فتاوى أركان الإسلام

ابن عثيمين

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد، فقد رغب بعض الإخوة -جزاهم الله خيراً- في طبع بعض المسائل المتعلقة بأركان الإسلام من فتاوى شيخنا العلامة، الشيخ محمد بن صالح العثيمين -حفظه الله تعالى- لنشرها باللغة العربية ومن ثم ترجمتها بعدة لغات ليعم نفعها، لما تتميز به من الاعتماد على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال أهل العلم المشهود لهم بالتحقيق، فعرضت الأمر على شيخنا -حفظه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء- فرحب بذلك وشجع عليه؛ لما فيه من التعاون على البر والتقوى، ونشر العلم الشرعي. وبعد موافقة فضيلته وتوجيهه، شرعت في جمع هذه الفتاوى وانتقائها من مجموع الفتاوى حتى اكتمل عقدها.

أسأل الله -عز وجل- بمنه وكرمه، أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجزي فضيلة شيخنا خير الجزاء، وأن يبارك في علمه وعمله وعمره، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. بقلم فهد بن ناصر السليمان

فتاوى العقيدة

فتاوى العقيدة

س1: ما تعريف التوحيد وأنواعه؟

س1: ما تعريف التوحيد وأنواعه؟ الجواب: التوحيد لغة: ((مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء واحداً)) وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموحد، وإثباته له، فمثلاً نقول: إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فينفي الألوهية عما سوى الله عز وجل ويثبتها لله وحده، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم، فلو قلت مثلاً ((فلان قائم)) فهنا أثبت له القيام لكنك لم توحده به، لأنه من الجائز أن يشاركه غيره في هذا القيام، ولو قلت ((لا قائم)) فقد نفيت نفياً محضاً ولم تثبت القيام لأحد، فإذا قلت: ((لا قائم إلا زيد)) فحينئذٍ تكون وحدت زيداً بالقيام حيث نفيت القيام عمن سواه، وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع، أي أن التوحيد لا يكون توحيداً حتى يتضمن نفياً وإثباتاً. وأنواع التوحيد بالنسبة لله-عز وجل- تدخل كلها في تعريف عام وهو ((إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به)) . وهي حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة: الأول: توحيد الربوبية. الثاني: توحيد الألوهية. الثالث: توحيد الأسماء والصفات. وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء، والنظر في الآيات والأحاديث، فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة فنوعوا التوحيد إلى ثلاثة أنواع:

الأول: توحيد الربوبية: وهو ((إفراد الله -سبحانه وتعالى- بالخلق، والملك، والتدبير)) وتفصيل ذلك أولاً: بالنسبة لإفراد الله -تعالى- بالخلق: فالله تعالى وحده هو الخالق لا خالق سواه، قال الله تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) (فاطر: 3) وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) . (النحل: 17) . فالله تعالى وحده هو الخالق خلق كل شيء فقدره تقديراً، وخلقه يشمل ما يقع من مفعولاته، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً، ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالقاً لأفعال العباد كما قال الله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . (الصافات الآية: 96ا) . ووجه ذلك أن فعل العبد من صفاته، والعبد مخلوق لله، وخالق الشيء خالق لصفاته، ووجه آخر أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله -عز وجل- وخالق السبب التام خالق للمسبب. فإن قيل: كيف نجمع بين إفراد الله -عز وجل- بالخلق مع أن الخلق قد يثبت لغير الله كما يدل عليه قول الله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون: الآية14) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين: ((يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)) (¬1) ؟ فالجواب على ذلك: أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله فلا ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء (2105) ومسلم: كتاب اللباس، باب تحريم تصوير الحيوان (2106) (96) .

يمكنه إيجاد معدوم، ولا إحياء ميت، وإنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغيير وتحويل الشيء من صفة إلى صفة أخرى وهو مخلوق لله -عز وجل- فالمصور مثلاً، إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئاً، غاية ما هنالك أنه حول شيئاً إلى شيء، كما يحول الطين إلى صورة طير، أو صورة جمل، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة فالمداد من خلق الله -عز وجل- والورقة البيضاء من خلق الله -عز وجل- هذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله-عز وجل- وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق. وعلى هذا يكون الله -سبحانه وتعالى- منفرداً بالخلق الذي يختص به. ثانياً: إفراد الله -تعالى- بالملك فالله تعالى وحده هو المالك كما قال الله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (سورة الملك، الآية: 1) وقال تعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَار عَليهِ) (سورة المؤمنون الآية: 88) فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله -سبحانه وتعالى- وحده، ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية فقد أثبت الله -عز وجل- لغيره الملك كما في قوله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ) (النور: من الآية61) وقوله: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم) (المؤمنون: من الآية6) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكاً، لكن هذا الملك ليس كملك الله -عز وجل- فهو ملك قاصر، وملك مقيد، ملك قاصر لا يشمل، فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد، ثم هذا الملك مقيد بحيث لا يتصرف الإنسان فيما بملك إلا على الوجه الذي أذن

الله فيه، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وقال الله -تبارك وتعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) (سورة النساء، الآية: 5) وهذا دليل على أن ملك الإنسان قاصر وملك مقيد، بخلاف ملك الله -سبحانه وتعالى- فهو ملك عام شامل وملك مطلق يفعل الله -سبحانه وتعالى- ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ثالثاً: التدبير، فالله -عز وجل- منفرد بالتدبير فهو الذي يدبر الخلق ويدبر السماوات والأرض كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (سورة الأعراف، الآية: 54) وهذا التدبير شامل لا يحول دونه شيء ولا يعارضه شيء. والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات كتدبير الإنسان أمواله وغلمانه وخدمه وما أشبه ذلك هو تدبير ضيق محدود، ومقيد غير مطلق، فظهر بذلك صدق صحة قولنا إن توحيد الربوبية هو ((إفراد الله بالخلق، والملك، والتدبير)) . النوع الثاني: توحيد الألوهية، وهو ((إفراد الله -سبحانه وتعالى- بالعبادة)) بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله -تعالى- ويتقرب إليه، وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، واستباح دماءهم، وأموالهم، وأرضهم، وديارهم، وسبى نساءهم وذريتهم، وهو الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب مع أخويه توحيدي الربوبية، والأسماء والصفات، لكن أكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد -وهو توحيد الألوهية- بحيث

لا يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله -سبحانه وتعالى- لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي صالح، ولا لأي أحد من المخلوقين، لأن العبادة لا تصح إلا لله -عز وجل- ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر، وإن أقر بتوحيد الربوبية، وبتوحيد الأسماء والصفات. فلو أن رجلاً من الناس يؤمن بأن الله -سبحانه وتعالى- هو الخالق، المالك، المدبر لجميع الأمور، وأنه -سبحانه وتعالى- المستحق لما يستحقه من الأسماء والصفات لكن يعبد مع الله غيره لم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات. فلو فرض أن رجلاً يقر إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه، أو ينذر له قرباناً يتقرب به هل إليه فإن هذا مشرك كافر خالد في النار، قال الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة: الآية72) ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله -عز وجل- أن المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، واستحل دماءهم، وأموالهم، وسبى نساءهم وذريتهم، وغنم أرضهم كانوا مقرين بأن الله تعالى وحده هو الرب الخالق لا يشكون في ذلك، ولكن لما كانوا يعبدون معه غيره صاروا بذلك مشركين مباحي الدم والمال. النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو ((إفراد الله -سبحانه وتعالى- بما سمى الله به نفسه، ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل)) . فلا بد من الإيمان بما

سمى الله به نفسه ووصف به نفسه على وجه الحقيقة لا المجاز، ولكن من غير تكييف، ولا تمثيل، وهذا النوع من أنواع التوحيد ضل فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة الذين ينتسبون للإسلام على أوجه شتى: منهم من غلا في النفي والتنزيه غلواً يخرج به من الإسلام، ومنهم متوسط، ومنهم قريب من أهل السنة. ولكن طريقة السلف في هذا النوع من التوحيد هو أن يسمى الله ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة، لا تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. مثال ذلك: أن الله -سبحانه وتعالى- سمى نفسه بالحي القيوم فيجب علينا أن نؤمن بأن الحي اسم من أسماء الله تعالى ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء. وسمى الله نفسه بالسميع فعلينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله -سبحانه وتعالى- وبالسمع صفة من صفاته، وبأنه يسمع وهو الحكم الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة، فإن سميعاً بلا سمع، أو سمعاً بلا إدراك مسموع هذا شيء محال وعلى هذا فقس. مثال آخر: قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة: الآية64) . فهنا قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) (المائدة: الآية64) فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط، وهو العطاء الواسع، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم، ولكن

يجب علينا أن لا نحاول بقلوبنا تصوراً، ولا بألسنتنا نطقاً أن نكيف تلك اليدين، ولا أن نمثلهما بأيدي المخلوقين، لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: الآية11) ويقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف: 33) . ويقول عز وجل: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء: 36) . فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌُ) . (الشورى: الآية11) وقد عصى الله تعالى في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل: الآية74) ومن كيفهما وقال هما على كيفية معينة أياً كانت هذه الكيفية، فقد قال على الله ما لا يعلم، وقفى ما ليس له به علم. ونضرب مثالاً ثانياً في الصفات: وهو استواء الله على عرشه فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه كلها بلفظ (استوى) وبلفظ (على العرش) وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . (طه: 5) . وأمثالها من الآيات. أنه علا على عرشه علواً خاصاً، غير العلو العام على جميع الأكوان، وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة، فهو عالٍ على عرشه علواً يليق به -عز وجل- لا يشبه علو الإنسان على السرير، ولا علوه على

الأنعام، ولا علوه على الفلك الذي ذكره الله في قوله: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) (الزخرف: من الآية12) . (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (الزخرف: 13) . (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) . (الزخرف: 14) . فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء الله على عرشه؛ لأن الله ليس كمثله شيء. وقد أخطأ خطأ عظيماً من قال إن معنى استوى على العرش استولى على العرش، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالف لما أجمع عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- والتابعون لهم بإحسان، ومستلزم للوازم باطلة لا يمكن لمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة لله -عز وجل- والقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف: 3) ومقتضى صيغة ((استوى على كذا)) في اللغة العربية العلو والاستقرار، بل هو معناها المطابق للفظ. فمعنى استوى على العرش أي: علا عليه علواً خاصاً يليق بجلاله وعظمته، فإذا فسر الاستواء بالاستيلاء فقد حرف الكلم عن مواضعه، حيث نفى المعنى الذي تدل عليه لغة القرآن وهو العلو وأثبت معنى آخر باطلاً. ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان مجمعون على هذا المعنى إذ لم يأت عنهم حرف واحد في تفسيره بخلاف ذلك، وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل عليه.

فإن قال قائل: هل ورد لفظ صريح عن السلف بأنهم فسروا استوى بـ (علا) ؟ قلنا: نعم ورد ذلك عن السلف، وعلى فرض أن لا يكون ورد عنهم صريحاً فإن الأصل فيما دل عليه اللفظ في القرآن الكريم والسنة النبوية أنه باقٍ على ما تقتضيه اللغة العربية من المعنى، فيكون إثبات السلف له على هذا المعنى. أما اللوازم الباطلة التي تلزم من فسر الاستواء بالاستيلاء فهي: أولاً: أن العرش قبل خلق السماوات والأرض ليس ملكاً لله -تعالى- لأن الله -تعالى- قال: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش) (لأعراف: الآية54) . وعلى هذا فلا يكون الله مستولياً على العرش قبل خلق السماوات ولا حين خلق السماوات والأرض. ثانياً: أنه يصح التعبير بقولنا إن الله استوى على الأرض، واستوى على أي شيء من مخلوقاته، وهذا بلا شك ولا ريب معنى باطل لا يليق بالله -عز وجل-. ثالثاً: أنه تحريف للكلم عن مواضعه. رابعاً: أنه مخالف لإجماع السلف الصالح -رضوان الله عليهم-. وخلاصة الكلام في هذا النوع -توحيد الأسماء والصفات- أنه يجب علينا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات على وجه الحقيقة من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

س2: ما شرك المشركين الذين بعث فيهم النبي، صلى الله عليه وسلم؟

س2: ما شرك المشركين الذين بعث فيهم النبي، صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: بالنسبة لشرك المشركين الذين بعث فيهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فإنه ليس شركاً في الربوبية، لأن القرآن الكريم يدل على أنهم إنما كانوا يشركون في العبادة فقط. أما في الربوبية فيؤمنون بأن الله وحده هو الرب، وأنه مجيب دعوة المضطرين، وأنه هو الذي يكشف السوء إلى غير ذلك مما ذكر الله عنهم من إقرارهم بربوبية الله -عز وجل- وحده. ولكنهم كانوا مشركين بالعبادة يعبدون غير الله معه، وهذا شرك مخرج عن الملة، لأن التوحيد هو عبارة -حسب دلالة اللفظ- عن جعل الشيء واحداً، والله -تبارك وتعالى- له حقوق يجب أن يفرد بها وهذه الحقوق تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- حقوق ملك. 2- حقوق عبادة. 3- حقوق أسماء وصفات. ولهذا قسم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة. فالمشركون إنما أشركوا في هذا القسم، قسم العبادة حيث كانوا يعبدون مع الله غيره، وقد قال الله -تبارك وتعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) (النساء: الآية36) . أي في عبادته. وقال -تعالى-) إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ

س3: ما أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة وغيرها من أمور الدين؟

وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة: الآية72) . وقال _تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: الآية48) . وقال -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60) . وقال تعالى في سورة الإخلاص: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (1) (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) (2) (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) (: 3) (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) (4) (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) (3) (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (6) (سورة الكافرون: 1، 6) . وقولي في سورة الإخلاص يعني إخلاص العمل فهي سورة إخلاص العمل، وإن كانت تسمى سورة الكافرون، لكنها في الحقيقة سورة إخلاص عملي كما أن سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الاخلاص: 1) سورة إخلاص علمي وعقيدة. والله الموفق. *** س3: ما أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة وغيرها من أمور الدين؟ الجواب: قاعدة أهل السنة والجماعة في العقائد وغيرها من أمور الدين، هو التمسك التام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه الخلفاء الراشدون من هدي وسنة، ولقول الله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: الآية31) . لقوله -تعالى-: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا

أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (النساء: 80) ولقول الله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: الآية7) وهذا وإن كان في قسمة الغنائم فهو في الأمور الشرعية من باب أولى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يخطب الناس يوم الجمعة، فيقول: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) (¬1) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) (¬2) . والنصوص في هذا كثيرة، فطريق أهل السنة والجماعة ومنهاجهم هو التمسك بالتام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ومن ذلك أنهم يقيمون الدين ولا يتفرقون فيه امتثالاً لقول الله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) . (الشورى: الآية13) . وهم وإن حصل بينهم من الخلاف ما يحصل مما للاجتهاد فيه مساغ، فإن هذا الخلاف لا يؤدي إلى اختلاف قلوبهم بل تجدهم متآلفين متحابين، وإن حصل منهم هذا الاختلاف الذي طريقه الاجتهاد. *** ¬

(¬1) أخرجه، مسلم كتاب الجمعة، باب تخفي الصلاة والخطبة (867) (43) . (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة (4607)

س4: من هم أهل السنة والجماعة؟

س4: من هم أهل السنة والجماعة؟ الجواب: أهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة، واجتمعوا عليها، ولم يلتفتوا إلى سواها، لا في الأمور العلمية العقدية، ولا في الأمور العملية الحكمية، ولهذا سموا أهل السنة، لأنهم متمسكون بها، وسموا أهل الجماعة، لأنهم مجتمعون عليها. وإذا تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي، مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة. *** س5: أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، عن افتراق أمته بعد وفاته، نأمل من فضيلتكم بيان ذلك؟ الجواب: أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، فيما صح عنه (¬1) أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وهذه الفرق كلها في النار إلا واحدة، وهي ما كان على مثل ما كان عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وهذه الفرقة هي الفرقة الناجية التي نجت في الدنيا من البدع، وتنجو في الآخرة من النار، وهي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة التي لا تزال ظاهرة قائمة بأمر الله -عز وجل. ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة (4596) ، والترمذي، كتاب الإيمان باب افتراق هذه الأمة (2642) ، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمة (3991) .

س6: ما أبرز خصائص الفرقة الناجية: وهل النقص من هذه الخصائص يخرج الإنسان من الفرقة الناجية؟

وهذه الفرق الثلاث والسبعون التي واحدة منها على الحق والباقي على الباطل، قد حاول بعض الناس أن يعددها، وشعب أهل البدع إلى خمس شعب، وجعل من كل شعبة فروعاً ليصلوا إلى هذا العدد الذي عينه النبي، صلى الله عليه وسلم، ورأى بعض الناس أن الأولى الكف عن التعداد، لأن هذه الفرق ليست وحدها هي التي ضلت بل قد ضل أناس ضلالاً أكثر مما كانت عليه من قبل، وحدثت بعد أن حصرت هذه الفرق باثنتين وسبعين فرقة، وقالوا إن هذا العدد لا ينتهي ولا يمكن العلم بانتهائه إلا في آخر الزمان عند قيام الساعة، فالأولى أن نجمل ما أجمله النبي، صلى الله عليه وسلم، ونقول إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ثم نقول: كل من خالف ما كان عليه النبي، صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو داخل في هذه الفرق، وقد يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصول لم نعلم منها الآن إلا ما يبلغ العشرة، وقد يكون أشار إلى أصول تتضمن فروعاً كما ذهب إليه بعض الناس فالعلم عند الله -عز وجل. *** س6: ما أبرز خصائص الفرقة الناجية: وهل النقص من هذه الخصائص يخرج الإنسان من الفرقة الناجية؟ الجواب: أبرز الخصائص للفرقة الناجية هي التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، في العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والمعاملة، هذه الأمور الأربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها: ففي العقيدة تجدها متمسكة بما دل عليه كتاب الله، وسنة

رسوله صلى الله عليه وسلم، من التوحيد الخالص في ألوهية الله، وربوبيته، وأسمائه وصفاته. وفي العبادات تجد هذه الفرقة متميزة في تمسكها التام وتطبيقها لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، في العبادات في أجناسها، وصفاتها، وأقدارها، وأزمنتها، وأمكنتها، وأسبابها، فلا تجد عندهم ابتداعاً في دين الله، بل هم متأدبون غاية الأدب مع الله ورسوله، لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله. وفي الأخلاق تجدهم كذلك متميزين عن غيرهم بحسن الأخلاق كمحبة الخير للمسلمين، وانشراح الصدر، وطلاقة الوجه، وحسن المنطق والكرم، والشجاعة إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها. وفي المعاملات تجدهم يعاملون الناس بالصدق، والبيان اللذين أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)) (¬1) . والنقص من هذه الخصائص لا يخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية، لكن لكل درجات مما عملوا، والنقص في جانب التوحيد ربما يخرجه عن الفرقة الناجية مثل الإخلال بالإخلاص، وكذلك في البدع ربما يأتي ببدع تخرجه عن كونه من الفرقة الناجية. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا (2079) ، ومسلم، كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان (1532) .

أما في مسألة الأخلاق والمعاملات فلا يخرج الإخلال بهما من هذه الفرقة وإن كان ذلك ينقص مرتبته. وقد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق فإن من أهم ما يكون من الأخلاق اجتماع الكلمة، والاتفاق على الحق الذي أوصانا به الله -تعالى- في قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: الآية13) وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم برئ منهم، فقال الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (الأنعام: الآية159) . فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية -أهل السنة والجماعة- فهم إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن الاجتهاد في الأمور الاجتهادية لا يحمل بعضهم على بعض حقداً، ولا عداوة، ولا بغضاء، بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف، حتى أن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء، ويرى الإمام أنه على وضوء، مثل أن الواحد منهم يصلي خلف شخص أكل لحم إبل، وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء، والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة، وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف، لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه، فهم يرون أن

أخاهم إذا خالفهم في عمل ما اتباعاً للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم؛ لأنهم هم يدعون إلى اتباع الدليل أينما كان، فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده، فهو في الحقيقة قد وافقهم، لأنه تمشى على ما يدعون إليه ويهدون إليه من تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى على كثير من أهل العلم ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعنف أحداً منهم، فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزوة الأحزاب وجاءه جبريل وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: ((لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)) (¬1) فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة وأرهقتهم صلاة العصر فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)) . ومهم من صلى الصلاة في وقتها، وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا المبادرة إلى الخروج ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها -وهؤلاء هم المصيبون- ولكن مع ذلك لم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من الطائفتين، ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة، أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص، لذلك أرى أن الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة، وأن لا يحصل بينهم تحزب، هذا ينتمي إلى طائفة، والآخر إلى طائفة أخرى، والثالث إلى طائفة ثالثة، وهكذا، بحيث يتناحرون فيما ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب (946) ، وأخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو (1770) .

س7: ما المراد بالوسط في الدين؟

بينهم بأسنة الألسن، ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد، ولا حاجة إلى أن أخص كل طائفة بعينها، ولكن العاقل يفهم ويتبين له الأمر. فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا حتى وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه فيما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد، والمهم ائتلاف القلوب واتحاد الكلمة ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا سواء كانوا أعداء يصرحون بالعداوة، أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين، أو للإسلام وهم ليسوا كذلك، فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة للطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة. *** س7: ما المراد بالوسط في الدين؟ الجواب: الوسط في الدين أن لا يغلو الإنسان فيه فيتجاوز ما حد الله -عز وجل- ولا يقصر فيه فينقص عما حد الله -سبحانه وتعالى-. الوسط في الدين أن يتمسك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والغلو في الدين أن يتجاوزها، والتقصير أن لا يبلغها مثال ذلك: رجل قال أنا أريد أن أقوم الليل ولا أنام كل الدهر، لأن الصلاة من أفضل العبادات فأحب أن أحيي الليل كله صلاة فنقول: هذا غالٍ في دين الله وليس على حق، وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا، اجتمع نفر فقال بعضهم: أنا أقوم ولا أنام، وقال الآخر: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أنا لا أتزوج

النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ أنا أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (¬1) . فهؤلاء غلوا في الدين وتبرأ منهم الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم رغبوا عن سنته صلى الله عليه وسلم، التي فيها صوم وإفطار وقيام ونوم، وتزوج نساء. أما المقصر: فهو الذي يقول لا حاجة لي بالتطوع فأنا لا أتطوع وآتي بالفريضة فقط، وربما أيضاً يقصر في الفرائض فهذا مقصر. والمعتدل: هو الذي يتمشى على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون. مثال آخر: ثلاثة رجال أمامهم رجل فاسق، أحدهم قال: أنا لا أسلم على هذا الفاسق وأهجره وأبتعد عنه ولا أكلمه. والثاني يقول: أنا أمشي مع هذا الفاسق وأسلم عليه وأبش في وجهه وأدعوه عندي وأجيب دعوته وليس عندي إلا كرجل صالح. والثالث يقول: هذا الفاسق أكرهه لفسقه وأحبه لإيمانه، ولا أهجره إلا حيث يكون الهجر سبباً لإصلاحه، فإن لم يكن الهجر سبباً لإصلاحه بل كان سبباً لازدياده في فسقه فأنا لا أهجره. فنقول الأول مفرط غالٍ -من الغلو- والثاني مفرط مقصر، والثالث متوسط. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب باب من لم يواجه الناس بالعتاب (6101) ، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه (1401) .

س8: ما تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهل يزيد وينقص؟

وهكذا نقول في سائر العبادات ومعاملات الخلق، الناس فيها بين مقصر، وغالٍ، ومتوسط. ومثال ثالث: رجل كان أسيراً لامرأته توجهه حيث شاءت لا يردها عن إثم ولا يحثها على فضيلة، قد ملكت عقله وصارت هي القوامة عليه. ورجل آخر عنده تعسف وتكبر وترفع على امرأته لا يبالي بها وكأنها عنده أقل من الخادم. ورجل ثالث وسط يعاملها كما أمر الله ورسوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: الآية228) ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر)) (¬1) . فهذا الأخير متوسط، والأول غالٍ في معاملة زوجته، والثالث مقصر. وقس على هذه بقية الأعمال والعبادات. *** س8: ما تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهل يزيد وينقص؟ الجواب: الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو ((الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح)) . فهو يتضمن الأمور الثلاثة: 1- إقرار بالقلب. 2- نطق باللسان. 3- عمل بالجوارح. ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء (1469) .

وإذا كان كذلك فإنه سوف يزيد وينقص، وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين وهكذا، ولهذا قال إبراهيم، عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: الآية260) فالإيمان يزيد من حيث إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه، فعندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة، وذكر للجنة والنار يزداد الإيمان حتى كأنه يشاهد ذلك رأي العين، وعندما توجد الغفلة ويقوم من هذا المجلس يخف هذا اليقين في قلبه. كذلك يزداد الإيمان من حيث القول فإن من ذكر الله عشر مرات ليس كمن ذكر الله مئة مرة، فالثاني أزيد بكثير. وكذلك أيضاً من أتى بالعبادة على وجه كامل يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص. وكذلك العمل فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر صار الأكثر أزيد إيماناً من الناقص، وقد جاء ذلك في القرآن والسنة -أعني إثبات الزيادة والنقصان- قال- تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) (المدثر: الآية31) وقال تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى

رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (سورة التوبة - الآيتان: 124، 1125) وفي الحديث الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) (¬1) . فالإيمان إذن يزيد وينقص. ولكن ما سبب زيادة الإيمان؟ للزيادة أسباب: السبب الأول: معرفة الله -تعالى- بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله، وبأسمائه، وصفاته ازداد إيماناً بلا شك، ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه. السبب الثاني: النظر في آيات الله الكونية، والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات ازداد إيماناً، قال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (سورة الذاريات الآيتان: 20، 21) والآيات الدالة على هذا كثيرة، أعني الآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيمانه. السبب الثالث: كثرة الطاعات، فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً سواء كانت هذه الطاعات قولية، أم فعلية، فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية، والصلاة والصوم، والحج، كل ذلك يزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم (304) .

أما أسباب النقصان فهي على العكس من ذلك: فالسبب الأول: الجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان؛ لأن الإنسان إذا نقصت معرفته بأسماء اله وصفاته نقص إيمانه. السبب الثاني: الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده وعدم نموه. السبب الثالث: فعل المعصية، فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب وعلى الإيمان ولذلك قال النبي، صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) (¬1) الحديث. السبب الرابع: ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر، فهو نقص يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبة، أو واجبة لكن تركها بعذر، فإنه نقص لا يلام عليه، ولهذا جعل النبي، صلى الله عليه وسلم، النساء ناقصات عقل ودين وعلل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض، بل هي مأمورة بذلك، لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل صارت ناقصة عنه من هذا الوجه. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب الزنا وشرب الخمر (6772) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي (57) .

س9: كيف نجمع بين حديث جبريل الذي فسر فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، الإيمان ((بأن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)) 6، وحديث وفد عبد القيس الذي فسر فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، الإيمان "بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الخمس من الغنيمة7؟

س9: كيف نجمع بين حديث جبريل الذي فسر فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، الإيمان ((بأن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)) (¬1) ، وحديث وفد عبد القيس الذي فسر فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، الإيمان "بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الخمس من الغنيمة (¬2) ؟ الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول إن الكتاب والسنة ليس بينهما تعارض أبداً، فليس في القرآن ما يناقض بعضه بعضاً، وليس في السنة الصحيحة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما يناقض بعضه بعضاً، وليس في القرآن ولا في السنة ما يناقض الواقع أبداً، لأن الواقع واقع حق، والكتاب والسنة حق، ولا يمكن التناقض في الحق، وإذا فهمت هذه القاعدة انحلت عنك إشكالات كثيرة. قال الله -تعالى-: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) . (النساء: 82) . فإذا كان الأمر كذلك فأحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن تتناقض، فإذا فسر النبي، صلى الله عليه وسلم، الإيمان بتفسير، وفسره في موضع آخر بتفسير آخر يعارض ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان (50) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الإيمان والإسلام والإحسان (9) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان (53) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم (17) .

في نظرك التفسير الأول، فإنك إذا تأملت لم تجد معارضة: ففي حديث جبريل، عليه الصلاة والسلام، قسم النبي، صلى الله عليه وسلم، الدين إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: الإسلام. القسم الثاني: الإيمان. القسم الثالث: الإحسان. وفي حديث وفد عبد القيس لم يذكر إلا قسماً واحداً وهو الإسلام. فالإسلام عند الإطلاق يدخل فيه الإيمان، لأنه لا يمكن أن يقوم بشعائر الإسلام إلا من كان مؤمناً، فإذا ذكر الإسلام وحده شمل الإيمان، وإذا ذكر الإيمان وحده شمل الإسلام، وإذا ذكرا جميعاً صار الإيمان يتعلق بالقلوب، والإسلام يتعلق بالجوارح، وهذه فائدة مهمة لطالب العلم. فالإسلام إذا ذكر وحده دخل فيه الإيمان، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام) (آل عمران: الآية19) . ومن المعلوم أن دين الإسلام عقيدة وإيمان وشرائع، وإذا ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، وإذا ذكرا جميعاً صار الإيمان ما يتعلق بالقلوب، والإسلام ما يتعلق بالجوارح، ولهذا قال بعض السلف ((الإسلام علانية، والإيمان سر)) . لأنه في القلب، ولذلك ربما تجد منافقاً يصلي ويتصدق ويصوم فهذا مسلم ظاهراً غير مؤمن، كما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة: 8) . ***

س10: كيف نجمع بين أن الإيمان هو ((الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره". وقول النبي، صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون شعبة ... )) 8 إلخ؟

س10: كيف نجمع بين أن الإيمان هو ((الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره". وقول النبي، صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون شعبة ... )) (¬1) إلخ؟ الجواب: الإيمان الذي هو العقيدة أصوله ستة، وهي المذكورة في حديث جبريل، عليه الصلاة والسلام، حينما سأل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الإيمان فقال: ((الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)) (¬2) متفق عليه. أما الإيمان الذي يشمل الأعمال، وأنواعها، وأجناسها، فهو بضع وسبعون شعبة، ولهذا سمى الله تعالى الصلاة إيماناً في قوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيم) (البقرة: الآية143) قال المفسرون: (إيمانكم) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، لأن الصحابة كانوا قبل أن يؤمروا بالتوجه إلى الكعبة يصلون إلى المسجد الأقصى. *** س11: هل يشهد للرجل بالإيمان بمجرد اعتياده المساجد كما جاء في الحديث؟ ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في استكمال الإيمان (2614) ، وابن ماجه في المقدمة (57) . (¬2) تقدم تخريجه ص 32.

س12: رجل يوسوس له الشيطان بوساوس عظيمة فيما يتعلق بالله -عز وجل- وهو خائف من ذلك جدا، فما توجيه سماحتكم؟

الجواب: نعم لا شك أن الذي يحضر الصلوات في المساجد، حضوره لذلك، دليل على إيمانه، لأنه ما حمله على أن يخرج من بيته ويتكلف المشي إلى المسجد إلا الإيمان بالله -عز وجل. وأما قول السائل ((كما جاء في الحديث)) فهو يشير إلى ما يروى عن النبي، صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)) (¬1) ولكن هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي، صلى الله عليه وسلم. *** س12: رجل يوسوس له الشيطان بوساوس عظيمة فيما يتعلق بالله -عز وجل- وهو خائف من ذلك جداً، فما توجيه سماحتكم؟ الجواب: ما ذكر من جهة مشكلة السائل التي يخاف من نتائجها، أقول له: أبشر بأنه لن يكون لها نتائج إلا النتائج الطيبة، لأن هذه وساوس يصول بها الشيطان على المؤمنين، ليزعزع العقيدة السليمة في قلوبهم، ويوقعهم في القلق النفسي والفكري ليكدر عليه صفو الإيمان، بل صفو الحياة إن كانوا مؤمنين. وليست حاله بأول حال تعرض لأهل الإيمان، ولا هي آخر حال، بل ستبقى ما دام في الدنيا مؤمن. ولقد كانت هذه الحال تعرض للصحابة -رضي الله عنهم- فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء أناس من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة (2617) .

يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، فقال: "أو قد وجدتموه؟ "، قالوا: نعم، قال: ((ذاك صريح الإيمان)) . رواه مسلم (¬1) ، وفي الصحيحين عنه أيضاً أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)) (¬2) . وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي، صلى الله عليه وسلم، جاءه رجل فقال: إني أحدث نفسي بالشيء لأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ((الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة)) (¬3) رواه أبو داود. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتاب الإيمان: والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره. كما قالت الصحابة يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به. فقال عليه الصلاة والسلام ((ذاك صريح الإيمان)) . وفي رواية ما يتعاظم أن يتكلم به. قال: ((الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)) . أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له، ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه، فهذا عظيم الجهاد، إلى أن قال: "ولهذا يوجد عند ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان (132) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده (3276) . وأخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان (134) . (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في رد الوسوسة (5112) ، والإمام أحمد في المسند 1/340.

طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم، لأن (أي الغير) لم يسلك شرع الله ومنهاجه، بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه، وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة، فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى". أ. هـ. المقصود منه ذكره في صلي الله عليه وسلم 147 من الطبعة الهندية. فأقول لهذا السائل: إذا تبين لك أن هذه الوساوس من الشيطان فجاهدها وكابدها، واعلم أنها لن تضرك أبداً مع قيامك بواجب المجاهدة والإعراض عنها، والانتهاء عن الانسياب وراءها، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم)) . متفق عليه (¬1) . وأنت لو قيل لك: هل تعتقد ما توسوس به؟ وهل تراه حقاً؟ وهل يمكن أن تصف الله سبحانه به؟ لقلت: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم، ولأنكرت ذلك بقلبك ولسانك، وكنت أبعد الناس نفوراً عنه، إذن فهو مجرد وساوس وخطرات تعرض لقلبك، وشباك شرك من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، ليرديك ويلبس عليك دينك. ولذلك تجد الأشياء التافهة لا يلقي الشيطان في قلبك الشك فيها أو الطعن، فأنت تسمع مثلاً بوجود مدن مهمة كبيرة مملوءة ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق (2528) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب (127)

بالسكان والعمران في المشرق والمغرب ولم يخطر ببالك يوماً من الأيام الشك في وجودها أو عيبها بأنها خراب ودمار لا تصلح للسكنى، وليس فليها ساكن ونحو ذلك، إذ لا غرض للشيطان في تشكيك الإنسان فيها، ولكن الشيطان له غرض كبير في إفساد إيمان المؤمن، فهو يسعى بخيله ورجله ليطفئ نور العلم والهداية في قلبه، ويوقعه في ظلمة الشك والحيرة، والنبي، صلى الله عليه وسلم، بين لنا الدواء الناجع الذي فيه الشفاء، وهو قوله: ((فليستعذ بالله ولينته)) . فإذا انتهى الإنسان عن ذلك واستمر في عبادة الله طلباً ورغبة فيما عند الله زال ذلك عنه، بحول الله، فأعرض عن جميع التقديرات التي ترد على قلبك في هذا الباب، وها أنت تعبد الله وتدعوه وتعظمه، ولو سمعت أحداً يصفه بما توسوس به لقتلته إن أمكنك، إذن فما توسوس به ليس حقيقة واقعة بل هو خواطر ووساوس لا أصل لها، كما لو انفتح على شخص طاهر الثوب قد غسل ثوبه لحينه ثم أخذ الوهم يساوره لعله تنجس لعله لا تجوز الصلاة به، فإنه لا يلتفت إلى هذا. ونصيحتي تتلخص فيما يأتي: 1- الاستعاذة بالله، والانتهاء بالكلية عن هذه التقديرات كما أمر بذلك النبي، صلى الله عليه وسلم. 2- ذكر الله تعالى، وضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس. 3- الانهماك الجدي في العبادة والعمل امتثالاً لأمر الله، وابتغاءً لمرضاته، فمتى التفت إلى العبادة التفاتاً كلياً بجدٍ وواقعيةٍ نسيت الاشتغال بهذه الوساوس -إن شاء الله.

س13: هل يجب على الكافر أن يعتنق الإسلام؟

4- كثرة اللجوء إلى الله والدعاء بمعافاتك من هذا الأمر. واسأل الله تعالى لك العافية والسلامة من كل سوء ومكروه. *** س13: هل يجب على الكافر أن يعتنق الإسلام؟ الجواب: يجب على كل كافر أن يعتنق دين الإسلام ولو كان نصرانياً أو يهودياً، لأن الله تعالى، يقول في الكتاب العزيز: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . (الأعراف: 158) فواجب على جميع الناس أن يؤمنوا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا الدين الإسلامي من رحمة الله -عز وجل- وحكمته أنه أباح لغير المسلمين أن يبقوا على ديانتهم بشرط أن يخضعوا لأحكام المسلمين، فقال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29) وفي صحيح مسلم من حديث بريدة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أمره بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً وقال: ((ادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم)) (¬1) ومن هذه الخصال أن يبذلوا الجزية. ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الأمراء ... (1730) .

س14: ما حكم من يدعي علم الغيب؟

ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الجزية تقبل من غير اليهود والنصارى. فالحاصل أن غير المسلمين يجب عليهم إما الدخول في الإسلام، , وإما الخضوع لأحكام الإسلام، والله الموفق. *** س14: ما حكم من يدعي علم الغيب؟ الجواب: الحكم فيمن يدعي علم الغيب أنه كافر؛ لأنه مكذب لله -عز وجل- قال الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) . (النمل: 65) . وإذا كان الله -عز وجل- يأمر نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم أن يعلن للملأ أنه لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، فإن من ادعى علم الغيب فقد كذب الله -عز وجل- في هذا الخبر. ونقول لهؤلاء كيف يمكن أن تعلموا الغيب والنبي صلى الله عليه وسيلم لا يعلم الغيب؟! هل أنتم أشرف أم الرسول صلي الله عليه وسلم؟ فإن قالوا نحن أشرف من الرسول كفروا بهذا القول، وإن قالوا هو أشرف فنقول لماذا يحجب عنه الغيب وأنتم لا تعلمونه؟! وقد قال الله -عز وجل- عن نفسه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً) (26) . (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (سورة الجن الآيتان: 26، 27) وهذه آية ثانية تدل على كفر من ادعى علم الغيب، وقد أمر الله -تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يعلن للملأ بقوله: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيّ) . (الأنعام: الآية50) . ***

س15: كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته، وقوله تعالى: (ويعلم ما في الأرحام) (لقمان: الآية34) وما جاء في تفسير ابن جرير عن مجاهد أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما تلد امرأته، فأنزل الله الآية. وما جاء عن قتادة -رحمه الله-؟ وما المخصص لعموم قوله تعالى: (ما في الأرحام) ؟

س15: كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته، وقوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) (لقمان: الآية34) وما جاء في تفسير ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما تلد امرأته، فأنزل الله الآية. وما جاء عن قتادة -رحمه الله-؟ وما المخصص لعموم قوله تعالى: (مَا فِي الْأَرْحَامِ) ؟ الجواب: قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة، فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته، لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً. فإذا تبين ذلك فقد قيل: إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه أنثى أو ذكراً فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام، وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية، حيث إن الآية تدل على أمر غيبي هو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة، والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه، وحياته، وعمله، ورزقه، وشقاوته أو سعادته، وكونه ذكراً أم أنثى، قبل أن يخلق، أما بعد أن يخلق، فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب، لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة، التي لو أزيلت لتبين أمره، ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى. وليس في الآية تصريح

بذكر العلم بالذكورة والأنوثة، وكذلك لم تأت السنة بذلك. وأما ما نقله السائل عن ابن جرير عن مجاهد، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عما تلد امرأته، فأنزل الله الآية. فالمنقول هذا منقطع لأن مجاهداً -رحمه الله- من التابعين. وأما تفسير قتادة -رحمه الله- فيمكن أن يحمل على أن اختصاص الله تعالى بعلمه ذلك إذا كان لم يخلق، أما بعد أن يخلق فقد يعلمه غيره. قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير آية لقمان: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه. أهـ. وأما سؤالكم عن المخصص لعموم قوله -تعالى- (مَا فِي الْأَرْحَامِ) . فنقول: إن كانت الآية تتناول الذكورة والأنوثة بعد التخليق فالمخصص الحس والواقع، وقد ذكر علماء الأصول أن المخصصات لعموم الكتاب والسنة إما النص، أو الإجماع، أو القياس، أو الحس، أو العقل، وكلامهم في ذلك معروف. وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق وإنما يراد بها ما قبله، فليس فيها ما يعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثته. والحمد لله أنه لم يوجد ولن يوجد في الواقع ما يخالف صريح القرآن الكريم، وما طعن فيه أعداء المسلمين على القرآن الكريم من حدوث أمور ظاهرها معارضة القرآن الكريم فإنما ذلك لقصور فهمهم لكتاب الله تعالى، أو تقصيرهم في ذلك لسوء نيتهم، ولكن

س16: هل الشمس تدور حول الأرض؟

عند أهل الدين والعلم من البحث والوصول إلى الحقيقة ما يدحض شبهة هؤلاء ولله الحمد والمنة. والناس في هذه المسألة طرفان ووسط: فطرف تمسك بظاهر القرآن الكريم الذي ليس بصريح، وأنكر خلافه من كل أمر واقع متيقن، فجلب بذلك الطعن إلى نفسه في قصوره أو تقصيره، أو الطعن في القرآن الكريم حيث كان في نظره مخالفاً للواقع المتيقن. وطرف أعرض عما دل عليه القرآن الكريم وأحذ بالأمور المادية المحضة، فكان بذلك من الملحدين. وأما الوسط فأخذوا بدلالة القرآن الكريم وصدقوا بالواقع، وعلموا أن كلا منهما حق، ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان، فجمعوا بين العمل بالمنقول والمعقول، وسلمت بذلك أديانهم وعقولهم، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وفقنا الله وإخواننا المؤمنين لذلك، وجلعنا هداةً مهتدين، وقادة مصلحين، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب. *** س16: هل الشمس تدور حول الأرض؟ فأجاب بقوله: ظاهر الأدلة الشرعية تثبت أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وبدورتها يحصل تعاقب الليل والنهار على سطح الأرض، وليس لنا أن نتجاوز ظاهر هذه الأدلة إلا بدليل

أقوى من ذلك يسوغ لنا تأويلها عن ظاهرها. ومن الأدلة على أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار ما يلي: 1- قال الله -تعالى- عن إبراهيم في محاجته لمن حاجه في ربه: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) (البقرة: الآية258) فكون الشمس يؤتى بها من المشرق دليل ظاهر على أنها التي تدور على الأرض. 2- وقال -أيضاً- عن إبراهيم: (فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام: 78) فجعل الأفول من الشمس لا عنها ولو كانت الأرض التي تدور لقال ((فلما أفل عنها)) . 3- قال -تعالى- (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) (الكهف: الآية17) فجعل الإزورار والقرض من الشمس وهو دليل على أن الحركة منها، ولو كانت من الأرض لقال يزاور كهفهم عنها، كما أن إضافة الطلوع والغروب إلى الشمس يدل على أنها هي التي تدور وإن كانت دلالتها أقل من دلالة قوله (تزاور) ، (تقرضهم) . 4- وقال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (الأنبياء: 33) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يدورون في فلكة كفلكة المغزل. اشتهر ذلك عنه.

5- وقال -تعالى-: (ِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) (لأعراف: الآية54) فجعل الليل طالباً للنهار، والطالب مندفع لاحق، ومن المعلوم أن الليل والنهار تابعان للشمس. 6- وقال -تعالى-: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر: 5) فقوله: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ) أي يديره عليه ككور العمامة دليل على أن الدوران من الليل والنهار على الأرض ولو كانت الأرض التي تدور عليهما لقال ((يكور الأرض على الليل والنهار)) . وفي قوله: (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي) (الرعد: من الآية2) المبين لما سبقه دليل على أن الشمس والقمر يجريان جرياً حسياً مكانياً، لأن تسخير المتحرك بحركته أظهر من تسخير الثابت الذي لا يتحرك. 7- وقال -تعالى-: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) (1) (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) (سورة الشمس الآيتان: 1، 2) ومعنى (تلاها) أتى بعدها وهو دليل على سيرهما ودورانهما على الأرض ولو كانت الأرض التي تدور عليهما لم يكن القمر تالياً للشمس بل كان تالياً لها أحياناً وتالية له أحياناً؛ لأن الشمس أرفع منه، والاستدلال بهذه الآية يحتاج إلى تأمل. 8- وقال -تعالى-: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (38) (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يّس: 39) (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ

وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يّس الآيات: 38، 40) . فإضافة الجريان إلى الشمس وجعله تقديراً من ذي عزة وعلم يدل على أنه جريان حقيقي بتقدير بالغ، بحيث يترتب عليه اختلاف الليل والنهار والفصول. وتقدير القمر منازل يدل على تنقله فيها ولو كانت الأرض التي تدور لكان تقدير المنازل لها من القمر لا للقمر. ونفي إدراك الشمس للقمر وسبق الليل للنهار يدل على حركة اندفاع من الشمس والقمر والليل والنهار. 9- وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر -رضي الله عنه- وقد غربت الشمس: ((أتدري أين تذهب؟)) قال: الله ورسوله أعلم. قال: ((فإنها تذهب فتسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، فيوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها)) . أو كما قال صلى الله عليه وسلم. متفق عليه (¬1) . فقوله: ((ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها)) ظاهر جداً في أنها تدور على الأرض وبدورانها يحصل الطلوع والغروب. 10- الأحاديث الكثيرة في إضافة الطلوع والغروب والزوال إلى الشمس فإنها ظاهرة في وقوع ذلك منها لا من الأرض عليها. ولعل هناك أدلة أخرى لم تحضرني الآن ولكن فيما ذكرت فتح باب وهو كاف فيما أقصد. والله الموفق. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر (3199) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (159) .

س17: سئل فضيلة الشيخ: عن الشهادتين؟

س17: سئل فضيلة الشيخ: عن الشهادتين؟ الجواب: الشهادتان ((شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) هما مفتاح الإسلام ولا يمكن الدخول إلى الإسلام إلا بهما، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، معاذ بن جبل -رضي الله عنه- حين بعثه إلى اليمن أن يكون أول ما يدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (¬1) . فأما الكلمة الأولى: ((شهادة أن لا إله إلا الله)) فأن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لا معبود حق إلا الله -عز وجل- لأن إله بمعنى مألوه والتأله التعبد. والمعنى أنه لا معبود حق إلا الله وحده، وهذه الجملة مشتملة على نفي وإثبات، أما النفي فهو ((لا إله)) وأما الإثبات ففي ((لا إله)) والله ((لفظ الجلالة)) بدل من خبر ((لا)) المحذوف، والتقدير ((لا إله حق إلا الله)) فهو إقرار باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه لا معبود حق إلا الله -عز وجل- وهذا يتضمن إخلاص العبادة لله وحده ونفي العبادة عما سواه. وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة ((حق)) يتبين الجواب عن الإشكال الذي يورده كثير من الناس وهو: كيف تقولون لا إله إلا الله مع أنه آلهة تعبد من دون الله وقد سماها الله -تعالى- آلهة وسماها عابدها آلهة قال الله -تبارك وتعالى-: (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) (هود: الآية101) وقال -تعالى-: (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر) ( ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن (4347) . ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلأى الشهادتين وشرائع الإسلام (19)

الإسراء: من الآية39) وقال -تعالى-: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر) (القصص: من الآية88) وقوله:) لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً) (الكهف: الآية14) فكيف يمكن أن نقول لا إله إلا الله مع ثبوت الألوهية لغير الله -عز وجل-؟ وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله -عز وجل- والرسل يقولون لأقوامهم: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف: الآية59) . والجواب على هذا الإشكال يتبين بتقدير الخبر في لا إله إلا الله فنقول: هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة، لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقة، وليس لها من حق الألوهية شيء، ويدل لذلك قوله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (لقمان: 30) ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى-:) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (19) (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) (20)) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى) (21) (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى) (22)) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) (النجم الايات: 19، 23) وقوله -تعالى- عن يوسف عليه الصلاة والسلام: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) (يوسف: الآية40) إذن فمعنى "لا إله إلا الله" لا معبود حق إلا الله -عز وجل-. أما معنى شهادة "أن محمداً رسول الله" فهو الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله

-عز وجل- إلى جميع الخلق من الجن والإنس كما قال الله -تعالى-: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف: 158) وقال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) . (الفرقان: 1) . ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع، ومقتضى هذه الشهادة أيضاً أن لا تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حقاً في الربوبية وتصريف الكون، أو حقاً في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع أو الضر إلا ما شاء الله كما قال الله -تعالى-: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (الأنعام: الآية50) . فهو عبد مأمور يتبع ما أمر به، وقال الله -تعالى-: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (الجن: 21) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (الجن: 22) وقال -سبحانه-: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 188) . فهذا معنى شهادة (أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) . وبهذا المعنى تعلم أن هلا يستحق العبادة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم،

س18: كيف كانت "لا إله إلا الله" مشتملة على جميع أنواع التوحيد؟

ولا من دونه من المخلوقين، وأن العبادة ليست إلا لله -تعالى- وحده. (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (162)) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام، الآيتان 162، 163) وأن حقه صلى الله عليه وسلم، أن تنزله المنزلة التي أنزله الله -تعالى- إياها وهو أنه عبد الله ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه. *** س18: كيف كانت "لا إله إلا الله" مشتملة على جميع أنواع التوحيد؟ الجواب: هي تشمل جميع أنواع التوحيد كلها، إما بالتضمن، وإما بالالتزام، وذلك أن قول القائل "أشهد أن لا إله إلا الله" يتبادر إلى الذهن أن المراد بها توحيد العبادة -الذي يسمى توحيد الألوهية- وهو متضمن لتوحيد الربوبية، لأن كل من عبد الله وحده، فإنه لن يعبده حتى يكون مقراً له بالربوبية، وكذلك متضمن لتوحيد الأسماء والصفات، لأن الإنسان لا يعبد إلا من علم أنه مستحق للعبادة، لما له من الأسماء والصفات، ولهذا قال إبراهيم لأبيه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (مريم: الآية42) . فتوحيد العبادة متضمن لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات. *** س19: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟ الجواب: قبل أن أتكلم عن هذا السؤال أحب أن أنبه على قاعدة عامة فيما يخلقه الله -عز وجل- وفيما يشرعه.

وهذه القاعدة مأخوذة من قوله تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (التحريم: الآية2) وقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء: الآية42) وغيرهما من الآيات الكثيرة الدالة على إثبات الحكمة لله -عز وجل- فيما يخلقه وفيما يشرعه أي في أحكامه الكونية، وأحكامه الشرعية، فإنه ما من شيء يخلقه الله -عز وجل- إلا وله حكمة، سواء كان ذلك في إيجاده، أو في إعدامه، وما من شيء يشرعه الله -تعالى- إلا لحكمة سواء كان ذلك في إيجابه، أو تحريمه، أو إباحته، لكن هذه الحكم التي يتضمنها حكمه الكوني والشرعي قد تكون معلومة لنا، وقد تكون مجهولة، وقد تكون معلومة لبعض الناس دون بعض حسب ما يؤتيهم الله -سبحانه وتعالى- من العلم والفهم، إذا تقرر هذا فإننا نقول إن الله -سبحانه وتعالى- خلق الجن والإنس لحكمة عظيمة وغاية حميدة، وهي عبادته -تبارك وتعالى- كما قال -سبحانه وتعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56) وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) . (المؤمنون: 115) وقال تعالى: (أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (القيامة: 36) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن لله تعالى حكمة بالغة من خلق الجن والإنس وهي عبادته والعبادة هي: "التذلل لله -عز وجل- محبة وتعظيماً بفعل أوامره، واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه" قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة: الآية5) فهذه الحكمة من خلق الجن والإنس، وعلى هذا فمن تمرد على ربه واستكبر عن

س20: كيف يدعو الإنسان ولا يستجاب له؟ والله -عز وجل- يقول: (ادعوني أستجب لكم) (غافر: من الآية60) ؟

عبادته فإنه يكون نابذاً لهذه الحكمة التي خلق الله العباد من أجلها، وفعله يشهد أن الله خلق الخلق عبثاً وسدى، وهو وإن لم يصرح بذلك لكن هذا هو مقتضى تمرده واستكباره عن طاعة ربه. *** س20: كيف يدعو الإنسان ولا يستجاب له؟ والله -عز وجل- يقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر: من الآية60) ؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأسأل الله -تعالى- لي ولإخواني المسلمين التوفيق للصواب عقيدة، وقولاً، وعملاً، يقول الله -عز وجل-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60) ويقول السائل: إنه دعا الله -عز وجل- ولم يستجب الله له فيستشكل هذا الواقع مع هذه الآية الكريمة التي وعد الله -تعالى- فيها من دعاه بأن يستجيب له والله -سبحانه وتعالى- لا يخلف الميعاد. والجواب على ذلك بأن للإحابة شروطاً لا ببد أن تتحقق وهي: الشرط الأول: الإخلاص لله -عز وجل- بأن يخلص الإنسان في دعائه فيتجه إلى الله -سبحانه وتعالى- بقلب حاضر، صادق في اللجوء إليه، عالم بأنه -عز وجل- قادر على إجابة الدعوة، مؤمل الإجابة من الله -سبحانه وتعالى-. الشرط الثاني: أن يشعر الإنسان حال دعائه بأنه في أمس الحاجة، بل في أمس الضرورة إلى الله -سبحانه وتعالى- وأن الله -

تعالى- وحده هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، أما أن يدعو الله -عز وجل- وهو يشعر بأنه مستغن عن الله -سبحانه وتعالى وليس في ضرورة إليه، وإنما يسأل هكذا عادة فقط فإن هذا يس بحري بالإجابة. الشرط الثالث: أن يكون متجنباً لأكل الحرام، فإن أكل الحرام حائل بين الإنسان والإجابة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين)) فقال -تعالى-:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة: 172) وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) . (المؤمنون: الآية51) . ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأنى يستجاب له)) (¬1) . فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم، أن يستجاب لهذا الرجل الذي قام بالأسباب الظاهرة التي بها تستجلب الإجابة وهي: أولاً: رفع اليدين إلى السماء أي إلى الله -عز وجل- لأنه -تعالى- في السماء فوق العرش، ومد اليد على الله -عز وجل- من أسباب الإجابة كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند: ((إن الله حييٌ كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً)) (¬2) ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة. (¬2) أخرجه أحمد في المسند (5/428) ، والترمذي، كتاب الدعوات، باب 105 (3556) ، وابن ماجه باب رفع اليدين في الدعاء (3865) .

ثانياً: هذا الرجل دعا الله -تعالى- باسم الرب ((يا رب، يا رب)) والتوسل إلى الله -تعالى- بهذا الاسم من أسباب الإجابة، لأن الرب هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور فبيده مقاليد السماوات والأرض، ولهذا تجد أكثر الدعاء الوارد في القرآن الكريم بهذا الاسم: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (: 193) (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (194) (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) (آل عمران: الآيات 193-195) فالتوسل إلى الله -تعالى- بهذا الاسم من أسباب الإجابة. ثالثاً: هذا الرجل كان مسافراً والسفر غالباً من أسباب الإجابة، لأن الإنسان في السفر يشعر بالحاجة إلى الله -عز وجل- والضرورة إليه أكثر مما إذا كان مقيماً في أهله، وأشعث أغبر كأنه غير معني بنفسه كأن أهم شيء عنده أن يلتجئ إلى الله ويدعوه على أي حال كن هو، سواء كان أشعث أغبر، أم مترفاً، والشعث والغبر له أثر في الإجابة كما في الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله -تعالى- ينزل إلى السماء الدنيا عشية عرفة يباهي الملائكة بالواقفين فيها يقول: ((أتوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق)) (¬1) هذه الأسباب لإجابة الدعاء لم تجد شيئاً، لكون مطعمه ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (436) .

حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأنى يستجاب له)) . فهذه الشروط لإجابة الدعاء إذا لم تتوافر فإن الإجابة تبدو بعيدة، فإذا توافرت ولم يستجب الله للداعي، فإنما ذلك لحكمة يعملها الله -عز وجل- ولا يعلمها هذا الداعي، فعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، وإذا تمت هذه الشروط ولم يستجب الله -عز وجل- فإنه إما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخرها له يوم القيامة فيوفيه الأجر أكثر وأكثر، لأن هذا الداعي الذي دعا بتوفر الشروط ولم يستجب له، ولم يصرف عنه من السوء ما هو أعظم، يكون قد فعل الأسباب ومنع الجواب لحكمة فيعطى الأجر مرتين، مرة على دعائه، ومرة على مصيبته بعدم الإجابة، فيدخر له عند الله -عز وجل- ما هو أعظم وأكمل. ثم إن المهم أيضاً أن لا يستبطئ الإنسان الإجابة، فإن هذا من أسباب منع الإجابة أيضاً كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل)) . قالوا كيف يعجل يا رسول الله؟ قال: ((يقول دعوت ودعت ودعوت فلم يستجب لي)) (¬1) . فلا ينبغي للإنسان أن يستبطئ الإجابة فيستحسر عن الدعاء ويدع الدعاء، بل يلح في الدعاء فإن كل دعوة تدعو بها الله -عز وجل- فإنها عبادة تقربك إلى الله -عز وجل- وتزيدك أجراً، فعليك يا أخي بدعاء الله -عز وجل- في كل أمورك العامة والخاصة، ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل (6340) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي (2735) .

س21: ما معنى الإخلاص؟ وإذا أراد العبد بعبادته شيئا آخر فما الحكم؟

الشديدة واليسيرة، ولو لم يكن من الدعاء إلا أنه عبادة لله -سبحانه وتعالى- لكان جديراً بالمرء أن يحرص عليه. والله الموفق. *** س21: ما معنى الإخلاص؟ وإذا أراد العبد بعبادته شيئاً آخر فما الحكم؟ الجواب: الإخلاص لله تعالى معناه: ((أن يقصد المرء بعبادته التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- والتوصل إلى دار كرامته)) . وإذا أراد العبد بعبادته شيئاً آخر ففيه تفصيل حسب الأقسام التالية: القسم الأول: أن يريد التقرب إلى غير الله تعالى بهذه العبادة ونيل الثناء عليها من المخلوقين، فهذا يحبط العمل، وهو من الشرك. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) (¬1) . القسم الثاني: أن يقصد بها الوصول إلى غرض دنيوي كالرئاسة، والجاه، والمال دون التقرب بها إلى -فهذا عمله صابط لا يتقربه إلي الله تعالى. لقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (هود: 15) (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود: 16) . والفرق بين هذا والذي قبله أن الأول قصد أن يثنى عليه من ¬

(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله (2985) .

قبل أنه عابد لله تعالى، وأما هذا الثاني فلم يقصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله ولا يهمه أن يثني الناس عليه بذلك. القسم الثالث: أن يقصد بها التقرب إلى الله تعالى والغرض الدنيوي الحاصل بها، مثل أن يقصد مع نية التعبد لله تعالى بالطهارة تنشيط الجسم وتنظيفه، وبالصلاة تمرين الجسم وتحريكه، وبالصيام تخفيف الجسم وإزالة فضلاته، وبالحج مشاهدة المشاعر والحجاج فهذا ينقص أجر الإخلاص، ولكن إن كان الأغلب عليه نية التعبد فقد فاته كمال الأجر، ولكن لا يضره ذلك باقتراف إثم أو زور لقوله تعالى في الحجاج: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) . (البقرة: من الآية198) . وإن كان الأغلب عليه نية غير التعبد فليس له ثواب في الآخرة وإنما ثوابه ما حصله في الدنيا، وأخشى أن يأثم بذلك لأنه جعل العبادة التي هي أعلى الغايات وسيلة للدنيا الحقيرة، فهو كمن قال الله فيهم: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) (التوبة: 58) وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد وهو يريد عرضاً من عرض الدنيا. فق النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا أجر له)) (¬1) . فأعاد ثلاثاً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا أجر له)) . وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب فيمن يغزو ويلتمس الدنيا (2516) . والنسائي كتاب الجهاد باب من غزا يلتمس الأجر والذكر (3140) .

س22: ما مذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف؟

ما هاجر إليه)) (¬1) . وإن تساوى عنده الأمران فلم تغلب نية التعبد ولا نية غير التعبد فمحل نظر، والأقرب أنه لا ثواب له كمن عمل لله تعالى ولغيره. والفرق بين هذا القسم والذي قبله أن غرض غير التعبد في القسم السابق حاصل بالضرورة فإرادته إرادة حاصلة بعمله بالضرورة وكأنه أراد ما يقتضيه العمل من أمر الدنيا. فإن قيل: ما هو الميزان لكون مقصوده في هذا القسم أغلبه التعبد أو غير التعبد؟ قلنا: الميزان أنه إذا كان لا يهتم بما سوى العبادة حصل أم لم يحصل فقد دل على أن الأغلب نية التعبد والعكس بالعكس. وعلى كل حال فإن النية التي هي قول القلب أمرها عظيم وشأنها خطير فقد ترتقي بالعبد إلى درجة الصديقين، وقد ترده إلى أسفل السافلين، قال بعض السلف: ((ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص)) . فنسأل الله لنا ولكم الإخلاص في النية، والصلاح في العمل. *** س22: ما مذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف؟ الجواب: اختلف العلماء هل يقدم الإنسان الرجاء أو يقدم الخوف على أقوال: ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف بدأ الوحي إلى رسول الله (1) ، ومسلم، كتاب الإمارة، باب إنما الأعمال بالنية (1907) .

فقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً، فلا يغلب الخوف ولا يغلب الرجاء". قال -رحمه الله-: "فأيهما غلب هلك صاحبه". لأنه إن غلب الرجاء وقع الإنسان في الأمن من مكر الله، وإن غلب الخوف وقع في القنوط من رحمة الله. وقال بعض العلماء: ((ينبغي تغليب الرجاء عند فعل الطاعة وتغليب الخوف عند إرادة المعصية)) ، لأنه إذا فعل الطاعة فقد أتى بموجب حسن الظن، فينبغي أن يغلب الرجاء وهو القبول، وإذا هم بالمعصية أن يغلب الخوف لئلا يقع في المعصية. وقال آخرون: ((ينبغي للصحيح أن يغلب جانب الخوف وللمريض أن يغلب جانب الرجاء)) لأن الصحيح إذا غلب جانب الخوف تجنب المعصية، والمريض إذا غلب جانب الرجاء لقي الله وهو يحسن الظن به. والذي عندي في هذه المسألة أن هذا يختلف باختلاف الأحوال، وأنه إذا خاف إذا غلب جانب الخوف أن يقنط من رحمة الله وجب عليه أن يرد ويقابل ذلك بجانب الرجاء، وإذا خاف إذا غلب جانب الرجاء أن يأمن مكر الله فليرد ويغلب جانب الخوف، والإنسان في الحقيقة طبيب نفسه إذا كان قلبه حيا، أما صاحب القلب الميت الذي لا يعالج قلبه ولا ينظر أحوال قلبه فهذا لا يهمه الأمر. ***

س23: هل اتخاذ الأسباب ينافي التوكل؟ فبعض الناس إبان حرب الخليج اتخذ الأسباب وبعضهم تركها وقال: إنه متوكل على الله؟

س23: هل اتخاذ الأسباب ينافي التوكل؟ فبعض الناس إبان حرب الخليج اتخذ الأسباب وبعضهم تركها وقال: إنه متوكل على الله؟ الجواب: الواجب على المؤمن أن يعلق قلبه بالله -عز وجل- وأن يصدق الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار فإن الله وحده هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله كما قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود: 123) وقال موسى لقومه: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (يونس: 84) (فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (85) (وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (يونس الآيات 83، 86) وقال الله -تعالى-: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران: الآية160) وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) . (الطلاق: الآية3) فالواجب على المؤمن أن يعتمد على ربه رب السماوات والأرض ويحسن الظن به. ولكن يفعل الأسباب الشرعية والقدرية الحسية التي أمر الله تعالى بها، لأن أخذ الأسباب الجالبة للخير المانعة من الشر من الإيمان بالله تعالى وحكمته، ولا تنافي التوكل، فها هو سيد المتوكلين محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يتخذ الأسباب الشرعية والقدرية، فكان يعوذ نفسه عند النوم بالإخلاص والمعوذتين، وكان يلبس الدروع في الحرب، وخندق على المدينة حين اجتمع

أحزاب الشرك حولها حماية لها، وقد جعل الله -تعالى- ما يتقي به العبد شرور الحروب من نعمه التي يستحق الشكر عليها، فقال عن نبيه داود: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) (الأنبياء: 80) وأمر الله داود أن يجيد صنعها ويجعلها سابغة لأنها تكون أقوى في التحصين. وعلى هذا فإن أهل البلاد القريبة من مواقع الحرب التي يخشى أن يصيبها من آثاره ليس عليهم حرج في الاحتياط باستعمال الكمامات المانعة من تسرب الغازات المهلكة إلى أبدانهم، والتحصينات المانعة من تسربه إلى بيوتهم، لأن هذا من الأسباب الواقية من الشر، المحصنة من البأس، ولا حرج عليهم أن يدخروا لأنفسهم من الأطعمة وغيرها ما يخافون أن يحتاجوا إليه فلا يجدوه، وكلما قويت الخشية من ذلك كان طلب الاحتياط أقوى. ولكن يجب أن يكون اعتمادهم على الله -عز وجل- فيستعملوا هذه الأسباب بمقتضى شرع الله وحكمته على أنها أسباب أذن الله لهم فيها، لا على أنها الأصل في جلب المنافع ودفع المضار، وأن يشكروا الله تعالى حيث يسر لهم مثل هذه الأسباب وأذن لهم بها. والله اسأل أن يقينا جميعاً أسباب الفتن والهلاك، وأن يحقق لنا ولإخواننا قوة الإيمان به والتوكل عليه، والأخذ بالأسباب التي أذن بها على الوجه الذي يرضى به عنا، إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ***

س24: ما حكم التعلق بالأسباب؟

س24: ما حكم التعلق بالأسباب؟ الجواب: التعلق بالأسباب أقسام: القسم الأول: ما ينافي التوحيد في أصله، وهو أن يتعلق الإنسان بشيء لا يمكن أن يكون له تأثير ويعتمد عليه اعتماداً كاملاً معرضاً عن الله، مثل تعلق عبد القبور بمن فيها عند حلول المصائب. وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، وحكم الفاعل ما ذكره الله -تعالى- بقوله: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . (المائدة: الآية72) القسم الثاني: أن يعتمد على سبب شرعي صحيح مع غفلته عن المسبب وهو الله -تعالى- فهذا نوع من الشرك، ولكن لا يخرج من الملة، لأنه اعتمد على السبب ونسي المسبب وهو الله -تعالى-. القسم الثالث: أن يتعلق بالسبب تعلقاً مجرداً لكونه سبباً فقط، مع اعتماده الأصلي على الله، فيعتقد أن هذا السبب من الله، وأن الله لو شاء قطعه، ولو شاء لأبقاه، وأنه لا أثر للسبب في مشيئة الله -عز وجل- فهذا لا ينافي التوحيد لا أصلاً ولا كمالاً. ومع وجود الأسباب الشرعية الصحيحة ينبغي للإنسان أن لا يعلق نفسه بالسبب بل يعلقها بالله، فالموظف الذي يتعلق قلبه بمرتبه تعلقاً كاملاً مع الغفلة عن المسبب وهو الله فهذا نوع من الشرك، أما إذا اعتقد أن المرتب سبب والمسبب هو الله -سبحانه وتعالى- فهذا لا ينافي التوكل، والرسول صلى الله عليه وسلم، كان يأخذ بالأسباب مع اعتماده على المسبب وهو الله -عز وجل-. ***

س25: ما حكم الرقية؟ وما حكم كتابة الآيات وتعليقها في عنق المريض؟

س25: ما حكم الرقية؟ وما حكم كتابة الآيات وتعليقها في عنق المريض؟ الجواب: الرقية على المريض المصاب بسحر أو غيره من الأمراض لا بأس بها إن كانت من القرآن الكريم، أو من الأدعية المباحة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يرقي أصحابه، ومن جملة ما يرقاهم به: ((ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع)) (¬1) فيبرأ. ومن الأدعية المشروعة: ((بسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين كل حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك)) (¬2) ومنها أن يضع الإنسان يده على الألم الذي يؤلمه من بدنه فيقول: ((أعوذ بالله وعزته من شر ما أجد وأحاذر)) (¬3) إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم من الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما كتابة الآيات والأذكار وتعليقها فقد اختلف أهل العلم في ذلك: فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، والأقرب المنع من ذلك، لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد أن يقرأ على المريض، أما أن تعلق الآيات أو الأدعية على المريض في عنقه، أو في يده، أو تحت وسادته وما أشبه ذلك، فإن ذلك من الأمور الممنوعة ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الطب، باب كيف الرقى (3892) . (¬2) أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى (2186) . (¬3) أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء (2202) .

س26: هل الرقية تنافي التوكل؟

على القول الراجح لعدم ورودها، وكل إنسان يجعل من الأمور سبباً لأمر آخر بغير إذن من الشرع، فإن عمله هذا يعد نوعاً من الشرك، لأنه إثبات سبب لم يجعله الله سبباً. *** س26: هل الرقية تنافي التوكل؟ الجواب: التوكل هو صدق الاعتماد على الله -عز وجل- في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب التي أمر الله بها، وليس التوكل أن تعتمد على الله بدون فعل الأسباب، فإن الاعتماد على الله بدون فعل الأسباب طعن في الله -عز وجل- وفي حكمته- تبارك وتعالى- لأن الله -تعالى- ربط المسببات بأسبابها، وهنا سؤال: من أعظم الناس توكلاً على الله؟ الجواب: هو الرسول، عليه الصلاة والسلام، وهل كان يعمل الأسباب التي يتقي بها الضرر؟ الجواب: نعم كان إذا خرج إلى الحرب يلبس الدروع ليتوقى السهام، وفي غزوة أحد ظاهر بين درعين، أي لبس درعين كل ذلك استعداداً لما قد يحدث، ففعل الأسباب لا ينافي التوكل، إذا اعتقد الإنسان أن هذه الأسباب مجرد أسباب فقط لا تأثير لها إلا بإذن الله -تعالى- وعلى هذا فالقراءة قراءة الإنسان على نفسه، وقراءته على إخوانه المرضى لا تنافي التوكل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يرقي نفسه بالمعوذات، وثبت أنه كان يقرأ على أصحابه إذا مرضوا (¬1) . والله أعلم. *** ¬

(¬1) تقدم ذكره.

س27: ما حكم تعليق التمائم والحجب؟

س27: ما حكم تعليق التمائم والحجب؟ الجواب: هذه المسألة أعني تعليق الحجب والتمائم تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون المعلق من القرآن وقد اختلف في ذلك أهل العلم سلفاً وخلفاً. فمنهم من أجاز ذلك ورأى أنه داخل في قوله -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء: الآية82) وقوله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ) (صّ: الآية29) ، وأن من بركته أن يعلق ليدفع به السوء. ومنهم من منع ذلك، وقال: إن تعليقها لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سبب شرعي يدفع به السوء أو يرفع به، والأصل في مثل هذه الأشياء التوقيف، وهذا القول هو الراجح وأنه لا يجوز تعليق التمائم ولو من القرآن الكريم، ولا يجوز أيضاًِ أن تجعل تحت وسادة المريض، أو تعلق في الجدار وما أشبه ذلك، وإنما يدعى للمريض ويقرأ عليه مباشرة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يفعل. القسم الثاني: أن يكون المعلق من غير القرآن الكريم مما لا يفهم معناه فإنه لا يجوز بكل حال، لأنه لا يدرى ماذا يكتب، فإن بعض الناس يكتبون طلاسم وأشياء معقدة، حروف متداخلة ما تكاد تعرفها ولا تقرأها فهذا من البدع وهو محرم، ولا يجوز بكل حال. والله أعلم. ***

س28: هل تجوز كتابة بعض آيات القرآن الكريم ((مثل آية الكرسي)) على أواني الطعام والشراب لغرض التداوي بها؟

س28: هل تجوز كتابة بعض آيات القرآن الكريم ((مثل آية الكرسي)) على أواني الطعام والشراب لغرض التداوي بها؟ الجواب: يجب أن نعمل أن كتاب الله -عز وجل- أعز وأجل من أن يمتهن إلى هذا الحد ويبتذل إلى هذا الحد، كيف تطيب نفس مؤمن أن يجعل كتاب الله -عز وجل- وأعظم آية في كتاب الله وهي آية الكرسي أن يجعلها في إناء يشرب فيه، ويمتهن ويرمي في البيت ويلعب به الصبيان؟! هذا العمل لا شك أنه حرام، وأنه يجب على من عنده شيء من هذه الأواني أن يطمس هذه الآيات التي فيها، بأن يذهب بها إلى الصانع فيطمسها، فإن لم يتمكن من ذلك فالواجب عليه أن يحفر لها في مكان طاهر ويدفنها، وأما أن يبقيها مبتذلة ممتهنة يشرب بها الصبيان ويلعبون بها فإن الاستشفاء بالقرآن على هذا الوجه لم يرد عن السلف الصالح -رضي الله عنهم-. *** س29: يتعلم طلبة المدارس في بعض البلاد الإسلامية أن مذهب أهل السنة هو: ((الإيمان بأسماء الله تعالى، وصفاته، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل)) . وهل تقسيم أهل السنة إلى قسمين: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، ومدرسة الأشاعرة والماتريدية تقسيم صحيح؟ وما موقف المسلم من العلماء المؤولين؟ الجواب: لا شك أن ما يتعلمه الطلبة في المدارس من أن مذهب أهل السنة هو: (الإيمان أسماء الله -تعالى- وصفاته من

غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل) . هو المطابق للواقع بالنسبة لمذهب أهل السنة، كما تشهد بذلك كتبهم المطولة والمختصرة، وهو الحق الموافق لما جاء في الكتاب والسنة، وأقوال السلف، وهو مقتضى النظر الصحيح، والعقل الصريح، ولسنا بصدد سرد أفراد الأدلة في ذلك، لعدم طلبه في السؤال، وإنما نجيب على ما طلب وهو تقسيم أهل السنة إلى طائفتين في مدرستين: إحداهما: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، المانعين لصرف النصوص عن ظواهرها. الثانية: مدرسة الأشاعرة والماتريدية، الموجبين لصرفها عن ظواهرها في أسماء الله وصفاته. فنقول: من المعلوم أن بين هاتين المدرستين اختلافاً بيناً في المنهاج فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، فالمدرسة الأولى يقرر معلموها وجوب إبقاء النصوص على ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، مع نفي ما يجب نفيه عن الله -تعالى- من التمثيل أو التكييف، والمدرسة الثانية يقرر معلموها وجوب صرف النصوص عن ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، مع نفي ما يجب نفيه عن الله -تعالى- من التمثيل أو التكييف، والمدرسة الثانية يقرر معلموها وجوب صرف النصوص عن ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته. وهذان المنهجان متغايران تماماً، ويظهر تغايرهما بالمثال التالي: قال الله -تعالى-: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة: الآية64) وقال فيما حكاه عن معاتبة إبليس حين أبى أن يسجد لآدم بأمر الله: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ) .

(صّ: الآية75) . فقد اختلف معلمو المدرستين في المراد باليدين اللتين أثبتهما الله -تعالى- لنفسه. فقال أهل المدرسة الأولى: يجب إبقاء معناهما على ظاهره، وإثبات يدين حقيقيتين لله -تعالى- على وجه يليق به. وقال أهل المدرسة الثانية: يجب صرف معناهما عن ظاهره، ويحرم إثبات يدين حقيقيتين لله -تعالى- ثم اختلفوا في المراد بهما هل هو القوة، أو النعمة. وبهذا المثال يتبين أن منهاجي أهل المدرستين مختلفان متغايران، ولا يمكن بعد هذا التغاير أن يجتمعا في وصف واحد، هو ((أهل السنة)) . إذن فلا بد أن يختص وصف أهل السنة بأحدهما دون الآخر، فلنحكم بينهما بالعدل، ولنعرضهما على ميزان القسط وهو كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة، والتابعين لهم بإحسان من سلف الأمة وأئمتها. وليس في هذا الميزان ما يدل بأي وجه من وجوه الدلالة، المطابقة، أو التضمن، أو الالتزام صريحاً أو إشارة على ما ذهب إليه أهل المدرسة الثانية، بل في هذا الميزان ما يدل دلالة صريحة، أو ظاهرة، أو إشارية على ما ذهب إليه أهل المدرسة الأولى، وعلى هذا فيتعين أن يكون وصف أهل السنة خاصاً بهم لا يشاركهم فيه أهل المدرسة الثانية، لأن الحكم بمشاركتهم إياهم جور، وجمع بين الضدين، والجور، ممتنع شرعاً، والجمع بين الضدين ممتنع عقلاً. وأما قول أهل المدرسة الثانية: (المؤولين) لا مانع من تأويل

أسماء الله وصفاته إذا لم يتعارض هذا مع نص شرعي. فنقول: مجرد صرف اللفظ عن ظاهره بلا دليل شرعي، مخالف للدليل، وقول على الله -تعالى- بلا علم، وقد حرم الله تعالى ذلك ف ي قوله) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف: 33) وقوله: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) . (الإسراء: 36) . وهؤلاء المؤولون لأسماء الله -تعالى- وصفاته ليس لهم علم مأثور فيما أولوها إليه، ولا نظر معقول، سوى شبه يحتجون بما يناقض بعضها بعضاً، ويلزم عليها من النقص في ذات الله -تعالى- وصفاته، ووحيه أكثر مما زعموه من النقص في إثباتها على ظاهرها، وليس هذا موضع البسط في ذلك. وإنما المقصود بيان أن وصف (أهل السنة) لا يمكن أن يعطى لطائفتين يتغاير منهاجهما غاية التغاير، وإنما يستحقه من كان قوله موافقاً للسنة فقط، ولا ريب أن أهل المدرسة الأولى (غير المؤولين) أحق بالوصف المذكور من أهل المدرسة الثانية (المؤولين) ، لمن نظر في منهاجيهما بعلم وإنصاف، فلا يصح تقسيم أهل السنة إلى الطائفتين بل هم طائفة واحدة. وأما احتجاجهم بقول ابن الجوزي في هذا الباب فنقول: أقوال أهل العلم يحتج لها ولا يحتج بها، فليس قول واحد من أهل العلم بحجة على الآخرين. وأما قولهم إن الإمام أحمد أول في حديث: ((قلوب بني آدم

بين أصبعين من أصابع الرحمن)) . وحديث: ((لحجر الأسود يمين الله في الأرض)) . وقوله -تعالى-: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم) . (الحديد: الآية4) . فنقول: لا يصح عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه تأول الحديثين المذكورين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى ص398 جـ5 من مجموع ابن قاسم: ((وأما ما حكاه أبو حامد الغزالي من أن أحمد لم يتأول إلا في ثلاثة أشياء ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض)) و ((قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)) . و ((إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن)) ، فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه)) . أ. هـ. وأما قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم) فإن الإمام أحمد لم يتأولها، وإنما فسرها ببعض لوازمها، وهو العلم رداً على الجهمية، الذين فسروها بخلاف المراد بها، حيث زعموا أنها تقتضي كون الله -تعالى في كل مكان بذاته - تعالي الله عن قولهم- فبين رحمة الله- تعالي- أن المعية هنا بمعنى الإحاطة بالخلق التي من جملتها العلم بهم. وذلك أن المعية لا تقتضي الحلول الاختلاط بل هي في كل موضع بحسبه، ولهذا يقال: سقاني لبناً معه ماء. ويقال: صليت مع الجماعة. ويقال فلان معه زوجته. ففي المثال الأول: اقتضت المزج والاختلاط، وفي المثاني اقتضت المشاركة في المكان والعمل بدون اختلاط، وفي الثالث اقتضت المصاحبة وإن لم يكن اشتراك في مكان أو عمل، وإذا تبين

أن معنى المعية يختلف بحسب ما تضاف إليه، فإن معية الله -تعالى- لخلقه تختلف عن معية المخلوقين لمثلهم، ولا يمكن أن تقتضي المزج والاختلاط، أو المشاركة في المكان، لأن ذلك ممتنع على الله -عز وجل- لثبوت مباينته لخلقه وعلوه عليهم. وعلى هذا يكون معنا وهو على العرش فوق السماوات، لأنه محيط بنا علماً، وقدرة، وسلطاناً، وسمعاً، وبصراً، وتدبيراً، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته، فإذا فسرها مفسر بالعلم لم يخرج بها عن مقتضاها، ولم يكن متأولاً إلا عند من يفهم من المعية المشاركة في المكان أو المزج والاختلاط على كل حال. وقد سبق أن هذا ليس بمتعين في كل حال. هذا بالنسبة لما نقل عن الإمام أحمد في تأويل هذه النصوص الثلاثة. أما بالنظر لها من حيث هي فقد تقدم قريباً أنه لا تأويل في الآية الكريمة إذا فسرها مفسر بالعلم، لأنه تفسير لها ببعض مقتضياتها، لا نقل لها عن المعنى الذي تقتضيه. وأما حديث: ((إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء)) . فقد رواه مسلم في صحيحه في كتاب القدر في الباب الثالث منه رقم 17 ص2045، وليس فيه تأويل عند أهل السنة والجماعة حيث يؤمنون بما دل عليه من إثبات الأصابع لله -تعالى- على الوجه اللائق به، ولا يلزم من كون قلوبنا بين أصبعين منها أن تماس القلب، فإن السحاب مسخر بين السماء والأرض، ولا يمس السماء ولا الأرض، فكذلك

قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ولا يستلزم ذلك المماسة. وأما حديث: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض)) . فقد قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ص397 جـ6 من مجموع ابن قاسم: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، بإسناد لا يثبت، والمشهور إنما هو عن ابن عباس. قال: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه)) . وفي صلي الله عليه وسلم44 جـ3 من المجموع المذكور: ((صريح في أن الحجر الأسود ليس هو صفة الله ولا نفس يمينه، لأنه قال: ((يمين الله في الأرض)) فقيده في الأرض ولم يطلق، فيقول يمين الله، وحكم اللفظ المقيد يخالف المطلق)) . وقال: ((فمن قبله وصافحه فكأنما صافح الله وقبل يمينه)) ، ومعلوم أن المشبه غير المشبه به. أ. هـ. قلت: وعلى هذا فلا يكون الحديث من صفات الله -تعالى- التي أولت إلى معنى يخالف الظاهر فلا تأويل فيه أصلاً. وأما قولهم إن هناك مدرستين: إحداهما مدرسة ابن تيمية فيقال نسبة هذه المدرسة إلى ابن تيمية توهم أنه لم يسبق إليها، وهذا خطأ فإن ما ذهب إليه ابن تيمية هو ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الأمة، فليس هو الذي أحدث هذه المدرسة كما يوهمه قول القائل الذي يريد أن يقلل من شأنها، والله المستعان. وأما موقفنا من العلماء المؤولين فنقول: من عرف منهم بحسن النية وكان لهم قدم صدق في الدين، واتباع السنة فهو معذور بتأويله السائغ، ولكن عذره في ذلك لا يمنع من تخطئة

س30: ما عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته؟ وما الفرق بين الاسم والصفة؟ وهل يلزم من ثبوت الاسم ثبوت الصفة؟ ومن ثبوت الصفة ثبوت الاسم؟

طريقته المخالفة لما كان عليه السلف الصالح من إجراء النصوص على ظاهرها، واعتقاد ما دل عليه ذلك الظاهر من غير تكييف، ولا تمثيل، فإنه يجب التفريق بين حكم القول وقائله، والفعل وفاعله، فالقول الخطأ إذا كان صادراً عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم عليه قائله، بل يكون له أجر على اجتهاده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) (¬1) . متفق عليه، وأما وصفه بالضلال فإن أريد بالضلال الضلال المطلق الذي يذم به الموصوف، ويمقت عليه، فهذا لا يتوجه في مثل هذا المجتهد الذي علم منه حسن النية، وكان له قدم صدق في الدين وإتباع السنة، وإن أريد بالضلال مخالفة قوله للصواب من غير إشعار بذم القائل فلا بأس بذلك، لأن مثل هذا ليس ضلالاً مطلقاً، لأنه من حيث الوسيلة صواب، حيث بذل جهده في الوصول إلى الحق، لكنه باعتبار النتيجة ضلال حيث كان خلاف الحق. وبهذا التفصيل يزول الإشكال والتهويل، والله المستعان. *** س30: ما عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته؟ وما الفرق بين الاسم والصفة؟ وهل يلزم من ثبوت الاسم ثبوت الصفة؟ ومن ثبوت الصفة ثبوت الاسم؟ الجواب: عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (7352) ، ومسلم في كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد (1716) .

س31: هل أسماء الله تعالى محصورة؟

هي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. والفرق بين الاسم والصفة: أن الاسم: ما سمى الله به، والصفة: ما وصف الله به. وبينهما فرق ظاهر. فالاسم يعتبر علماً على الله -عز وجل- متضمناً للصفة. ويلزم من إثبات الاسم إثبات الصفة. مثال: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، (غفور) اسم يلزم منه المغفرة و (رحيم) يلزم منه إثبات الرحمة. ولا يلزم من إثبات الصفة إثبات الاسم، مثل الكلام لا يلزم أن نثبت لله اسما المتكلم، بناء على ذلك تكون الصفات أوسع، لأن كل اسم متضمن لصفة، وليس كل صفة متضمنة لاسم. *** س31: هل أسماء الله تعالى محصورة؟ الجواب: أسماء الله ليست محصورة بعدد معين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح: ((اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمت)) . إلى أن قال: ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) (¬1) . وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يعلم به، وما ليس معلوماً ليس محصوراً. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل ¬

(¬1) أخرجه أحمد (1/391)

الجنة)) (¬1) . فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة فقوله: ((من أحصاها)) تكميل للجملة الأولى وليست استئنافية منفصلة، ونظير هذا قول العرب: عندي مئة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله، فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المئة، بل هذه المئة معدة لهذا الشيء. وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- اتفاق أهل المعرفة في الحديث على أن عدها وسردها لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أ. هـ. وصدق -رحمه الله- بدليل الاختلاف الكبير فيها فمن حاول تصحيح هذا الحديث قال إن هذا أمر عظيم لأنها توصل إلى الجنة فلا يفوت على الصحابة أن يسألوه، صلى الله عليه وسلم، عن تعيينها فدل هذا على أنها قد عينت من قبله صلى الله عليه وسلم. لكن يجاب عن ذلك بأنه لا يلزم ولو كان كذلك لكانت هذه الأسماء التسعة والتسعين معلومة أشد من علم الشمس ولنقلت في الصحيحين وغيرهما، لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه وتلح بحفظه فكيف لا يأتي إلا عن طريق واهية وعلى صور مختلفة. فالنبي صلى الله عليه وسلم، لم يبينها لحكمة بالغة وهي أن يطلبها الناس ويتحروها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يتبين الحريص من غير الحريص. وليس معنى إحصاءها أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ ولكن معنى ذلك: ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الشروط ... (2736) ، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها (2677)

س32: ما مذهب السلف في علو الله تعالى؟ وما حكم من يقول إنه عن الجهات الست خال وأنه في قلب العبد المؤمن؟

أولاً: الإحاطة بها لفظاً. ثانياً: فهمها معنا. ثالثاً: التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان: الوجه الأول: أن تدعو الله بها لقوله -تعالى-: (فَادْعُوهُ بِهَا) . (الأعراف: من الآية180) بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك، فتختار الاسم المناسب لمطلوبك، فعند سؤال المغفرة تقول: يا غفور اغفر لي، وليس من المناسب أن تقول يا شديد العقاب اغفر لي، بل هذا يشبه الاستهزاء بل تقول أجرني من عقابك. الوجه الثاني: أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء، فمقتضى الرحيم الرحمة، فاعمل العمل الصالح الذي يكون جالباً لرحمة الله، هذا هو معنى إحصائها، فإذا كان كذلك فهو جدير لأن يكون ثمناً لدخول الجنة. *** س32: ما مذهب السلف في علو الله تعالى؟ وما حكم من يقول إنه عن الجهات الست خالٍ وأنه في قلب العبد المؤمن؟ الجواب: مذهب السلف -رضوان الله عليهم- أن الله تعالى بذاته فوق عباده، وقد قال الله تعالى:) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: من الآية59) وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (الشورى: من الآية10) وقال تعالى:) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور: 51) (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ

الْفَائِزُونَ) (النور: 52) . وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب: 36) وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) . (النساء: 65) فإذا تبين أن طريقة المؤمنين عند التنازع هي الرجوع إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسمع والطاعة لهما، وعدم الخيار فيما سواهما، وأن الإيمان لا يكون إلا بذلك، مع انتفاء الحرج وتمام التسليم، فإن الخروج عن هذا الطريق موجب لما قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء: 115) . وعلى هذا فإن المتأمل في هذه المسألة -مسألة علو الله- تعالى بذاته على خلقه بعد ردها إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يتبين له أن الكتاب والسنة قد دلا دلالة صريحة بجميع وجوه الدلالة على علو الله تعالى بذاته فوق خلقه، بعبارات مختلفة منها: 1- التصريح بأن الله تعالى في السماء، كقوله تعالى: (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) (الملك: 17) . وقوله صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: ((ربنا الله الذي في السماء)) إلى آخر الحديث، رواه أبو داود (¬1) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان ¬

(¬1) سبق تخريجه.

الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها)) . رواه مسلم (¬1) . 2- التصريح بفوقيته تعالى، كقوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) (الأنعام: من الآية18) (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم) (النحل: من الآية50) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي)) رواه البخاري (¬2) . 3- التصريح بصعود الأشياء إليه، ونزولها منه، والصعود لا يكون إلا إلى أعلى، والنزول لا يكون إلا من أعلى، كقوله تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر: الآية10) وقوله: (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) (المعارج: الآية4) وقوله: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْه) (السجدة: الآية5) وقوله تعالى في القرآن الكريم: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 42) والقرآن كلام الله تعالى، كما قال سبحانه: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) (التوبة: الآية6) وإذا كان القرآن الكريم كلامه وهو تنزيل منه دل ذلك على علوه بذاته تعالى. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني)) . إلى آخر الحديث، وهو ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين (3237) ، ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم امتناعها عن فراش زوجها (1436) واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) (3194) ، ومسلم، كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (2751) .

صحيح ثابت في الصحيحين وغيرهما (¬1) . وفي حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، علمه ما يقول إذا آوى إلى فراشه، ومنه: ((آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت)) . وهو في صحيح البخاري وغيره (¬2) . 4- التصريح بوصفه تعالى بالعلو، كما في قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى: 1) وقوله: (وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة: الآية255) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سبحان ربي الأعلى)) (¬3) . 5- إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء حين يشهد الله تعالى في موقف عرفة ذلك الموقف العظيم، الذي شهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، أكبر جمع من أمته، حين قال لهم: ((ألا هل بلغت)) ؟ قالوا: نعم. فقال: "اللهم اشهد". يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس. وذلك ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر (¬4) ، وهو ظاهر في أن الله تعالى في السماء وإلا لكان رفعه إياها عبثاً. 6- سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية حين قال لها: ((أين الله)) ؟ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل (1145) ، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل (758) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا نام (6313) ، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع (2710) . (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (871) ، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود (262) ، والنسائي، كتاب الصلاة، باب تعوذ القارئ ... (1007) . (¬4) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218) .

قالت: في السماء، قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) . رواه مسلم (¬1) من حديث طويل عن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- وهو صريح في إثبات العلو الذاتي لله تعالى، لأن ((أين)) إنما يستفهم بها عن المكان وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة حين سألها أين الله؟ فأقرها على أنه تعالى في السماء، وبين أن هذا مقتضى الإيمان حين قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) . فلا يؤمن العبد حتى يقر ويعتقد أن الله تعالى في السماء، فهذه أنواع الأدلة السمعية الخبرية من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تدل على علو الله تعالى بذاته فوق خلقه، أما أفراد الأدلة فكثيرة لا يمكن حصرها في هذا الموضع، وقد أجمع السلف الصالح 0رضوان الله عليهم- على القول بمقتضى هذه النصوص، وأثبتوا لله تعالى العلو الذاتي، وهو أنه سبحانه عال بذاته فوق خلقه، كما أنهم مجمعون على إثبات العلو المعنوي له وعلو الصفات، قال الله تعالى: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم: الآية27) وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (لأعراف: الآية180) قال تعالى: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل: الآية74) وقال: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: الآية22) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كماله في ذاته وصفاته وأفعاله. وكما أن علو الله تعالى الذاتي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف، فقد دل عليه العقل، والفطرة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة (537) .

أما دلالة العقل: فيقال لا ريب أن العلو صفة كمال، وأن ضده نقص، والله تعالى قد ثبت له صفات الكمال فوجب ثبوت العلو له تعالى، ولا يلزم على إثباته له شيء من النقص، فإنا نقول إن علوه تعالى ليس متضمناً لكون شيء من مخلوقاته محيطاً به، ومن ظن أن إثبات العلو لم يستلزم ذلك فقد وهم في ظنه، وضل في عقله. وأما دلالة الفطرة على علو الله تعالى بذاته: فإن كل داع لله تعالى دعاء عبادة، أو دعاء مسألة لا يتجه قلبه حين دعائه إلا إلى السماء، ولذلك تجده يرفع يديه إلى السماء بمقتضى فطرته، كما قال ذلك الهمداني لأبي المعالي الجويني: ((ما قال عارف قط يا رب إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو)) . فجعل الجويني يلطم على رأسه ويقول: ((حيرني الهمداني، حيرني الهمداني)) . هكذا نقل عنه، سواء صحت عنه أم لم تصح، فإن كل أحد يدرك ذلك، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، إلى آخر الحديث (¬1) ثم إنك تجد الرجل يصلي وقلبه نحو السماء لا سيما حين يسجد. ويقول: ((سبحان ربي الأعلى)) (¬2) . لأنه يعلم أن معبوده في السماء سبحنه وتعالى. وأما قولهم: ((إن الله -تعالى- عن الجهات الست خالٍ)) ، فهذا القول على عمومه باطل، لأنه يقتضي إبطال ما أثبته الله تعالى ¬

(¬1) تقدم تخريجه. (¬2) تقدم تخريجه.

لنفسه، وأثبته له أعلم خلقه به، وأشدهم تعظيماً له، وهو رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من أنه سبحانه في السماء التي هي في جهة العلو، بل إن ذلك يقتضي وصف الله تعالى بالعدم، لأن الجهات الست هي الفوق، والتحت، واليمين، والشمال، والخلف، والأمام، وما من شيء موجود إلا تتعلق به نسبة إحدى هذه الجهات، وهذا أمر معلوم ببداهة العقول، فإذا نفيت هذه الجهات عن الله تعالى لزم أن يكون معدوماً، والذهن وإن كان قد يفرض موجوداً خالياً من تعلق هذه النسب به لكن هذا شيء يفرضه الذهن، ولا يوجد في الخارج، ونحن نؤمن ونرى لزاماً على كل مؤمن بالله أن يؤمن بعلوه تعالى فوق خلقه، كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة، كما قررناه من قبل. ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى محيط بكل شيء، وأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته، وأنه سبحانه غني عن خلقه فلا يحتاج لشيء من مخلوقاته. ونحن نرى أيضاً أنه لا يجوز لمؤمن أن يخرج عما يدل عليه الكتاب والسنة، لقول أحد من الناس كائناً من كان، كما أسلفنا الأدلة على ذلك. في أول جوابنا هذا. وأما قولهم: ((إن الله تعالى في قلب المؤمن)) . فهذا لا دليل عليه من كتاب الله تعالى، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا كلام أحد من السلف الصالح فيما نعمل، وهو أيضاً على إطلاقه باطل فإنه إن أريد به أن الله تعالى حالٌ في قلب العبد فهو باطل قطعاً، فإن الله تعالى أعظم وأجل من ذلك، ومن العجائب -والعجائب جمة- أن ينفر شخص مما دل عليه الكتاب والسنة من كون الله تعالى في السماء، ثم

س33: هل تفسير استواء الله -عز وجل- على عرشه بأنه علوه - تعالى- على عرشه على ما يليق بجلاله هو تفسير السلف الصالح؟

يطمئن بما لم يدل عليه الكتاب والسنة من زعمه أن الله تعالى في قلب المؤمن، إذ ليس في الكتاب والسنة حرف واحد يدل على ذلك. وإن أريد بكون الله تعالى في قلب العبد المؤمن أنه دائماً يذكر ربه في قلبه، فهذا حق، ولكن يجب أن يعبر عنه بعبارة تدل على حقيقته وينتفي عنها المدلول الباطل، فيقال مثلاً: إن ذكر الله تعالى دائماً في قلب العبد المؤمن. ولكن الذي يظهر من كلام من يتكلم بها أنه يريد أن يستبدلها عن كون الله تعالى في السماء، وهي بهذا المعنى باطلة كما سبق. فليحذر المؤمن من إنكار ما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه السلف إلى عبارات مجملة غامضة تحتمل من المعاني الحق والباطل، وليلتزم سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، حتى يدخل في قول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 100) . جعلنا الله وإياكم منهم، ووهب لنا جميعاً منه رحمة، إنه هو الوهاب. *** س33: هل تفسير استواء الله -عز وجل- على عرشه بأنه علوه - تعالى- على عرشه على ما يليق بجلاله هو تفسير السلف الصالح؟ الجواب: تفسير استواء الله -تعالى- على عرشه بأنه علوه

-تعالى- على عرشه على ما يليق بجلاله هو تفسير السلف الصالح. قال ابن جرير إمام المفسرين في تفسيره ((من معاني الاستواء: العلو والارتفاع كقول القائل: (استوى فلان على سريره يعني علوه عليه)) . وقال في تفسير قوله -تعالى- (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه: 5) . ((يقول جل ذكره: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا)) . أ. هـ. ولم ينقل عن السلف ما يخالفه. ووجهه: أن الاستواء في اللغة يستعمل على وجوه: الأول: أن يكون مطلقاً غير مقيد فيكون معناه الكمال كقوله -تعالى-:) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) (القصص: من الآية14) . الثاني: أن يكون مقروناً بالواو فيكون بمعنى التساوي كقولهم: استوى الماء والعتبة. الثالث: أن يكون مقروناً بإلى فيكون بمعنى القصد كقوله -تعالى-: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) (البقرة: 29) . الرابع: أن يكون مقروناً بعلى فيكون بمعنى العلو والارتفاع كقوله -تعالى-: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . وذهب بعض السلف إلى أن الاستواء المقرون بإلى كالمقرون بعلى فيكون معناه الارتفاع والعلو. كما ذهب بعضهم إلى أن الاستواء المقرون بعلى بمعنى الصعود والاستقرار إذا كان مقروناً بعلى. وأما تفسيره بالجلوس فقد نقل ابن القيم في الصواعق 4/1303 عن خارجة بن مصعب في قوله -تعالى-: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) قوله: ((وهل يكون الاستواء إلا الجلوس)) . أ. هـ.

س34: فضيلة الشيخ: قلتم -حفظكم الله- في استواء الله على عرشه"إنه علو خاص على العرش يليق بجلال الله -تعالى- وعظمته" فنأمل التكرم من فضيلتكم بإيضاح ذلك؟

وقد ورد ذكر الجلوس في حديث أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً. والله أعلم. *** س34: فضيلة الشيخ: قلتم -حفظكم الله- في استواء الله على عرشه"إنه علو خاص على العرش يليق بجلال الله -تعالى- وعظمته" فنأمل التكرم من فضيلتكم بإيضاح ذلك؟ الجواب بقوله: قولنا في استواء الله -تعالى- على عرشه ((إنه علو خاص على العرش يليق بجلال الله -تعالى- وعظمته)) نريد به أنه علو يختص به العرش، وليس هو العلو العام الشامل لجميع المخلوقات، ولهذا لا يصح أن نقول استوى على المخلوقات، أو على السماء، أو على الأرض مع أنه عال على ذلك، وإنما نقول هو عال على جميع المخلوقات عال على السماء، عال على الأرض ونحو ذلك، وأما العرش فنقول: إن الله -تعالى- عال على عرشه ومستو على عرشه، فالاستواء أخص من مطلق العلو. ولهذا كان استواء الله -تعالى- على عرشه من صفاته الفعلية المتعلقة بمشيئته، بخلاف علوه فإنه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها. وقد صرح بمثل ما قلنا شيخ الإسلام ابن تيمية 0رحمه الله تعالى- في شرح حديث النزول ص522 ج5 مجموع الفتاوى جمع ابن قاسم: ((فإن قيل: فإذا كان إنما استوى على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيام فقبل ذلك لم يكن على العرش، قيل الاستواء علو خاص فكل مستو على شيء عال عليه، وليس كل عال على شيء مستوياً عليه، ولهذا لا يقال لكل ما كان عالياً على

س35: ما الأمور التي يجب تعليقها بالمشيئة والأمور التي لا ينبغي تعليقها بالمشيئة؟

غيره إنه مستو عليه واستوى عليه، ولكن كل ما قيل فيه استوى على غيره فإنه عال عليه)) . أ. هـ. المقصود منه وتمامه فيه. وأما قولنا: ((يليق بجلاله وعظمته)) فالمراد به أن استواءه على عرشه كسائر صفاته يليق بجلاله وعظمته، ولا يماثل استواء المخلوقين، فهو عائد إلى الكيفية التي عليها هذا الاستواء، لأن الصفات تابعة للموصوف، فكما أن لله -تعالى- ذاتاً لا تماثل الذوات، فإن صفاته لا تماثل الصفات (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: من الآية11) ليس كمثله شيء في ذاته ولا صفاته. ولهذا قال الإمام مالك -رحمه الله- في الاستواء حين سئل كيف استوى؟ قال: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)) . وهذا ميزان لجميع الصفات فإنها ثابته لله -تعالى- كما أثبتها لنفسه على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. وبهذا تبين فائدة القول بأن الاستواء على العرش علو خاص على العرش مختص به، لأن العلو العام ثابت لله -عز وجل- قبل خلق السماوات والأرض، وحين خلقهما، وبعد خلقهما، لأنه من صفاته الذاتية اللازمة كالسمع، والبصر، والقدرة، والقوة ونحو ذلك بخلاف الاستواء. *** س35: ما الأمور التي يجب تعليقها بالمشيئة والأمور التي لا ينبغي تعليقها بالمشيئة؟ الجواب: كل شيء مستقبل فإن الأفضل أن تعلقه بالمشيئة

س36: ما أقسام الإرادة؟

لقول الله -تعالى-: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً) (الكهف: 23) (إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (الكهف الآيتان: 23، 24) أما الشيء الماضي فلا يعلق بالمشيئة إلا إذا قصد بذلك التعليل. فمثلاً لو قال لك شخص دخل شهر رمضان هذا العام ليلة الأحد إن شاء الله. فلا يحتاج أن نقول إن شاء الله لأنه مضى وعلم. ولو قال لك قائل: لبست ثوبي إن شاء الله، وهو لابسه فلا يحسن أن يعلق بالمشيئة لأنه شيء مضى وانتهى، إلا إذا قصد التعليل أي قصد أن البس كان بمشيئة الله. فهذا لا بأس به. فلو قال قائل حين صلى صليت إن شاء الله إن قصد فعل الصلاة فإن الاستثناء هنا لا ينبغي، لأنه صلى، وإن قصد إن شاء الله الصلاة المقبولة فهنا يصح أن يقول إن شاء الله، لأنه لا يعلم أقبلت أم لم تقبل. *** س36: ما أقسام الإرادة؟ الجواب: الإرادة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: إرادة كونية. القسم الثاني: إرادة شرعية. فما كان بمعنى المشيئة فهو إرادة كونية، وما كان بمعنى المحبة فهو إرادة شرعية، مثال الإرداة الشرعية قوله -تعالى-: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) (النساء: من الآية27) لأنه (يريد) هنا بمعنى يحب ولا تكون بمعنى المشيئة لأنه لو كان المعنى: ((والله يشاء أن يتوب عليكم)) لتاب على جميع العباد وهذا

س37: ما الإلحاد في أسماء الله -تعالى- وأنواعه؟

أمر لم يكن فإن أكثر بني آدم من الكفار، إذن (يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) يعني يحب أن يتوب عليكم، ولا يلزم من محبة الله للشيء أن يقع لأن الحكمة الإلهية البالغة قد تقتضي عدم وقوعه. ومثال الإرادة الكونية قوله -تعالى-: (إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) (هود: من الآية34) لأن الله لا يحب أن يغوي العباد، إذن لا يصح أن يكون المعنى إن كان يحب أن يغويكم، بل المعنى إن كان الله يشاء أن يغويكم. ولكن بقي لنا أن نقول: ما الفرق بين الإرادة الكونية والشرعية من حيث وقوع المراد؟ فنقول: الكونية لا بد فيها من وقوع المراد إذا أراد الله شيئاً كوناً فلا بد أن يقع (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّس: 82) . أما الإرادة الشرعية فقد يقع المراد وقد لا يقع، قد يريد الله -عز وجل- هذا الشيء شرعاً ويحبه، ولكن لا يقع لأن المحبوب قد يقع وقد لا يقع. فإذا قال قائل: هل الله يريد المعاصي؟ فنقول: يريدها كوناً لا شرعاً، لأن الإرادة الشرعية بمعنى المحبة، والله لا يحب المعاصي، ولكن يريدها كوناً أي مشيئة، فكل ما في السموات والأرض فهو بمشيئة الله. *** س37: ما الإلحاد في أسماء الله -تعالى- وأنواعه؟ الجواب: الإلحاد في اللغة: هو الميل، ومنه قوله الله

-تعالى-:) لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (النحل: من الآية103) ومنه اللحد في القبر فإنه سمي لحداً لميله إلى جانب منه، ولا يعرف الإلحاد إلا بمعرفة الاستقامة، لأنه كما قيل: بضدها تتبين الأشياء فالاستقامة في باب أسماء الله وصفاته أن نجري هذه الأسماء والصفات على حقيقتها اللائقة بالله -عز وجل- من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، على القاعدة التي يمشي عليها أهل السنة والجماعة في هذا الباب، إذا عرفنا الاستقامة في هذا الباب فإن خلاف الاستقامة هو الإلحاد، وقد ذكر أهل العلم للإلحاد في أسماء الله -تعالى- أنواعاً يجمعها أن نقول: هو الميل بها عما يجب اعتقاده فيها. وهو على أنواع: النوع الأول: إنكار شيء من الأسماء، أو ما دلت عليه من الصفات، ومثاله: من ينكر أن اسم الرحمن من أسماء الله -تعالى- كما فعل أهل الجاهلية، أو يثبت الأسماء، ولكن ينكر ما تضمنته من الصفات كما يقول بعض المبتدعة: أن الله -تعالى- رحيم بلا رحمة، وسميع بلا سمع. النوع الثاني: أن يسمى الله -سبحانه وتعالى- بما لم يسم به نفسه. ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله -سبحانه وتعالى- توقيفية، فلا يحل لأحد أن يسمي الله -تعالى- باسم لم يسم به نفسه، لأن هذا من القول على الله بلا علم، ومن العدوان في حق الله -عز وجل- وذلك كما صنع الفلاسفة فسموا الإله بالعلة الفاعلة، وكما صنع

النصارى فسموا الله -تعالى- باسم الأب ونحو ذلك. النوع الثالث: أن يعتقد أن هذه الأسماء دالة على أوصاف المخلوقين، فيجعلها دالة على التمثيل. ووجه كونه إلحاداً: أن من اعتقد أن أسماء الله -سبحانه وتعالى- دالة على تمثيل الله بخلقه فقد أخرجها عن مدلولها ومال بها عن الاستقامة، وجعل كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، دالاً على الكفر، لأن تمثيل الله بخلقه كفر لكونه تكذيباً لقوله -تعالى-: (لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: من الآية11) ولقوله: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم: من الآية65) قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري -رحمهما الله-: ((من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه تشبيه)) . النوع الرابع: أن يشتق من أسماء الله -تعالى أسماء، للأصنام، كاشتقاق اللات من الإله والعز من من العزيز، ومنان من المنان، ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله تعالي - خاصة به، فلا يجوز أن تنقل المعاني الدالة عليها هذه الأسماء إلى أحد من المخلوقين ليعطى من العبادة ما لا يستحقه إلا الله -عز وجل-. هذه أنواع الإلحاد في أسماء الله -تعالى-. ***

س38: ما أقسام ما أضافه الله إلى نفسه مثل وجه الله، ويد الله ونحو ذلك؟

س38: ما أقسام ما أضافه الله إلى نفسه مثل وجه الله، ويد الله ونحو ذلك؟ الجواب: أقسام ما أضافه الله إلى نفسه ثلاثة: القسم الأول: العين القائمة بنفسها، فإضافتها من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، وهذه الإضافة قد تكون على سبيل العموم كقوله -تعالى-: (إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ) (العنكبوت: من الآية56) . وقد تكون على سبيل الخصوص لشرفيته كقوله -تعالى-: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج: من الآية26) وقوله: (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) . (الشمس: من الآية13) وهذا القسم مخلوق. القسم الثاني: العين التي يقوم بها غيرها مثل قوله -تعالى: (وَرُوحٌ مِنْهُ) . (النساء: من الآية171) فإضافة هذه الروح إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى خالقه تشريفاً فهي روح من الأرواح التي خلقها الله، وليست جزءً من الله، إذ أن هذه الروح حلت في عيسى، عليه السلام، وهو عين منفصلة عن الله وهذا القسم مخلوق أيضاً. القسم الثالث: أن يكون وصفاً محضا يكون فيه المضاف صفة لله وهذا القسم غير مخلوق، لأن جميع صفات الله غير مخلوقة، ومثاله قدرة الله وعزة الله وهو في القرآن كثير. ***

س39: ما حكم إنكار شيء من أسماء الله -تعالى- أو صفاته؟

س39: ما حكم إنكار شيء من أسماء الله -تعالى- أو صفاته؟ الجواب: الإنكار نوعان: النوع الأول: إنكار تكذيب، وهذا كفر بلا شك، فلو أن أحداً أنكر اسماً من أسماء الله، أو صفة من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة، مثل أن يقول ليس لله يد، فهو كافر بإجماع المسلمين، لأنه تكذيب خبر الله ورسوله كفر مخرج عن الملة. النوع الثاني: إنكار تأويل، وهو أن لا يجحدها، ولكن يؤولها وهذا نوعان: الأول: أن يكون لهذا التأويل مسوغ في اللغة العربية فهذا لا يوجب الكفر. الثاني: أن لا يكون له مسوغ في اللغة العربية فهذا موجب للكفر، لأنه إذا لم يكن له مسوغ صار تكذيباً، مثل أن يقول ليس لله يد حقيقة، ولا بمعنى النعمة، أو القوة، فهذا كافر، لأنه نفاها نفياً مطلقاً فهو مكذب حقيقة، ولو قال في قوله -تعالى- (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) (المائدة: من الآية64) المراد بيديه السماوات والأرض فهو كافر، لأنه لا يصح في اللغة العربية، ولا هو مقتضى الحقيقة الشرعية فهو منكر مكذب. لكن إن قال المراد باليد النعمة أو القوة فلا يكفر، لأن اليد في اللغة تطلق بمعنى النعمة، قال الشاعر: وكم لظلام الليل عندك من يدٍ تحدث أن المانوية تكذب من "يد" أي: من نعمة، لأن المانوية يقولون: إن الظلمة لا تحدث الخير وإنما تحدث الشر. ***

س40: ما حكم من يعتقد أن صفات الخالق مثل صفات المخلوق؟

س40: ما حكم من يعتقد أن صفات الخالق مثل صفات المخلوق؟ الجواب: الذي يعتقد أن صفات الخالق مثل صفات المخلوق ضال، ذلك أن صفات الخالق لا تماثل صفات المخلوقين بنص القرآن الكريم قال الله -تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: من الآية11) ولا يلزم من تماثل الشيئين في الاسم أو الصفة أن يتماثلا في الحقيقية هذه قاعدة معلومة. أليس للآدمي وجه. وللبعير وجه؟ اتفقا في الاسم لكن لم يتفقا في الحقيقة. وللجمل يد، وللذرة يد، فهل اليدان متماثلتان؟ الجواب لا. إذا لماذا لا تقول لله -عز وجل- وجه ولا يماثل أوجه المخلوقين، ولله يد ولا تماثل أيدي المخلوقين؟! قال الله -تعالى-:) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر: من الآية67) وقال: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُب) (الأنبياء: من الآية104) هل هناك يد من أيدي المخلوقين تكون كهذه اليد؟ لا. إذن يجب أن نعلم أن الخالق لا يماثل المخلوق، لا في ذاته، ولا في صفاته (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: من الآية11) ولذلك لا يجوز أبداً أن تتخيل كيفية صفة من صفات الله، أو أن تظن أن صفات الله كمثل صفات المخلوقين. *** س41: من المعلوم أن الليل يدور على الكرة الأرضية والله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر

فمقتضى ذلك أن يكون كل الليل في السماء الدنيا فما الجواب عن ذلك؟ الجواب: الواجب علينا أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة أيضاً إلا أنه أخص من التكييف، لأنه تكييف مقيد بمماثلة، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه المحاذير الأربعة. ويجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ ((لم)) ؟ وكيف؟ فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه عن التفكير في الكيفية، وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيراً، وهذه حال السلف -رحمهم الله- ولهذا جاء رجل إلى مالك بن أنس -رحمه الله- قال: يا أبا عبد الله ((الرحمن على العرش استوى)) كيف استوى؟ فأطرق برأسه وعلته الرحضاء، وقال: ((غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً)) . وهذا الذي يقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين بقي ثلث الليل الآخر كل ليلة فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا، لأن الليل يدور على جميع الأرض، فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر. جوابنا عليه أن نقول: هذا سؤال لم يسأله الصحابة -رضوان الله عليهم- ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن المستسلم لبينه الله

س42: ما مذهب السلف في رؤية الله -عز وجل-؟ وما حكم من يزعم ((أن الله لا يرى بالعين وأن الرؤية عبارة عن كمال اليقين)) ؟

ورسوله صلى الله عليه وسلم، ونقول ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقياً فالنزول فيها محقق، ومتى انتهى الليل انتفى النزول، ونحن لا ندرك كيفية نزول الله، ولا نحيط به عليماً، ونعمل أنه -سبحانه- ليس كمثله شيء، وعلينا أن نستسلم وأن نقول سمعنا، وآمنا، واتبعنا، وأطعنا، هذه وظيفتنا. *** س42: ما مذهب السلف في رؤية الله -عز وجل-؟ وما حكم من يزعم ((أن الله لا يرى بالعين وأن الرؤية عبارة عن كمال اليقين)) ؟ الجواب: يقول الله -عز وجل- في القرآن الكريم حين ذكر القيامة: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) (القيامة: 22) (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة: 23) فأضاف النظر إلى الوجوه والذي يمكن به النظر في الوجوه العين، ففي الآية دليل على أن الله -سبحانه وتعالى- يرى بالعين، ولكن رؤيتنا لله -عز وجل- لا تقتضي الإحاطة به لأن الله -تعالى- يقول: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) . (طه: من الآية110) فإذا كنا لا يمكن أن نحيط بالله علماً -والإحاطة العلمية أوسع وأشمل من الإحاطة البصرية- دل ذلك على أنه لا يمكن أن نحيط به إحاطة بصرية ويدل لذلك قوله -تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار) (الأنعام: من الآية103) فالأبصار وإن رأته لا يمكن أن تدركه، فالله -عزل وجل-فالله يري بالعين رؤية حقيقة، ولكنه لا يدرك بهذه الرؤية؛ لأنه عز وجل أعظم من أن يحاط به، وهذا هو الذي ذهب إليه السلف ويرون أن أكمل نعيم ينعم به الإنسان أن ينظر إلى وجه الله -عز وجل- ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

س43: هل للجن تأثير على الإنس؟ وما طريق الوقاية منهم؟

((أسألك لذة النظر إلى وجهك)) (¬1) قال: ((لذة النظر)) ، لأن لهذا النظر لذة عظيمة لا يدركها إلا من أدركها بنعمة من الله وفضل منه، وأرجو الله -تعالى- أن يجعلني وإياكم منهم. هذه هي حقيقة الرؤية التي أجمع عليها السلف. أما من زعم أن الله لا يرى بالعين وأن الرؤية عبارة عن كمال اليقين، فإن قوله هذا باطل مخالف للأدلة ويكذبه الواقع، لأن كمال اليقين فإن قوله هذا باطل مخالف للأدلة ويكذبه الواقع، لأن كمال اليقين موجود في الدنيا أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم، في تفسير الإحسان: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه، فإنه يراك)) (¬2) . وعبادتك لله كأنك تراه هذا هو كمال اليقين، فدعوى أن النصوص الواردة في الرؤية تعني كمال اليقين، لأن المتيقن يقيناً كاملاً كالذي يشاهد بالعين دعوى باطلة وتحريف للنصوص، وليس بتأويل بل هو تحريف باطل يجب رده على من قال به، والله المستعان. *** س43: هل للجن تأثير على الإنس؟ وما طريق الوقاية منهم؟ الجواب: لا شك أن الجن لهم تأثير على الإنس بالأذية التي قد تصل إلى القتل، وربما يؤذونه برمي الحجارة، وربما يروعون الإنسان إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنة ودل عليها الواقع، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في إحدى الغزوات -وأظنها غزوة الخندق- وكان شاباً حديث عهد بعرس، فلما وصل إلى بيته وإذا امرأته على الباب فأنكر عليها ¬

(¬1) النسائي، كتاب السهو، باب 62ح (1304) . وأحمد (5/191) . (¬2) تقدم تخريجه.

ذلك، فقالت له: ادخل فدخل فإذا حية ملتوية على الفراش وكان معه رمح فوخزها بالرمح حتى ماتت وفي الحال -أي الزمن الذي ماتت فيه الحية- مات الرجل فلا يدري أيهما أسبق موتاً الحية أم الرجل، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فنهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفتين (¬1) . وهذا دليل على أن الجن قد يعتدون على الإنس وأنهم يؤذونهم كما أن الواقع شاهد بذلك فإنه قد تواترت الأخبار واستفاضت بأن الإنسان قد يأتي إلى الخربة فيرمى بالحجارة وهو لا يرى أحداً من الإنس في هذه الخربة، وقد يسمع أصواتاً وقد يسمع حفيفاً كحفيف الأشجار وما أشبه ذلك مما يستوحش به ويتأذى به، وكذلك أيضاً قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي، إما بعشق، أو لقصد الإيذاء، أو لسبب آخر من الأسباب ويشير إلى هذا قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ) (البقرة: من الآية275) وفي هذا النوع قد يتحدث الجني من باطن الإنسي نفسه ويخاطب من يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم، وربما يأخذ القارئ عليه عهداً ألا يعود إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار وانتشرت بين الناس، وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شر الجن أن يقرأ الإنسان ما جاءت به السنة مما يتحصن به منهم مثل آية الكرسي، فإن آية الكرسي إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح. والله الحافظ. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري، بدء الخلق، باب خير مال المسلم غنم يتبع به شعف الجبال (3311) .

س44: هل الجن يعلمون الغيب؟

س44: هل الجن يعلمون الغيب؟ الجواب: الجن لا يعلمون الغيب ولا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله واقرأ قوله -تعالى-: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) . (سبأ: 14) ومن ادعى علم الغيب فهو كافر. ومن صدق من يدعي علم الغيب فإنه كافراً أيضاً لقوله -تعالى-: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (النمل: من الآية65) فلا يعلم غيب السموات والأرض إلا الله وحده، وهؤلاء الذي يدعون أنهم يعلمون الغيب في المستقبل كل هذا من الكهانة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)) (¬1) فإن صدقه فإنه يكون كافراً لأنه إذا صدقه بعلم الغيب فقد كذب قوله -تعالى-: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) . *** س45: ما حكم وصف النبي صلى الله عليه وسلم، بحبيب الله؟ الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم، حبيب الله لا شك فهو حاب لله ومحبوب لله، ولكن هناك وصف أعلى من ذلك وهو خليل الله، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- خليل الله كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً)) (¬2) ولهذا من وصفه بالمحبة فقط فإنه نزله عن مرتبته، فالخلة أعظم من المحبة وأعلى، فكل المؤمنين ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الإسلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان (2203) . (¬2) أخرجه ابن ماجه في المقدمة (141) .

س46: ما حكم جعل مدح النبي صلى الله عليه وسلم تجارة؟

أحباء لله، ولكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في مقام أعلى من ذلك وهي الخلة فقد اتخذه الله خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، لذلك نقول إن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، خليل الله، وهذا أعلى من قولنا حبيب الله لأنه متضمن للمحبة، وزيادة لأنه غاية المحبة. *** س46: ما حكم جعل مدح النبي صلى الله عليه وسلم تجارة؟ الجواب: حكم هذا محرم، ويجب أن يعلم بأن المديح للنبي صلى الله عليه وسلم، ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون مدحاً فيما يستحقه صلى الله عليه وسلم، بدون أن يصل إلى درجة الغلو فهذا لا بأس به، أي لا بأس أن يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما هو أهله من الأوصاف الحميدة الكاملة في خلقه وهديه صلى الله عليه وسلم. والقسم الثاني: من مديح الرسول صلى الله عليه وسلم، قسم يخرج بالمادح إلى الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله)) (¬1) فمن مدح النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه غياث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وأنه مالك الدنيا والآخرة، وأنه يعلم الغيب وما شابه ذلك من ألفاظ المديح فإن هذا القسم محرم، بل قد يصل إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة، فلا يجوز أن يمدح الرسول -عليه الصلاة والسلام- بما يصل إلى درجة الغلو لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب وقله الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم) (3445) .

س47: من يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم، نور من نور الله وليس ببشر وأنه يعلم الغيب ثم هو يستغيث به صلى الله عليه وسلم، معتقدا أنه يملك النفع والضر، فما حكم ذلك؟ وهل تجوز الصلاة خلف هذا الرجل أو من كان على شاكلته؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا؟

ثم نرجع إلى اتخاذ المديح الجائز حرفة يكتسب بها الإنسان فنقول أيضاً إن هذا حرام ولا يجوز، لأن مدح الرسول -عليه الصلاة والسلام- بما يستحق وبما هو أهل له صلى الله عليه وسلم، من مكارم الأخلاق والصفات الحميدة، والهدي المستقيم مدحه بذلك من العبادة التي يتقرب بها إلى الله -تعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (15)) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود: 15، 16) والله الهادي إلى سواء الصراط. *** س47: من يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم، نورٌ من نور الله وليس ببشر وأنه يعلم الغيب ثم هو يستغيث به صلى الله عليه وسلم، معتقداً أنه يملك النفع والضر، فما حكم ذلك؟ وهل تجوز الصلاة خلف هذا الرجل أو من كان على شاكلته؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ الجواب: من اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم، نور من الله وليس ببشر، وأنه يعلم الغيب فهو كافر بالله ورسوله، وهو من أعداء الله ورسوله، وليس من أولياء الله ورسوله، لأن قوله هذا تكذيب لله ورسوله، ومن كذب الله ورسوله فهو كافر، والدليل على أن قوله هذا تكذيب لله ورسوله قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (الكهف: من الآية110) وقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (النمل: من الآية65) وقوله تعالى: (قُلْ لا أَقُولُ

لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (الأنعام: من الآية50) وقوله تعالى: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (لأعراف: 118) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني)) (¬1) . ومن استغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم، معتقداً أنه يملك النفع والضر فهو كافر مكذب لله تعالى مشرك به لقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60) وقوله تعالى: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (21) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) . (الجن: 22) وقوله صلى الله عليه وسلم، لأقاربه: ((لا أغني عنكم من الله شيئاً)) (¬2) كما قال ذلك لفاطمة وصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا تجوز الصلاة خلف هذا الرجل ومن كان على شاكلته، ولا تصح الصلاة خلفه، ولا يحل أن يجعل إماماً للمسلمين. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة (1401) ، وأخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له (572) . (¬2) أخرجه البخاري في الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب (2753) معلقاً ومسلم في الإيمان باب قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (351) .

س48: هل أحاديث خروج المهدي صحيحة أم لا؟

س48: هل أحاديث خروج المهدي صحيحة أم لا؟ الجواب: أحاديث المهدي تنقسم إلى أربعة أقسام: القسم الأول: أحاديث مكذوبة. القسم الثاني: أحاديث ضعيفة. القسم الثالث: أحاديث حسنة لكنها بمجموعها تصل إلى درجة الصحة، على أنها صحيح لغيره. وقال بعض العلماء إن فيها ما هو صحيح لذاته وهذا هو القسم الرابع. ولكنه ليس المهدي المزعوم الذي يقال إنه في سرداب في العراق، فإن هذا لا أصل له، وهو خرافة ولا حقيقة له، ولكن المهدي الذي جاءت الأحاديث بإثباته رجل كغيره من بني آدم يخلق ويولد في وقته، ويخرج إلى الناس في وقته، فهذه هي قصة المهدي، وإنكاره مطلقاً خطأ، وإثباته مطلقاً خطأ، لأن إثباته عل وجه يشمل المهدي المنتظر الذي يقال إنه في السرداب هذا خطأ، لأن اعتقاد هذا المهدي المختفي خلل في العقل، وضلال في الشرع وليس له أصل، وإثبات المهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وتكاثرت فيه الأحاديث والذي سيولد في وقته ويخرج في وقته هذا حق. *** س49: من هم يأجوج ومأجوج؟ الجواب: يأجوج ومأجوج أمتان من بني آدم موجودتان، قال الله -تعالى في قصة ذي القرنين: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) (93) (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

س50: لماذا حذر الأنبياء أقوامهم من الدجال مع أنه لا يخرج إلا في آخر الزمان؟

مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً) (94) (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) (95) (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) (96) (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً) (97) (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً) (الكهف الآيات: 93-98) . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله يوم القيامة يا آدم قم فابعث بعث النار من ذريتك)) إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبشروا فإن منكم واحداً، ومن يأجوج ومأجوج ألفاً)) (¬1) وخروجهم الذي هو من أشراط الساعة وجدت بوادره في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً فزعاً محمراً وجهه يقول: ((لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من رجم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها)) (¬2) . *** س50: لماذا حذر الأنبياء أقوامهم من الدجال مع أنه لا يخرج إلا في آخر الزمان؟ الجواب: أعظم فتنة على وجه الأرض منذ خلق آدم إلى قيام ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج (3348) . وأخرجه مسلم في الإيمان باب قوله "يقول الله تعالى لآدم أخرج ... " (222) (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب قوله النبي صلى الله عليه وسلم: "ويل للعرب ... " (7095) ، ومسلم في الفتن باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج (2880) .

س51: ما حكم من أنكر حياة الآخرة وزعم أن ذلك من خرافات القرون الوسطى؟ وكيف يمكن إقناع هؤلاء المنكرين؟

الساعة هي فتنة الدجال كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا ما من نبي من نوح إلى محمد - صلوات الله عليهم وسلامه- إلا أنذر قومه به (¬1) تنويهاً بشأنه، وتعظيماً له، وتحذيراً منه، وإلا فإن الله يعلم أنه لن يخرج إلا في آخر الزمان ولكن أمر الرسل أن ينذروا قومهم إياه من أجل أن تتبين عظمته وفداحته، وقد صح ذلك عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: ((إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم -صلوات الله وسلامه عليه يعني أكفيكم إياه- وإلا فالمرء حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم)) (¬2) نعم الخليفة ربنا جلا وعلا-. فهذا الدجال شأنه عظيم بل هو أعظم فتنة كما جاء الحديث منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، فكان حرياً بأن يخص من بين فتن المحيا في التعوذ من فتنته في الصلاة ((أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)) . وأما الدجال فهو مأخوذ من الدجل وهو التمويه، لأن هذا مموه بل أعظم مموه، وأشد الناس دجلاً. *** س51: ما حكم من أنكر حياة الآخرة وزعم أن ذلك من خرافات القرون الوسطى؟ وكيف يمكن إقناع هؤلاء المنكرين؟ الجواب: من أنكر حياة الآخرة، وزعم أن ذلك من خرافات ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال (7127) . (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الفتن، باب ذكر الدحال وصفته وما معه (2937) .

