ينكره، فإن هذا كباقي المحرمات الواقعة في العادة، وقد صرح ¬

_ (¬1) نسخة "أ": وقوله. (¬2) الملاعنة: هي أن يقذف الرجل زوجته بالزنا، فعليه حدُّ القذف إلا أن يقيم البينة، أو يلاعن الزوجة المقذوفة بأمر الحاكم. فيقول عند الحاكم في الجامع على المنبر في جماعة من الناس: أشهد بالله إنني لمن الصادقين فيما قَذَفْتُ به زوجتي فلانة من الزنا، وإن هذا الولد من الزنا وليس مني. يقول هذه الكلمات: أربع مرات، ويقول في المرة الخامسة بعد أن يعظه الحاكم: وعليّ لعنة الله إن كنتُ من الكاذبين. ويتعلق بلعانه خمسة أحكام: 1 - سقوط الحد عنه. 2 - ووجوب الحد عليها. 3 - وزوال الزوجية. 4 - ونفي الولد. 5 - والتحريم للملاعنة على الأبد. ويسقط الحد عنها بأن تلاعن الزوج بعد تمام لعانه فتقول في لعانها: أشهد بالله أن فلانًا هذا لمن الكاذبين فيما قذفني به من الزنا، تقول هذه الكلمات: أربع مرات، وتقول في الخامسة بعد أن يعظها الحاكم: وعليَّ غضب الله إن كان من الصادقين. اهـ. من تنوير القلوب للشيخ أمين الكردي.

ولي السفيه والمجنون والصبي

بتحريم كتابة الصداق في الحرير جماعةٌ من أصحابنا "والله أعلم" (¬1). وليُّ السفيه والمجنون والصبي 6 - مسألة: هل يجوز لولي السفيه، والمجنون، والصبي تزويجُ أمته، أو عبده، أو أم ولده، وهل فيه خلاف في مذهب الِإمام الشافعي رضي الله عنه؟. الجواب: نعم؛ في الجميع خلاف، والأصح في الأمَة جواز التزويج إِذا ظهرت للولي فيه غبطة، والأصح أن الولي الذي يزوّج هنا هو ولي النكاح الذي يلي المال، وهو الأب أو الجد، لكن لا يزوجان الأمة الصغيرة الثيب إِلا أن تكون الصغيرة مجنونة، فإن كانت الأمة لسفيه اشترط إِذنه، والأصح أنه لا يجوز تزويج عبدهم (¬2). ¬

_ (¬1) قال سيدي أمين الكردي رحمه الله في كتابه "تنوير القلوب": ويحرم على الرجال المكلفين في حال الاختيار، لبسُ الحرير بأنواعه، وسائرُ أنواع الاستعمال: بفرش، وتدثر، وجلوس عليه، واستناد إليه. ومن المحرم النومُ في "الناموسية" التي وجهُها حرير. ومنه ستر الجدران بالحرير، وتزيين البيوت بالثياب التي عليها صور محرمة، وبالحرير. اهـ. ولا بأس بتوسده عند أبي حنيفة؛ لأن ذلك استخفافُ به، فصار كالتصاوير على البساط، فإنه يجوز الجلوس عليه، ولا يجوز لبس التصاوير وقالا - أي الصاحبان: يكره توسدُه، وافتراشه لعموم النهي، ولأنه زِيُّ من لا خَلاق له من الأعاجم. اهـ. اللباب للميداني: 2/ 284. (¬2) ينقسم الولي إلى قسمين: وليٌّ ولايةٍ، وولي مِلْك. فولي الملك: لا يشترط فيه أي شيء أبدًا، فله أن يزوج ما ملكت يمينُه متى شاء. وأما ولي الولاية: يشترط فيه: (1) العدالة، (2) والحرية، (3) والتكليف، فلا ولاية لفاسق عند الشافعية، خلافًا للأئمة الثلاثة، تثبت الولاية عندهم. وأما الإمام الأعظم: فلا يمنع فسقُه ولايتَه بناءًا على الصحيح أنه لا ينعزل بالفسق، =

نكاح المعتدة

7 - مسألة: هل يحرم على زوج أم الربيب، التزويجُ بزوجة ربيبه إذا طلقها أو مات عنها؟. أجاب رضي الله عنه: لا يحرم (¬1) "والله أعلم". 8 - مسألة: هل يجوز للأب أن يتزوج ربيبة ابنه؟. أجاب رضي الله عنه: نعم، يجوز (¬2)، سواء كان للابن ولد من أم ربيبته أم لا "والله أعلم: كتبته عنه". نكاح المعتدة 9 - مسألة: هل يجوز نكاح المعتدة منه البائن بغير الثلاث، وغير اللعان في عدته سواء كانت معتدةً عن خُلع بدون الثلاث أو فسخ، وكذا المعتدة عن وطء شبهة بنكاح فاسد أو غيره. وأما الرجعية منه فهي زوجة لا يُتصور عقد نكاحه عليها، ولو عقده فهل يكون رجعة لتضمنه الاستباحة أم لا تكون، لأنه ليس بلفظ الرجعة ولا بمعناها فيه وجهان: "أصحهما" يكون رجعة. "والله أعلم" (¬3). ¬

_ = فيزوج بناته وبنات غيره بالولاية العامة، تفخيمًا لشأنه إن لم يكن لهن وليٌّ خاص: كالجد والأخ، وإلا قُدّم عليه، لأن الفسق نقصٌ يقدح في الشهادة، فيمنع الولاية كالرق. وقال بعضهم: إنه يلي، لأن الفسق عمَّ والعملُ به الآن. وقال الإمام الأذرعي: لي منذ سنين أُفتي بصحة تزويج القريب الفاسق، واختاره جمع آخرون إذا عمَّ الفسق. حتى قال الغزالي: من أبطله حكم على أهل العصر كِلّهم -إلّا من شذَّ- بأنهم أولادُ حرام. أي ليسوا من أولاد حِلٍ لأن هذا الوطء يعتبر وطء شبهة. راجع إعانة الطالبين: 3/ 305. (¬1) الربيب: هو الغلام الذي تربى في حجْركَ لزواجك بأمه، فزوجته أجنبية عنك، لو طلقها أو مات عنها فلك أن تتزوجها على أمه. اهـ. فتنبه. (¬2) فلما جاز زواجه بربيبته: فبربيبة ابنه أولى سواء جاءه ولد أم لا. اهـ. (¬3) يحرم التصريح بخِطبة المعتدة من غيره، رجعية كانت أو بائنًا بطلاق، أو فسخ، أوموت. =

10 - مسألة: امرأة قالت لأخيها: طَلَّقني زوجي ثلاثًا، وأنكر الزوج، ثم خالعها الزوج وبانت منه هل يحل لها أن تتزوج به بغير محلل؟ وهل يحل للأخ المذكور تمكينها من النكاح؟. الجواب: لا يحل لها ذلك إِن كانت صادقة في قولها للأخ، فإن أنكرت القول جاز لها في الظاهر نكاحه، ولا يحرم في الظاهر إِلا بشهادة عدلين على إِقرارها، وإِقرار الزوج المذكور. ولا يحل للأخ المذكور تمكينها من الزوج إِن علم الطلاق الثلاث ولا يكفي في العلم قولها؛ إِلا إِذا انضم إِليه قرائن تصدقها. 11 - مسألة: هل يكره الجماع مستقبل القبلة في الصحراء، أو في البنيان، وهل فيه خلاف لأحد من العلماء؟. ¬

_ = "فائدة" وإنما حرم التصريح بها لأنها ربما تكذب في انقضاء عدتها، إذا تحققت رغبته فيها لما عهد على النساء من قلة الديانة، وتضييع الأمانة، فإنهن ناقصات عقل ودين. والمعتدة نوعان: معتدة من غيره. ومعتدة من نفسه. فالمعتدة من غيره حكمها ما تقدم. والمعتدة من نفسه يجوز له أن يصرح بالخِطبة، كما له أن يُعرض بها إن حل له نكاحُها، كأن خالعها، وشرعت في العدة فيحل له التعريض والتصريح، لأنه يجوز له نكاحها، فإن كان طلاقه لها رجعيًا لم يكن له التصريح ولا التعريض بخطبتها لأنه ليس له نكاحها وإنما له مراجعتها. وأما من لا يحل له نكاحها كأن طلقها بائنًا أو رجعيًا ثم وُطِئتْ بشبهة وحملت من وطء الشبهة: فإن عدة وطء الشبهة إذا كانت بالحمل، ويبقى عليها بقية عدة الطلاق. فلا يحل لصاحب عدة الشبهة أن يخطبها مع أنه صاحب العدة، لأنه لا يجوز له العقد عليها حينئذ لما بقي عليها من عدة الطلاق. اهـ. باجوري. راجع إعانة الطالبين: 3/ 268.

الجواب: لا يكره ذلك؛ لا في الصحراء، ولا البنيان؛ هذا مذهب الشافعي والعلماء كافةً، إِلا بعضَ أصحاب مالك (¬1). 12 - مسألة: لو انشق فرج المرأة، وصارت مفضاة (¬2) ونحوَها وفسد محلُ جماعها بولادة، أو جناية، أو غيرهما، هل لزوجها الخيار في فسخ (¬3) النكاح كالرتقاء، وهل عليه نفقتُها وكسوتُها إِذا لم يَفسخ؟. الجواب: لا خيار له، بخلاف الرتقاء (¬4)، لأن الرتقاء يتعذر وطؤها وهنا لا يتعذر، وإِنما يفوت كمال اللذة، وهذا لا يوجب الفسخ؛ ¬

_ (¬1) وقد ذكر الإمام "الغزالي" في الإحياء: 2/ 50، عند قوله: "العاشر" في آداب الجماع إلى أن قال: ثم ينحرف عن القبلة ولا يستقبل القبلة بالوقاع، إكرامًا للقبلة. إلخ .. ما ذكر من آدابٍ حولَ هذا الموضوع. اهـ. (¬2) الإفضاء: رفع ما بين قبلها ودبرها، أو رفع ما بين مدخل الذكر ومخرج البول على الخلاف فيه. اهـ. (¬3) "اعلم" أن الفسخ يفارق الطلاق في أربعة أمور: 1 - الأول: أنه لا يُنقص عدد الطلاق، فلو فسخ مرةً، ثم جدد العقد، ثم فسخ ثانيًا وهكذا لم تحرم عليه الحرمة الكبرى، بخلاف (ما) إذا طلق ثلاثًا؛ فإنها تحرم عليه الحرمة المذكورة، ولا تحل له إلا بمحللٍ. 2 - الثاني: إذا فسخ قبل الدخول فلا شيء عليه، بخلاف (ما) إذا طلق فإن عليه نصفَ المهر. 3 - الثالث: إذا فسخ لتبيُّنِ العيبِ بعدَ الوطء لزمه مهر المثل، بخلاف (ما) إذا طلق حينئذٍ فإن عليه المسمى. 4 - الرابع: إذا فسخ بمقارنٍ للعقد، فلا نفقةَ لها، وإن كانت حاملًا، بخلاف (ما) إذا طلق في الحالة المذكورة فتجب النفقة. وأما السكنى فتجب في كل من الفسخ والطلاق حيث كان بعد الدخول. اهـ. من إعانة الطالبين: 3/ 131، كتبه محمد. (¬4) الرتق: هو انسداد محل الجماع بلحم خِلْقي، ولا تُجبر على شق الموضع فإن شقته، أو شقها غيرها، وأمكن الوطء فلا خيار لزوال المانع من الجماع.

ولأن أحكام الفرج جارية على هذا المحل، فيجب الغسل بالِإيلاج فيه وكذا غيره. وأما النفقة والكسوة فيجبان "والله أعلم". 13 - مسألة: الصحيح من القولين وجوبُ المتعة للمطلقة بعد الدخول، وهذا مما يُغْفَل عن العمل به ولا تعرفه النساء فينبغي تعريفُهنَّ به وإِشاعته (¬1). 14 - مسألة: إِذا خالع (¬2) زوجته، ثم تزوجها قبل فعل المحلوف عليه تخلص من الحنث على الصحيح عند أكثر الأصحاب، ¬

_ (¬1) المتعة، لغة: التمتع. وشرعًا: مال يدفعه لمن فارقها بشروط. والأصل فيها قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] وقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ}. وهي واجبة. ولا ينافي الوجوب قوله: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}، لأن فاعل الوجوب محسن أيضًا. "والحكمة فيها" جبر الإيحاش الحاصل بالفراق. تجب المتعة لزوجة موطوءة. وكذا غير الموطوءة التي لم يجب لها شيء أصلًا. وهي المفوضة التي طلقت قبل الفرض والوطء، فتجب لها المتعةُ لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ}. (سورة البقرة: الآية 236). أما التي وجب لها نصفُ المهر، فلا متعة لها، لأن النصف جابرُ للإيحاش الذي حصل لها بالطلاق مع سلامة بَضعها. فإن تنازعا في قدر المتعة، قدرها القاضي باجتهاده بقدر حالهما لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}. (سورة البقرة: الآية 236). اهـ. باختصار إعانة الطالبين: 3/ 355. كتبه محمد. (¬2) الخلع: لفظ يدل على فرقة بعوض مقصود، راجع إلى جهة الزوج. والدليل عليه قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}. (سورة النساء: الآية 4). وفي حديث البخاري: "فقال لها: أتردينَ عليه حديقته؟ وكان قد أصدقها إياها، فقالت: نعم؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" وهو أول خلع وقع في الإسلام: وهو نوع من الطلاق ولكن لا ينقص العدد كما تقدم قريبًا.

وهو الصحيح المختار، لأن هذا نكاح لم يحصل فيه تعليق، ومذهبنا أن التعليق السابق للنكاح لا يقع به شيء. 15 - مسألة: لو قال لزوجته: خالعتك على ما في كمك، أو طلقتك على ما في كمك، فقالت: قبلت ولم يكن في كمها شيء هل يقع رجعيًا أم بائنًا؟ وهل صرح به أحد من أصحاب الشافعي رضي الله عنه؟. الجواب: الصواب المعروف في مذهب الشافعي رضي الله عنه: أنه يقع الطلاق بائنًا، ويلزمها مهرُ المثل؛ كما لو خالعها على خمر أو غيره من الأعواض الفاسدة، وبهذا جزم وصرح به خلائقُ من أصحاب الشافعي منهم: أبو نصر بنُ الصباغ في كتابه الشامل، وأبو سعيد المتولي في كتابه التتمة، وأبو بكر الشاشي في كتابه المستظهري، ويحيى بنُ أبي الخير التميمي في كتابه البيان وآخرون. وهو مقتضى كلام إِمام الحرمين وآخرين. وأما قول "الغزالي" في الوسيط: إِنه يقع الطلاق رجعيًا، ولا شيءَ عليها ففاسد مردود، ونقل الغزالي عن أبي حنيفة أنه قال: يقع بائنًا، وتلزمه (¬1) ثلاثةُ دراهمَ، وهو ضعيف "والله أعلم". * * * ¬

_ (¬1) نسخة "أ". ويلزمه.

كتاب الطلاق

كِتابُ الطَلاق (¬1) وفيه عشر مسائل حكم طلاق الناسي والجاهل 1 - مسألة: الأصح: أن طلاقَ الناسي، والجاهل لا يقع. صححه أكثر الأصحاب وهو المختار لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله تَجَاوَزَ لي عَنْ أُمتي الخَطَأَ والنّسيانَ ومَا اسْتُكرهوا عليه". وهو حديث حسن حجةٌ، وهو عام على المختار؛ وقيل: مجمل. فعلى المختار يُعمل بعمومه، إِلا ما خرج بدليل: كغرامة المتلَفات وغيرها، واليمين بالله تعالى أولى بأن لا يحنث فيها الناسي والجاهل. وصورة المسألة أن يعلق الطلاق على فعل شيء فيفعله ناسيًا لليمين، أو جاهلًا بأنه المحلوف عليه. وكذا إِن فعله مُكرَهًا، فالأصح أنه لا يقع (¬2). ¬

_ (¬1) هو لغة: حل القيد. وشرعًا: حل عقد النكاح بلفظ طلاق ونحوه، والأصل فيه قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [سورة البقرة: الآية 229]. وقوله عليه الصلاة والسلام: "لَيْسَ شَيءٌ مِنَ الْحَلاَلِ أبغضَ إلى اللهِ مِنَ الطَّلاَقِ". رواه أبو داود بإسناد صحيح. (¬2) قال في إعانة الطالبين: 4/ 23: ولو علقه بفعله شيئًا، ففعله ناسيًا للتعليق، أو جاهلًا بأنه المعلَّقُ عليه لم تطلق. وخرج بفعله ما لو علقه على فعل غيره: فإن كان ممن يبالي بتعليقه بحيث يشق عليه طلاق زوجته، ويحزن له لصداقة أو نحوها، وفعله ناسيًا أو جاهلًا لم يقع أيضًا. اهـ. ولا يقع طلاق مكره بغير حق، إذا وجدت شروطه. خلافًا للإمام أبي حنيفة رضي الله =

الحلف بالطلاق من غير تعيين

الحلف بالطلاق من غير تعيين 2 - مسألة: رجل له امرأتان أو أكثر، حلف بالطلاق حانثًا، ولم يعين الطلاق من بعضهن، أو كلّهن ولا نواه، ولا أتى بلفظ يشملهن، فله تعيين الطلاق في واحدة منهن، ولا طلاقَ على الباقيات؛ لأنه التزم الطلاق وذلك يحصل بطلاق واحدة فلا يكلف زيادة، وهذا كما قال أصحابنا: في السَّلم، والوصية، والِإقرار (¬1)، ينزل كلُّ ذلك على أقل ما ينطلق عليه الاسم (¬2). فيما لو حلف بالطلاق الثلاث 3 - مسألة: رجل حلف بالطلاق الثلاث، أنه لا يزوج ابنته من (¬3) ابن أخيه، ثم ندم وأراد تزويجه، هل له طريق في ذلك، ولا يقع ¬

_ = تعالى عنه؛ لخبر "لا طلاق في إغلاق". بكسر الهمزة: أي إكراه. والمراد: الإكراه على زوجة المكرَه، وخرج به ما إذا كان على طلاق زوجة المكرِه، كأن قال: طلق زوجتي وإلا لأقتلنك فطلقها فإنه يقع على الصحيِح لأنه أبلغ في الِإذن. وشرط الإكراه: قدرة المكرِه على تحقيق ما هدد به عاجلًا بولاية أو تغلب، وعجز المكرَه عن دفعه بفرار أو استغاثة. اهـ. كتبه محمد. (¬1) نسخة "أ": بترك. (¬2) قال صاحب كتاب كفاية الأخيار 2/ 66: باب الطلاق "فرع" طلق إحدى زوجتيه بعينها ثم نسيها، حرم عليه الاستمتاع بكلٍ منهما حتى يتذكر. فلو بادرت واحدة وقالت: أنا المطلقة، فلا يقنع منه بقوله: نسيت، أو لا أدري؛ بل يطالب بيمين جازمةٍ أنه لم يطلقها، فإن نكل حلفت وقضى باليمين المردودة. ثم قال: ولو طلق مُبهِمًا -اثنين أو أكثر- ولم يقصد واحدةً بعينها، طلقت واحدة على الإبهام وهو باختياره بأن قال: إحداكم طالق، أو واحدة منكن طالق. اهـ. ببعض تصرف واختصار. كتبه محمد. (¬3) نسخة "أ": بدون من.

حلف أنه يعرف أين يسكن إبليس

عليه الطلاق الثلاث، وقد قيل له: يأمرها أن تحضر عند القاضي، وتطلب منه الزواج، فيمتنع الأب، فيزوجها القاضي، لامتناع الأب وعَضْلِه، هل يجوز ذلك؟. الجواب: طريقه أن يسافر فيزَوجها القاضي بغيبة (¬1) الأب. وله أن يوكل من تزوجها (¬2) إن لم يكن نوى أنها (¬3) لا تصير زوجة لابن أخيه. أو يخالع زوجته، ثم يزوج ابن أخيه، ثم يجدد نكاح امرأته، ولا يجوز له العضل المذكور؛ فإنَّ العضل حرام بنص القرآن (¬4)، وإِجماع المسلمين فكيف يؤمر بالِإقدام عليه وليس حَلفُه عذرًا في ارتكاب هذا الحرام؛ لأن له طريقًا غَيره كما ذكرنا، ولو لم يكن له طريق لما حصل (¬5) له العضل؛ بل تزوج وإِن طَلُقت امرأته "والله أعلم". حلف أنه يعرف أين يسكن إبليس 4 - مسألة: رجل قال لغلامه: اعمل الشغل الفلاني؛ فقال: لا أحسنه؛ فقال: الطلاق يلزمني أنك تعرف أين يسكن إِبليس؛ ثم عمل الغلام ذلك الشغل. الجواب: إِن قصد بذلك أن الغلام حاذق، فطن، نبيه، لا يخفى عليه غالب الأمور العرفية، لحذقه ونحو ذلك لم يقع الطلاق. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": لغير. (¬2) نسخة "أ": يزوجها. (¬3) نسخة "أ": أنه. (¬4) وهو قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة البقرة: الآية 232]. (¬5) نسخة "أ": حلَّ.

حلف أن زوجته لا تذهب مع أمها للحمام

حلف أن زوجته لا تذهب مع أمها للحمام 5 - مسألة: رجل حلف بالطلاق أن زوجته لا تذهب مع أمها إِلى الحمام، فهل إِذا ذهبت الأم أولًا، ثم لحقتها الزوجة، واجتمعتا في الحمام، يقع الطلاق أم لا؟. الجواب: إِن قصد منعها من الاجتماع معها في الحمام وقع، وإِلا فلا يقع سواءً قصد مَنْعَ الذهاب وحدَه، أم لم يكن قصده. حلف أنه لا يبيت في هذا البيت 6 - مسألة: حلف بالطلاق لا يبيت في هذا البيت، فبات على سطحه؟. الجواب: لا يقع طلاقه. حلف بالطلاق أن الشافعي أفضل الأئمة 7 - مسألة: لو حلف بالطلاق، أن الشافعي أفضل الأئمة في عصره، ومذهبه خيرُ المذاهب، هل يقع عليه الطلاق أم لا؟. أجاب رضي الله عنه: لا طلاق عليه "والله أعلم". حلف أن الله تعالى تكلم بالقرآن 8 - مسألة: إِذا حلف بالطلاق أن الله تعالى تكلم بالقرآن على هذه الروايات السبع باختلافها، هل يحنث أم لا؟ وحلف رجل آخر، أن الله تعالى تكلم بالشواذ -أيضًا- التي رويت عن التابعين فهل يحنث أم لا؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: لا يحنث واحد منهما "والله أعلم".