القرون الوسطى فهو كافر، لقول الله -تعالى-: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (29) (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (سورة الأنعام، الآيات 29-30) وقال -تعالى-: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (10) (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) (11) (وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) (12)) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (13) (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين: 14) (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (15) (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ) (16) (ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (المطففين: الآيات 11-17) وقال -تعالى-: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) (الفرقان: 11) وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (العنكبوت: 23) وأما إقناع هؤلاء المنكرين فيما يأتي: أولاً: أن أمر البعث تواتر به النقل عن الأنبياء والمرسلين في الكتب الإلهية، والشرائع السماوية، وتلقته أممهم بالقبول، فكيف تنكرونه وأنتم تصدقون بما ينقل إليكم عن فيلسوف، أو صاحب مبدأ أو فكرة، وإن لم يبلغ ما بلغه الخبر عن البعث لا في وسيلة النقل، ولا في شهادة الواقع؟! ثانياً: أن أمر البعث قد شهد العقل بإمكانه، وذلك من وجوه: 1- كل أحد لا ينكر أن يكون مخلوقاً بعد العدم، وأنه حادث بعد أن لم يكن، فالذي خلقه وأحدثه بعد أن لم يكن، قادر على إعادته بالأولى، كما قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ

يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه) (الروم: من الآية27) وقال -تعالى-: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء: من الآية104) 2- كل أحد لا ينكر عظمة خلق السماوات والأرض لكبرهما وبديع صنعتهما، فالذي خلقهما قادر على خلق الناس وإعادتهم بالأولى، قال الله -تعالى-: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (غافر: من الآية57) وقال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الاحقاف: 33) وقال -تعالى-: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (يّس: 81) (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّس: 82) 3- كل ذي بصر يشاهد الأرض مجدبة ميتة النبات، فإذا نزل المطر عليها أخصبت وحيي نباتها بعد الموت، والقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وبعثهم، قال الله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فصلت: 39) . ثالثاً: أن أمر البعث قد شهد الحس والواقع بإمكانه فيما أخبرنا الله -تعالى- به من وقائع إحياء الموتى، وقد ذكر الله -تعالى- من ذلك في سورة البقرة خمس حوادث منها قوله: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ

مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 259) رابعاً: أن الحكمة تقتضي البعث بعد الموت لتجازى كل نفس بما كسبت، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً لا قيمة له، ولا حكمة منه، ولم يكن بين الإنسان وبين البهائم فرق في هذه الحياة. قال الله -تعالى-: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون: 115) (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون: 116) وقال الله -تعالى-: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) (طه: 15) وقال -تعالى-: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (38) (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ) (النحل: 39)) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل: 38، 40) وقال -تعالى-: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (التغابن: 7) فإذا بينت هذه البراهين لمنكري البعث وأصروا على إنكارهم، فهم مكابرون معاندون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ***

س52: هل عذاب القبر ثابت؟

س52: هل عذاب القبر ثابت؟ الجواب: عذاب القبر ثابت بصريح السنة وظاهر القرآن وإجماع المسلمين هذه ثلاثة أدلة. أما صريح السنة فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((تعوذوا بالله من عذب القبر، تعوذوا بالله من عذاب القبر، تعوذوا بالله من عذاب القبر)) (¬1) . وأما إجماع المسلمين، فلأن جميع المسلمين يقولون في صلاتهم: ((أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر)) حتى العامة الذين ليسوا من أهل الإجماع ولا من العلماء. وأما ظاهر القرآن فمثل قوله -تعالى- في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر: 46) لا شك أن عرضهم على النار ليس من أجل أن يتفرجوا عليها، بل من أجل أن يصيبهم من عذابها، وقال -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) الله أكبر إنهم لشحيحون بأنفسهم ما يريدون أن تخرج. وقال تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام: من الآية93) فقال (اليوم) و ((ال)) هنا للعهد الحضوري اليوم يعني اليوم الحاضر الذي هو يوم وفاتهم (تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) . ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة (2867) .

س53: إذا لم يدفن الميت فأكلته السباع أو ذرته الرياح فهل يعذب عذاب القبر؟

إذن فعذاب القبر ثابت بصريح السنة، وظاهر القرآن، وإجماع المسلمين، وهذا الظاهر من القرآن يكاد يكون كالصريح لأن الآيتين اللتين ذكرناهما كالصريح في ذلك. *** س53: إذا لم يدفن الميت فأكلته السباع أو ذرته الرياح فهل يعذب عذاب القبر؟ الجواب: نعم ويكون العذاب على الروح، لأن الجسد قد زال وتلف وفني، وإن كان هذا أمراً غيبياً لا أستطيع أن أجزم بأن البدن لا يناله من هذا العذاب ولو كان قد فني واحترق، لأن الأمر الأخروي لا يستطيع الإنسان أن يقيسه على المشاهد في الدنيا. *** س54: كيف نجيب من ينكر عذاب القبر ويحتج بأنه لو كشف القبر لوجد لم يتغير ويم يضق ولم يتسع؟ الجواب: يجاب من أنكر عذاب القبر بحجة أنه لو كشف القبر لوجد أنه لم يتغير بعدة أجوبة منها: أولاً: أن عذاب القبر ثابت بالشرع، قال الله تعالى في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر: 46) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فلولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع ثم أقبل بوجه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا:

س55: هل يخفف عذاب القبر عن المؤمن العاصي؟

نعوذ بالله من عذاب القبر)) (¬1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المؤمن ((يفسح له في قبره مد بصره)) (¬2) إلى غير ذلك من النصوص فلا يجوز معارضة هذه النصوص بوهم من القول، بل الواجب التصديق والإذعان. ثانياً: أن عذاب القبر على الروح في الأصل، وليس أمراً محسوساً على البدن، فلو كان أمراً محسوساً على البدن لم يكن من الإيمان بالغيب، ولم يكن للإيمان به فائدة، لكنه من أمور الغيب، وأحوال البرزخ لا تقاس بأحوال الدنيا. ثالثاً: أن العذاب والنعيم وسعة القبر وضيقه، إنما يدركه الميت دون غيره، والإنسان قد يرى في المنام وهو نائم على فراشه أنه قائم وذاهب وراجع، وضارب ومضروب، ويرى أنه في مكان ضيق موحش، أو في مكان واسع بهيج، والذي حوله لا يرى ذلك ولا يشعر به. والواجب على الإنسان في مثل هذه الأمور أن يقول سمعنا وأطعنا، وآمنا وصدقنا. *** س55: هل يخفف عذاب القبر عن المؤمن العاصي؟ فأجاب قائلاً: نعم قد يخفف لأن النبي صلى الله عليه وسلم، مر بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ)) أو قال: ((لا يستتر من البول، وأما الآخر ¬

(¬1) تقدم تخريجه. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر (1374) ، ومسلم، كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة (2870) .

فكان يمشي بالنميمة)) ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة وقال: ((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)) (¬1) وهذا دليل على أنه قد يخفف العذاب، ولكن ما مناسبة هاتين الجريدتين لتخفيف العذاب عن هذين المعذبين؟ 1- قيل: لأنهما أي الجريدتين تسبحان ما لم تيبسا، والتسبيح يخفف من العذاب على الميت، وقد فرعوا على هذا العلة المستنبطة -التي قد تكون مستبعدة- أنه يسن للإنسان أن يذهب إلى القبور ويسبح عنها من أجل أن يخفف عنها. 2- وقال بعض العلماء: هذا التعليل ضعيف لأن الجريدتين تسبحان سواء كانتا رطبتين أم يابستين لقوله -تعالى-: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء: من الآية44) وقد سمع تسبيح الحصى بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أن الحصى يابس، إذن ما العلة؟ العلة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، ترجى من الله -عز وجل- أن يخفف عنهما العذاب ما دامت هاتان الجريدتان رطبتين، يعني أن المدة ليست طويلة، وذلك من أجل التحذير عن فعلهما، لأن فعلهما كبير كما جاء في الرواية ((بلى إنه كبير)) أحدهما لا يستبرئ من البول، وإذا لم يستبرئ من البول صلى بغير طهارة، والآخر يمشي بالنميمة يفسد بين عباد الله -والعياذ بالله- ويلقي بينهم العداوة، والبغضاء، فالأمر كبير، وهذا هو الأقرب أنها شفاعة مؤقتة تحذيراً ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز باب عذاب القبر من الغيبة والبول (1378) ، ومسلم كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه (292)

س56: ما هي الشفاعة؟ وما أقسامها؟

للأمة لا بخلاً من الرسول صلى الله عليه وسلم بالشفاعة الدائمة. ونقول استطراداً: إن بعض العلماء -عفا الله عنهم- قالوا: يسن أن يضع الإنسان جريدة رطبة، أو شجرة، أو نحوها على القبر ليخفف عنه، لكن هذا الاستنباط بعيد جداً ولا يجوز أن نصنع ذلك لأمور: أولاً: أننا لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم. ثانياً: أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الميت، لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب، وما يدرينا فلعله ينعم، ولعل هذا الميت ممن من الله عليه بالمغفرة قبل موته لوجود سبب من أسباب المغفرة الكثيرة فمات وقد عفا رب العبادة عنه، وحينئذ لا يستحق عذاباً. ثالثاً: أن هذا الاستنباط مخالف لما كان عليه السلف الصالح الذين هم أعلم الناس بشريعة الله فما فعل هذا أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- فما بالنا نحن نفعله. رابعاً: أن الله -تعالى- قد فتح لنا ما هو خير منه فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (¬1) *** س56: ما هي الشفاعة؟ وما أقسامها؟ الجواب: الشفاعة: مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر، وهو جعل الوتر شفعاً مثل أن تجعل الواحد اثنين، والثلاثة أربعة، ¬

(¬1) رواه أبو داود، كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف (3221) .

وهكذا من حيث اللغة. أما في الاصطلاح: فهي ((التوسط للغير بجلب منفعة، أو دف مضرة)) يعني أن يكون الشافع بين المشفوع إليه، والمشفوع له واسطة لجلب منفعة إلى المشفوع له، أو يدفع عنه مضرة. والشفاعة نوعان: النوع الأول: شفاعة ثابتة صحيحة، وهي التي أثبتها الله -تعالى- في كتابه، أو أثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص، لأن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: ((من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)) (¬1) . وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة: الشرط الأول: رضى الله عن الشافع. الشرط الثاني: رضى الله عن المشفوع له. الشرط الثالث: إذن الله -تعالى- للشافع أن يشفع. وهذه الشروط مجملة في قوله -تعالى-: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) (النجم: 26) ومفصلة في قوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) . (البقرة: من الآية255) وقوله: (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طه: 109) وقوله: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) (الأنبياء: من الآية28) فلا بد من هذه الشروط الثلاثة حتى تتحقق الشفاعة. ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث (99) .

ثم إن الشفاعة الثابتة ذكر العلماء -رحمهم الله تعالى- أنها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: الشفاعة العامة، ومعنى العموم أن الله -سبحانه وتعالى- يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم، وهذه الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولغيره من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وهي أن يشفع في أهل النار من عصاة المؤمنين أن يخرجوا من النار. القسم الثاني: الشفاعة الخاصة: التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأعظمها الشافعة العظمى التي تكون يوم القيامة، حين يلحق الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله -عز وجل- أن يريحهم من هذا الموقف العظيم، فيذهبون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى وكلهم لا يشفع حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقوم ويشفع عند الله -عز وجل- أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم، فيجيب الله -تعالى- دعاءه، ويقبل شفاعته، وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله -تعالى- به في قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الإسراء: 79) . ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فتمحص قلوب بعضهم من بعض حتى يهذبوا وينقوا، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة، فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

س57: ما مصير أطفال المؤمنين، وأطفال المشركين الذين ماتوا صغارا؟

النوع الثاني: الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها، وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله -عز وجل- فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم كما قال الله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر: 48) وذلك لأن الله -تعالى- لا يرضى لهؤلاء المشركين شركهم، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم، لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله -عز وجل- والله لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد، فتعلق المشركين بآلهتهم يعبدونها ويقولون: (هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) (يونس: من الآية18) تعلق باطل غير نافع، بل هذا لا يزيدهم من الله -تعالى- إلا بعداً على أن المشركين يرجون شفاعة أصنامهم بوسيلة باطلة وهي عبادة هذه الأصنام، وهذا من سفههم أن يحاولوا التقرب إلى الله -تعالى- بما لا يزيدهم منه إلا بعداً. *** س57: ما مصير أطفال المؤمنين، وأطفال المشركين الذين ماتوا صغاراً؟ فأجاب فضيلته قائلاً: مصير أطفال المؤمنين الجنة، لأنهم تبع لآبائهم قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور: 21) . وأما أطفال غير المؤمنين يعين الطفل الذي نشأ من أبوين غير مسلمين فأصح الأقوال فيهم أن نقول: الله أعلم بما كانوا عاملين فهم في أحكام الدنيا بمنزلة آبائهم، أما في أحكام الآخرة فإن الله

س58: ذكر للرجال الحور العين في الجنة فما النساء؟

-تعالى- أعلم بما كانوا عاملين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (¬1) ، والله أعلم بمصيرهم هذا ما نقوله، وهو في الحقيقة أمر لا يعنينا كثيراً، إنما الذي يعنينا هو حكمهم في الدنيا، وأحكامهم في الدنيا -أعني أولاد المشركين- أحكامهم في الدنيا أنهم كالمشركين لا يغسلون، ولا يكفنون، ولا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين. والله أعلم. *** س58: ذكر للرجال الحور العين في الجنة فما النساء؟ الجواب: يقول الله -تبارك وتعالى- في نعيم أهل الجنة: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) (فصلت: من الآية31) (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (فصلت: 32) ويقول -تعالى-: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (الزخرف: من الآية71) . ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس فهو حاصل في الجنة لأهل الجنة ذكوراً كانوا أم إناثاً، فالمرأة يزوجها الله -تبارك وتعالى- في الجنة بزوجها الذي كان زوجاً لها في الدنيا كما قال الله -تبارك وتعالى-: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (غافر: 8) وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله -تعالى- يزوجها ما تقر به عينها في الجنة. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين. (1384) .

س59: هل ما يذكر من أن أكثر أهل النار النساء صحيح؟ ولماذا؟

س59: هل ما يذكر من أن أكثر أهل النار النساء صحيح؟ ولماذا؟ الجواب هذا صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهن وهو يخطب فيهن: ((يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) وقد أورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الإشكال الذي أورده السائل قلن: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن، وتكفرن العشير)) (¬1) فبين النبي صلى الله عليه وسلم، أسباب كثرتهن في النار، لأنهن يكثرن السب، واللعن، والشتم، ويكفرن العشير الذي هو الزوج فصرن بذلك أكثر أهل النار. *** س60: ما توجيه فضيلتكم لمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصاً مسألة القدر خوفاً من الزلل؟ الجواب: هذه المسألة كغيرها من المسائل المهمة التي لا بد للإنسان منها في دينه ودنياه، لا بد أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله -تبارك وتعالى- على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبين له الأمر، لأنه لا ينبغي أن يكون على شك في هذه الأمور المهمة، أما المسائل التي لا تخل بدينه لو أجلها ويخشى أن تكون سبباً لانحرافه، فإنه لا بأس أن يؤجلها ما دام غيرها أهم منها، ومسائل القدر من الأمور المهمة التي يجب على العبد أن يحققها تماماً حتى يصل فيها إلى ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم (304) ، ومسلم كتاب الإيمان، باب نقص الإيمان بنقص الطاعات ... (79) .

اليقين، وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال -ولله الحمد- والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هو أنهم مع الأسف الشديد يرجحون جانب ((كيف)) على جانب ((لم)) والإنسان مسئول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام ((لم)) و ((كيف)) فلم عملت كذا؟ هذا الإخلاص. كيف عملت كذا؟ هذا المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب ((كيف)) غافلون عن تحقيق جواب ((لم)) ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيراً، وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور، فالناس الآن مهتمون كثيراً بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهم وهو جانب العقيدة، وجانب الإخلاص، وجانب التوحيد، لهذا تجد بعض الناس في مسائل الدنيا يسأل عن مسألة يسيرة جداً جداً وقلبه منكب على الدنيا غافل عن الله مطلقاً في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه، فقد يكون بعض الناس الآن عابداً للدنيا وهو لا يشعر، وقد يكون مشركاً بالله في الدنيا وهو لا يشعر، لأنه مع الأسف أن جانب التوحيد وجانب العقيدة لا يهتم بهما ليس من العامة فقط، ولكن حتى من بعض طلاب العلم، وهذا أمر له خطورته، كما أن التركيز على العقيدة فقط بدون العمل الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها خطأ أيضاً، لأننا نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو العقيدة السمحاء وماشبه ذلك العبارات، وفي الحقيقية أن هذا يخشى أن يكون باباً يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة، ولكن لا بد من ملاحظة الأمرين جميعاً ليستقيم الجواب على ((لم)) وعلى (كيف)) .

وخلاصة الجواب: أنه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة، ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده -جل وعلا- على بصيرة في أسماء الله وصفاته وأفعاله، على بصيرة في أحكامه الكونية، والشرعية، على بصيرة في حكمته، وأسرار شرعه وخلقه، حتى لا يضل بنفسه أو يضل غيره. وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلقه ولهذا أسماه أهل العلم (الفقه الأكبر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) (¬1) . وأول ما يدخل في ذلك وأولاه علم التوحيد والعقيدة، لكن يجب على المرء أيضاً أن يتحرى كيف يأخذ هذا العلم، ومن أي مصدر يتلقاه، فليأخذ من هذا العلم أولاً ما صفا منه وسلم من الشبهات، ثم ينتقل ثانياً إلى النظر فيما أورد عليه من البدع والشبهات، ليقوم بردها وبيانها مما أخذه من قبل من العقيدة الصافية، وليكن المصدر الذي يتلقاه منه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم كلام الصحابة -رضي الله عنهم- ثم ما قاله الأئمة بعدهم من التابعين وأتباعهم، ثم ما قاله العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم، خصوصاً شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم عليهما وعلى سائر المسلمين وأئمتهم سابغ الرحمة والرضوان. *** س61: نأمل من فضيلتكم بيان مسألة القدر؟ وهل أصل الفعل مقدر والكيفية يخير فيها الإنسان؟ مثال ذلك إذا قدر الله- ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً (71) . ومسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة (1037) .

تعالى- للعبد أن يبني مسجداً فإنه سيبني لا محالة لكنه ترك لعقله الخيار في كيفية البناء، وكذلك المعصية إذا قدرها الله فإن الإنسان سيفعلها لا محالة، لكن ترك لعقه كيفية تنفيذها، وخلاصة هذا الرأي أن الإنسان مخير في الكيفية التي ينفذ بها ما قدر عليه فهل هذا صحيح؟ الجواب: هذه المسألة -أي مسألة القدر- محل جدل بين البشر من قديم الزمان، ولذلك انقسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام طرفين ووسط. أما الطرفان: فأحدهما: نظر إلى عموم قدر الله فعمي عن اختيار العبد. وقال: إنه مجبر على أفعاله، وليس له فيها أي اختيار، فسقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها كنزوله منه مختاراً من الدرج. وأما الطرف الثاني: فنظر إلى أن العبد فاعل تارك باختياره، فعمي عن قدر الله. وقال: إن العبد مستقل بأفعاله، ولا تعلق لقدر الله -تعالى- فيها. وأما الوسط فأبصروا السببين، فنظروا إلى عموم قدر الله -تعالى- وإلى اختيار العبد، فقالوا: إن فعل العبد كائن بقدر الله -تعالى- وباختيار العبد، وأنه يعلم بالضرورة الفرق بين سقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها، ونزوله منه مختاراً من الدرج، فالأول من فعله بغير اختياره، والثاني باختياره، والكل منهما واقع بقضاء الله وقدره، لا يقع في ملكه ما لا يريد، لكن ما وقع باختيار العبد فهو مناط التكليف، ولا حجة له بالقدر في مخالفة ما كلف به من أوامر أو نواه، وذلك لأنه يقدم على المخالفة حين يقدم عليها

وهو لا يعلم ما قدر الله عليه، فيكون إقدامه الاختياري على المخالفة هو سبب العقوبة سواء كانت في الدنيا أم في الآخرة، ولذلك لو أجبره مجبر على المخالفة، لم يثبت عليه حكم المخالفة ولا يعاقب عليها لثبوت عذره حينئذ. وإذا كان الإنسان يدرك أن هروبه من النار إلى موضع يأمن فيه منها يكون باختياره، وأن تقدمه إلى بيت جميل واسع طيب المسكن ليسكنه يكون باختياره أيضاً، مع إيمانه أن هروبه وتقدمه المذكورين واقعان بقضاء الله وقدره، وأن بقاءه لتدركه النار، وتأخره عن سكنى البيت يعد تفريطاً منه وإضاعة للفرصة يستحق اللوم عليه، فلماذا لا يدرك هذا بالنسبة لتفريطه بترك الأسباب المنجية له من نار الآخرة، الموجبة لدخوله الجنة؟! وأما التمثيل بأن الله إذا قدر للعبد أن يبني مسجداً فإنه سيبني هذا المسجد لا محالة، لكنه ترك لعقله الخيار في كيفية البناء، فهذا تمثيل غير صحيح، لأنه يوحي بأن كيفية البناء يستقل بها العقل ولا تدخل في قد الله -تعالى- وأن أصل فكرة البناء يستقل بها القدر ولا مدخل للاختيار فيها. والحقيقة أن أصل فكرة البناء تدخل في اختيار العبد لأنه لم يجبر عليها، كما لا يجبر على فكرة إعادة بناء بيته الخاص أو ترميمه مثلاً، ولكن هذه الفكرة قد قدرها الله -تعالى- للعبد من حيث لا يشعر، لأنه لا يعلم بأن الله قدر شيئاً ما حتى يقع ذلك الشيء، إذ القدر سر مكتوم لا يعلم إلا باطلاع الله -تعالى- عليه بالوحي، أو بالوقوع الحسي. وكذلك كيفية البناء هي بقدر الله -تعالى- فإن الله -تعالى- قد قدر الأشياء كلها جملة وتفصيلاً، ولا يمكن أن يختار العبد ما لم يرده أو يقدره، بل إذا اختار العبد شيئاً

وفعله علم يقيناً أن الله -تعالى- قد قضاه وقدره، فالعبد مختار بحسب الأسباب الحسية الظاهرة التي قدرها الله -تعالى- أسباباً لوقوع فعله، ولا يشعر العبد حين يفعل الفعل بأن أحداً أجبره عليه، لكنه إذا فعل ذلك بحسب الأسباب التي جعلها الله -تعالى- أسباباً، علمنا يقيناً بأن الله تعالى، قد قدرها جملة وتفصيلاً. وهكذا نقول في التمثيل بفعل الإنسان المعصية حيث قلتم: إن الله قدر عليه فعل المعصية فهو سيفعلها لا محالة، ولكن ترك لعقله كيفية تنفيذها والسعي إليها. فنقول فيه ما قلناه في بناء المسجد: إن تقدير الله -تعالى- عليه فعل المعصية لا ينافي اختياره لها، لأنه حين اختياره لها لا يعلم بما قدر الله -تعالى- عليه، فهو يقدم عليها مختاراً لا يشعر بأن أحداً يجبره، لكنه إذا أقدم وفعل علمنا أن الله قد قدر فعله لها، وكذلك كيفية تنفيذ المعصية والسعي إليها الواقعة باختيار العبد، لا تنافي قدر الله -تعالى- فالله -تعالى- قد قدر الأشياء كلها جملة وتفصيلاً، وقدر أسبابها الموصلة إليها، ولا يشذ عن ذلك شيء من أفعاله، ولا من أفعال العباد الاختيارية منها والاضطرارية، كما قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج: 70) وقال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام: 112) وقال: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ

وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام: 137) وقال: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة: من الآية253) . وبعد فإن الجدير بالمرء ألا يبحث في نفسه ولا مع غيره في مثل هذه الأمور التي توجب له التشوش، وتوهم معارضة الشرع بالقدر، فإن ذلك ليس من دأب الصحابة -رضي الله عنهم- وهم أحرص الناس على معرفة الحقائق وأقربهم من معين إرواء الغلة، وكشف الغمة، وفي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار)) . فقلنا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ (وفي رواية أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟) قال: ((لا اعملوا فكل ميسر)) (¬1) وفي رواية: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة. وأما من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة)) (¬2) ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) (الليل5)) (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) (6) (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (الليل: 7) (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى) (8) (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . (الليل: الآيات 5، 10) . فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاتكال على الكتاب وترك العمل، لأنه لا سبيل إلى العلم به، وأمر بما ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدراً مقدوراً. ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (2647) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب موعظة المحدث عند القبر (1362) ، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (2647) .

س62: هل للدعاء تأثير في تغيير ما كتب للإنسان قبل خلقه؟

يستطيعه العبد ويمكنه، وهو العمل واستدل بالآية التي تدل على أن من عمل صالحاً وآمن فسييسر لليسرى، وهذا هو الدواء الناجع المثمر، الذي يجد فيه العبد بلوغ عافيته وسعادته، حيث يشمر للعمل الصالح المبني على الإيمان، ويستبشر بذلك حين يقارنه التوفيق لليسرى في الدنيا والآخرة. أسأل الله -تعالى- أن يوفقنا جميعاً للعمل الصالح، وأن ييسرنا لليسرى، ويجنبنا العسرى، ويغفر لنا في الآخرة والأولى، إنه جواد كريم *** س62: هل للدعاء تأثير في تغيير ما كتب للإنسان قبل خلقه؟ الجواب: لا شك أن للدعاء تأثيراً في تغيير ما كتب، لكن هذا التغيير قد كتب أيضاً بسبب الدعاء، فلا تظن أنك إذا دعوت الله فإنك تدعو بشيء غير مكتوب، بل الدعاء مكتوب وما يحصل به مكتوب، ولهذا نجد القارئ يقرأ على المريض فيشفى، وقصة السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلوا ضيوفاً على قوم ولكنهم لم يضيفوهم، وقدر أن لدغت حية سيدهم فطلبوا من يقرأ عليه، فاشترط الصحابة أجرة على ذلك، فأعطوهم قطيعاً من الغنم، فذهب أحدهم فقرأ عليه الفاتحة، فقام اللديغ كأنما نشط من عقال، أي كأنه بعير فك عقاله، فقد أثرت القراءة في شفاء المريض. فللدعاء تأثير لكنه ليس تغييراً للقدر، بل هو مكتوب بسببه، وكل شيء عند الله بقدر، وكذلك جميع الأسباب لها تأثير في مسبباتها بإذن الله، فالأسباب مكتوبة والمسببات مكتوبة. ***

س63: هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟

س63: هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟ الجواب: كل شيء منذ خلق الله القلم إلى يوم القيامة فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ لأن الله -سبحانه وتعالى- أول ما خلق القلم قال له: ((اكتب: قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة)) (¬1) . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر، بعث الله إليه ملكاً نفخ فيه الروح، ويكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد. والرزق أيضاً مكتوب مقدر بأسباب لا يزيد ولا ينقص، فمن الأسباب أن يعمل الإنسان لطلب الرزق كما قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك: 15) ومن الأسباب أيضاً صلة الرحمن من بر الوالدين، وصلة القرابات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) (¬2) ومن الأسباب تقوى الله -عز وجل- كما قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (الطلاق: من الآية2)) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق: من الآية3) ولا تقل إن الرزق مكتوب ومحدد ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه فإن هذا من العجز. والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك، ولما ينفعك في دينك ودنياك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد (5/317) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق (2067) .

س64: ما حكم من يتسخط إذا نزلت به مصيبة؟

وتمنى على الله الأماني)) (¬1) وكما أن الرزق مكتوب مقدر بأسبابه فكذلك الزواج مكتوب مقدر، وقد كتب لكل من الزوجين أن يكون زوج الآخر بعينه، والله -تعالى- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. *** س64: ما حكم من يتسخط إذا نزلت به مصيبة؟ الجواب: الناس حال المصيبة على مراتب أربع: المرتبة الأولى: التسخط وهو على أنواع: النوع الأول: أن يكون بالقلب كأن يسخط على ربه فيغتاظ مما قدره الله عليه فهذا حرام، وقد يؤدي إلى الكفر قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ) (الحج: من الآية11) . النوع الثاني: أن يكون باللسان كالدعاء بالويل والثبور وما أشبه ذلك، وهذا حرام. النوع الثالث: أن يكون بالجوارح كلطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب. المرتبة الثانية: الصبر وهو كما قال الشاعر: الصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل فيرى أن هذا الشيء ثقيل عليه لكنه يتحمله، وهو يكره ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب 20 (2459) ، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له (4260) .

س65: فضيلة الشيخ: نأمل من فضيلتكم توضيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر)) 70 متفق عليه. وما نوع النفي في الحديث؟ وكيف نجمع بينه وبين حديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) 71؟

وقوعه ولكن يحميه إيمانه من السخط، فليس وقوعه وعدمه سواء عنده وهذا واجب، لأن الله تعالى أمر بالصبر فقال: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) . (لأنفال: من الآية46) . المرتبة الثالثة: الرضا بأن يرضى الإنسان بالمصيبة بحيث يكون وجودها وعدمها سواء فلا يشق عليه وجودها، ولا يتحمل لها حملاً ثقيلاً، وهذه مستحبة، وليست بواجبة على القول الراجح، والفرق بينها وبين المرتبة التي قبلها ظاهر، لأن المصيبة وعدمها سواء في الرضا عند هذا، أما التي قبلها فالمصيبة صعبة عليه لكن صبر عليه. المرتبة الرابعة: الشكر وهو أعلى المراتب وذلك بأن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة حيث عرف أن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته وربما لزيادة حسناته قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها)) (¬1) . *** س65: فضيلة الشيخ: نأمل من فضيلتكم توضيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر)) (¬2) متفق عليه. وما نوع النفي في الحديث؟ وكيف نجمع بينه وبين حديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) (¬3) ؟ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب المرض والطب، باب ما جاء في كفارة المرض (5640) ، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصبه من مرض ... (2572) (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب الجذام (5707) . ومسلم، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ... (2220) . (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب الجذام (5707) .

الجواب: ((العدوى)) انتقال المرض من المريض إلى الصحيح، وكما يكون في الأمراض الحسية ((المهملة)) يكون في الأمراض المعنوية الخلقية، ولهذا أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن جليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة فقوله صلى الله عليه وسلم: ((عدوى)) يشمل العدوى الحسية والمعنوية. و ((الطيرة)) هي التشاؤم بمرئي، أو مسموع، أو معلوم. و ((الهامة)) فسرت بتفسيرين: الأول: داء يصيب المريض وينتقل إلى غيره، وعلى هذا التفسير يكون عطفها على العدوى من باب عطف الخاص على العام. الثاني: طير معروف تزعم العرب أنه إذا قتل القتيل، فإن هذه الهامة تأتي إلى أهله وتنعق على رؤوسهم حتى يأخذوا بثأره، وربما اعتقد بعضهم أنها روحة تكون بصورة الهامة، وهي نوع من الطيور تشبه البومة أو هي البومة، تؤذي أهل القتيل بالصراخ حتى يأخذوا بثأره، وهم يتشاءمون بها فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقت قالوا إنها تنعق به ليموت، ويعتقدون قرب أجله وهذا باطل. و ((صفر)) فسر بتفاسير: الأول: أنه شهر صفر المعروف، والعرب يتشاءمون به. الثاني: أنه داء في البطن يصيب البعير، وينتقل من بعير إلى آخر، فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام. الثالث: صفر شهر صفر، والمراد به النسيء الذي يضل به

الذين كفروا، فيؤخرون تحريم شهر المحرم إلى صفر يحلونه عاماً، ويحرمونه عاماً. وأرجحها أن المراد شهر صفر حيث كانوا يتشاءمون به في الجاهلية، والأزمنة لا دخل فيها في التأثير، وفي تقدير الله -عز وجل- فهو كغيره من الأزمنة يقدر فيه الخير والشر. وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين مثلاً في شهر صفر أرخ ذلك وقال: انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير. فهذا من باب مداواة البدعة بالبدعة، والجهل بالجهل. فهو ليس شهر خير، ولا شر. ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: ((خيراً إن شاء الله فلا يقال خير ولا شر بل هي تنعق كبقية الطيور. فهذه الأربعة التي نفاها الرسول صلى الله عليه وسلم، تدل على وجوب التوكل على الله، وصدق العزيمة، وألا يضعف المسلم أمام هذه الأمور. وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين: الأولى: إما أن يستجيب لها بأن يقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علق أفعاله بما لا حقيقة له. الثانية: أن لا يستجيب بأن يقدم ولا يبالي، لكن يبقى في نفسه نوع من الهم أو الغم، وهذا وإن كان أهون من الأول لكن يجب أن لا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقاً، وأن يكون معتمداً على الله -عز وجل-. وبعض الناس قد يفتح المصحف لطلب التفاؤل فإذا نظر ذكر

النار قال هذا فأل غير جميل، وإذا نظر ذكر الجنة قال هذا فأل طيب، وهذا في الحقيقة مثل عمل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام. والنفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفياً للوجود، لأنها موجودة ولكنه نفي للتأثير، فالمؤثر هو الله، فما كان منها سبباً معلوماً فهو سبب صحيح، وما كان منها سبباً موهوماً فهو سبب باطل، ويكون نفياً لتأثيره بنفسه ولسببيته، فالعدوى موجودة، ويدل لوجودها قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يورد ممرض على مصح)) (¬1) أي لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة، لئلا تنتقل العدوى. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) (¬2) . "الجذام": مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه، حتى قيل إنه الطاعون، فالأمر بالفرار لكي لا تقع العدوى، وفيه إثبات العدوى لتأثيرها، لكن تأثيرها ليس أمر حتمي بحيث تكون علة فاعلة، ولكن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالفرار من المجذوم، وأن لا يورد ممرض على مصح، من باب تجنب الأسباب، لا من باب تأثير الأسباب بنفسها قال الله -تعالى- (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة) (البقرة: من الآية195) ولا يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم، ينكر تأثير العدوى، لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى. فإن قيل إن الرسول صلى الله عليه وسلم، لما قال ((لا عدوى)) قال رجل: يا رسول الله أرأيت الإبل تكون في الرمال مثل الضبا فيدخلها الجمل ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب لا هامة (5771) . ومسلم، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ... (2221) . (¬2) تقدم تخريجه.

الأجرب فتجرب؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فمن أعدى الأول)) (¬1) ؟! فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بقوله: ((فمن أعدى الأول)) إلى أن المرض انتقل من المريضة إلى هذه الصحيحات بتدبير الله -عز وجل- فالمرض نزل على الأول بدون عدوى بل نزل من عند الله -عز وجل- والشيء قد يكون له سبب معلوم، وقد لا يكون له سبب معلوم، وجرب الأول ليس معلوماً إلا أنه بتقدير الله -تعالى- وجرب الذي بعده له سبب معلوم ولو شاء الله -تعالى- ما جرب، ولهذا أحياناً تصاب الإبل بالجرب ثم يرتفع ولا تموت، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية قد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون، ويسلم آخرون ولا يصابون، فالإنسان يعتمد على الله ويتوكل عليه وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم، قدم عليه رجل مجذوم فأخذ بيده وقال له: ((كل)) (¬2) أي من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول صلى الله عليه وسلم، لقوة توكله صلى الله عليه وسلم، فهذا التوكل مقاوم لهذا السبب المعدي. وهذا الجمع الذي ذكرنا أحسن ما قيل في الجمع بين الأحاديث، وادعى بعضهم النسخ، وهذه الدعوى غير صحيحة، لأن من شرط النسخ تعذر الجمع، وإذا أمكن الجمع وجب لأن فيه إعمال الدليلين، وفي النسخ إبطال أحدهما، وإعمالهما أولى من إبطال أحدهما لأننا اعتبرناهما وجعلناهما حجة. والله الموفق. *** ¬

(¬1) تقدم تخريجه. ح (1) . (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الطب، باب في الطيرة (3925) ، والترمذي، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الأكل مع المجذوم (1817)

س66: هل العين تصيب الإنسان؟ وكيف تعالج؟ وهل التحرز منها ينافي التوكل؟

س66: هل العين تصيب الإنسان؟ وكيف تعالج؟ وهل التحرز منها ينافي التوكل؟ الجواب: رأينا في العين أنها حق ثابت شرعاً وحساً قال الله تعالى: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ) (القلم: من الآية51) قال ابن عباس وغيره في تفسيرها أي يعينوك بأبصارهم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فاغسلوا)) (¬1) رواه مسلم. ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: ((لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة)) فما لبث أن لبط به فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: أدرك سهلاً صريعاً فقال: ((من تتهمون؟ " قالوا عامر بن ربيعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "علام يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة)) (¬2) ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه، وفي لفظ: يكفأ الإناء من خلفه. والواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره. وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي: 1- القراءة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا رقية إلا من عين أو حمة)) (¬3) . وقد كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: ((باسم الله ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى (2188) . (¬2) أخرجه ابن ماجه، كتاب الطب، باب العين (3509) . (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره (5704) . ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة (216) .

س67: هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟

أرقيك، من كل شيء يوذيك، من شر كل نفس، أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك)) (¬1) . 2- الاستغسال: كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب. أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه، والله أعلم. والتحرز من العين مقدماً لا بأس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل، لأن التوكل الاعتماد على الله سبحانه مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)) (¬2) ويقول هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام. رواه البخاري. *** س67: هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟ الجواب: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافاً لفظياً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي أن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام ¬

(¬1) تقدم تخريجه. (¬2) أخرجه ابن ماجه، كتاب الطب، باب ما يعوذ به من الحمى (3527) .

المقتضى في حقه وانتفاء المانع، أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع. وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين: الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله -تعالى- والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله -عز وجل- والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله -تعالى-: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف: من الآية49) . وإنما قلنا تجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر، لأنه يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطى حكمه، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه: ((طريق الهجرتين)) عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة. النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أما في الآخرة فأمره إلى الله -عز وجل-. وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وأقوال أهل العلم. فمن أدلة الكتاب: قوله -تعالى-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: من الآية15) وقوله: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ

الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص: 59) وقوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: من الآية165) وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (إبراهيم: من الآية4) وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) (التوبة: من الآية115) وقوله: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام: 155) (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ) (156) (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) (الأنعام الآيات: 156، 157) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان. وأما السنة: ففي صحيح مسلم 1/134 عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة -يعني أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)) . وأما كلام أهل العلم: فقال في المغني 8/131: ((فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام، والناشئ بغير دار الإسلام، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم لم يحكم بكفره)) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 3/229 مجموع ابن قاسم: ((إني دائماً -ومن جالسني يعلم ذلك مني- من أعظم الناس

نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وأني أقرر أن الله -تعالى- قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعمي الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر، ولا بفسق، ولا بمعصية -إلى أن قال- وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضاً حق لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين -إلى أن قال- والتكفير هو من الوعيد فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً)) أ. هـ. وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب 1/56 من الدرر السنية: ((وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره)) . ((وأما الكذب والبهتان فقولهم إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم

يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل)) أ. هـ. وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب، والسنة، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله -تعالى- ولطفه، ورأفته، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله -تعالى- من الحقوق، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل. فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء اسمه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين: أحدهما: افتراء الكذب على الله -تعالى- في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به. أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفره الله -تعالى- فهو كمن حرم ما أحل الله، لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه. وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد، فقال: إنه كافر، مع أنه برئ من ذلك، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا فكر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما)) (¬1) وفي رواية: "إن كان كما قال وإلا رجعت عليه (¬2) وله من حديث أبي ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من كفر أخاه من غير تأويل (6104) ، وأخرجه مسلم، كتابا الإيمان، باب بيان حال من قال لأخيه المسلم يا كافر (60) (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال من قال لأخيه يا كافر (60) .

ذر -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه)) (¬1) يعني رجع عليه وقوله في حديث ابن عمر: ((إن كان كما قال" يعني في حكم الله -تعالى- وكذلك قوله في حديث أبي ذر: ((وليس كذلك)) يعني حكم الله -تعالى-. وهذا هو المحذور الثاني أعني عود وصف الكفر عليه إن كان أخوه بريئاً منه، وهو محذور عظيم يوشك أن يقع به، لأن الغالب أن من تسرع بوصف المسلم بالكفر كان معجباً بعمله محتقراً لغيره فيكون جامعاً بين الإعجاب بعمله الذي قد يؤدي إلى حبوطه، وبين الكبر الموجب لعذاب الله -تعالى- في النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((قال الله عز وجل الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار)) (¬2) . فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين: الأمر الأول: دلالة الكتاب، والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب. الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه، وتنتفي الموانع. ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه (61) . (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر (4090) ، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع (4174) .

لقوله -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء: 115) فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له. ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره، أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها؟ الجواب: الظاهر الثاني، أي أن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة، ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالماً ما زنى. ومن الموانع أن يكره على المكفر لقوله -تعالى-: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل: 106) ومن الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو غضب، أو خوف، ونحو ذلك. لقوله -تعالى-: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب: من الآية5) وفي صحيح مسلم 2104 عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من

أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)) (¬1) . ومن الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في المكفر بحيث يظن أنه على حق، لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله -تعالى-: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (الأحزاب: من الآية5) ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله -تعالى-: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: من الآية286) قال في المغني 8/131: "وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك -يعني يكون كافراً- وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، وفعلهم ذلك متقربين إلى الله -تعالى- إلى أن قال: وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم، وأموالهم، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا)) . وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/30 مجموع ابن القاسم: ((وبدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها (2747) .

عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب)) وفي ص210 منه ((فإن الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها، وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم.. وصاروا يتبعون المتشابه من القرآن فيتأولونه على غير تأويله من غير معرفة منهم بمعناه ولا رسوخ في العلم، ولا اتباع للسنة، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن)) . وقال أيضاً 28/518 من المجموع المذكور: "فإن الأئمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين". لكنه ذكر في 7/217 ((أنه لم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع)) . وفي 28/518 ((أن هذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره)) . وفي 3/282 قال: ((والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار. ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم، وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص، والإجماع، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟! فلا يحل لأحد

س68: ما حكم من حكم بغير ما أنزل الله؟

من هذه الطوائف أن يكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه)) . إلى أن قال: ((وإذا كان المسلم متأولاً في القتال، أو التكفير لم يكفر بذلك". إلى أن قال: ((وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله -تعالى-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: من الآية15) وقوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: من الآية165) وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين منذرين)) . والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، والاعتبار، وأقوال أهل العلم. *** س68: ما حكم من حكم بغير ما أنزل الله؟ الجواب: أقول وبالله -تعالى- التوفيق، أقول وأسأله الهداية والصواب: إن الحكم بما أنزل الله -تعالى- من توحيد الربوبية، لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته، وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله -تعالى- المتبوعين في ما أنزل الله -تعالى- أرباباً لمتبعيهم فقال -سبحانه-: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ

وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) . (التوبة: 31) فسمى الله -تعالى- المتبوعين أرباباً حيث جعلوا مشرعين مع الله -تعالى- وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله -سبحانه وتعالى-. وقد قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يعبدوهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بل إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم)) (¬1) . إذا فهمت ذلك فاعلم أن من لم يحكم بما أنزل الله، وأراد أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله وردت فيه آيات بنفي الإيمان عنه، وآيات بكفره وظلمه، وفسقه. فأما القسم الأول: فمثل قوله -تعالى-: (تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (60) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (61) (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً) (62) (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب تفسير القرآن من سورة التوبة، باب 10 (3095) ، وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان ص67

أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (63) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (64) (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء: 60، 65) . فوصف الله -تعالى- هؤلاء المدعين للإيمان وهم منافقون بصفات: الأولى: أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت، وه وكل ما خالف حكم الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأن ما خالف حكم الله ورسوله فهو طغيان واعتداء على حكم من له الحكم وإليه يرجع الأمر كله وهو الله قال الله -تعالى-: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف: من الآية54) . الثانية: أنهم إذا دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا. الثالثة: أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم، ومنها أن يعثر على صنيعهم جاءوا يحلفون أنهم ما أرادوا إلا الإحسان والتوفيق، كحال من يرفض اليوم أحكام الإسلام ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعماً منه أن ذلك هو الإحسان الموافق لأحوال العصر. ثم حذر -سبحانه- هؤلاء المدعين للإيمان المتصفين بتلك الصفات بأنه -سبحانه- يعلم ما في قلوبهم وما يكنونه من أمور تخالف ما يقولون، وأمر نبيه أن يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً، ثم بين أن الحكمة من إرسال الرسول أن يكون هو المطاع

المتبوع لا غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم، ثم أقسم -تعالى- بربوبيته لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن الإشارة إلى صحة رسالته، صلى الله عليه وسلم، أقسم بها قسماً مؤكداً أنه لا يصلح الإيمان إلا بثلاثة أمور: الأول: أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثاني: أن تنشرح الصدور بحكمه، ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه. الثالث: أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف. وأما القسم الثاني: فمثل قوله -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (44) وقوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (45) وقوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة: 45، 47) وهل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على موصوف واحد؟ بمعنى أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، ظالم، فاسق، لأن الله -تعالى- وصف الكافرين بالظلم والفسق فقال -تعالى-: (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: من الآية254) وقال -تعالى-: (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة: من الآية84) فكل كافر ظالم فاسق، أو هذه الأوصاف تتنزل على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل الله؟ هذا هو الأقرب عندي والله أعلم. فنقول: من لم يحكم بما أنزل اله استخفافاً به، أو احتقاراً

له، أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وه ويعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه. ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق، وإنما حكم بغيره تسلطاً على المحكوم عليه، أو انتقاماً منه لنفسه أو نحو ذلك، فهذا ظالم وليس بكافر وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم. ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافاً بحكم الله، ولا احتقاراً، ولا اعتقاداً أن غيره أصلح، وأنفع للخلق، وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له، أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عرض الدنيا فهذا فاسق، وليس بكافر وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم هـ ووسائل الحكم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أنهم على وجهين: أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ويعتقدون تحليل ما حرم، وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر، وقد

س69: ما حكم الذبح تقربا لغير الله؟ وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة؟

جعله الله ورسوله شركاً. الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام، وتحريم الحلال -كذا العبارة المنقولة عنه- ثابتاً لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب. *** س69: ما حكم الذبح تقرباً لغير الله؟ وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة؟ الجواب: الذبح لغير الله شرك أكبر لأن الذبح عبادة كما أمر به في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر: 2) وقوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162) (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 163) فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركاً مخرجاً عن الملة -والعياذ بالله- سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء فكل ذلك شرك بالله -عز وجل- ومخرج عن الملة والواجب على المرء أن يتقي الله في نفسه، وأن لا يوقع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله فيه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة: من الآية72) . وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم لأنها أهل لغير الله بها وكل شيء أهل لغير الله به، أو ذبح على النصب فإنه محرم كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ

س70: ما حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الدين؟

الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) (المائدة: من الآية3) فهذه الذبائح التي ذبحت لغير الله من قسم المحرمات لا يحل أكلها. *** س70: ما حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الدين؟ الجواب: هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح، ولو كان على سبيل إضحاك القوم كفر ونفاق، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، في الذين قالوا: ((ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء)) . يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه القراء فنزلت فيهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) (التوبة: من الآية65) لأنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون إنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لهم ما أمره الله به: (ْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون) (65) (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (التوبة: 65، 66) فجانب الربوبية، والرسالة والوحي، والدين جانب محترم، لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا باستهزاء بإضحاك، ولا بسخرية فإن فعل فإنه كافر، لأنه يدل على استهانته بالله -عز وجل- ورسله وكتبه، وشرعه، وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله -عز وجل- مما صنع، لأن هذا من النفاق فعليه أن يتوب إلى الله

س71: ما حكم دعاء أصحاب القبور؟

ويستغفر، ويصلح عمله، ويجعل في قلبه خشية الله -عز وجل- وتعظيمه وخوفه ومحبته. والله ولي التوفيق. *** س71: ما حكم دعاء أصحاب القبور؟ الجواب: الدعاء ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: دعاء عبادة، ومثاله الصلاة، والصوم وغير ذلك من العبادات، فإذا صلى الإنسان، أو صام فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له، وأن يجيره من عذابه، وأن يعطيه من نواله، ويدل لهذا قوله -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60) فجعل الدعاء عبادة، فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله فقد كفر كفراً مخرجاً عن الملة، فلو ركع الإنسان أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود لكان مشركاً خارجاً عن الإسلام، ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم، من الانحناء عند الملاقاة سداً لذريعة الشرك فسئل عن الرجل يلقى أخاه أينحني له؟ قال: ((لا)) . وما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك خطأ ويجب عليك أن تبين له ذلك وتنهاه عنه. القسم الثاني: دعاء المسألة، وهذا ليس كله شركاً بل فيه تفصيل: أولاً: إن كان المدعو حياً قادراً على ذلك فليس بشرك، كقولك اسقني ماء لمن يستطيع ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: ((من دعاكم

س72: رجل يستغيث بغير الله ويزعم أنه ولي الله فما علامات الولاية؟

فأجيبوه)) (¬1) قال -تعالى-: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) (النساء: من الآية8) فإن مد الفقير يده وقال ارزقني أي: أعطني فهو جائز كما قال -تعالى-: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) . ثانياً: إن كان المدعو ميتاً فإن دعاءه شرك مخرج عن الملة. ومع الأسف أن في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلاناً لمقبور الذي بقي جثة أو أكلته الأرض ينفع أو يضر، أو يأتي بالنسل لمن لا يولد له، وهذا -والعياذ بالله- شرك أكبر مخرج عن الملة، وإقرار هذا أشد من إقرار شرب الخمر، والزنا، واللواط، لأنه إقرار على كفر، وليس إقراراً على فسوق فقط فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين. *** س72: رجل يستغيث بغير الله ويزعم أنه ولي الله فما علامات الولاية؟ الجواب: علامات الولاية بينها الله -عز وجل- في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (62) (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس: 62، 63) فهذه علامات الولاية: الإيمان بالله، وتقوى الله -عز وجل- "فمن كان مؤمناً تقياً، كان لله ولياً". أما من أشرك به فليس بولي لله بل هو عدو لله كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري بمعناه، كتاب النكاح، باب إجابة الوليمة والدعوة (5173) ، ومسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى الدعوة (1429) .

وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة: 98) فأي إنسان يدعو غير الله، أو يستغيث بغير الله بما لا يقدر عليه إلا الله -عز وجل- فإنه مشرك كافر، وليس بواي لله ولو ادعى ذلك، بل دعواه أنه ولي مع عدم توحيده وإيمانه وتقواه دعوى كاذبة تنافي الولاية. ونصيحتي لإخواني المسلمين في هذه الأمور أن لا يغتروا بهؤلاء، وأن يكون مرجعهم في ذلك إلى كتاب الله، وإلى ما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يكون رجاؤهم، وتوكلهم، واعتمادهم على الله وحده، وحتى يؤمنوا بذلك لأنفسهم استقراراً وطمأنينة، وحتى يحفظوا بذلك أموالهم أن يبتزها هؤلاء المخرفون، كما أن في لزوم ما دل عليه الكتاب والسنة في مثل هذه الأمور في ذلك إبعاد لهؤلاء عن الاغترار بأنفسهم، هؤلاء الذين يدعون أنفسهم أحياناً أسياداً، وأحياناً أولياء، ولو فكرت أو تأملت ما هم عليه لوجدت فيهم بعداً عن الولاية والسيادة، ولكنك تجد الولي حقيقة أبعد الناس أن يدعو لنفسه وأن يحيطها بهالة من التعظيم والتبجيل وما أشبه ذلك، تجده مؤمناً، تقياً، خفياً لا يظهر نفسه، ولا يحب الإشهار، ولا يحب لأن يتجه الناس إليه، أو أن يتعلقوا به خوفاً أو رجاءً. فمجرد كون الإنسان يريد من الناس أن يعظموه، ويحترموه، ويبجلوه، ويكون مرجعاً لهم، ومتعلقاً لهم، هذا في الحقيقة ينافي التقوى وينافي الولاية، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيمن طلب العلم ليماري به السفهاء، أو يجاري به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فعليه كذا وكذا من الوعيد، فالشاهد

س73: ما هو السحر وما حكم تعلمه؟

في قوله: ((ليصرف وجوه الناس إليه)) (¬1) فهؤلاء الذي يدعون الولاية ويحاولون أن يصرفوا وجوه الناس إليهم هم أبعد الناس عن الولاية. فنصيحتي لإخواني المسلمين أن لا يغتروا بهؤلاء وأمثالهم وأن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعلقوا آمالهم ورجاءهم بالله وحده. *** س73: ما هو السحر وما حكم تعلمه؟ الجواب: السحر قال العلماء هو في اللغة ((عبارة عن كل ما لطف وخفي سببه)) بحيث يكون له تأثير خفي لا يطلع عليه الناس، وهو بهذا المعنى يشمل التنجيم، والكهانة، بل إنه يشمل التأثير بالبيان والفصاحة كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن من البيان لسحراً)) (¬2) فكل شيء له أثر بطريق خفي فهو من السحر. وأما في الاصطلاح فعرفه بعضهم بأنه: ((عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب، والعقول، والأبدان، فتسلب العقل، وتوجد الحب والبغض فتفرق بين المرء وزوجه، وتمرض البدن، وتسلب تفكيره)) . وتعلم السحر محرم بل هو كفر إذا كانت وسيلته الإشراك بالشياطين قال الله -تبارك وتعالى-: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء فيمن يطلب بعلمه الدنيا (2654) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الخطبة (5146) .

س74: ما حكم التوفيق بين الزوجين بالسحر؟

النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (البقرة: من الآية102) فتعلم هذا النوع من السحر -وهو الذي يكون بواسطة الإشراك بالشياطين- كفر، واستعماله أيضاً كفر وظلم وعدوان على الخلق، ولهذا يقتل الساحر إما ردة وإما حداً، فإن كان سحره على وجه يكفر به فإنه يقتل ردة وكفراً، وإن كان سحره لا يصل إلى درجة الكفر فإنه يقتل حداً دفعاً لشره وأذاه على المسلمين. *** س74: ما حكم التوفيق بين الزوجين بالسحر؟ الجواب: هذا محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعطف، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف وهو أيضاً محرم، وقد يكون كفراً وشركاً، قال الله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (البقرة: من الآية102) . *** س75: ما هي الكهانة؟ وما حكم إتيان الكهان؟ الجواب: الكهانة فعالة مأخوذة من التكهن، وهو التخرص

والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصل بهم الشياطين وتسترق السمع من السماء وتحدثهم به، ثم يأخذون الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين ويضيفون إليها ما يضيفون من القول، ثم يحدثون بها الناس، فإذا وقع الشيء مطابقاً لما قالوا اغتر بهم الناس واتخذوهم مرجعاً في الحكم بينهم، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل، ولهذا نقول: الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل. والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، أو أربعين ليلة)) (¬1) . القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله -عز وجل- لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله -تعالى-: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (النمل: من الآية 65) ولهذا جاء في الحديث الصحيح: ((من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) (¬2) . القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان (2230) . (¬2) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض (135) ، وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب النهي عن إتيان الحائض (639) . وصححه الألباني -رحمه الله- في الإرواء 6817.

س76: ما حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء؟

وأنها كهانة وتمويه وتضليل، فهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه فسأله النبي صلى الله عليه وسلم، ماذا خبأ له؟ فقال: الدخ -يريد الدخان- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اخسأ فلن تعدو قدرك)) (¬1) هذه أحوال من يأتي إلى الكاهن ثلاثة. الأولى: أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه، وبدون أن يقصد بيان حاله فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين ليلة. الثانية: أن يسأله فيصدقه وهذا كفر بالله -عز وجل- على الإنسان أن يتوب منه ويرجع إلى الله -عز وجل- وإلا مات على الكفر. الثالثة: أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ويبين حاله للناس فهذا لا بأس به. *** س76: ما حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء؟ الجواب: حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء أن يقال اتصال الرياء على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل كمن قام يصلي لله مراءاة الناس من أجل أن يمدحه الناس على صلاته فهذا مبطل للعبادة. الوجه الثاني: أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها: بمعنى أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة، فهذه العبادة لا تخلو من حالين: ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه ... (1354) ، ومسلم، كتاب الفتن، باب ذكر ابن صياد (2924) .

الحال الأولى: أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها فأولها صحيح بكل حال، وآخرها باطل. مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها فتصدق بخمسين منها صدقة خالصة، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فالأولى صدقة صحيحة مقبولة، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص. الحال الثانية: أن يرتبط أول العبادة بآخرها فلا يخلو الإنسان حينئذ من أمرين: الأمر الأول: أن يدافع الرياء ولا يسكن إليه بل يعرض عنه ويكرهه، فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم)) (¬1) . الأمر الثاني: أن يطمئن إلى هذا الرياء ولا يدافعه، فحينئذ تبطل جميع العبادة لأن أولها مرتبط بآخرها. مثال ذلك أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله -تعالى- ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها. الوجه الثالث: أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها لأنها تمت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك. وليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته، لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة، وليس من الرياء أن يسر ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب: والطلاق في الإغلاق والمكره والسكران ... ومسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس (127) .

س77: ما حكم الحلف بالمصحف؟

الإنسان بفعل الطاعة، لأن ذلك دليل إيمانه قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك مؤمن)) (¬1) وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن (¬2) . *** س77: ما حكم الحلف بالمصحف؟ الجواب: هذا السؤال ينبغي أن نبسط الجواب فيه وذلك أن القسم بالشيء يدل على تعظيم ذلك المقسم به تعظيماً خاصاً لدى المقسم، ولهذا لا يجوز لأحد أن يحلف إلا بالله -تعالى- بأحد أسمائه، أو بصفة من صفاته، مثل أن يقول والله لأفعلن، ورب الكعبة لأفعلن، وعزة الله لأفعلن، وما أشبه ذلك من صفات الله -تعالى-. والمصحف يتضمن كلام الله، وكلام الله -تعالى- من صفاته وهو -أعني بكلام الله- صفة ذاتية فعلية، لأنه بالنظر إلى أصله وأن الله لم يزل ولا يزال موصوفاً به لأن الكلام كمال فهو من هذه الناحية من صفات الله الذاتية إذ لم يزل ولا يزال متكلماً فعالاً لما يريده، وبالنظر إلى آحاده يكون من الصفات الفعلية لأنه يتكلم متى شاء قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّس: 82) فقرن القول بالإرادة وهو دليل على أن كلام الله يتعلق بإرادته ومشيئته -سبحانه وتعالى- والنصوص في هذا متضافرة كثيرة، وأن كلام الله تحدث آحاده حسب ما تقتضيه حكمته، وبهذا نعرف بطلان قول من يقول إن ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة (2195) . (¬2) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب: إذا أثنى على الصالح (2034) .

كلام الله أزلي، ولا يمكن أن يكون تابعاً لمشيئته، وأنه هو المعنى القائم بنفسه، وليس هو الشيء المسموع الذي يسمعه من يكلمه الله -عز وجل- فإن هذا قول باطل، حقيقته أن قائله جعل كلام الله المسموع مخلوقاً. وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كتاباً يعرف باسم "التسعينية" بين فيه بطلان هذا القول من تسعين وجهاً. فإذا كان المصحف يتضمن كلام الله، وكلام الله -تعالى- من صفاته فإنه يجوز الحلف بالمصحف، بأن يقول الإنسان والمصحف ويقصد ما فيه من كلام الله -عز وجل- وقد نص على ذلك كفقهاء الحنابلة -رحمهم الله- ومع هذا فإن الأولى للإنسان أن يحلف بما لا يشوش على السامعين بأن يحلف باسم الله -عز وجل- فيقول والله ورب الكعبة، أو والذي نفسي بيده وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا تستنكرها العامة، ولا يحصل لديهم فيها تشويش، فإن تحديث الناس بما يعرفون وتطمئن إليه قلوبهم خير وأولى، وإذا كان الحلف إنما يكون بالله وأسمائه وصفاته فإنه لا يجوز أن يحلف أحد بغير الله لا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بجبريل، ولا بالكعبة، ولا بغير ذلك من المخلوقات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) (¬1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من خلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) (¬2) . فإذا سمع الإنسان شخصاً يحلف بالنبي، أو بحياة ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب كيف يستحلف (2679) . ومسلم، كتاب الإيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله (1646) (¬2) أخرجه الترمذي، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله (1535) .

النبي، أو بحياة شخص آخر فلينهه عن ذلك، وليبين له أن هذا حرام ولا يجوز، ولكن ليكن نهيه وبيانه على وفق الحكمة حيث يكون باللطف واللين والإقبال على الشخص وهو يريد نصحه وانتشاله من هذا المحرم، لأن بعض الناس تأخذه الغيرة عند الأمر والنهي فيغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه، وربما يشعر في هذه الحال أنه ينهاه انتقاماً لنفسه فيلقي الشيطان في نفسه هذه العلة، ولو أن الإنسان أنزل الناس منازلهم ودعا إلى الله بالحكمة واللين والرفق لكان ذلك أقرب إلى القبول وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)) (¬1) ولا يخفى على الكثير ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم، في قصة الأعرابي الذي جاء إلى المسجد فبال في طائفة منه فزجره الناس، وصاحوا به، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فلما قضى بوله دعاه النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: ((إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو الذر، وإنما هي للتكبير والتسبيح وقراءة القرآن)) (¬2) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ثم أمر أصحابه أن يصبوا على البول ذنوباً من ماء، فبهذا زالت المفسدة وطهر المكان، وحصل المقصود بالنسبة لنصيحة الأعرابي الجاهل، وهكذا ينبغي لنا نحن في دعوة عباد الله إلى دين الله أن نكون داعين إلى الله -سبحانه وتعالى- فنسلك الطريق التي تكون أقرب إلى إيصال الحق إلى قلوب الخلق وإصلاحهم، والله الموفق. *** ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق (2593) . (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات (285) .

س78: ما حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة؟ والشرف والذمة؟ وقول الإنسان ((بذمتي)) ؟

س78: ما حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة؟ والشرف والذمة؟ وقول الإنسان ((بذمتي)) ؟ الجواب: الحلف بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجوز بل هو نوع من الشرك، وكذلك الحلف بالكعبة لا يجوز بل نوع من الشرك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة كلاهما مخلوقان، والحلف بأي مخلوق نوع من الشرك. وكذلك الحلف بالشرف لا يجوز، وكذلك الحلف بالذمة لا يجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) (¬1) وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) (¬2) . لكن يجب أن نعلم أن قول الإنسان ((بذمتي)) لا يراد به الحلف ولا القسم بالذمة، وإنما يراد بالذمة العهد، يعني هذا على عهدي ومسئوليتي هذا هو المراد بها، أما إذا أراد بها القسم فهي قسم بغير الله فلا يجوز، لكن الذي يظهر لي أن الناس لا يريدون بها القسم إنما يريدون بالذمة العهد، والذمة بمعنى العهد. *** س79: ما حكم من يعبد القبور بالطواف حولها ودعاء أصحابها والنذر لهم إلى غير ذلك من أنواع العبادة؟ الجواب: هذا السؤال سؤال عظيم، وجوابه يحتاج إلى بسط ¬

(¬1) تقدم تخريجه. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً (6108) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى (1646)

بعون الله -عز وجل- فنقول: إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين: القسم الأول: قسم توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيراً فهذا يرجى له الخير، ولكنه مفتقر إلى إخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة، وهو داخل في عموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر: 10) وهو بنفسه لا ينفع أحداً إذ أنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر ولا عن غيره، ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم. القسم الثاني من أصحاب القبور: من أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة كأولئك الذين يدعون أنهم أولياء، ويعلمون الغيب ويشفون من المرض، ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حساً ولا شرعاً، فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر، لا يجوز الدعاء لهم ولا الترحم عليهم لقول الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (113) (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة: 113، 114) وهم لا ينفعون أحداً ولا يضرونه ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم، وإن قدر أن أحداً رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نوراً أو أنه يخرج منها رائحة طيبة، أو ما أشبه ذلك، وهم معروفون بأنهم

ماتوا على الكفر فإن هذا من خداع إبليس وغروره، ليفتن هؤلاء بأصحاب هذه القبور. وإنني أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله -عز وجل- فإنه -سبحانه وتعالى- هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله، ولا يكشف السوء إلا الله، قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (النحل: 53) ونصيحتي لهم أيضاً أن لا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحداً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21) ولقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) . (آل عمران: من الآية31) . ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله، وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله وقد ذكر الله في كتابه ميزاناً قسطاً عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس: 62) فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً، ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله، وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية، ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه بشيء، ولكننا نقول على سبيل العموم كل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً.

وليعلم أن الله -عز وجل- قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور فقد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه، أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ويكون ذلك فتنة من الله -عز وجل- لهذا الرجل لأننا نعلم أن هذا القبر لا يجيب الدعاء وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع، نعم ذلك لقول الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الاحقاف: 5) (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) (الاحقاف: 6) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) . (النحل: 20) (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل: 21) والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي، ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحاناً ونقول: إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء -أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله -لا بدعائه وفرق بين حصول الشيء بالشيء، وبين حصول الشيء عند الشيء، فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً لجلب النفع، أو دفع الضرر، بالآيات الكثيرة التي ذكرها الله -عز وجل- في كتابه ولكن قد يحصل الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحاناً، والله تعالى قد يبتلي الإنسان بأسباب المعصية ليعلم -سبحانه وتعالى- من كان عبداً لله، ومن كان عبداً لهواه، ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله -عز وجل- فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة

عظيمة، وفي غير يوم السبت تختفي، فطال عليهم الأمد، وقالوا كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان، ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا: نجعل شبكة ونضعها يوم الجمعة، ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله قردة خاسئين قال الله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (لأعراف: 163) وقال -عز وجل-: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (البقرة: 65) (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة: 66) فانظر كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيدها فيه، ولكنهم -والعياذ بالله- لم يصبروا فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله. ثم انظر إلى ما حصل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ابتلاهم الله وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم -رضي الله عنهم- لم يجرؤوا على شيء منها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة: 94) كانت الصيود في متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد، وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جداً، ولكنهم -رضي الله عنهم- خافوا الله -عز وجل- فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود.