إذا طلق زوجته ثلاثا

إذا طلق زوجته ثلاثًا 9 - مسألة: إِذا طلق زوجته ثلاثًا قبل الدخول بها، ماذا يكون حكمها، هل (¬1) تحل له وينكحها؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيرَه، ويطأها في القبل، ويفارقها بطلاق أو غيرِه، وتنقضي عدتها، والله أعلم، "كتبتهن (¬2) عنه" (¬3). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": حتى. (¬2) نسخة "أ": كتبته. (¬3) كلمة توجيهية حول هذا: أقول: الطلاقُ، لا يحلف به إلا فاسق، ولا يستحلف به إلا منافق. وهو: أبغض الحلال إلى الله تعالى ولو كان عن طريق صحيح: حيث تعثرت المعيشة فيما بين الزوجين، وتفاقم الخلاف، وتقطعت أواشج المحبة، حتى أصبح كل منهما يتربص الدوائر بالآخر. فعند ذلك أباحت الشريعة الغرآء الطلاق الرجعي لحسم هذا الخلاف، وقطع دابره. فالطلاق: حرام حرمه الله تعالى إلا مع تلك الحالة التي ذكرتها، ولذا كانت العقوبة قاسيةً، إذا تم النصاب في العدد، بأن لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، نكاحًا حرًا بلا قيد ولا شرط، وحتى تذوق عسيلته، ويذوق عسيلتَها، ويا لها من عار وشنار، حيث سمى الزوج الثاني بالتيس المستعار. نعم؛ لقد أباح الله الطلاق للضرورة الملحة، والضرورة: تقدر بقَدْرها لا غير. فالطلاق: منشأه الغضب الذي هو جمرة تتأجج، وعجلة مذمومة أخذ بناصيتها الشيطان الرجيم، وداء دفين يستدل به على ضعف صاحبه وخوره، واستخفافه بأحكام الدين مع جهله العميق، حتى أصبح الطلاق -ويا للأسف- رخيصًا مبتذلًا، يستعمل لأتفه سبب، وأبسط مناسبة: في البيع والشراء، والأخذ والإعطاء، والجد والمزاح. فتارة يكون ترويجًا للبضاعة، وأخرى تثبيتًا فيما يُحَدِّث أو يخبر، وهكذا تفشى في الأوساط الإسلامية، حتى لا تكاد أن تجد زوجة مقيمة مع زوجها بطريق صحيح. فحذار ثم حذار. من أمثال هذه الأيمان الباطلة!! فمن كان حالفًا -ولا بد- فليحلف بالله أو ليذر. فأرجو أن تقع هذه الكلمة موقع القبول، وأن يمسك المسلمون بألسنتهم، ويحفظوا =

لو أرضع ابنه عند يهودية

لو أرضع ابنه عند يهودية 10 - مسألة: رجل مسلم، ولد له ابنٌ، وماتت أمُّه، فاسترضعه عند يهودية لها ولد يهوديٌ، ثم غاب الأبُ المسلم مدة، ثم حضر وقد ماتت اليهودية المرضعة، فلم يعرف ابنَه من ابن اليهودية، وليس لليهودية من يعرف ولدها، ولا من يعرف أبا الصبي اليهودي، وليس هناك قافة (¬1)، فما الحكم في كل واحد منهما؟. الجواب: يبقى الولدان موقوفين حتى يتبين الحال ببينة، أو قافةٍ، أو يبلغا فينتسبا انتسابًا مختلفًا، وفي الحال يوضعان في يد مسلم: فإن بلغا ولم يوجد بينةٌ، ولا قافةٌ، ولا ينتسبا، أو انتسبا إِلى واحد: دام الوقف فيما يرجع إِلى النسب، ويتلطف بهما ليُسْلما جميعًا، فإن أصرَّا على الامتناع من الِإسلام لم يكرها عليه، ولا يطالب واحد منهما بالصلاة، والصيام ونحوهما من أحكام الِإسلام؛ لأن الأصل عدم إِلزامهما به، وشككنا بالوجوب (¬2) على كل واحد منهما بعينه، وهما كرجلين سُمِع من أحدهما صوتٌ حدث، وتناكراه، لا يلزم واحدًا منهما ¬

_ = أيمانهم، ويحصنوا فروجهم، ويعودوا في شؤونهم إلى أهل العلم: يسترشدون بحديثهم، ويقفون عند آرائهم. فعند ذلك تكون السعادة المغبوطة، والحياة السديدة، والذرية الصالحة. اهـ. محمد. (¬1) لا حدَّ في القفو البين. أي: القذف الظاهر. من قفا مؤمنًا بما ليس فيه وقفه الله في ردغة الخبال. وفيه: نحن بنو النضر بنِ كنانة: لا ننتفي من أبينا، ولا نقفو أمنا -أي لا نتهمها ولا نقذفها- يقال: قفا فلان فلانًا، إذا قذفه بما ليس فيه. اهـ. النهاية باختصار. فالقافة: هي إلحاق الفروع بالأصول بالنظر الثاقب، والذكاء الباهر، والفراسة النافذة: تكون بمجرد النظر إلى أعضاء المنظور إليهم. يقول: هذه الأعضاء تلحق بهذه؛ كما هو المعروف عند العرب. اهـ. محمد. (¬2) نسخة "أ": في الوجوب.

الوضوءُ، بل يُحكم بصحة صلاتهما في الظاهر (¬1) وإِن كانت صلاةُ أحدهما باطلةً في نفس الأمر، وكما لو قال رجل: إِن كان هذا الطائر غرابًا فامرأتي طالق؛ وقال آخرُ: إِن لم يكن غرابًا فامرأتي طالق؛ فطار ولم يُعرفْ، فإنه يباح لكل واحد منهما (¬2) في الظاهر الاستمتاع بزوجته للبقاء على الأصل، أي (¬3) الولدان. وأما نفقتهما ومؤنتُهما فإن كان لكلٍ منهما مالٌ كانت فيه، وإِلا وجب على أبي المسلم نفقةُ ولده (¬4) بشرطه ويجب نفقة الآخر -وهو اليهودي في بيت المال-، ويشترط (¬5) أن لا يكون هناك أحدٌ من والديه ممن يلزمه نفقة القريب، وإِن مات (¬6) من أقارب الكافر أحد ممن يورثه (¬7) الولد وقف نصيبه حتى يتبين الحال، أو يقع اصطلاح (¬8)، وكذا إِن مات أحد من أقارب المسلم قبل بلوغهما، وإِن مات الولدان أو أحدهما وقف ماله إِلى البيان أو الاصطلاح، إِلا أن يكون له وارث متعين (¬9) وقد كان قد زوج تزويجًا صحيحًا، وإِن مات أحدهما قبل البلوغ، غُسل وَصُلّي عليه، ودفن بين مقابر المسلمين، واليهود، وإِن مات بعد البلوغ والامتناع من الِإسلام، جاز غسله ولم تجز الصلاة عليه لأنه يهودي أو مرتد، ولا يصح نكاح واحد منهما بعد البلوغ والامتناع عن (¬10) الِإسلام، لأن كل واحد منهما يحتمل أنه يهودي ويحتمل أنه مرتد فلا (¬11) يصح نكاحه كالخنثى المشكل "والله أعلم". * * * ¬

_ (¬1) نسخة "أ": وإن كانت إحداهما باطلة في نفس الأمر. (¬2) نسخة "أ": بدون لفظ "منهما". (¬3) نسخة "أ": بدون لفظ "أي الولدان". (¬4) نسخة "أ": ولد بشرط كونه ذميًا. (¬5) نسخة "أ": بشرط. (¬6) نسخة "أ": أبان. (¬7) نسخة "أ": يرثه. (¬8) نسخة "أ": إصلاح. (¬9) نسخة "أ": إذا مات قبل البلوغ. (¬10) نسخة "أ": من. (¬11) نسخة "أ": ولا.

كتاب الأيمان

كِتابُ الأيمَان (¬1) وفيه سبع وعشرون مسألة تأكيد اليمين واستئنافه 1 - مسألة: إِذا قال: والله لا أفعلن (¬2) الشيء الفلاني، ثم قال أخرى، في ذلك الوقت أو بعده بمدة قريبة أو بعيدة: والله لا ¬

_ (¬1) اليمين: في أصل اللغة، اليد اليمني، وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا، أخد كلٌ بيمين صاحبه. وقيل: لأن اليمين تحفظ الشىء كما تحفظه اليد. واليمين، والحلف، والإيلاء، والقسم: ألفاظ مترادفة. وهي في الشرع: تحقيق الأمر، أو توكيده بذكر الله تعالى، أو صفة من صفاته. وقال بعضهم: هي تحقيق ما يحتمل المخالفة أو توكيده. والأصل في الأيمان: الآيات والأخبار. قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} سورة المائدة: الآية 89. وقال تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} سورة المائدة: الآية 89. ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام: "والله لأغزون قريشًا". وقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: إنه عليه الصلاة والسلام كان كثيرًا ما يحلف فيقول: "لا وَمُقَلِّبِ الْقُلوبِ". اهـ. من كفاية الأخيار باختصار. كتبه محمد. (¬2) نسخة "أ": لا فعلت.

حلف لا يشتري لحما ولا يأكله

أفعلنه (¬1). ثم قال: -أيضًا- والله لا أفعلنه (¬2)، وتكرر ذلك منه، ثم فعله فإِن قصد بالأيمان التي بعد الأولى، توكيدَ الأولى، لزمه لكل واحد كفارة أو أطلق، لم (¬3) يكن له نية "فالأصح" أنه يلزمه كفارة واحدة، وإِن تكررت الأيمان مرات كثيرة. يجب لكل يمين كفارة، ولو قال لزوجته إِن دخلت الدار فأنت طالق ثم قاله مرات، فإن أراد توكيد الأولى وقع بالدخول طلقةٌ واحدة، وإِن قصد الاستئناف وقع الثلاث، وإِن أطلق "فالأصح" طلقة. "والثاني" يقع بكل لفظة طلقة "والله أعلم". حلف لا يشتري لحمًا ولا يأكله 2 - مسألة: حلف لا يشتري لحمًا، فاشترى طعامًا فيه لحم، هل يحنث أم لا؟. الجواب: إِن كان اللحم مستهلَكًا في الطعام لم يحنث وإِلا فيحنث. 3 - مسألة: حلف لا يأكل لحمًا، فأكل لحم ميتة، أوخنزيرٍ، أو ذئب، أو حمار، أو بغل، أو غيرها من اللحوم التي لا يحل أكلها، هل يحنث وهل فيه خلاف؟. الجواب: نعم؛ فيه الخلاف (¬4)، والأصح: أنه لا يحنث. 4 - مسألة: رجل حلف "بالله" أو بالطلاق، أن ابن صياد هو الدجال، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع الصلاة عليه، من غير مبلغ هل يحنث (¬5)؟. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": لا فعلت. (¬2) نسخة "أ": لا فعلت. (¬3) نسخة "أ": فلم. (¬4) نسخة "أ": خلاف. (¬5) يقال له: ابن صياد، وابن صائد، وسمي بهما في هذه الأحاديث واسمه صاف، قال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = العلماء: وقصته مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور، أم غيره؟ ولا شك في أنه دجَّال من الدجاجلة. قال العلماء: وظاهر الأحاديث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يُوح إليه بأنه المسيح الدجال، ولا غيره، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال. وكان في ابن صياد قرائن محتملة؛ فلذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقطع بأنه الدجال ولا غيرُه، ولهذا قال لعمر رضي الله عنه إن يكن هو فلن تستطيع قتله. لما ذكر عليه الصلاة والسلام حديثه، وعرض الإسلام عليه حيث قال له: "تربت يداك أتشهد أني رسول الله؟ " فقال: لا؛ بل تشهد أني رسول الله؟ فقال عمر: ذرني يا رسول الله حتى أقتله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن يكن الذي ترى فلن تستطيع قتله". وأما احتجاجه "هو" بأنه مسلم، والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال، وقد ولد له وأن لا يدخل مكة والمدينة، وأن ابن صياد دخل المدينة، وهو متوجه إلى مكة فلا دلالة له فيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض، ومن اشتباه قصته، وكونه أحدَ الدجاجلة الكذابين. اهـ. من صحيح مسلم 18/ 46. أقول: وقد ذكر الإمام مسلم في صحيحه أحايث مستقلة مبوبًا لها بابًا خاصًا، وأطال الحديث عنه مع إسهاب فيه، واختلاف روايات: ألفاظها مختلفة، ومعناها واحد، ثم انتقل لذكر الدجال، الذي هو أمارة من أمارات الساعة، وعلامة من علاماتها الكبرى، ولو أنه هو الدجال لما بوب لكلٍ منها بابًا مستقلًا والله أعلم. روي عن أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أفضل أيامكم يومَ الجمعة، فيه خُلِق آدمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النفخةُ، وفيه الصعقةُ، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ"، قالوا: يا رسول الله!! وكيف تُعرض صلاتُنا عليك وقد أرِمْتَ؟ فقال: "إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء،. رواه أبو داود والنسائي. وعن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإني أبلَّغ وأسمع". رواه الشافعي وابن ماجه. فقوله عليه الصلاة والسلام "معروضة عليَّ". بأمر الله تعالى، فيسمعها فينسر بها؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - في قبره حي، ويفرح بصلاة المصلين عليه، ففيها رفعُ درجات له ولهم، وذكرى من الأمة لنبيها في يوم عيدهم، الذي =

حلف لا يساكن فلانا

الجواب: لا يحكم بالحنث للشك في ذلك والورع أن يلزم (¬1) الحنث. حلف لا يساكن فلانًا 5 - مسألة: إِذا حلف لا يساكن فلانًا في هذه الدكان، فجعل الدكان المذكورة دكاكين وبنى بينهما حائطًا فهل يحنث بسكناه في أحدهما وهل فيه خلاف. الجواب: الأصح: أنه لا يحنث. 6 - مسألة: حلف لا يُشَتي في هذه القرية هذه السنة فأقام فيها أكثر الشتاء، ثم رحل منها قبل انقضاء الشتاء، هل يحنث في الطلاق أو في غيره وما دليلُه؟. الجواب: لا يحنث في الطلاق، ولا في غيره؛ إِلا أن تكون نيته أنه لا يقيم فيه في شيء من الشتاء، فإذا لم يكن له نية لم يحنث لأن مقتضى لفظه جميع الشتاء، كمن حلف لا يأكل رغيفًا فأكله إِلا لقمةً لا يحنث؛ لأن حقيقته أن يأكل جميعه، كما أنَّ حقيقة الشتاء جميعُه. "فإن قيل" أهل العرف يُطْلِقون عليه أنه شتى فيها. "فالجواب" أن أهل العرف -أيضًا- يُطلقون عليه، أكل الرغيف والرمانة، وإِن ترك لقمة منهما، أو حبة، أو حباتٍ، وإِنما تُحمل الأيمان على العرف، إِذا كان منتظمًا، فإن اضطرب ولم يكن له حدٌ تركناه ورجعنا إلى اللغة والحقيقة، والله أعلم. ¬

_ = تُضَعَّف فيه الأعمال، وتزداد قبولًا. وأما في غير يوم الجمعة، فإن الصلاة تبلغه على لسان ملائكةٍ مخصوصين بهذا، كما تبلغه أعمال الأمة يوم الخميس بواسطة ملائكة لهذا. اهـ. باختصار من التاج: 1/ 291. (¬1) نسخة "أ": يلتزم.

صورة لغو اليمين

صورة لغو اليمين 7 - مسألة: إِذا قال: هذا الطعام، أو الشراب، أو الثوب، أو المال، حرام عليَّ، وإِن فعلت كذا فهذا الطعام، أو غيرُه حرام عليَّ. الجواب: هو: لغو، ولا يحرم عليه، بل له أكلُهُ، ولبسه، وسائر التصرفات فيه، ولا كفارة عليه، ولا غيرَها (¬1) "والله أعلم". 8 - مسألة: هل إِذا حلف أن جميع ما يُفتي به المفتي هو الحق يحنث؟ وهل إِذا ظن أن ذلك المفتي مجتهد يحنث أم لا؟. أجاب رضي الله عنه: لا يحنث، "والله أعلم، كتبته عنه". لعن الحجاج (¬2) 9 - مسألة: رجل يلعن الحجاجَ بنَ يوسفَ دائمًا ويحلف أنه من أهل النار، هل هو مخطىء، ويحنث أم لا؟. ¬

_ (¬1) أقول لأن التحريم والتحليل أمره يرجع إلى الله تعالى؛ ليس للعبد فيه نصيب، فلو حرم العبد على نفسه شيئًا، لا يثبت تحريمه ويعتبر كلامه لغوًا، ولكن من الأدب أن يمسك بلسانه عن مثل هذه الألفاظ. اهـ. محمد. (¬2) هو: الحجاج بن يوسف الثقفي. كان في زمن عبد الملك بن مروان. قال الأوزاعي: قال عمر بن العزيز: لو جاءتْ كلُّ أمةٍ بخبيثها، وجئنا بالحجاج لغلبناهم. قال منصور: سألنا إبراهيم الشجاع عن الحجاج؛ فقال: ألم يقل الله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}. (سورة هود: الآية 18). قال الشافعي: بلغني أن عبد الملك بن مروان قال للحجاج: ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه، فعِبْ نفسَك ولا تخبأ منها شيئًا!. قال: يا أمير المؤمنين: أنا لجوج حقود. فقال عبد الملك: إذًا بينك وبين إبليس نسب. فقال: إن الشيطان إذا رآني سالمني. وقيل: أُحصيَ مَنْ قتله الحجاج -صبرًا- فكانوا مائة ألف وعشرين ألفًا. اهـ. من الكامل لابن الأثير: 4/ 586. =

الجواب: هو مخطىء، ولا يحنث؛ لأنّا لا نقطع له بدخول الجنة. * * * ¬

_ = أقول: إن الحجاج قد غلب شره على خيره، وخطؤه على صوابه، وظلمه على عدله، وجوره على حلمه، تجاوز الحدود، وعصى المعبود، يتم الأطفال، ورمل النساء، ملأ الأرض ظلمًا وجورًا، جاءته سهام الصلحاء بالدعاء عليه، ومجته قلوب الأتقياء من سوء صنيعه. ومع ذلك لا يجوز لعنه، ولا الحكم عليه بالكفر، فلا يقطع بإيمانه كما لا يقطع بكفره، فأمرُهُ مجهول، وحاله مستور، هل هو من أهل الجنان؟ أم يحكم عليه بالنيران؟ والله أعلم بحاله فالسكوت أفضل، والورع في هذا أسلم. اهـ. محمد.

عدة المرأة

عدة المرأة (¬1) 10 - مسألة: إِذا كانت امرأة مزوَّجة، وقد بلغت ثلاثينَ سنةً ¬

_ (¬1) العدة: هي مأخوذة من العدد، لاشتمالها على عدد أقراء أشهر غالبًا. وهي في اللغة: اسم مصدر لاعتد والمصدر: الاعتداد. وشرعًا: مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها من الحمل، أو للتعبد. والتعبد: أمر لا يُعقل معناه، ولا تُدرك حكمته: بل الشارع تعبَّدنا به. وتجب عدة لفرقة زوج حي، وطىء، بخلاف ما إذا لم يكن وطىء، وإن وجدت خلوة؛ لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (سورة الأحزاب: الآية 49). وإن تيقن براءة رحمها، وذلك لأن العدة، إنما وجبت لعموم الأدلة، ولأن المغلب فيها جهة التعبد. "تنبيه هام" ومما شاع عن بعض الجهلة من العوام -البعيدين عن العلم، المنغمسين في الجهل- قولهم لأزواجهم، إذا حضرتهم الوفاة: قد سامحتكِ من العدة، أو أسقطتها عنك. فالعدة: لا تسقط في الإسقاط، ولا تبطل في المسامحة؛ بل هي حق الله تعالى، وعبادةٌ له سبحانه. ومما شاع عن بعض الجهلة من النساء، خروجها خلفَ جنازة زوجها، وزيارتُها قبره إلى أربعين يومًا: فإن رُوجعت في ذلك، تجيب قائلة: إنني حتى الآن لم أجلس في العدة، أو ما باشرت فيها. أقول: إن جلوسها في العدة، هو أمر ليس عائدًا لاختيارها، أو رأيها بل هو تربص أيام معدودات، يدخل وقتُها من ساعة الوفاة، إلى انقضاء المدة المكتوبة. =

حكم المعاشرة بعد الطلاق الرجعي

ونحوها، ولم تحضْ قط، فطُلقتْ، فكيف تعتد؟ وإِن كانت ولدت ونفست، ثم طلقت فكم عدتها؟ وهل فيه خلاف؟. الجواب: إِذا بلغت خمسَ عَشَرَةَ سنةً، أو ثلاثين سنةً، أو أكثَر، ولم تحض قط فعدتها من الطلاق بثلاثة أشهر بلا خلاف، أجمع العلماء عليه، واستدلوا بقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (¬1). أي فعدتهن كذلك، وهذا التقدير مجمَعٌ عليه، فإن كانت هذه المذكورةُ قد ولدت، ورأت نفاسًا، أو لم تره فعدتها -أيضًا- بثلاثة أشهر للآية الكريمة، ولا تخرجها الولادة والنفاس عن كونها من اللائي لم يحضن، هذا هو الصحيح عند أصحابنا، وقال بعضهم: حكمها حكم من انقطع حيضها بلا سبب، والصواب: الأول. حكم المعاشرة بعد الطلاق الرجعي 11 - مسألة: إِذا طلق زوجته طَلْقَةً رجعية، ثم دام يعاشرُها معاشرةَ الأزواج: إِما مع الوطءِ، وإِمَّا دونَه، حتى مضى قدرُ العدة بالأقراء (¬2)، هل تنقضي عدتها، ويلحقها الطلاق أم لا؟. ¬

_ = والعدة: لا تقضى أيامُها، وليس لها زمن للقضاء، فالأيام التي خرجت فيها، فهي محسوبة من أصل المدة، مع ارتكابها، الإثم ووقوعها في الحرام. ومن جهل بعض النساء، انكماشها عن رؤية الرجال، والاختلاط بهم انكماشًا كليًا وقت العدة، وتبرز للرجال قبلها وبعدها!!. مع أن الاختلاط بالأجانب، وإبراز معالم بدنها يحرم في العدة وغيرها، ولكن في العدة آكد. وينبغي للمرأة أن تسأل أهل الذكر والعلم عما يطلب منها، وقتَ العدة، كي لا تقع في الحرام. اهـ. محمد. (¬1) سورة الطلاق: الآية 4. (¬2) والأقراء: جمع قرء بفتح القاف، ويقال: بضمها. =

مساكنة المعتدة

الجواب: لا تنقضي عدتها؛ بل يلحقها الطلاقُ ما لم يعتزلها، ويمضي بعد الاعتزال مدةٌ؛ ولكن لا يملك رَجعتها بعد انقضاء الأقراء، وهو يعاشرها، ولو كان الطلاقُ بائنًا انقضت العدة مع المعاشرة؛ لأنها معاشرةٌ محرمةٌ بلا شبهة، فأشبهت الزنا (¬1) "والله أعلم". مساكنة المعتدة 12 - مسألة: هل يحل له مساكنة المعتدة منه؟. الجواب: إِن سكنَ كلٌ منهما في مسكن من دار منفردة بمرافقه: كالمطبخ، والبئر، والمستراح، والمصْعَدِ إِلى السطح ونحوه جاز. وإِن اتحدت المرافق لم يجز؛ إِلا أن يكون هناك مَحْرَم له أو لها من الرجال، أو النساء، أو زوجةٍ أو جاريةٍ، أو امرأة أجنبيةٍ ثقةٍ، ويشترط في هذا المحْرَم وغيرِه أن يكون عاقلًا، بالغًا، أو مراهقًا، أو مميزًا، ¬

_ = قال الإمام النووي: وزعم بعضهم؛ أنه بالفتح للطهر، وبالضم، للحيض. ويقعان على الطهر والحيض في اللغة على الصحيح. والصحيح: أنه حقيقة فيهما. (¬1) يحرم التمتع برجعية -ولو بمجرد نظر- قبل الرجعة لأنها كالبائن، وعَد في الزواجر: من الكبائر "وطء" الرجعية قبلَ ارتجاعها من معتقِدٍ تحريمَه؛ ثم قال: وعدُّ "هذا" كبيرةً إذا صدر من معتقدٍ تحريمَه غيرُ بعيد. ولا حد على المطلق طلاقًا رجعيًا إن وطئها قبل الرجعة، وإن اعتقد تحريمه؛ وذلك للخلاف الشهير في إباحته وحصول الرجعة به. نعم؛ يجب عليه لها بالوطء "مهرُ" المثل للشبهة، ولو راجع بعده؛ لأن الرجعة لا ترفع "أثرَ" الطلاق. وتستأنف له عدة من تمام الوطء لكونه شبهةً. ويعذر إن وطىء قبل المراجعة، ومثل الوطء سائر التمتعات ويشترط في تعزيره: أن يكون عالمًا بالحرمة، معتقدًا تحريمَه عليه، وإلا فلا يعزر. راجع إعانة الطالبين: 4/ 28.

نفقة المعتدة

بحيث يُستحى منه. ويجوز أن يخلو رجل بأجنبيتين، ولا تجوز خلوة رجلين بأجنبية (¬1). نفقة المعتدة (¬2) 13 - مسألة: هل تجب نفقة المعتدة عن وفاة، إِذا كانت حاملًا، وهل تجب لها السُكنى؟. الجواب: لا نفقةَ لها، سواء كانت حائلًا، أو حاملًا؛ لأن نفقةَ القريبِ لا تجب على الميت، وأما السكنى فالأصح وجوبُها في تَرِكةِ الميت. عدة المرأة 14 - مسألة: رجل سافر بزوجته مع العسكر، من مصرَ إِلى الشام، وتُوفي عنها بالشام، ووطئها بمصر، هل يلزمها الذهاب إِلى مصر لتقضي بقية العدة؟. الجواب: يلزمها ذلك، ولا يحل لها المقام دون مصرَ، إِلا لعذر (¬3)، "والله أعلم". ¬

_ (¬1) أقول: لأنهما مع الواحد، مظهر قوة وحصانة، تمنعان الاعتداء في الغالب. أما الواحدة مع الرجلين هي مظهر ضعف ولين ولا سيما عند فساد القلوب، وخبث النفوس فليتنبه لهذا. اهـ. محمد. (¬2) وقد عرفنا العدة في ص 207 وبسطنا الحديث عليها فعد إليها فهو موضوع مفيد. اهـ. محمد. (¬3) وعلى المتوفى عنها زوجُها، والمبتوتةِ ملازمةُ البيت إلا لحاجة .. فيجب على المعتدة ملازمةُ مسكن العدة، فلا يجوز لها أن تخرج منه، ولا إخراجها إلا لعذر، نص عليه القرآن العظيم، قال الله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} (سورة الطلاق: الآية 1). =

يسر الوالد بعد إعساره

يُسْرُ الوالدِ بَعْدَ إعْسَارِهِ 15 - مسألة: في إِنسان معسرٍ وله أولاد يستحق النفقةَ عليهم، ثم اكتسب مالًا بإِرث، أو هبة، أو وصية، أو غيرها فهل له هبته، ويصير عاجزًا فقيرًا يستحق النفقة على أولاده، فإن فعل ذلك فهل يستحق النفقة عليهم أم لا؟. الجواب: ينبغي أن لا يفعل: فإن فعل وصار عاجزًا استحق النفقة على أولاده (¬1). ¬

_ = فلو اتفق الزوجان على أن تنتقل إلى منزل آخر بلا عذر لم يجز، وكان للحاكم المنع من ذلك، لأن العدة حق الله تعالى، وقد وجبت في ذلك المنزل، فكما لا يجوز إبطال أصل العدة، كذلك لا يجوز إبطال صفاتها، كما ذكرنا في ص 209 إلا لحاجة يعني يجوز الخروج. والحاجة أنواع: منها إذا خافت على نفسها، أو مالها من هدم، أو حريق، أو غرق، سواءً في ذلك عدة الوفاة والطلاق. وكذا لو لم تكن الدار حصينةً وخافت اللصوصَ، أو كانت بين فسقة تخاف على نفسها، أو كانت تتأذى بالجيران، والأحمَّاء تأذيًا شديدًا. ومنها إذا كان المسكن مستعارًا ورجع المعير. ومنها إذا احتاجت إلى شراء طعام، أو بيع غزل ونحو. أو احتاجت إلى طبيب وغير ذلك من الأمور الملحة، والضرورة تقدر بقدرها، وقد بسط العلماء في هذا بسطًا واسعًا في باب العدة فعد إليه وافهمه وفهمه غيرك. اهـ. محمد. (¬1) أقول: أي ولو كان مخطئًا في تصرفه، فكان ينبغي له أن يستغني عن أولاده بما أغناه الله تعالى من كسب وغيره؛ لأن نفسه مقدمة على كل نفس، "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، ولكن لما كان حق الأبوة عظيم، وإكرامه واجب، والنفقة عليه محتمة، ألزمنا الأولاد بالنفقة ولو ساء تصرفه. اهـ. محمد.

تفضيل الزوجة على الأم

16 - مسألة: إِذا سمَّى بنتهُ ستَّ الناس، أو ستَّ العلماء، أو ست العرب، ما حكمه؟ وهل هذه اللفظة صحيحةٌ عربية أم لا؟. الجواب: هذه اللفظة ليست عربية؛ بل هي باطلة من حيثُ اللغة، وقد عدها أهل العربية في لحن العوام، فقالوا: من لحنهم قولُهمِ ست بمعنى سيدةٍ، وأما حكمها من حيث الشرع فمكروهة كراهةً شديدةً، وينبغي لمن جهل وسمَّى به أن يغير الاسمَ، وثبت في الصحيح، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير اسم امرأة فسماها زينب "والله أعلم". تفضيل الزوجة على الأم 17 - مسألة: إِنسان له زوجةٌ وأمٌ، هل له تفضيل الزوجة على الأم في النفقة وغيرها من المؤن والكسوة، وهل يأثم بذلك؟. الجواب: لا يأثم بذلك إِذا قام بكفاية الأم إِن كانت ممن يلزمه كفايتُها بالمعروف؛ لكنَّ الأفضل أن يستطيب قلب الأم، وأن يفضلها، وان كان لا بد من ترجيح الزوجة فينبغي له أن يخفيه عن الأم. حكم نفقة الزوج على زوجته 18 - مسألة: إِذا ترك الزوج زوجته مدةً بلا نفقة، ولا كسوةٍ، ولا سُكنى، وهي ممكّنة مُسلِّمَة نفسَها إِليه، هل يصير ذلك دَيْنًا في ذمته؟. الجواب: تثبت النفقة في ذمته، وتثبت الكسوة -أيضًا- على الأصح، ولا تثبت السكنى، ولا عوضها على المذهب الصحيح؛ لأنها امتاعٌ لا تمليك، بخلاف النفقة والكسوة.

التبرع على بعض الزوجات

التبرع على بعض الزوجات 19 - مسألة: إِذا كان له زوجات، فقام بواجبهن: من نفقة، وكسوة، وغيرها، ثم أراد أن يتبرع على بعضهن خاصةً بشيءٍ زائد: من نفقة، أو كسوة هل له ذلك؟. الجواب: له ذلك، وتستحب التسوية بينهن في ذلك. 20 - مسألة: رجل دفع إلى زوجته كسوةَ فصلٍ من فصول السنة، ثم طلقها بعد انقضاء الفصل -وهي حامل منه- طلاقًا بائنًا فهل تجب له كسوة الفصلِ الذي شَرعت فيه، وقد مضى لحملها ثمانية أشهر، فإن وجبت فوضعت الولد بعد شهر ونحوه، فهل يسترجع منها؟ وهل فيه خلاف في مذهب الِإمام الشافعي؟ وما دليله؟. الجواب: نعم؛ تستحق كسوةَ ذلك الفصلِ الذي شرعت فيه؛ لأن الكسوة تجب بأول الفصلِ، فإن انقضت عدتها بعد شهر ونحوِه لم يسترجع منها ذلك على الأصح، كما لو ماتت في أثناء الفصل لم يسترجع كسوته على الأصح. 61 - مسألة: البائن الحامل تجب لها الكسوة كما تجب النفقة، صرحَّ به أصحابنا. 22 - مسألة: إِذا كسا زوجته كسوةَ فصلٍ، ثم طلقها قبل انقضائه، أو مات عنها، هل يرجع عليها (¬1) أم لا؟. الجواب: لا رجوع بها. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": عليها بها.

سقوط نفقة الزوجة بعارض

سقوط نفقة الزوجة بعارض 23 - مسألة: رجل أراد السفر بامرأته، فاحتالت عليه فأقرت بدين لبعض أهلها، فحبست في الدين وامتنع سفرها معه، هل تسقط نفقتها؟. الجواب: تسقط؛ لأنها تجب في مقابلة الاستمتاع، وشرطها التمكين، وقد فات بعارض نادر، وقد صرح البَغَويُّ وغيره: بأنها لو وطئت بشبهة فاعتدت عن الشبهة، لم يلزم زوجَها نفقتُها في (¬1) مدة العدة، وهي (¬2) كمسألتنا. وقد أفتى في مسألتنا الشيخ أبو عمرو بن الصلاحِ بمثل ما ذكرته، ثم رأيت في فتاوى الِإمام الغزالي: أنها إِذا حبست في دين ثبت بإقرارها سقطت نفقتها، كما ذكرنا وإِن ثبت بالبينة لا تسقط؛ لأنها معذورةٌ، والمختار: أنها تسقط -أيضًا- إِذا ثبت بالبينة؛ لأنه يتعذر الاستمتاع (¬3)، فأشبه عدة الشبهة، ويخالف المرض؛ فإنه عام متكرر، ولا يظهر الفرق بين إِقرارها، والبينة؛ فإنها معذورة -أيضًا- في إقرارها، لئلا تكذب. حكم قتل النمل وإحراقه 24 - مسألة: هل يحل قتل النمل، أو إِحراقه؟. أجاب رضي الله عنه: لا يحل قتله، ولا إِحراقه، "والله أعلم، كتبته عنه" (¬4). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": بدون في. (¬2) نسخة "أ": بدون هي. (¬3) نسخة "أ": بالاستمتاع. (¬4) ويقاس على هذا أيضًا - كل حيوان لا يؤذي صغيرًا كان أو كبيرًا، فلا يجوز إعدامه، فإن البَر لا يؤذي الذر. اهـ. محمد.

سقوط حق الحضانة

سقوط حق الحضانة 25 - مسألة: إِذا تزوجت المرأة سقط حقُها من الحضانة إِلا أن يكون زوجها جَد الطفل: أبا أبيه (¬1)، أو عم الطفل، أو ابنَ عمه، أو غيرَهم ممن له الحضانة من العصبات. وإِن تزوجت بجده أبي أمه، وغيره من ذوي الأرحام فلا حضانةَ لها، وإِنما نثبت الحضانة لها إِذا تزوجت أبا أبيه، أو عمهِ، وغيرِهم إِذا رضي تزوجها لحضانتها (¬2) فإن امتنع لزمها الامتناعُ، وله منعُها "والله أعلم". الأحق بالحضانة (¬3) بعد زوج الأم 26 - مسألة: طفل له أم طلقَها أبوه، فتزوجت غيرَه وله أمُ أمٍ مزوجةٍ بأبي الأم، وله أبٌ وأمُّ الأب غيرُ مزوجة، فلمن حضانته؟. ¬

_ (¬1) "فليتنبه" لعبارة المؤلف رحمه الله تعالى بأن المراد من المرأة، غيرُ أم الطفل، لمن ثبتت لها الحضانة على الترتيب، وإلا كيف يجوز للمرأة أن تتزوج بأصول الطفل، سواء من جهة أبيه، أو جهة أمه. اهـ. محمد. (¬2) نسخة "أ": بحضانتها. (¬3) الحضانة لغة: الضم. وشرعًا: هي تربية من لا يستقل إلى التمييز. والمراد بمن لا يستقل؛ من لا يقوم بأموره كصغير ومجنون: كأن يتعهده بفعل ما يُصلحه ويقيه عما يضره: بغَسْل جسده، وثيابه، ودهنه، وكحله، وربطه في المهد، وإزالة الوسخ والقذر عنه وغير ذلك. قال في الروض وشرحه: المحضون كل صغير، ومجنون، ومختل، وقليل التمييز، كالمعتوه، وغيره. قال في التحفة: واختلف في انتهائها في الصغير، فقيل: في البلوغ، وقيل: بالتمييز. وأما المجنون: تستمر تربيته إلى الإفاقة. =

لو تنازعت المطلقة وزوجها في حضانة الولد

الجواب: هي للأب: لأن الأم مزوجةٌ لا حق لها، وكذا (¬1) أمها مزوجة لمن (¬2) لا حضانة له، بخلاف ما لو كانت مزوجةً بجد الطفل: أبي أبيه، فإن له الحضانةَ؛ لأنه من أهل الحضانة. وأما أم الأب فلا حضانة لها مع وجود الأب، لأنها تُدلي به. لو تنازعت المطلقة وزوجها في حضانة الولد 27 - مسألة: إِذا تنازعت المطلقة، وزوجها الذي طلقها في حضانة الولد فادعت أنها أهلٌ للحضانة، وأنكر الزوج، فهل القول قولها، أو قوله؟ ومن يطالَب منهما بالبينة؟ وهل البينة بأنها ليست أهلًا من غير بيانِ سببِ عدم الأهلية؟. الجواب: لا يقبل قولها في الأهلية، إِلا ببينة، ولا تقبل بينة بعدم الأهلية، إِلا ببيان السبب، كما في جرح الشهود والرواة "والله أعلم". * * * ¬

_ = وتثبت لكل من له أهلية من الرجال والنساء، لكن الإناث أليق لأنهن بالمحضون أشفق، وعلى القيام أصبر، وبأمر التربية أبصر. وإذا نوزع في الأهلية فلا بد من ثبوتها عند الحاكم. ومؤنتها: في مال المحضون، ثم الأب، ثم الأم. فإن كان من محاويج المسلمين، فتكون المؤنة في بيت المال إن انتظم، وإلا فعلى مياسير المسلمين. "واعلم" أن الأولى بالحضانة "أم" لم تتزوج بآخر لخبر البيهقي: أن امرأة قالت يا رسول الله: إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وإن أباه طلقني وزعم أنه ينزِعُه مني؛ فقال: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي" ثم أمهاتُها، ثم أمهات الأب، ثم أخت، ثم خالة، ثم بنت أخت، ثم بنت أخ، ثم عمة. فإن لم تكن هناك أنثى تنتقل لكل قريب وارث ولو غير مَحْرم وترتيبهم كترتيب ولاية النكاح لا الإرث. اهـ. (¬1) نسخة "أ": وكذلك. (¬2) نسخة "أ": ممن.

كتاب الجنايات

كِتابُ الجنايات وفيه عشرون مسألة إذا قال الرجل اقتلني أو اقطع يدي 1 - مسألة: إِذا قال لرجل: اقتلني، فقتله؛ ماذا يجب عليه من الدية، أو الكفارة؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: إِذا كان المقتول حرًا فلا قصاصَ فيه ولا دية، وتجب الكفارة. 2 - مسألة: إِذا قال لرجل: اقطع يدي، فقطعها، ماذا يلزمه، والقول قولُ مَنْ إِذا اختلفا؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: لا يلزمه شيء سوى التعزيرِ (¬1)، وإِذا اختلفا في الإِذن فالقول قول المقطوع في عدم الِإذن، "والله أعلم، كتبتهما عنه". 3 - مسألة: هل يؤخر قصاص الطَرَف (¬2) لشدة الحر أو البرد، أو المرض ونحوها؟ وهل فيه خلاف في مذهب الشافعي؟. الجواب: لا يؤخر، هذا هو المذهب الصحيح. وبه قطع الأكثرون. ¬

_ (¬1) لقد عرفنا التعزير في ص: 46 وذكرنا أنواعه. (¬2) الطرف: بالفتح الناحية والجانب، وبالسكون طرف العين، وقال بعض الأدباء: أشَارَتْ بطَرْفِ العَين خيفةَ أهْلِها ... إشارَةَ مَحْزونٍ ولم تتكلمِ فأيقنتُ أنَّ الطَرْف قد قال مَرْحبًا ... وأهلًا وسهلًا بالحبيب المُتَيَّمِ

الحديث على توبة القاتل ومطالبته في الآخرة

الحديث على توبة القاتل ومطالبته في الآخرة 4 - مسألة: في مَنْ قُتِلَ مظلومًا، فاقتص وارثه، أو عفى على الدّية، أو مجانًا، هل على القاتل بعد ذلك مطالبةٌ (¬1) في الآخرة؟، الجواب: ظواهر الشرع تقتضي سقوطَ المطالبة في الآخرة، والحالة هذه (¬2). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": مطالبته. (¬2) روي أن سعيد بن جبير قال لابن عباس: هل للقاتل عمدًا توبة؟ قال: لا، فقرأ عليه: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. سورة الفرقان: آية 70. فهذه الآية بعد ذكر الإشراك، والقتل، والزنا، ظاهرة في قبول التوبة من هؤلاء. قال ابن عباس: هذه آية مكية نسخَتْها التي بعدها في المدينة وهي: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}. سورة النساء: الآية 93. وورد عن ابن عباس أن آية الفرقان نزلت في أهل الشرك، وآية النساء نزلت في أهل الإسلام الذين علموا شرائعه وحدوده. وعلى أي حال فالقاتل عمدًا لا توبة له عند ابن عباس وهو مخلد في النار لظاهر تلك النصوص؛ وقد قال العلماء سلفًا وخلفًا: إن له توبة كغيره من العصاة. ولقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. سورة النساء: الآية. 48. ولحديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، وقياسًا على توبة الكافر الذي فعل كل شيء، قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}. سورة الأنفال: الآية 38. فالمسلم المحمدي أولى من الكافر الإسرائيلي؛ وتلك النصوص محمولة على المستحل، أو المراد منها التغليظ. اهـ. من التاج 1/ 6. أقول: إن القتل عمدًا من أكبر الكبائر في الإسلام بعد الشرك بالله إلا أنه يتعلق بالقاتل حقوق ثلاثة: حق الله، وحق أقارب المقتول، وحق القتيل. أما حق الله: فيسقط بالتوبة النصوح. =

قهر صغيرة على نفسها فوطئها

قهر صغيرة على نفسها فوطئها 5 - مسألة: رجل قهر صبيةً عمرُها أربعُ سنينَ على نفسها فوطئها بغير حق، ولا شبهة فأفضاها، وخلط قبلَها بدبرها، ثم زوَّجه إِياها أبوها، فما الحكم في ذلك؟. الجواب: يجب عليه بإفضائها دِيةُ المرأة مغلظةً: وهي خمسونَ بعيرًا، منها عشرون خَلِفةً وهي الحوامل، وخمسَةَ عشَر جذَعة، وخمسَةَ عشَر حُقَّة، ويجب عليه مهر مثلِها ثيبًا، وأرش (¬1) بكارتها وهي الحكومة، ويجب عليه حد الزنا. والنكاح المذكور باطل؛ لأنها صارت ثيبًا، لا يصح نكاحها إِلا بإذنها بعد بلوغها. وقد نص أصحابنا على أن وطء الضعيفة التي لا تحتمل الوطءَ إذا حصل به الِإفضاء وكان عمدًا فيجب فيه دية مغلظة "والله أعلم". ما يجب على صاحب الحيوان لو أتلف شيئًا 6 - مسألة: إذا كان له جمل، أو كلب، أو هرة، أو غيرُها من الحيوانات، وقد تولَّع بالتعدي، كالهرة التي تعودت أخذ الطيور ¬

_ = وأما حق أهل القتيل: فيسقط بالدية أو العفو. ويبقى حق المقتول معلقًا إلى الآخرة حين اجتماع الخصوم أمامَ أحكم الحاكمين، فيأتي المقتول والدم يشخب من أوداجه فيقول: يا رب سل هذا لِمَ قتلني؟ وهناك يُحَكم المقتول في حسنات القاتل حتى يرضى، ويا لها من ساعة رهيبة!! أوْ يرضيه الله تعالى بقصر في الجنة بعفوه عنه فيدخلان الجنة معًا كما ورد. اهـ. محمد. (¬1) الأرش بوزن العرش دية الجراحات. اهـ. مختار.

قتل الحيوان حال إفساده

المملوكة، أو تعودت أن تقلب القدور، أو الحمارِ أو الجملِ الذي عُرف بعقر الدواب، أو إِتلافها، ونحو ذلك، ففي كل هذا وجهان لأصحابنا: أصحهما عندهم، وبه يُفتى: أنه يجب ضمان ما أتلفت، سواء كان صاحبها معها أم لا، وسواء أتلفت ليلًا أو (¬1) نهارًا؛ لأن عليه حفظَها وربطها. أما إِذا كانت الهرة لا يعرف منها الِإتلاف، فأتلفت فوجهان: 1 - أصحهما: عند أصحابنا لا ضمانَ على صاحبها، وبه يُفتى، سواء أتلفت ليلًا أم نهارًا؛ لأن العادة حفظُ الطعام عنها لا ربطُها. 2 - والثاني: يضمن ما أتلفه (¬2) ليلًا لا نهارًا كالبهيمة. قتل الحيوان حال إفساده 7 - مسألة: إِذا كانت الهرة، أو نحوها معروفةً بالإفساد وضارية، فقتلها إِنسان في حال إِفسادها (¬3) دفعًا جاز، ولا ضمان عليه كقتل الصائل دفعًا، وإِن قتلها في غير حال الإِفساد ففيه وجهان لأصحابنا: 1 - أصحهما: وهو قول القفال: لا يجوز، فإن فعله ضمنها لأن ضررها عارض والاحتراز عنها ممكن. 2 - والثاني: قاله القاضي حسين: يجوز قتلها، ولا ضمان فيها وتلحق بالفواسق الخمس. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": أم. (¬2) نسخة "أ": أتلفت. (¬3) نسخة "أ": فسادها.