س80: كيف نجيب عباد القبور الذين يحتجون بدفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي؟

وهكذا يجب على المرء إذا هيئت له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله -عز وجل- وأن لا يقدم على فعل هذا المحرم، وأن يعلم أن تيسير أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر فإن العاقبة للمتقين. *** س80: كيف نجيب عباد القبور الذين يحتجون بدفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي؟ الجواب عن ذلك من وجوه: الوجه الأول: أن المسجد لم يبن على القبر بل بنبي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد حتى يقال إن هذا من دفن الصالحين في المسجد، بل دفن صلى الله عليه وسلم في بيته. الوجه الثالث: أن إدخال بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها بيت عائشة مع المسجد ليس باتفاق الصحابة، بل بعد أن انقرض أكثرهم، وذلك في عام أربعة وتسعين هجرية تقريباً فليس مما أجازه الصحابة، بل إن بعضهم خالف في ذلك، وممن خالف أيضاً سعيد بن المسيب. الوجه الرابع: أن القبر ليس في المسجد حتى بعد إدخاله، لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد فليس المسجد مبنياً عليه، ولهذا جعل هذا المكان محفوظاً ومحوطاً بثلاثة جدران، وجعل الجدار في

س81: ما حكم البناء على القبور؟

زاوية منحرفة عن القبلة أي أنه مثلث، والركن في الزاوية الشمالية حيث لا يستقبله الإنسان إذا صلى لأنه منحرف، وبهذا يبطل احتجاج أهل القبور بهذه الشبهة. *** س81: ما حكم البناء على القبور؟ الجواب: البناء على القبور محرم وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لما فيه من تعظيم أهل القبور، وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ آلهة مع الله، كما هو الشأن في كثير من الأبنية التي بنيت على القبور، فأصبح الناس يشركون بأصحاب هذه القبور، ويدعونها مع الله تعالى، ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لكشف الكربات شرك أكبر وردة عن الإسلام. والله المستعان. *** س82: ما حكم دفن الموتى في المساجد؟ الجواب: الدفن في المساجد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذر أمته ويذكر صلى الله عليه وسلم أن هذا من فعل اليهود والنصارى (¬1) ، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله -عز وجل- لأن إقامة المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله -عز وجل- في أصحاب هذه القبور فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد ينفعون أو يضرون، أو أن لهم خاصية تستوجب أن ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (408) . ومسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (376)

س83: ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟

يتقرب إليهم بالطاعات من دون الله -سبحانه وتعالى- فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة وأن تكون المساجد خالية من القبور مؤسسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة قال الله -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجن: 18) فيجب أن تكون المساجد لله -سبحانه وتعالى- خالية من مظاهر الشرك تؤدى فيها عبادة الله وحده لا شريك له هذا هو واجب المسلمين. والله الموفق. *** س83: ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: شد الرحال إلى زيارة القبور أياً كانت هذه القبور لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)) (¬1) والمقصود بهذا أنه لا تشد الرحال إلى أي مكان في الأرض لقصد العبادة بهذا الشد، لأن الأمكنة التي تخصص بشد الرحال هي المساجد الثلاثة فقط، وما عداها من الأمكنة لا تشد إليها الرحال، فقبر النبي صلى الله عليه وسلم، لا تشد الرحال إليه وإنما تشد الرحال إلى مسجده فإذا وصل المسجد فإن الرجال يسن لهم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النساء فلا يسن لهن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والله الموفق. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1189) ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (1397) .

س84: ما حكم التبرك بالقبور والطواف حولها بقصد قضاء حاجة أو تقرب وعن حكم الحلف بغير الله؟

س84: ما حكم التبرك بالقبور والطواف حولها بقصد قضاء حاجة أو تقرب وعن حكم الحلف بغير الله؟ الجواب: التبرك بالقبور حرام ونوع من الشرك، وذلك لأنه إثبات تأثير شيء لم ينزل الله به سلطانأً، ولم يكن من عادة السلف الصالح أن يفعلوا مثل هذا التبرك، فيكون من هذه الناحية بدعة أيضاً، وإذا اعتقد المتبرك أن لصاحب القبر تأثيراً أو قدرة على دفع الضرر أو جلب النفع كان ذلك شركاً أكبر إذا دعاه لجلب المنفعة أو دفع المضرة. وكذلك يكون من الشرك الأكبر إذا تعبد لصاحب القبر بركوع أو سجود، أو ذبح تقرباً له وتعظيماً له، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون: 117) وقال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف: من الآية110) والمشرك شركاً أكبر كافر مخلد في النار، والجنة عليه حرام لقوله تعالى: (مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة: من الآية72) . وأما الحلف بغير الله فإن كان الحالف يعتقد أن للمحلوف به منزلة مثل الله تعالى فهو مشرك شركاً أكبر، وإن كان لا يعتقد ذلك ولكن كان في قلبه من تعظيم المحلوف به ما حمله على أن يحلف به دون أن يعتقد أن له منزلة مثل منزلة الله فهو مشرك شركاً أصغر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) (¬1) . ويجب الإنكار على من تبرك بالقبور، أو دعا المقبور، أو ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س85: ما حكم لبس الثياب التي فيها صورة حيوان أو إنسان؟

حلف بغير الله، وأن يبين له أنه لن ينجيه من عذاب الله قوله: ((هذا شيء أخذنا عليه)) فإن هذه الحجة هي حجة المشركين الذين كذبوا الرسل وقالوا: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزخرف: من الآية23) فقال لهم الرسول: (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) (الزخرف: من الآية24) قال الله -تعالى-: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الزخرف: 25) . ولا يحل لأحد أن يحتج لباطله بكونه وجد عليه آباءه، أو بكونه عادة له ونحو ذلك، ولو احتج بهذا فحجته داحضة عند الله تعالى لا تنفعه ولا تغني عنه شيئاً. وعلى الذين ابتلوا بمثل هذا أن يتوبوا إلى الله، وأن يتبعوا الحق أينما كان، وممن كان، ومتى كان، وأن لا يمنعهم من قبوله عادات قومهم، أو لوم عوامهم، فإن المؤمن حقاً هو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يصده عن دين الله عائق. وفق الله الجميع لما فيه رضاه، وحمانا عما فيه سخطه وعقوبته. *** س85: ما حكم لبس الثياب التي فيها صورة حيوان أو إنسان؟ الجواب لا يجوز للإنسان أن يلبس ثياباً فيها صورة حيوان أو إنسان، ولا يجوز أيضاً أن يلبس غترة أو شماغاً أو ما أشبه ذلك وفيه صورة إنسان أو حيوان، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أن قال: ((إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة)) (¬1) . ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب من كره القعود على الصور (5958) ، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان (2106) .

س86: ما حكم تعليق الصور على الجدران؟

ولهذا لا نرى لأحد أن يقتني الصور للذكرى كما يقولون، وأن من عنده صور للذكرى فإن الواجب عليه أن يتلفها، سواء كان قد وضعها على الجدار، أو وضعها في ألبوم، أو في غير ذلك، لأن بقاءها يقضي حرمان أهل البيت من دخول الملائكة بيتهم. وهذا الحديث الذي أشرت إليه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. *** س86: ما حكم تعليق الصور على الجدران؟ الجواب: تعليق الصور على الجدران ولا سيما الكبيرة منها حرام، حتى وإن لم يخرج إلا بعض الجسم والرأس، وقصد التعظيم فيها ظاهر، وأصل الشرك هو هذا الغلو كما جاء ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال في أصنام قوم نوح التي يعبدونها إنها كانت أسماء رجال صالحين صوروا صورهم ليتذكروا العبادة، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم (¬1) . *** س87: ما حكم التصوير بالآلة الفوتوغرافية الفورية؟ الجواب: التقاط الصور بالآلة الفوتوغرافية الفورية التي لا تحتاج إلى عمل بيد فإن هذا لا بأس به، لأنه لا يدخل في التصوير، ولكن يبقى النظر، ما هو الغرض من هذا الالتقاط؟ إذا كان الغرض من هذا الالتقاط هو أن يقتنيها الإنسان ولو للذكرى صار ذلك الالتقاط حراماً، وذلك لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب (وداً ولا سواعا) (4920) .

س88: كيف نرد على أهل البدع الذين يستدلون على بدعهم بحديث ((من سن في الإسلام سنة حسنة ... )) 108 إلخ؟

واقتناء الصور للذكرى محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر أن ((الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة)) (¬1) وهذا يدل على تحريم اقتناء الصور في البيوت، وأما تعليق الصور على الجدران فإنه محرم ولا يجوز والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. *** س88: كيف نرد على أهل البدع الذين يستدلون على بدعهم بحديث ((من سن في الإسلام سنة حسنة ... )) (¬2) إلخ؟ الجواب: نرد على هؤلاء فنقول إن الذي قال: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)) هو الذي قال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)) (¬3) وعلى هذا يكون قوله: ((من سن في الإسلام سنة حسنة)) منزلاً على سبب هذا الحديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة للقوم الذين جاءوا من مضر في حاجة وفاقة، فجاء رجل بصرة من فضة فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) وإذا عرفنا سبب الحديث وتنزل المعنى عليه تبين أن المراد بسن السنة سن العمل بها، وليس سن التشريع، لأن التشريع لا يكون إلا لله ورسوله، وأن معنى الحديث من سن سنة أي ابتدأ العمل بها واقتدى الناس به فيها، كان له أجرها وأجر من عمل بها، ¬

(¬1) تقدم تخريجه. (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة (1017) . (¬3) تقدم تخريجه.

س89: ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟

هذا هو معنى الحديث المتعين، أو يحمل على أن المراد "من سن سنة حسنة" من فعل وسيلة يتوصل بها إلى العبادة واقتدى الناس به فيها، كتأليف الكتب، وتبويب العلم، وبناء المدارس، وما أشبه هذا مما يكون وسيلة لأمر مطلوب شرعاً. فإذا ابتدأ الإنسان هذه الوسيلة المؤدية للمطلوب الشرعي وهي لم ينه عنها بعينها، كان داخلاً في هذا الحديث. ولو كان معنى الحديث أن الإنسان له أن يشرع ما شاء، لكان الدين الإسلامي لم يكمل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكان لكل أمة شرعة ومنهاجاً، وإذا ظن هذا الذي فعل هذه البدعة أنها حسنة فظنه خاطئ، لأن هذا الظن يكذبه قول الرسول -عليه الصلاة والسلام- ((كل بدعة ضلالة)) . *** س89: ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟ الجواب: أولاً: ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول، وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية. ثانياً: من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضاً لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو بلغه لأمته، ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظاً لأن الله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) فلما لم يكن شيء من ذلك

أن نتعبد به لله -عز وجل- ونتقرب به إليه، فإذا كان الله تعالى قد وضع للوصول إليه طريقاً معيناً وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يسوغ لنا ونحن عباد أن نأتي بطريق من عند أنفسنا يوصلنا إلى الله؟ هذا من الجناية في حق الله -عز وجل- أن نشرع فيدينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله -عز وجل-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (المائدة: من الآية3) فنقول هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلا بد أن يكون موجوداً قبل موت الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين لأن الله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: من الآية3) ومن زعم أنه من كمال الدين وقد حدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة، ولا ريب أن الذين يحتفلون بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يريدون بذلك تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، وإظهار محبته وتنشيط الهمم على أن يوجد منهم عاطفة في ذلك الاحتفال للنبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا من العبادات، محبة الرسول عليه الصلاة والسلام عبادة، بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وتعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام من العبادة، كذلك إلهاب العواطف نحو النبي صلى الله عليه وسلم من الدين أيضاً، لما فيه من الميل إلى شريعته، إذن فالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل التقرب على الله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم عبادة، وإذا كن عبادة فإنه لا يجوز أبداً أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد بدعة ومحرم، ثم إننا نسمع أنه يوجد في هذا

س90: ما حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟

الاحتفال من المنكرات العظيمة ما لا يقره شرع، ولا حس، ولا عقل، فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول عليه الصلة والسلام، حتى جعلوه أكبر من الله -والعياذ بالله- ومن ذلك أيضاً أننا نسمع من سفاهة بعض المحتفلين أنه إذا تلى التالي قصة المولد ثم وصل إلى قوله ((ولد المصطفى)) قاموا جميعاً قيام رجل واحد يقولون إن روح الرسول صلى الله عليه وسلم حضرت فنقوم إجلالاً لها وهذا سفه، ثم إنه ليس من الأدب أن يقوموا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكره القيام له، وأصحابه وهم أشد الناس حباً له وأشد منا تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم، لا يقومون له لما يرون من كراهيته لذلك وهو حي فكيف بهذه الخيالات؟ وهذه البدعة -أعني بدعة المولد- حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة، وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين، فضلاً عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات. *** س90: ما حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟ الجواب: إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعيد بدع حادثة، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً، فيكون فيها من البدعة مشابهة أعداء الله -سبحانه وتعالى-، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع ((يوم الجمعة)) وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة،

وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله -سبحانه وتعالى- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ)) (¬1) أي مردود عليه غير مقبول عند الله، وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬2) وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد، كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله -تعالى- ورسوله، صلى الله عليه وسلم، في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله -تعالى- لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضاً ألا يكون إمعة يتبع كل ناعق بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضى شريعة الله -تعالى- حتى يكون متبوعاً لا تابعاً، وحتى يكون أسوة لا متأسياً، لأن شريعة الله -والحمد لله- كاملة من جميع الوجوه كما قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُم الإسلَامَ دِينَا) (المائدة: الآية3) والأم أحق من أن يحتفى بها يومأً واحداً في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله -عز وجل- في كل زمان ومكان. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (1297) ، ومسلم، كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة (1718) (17) (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة (1718) (17) .

س91: ما حكم إقامة أعياد الميلاد للأولاد أو بمناسبة الزواج؟

س91: ما حكم إقامة أعياد الميلاد للأولاد أو بمناسبة الزواج؟ الجواب: ليس في الإسلام أعياد سوى يوم الجمعة عيد الأسبوع، وأول يوم من شوال عيد الفطر من رمضان، والعاشر من شهر ذي الحجة عيد الأضحى وقد يسمى يوم عرفة عيد لأهل عرفة وأيام التشريق أيام عيد تبعاً لعيد الأضحى. وأما أعياد الميلاد للشخص أو أولاده، أو مناسبة زواج ونحوها فكلها غير مشروعة وهي للبدعة أقرب من الإباحة. *** س92: شخص سكن في دار فأصابته الأمراض وكثير من المصائب مما جعله يتشاءم هو وأهله من هذه الدار فهل يجوز له تركها لهذا السبب؟ الجواب: ربما يكون بعض المنازل، أو بعض المركوبات، أو بعض الزوجات مشئوماً يجعل الله بحكمته مع مصاحبته، إما ضرراً، أو فوات منفعة، أو نحو ذلك، وعلى هذا فلا بأس ببيع هذا البيت والانتقال إلى بيت غيره، ولعل الله أن يجعل الخير فيما ينتقل إليه، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((الشؤم في ثلاث: الدار، والمرأة، والفرس)) (¬1) ، فبعض المركوبات يكون فيها شؤم، وبعض الزوجات يكون فيهن شؤم، وبعض البيوت يكون فيها شؤم، فإذا ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يذكر في شؤم الفرس (2858) ، ومسلم، كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم (2225) .

س93: ما حكم التوسل؟

رأى الإنسان ذلك فليعلم أنه بتقدير الله -عز وجل- وأن الله -سبحانه وتعالى- بحكمه قدر ذلك، لينتقل الإنسان إلى محل آخر. والله أعلم. *** س93: ما حكم التوسل؟ الجواب: هذا سؤال مهم فنحب أن نبسط الجواب فيه فأقول: التوسل: مصدر توسل يتوسل، أي اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده، فأصله طلب الوصول إلى الغاية المقصودة وينقسم التوسل إلى قسمين: القسم الأول: قسم صحيح، وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب وهو على أنواع نذكر منها: النوع الأول: التوسل بأسماء الله -تعالى- وذلك على وجهين: الوجه الأول: أن يكون ذلك على سبيل العموم ومثاله ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في دعاء الهم والغم قال: ((اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، مضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ... )) (¬1) الخ. فهنا توسل بأسماء الله -تعالى- على سبيل العموم ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك)) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

الوجه الثاني: أن يكون ذلك على سبيل الخصوص بأن يتوسل الإنسان باسم خاص لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم، مثل ما جاء في حديث أبي بكر -رضي الله عنه- حيث طلب من النبي صلى الله عليه وسلم، دعاءً يدعو به في صلاته فقال: ((قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) (¬1) فطلب المغفرة والرحمة وتوسل إلى الله -تعالى- باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب وهما ((الغفور)) و ((الرحيم)) . وهذا النوع من التوسل داخل في قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (لأعراف: من الآية180) فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة. النوع الثاني: التوسل إلى الله -تعالى- بصفاته، وهو أيضاً كالتوسل بأسمائه على وجهين: الوجه الأول: أن يكون عاماً كأن تقول ((اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا)) ثم تذكر مطلوبك. الوجه الثاني: أن يكون خاصاً كأن تتوسل إلى الله تعالى بصفة معينة خاصة، لمطلوب خاص، مثل ما جاء في الحديث: "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي)) (¬2) ، فهنا توسل لله -تعالى- ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام (834) ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر (2704) . (¬2) أخرجه النسائي، كتاب السهو، باب 62 (1304) .

بصفة ((العلم)) و ((القدرة)) وهما مناسبان للمطلوب. ومن ذلك أن يتوسل بصفة فعلية مثل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. النوع الثالث: أن يتوسل الإنسان إلى الله -عز وجل- بالإيمان به، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول: ((اللهم إني آمنت بك، وبرسولك فاغفر لي أو وفقني)) ، أو يقول: ((اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا)) ومنه قوله -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (190) (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) (191) إلى قوله: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (192)) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (آل عمران: 190، 193) فتوسلوا إلى الله -تعالى- بالإيمان به أن يغفر لهم الذنوب، ويكفر عنهم السيئات ويتوفاهم مع الأبرار. النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله -سبحانه وتعالى- بالعمل الصالح، ومنه قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار ليبيتوا فيه فانطبق عليهم الغار بصخرة لا يستطيعون زحزحتها، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله، فأحدهم توسل إلى الله -تعالى- ببره بوالديه، والثاني بعفته التامة، والثالث بوفاءه لأجيره، قال كل منهم: ((اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه)) فانفرجت الصخرة، فهذا توسل إلى الله بالعمل الصالح. النوع الخامس: أن يتوسل إلى الله -تعالى- بذكر حاله، يعني

أن الداعي يتوسل إلى الله -تعالى- بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة، ومنه قول موسى -عليه الصلاة والسلام-: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص: من الآية24) يتوسل إلى الله -تعالى- بذكر حاله أن ينزل إليه الخير. ويقرب من ذلك قول زكريا -عليه الصلاة والسلام-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) (مريم: 4) فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها. النوع السادس: التوسل إلى الله -عز وجل- بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته، فإن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، أن يدعو الله لهم بدعاء عام، ودعاء خاص ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ((اللهم أغثنا)) ثلاث مرات فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً. وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره والنبي صلى الله عليه وسلم، يخطب الناس فقال: يا رسول الله غرق الماء، وتهدم البناء فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ((اللهم حوالينا لا علينا)) فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، حتى خرج الناس يمشون في الشمس (¬1) . وهناك عدة ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في المسجد الجامع (1013) ، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء (897) .

وقائع سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم على وجه الخصوص، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن وقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: ((أنت منهم)) (¬1) فهذا أيضاً من التوسل الجائز وهو أن يطلب الإنسان من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله -تعالى- له، إلا أن الذي ينبغي أن يكون السائل يريد بذلك نفع نفسه، ونفع أخيه الذي طلب منه الدعاء، حتى لا يتمحض السؤال لنفسه خاصة، لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك صار في هذا إحسان إليه، فإن الإنسان إذا دعا لأخيه في ظهر الغيب قال الملك: "آمين ولك بمثل" وهو كذلك يكون من المحسنين بهذا الدعاء والله يحب المحسنين. القسم الثاني: - التوسل غير الصحيح وهو: أن يتوسل الإنسان إلى الله -تعالى- بما ليس بوسيلة، أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة، لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو والباطل المخالف للمعقول، والمنقول، ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله -تعالى- بدعاء ميت يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له، لأن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة، بل من سفه الإنسان أن يطلب من الميت أن يدعو الله له، لأن الميت إذا مات انقطع عمله، ولا يمكن لأحد أن يدعو لأحد بعد موته، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره ... (5705) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب (220) .

لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته، ولهذا لم يتوسل الصحابة -رضي الله عنهم- إلى الله بطلب الدعاء من رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد موته، فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر -رضي الله عنه- قال: ((اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)) (¬1) فقام العباس -رضي الله عنه- فدعا الله -تعالى-. ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً ووسيلة صحيحة لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن إجابة دعاءه صلى الله عليه وسلم، أقرب من إجابة دعاء العباس -رضي الله عنه- فالمهم أن التوسل إلى الله -تعالى- بطلب الدعاء من ميت توسل باطل لا يحل ولا يجوز. ومن التوسل الذي ليس بصحيح: أن يتوسل الإنسان بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن جاه الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس مفيداً بالنسبة إلى الداعي، لأنه لا يفيد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى يتوسل إلى الله به، وقد تقدم أن التوسل اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر. فما فائدتك أنت من كون الرسول صلى الله عليه وسلم، له جاه عند الله؟! وإذا أردت أن تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل اللهم بإيماني بك وبرسولك، أو بمحبتي لرسولك وما أشبه ذلك فإن هذا الوسيلة الصحيحة النافعة. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا (1010) .

س94: ما هو الولاء والبراء؟

س94: ما هو الولاء والبراء؟ الجواب: البراء والولاء لله -سبحانه- أن يتبرأ الإنسان من كل ما تبرأ الله منه كما قال -سبحانه وتعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُؤا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً) (الممتحنة: من الآية4) وهذا مع القوم المشركين كما قال -سبحانه-: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (التوبة: من الآية3) فيجب على كل مؤمن أن يتبرأ من كل مشرك وكافر. فهذا في الأشخاص. وكذلك يجب على المسلم أن يتبرأ من كل عمل لا يرضي الله ورسوله وإن لم يكن كفراً، كالفسوق والعصيان، كما قال - سبحانه-: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات: من الآية7) . وإذا كان مؤمن عنده إيمان وعنده معصية، فنواليه على إيمانه، ونكرهه على معاصيه، وهذا يجري في حياتنا، فقد تأخذ الدواء كريه الطعم وأنت كاره لطعمه، وأنت مع ذلك راغب فيه لأن فيه شفاء من المرض. وبعض الناس يكره المؤمن العاصي أكثر مما يكره الكافر، وهذا من العجب وهو قلب للحقائق، فالكافر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين ويجب علينا أن نكرهه من كل قلوبنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ

س95: ما حكم السفر إلى بلاد الكفار؟ وحكم السفر للسياحة؟

الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (الممتحنة: 1) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 51) . هؤلاء الكفار لن يرضوا منك إلا إتباع ملتهم وبيع دينك (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: من الآية120) (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً) (البقرة: من الآية109) وهذا في كل أنواع الكفر: الجحود، والإنكار، والتكذيب، والشرك، الإلحاد. أما الأعمال فنتبرأ من كل عمل محرم، ولا يجوز لنا أن نألف الأعمال المحرمة ولا أن نأخذ بها، والمؤمن العاصي نتبرأ من عمله بالمعصية، ولكننا نواليه ونحبه على ما معه من الإيمان. *** س95: ما حكم السفر إلى بلاد الكفار؟ وحكم السفر للسياحة؟ الجواب: السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات. الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات. الشرط الثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك. فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة، وفيه إضاعة المال لأن الإنسان ينفق أموالاً كثيرة في هذه الأسفار.

س96: فضيلة الشيخ: شخص يعمل مع الكفار فبماذا تنصحونه؟

أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج، أو تلقي علم لا يوجد في بلده وكان عنده علم ودين على ما وصفنا فهذا لا بأس به. وأما السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام، وبلادنا الآن والحمد لله أصبحت بلاداً سياحية في بعض المناطق فبإمكانه أن يذهب إليها ويقضي زمن إجازته فيها. *** س96: فضيلة الشيخ: شخص يعمل مع الكفار فبماذا تنصحونه؟ الجواب: ننصح هذا الأخ الذي يعمل مع الكفار، أن يطلب عملاً ليس فيه أحد من أعداء الله ورسوله ممن يدينون بغير الإسلام، فإذا تيسر فهذا هو الذي ينبغي، وإن لم يتيسر فلا حرج عليه لأنه في عمله وهم في عملهم، ولكن بشرط أن لا يكون في قلبه مودة لهم ومحبة وموالاة، وأن يلتزم ما جاء به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو هذا، وكذلك أيضاً لا يشيع جنائزهم، ولا يحضرها، ولا يشهد أعيادهم، ولا يهنئهم بها مع بذل الاستطاعة في دعوتهم إلى الإسلام. *** س97: كيف نستفيد مما عند الكفار دون الوقوع في المحظور؟ وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟ الجواب: الذي يفعله أعداء الله وأعداؤنا وهم الكفار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: عبادات.

القسم الثاني: عادات. القسم الثالث: صناعات وأعمال. أما العبادات: فمن المعلوم أنه لا يجوز لأي مسلم أن يتشبه بهم في عباداتهم، ومن تشبه بهم في عباداتهم فإنه على خطر عظيم فقد يكون ذلك مؤدياً إلى كفره وخروجه من الإسلام. وأما العادات: كاللباس وغيره فإنه يحرم أن يتشبه بهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) (¬1) . وأما الصناعات والحرف: التي فيها مصالح عامة فلا حرج أن نتعلم مما صنعوه ونستفيد منه، وليس هذا من باب التشبه، ولكنه من باب المشاركة في الأعمال النافعة التي لا يعد من قام بها متشبهاً بهم. وأما قول السائل: ((وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟)) منقول إن المصالح المرسلة، لا ينبغي أن تجعل دليلاً مستقلاً بل نقول هذه المصالح المرسلة إن تحققنا أنها مصلحة فقد شهد لها الشرع بالصحة والقبول وتكون من الشرع، وإن شهد لها بالبطلان فإنها ليست مصالح مرسلة ولو زعم فاعلها أنها مصالح مرسلة. وإن كان لا هذا ولا هذا فإنها ترجع إلى الأصل، إن كانت من العبادات فالأصل في العبادات الحظر، وإن كانت من غير العبادات فالأصل فيها الحل، وبذا يتبين أن المصالح المرسلة ليست دليلاً مستقلاً. *** ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب ما جاء في الأقبية (4031) .

س98: ما حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟

س98: ما حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟ الجواب: استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)) (¬1) وفي صحيح مسلم أنه قال: ((لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً)) (¬2) . لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة. وحيث قلنا جائز فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم. ومن المفاسد المترتبة على ذلك ما يخشى من محبتهم والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم. وفي المسلمين -ولله الحمد- خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق. *** س99: فضيلة الشيخ: يدعي بعض الناس، أن سبب تخلف المسلمين هو تمسكهم بدينهم. وشبهتهم في ذلك، أن الغرب لما تخلوا عن جميع الديانات وتحرروا منها، وصولا إلى وصلوا إليه من التقدم الحضاري، وربما أيدوا شبهتهم بما عند ¬

(¬1) أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ... (3053) . (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب (1767) .

الغرب من الأمطار الكثيرة والزروع فما رأي فضيلتكم؟ الجواب: هذا الكلام لا يصدر إلا من ضعيف الإيمان، أو مفقود الإيمان، جاهل بالتاريخ، غير عالم بأسباب النصر، فالأمة الإسلامية لكما كانت متمسكة بدينها في صدر الإسلام كان لها العزة والتمكين، والقوة، والسيطرة في جميع نواحي الحياة، بل إن بعض الناس يقول: إن الغرب لم يستفيدوا ما استفادوه من العلوم إلا ما نقوله عن المسلمين في صدر الإسلام، ولكن الأمة الإسلامية تخلفت كثيراً عن دينها، وابتدعت في دين الله ما ليس منه، عقيدة، وقولاً، وفعلاً، وحصل بذلك التأخر الكبير، والتخلف الكبير، ونحن نعلم علم اليقين ونشهد الله -عز وجل- إننا لو رجعنا إلى ما كان عليه أسلافنا في ديننا، لكانت لنا العزة، والكرامة، والظهور على جميع الناس. ولهذا لما حدث ((أبو سفيان)) ((هرقل)) ملك الروم -والروم في ذلك الوقت تعتبر دولة عظمى- بما عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه. قال: ((إن كان ما تقول حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين)) . ولما اخرج أبو سفيان وأصحابه من عند ((هرقل)) ، قال: ((لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر)) . وأما ما حصل في الدول الغربية الكافرة الملحدة من التقدم في الصناعات وغيرها، فإن ديننا لا يمنع منه، لو أننا التفتنا إليه، لكن مع الأسف ضيعنا هذا وهذا، ضيعنا ديننا، وضيعنا دنيانا، وإلا فإن الدين الإسلامي لا يعارض هذا التقدم، بل قال الله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ

اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال: من الآية60) وقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) (الملك: من الآية15) وقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: من الآية29) إلى غير ذلك من الآيات التي تعلم إعلاناً ظاهراً للإنسان أن يكتسب ويعمل وينتفع، لكن لا على حساب الدين، فهذه الأمم الكافرة هي كافرة من الأصل، دينها الذي كانت تدعيه دينٌ باطلٌ، فهو وإلحادها على حد سواء، لا فرق. فالله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران: من الآية85) . وإن كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى لهم بعض المزايا التي يخالفون غيرهم فيها، لكن بالنسبة للآخرة هم وغيرهم سواء، ولهذا أقسم النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لا يسمع به من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يتبع ما جاء به إلا كان من أصحاب النار، فهم في الأصل كافرون، سواء انتسبوا إلى اليهودية، أو النصرانية، أم لم ينتسبوا إليها. وأما ما يحصل لهم من الأمطار وغيرها فهم يصابون بهذا ابتلاء من الله -تعالى- وامتحاناً، وتعجل لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمر بن الخطاب، وقد رآه قد أثر في جنبه حصير، فبكى عمر. فقال: يا رسول الله فارس والروم يعيشون فيما يعيشون فيه من النعيم، وأنت على هذه الحال. فقال: ((يا عمر هؤلاء قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة)) (¬1) . ثم إنهم ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب المظالم، بالغرفة والعلية المشرفة ... (2428) ، ومسلم، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء (1479) .

س100 يقول بعض الناس إن تصحيح الألفاظ غير مهم مع سلامة القلب، فما توجيه فضيلتكم؟

يأتيهم من القحط، والبلايا، والزلازل، والعواصف المدمرة ما هو معلوم، وينشر دائماً في الإذاعات، وفي الصحف، وفي غيرها، ولكن من وقع السؤال عنه أعمى، أعمى الله بصيرته فلم يعرف الواقع، ولم يعرف حقيقة الأمر، ونصيحتي له أن يتوب إلى الله -عز وجل- عن هذه التصورات قبل أن يفاجئه الموت، وأن يرجع إلى ربه، وأن يعلم أنه لا عزة لنا، ولا كرامة، ولا ظهور، ولا سيادة إلا إذا رجعنا إلى دين الإسلام، رجوعاً حقيقياً يصدقه القول والفعل، وأن يعلم أن ما عليه هؤلاء الكفار باطل ليس بحق، وأن مأواهم النار، كما أخبر الله بذلك في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الإمداد الذي أمدهم الله به من النعم ما هو إلا ابتلاء وامتحان وتعجيل طيبات، حتى إذا هلكوا وفارقوا هذا النعيم إلى الجحيم ازدادت عليهم الحسرة والألم والحزن، وهذا من حكمة الله -عز وجل- بتنعيم هؤلاء، على أنهم كما قلت لم يسلموا من الكوارث التي تصيبهم من الزلازل، والقحط، والعواصف، والفيضانات وغيرها، فأسأل الله لمن وقع عنه السؤال الهداية والتوفيق، وأن يرده إلى الحق وأن يبصرنا جميعاً في ديننا إنه جواد كريم. *** س100 يقول بعض الناس إن تصحيح الألفاظ غير مهم مع سلامة القلب، فما توجيه فضيلتكم؟ الجواب: إن أراد بتصحيح الألفاظ إجراءها على اللغة العربية فهذا صحيح فإنه لا يهم -من جهة سلامة العقيدة- أن تكون الألفاظ

س101: ما حكم عبارة ((أدام الله أيامك)) ؟

غير جارية على اللغة العربية ما دام المعنى مفهوماً وسليماً. أما إذا أراد بتصحيح الألفاظ ترك الألفاظ التي تدل على الكفر والشرك فكلامه غير صحيح بل تصحيحها مهم ولا يمكن أن نقول للإنسان أطلق لسانك في قول كل شيء ما دامت النية صحيحة، بل نقول الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلامية. *** س101: ما حكم عبارة ((أدام الله أيامك)) ؟ الجواب: قول ((أدام الله أيامك)) من الاعتداء في الدعاء لأن دوام الأيام محال مناف لقوله -تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) (الرحمن: 26) (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والإكرام) (الرحمن: 27) وقوله -تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) (الأنبياء: 34) . *** س102: بعض الناس يسأل بوجه الله فيقول: أسألك بوجه الله كذا وكذا فما الحكم في هذا القول؟ الجواب: وجه الله أعظم من أن يسأل به الإنسان شيئاً من الدنيا ويجعل سؤاله بوجه الله -عز وجل- كالوسيلة التي يتوسل بها إلى حصول مقصوده من هذا الرجل الذي توسل إليه بذلك، فلا يقدمن أحد على مثل هذا السؤال، أي لا يقل وجه الله عليك، أو أسألك بوجه الله أو ما أشبه ذلك. ***

س103: ما حكم قول ((أطال الله بقاءك)) ((طال عمرك)) ؟

س103: ما حكم قول ((أطال الله بقاءك)) ((طال عمرك)) ؟ الجواب: لا ينبغي أن يطلق القول بطول البقاء، لأن طول البقاء قد يكون خيراً وقد يكون شراً، فإن شر الناس من طال عمره وساء عمله، وعلى هذا فلو قال أطال الله بقاءك على طاعته ونحوه فلا بأس بذلك. *** س104: كثيراً ما نرى على الجدران كتابة لفظ الجلالة ((الله)) . وبجانبها لفظة محمد، صلى الله عليه وسلم، أو نجد ذلك على الرقاع، أو على الكتب، أو على بعض المصاحف، فهل موضعها هذا صحيح؟ الجواب: موضعها ليس بصحيح، لأن هذا يجعل النبي صلى الله عليه وسلم، نداً لله مساوياً له، ولو أن أحداً رأى هذه الكتابة وهو لا يدري من المسمى بهما لأيقن يقيناً أنهما متساويان متماثلان، فيجب إزالة اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبقى النظر في كتابة: ((الله)) وحدها، فإنها كلمة يقولها الصوفية، ويجعلونها بدلاً عن الذكر، يقولون: ((الله الله الله)) ، وعلى هذا فتلغى أيضاً، فلا يكتب ((الله)) ، ولا ((محمد)) على الجدران، ولا في الرقاع ولا في غيره. *** س105: ما حكم هذه العبارة ((الله يسأل عن حالك)) ؟ الجواب: هذه العبارة: ((الله يسأل عن حالك)) ، لا تجوز لأنها توهم أن الله -تعالى- يجهل الأمر فيحتاج إلى أن يسأل، وهذا من

س106: ما حكم قول ((فلان المرحوم)) . و ((تغمده الله برحمته)) و ((انتقل إلى رحمه الله)) ؟

المعلوم أنه أمر منكر عظيم، والقائل لا يريد هذا في الواقع لا يريد أن الله يخفى عليه شيء، ويحتاج إلى سؤال، لكن هذه العبارة قد تقيد هذا المعنى، أو توهم هذا المعنى، فالواجب العدول عنها، واستبدالها بأن تقول: ((اسأل الله أن يحتفي بك)) ، و ((أن يلطف بك)) ، وما أشبهها. *** س106: ما حكم قول ((فلان المرحوم)) . و ((تغمده الله برحمته)) و ((انتقل إلى رحمه الله)) ؟ الجواب: قول ((فلان المرحوم)) ، أو ((تغمده الله برحمته)) لا بأس بها، لأن قولهم ((المرحوم)) من باب التفاؤل والرجاء، وليس من باب الخبر، وإذا كان من باب التفاؤل والرجاء فلا بأس به. وأما ((انتقل إلى رحمه الله)) فهو كذلك فيما يظهر لي أنه من باب التفاؤل، وليس من باب الخبر، لأن مثل هذا من أمور الغيب ولا يمكن الجزم به، وكذلك لا يقال ((انتقل إلى الرفيق الأعلى)) . *** س107: ما حكم هذه العبارات: ((بسم الوطن، بسم الشعب، بسم العروبة)) ؟ الجواب: هذه العبارات إذا كان الإنسان يقصد بذلك أنه يعبر عن العرب أو يعبر عن أهل البلد فهذا لا بأس به، وإن قصد التبرك والاستعانة فهو نوع من الشرك، وقد يكون شركاً أكبر بحسب ما يقوم في قلب صاحبه من التعظيم بما استعان به. ***

س108: ما حكم قول العامة ((تباركت علينا؟)) ((زارتنا البركة؟)) .

س108: ما حكم قول العامة ((تباركت علينا؟)) ((زارتنا البركة؟)) . الجواب: قول العامة "تباركت علينا" لا يريدون بهذا ما يريدونه بالنسبة إلى الله -عز وجل- وإنما يريدون أصابنا بركة من مجيئك، والبركة يصح إضافتها إلى الإنسان، قال أسيد بن حضير لما نزلت آية التيمم بسبب عقد عائشة الذي ضاع منها قال: ((ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر)) (¬1) . وطلب البركة لا يخلو من أمرين: الأمر الأول: أن يكون طلب البركة بأمر شرعي معلوم مثل القرآن الكريم قال الله -تعالى-: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَك) (الأنعام: من الآية92) فمن بركته أن من أخذ به وجاهد به حصل له الفتح، فأنقذ الله به أمماً كثيرة من الشرك، ومن بركته أن الحرف الواحد بعشر حسنات وهذا يوفر للإنسان الجهد والوقت. الأمر الثاني: أن يكون طلب البركة بأمر حسي معلوم، مثل العلم فهذا الرجل يتبرك به بعلمه ودعوته إلى الخير، قال أسيد بن حضير ((ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر)) فإن الله قد يجري على أيدي بعض الناس من أمور الخير ما لا يجريه على يد الآخر. وهناك بركات موهومة باطلة مثل ما يزعمه الدجالون أن فلاناً الميت الذي يزعمون أنه ولي أنزل عليكم من بركته وما أشبه ذلك، فهذه بركة باطلة لا أثر لها، وقد يكون للشيطان أثر في هذا الأمر لكنها لا تعدو أن تكون آثاراً حسية بحيث أن الشيطان يخدم هذا الشيخ فيكون في ذلك فتنة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب التيمم (334) ، ومسلم، كتاب الحيض، باب التيمم (289) .

س109: ما حكم قولهم: تدخل القدر؟ وتدخل عناية الله؟

أما كيفية معرفة هل هذه من البركات الباطلة أو الصحيحة؟ فيعرف ذلك بحال الشخص، فإن كان من أولياء الله المتقين المتبعين للسنة المبتعدين عن البدعة فإن الله قد يجعل على يديه من الخير والبركة ما لا يحصل لغيره، أما إن كان مخالفاً للكتاب والسنة، أو يدعو إلى باطل فإن بركته موهومة، وقد تضعها الشياطين له مساعدة على باطله. *** س109: ما حكم قولهم: تدخل القدر؟ وتدخل عناية الله؟ الجواب: قولهم ((تدخل القدر)) لا تصلح لأنها تعني أن القدر اعتدى بالتدخل وأنه كالمتطفل على الأمر، مع أنه -أي القدر- هو الأصل فكيف يقال تدخل؟! والأصح أن يقال: ولكن نزل القضاء والقدر أو غلب القدر ونحو ذلك، ومثل ذلك "تدخلت عناية الله" الأولى إبدالها بكلمة حصلت عناية الله، أو اقتضت عناية الله. *** س110: نسمع ونقرأ كلمة، ((حرية الفكر)) ، وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد، فما تعليقكم على ذلك؟ الجواب: تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد، يعتقد ما شاء من الأديان فإنه كافر، لأن كل من اعتقد أن أحداً يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه كافر بالله -عز وجل- يستتاب، فإن تاب وإلا وجب قتله. والأديان ليست أفكاراً، ولكنها وحي من الله -عز وجل- ينزله على رسله، ليسير عباده عليه، وهذه الكلمة -أعني كلمة فكر- التي يقصد بها الدين. يجب أن تحذف من قواميس الكتب

س111: هل يجوز أن يقول الإنسان للمفتي ما حكم الإسلام في كذا وكذا؟ أو ما رأي الإسلام؟

الإسلامية لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد، وهو أن يقال عن الإسلام: فكر، والنصرانية فكر، واليهودية فكر -وأعني بالنصرانية التي يسميها أهلها بالمسيحية- فيؤدي إلى أن تكون هذه الشرائع مجرد أفكار أرضية يعتنقها من شاء من الناس، والواقع أن الأديان السماوية أديان سماوية من عند الله -عز وجل- يعتقدها الإنسان على أنها وحي من الله تعبد بها عباده، ولا يجوز أن يطلق عليها ((فكر)) . وخلاصة الجواب: أن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء وأنه حر فيما يتدين به فإنه كافر بالله -عز وجل- لأن الله -تعالى- يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران: من الآية85) ويقول:) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام) (آل عمران: من الآية19) فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن ديناً سوى الإسلام جائز يجوز للإنسان أن يتعبد به، بل إذا اعتقد هذا فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة. *** س111: هل يجوز أن يقول الإنسان للمفتي ما حكم الإسلام في كذا وكذا؟ أو ما رأي الإسلام؟ الجواب: لا ينبغي أن يقال ((ما حكم الإسلام في كذا)) ، أو ((ما رأي الإسلام في كذا)) فإنه يقد يخطئ فلا يكون ما قاله حكم الإسلام، لكن لو كان الحكم نصاً صريحاً فلا بأس مثل أن يقول: ما حكم الإسلام في أكل الميتة؟ فنقول: حكم الإسلام في أكل الميتة أنها حرام.

س112: ما حكم قول: ((شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا)) ، و ((شاءت الأقدار كذا وكذا)) ؟

س112: ما حكم قول: ((شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا)) ، و ((شاءت الأقدار كذا وكذا)) ؟ الجواب: قول: ((شاءت الأقدار)) ، و (شاءت الظروف)) ألفاظ منكرة، لأن الظروف جمع ظرف وهو الأزمان، والزمن لا مشيئة له، وكذلك الأقدار جمع قد، والقدر لا مشيئة له، وإنما الذي يشاء هو الله -عز وجل- ولو قال الإنسان: ((اقتضى قدر الله كذا وكذا)) . فلا بأس به. أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار لأن المشيئة هي الإرادة، ولا إرادة للوصف، إنما الإرادة للموصوف. س113: ما حكم قول فلان شهيد؟ الجواب: الجواب على ذلك أن الشهادة لأحد بأنه شهيد تكون على وجهين: أحدهما: أن تقيد بوصف مثل أن يقال كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد ونحو ذلك، فهذا جائز كما جاءت به النصوص، لأنك تشهد بما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعني بقولنا - جائز- أنه غير ممنوع، وإن كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقاً لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثاني: أن تقيد الشهادة بشخص معين مثل أن تقول لشخص بعينه إنه شهيد، فهذا لا يجوز إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك، وقد ترجم البخاري -رحمه الله- لهذا

قوله "باب لا يقال فلا شهيد" قال في الفتح 90/6 ((أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي)) وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: تقولون في مغازيكم فلان شهيد، ومات فلان شهيداً ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((من مات في سبيل الله، أو قتل فهو شهيد)) وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء عن عمر" أ. هـ. كلامه. ولأن الشهادة بالشيء لا تكون إلا عن علم به، وشرط كون الإنسان شهيداً أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهي نية باطنة لا سبيل إلى العلم بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، مشيراً إلى ذلك: ((مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله)) (¬1) . وقال: ((والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك)) (¬2) رواهما البخاري من حديث أبي هريرة. ولكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك، ولا نشهد له به ولا نسيء به الظن. والرجاء مرتبة بين المرتبتين، ولكننا نعامله في الدنيا بأحكام الشهداء فإذا كان مقتولاً في الجهاد في سبيل الله دفن بدمه في ثيابه من غير صلاة عليه، وإن كان من الشهداء الآخرين فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله ... (2787) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله عز وجل (2803) .

س114: ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة ((صدفة)) ؟

ولأننا لو شهدن الأحد بعينه أنه شهيد لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة وهذا خلاف ما كان عليه أهل السنة فإنهم لا يشهدون بالجنة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، بالوصف أو بالشخص، وذهب آخرون منهم إلى جواز الشهادة بذلك لمن اتفقت الأمة على الثناء عليه وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-. وبهذا تبين أنه لا يجوز أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد إلا بنص أو اتفاق، لكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك كما سبق، وهذا كاف في منقبته، وعلمه عند خالقه -سبحانه وتعالى-. *** س114: ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة ((صدفة)) ؟ الجواب: رأينا في هذا القول أنه لا بأس به وهذا أمر متعارف وأظن أن فيه أحاديث بهذا التعبير صادفنا رسول الله ((لكن لا يحضرني الآن حديث معين في هذا الخصوص)) (¬1) . والمصادفة والصدفة بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع، لأن الإنسان لا يعلم الغيب فقد يصادفه الشيء من غير شعور به، ومن غير مقدمات له ولا توقع له، لكن بالنسبة لفعل الله لا يقع هذا، فإن كل شيء عند الله معلوم، وكل شيء عنده بمقدار وهو -سبحانه وتعالى- لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبداً، لكن بالنسبة لي أنا ¬

(¬1) البخاري كتاب النفقات، باب عمل المرأة في بيت زوجها (5361) . مسلم، كتاب فضل الصحابة (4491) (4496) .

س115: ما رأي فضيلة الشيخ -جزاه الله خيرا في مصطلح_ ((فكر إسلامي)) و ((مفكر إسلامي)) ؟

وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له صدفة، ولا حرج فيه، وأما بالنسبة لفعل الله فهذا أمر ممتنع ولا يجوز. *** س115: ما رأي فضيلة الشيخ -جزاه الله خيراً في مصطلح_ ((فكر إسلامي)) و ((مفكر إسلامي)) ؟ الجواب: كلمة ((فكر إسلامي)) من الألفاظ التي يحذر منها، إذ مقتضاها أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد، وهذا خطر عظيم أدخله علينا أعداء الإسلام من حيث لا نشعر. أما "مفكر إسلامي" فلا أعلم فيه بأساً لأنه وصف للرجل المسلم والرجل المسلم، يكون مفكراً. *** س116: تقسيم الدين إلى قشور ولب، (مثل اللحية) ، هل هو صحيح؟ الجواب: تقسيم الدين إلى قشور ولب، تقسيم خاطئ، وباطل، فالدين كله لب، وكله نافع للعبد، وكله يقربه لله -عز وجل-وكله يثاب عليه المرء، وكله ينتفع به المر، بزيادة إيمانه وإخباته لربه- عز وجل- حتى المسائل المتعلقة باللباس والهيئات، وما أشبهها، كلها إذا فعلها الإنسان تقرباً إلى الله -عز وجل- واتباعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يثاب على ذلك، والقشور كما نعلم لا ينتفع بها، بل ترمى، وليس في الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية ما هذا شأنه، بل كل الشريعة الإسلامية لب ينتفع به المرء إذا

س117: ما حكم قولهم ((دفن في مثواه الأخير)) ؟

أخلص النية لله، وأحسن في اتباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الذين يروجون هذه المقالة، أن يفكروا في الأمر تفكيراً جدياً، حتى يعرفوا الحق والصواب، ثم عليهم أن يتبعوه، وأن يدعوا مثل هذه التعبيرات، صحيح أن الدين الإسلامي فيه أمور مهمة كبيرة عظيمة، كأركان الإسلام الخمسة، التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام)) (¬1) وفيه أشياء دون ذلك، لكنه ليس فيه قشور لا ينتفع بها الإنسان، بل يرميها ويطرحها. وأما بالنسبة لمسألة اللحية: فلا ريب أن إعفاءها عبادة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر به، وكل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، بامتثاله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، بل إنها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وسائر إخوانه المرسلين، كما قال الله -تعالى- عن هارون: أنه قال لموسى: (يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) (طه: من الآية94) . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن إعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الناس عليها، فإعفاؤها من العبادة، وليس من العادة، وليس من القشور كما يزعمه من يزعمه. *** س117: ما حكم قولهم ((دفن في مثواه الأخير)) ؟ الجواب: قول القائل ((دفن في مثواه الأخير)) حرام ولا يجوز، ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم (8) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام (16)

س118: إطلاق المسيحية على النصرانية، والمسيحي على النصراني، هل هو صحيح؟

لأنك إذا قلت في مثواه الأخير فمقتضاه أن القبر آخر شيء له، وهذا يتضمن إنكار البعث، ومن المعلوم لعامة المسلمين أن القبر ليس آخر شيء، إلا عند الذين لا يؤمنون باليوم الآخر، فالقبر آخر شيء عندهم، أما المسلم فليس آخر شيء عنده القبر، وقد سمع أعرابي رجلاً يقرأ قوله -تعالى-: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) (1) (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) (التكاثر: 1، 2) فقال ((والله ما الزائر بمقيم)) لأن الذي يزور يمشي فلا بد من بعث وهذا صحيح. لهذا يجب تجنب هذه العبارة فلا يقال عن القبر إنه المثوى الأخير، لأن المثوى الأخير إما الجنة، وإما النار في يوم القيامة. *** س118: إطلاق المسيحية على النصرانية، والمسيحي على النصراني، هل هو صحيح؟ الجواب: لا شك أن انتساب النصارى إلى المسيح بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، انتساب غير صحيح، لأنه لو كان صحيحاً لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، إيمان بالمسيح عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- لأن الله -تعالى- قال: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف: 6) ولم يبشرهم المسيح عيسى ابن مريم بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا من أجل أن يقبلوا ما جاء به، لأن البشارة بما لا ينفع لغو من القول لا يمكن أن تأتي من أدنى الناس عقلاً، فضلاً عن أن تكون صدرت من عند أحد الرسل الكرام أولو العزم عيسى ابن مري

م -عليه الصلاة والسلام- وهذا الذي بشر به عيسى بن مريم بني إسرائيل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) وهذا يدل على أن الرسول الذي بشر به قد جاء ولكنهم كفروا به وقالوا هذا سحرٌ مبين، فإذا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا كفر بعيسى ابن مريم الذي بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ لا يصح أن ينتسبوا إليه فيقولوا إنهم مسيحيون، إذ لو كانوا حقيقة لآمنوا بما بشر به المسيح ابن مريم، لأن عيسى ابن مريم وغيره من الرسل قد أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله -تعالى- (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران: 81) والذي جاء مصدقاً لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله -تعالى- (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقّ) (المائدة: من الآية48) . وخلاصة القول أن نسبة النصارى إلى المسيح عيسى ابن مريم نسبة يكذبها الواقع، لأنهم كفروا ببشارة المسيح عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وكفرهم به كفر بعيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام-. ***

س119: ما رأيكم في هذه العبارة ((لا سمح الله)) ؟

س119: ما رأيكم في هذه العبارة ((لا سمح الله)) ؟ الجواب: أكره أن يقول القائل ((لا سمح الله)) لأن قوله ((لا سمح الله)) ربما توهم أن أحداً يجبر الله على شيء فيقول ((لا سمح الله)) والله -عز وجل- كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا مكره له)) . قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يقول أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة فإن الله لا مكره له، ولايتعاظمه شيء أعطاه)) (¬1) والأولى أن يقول: ((لا قدر الله)) بدلاً من قوله: ((لا سمح الله)) لأنه أبعد عن توهم ما لا يجوز في حق الله -تعالى-. *** س120: بعض الناس إذا مات شخص قال: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (الفجر: 27، 28) فما حكم ذلك؟ الجواب: هذا لا يجوز أن يطلق على شخص بعينه، لأن هذه شهادة بأنه من هذا الصنف. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له (6339) ، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب العزم بالدعاء ولا يقل إن شئت (2679)

فتاوى الصلاة

فتاوى الصلاة *

_ * يسبقها بعض الفتاوى المتعلقة بأحكام الطهارة

س121: ما الأصل في الطهارة من الحدث والخبث؟

س121: ما الأصل في الطهارة من الحدث والخبث؟ الجواب: الأصل في الطهارة من الحدث الماء، ولا طهارة إلا بالماء، سواء كان الماء نقياً، أم متغيراً بشيء طاهر، لأن القول الراجح: أن الماء إذا تغير بشيء طاهر، وهو باقٍ على اسم الماء، أنه لا تزول طهوريته، بل طهور طاهر في نفسه، مطهر لغيره، فإن لم يوجد الماء، أو خيف الضرر باستعماله، فإنه يعدل عنه إلى التيمم، بضرب الأرض بالكفين، ثم مسح الوجه بهما، ومسح بعضهما ببعض. هذا بالنسبة للطهارة من الحدث. أما الطهارة من الخبث، فإن أي مزيل يزيل ذلك الخبث، من ماء أو غيره تحصل به الطهارة، وذلك لأن الطهارة من الخبث يقصد بها إزالة تلك العين الخبيثة بأي مزيل، فإذا زالت هذه العين الخبيثة بماء أو بنزين أو غيره من السائلات أو الجامدات على وجه تام، فإن هذا يكون تطهيراً لها، لكن لا بد من سبع غسلات إحداهن بالتراب في نجاسة الكلب، وبهذا نعرف الفرق بين ما يحصل به التطهير في باب الخبث، وبين ما يحصل به التطهير في باب الحدث. *** س122: هل تطهر النجاسة بغير الماء؟ وهل البخار الذي تغسل به الأكوات مطهر لها؟ الجواب: إزالة النجاسة ليست مما يتعبد به قصداً، أي أنها ليست عبادة مقصودة، وإنما إزالة النجاسة هو التخلي من عين خبيثة نجسة، فبأي شيء أزال النجاسة، وزالت وزال أثرها، فإنه يكون ذلك الشيء مطهراً لها، سواء كان بالماء أو بالبنزين، أو أي

س123: ما حكم الماء المتغير بطول مكثه؟

مزيل يكون، فمتى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون، فإنه يعتبر ذلك تطهيراً لها، حتى إنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، لو زالت بالشمس والريح فإنه يطهر المحل، لأنها كما قلت: هي عين نجسة خبيثة، متى وجدت صار المحل متنجساً بها، ومتى زالت عاد المكان إلى أصله، أي إلى طهارته، فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها -إلا أنه يعفى عن اللون المعجوز عنه- فإنه يكون مطهراً لها، وبناء على ذلك نقول: إن البخار الذي تغسل به الأكوات إذا زالت به النجاسة فإنه يكون مطهراً. *** س123: ما حكم الماء المتغير بطول مكثه؟ الجواب: هذا الماء طهور وإن تغير، لأنه لم يتغير بمازج خارج وإنما تغير بطول مكثه في هذا المكان، وهذا لا بأس به يتوضأ منه، والوضوء صحيح. *** س124: ما الحكمة في تحريم لبس الذهب على الرجال؟ الجواب: إعلم أيها السائل، وليعلم كل من يطلع على هذا الجواب أن العلة في الأحكام الشرعية لكل مؤمن، هي قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: من الآية36) فأي واحد يسألنا عن إيجاب شيء أو تحريم شيء دل على حكمه الكتاب والسنة، فإننا نقول: العلة في ذلك قول الله تعالى، أو قول

رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه العلة كافية لكل مؤمن، ولهذا لما سئلت عائشة -رضي الله عنها- ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قال: ((كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) (¬1) لأن النص من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم علة موجبة لكل مؤمن، ولكن لا بأس أن يتطلب الإنسان العلة وأن يلتمس الحكمة في أحكام الله تعالى، لأن ذلك يزيده طمأنينة، ولأنه يتبين به سمو الشريعة الإسلامية حيث تقرن الأحكام بعللها، ولأنه يتمكن به من القياس إذا كانت علة هذا الحكم المنصوص عليه ثابتة في أمر آخر لم ينص عليه، فالعلم بالحكمة الشرعية له هذه الفوائد الثلاث. ونقول -بعد ذلك- في الجواب على السؤال: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم لباس الذهب على الذكور دون الإناث ووجه ذلك أن الذهب من أغلى ما يتجمل به الإنسان ويتزين به فهو زينة وحلية، والرجل ليس مقصوداً لهذا الأمر، أي ليس إنساناً يتكمل بغيره أو يكمل بغيره، بل الرجل كامل بنفسه لما فيه من الرجولة، ولأنه ليس بحاجة إلى أن يتزين لشخص آخر تتعلق به رغبته، بخلاف المرأة، فإن المرأة ناقصة تحتاج إلى تكميل بجمالها، ولأنها محتاجة إلى التجمل بأغلى أنواع الحلي، حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها، فلهذا أبيح للمرأة أن تتحلى بالذهب دون الرجل، قال الله تعالى في وصف المرأة: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف: 18) وبهذا يتبين حكم الشرع في تحريم لباس الذهب على الرجال. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب لا تقضي الحائض الصلاة (321) ومسلم، كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم.. (335) .

س125: ما حكم تركيب الأسنان الذهبية؟

وبهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى هؤلاء الذين ابتلوا من الرجال بالتحلي بالذهب، فإنهم بذلك قد عصوا الله ورسوله وألحقوا أنفسهم بمصاف الإناث، وصاروا يضعون في أيديهم جمرة من النار يتحلون بها، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فعليهم، أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا شاءوا أن يتحلوا بالفضة في الحدود الشرعية فلا حرج في ذلك، وكذلك بغير الذهب من المعادن لا حرج عليهم أن يلبسوا خواتم منه إذا لم يصل ذلك إلى حد السرف. *** س125: ما حكم تركيب الأسنان الذهبية؟ الجواب: الأسنان الذهبية لا يجوز تركيبها للرجال إلا لضرورة، لأن الرجل يحرم عليه لبس الذهب والتحلي به، وأما للمرأة فإذا جرت عادة النساء بأن تتحلى بأسنان الذهب فلا حرج عليها في ذلك فلها أن تكسو أسنانها ذهباً إذا كان هذا مما جرت العادة بالتجمل به، ولم يكن إسرافاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي)) (¬1) وإذا ماتت المرأة في هذه الحالة أو مات الرجل وعليه سن ذهب قد لبسه للضرورة فإنه يخلع إلا إذا خشي المثلة، يعني خشي أن تتمزق اللثة فإنه يبقى، وذلك أن الذهب يعتبر من المال، والمال يرثه الورثة من بعد الميت فإبقائه في الميت ودفنه إضاعة للمال. *** ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في الحرير والذهب (1720) ، والنسائي، كتاب الزينة، باب تحريم الذهب على الرجال (5163) .

س126: ما حكم قضاء الحاجة (البول) في أماكن الوضوء مما يؤدي إلى كشف عورته؟

س126: ما حكم قضاء الحاجة (البول) في أماكن الوضوء مما يؤدي إلى كشف عورته؟ الجواب: لا يجوز للإنسان أن يكشف عورته بحيث يراها من لا يحل له النظر إليها، فإذا كشف الإنسان عورته للحمامات المعدة للوضوء، والتي يشاهدها الناس، فإنه يكون بذلك آثماً، وقد ذكر الفقهاء -رحمهم الله- أنه في هذه الحال يجب على المرء أن يستجمر بدل الاستنجاء. بمعنى أن يقضي حاجته بعيداً عن الناس، وأن يستجمر بالأحجار، أو بالمناديل، ونحوها مما يباح الاستجمار به، حتى ينقي محل الخارج بثلاثة مسحات فأكثر. قالوا: إنما يجب ذلك لأنه لو كشف عورته للاستنجاء، لظهرت للناس، وهذا أمر محرم، وما لا يمكن تلافي المحرم إلا به، فإنه يكون واجباً. وعلى هذا فنقول في الجواب: لا يجوز للمرء أن يتكشف أمام الناظرين للاستنجاء، بل يحاول أن يكون في مكان لا يراه أحد. *** س127: ما حكم البول قائماً؟ الجواب: البول قائماً يجوز بشرطين: أحداهما: أن يأمن من التلوث بالبول. الثاني: أن يأمن من أن ينظر أحد إلى عورته. ***

س128: ما حكم الدخول بالمصحف إلى الحمام؟

س128: ما حكم الدخول بالمصحف إلى الحمام؟ الجواب: المصحف، أهل العلم يقولون: لا يجوز للإنسان أن يدخل به إلى الحمام، لأن المصحف كما هو معلوم له من الكرامة والتعظيم ما لا يليق أن يدخل به إلى هذا المكان، والله الموفق. *** س129: ما حكم الدخول إلى الحمام بأوراق فيها اسم الله؟ الجواب: يجوز الدخول إلى حمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة، بل هي خفيةً ومستورة. ولا تخلو الأسماء غالباً من ذكر اسم الله -عز وجل- كعبد الله وعبد العزيز وما أشبهها. *** س130: إذا كان الإنسان في الحمام فكيف يسمي؟ الجواب: إذا كان الإنسان في الحمام فيسمي بقلبه لا بلسانه، لأن وجوب التسمية في الوضوء والغسل ليس بالقوي، حيث قال الإمام أحمد -رحمه الله-: ((لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسمية في الوضوء شيء)) . ولذلك ذهب الموفق صاحب المغني إلى غيره إلى أن التسمية في الوضوء سنة لا واجبة. *** س131: ما حكم استقبال القبلة، أو استدبارها حال قضاء الحاجة؟ الجواب: اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال:

فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير البنيان، واستدلوا لذلك بحديث أبى أيوب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا)) (¬1) . قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله، وحملوا ذلك على غير البنيان أما في البنيان: فيجوز الاستقبال والاستدبار، لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((رقيت يوماً على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)) (¬2) . وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها بكل حال، سواء في البنيان أو غيره، واستدلوا بحديث أبي أيوب المتقدم، وأجابوا عن حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- بأجوبة منها: أولاً: أن حديث ابن عمر يحمل على ما قبل النهي. ثانياً: أن النهي يرجح، لأن النهي ناقل عن الأصل، وهو الجواز، والناقل عن الأصل أولى. ثالثاً: إن حديث أبي أيوب قولٌ، وحديث ابن عمر فعلٌ، والفعل لا يمكن أن يعارض القول، لأن الفعل يحتمل الخصوصية ويحتمل النسيان، ويحتمل عذراً آخر. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب لا يستقبل القبلة ببول ولا غائط (144) ، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة (59) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب من تبرز على لبنتين (145) .

س132: إذا خرج من الإنسان ريح، فهل يجب عليه الاستنجاء؟

والقول الراجح عندي في هذه المسألة: أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الفضاء ويجوز الاستدبار في البنيان دون الاستقبال، لأن النهي عن الاستقبال محفوظ ليس فيه تخصيص، والنهي عن الاستدبار مخصوص بالفعل، وأيضاً الاستدبار أهون من الاستقبال ولهذا -والله أعلم- جاء التخفيف فيه فيما إذا كان الإنسان في البنيان، والأفضل أن لا يستدبرها إن أمكن. *** س132: إذا خرج من الإنسان ريح، فهل يجب عليه الاستنجاء؟ الجواب: خروج الريح من الدبر ناقض للوضوء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) (¬1) لكنه لا يوجب الاستنجاء، أي لا يوجب غسل الفرج لأنه لم يخرج شيء يستلزم الغسل، وعلى هذا فإذا خرجت الريح انتقض الوضوء، وكفى الإنسان أن يتوضأ، أي أن يغسل وجهه مع المضمضة والاستنشاق، ويديه إلى المرفقين، ويمسح رأسه، ويمسح أذنيه، ويغسل قدميه إلى الكعبين. وهنا أنبه على مسألة تخفى على كثير من الناس وهي: أن بعض الناس يبول أو يتغوط قبل حضور وقت الصلاة، ثم يستنجي، فإذا جاء وقت الصلاة، وأراد الوضوء، فإن بعض الناس ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن (137) ، ومسلم، كتاب الحيض، باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك (361) .