في تحمل العاقلة الدية وفي اللوث

في تحمل العاقلة الدية وفي اللوث 8 - مسألة: هل تحمل العاقلة (¬1) ديةَ النفس، والأطراف، في شبه العمد (¬2). الجواب: نعم؛ تحمل كل ذلك. 9 - مسألة: إِذا تقابلت (¬3) طائفتان فَوجِد بينهما رجلٌ من إِحدى الطائفتين، ليس عليه أثرُ جِراحٍ (¬4) ولا ضَرْبٍ، ولا غيرِ ذلك، ومات بعد يوم، أو يومين، أو نحو ذلك، هل يكون هَذا لوثًا (¬5) حتى يكون القول قولَ وارثه في دعواهُ القتلَ على واحد من الطائفة الأخرى أم لا، وهل يحلف المدعى عليه في غير اللوث يمينًا أم خمسين يمينًا؟. الجواب: ليس هذا لوثًا، ويحلف المدعى عليه، والحالة هذه خمسين يمينًا. ¬

_ (¬1) عاقلة الرجل: عصبته، وهم: القرابة من قِبل الأب الذين يعطون دية من قتله خطأ. اهـ. مختار. (¬2) نسخة "أ": العمد. (¬3) نسخة "أ": تقاتلت. (¬4) نسخة "أ": جراحة. (¬5) وفي حديث القَسامة: ذِكْرُ اللوث، وهو: أن يشهد شاهد واحد، على إقرار المقتول قبلَ أن يموت، أن فلانًا قتلني. أو يشهد شاهدان على عداوةٍ بينهما، أو تهديد منه له، أو نحو ذلك. وهو: من التلوث التلطخ. يقال: لاثه في التراب ولوثه. اهـ. نهاية. واللوث: البينة الضعيفة غير الكاملة. قاله الأزهري.

فيما لو دخل آخوان الدار فتفرقا فيها فوجد أحدهما قتيلا

فيما لو دخل آخوان الدار فتفرقا فيها فوجد أحدهما قتيلًا 10 - مسألة: رجلان أخوان، دخلا دارًا لحاجة، فتفرقا فيها، وفيها جماعة، فوجد أحدُهما الآخر قتيلًا ما حكمه؟. الجواب: هذا لوث، فإن لم يكن هناك بينة ولا اعتراف وادعى الأخُ الحي على الموجودين أو بعضهم، أنه القاتل، حلف المدعي خمسين يمينًا، ووجب له على المدعى عليه دِيَةُ القتل حالَّةً في مال المدعى عليه إِن (¬1) ادعى عليه قتل عمد، وإِن ادعى عليه خطأ وجبت الدية على العاقلة ديةٌ مخففة مؤجلة، وإِن ادعى شبه عمدٍ فعلى العاقلة مغلظةٌ مؤجلة (¬2). فيما غنمه المسلمون 11 - مسألة: إِذا غَنِمَ المسلمون غنائم، فأعطى السلطان أميرًا جملة من الغنيمة لم يُخمّسها، هل يلزمه خُمس ذلك، وما حكم ما صار إِلى الأمير؟. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": وإن. (¬2) صورة القَسامة: أن يوجد قتيل بموضع لا يُعرف مَنْ قتله، ولا بينةَ، ويدعي وليه قتلَه على شخص معين، أو جماعة معينين، وتوجد قرينة تشعر بصدقه، ويقال له اللوث، فيحلف على ما يدعيه خمسين يمينًا، فإذا حلف وجبت الدية في العمد على المقسم عليه، وفي الخطأ وشبه العمد على العاقلة. ووجه تقديم المدعي في القَسامة، مع أن البيَنة على المدعي واليمين على من أنكر. أن جانبه قويٌ باللوث فتحولت اليمين إليه فإن لم يكن هناك لوث، فاليمين على المدعى عليه جريًا على القاعدة. اهـ. باختصار من كفاية الأخيار 2/ 108 باب القسامة.

فيما لو زنى الذمي ثم أسلم

الجواب: إِذا لم يخمسها السلطان التخميسَ الشرعي، ولم يقسم الباقي بالسوية المعتبرَة شرعًا بين جميع الحاضرين، وجب الخُمس في هذا الذي صار إِلى الأمير، ولا يحل له الانتفاع بالأخماس الأربعة حتى يصل منها أو من غيرها من الغنيمة إِلى كل حاضر قدرُ حصته، هذا إِذا لم يُعْطِه السلطان ذلك على سبيل النفل بشرطه، فإذا تعذر على الأمير صرفُ الذي في يده إِلى مستحقه لزمه إِلى القاضي كسائر الأموال الضائعة "والله أعلم". فيما لو زنى الذمي ثم أسلم 12 - مسألة: إِذا زنى الذميُّ، ثم أسلم، وقامت بَيّنة بزناه سقط عنه الحد، فلا يُحدُّ ولا يعزَر، نصَّ عليه الشافعي بقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (¬1) ويستدل أيضًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإِسْلامُ يَهْدِمُ ما قَبْلَهُ". رواه مسلم من رواية عمرو بنِ العاص. ولأنَ نص القرآن يدل على سقوط الحدِّ عن السارق وقاطع الطريق إِذا تابا، فعن الكافر أولى، ولأن في إِيجاب الحد تنفيرًا عن الِإسلام، وبمثل هذه العلة عللوا سقوط قضاءِ الصلاة عنه، وحكى ابن المنذر هذا عن مالك -أيضًا- وروايةً عن أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليه. وقال أبو ثور: لا يسقط، وهي رواية أخرى عن أبي حنيفة. فيما لو زنى بميتة 13 - مسألة: إِذا زنى بميتة، هل يُحدُّ، أو يلزمه المهر أو الغسل أم لا؟. الجواب: يُعزَّر، ولا حد عليه، ولا مهر ويلزمه الغسل. ¬

_ (¬1) سورة الأنفال: الآية 38.

فيما لو قال الإنسان يا مأبون أو يا سائب

فيما لو قال الِإنسان يا مأبون أو يا سائب 14 - مسألة: رجل قال لِإنسان: يا مأبون (¬1) أو يا سائب، هل هذا كناية في القذف؟. الجواب: قوله يا مأبون كناية (¬2)، وكذا قوله يا سائب إن كان يطلق في العرف للنسبة إِلى الزنا. لو سرق الكفن أو لعن الكفار أو قال للمسلم يا كلب 15 - مسألة: إِذا سرق الكفن من القبر، هل يقطع؟. الجواب: إِذا كان القبر في طرف العمارة قطع، وإِن كان في مضيعة فلا. 16 - مسألة: هل يجوز لعن اليهودِ، والنصارى، والرافضة، والقدرية عمومًا من غير تخصيص؟. الجواب: يجوز ذلك، وتركه أفضل. 17 - مسألة: ماذا يجب على من يقول للمسلم: يا كلب، أو يا خنزير، ونحوه من الألفاظ القبيحة هل يأثم؟. الجواب: يأثم، وُيعزَّر، وعليه التوبة "والله أعلم". ¬

_ (¬1) أبن: في وصف مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تؤْبَنُ فيه الْحُرمُ، أي: لا يذكرن بقبيح. كان يصان مجلسه عن رفث القول. ومنه حديث الإفك: "أشيروا عليَّ في أناس أبنوا أهلي أي اتهموها". والأبن التهمة. اهـ. النهاية. (¬2) نسخة "أ": في القذف.

كلمة عمر الفاروق

كلمة عمر الفاروق 18 - مسألة: ما معنى قولِ عمر رضي الله تعالى عنه: إِن أَسْتَخلف فقد اسْتَخْلفَ من هو خيرٌ مني، وإِن أترك فقد ترك من هو خير مني. وماذا أراد به؟ وهل الحسن أفضل من معاوية؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: المراد بالذي استخلف أبو بكر، وبالذي لم يستخلف النبي - صلى الله عليه وسلم -. والحسن أفضل من معاوية رضي الله تعالى عنهما "كتبتهما عنه". في إطلاق اسم الخليفة وتولية اليهود في بيت المال 19 - مسألة: هل يجوز أن يقال لأحد من الخلفاء: هذا خليفة الله تعالى، أو خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الجواب: يجوز أن يقال: هذا خليفةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز عند جمهور العلماء أن يقال: خليفة الله الا في آدمَ وداودَ صلوات الله عليهما وسلامه. 20 - مسألة: رجل يهودي وُلِّي صَيْرفيًا في بيت مال المسلمين ليزنَ الدراهم المقبوضةَ والمصروفة، ويَنقدها، وُيعْتمدُ في ذلك قولُه هل تحل توليته أم لا؟ وهل يثابُ ولي الأمر على عزله واستبدالِ ثقة مسلمٍ بدله. وهل يثاب المساعد في عزله؟. الجواب: لا يحل تولية اليهوديِ ذلك ولا يجوز إِبقاؤه فيها، ولا يحل اعتماد قولِه في شيء من ذلك، وُيثاب ولي الأمر وفقه الله تعالى في عزله، واستبدال مسلمٍ ثقة، ويثاب المساعِدُ في عزله.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} (¬1) إِلى آخر الآيات. ومعناها لا تتخذوا مَنْ يداخل بواطن أموركم مِنْ دونكم، أي من غيركم، وهي (¬2) الكفار، لا يألونكم خبالًا أي لا يُقصرون فيما يقدرون على إِيقاعه من الفساد والأذى والضرر، قد بدت البغضاء من أفواههم، يقولون نحن أعداؤكم، "والله أعلم". * * * ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: الآية 118 تمام الآية: { ... قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}. (¬2) نسخة "أ": وهم.

كتاب الأقضية

كِتابُ الأقضِيَة (¬1) وفيه سبعة عشر مسألة تولية الأئمة الأربعة 1 - مسألة: هل صحَّ أن أحدًا من الأئمة الأربعة المشهورين تولى القضاء؟. ¬

_ (¬1) الأقضية: جمع قضاء بالمد، كأغطية جمع لغطاء ككساء. وأصل القضاء: إحكام الشيء وفراغه. قال الجوهري: قضى بمعنى أنهى وفرغ، فالقاضي: يُنهي الأمرَ ويفرغ منه ... والقضاء لغة: إمضاء الشيء وإحكامه ... وشرعًا: فصل الخصومة بين اثنين فأكثر. وقضى بمعنى أوجب، ومنه قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} والقاضي: يوجب الحكم. وقضى بمعنى أتم، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}، فالقاضي يُتم الأمر بحكمه ويكون بمعنى أدَّى وبمعنى قدر، وسمى القضاء حكمًا لما فيه من منع الظالم، مأخوذ من الحِكْمةِ التي توجب وضع الشيء في محله. والأصل فيه قبل الإجماع؛ آيات كقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا =

قضاء القاضي بعلمه

أجاب رضي الله عنه: لم يتولَّه أحدٌ منهم "والله أعلم، كتبته عنه". قضاء القاضي بعلمه 2 - مسألة: الأصح أن القاضيَ يقضي بعلمه في غير حدود الله تعالى، ولا يقضي في حدود الله تعالى بعلمه، وأجمع المسلمون على أنه لا يقضي على خلاف علمه وإِن شهد به عُدولٌ كثيرون. ¬

_ = تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}. وقوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. وأخبار: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وان أصاب فله أجران. وفي رواية: صحح الحاكم إسنادها، فله عشرة أجور. وقد أجمع المسلمون، على أن هذا في حاكم، عالم، مجتهد ... أما غيره فهو آثم بجميع أحكامه، وإن وافق الصواب، وأحكامُه كلها مردودة، لأن إصابته اتفاقية. وروى الأربعة، والحاكم، والبيهقي: القضاة ثلاثة: قاض في الجنة. وقاضيان في النار. 1 - قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة. 2 - وقاض عرف الحق فحكم بخلافه فهو في النار. 3 - وقاض قضى على جهل فهو في النار. قال العلماء: كل من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فو آثم ولا ينفذ حكمه، وسواء وافق الحق أم لا، فهو عاص في جميع أحكامه. اهـ. باختصار. انظر كفاية الأخيار 2/ 157. وانظر الشرقاوي على التحرير 2/ 491. كتبه محمد.

القضاء على الغائب

القضاء على الغائب 3 - مسألة: هل يجوز القضاء (¬1) على الغائب في الحدود؟. الجواب: يجوز في القصاص، وحد القذف، ولا يجوز في حدود الله تعالى. موت المدعى عليه بسبب المدعي 4 - مسألة: إِذا ادعى على إِنسان مالًا، وحبسه ولي الأمر به، فمات في الحبس، هل على المدعي إِثم أو ضمان؟. الجواب: لا يلزمه قصاص، ولا دِيَةٌ، ولا كفارة، وأما الِإثم فإن كان محقًا في الدعوى، وعَلم أو ظنَّ يساره (¬2) به لم يأثم؛ وإن كان مبطلًا، أو محقًا، وعلم أو ظن إِعسارَه به أثم "والله أعَلم". فيما إِذا تعارضت البيِّنات 5 - مسألة: إِذا أقام إِنسان بينة أن هذه الدار ملكه، وأقام آخرُ بينةً أنها وقفٌ عليه، ما حكمه؟. الجواب: لا ترجيحَ بالوقف؛ بل إِن كانت في يد أحدهما فهي له، وإِلا فهما متعارضتان، فلو كانت بينةُ الوقف أقدَم تاريخًا، وبينةُ الملك متأخرة لكنها في يد مدعي الملك حكم بها لمدعي الملك؛ لأن اليد أقوى من سَبْق التاريخ على الصحيح. فيما إذا أقام بينته على أنه مكرَه في البيع 6 - مسألة: رجل أُشْهِد عليه ببيعِ مكانٍ، وبقبض ثمنه، ورضاه بذلك، ثم ادعى أنه كان مُكرَهًا، وكان هناك قرينة، تصدق قولَه، ¬

_ (¬1) نسخة "أ": القصاص. (¬2) نسخة "أ": إيساره.

إتيان المنجمين وتصديقهم

وأقام بينةً أنه (¬1) كان مكرهًا، هل تسمع بينته، ويحكم بفساد البيع مع اعترافه بالرضا؟. الجواب: نعم؛ تسمع بينته، ويحكم بفساد البيع، والحالة هذه (¬2). إتيان المنجمين وتصديقهم 7 - مسألة: هل يجوز الِإتيانُ إِلى المنجمين، وتصديقُهم فيما يقولون أم لا؟ وروى النسائي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تقبل صلاة من أتاهم وصَدَّقهم" هل هذا صحيح، أوضحوا لنا ما جاء فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما قاله العلماء؟. الجواب: ثبتت أحاديثُ كثيرةٌ بتحريم ذلك، منها: عن صفيةَ بنتِ أبي عبيد، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "مَنْ أتى عَرَّافًا فَسألَهُ عَنْ شَيءٍ فَصدَّقَهُ لَمْ تُقْبَلْ صَلاتُهُ (¬3) أرْبَعِينَ يَوْمًا". رواه مسلم في صحيحه. وعن قبيصةَ بنِ المخارق، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الْعيَافَةُ، والطيِرَةُ، والطَّرْقُ مِنَ الْجبْتِ". رواه أبو داود بإِسناد حسن؛ قال أبو داود: والعيافة والخط والطَّرْق: الزجر، أي: زجرُ الطير، وهو أن يتيامن، أو يتشاءم بطيرانه، فإن طار إِلى جهة اليمين تيَّمن! وإِن طار إِلى اليسار تشاءم! قال الجوهري: الجبت كلمةٌ تقع على الصنم، والكاهن، والساحر، والمنجم، ونحو ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) نسخة "أ": بأنه. (¬2) أقول: إن قرائن الأحوال، مع ثبوت البينة تقويان جانب دعواه الإكراه؛ ولذلك يحكم ببطلان العقد، ورد المكان إليه. اهـ. محمد. (¬3) نسخة "أ": له صلاة. (¬4) الكاهن: قيل كالساحر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وفي الحديث: "من أتى كاهنًا أو عرافًا، فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" والكاهن: من يتعاطى الخبر عن الكائنات في المستقبل، ويَدَّعي معرفة الأسرار. والعراف: المنجم، وقال الخطابي: هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق والضالة ونحوهما. اهـ. والحاصل: أن الكاهن من يدعي معرفة الغيب بأسباب وهي مختلفة، فلذا انقسم إلى أنواع متعددة كالعراف والرَّمال. والمنجم: وهو الذي يخبر عن المستقبل بطلوع النجم وغروبه. والذي يضرب بالحصا، والذي يدعي أن له صاحبًا من الجن يخبره عما سيكون، والكل مذموم شرعًا، محكومٌ عليهم وعلى مصدقهم بالكفر. وفي البزازية: يكفر بادّعاء علم الغيب وبإتيان الكاهن وتصديقه. وفي التتار خانية: يكفر بقوله: أنا أعلم المسروقات، أو أنا أخبر عن إخبار الجن إياي. وأما ما وقع لبعض الخواص كالأنبياء والأولياء بالوحي أو الإلهام فهو بإعلام الله لهم فليس مما نحن فيه. اهـ. حاشية ابن عابدين 3/ 297. أقول: إن استخدام الأرواح السفلية، وسلوك طريق علوم العزائم هو أمر عقيم، وطريق خطير، قلما يسلم الإنسان من ضرر وأذى لأن نسبة الصدق والصلاح في الجن قليلةً جدًا ... والسالك في هذا العلم أحد رجلين: إما أن يستخدم الأرواح الخبيثة، فهذا مقطوع بحرمته لأنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام. فكم من زوجين كانا في وفاق ومحبة، فعن طريق هذه الأرواح الخبيثة حصل الفراق. وكم من أخوين حميمين بينهما صلات واشجة، فعن طريقهم وقع تباغض وشقاق. وكم من بيوت خربت، وأرحام قطعت، كان السبب في ذلك هذه الأرواح. وإما أن يستخدم الأرواح الطيبة وقليل ما هم؛ ولكنه طريق شاق وخطير يطول علينا بيان أضراره. إلا أنه ينبغي علينا أن نفزع إلى الله عند الملمات والشدائد، متحصنين بحوله وقوته، =

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السحْر، زَادَ مَا زَاد". رواه أبو داود بإِسناد صحيح. وعن معاويةَ بن الحكم رضي الله عنه قال: قُلْتُ يا رسول الله إِني حَديثُ عَهْدٍ بجاهِليَّة، وقَدْ جَاءَ اللهُ بالإِسلامِ، وَإِنَّ منَّا رِجالًا يأتُونَ الْكُهَّان؛ قَالَ: فَلا تَأتِهمْ؛ قًلْتُ: وَمنَّا رِجَالُ يَتَطَيَّرُونَ؛ قالَ: ذاكَ شيء يَجِدُونَه في صُدُورِهم فَلا تُصَدقْهُمْ". رواه مسلم. وعن أبي مسعود البدريّ، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي (¬1)، وحلوان الكاهن. رواه البخاري ومسلم. ¬

_ = ملتزمين قراءة ما ورد عن الشارع صلوات الله وسلامه عليه، مكثرين من قراءة المعوذات والإخلاص وآية الكرسي، معتقدين بأن الخير لا ينال إلا عن طريق المولى جل وعلا. وأن الشر لا يدفعه إلا الله سبحانه وتعالى. فهذه نصيحة أقدمها لأبنائنا وأحبابنا ولكل من أراد أن يسلك هذا الطريق المخيف ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اهـ. محمد. (¬1) وفيه: امرأة بغيٌ دخلت الجنة في كلب، أي: فاجرة. وجمعها: البغايا. ويقال: للأمة بغيُّ. ويقال: بغت المرأة تبغي بِغاءَ بالكسر؛ إذا زنت فهي بغي. جعلوا البِغَاء على زنة العيوب كالحزن، والشراد؛ لأن الزنا عيب. اهـ. نهاية. كان لابن أبيّ ست جَوارٍ يُكرههن على البغاء، وضرب عليهن الضرائب، فنزل قوله تعالى على النبي - صلى الله عليه وسلم - مبينًا قباحة العمل: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}. سورة النور: الآية 33. أقول: كان الناس في زمن الجاهلية، في ظلمة ظلماء، وليل حالك: حرماتٌ تنتهك، وأعراضٌ رخيصة، ومواردُ أموالٍ لا يُقرها عقل، ولا دين؛ فجاء الإسلام، فأزال بنوره تلك الظلماتِ، ومحا بهديه ذاك الليل البهيم، وبَيَّن للناس ما يحل وما لا يحل، فيما يعود بالفائدة، على البشرية حتى عاش الناس جميعًا في أمن وأمان على الدين والعرض: كلٌ يعرف ما له وما عليه. اهـ. محمد.

اللعب بالنرد والشطرنج

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "سألَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ، فقَالَ: ليْسُوا بِشيءٍ. فَقَالُوا: يا رَسُولَ الله إنَهُمْ يُحَدِّثونَ أحْيانًا بِشيءٍ فَيكونُ حَقًًَّا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: تِلكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَق، يَخْطَفُهَا الْجنّيُّ فَيُقرُّهَا في أُذُنِ وليّه، فَيَخْلطُونَ مَعَهَا مِائةَ كَذبَةٍ". رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أتَى كَاهِنًا فَصَدَّقهُ بِما يَقُولُ، أوْ أتى امرأةً في دُبُرِهَا، فَقَدْ بَريءَ ممَّا أُنْزِلَ عَلى مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ". رواه أبو داود بإسناد ضعيف، قال العلماء فيحرم تعاطي هذه الأمورِ والمشيُ إليها، وتصديقُهم، ويحرم بذل الأموال لهم، ويجب على من ابتلي بشيء من ذلك المبادرةُ بالتوبة منه. اللعب بالنرد والشطرنج 8 - مسألة: اللعب بالنَّرد جائز أم حرام؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: هو حرام عند أكثر العلماء "والله أعلم". 9 - مسألة: لعب الشطرنج، هل يجوز أم لا، وهل يأثم اللاعب به؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: إِن فوَّت به صلاةً عن وقتها، أو لعب على عِوَضٍ فهو حرام؛ وإِلا فمكروه: عند الشافعي رضي الله تعالى عنه وحرام: عند غيره "والله أعلم، كتبتهما عنه" (¬1). ¬

_ (¬1) واللعب بالشطرنج مكروه إن لم يكن فيه شرطُ مال من الجانبين أو أحدِهما، أو تفويتُ صلاة -ولو بنسيان- بالاشتغال به، أو لعب مع معتقد تحريمه؛ وإلا فحرام، ويحمل ما جاء في ذمه من الأحاديث والآثار على ما ذكر. =

القدح في الفتوة

القدح في الفتوة 10 - مسألة: رجل فَتِيٌّ معدود من الفتيان، ترسم على فتى آخَرَ بأمر بعض ولاة الأمر، فضايقه مضايقةً ظاهرة من غير أمر بذلك، وتكرر (¬1) أخذُه منه الدراهمَ بسبب ذلك بغير رضى المأخوذ منه، هل يقدح ذلك في فتوته، وهل يخرج عن كونه فتى؟. الجواب: يقدح (¬2) فيها، وينبغي أن يُستتاب، فإن أصرَّ خرج عن كونه فتى (¬3) "والله تعالى أعلم". ¬

_ = وتسقط مروءة من يداوم عليه فترد شهادته؛ وهو حرام عند الأئمة الثلاثة مطلقًا. وقال سيدنا علي كرم الله وجهه: الشطرنج ميسر الأعاجم؛ ومر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، لأن يمس أحدكم جمرًا حتى يُطفأ، خيرٌ له من أن يمسها؛ ثم قال: والله لغير هذا خلقتم. وقال أيضًا: صاحب الشطرنج أكثر الناس كذبًا يقول أحدهم: قتلت! وما قتل. اهـ. إعانة الطالبين 4/ 280. (¬1) نسخة "أ": منه. (¬2) نسخة "أ": تقدح. (¬3) قال الإمام القشيري في الفتوة. هي إيثار الغير على النفس؛ بأن تكون ساعيًا في أمر غيرك. ويقال: هي أن لا تشهد لك فضلاً، ولا ترى لك حقاً على غيرك. "وهي ممدوحة ومطلوبة" قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} سورة الكهف: الآية 13. إذ الفتية جمع فتى وهو الشاب الكامل، مأخوذ من الفتوة. وقد فتي بالكسر فَتاء بالفتح والمد فهو: فتي السن أي بيِّن الفتاء. والفتوة: مختلفة قوةً وضعفًا؛ فأدناها الإيثار بالجاه والمال، وأعلاها الإيثار بالنفس زيادة عن المال. وهي: إنما تنشأ من كمال المروءة، وطهارة النفس من الشهوة الحيوانية. مثل هذا في زماننا صار كالحديث المفترى. والأولى أن يقال في معناها: هي ملكة في الشخص تحمل على البذل والجود؛ بل تقتضي قوةَ الإيثار "وهو من لطف ربنا الرحمن". اهـ. من شرح الرسالة القشيرية 3/ 167. =

إكرام المغني

إِكرام المغني 11 - مسألة: هل يُفَسَّق إِذا أعطى المغني، أو الذين يُخرجون أنفسهم في الأسواق أم يثاب؟. الجواب: لا يفسق بمجرد ذلك، ولا ثوابَ له؛ إِلا أن يكون له قصد صحيح شرعي (¬1). العبور في سوق الصاغة 12 - مسألة: العبور في سوق الصاغة، هل يجوز أم لا؟ وهل يأثم الِإنسان إِذا اجتاز به أم لا؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: أنه: إِن كان فيها معاملات محرمة كالربا وغيره حرم (¬2) العبور فيها لغير حاجة "والله أعلم". تتبع الرخص وتقليد مذهب الغير 13 - مسألة: هل يجوز لمن تمذهب بمذهب أن يقلد مذهبًا آخرَ فيما يكون (¬3) به النفع، ويتتبع الرخص؟. ¬

_ = أقول: مقام الفتوة مقام رفيعٌ قدره، عظيمٌ شأنه. رتبته رتبة الصديقين، ومقامه مقام العارفين. لا يتفق مع هذا الموقف السيء المناقض لتلك المرتبة العاليةِ القدر. فدعوى الفتوة أمر سهل؛ ولكن تحقيقها في الإنسان يحتاج إلى جُهدٍ جهيد، وزمن مديد، ومحاربةٍ للنفس الطاغية، وإلزامها طريقَ التواضع، والاستكانة، والقناعة، وعدم الطمع والجشع بما في أيدي الناس حتى تنفطم عن الدعوى المشوهة لهذه المرتبة. اهـ. محمد. (¬1) لقد ذكرنا في ص 260 من هذا الكتاب حكم الغناء، وأقسامه: فإعطاء الأجرة يختلف حكمها باختلاف مقاصدها، فإذا كان الغناء ضمن الأدب والحدود خاليًا عن المعازف ووصف ما لا يحل فلا بأس، وإلا يكون معينًا لهم على المعصية. اهـ. (¬2) نسخة "أ": حرام. (¬3) نسخة "أ": يكون النفع فيه.

أجاب رضي الله تعالى عنه: لا يجوز تتبع الرخص (¬1) "والله أعلم". ¬

_ التقليد: حكمه، شروطه (¬1) التقليد: هو العمل بقول المجتهد من غير معرفةِ دليله، ومتى نواه في قلبه كفى وإن لم ينطق به. حكمه: وهو واجب على غير المجتهد، وحرام على المجتهد فيما يقع له من الحوادث. ويتخير الشخص ابتداءً في تقليد أي مذهب من المذاهب الأربعة، ثم بعد تقليده لأي مذهب، يجوز له الانتقال منه إلى مذهب آخر -سواء انتقل دوامًا، أو في بعض الأحكام- ولو لغير حاجة على المعتمد. وللتقليد شروط ستة: الأول: معرفة المُقَلِّدِ ما اعتبرهْ مُقَلَّدُه في المسألة التي يريد التقليدَ فيها من شروط وواجبات. الثاني: أن لا يكون التقليد بعد الوقوع؛ فمن أدى عبادة مختلفًا في صحتها من غير تقليد للقائل بها، لزمه إعادتها، لأن إقدامه على فعلها عبث. الثالث: أن لا يتع الرخص بحيث يُخرجه عن عُهْدَةِ التكليف: كما إذا ضاق الوقتُ، ولم يجد ماءً ولا ترابًا، ووجد صخرًا طاهرًا، فترك التيمم عليه تقليدًا للشافعي، وترك قضاءَ هذه الصلاة تقليدًا للإمام مالك؛ لأن الشافعي لا يجوّز التيممَ من غير التراب الطاهر، ويوجب الصلاة عليه لحرمة الوقت، وعليه القضاء. والإمام مالك يقول: إذا فقد الطهورين، وفقد صخرًا يتيمم عليه، سقطت عنه هذه الصلاة، ولا قضاء عليه. الرابع: أن يكون مقلَّده مجتهدًا ولو في الفتوى: كالرافعي، والنووي، والرملي، وابن حجر؛ ما لم يصرح العلماء بأن قوله في هذه المسألة ضعيف جدًا؛ وإِلا لم يصح تقليده في هذا القول؛ وكذلك لا يصح تقليد الإمام في القول الذي يرجع عنه، ما لم يختره علماء مذهبه لدليل استنبطوه من قواعده. الخامس: عدم التلفيق، بأن لا يُلفق في قضية واحدة ابتداءً ولا دوامًا بين قولين يتولد منها حقيقةٌ لا يقول بها صاحباهما. السادس: أن لا يكون الحكم المقلَّد فيه مما ينقض فيه قضاء القاضي لو حكم به لمخالفته نصًا، أو إجماعًا، أو نحوهما؛ فإن كان مما ينقض فيه قضاء القاضي لم يصح التقليد فيه مع الحرمة. اهـ. باختصار من كتاب "تنوير القلوب"

مرتكب الحرام والمكروه

مرتكب الحرام والمكروه 14 - مسألة: إِذا علم الِإنسان شيئًا هو حرام أو مكروه ففعله، هل يفسق ويعاقب عليه في الآخرة أم لا؟. أجاب رضي الله عنه: أما المكروه: فلا يعاقب عليه: لكن ينقص أجره بالنسبة إِلى من لا يفعله: وأما الحرام: فيستحق العقاب عليه في الآخرة إِن لم يتب منه توبة صحيحة. وأما الفسق: فيحصل بارتكاب كبيرة، أو الإِصرار على صغيرة. "والله أعلم، كتبتهما عنه" (¬1). إقرار الأصول بعين للولد 15 - مسألة: إِذا أقر الأبُ، أو الأم، أو الجد، أو الجدة بعين مال للولد، فيمكن أن يكون مستنَدُ (¬2) إقراره ما يمنع الرجوع كالبيع ¬

_ (¬1) كل مكروه، أي كراهة تحريم حرام، أي كالحرام في العقوبة بالنار. ومقتضاه: أنه ليس حرامًا حقيقة؛ بل هو شبيه به من جهة أصل العقوبة في النار، وإن عذابه دون العذاب على الحرام القطعي. وأما المكروه كراهة تنزيه، فإلى الحل أقرب اتفاقًا، وهو الصحيح المختار. يعني أنه لا يعاقب فاعله أصلًا، لكن يثاب تاركه أدنى ثواب، وظاهره أنه ليس من الحلال .. ولا يلزم من عدم الحل، الحرمة، ولا كراهة التحريم، لأن المكروه تنزيهًا كما في المنح مرجعه إلى ترك الأدنى. فالمكروه تحريمًا، نسبته إلى الحرام كنسبة الواجب إلى الفرض، فيثبت بما يثبت به الواجب يعني بظني الثبوت ويأثم بارتكابه كما يأثم بترك الواجب. اهـ. من حاشية ابن عابدين 5/ 294 باب الحظر والإباحة وهو كلام نفيس قلما تجده في كتاب. (¬2) نسخة "أ": مستقر.

امرأة أقرت بابن لأخيها

وأشباهه (¬1)، ويحتمل أن يكون ما لا يمنع، وهو الهبة، فإذا فسره بالهبة، وأراد الرجوع في تلك العين ولم يتعلق به حق أجنبي، فهل له ذلك؟. الجواب: فيه وجهان: 1 - أصحهما: له ذلك؛ وبه أفتى القضاة الثلاثه: أبو الطيب الطبري، وأبو الحسن الماوردي صاحب الحاوي، وأبو سعيد الهروِيّ صاحبُ كتاب الاشراف على غوامض الحكومات. وأفتى به آخرون، واحتجوا له بأن مبنى الِإقرار على قبول التفسير بأقل محتمل، فوجب تنزيلُه على أضعف المِلْكين، وأدنى السببين، كما يُنزل (¬2) على أقل المقادير؛ فإنه لو أقر بدراهم كثيرةٍ حُمِلَ على ثلاثة. 2 - والثاني: لا رجوع له، قاله ابن قاسم (¬3) العبادي، وابنه أبو الحسن؛ لأن الأصل بقاء المِلك له، قاله الرافعي؛ ويمكن أن يتوسط فيقالُ: إِن أقر بانتقال الملك منه إِلى الابن فله الرجوع، وإِن أقر بالملك المطلق فليس له الرجوع، والأصح: المختار قبولُ تفسيره بالهبة، ورجوعُه مطلقًا "والله أعلم" (¬4). امرأة أقرت بابن لأخيها 16 - مسألة: امرأة أقرت بابن لأخيها، هل يثبت نسبه؟. أجاب رضي الله عنه: يثبت النسب بشروط: 1 - أحدها: أن لا يكذبه الحس؛ بل يمكن كونه ولدَ أخيها. 2 - والثاني: أن يكون الأخ الذي هو ابنه ميتًا. ¬

_ (¬1) نسخة "أ": وإما لا يمنع. (¬2) نسخة "أ": تنزل. (¬3) نسخة "أ": عاصم. (¬4) "إلى هنا انتهت المقابلة عن النسخة المخطوطة -لأنها ممزقة الآخر- من المدرسة الأحمدية بحلب".

إذا أقر بعدد ثم استثنى منه

3 - والثالث: أن يصدقها ابن الأخ المُقَرُّ به. 4 - والرابع: أن لا يكون معروفَ النسب من غير الأخ المذكور. 5 - والخامس: أن تكون الأخت حائزة لميراث الأخ الميت؛ بأن كانت معتقة له، أو لا تكون حائزة، ويوافقها باقي الورثة إِن كانت ورثةَ نسب، أو يوافقها السلطان "والله أعلم، كتبته عنه". إذا أقر بعدد ثم استثنى منه 17 - مسألة: إِذا قال له: "لك" عندي عشرُ دراهم، إِلا تسعةً، إِلا ثمانيةً، إِلا سبعةً، إِلا ستةً، إلا خمسة، إِلا أربعة، إِلا ثلاثة، إِلا درهمين، إِلا درهمًا، لزمه خمسة دراهم؟. وطريقه: أن يجعل الذي بدأ به -وهو الأشفاع- مُقَرًا به، ويجمعه الذي ثنى به -وهو الأوتار- مستثنى ويجمعه؛ فالأشفاع -هنا- عشرة، وثمان، وستة، وأربعة، واثنان، فجملتها ثلاثون، والأوتار خمسة وعشرون فكأنه قال: ثلاثون؛ إِلا خمسة وعشرين، فلزمه خمسة "والله أعلم". * * *

باب في التفسير

بابٌ في التفسِير وفيه ست مسائل الحديث على قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}. 1 - مسألة: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1) هل هي ناسخة لقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (¬2)؟. الجواب: قيل: إِنها ناسخة؛ ولكنَ هذا الجواب ضعيف، والصحيح: الذي جزم به المتقنون، وأطبق عليه المحققون، أنها ليست ناسخةً لها؛ بل هي مفسرة ومبينة للمراد بقوله: {حَقَّ تُقَاتِهِ}، وأنه ما استطاعه المكلف، وحقيقة التقوى امتثال أمره، واجتناب نهيه سبحانه وتعالى (¬3) وهو ما استطاعه المكلف؛ لأن غير المستطاع لا يكلف به قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬4)، وقال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬5) وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِذَا أمرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأتُوا مِنْه مَا اسْتَطَعْتُمْ". ¬

_ (¬1) سورة التغابن: الآية 16. (¬2) قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي أن يُطاعَ فلا يُعْصَى، ويُذْكَرَ فلا يُنْسَى، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَرُ. اهـ. الآية 102 من سورة آل عمران. (¬3) وعرفها الإمام علي كرم الله وجهه بقوله: "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل". (¬4) سورة البقرة: الآية 286. (¬5) سورة الحج: الآية 78.

آيات علم الغيب المعجزات والكرامات

آيات علم الغيب المعجزات والكرامات 2 - مسألة: مامعنى قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (¬1)، وقولَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلا اللَّهُ"، وأشباهِ هذا من القرآن والحديث مع أنه قد وقع علم ما في غد في معجزات الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وفي كرامات الأولياء رضي الله عنهم؟. الجواب: معناه: لا يعلم ذلك استقلالًا، وعلمَ إِحاطة بكل المعلومات إِلا الله؛ وأما المعجزات والكرامات فحصلت بإِعلام الله تعالى للأنبياء والأولياء، لا استقلالًا، وهذا -كما أنا نعلم- أن الشمس إِذا طلعت تبقى ستَّ ساعات أو نحوَها ثم تزول، ثم تبقى نحو ذلك ثم تغرب، ثم تبقى مثل مجموع ذلك أو نحوه ثم تطلع، وهكذا القول في القمر وغيره من الأمور التي يعلم وقوعها في المستقبل، وليس هو علم غيب علمناه استقلالًا، وإِنما علمناه بإجراء الله تعالى العادة به. معنى قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا}. 3 - مسألة: ما مختصرُ تفسيرِ قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} (¬2) الآية. الجواب: معنى الآية الكريمة: لو أنزلنا القرآن بلغة العجم لكفروا به، واشتد إِنكارهم، وقالوا: {لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ}، أي هلَّا (¬3) بُينت آياتُه بالعربية لنفهمه ونعلمَ معناه {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} وهذا استفهام إِنكاري، أي كانوا يقولون: كيف يكون القرآن أعجميًا، والنبي عربي، ¬

_ (¬1) سورة النمل: الآية 65. (¬2) سورة فصلت: الآية 44. (¬3) أحرف التحضيض خمسة: هي "ألا، ألَّا، هلَّا، لولا، لوما". اهـ.

انشقاق القمر

وهذه الآية الكريمة في المعنى كقوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} (¬1)، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} أي: قل لهم: إِن القرآن هدى من الضلالة، وشفاءٌ من الهلكة والانتقام، وظلماتِ الكفر وغيره من الأباطيل، فهو هدى للمؤمنين؛ أي: هم الذين يستثمرونه وينتفعون به، فهو هادٍ لكل أحد؛ لكن لما لم ينتفع به غيرُ المؤمنين، قيل: هدى للمؤمنين. وأما الذين لا يؤمنون فلا ينتفعون به، ولا يستثمرونه لتقصيرهم وعدم توفيقهم؛ بل {فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ} أي: صمم لا يسمعونه سماعًا ينتفعون به ويستهدون به، وإِن كانوا يسمعون سماعًا تتوجه به حجة الله تعالى ويصيرون مكلفين. وقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} أي: أعمى الله قلوبهم عن فهم القرآن، فلا يفهمونه لخذلانهم. وقوله تعالى: {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} (¬2). أي: قلوبهم بعيدة عن فهمه، فهم كمن ينادى في مكان بعيد؛ فإِنه لا يفهم. والمراد لا يفهمونه فهمًا ينفعهم لبعد قلوبهم، وإن كانوا قد فهموا منه التكليف ومدلولَ الكلام، "والله أعلم". انشقاق القمر 4 - مسألة: رجلان تنازعا في انشقاق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أحدهما: انشق فرقتين دخلت إحداهما في كم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخرجت من الكم الأخر. وقال الآخر: بل نزل إِلى بين يديه، وهو فرقتين ولم يدخل في كمه، فمن المصيب منهما؟. ¬

_ (¬1) سورة الشعراء: الآية 198، 199. (¬2) سورة فصلت: الآية 44.

أصحاب اليمين والشمال

الجواب: الاثنان مخطئان؛ بل الصواب أنه انشق وبقي في موضعه من السماء، وظهرت إِحدى الفرقتين فوقَ الجبل، والأخرى دونه؛ هكذا ثبت في الصحيحين وغيرِهما من رواية ابن مسعود رضي الله عنه (¬1). أصحاب اليمين والشمال 5 - مسألة: قوله تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ¬

_ (¬1) وقد أجمع المسلمون على وقوع ذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام. وجاءت بذلك الأحاديث المتواترة من طرق متعددة تفيد القطع عند من أحاط بها ونظر فيها. وجعل الله له آيةً على صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به من الهدى ودين الحق، حيث كان ذلك وقتَ إشارته الكريمة. وقد صرح القرآن الكريم بهذا حيث قال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}. سورة القمر: الآية 1. أي: رأوا شقيه. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: اجتمع المشركون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل، والعاص بن وائل وغيرهم من رؤوس الشرك والضلال. فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن كنتَ صادقًا فشق لنا القمر فرقتين نصفًا على أبي قبيس، ونصفًا على قيقعان. فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن فعلت تؤمنوا؟ ". قالوا: نعم! وكانت ليلةَ بدر. فسأل الله عز وجل أن يعطيه ما سألوا، فأمسى القمر قد سلب نصفًا على أبي قبيس، ونصفًا على قيقعان ورسول الله ينادي: "اشهدوا". أقول: فانشقاق القمر معجزة من أبرز المعجزات، وآية من أبين الآيات جاءت من طرق متعددة، قوية الأسانيد تفيد القطع لمن تأملها وعرف عدالة رجالها. وما يذكره بعض القصاص من أن القمر سقط إلى الأرض حتى دخل في كم النبي - صلى الله عليه وسلم -. وخرج من الكم الآخر فلا أصل له، وهو كذب مفترى ليس بصحيح. انظر البداية والنهاية 3/ 122 لابن كثير. اهـ محمد.

الكوثر، وهل السورة مكية، أم مدنية

(8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} (¬1) مَنْ هؤلاء، ومَنْ هؤلاء؟. الجواب: قيل: (أصحاب الميمنة) أصحاب اليمين يؤخذ بأيديهم ذاتَ اليمين إِلى الجنة. وأصحاب الشمال: هم الذين يؤخذ بهم ذاتَ الشمال إِلى النار. وقيل: أصحاب اليمين هم الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم. وأصحاب الشمال: يأخذونها بالشمال. وقيل: أصحاب اليمين هم الذين عن يمين آدم صلى الله عليه وآله وسلم. وأصحاب الشمال: هم الذين عن شماله، كما ثبت في "الصحيحين" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "رأى آدم في السماء الدنيا عن يمينه أصحابُ الجنة، وعن شماله أصحابُ النار". "والله أعلم". الكوثر، وهل السورة مكية، أم مدنية 6 - مسألة: هل نزلت سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} بمكةَ أو بالمدينةِ؟. الجواب: نزلت بالمدينة، ثبت في "صحيح مسلم" عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: بينما رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يومًا بين أظهُرِنا إِذْ غفا (¬2) إِغفاةً، ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: ¬

_ (¬1) سورة الواقعة: الأيتان 8، 9. (¬2) أغفي: نام. قال ابن السكيت: ولا تقل غفا. اهـ. مختار.

"نزلت عليَّ آنفًا سورةٌ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ (¬1) الْأَبْتَرُ (3)} ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: إِنه نهر وعدَنِيه ربي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، وهو حوض تَرِده أمتي يومَ القيامة، آنيته عدد النجوم". هذا اللفظ رواه مسلم. وفي رواية له: "بين أظهرنا في المسجد". وقد أجمع المسلمون على أن أنسًا لم يصحب النبى صلى الله عليه وآله وسلم قبل الهجرة إِلى المدينة. * * * ¬

_ (¬1) إن شانئك: أي: إن من أبغضك من قومك بمخالفتك لهم هو الأبتر المنقطع عن كل خير، لا أنت لأن كل من يولد من المؤمنين فهم أولادك وأعقابك، وذكرك مرفوع على المنابر، وعلى لسان كل عالم وذاكر، إلى آخر الدهر: يبدأ بذكر الله ويثني بذكرك، ولك في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف. اهـ. من تفسير النسفي.