س133: متى يتأكد استعمال السواك؟ وما حكم السواك لمنتظر الصلاة حال الخطبة؟

يظن أنه لا بد من إعادة الاستنجاء وغسل الفرج مرة ثانية, وهذا ليس بصواب, فإن الإنسان إذا غسل فرجه بعد خروج ما يخرج منه، فقد طهر المحل، وإذا طهر فلا حاجة إلى إعادة غسله، لأن المقصود من الاستنجاء أو الاستجمار الشرعي بشروطه المعروفة، المقصود به تطهير المحل، فإذا طهر فلن يعود إلى النجاسة إلا إذا تجدد الخارج مرة ثانية. *** س133: متى يتأكد استعمال السواك؟ وما حكم السواك لمنتظر الصلاة حال الخطبة؟ الجواب: يتأكد السواك عند القيام من النوم، وأول ما يدخل البيت، وعند الوضوء في المضمضة، وإذا قام للصلاة. ولا بأس به لمنتظر الصلاة، لكن في حال الخطبة لا يتسوك، لأنه يشغله، إلا أن يكون معه نعاس فيتسوك لطرد النعاس. *** س134: هل التسمية في الوضوء واجبة؟ الجواب: التسمية في الوضوء ليست بواجبة ولكنها سنة، وذلك لأن في ثبوت حديثها نظراً. فقد قال الإمام أحمد -رحمه الله-: ((إنه لا يثبت في هذا الباب شيء)) والإمام أحمد -كما هو معلوم لدى الجميع- من أئمة هذا الشأن ومن حفاظ هذا الشأن، فإذا قال إنه لم يثبت في هذا الباب شيء، فإن حديثها يبقى في النفس منه شيء، وإذا كان في ثبوته نظر، فإن الإنسان لا يسوغ لنفسه أن يلزم عباد الله بما لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك أرى أن

س135: ما حكم الختان في حق الرجال والنساء؟

التسمية في الوضوء سنة، لكن من ثبت عنده الحديث وجب عليه القول بموجبه، وهو أن التسمية واجبة، لأن قوله: ((لا وضوء)) الصحيح أنه نفيٌ للصحة وليس نفياً للكمال. *** س135: ما حكم الختان في حق الرجال والنساء؟ الجواب: حكم الختان محل خلاف، وأقرب الأقوال أن الختان واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء، ووجه التفريق بينهما أن الختان في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهو الطهارة، لأنه إذا بقيت القلفة، فإن البول إذا خرج من ثقب الحشفة بقي وتجمع في القلفة، وصار سبباً إما لاحتراق أو التهاب، أو لكونه كلما تحرك خرج منه شيء فيتنجس بذلك. وأما المرأة فإنه غاية ما فيه من الفائدة أنه يقلل من غلمتها -أي شهوتها- وهذا طلب كمال، وليس من باب إزالة الأذى. واشترط العلماء لوجوب الختان، ألا يخاف على نفسه فإن خاف على نفسه من الهلاك أو المرض، فإنه لا يجب، لأن الواجبات لا تجب مع العجز، أو مع خوف التلف، أو الضرر. ودليل وجوب الختان في حق الرجال: أولاً: أنه وردت أحاديث متعددة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أسلم أن يختتن (¬1) ، والأصل في الأمر الوجوب. ثانياً: أن الختان ميزة بين المسلمين والنصارى، حتى كان المسلمون يعرفون قتلاهم في المعارك بالختان، فقالوا: الختان ميزة، ¬

(¬1) مسند الإمام أحمد 3/415.

س136: إذا كان للإنسان أسنان صناعية فهل يجب عليه نزعها عند المضمضة؟

وإذا كان ميزة فهو واجب لوجوب التمييز بين الكافر والمسلم، ولهذا حرم التشبه بالكفار لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) (¬1) . ثالثاً: أن الختان قطع شيء من البدن، وقطع شيء من البدن حرام، والحرام لا يستباح إلا لشيء واجب. فعلى هذا يكون الختان واجباً. رابعاً: أن الختان يقوم به ولي اليتيم وهو اعتداء عليه واعتداء على ماله، لأنه سيعطي الخاتن أجره، فلولا أنه واجب لم يجز الاعتداء على ماله وبدنه. وهذه الأدلة الأثرية والنظرية تدل على وجوب الختان في حق الرجال. أما المرأة ففي وجوبه عليها نظر، فأظهر الأقوال: أنه واجب على الرجال دون النساء، وهناك حديث ضعيف وهو: ((الختان سنة في حق الرجال، ومكرمة في حق النساء)) (¬2) . فلو صح هذا الحديث لكان فاصلاً. *** س136: إذا كان للإنسان أسنان صناعية فهل يجب عليه نزعها عند المضمضة؟ الجواب: إذا كان على الإنسان أسنان مركبة، فالظاهر أنه لا يجب عليه أن يزيلها، وتشبه هذه بالخاتم، والخاتم لا يجب نزعه عند الوضوء، بل الأفضل أن يحركه، لكن ليس على سبيل الوجوب، ¬

(¬1) تقدم تخريجه (¬2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/75) .

س137: هل يلزم المتوضئ أن يأخذ ماء جديدا لأذنيه؟

لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسه، ولم ينقل أنه كان ينزعه عند الوضوء، وهو أظهر من كونه مانعاً من وصول الماء من هذه الأسنان، لا سيما أن بعض الناس تكون هذه التركيبة شاقاً عليه نزعها ثم ردها. *** س137: هل يلزم المتوضئ أن يأخذ ماءً جديداً لأذنيه؟ الجواب: لا يلزم أحذ ماجد جديد للأذنين، بل ولا يستحب على القول الصحيح، لأن جميع الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم، لم يذكروا أنه كان يأخذ ماءً جديداً لأذنيه، فالأفضل أن يمسح أذنيه ببقية البلل الذي بقي بعد مسح رأسه. *** س138: ما معنى الترتيب في الوضوء؟ وما المراد بالموالاة في الوضوء؟ وما حكمها؟ الجواب: الترتيب في الوضوء معناه أن تبدأ بما بدأ الله به، وقد بدأ الله بذكر غسل الوجه، ثم غسل اليدين، ثم مسح الرأس، ثم غسل الرجلين، ولم يذكر الله تعالى غسل الكفين قبل غسل الوجه، لأن غسل الكفين قبل غسل الوجه ليس واجباً بل هو سنة، هذا هو الترتيب أن تبدأ بأعضاء الوضوء مرتبة كما رتبها الله -عز وجل- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج وخرج إلى المسعى بدأ بالصفا، فلما أقبل عليه قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (البقرة: من الآية158) أبدأ بما بدأ الله به (¬1) ، فتبين أنه إنما أتى إلى الصفا قبل المروة ابتداء بما بدأ الله به. وأما الموالاة، فمعناها: أن لا يفرق بين أعضاء الوضوء بزمن ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

س139: إذا توضأ الإنسان ونسي عضوا من الأعضاء فما الحكم؟

يفصل بعضها عن بعض، مثال ذلك لو غسل وجهه، ثم أراد أن يغسل يديه ولكن تأخر، فإن الموالاة قد فاتت، وحينئذ يجب عليه أن يعيد الوضوء من أوله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد توضأ، وفي قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء، فقال: ((ارجع فأحسن وضوءك)) (¬1) . وفي رواية أبي داود ((أمره أن يعيد الوضوء)) . وهذا يدل على اشتراط الموالاة، ولأن الوضوء عبادة واحدة، والعبادة الواحدة لا ينبني بعضها على بعض مع تفرق أجزائها. فالصحيح: أن الترتيب والموالاة فرضان من فروض الوضوء. *** س139: إذا توضأ الإنسان ونسي عضواً من الأعضاء فما الحكم؟ الجواب: إذا توضأ الإنسان ونسي عضواً من الأعضاء، فإن ذكر ذلك قريباً، فإنه يغسله وما بعده، مثال ذلك: شخص توضأ ونسي أن يغسل يده اليسرى فغسل يده اليمنى، ثم مسح رأسه وأذنيه، ثم غسل رجليه، ولما انتهى من غسل الرجلين، ذكر أنه لم يغسل اليد اليسرى، فنقول له: اغسل اليد اليسرى، وامسح الرأس والأذنين، واغسل الرجلين، وإنما أوجبنا عليه إعادة مسح الرأس والأذنين، وغسل الرجلين، لأجل الترتيب، فإن الوضوء يجب أن يكون مرتباً كما رتبه الله عز وجل فقال: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) (المائدة: من الآية6) . ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة (243) .

س140: إذا انقطع الماء أثناء الوضوء، ثم عاد وقد جفت الأعضاء فهل يبني الإنسان على ما تقدم أم يعيد الوضوء؟

أما إن كان لم يذكر إلا بعد مدة طويلة، فإنه يعيد الوضوء من أصله، مثل أن يتوضأ شخص وينسى غسل يده اليسرى ثم ينتهي من وضوئه ويذهب حتى يمضي مدة طويلة، ثم ذكر أنه لم يغسل اليد اليسرى، فإنه يجب عليه أن يعيد الوضوء من أوله لفوات الموالاة، لأن الموالاة بين أعضاء الوضوء، شرط لصحته، ولكن ليعلم أنه لو كان شكاً، يعني بعد أن انتهى من الوضوء شك هل غسل يده اليسرى أو اليمنى، أو هل تمضمض أو استنشق، فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك بل يستمر ويصلي ولا حرج عليه، وذلك لأن الشك في العبادات بعد الفراغ منها لا يعتبر، لأننا لو قلنا باعتباره لانفتح على الناس باب الوساوس، وصار كل إنسان يشك في عبادته، فمن رحمة الله -عز وجل- أن ما كان ما الشك بعد الفراغ من العبادة فإنه لا يلتفت إليه ولا يهتم به الإنسان إلا إذا تيقن الخلل فإنه يجب عليه تداركه. والله أعلم. *** س140: إذا انقطع الماء أثناء الوضوء، ثم عاد وقد جفت الأعضاء فهل يبني الإنسان على ما تقدم أم يعيد الوضوء؟ الجواب: هذا ينبني على معنى الموالاة وعلى كونها شرطاً لصحة الوضوء، وللعلماء في أصل المسألة قولان: أحدهما: أن الموالاة شرط وأنه لا يصح الوضوء إلا متوالياً فلو فصل بعضه عن بعض لم يصح، وهذا هو القول الراجح، لأن الوضوء عبادة واحدة يجب أن يكون بعضها متصلاً ببعض، وإذا قلنا بوجوب الموالاة وأنها شرط لصحة الوضوء فبماذا تكون

س141: ما حكم وضوء من كان على أظافرها ما يسمى بـ ((المناكير)) ؟

الموالاة؟ قال بعض العلماء: الموالاة أن لا يؤخر غسل عضو حتى يجف الذي قبله بزمن معتدل، إلا إذا أخرها لأمر يتعلق بالطهارة كما لو كان في أحد أعضائه بوية وحاول أن يزيلها وتأخر في إزالة هذه البوية حتى جفت أعضاؤه، فإنه يبني على ما مضى ويستمر ولو تأخر طويلاً، لأنه تأخر بعمل يتعلق بطهارته، أما إذا تأخر لتحصيل ماء كماك في هذا السؤال فإن بعض أهل العلم يقول: إن الموالاة تفوت وعلى هذا فيجب عليه إعادة الوضوء من جديد، وبعضهم يقول: لا تفوت الموالاة لأنه أمر بغير اختياره وهو لا زال منتظراً لتكميل الوضوء، وعلى هذا إذا عاد الماء فإنه يبني على ما مضى ولو جفت أعضاؤه، على أن بعض العلماء الذين يقولون بوجوب الموالاة واشتراطها يقولون: إن الموالاة لا تتقيد بجفاف العضو وإنما تتقيد بالعرف، فما جرى العرف بأنه فصل، فهو فاصل يقطع الموالاة، وما جرى العرف بأنه ليس بفاصل، فليس بفاصل، مثل الذين ينتظرون وجود الماء إذا انقطع، هم الآن يشتغلون بجلب الماء، عند الناس لا يعد هذا تقاطعاً بين أول الوضوء وآخره، فيبنى على ما مضى، وهذا هو الأفضل، فإنه إذا جاء الماء يبنون على ما مضى اللهم إلا إذا طال الوقت مدة طويلة يخرجها عن العرف يبدؤون من جديد والأمر في هذا سهل. *** س141: ما حكم وضوء من كان على أظافرها ما يسمى بـ ((المناكير)) ؟ الجواب: ما يسمى ((المناكير)) وهو شيء يوضع في الأظفار

تستعمله المرأة وله قشرة، لا يجوز استعماله للمرأة إذا كانت تصلي لأنه يمنع وصول الماء في الطهارة، وكل شيء يمنع وصول الماء فإنه لا يجوز استعماله للمتوضئ، أو المغتسل، لأن الله يقول: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُم) . (المائدة: من الآية6) وهذه المرأة إذا كان على أظافرها مناكير فإنها تمنع وصول الماء فلا يصدق عليها أنها غسلت يدها فتكون قد تركت فريضة من فرائض الوضوء أو الغسل. وأما من كانت لا تصلي كالحائض فلا حرج عليها إذا استعملته إلا أن يكون هذا الفعل من خصائص نساء الكفار فإنه لا يجوز لما فيه من التشبه بهن. ولقد سمعت أن بعض الناس أفتى بأن هذا من جنس لبس الخفين، وأنه يجوز أن تستعمله المرأة لمدة يوم وليلة، إن كانت مقيمة ومدة ثلاثة أيام إن كانت مسافرة، ولكن هذه فتوى غلط، وليس كل ما ستر الناس به أبدانهم يلحق بالخفين، فإن الخفين جاءت الشريعة بالمسح عليهما للحاجة إلى ذلك غالباً، فإن القدم محتاجة إلى التدفئة ومحتاجة إلى الستر، لأنها تباشر الأرض، والحصى، والبرودة، وغير ذلك، فخصص الشارع المسح عليهما، وقد يقيسون أيضاً على العمامة، وليس بصحيح لأن العمامة محلها الرأس، والرأس فرضه مخفف من أصله، فإن فريضة الرأس هي المسح بخلاف اليد، فإن فرضيتها الغسل، ولهذا لم يبح النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تمسح القفازين مع أنهما يستران اليد، فدل هذا على أنه لا يجوز للإنسان أن يقيس أي حائل يمنع وصول الماء على العمامة وعلى

س142: ما صفة الوضوء الشرعي؟

الخفين، والواجب على المسلم أن يبذل غاية جهده في معرفة الحق، وأن لا يقدم على فتوى إلا وهو يشعر أن الله تعالى سائلة عنها، لأنه يعبر عن شريعة الله -عز وجل- والله الموفق والهادي إلى الصراط المستقيم. *** س142: ما صفة الوضوء الشرعي؟ الجواب: صفة الوضوء الشرعي على وجهين: صفة واجبة لا يصح الوضوء إلى بها، وهي المذكورة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (المائدة: من الآية6) وهي غسل الوجه مرة واحدة ومنه المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين إلى المرافق من أطراف الأصابع إلى الموافق مرة واحده، ويجب أن يلاحظ المتوضئ كفيه عند غسل ذراعيه فيغسلهما مع الذراعين، فإن بعض الناس يغفل عن ذلك ولا يغسل إلا ذراعيه وهو خطأ، ثم يمسح الرأس مرة واحدة ومنه -أي من الرأس- الأذنان، وغسل الرجلين إلى الكعبين مرة واحدة هذه هي الصفة الواجبة التي لا بد منها. أما الوجه الثاني من صفة الوضوء، فهي الصفة المستحبة ونسوقها الآن بعون الله وهي: أن يسمي الإنسان عند وضوئه، ويغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات بثلاث غرفات، ثم يغسل وجهه ثلاثاً، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً، يبدأ باليمنى ثم اليسرى، ثم يمسح رأسه مرة واحدة،

يبل يديه ثم يمرهما من مقدم رأسه إلى مؤخره ثم يعود إلى مقدمه، ثم يمسح أذنيه فيدخل سباحتيه في صماخيهما، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً ثلاثاً، يبدأ باليمنى، ثم باليسرى، ثم يقول بعد ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله واحده لا شريط له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فإنه إذا فعل ذلك، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، هكذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله عمر -رضي الله عنه- (¬1) . *** ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء (234) .

رسالة في كيفية طهارة المريض قال فضيلة الشيخ -حفظه الله تعالى-: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذه رسالة مختصر فيما يجب على المرضى في طهارتهم وصلاتهم، فإن للمريض أحكاماً تخصه في ذلك لما هو عليه من الحال التي اقتضت الشريعة الإسلامية مراعاتها فإن الله تعالى بعث نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم، بالحنيفية السمحة المبنية على اليسر والسهولة، قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: من الآية78) وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: من الآية185) وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) (التغابن: من الآية16) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الدين يسر)) (¬1) وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (¬2) . وبناء على هذه القاعدة الأساسية خفف الله تعالى عن أهل الأعذار ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر (39) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (7288) ، ومسلم، كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه (1337) .

عباداتهم بحسب أعذارهم، ليتمكنوا من عبادة الله تعالى بدون حرج ولا مشقة، والحمد لله رب العالمين. ((كيف يتطهر المريض)) ؟ 1- يجب على المريض أن يتطهر بالماء فيتوضأ من الحدث الأصغر، ويغتسل من الحدث الأكبر. 2- فإن كان لا يستطيع الطهارة بالماء لعجزه، أو خوف زيادة المرض، أو تأخر برئه فإنه يتيمم. 3- كيفية التيمم: أن يضرب الأرض الطاهرة بيديه ضرة واحدة يمسح بهما جميع وجهه، ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض. 4- فإن لم يستطع أن يتطهر بنفسه فإنه يوضئه، أو ييممه شخص آخر، فيضرب الشخص الأرض الطاهرة بيديه، ويمسح بها وجه المريض وكفيه، كما لو كان لا يستطيع أن يتوضأ بنفسه فيوضئه شخص آخر. 5- إذا كان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء، فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه مسحاً، فيبل يده بالماء ويمرها عليه، فإن كان المسح يؤثر عليه أيضاً فإنه يتيمم عنه. 6- إذا كان في بعض أعضائه كسر مشدود عليه خرقة، أو جبس فإنه يمسح عليه بالماء بدلاً من غسله، ولا يحتاج للتيمم، لأن المسح بدل عن الغسل. 7- يجوز أن يتيمم على الجدار، أو على شيء آخر طاهر له غبار، فإن كان الجدار ممسوحاً بشيء من غير جنس الأرض كالبوية فلا يتيمم عليه إلا أن يكون له غبار.

8- إذا لم يمكن التيمم على الأرض، أو الجدار، أو شيء آخر له غبار فلا بأس أن يوضع تراب في إناء أو منديل يتيمم منه. 9- إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارته إلى وقت الأخرى فإنه يصليها بالتيمم الأول، ولا يعيد التيمم للصلاة الثانية، لأنه لم يزل على طهارته، ولم يوجد ما يبطلها. 10- يجب على المريض أن يطهر بدنه من النجاسات، فإن كان لا يستطيع صلى على حاله، وصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه. 11- يجب على المريض أن يصلي بثياب طاهرة، فإن تنجست ثيابه وجب غسلها أو إبدالها بثياب طاهرة، فإن لم يمكن صلى على حاله وصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه. 12- يجب على المريض أن يصلي على شيء طاهر، فإن تنجس مكانه وجب غسله أو إبداله بشيء طاهر، أو يفرش عليه شيئاً طاهراً، فإن لم يمكن صلى على حاله وصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه. 13- لا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطهارة، بل يتطهر بقدر ما يمكنه، ثم يصلي الصلاة في وقتها ولو كان على بدنه وثوبه أو مكانه نجاسة يعجز عنها.

س143: ما حكم خلع الجوربين عند كل وضوء احتياطا للطهارة؟

س143: ما حكم خلع الجوربين عند كل وضوء احتياطاً للطهارة؟ الجواب: هذا خلاف السنة، وفيه تشبه بالروافض الذين لا يجيزون المسح على الخفين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة حينما أراد نزع خفيه قال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) (¬1) . ومسح عليهما. *** س144: تقدير الوقت في المسح على الخفين، متى يبتدئ؟ الجواب: هذه المسألة من أهم المسائل التي يحتاج الناس إلى بيانها، ولهذا سوف نجعل الجواب أوسع من السؤال، إن شاء الله. فنقول: إن المسح على الخفين ثابت بدلالة الكتاب والسنة، أما الكتاب فهو من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (المائدة: من الآية6) بكسر اللام -أرجلِكم- فتكون أرجلكم معطوفة على قوله (برؤوسكم) فتدخل في ضمن الممسوح، والقراءة التي يقرؤها الناس في المصاحف (وأرجلَكم) بفتح اللام، فهي معطوفة على قوله: (وجوهكم) . فتكون من ضمن المغسول، وحينئذٍ فالأرجل بناء على القراءتين إما أن تغسل، وإما أن تمسح، وقد بينت السنة متى يكون الغسل، ومتى يكون المسح، فيكون الغسل حين تكون القدم مكشوفة، ويكون المسح حين تكون مستورة بالخف ونحوه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان (206) ، ومسلم، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين (274) (79) .

أما السنة، فقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين، وعده أهل العلم من المتواتر، كما قال من نظم ذلك: مما تواتر حديث من كذب ومن بني الله بيتاً واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ... ومسح خفين وهذه بعض فمسح الخفين مما تواترت به الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمسح على الخفين إذا كان الإنسان قد لبسهما على طهارة أفضل من خلعهما وغسل الرجل، ولهذا لما أراد المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن ينزع خفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند وضوئه قال له: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) ، ثم مسح عليهما. متفق عليه. وللمسح على الخفين شروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة كاملة من الحدث الأصغر والحدث الأكبر، فإن لبسهما على غير طهارة، فإنه لا يصح المسح عليهما. الشرط الثاني: أن يكون المسح في مدة المسح، كما سيأتي بيان المدة إن شاء الله تعالى. الشرط الثالث: أن يكون المسح في الطهارة الصغرى، أي في الوضوء، أما إذا صار على الإنسان غسل، فإنه يجب عليه أن يخلع الخفين ليغسل جميع بدنه، ولهذا لا مسح على الخفين في الجنابة، كما في حديث صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة)) . أخرجه النسائي والترمذي وابن خزيمة (¬1) . هذه الشروط الثلاثة من شروط جواز المسح على الخفين. ¬

(¬1) أخرجه النسائي، كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح. والترمذي، باب ما جاء في المسح على الخفين للمسافر والمقيم.

أما المدة: فإنها يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ولا عبرة بعدد الصلوات بل العبرة بالزمن، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- وقتها يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، واليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، وثلاثة الأيام بلياليها اثنتان وسبعون ساعة. لكن متى تبتدئ هذه المدة؟ تبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح، وليس من لبس الخف ولا من الحدث بعد اللبس، لأن الشرع جاء بلفظ المسح، والمسح لا يتحقق إلا بوجوده فعلاً، ((يمسح المقيم يوماً وليلة، ويمسح المسافر ثلاثة أيام)) فلا بد من تحقق المسح، وهذا لا يكون إلا بابتداء المسح في أول مرة، فإذا تمت أربع وعشرون ساعة من ابتداء المسح، انتهى وقت المسح بالنسبة للمقيم، وإذا تمت اثنتان وسبعون ساعة انتهى المسح بالنسبة للمسافر، ونضرب لذلك مثلاً يتبين به الأمر: رجل تطهر لصلاة الفجر، ثم لبس الخفين ثم بقي على طهارته حتى صلى الظهر وهو على طهارته، وصلى العصر وهو على طهارته، وبعد صلاة العصر في الساعة الخامسة تطهر لصلاة المغرب ثم مسح، فهذا الرجل له أن يمسح إلى الساعة الخامسة من اليوم الثاني، فإذا قدر أنه مسح في اليوم الثاني في الساعة الخامسة إلا ربعاً، وبقي على طهارته حتى صلى المغرب وصلى العشاء، فإنه حينئذ يكون صلى في هذه المدة صلاة الظهر أول يوم، والعصر والمغرب والعشاء، والفجر في اليوم الثاني، والظهر والعصر والمغرب

والعشاء، فهذه تسع صلوات صلاها، وبهذا علمنا أنه لا عبرة بعدد الصلوات كما هو مفهوم عند كثير من العامة، حيث يقولون: إن المسح خمسة فروض هذا لا أصل له، وإنما الشرع وقته بيوم وليلة تبتدئ هذه من أول مرة مسح. وفي هذا المثال الذي ذكرنا عرفت كم صلى من صلاة، وبهذا المثال الذي ذكرنا تبين أنه إذا تمت مدة المسح، فإنه لا يمسح بعد هذه المدة ولو مسح بعد تمام المدة، فمسحه باطل، لا يرتفع به الحدث. لكن لو مسح قبل أن تتم المدة ثم استمر على طهارته بعد تمام المدة، فإن وضوءه لا ينتقض، بل يبقى على طهارته حتى يوجد ناقض من نواقض الوضوء، وذلك لأن القول بأن الوضوء ينتقض بتمام المدة، قول لا دليل له، فإن تمام المدة معناه أنه لا مسح بعد تمامها، وليس معناه أنه لا طهارة بعد تمامها، فإذا كان المؤقت هو المسح دون الطهارة، فإنه لا دليل على انتقاضها بتمام المدة، وحينئذ نقول في تقرير دليل ما ذهبنا إليه: هذا الرجل توضأ وضوءاً صحيحاً بمقتضى دليل شرعي صحيح، وإذا كان كذلك فإنه لا يمكن أن نقول بانتقاض هذا الوضوء إلا بدليل شرعي صحيح، ولا دليل على أنه ينتقض بتمام المدة، وحينئذ تبقى طهارته حتى يوجد ناقض من نواقض الوضوء التي ثبتت بالكتاب أو السنة، أو الإجماع. أما المسافر فله ثلاثة أيام بلياليها، أي اثنتان وسبعون ساعة، تبتدئ من أول مرة مسح، ولهذا ذكر فقهاء الحنابلة -رحمهم الله- أن الرجل لو لبس خفيه وهو مقيم في بلده، ثم أحدث في نفس البلد ثم سافر ولم يمسح إلا بعد أن سافر، قالوا فإنه يتم مسح مسافر في

س145: ما حكم المسح على الجورب المخرف والخفيف؟

هذه الحالة، وهذا مما يدل على ضعف القول بأن ابتداء المدة من أول حدث بعد اللبس. والذي يبطل المسح على الخف: انتهاء المدة، وخلع الخف، فإذا خلع الخف بطل المسح لكن الطهارة باقية. ودليل كون خلع الخف يبطل المسح، حديث صفوان بن عسال قال: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننزع خفافنا)) (¬1) فدل هذا على أن النزع يبطل المسح فإذا نزع الإنسان خفه بعد مسحه بطل المسح عليه، بمعنى أنه لا يعيد لبسه فيمسح عليه إلا بعد أن يتوضأ وضوءاً كاملاً يغسل فيه الرجلين. وأما طهارته إذا خلعه، فإنها باقية، فالطهارة لا تنتقض بخلع الممسوح، وذلك لأن الماسح إذا مسح تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي، فلا تنتقض هذه الطهارة إلا بمقتضى دليل شرعي وليس هناك دليل شرعي على أنه إذا خلع الممسوح بطل الوضوء، وإنما الدليل على أنه إذا خلع الممسوح بطل المسح، أي لا يعاد المسح مرة أخرى إلا بعد غسل الرجل في وضوء كامل، وعليه فنقول: إن الأصل بقاء هذه الطهارة الثابتة بمقتضى الدليل الشرعي حتى يوجد الدليل، وإذا لم يكن دليل فإن الوضوء يبقى غير منتقض، وهذا هو القول الراجح عندنا. والله الموفق. *** س145: ما حكم المسح على الجورب المخرف والخفيف؟ الجواب: القول الراجح أنه يجوز المسح على الجورب المخرق والجورب الخفيف الذي ترى من ورائه البشرة، لأنه ليس المقصود ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س146: ما حكم المسح على الجبيرة؟

من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون ساتراً، فإن الرجل ليست عورة يجب سترها، وإنما المقصود الرخصة على المكلف والتسهيل عليه، بحيث لا نلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء، بل نقول: يكفيك أن تمسح عليه، هذه هي العلة التي من أجلها شرع المسح على الخفين، وهذه العلة -كما ترى- يستوي فيها الخف أو الجورب المخرق والسليم والخفيف والثقيل. *** س146: ما حكم المسح على الجبيرة؟ الجواب: لا بد أولاً أن عرف ما هي الجبيرة؟ الجبيرة في الأصل ما يجبر به الكسر، والمراد بها في عرف الفقهاء "ما يوضع على موضع الطهارة لحاجة"، مثل الجبس الذي يكون على الكسر، أو اللزقة التي تكون على الجرح، أو على ألم في الظهر أو ما أشبه ذلك، فالمسح عليها يجزئ عن الغسل. فإذا قدرنا أن على ذراع المتوضئ لزقة على جرح يحتاج إليها، فإنه يمسح عليها بدلاً عن الغسل وتكون هذه الطهارة كاملة، بمعنى أنه لو فرض أن هذا الرجل نزع هذه الجبيرة أو اللزقة، فإن طهارته تبقى ولا تنتقض لأنها تمت على وجه شرعي. ونزع اللزقة ليس هناك دليل على أنه ينقض الوضوء أو ينقض الطهارة، وليس في المسح على الجبيرة دليل خالٍ من معارضة، فيها أحاديث ضعيفة ذهب إليها بعض أهل العلم، وقال: إن مجموعها يرفعها إلى أن تكون حجة. ومن أهل العلم من قال: إنه لضعفها لا يعتمد عليها، وهؤلاء اختلفوا، فمنهم من قال: يسقط تطهير محل الجبيرة، لأنه

س147: هل يجب الجمع بين التيمم والمسح على الجبيرة أو لا؟

عاجز عنه. ومنهم من قال: بل يتيمم له ولا يمسح عليها. لكن أقرب الأقوال إلى القواعد -بقطع النظر عن الأحاديث الواردة فيها- أنه يمسح، وهذا المسح يغنيه عن التيمم فلا حاجة إليه، وحينئذ نقول: إنه إذا وجد جرح في أعضاء الطهارة فله مراتب: المرتبة الأولى: أن يكون مكشوفاً ولا يضره الغسل، ففي هذه المرتبة يجب عليه غسله إذا كان في محل يغسل. المرتبة الثانية: أن يكون مكشوفاً ويضره الغسل دون المسح، ففي هذه المرتبة يجب عليه المسح دون الغسل. المرتبة الثالثة: أن يكون مكشوفاً ويضره الغسل والمسح، فهنا يتيمم له. المرتبة الرابعة: أن يكون مستوراً بلزقة أو شبهها محتاج إليها، وفي هذه المرتبة يمسح على هذا الساتر، ويغنيه عن غسل العضو، ولا يتيمم. *** س147: هل يجب الجمع بين التيمم والمسح على الجبيرة أو لا؟ الجواب: لا يجب الجمع بين المسح والتيمم، لأن إيجاب طهارتين لعضو واحد مخالف لقواعد الشريعة، لأننا نقول: يجب تطهير هذا العضو إما بكذا وإما بكذا، أما أن نوجب تطهيره بطهارتين، فهذا لا نظير له في الشريعة، ولا يكلف الله عبداً بعبادتين سببهما واحد. ***

س148: ما حكم من توضأ فغسل رجله اليمنى، ثم لبس الخف أو الجورب، ثم غسل اليسرى ولبس الجورب عليها أو الخف؟

س148: ما حكم من توضأ فغسل رجله اليمنى، ثم لبس الخف أو الجورب، ثم غسل اليسرى ولبس الجورب عليها أو الخف؟ الجواب: هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال: لا بد أن يكمل الطهارة قبل أن يلبس الخف أو الجورب، ومنهم من قال: إنه يجوز إذا غسل اليمنى أن يلبس الخف أو الجورب ثم يغسل اليسرى ويلبس الخف أو الجورب، فهو لم يدخل اليمنى إلا بعد أن طهرها واليسرى كذلك، فيصدق عليه أنه أدخلهما طاهرتين. لكن هناك حديث أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه)) الحديث. فقوله: ((إذا توضأ)) قد يرجح القول الأول، لأن من لم يغسل اليسرى لا يصدق عليه أنه توضأ، فعليه فالقول به أولى. *** س149: إذا مسح الإنسان وهو مقيم ثم سافر فهل يتم مسح مسافر؟ الجواب: إذا مسح وهو مقيم ثم سافر فإنه يتم مسح مسافر على القول الراجح، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا مسح في الحضر ثم سافر، أتم مسح مقيم، ولكن الراجح ما قلناه، لأن هذا الرجل قد بقي في مدة مسحه شيء قبل أن يسافر وسافر، فيصدق عليه أنه من المسافرين الذين يمسحون ثلاثة أيام، وقد ذكر عن الإمام أحمد 0رحمه الله- أنه رجع إلى هذا القول بعد أن كان يقول بأنه يتم مسح مقيم. ***

س150: إذا شك الإنسان في ابتداء المسح وقته فماذا يفعل؟

س150: إذا شك الإنسان في ابتداء المسح وقته فماذا يفعل؟ الجواب: في هذه الحال يبني على اليقين، فإذا شك هل مسح لصلة الظهر أو لصلاة العصر، فإنه يجعل ابتداء المدة من صلاة العصر، لأن الأصل عدم المسح. ودليل هذه القاعدة هو أن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وأن الأصل العدم، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام، شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في صلاته فقال: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) (¬1) . *** س151: إذا مسح الإنسان على الكنادر ثم خلعها ومسح على الشراب فهل يصح مسحه؟ الجواب: المعروف عند أهل العلم إنه إذا مسح أحد الخفين الأعلى أو الأسفل تعلق الحكم به ولا ينتقل إلى ثانٍ، ومنهم من يرى أنه يجوز الانتقال إلى الثاني إذا كان الممسوح هو الأسفل ما دامت المدة باقية. وهذا هو القول الراجح. وعلى هذا فلو توضأ ومسح على الجوارب ثم لبس عليها جوارب أخرى، أو كنادر ومسح العليا، فلا بأس به على القول الراجح ما دامت المدة باقية، لكن تحسب المدة من المسح على الأول لا من المسح على الثاني. *** س152: إذا نزع الإنسان الشراب وهو على وضوء ثم أعادها قبل أن ينتقض وضوءه فهل يجوز له المسح عليها؟ ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س153: من مسح على خفيه بعد انتهاء المدة وصلى بهما فما الحكم؟

الجواب: إذا نزع الشراب ثم أعادها وهو على وضوئه فلا يخلو من حالين: الأولى: أن يكون هذا الوضوء هو الأول، أي إنه لم ينتقض وضوءه بعد لبسه فلا حرج عليه أن يعيدها ويمسح عليها إذا توضأ. الحال الثانية: إذا كان هذا الوضوء وضوءاً مسح فيه على شرابه، فإنه لا يجوز له إذا خلعها أن يلبسها ويمسح عليها، لأنه لا بد أن يكون لبسهما على طهارة بالماء، وهذه طهارة بالمسح، هذا ما يعلم من كلام أهل العلم. ولكن إن كان أحد قال بأنه إذا أعادها على طهارة ولو طهارة المسح، له أن يمسح ما دامت المدة باقية، فإن هذا قول قوي، ولكنني لم أعلم أن أحداً قال به، فإن كان قال به أحد من أهل العلم فهو الصواب عندي، لأن طهارة المسح طهارة كاملة، فينبغي أن يقال إنه إذا كان يمسح على ما لبسه على طهارة غسل، فليمسح على ما لبسه على طهارة مسح، لكنني ما رأيت أحداً قال بهذا. والعلم عند الله. *** س153: من مسح على خفيه بعد انتهاء المدة وصلى بهما فما الحكم؟ الجواب: إذا انتهت مدة مسح الخفين ثم صلى الإنسان بعد انتهاء المدة، فإن كان أحدث بعد انتهاء المدة ومسح، وجب عليه إعادة الوضوء كاملاً بغسل رجليه، ووجب عليه إعادة الصلاة،

س154: ما هي نواقض الوضوء؟

وذلك لأنه لم يغسل رجليه فقد صلى بوضوء غير تام. وأما إذا انتهت مدة المسح وبقي الإنسان على طهارته، وصلى بعد انتهاء المدة، فصلاته صحيحة لأن انتهاء مدة المسح لا ينقض الوضوء، وإن كان بعض العلماء يقولون: إن انتهاء مدة المسح ينقض الوضوء، لكنه قولٌ لا دليل عليه، وعلى هذا فإذا تمت مدة المسح وبقي الإنسان على طهارته بعد انتهاء المدة، ولو يوماً كاملاً، فله أن يصلي ولو بعد انتهاء المدة، لأن وضوءه قد ثبت بدليل شرعي فلا يرتفع إلا بدليل شرعي، ولا دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن انتهاء مدة المسح موجب للوضوء. والله أعلم. س154: ما هي نواقض الوضوء؟ الجواب: نواقض الوضوء مما حصل فيه خلاف بين أهل العلم، لكن نذكر ما يكون ناقضاً بمقتضى الدليل: الأول: الخارج من السبيلين، أي الخارج من القبل والدبر، فكل ما خرج من القبل أو الدبر فإنه ناقض للوضوء، سواء كان بولاً أم غائطاً، أم مذياً، أم منياً، أم ريحاً، فكل شيء يخرج من القبل أو الدبر فإنه ناقض للوضوء ولا تسأل عنه، لكن إذا كان منياً وخرج بشهوة، فمن المعلوم أنه يوجب الغسل، وإذا كان مذياً فإنه يوجب غسل الذكر والأنثيين مع الوضوء أيضاً. الثاني: النوم إذا كان كثيراً بحيث لا يشعر النائم لو أحدث، فأما إذا كان النوم يسيراً يشعر النائم بنفسه لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء، ولا فرق في ذلك أن يكون نائماً مضطجعاً، أو قاعداً

معتمداً، أو قاعداً غير معتمد، فالمهم حالة حضور القلب، فإذا كان في حال لو أحدث لأحس بنفسه، فإن وضوءه لا ينتقض، وإن كان في حال لو أحدث لم يحس بنفسه، فإنه يجب عليه الوضوء، وذلك لأن النوم نفسه ليس بناقض وإنما هو مظنة الحدث، فإذا كان الحدث منتفياً لكون الإنسان يشعر به لو حصل منه، فإنه لا ينتقض الوضوء. والدليل على أن النوم نفسه ليس بناقض، أن يسيره لا ينقض الوضوء، ولو كان ناقضاً لنقض يسيره وكثيره كما ينقض البول يسيره وكثيره. الثالث: أكل لحم الجزور، فإذا أكل الإنسان من لحم الجزور، الناقة أو الجمل، فإنه ينتقض وضوؤه سواءً كان نيئاً أو مطبوخاً، لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن سمرة، أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: ((إن شئت)) . فقال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم)) (¬1) . فكونه صلى الله عليه وسلم يجعل الوضوء من لحم الغنم راجعاً إلى مشيئة الإنسان، دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس براجع إلى مشيئة الإنسان، وأنه لا بد منه، وعلى هذا فيجب الوضوء من لحم الإبل إذا أكله الإنسان نيئاً أو مطبوخاً، ولا فرق بين اللحم الأحمر واللحم غير الأحمر، فينقض الوضوء أكل الكرش، والأمعاء، والكبد، والقلب، والشحم وغير ذلك، وجميع أجزاء البعير ناقضٌ للوضوء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفصل وهو يعلم أن الناس يأكلون من هذا ومن هذا، ولو كان الحكم يختلف لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبينه للناس حتى يكونوا على بصيرة ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل.

س155: هل مس المرأة ينقض الوضوء؟

من أمرهم، ثم إننا لا نعلم في الشريعة الإسلامية حيواناً يختلف حكمه بالنسبة لأجزائه، فالحيوان إما حلال أو حرام، وإما موجب للوضوء أو غير موجب، وأما أن يكون بعضه له حكم وبعضه له حكم فهذا لا يعرف في الشريعة الإسلامية، وإن كان معروفاً في شريعة اليهود كما قال الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) (الأنعام: من الآية146) ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير محرم مع أن الله تعالى لم يذكر في القرآن إلا اللحم، فقال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه) (المائدة: من الآية3) ولا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن شحم الخنزير محرم. وعلى هذا فنقول: اللحم المذكور في الحديث بالنسبة للإبل يدخل فيه الشحم والأمعاء والكرش وغيرها. *** س155: هل مس المرأة ينقض الوضوء؟ الجواب: الصحيح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً، إلا إذا خرج منه شيء، ودليل هذا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قبل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. ولأن الأصل عدم النقض حتى يقوم دليل صريح صحيح على النقض، ولأن الرجل أتم طهارته بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي.

فإن قيل: قد قال الله عز وجل في كتابه: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) . فالجواب: أن المراد بالملامسة في الآية الجماع، كما صح ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ثم أن هناك دليلاً من تقسيم الآية الكريمة، تقسيم للطهارة إلى أصلية، وبدلية، وتقسيم للطهارة إلى كبرى، وصغرى. وتقسيم لأسباب الطهارة الكبرى، والصغرى. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) (المائدة: من الآية6) فهذه طهارة بالماء أصلية صغرى ثم قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) فهذه طهارة بالماء أصلية كبرى ثم قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (المائدة: من الآية6) فقوله (فتيمموا) هذا بدل وقوله: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) هذا بيان سبب الصغرى. وقوله: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) هذا بيان سبب الكبرى. ولو حملناه على المس الذي هو الجس باليد، لكانت الآية الكريمة ذكر الله فيها سببين للطهارة الصغرى، وسكت عن سبب الطهارة الكبرى، مع أنه قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) وهذا خلاف البلاغة القرآنية، وعليه فتكون الآية دالة على أن المراد بقوله: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) أي جامعتم النساء، لتكون الآية مشتملة على السببين الموجبين للطهارة، السبب الأكبر والسبب الأصغر، والطهارتين الصغرى في الأعضاء الأربعة، والكبرى في جميع البدن، والبدل الذي هو طهارة التيمم في عضوين فقط لأنه يتساوى فيها الطهارة الصغرى والكبرى.

س156: مدرس يدرس للتلاميذ القرآن الكريم، ولا يوجد ماء في المدرسة أو بالقرب منها والقرآن لا يمسه إلا المطهرون، فماذا يفعل؟

وعلى هذا فالقول الراجح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً، سواء بشهوة أو بغير شهوة إلا أن يخرج منه شيء، فإن خرج منه شيء وجب عليه الغسل إن كان الخارج منياً، ووجب عليه غسل الذكر والأنثيين مع الوضوء إن كان الخارج مذياً. *** س156: مدرس يدرس للتلاميذ القرآن الكريم، ولا يوجد ماء في المدرسة أو بالقرب منها والقرآن لا يمسه إلا المطهرون، فماذا يفعل؟ الجواب: إذا لم يكن في المدرسة ماء ولا بقربها فإنه ينبه على الطلبة ألا يأتوا إلا وهم متطهرون وذلك لأن المصحف لا يمسه إلا طاهر في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم له: ((ألا يمس القرآن إلا طاهر)) (¬1) فالطاهر هنا من ارتفع حدثه بدليل قوله تعالى في آية الوضوء والغسل والتيمم: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة: من الآية6) ففي قوله: (ليطهركم) دليل على أن الإنسان قبل أن يتطهر لم تحصل له الطهارة، وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يمس القرآن إلا وهو طاهر متوضئ، إلا أن بعض أهل العلم رخص للصغار أن يمسوا القرآن لحاجتهم لذلك، وعدم إدراكهم للوضوء، ولكن الأولى أن يؤمر الطلاب بذلك أي بالوضوء حتى يمسوا المصحف وهم على طهارة. وأما قول السائل: لأن القرآن لا يمسه إلا المطهرون، فكأني ¬

(¬1) أخرجه الدارمي، كتاب الطلاق، باب 3. والنسائي، 5718.

س157: ما هي موجبات الغسل؟

به يريد أن يستدل بهذه الآية على وجوب التطهر لمس المصحف، والآية ليس فيها دليل لهذا لأن المراد بقوله: (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: 79) الكتاب المكنون، وهو اللوح المحفوظ والمراد بالمطهرون الملائكة، ولو كان يراد بها المتطهرون لقال لا يمسه إلا المطهرون أو إلا المتطهرون ولم يقل إنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة لكن الحديث الذي أشرنا إليه آنفاً هو الذي يدل على ذلك. *** س157: ما هي موجبات الغسل؟ الجواب: موجبات الغسل منها: الأول: إنزال المني بشهوة يقظة أو مناماً، لكنه في المنام يجب عليه الغسل، وإن لم يحس بالشهوة، لأن النائم قد يحتلم ولا يحس بنفسه، فإذا خرج منه المني بشهوة وجب عليه الغسل بكل حال. الثاني: الجماع، فإذا جامع الرجل زوجته، بأن أولج الحشفة في فرجها، أو ما زاد، فعليه الغسل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأول: ((الماء من الماء)) (¬1) يعين أن الغسل يجب من الإنزال، وقوله عن الثاني: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) (¬2) وإن لم ينزل، وهذه المسألة -أعني الجماع بدون إنزال- يخفى حكمها على كثير من الناس، حتى إن بعضهم تمضي عليه ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب إنما الماء من الماء (343) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الغسل، باب إذا التقى الختانان، (291) ، ومسلم، كتاب الحيض، باب نسبة الماء من الماء (348) .

الأسابيع والشهور وهو يجامع زوجته بدون إنزال ولا يغتسل جهلاً منه، وهذا أمر له خطورته، فالواجب أن يعلم الإنسان حدود ما أنز الله على رسوله، فإن الإنسان إذا جامع زوجته وإن لم ينزل وجب عليه الغسل وعليها، للحديث الذي ذكرناه آنفاً. الثالث: من موجبات الغسل خروج دم الحيض والنفاس، فإن المرأة إذا حاضت ثم طهرت، وجب عليها الغسل لقوله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: 222) ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة إذا جلست قدر حيضها أن تغتسل، والنفساء مثلها، فيجب عليها أن تغتسل. وصفة الغسل من الحيض والنفاس كصفة الغسل من الجنابة، إلا أن بعض أهل العلم استحب في غسل الحائض أن تغتسل بالدر، لأن ذلك أبلغ في نظافتها وتطهيرها. وذكر بعض العلماء أيضاً من موجبات الغسل الموت، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: ((ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك)) (¬1) وبقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته بعرفة وهو محرم: ((بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه)) (¬2) فقالوا: إن الموت موجب للغسل، ولكن ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر (1253) ، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت (939) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب كيف يكفن المحرم (1267) ، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (1206) .

س158: هل يجب الغسل بالمداعبة أو التقبيل؟

الوجوب هنا يتعلق بالحي، لأن الميت انقطع تكليفه بموته، ولكن على الأحياء أن يغسلوا موتاهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك. *** س158: هل يجب الغسل بالمداعبة أو التقبيل؟ الجواب: لا يجب على الرجل ولا على المرأة غسل بمجرد الاستمتاع بالمداعبة أو التقبيل إلا إذا حصل إنزال المني فإنه يجب الغسل على الجميع إذا كان المني قد خرج من الجميع، فإن خرج من أحدهما فقط وجب عليه الغسل وحده، هذا إذا كان الأمر مجرد مداعبة أو تقبيل أو ضم، أما إذا كان جماعاً فإن الجماع يجب فيه الغسل على كل حال، على الرجل وعلى المرأة حتى وإن لم يحصل إنزال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) (¬1) وفي لفظ لمسلم: ((وإن لم ينزل)) . وهذه المسألة قد تخفى على كثير من النساء، تظن المرأة بل وربما يظن الرجل أن الجماع إذا لم يكن إنزال فلا غسل فيه، وهذا جهل عظيم، فالجماع يجب فيه الغسل على كل حال، وما عدا الجماع من الاستمتاع لا يجب فيه الغسل إلا إذا حصل الإنزال. *** س159: إذا استيقظ الإنسان فوجد في ملابسه بللاً فهل يجب عليه الغسل؟ ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س160: ما هي الأحكام المتعلقة بالجنابة؟

الجواب: إذا استيقظ الإنسان فوجد بللاً، فلا يخلو من ثلاث حالات: الحال الأولى: أن يتيقن أنه مني، فيجب عليه حينئذ الاغتسال سواء ذكر احتلاماً أم لم يذكر. الحال الثانية: أن يتيقن أنه لي بمني، فلا يجب عليه الغسل في هذه الحال، ولكن يجب عليه أن يغسل ما أصابه، لأن حكمه حكم البول. الحال الثالثة: أن يجهل هل هو مني أم لا؟ ففيه تفصيل: أولاً: إن ذكر أنه احتلم في منامه، فإنه يجعله منياً ويغتسل، لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، هل عليها غسل؟ قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) (¬1) فدل هذا على وجوب الغسل على من احتلم ووجد الماء. ثانياً: إذا لم ير شيئاً في منامه، فإن كان قد سبق نومه تفكير في الجماع جعله مذياً. وإن لم يسبق نومه تفكير فهذا محل خلاف: قيل: يجب عليه الغسل احتياطاً. وقيل: لا يجب وهو الصحيح لأن الأصل براءة الذمة. *** س160: ما هي الأحكام المتعلقة بالجنابة؟ الجواب: الأحكام المتعلقة بالجنابة هي: ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (311) .

س161: ما صفة الغسل؟

أولاً: أن الجنب تحرم عليه الصلاة، فرضها ونفلها، حتى صلاة الجنازة. لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم) (6) إلى قوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (المائدة: 6، 7) . ثانياً: أن الجنب يحرم عليه الطواف بالبيت، لأن الطواف بالبيت مكث في المسجد، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (النساء: من الآية43) . ثالثاً: أنه يحرم عليه مس المصحف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) (¬1) . رابعاً: أنه يحرم عليه المكث في المسجد إلا بوضوء لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (النساء: من الآية43) . خامساً: يحرم عليه قراءة القرآن حتى يغتسل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ الصحابة القرآن ما لم يكونوا جنباً. هذه الأحكام الخمسة التي تتعلق بمن عليه جنابة. *** س161: ما صفة الغسل؟ الجواب: صفة الغسل على وجهين: الوجه الأول: صفة واجبة، وهي أن يعم بدنه كله بالماء، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق، فإذا عمم بدنه على أي وجه كان ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س162: إذا اغتسل الإنسان ولم يتمضمض ولم يستنشق فهل يصح غسله؟

فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر وتمت طهارته، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (المائدة: من الآية6) . الوجه الثاني: صفة كاملة وهي أن يغتسل كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يغتسل من الجنابة فإنه يغسل كفيه، ثم يغسل فرجه وما تلوث من الجنابة، ثم يتوضأ وضوءً كاملاً -على صفة ما ذكرنا في الوضوء- ثم يغسل رأسه بالماء ثلاثاً ترويه ثم يغسل بقية بدنه. هذه صفة الغسل الكامل. *** س162: إذا اغتسل الإنسان ولم يتمضمض ولم يستنشق فهل يصح غسله؟ الجواب: لا يصح الغسل بدون المضمضة والاستنشاق، لأن قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (المائدة: من الآية6) يشمل البدن كله، وداخل الفم وداخل الأنف من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق في الوضوء، لدخولهما في قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (المائدة: من الآية6) فإذا كانا داخلين في غسل الوجه -والوجه مما يجب تطهيره وغسله في الطهارة الكبرى- كان واجباً على من اغتسل من الجنابة أن يتمضمض ويستنشق. *** س163: إذا تعذر استعمال الماء، فبماذا تحصل الطهارة؟ الجواب: إذا تعذر استعمال الماء، لعدمه أو التضرر باستعماله، فإنه يعدل عن ذلك إلى التيمم، بأن يضرب الإنسان

س164: من أصبح جنبا في وقت بارد فهل يتيمم؟

بيديه على الأرض، ثم يمسح بهما وجهه، ويمسح بعضهما ببعض، لكن هذا خاص بالطهارة من الحدث. أما طهارة الخبث فليس فيها تيمم، سواء كانت على البدن، أو على الثوب، أو على البقعة،، لأن المقصود من التطهر من الخبث إزالة هذه العين الخبيثة، وليس التعبد فيها اشرطاً، ولهذا لو زالت هذه العين الخبيثة بغير قصد من الإنسان طهر المحل، فلو نزل المطر على مكان نجس، أو على ثوب نجس وزالت النجاسة بما نزل من المطر، فإن المحل يطهر بذلك، وإن كان الإنسان ليس عنده علم بهذا، بخلاف طهارة الحدث فإنها عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله -عز وجل- فلا بد فيها من النية والقصد. *** س164: من أصبح جنباً في وقت بارد فهل يتيمم؟ الجواب: إذا كان الإنسان جنباً فإن عليه أن يغتسل، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (المائدة: من الآية6) فإن كانت الليلة باردة ولا يستطيع أن يغتسل بالماء البارد، فإنه يجب عليه أن يسخنه إذا كان يمكنه ذلك، فإن كان لا يمكنه أن يسخنه لعدم وجود ما يسخن به الماء، فإنه في هذه الحال يتيمم عن الجنابة ويصلي، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة: من الآية6) وإذا تيمم عن الجنابة، فإنه

س165: هل يشترط في التراب المتيمم به أن يكون له غبار؟ وهل قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) (المائدة: من الآية6) قول: (منه) دليل على اشتراط الغبار؟

يكون طاهراً بذلك ويبقى على طهارته حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل، لما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم، قال: ((ما منعك؟)) قال: أصابتني جنابة ولا ماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عليك بالصعيد فإنه يكفيك)) (¬1) ثم حضر الماء بعد ذلك فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ماءً وقال: ((أفرغه على نفسك)) . فدل هذا على أن المتيمم إذا وجد الماء، وجب عليه أن يتطهر به، سواء كان ذلك عن جنابة أو عن حدث أصغر، والمتيمم إذا تيمم عن جنابة، فإنه يكون طاهراً منها حتى يحصل له جنابة أخرى، أو يجد الماء، وعلى هذا فلا يعيد تيممه عن الجنابة لكل وقت، وإنما يتيمم بعد تيممه من الجنابة يتيمم عن الحدث الأصغر إلا أن يجنب. *** س165: هل يشترط في التراب المتيمم به أن يكون له غبار؟ وهل قوله تعالى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (المائدة: من الآية6) قول: (منه) دليل على اشتراط الغبار؟ الجواب: القول الراجح أنه لا يشترط للتيمم أن يكون بتراب فيه غبار، بل إذا تيمم على الأرض أجزأه سواءً كان فيه غبار أم لا، وعلى هذا فإذا نزل المطر على الأرض، فيضرب الإنسان بيديه على الأرض ويمسح وجهه وكفيه، وإن لم يكن للأرض غبار في هذه الحال، لقول الله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (المائدة: من الآية6) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء (344) .

س166: مريض لا يجد التراب فهل يتيمم على الجدار، وكذلك الفرش أم لا؟

وأصحابه كانوا يسافرون إلى جهات ليس فيها إلا رمال، وكانت الأمطار تصيبهم وكانوا يتيممون كما أمر الله -عز وجل- فالقول الراجح أن الإنسان إذا تيمم على الأرض فإن تيممه صحيح، سواء كان على الأرض غبار أم لم يكن. أما قوله تعالى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) فإن ((من)) لابتداء الغاية وليست للتبعيض، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نفخ في يديه حين ضرب بهما الأرض (¬1) . *** س166: مريض لا يجد التراب فهل يتيمم على الجدار، وكذلك الفرش أم لا؟ الجواب: الجدار من الصعيد الطيب، فإذا كان الجدار مبنياً من الصعيد سواء كان حجراً أو كان مدراً -لبناً من الطين- فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسواً بالأخشاب أو (بالبوية) فهذا إن كان عليه تراب -غبار- فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتيمم على الأرض، لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه. وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب التيمم، باب المتيمم هل ينفخ فيهما (338) .

س167: ما حكم بول الطفل الصغير إذا وقع على الثوب؟

س167: ما حكم بول الطفل الصغير إذا وقع على الثوب؟ الجواب: الصحيح في هذه المسألة أن بول الذكر الذي يتغذى بالبن خفيف النجاسة، وأنه يكفي في تطهيره النضح، وهو أن يغمره بالماء، يصب عليه الماء حتى يشمله بدون فرك، وبدون عصر، وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جيء بابن صغير فوضعه في حجره فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله (¬1) ، أما بالنسبة للأنثى فلا بد من غسل بولها، لأن الأصل أن البول نجس ويجب غسله لكن يستثنى الغلام الصغير لدلالة السنة عليه. *** س168: امرأة تجاوزت الخمسين يأتيها الدم على الصفة المعروفة، وأخرى تجاوزت الخمسين يأتيها الدم على غير الصفة المعروفة، وإنما صفرة أو كدرة؟ الجواب: التي يأتيها دم على صفته المعروفة يكون دمها دم حيض صحيح على القول الراجح، إذ لا حد لأكثر سن الحيض وعلى هذا فيثبت لدمها أحكام دم الحيض المعروفة من اجتناب الصلاة، والصيام، والجماع، ولزوم الغسل، وقضاء الصوم ونحو ذلك. وأما التي يأتيها صفرة وكدرة فالصفرة والكدرة إن كانت في زمن العادة فحيض، وإن كانت في غير زمن العادة فليست بحيض، وأما إن كان دمها دم الحيض المعروف لكن تقدم أو تأخر فهذا لا ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب بول الصبيان (223) ، ومسلم، كتاب الطهارة، باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله (286) .

س169: الدم الذي يخرج من الحامل هل هو حيض؟

تأثير له، بل تجلس إذا أتاها الحيض وتغتسل إذا انقطع عنها. وهذا كله على القول الصحيح من أن سن الحيض لا حد له، أما على المذهب فلا حيض بعد خمسين سنة وإن كان دماً أسود عادياً، وعليه فتصوم وتصلي ولا تغتسل عند انقطاعه لكن هذا القول غير صحيح. *** س169: الدم الذي يخرج من الحامل هل هو حيض؟ الجواب: الحامل لا تحيض، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله- إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الحيض. والحيض -كما قال أهل العلم- خلقه الله تبارك وتعالى لحكمة غذاء الجنين في بطن أمه، فإذا نشأ الحمل انقطع الحيض، لكن بعض النساء قد يستمر بها الحيض على عادته كما كان قبل الحمل، فهذه يحكم بأن حيضها حيض صحيح، لأنه استمر بها الحيض ولم يتأثر بالحمل، فيكون هذا الحيض مانعاً لكل ما يمنعه حيض غير الحامل، وموجباً لما يوجبه، ومسقطاً لما يسقطه، والحاصل أن الدم الذي يخرج من الحامل على نوعين: النوع الأول: نوع يحكم بأنه حيض، وهو الذي استمر بها كما كان قبل الحمل، لأن ذلك دليل على أن الحمل لم يؤثر عليه فيكون حيضاً. والنوع الثاني: دمٌ طرأ على الحامل طروءاً، إما بسبب حادث، أو حمل شيء، أو سقوط من شيء ونحوه، فهذا ليس بحيض وإنما هو دم عرق، وعلى هذا فلا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام فهي في حكم الطاهرات. ***

س170: هل لأقل الحيض وأكثره حد معلوم بالأيام؟

س170: هل لأقل الحيض وأكثره حدٌ معلوم بالأيام؟ الجواب: ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام على الصحيح، لقول الله -عز وجل-: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) (البقرة: من الآية222) فلم يجعل الله غاية المنع أياماً معلومة، بل جعل غاية المنع هي الطهر، فدل هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً وعدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم، ومتى طهرت منه، زالت أحكامه، ثم إن التحديد لا دليل عليه، مع أن الضرورة داعية إلى بيانه، فلو كان التحديد بسن أو زمن ثابتأً شرعاً لكان مبيناً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فبناء عليه فكل ما رأته المرأة من الدم المعروف عند النساء بأنه حيض فهو دم حيض من غير تقدير ذلك بزمن معين، إلا أن يكون الدم مستمراً مع المرأة لا ينقطع أبداً، أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر، فإنه حينئذ يكون دم استحاضة. *** س171: امرأة تسببت في نزول دم الحيض منها بالعلاج، وتركت الصلاة فهل تقضيها أم لا؟ الجواب: لا تقضي المرأة الصلاة إذا تسببت لنزول الحيض فنزل، لأن الحيض دم متى وجد وجد حكمه، كما أنها لو تناولت ما يمنع الحيض ولم ينزل الحيض، فإنها تصلي وتصوم ولا تقضي الصوم، لأنها ليست بحائض، فالحكم يدور مع علته، قال الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذى) (البقرة: من الآية222) فمتى وجد هذا الأذى ثبت حكمه، ومتى لم يوجد لم يثبت حكمه. ***

س172: هل يجوز للحائض أن تقرأ القرآن؟

س172: هل يجوز للحائض أن تقرأ القرآن؟ الجواب: يجوز للحائض أن تقرأ القرآن للحاجة، مثل أن تكون معلمة، فتقرأ القرآن للتعليم، أو أن تكون طالبة فتقرأ القرآن للتعلم، أو تكون تعلم أولادها الصغار أو الكبار، فترد عليهم وتقرأ الآية قبلهم. المهم إذا دعت الحاجة إلى قراءة القرآن للمرأة الحائض، فإنه يجوز ولا حرج عليها، وكذلك لو كانت تخشى أن تنساه فصارت تقرؤه تذكراً، فإنه لا حرج عليها ولو كانت حائضاً، على أن بعض أهل العلم قال: إنه يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن مطلقاً بلا حاجة. وقال آخرون: إنه يحرم عليها أن تقرأ القرآن ولو كان لحاجة. فالأقوال ثلاثة، والذي ينبغي أن يقال هو: أنه إذا احتاجت إلى القراءة لتعليمه، أو تعلمه، أو خوف نسيانه، فإنه لا حرج عليها. *** س173: إذا اشتبه الدم على المرأة فلم تميز هل هو دم حيض أم دم استحاضة أم غيره فبماذا تعتبره؟ الجواب: الأصل في الدم الخارج من المرأة أنه دم حيض حتى يتبين أنه دم استحاضة وعلى هذا فتعتبره دم حيض ما لم يتبين أنه دم استحاضة. *** س174: إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة فما الحكم؟ وهل تقضي الصلاة عن وقت الحيض؟

س175: امرأة كانت عادة حيضها ستة أيام، ثم زادت أياد عادتها؟

الجواب: إذا حدث الحيض بعد دخول وقت الصلاة كأن حاضت بعد الزوال بنصف ساعة مثلاً فإنها بعد أن تتطهر من الحيض تقضي هذه الصلاة التي دخل وقتها وهي طاهرة لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء: من الآية103) . ولا تقضي الصلاة عن وقت الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل: ((أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟)) (¬1) . وأجمع أهل العلم على أنها لا تقضي الصلاة التي فاتتها أثناء مدة الحيض. أما إذا طهرت وكان باقياً من الوقت مقدار ركعة فأكثر فإنها تصلي ذلك الوقت الذي طهرت فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) (¬2) من وقت العصر، أو قبل طلوع الشمس، وكان باقياً على غروب الشمس، أو طلوعها مقدار ركعة فإنها تصلي العصر في المسألة الأولى، والفجر في المسألة الثانية. *** س175: امرأة كانت عادة حيضها ستة أيام، ثم زادت أياد عادتها؟ الجواب: إذا كانت عادة هذه المرأة ستة أيام ثم طالت هذه المدة وصارت تسعة أو عشرة أو أحد عشر يوماً، فإنها تبقى لا تصلي حتى تطهر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد حداً معيناً في الحيض، وقد قال الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم (304) . (¬2) أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة (608) .

س176: المرأة إذا أتتها العادة الشهرية ثم طهرت واغتسلت وبعد أن صلت تسعة أيام أتاها دم وجلست ثلاثة أيام لم تصل ثم طهرت وصلت أحد عشر يوما وعادت إليها العادة الشهرية المعتادة، فهل تعيد ما صلته في تلك الأيام الثلاثة أم تعتبرها من الحيض؟

أَذىً) (البقرة: من الآية222) فمتى كان هذا الدم باقياً، فإن المرأة على حالها حتى تطهر وتغتسل ثم تصلي، فإذا كان جاءها في الشهر الثاني ناقصاً عن ذلك فإنها تغتسل إذا طهرت وإن كان لم يكن على المدة السابقة، والمهم أن المرأة متى كان الحيض معها موجوداً فإنها لا تصلي، سواء كان الحيض موافقاً للعادة السابقة، أو زائداً عنها، أو ناقصاً، وإذا طهرت تصلي. *** س176: المرأة إذا أتتها العادة الشهرية ثم طهرت واغتسلت وبعد أن صلت تسعة أيام أتاها دم وجلست ثلاثة أيام لم تصل ثم طهرت وصلت أحد عشر يوماً وعادت إليها العادة الشهرية المعتادة، فهل تعيد ما صلته في تلك الأيام الثلاثة أم تعتبرها من الحيض؟ الجواب: الحيض متى جاء فهو حيض سواء طالت المدة بينه وبين الحيضة السابقة أم قصرت، فإذا حاضت وطهرت وبعد خمسة أيام، أو ستة، أو عشرة جاءتها العادة مرة ثانية فإنها تجلس لا تصلي، لأنه حيض وهكذا أبداً، كلما طهرت ثم جاء الحيض وجب عليها أن تجلس، أما إذا استمر عليها الدم دائماً، أو كان لا ينقطع إلا يسيراً فإنها تكون مستحاضة، وحينئذ لا تجلس غلا مدة عادتها فقط. *** س177: ما حكم السائل الأصفر الذي ينزل من المرأة قبل الحيض بيومين؟

س178: ما حكم الصفرة والكدرة التي تكون بعد الطهر؟

الجواب: إذا كان هذا السائل أصفر قبل أن يأتي الحيض فإنه ليس بشيء لقول أم عطية: ((كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً)) (¬1) . أخرجه البخاري، وفي رواية لأبي داود: ((كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً)) (¬2) . فإذا كانت هذه الصفرة قبل الحيض ثم تنفصل بالحيض فإنها ليست بشيء، أما إذا علمت المرأة أن هذه الصفرة هي مقدمة الحيض فإنها تجلس حتى تطهر. *** س178: ما حكم الصفرة والكدرة التي تكون بعد الطهر؟ الجواب: مشاكل النساء في الحيض بحر لا ساحل له، ومن أسبابه استعمال هذه الحبوب المانعة للحمل والمانعة للحيض، وما كان الناس يعرفون مثل هذه الإشكالات الكثيرة من قبل، صحيح أن الإشكال ما زال موجوداً منذ وجد النساء، لكن كثرته على هذا الوجه الذي يقف الإنسان حيران في حل مشاكله أمر يؤسف له، ولكن القاعدة العامة: أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض، وأعني بالطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء، فما بعد الطهر من كدرة أو صفرة أو نقطة أو رطوبة فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض. قالت أم عطية: ((كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً)) . أخرجه البخاري وزاد أبو داود ((بعد الطهر)) ، وسنده صحيح. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض (326) . (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر (307) .

س179: ما حكم استعمال حبوب منع الحيض؟

وعلى هذا نقول: كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة، ولا تمنعها من صلاتها وصيامها وجماع زوجها إياها، ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر، لأن بعض النساء إذا خف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بالكرسف -يعني القطن- فيه الصفرة فتقول لهن: ((لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء)) (¬1) . *** س179: ما حكم استعمال حبوب منع الحيض؟ الجواب: استعمل المرأة حبوب منع الحيض إذا لم يكن عليها ضرر من الناحية الصحية، فإنه لا بأس به، بشرط أن يأذن الزوج بذلك، ولكن حسب ما علمته أن هذه الحبوب تضر المرأة، ومن المعلوم أن خروج دم الحيض خروج طبيعي، والشيء الطبيعي إذا منع في وقته، فإنه لا بد أن يحصل من منعه ضرر على الجسم، وكذلك أيضاً من المحذور في هذه الحبوب أنها تخلط على المرأة عادتها، فتختلف عليها، وحينئذ تبقى في قلق وشك من صلاتها ومن مباشرة زوجها وغير ذلك، لهذا أنا لا أقول إنها حرام ولكني لا أحب للمرأة أن تستعملها خوفاً من الضرر عليها. وأقول: ينبغي للمرأة أن ترضى بما قدر الله لها، فالنبي صلى الله عليه وسلم، دخل عام حجة الوداع على أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وهي تبكي وكانت قد أحرمت بالعمرة فقال: ((مالك لعلك ¬

(¬1) أخرجه البخاري معلقاً، كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره.

س180: النفساء إذا اتصل الدم معها بعد الأربعين فهل تصلي وتصوم؟

نفست؟)) قالت: نعم. قال: ((هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)) (¬1) فالذي ينبغي للمرأة أن تصبر وتحتسب، وإذا تعذر عليها الصوم والصلاة من أجل الحيض، فإن باب الذكر مفتوح ولله الحمد، تذكر الله وتسبح الله سبحانه وتعالى، وتتصدق، وتحسن إلى الناس بالقول والفعل، وهذا من أفضل الأعمال. *** س180: النفساء إذا اتصل الدم معها بعد الأربعين فهل تصلي وتصوم؟ الجواب: المرأة النفساء إذا بقي الدم معها فوق الأربعين، وهو لم يتغير، فإن صادف ما زاد على الأربعين عادة حيضها السابقة جلسته، وإن لم يصادف عادة حيضها السابقة فقد اختلف العلماء في ذلك: فمنهم من قال: تغتسل وتصلي وتصوم ولو كان الدم يجري عليها، لأنها تكون حينئذٍ كالمستحاضة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب الأمر بالنساء إذا نفسن (294) ، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (1211) (120) .

س181: إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين فهل يجامعها زوجها؟ وإذا عاودها الدم بعد الأربعين. فما الحكم؟

ومنهم من قال: إنها تبقى حتى تتم ستين يوماً، لأنه وجد من النساء من تبقى في النفاس ستين يوماً، وهذا أمر واقع، فإن بعض النساء كانت عادتها في النفاس ستين يوماً، وهذا أمر واقع، فإن بعض النساء كانت عادتها في النفاس ستين يوما. وبناءً على ذلك فإنها تنتظر حتى تتم ستين يوماً، ثم بعد ذلك ترجع إلى الحيض المعتاد فتجلس وقت عادتها ثم تغتسل وتصلي، لأنها حينئذٍ مستحاضة. *** س181: إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين فهل يجامعها زوجها؟ وإذا عاودها الدم بعد الأربعين. فما الحكم؟ الجواب: النفساء لا يجوز لزوجها أن يجامعها، فإذا طهرت في أثناء الأربعين، فإنه يجب عليها أن تصلي، وصلاتها صحيحة، ويجوز لزوجها أن يجامعها في هذه الحال، لأن الله تعالى يقول في الحيض: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) (البقرة: من الآية222) . فما دام الأذى موجوداً وهو الدم، فإنه لا يجوز الجماع، فإذا طهرت منه جاز الجماع، وكما أنه يجب عليها أن تصلي، ولها أن تفعل كل ما يمتنع عليها في النفاس إذا طهرت في أثناء الأربعين، فكذلك الجماع يجوز لزوجها، إلا أنه ينبغي أن يصبر لئلا يعود عليها الدم بسبب الجماع، حتى تتم الأربعين، ولكن لو جامعها قبل ذلك، فلا حرج عليه. وإذا رأت الدم بعد الأربعين وبعد أن طهرت، فإنه يعتبر دم حيض، وليس دم نفاس، ودم الحيض معلوم للنساء فمتى أحست به فهو دم حيض، فإذا استمر معها وصار لا ينقطع عنها إلا يسيراً من الدهر، فإنها تكون مستحاضة، وحينئذٍ ترجع إلى عادتها في الحيض، فتجلس وما زاد عن العادة فإنها تغتسل وتصلي. والله أعلم *** س182: المرأة إذا أسقطت في الشهر الثالث فهي تصلي أو تترك الصلاة؟

س183: من أصابها نزيف دم كيف تصلي؟ ومتى تصوم؟

الجواب: المعروف عند أهل العلم أن المرأة إذا أسقطت لثلاثة أشهر فإنها لا تصلي، لأن المرأة إذا أسقطت جنيناً قد تبين فيه خلق إنسان فإن الدم لا ذي يخرج منها يكن دم نفاس لا تصلي فيه. قال العلماء: ويمكن أن يتبين خلق الجنين إذا تم له واحد وثمانون يوماً وهذه أقل من ثلاثة أشهر، فإذا تيقنت أنه سقط الجنين لثلاثة أشهر فإن الذي أصابها يكون دم نفاس، أما إذا كان قبل الثمانين يوماً فإن هذا الدم الذي أصابها يكون دم فساد لا تترك الصلاة من أجله، وهذه السائلة عليها أن تتذكر في نفسها فإذا كان الجنين سقط قبل الثمانين يومأً فإنها تقضي الصلاة، وإذا كانت لا تدري كم تركت فإنها تقدر وتتحرى وتقضي على ما يغلب عليه ظنها أنها لم تصله. *** س183: من أصابها نزيف دم كيف تصلي؟ ومتى تصوم؟ الجواب: مثل هذه المرأة التي أصابها نزيف الدم، حكمها أن تجلس عن الصلاة والصوم مدة عادتها السابقة قبل الحدث الذي أصابها، فإذا كان من عادتها أن الحيض يأتيها من أول كل شهر لمدة ستة أيام مثلاً، فإنها تجلس من أول كل شهر مدة ستة أيام لا تصلي ولا تصوم، فإذا انقضت اغتسلت وصلت وصامت. وكيفية الصلاة لهذه المرأة وأمثالها أنها تغسل فرجها غسلاً تاماً وتعصبه وتتوضأ وتفعل ذلك عند دخول وقت صلاة الفريضة لا تفعله قبل دخول الوقت، تفعله بعد دخول الوقت، ثم تصلي، وكذلك تفعله إذا أرادت أن تتنفل في غير أوقات الفرائض، وفي

س184: ما حكم الصلاة وعلى من تجب؟

هذا الحال ومن أجل المشقة عليها، يجوز لها أن تجمع صلاة الظهر مع العصر ((العكس)) وصلاة المغرب مع العشاء (أو العكس)) حتى يكون عملها هذا واحداً للصلاتين صلاة الظهر والعصر، وواحداً للصلاتين المغرب والعشاء، وواحداً لصلاة الفجر بدلاً من أن تعمل ذلك خمس مرات تعمله ثلاث مرات. والله الموفق. *** س184: ما حكم الصلاة وعلى من تجب؟ الجواب: الصلاة من آكد أركان الإسلام، بل هي الركن الثاني بعد الشهادتين، وهي آكد أعمال الجوارح، وهي عمود الإسلام كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عموده الصلاة)) (¬1) . يعني الإسلام، وقد فرضها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى مكان وصل إليه البشر، وفي أشرف ليلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدون واسطة أحد، وفرضها الله -عز وجل- على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم خمسين مرة في اليوم والليلة، ولكن الله -سبحانه وتعالى- خفف على عباده حتى صارت خمساً بالفعل وخمسين في الميزان، وهذا يدل على أهميتها ومحبة الله لها، وأنها جديرة بأن يصرف الإنسان شيئاً كثيراً من وقته فيها، وقد دل على فرضيتها الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين: ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد 5/231، والترمذي: كتاب الإيمان/ باب ما جاء في حرمة الصلاة (2616) ، والنسائي في "الكبرى": كتاب التفسير/ باب قوله تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) (11394) . وابن ماجه: كتاب الفتن/ باب كف اللسان في الفتنة (3973) . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ففي الكتاب يقول الله -عز وجل-: (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء: من الآية103) معنى (كتاباً) أي مكتوباً أي مفروضاً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- حين بعثه إلى اليمن: (أعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)) (¬1) . وأجمع المسلمون على فرضيتها، ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: إن الإنسان إذا جحد فرض الصلوات الخمس، أو فرض واحدة منها فهو كافر مرتد عن الإسلام يباح دمه وماله إلا أن يتوب إلى الله -عز وجل- ما لم يكن حديث عهد بالإسلام لا يعرف من شعائر الإسلام شيئاً، فإنه يعذر بجهله في هذه الحال، ثم يعرف فإن أصر بعد علمه بوجوبها على إنكار فرضيتها فهو كافر. وتجب الصلاة على كل مسلم، بالغ، عاقل، من ذكر أو أنثى. فالمسلم ضده: الكافر، فالكافر لا تجب عليه الصلاة، بمعنى أنه لا يلزم بأدائها حال كفره ولا بقضائها إذا أسلم، لكنه يعاقب عليها يوم القيامة كما قال الله تعالى: (إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) (39)) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ) (40) (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) (41) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (42) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (43) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (44) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (المدثر: 29، 45) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (46) فقولهم: (قَالُوا لَمْ نَكُ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الزكاة/ باب وجوب الزكاة (1395) . ومسلم: كتاب الإيمان/ باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.

س185: فاقد الذاكرة والمغمى عليه هل تلزمهما التكاليف الشرعية؟

مِنَ الْمُصَلِّينَ) يدل على أنهم عوقبوا على ترك الصلاة مع كفرهم وتكذيبهم بيوم الدين. وأما البالغ فهو الذي حصل له واحدة من علامات البلوغ وهي ثلاث بالنسبة للرجل، وأربع بالنسبة للمرأة: أحدها: تمام الخمس عشرة سنة. والثانية: إنزال المني بلذة يقظة كان أم مناماً. والثالثة: إنبات العانة، وهي الشعر الخشن حول القبل، هذه الثلاث العلامات تكون للرجال والنساء، وتزيد المرأة علامة رابعة وهي: الحيض فإن الحيض من علامات البلوغ. وأما العاقل فضده: المجنون الذي لا عقل له، ومنه الرجل الكبير أو المرأة الكبيرة إذا بلغ به الكبر إلى حد فقد التمييز، وهو ما يعرف عندنا بالمهذري، فإنه لا تجب عليه الصلاة حينئذ، لعدم وجود العقل في حقه. وأما الحيض أو النفاس فهو مانع من وجوب الصلاة فإذا وجد الحيض أو النفاس فإن الصلاة لا تجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: ((أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم)) (¬1) . *** س185: فاقد الذاكرة والمغمى عليه هل تلزمهما التكاليف الشرعية؟ الجواب: إن الله - سبحانه وتعالى- أوجب على الإنسان العبادات إذا كان أهلاً للوجوب، بأن يكون ذا عقل يدرك به ¬

(¬1) تقدم تخريجه

الأشياء، وأما من لا عقل له فإنه لا تلزمه الشرائع، ولهذا لا تلزم المجنون، ولا تلزم الصغير الذي لم يميز، بل ولا الذي لم يبلغ أيضاً، وهذا من رحمة الله تعالى، ومثله أيضاً المعتوه الذي أصيب بعقله على وجه لم يبلغ حد الجنون، ومثله الكبير الذي بلغ فقدان الذاكرة فإنه لا يجب عليه صلاة ولا صوم، لأنه فاقد الذاكرة وهو بمنزلة الصبي الذي لم يميز فتسقط عنه التكاليف فلا يلزم بها. وأما الواجبات المالية فإنها تجب في ماله ولو كان فاقد الذاكرة. فالزكاة مثلاً تجب في ماله، ويجب على من تولى أمره أن يخرج الزكاة عنه، لأن وجوب الزكاة يتعلق بالمال كما قال الله تعالى: (خذ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ) (التوبة: من الآية103) فقال: (خذ من أموالهم) ولم يقل خذ منهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ عندما بعثه إلى اليمن: ((أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ عن أغنيائهم فترد على فقرائهم)) (¬1) . وعلى هذا فالواجبات المالية لا تسقط عن فاقد الذاكرة، أما العبادات البدنية كالصلاة، والطهارة، والصيام فإنها تسقط عن مثل هذا الرجل لأنه لا يعقل. وأما من زال عقله بإغماء من مرض ونحوه فإنه لا تجب عليه الصلاة على قول أكثر أهل العلم، فإذا أغمي على المريض لمدة يوم أو يومين فلا قضاء عليه، لأنه ليس له عقل، وليس كالنائم الذي قال ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س186: رجل له مدة شهرين لم يشعر بشيء ولم يصل ولم يصم رمضان فماذا يجب عليه؟

فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها (¬1) لأن النائم معه إدراك بمعنى أنه يستطيع أن يستيقظ إذا أوقظ، وإما المغمى عليه فلا يستطيع أن يستيقظ إذا أوقظ، هذا إذا كان الإغماء بغير سبب، إما إذا كان الإغماء بسبب منه كالذي أغمي عليه من البنج ونحوه فإنه يقضي الصلاة التي مرت عليه وهو في حال الغيبوبة، والله أعلم. *** س186: رجل له مدة شهرين لم يشعر بشيء ولم يصل ولم يصم رمضان فماذا يجب عليه؟ الجواب: لا يجب عليه شيء لفقد شعوره، ولكن إن قدر الله أن يفيق لزمه قضاء رمضان، وإن قضى الله عليه بالموت فلا شيء عليه إلا أن يكون من ذوي الأعذار المستمرة كالكبير ونحوه ففرضه أن يطعم وليه عنه عن كل يوم مسكيناً. أما الصلاة فللعلماء في قضائها قولان: أحدهما: وهو قول الجمهور لا قضاء عليه لأن ابن عمر - رضي الله عنهما- أغمي عليه يوماً وليلة فلم يقض ما فاته (¬2) . والقول الثاني: عليه القضاء وهو المذهب عند المتأخرين من الحنابلة، قال في الإنصاف: وهو من مفردات المذهب وهو مروي ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب المواقيت/ باب من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، ومسلم: كتاب المساجد/ باب قضاء الصلاة الفائتة. (¬2) أخرجه الإمام مالك/ باب ما جاء في جامع الوقت (23) .

س187: هل يجوز للإنسان تأخير الصلاة لتحصيل شرط من شروطها كما لو اشتغل باستخراج الماء؟

عن عمار بن ياسر أنه أغمي عليه ثلاثاً وقضى ما فاته. حرر في 24/2/1394هـ. *** س187: هل يجوز للإنسان تأخير الصلاة لتحصيل شرط من شروطها كما لو اشتغل باستخراج الماء؟ الجواب: الصواب أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها مطلقاً، وإذا خاف الإنسان خروج الوقت صلى على حسب حاله، وإن كان يمكن أن يحصل الشرط قريباً لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء: من الآية103) وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقت أوقات الصلاة، وهذا يقتضي وجوبها في وقتها، ولأنه لو جاز انتظار الشروط ما صح أن يشرع التيمم، لأن بإمكانه أن يحصل الماء بعد الوقت، ولا فرق بين أن يؤخرها إلى وقت طويل، أو إلى وقت قصير، لأن كليهما إخراج للصلاة عن وقتها وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. *** س188: من يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه؟ وما حكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت؟ الجواب: أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه

س189: من يؤخر صلاة الفجر حتى يخرج وقتها؟

لا تقبل منه، لأن الرجل إذا أخر الصلاة عن وقتها بدون عذر ثم صلاها فإنها لا تقبل منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬1) والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه. لكن قد يقول: إنني أنام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) (¬2) . فنقول: إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً، أو يجعل عنده ساعة تنبهه، أو يوصي من ينبهه فإن تأخيره الصلاة وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها فلا تقبل منه. أما بقية الصلوات التي كان يصليها في وقتها فإنها مقبولة. وإنني بهذه المناسبة أوجه كلمة وهي: أنه يجب على المسلم أن يقوم بعبادة الله على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، لأنه في هذه الحياة الدنيا إنما خلق لعبادة الله ولا يدري متى يفجؤه الموت فينتقل إلى عالم الآخرة إلى دار الجزاء التي ليس فيها عمل كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) (¬3) . *** س189: من يؤخر صلاة الفجر حتى يخرج وقتها؟ الجواب: هؤلاء الذين يؤخرون صلاة الفجر حتى يخرج ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الأقضية/ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور. وانظر ص345. (¬2) تقدم تخريجه (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته.

س190: رجل خطب من رجل ابنته، ولما سأل عنه فإذا هو لا يصلي، وأجاب المسئول عنه بقوله: يهديه الله، فهل يزوج هذا؟

وقت الفجر إن كانوا يعتقدون حل ذلك فإن هذا كفر بالله عز وجل، لأن من اعتقد حل تأخير الصلاة عن وقتها بلا عذر فإنه كافر لمخالفته الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين. أما إذا كان لا يرى حل ذلك، ويرى أنه عاص بالتأخير لكن غلبته نفسه وغلبه النوم فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يقلع عما كان يفعله وباب التوبة مفتوح حتى لأكفر الكافرين، فإن الله يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53) وعلى من علم بهم أن ينصحهم ويوجههم إلى الخير، فإن تابوا وإلا فعليه أن يبلغ الجهات المسؤولية عن هذا الأمر حتى تبرأ ذمته، وحتى تقوم الجهات المسؤولية بتأديب هذا وأمثاله. والله الموفق. *** س190: رجل خطب من رجل ابنته، ولما سأل عنه فإذا هو لا يصلي، وأجاب المسئول عنه بقوله: يهديه الله، فهل يزوج هذا؟ الجواب: إذا كان الخاطب لا يصلي مع الجماعة فهو فاسق عاص الله ورسوله مخالف لما أجمع المسلمون عليه من كون الصلاة جماعة من أفضل العبادات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- صلي الله عليه وسلم222 ج23 من مجموع الفتاوى: ((اتفق العلماء على أنها -أي صلاة الجماعة- من أوكد العبادات، وأجل الطاعات، وأعظم شعائر الإسلام)) أهـ كلامه رحمه الله تعالى، ولكن هذا الفسق لا يخرجه من الإسلام فيجوز أن يتزوج بمسلمة، لكن غيره من

ذوي الاستقامة على الدين والأخلاق أولى منه، وإن كانوا أقل مالاً وحسابً كما جاء في الحديث: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه)) قالوا يا رسول الله! وإن كان فيه؟ قال: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقة فانكحوه)) ثلاث مرات، أخرجه الترمذي (¬1) ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) (¬2) ففي هذين الحديثين دليل على أنه ينبغي أن يكون أولى الأغراض بالعناية والاهتمام الدين والخلق من الرجل والمرأة، واللائق بالولي الذي يخاف الله تعالى ويرعى مسؤوليته أن يهتم ويعتني بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه مسؤول عن ذلك يوم القيامة قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (القصص: 65) وقال: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (لأعراف: 6) (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) (الأعراف: 7) . أما إذا كان الخاطب لا يصلي أبداً لا مع الجماعة ولا وحده فهذا كافر خارج عن الإسلام، يجب أن يستتاب، فإن تاب وصلى تاب الله عليه إذا كانت توبته نصوحاً خالصة لله، وإلا قتل كافراً ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب النكاح/ باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه (1085) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجة (1967) والحاكم 2/175. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب النكاح/ باب الأكفاء في الدين، ومسلم: كتاب الرضاع/ باب استحباب نكاح ذات الدين.

مرتداً، ودفن في غير مقابر المسلمين من غير تغسيل، ولا تكفين، ولا صلاة عليه، والدليل على كفره نصوص من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن الكتاب قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) (مريم: 59) (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ) (مريم: من الآية60) فقوله: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ) دليل على أنه حين إضاعة الصلاة وإتباع الشهوات ليس بمؤمن. وقال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة: من الآية11) فدل على أن الأخوة في الدين لا تكون إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولكن السنة دلت على أن تارك الزكاة لا يكفر إذا كان مقراً بوجوبها لكن بخل بها، فبقيت إقامة الصلاة شرطاً في ثبوت الأخوة الإيمانية، وهذا يقتضي أن يكون تركها كفراً تنتفي معه الأخوة الإيمانية، وليس فسقاً، أو كفراً دون كفر، لأن الفسق والكفر دون الكفر لا يخرج الفاعل من دائرة الأخوة الإيمانية كما قال الله تعالى في الإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات: من الآية10) فلم تخرج الطائفتان المقتتلتان من دائرة الأخوة الإيمانية مع أن قتال المؤمن من الكفر كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره من ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)) (¬1) . ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان/ باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر، ومسلم: كتاب الإيمان/ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق....".

وأما الأدلة من السنة على كفر تارك الصلاة فمثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) (¬1) رواه مسلم عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن بريدة بن الحصيب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (¬2) رواه الخمسة: الإمام أحمد وأصحاب السنن. وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا ينازعوا الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان (¬3) ، والمعنى أن لا ينازعوا ولاة الأمور فيما ولاّهم الله عليه إلا أن يروا كفراً صريحاً عندهم فيه دليل من الله تعالى، فإذا فهمت ذلك فانظر إلى ما رواه مسلم أيضاً من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ)) وفي لفظ: (من كره فقد برئ) ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع)) ، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلوا)) (¬4) . فعلم من هذا الحديث أنهم إذا لم يصلوا قوتلوا، وحديث عبادة قبله ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان/ باب بيان إطلاق الكفر على من ترك الصلاة. (¬2) أخرجه الإمام أحمد 5/346، والترمذي: كتاب الإيمان/ باب ما جاء في ترك الصلاة (2621) ، والنسائي: كتاب الصلاة/ باب الحكم في تارك الصلاة. وابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة/ باب ما جاء فيمن ترك الصلاة (1079) . وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. (¬3) أخرجه البخاري: كتاب الفتن/ باب ما جاء في قول الله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، ومسلم: كتاب الإمارة/ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية. (¬4) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة/ باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا، ونحو ذلك.

يدل على أنهم لا ينازعون، ومن باب أولى أن لا يقاتلوا إلا بكفر صريح فيه من الله برهان، فمن هذين الحديثين يؤخذ أن ترك الصلاة كفر صريح فيه من الله برهان. فهذه أدلة من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة كما جاء ذلك صريحاً فيما رواه ابن أبي حاتم في سننه عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تتركوا الصلاة عمداً فمن تركها عامداً متعمداً خرج من الملة)) (¬1) . وأما الآثار عن الصحابة -رضي الله عنهم- فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ((لا إسلام لمن ترك الصلاة)) (¬2) . وقال عبد الله بن شقيق: ((كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة)) (¬3) رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرطهما. وإذا كان الدليل السمعي الأثري يدل على كفر تارك الصلاة فكذلك الدليل النظري، قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: ((كل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به، وإنما حظهم في الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة)) ، وقال ابن القيم -رحمه الله ¬

(¬1) أخرجه الهيثمي في "المجمع" 4/216، ونحوه عند الحاكم في "المستدرك" 4/44. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "الإيمان" 34. (¬3) أخرجه الترمذي: كتاب الإيمان/ باب ما جاء في ترك الصلاة.

تعالى- في كتاب ((الصلاة)) له ص400 من مجموعة الحديث: ((لا يصر على ترك الصلاة إصراراً مستمراً من يصدق بأن الله أمر بها أصلاً، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقاً تصديقاً جازماً أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب وهو مع ذلك مصر على تركها، هذا من المستحيل قطعاً، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبداً، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان، ولا تصغ إلى قول من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها" أهـ كلامه رحمه الله. ولقد صدق فيما قال، فإن من المستحيل أن يترك الصلاة مع يسرها وسهولتها وعظم ثوابها، وعقاب تركها وفي قلبه شيء من الإيمان. وحيث تبين من نصوص الكتاب والسنة أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن ملة الإسلام فإنه لا يحل أن يزوج بمسلمة بالنص والإجماع قال الله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) (البقرة: من الآية221) وقال تعالى في المهاجرات: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ) (الممتحنة: من الآية10) وأجمع المسلمون على ما دلت عليه هاتان الآيتان من تحريم المسلمة على الكافرون وعلى هذا فإذا زوج الرجل من له ولاية عليها بنته أو غيرها رجلاً لا يصلي لم يصح تزويجه، ولم تحل له المرأة بهذا العقد، لأنه عقد ليس عليه أمر الله تعالى ورسوله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه قال: ((من عمل عملاً ليس

عليه أمرنا فهو رد)) (¬1) أي مردود عليه. وإذا كان النكاح ينفسخ إذا ترك الزوج الصلاة إلا أن يتوب ويعود إلى الإسلام بفعل الصلاة فما بالك بمن يقدم على تزوجيه من جديد؟! وخلاصة الجواب: أن هذا الخاطب الذي لا يصلي إن كان لا يصلي مع الجماعة فهو فاسق لا يكفر بذلك ويجوز تزويجه في هذه الحال لكن غيره من ذوي الدين والخلق أولى منه. وإن كان لا يصلي أبداً لا مع الجماعة ولا وحده فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام، لا يجوز أن يزوج مسلمة بأي حال من الأحوال، إلا أن يتوب توبة صادقة، ويصلي ويستقيم على دين الإسلام. وأما ما ذكره السائل من أن والد المخطوبة سأل عنه فقال المسؤول عنه: يهديه الله. فإن المستقبل علمه عند الله تعالى وتدبيره بيده، ولسنا مخاطبين إلا بما نعلمه في الحال الحاضرة، وحال الخاطب الحاضرة حال كفر لا يجوز أن يزوج بمسلمة، فنرجو الله تعالى له الهداية والرجوع إلى الإسلام حتى يتمكن من الزواج بنساء المسلمين وما ذلك على الله بعزيز. أجاب بهذا وحرره بيده الفقير إلى الله محمد الصالح العثيمين في 18 ذي الحجة سنة 1400هـ أربعمائة وألف. *** ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س191: ماذا يفعل الرجل إذا أمر أهله بالصلاة ولكنهم لم يستمعوا إليه، هل يسكن معهم ويخالطهم أو يخرج من البيت؟

س191: ماذا يفعل الرجل إذا أمر أهله بالصلاة ولكنهم لم يستمعوا إليه، هل يسكن معهم ويخالطهم أو يخرج من البيت؟ الجواب: إذا كان هؤلاء الأهل لايصلون أبداً فإنهم كفار، مرتدون خارجون عن الإسلام، ولا يجوز أن يسكن معهم ولكن يجب عليه أن يدعوهم ويلح ويكرر لعل الله أن يهديهم، لأن تارك الصلاة كافر - العياذ بالله- بدليل الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والنظر الصحيح (¬1) . وقد تأملت الأدلة التي استدل بها من يقول إنه لا يكفر فوجدتها لا تخرج عن أحوال أربع: 1- إما أنها لا دليل فيها أصلاً. 2- أو أنها قيدت بوصف يمتنع معه ترك الصلاة. 3- أو أنها قيدت بحال يعذر فيها بترك هذه الصلاة. 4- أو أنها عامة فتخص بأحاديث كفر تارك الصلاة. وليس في النصوص أن تارك الصلاة مؤمن، أو أنه يدخل الجنة، أو ينجو من النار ونحو ذلك مما يحوجنا إلي تأويل الكفر الذي حكم به على تارك الصلاة بأنه كفر نعمة، أو كفر دون كفر. وإذا تبين أن تارك الصلاة كافر كفر ردة فإنه يترتب على كفره أحكام المرتدين ومنها: أولاً: أنه لا يصح أن يزوج فإن عقد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل ولا تحل له الزوجة به لقوله تعالى عن المهاجرات: (فَإِنْ ¬

(¬1) تقدم ذلك مفصلاً في الفتوى المتقدمة.

عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ) (الممتحنة: من الآية10) . ثانياً: أنه إذا ترك الصلاة بعد أن عقد له فإن نكاحه ينفسخ ولا تحل له الزوجة. للآية التي ذكرناها سابقاً على حسب التفصيل المعروف عند أهل العلم بين أن يكون ذلك قبل الدخول أو بعده. ثالثاً: أن هذا الرجل الذي لا يصلي إذا ذبح لا تؤكل ذبيحته، لماذا؟ لأنها حرام، ولو ذبح يهودي أو نصراني فذبيحته يحل لنا أن نأكلها، فيكون -والعياذ بالله -ذبحه أخبث من ذبح اليهود والنصارى. رابعاً: أنه لا يحل له أن يدخل مكة أو حدود حرمها لقوله تعالى: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) . (التوبة: من الآية28) . خامساً: أنه لو مات أحد من أقاربه فلا حق له في الميراث منه، فلو مات رجل عن ابن له لا يصلي (الرجل مسلم يصلي والابن لا يصلي) وعن ابن عم له بعيد (عاصب) فالذي يرثه ابن عمه البعيد دون ابنه لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة: ((لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)) (¬1) متفق عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)) (¬2) . متفق عليه، وهذا مثال ينطبق على جميع الورثة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الفرائض/ باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، ومسلم: كتاب الفرائض. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الفرائض/ باب ميراث الولد من أبيه وأمه (6732) ، ومسلم: كتاب الفرائض/ باب ألحقوا الفرائض بأهلها.

س192: ما حكم بقاء المرأة المتزوجة من زوج لا يصلي وله أولاد منها؟ وحكم تزويج من لا يصلي؟

سادساً: أنه إذا مات لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين، إذاً ماذا نصنع به؟؟ نخرج به إلى الصحراء ونحفر له وندفنه بثيابه، لأنه لا حرمة له. وعلى هذا فلا يحل لأحد مات عنده ميت وهو يعلم أنه لا يصلي أن يقدمه للمسلمين يصلون عليه. سابعاً: أنه يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (¬1) ، أئمة الكفر -والعياذ بالله- ولا يدخل الجنة، ولا يحل لأحد من أهله أن يدعو له بالرحمة والمغفرة، لأنه كافر لا يستحقها لقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة: 113) . فالمسألة خطيرة جداً، ومع الأسف فإن بعض الناس يتهاونون في هذا الأمر، ويقرون في البيت من لا يصلي وهذا لا يجوز. والله أعلم. حرر في 6/2/1410هـ. *** س192: ما حكم بقاء المرأة المتزوجة من زوج لا يصلي وله أولاد منها؟ وحكم تزويج من لا يصلي؟ الجواب: إذا تزوجت امرأة بزوج لا يصلي مع الجماعة ولا في بيته فإن النكاح ليس بصحيح، لأن تارك الصلاة كافر، كما دل على ذلك الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وأقوال الصحابة، كما ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" 2/169.

س193: من ترك الصلاة عمدا ثم تاب هل يقضي ما ترك؟

قال عبد الله بن شقيق، ((كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة)) (¬1) ، والكافر لا تحل له المرأة المسلمة لقوله تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ) (الممتحنة: من الآية10) . وإذا حدث له ترك الصلاة بعد عقد النكاح فإن النكاح ينفسخ إلا أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، وبعض العلماء يقيد ذلك بانقضاء العدة فإذا انتقضت العدة لم يحل له الرجوع إذا أسلم إلا بعقد جديد، وعلى المرأة أن تفارقه ولا تمكنه من نفسها حتى يتوب ويصلي، ولو كان معها أولاد منه، لأن الأولاد في هذه الحال لا حضانة لأبيهم فيهم. وعلى هذا أحذر إخواني المسلمين من أن يزوجوا بناتهم ومن له ولاية عليهم بمن لا يصلي لعظم الخطر في ذلك، ولا يحابوا في هذا الأمر قريباً ولا صديقاً. وأسأل الله الهداية للجميع، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. حرر في 9/10/1414هـ. *** س193: من ترك الصلاة عمداً ثم تاب هل يقضي ما ترك؟ الجواب: من ترك الصلاة عمداً ثم تاب إلى الله ورجع إليه، فقد اختلف أهل العلم هل يجب عليه قضاء ما ترك من الصلوات، أو لا يجب: على قولين لأهل العلم. والذي يترجح عندي ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س194: ما واجب الأسرة نحو الأبناء تاركي الصلاة؟

-رحمه الله- أن من ترك الصلاة متعمداً حتى خرج وقتها فإنه لا ينفعه قضاؤها، وذلك لأن العبادة المؤقتة بوقت لا بد أن تكون في نفس الوقت المؤقت، فكما لا تصح قبله لا تصح كذلك بعده، لأن حدود الله يجب أن تكون معتبرة، فهذه الصلاة فرضها الشارع علينا من كذا إلى كذا هذا محلها، فكما لا تصح الصلاة في المكان الذي لم يجعل مكاناً للصلاة، كذلك لا تصح في الزمان الذي لم يجعل زماناً للصلاة، لكن على من ترك الصلاة أن يكثر من التوبة والاستغفار والعمل الصالح وبهذا نرجو أن الله تعالى يعفو عنه، ويغفر له ما ترك من صلاة، والله الموفق. *** س194: ما واجب الأسرة نحو الأبناء تاركي الصلاة؟ الجواب: إذا كان عندهم أولاد لا يصلون، فالواجب عليهم أن يلزموهم بالصلاة، إما بالقول والأمر، وإما بالضرب لقوله صلى الله عليه وسلم: ((واضربوهم عليها لعشر)) (¬1) ، فإن لم يفد معهم الضرب فإنه يرفع بهم إلى الجهات المسئولة في الدولة - وفقها الله- من أجل إلزامهم بأدائها، ولا يحل السكوت عنهم، فإن ذلك من باب الإقرار على المنكر، لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، فتارك الصلاة كافر مخلد في النار، فلا يجوز إذا مات على ذلك أن يغسل، أو يصلي عليه، أو يدفن في مقابر المسلمين. نسأل الله السلامة. *** ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد 2/187، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (495، 496) ، وهو في صحيح الجامع (5868) .

س195: ما حكم الآذان في حق المسافرين؟

س195: ما حكم الآذان في حق المسافرين؟ الجواب: هذه المسألة محل خلاف، والصواب وجوب الأذان على المسافرين، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث وصحبه: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)) (¬1) وهم وافدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرون إلى أهليهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الأذان ولا الإقامة حضراً ولا سفراً، فكان يؤذن في أسفاره ويأمر بلالاً رضي الله عنه أن يؤذن. *** س196: ما حكم الأذان والإقامة للمنفرد؟ الجواب: الأذان والإقامة للمنفرد سنة، وليسا بواجب، لأنه ليس لديه من يناديه بالأذان، ولكن نظراً لكون الأذان ذكراً لله عز وجل، وتعظيماً، ودعوة لنفسه إلى الصلاة وإلى الفلاح، وكذلك الإقامة كان سنة، ويدل على استحباب الأذان ما جاء في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يعجب ربك من راعي غنم على رأس الشظية للجبل يؤذن للصلاة، فيقول الله: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم للصلاة، يخاف مني قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة)) (¬2) . *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الآذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة، ومسلم: كتاب المساجد/ باب من أحق بالإمامة. (¬2) أخرجه الإمام أحمد 4/145، 157، وأبو داود: كتاب الصلاة/ باب الأذان في السفر.

س197: إذا جمع الإنسان الظهر والعصر فهل لكل واحدة منهما إقامة؟ وهل للنوافل إقامة؟

س197: إذا جمع الإنسان الظهر والعصر فهل لكل واحدة منهما إقامة؟ وهل للنوافل إقامة؟ الجواب: لكل واحدة إقامة، كما في حديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ذكر جمعه في مزدلفة قال: ((أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء ولم يسبح بينهما)) (¬1) . وأما النوافل فليس لها إقامة. *** س198: كلمة (الصلاة خير من النوم) هل هي في الأذان الأول أو في الأذان الثاني؟ الجواب: كلمة (الصلاة خير من النوم) في الأذان الأول كما جاء في الحديث: ((فإذا أذنت أذان الصبح الأول فقل: (الصلاة خير من النوم)) (¬2) فهي في الأذان الأول، لا الثاني. ولكن يجب أن يعلم ما هو الأذان الأول في هذا الحديث؟ هو الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت، والأذان الثاني هو الإقامة، لأن الإقامة تسمى (أذاناً) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بين كل أذانين صلاة)) (¬3) . والمراد الأذان والإقامة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة، ومسلم، كتاب الحج/ باب الإفاضة من عرفات. (¬2) أخرجه الإمام أحمد 3/408. (¬3) أخرجه البخاري: كتاب الأذان/ باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين/ باب بين كل أذانين صلاة.

وفي صحيح البخاري أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان زاد الأذان الثالث في الجمعة. إذن الأذان الأول الذي أمر فيه بلال أن يقول: (الصلاة خير من النوم) هو الأذان لصلاة الفجر. أما الأذان الذي قبل طلوع الفجر، فليس أذاناً للفجر، فالناس يسمون أذان آخر الليل الأذان الأول لصلاة الفجر، والحقيقة أنه ليس لصلاة الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم)) (¬1) . أي لأجل النائم يقوم ويتسحر، والقائم يرجع ويتسحر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً لمالك بن الحويرث: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)) (¬2) ومعلوم أن الصلاة لا تحضر إلا بعد طلوع الفجر. إذن الأذان الذي قبل طلوع الفجر ليس أذاناً للفجر. وعليه فعمل الناس اليوم وقولهم (الصلاة خير من النوم) في الأذان الذي للفجر هذا هو الصواب. وأما من توهم بأن المراد بالأذان الأول في الحديث هو الأذان الذي قبل طلوع الفجر، فليس له حظ من النظر. قال بعض الناس: الدليل أن المراد به الأذان الذي يكون في آخر الليل لأجل صلاة النافلة أنه يقال: (الصلاة خير من النوم) ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الأذان/ باب الأذان قبل الفجر، ومسلم: كتاب الصيام/ باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل. (¬2) تقدم تخريجه.

س199: هل يصح الأذان بالمسجل؟

وكلمة (خير) تدل على الأفضل. فنقول: إن كلمة (خير) تكون في الشيء الواجب الذي هو من أوجب الواجبات، مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (10) (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف: 10، 11) مع أنه إيمان. وقال تعالى في صلاة الجمعة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) (الجمعة: من الآية9) فالخيرية تكون في الواجب وتكون في المستحب. *** س199: هل يصح الأذان بالمسجل؟ الجواب: الأذان بالمسجل غير صحيح، لأن الأذان عبادة، والعبادة لا بد لها من نية. *** س200: إذا دخل الإنسان المسجد والمؤذن يؤن فما الأفضل له؟ الجواب: الأفضل أن يجيب المؤذن ثم يدعو بعد ذلك بما ورد، ثم يدخل في تحية المسجد، إلا أن بعض العلماء استثنوا من ذلك من دخل المسجد والمؤذن يؤذن يوم الجمعة الأذان الثاني فإنه يصلي تحية المسجد لأجل أن يستمع الخطبة، وعللوا ذلك بأن استماع الخطبة واجب وإجابة المؤذن ليست واجبة، والمحافظة على الواجب أولى من المحافظة على غير الواجب. ***

س201: ورد في الحديث أن الإنسان يقول عند متابعته للمؤذن ((رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا)) فمتى يقول هذا؟

س201: ورد في الحديث أن الإنسان يقول عند متابعته للمؤذن ((رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً)) فمتى يقول هذا؟ الجواب: ظاهر الحديث أن المؤذن إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأجبته تقول بعد ذلك: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، لأن الحديث جاء فيه: ((من قال حين يسمع النداء أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، رضيت بالله رباًن وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولًا)) (¬1) وفي رواية: ((من قال وأنا أشهد)) وفي قوله: ((وأنا أشهد")) دليل على أنه يقولها عقب قول المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله لأن الواو حرف عطف فيعطف قوله على قول المؤذن. *** س202: زيادة ((إنك لا تخلف الميعاد)) في الذكر الذي بعد الأذان، هل هي صحيحة؟ الجواب: هذه الزيادة محل خلاف بين علماء الحديث: فمنهم من قال: إنها غير ثابتة لشذوذها، لأن أكثر الذين رووا الحديث لم يرووا هذه الكلمة، والمقام يقتضي ألا تحذف، لأنه مقام دعاء وثناء وما كان على هذا السبيل فإنه لا يجوز حذفه لأنه متعبد به. ومن العلماء من قال: إن سندها صحيح وأنها تقال ولا تنافي غيرها، وممن ذهب إلى تصحيحها الشيخ عبد العزيز بن باز ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة/ باب استحباب القول مثل قول المؤذن.

س203: هل يتابع الإنسان في الإقامة؟

وقال: إن سندها صحيح حيث أخرجها البيهقي سند صحيح (¬1) . *** س203: هل يتابع الإنسان في الإقامة؟ الجواب: المتابعة في الإقامة فيها حديث أخرجه أبو داود (¬2) لكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، والراجح أنه لا يتابع. *** س204: نسمع من بعض الناس بعد إقامة الصلاة قولهم: أقامها الله وأدامها فما حكم ذلك؟ الجواب: ورد في الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا قال المؤذن: ((قد قامت الصلاة)) قال: ((أقامها الله وأدامها)) (¬3) ، لكن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة. *** س205: ما أفضل وقت تؤدى فيه الصلاة؟ وهل أول الوقت هو الأفضل؟ الجواب: الأكمل أن تكون على وقتها المطلوب شرعاً، ¬

(¬1) أخرجه البيهقي في "السنن" 1/410، وانظر: فتاوى اللجنة 6/88، وفتاوى سماحته -رحمه الله رحمة واسعة- 10/364، 365. (¬2) أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة/ باب ما يقول إذا سمع الإقامة، قال الحافظ في: التلخيص 1/212: ضعيف (¬3) أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة/ باب ما يقول إذا سمع الإقامة، والبيهقي 1/411، والبغوي في "شرح السنة" 2/288، قال الحافظ في "التلخيص" 1/211: "ضعيف"، وضعفه الألباني في "الإرواء" 1/258.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في جواب من سأله أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: ((الصلاة على وقتها)) (¬1) ولم يقل (الصلاة في أول وقتها) وذلك لأن الصلوات منها ما يسن تقديمه، ومنها ما يسن تأخيره، فصلاة العشاء مثلاً يسن تأخيرها إلى ثلث الليل، ولهذا لو كانت امرأة في البيت وقالت أيهما أفضل لي أن أصلي صلاة العشاء من حين أذان العشاء أو أؤخرها إلى ثلث الليل؟ قلنا: الأفضل أن تؤخرها إلى ثلث الليل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر ذات ليلة حتى قالوا: يا رسول الله رقد النساء والصبيان. فخرج وصلى بهم وقال: ((إن هذا لوقتها لولا أن أشق على أمتي)) (¬2) . فالأفضل للمرأة إذا كانت في بيتها أن تؤخرها. وكذلك لو فرض أن رجالاً محصورين، يعني رجالاً معينين في سفر فقالوا: نؤخر الصلاة أو نقدم؟ فنقول: الأفضل أن تؤخروا. وكذلك لو أن جماعة خرجوا في نزهة وحان وقت العشاء فهل الأفضل أن يقدموا العشاء أو يؤخروها؟ نقول: الأفضل أن يؤخروها إلا إذا كان في ذلك مشقة. وبقية الصلوات الأفضل فيها التقديم إلا لسبب، فالفجر تقدم، والظهر تقدم، والعصر تقدم، والمغرب تقدم، إلا إذا كان هناك سبب. ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب المواقيت/ باب فضل الصلاة لوقتها، ومسلم: كتاب الإيمان/ باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال. (¬2) أخرجه مسلم: كتاب المساجد/ باب وقت العشاء وتأخيرها.

س206: إذا صلى الإنسان قبل الوقت جهلا فما الحكم؟

فمن الأسباب: إذا اشتد الحر فإن الأفضل تأخير صلاة الظهر إلى أن يبرد الوقت، يعني إلى قرب صلاة العصر، لأنه يبرد الوقت إذا قرب وقت العصر، فإذا اشتد الحر فإن الأفضل الإبراد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)) (¬1) وكان صلى الله عليه وسلم في سفر فقام بلال ليؤذن فقال: ((أبرد)) ثم قام ليؤذن، فقال: ((أبرد)) (¬2) ثم قام ليؤذن، فأذن له. ومن الأسباب أيضاً أن يكون في آخر الوقت جماعة لا تحصل في أول الوقت، فهنا التأخير أفضل، كرجل أدركه الوقت وهو في البر وهو يعلم أنه سيصل إلى البلد ويدرك الجماعة في آخر الوقت، فهل الأفضل أن يصلي من حين أن يدركه الوقت، أو أن يؤخر حتى يدرك الجماعة؟ نقول: إن الأفضل أن تؤخر حتى تدرك الجماعة، بل قد نقول بوجوب التأخير هنا تحصيلاً للجماعة. *** س206: إذا صلى الإنسان قبل الوقت جهلاً فما الحكم؟ الجواب: صلاة الإنسان قبل الوقت لا تجزئه عن الفريضة لأن الله تعالى يقول: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء: من الآية103) وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأوقات في ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة/ باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، ومسلم: كتاب المساجد/ باب استحباب الإبراد بالظهر. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب المواقيت/ باب الإبراد بالظهر في السفر. ومسلم: كتاب المساجد/ باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر.

س207: هل يسقط الترتيب بين الصلوات المقضية بسبب النسيان والجهل؟

قوله: ((وقت الظهر إذا زالت الشمس)) (¬1) الخ الحديث. وعلى هذا فمن صلى الصلاة قبل وقتها فإن صلاته لا تجزئه عن الفريضة لكنها تقع نفلاً بمعنى أنه يثاب عليها ثواب نفل، وعليه أن يعيد الصلاة بعد دخول الوقت. والله أعلم. *** س207: هل يسقط الترتيب بين الصلوات المقضية بسبب النسيان والجهل؟ الجواب: هذه المسألة محل خلاف، والصواب أنه يسقط والدليل عموم قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: من الآية286) . وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (¬2) . *** س208: شخص دخل المسجد لصلاة العشاء ثم تذكر أنه لم يصل المغرب فماذا يعمل؟ الجواب: إذا دخلت المسجد وصلاة العشاء مقامة ثم تذكرت أنك لم تصل المغرب فتدخل مع الجماعة بنية صلاة المغرب، وإذا قام الإمام إلى الركعة الرابعة فتجلس أنت في الثالثة، وتنتظر الإمام ثم تسلم معه، ولك أن تسلم ثم تدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن صليت المغرب وحدك ثم ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب المواقيت/ باب ما يكره من السمر بعد العشاء. (¬2) أخرجه ابن ماجه: كتاب الطلاق/ باب طلاق المكره والناسي.

س209: إذا فاتني فرض أو أكثر لنوم أو نسيان، فكيف أقضي الصلاة الفائتة؟ هل أصليها أولا ثم الصلاة الحاضرة أم العكس؟

صليت مع الجماعة فيما أدركت من صلاة العشاء فلا بأس. *** س209: إذا فاتني فرض أو أكثر لنوم أو نسيان، فكيف أقضي الصلاة الفائتة؟ هل أصليها أولاً ثم الصلاة الحاضرة أم العكس؟ الجواب: تصليها أولاً، ثم تصلي الصلاة الحاضرة، ولا يجوز التأخير، وقد شاع عند الناس أن الإنسان إذا فاته فرض فإنه يقضيه مع الفرض الموافق له من اليوم الثاني، فمثلاً لو أنه لم يصل الفجر يوماً فإنه لا يصليه إلا مع الفجر في اليوم الثاني، وهذا غلط، وهو مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم القولي والفعلي: أما القول: فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها)) (¬1) . ولم يقل: فليصلها من اليوم الثاني إذا جاء وقتها، بل قال: ((فليصلها إذا ذكرها)) . وأما الفعلي: فحين فاتته الصلوات في يوم من أيام الخندق صلاها قبل الصلاة الحاضرة، فدل هذا على أن الإنسان يصلي الفائتة ثم يصلي الحاضرة، لكن لو نسي فقدم الحاضرة على الفائتة، أو كان جاهلاً لا يعلم فإن صلاته صحيحة، لأن هذا عذر له. وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن الصلوات بالنسبة للقضاء على ثلاثة أقسام: القسم الأول: يقضى متى زال العذر، أي عذر التأخير وهي ¬

(¬1) تقدم تخريجه

الصلوات الخمس، فإنه متى زال العذر بالتأخير وجب قضاؤها. القسم الثاني: إذا فات لا يقضى وإنما يقضى بدله، وهو صلاة الجمعة، إذا جاء بعد ر فع الإمام من الركعة الثانية فإنه في هذه الحال يصلي ظهراً، فيدخل مع الإمام بنية الظهر، وكذلك من جاء بعد تسليم الإمام فإنه يصلي ظهراً، وأما من أدرك الكوع من الركعة الثانية فإنه يصلي جمعة، أي يصلي ركعة بعدها إذا سلم الإمام، وهذه يجهلها كثير من الناس، فإن بعض الناس يأتي يوم الجمعة والإمام قد رفع من الركعة الثانية، ثم يصلي ركعتين على أنها جمعة وهذا خطأ، بل إذا جاء بعد رفعه من الركعة الثانية فإنه لم يدرك من الجمعة شيئاً فعليه أن يصلي ظهراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (¬1) . ومفهومه أن من أدرك أقل فإنه لا يدرك الصلاة، والجمعة تقضى ظهراً، ولهذا يجب على النساء في البيوت وعلى المرضى الذين لا يأتون الجمعة، يجب عليهم أن يصلوا ظهراً ولا يصلوا جمعة، فإن صلوا جمعة في هذه الحال فإن صلاتهم باطلة ومردودة. القسم الثالث: صلاة إذا فاتت لا تقضى إلا في نظير وقتها وهي صلاة العيد إذا لم يعلم بها إلا بعد زوال الشمس، فإن أهل العلم يقولون: يصلونها من اليوم التالي في نظير وقتها. إذن فالقضاء على ثلاثة أقسام: الأول: ما يقضى من حين زوال العذر، وهي الصلوات ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة/ باب من أدرك من الصلاة ركعة. ومسلم: كتاب المساجد/ باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.

س210: كثير من الناس يصلون بثياب خفيفة تصف البشرة ويلبسون تحت هذه الثياب سراويل قصيرة لا تتجاوز منتصف الفخذ فيشاهد منتصف الفخذ من وراء الثوب، فما حكم صلاة هؤلاء؟

الخمس، وكذلك الوتر، وشبهه من السنن الموقتة. الثاني: ما يقضى بدله وهي صلاة الجمعة إذا فاتت تقضى ظهراً. الثالث: ما يقضى هو نفسه ولكن في نظير وقته من اليوم التالي، وهو صلاة العيد إذا فاتت بالزوال فإنها تصلى في نظير وقتها من اليوم التالي. والله الموفق. *** س210: كثير من الناس يصلون بثياب خفيفة تصف البشرة ويلبسون تحت هذه الثياب سراويل قصيرة لا تتجاوز منتصف الفخذ فيشاهد منتصف الفخذ من وراء الثوب، فما حكم صلاة هؤلاء؟ الجواب: حكم صلاة هؤلاء حكم من صلى بغير ثوب سوى السراويل القصيرة، لأن الثياب الشفافة التي تصف البشرة غير ساترة ووجودها كعدمها، وبناء على ذلك فإن صلاتهم غير صحيحة على أصح قولي العلماء وهو المشهور من مذهب الأمام أحمد -رحمه الله- وذلك لأنه يجب على المصلي من الرجال أن يستر ما بين السرة والركبة وهذا أدنى ما يحصل به امتثال قول الله -عز وجل-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف: من الآية31) فالواجب عليهم أحد أمرين: إما أن يلبسوا سراويل تستر ما بين السرة والركبة، وإما أن يلبسوا فوق هذه السراويل القصيرة ثوباً صفيقاً لا يصف البشرة. وهذا الفعل الذي ذكر في السؤال خطأ وخطير فعليهم أن

س211: ما حكم لبس المرأة اللباس الذي فيه فتحات أمامية وجانبية وخلفية مما يكشف عن جزء من الساق، وحجة هؤلاء أنهن بين نساء فقط؟

يتوبوا إلى الله تعالى منه، وأن يحرصوا على إكمال ستر ما يجب ستره في صلاتهم. نسأل الله تعالى لنا ولإخواننا المسلمين الهداية والتوفيق لما يحبه ويرضاه إنه جواد كريم. *** س211: ما حكم لبس المرأة اللباس الذي فيه فتحات أمامية وجانبية وخلفية مما يكشف عن جزء من الساق، وحجة هؤلاء أنهن بين نساء فقط؟ الجواب: الذي أرى أن المرأة يجب عليها أن تستتر بلباس ساتر، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يلبسن القمص اللاتي تصل إلى الكعبين في القدمين، وإلى الكفين في اليدين، ولا شك أن الفتحات التي أشار إليها السائل تبدي الساق وربما يتطور الأمر حتى يبدون ما فوق الساق، والواجب على المرأة أن تحتشم وأن تلبس كل ما يكون أقرب إلى سترها لئلا تدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يدركن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) (¬1) . *** س212: هل يجوز للمرأة أن تصلي بالنقاب والقفاز؟ ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب اللباس والزينة/ باب النساء الكاسيات العاريات.

س213: ما حكم من صلى في ثياب نجسة وهو لا يعلم؟

الجواب: إذا كانت المرأة تصلي في بيتها، أو في مكان لا يطلع عليها إلا الرجال المحارم فالمشروع لها كشف الوجه واليدين لتباشر الجبهة والأنف موضع السجود وكذلك الكفان. أما إذا كانت تصلي وحولها رجال غير محارم فإنه لا بد من ستر وجهها، لأن ستر الوجه عن غير المحارم واجب، ولا يحل لها كشفه أمامهن كما دل على ذلك كتاب الله -سبحانه وتعالى- وسنة رسول لله صلى الله عليه وسلم والنظر الصحيح الذي لا يحيد عنه عاقل فضلاً عن المؤمن. ولباس القفازين في اليدين أمر مشروع، فإن هذا هو ظاهر فعل نساء الصحبة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين)) (¬1) . فهذا يدل على أن من عادتهن لبس القفازين، وعلى هذا فلا بأس أن تلبس المرأة القفازين إذا كنت تصلي وعندها رجال أجانب، أما ما يتعلق بستر الوجه فإنها تستره ما دامت قائمة أو جالسة فإذا أرادت السجود فتكشف الوجه لتباشر الجبهة محل السجود. *** س213: ما حكم من صلى في ثياب نجسة وهو لا يعلم؟ الجواب: إذا صلى الإنسان في ثياب نجسة ولم يعلم أنه أصابتها نجاسة إلا بعد صلاته، أو كان عالماً بذلك قبل أن يصلي ولم يذكر إلا بعد فراغه من صلاته إن الصلاة صحيحة، ليس عليه إعادة لهذه الصلاة، وذلك لأنه ارتكب ذلك المحظور جاهلاً أو ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب جزاء الصيد/ باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة.

ناسياً وقد قال الله تبارك وتعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: من الآية286) فقال الله تعالى: ((قد فعلت)) (¬1) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم في نعليه وكان فيهما أذى فلما كان في أثناء الصلاة أخبره جبريل بذلك فخلعهما رسول اله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي (¬2) ، ولم يستأنف الصلاة فدل هذا على أن من علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإنه يزيلها ولو في أثناء الصلاة ويستمر في صلاته إذا كان يمكنه أن يبقى مستور العورة بعد إزالتها، وكذلك من نسي وذكر في أثناء الصلاة فإنه يزيل هذا الثوب النجس إذا كان يبقى عليه ما يستر عورته، وأما إذا فرغ من صلاته ثم ذكر بعد أن فرغ، أو علم بعد أن فرغ من صلاته، فإنه لا إعادة عليه، وصلاته صحيحة، بخلاف الرجل الذي يصلي وهو ناسي أن يتوضأ مثل أن يكون قد أحدث ونسي أن يتوضأ، ثم صلى وذكر بعد فراغه من الصلاة أنه لم يتوضأ، فإنه يجب عليه الوضوء وإعادة الصلاة، وكذلك لو كان عليه جنابة ولم يعلم بها، مثل أن يكون قد احتلم في الليل وصلى الصبح بدون غُسل جهلاً منه، ولما كان من النهار رأى في ثوبه منياً من نومه، فإنه يجب عليه أن يغتسل وأن يعيد ما صلى. والفرق بين هذه المسألة والمسألة الأولى -أعني مسألة النجاسة- أن النجاسة من باب ترك المحظور، وأما الوضوء والغسل فهو من باب فعل المأمور، وفعل المأمور أمر إيجادي لا بد أن يقوم به الإنسان، ولا تتم العبادة إلا بوجوده، أما إزالة النجاسة ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان/ باب بيان أنه سبحانه لم يكلف إلا ما يطاق. (¬2) أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة/ باب الصلاة في النعل.

س214: ما عقوبة الإسبال إذ قصد به الخيلاء؟ وعقوبته إذا لم يقصد به الخيلاء؟ وكيف يجاب من احتج بحديث أبي بكر رضي الله عنه؟

فهي أمر عدمي لا تتم الصلاة إلا بعدمه، فإذا وجد في حال الصلاة نسياناً أو جهلاً فإنه لا يضر، لأنه لم يفوت شيء يطلب حصوله في صلاته. والله أعلم. *** س214: ما عقوبة الإسبال إذ قصد به الخيلاء؟ وعقوبته إذا لم يقصد به الخيلاء؟ وكيف يجاب من احتج بحديث أبي بكر رضي الله عنه؟ الجواب: إسبال الإزار إذا قصد به الخيلاء فعقوبته أن لاينظر الله تعالى إليه يوم القيامة، ولا يكلمه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم. وأما إذا لم يقصد به الخيلاء فعقوبته أن يعذب ما نزل من الكعبين بالنار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) (¬1) وقال صلى الله عليه وسلم: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) (¬2) فهذا فيمن جر ثوبه خيلاء. وأما من لم يقصد الخيلاء ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)) (¬3) ولم يقيد ذلك بالخيلاء، ولا يصح أن يقيد بها بناء ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان/ باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب اللباس/ باب من جر ثوبه من الخيلاء، ومسلم: كتاب اللباس/ باب تحريم جر الثوب خيلاء. (¬3) أخرجه البخاري: كتاب اللباس/ باب ما أسفل الكعبين ففي النار.

على الحديث الذي قبله، لأن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أزره المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج -أو قال-: لا جناح عليه فيها بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من ذلك فهو في النار، ومن جر إزاره بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) (¬1) . رواه مالك، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه ذكره في كتاب الترغيب والترهيب في الترغيب في القميص ص88 ج3. ولأن المعلين مختلفان، والعقوبتين مختلفتان، ومتى اختلف الحكم والسبب امتنع حمل المطلق على المقيد، لما يلزم على ذلك من التناقض. وأما من احتج علينا بحديث أبي بكر -رضي الله عنه- فنقول له: ليس لك حجة فيه من وجهين: الوجه الأول: أن أبا بكر رضي الله عنه قال: ((إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه..)) (¬2) فهو -رضي الله عنه- لم يرخ ثوبه اختياراً منه، بل كان ذلك يسترخي، ومع ذلك فهو يتعاهده، والذي يسبلون ويزعمون أنهم لم يقصدوا الخيلاء يرخون ثيابهم عن قصد، فنقول لهم: إن قصدتم إنزال ثيابكم إلى أسفل من الكعبين بدون قصد الخيلاء عذبتم على ما نزل فقط بالنار، وإن جررتم ثيابكم خيلاء عذبتم بما هو أعظم من ذلك، لا يكلمكم الله ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد 3/5، وأبو داود: كتاب اللباس/ باب في قدر موضع الإزار (4093) ، وابن ماده: كتاب اللباس/ باب موضع الإزار أين هو (3573) ، والنسائي: كتاب الزينة/ باب موضع الإزار (بنحوه) ، ومالك 2/217. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب اللباس/ باب من جر إزاره من غير خيلاء.

س215: من صلى وتبين بعد الصلاة أنه محدث حدثا يوجب الغسل؟

يوم القيامة، ولا ينظر إليكم، ولا يزكيكم، ولكم عذاب أليم. الوجه الثاني: أن أبا بكر رضي الله عنه زكاه النبي صلى الله عليه وسلم وشهد له أنه ليس ممن يصنع ذلك خيلاء، فهل نال أحد من هؤلاء تلك التزكية والشهادة؟! ولكن الشيطان يفتح لبعض الناس إتباع المتشابه من نصوص الكتاب والسنة ليبرر لهم ما كانوا يعملون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، نسأل الله لنا ولهم الهداية والعافية. حرر في 29/6/1399هـ. *** س215: من صلى وتبين بعد الصلاة أنه محدث حدثاً يوجب الغسل؟ الجواب: كل إنسان يصلي ثم بعد الصلاة يتبين أن عليه حدثاً أكبر، أو أصغر فالواجب عليه أن يتطهر من هذا الحدث وأن يعيد الصلاة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لا يقل الله صلاة بغير طهور)) (¬1) . *** س216: إذا حصل للإنسان رعاف في أثناء الصلاة فما الحكم؟ وهل ينجس الثوب؟ الجواب: الرعاف ليس بناقض للوضوء سواء كان كثيراً أم قليلاً، وكذلك جميع ما يخرج من البدن من غير السبيلين فإنه لا ينقض الوضوء، مثل القيء، والمادة التي تكون في الجروح فإنه لا ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الطهارة/ باب وجوب الطهارة للصلاة.