باب في الحديث

بابٌ في الحديثِ وفيه سبع وثلاثون مسألة 1 - مسألة: لو كان معه خطُّ شيخٍ، بأنه سمع منه الكتاب الفلاني، أو قرأ فضاعَ، هل له كتابةُ صورته ويريها للناس ليرغبوا في السماع منه والقراءة عليه؟. الجواب: له أن يكتب كان معي خط فلان، وصورته كذا وكذا، وليس له إِطلاق ذكر صورتها من غير بيان أنها محكية، ليست نفسَ خط الشيخ. 2 - مسألة: هل في صحيح "البخاري ومسلم" شيء متواتر، أم كلها آحاد؟ وهل حديثُ: "إِنما الأعمال بالنيات" متواتر أم لا؟. الجواب: أما حديث: "إِنما الأعمال بالنيات" فليس بمتواتر لِإخلال شرط التواتر منه في أوله، فإنه رواه في أوله واحد عن واحد، وأما في غيره ففي "البخاري ومسلم" أحاديثُ كثيرة متواترةٌ منها: "حديث حجة الوداع"، وحديث: "مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمدًا فليتبوأ مقعده من النار"، وحديثُ إِتيانِ حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم"، وأحاديث كثيرة. الفارق بين البخاري ومسلم وغيرهما 3 - مسألة: هل في صحيح "البخاري ومسلم" والمسانيد المشهورة، وسنن أبي داود، والترمذي، والنَّسائي غيرُ صحيح، أو أحاديث باطلة، أو في بعضها دون بعض؟.

من حفظ على أمتي أربعين حديثا

أجاب رضي الله عنه: أما "البخاري ومسلم" فأحاديثهما صحيحة، وأما باقي السنن المذكورة، وأكثر المسانيد ففيها الصحيح، والحسن، والضعيف والمنكر، والباطل "والله أعلم، كتبته عنه". 4 - مسألة: هل هذا الذي يقوله العوام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا يبقى بعد وفاته للقيامة ألفُ سنة، هل هو صحيح؟. الجواب: هذا باطل، لا أصل له. من حفظ على أمتي أربعين حديثًا 5 - مسألة: هل صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "مَن حفظ على أمتي أربعين حديثًا بعثه الله يوم القيامة فقيهًا، أو في زمرة الفقهاء أو العلماء" (¬1)؟. ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم بنحوه، عن ابن عباس وابن مسعود. وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية عن أنس، وعلي، ومعاذ، وأبي هريرة، وغيرهم. ورواه ابن عدي عن ابن عباس بلفظ: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من السنة، كنت له شفيعًا وشهيدًا يوم القيامة". أخرجه ابن النجار في تاريخه عن أبي سعيد الخدري بلفظ: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي". وقال البيهقي في شعبه عقب حديث أبي الدرداء: "هذا متن مشهور فيما بين الناس؛ وليس له إسناد صحيح". وقال الدارقطني: "طرقه كلها ضعيفة؛ وليس بثابت". ولذا قال الحافظ ابن حجر: "جمعت طرقه في جزء ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة". اهـ. من كشف الخفاء. وقال في أسنى المطالب: "هذا الحديث له ألفاظ مختلفة، وأسانيده واهية لم يصح منها شيء". اهـ.

حديث: من عرف نفسه فقد عرف ربه

الجواب: هذا الحديثُ روّيناه من رواية جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وطرقُه كلُها ضعيفة وليس هو بثابت (¬1) "والله أعلم". حديث: من عرف نفسه فقد عرف ربه 6 - مسألة: في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من عرف نفسَه فقد عرف ربَّه، ومن عرف ربَّه كَلَّ لسانُه" هل هذا الحديث ثابت أم لا وما معناه؟. الجواب: ليس هو بثابت (¬2)؛ ولو ثبت كان معناه من عرف نفسه بالضعف والافتقار إِلى الله تعالى، والعبودية له، عرف ربه بالقوة، والقهر، والربوبية، والكمال المطلق، والصفات العليا. ومن عرف ربه بذلك كَلَّ لسانُه عن بلوغ حقيقة شكره، والثناءِ عليه كما ثبت في "صحيح مسلم" وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "سبحانَك (¬3) لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك". "والله أعلم". ¬

_ (¬1) الباء زائدة، وثابت: خبر "ليس" منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد التقدير ليس ثابتًا. اهـ. (¬2) سئل ابن حجر رضي الله عنه عن حديث: "من عرف نفسه عرف ربه" مَنْ رواه؟. فأجاب بقوله: لا أصل له، وإنما يُحكى من كلام يحيى بن معاذ الرازي الصوفي. ومعناه: من عرف نفسه بالعجز والافتقار والتقصير والذلة والانكسار، عرف ربه بصفات الجلال والجمال على ما ينبغي لهما، فأدام مراقبته حتى يفتح له "باب" مشاهدته، فيكون من أخصائه الذين أفرغ عليهم سجال معرفته وألبسهم صوافيَ خِلافته. اهـ. من فتاويه ص 289. قال السمعاني: إنه لا يُعْرَفُ مرفوعًا. ونسبه بعضهم إلى أبي سعيد الخراز. اهـ. من أسنى المطالب. (¬3) سبحان: مفعول مطلق لفعلٍ محذوف تقديره: أسبح.

طلب العلم فريضة

7 - مسألة: جاء في الحديث: "ما مِنَّا إلا مَنْ عَصَى أوْ هَمَّ بمعصيةٍ؛ إلّا يحيى بنَ زكريا" هل هذا الحديث صحيح؟ ومَنْ رواه من أصحاب الكتب، وما اسم راويه الصحابي؟. الجواب: هذا حديث ضعيف، لا يجوز الاحتجاج به، رواه أبو يعلى الموصليُّ في مسنده (¬1)، عن زهير، عن عفان، عن حماد بنِ مسلمة، عن علي بن زيد بن جُدْعان -بضم الجيم وإِسكان الدال المهملة-، عن يوسفَ بن مِهْرَان، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "ما منَا مِنْ أحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدمَ إِلَّا وَقَدْ أخْطَأ أَوْ هَمَّ بخطيئة، ليس (¬2) يحيى بنَ زكريا"، ذكره في مسند ابن عباس، وهذا الِإسناد ضعيف لأن علي بن زيد بنِ جُدعانَ فيه ضعف، ويوسفَ بن مهران مختلفٌ في جرحه، "والله أعلم". طلب العلم فريضة 8 - مسألة: حديثُ "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، هل هو صحيح أم لا، ومن رواه من الأئمة والصحابة؟. الجواب: هو حديث: ضعيف، وإِن كان معناه صحيحًا، رواه أبو يعلى الموصليُّ في مسنده بإسناده، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (¬3)، وإسناده ضعيف فيه حفص بنُ سليمان، وهو ضعيف. ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى في مسنده (2538) وانظر مجمع الزوائد 8/ 209. (¬2) أحرف الاستثناء ثمانية: إلا، غير، سوى، ليس، لا يكون، خلا، عدا، حاشا، بَيْدَ، لما". اهـ. (¬3) مسند أبي يعلى، حديث رقم (2829)، وقال الحافظ السيوطي في "جزء طرق حديث طلب العلم فريضة على كل مسلم": "فهذا جزء فيه طرق حديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" دعاني إلى جمعها فيه ما في "فتاوى الشيخ محي الدين النووي" أنه سئل عن هذا الحديث، فأجاب بأنه: ضعيف، وإن كان =

أمتي كالمطر

أمتي كالمطر 9 - مسألة: "مثل أمتي كالمطر لا يُدرى أولُه خير أم آخره" هل هو صحيح، ومن رواه من الأئمة، وما معناه؟. الجواب: هو حديث: ضعيف، رواه أبو يعلى الموْصِلي من رواية يوسفَ الصفار، عن ثابت، عن أنس (¬1)، عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، ويوسف ضعيف باتفاق المحدثين، كثيرُ الوهَمْ، منكَر الحديث، ولو صح لكان معناه أن هذا يقع بعد نزول عيسى صلى الله عليه وآله وسلم حين تظهر البركةُ ويكْثُر الخير، ويظهر الدين بحيث يتشكك الرائي، هل هؤلاء أفضل من أوائل الأمة أم الأوائل أفضل؟ وهذا فيما يظهر للرائي؛ وإِلا فأول الأمة أفضل في نفس الأمر، وهو قريب الشبه من قول الشاعر: فيا ظَبيةَ الْوَعْساءِ بَينَ خَلاخِلٍ (¬2) ... وبينَ النَّقا (¬3) ها أَنْتِ أَمْ أُمُّ عَامِرٍ معناه لتقاربهما تشككت فيهما، وإن كانت الظبية مخالفة لأم عامر فحصل من هذا أن هذا الحديث لو صح لم يكن مخالفًا للأحاديث الصحيحة، كحديث: "خَيْرُكمْ قَرْني ثُمَّ الذينَ يلُونَهُمْ" وحديثِ: "مَا مِنْ عامٍ إِلا والَّذي بَعْدَهُ شَرٌ منْهُ". ¬

_ = معناه صحيحًا. وقال تلميذه الحافظ جمال الدين المزي: "إن له طرقًا يرتقي بها إلى درجة الحسن". وقد تتبعتها فوقع لي منها نحو خمسين طريقًا" ثم أورد طرق هذا الحديث. فانظرها في رسالة السيوطي إن شئت. (¬1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 6: "وأغرب النوويُّ في "فتاويه" فعزاه إلى أبي يعلى من حديث أنس (3462)، بإسناد ضعيف، مع أنه عند الترمذي 4/ 40 بإسناد أقوى منه من حديث أنس، وصححه ابن حبان (2307) من حديث عمار". (¬2) الوعساء: رابية من رمل لينة، والخَل: الطريق ينفذ في الرمل، وجمعه: خلال. اهـ. قاموس. (¬3) والنقا: كثيب الرمل.

الخلق عيال الله

الخلق عيال الله 10 - مسالة: حديث: "الخلق عيال الله"، هل هو صحيح، ومن رواه من الأئمة؟. الجواب: رواه أبو يعلى الموصلىُّ من رواية يوسفَ بن عطية، عن ثابت، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الخلقُ عيالُ الله، وأحبُّهم إلى الله أنفعُهم لعياله" (¬1)، وهو حديث ضعيف، لأن يوسف بن عطية ضعيفٌ باتفاق الأئمة. 11 - مسألة: هذا الحديث المشهور: "نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ المُصَلّينَ"، هل هو ثابت، ومن رواه من الأئمة؟. الجواب: هو ضعيف، رواه أبو داود بإسناد ضعيف. مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاه 12 - مسألة: ما قولُ علماء السنة فيما قيل: أن عليًا رضي الله عنه قال: "لما غسَّلت النبي - صلى الله عليه وسلم - امتصَصْتُ ماءَ محاجرِ عينيه وسرتهِ فَوُرِثْتُ علمَ الأولينَ والآخرينَ"، هل هذا صحيح أم لا؟ وما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلاه"، وهل كان مولىً لأبي بكرٍ وعمرَ، وهما أفضل منه أم لا؟ وما معنى: "أقضاكم عليّ"؟ هل كان أقضى من أبي بكر وعمرَ؟ فإن كان فَلِمَ خالفاه في مسائلَ عديدة؟ وإِن لم يكن فما معنى أقضاكم؟ وهل يستفاد من ذلك أنه كان أفضلَ منهما؟ وأولى بالِإمامة، وماذا يجب على من يعتقد أنه أفضل منهما؟. الجواب: أما الحديث الأول فليس بصحيح. ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى في مسنده (3302) وانظر المقاصد الحسنة للسخاوي ص 201.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌ مَوْلاهُ" فحديث صحيح، رواه الِإمام أبو عيسى الترمذيُّ وغيرهُ. قال الترمذي: هو حديث حسن؛ ثم معنى هذا الحديث عند العلماء الذين هم أهل هذا الشأن، وعليهم الاعتمادُ في تحقيق هذا ونظائِرِهِ، مَنْ كنت ناصرَه، ومُوالِيَه، ومحبَّه ومصافيَه فعلي كذلك. قال الإِمام أبو عبد الله: "محمد بنُ إِدريس الشافعيُّ" رحمه الله تعالى أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك وَلاءَ الِإسلام، كما قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} (¬1). وقيل: سببُ هذا الحديث، أن أسامةَ بنَ زيد رضي الله تعالى عنهما قال لعلي: لستَ مولاي، إِنما "مولاي" رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌ مَوْلاه"، وقد قال العلماء من أهل اللغة وغيرهم: إِن اسم المولى يطلق على نحو عشرين معنى، منها: 1 - الرب. 2 - والمالك. 3 - السيد. 4 - والعبد. 5 - والمنعم. 6 - والمنعم عليه. 7 - والمعتِق. 8 - والمعتَق. 9 - والناصر. 10 - والمحب. 11 - والتابع. 12 - والجار. 13 - وابن العم. 14 - والحليف. 15 - والصهر. 16 - والعقيل. ويحصُل بما ذكرناه أن عليًا مولى لهما، وأنهما موليان له، ولا يلزم من ذكره وحده نفيُه عن غيره والسببُ في ذكره وحده ما ذكرناه. وأما قول السائل: هل هما أفضل منه؟. فاعلم!! أنَّ كل واحد منهما أفضلُ من علي بإجماع أهل السنة، ¬

_ (¬1) سورة محمد: الآية 11.

ودلائلُ هذا في الأحاديث الصحيحة المشهورة أشهرُ من أن تشهر، وأظهر أن تُذكر، ولا يتسع هذا الموضوع لعشر معشار نصف عشرها. وأما حديث: "أقْضَاكُمْ عليٌّ" فليس فيه أنه أقضى من أبي بكر وعُمر رضي الله عنهما؛ فإنه يقتضي أنه أقضى من المخاطَبين، ولم يثبت كونهما كانا من المخاطبين ولا يلزم من كون واحد أقضى من جماعة؛ أن يكون أقضى من كل واحد، ولايلزم من كونه أقضى أن يقلده غيرُه؛ فإنه لا يجوز لمجتهد تقليدُ مجتهدٍ آخَر؛ بل إِذا ظهر له بالاجتهاد خلافُ قولِ غيره لزمه العمل بما ظهر، وأما قوله: هل يستفاد من ذلك كونه أفضلَ منهما. فجوابه أنه لا يستفاد لأوجهٍ: 1 - منها: أنه لم يثبت كونه أقضى منهما، لما ذكرناه. 2 - ومنها: أنه لا يلزم من كون واحد أقضى من آخرَ، أن يكون أعلَم منه مطلقًا، وإِنما يقتضي رجحانه في معرفة القضاء فقط. 3 - ومنها: لا يلزم من كونه أقضى وأعلَم، أن يكون أفضل، لأن التفضيل ليس بمنحصر في معرفة القضاء. وأما قوله: هل كان أولى بالِإمامة منهما؟. فاعلم أنه لم يكن أولى بالِإمامة منهما؛ بل كلٌ منهما في وقته، كان أولى من عليٍّ بالِإمامة، ويحرم اعتقادُ كونه أولى بها منهما تحريمًا غليظًا؛ لأن فيه قدحًا في الأمة بأسرها، ويتضمن الطعنَ في تقديم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر للصلاة، وتكريرِه ذلك، وبالأمر بسد الخوخات غير خوخة أبي بكر، وغيرِ ذلك يقتضي رضاه - صلى الله عليه وسلم - بخلافة "أبي بكر" ورجحانهِ على غيره في ذلك وقد رُوّينا في سنن أبي داود -رحمه الله تعالى- بالإسناد الصحيح الذي لا يتطرق إِليه طعنٌ عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى قال: من زعم أن عليًا رضي الله عنه كان أحق بالولاية منهما فقد خَطَّأ أبا بكرٍ، وعمرَ، والمهاجرين، والأنصار، قال: ولا أُراه

يرتفع له عملُ مع هذا إِلى السماء. هذا كلام سفيانَ، وقد كان حسنُ اعتقاده في علي رضي الله عنه بالمحل المعروف (¬1) "والله أعلم". 13 - مسألة: هل هذا الحديثُ الذي يقوله عوامُ أهل الشام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من زارني، وزار أبي إِبراهيم في سنة واحدة، ضمنت له على الله الجنة" ويقولون: "أيضًا" من حج فليقدسْ حَجته من سَنَته، يعنون يزور بيتَ المقدس في سنة الحج، هل لهذين أصل أم لا؟. الجواب: الحديث المذكور: باطلٌ وموضوع، ولا أصلَ لواحد من هذين الأمرين المذكورين، لكنَّ زيارة الخليل - صلى الله عليه وسلم - وبيتَ المقدس فضيلة لا تختص بالحاجِّ، ولو تركهما الحاجُّ لم يؤثَر ذلك في صحة حَجه. ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في فتاويه ص 155: سُئل عن الأفضلية بين الخلفاء الأربعة إلخ .... جوابه: أن أفضلية أبي بكر رضي الله عنه على الثلاثة. ثم عمر على الاثنين مجمعٌ عليه عند أهل السنة، لا خلاف بينهم في ذلك، والإجماع يفيد القطع. وأما أفضلية عثمان على عليّ فظنية؛ لأن بعض أكابر أهل السنة، كسفيان الثوري فضَّلَ عليًا على عثمان، وما وقع فيه خلاف بين أهل السنة ظني. وأما الأحاديث في ذلك فمتعارضة جدًا؛ بل علي كرم الله وجهه رد فيه من الأحاديث المشعرة بفضله ما لم يرد في الثلاثة. وأجاب عنه بعض الأئمة؛ بأن سبب ذلك أنه عاش إلى زمن الفتن، وكثرت أعداؤه، وقدحهم فيه، وحطهم عليه، وغمطهم لحقه بباطلهم. فبادر حُفاظ الصحابة رضوان الله عليهم وأخرجوا ما عندهم في حقه، ردعًا لأولئك الفسقة المارقين والخوارج المخذولين. وأما بقية الثلاثة: فلم يقع لهم ما يدعو الناس إلى الإتيان بمثل ذلك الاستيعاب. اهـ. رضي الله عنه. أقول: وهو كلام نفيس "جدًا" لما فيه من الوعي الصحيح، والاعتدال المليح. وعلى كل: فالخوض بمثل هذه الأحداث الماضية خوض فيما لا يعني، فالسكوت أسلم، وحب الجميع والترضي عنهم أغنم، والبعد عن مواطن الريب أحكم. أقول: والترتيب بالأفضلية بالتسلسل أعني: أبا بكر، عمر، عثمان، علي رضي الله تعالى عنهم. هو ما اتفق عليه الجمهور من السلف والخلف ولا يصغى لأصوات غيرهم. اهـ. محمد.

سيدا شباب الجنة وسيدا كهولها

14 - مسألة: هذا الذي يقال إِن نَيْسان لسان الأرض هل هو صحيح. الجواب: ليس هو صحيح؟. سيدا شباب الجنة وسيدا كهولها 15 - مسألة: في الحديث: أن الحسن والحسينَ، سيدا شباب أهل الجنة، وأن أبا بكر وعمرَ، سيدا كهولِ أهل الجنة رضي الله عنهم هل هو صحيح أم لا وما معناه؟ وهل تُوفيا شابين أو كهلين؟. الجواب: ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحسَنُ والحُسَيْنُ سيدا شبابِ أهْل الجنة". رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "هذَان سيّدا كُهُولِ أهل الجَنَةِ مِن الأؤَلينَ والآخِرينَ إِلا النَّبِيّيِنَ وَالمُرْسَلِينَ"، رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وتوفي أبو بكر، وعمرُ، والحسن، والحسين، رضي الله عنهم، وهم كلهم شيوخ. ومعنى الحديثِ: أن الحسن والحسين رضي الله عنهما سيدا كلِّ مَنْ ماتَ شابًا، ودخل الجنة، وأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما سيدا كلِّ من مات كهلًا، ودخل الجنة. وكلُّ أهلِ الجنة يكونون في سن أبناء ثلاثٍ وثلاثين، ولكن لا يلزم كون السيد في سن من يسودهم، فقد يكون أكبرَ منهم سنًا، وقد يكون أصغرَ سنًا، ولا يجوز أن يقال: وقع الخطاب حين كانا شابين أو كهلين، فإنَّ هذا جهل ظاهر، وغلط فاحش، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي والحسن والحسين دونَ ثمانِ سنين، فلا يسميان شابين، ولأبي بكر فوق ستين سنة، ولعمرَ فوق خمسين سنةً، فكانا حالَ الخطاب "شيخين" فإن هذا الخطاب كان بالمدينة، وإِنما أقام بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرَ سنين، ولعل هذا الخطاب كان في أواخرها.

الحديث على الغاسق إذا وقب

وينقضي سِنُّ الكهولة ببلوغ أربعين سنةً ويدخل بالأربعين سنُّ الشيخوخة "والله أعلم". الحديث على الغاسق إذا وقب 16 - مسألة: جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أُخَذَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بيدي، فأراني القمرَ فقال: استعيذي باللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فإنَّهُ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ". هل هو حديث صحيح أم لا؟ وما معناه؟ وما سبب الاستعاذة منه؟. الجواب: هو: حديث ضعيف. والغَسَقُ: الظلمة، وسماه غاسقًا، لأنه ينكسف، فيسود وُيظلم. والوقوب: الدخول، والمراد دخوله في ظلمة ونحوِها مما يستره من كسوف وغيره. قال الِإمام الحافظ أبو بكر الخطيبُ البغداديُّ رحمه الله تعالى: يشبه أن يكون سبب الاستعاذة منه في حال وقوبه، لأن أهل الفساد ينتشرون في الظلمة، ويتمكنون فيها مما لا يتمكنون منه في حال الضياء، فيُقْدِمُونَ على العظائم، وانتهاك المحارم، فأضافَ فعلَهم في ذلك الحال إِلى القمر، لأنهم يتمكنون منه بسببه، وهو من باب تسمية الشيء باسم ما هو سببه، أو ملازم له (¬1) "والله أعلم". ¬

_ (¬1) وجاء في رواية: عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى القمر فقال: يا عائشة!! استعيذي بالله من شر هذا!! فإن هذا هو الغاسق إذا وقب. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح فعلى هذا الحديث، المراد به القمر إذا خُسِف واسودَّ. ومعنى وقب، دخل في الخسوف، أو أخذ في الغيبوبة. وقيل: سمي به لأنه إذا خسف اسودَّ وذهب ضوؤه. وقيل: دخل في المحاق وهو آخر الشهر، وفي ذلك الوقت يتم السحر المورث للتمريض، وهذا مناسب لسبب نزول هذه السورة. =

علم النجوم وارتباطه بالسحر

علم النجوم وارتباطه بالسحر 17 - مسألة: في الحديث: "من اقتبس علمًا من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر". فما وجه ارتباطِ السحر بالنجوم؟. الجواب: تقدم هذا الحديث (¬1)، وهنا فيه فائدة أخرى، وجهه: أنهما اشتركا في كونهما باطلًا، وخداعًا، وتمويهًا، فإن النجوم لا فعل لها، بل الله تعالى هو الفاعل لحركتها وهو خالقها، وخالق كل شيء سبحانه وتعالى (¬2) وكذلك السحر تخييل. 18 - مسألة: في الحديث: "إِذا ذكرت النجومُ فأمسكوا"، ما معناهُ؟. الجواب: معناه: أمسكوا عن الخوض في علم النجوم، والعمل به، وتصديق قائله. ¬

_ = وقال ابن عباس: الغاسق الليل، إذا وقب أي: أقبل بظلمته من المشرق. وقيل: سمي الليل غاسقًا لأنه أبرد من النهار والغسق، البرد، وإنما أمر بالتعوذ من الليل لأن فيه تنشر الآفات، ويقل الغوث، وفيه يتم السحر. وقيل: الغاسق، الثريا إذا سقطت وغابت. وقيل: إن الأسقام تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها فلهذا أمر بالتعوذ من الثريا عند سقوطها. انظر الخازن الجزء الرابع عند تفسير هذه السورة. (¬1) انظر في ص 232. (¬2) روي عن زيد بن خالد رضي الله تعالى عنه قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل. فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطِرنا بفضل الله فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب" متفق عليه. والسماء هنا: المطر. اهـ. من رياض الصالحين للإمام النووي ص 760 باب "النهي عن قول الإنسان مطرنا بنوء كذا".