س217: حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟

ينقض الوضوء سواء كان قليلاً أم كثيراً، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل بقاء الطهارة، فإن هذه الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن أن يرتفع إلا بمقتضى دليل شرعي، وليس هنالك دليل على أن الخارج من غير السبيلين من البدن ينقض الوضوء، وعلى هذا فلا ينتقض الوضوء بالرعاف أو القيء سواء كان قليلاً أو كثيراً، ولكن إذا كان يزعجك في صلاتك ولم تتمكن من إتمامها بخشوع فلا حرج عليك أن تخرج من الصلاة حينئذ، وكذلك لو خشيت أن تلوث المسجد إذا كنت تصلي في المسجد فإنه يجب عليك الإنصراف لئلا تلوث المسجد بهذا الدم الذي يخرج منك،، أما ما يقع على الثياب من هذا الدم وهو يسير فإنه لا ينجس الثوب. *** س217: حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟ الجواب: الصلاة في مسجد فيه قبر على نوعين: الأول: أن يكون القبر سابقاً على المسجد، بحيث يبنى المسجد على القبر، فالواجب هجر هذا المسجد وعدم الصلاة، وعلى من بناه أن يهدمه، فإن لم يفعل وجب على ولي أمر المسلمين أن يهدمه. والنوع الثاني: أن يكون المسجد سابقاً على القبر، بحيث يدفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نبش القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس. وأما المسجد فتجوز الصلاة فيه بشرط أن لا يكون القبر أمام

المصلي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور. أما قبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي شمله المسجد النبوي فمن المعلوم أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بني قبل موته فلم يبن على القبر، ومن المعلوم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن فيه، وإنما دفن في بيته المنفصل عن المسجد، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى أميره على المدينة وهو عمر بن عبد العزيز في سنة 88 من الهجرة أن يهدم المسجد النبوي ويضيف إليه حجر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فجمع عمر وجوه الناس والفقهاء وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد فشق عليهم ذلك، وقالوا: تركها على حالها أدعى للعبرة، ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً، فكتب عمر بذلك إلى الوليد فأرسل الوليد إليه يأمره بالتنفيذ، فلم يكن لعمر بد من ذلك، فأنت ترى أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يوضع في المسجد، ولم يبن عليه المسجد فلا حجة فيه لمحتج على الدفن في المساجد، أو بنائها على القبور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (¬1) ، قال ذلك وهو في سباق الموت تحذيراً لأمته مما صنع هؤلاء. ولما ذكرت له أم سلمة رضي الله عنها كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور قال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، أولئك شرار الخلق عند الله)) (¬2) . وعن ابن مسعود رضي ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب المساجد/ باب الصلاة في البيعة، ومسلم: كتاب المساجد/ باب النهي عن بناء المساجد على القبور. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز/ باب بناء المسجد على القبر، ومسلم: كتاب المساجد/ باب النهي عن بناء المساجد على القبور.

س218: ما حكم الصلاة فوق سطح الحمام؟ وحكم الصلاة فوق سطح مجامع الفضلات النجسة؟

الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد)) (¬1) . أخرجه الإمام أحمد بسند جيد. والمؤمن لا يرضى أن يسلك مسلك اليهود والنصارى، ولا أن يكون من شرار الخلق. حرر في 7/4/1414هـ. *** س218: ما حكم الصلاة فوق سطح الحمام؟ وحكم الصلاة فوق سطح مجامع الفضلات النجسة؟ الجواب: الصلاة فوق سطوح حماماتنا المعروفة لا بأس بها، لأن الحمامات عندنا لا تستقل ببناء خاص ويكون سطحها سطح جميع البيت، والصلاة فوق سطح مجامع الفضلات النجسة لا بأس بها أيضاً لدخولها في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) (¬2) . *** س219: ما الحكم فيمن يمشون بأحذيتهم على أرض المسجد الحرام؟ الجواب: المشي على أرض المسجد الحرام بالحذاء لا ينبغي، وذلك لأنه يفتح باباً للعامة الذين لا يقدرون المسجد فيأتون بأحذية وهي ملوثة بالمياه، وربما تكون ملوثة بالأقذار يدخلون بها المسجد الحرام فيلوثونه بها، والشيء المطلوب شرعاً إذا خيف أن يترتب ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد 1/405 و 435. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب المساجد/ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي ... ".

س220: إذا تبين للمصلي أنه انحرف عن القبلة قليلا فهل يعيد الصلاة؟

عليه مفسدة فإنه يجب مراعاة هذه المفسدة وأن يترك، والقاعدة المقررة عند أهل العلم: ((أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد مع التساوي، أو مع ترجح المفاسد فإن درء المفسدة أولى من جلب المصلحة)) ، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يهدم الكعبة، وأن يجدد بناءها على قواعد إبراهيم، ولكن لما كان الناس حديثي عهد بكفر ترك هذا الأمر المطلوب خوفاً من المفسدة فقال لعائشة رضي الله عنها: ((لولا أن قومك حديثوا عهد بكفر لهدمت الكعبة، وبنيتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين باباً يدخل منه الناس، وباباً يخرجون منه)) (¬1) . *** س220: إذا تبين للمصلي أنه انحرف عن القبلة قليلاً فهل يعيد الصلاة؟ الجواب: الانحراف القليل لا يضر، وهذا في غير من كان في المسجد الحرام، لأن المسجد الحرام قبلة المصلي فيه هي عين الكعبة، ولهذا قال العلماء: من أمكنه مشاهدة الكعبة فإن الواجب أن يستقبل عينها، فإذا قدر أن المصلي في الحرم اتجه إلى جهتها لا إلى عينها فإنه يعيد الصلاة لأن صلاته لم تصح، قال عز وجل: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه) (البقرة: من الآية144) . أما إذا كان الإنسان بعيداً عن الكعبة لا يمكنه مشاهدتها ولو ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب فضل مكة وبنيانها، ومسلم: كتاب الحج/ باب نقض الكعبة وبنائها.

س221: إذا صلى جماعة إلى غير القبلة فما الحكم في تلك الصلاة؟

في مكة فإن الواجب استقبال الجهة، ولا يضر الانحراف اليسير، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لأهل المدينة، ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) (¬1) ، لأن أهل المدينة يستقبلون الجنوب، فكل ما بين المشرق والمغرب فهو في حقهم قبلة، كذلك مثلاً نقول للذين يصلون إلى الغرب نقول ما بين الجنوب والشمال قبلة. س221: إذا صلى جماعة إلى غير القبلة فما الحكم في تلك الصلاة؟ الجواب: هذه المسألة لا تخلو من حالين: الحال الأولى: أن يكونوا في موضع لا يمكنهم العلم بالقبلة مثل أن يكونوا في سفر، وتكون السماء مغيمة، ولم يهتدوا إلى جهة القبلة فإنهم إذا صلوا بالتحري، ثم تبين أنهم على خلاف القبلة فلا شيء عليهم، لأنهم اتقوا الله ما استطاعوا، وقد قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (¬2) . وقال الله تعالى في خصوص هذه المسألة: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 115) . الحال الثانية: أن يكونوا في موضع يمكنهم فيه السؤال عن القبلة، ولكنهم فرطوا وأهملوا، ففي هذه الحال يلزمهم قضاء ¬

(¬1) أخرجه الترمذي: كتاب الصلاة/ باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة، وابن ماجة (1011) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي "المستدرك" 1/225. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة/ باب الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومسلم: كتاب الحج/ باب فرض الحج مرة في العمر.

الصلاة التي صلوها إلى غير القبلة، سواء علموا بخطئهم قبل خروج وقت الصلاة أم بعده، لأنهم في هذه الحال مخطئون خاطئون، مخطئون في شأن القبلة، لأنهم لم يتعمدوا الانحراف عنها، لكنهم خاطئون في تهاونهم وإهمالهم السؤال عنها، إلا أنه ينبغي أن نعلم أن الانحراف اليسير عن جهة القبلة لا يضر، كما لو انحرف إلى جهة اليمين أو إلى جهة الشمال يسيراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل المدينة: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) (¬1) فالذين يكونون شمالاً عن الكعبة نقول لهم: ما بين المشرق والمغرب قبلة، وكذلك من يكونون جنوباً عنها، ومن كانوا شرقاً عنها، أو غرباً نقول لهم: ما بين الشمال والجنوب قبلة، فالانحراف اليسير لا يؤثر ولا يضر. وهاهنا مسألة أحب أن أنبه عليها وهي: أن من كان في المسجد الحرام يشاهد الكعبة فإنه يجب أن يتجه إلى عين الكعبة لا إلى جهتها، لأنه إذا انحرف عن عين الكعبة لم يكن متجهاً إلى القبلة، وأرى كثيراً من الناس في المسجد الحرام لا يتجهون إلى عين الكعبة تجد الصف مستطيلاً طويلاً، وتعلم علم اليقين أن كثيراً منهم لم يكن متجهاً إلى عين الكعبة، وهذا خطأ عظيم يجب على المسلمين أن ينتبهوا له، وأن يتلافوه، لأنهم إذا صلوا على هذه الحال صلوا إلى غير القبلة. *** ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س222: ما حكم التلفظ بالنية؟

س222: ما حكم التلفظ بالنية؟ الجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬1) . والنية محلها القلب ولا يحتاج إلى نطق، وأنت إذا قمت تتوضأ فهذه هي النية، ولا يمكن لإنسان عاقل غير مكره على عمل أن يفعل ذلك العمل إلا وهو ناوٍ له، ولهذا قال بعض أهل العلم: لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من التكليف بما لا يطاق. ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه -رضوان الله عنهم- أنهم كانوا يتلفظون بالنية، والذين تسمعهم يتلفظون بالنية تجد ذلك إما جهلاً منهم، أو تقليداً لمن قال بذلك من أهل العلم، حيث قالوا إنه ينبغي أن يتلفظ بالنية من أجل أن يطابق القلب اللسان، ولكننا نقول إن قولهم هذا ليس بصحيح، فلو كان أمراً مشروعاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، إما بقوله وإما بفعله. والله الموفق. *** س223: ما حكم صلاة الفريضة خف المتنفل كمن صلى العشاء مع الذين يصلون التراويح؟ الجواب: لا بأس أن يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح، وقد نص على ذلك الإمام أحمد -رحمه الله- فإن كان مسافراً وأدرك الإمام من أول الصلاة سلم معه، وإلا أتم ما بقي إذا سلم الإمام. *** ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س224: إذا أدرك المسافر مع الإمام المقيم الركعتين الأخيرتين فهل يسلم معه بنية القصر؟

س224: إذا أدرك المسافر مع الإمام المقيم الركعتين الأخيرتين فهل يسلم معه بنية القصر؟ الجواب: لا يجوز للمسافر إذا إئتم بالمقيم أن يقصر الصلاة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)) (¬1) وعلى هذا إذا أدرك المسافر مع الإمام المقيم الركعتين الأخيرتين وجب عليه أن يأتي بركعتين بعد سلام إمامه، ولا يجوز أن يسلم مع الإمام مقتصراً على الركعتين. والله أعلم. *** س225: ما حكم الإسراع في المشي إلى الصلاة؟ الجواب: إسراع الإنسان في مشيه إلى الصلاة منهي عنه، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نمشي وعلينا السكينة والوقار ونهانا أن نسرع، إلا أن بعض أهل العلم قال: لا بأس أن يسرع سرعة لا تقبح إذا خاف أن تفوته الركعة مثل إن دخل والإمام راكع فأسرع سرعة ليست قبيحة كما يصنع بعض الناس تجده يأتي يركض شديداً، فإن هذا منهي عنه، مع أن الإتيان بالسكينة والوقار مع عدم الإسراع أفضل حتى وإن خاف أن تفوته الركعة لعموم الحديث. *** ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الأذان/ باب لا يسعى إلى الصلاة ... (636) . ومسلم: كتاب المساجد/ باب استحباب إتيان الصلاة بوقار (151) .

س226: هل يجوز الإسراع لإدراك الركعة مع الإمام في صلاة الجماعة؟ أفتونا حفظكم الله ورعاكم؟

س226: هل يجوز الإسراع لإدراك الركعة مع الإمام في صلاة الجماعة؟ أفتونا حفظكم الله ورعاكم؟ الجواب: إذا دخلت والإمام راكع فلا تسرع، ولا تدخل في الصلاة قبل أن تصل إلى الصف الأول، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرة رضي الله عنه حين فعل ذلك: ((زادك الله حرصاً ولا تعد)) (¬1) . *** س227: ما حكم قراءة القرآن في المسجد بصوت مرتفع مما يسبب التشويش على المصلين؟ الجواب: حكم قراءة الرجل في المسجد في الحال التي يشوش بها على غيره من المصلين، أو الدارسين، أو قارئ القرآن، حكم ذلك حرام، لوقوعه فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مالك في الموطأ (¬2) عن البياضي (هو فروة بن عمرو) أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: ((إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) . وروى نحوه أبو داود (¬3) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. *** ¬

(¬1) رواه البخاري في الأذان باب 114، إذا ركع دون الصف (783) . (¬2) في الصلاة باب العمل في القراءة 1/86 (225) . (¬3) في الصلاة باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (1332) .

س228: بعض الناس إذا دخلوا المسجد قرب وقت الإقامة وقفوا ينتظرون قدوم الإمام وتركوا تحية المسجد فما حكم هذا العمل؟

س228: بعض الناس إذا دخلوا المسجد قرب وقت الإقامة وقفوا ينتظرون قدوم الإمام وتركوا تحية المسجد فما حكم هذا العمل؟ الجواب: إذا كانت المدة قصيرة بحيث لا يفوت فعل تحية المسجد فلا حرج عليهم، وأما إذا كانوا لا يدرون متى يأتي الإمام فالأفضل أن يصلوا تحية المسجد، ثم إن جاء الغمام وأقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى فاقطعها، وإن كنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة. *** س229: يلاحظ من بعض الرجال في المسجد الحرام أنهم يصفون خلف صفوف النساء في الصلاة المفروضة، فهل تقبل صلاتهم؟ وهل من توجيه لهم؟ الجواب: إذا صلى الرجال خلف النساء فإن أهل العلم يقولون لا بأس، لكن هذا خلاف السنة، لأن السنة أن تكون النساء خلف الرجال، إلا أنه كما هو مشاهد في المسجد الحرام يكون هناك زحام وضيق فتأتي النساء وتصف، ويأتي رجال بعدهن فيصفون وراءهن، ولكن ينبغي للمصلي أن يحترز عن هذا بقدر ما يستطيع، لأنه ربما يحصل من ذلك فتنة للرجال، فليتجنب الإنسان الصلاة خلف النساء، وإن كان هذا جائزاً حسب ما قرره الفقهاء، لكننا نقول: ينبغي للإنسان أن يتجنب هذا بقدر المستطاع. وينبغي للنساء أيضاً ألا يصلين في موطن يكون قريباً من الرجال. ***

س230: هل يجوز إبعاد الصبي عن مكانه في الصف؟

س230: هل يجوز إبعاد الصبي عن مكانه في الصف؟ الجواب: الصحيح عدم جواز إبعاد الصبي عن مكانه في الصف لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه)) (¬1) . ولأنه فيه اعتداء على حق الصبي، وكسراً لقلبه، وتنفيراً له عن الصلاة، وزرعاً للبغضاء والحقد في قلبه. ولأننا لو قلنا بجواز تأخير الصبيان إلى آخر الصفوف لاجتمعوا في صف واحد وحصل منهم اللعب والعبث في الصلاة، لكن لا بأس بزحزحته عن مكانه للتفريق بينهم إذا خيف منهم اللعب. *** س231: ما حكم الصلاة بين السواري؟ الجواب: الصلاة بين السواري جائزة عند الضيق. أما في حال السعة فلا يصلى بين السواري، لأنها تقطع الصفوف. حرر في 29/1/1419هـ. *** س232: ما الحكم في صفوف النساء؟ هل شرها أولها وخيرها آخرها على الإطلاق، أو في حالة عدم وجود ساتر بين الرجال والنساء؟ ¬

(¬1) رواه البخاري في الجمعة باب: لا يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه ح (911) بنحوه. ورواه مسلم في السلام باب 11: تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه، ح27 (2177) .

س233: ما حكم صلاة من يصلي خارج المسجد كمن يصلي في الطرقات المتصلة بالمسجد؟

الجواب: المراد إذا كان الرجال مع النساء في مكان واحد فإن آخر صفوف النساء أفضل من أولها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) (¬1) . وإنما كان كذلك لأن آخرها أبعد عن الرجال وأولها أقرب إلى الرجال. وأما إذا كان لهن مكان خاص كما يوجد الآن في أكثر المساجد فإن خير صفوف النساء أولها كالرجال. *** س233: ما حكم صلاة من يصلي خارج المسجد كمن يصلي في الطرقات المتصلة بالمسجد؟ الجواب: إذا كان المسجد لا يسع المصلين وصلوا بالطرقات المتصلة به فلا بأس، ما داموا يتمكنون من متابعة الإمام لأن هذا ضرورة. حرر في 6/6/1413هـ *** س234: ما المعتمد في إقامة الصفوف؟ وهل يشرع للمصلي أن يلصق كعبه بكعب من بجانبه؟ أفتونا مأجورين؟ الجواب: الصحيح أن المعتمد في تسوية الصف محاذاة الكعبين بعضهما بعضاً، لا رؤوس الأصابع، وذلك لأن البدن مركب على الكعب، والأصابع تختلف الأقدام فيها، فهناك القدم الطويل، وهناك القدم القصير، فلا يمكن ضبط التساوي إلا بالكعب. وأما إلصاق الكعبين بعضهما ببعض فلا شك أنه وارد عن ¬

(¬1) رواه مسلم في الصلاة باب 28 -تسوية الصفوف 1/326 ح132 (440) .

س235: هل ثبت رفع اليدين في الصلاة في غير المواضع الأربعة؟ وكذلك في صلاة الجنازة والعيدين؟

الصحابة -رضي الله عنهم- فإنهم كانا يسوون الصفوف بإلصاق الكعبين بعضهما ببعض (¬1) ، أي أن كل واحد منهم يلصق كعبه بكعب جاره لتحقق المحاذاة وتسوية الصف، فهو ليس مقصوداً لذاته لكنه مقصود لغيره كما ذكر بعض أهل العلم، ولهذا إذا تمت الصفوف وقام الناس ينبغي لكل واحد أن يلصق كعبه بكعب صاحبه لتحقق المساواة، وليس معنى ذلك أن يلازم هذا الإلصاق ويبقى ملازماً له في جميع الصلاة. ومن الغلو في هذه المسألة ما يفعله بعض الناس من كونه يلصق كعبه بكعب صاحبه ويفتح قدميه فيما بينهما حتى يكون بينه وبين جاره في المناكب فرجة فيخالف السنة في ذلك، والمقصود أن المناكب والأكعب تتساوى. *** س235: هل ثبت رفع اليدين في الصلاة في غير المواضع الأربعة؟ وكذلك في صلاة الجنازة والعيدين؟ الجواب: المواضع الأربعة التي ترفع فيها اليدان يجب أولاً أن نعرفها وهي: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من التشهد الأول، فهذه المواضع صح بها الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر للصلاة، وإذا كبر للركوع ¬

(¬1) فيه إشارة لقول أنس بن مالك: وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه. رواه البخاري في الأذان باب 76 إلزاق المنكب ح (725) .

س236: إذا أدرك المأموم الإمام راكعا فهل يكبر تكبيرتين؟

وإذا قال سمع الله لمن حمده". قال: "وكان لا يفعل ذلك في السجود)) (¬1) . وإذا كان ابن عمر -رضي الله عنهما- الحريص على تتبع فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تتبعه فعلاً فرآه يرفع يده في التكبير، وفي الركوع وفي الرفع منه، والقيام من التشهد الأول وقال: "وكان لا يفعل ذلك في السجود" ولا يقال: إن هذا من باب المثبت والنافي، وأن من أثبت الرفع فهو مقدم على النافي في حديث ابن عمر، لأن حديث ابن عمر صريح بأنه تأكد من عدم الرفع، فالذي يشاهده إذا رفع للركوع، والرفع من الركوع، ثم يقول لا يفعل ذلك في السجود، فهل نقول إنه يمكن غفل ولم ينتبه؟ لا يمكن ذلك، لأنه جزم بأنه لم يفعله في السجود وجزم بأنه كن يفعله في الركوع وفي الرفع منه. أما رفع اليدين في صلاة الجنازة وفي العيدين فإنه مشروع في كل تكبيرة. س236: إذا أدرك المأموم الإمام راكعاً فهل يكبر تكبيرتين؟ الجواب: إذا دخل الإنسان والإمام راكع ثم كبر للإحرام فليركع فوراً، وتكبيره للركوع حينئذ سنة وليس بواجب، فإن كبر للركوع فهو أفضل، وإن تركه فلا حرج عليه، ثم بعد ذلك لا يخلو من حالات: الحال الأولى: أن يتيقن أنه وصل إلى الركوع قبل أن ينهض الإمام منه، ¬

(¬1) رواه البخاري في الأذان، باب 83 رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء. ح (735) ، ورواه مسلم في الصلاة باب 9، "استحباب رفع اليدين ... " ح 21 و22 (390) .

فيكون حينئذ مدركاً للركعة، وتسقط عنه الفاتحة في هذه الحال. الحال الثانية: أن يتيقن أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يصل هو إلى الركوع، وحينئذ تكون الركعة قد فاتته، ويلزمه قضاؤها. الحال الثالثة: أن يتردد ويشك هل أدرك الإمام في ركوعه، أو أن الإمام رفع قبل أن يدركه في الركوع؟ وفي هذه الحال يبني على غالب ظنه فإن ترجح عنده أنه أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة، وإن ترجح عنده أنه لم يدرك الإمام في الركوع فقد فاتته الركعة، وفي هذه الحال إن كان قد فاته شيء من الصلاة فإنه يسجد للسهو بعد السلام، وإن كان قد فاته شيء من الصلاة فإنه يسجد للسهو بعد السلام وإن لم يفته شيء من الصلاة، بأن كانت الركعة المشكوك فيها في الركعة الأولى، وغلب على ظن أنه أدركها، فإن سجود السهو في هذه الحال يسقط عنه، لارتباط صلاته بصلاة الإمام، والإمام يتحمل سجود السهو عن المأموم إذا لم يفت المأموم شيء من الصلاة. وهناك حال أخرى في حال الشك يكون الإنسان متردداً في إدراك الإمام راكعاً بدون ترجيح، ففي هذه الحال يبني على المتيقن وهو عدم الإدراك؛ لأنه الأصل، وتكون هذه الركعة قد فاتته، ويسجد للسهو قبل السلام. وهاهنا مسألة أحب أن أنبه لها في هذه المناسبة وهي أن كثيراً من الناس إذا دخل المسجد والإمام راكع صار يتنحنح بشدة وتتابع، وربما يتكلم (إن الله مع الصابرين) وربما يخبط بقدميه

س 237: ما حكم وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى على الصدر أو فوق القلب؟ وما حكم وضع اليدين تحت السرة؟ وهل هناك فرق بين الرجل والمرأة؟

وكل هذا خلاف السنة، وفيه إحداث التشويش على الإمام وعلى المأمومين، ومن الناس من إذا دخل والإمام راكع أسرع إسراعاً قبيحاً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) (¬1) . * * * س 237: ما حكم وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى على الصدر أو فوق القلب؟ وما حكم وضع اليدين تحت السرة؟ وهل هناك فرق بين الرجل والمرأة؟ الجواب: حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة سنة، لحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه- قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة". أخرجه البخاري (¬2) . ولكن أين يكون الوضع؟ الجواب: أقرب الأقوال إلى الصحة في ذلك أن الوضع يكون على الصدر لحديث وائل بن حجر- رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم ((كان يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره)) (¬3) . والحديث وإن كان فيه شيء من الضعف، لكنه أقرب من غيره إلى الصحة. ¬

(¬1) تقدم تخريجه (¬2) في الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى ح (740) . (¬3) أخرجه ابن خزيمة في الصلاة، باب وضع اليمين على الشمال (479) . والبيهقي 2/30.

س 238: ما حكم الجهر بالبسملة؟

وأما وضعها على القلب على الجانب الأيسر فهو بدعة لا أصل لها. وأما وضعها تحت السرة فقد روى ذلك أثراً عن علي - رضي الله عنه - (¬1) لكنه ضعيف، وحديث وائل بن حجر أقوى منه. ولا فرق في هذا الحكم بين المرأة والرجل؛ لأن الأصل اتفاق النساء والرجال في الأحكام، إلا أن يقوم دليل على التفريق، أو على الفرق بينهما، ولا أعلم دليلاً صحيحاً يفرق بين الرجل والمرأة في هذه السنة. * * * س 238: ما حكم الجهر بالبسملة؟ الجواب: الراجح أن الجهر بالبسملة لا ينبغي، وأن السنة الإسرار بها؛ لأنها ليست من الفاتحة، ولكن لو جهر بها أحياناً فلا حرج؛ بل قد قال بعض أهل العلم: إنه ينبغي أن يجهر بها أحياناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد روى عنه ((أنه كان يجهر بها)) (¬2) . ولكن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم ((أنه كان لا يجهر بها)) (¬3) وهذا هو الأولي أن لا يجهر بها. ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد 1/110، وأبو داود في الصلاة/ باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة (756) . (¬2) رواه النسائي في الافتتاح / باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (904) ، وابن حبان 1788، وابن خزيمة 499، والدارقطني1/305، والبيهقي 2/46، 58. (¬3) لما رواه أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: " صليتُ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، فلم أسمع أحدٌ منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم"، رواه مسلم في الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة (399) .

س 239: ما حكم دعاء الاستفتاح؟

ولكن لو جهر بها تأليفاً لقوم مذهبهم الجهر فأرجو أن لا يكون به بأس. * * * س 239: ما حكم دعاء الاستفتاح؟ الجواب: الاستفتاح سنة وليس بواجب، لا في الفريضة ولا في النافلة. والذي ينبغي أن يأتي الإنسان في الاستفتاح بكل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بهذا أحياناً، وبهذا أحياناً، ليحصل له بذلك فعل السنة على جميع الوجوه، وإن كان لا يعرف إلا وجهاً واحداً من السنة واقتصر عليه فلا حرج؛ لأن الظاهر أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يُنوعُ هذه الوجوه في الاستفتاح، وفي التشهد من أجل التيسير على العباد، وكذلك في الذكر بعد الصلاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينوعها لفائدتين: الفائدة الأولى: أن لا يستمر الإنسان على نوع واحد، فإنٍ الإنسان إذا استمر على نوع واحد صار إتيانه بهذا النوع كأنه أمر عادي، ولذلك لو غفل وجد نفسه يقول هذا الذكر، وإن كان من غير قصد؛ لأنه صار أمراً عاديّاً، فإذا كانت الأذكار متنوعة وصار الإنسان يأتي أحياناً بهذا، وأحياناً بهذا صار ذلك أحصر لقلبه، وأدعى لفهم ما يقوله. الفائدة الثانية: التيسير على الأمة، بحيث يأتي الإنسان تارة بهذا، وتارة بهذا، على حسب ما يناسبه.

س 240: هل التأمين سنة؟

فمن أجل هاتين الفائدتين صارت بعض العبادات تأتي على وجوه متنوعة، مثل دعاء الاستفتاح، والتشهد، والأذكار بعد الصلاة. س 240: هل التأمين سنة؟ الجواب: نعم، التأمين سنة مؤكدة، لا سيما إذا أمن الإمام، لما جاء في الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬1) . ويكون تأمين الإمام والمأموم في آن واحد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم: " إذا قال الإمام: (ولا الضالين) فقولوا (آمين) (¬2) . * * * س 241: بعض المأمومين إذا قُرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال: استعنا بالله، فما حكم ذلك؟ الجواب: المشروع في حق المأموم أن ينصت لإمامه، فإذا فرغ من الفاتحة أمّن الإمام، وأمن المأموم، وهذا التأمين يغني عن كل شيء يقوله الإنسان في أثناء قراءة الإمام للفاتحة. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري في الأذان باب 111: جهر الإمام بالتأمين (780) ، ومسلم في الصلاة باب 18: التسميع والتحميد والتأمين 1/307 ح 72 (410) (¬2) أخرجه البخاري في الأذان باب 113: جهر المأموم بالتأمين (782) ، ومسلم في الموضع السابق ح 76 (410) .

س 242: ما حكم قراءة الفاتحة في الصلاة؟

س 242: ما حكم قراءة الفاتحة في الصلاة؟ الجواب: اختلف العلماء في قراءة الفاتحة على أقوال متعددة: القول الأول: أن الفاتحة لا تجب لاعلى الإمام، ولا على المأموم، ولا المنفرد، لا في الصلاة السرية، ولا الجهرية، وأن الواجب قراءة ما تيسر من القرآن ويستدلون بقول الله تعالى في سورة المزمل: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) . وبقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (أقرأ ما تيسر معك من القرآن) (¬1) . القول الثاني: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام، والمأموم، والمنفرد، في الصلاة السرية والجهرية، وعلى المسبوق، وعلى الداخل في جماعة من أول الصلاة. القول الثالث: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام والمنفرد، وليست واجبة على المأموم مطلقاً لا في السرية، لا في الجهرية. القول الرابع: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام، والمأموم، والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، وركن في حق المأموم في الصلاة السرية دون الجهرية. والراجح عندي: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الأمام، والمأموم، والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، إلا المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً فإن قراءة الفاتحة تسقط عنه في هذه الحال، ويدل لذلك عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأذان/ باب وجوب القراءة للإمام والمأموم (757) ، ومسلم في الصلاة/ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (397) .

الكتاب)) (¬1) . وقوله صلى الله عليه وسلم: ممن صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن ((فهي خِداج)) (¬2) . - بمعني فاسدة - وهذا عام، ويدل لذلك أيضاً حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح فقال لأصحابه: " ((لعلكم تقرؤون خلف الإمام؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)) (¬3) ، وهذا نص في الصلاة الجهرية. وأما سقوطها عن المسبوق فدليله: حديث أبي بكرة - رضى الله عنه - أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم راكعاً، فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف، ثم دخل في الصف، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته سأل عمن فعل ذلك، فقال أبو بكرة: أنا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " زادك الله حرصاً ولا تعد (¬4) ، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الركعة التي أسرع من أجل ألا تفوته، ولو كان ذلك واجباً عليه لأمره به النبي صلى الله عليه وسلم، كما أمر الذي يصلي بلا طمأنينة أن يعيد صلاته، هذا من جهة الدليل الأثري. أما من جهة الدليل النظري فنقول: إن هذا الرجل المسبوق لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة (756) ، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة (394) . (¬2) أخرجه مسلم كتاب الصلاة/ باب وجوب قراءة الفاتحة (395) . (¬3) أخرجه الإمام أحمد 5/316، وأبو داود في الصلاة/ باب من ترك القراءة في الصلاة (832) ، والترمذي في الصلاة/ باب ما جاء في القراءة خلف الإمام، والحاكم 1/238- 239 والدارقطني 1/120. (¬4) تقدم تخريجه

الفاتحة، فلما لم يدرك المحل سقط ما يجب فيه، بدليل أن الأقطع الذي تقطع يده لا يجب عليه أن يغسل العضد بدل الذراع، بل يسقط عنه الفرض لفوات محله، كذلك تسقط قراءة الفاتحة على من أدرك الإمام راكعاً؛ لأنه لن يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة، وإنما سقط عنه القيام هنا من أجل متابعة الإمام. فهذا القول عندي هو الصحيح، ولولا حديث عبادة بن الصامت الذي أشرت إليه قبل قليل - وهو أن النبي صلي الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح - لولا هذا لكان القول بأن قراءة الفاتحة لا تجب على المأموم في الصلاة الجهرية هو القول الراجح؛ لأن المستمع كالقارىء في حصول الأجر، ولهذا قال الله تعالى لموسى: (قد اجيبت دعوتكما) ، مع أن الداعي موسى وحده، قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) (يونس: 88) فهل ذكر الله لنا أن هارون دعا؟ فالجواب لا، ومع ذلك قال (قد اجبت) قال العلماء في توجيه التثنية بعد الإفراد: إن موسى كان يدعو وهارون كان يؤمن. وأما حديث أبي هريرة الذي فيه: ((من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)) (¬1) فلا يصح؛ لأنه مرسل كما قال ابن كثير في مقدمة تفسيره، ثم إن هذا الحديث على إطلاقه لا يقول به من استدل، فإن الذين استدلوا به بعضهم يقول: إن المأموم تجب ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد 3/339، وابن ماجة في إقامة الصلاة/ باب إذا قرأ (850) .

س 243: متى يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة مع قراءة الإمام للفاتحة أو عندما يقرأ في السورة.

عليه القراءة في الصلاة السرية فلا يأخذون به على الإطلاق. فإن قيل: إذ كان الإمام لا يسكت فمتى يقرأ المأموم الفاتحة؟ فنقول: يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ، فقال: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)) (¬1) * * * س 243: متى يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة مع قراءة الإمام للفاتحة أو عندما يقرأ في السورة. الجواب: الأفضل أن تكون قراءة الفاتحة للمأموم بعد قراءة الإمام لها؛ لأجل أن ينصت للقراءة المفروضة الركن؛؛لأنه لو قرأ الفاتحة والإمام يقرأ الفاتحة لم ينصت للركن، وصار إنصاته لما بعد الفاتحة وهو التطوع، فالأفضل أن ينصت لقراءة الفاتحة؛ لأن الاستماع إلى القراءة التي هي ركن أهم من الاستماع إلى السنة، هذه من جهة، ومن جهة أخرى أن الإمام إذا قال: (ولا الضالين) وأنت لم تتابع فلن تقول "آمين" وحينئذ تخرج عن الجماعة فالأفضل هو هذا. * * * س 244: كيف يمكننا الخشوع في الصلاة، وعند قراءة القرآن في الصلاة وخارجها؟ الجواب: الخشوع هو لب الصلاة ومخها، ومعناه حضور ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س 245: هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم يسكت بين الفاتحة والسورة بعدها؟

القلب، وألا يتجول قلب المصلي يميناً وشمالاً، وإذا أحس الإنسان بشيء يصرفه عن الخشوع فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم (¬1) ولا شك أن الشيطان حريص على إفساد جميع العبادات لا سيما الصلاة التي هي أفضل العبادات بعد الشهادتين، فيأتي المصلي ويقول: اذكر كذا، اذكر كذا (¬2) ، ويجعله يسترسل في الهواجس التي ليس منها فائدة والتى تزول عن رأسه بمجرد انتهائه من الصلاة. فعلى الإنسان أن يحرص غاية الحرص على الإقبال على الله - عز وجل - وإذا أحس بشيء من هذه الهواجس والوساوس فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم سواء كان راكعاً، أو في التشهد ، أو القعود، أو في غير ذلك من صلاته. ومن أفضل الأسباب التي تعينه على الخشوع في صلاته أن يستحضر أنه واقف بين يدي الله وأنه يناجي ربه عز وجل. * * * س 245: هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم يسكت بين الفاتحة والسورة بعدها؟ الجواب: السكتة بين قراءة الفاتحة وقراءة السورة لم ترد عن ¬

(¬1) رواه مسلم في باب 25- التعوذ ن شيطان الوسوسة في الصلاة 4/1728 ح 68 (2203) . (¬2) هذا جزء من حديث أبي هريرة المتفق عليه، رواه البخاري في الأذان/ باب فضل التأذين ح/608. ومسلم في الصلاة/ باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه 1/291 ح 19 (389) .

س 246: رجل فاتته ركعة من صلاة الفجر، هل يكمل جهرا أو سرا؟

النبي صلى الله عليه وسلم، على حسب ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الإمام يسكت سكوتاً يتمكن به المأموم من قراءة الفاتحة، وإنما هو سكوت يسير تراد به النفس من جهة، ويفتح الباب للمأموم من جهة أخرى، حتى يشرع في القراءة ويكمل ولو كان الإمام يقرأ، فهي سكتة يسيرة ليست طويلة. * * * س 246: رجل فاتته ركعة من صلاة الفجر، هل يكمل جهراً أو سراً؟ الجواب: هو مخير، ولكن الأفضل أن يتمهل سَّراً؛ لأنه قد يكون هناك أحد يقضي فيشوش عليه لو جهر. * * * س 247: قرأت في أحد الكتب عن كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأن وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع بدعة ضلالة، فما الصواب جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً؟ الجواب: أولاً: أنا أتحرج من أن يكون مخالف السنة على وجه يسوغ فيه الاجتهاد مبتدعاً، فالذين يضعون أيديهم على صدورهم بعد الرفع من الركوع إنما يبنون قولهم هذا على دليل من السنة، فكوننا نقول: إن هذا مبتدع؛ لأنه خالف اجتهادنا، هذا ثقيل على الإنسان، ولا ينبغي للإنسان أن يطلق كلمة بدعة في مصل هذا؛ لأنه يؤدي إلى تبديع الناس بعضهم بعضاً في المسائل الاجتهادية التي

يكون الحق فيها محتملاً في هذا القول أو ذاك، فيحصل به من الفرقة والتنافر ما لا يعلمه إلا الله. فأقول: إن وصف من يضع يده بعد الركوع على صدره بأنه مبتدع، وأن عمله بدعة هذا ثقيل على الإنسان، ولا ينبغي أن يصف به إخوانه. والصواب: أن وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع هو السنة، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: " كان الناس يأمرون أن يضع الرجل يجده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (¬1) . ووجه الدلالة من الحديث: الاستقراء والتتبع؛ لأننا نقول: أين توضع اليد حال السجود؟. فالجواب: على الأرض. ونقول أين توضع حال الركوع. والجواب على الركبتين. ونقول أين توضع اليد حال الجلوس؟ والجواب: على الفخذين، فيبقي حال القيام قبل الركوع أو بعد الركوع داخلاً في قوله رضي الله عنه: (كان الناس يأمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) فيكون الحديث دالاً على أن اليد اليمنى توضع على اليد اليسرى في القيام قبل الركوع وبعد الركوع، وهذا هو الحق الذي تدل عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س 248: بعض الناس يزيد كلمة ((والشكر)) بعد قوله ربنا ولك الحمد فما رأي فضيلتكم؟

فصار الجواب على هذا السؤال مكوناً من فقرتين: الفقرة الأولى: أنه لا ينبغي لنا أن نتساهل في إطلاق بدعة على عمل فيه مجال للاجتهاد. الفقرة الثانية: أن الصواب أن وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد الرفع من الركوع سنة وليس ببدعة بدليل الحديث الذي ذكرناه وهو حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - لأنه عام، لكن يستثنى منه حال الركوع، والسجود، والقعود؛ لأن السنة جاءت بصفة خاصة في وضع اليد في هذه الأحوال. * * * س 248: بعض الناس يزيد كلمة ((والشكر)) بعد قوله ربنا ولك الحمد فما رأي فضيلتكم؟ الجواب: لا شك أن التقيد بالأذكار الواردة هو الأفضل، فإذا رفع الإنسان من الركوع فليقل: ربنا ولك الحمد، ولا يزيد والشكر لعدم ورودها. وبهذه المناسبة فإن الصفات الواردة في هذا المكان أربع: 1- ربنا ولك الحمد. 2- ربنا لك الحمد. 3- اللهم ربنا لك الحمد. 4- اللهم ربنا ولك الحمد. فهذه الصفات الأربع تقولها لكن لا جميعاً، ولكن تقول هذه مرة وهذه مرة، ففي بعض الصلوات تقول: ربنا ولك الحمد، وفي بعض الصلوات تقول: ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا لك

س 249: ما كيفية الهوي للسجود؟

الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا ولك الحمد. * * * س 249: ما كيفية الهوي للسجود؟ الجواب يكون السجود على الركب أولاً ثم على الكفين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسجد الرجل على كفيه، حيث قال: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) (¬1) ، هذا لفظ الحديث. لكن سنتكلم عليه، فالجملة الأولى ((فلا يبرك كما يبرك البعير)) والنهي عن صفة السجود؛ لأنه أتى بالكاف الدالة على التشبيه، وليس نهياً عن العضو الذي يسجد عليه فلو كان النهي هنا عن العضو الذي يسجد عليه لقال (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير) ، وحينئذ نقول: لا تبرك على الركبتين؛ لأن البعير يبرك على ركبتيه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: ((لا يبرك على ما يبرك عليه)) ، لكن قال: ((لا يبرك كما يبرك)) فالنهي عن الكيفية والصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه. ولهذا جزم ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد (¬2) بأن آخر الحديث منقلب على الراوي، وآخر الحديث (وليضع يديه قبل ركبتيه) وقال: إن الصواب " وليضع ركبتيه قبل يديه"؛ لأنه لو ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد 2/381 وأبو داود في الصلاة، باب كيف يضع ركبته قبل يديه (840) والنسائي في الصلاة، باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده (1090) . (¬2) زاد المعاد 1/215)

س 250: ما حكم الامتداد الزائد أثناء السجود؟

وضع يديه قبل ركبتيه لبرك كما يبرك البعير، فإن البعير إذا برك يقدم يديه، ومن شهد البعير عند البروك تبين له هذا. فحينئذ يكون الصواب إذا أردنا أن يتطابق آخر الحديث وأوله ((وليضع ركبتيه قبل يديه)) ؛ لأنه لو وضع اليدين قبل الركبتين كما قلت لبرك كما يبرك البعير. وحينئذ يكون أول الحديث وآخره متناقضان. وقد ألف أحد الأخوة رسالة سماها (فتح المعبود في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود) وأجاد فيها وأفاد. وعلى هذا فإن السنة التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم في السجود أن يضع الإنسان قبل يديه. * * * س 250: ما حكم الامتداد الزائد أثناء السجود؟ الجواب: الامتداد الزائد أثناء السجود خلاف السنة، فإن الواصفين لصلاته صلى الله عليه وسلم لم يقل أحد منهم أنه كان يمد ظهره في السجود كما قالوا أنه يمد ظهره حال الركوع (¬1) ، وإنما المشروع في حال السجود أن يرفع الإنسان بطنه عن فخذيه ويعلو بذلك، ولا أن يمده كما يفعله بعض الناس. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي حميد قال: " ركع النبي صلى الله عليه وسلم ثم هصر ظهره" في صفة الصلاة/ باب استواء الظهر في الركوع (758) وعند مسلم في صحيحه عن عائشة رضى الله عنها قالت: ".. وكان إذا ركع لم يُشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك.. " في الصلاة/ باب صفة الركوع والاعتدال منه (498) .

س 251: هل ورد أن العلامة التي يحدثها السجود في الجبهة من علامات الصالحين؟

س 251: هل ورد أن العلامة التي يحدثها السجود في الجبهة من علامات الصالحين؟ الجواب: ليس هذا من علامات الصالحين، وإنما هو النور الذي يكون في الوجه، وانشراح الصدر، وحسن الخلق وما أشبه ذلك، أما الأثر الذي يسببه السجود في الوجه فقد تظهر في وجوه من لا يصلون إلا الفرائض لرقة الجلد، وقد لا تظهر في وجه من يصلي كثيراً ويطيل السجود. * * * س 252: هل ورد حديث صحيح في تحريك السبابة بين السجدتين في الصلاة؟ الجواب: نعم، ورد الحديث الذي في صحيح مسلم عن ابن عمر- رضى الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في الصلاة وذكر أنه يشير بأصبعه (¬1) ، وفي لفظ إذا قعد في التشهد (¬2) . فاللفظ الأول عام، والثاني خاص، والقاعدة أن ذكر الخاص بحكم يوافق العام لا يقتضى التخصيص، ومثال ذلك أن يقول رجل لآخر: أكرم طلبة العلم، ويقول له أكرم محمداً، ومحمد من طلبة العلم، فهذا لا يقتضى أنه لا يكرم بقية طلبة العلم، وقد نص علماء الأصول على هذا، وذكره الشيخ الشنقيطي - رحمة الله - في أضواء البيان. لكن لو قال: أكرم الطلبة، ثم قال: لا تكرم من ينام في ¬

(¬1) أخرجه مسلم في المساجد باب صفة الجلوس في الصلاة 1/408 ح 114 و 115 580) . (¬2) الموضع السابق ح 115.

س 253: ما حكم جلسة الاستراحة؟

الدرس، فهذا يقتضى التخصيص؛ لأنه ذكر بحكم يخالف الحكم العام. ثم في هذا حديث خاص، رواه الإمام أحمد في مسنده بسند قال فيه صاحب الفتح الرباني: سنده حسن (¬1) وقال بعض المحشين على زاد المعاد (¬2) : سنده صحيح. ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس بين السجدتين قبض أصابعه وأشار بالسبابة)) . ومن قال لا يحركها، فنقول له: فماذا يصنع باليد اليمنى؟ إذا قلت يبسطها على الفخذ فنطالبك بالدليل. ولم يرد في الأحاديث أنه كان يبسط يده اليمنى على فخذه، ولو كان يبسطها لبينه الصحابة كما بينوا أنه كان يبسط يده اليسرى على الفخذ اليسرى فهذه ثلاثة أدلة. * * * س 253: ما حكم جلسة الاستراحة؟ الجواب: للعلماء في جلسة الاستراحة ثلاثة أقوال: القول الأول: الاستحباب مطلقاً. القول الثاني: عدم الاستحباب مطلقاً. القول الثالث: التفصيل بين من يشق عليه القيام مباشرة فيجلس، ومن لا يشق عليه فلا يجلس، قال في المغني ص 529 ج 1 ط دار المنار: ((وهذا فيه جمع بين الأخبار وتوسط بين القولين" وذكر في الصفحة التي تليها عن على بن أبي طالب رضى الله عنه إن من ¬

(¬1) الفتح الرباني 3/147. (¬2) زاد المعاد 1/231.

السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخاً كبيراً لا يستطيع)) . رواه الأثرم (¬1) ، ثم قال: وحديث مالك (يعني ابن الحويرث) ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعداً ثم اعتمد على الأرض (¬2) ، محمول على أنه كان من النبي صلى الله عليه وسلم لمشقة القيام عليه لضعفه وكبره، فإنه قال عليه السلام: ((إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود)) . اهـ. وهذا القول هو الذي أميل إليه أخيراً وذلك لأن مالك بن الحويرث قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز في غزوة تبوك (¬3) والنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت قد كبر وبدأ به الضعف، وفي صحيح مسلم صلي الله عليه وسلم 506 تحقيق محمد فراد عبد الباقي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالساً)) (¬4) ، وسألها عبد الله بن شقيق هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو قاعد؟ قالت: ((نعم، بعدما حطمه الناس)) (¬5) ، وقالت حفصة - رضى الله عنها -: " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلى في سبحته قاعداً)) (¬6) . وفي رواية: ((بعام واحد أو اثنين)) ، وكل هذه الروايات في صحيح مسلم، ويؤيد ذلك أن في حديث مالك بن الحويرث ذكر الاعتماد على الأرض، والاعتماد ¬

(¬1) أخرجه البيهقي 2/136، وانظر المغني 2/214. (¬2) أخرجه البخاري في الأذان باب 143- كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة (824) . (¬3) راجع فتح الباري 2/131. (¬4) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب 16- جواز النافلة قائماً وقاعداً. ح 117 (732) . (¬5) الموضع السابق ح 115 (732) و 118 (733) . (¬6) الموضع السابق ح 115 (732) و 118 (733) .

س 254: ما حكم تحريك السبابة في التشهد من أوله إلى آخره؟

على الشيء إنما يكون عند الحاجة إليه، وربما يؤيد ذلك ما في حديث عبد الله بن بُحينة - رضى الله عنه - عند البخاري وغير: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فقام من الركعتين، ولم يجلس)) (¬1) فإن قوله: ((ولم يجلس)) عام لم يستثن منه جلسة الاستراحة، وقد يقال إن الجلوس المنفي جلوس التشهد لا مطلق الجلوس، والله أعلم. * * * س 254: ما حكم تحريك السبابة في التشهد من أوله إلى آخره؟ الجواب: تحريك السبابة إنما يكون عند الدعاء، وليس في جميع التشهد، فإذا دعا حركها كما جاء ذلك في بعض الأحاديث.. ((يحركها يدعو بها)) (¬2) ووجه ذلك أن الداعي إنما يدعو الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى في السماء لقوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ)) (الملك: 16، 17) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء)) (¬3) فالله تعالى في السماء- أي في العلو - فوق كل شيء، فإذا دعوت الله فإنك تشير إلى العلو، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب الناس في حجة الوداع وقال: ((إلا هل بلغت)) ؟ قالوا: نعم، فرفع أصبعه إلى ¬

(¬1) أخرجه البخاري في الآذان باب من لم ير التشهد واجباً ... (829) . ومسلم في المساجد باب السهو في الصلاة ... ح 85 (570) . (¬2) الفتح الرباني 147/3 وقال: سنده جيد (¬3) أخرجه البخاري في المغازي، باب بعث على بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن (4351) ، ومسلم في الزكاة، باب 47- ذكر الخوارج وصفاتهم ح 144 (1064) .

س 255: هل يقتصر المصلى في التشهد الأول على التشهد أو يزيد الصلاة؟

السماء وجعل ينكتها إلى الناس يقول: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاثاً)) (¬1) ، وهذا يدل على أن الله تعالى فوق كل شيء، وهو أمر واضح معلوم بالفطرة، والعقل، والسمع، والإجماع، وعلى هذا فكلما دعوت الله عز وجل فإنك تحرك السبابة تشير بها إلى السماء، وفي غير ذلك تجعلها ساكنة، فلنتتبع الآن مواضع الدعاء في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، الله صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، هذه ثمانية مواضع يحرك الإنسان أصبعه فيها نحو السماء، وإن دعا بغير ذلك أيضاً رفعها؛ لأن القاعدة أن يرفعها عند كل دعاء. * * * س 255: هل يقتصر المصلى في التشهد الأول على التشهد أو يزيد الصلاة؟ الجواب: التشهد الأول في الثلاثية والرباعية يقتصر فيه على قول: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) (¬2) ، وهذا ¬

(¬1) أخرجه مسلم في الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 2/890 ح 147 (1218) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة (831) . ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة (402) .

س 256: ما حكم التورك في الصلاة؟ وهل هو عام للرجال والنساء؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.

هو الأفضل فإن زاد وقال: (اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) (¬1) ، فلا بأس. ومن العلماء من استحب هذه الزيادة؛ لكن الأقرب عندي الاقتصار على الحد الأول، وإن زاد فلا بأس، لا سيما إذا أطال الإمام التشهد، فحينئذ يزيد الصلاة التي ذكرناها. * * * س 256: ما حكم التورك في الصلاة؟ وهل هو عام للرجال والنساء؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. الجواب: جلسة التورك في الصلاة سنة في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان؛ كصلاة المغرب، والعشاء، والظهر والعصر. وأما الصلاة التي ليس فيها إي تشهد واحد فليس فيها تورك. بل يفترش. أما كونه للرجال والنساء، فنعم فهو ثابت في حق النساء والرجال، لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية إلا بدليل شرعي يدل على عدم التساوي، وليس هناك دليل شرعي صحيح على أن المرأة تختلف عن الرجل في هيئات الصلاة؛ بل هي والرجل على حد سواء. ¬

(¬1) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب (3369، 3370) ، ومسلم في الصلاة/ باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد 1/305 ح 66 (405) .

س257: إمام يسلم تسليمة واحدة عن يمينه فقط فهل يجزىء الاقتصار على تسليمة واحدة؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.

س257: إمام يسلم تسليمة واحدة عن يمينه فقط فهل يجزىء الاقتصار على تسليمة واحدة؟ أفتونا جزاكم الله خيراً. الجواب: يرى بعض العلماء أنه يجوز الاقتصار على تسليمة واحدة، ويرى بعضهم أنه لابد من التسليمتين، ويرى آخرون أن التسليمة الواحدة تكفى في النفل دون الفرض. والاحتياط للإنسان أن يسلم مرتين؛ لأن هذا أكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحوط وأكثر ذكراً، لكن إذا سلم الإمام مرة واحدة وكان المأموم لا يرى الاقتصار على واحدة فليسلم المأموم مرتين ولا حرج عليه في هذا، أما لو سلم الإمام مرتين والمأموم يرى تسليمة واحدة فليسم مع الإمام من أجل متابعته. س 258: هل الأولى للإمام أن ينصرف بعد الصلاة مباشرة أو ينتظر قليلاً؟ الجواب: الأولى للإمام أن يبقى مستقبل القبلة بقدر ما يستغفر الله ثلاثاً، ويقول: الله أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى جهة المأمومين (¬1) . أما بقاؤه في مكانه فإن كان يلزم من قيامه تخطى رقاب المأمومين فالأولى أن يبقى حتى يجد متسعاًَ، وإلا فله الانصراف. ¬

(¬1) هذا حديث ثوبان رواه مسلم في المساجد باب 26- استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 ح 135 (591) .

س 259: ما رأي فضيلتكم في المصافحة وقول ((تقبل الله)) بعد الفراغ من الصلاة مباشرة؟ وجزاكم الله خيرا.

أما المأموم فالأولى أن لا ينصرف قبل إمامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تسبقوني بالانصراف)) (¬1) . لكن إذا أطال الإمام البقاء مستقبل القبلة أكثر من السنة فللمأموم أن ينصرف. س 259: ما رأي فضيلتكم في المصافحة وقول ((تقبل الله)) بعد الفراغ من الصلاة مباشرة؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب: لا أصل للمصافحة، ولا لقول، ((تقبل الله) بعد الفراغ من الصلاة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم -. حرر في 25/5/1409هـ. * * * س 260: ما رأيكم في استخدام المسبحة في التسبيح؟ جزاكم الله خيراً. الجواب: استخدام السبحة جائز، لكن الأفضل أن يسبح بالأنامل وبالأصابع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اعقدن بالأصابع فإنهن مستنطقات)) (¬2) . ولأن حمل السبحة قد يكون فيه شيء من الرياء؛ ولأن الذي ¬

(¬1) أخرجه مسلم في الصلاة باب 25 - تحريم سبق الإمام 1/320 ح 112 - (426) وفي أوله: ((أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا السجود ولا بالقيام ولا بالانصراف)) . (¬2) أخرجه الإمام أحمد في المسند 6/370، وأبو داود في الصلاة، باب التسبيح بالحصى (1501) ، والترمذي في الدعوات، باب فضائل التسبيح (3583) ونص الحديث: ((واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات)) .

س 261: ما الأذكار المشروعة بعد السلام من الصلاة؟

يسبح بالسبحة غالباً تجده لا يحضر قلبه فيسبح بالمسبحة وينظر يميناً وشمالاً. فالأصابع هي الأفضل وهي الأولى. * * * س 261: ما الأذكار المشروعة بعد السلام من الصلاة؟ الجواب: ذكر الله تعالى بعد الصلوات قد أمر الله به في قوله: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ َ) (النساء: الآية103) . وهذا الذكر الذي أمر الله به مجملاً بينه النبي صلى الله عليه وسلم فتقول إذا سلمت: استغفر الله ثلاثاً، الله أنت السلام، ومن السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام (¬1) ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (¬2) ، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (¬3) ، وتسبح الله تعالى بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك أن تسبح الله وتحمده وتكبره ثلاثاً وثلاثين تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين (¬4) وتقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة (595) . (¬2) هذا اللفظ متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة رواه البخاري في الأذان باب الذكر بعد الصلاة (844) ، وفي الدعوات باب الدعاء بعد الصلاة (6329) وفي غيرهما، رواه مسلم في المساجد باب 26 - استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 ح 137 (593) . (¬3) هذا حديث عبد الله بن الزبير رواه مسلم في الموضع السابق ح 139 (594) . (¬4) متفق عليه من حديث أبي هريرة (حديث الفقراء) رواه البخاري في الأذان باب الذكر بعد الصلاة (843) ، وفي مواضع أخري، ورواه مسلم في الموضع السابق ح 142 (595)

له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (¬1) . وسواء قلتها مجموعة سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، أو قلت التسبيح وحده، والتحميد وحده، والتكبير وحده وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. كذلك يجوز أن تسبح، وتحمد، وتكبر عشراً عشراً، بدلاً من الثلاثة وثلاثين فتقول: سبحان الله، عشر مرات، والحمد لله، عشر مرات، والله أكبر، عشر مرات، فهذه ثلاثون وهذا مما جاءت به السنة (¬2) . ومما جاءت به السنة في هذا أن تقول سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر هذه أربع تقال خمساً وعشرين فيكون المجموع مائة (¬3) . فأي نوع من هذه الأنواع سبحت به فهو جائز؛ لأن القاعدة الشرعية: ((أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة يسن فعلها على هذه الوجوه كلها هذه مرة وهذه مرة)) لأجل أن يأتي الإنسان بالسنة في جميع وجوهها، وهذه الأذكار التي قُلت عامة في الصلوات: ¬

(¬1) هذه الزيادة رواها مسلم في المساجد باب 26: استحباب الذكر ح 146 (597) . (¬2) رواه أبو داود في الأدب باب في التسبيح عند النوم ح (5065) ، ورواه الترمذي في الدعوات باب 25 - منه ح (3410) ، النسائي في السهو باب عدد التسبيح بعد التسليم (1347) ، وابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما يقال عبد التسليم (926) . (¬3) أخرجه الترمذي في الدعوات باب 25 (3413) وصححه، والنسائي في السهو باب 93 نوع آخر من التسبيح 3/85 (1349) و (1350) .

س 262: ما حكم رفع اليدين والدعاء بعد الصلاة؟

الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفي المغرب وفي الفجر يكون التهليل عشر مرات، وكذلك " ربي أجرني من النار" سبع مرات بعد المغرب والفجر، والله الموفق. * * * س 262: ما حكم رفع اليدين والدعاء بعد الصلاة؟ الجواب: ليس من المشروع أن الإنسان إذا أتم الصلاة رفع يديه ودعا، وإذا كان يريد الدعاء فإن الدعاء في الصلاة أفضل من كونه يدعو به، قبل أن ينصرف منها، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حديث ابن مسعود حين ذكر التشهد قال: ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)) (¬1) وأما ما يفعله بعض العامة من كونهم كلما صلوا تطوعاً رفعوا أيديهم حتى أن بعضهم تكاد تقول إنه لم يدعُ؛ لأنك تراه تقام الصلاة وهو في التشهد من تطوعه فإذا سلم رفع يديه رفعاً، كأنه والله أعلم رفع مجرد، ثم مسح وجهه، كل هذا محافظة على هذا الدعاء الذي يظنون أنه مشروع، وهو ليس بمشروع. فالمحافظة عليه إلى هذا الحد يعتبر من البدع. * * * س 263: في بعض البلاد وبعد الصلوات المفروضة يقرؤون الفاتحة، والذكر، وآية الكرسي بصوت جماعي، فما الحكم في هذا العمل؟ ¬

(¬1) أخرجه البخاري في الأذان / باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد (800) .

س 264: إذا خشي الإنسان إن قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة فهل يصلي وهو حاقن ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟

الجواب: قراءة الفاتحة، وآية الكرسي، والذكر بعد الصلاة بصوت مرتفع جماعي من البدع، فإن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم بعد الصلاة يذكرون الله بصوت مرتفع، ولكن كل واحد منهم يذكر الله تعالى على انفراده دون أن يشتركوا، فرفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المفروضة سنة كما ثبت ذلك في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ((كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم)) (¬1) . وأما قراءة الفاتحة بعد الصلاة سواءً كان ذلك سّراً أو جهراً فلا أعلم فيه حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ورد الحديث بقراءة آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين فقط (¬2) . * * * س 264: إذا خشي الإنسان إن قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة فهل يصلي وهو حاقن ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟ الجواب: يقضي حاجته ويتوضاً، ولو فاتته الجماعة؛ لأن هذا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم: ((لا صلاة ¬

(¬1) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان / باب الذكر بعد الصلاة (841) ، ومسلم في المساجد / باب الذكر بعد الصلاة (583) . (¬2) يدل لذلك ما رواه أبو أمامة الخزرجي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) . رواه النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) ص 185، وحديث: ((أنه صلى الله عليه وسلم قرأ المعوذات دبر كل صلاة)) أخرجه الإمام أحمد 4/115.

س 265: ما حكم تغميض العينين في الصلاة؟

بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان)) (¬1) * * * س 265: ما حكم تغميض العينين في الصلاة؟ تغميض العينين في الصلاة مكروه؛ لأنه خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، إلا ما كان لسبب، كما لو كان أمامه زخرفة في الجدار أو في الفراش، أو كان أمامه نور قوي يؤذي عينيه. المهم إذا كان التغميض لسبب فلا بأس به، وإلا فإنه مكروه، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب زاد المعاد لابن القيم - رحمه الله تعالى -. * * * س 266: فرقعة الأصابع أثناء الصلاة سهواً هل تبطل الصلاة؟ الجواب: فرقعة الأصابع لا تُبطل الصلاة، ولكن فرقعة الأصابع من العبث، وإذا كان ذلك في صلاة الجماعة أوجب التشويش على من يسمع فرقعتها فيكون ذلك أشد ضرراً مما لو لم يكن حوله أحد. وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن الحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام: حركة واجبة، وحركة مسنونة، وحركة مكروهة، وحركة مُحرمة، وحركة جائزة. أما الحركة الواجبة: فهي التي يتوقف عليها فعل واجب في الصلاة، مثل أن يقوم الإنسان يُصلي ثم يذكر أن على غترته نجاسة ¬

(¬1) رواه مسلم في المساجد / باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام 1/393 ح 67 (560) .

فحينئذ يتعين عليه أن يخلع هذه الغترة، وهذه حركة واجبة، ودليل ذلك (¬1) أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يصلي فأخبره أن في نعليه قذراً فخلعهما النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الصلاة ومضى في صلاته، فهذه حركة واجبة وضابطها: أن يترتب عليها فعل واجب في الصلاة أو ترك محرم. وأما الحركة المسنونة: فهي أن يتوقف عليها كمال الصلاة. مثل الدنو في الصف إذا انفتحت الفرجة فدنا الإنسان إلى جاره لسد هذه الفرجة فإن هذه سنة، فيكون هذا الفعل مسنوناً. وأما الحركة المكروهة: فهي الحركة التي لا حاجة إليها ولا تتعلق بتكميل الصلاة. وأما الحركة المحرمة: فهي الحركة الكثيرة المتوالية، مثل أن يكون الإنسان وهو قائم يعبث، وهو راكع يعبث، وهو ساجد يعبث، وهو جالس يعبث حتى تخرج الصلاة عن هيئتها، فهذه الحركة محرمة لأنها تبطل الصلاة. وأما الحركة المباحة: فهي ما عدا ذلك، مثل أن تشعل الإنسان حكّة فيحكها، أو تنزل غترته على عينه فيرفعها فهذه من الحركة المباحة. أو يستأذنه إنسان فيرفع يده ويأذن له فهذه من الحركات المباحة. * * * ¬

(¬1) رواه أبو داود في الصلاة/ باب الصلاة في النعل ح (650) وصححه ابن خزيمة 1/384 (786) ، وابن حبان 5/560 (2185) .

س 267: ما حكم السترة؟ وما مقدارها؟

س 267: ما حكم السترة؟ وما مقدارها؟ الجواب: السترة في الصلاة سنة مؤكدة إلا للمأموم، فإن المأموم لا يسن له اتخاذ السترة اكتفاءً بسترة الإمام. فأما مقدارها فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: ((مثل مؤخرة الرحل)) (¬1) . لكن هذا أعلاها ويجزء ما دون ذلك فقد جاء في الحديث: ((إذا صلى أحدكم فليستتر ولو بسهم)) (¬2) . وجاء في الحديث الآخر الذي رواه أبو داود بإسناد حسن ((أن من لم يجد فليخط خطّاً)) (¬3) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (¬4) . لم يصب من زعم أنه مضطرب، فالحديث ليس فيه علة توجب رده. فنقول: أقلها خط، وأعلاها مثل مؤخرة الرحل. * * * س 268: ما حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام سواء كان المصلي مفترضاً أو متنفلاً مأموماً أو منفرداً؟ الجواب: أما المرور بين يدي المأموم فلا بأس به في المسجد الحرام وفي غيره، لأن ابن عباس - رضى الله عنهما - جاء إلى النبي ¬

(¬1) أخرجه مسلم في الصلاة، باب سترة المصلي 1/358 ح 241 (499) (¬2) أخرجه ابن خزيمة في أبواب سترة المصلي 2/12 (811) ، ورواه أحمد 3/404 (وط الرسالة24/57 (15340) . (¬3) أخرجه ابن خزيمة في الموضع السابق ح (811) ، ورواه أبو داود في الصلاة باب ما يستر المصلي، ورواه أبن ماجة في إقامة الصلاة باب ما يستر المصلى (943) ، وراجع صحيح ابن حبان 6/125 (2361) ح 689) (¬4) انظر سبل السلام شرح بلوغ المرام باب سترة المصلي 1/283 ح 8.

س269: ما حكم وضع المدفأة الكهربائية أمام المصلين أثناء تأديتهم للصلاة، وهل ورد في ذلك محذور شرعي؟ أثابكم الله ونفع المسلمين بكم وبعلمكم.

صلى الله عليه وسلم وهو في منى وهو يصلي بالناس إلى غير جدار، فمر بين يدي الصف، وهو راكب على حمار أتان، ولم ينكر عليه أحد (¬1) . وأما إذا كان المصلي إماماً أو منفرداً فإنه لا يجوز المرور بين يديه لا في المسجد الحرام ولا في غيره لعموم الأدلة، وليس هناك دليل يخص مكة، أو المسجد الحرام يدل على أن المرور بين يدي المصلي فيهما لا يضر ولا يأثم به المار. * * * س269: ما حكم وضع المدفأة الكهربائية أمام المصلين أثناء تأديتهم للصلاة، وهل ورد في ذلك محذور شرعي؟ أثابكم الله ونفع المسلمين بكم وبعلمكم. الجواب: لا بأس أن توضع الدفايات في قبلة المسجد أمام المصلين، ولا أعلم في ذلك محذور شرعيّاً. * * * س270: هل يجوز للمصلي إذا مر في قراءته على ذكر الجنة والنار أن يسأل الله الجنة، ويتعوذ به من النار؟ وهل هناك فرق بين المأموم والمنفرد في ذلك؟ الجواب:: نعم يجوز ذلك، ولا فرق بين الإمام والمنفرد والمأموم، غير أن المأموم يشترط فيه أن لا يشغله ذلك عن الإنصات المأمور به. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري في العلم باب 19 متى يصح سماع الصغير (76) وفي مواضع أخرى، ومسلم في الصلاة باب 47 سترة المصلى 1/361 ح 354 (504)

س271: ما أسباب سجود السهو.