قوله عليه الصلاة والسلام البئر جبار

19 - مسألة: هذه الأحاديث التي تروى في فضل أكل البطيخ والباقلاء، والعدس، والأرز، هل هي صحيحة أم لا؟. الجواب: ليس فيها شيء صحيح. 20 - مسألة: هل ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنور في شعره أو أمر بذلك (¬1)؟. الجواب: لم يثبت في ذلك شيء. قوله عليه الصلاة والسلام البئر جبار 21 - مسألة: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البئر جبار"، ما معناه وهل هذا الحديث في الصحيح أم لا. الجواب: نعم؛ هو في الصحيحين -والجبار بضم الجيم وتخفيف الباء الموحدة، وهو الهدر- ومعناه إِذا وقع إِنسان في بئر فتلف، أو أتلف فيها غير الِإنسان، فلا ضمان؛ وصورته أن تكون البئر محفورةً في غير محل عدوان، بأن حفرها إِنسان في ملكه، أو مَوَات، فما أتلف فيها لا ضمان فيه. وقيل: المراد أن يستأجر الِإنسان من ينزلُ إِلى البئر ليصلحها، أو يستقي له منها فيموت الأجير فيها فلا ضمان على المستأجر. 22 - مسألة: هل ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لعن الله المغنّي والمغنى له، وأنه قال: الغناءُ يُنْبِتُ النفاقَ في القلب كما يُنبت الماءُ البقل؟. الجواب: لم يصح شيء في ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) النورة: بضم النون، حجر الكلس ثم غلبت على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره وتستعمل لإزالة الشعر. وتَنوَّر: اطلَّى بالنُورة ونورتُه طليته بها. اهـ. المصباح المنير. (¬2) هذا الحديث رواه البيهقي فى السنن 10/ 223 عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقد قال بعض العلماء: فله حكم الحديث المرفوع إذ مثله لا يقال من جهة الرأي .. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولكن .. يعضده روايات كثيرة، تقوي جانب النهي، وقد أحببنا أن نذكر طرفًا منها فنقول: قد أخرج الديلمي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت بهدم الطبل والمزمار". وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قعد إلى مغنية يستمع منها، صبَّ الله في أذنيه الآنك يوم القيامة". رواه ابن صَصْرى في أماليه وابن عساكر في تاريخه وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} فقال: الغناء والذي لا إله غيره. رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم. نعم؛ لقد أجاز بعض الفقهاء، الغناء إن كان لبعث الهمة على العمل الثقيل، أو ترويح النفس أثناء قطع المفاوز: كالارتجاز، فقد ارتجز النبي وأصحابه في عمارة المسجد، وحفر الخندق، وكالحداء الذي يحدو به الأعراب إبلهم، وكالشعر السالم من الفحش، ووصف الخمر وحاناتها والتشبيب بامرأة معينة، والخالي من هجاء مسلم، وكالغناء لينام الصغار. وقد قسم الإمام الغزالي السماع إلى محبوب: كما إذا غلب على السامع حبُّ الله، وحبُّ لقائه. أقول: وهذا لأفراد من الأمة على قلة ونُزُرٍ، غلب على قلوبهم الشوق والهيام، فلم تبق في نفوسهم بقية حظ ولا هوى، فمثل هؤلاء لا يجوز تقليدهم، والأخذ عنهم من حيث السماع. وإلى مباح: كما إذا كان متعلقًا بزوجته، مصروفًا إليها. وإلى حرام: بأن غلب عليه الهوى المحرم. ومع ذلك فقد خالفه سلطان العلماء الشيخ عزالدين بن عبد السلام. وهذا التفصيل كله إذا لم يكن الغناء لرجل من امرأة أجنبية وإلا لم يقل أحد بحله. ومع ذلك لا يفهم من إفتاء المصنف، بعدم الورود، جواز السماع، وهو ممن قد عُرِفَ في الورع الثاقب، والبعد عن مواطن الشبهة. وقد كتب الأستاذ الفاضل الشيخ محمد الحامد رحمه الله، رسالة قيمة، تحت عنوان: =

أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين

23 - مسألة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من لعب بالشطرنج فهو ملعون"، هل هو صحيح؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: هذا الحديث ليس بصحيح، وإنما جاء في الصحيح النهيُ عن النرد "والله أعلم، كتبته عنه". 24 - مسألة: هل صح أن الوَرْدَ خلق من عَرَق النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من عرق البراق؟. الجواب: لم يصح فيه شيء. أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين 25 - مسألة: هذا الحديث المشهور: "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين". هل هو صحيح، وهل له ذكر في الكتب المعتمدة، ومن رواه من الصحابة؟. الجواب: هو حديث حسن، رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعمار أمتي ما بين الستين إِلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك". رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. ¬

_ = "الإسلام والغناء" وأتى بأقوال الأئمة، مع أدلة عقلية ونقلية، ولو رُمِز لأكثرها بالضعف، إلا أن بمجموعها تعطي قوة، وعلى كل: فصون الأذن عن السماع الماجن أسلم، والبعد عن مواطن الريب أغنم. ولا سيما ونحن في زمان قد أدبر خيره، وأقبل شره، وانصرفت النفوس إلى التعلق بسفاسف الأمور، وانساقت مع الهوى المجرد، مع استخفاف بنصوص الأئمة العلماء، وأقوال الفقهاء، فالحلال عندهم: ما تستريح إليه نفوسهم المريضة، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وأما اللعن: فلم يثبت. شيء من ذلك. اهـ. محمد.

الذكر الخفي

الذكر الخفي 26 - مسألة: في الحديث: "خير الذكر الخفي، وخير المال ما يكفي" هل هو ثابت، وما معناه؟ (¬1). ¬

_ (¬1) قال في أسنى المطالب: هذا الحديث رواه جماعة وفيه راوٍ فيه مقال. وقال في الفتح الكبير: هذا الحديث رواه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في شعب الإيمان عن سعد رضي الله عنه. قال سيدي الإمام ابن حجر في فتاويه ص 48: سئل رضي الله عنه عن قول النووي رحمه الله تعالى في آخر "باب" مجالس الذكر من شرح مسلم: "ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من ذكر القلب" فهل يؤخذ من كلامه أنه إذا ذكر الله تعالى بقلبه دون لسانه: أنه ينال الفضيلة؛ إذا كان معذورًا أم لا؟. وهل إذا قرأ بقلبه دون لسانه من غير عذر، ينال الفضيلة أم لا؟. فأجاب بقوله: الذكر بالقلب لا فضيلة فيه من حيث كونُه ذكرًا متعَبدًا بلفظه، وإنما فيه فضيلةً من حيث استحضارُه لمعناه من تنزيه الله وإجلاله بقلبه، وبهذا يجمع بين قول النووي المذكور، وقولهم: "ذكر القلب لا ثواب فيه". فمن نفى عنه الثواب، أراد من حيث لفظه، ومن أثبت فيه ثوابًا أراد من حيث حضوره بقلبه. كما ذكرناه، فتأمل ذلك فإنه مهم؛ ولا فرق في جميع ذلك بين المعذور وغيره والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. أقول: وإن كانت الأدلة قد ترجح الذكر باللسان. إلا أنه ثبت لدى التجارب عند البعض أن الذكر بالقلب أنفع للمريد، وأشد تأثيرًا في جلاء القلب وإيقاظه، وطرد الغفلة عنه فقد قال سيدي العارف بالله تعالى أمين الكردي في كتابه المشهور، "تنوير القلوب" ص 522. "فصل" في الذكر القلبي وأنه أفضل من الجهري اعلم أن الذكر نوعان: "قلبي" "ولساني" ولكل منهما شواهد من الكتاب والسنة. فالذكر اللساني باللفظ المركب من الأصوات والحروف، لا يتيسر للذاكر في جميع الأوقات؛ فإن البيع والشراء ونحوَهما يُلهي الذاكر عنه البتة، بخلاف الذكر القلبي، فإنه بملاحظة مسمى ذلك اللفظ المجرد عن الحروف والأصوات، وإذًا فلا شيء يلهي الذاكر عنه. =

الجواب: ليس بثابتٍ، ومعناه أن الذكر الخفي أبعدُ من الرياء والِإعجاب، ونحوِهِما، وهذا محمول على من كان في موضع يخاف فيه الرياءَ والِإعجاب أو نحوِهِما، فإن كان خاليًا في برية أو غيرها وأَمن ذلك فالجهر أفضل. وأما خير المال ما يكفي فمعناه أن المال الذي هو قدْرُ الكفاية أقرب إِلى السلامة من فتنة الفقر. وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا" أي: قدْرَ الكفاية، أو سد الرمق. 27 - مسألة: في الحديث: "أنا وأمتي برآء من التكلف" هل هو صحيح، وما معناه؟. الجواب: ليس هو بثابت، وفسروه بأن التكلف -هنا- بمعنى التعرض لما لا يعنيه، ويطلق التكلف -أيضًا- على من يتجشم المشقة في الشيء ويعمله على خلاف عادته. ¬

_ = ولله در القائل: بقلب فاذكر اللهَ خَفيًا ... عن الخلق بلا حرفٍ وقال وهذا الذكر أفضلُ كلّ ذكر ... بهذا قد جرَى قولُ الرّجال ولذلك اختار البعض الذكرَ القلبي؛ ولأن القلب محل نظر الغفار، وموضعُ الإيمان، ومعدنُ الأسرار، ومنبع الأنوار، وبصلاحه يصلح الجسد كلُّه، وبفساده يفسد الجسد كلُّه، كما بينه لنا النبي المختار - صلى الله عليه وسلم -. وقد روي ما يؤيد هذا المعنى عن عائشة رضي الله تعالى عنها "يفضل الذكر" أي الخفي "على الذكر" أي الجهري "بسبعين ضعفًا، إذا كان يوم القيامة، رجع الله الخلائق إلى حسابه، وجاءت الحفظة بما حفظوا وكتبوا، وقال الله تعالى: انظروا هل بقي لعبدي من شيء فيقولون ما تركنا شيئًا مما علمناه وحفظناه إلا وقد أحصيناه وكتبناه، فيقول الله تعالى: إن لك عندي حُسْنًا وأنا أجزيك به وهو الذكر الخفي" رواه البيهقي. وورد عن عائشة رضي الله عنها أيضًا: "الذكر الذي لا تسمعه الحفظة يزيد على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين ضعفًا". رواه البيهقي باختصار. اهـ. كتبه محمد.

حديث لا صلاة لجار المسجد

حديث لا صلاة لجار المسجد 28 - مسألة: في الحديث: "لا صلاة لجار المسجد إِلا في المسجد" وفي حديث آخرَ: "لا صلاة لمن عليه صلاة". هل هما صحيحان؟. الجواب: هما ضعيفان. حديث الدنيا ملعونة من حيث السند 29 - مسألة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها غير ذكر الله تعالى"، هل هو حديث صحيح؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: هو حديث حسن، رواه الترمذي وغيره "والله أعلم، كتبته عنه". 30 - مسألة: هل ثبت في فضل عسقلان، وعكة، وعين البقر، وعين سلوان، وعين القلوص حديث أم لا؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: لم يصحَّ في ذلك شيء "والله أعلم". حديث من صلى اثنتي عشرة ركعة 31 - مسألة: هل معنى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى اثنتي عشرة ركعةً بنى الله له بيتًا في الجنة"، أن من صلى السنن الراتبة يجعل الله له ذلك أم لا، وهل هو صحيح أم لا؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: هو صحيح في صحيح مسلم، ويحصُل ذلك بالسنن الراتبة "والله أعلم". 32 - مسألة: هؤلاء الذين يخرجون من النار قد صاروا حِمَمًا، هل أحرقت مواضعَ السجود منهم؟.

شرح معنى تزيين الأصوات بالقرآن

أجاب رضي الله تعالى عنه: تحرقهم النار إِلا مواضع السجود، ويتأول مصيرهم حممًا على معظم أبدانهم "والله أعلم". شرح معنى تزيين الأصوات بالقرآن 33 - مسألة: ما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "زينوا القرآن بأصواتكم"، وكيف يكون تزيينه؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: معناه اقرؤوه بصوت حسن ليلتذَّ سامعوه "والله أعلم" (¬1). ¬

_ (¬1) أقول: أجمع العلماء رضي الله تعالى عنهم من السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين على استحباب تحسين الصوت بالقرآن، وأقوالُهم وأفعالُهم مشهورة نهاية الشهرة. ودلائل هذا من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستفيضة عند الخاصة والعامة. كحديث: "زينوا القرآن بأصواتكم". وحديث: "لقد أوتى هذا مزمارًا". وحديث: "ما أذِنَ الله لشيء ما أَذِنَ لنبيّ، حَسَنِ الصَّوْتِ، يَتَغَنَّى بالْقُرآنِ يَجْهَرُ بهِ". وحديث: "للهُ أشَدُّ أذَنًا إلى الرجل حَسَنِ الصَّوْتِ بالْقُرآنِ مِنْ صَاحِب القَيّنَةِ إلى قَيّنَتِهِ". اهـ. باختصار. انظر كتاب التبيان للمؤلف رحمه الله وقد أكرمني الله بتحقيقه وَبَسْطِ هذا البحث بسطًا جيدًا وقد تناولت هذا الموضوع في كتابي صوت المنبر الجزء الأول تحت عنوان التغني بالقرآن الكريم فعد إليه. كتبه محمد.

حديث ما من نفس منفوسة

حديث ما من نفس منفوسةٍ 34 - مسألة: ما معنى هذا الحديث: "ما من نفس منفوسةٍ يأتي عليها مائةُ سنة وهي حية يومئذ"؟. أجاب رضي الله تعالى عنه، معناه: الِإخبار بأن كل نفس منفوسةٍ موجودة تلك الليلةَ، لا تبقى مائة سنة؛ بل تموت قبل ذلك: والمقصود: انخرام ذلك القرن، ووجودُ آخرين، وفيه تقصير الأمل، وليس معناه، أنه لا يعيش أحد بعد ذلك أكثرَ من مائة سنة "والله أعلم". 35 - مسألة: ما معنى هذا الحديث: "خُفِّفَ على داودَ القرآنُ" أيَّ قرآن هُوَ؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: المراد الزبور "والله أعلم". 36 - مسألة: حديث: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل"، هل عليه من غسل. الحديث (¬1)، وهل هو صحيح؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: هو صحيح؛ لكنه منسوخ ومتى غابت حشفته في الفرج وجب عليهما الغسل سواءً أنزل أم لا (¬2) "والله أعلم". ¬

_ (¬1) الحديث: مفعول لفعل محذوف التقدير كمّل الحديث أو اقرأ الحديث. (¬2) لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة وجب الغسل" رواه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ. وفي الحديث قصة طريفة: وذلك أن رفاعة بن رافع قال: كنت عند "عمر" فقيل له: إن زيد بن ثابت يُفتي الناس في المسجد. وفي رواية: يفتي بأنه لا غسل على من يجامع ولا يُنزل، فقال عمر: عليَّ به، فأوتي به. =

حكم رواية الحديث الضعيف

حكم رواية الحديث الضعيف 37 - مسألة: إِذا علم أن الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بصحيح (¬1)، هل يحل له أن يرويه أو يكتبه لغيره؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: يحل له ذلك، وينبغي أن يبين ضعفه، لئلا يُغتَّر به "والله أعلم، كتبتهما عنه" (¬2). * * * ¬

_ = فقال عمر: يا عدو نفسه!! أو بلغ من أمرك أن تفتي برأيك؟؟. فقال: ما فعلتُ يا أمير المؤمنين، وإنما حدثني عمومتي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: أيَّ عمومتك؟؟ قال: أبي بن كعب، وأبو أيوب، ورفاعة. قال: فالتفت عمر إلي وقال: ما تقول؟؟. قلت: كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فجمع الناس فاتفقوا على أن الماء لا يكون إلا من الماء؛ إلا علي ومعاذ فقالا: إذا التقى الختانان وجب الغسل. فقال علي: يا أمير المؤمنين!! سل أزواجَ النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأرسل إلى حفصة فقالت: لا أعلم، فأرسل إلى عائشة، فقالت: إذا جاوز الختانُ الختانَ وجب الغسل. فتحطم عمر -أي تغيظ- وقال: لا أوتي بأحد فعله ولم يغتسل إلا أهلكته عقوبة ... قال ابن حجر: حديث حسن أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني. وسياقه أتم قال: كان زيد يفتي بالمسجد فقال: إذا خالطها ولم يُمْنِ لا غسل. فقام رجل إلى عمر فقال فيه، فالتفت عمر إلى رفاعة وقال فيه بعد قول علي ومعاذ قد اختلفتم وأنتم أهل بدر إلى آخره. اهـ. من فيض القدير للإمام المناوي: 1/ 301. كتبه محمد. (¬1) هذه الباء زائدة لأنها وقعت في سياق النفي ولها شواهد كثيرة من كلام الله والعرب، لكن في كلام الله يقال لها: صلة تأدبًا. (¬2) وفي هذه المناسبة أردنا أن نذكر رأي شيخ مشايخنا محدثِ الديار الشامية في عصره الشيخ بدر الدين الحسني. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فيما نقله عنه تلميذه الشيخ محمود ياسين في مجلة الهداية الإسلامية: 8/ 264. لا يجوز إسناد حديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا إذا نُصَّ على صحة ذلك من طريق أحد الحفاظ، يوشك أن يصدق عليه حديث: "من قال عليَّ ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار". فليحذر الخطباء والمدرسون الوعاظ من إسناد حديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يعلموا صحته من طريق حافظ مشهور من حفاظ الحديث. وعليهم إذا لم يعلموا ذلك أن يذكروا الحديث مفردًا إلى الكتاب الذي نقلوا منه: كالترمذي والنسائي، وبذلك يخرجون من العهدة. أما الذين يحملون بأيديهم الكتب التي لا قيمة لها عند علماء الحديث الشريف: كثير من كتب الأخلاق، والوعظ المنتشرة بالأيدي. فلا يكفي عزو الحديث إِليها، ولا يخرج القاريء من الوزر. والذين سوغوا العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ذكروا له شروطًا ثلاثة: 1 - الأول: أن يكون مندرجًا تحت أصل عام. 2 - الثاني: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين، وَمَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ. 3 - الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله: وقد شرط رحمه الله في جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال شرطين: الأول: عدم إسناد لفظه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: ألا يخالف ما فيه من حكم حديثًا صحيحًا أو حكمًا معروفًا. اهـ. من سير أعلام النبلاء: 8/ 520. كتبه محمد. وقال في شرح التقريب للإمام السيوطي: ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد، ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف والعمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله تعالى والأحكام: كالحلال، والحرام وغيرهما. وذلك كالقصص، وفضائل الأعمال والمواعظ وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام. اهـ. كتبه محمد.

باب في مسائل من الأصول

بابٌ في مَسَائِل منَ الأصُول وفيه ثلاث مسائل زيادة الِإيمان ونقصانه 1 - مسألة: الِإيمان، هل يزيد وينقص أم لا؟. الجواب: مذهب جماهير السلف من المحدثين، وطائفة من المتكلمين، أنه يزيد بالطاعة، وينقص بالمعاصي، قال الله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} (¬1)، {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا} (¬2)، {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (¬3) ونظائر ذلك من الآيات الكريمة. ومذهب جمهور أصحابنا والمتكلمين وغيرهِم: أن نفس الِإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأنه متى قبل الزيادة كان شكًا وكفرًا. وقالت طائفةٌ من أصحابنا: إِن نفس الِإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ ولكن يزيد بمتعلقاته وثمراته، وعليه حملوا الأيات والأحاديثَ، وكلامَ السلف المُصَرِّحات بزيادة. والمختار أن نفس التصديق يزيد وينقص، لا نقصَ ترددٍ وشك؛ بل زيادته بمعنى بُعدِه عن قبول الشك، والتزلزل والشبهة. ونقصُه تطرق ذلك إِليه، ولا يشك عاقل في أن إِيمان "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه كان أرسخَ من إِيمان آحاد الناس؛ ولهذا قال يومَ ليلة الإسراء ما قال! ¬

_ (¬1) سورة المدثر: الآية 31. (¬2) سورة الأحزاب: الآية 22. (¬3) سورة التوبة: الآية 124.

طلب الطاعة والمعصية من الله تعالى

وقال يوم الحديبية ما قال (¬1)! حتى كاد غيره أن يتحير في ذلك "والله أعلم". طلب الطاعة والمعصية من الله تعالى 2 - مسألة: رجلان، قال أحدهما: إِن العبد إِذا طلب من الله المعصية أعطاه إياها، وإِذا طلب الطاعة أعطاه إِياها، وقال الآخر: إذا طلب الطاعة أعطاه إِياها، وإِذا طلب المعصية لم يعطه، فأيهما المصيب؟. ¬

_ (¬1) أما مقالته ليلة الإسراء: ما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما أصبح ليلة أسريَ به، غدا إلى نادي قومه، فجاء إليه أبو جهل فحدثه بما جرى له؛ فقال أبو جهل: يا بني كعب بن لؤي هلموا! فأقبل عليه كفار قريش، فأخبرهم عليه الصلاة والسلام الخبر؛ فصاروا بين مصفق، وواضع يده على رأسه تعجبًا وإنكارًا؛ وارتد ناس ممن كان آمن به من ضعفاء القلوب، وسعى رجال إلى أبي بكر، وأخبروه الخبر، فقال رضي الله عنه: إن كان قال ذلك لقد صدق؛ قالوا أتصدقه على ذلك؟ قال: إني لأصدقه على أبعدَ من ذلك؛ فسمي من ذلك اليوم صديقًا. أما مقالته في الحديبية: ما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما نزل عند رغبة قريش حينما عرضوا عليه شروط الصلح وكانت ثقيلةً على قلوب الصحابة رضي الله عنهم، ولا سيما الشرط الثالث وهو صد المسلمين عن الطواف بالبيت فكان أشدَّ تأثيرًا في قلوبهم؛ لأن الرسول أخبرهم أنه رأى في منامه أنهم دخلوا البيت آمنين - ورؤيته عليه الصلاة والسلام حق لا يدخلها تخلف فدخل بعض الشك قلوب شيوخ الصحابة وكبارهم، حتى سأل عمر أبا بكر عن هذا الأمر الذي أوقع الناس في قلق واضطراب، فأجاب أبو بكر رضي الله عنه جوابًا أزال فيه الشكوك قائلًا: وهل ذكر -يا عمر- أنه في هذا العام. وهذا دليل على أن الصديق كان أرسخ إيمانًا من غيره وأعمق يقينًا. أقول: فالمؤلف رحمه الله قد بسط هذا الموضوع: ونقل أقوال الأئمة في ذلك مع ذكرِ كل دليلَه، في شرحه لصحيح مسلم: 1/ 146 "كتاب الإيمان" حتى قال ابن بطال فيه: فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص. اهـ. محمد.

جواز التفاضل بين الأنبياء

الجواب: كلاهما مخطيء بإطلاق هذه العبارة؛ بل الصواب أن الدعاء بالمعصية لا تُرجى إِجابتُه، والدعاء بالطاعة ترجى إِجابتُه، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعةِ رحِم ما لم يَستعجل؛ قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت فلم يُستجب لي، فيتحسر عند ذلك ويدَعُ الدعاء" (¬1). جواز التفاضل بين الأنبياء 3 - مسألة: رجلان، قال أحدهما: إِن نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أفضلُ الأنبياء وأشرفُهم، وقال الآخر: هذا الكلام لا يجوز، وهذا اعتقاد باطل، وقال: لا يجوز تفضيلُ بعض الأنبياء على بعض، فأيُهما المصيبُ، هل يُعزر واحدٌ منهما على هذا القول؟. الجواب: هذا الذي اعتقده الأول هو الصواب، وهو اعتقاد المسلمين، وقد تظاهرت الدلائلُ على تفضيل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ¬

_ (¬1) عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطُهور والدعاء". رواه أبو داود بإسناد صحيح. والاعتداء: هو مجاوزة الحد. ففي الوضوء: يكون في الزيادة على الثلاث، أو الإسراف في الماء مطلقًا. وفي الدعاء: يكون بطلب المستحيل البعيد: كطلب درجة الأنبياء، أو بمال كثير لا يتأتى حصولهُ بالنسبة لأمثاله، أو بأن يرفع صوته بالدعاء، أو يدعو بإثم، بان يوفق لنواله، والحصول عليه. أو يقطعه عن رحم قريب يجب وصله وغير ذلك. اهـ. محمد.

وأما الرجل الثاني: فمخطىء في كل ما قاله، وعليه التعزير في قوله، ولا يجوز الكلام في هذا، ولا التفضيل؛ إِلا أن يكون جاهلًا لا يعلم قولَ الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (¬1)، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} (¬2)، وفي الحديث الصحيح المشهور: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "انا سَيّدُ ولدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ"، وأما الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تفَضِّلُوا بينَ الأنبياء"، فأجاب العلماء عنه بخمسة أجوبة مشهورة: 1 - أحدها: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى قبل أن يعلم أنه أفضلُهم، فلما علم قال: "أنَا سَيّدُ ولدِ آدَمَ". 2 - والثاني: أنه نهى عن تفضيلٍ يؤدي إِلى الخصومة، كما ثبت في الصحيح في سبب هذا الحديث من لطم المسلم اليهودي. 3 - والثالث: نهى عن تفضيلٍ يؤدي إِلى تنقيص بعضهم لا كل تفضيل، ويؤيد هذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} (¬3). 4 - والرابع: قاله تواضعًا. 5 - والخامس: نهى عن التفضيل في نفس النبوة، لا في ذوات الأنبياء، وعموم رسالاتهم، وزيادة خصائصهم (¬4) "والله أعلم". * * * ¬

_ (¬1) سورة البقرة: الآية 253. (¬2) سورة الإسراء: الآية 55. (¬3) سورة الإسراء: الآية 55. (¬4) أجمعت الأمة على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض، وعلى أن سيدنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الكل ويدل عليه وجوه: أحدها: قوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. سورة الأنبياء: الآية 107، فلما كان رحمةً لكل العالمين لزم أن يكون أفضلَ من كل العالمين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الحجة الثانية: قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}. سورة الشرح: الآية 4، فقيل فيه: لأنه قرن ذكر محمد بذكره: في كلمة الشهادة، وفي الأذان، وفي التشهد؛ ولم يكن ذكر سائر الأنبياء كذلك. الحجة الثالثة: أنه تعالى قرن: 1 - طاعته بطاعته فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}. (سورة النساء: الآية 80). 2 - وبيعته ببيعته فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}. (سورة الفتح: الآية 10). 3 - وعزته بعزته فقال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}. (سورة المنافقون: الآية 8). 4 - ورضاه برضاه فقال: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}. 5 - وإجابته بإجابته فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} (سورة الأنفال: الآية 24). الحجة الرابعة: أنه تعالى أمر محمدًا بأن يتحدى بكل سورة من القرآن فقال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}. (سورة البقرة: الآية 23). وَأقصرُ السور سورةُ الكوثر وهي ثلاث آيات. وكان الله تحداهم بكل ثلات آيات من القرآن، ولما كان القرآن ستةَ آلافِ آية، لزم أن يكون معجزُ القرآن معجزًا واحدًا بل يكون ألفي معجزة وأزيد. وإذا ثبت هذا فنقول: إن الله سبحانه ذكر تشريف موسى بتسع آيات بينات؛ فلأن يحصل التشريف لمحمد بهذه الآيات الكثيرة كان أولى. الحجة الخامسة: أن معجزة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أفضلُ من معجزات سائر الأنبياء، فوجب أن يكون رسولنا أفضل من سائر الأنبياء. الحجة السادسة: أنه عليه الصلاة والسلام خاتمُ الرسل، فوجب أن يكون أفضلَ؛ لأن نسخ الفاضل بالمفضول، قبيح في المعقول. الحجة السابعة: أن دين محمد عليه الصلاة والسلام أفضلُ الأديان، فيلزم أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الأنبياء. اهـ. باختصار من تفسير الفخر الرازي: جـ 6/ 194. وفيه كلام "نفيس" فجزاه الله خيرًا ورحمه.

باب في الرقائق والمنثورات

بابٌ في الرقَائِق والمنثورَاتِ وفيه ست مسائل الانقطاع والاختلاط 1 - مسألة: هل الانقطاع إِلى الله تعالى في برية معتزلة عن الناس أفضل، أم الإِقامة في البلد بسبب الجماعة (¬1)؟. الجواب: إن خاف ضرًا في دينه بالِإقامة في البلد فالأفضل له الانقطاع في البرية، أو في قرية لا ضرر عليه فيها في دينه، وإِن لم يلحقه ضررٌ في دينه فالِإقامة في البلد. فالِإقامة به لشهود جماعات المسلمين وشعائرهم وحِلَقِ ذكرهم ونحو ذلك أفضلُ، وينبغي له حينئذ أن لا يجالس من يخاف منه ضررًا ¬

_ (¬1) اعلم أن من السلف من آثر العزلة لفوائدها: كالمواظبة على العبادة، والفكر، وتربية العلم، والتخلص من ارتكاب المناهي التي يتعرض الإنسان لها بالمخالطة: كالرياء، والغيبة، والسكوت عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومسارقة الطبع الأخلاقَ الرديئة، والأعمالَ الخبيثة: من جلساء السوء إلى غير ذلك. وأما أكثر السلف: فذهبوا إلى استحباب المخالطة، واستكثار المعارف والإخوان، والتآلف والتحبب إلى المؤمنين، والاستعانة بهم في الدين تعاونًا على البر والتقوى. وإن فوائد العزلة المتقدمة يمكن نيلها من المخالطة بالمجاهدة، ومغالبة النفس. وبالجملة: فللمخالطة فوائدُ عظيمةٌ تفوت بالعزلة. فإن قلت: ما هي فوائد المخالطة والدواعي إليها؟. فاعلم! أنها هي التعليم والتعلم، والنفع والانتفاع، والتأدب والتأديب، والاستئناس والإيناس، ونيل الثواب وإنالته في القيام بالحقوق، أو اعتياد التواضع، أو استفادة التجارب من مشاهدة الأحوال والاعتبار بها. اهـ. من موعظة المؤمنين: 1/ 167.

أكل أهل الجنة

في دينه لبدعة، أو دعائه له إِلى الدنيا وشهواتها، أو حديثه له في غيبة ونحوِها، أو غير ذلك من المفاسد، "والله أعلم" (¬1). أكل أهل الجنة 3 - مسأله: هل أهل الجنة يأكلون بشهوة؟. الجواب: يأكلون بشهوة، ويلتذون بالأكل بسببها، لا بشهوةِ جوع، قال الله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} (¬2) ولو كان بغير شهوة بالكلية لم يكن فيه لذةٌ (¬3). ¬

_ (¬1) وقد نقل عن العلماء في ترغيب صحبة الأخيار والتحذير من مصاحبة الأشرار ما يلي: فقد قال بشر بن الحارث: "صحبة الأشرار توجب سوء الظن بالأخيار". وقال صاحب الحِكَم: "ربما كنتَ مسِيئًا فأراك الأحسانَ منك صحبتُك من هو أسوء حالًا منك" وقال أيضًا: ولا تصحب إلا من ينهضُكَ حالُه، أو يَدُلُّكَ على الله مقالُه. وقد قال بعض الأدباء: بعشرتكَ الكرامَ تعدُّ منهم ... فلا تُرَيَنْ لغيرهُم ألُوفَا وقال بعضهم: لقاءُ الناسِ ليسَ يُفيدُ شَيْئًا ... سوى الهذيان مِنْ قيلٍ وقال فأقْلِلْ مِنْ لقاءِ الناسِ إلا ... لأخْذِ العِلمِ أوْ إصلاحِ حالِ (¬2) سورة طه: الآية 118. (¬3) فقد روى الإمام مسلم وأبو داود، عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يأكل أهل الجنة، ويشربون، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، ولا يبولون: طعامُهم ذلك جشاءٌ كريح المسك، يُلهمون التسبيحَ والتكبير كما يلهمون النفَس". وفي رواية: "إن الرجل من أهل الجنة، ليشتهي الشراب من شراب الجنة، فيجيء الإبريق، فيقع في يده، فيشرب ثم يعود إلى مكانه". رواه ابن أبي الدنيا موقوفًا بسناد جيد. =

رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم

رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم 3 - مسألة: رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، هل يختص بها الصالحون، أم تكون لهم ولغيرهم؟. الجواب: تكون لهم ولغيرهم (¬1). ¬

_ = وقد تضافرت الروايات الصحيحة على ثبوت الأكل لأهل الجنة، وإن أحدهم ليعطى قوةَ مائة رجل في الأكل والشرب والجماع. ويتنعمون بأصناف الأطعمة الشهية، ذواقًا وتلذذًا، ولا تؤلمهم كثرتها، أو تسقمهم، أو تضعفهم أو تتخمهم. والفضلات تخرج من أبدانهم، وترشح من أجسامهم كرشح المسك الأذفر. فهذه فوارق الأطعمة بين الدنيا الدنية وبين الآخرة المرضية فتأمل. اللهم اجعلنا من أبناء الآخرة، ولا تجعلنا من أبناء الدنيا. والجشاء: هو عبارة عن خروج هواء من الجوف مقرونٍ بصوت عند حصول الشبع، وهو: مذموم، فقد تجشأ رجل في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنكر عليه بقوله: "كف عنا جُشاءَك". اهـ. محمد. (¬1) أقول: رؤياه عليه الصلاة والسلام، فرحةٌ من أسمى الفرحات، وبشرى عظيمة من أعظم البشائر، يخص الله بها من يحب من عباده. وهي حق مُشاع لكل مؤمن مسلم، سواءًا لصالحُ وغير الصالح، تختلف باختلاف معادن القلوب وصفائها واستعدادها. وهي: رؤيا حق لا يدخلها شك، ولا يقتربها التباس ولا وهم؛ فإن الشيطان لا يتمثل بذاته البهية، وطلعته العلية: وذلك لئلا يُتَذَرَّعَ بالكذب على لسانه في النوم، وكما استحال تصوره بصورته يقظة، إذ لو وقع لاشتبه الحق بالباطل وبه صرح المؤلف رحمه الله في غير هذا. قال ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى: الشيطان لا يتصور بصورته أصلًا! فمن رآه بصورة حسنة، فذاك حسن في دين الرائي. وإن كان في جارحة من جوارحه شين، أو نقص فذلك خلل في دين الرائي. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال: هذا هو الحق، وقد جُرّبَ فوجد كذلك ... وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه عليه الصلاة والسلام، حتى يظهر الرائي هل عنده خلل أم لا؟. لأن المصطفى عليه الصلاة والسلام نوراني كالمرآة الصقيلة، فما كان في الناظر فيها من حُسْن وغيره، تصور فيها وهي في ذاتها حسنة، لا نقص ولا شين فيها. وكذا يقال: في كلامه في النوم، فما وافق سنة فهو حق، وما لم يوافقها فخلل في سمع الرائي. اهـ. فإن قيل: كيف يُرى على خلاف صورته المعروفة، أي الحقيقة، في حالة واحدة، فى مكانين، والبدن الواحد لا يكون إلا في مكان واحد؟؟. قلنا: التغيير في صفاته لا في ذاته، فتكون ذاته حيث شاء الله تعالى. وصفاته متخيلة في الأذهان والإدراك، ولا يشترط فيه تحقق الإبصار، ولا قرب المسافة، ولا كون المتخيل ظاهرًا على الأرض حيًا حياة دنيوية وإنما الشرط كونه موجودًا. وقد أنكر الإمام القرطبي، رؤياه الحقيقية أشدَّ الإنكار. وقال: لا يتفوه بالتزامها من له مسكة من عقل، وملتزم ذلك مختل ومخبول. إذ يلزم ذلك أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه اثنان في وقت واحد. وقد أسهب الإمام القرطبي قلمه حول هذا مثبتًا أن الرؤيا للصفات لا للذات. ولسلفنا الصوفية ما يوافق ذلك، وإن اختلف اللفظ حيث قالوا: هذا ميزانٌ يجب التنبه له. وهو أن الرؤيا الصحيحة أن يُرى بصورته الثابتة بالنقل الصحيح: فإن رآه بغيرها كطويل، أو قصير، أو شيخ أي هرم، أو شديد السمرة لم يكن رآه. وحصول الجزم في نفس الرائي بأنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - غير حجة، بل ذلك المرئي صورة الشرع بالنسبة لاعتقاد الرائي، أو خياله، أو صفته، أو بالنسبة للرائي الذي رآه في تلك الصورة. اهـ. ببعض تصرف واختصار .. انظر فيض القدير للإمام المناوي: 6/ 129. فقد بسط هذا الموضوعَ بَسْطًا جَيدًا.

اسم الله الأعظم

اسم الله الأعظم 4 - مسألة: في اسم الله تعالى الأعظم، ما هو؟ وفي أي سورة هو؟. الجواب: فيه أحاديثُ كثيرة في سنن ابن ماجه وغيره من أقربها عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إِنه في ثلاث سور: في البقرة، وآل عمران، وطه". قال بعض الأئمة المتقدمين: هو الحي القيوم؛ لأنه في البقرة في آية الكرسي، وفي أول آل عمران، وفي طه في قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ}، وهذا الاستنباط حسن "والله أعلم" (¬1). ¬

_ (¬1) قيل: الأعظم بمعنى العظيم، وليس "أفعلُ" للتفضيل؛ لأن كل اسم من أسمائه عظيم، وليس بعضها أعظمَ من بعض. وقيل: هو للتفضيل، لأن كل اسم فيه أكثر تعظيمًا لله، فهو أعظم. فالله أعظم من الرب، فإنه لا شريك له في تسميته به لا بالإضافة، ولا بدونها. وأما الرب: فيضاف للمخلوق. ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: "اسم الله الأعظم: إذا دعي به أجاب". بمعنى أنه يعطي عين المسئول، بخلاف الدعاء بغيره، فإنه وإن كان لا يُردُّ، لكونه بين إحدى ثلاث: 1 - إعطاء المسئول في الدنيا. 2 - أو تأخيره للآخرة. 3 - أو التعويض بالأحسن. وقد اختلف في الاسم الأعظم على نحو أربعين قولًا. قال ابن حجر: وأرجحها من حيث السند: الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. اهـ. من شرح الجامع الصغير للإمام المناوي: 1/ 510.

5 - مسألة: هذه الطلسمات التي تكتب للمنافع، وهي مجهولة المعنى، هل تحل كتابتها أم لا؟. الجواب: تكره، ولا تحرم (¬1). ¬

_ (¬1) نقل عن الغزالي أنه لا يحل لشخص أن يُقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه. سئل شهاب الدين ابن حجر الهيثمي رحمه الله تعالى عن كتابة الأسماء التي لا يعرف معناها، والتوسلِ بها هل ذلك مكروه أو حرام؟. فأجاب بقوله: الذي أفتى به "العز بن عبد السلام، كما ذكرته عنه في "شرح العباب" أن كَتْبَ الحروف المجهولة للأمراض، لا يجوز الاسترقاء بها، ولا الرقي؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن "الرقى" قال: "أعرضوا عليَّ رقاكم فعرضوها فقال: لا بأس"، وإنما لم يأمر بذلك؛ لأن من الرقى ما يكون كفرًا، وإذا حرم كتبها، حرم التوسل بها؛ نعم إن وجدناها في كتاب منْ يوثق به "علمًا ودينًا" فإن أمر بكتابتها أو قراءتها، احتمل القول بالجواز حينئذ، لَأن أمره بذلك، الظاهرُ أنه لم يصدر منه إلا بعد إحاطته واطلاعه على معناها، وأنه لا محذور في ذلك. وإن ذكرها على سبيل الحكاية عن الغير الذي ليس هو كذلك، أو ذكرها ولم يأمر بقراءتها، ولا تعرَّض لمعناها، فالذي يتجه بقاء التحريم بحاله. ومجرد ذكر إِمام لها لا يقتضي أنه عرف معناها، فكثيرًا من أحوال أرباب هذه التصانيف يذكرون ما وجدوه من غير فحص عن معناه، ولا تجربة لمبناه، وإنما يذكرونه على جهة أن مستعمله ربما انتفع به، ولذلك نجد في ورد الإمام اليافعي أشياءَ كثيرةً لها منافع وخواص لا يجد مستْعملُها معها شيئًا وإن تزكت أعماله، وصفت سريرته. فعلمنا أنه لم يضع جميع ما فيه عن تجربة؛ بل ذكر فيه ما قيل فيه شيء من المنافع والخواص، كما فعل الدميري في "حياة الحيوان" في ذكره لخواصها ومنافعها ومع ذلك نجد المائة ما يصح منها واحد. والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. الفتاوي الحديثية: 47.

هرم بن حيان

هرم بن حيان 6 - مسألة: هل ثبت أن هرم (¬1) بنَ حيانَ لما دفنوه أرسل الله تعالى سحابة، فأمطرت على قبره، ولم تُصب حوالي القبر أم لا؟. أجاب رضي الله تعالى عنه: هذا مشهور في كتب الرقائق "والله أعلم، كتبته عنه". * * * ¬

_ (¬1) هرم بن حيان لقد ذكره الإمام الشعراني في تراجم الأولياء في كتابه "الطبقات" ونقل عنه هذه الحكمة: صاحب الكلام إما أن يعصي فيه فيُخصمُ، أو يغرق فيه فيأثُم. وكان رضي الله تعالى عنه يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر زمان يتمرد فيه صغيرُهم، ويؤمل فيه كبيرهم، وتقرب فيه آجالهم، ويرون أعز إخوانهم على المعاصي فلا ينهونه. اهـ. من الطبقات: 1/ 25. وقال في الإصابة: 3/ 578 حرف الهاء: هرم بن حيان العبدي من صغار الصحابة، ذكره خليفة عن الوليد بن هشام عن أبيه عن جده قال: وجَّه عثمان بن أبي العاص هرمَ بنَ حيان العبدي إلى قلعة "بجرة" ويقال لها قلعة الشيوخ فافتتحها عَنْوةً، وسبى أهلها، وذلك في سنة ست وعشرين، وقال أبو عبيدة: وفي سنة ثمان عشرة، حاصر هرم بن حيان أهْلَها شَهْرًا، فرأى ملكُهم امرأة تأكل ولدها من شدة الجوع والحصار، فقال: الآن أصالح العرب، فصالح هرمَ بنَ حيان على أن خلى له المدينة، ومنها نزل الكوفة، وبنى سعد مسجد جامعها، وقال أبو عبيدة: كان الأمير في وقعة صهاب هرم بن حيان. اهـ.

كلمة الختام

كلمة الختامِ لَقَدْ تَمَّ بحَمدِ اللهِ وَتوفيقِهِ تَصحِيحُ هَذا الكِتاب في رَبيعٍ الثَّاني 1416 هـ في المَدينَةِ المنوَّرَة أيَّامَ هِجرتي، في الحَرمِ النَّبويِ، فاللهَ أسألُ أن ينفَعَ به المسلمينَ، وَيَهدي به الحَائِرينَ، وَيَردَّ بهِ التائِهِينَ، إلَى طريقِ الحَقّ الذي وَضَحَ نهَارُه وَبَانَ، فِيما كَتَبَهُ العُلمَاءُ، وَحَقَّقَهُ الفُقهَاءُ، فجزاهُمُ اللهُ عَن المُسلمِينَ خيرَ جَزَاء، ثُمَّ أضَفتُ لهَذه الطبعَةِ الجَديدَةِ بَعضَ الزّيادَاتِ المُفِيدَةِ، وتَدارَكتُ بَعضَ الأخطَاءِ الطَّفيفَةِ التي وَقعَت في الطّبعَةِ الخَامِسَةِ. وصَلّى الله عَلى سَيّدنا محَمَّدٍ القَائِل: "مَن يُرِدِ اللهُ بهِ خَيرًا يُفَقِّهه في الدّيِن". نَزيل المَدينة المُنورَّة الفقِير إليه تعَالى محمَّد الحجَّار

§1/1