س271: ما أسباب سجود السهو. الجواب: سجود السهو في الصلاة أسبابه في الجملة ثلاثة: 1. الزيادة 2. النقص. 3. الشك. فالزيادة: مثل أن يزيد الإنسان ركوعاً، أو سجوداً، أو قياماً، أو قعوداً. والنقص: مثل أن ينقص الإنسان ركناً، أو ينقص واجباً من واجبات الصلاة. والشك: أن يتردد، كم صلى ثلاثاً، أم أربعاً مثلاً. أما الزيادة فإن الإنسان إذا زاد الصلاة ركوعاً أو سجوداً، أو قياماً، أو قعوداً متعمداً بطلت صلاته لأنه إذا زاد فقد أتى بالصلاة على غير الوجه الذي أمره به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (¬1) . أما إذا زاد ذلك ناسياً فإن صلاته لا تبطل، ولكنه يسجد للسهو بعد السلام، ودليل ذلك حديث أبي هريرة - رضى الله عنه - حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الركعتين في إحدى صلاته العشي، إما الظهر وإما العصر، فلما ذكروه أتى صلى الله عليه وسلم، بما بقي من صلاته، ثم سلم ثم ¬

(¬1) بهذا اللفظ رواه مسلم ورواه البخاري معلقاً في البيوع باب 60، ورواه مسنداً في الصلح باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ولكن بلفظ ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (2697) ومسلم في الأقضية باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور ح 18 (1718) وبلفظ: ((من أحدث)) ح 17.

سجد سجدتين بعدما سلم (¬1) . وحديث ابن مسعود - رضى الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر خمساً فلما انصرف قيل له أزيد في الصلاة؟ قال: ((وما ذاك)) ؟ قالوا: صليت خمساً. فثنى رجليه، واستقبل القبلة، وسجد سجدتين (¬2) . أما النقص فإن نقص الإنسان ركناً من أركان الصلاة فلا يخلو: إما أن يذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، فحينئذ يلزمه أن يرجع فيأتي بالركن وبما بعده. وإما أن لا يذكره إلا حين يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، وحينئذ تكون الركعة الثانية بدلاً عن التي ترك ركناً منها فيأتي بدلها بركعة، وفي هاتين الحالين يسجد بعد السلام، مثال ذلك: رجل قام حين سجد السجدة الأولى من الركعة الأولى ولم يجلس ولم يسجد السجدة الثانية، ولما شرع في القراءة ذكر أنه لم يسجد ولم يجلس بين السجدتين، فحينئذ يرجع ويجلس بين السجدتين، ثم يسجد، ثم يقوم فيأتي بما بقي من صلاته، ويسجد السهو بعد السلام. ومثال لمن لم يذكره إلا بعد وصوله إلى محله من الركعة الثانية: ¬

(¬1) متفق عليه، رواه البخاري في الصلاة باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره (482) مطولاً، وفي الأذان مختصراً (714) و (715) وفي السهو (1226) وفي مواضع أخرى ورواه مسلم في المساجد باب السهو في الصلاة ح 97 (573) . (¬2) متفق عليه، رواه البخاري في الصلاة باب ما جاء في القِبلة (404) مختصراً و (401) مطولاً، وفي السهو (1227) وفي مواضع أخرى، ورواه مسلم في الموضع السابق ح 91 (572) .

أنه قام من السجدة الأولى في الركعة الأولى ولم يسجد السجدة الثانية ولم يجلس بين السجدتين، ولكنه لم يذكر إلا حين جلس بين السجدتين في الركعة الثانية. ففي هذه الحال تكون الركعة الثانية هي الركعة الأولى، ويزيد ركعة في صلاته، ويسلم ثم يسجد للسهو. أما نقص الواجب: فإذا نقص واجباً وانتقل من موضعه إلى الموضع الذي يليه مثل: أن ينسى قول ((سبحان ربى الأعلى)) ولم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود، فهذا قد ترك واجباً من واجبات الصلاة سهواً فيمضى في صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول مضى في صلاته ولم يرجع وسجد للسهو قبل السلام (¬1) . أما الشك فإن الشك هو التردد بين الزيادة والنقص، مثل أن يتردد هل صلى ثلاثاً، أو أربعاً، فلا يخلو من حالين: إما أن يترجح عنده أحد الطرفين الزيادة، أو النقص، فيبني على ما ترجح عنده ويتم عليه، ويسجد للسهو بعد السلام، وأما أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فيبني على اليقين وهو الأقل ويتم عليه، ويسجد للسهو قبل السلام مثال ذلك: رجل يصلي الظهر ثم شك هل هو في الركعة الثالثة أو الرابعة، وترجح عنده أنها الثالثة فيأتي بركعة، ثم يسلم، ثم يسجد للسهو. ¬

(¬1) من حديث عبد الله بن بُحينة متفق عليه، فرواه البخاري في الأذان باب من لم ير التشهد واجباً.. (829) ، وفي السهو (1224، 1225) وفي مواضع أخرى، ورواه مسلم في المساجد باب السهو في الصلاة ح 85 (570.

س 272: إذا زاد الإمام ركعة واعتديت بها وأنا مسبوق فهل صلاتي صحيحة؟ وما الحكم إذا لم أعتد بها وزدت ركعة؟

ومثال ما استوى فيه الأمران: رجل يصلي الظهر فشك هل هذه الركعة الثالثة، أو الرابعة، ولم يترجح عنده أنها الثالثة، أو الرابعة فيبني على اليقين وهو الأقل، ويجعلها الثالثة ثم يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل أن يسلم. وبهذا تبين أن سجود السهو يكون قبل السلام في: ما إذا ترك واجباً من الواجبات، أو إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده أحد الطرفين. وأنه يكون بعد السلام في ما إذا زاد في صلاته، أو شك وترجح عنده أحد الطرفين. * * * س 272: إذا زاد الإمام ركعة واعتديت بها وأنا مسبوق فهل صلاتي صحيحة؟ وما الحكم إذا لم أعتد بها وزدت ركعة؟ الجواب: القول الصحيح أن صلاتك صحيحة؛ لأنك صليتها تامة، وزيادة الإمام لنفسه، وهو معذور فيها لنسيانه، أما أنت فلو قمت وأتيت بركعة بعده لكنت قد زدت ركعة بلا عذر وهذا يبطل الصلاة. حرر في 25/7/1407 هـ. * * * س273: رجل يصلي الليل، وصلاة الليل مثنى، مثنى، فقام إلى ثالثة ناسياً فماذا يفعل؟ الجواب: يرجع فإن لم يرجع بطلت صلاته؛ لأنه تعمد الزيادة، ولهذا نص الإمام احمد على أنه إذا قام في صلاة الليل إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر، يعني إن لم يرجع بطلت

س 274: مصلي قام عن التشهد الأول وقبل أن يشرع في القراءة ذكر فهل يرجع؟ ومتى يسجد للسهو قبل السلام أو بعده في تلك الحال؟

صلاته، لكن يستثنى من هذا الوتر فإن الوتر يجوز أن يزيد الإنسان فيه على ركعتين فلو أوتر بثلاث جاز. وعلى هذا فإن الإنسان إذا دخل في الوتر بنية أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يأتي بالثالثة، لكنه نسي فقام إلى ثالثة بدون سلام، فنقول له أتم الثالثة فإن الوتر يجوز فيه الزيادة على ركعتين. * * * س 274: مصلي قام عن التشهد الأول وقبل أن يشرع في القراءة ذكر فهل يرجع؟ ومتى يسجد للسهو قبل السلام أو بعده في تلك الحال؟ الجواب: في هذه الحال لا يرجع؛ لأنه انفصل عن التشهد تماماً حيث وصل إلى الركن الذي يليه، فيكره له الرجوع وإن رجع لم تبطل صلاته؛ لأنه لم يفعل حراماً، ولكن عليه أن يسجد للسهو، ويكون قبل السلام. وقال بعض العلماء يجب عليه المضي ولا يرجع وعليه سجود السهو لجبر ما نقص من الواجب، ويكون قبل السلام. وقال بعض العلماء يجب عليه المضي ولا يرجع سجود السهو ما نقص من الواجب ويكون قبل السلام. س275: ما حكم الوتر وهل هو خاص برمضان؟ الجواب: الوتر سنة مؤكدة في رمضان وغيره، حتى إن الإمام أحمد وغيره يقول: ((من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل شهادته)) فهو سنة مؤكدة لا ينبغي للمسلم تركه لا في رمضان ولا في غيره، والوتر هو أن يختم صلاة الليل بركعة، وليس الوتر كما يفهمه بعض العوام أنه القنوت، فالقنوت شيء، والوتر شيء،

س276: نرجو من فضيلتكم توضيح السنة في دعاء القنوت، وهل له أدعية مخصوصة؟ وهل تشرع إطالته في صلاة الوتر؟

فالوتر أن يختم صلاة الليل بركعة أو بثلاث سرداً. وعلى كل حال فالوتر سنة مؤكدة في رمضان وفي غيره ولا ينبغي للمسلم أن يدعه. * * * س276: نرجو من فضيلتكم توضيح السنة في دعاء القنوت، وهل له أدعية مخصوصة؟ وهل تشرع إطالته في صلاة الوتر؟ الجواب: دعاء القنوت منه ما علّمه النبي صلى الله عليه وسل للحسن بن علي بن أبي طالب: ((اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت)) (¬1) ، على آخر الدعاء المشهور. والإمام يقول: الله اهدنا بضمير الجمع؛ لأنه يدعو لنفسه ولمن خلفه، وإن أتي بشيء مناسب فلا حرج، ولكن لا ينبغي أن يطيل إطالة تشق على المأمومين، أو توجب مللهم لأن النبي عليه الصلاة والسلام غضب على معاذ - رضي الله عنه- حين أطال الصلاة بقومه وقال: ((أفتان أنت يا معاذ)) (¬2) . * * * س 277: هل من السنة رفع اليدين عند دعاء القنوت مع ذكر الدليل؟ الجواب: نعم من السنة أن يرفع الإنسان يديه عند دعاء القنوت؛ لأن ذلك وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قنوته حين كان يقنت في الفرائض عند النوازل، وكذلك صح عن أمير المؤمنين عمر بن ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر (464) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول (705)

س 278: ما حكم القنوت في الفرائض؟ وما حكم إذا نزل بالمسلمين نازلة؟

الخطاب - رضي الله عنه - رفع اليدين في قنوت الوتر، وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم. فرفع اليدين عند قنوت الوتر سنة، سواء كان إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً، فكلما قنت فارفع يديك. * * * س 278: ما حكم القنوت في الفرائض؟ وما حكم إذا نزل بالمسلمين نازلة؟ الجواب: القنوت في الفرائض ليس بمشروع ولا ينبغي فعله، لكن إن قنت الإمام فتابعه لأن الخلاف شر. وإن نزل بالمسلمين نازلة فلا بأس بالقنوت حينئذ لسؤال الله تعالى رفعها. * * * س279: ما حكم صلاة التراويح، وعدد ركعاتها؟ الجواب: صلاة التراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن عائشة - رضى الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: ((قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم)) وذلك في رمضان (¬1) ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل (1129) . ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان (177) .

وأما عددها: فإحدى عشرة ركعة، لما في الصحيحين عن عائشة - رضى الله عنها - أنها سُئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: " ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة (¬1) . وإن صلاها ثلاث عشرة ركعة فلا بأس، لقول ابن عباس - رضي الله عنهما - "كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة" يعني من الليل. رواه البخاري (¬2) . والإحدى عشرة هي الثابتة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما في الموطأ بإسناد من أصح الأسانيد (¬3) . وإن زاد على ذلك فلا بأس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن صلاة الليل قال: ((مثنى، مثنى)) (¬4) ولم يحدد. وقد ورد عن السلف في ذلك أنواع، والأمر في ذلك واسع لكن الأفضل الاقتصار على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي الإحدى عشرة أو الثلاث عشرة. ولم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي هو أو أحد من الخلفاء ثلاثاً وعشرين بل الثابت عن عمر- رضى الله عنه - إحدى عشرة، حيث ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل (1147) ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل (125) . (¬2) في كتاب التهجد باب: كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ... ح (1138) ، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح 194 (764) . (¬3) في الصلاة باب: ما جاء في قيام رمضان 1/110 (280) . (¬4) أخرجه البخاري، كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر (990) . ومسلم، كتاب الصلاة، باب صلاة الليل مثنى مثنى (145) .

س 280: ما حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان؟

أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة (¬1) . وهذا هو اللائق بمثل عمر - رضي الله عنه - أن تكون سيرته في هذا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم زادوا على ثلاث وعشرين ركعة، بل الظاهر خلاف ذلك، وقد سبق قول عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ((ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة)) . وأما إجماع الصحابة رضي الله عنهم فلا ريب أنه حجة؛ لأن فيهم الخلفاء الراشدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعهم، ولأنهم خير القرون من هذه الأمة. واعلم أن الخلاف في عدد ركعات التراويح ونحوها مما يسوغ فيه الاجتهاد لا ينبغي أن يكون مثاراً للخلاف والشقاق بين الأمة، خصوصاً وأن السلف اختلفوا في ذلك، وليس في المسألة دليل يمنع جريان الاجتهاد فيها، وما أحسن ما قال أحد أهل العلم لشخص خالفه في الاجتهاد في أمر سائغ: إنك بمخالفتك إياي قد وافقتني فكلانا يرى وجوب إتباع ما يرى أنه الحق حيث يسوغ الاجتهاد. نسأل الله تعالى للجميع التوفيق لما يحب ويرضى. * * * س 280: ما حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان؟ ¬

(¬1) رواه مالك في الصلاة، باب ما جاء في قيام رمضان (280) .

س281: هل ليلة القدر ثابتة في ليلة معينة من كل عام أو أنها تنتقل من ليلة إلى ليلة؟

الجواب: لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه أيضاًَ، وغاية ما ورد في ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه -: ((كن إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا)) وهذا في غير الصلاة. ثم إن في هذه الختمة مع كونها لم يثبت لها أصل من السنة فيها أن الناس ولاسيما النساء يكثرون في هذا المسجد المعين ويحصل بذلك من الاختلاط بين الرجال والنساء عند الخروج ما هو معلوم لمن شاهده. ولكن بعض أهل العلم قال إنه يستحب أن يختم القرآن بهذا الدعاء. ولو أن الإمام جعل الختمة في القيام في آخر الليل وجعلها مكان القنوت من الوتر وقنت لم يكن في هذا بأس؛ لأن القنوت مشروع. س281: هل ليلة القدر ثابتة في ليلة معينة من كل عام أو أنها تنتقل من ليلة إلى ليلة؟ الجواب: ليلة القدر لا شك أنها في رمضان لقول الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر: 1) . وبين الله تعالى في آية أخرى أن الله أنزل القرآن في رمضان فقال عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (البقرة: الآية185) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأول من رمضان يطلب ليلة القدر، ثم اعتكف في العشر الأوسط، ثم رآها صلى الله عليه وسلم في العشر

الأواخر من رمضان (¬1) ، ثم تواطأت رؤيا عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنها في السبع الأواخر من رمضان فقال: ((أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) (¬2) . وهذا أقل ما قيل في حصرها في زمن معين. وإذا تأملنا الأدلة الواردة في ليلة القدر تبين لنا أنها تنتقل من ليلة إلى أخرى وأنها لا تكون في ليلة معينة كل عام، فالنبي صلى الله عليه وسلم " أري ليلة القدر في المنام وأنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، وكانت تلك الليلة ليلة إحدى وعشرين (¬3) ، وقال عليه الصلاة والسلام: ((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)) (¬4) وهذا يدل على أنها لا تنحصر في ليلة معينة، وبهذا تجتمع الأدلة، ويكون الإنسان في كل ليلة من ليالي العشر يرجو أن يصادف ليلة القدر، وثبوت أجر ليلة القدر حاصل لمن قامها إيماناً واحتساباً سواء علم بها أو لم يعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬5) . ولم يقل إذا علم أنه أصابها فلا يشترط في حصول ثواب ليلة القدر أن يكون العامل عالماً بها بعينها، ولكن من ¬

(¬1) رواه البخاري في فضل ليلة القدر، باب التماس ليلة القدر (2016) ، ومسلم في الصيام، باب: فضل ليلة القدر (215) . (¬2) رواه البخاري في فضل ليلة القدر، باب التماس ليلة القدر (2015) ، ومسلم في الصيام، باب: فضل ليلة القدر (215) . (¬3) تقدم في الموضع السابق. (¬4) رواه البخاري في صلاة التراويح، باب: تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر (1913) ، ومسلم في الصيام، باب: فضل ليلة القدر (1169) . (¬5) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان (37) ، ومسلم، صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان (173) .

س282: ما حكم حمل المصاحف من قبل المأمومين في صلاة التراويح في رمضان بحجة متابعة الإمام؟

قام العشر الأواخر من رمضان كلها إيماناً واحتساباً فإننا نجزم بأنه أصاب ليلة القدر سواء في أول العشر أو في وسطها أو في آخرها والله الموفق. س282: ما حكم حمل المصاحف من قبل المأمومين في صلاة التراويح في رمضان بحجة متابعة الإمام؟ الجواب: حمل المصحف لهذا الغرض فيه مخالفة للسنة وذلك من وجوه: الوجه الأول: أنه يفوت الإنسان وضع اليد اليمنى على اليسرى في حال القيام. الوجه الثاني: أنه يؤدي إلى حركة كثيرة لا حاجة إليها، وهي فتح المصحف، وإغلاقه، ووضعه في الإبط وفي الجيب ونحوهما. الوجه الثالث: أنه يشغل المصلى في الحقيقة بحركاته هذه. الوجه الرابع: أنه يفوت المصلي النظر إلى موضع السجود وأكثر العلماء يرون أن النظر إلى موضع السجود هو السنة والأفضل. الوجه الخامس: أن فاعل ذلك ربما ينسى أنه في صلاة إذا كان لم يستحضر قلبه أنه في صلاة، بخلاف ما إذا كان خاشعاً واضعاً يده اليمنى على اليسرى، مطأطأ رأسه نحو سجوده، فإنه يكون أقرب إلى استحضار أنه يصلى وأنه خلف إمام. * * *

س283: بعض أئمة المساجد يحاول ترقيق قلوب الناس والتأثير فيهم بتغيير نبرة صوته أحيانا أثناء صلاة التراويح، وقد سمعت بعض الناس ينكر ذلك، فما قولكم حفظكم الله في هذا؟

س283: بعض أئمة المساجد يحاول ترقيق قلوب الناس والتأثير فيهم بتغيير نبرة صوته أحياناً أثناء صلاة التراويح، وقد سمعت بعض الناس ينكر ذلك، فما قولكم حفظكم الله في هذا؟ الجواب: الذي أري أنه إذا كان هذا العمل في الحدود الشرعية بدون غلو فإنه لا بأس به، ولا حرج فيه، ولهذا قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كنت أعلم أنك تستمع إلى قراءتي لحبرَّته لك تحبيراً)) (¬1) . أي حسنتها وزينتها، فإذا حسَّن بعض الناس صوته، أو أتي به على صفة ترقق القلوب فلا أرى في ذلك بأساً، لكن الغلو في هذا بكونه لا يتعدى كلمة في القرآن إلا فعل مثل هذا الفعل الذي ذكر في السؤال أرى أن هذا من باب الغلو ولا ينبغي فعله. والعلم عند الله. * * * س284: يقول بعض العلماء إن وقت السنن الرواتب القبلية والبعدية هو بدخول وقت الفريضة وينتهي بخروج وقت الفريضة، وقول بعضهم: القبلية تنتهي بقضاء الفريضة فما الراجح في ذلك؟ الجواب: الراجح أن السنة القبلية وقتها ما بين دخول وقت الصلاة وفعل الصلاة. فراتبة الظهر القبلية يدخل وقتها من أذان الظهر أي من زوال الشمس وينتهي بفعل الصلاة أي بصلاة الظهر. ¬

(¬1) رواه البيهقي في الشهادات باب: تحسبن الصوت بالقرآن 10/231، وأبو يعلى 13/266 (7279) .

س 285: ما حكم قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لمن لم يتمكن من أدائها قبل الصلاة؟ وهل يعارض ذلك النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؟

والسنة البعدية يبتدئ وقتها بانتهاء الصلاة وينتهي بخروج الوقت. ولكن إذا فات وقت السنة القبلية من غير تفريط من الإنسان فإنه يقضيها بعد الصلاة، أما إذا أخر الراتبة القبلية عن وقتها بلا عذر فلا تنفعه ولو قضاها، لأن القول الصحيح أن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا خرج وقتها بلا عذر لا تصح ولا تقبل. * * * س 285: ما حكم قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لمن لم يتمكن من أدائها قبل الصلاة؟ وهل يعارض ذلك النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؟ الجواب: قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لا بأس به على القول الراجح. ولا يعارض ذلك حديث النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؛ لأن المنهي عنه الصلاة التي لا سبب لها. ولكن إن أخر قضاءها إلى الضحى ولم يخش من نسيانها، أو الانشغال عنها فهو أولى. * * * س286: إذا دخل الإنسان المسجد قبل الأذان وصلى تحية المسجد، ثم أذن المؤذن فهل يشرع له أن يأتي بنافلة؟ الجواب: إذا كان الأذان لصلاة الفجر، أو الظهر فإنه إذا أتم الأذان المؤذن يصلي الراتبة ركعتين للفجر، وأربع ركعات قبل

س 287: هل تقضى الرواتب إذا فات وقتها؟

الظهر، وإذا كان الأذان لغيرهما فإنه يسن له أن يتطوع أيضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بين كل أذانين صلاة)) (¬1) . * * * س 287: هل تقضى الرواتب إذا فات وقتها؟ الجواب: نعم الرواتب إذا ذهب وقتها نسياناً أو لنوم فإنها تقضى، لدخولها في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) (¬2) . ولحديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن الركعتين بعد صلاة الظهر وقضاهما بعد صلاة العصر (¬3) . أما إذا تركها عمداً حتى فات وقتها فإنه لا يقضيها، لأن الرواتب عبادات مؤقتة والعبادات المؤقتة إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها لم تقبل منه. * * * س 288: هل ورد دليل على تغيير المكان لأداء السنة بعد صلاة الفريضة؟ الجواب: نعم، ورد في حديث معاوية - رضي الله عنه - أنه ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب بين كل أذانين صلاة (627) . ومسلم، صلاة المسافرين، باب بين كل آذانين صلاة (304) . (¬2) أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ... ح (597) ، ورواه مسلم في المساجد باب قضاء الصلاة ... ح 316. (¬3) أخرجه البخاري في السهو، باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع (1176) ، ومسلم في المسافرين/ باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما (834) .

س 289: إذا فاتت سنة الضحى هل تقضى أم لا؟

قال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم، أو نخرج)) (¬1) . فأخذ من هذا أهل العلم أنه ينبغي الفصل بين الفرض وسنته، إما بكلام، أو بانتقال عن مكانه. * * * س 289: إذا فاتت سنة الضحى هل تقضى أم لا؟ الجواب: الضحى إذا فات محلها فاتت؛ لأن سنة الضحى مقيدة بهذا، لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات صارت تُقضى وكذلك الوتر لما ثبت في السنة ((أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا غلبه النوم، أو المرض في الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة)) (¬2) . فالوتر يقضى أيضاً. * * * س 290: هل تشترط الطهارة في سجدة التلاوة؟ وما هو اللفظ الصحيح لهذه السجدة؟ فأجاب فضيلته بقوله: سجدة التلاوة هي السجدة المشروعة عند تلاوة الإنسان آية السجدة والسجدات في القرآن معروفة، فإذا أراد أن يسجد كبر وسجد وقال: ((سبحان ربي الأعلى)) ، ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) ، اللهم لك سجدت، وبك آمن، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته (¬3) ، ((اللهم اكتب لي بها أجراً، وحط ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة (73) . (¬2) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل (139) . (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا سجد للتلاوة (1414) . والترمذي في الصلاة باب: ما يقول في سجود القرآن ح (580) وصححه.

س291: متى يسجد لله سجود شكر؟ وما صفته؟ وهل يشترط له وضوء؟

عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود (¬1) . ثم يرفع بدون تكبير ولا سلام، إلا إذا كانت السجدة في أثناء الصلاة مثل أن يقرأ القارئ آية فيها سجدة وهو يصلي فيجب عليه أن يكبر إذا سجد، ويجب عليه أن يكبر إذا قام؛ لأن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه يكبر كلما خفض ورفع (¬2) وهذا يشمل سجود صلب الصلاة، وسجود التلاوة. وأما ما يفعله بعض الناس من كونه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا قام والسجود في نفس الصلاة فلا أعلم له وجهاً من السنة، ولا من أقوال أهل العلم أيضاً. وأما قول السائل: هل تشترط الطهارة في سجود التلاوة؟ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: أنه لابد أن يكون على طهارة. ومنهم من قال أنه لا يشترط وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يسجد على غير طهارة. ولكن الذي أراه أن الأحوط أن لا يسجد إلا وهو على وضوء. * * * س291: متى يُسجد لله سجود شكر؟ وما صفته؟ وهل يشترط له وضوء؟ ¬

(¬1) أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: إتمام التكبير في الركوع ح (785) ومسلم كتاب الصلاة باب: إثبات التكبير في كل ... ح 27 (392) . (¬2) رواه البخاري في التهجد باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى ح (1166) .

س 292: ما حكم صلاة الاستخارة؟ وهل يقال دعاء الاستخارة إذا صلى الإنسان تحية المسجد أو الراتبة؟

الجواب: أن يكون سجود الشكر عن مصيبة اندفعت، أو لنعمة تهيأت للإنسان، وهو كالتلاوة خارج الصلاة، فبعض العلماء يرى له الوضوء والتكبير، وبعضهم يرى التكبيرة الأولى فقط ثم يخر ساجداً ويدعو بعد قوله: " سبحان ربي الأعلى". * * * س 292: ما حكم صلاة الاستخارة؟ وهل يقال دعاء الاستخارة إذا صلى الإنسان تحية المسجد أو الراتبة؟ الجواب: الاستخارة سنة إذا هم بشيء ولم يتبين له رجحان فعله، أو تركه. أما ما تبين له رجحان فعله، أو تكره فلا تشرع فيه الاستخارة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل الأمور الكثيرة، ولا يفعلها إلا بعد الهم بها قطعاً، ولم ينقل عنه أنه كان يصلى صلاة الاستخارة، فلو همّ الرجل بالصلاة، أو أداء الزكاة، أو ترك المحرمات، أو نحو ذلك، أو همّ أن يأكل، أو يشرب، أو ينام لم يشرع له صلاة الاستخارة. ولا يقال دعاء الاستخارة إذا صلى تحية المسجد، أو الراتبة ولم ينوه من قبل؛ لأن الحديث صريح بطلب صلاة الركعتين من أجل الاستخارة فإذا صلاهما بغير هذه النية لم يحصل الامتثال. وأما إذا نوى الاستخارة قبل التحية، والراتبة ثم دعا بدعاء الاستخارة فظاهر الحديث أن ذلك يجزئه لقوله: ((فليركع ركعتين من غير الفريضة)) (¬1) فإنه لم يستثن سوى الفريضة، ويحتمل أن لا ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة (6382)

س 393: ما صلاة التسبيح؟

يجزئه؛ لأن قوله: ((إذا هم فليركع)) يدل على أنه لا سبب لهاتين الركعتين سوى الاستخارة، والأولى عندي أن يركع ركعتين مستقلتين، لأن هذا الاحتمال قائم وتخصيص الفريضة بالاستثناء قد يكون المراد به أن يتطوع بركعتين فكأنه قال فليتطوع بركعتين والله أعلم. * * * س 393: ما صلاة التسبيح؟ الجواب: صلاة التسبيح لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - في حديثها لا يصح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ((أنه كذب، ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها ولم يستحبها إمام، وأما أبو حنيفة، ومالك، والشافعي فلم يسمعوها بالكلية)) ، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - وما ذكره- رحمة الله تعالى - فهو حق، فإن هذه الصلاة لو كانت صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم لنقلت إلى الأمة نقلاً لا ريب فيه لعظم فادتها ولخروجها عن جنس الصلوات، بل وعن جنس العبادات فلا نعلم عبادة يخير فيها هذا التخيير بحيث تفعل كل يوم، أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة، أو في الحول مرة، أو في العمر مرة فإن ما خرج عن نظائره اهتم الناس بنقله، وشاع فيهم لغرابته، فلما لم يكن هذا في هذه الصلاة علم أنها ليست مشروعة، ولهذا لم يستحبها أحد من الأئمة. * * *

س 294: ما حكم صلاة الركعتين ليلة الزواج عند الدخول على الزوجة؟

س 294: ما حكم صلاة الركعتين ليلة الزواج عند الدخول على الزوجة؟ الجواب: الركعتان عند الدخول على الزوجة في أول ليلة فعلها بعض الصحابة (¬1) ، ولا أعرف في هذا سنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المشروع أن يأخذ بناصية المرأة ويسأل الله خيرها، وخير ما جبلت عليه، ويستعيذ بالله من شرها وشر ما جبلت عليه (¬2) ، وإذا كان يخشى في هذه الحال أن تنفر منه المرأة فليمسك بناصيتها كأنه يريد أن يدنو منها ويدعو بهذا الدعاء سرَّاً بحيث لا تسمعه؛ لأن بعض النساء قد يخيل لها إذا قال: أعوذ بك من شرها وشر ما جلبت عليه، فتقول: هل فيّ شر؟ س295: ما هي أوقات النهي، وعن تحية المسجد قبل صلاة المغرب؛ هل تكون قبل الأذان أو بعده، أفتونا جزاكم الله خيراً؟ الجواب: أوقات النهي: الوقت الأول: من صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح؛ أي إلى ما بعد طلوع الشمس بربع ساعة إلى ثلث ساعة. الوقت الثاني: قبل الزوال بنحو عشر دقائق؛ وهو قبل دخول وقت الزهر بنحو عشر دقائق. والوقت الثالث: من صلاة العصر إلى أن يستكمل غروب الشمس. هذه هي أوقات النهي. ¬

(¬1) انظر ((المصنف)) لعبد الرزاق 6/191، والهيثمي في ((المجمع)) 4/291 (¬2) رواه أبو داود في النكاح باب: في جامع النكاح ح (2160) .

س296: ما حكم صلاة الجماعة؟

أما بالنسبة لتحية المسجد فمشروعة في كل وقت، فمتى دخلت المسجد فلا تجلس حتى تصلي ركعتين. حتى في أوقات النهي. وينبغي أن يعلم أن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن جميع النوافل من ذوات الأسباب، ليس فيها نهي، بل تفعل حتى في وقت النهي: فإذا دخلت المسجد بعد صلاة الفجر فصل ركعتين، وإذا دخلت بعد صلاة العصر فصل ركعتين، وإذا دخلت المسجد قبيل الزوال فصل ركعتين، وإذا دخلت في إي ساعة من ليل أو نهار فلا تجلس حتى تصلي ركعتين. * * * س296: ما حكم صلاة الجماعة؟ الجواب: صلاة الجماعة اتفق العلماء على أنها من أجلّ الطاعات، وأوكدها، وأفضلها، وقد ذكرها الله تعالى في كتابه، وأمر بها حتى في حال الخوف، فقال الله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) (النساء: 102) . وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث العدد الكثير الدال على

وجوب صلاة الجماعة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلى بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (¬1) وكقوله صلى الله عليه وسلم: ((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)) (¬2) . وكقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الأعمى الذي طلب منه أن يرخص له ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال ((فأجب)) (¬3) وقال ابن مسعود - رضى الله عنه -: ((لقد رأيتنا - يعني الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وما يتخلف عنها - إي عن صلاة الجماعة - إلا منافق معلوم النفاق، أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف)) (¬4) . والنظر الصحيح يقتضي وجوبها، فإن الأمة الإسلامية أمة واحدة، ولا يتحقق كمال الوحدة إلا بكونها تجتمع على عبادتها وأجل العبادات وأفضلها وأوكدها الصلاة، فكان من الواجب على الأمة الإسلامية أن تجتمع على هذه الصلاة. وقد اختلف العلماء - رحمهم الله - بعد اتفاقهم على أنها من أوكد العبادات وأجل الطاعات اختلفوا هل هي شرط لصحة الصلاة؟ أو أن الصلاة تصح بدونها مع الإثم؟ مع خلافات أخرى. والصحيح: أنها واجب للصلاة، وليست شرطاً في صحتها، ¬

(¬1) أخرجه البخاري/ كتاب الأذان، باب: وجوب صلاة الجماعة ح (644) ، ومسلم في المساجد، باب: فضل صلاة الجماعة ... ح 251 (651) ، وسيأتي شرحه ص 297. (¬2) أخرجه ابن ماجة في المساجد، باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة ح (793) . (¬3) أخرجه مسلم في المساجد، باب 43، يجب إتيان المسجد على من سمع النداء ح 255 (653) . (¬4) أخرجه مسلم في الموضع السابق (645) .

س297: مجموعة من الأشخاص يسكنون في مكان واحد، فهل يجوز لهم أن يصلوا جماعة في ذلك المسكن أو يلزمهم الخروج إلى المسجد؟

لكن من تركها فهو آثم إلا أن يكون له عذر شرعي، ودليل كونها ليست شرطاً لصحة الصلاة أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ((فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ)) (¬1) ، وتفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ يدل على أن في صلاة الفذ فضلاً، وذلك لا يكون إلا إذا كانت صحيحة. وعلى كل حال فيجب على كل مسلم عاقل ذكر بالغ أن يشهد صلاة الجماعة سواء كان ذلك في السفر أم في الحضر. * * * س297: مجموعة من الأشخاص يسكنون في مكان واحد، فهل يجوز لهم أن يصلوا جماعة في ذلك المسكن أو يلزمهم الخروج إلى المسجد؟ الجواب: الواجب على هؤلاء الجماعة الذين هم في مسكن أن يصلوا في المساجد، فكل إنسان حوله مسجد يجب عليه أن يصلي في المسجد، ولا يجوز لأحد، أو لجماعة أن يصلوا في البيت والمسجد قريب منهم، أما إذا كان المسجد بعيداً ولا يسمعون النداء فلا حرج عليهم أن يصلوا جماعة في البيت، وتهاون بعض الناس في هذه المسألة مبني على قول لبعض العلماء - رحمهم الله - من أن المقصود في صلاة الجماعة أن يجتمع الناس على الصلاة ولو في غير المسجد، فإذا صلى الناس جماعة ولو في بيوتهم فإنهم قد قاموا بالواجب. ولكن الصحيح أنه لابد أن تكون الجماعة في المساجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي ¬

(¬1) رواه مسلم في الموضع السابق باب 44 ح 256 (654) .

س298: هل الأفضل في حق الموظف المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان، أو الانتظار لإنجاز بعض المعاملات؟ وما حكم التنفل بعدها بغير الرواتب؟

بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (¬1) .. مع أن هؤلاء القوم قد يكونوا صلوا في أماكنهم. فيجب على تلك المجموعة أن يصلوا مع الجماعة في المسجد إلا إذا كانوا بعيدين يشق عليهم. * * * س298: هل الأفضل في حق الموظف المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان، أو الانتظار لإنجاز بعض المعاملات؟ وما حكم التنفل بعدها بغير الرواتب؟ الجواب: الأفضل في حق جميع المسلمين المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان؛ لأن المؤذن يقول ((حي على الصلاة)) ، والتثاقل عنها يؤذي إلى فواتها. أما التنفل بعد الصلاة بغير الراتبة فلا يجوز؛ لأن وقته مستحق لغيره بمقتضى عقد الإجارة أو الوظيفة، وأما الراتبة فلا بأس بها لأنها مما جرت العادة بالتسامح فيه من المسؤولين. والله الموفق. * * * س299: إذا فاتت الركعة الأولى أو الثانية مع الجماعة فهل يقرأ القاضي لصلاته سورة مع الفاتحة باعتبارها قضاء لما فاته أو يقتصر على قراءة الفاتحة؟ ¬

(¬1) تقدم تخريجه

س300: مصل دخل والإمام في التشهد الأخير فهل يدخل مع الجماعة أو ينتظر جماعة أخرى؟ افتونا جزاكم الله خيرا.

الجواب: الصحيح أن ما يقضيه المأموم من الصلاة بعد سلام إمامه وهو آخر صلاته، وعلى هذا فلا يقرأ فيه إلا الفاتحة إذا كان الفائت ركعتين، أو ركعة في الرباعية، أو ركعة في المغرب، أما الفجر فيقرأ الفاتحة وسورة؛ لأن كلتا الركعتين تقرأ فيهما الفاتحة وسورة. * * * س300: مصلٍّ دخل والإمام في التشهد الأخير فهل يدخل مع الجماعة أو ينتظر جماعة أخرى؟ افتونا جزاكم الله خيرا. الجواب إذا دخل الإنسان والإمام في التشهد الأخير فإن كان يرجو وجود جماعة لم يدخل معه، وإن كان لا يرجو ذلك دخل معه؛ لأن القول الراجح أن صلاة الجماعة لا تدرك إلا بركعة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) (¬1) . وكما أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة فكذلك الجماعة، فإذا أدرك الإمام في التشهد الأخير لم يكن مدركاً للجماعة، فينتظر حتى يصليها مع الجماعة التي يرجوها، أما إذا كان لا يرجو جماعة فإن دخوله مع الإمام ليدرك ما تبقى من التشهد خير من الانصراف عنه. * * * س301: ما العمل إذا أقيمت الصلاة المكتوبة، وقد شرع المصلي في النافلة؟ ¬

(¬1) متفق عليه، وتقدم تخريجه

الجواب: إذا أقيمت الصلاة المكتوبة، وقد شرعت في نافلة، فمن أهل العلم من يقول: يجب عليك قطعها فوراً، وإن كنت في التشهد الأخير. ومن العلماء من يقول: لا تقطعها إلا أن تخاف أن يسلم الإمام قبل أن تدرك معه تكبيرة الإحرام. هذان قولان متقابلان. بالقول الأول: إذا أقيمت الصلاة فاقطع النافلة ولو كنت في التشهد الأخير. والقول الثاني: لا تقطعها إلا إذا بقي من صلاة الإمام بقدر تكبيرة الإحرام فاقطعها؛ يعني تستمر في الصلاة، ولا تقطعها إلا إن خفت أن يسلم الإمام قبل أن تدرك معه تكبيرة الإحرام. هذان قولان متقابلان. فالقول الأول: إذا أقيمت الصلاة فاقطع النافلة ولو كنت في التشهد الأخير. والقول الثاني: لا تقطعها إلا إذا بقي من صلاة الإمام بقدر تكبيرة الإحرام فاقطعها؛ يعني تستمر في الصلاة، ولا تقطعها إلا إن خفت أن يسلم الإمام قبل أن تدرك معه تكبيرة الإحرام. هذان القولان متقابلان، يعني على هذا القول الأخير، استمر في الصلاة حتى لو فاتتك جميع الركعات، مادمت تدرك تكبيرة الإحرام، قبل أن يسلم الإمام، فاستمر في هذا النفل، وعندي أن القول الوسط في ذلك، أنه إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة، وإن أقيمت وأنت في الركعة الأولى فاقطعها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أردك الصلاة)) (¬1) . فإذا كنت قد صليت ركعة قبل إقامة الصلاة فقد أدركت ركعة قبل الحظر والمنع. وإذا أدركت ركعة قبل الحظر والمنع فقد أدركت الصلاة، وصارت الصلاة كلها غير ممنوعة فتتمها لكن خفيفة؛ لأن إدراك ¬

(¬1) متفق عليه، وتقدم تخريجه

س302: مأموم دخل في الصلاة بعد انتهاء تكبير الإمام للإحرام وقراءته للفتاحة، ثم شرع في قراءة الفاتحة ولكن ركع الإمام فهل يركع المأموم أو يكمل قراءة الفاتحة؟

جزء من الفرض خير من إدراك جزء من النفل، أما إذا كنت في الركعة الأولى فإنك لم تدرك من الوقت ما تدرك به الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) (¬1) . وبناء على هذا فإنك تقطعها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (¬2) . * * * س302: مأموم دخل في الصلاة بعد انتهاء تكبير الإمام للإحرام وقراءته للفتاحة، ثم شرع في قراءة الفاتحة ولكن ركع الإمام فهل يركع المأموم أو يكمل قراءة الفاتحة؟ الجواب: إذا دخل المأموم والإمام يريد أن يركع، ولم يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة، إن كان لم يبق عليه إلا آية أو نحوها بحيث يمكنه أن يكملها ويلحق الإمام في الركوع فهذا أحسن، وإن كان بقي عليه كثير بحيث إذا قرأ لم يدرك الإمام في الركوع فإنه يركع مع الإمام وإن لم يكمل الفاتحة. * * * س303: إذا أدرك المأموم الإمام ساجداً فهل ينتظر حتى يرفع أو يدخل معه؟ الجواب: الأفضل الدخول مع الإمام على أي حال وجده ولا ينتظر، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " فما أدركتم فصلوا (¬3) . * * * ¬

(¬1) تقدم تخريجه (¬2) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن. (¬3) تقدم تخريجه

س304: سئل فضيلة الشيخ: إذا فرغ المصلي في الصلاة السرية من قراءة الفاتحة وسورة والإمام لم يركع فهل يسكت؟

س304: سئل فضيلة الشيخ: إذا فرغ المصلي في الصلاة السرية من قراءة الفاتحة وسورة والإمام لم يركع فهل يسكت؟ فأجاب فضيلته بقوله: لا يسكت المأموم إذا فرغ من قراءة الفاتحة وسورة قبل أن يركع الإمام، بل يقرأ حتى يركع الإمام حتى لو كان في الركعتين اللتين بعد التشهد الأول وانتهى من الفاتحة ولم يركع الإمام فإنه يقرأ سورة أخرى حتى يركع الإمام؛ لأنه ليس في الصلاة سكوت مشروع إلا في حال استماع المأموم لقراءة إمامه.. * * * س305: ما حكم مسابقة الإمام؟ الجواب: مسابقة الإمام محرمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه إلى رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) (¬1) وهذا تهديد لمن سابق الإمام، ولا تهديد إلا على فعل محرم، أو ترك واجب. وثبت عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فأركعوا، ولا تركعوا حتى يركع)) . الحديث. وأقول بهذه المناسبة: إن المأموم مع إمامه له أربع حالات: 1- مسابقة. 2- موافقة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري كتاب الأذان، باب: إثم من رفع رأسه قبل الإمام ح (691) ، ومسلم كتاب الصلاة، باب: تحريم سبق الإمام، ح 114 (427)

س 306: هل تصح الصلاة تخلف العاصي؟

3- متابعة. 4- تحلف. فالمسابقة: أن يبدأ بالشيء قبل إمامه، وهذا حرام، وإذا كان في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته إطلاقاً، ويجب عليه أن يعيد الصلاة من جديد. والموافقة: أن يكون موافقاً للإمام يركع مع ركوعه، ويسجد مع سجوده، وينهض مع نهوضه، وظاهر الأدلة أنها محرمة أيضاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تركعوا حتى يركع)) . وبعض العلماء يرى أنها مكروهة وليست محرمة إلا في تكبيرة الإحرام فإنه إذا وافق إمامه فيها لم تنعقد صلاته وعليه والإعادة. والمتابعة: أن يأتي بأفعال الصلاة بعد إمامه بدون تأخر، وهذا هو المشروع. والتخلف: أن يتخلف عن إمامه تخلفاً يخرجه عن المتابعة وهذا خلاف المشروع. * * * س 306: هل تصح الصلاة تخلف العاصي؟ الجواب: الصلاة خلف المسلم وإن فعل بعض المعاصي جائزة وصحيحة على القول الراجح، ولكن الصلاة خلف من كان مستقيمأً أفضل بلا شك، أما إذا كان الإنسان يستعمل أشياء مكفرة تخرج عن الملة الإسلامية فإنه لا تجوز الصلاة خلفه، وذلك لأن صلاته غير صحيحة، فإن من لم يكن مسلماً فصلاته غير صحيحة، وإذا كانت صلاة الإمام غير صحيحة، فإنه لا يمكن الاقتداء به؛

س307: هل تجوز صلاة المفترض خلف المتنفل، والمتنفل خلف المفترض؟

لأنك تقتدي بغير إمام وتنوي الإمامة بغير إمام. * * * س307: هل تجوز صلاة المفترض خلف المتنفل، والمتنفل خلف المفترض؟ الجواب: يجوز ذلك، كما يجوز صلاة الظهر خلف إمام يصلى العصر، وصلاة العصر خلف إمام يصلي الظهر؛ لأن لكل امرىء ما نوى، ولهذا قال الإمام أحمد: إذا دخلت والإمام يصلي التراويح وأنت لم تصل العشاء فصل خلفه، فهي لك فريضة وله نافلة. * * * س308: حصل نقاش بين جماعة من المصلين بأنه إذا دخل رجل متأخراً إلى المسجد فوجد أن الصلاة قد أقيمت والصف مكتمل وليس له محل في الصف/ فهل يجوز له أن يسحب رجلاً من ذلك الصف المكتمل كي يتمكن من صلاته؟ أو يصلي خلف الصف وحده؟ أو ماذا يفعل؟ الجواب: هذا المسألة لها ثلاثة أوجه: إذا جاء الإنسان ووجد أن الصف قد تم. فإما أن يصلي وحده خلف الصف. وإما أن يجذب أحداً من الصف فيصلي معه. وإما أن يتقدم فيصلي إلى جنب الإمام الأيمن. وهذه الصفات الثلاث إذا دخل في الصلاة. وإما أن يدع الصلاة مع هذه الجماعة، فما المختار من هذه الأمور؟

نقول: المختار من هذه الأمور الأربعة: أن يصف وحده خلف الصف ويصلي مع الإمام؛ وذلك لأن الواجب الصلاة مع الجماعة، وفي الصف، فهذان واجبان، فإذا تعذر أحدهما وهو المقام في الصف، بقي الآخر واجباً، وهو صلاة الجماعة، فحينئذ نقول: صل مع الجماعة خلف الصف لتدرك فضيلة الجماعة، والوقوف في الصف في هذه الحال لا يجب عليك للعجز عنه، وقد قال الله سبحانه وتعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: الآية16) . ويشهد لهذا أن المرأة تقف خلف الصف وحدها إذا لم يكن معها نساء، وذلك لأنه ليس لها مكاناً شرعاً في صف الرجال. فلما تعذر مكانها الشرعي في صف الرجال صلت وحدها. فهذا الرجل الذي أتى المسجد والصف قد تم ولم يكن له مكان حسي في الصف سقطت عنه حينئذ المصافة، ووجبت عليه الجماعة. فليصلَّ خلف الصف، وأما أن يجذب أحداً ليصلي معه، فهذا لا ينبغي؛ لأنه يترتب عليه ثلاثة محاذير: المحذور الأول: فتح فرجة في الصف، وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الرص وسدّ الخلل بين الصفوف. الثاني: نقل هذا المجذوب من المكان الفاضل إلى المكان المفضول. وهو نوع من الجناية عليه. والثالث: تشويش صلاته عليه، فإن هذا المصلي إذا جذب لآبد أن يكون في قلبه حركة، وهذا أيضاً من الجناية عليه. والوجه الثالث أن يقف مع الإمام: فلا ينبغي له؛ لأن الإمام لابد أن يكون متميزاً عن المأمومين بالمكان، كما أنه متميز عنهم

س309: يوجد مسجد من دورين والذين يصلون في الدور الأعلى لا يرون من تحتهم فهل صلاتهم صحيحة أم لا؟ أفيدونا بارك الله فيكم.

بالسبق بالأقوال والأفعال، فيكبر قبلهم، ويركع قبلهم، ويسجد قبلهم، فينبغي أن يكون متميزاً عنهم في المكان. وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن الإمام يتقدم المأمومين، وهذه مناسبة ظاهرة لكونه متميزاً عنهم منفرداً بمكانة، فإذا وقف معه بعض المأمومين زالت هذه الخاصية التي لا ينبغي أن ينفرد بها إلا الإمام في الصلاة. أما الوجه الرابع وهو أن يدع الجماعة، فهذا لا وجه له أيضاً؛ لأن الجماعة واجبة، والمصافة واجبة، فإذا عجز عن إحداهما لم تسقط الأخرى بعجزه عن الأولى. * * * س309: يوجد مسجد من دورين والذين يصلون في الدور الأعلى لا يرون من تحتهم فهل صلاتهم صحيحة أم لا؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: ما دام المسجد واحداً فلا يشترط أن يرى بعضهم بعضاً إذا كانوا يسمعون تكبير الإمام. كتبه محمد الصالح العثيمين في 25/8/1410هـ. * * * س310: هل يجوز للمسلم أن يصلي مع الصلاة التي تنقل في التلفزيون أو الإذاعة من دون أن يرى الإمام خصوصاً للنساء؟ الجواب: لا يجوز للإنسان أن يقتدي بالإمام بواسطة الراديو أو بواسطة التلفزيون؛ لأن صلاة الجماعة يقصد بها الاجتماع،

فلابد أن تكون في موضع واحد، أو تتصل الصفوف بعضها ببعض، ولا تجوز الصلاة بواسطتهما، وذلك لعدم حصول المقصور بهذا، ولو أننا أجزنا ذلك لأمكن كل واحد أن يصلي في بيته الصلوات الخمس، بل والجمعة أيضاً، وهذا مناف لمشروعية الجمعة والجماعة، وعلى هذا فلا يحل للنساء ولا لغيرهن أن يصلي أحد منهم خلف المذياع أو خلف التلفاز. والله الموفق. * * *

فصل قال فضيلة الشيخ- جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء: - بسم الله الرحمن الرحيم كيف يصلي المريض؟ أولاً: يجب على المريض أن يصلي الفريضة قائماً ولو منحنياً، أو معتمداً على جدار، أو عصا يحتاج إلى الاعتماد عليها. ثانياً: فإن كان لا يستطيع القيام صلى جالساً، والأفضل أن يكون متربعاً في موضع القيام والركوع. ثالثاً: فإن كان لا يستطيع الصلاة جالساً صلى على جنبه متوجهاً إلى القبلة، والجنب الأيمن أفضل، فإن لم يتمكن من التوجه إلى القبلة صلى حيث كان اتجاهه، وصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه. رابعاً: فإن كان لا يستطيع الصلاة على جنبه صلى مستلقياً رجلاه إلى القبلة، والأفضل أن يرفع رأسه قليلاً ليتجه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة صلى حيث كانت، ولا إعادة عليه. خامساً: يجب على المريض أن يركع ويسجد في صلاته، فإن لم يستطع أومأ بهما برأسه، ويجعل السجود أخفض من الركوع، فإن

استطاع الركوع دون السجود ركع حال الركوع، وأومأ بالسجود، وإن استطاع السجود دون الركوع سجد حال السجود، وأومأ بالركوع. سادساً: فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود أشار بعينيه، فيغمض قليلاً للركوع، ويغمض تغميضاً أكثر للسجود. وأما الإشارة بالأصبع كما يفعله بعض المرضي فليس بصحيح ولا أعمل له أصلاً من الكتاب، والسنة، ولا من أقوال أهل العلم. سابعاً: فإن كان لا يستطيع الإيماء بالرأس، ولا الإشارة بالعين صلى بقلبه، فيكبر ويقرأ، وينوي الركوع، والسجود، والقيام، والقعود بقلبه ((ولكل امرئ ما نوى)) . ثامناً: يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها ويفعل كل ما يقدر عليه مما يجب فيها، فإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إما جمع تقديم بحيث يقدم العصر إلى الظهر، والعشاء إلى المغرب، وإما جمع تأخير بحيث يؤخر الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء حسبما يكون أيسر له. أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها. تاسعاً: إذا كان المريض مسافراً يعالج في غير بلده فإنه يقصر الصلاة الرباعية فيصلي الظهر، والعصر، والعشاء على ركعتين، ركعتين حتى يرجع إلى بلده سواء طالت مدة سفره أم قصرت. والله الموفق.

س311: متى تجب الصلاة في الطائرة؟ وما كيفية صلاة الفريضة في الطائرة؟ وما كيفية صلاة النافلة في الطائرة؟

س311: متى تجب الصلاة في الطائرة؟ وما كيفية صلاة الفريضة في الطائرة؟ وما كيفية صلاة النافلة في الطائرة؟ الجواب: تجب الصلاة في الطائرة إذا دخل وقتها، لكن إذا كان لا يتمكن من أداء الصلاة في الطائرة كما يؤديها في الأرض فلا يصلي الفريضة في الطائرة إذا كان يمكن هبوط الطائرة قبل خروج وقت الصلاة، أو خروج وقت التي بعدها مما يجمع إليها. فمثلاً لو أقلعت الطائرة من جدة قبيل غروب الشمس، وغابت الشمس وهو في الجو فإنه لا يصلي المغرب حتى تهبط الطائرة في المطار، وينزل منها، فإن خاف خروج وقتها نوى جمعها إلى العشاء جمع تأخير وصلاهما إذا نزل، فإن استمرت الطائرة حتى خاف أن يخرج وقت العشاء، وذلك عند منتصف الليل فإنه يصليهما قبل أن يخرج الوقت في الطائرة. وكيفية صلاة الفريضة في الطائرة أن يقوم مستقبل القبلة فيكبر، ويقرأ الفاتحة وما تسن قراءته قبلها من الاستفتاح، أو بعدها من القرآن، ثم يركع، ثم يرفع من الركوع، ثم يسجد فإن لم يتمكن من السجود جلس، وأومأ بالسجود جالساً، وهكذا يفعل حتى تنتهي الصلاة وهو في ذلك كله مستقبل القبلة. أما كيفية صلاة النافلة على الطائرة فإنه يصليها قاعداً على مقعده في الطائرة ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض. والله الموفق. حرر في 22/4/1409هـ. * * *

س312: ما مقدار المسافة التي يقتصر المسافر فيها الصلاة وهل يجوز الجمع دون قصر؟

س312: ما مقدار المسافة التي يقتصر المسافر فيها الصلاة وهل يجوز الجمع دون قصر؟ الجواب: المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو متراً، وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف، أنه سفر وإن لم يبلغ ثمانين كيلو متراً، وما قال الناس عنه: إنه ليس بسفر، فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر. وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية - رحمة الله - وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة معينة. وقال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة وصلى ركعتين)) (¬1) . وقول شيخ الإسلام أبن تيميه - رحمه الله تعالى - أقرب إلى الصواب. ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد؛ لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين، فليس عليهم به بأس إن شاء الله تعالى، أما ما دام الأمر منضبطاً فالرجوع إلى العرف هو الصواب. وأما هل يجوز الجمع إذا جاز القصر؟ فنقول: الجمع ليس مرتبطاً بالقصر، الجمع مرتبط بالحاجة؛ فمتى احتاج الإنسان للجمع في حضر أو سفر فليجمع؛ ولهذا يجمع الناس إذا حصل مطر يشق على الناس من أجله الرجوع إلى المساجد، ويجمع الناس إذا كان هناك ريح بارد شديدة أيام الشتاء يشق على الناس الخروج ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين (691)

س313: رجل يسافر للدراسة في الرياض يذهب مساء الجمعة ويرجع عصر الاثنين فهل يأخذ أحكام المسافر في الصلوات وغيرها؟

إلى المساجد من أجلها، ويجمع إذا كان يخشى فوات ماله أو ضرراً فيه، أو ما أشبه ذلك يجمع الإنسان. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: ((جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر)) (¬1) . فقالوا: ما أراد؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ؛ أي: لا يلحقها حرج في ترك الجمع. وهذا هو الضابط كلما حصر للإنسان حرج في ترك الجمع جاز له الجمع، وإذا لم يكن عليه حرج فلا يجمع، لكن السفر مظنة الحرج بترك الجمع، وعلى هذا يجوز للمسافر أن يجمع سواء كان جادًّا في السفر أو مقيماً؛ إلا أنه إن كان جادًّا في السفر فالجمع أفضل، وإن كان مقيماً فترك الجمع أفضل. ويستثنى من ذلك ما إذا كان الإنسان مقيماً في بلد تقام فيه الجماعة فإن الواجب عليه حضور الجماعة، وحينئذ لا يجمع ولا يقصر، لكن لو فاتته الجماعة فإنه يقصر بدون جمع؛ إلا إذا احتاج إلى الجمع. * * * س313: رجل يسافر للدراسة في الرياض يذهب مساء الجمعة ويرجع عصر الاثنين فهل يأخذ أحكام المسافر في الصلوات وغيرها؟ الجواب: هو مسافر لا شك، لأنه لم يتخذ بلد الدارسة وطناً، ولم ينو الإقامة مطلقاً، بل إقامته لغرض، لكنه إذا كانت ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر (705) .

س 314: ما حكم جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة؟ وهل يجوز لمن كان خارج البلد الجمع؟

إقامته في بلد تقام فيه الجماعة، فيجب عليه أن يحضر الجماعة، وأما ما اشتهر عند بعض العوام أن المسافر لا جماعة عليه، ولا جمعة، فهذا لا أصل له، فالجماعة واجبة على المسافر ولو كان في القتال كما في قوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) (النساء: الآية102) . والجمعة واجبة على كل من سمع النداء لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه) (الجمعة: الآية9) . لكن إذا فاتتك الصلاة هناك أو كنت في مكان بعيد عن المساجد، فإنك تصلي الرباعية ركعتين. * * * س 314: ما حكم جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة؟ وهل يجوز لمن كان خارج البلد الجمع؟ الجواب: لا تجمع العصر إلى الجمعة لعدم ورود ذلك في السنة، ولا يصح قياس ذلك على جمعها إلى الظهر للفروق الكثيرة بين الجمعة والظهر. والأصل وجوب فعل كل صلاة في وقتها إلا بدليل يجيز جمعها إلى الأخرى. ويجوز الجمع لمن كانوا خارج البلد يقيمون اليومين والثلاثة لأنهم مسافرون، أما إذا كانوا في ضواحي البلد القريبة بحيث لا يعدون مسافرين فلا يجوز لهم الجمع. والكلام هنا في الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء لا بين الجمعة والعصر فلا يجوز بكل حال. * * *

رسالة فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى ورعاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لاحظنا كثرة الجمع في الأيام الماضية وتساهل الناس فيه فهل ترون مثل هذا البرد مبرراً للجمع أثابكم الله؟ بسم الله الرحمن الرحيم الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. لا يحل تساهل الناس في الجمع؛ لأن الله تعالى قال: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء: من الآية103) وقال تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) (الإسراء: 78) . فإذا كانت الصلاة مفروضة موقوتة، فإن الواجب أداء الفرض في وقته المحدد له، المجمل في قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) إلى آخرها وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مفصلاً فقال: ((وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل)) (¬1) . ¬

(¬1) أخرجه مسلم في المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس ح 174 (612)

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حدد الأوقات تحديداً مفصلاً فإن إيقاع الصلاة في غير وقتها من تعدي حدود الله (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: الآية229) فمن صلى الصلاة قبل وقتها عالماً عامداً فهو آثم وعليه الإعادة، وإن لم يكن عالماً عامداً فليس بآثم لكن عليه الإعادة، وهذا حاصل بجمع التقديم بلا سبب شرعي فإن الصلاة المقدمة لا تصح وعليه إعادتها. ومن أخر الصلاة عن وقتها عالماً عامدًا بلا عذر فهو آثم ولا تقبل صلاته على القول الراجح، وهذا حاصل بجمع التأخير بلا سبب شرعة فإن الصلاة المؤخرة لا تقبل على القول الراجح. فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى ولا يتساهل في هذا الأمر العظيم الخطير. وأما ما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس - رضى الله عنهما-: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر)) فلا دليل فيه على التساهل في هذا الأمر، لأن ابن عباس- رضي الله عنهما - سئل ((ماذا أراد إلى ذلك؟ يعنى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال أراد أن لا يحرج أمته)) (¬1) ، وهذا دليل على أن السبب المبيح للجمع هو الحرج في أداء كل صلاة في وقتها، فإذا لحق المسلم حرج في أداء كل صلاة في وقتها جاز له الجمع أو سن له ذلك، وإن لم يكن عليه حرج وجب عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها. وبناء على ذلك فإن مجرد البرد لا يبيح الجمع إلا أن يكون ¬

(¬1) تقدم تخريجه

مصحوباً بهواء يتأذى به الناس عند خروجهم إلى المساجد، أو مصحوباً بنزول ثلج يتأذى به الناس. فنصيحتي لإخواني المسلمين ولا سيما الأئمة أن يتقوا الله في ذلك، وأن يستعينوا بالله في أداء هذه الفريضة على الوجه الذي يرضاه. قاله كاتبه محمد الصالح العثيمين في 8/7/1413هـ.

س315: ما هي رخص السفر؟

س315: ما هي رخص السفر؟ الجواب: رخص السفر أربع: 1- صلاة الرباعية ركعتين. 2- الفطر في رمضان، ويقضيه عدة من أيام أخر. 3- المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها ابتداء من أول مرة مسح. 4- سقوط المطالبة براتبة الظهر، والمغرب، والعشاء، أما راتبة الفجر وبقية النوافل فإنها باقية على مشروعيتها واستحبابها. فيصلي المسافر صلاة الليل، وسنة الفجر، وركعتي الضحى وسنة الوضوء، وركعتي دخول المسجد، وركعتي القدوم من السفر، فإن من السنة إذا قدم الإنسان من سفر أن يبدأ قبل دخول بيته بدخول المسجد فيصلي فيه ركعتين (¬1) . وهكذا بقية التطوع بالصلاة فإنه لا يزال مشروعاً بالنسبة للمسافر ما عدا ما قلت سابقاً وهي: راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الرواتب الثلاث. * * * س316: متى تبدأ الساعة الأولى من يوم الجمعة؟ الجواب: الساعات التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم خمس قال عليه الصلاة والسلام: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في ¬

(¬1) ورد هذا في حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته ولفظه: " كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين"، رواه البخاري في المغازي، باب حديث كعب بن مالك (4418) ، ورواه مسلم في التوبة، باب: حديث توبة كعب ح 53 (2769)

س317: هل يجوز للمسلم أن يصلي في بيته الجمعة إذا كان يسمع صوت الإمام؟

الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بيضة)) (¬1) . فقسم الزمن من طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام، فقد يكون كل قسم بمقدار الساعة المعروفة، وقد تكون الساعة أقل أو أكثر؛ لأن الوقت يتغير، فالساعة خمس ما بين طلوع الشمس ومجيء الإمام للصلاة، وتبتدي من طلوع الشمس، وقيل من طلوع الفجر. والأول أرجح، لآن ما قبل طلوع الشمس وقت لصلاة الفجر. {* * * س317: هل يجوز للمسلم أن يصلي في بيته الجمعة إذا كان يسمع صوت الإمام؟ الجواب: لا يجوز أن تؤدى صلاة الجمعة إلا مع المسلمين في المسجد، ولكن إذا امتلأ المسجد واتصلت الصفوف بالشوارع فلا حرج في الصلاة في الشوارع لأجل الضرورة، وأما أن يصلي الإنسان في بيته، أو في دكانه فإنه لا يجوز ولا يحل له ذلك؛ لأن المقصود من الجمعة والجماعة أيضاً أن يحضر المسلمون بعضهم إلى بعض، وأن يكونوا أمة واحدة فيحصل بينهم التآلف والتراحم، ويتعلم جاهلهم من عالمهم، ولو أنا فتحنا الباب لكل أحد وقلنا صلَّ على المذياع، أو صلَّ على مكبر الصوت وأنت في بيتك لم يكن لبناء ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الجمعة/ باب فضل الجمعة (881) ، ومسلم: كتاب الجمعة/ باب الطيب والسواك يوم الجمعة (850) .

س318: كم تصلي المرأة الجمعة؟

المساجد وحضور المصلين فائدة؛ ولأنه يؤدي إلى ترك الجمعة والجماعة في الحقيقة لو فتح هذا الباب. * * * س318: كم تصلي المرأة الجمعة؟ الجواب: المرأة إن صلت الجمعة مع الإمام فإنها تصلي كما يصلي الإمام، وأما إذا صلت في بيتها فإنها تصلي ظهراً أربع ركعات. س319: من صلى الجمعة فهل يصلى الظهر؟ الجواب: إذا صلى الإنسان الجمعة فإن الجمعة هذه هي فريضة الوقت أي فريضة وقت الظهر، على هذا فلا يصلي الظهر، وصلاة الظهر بعد صلاة الجمعة من البدع، لأنها لم تأت في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيجب النهي عنها، حتى ولو تعددت الجمع فإنه ليس من المشروع أن يصلي الإنسان صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة بل هي بدعة منكرة؛ لأن الله تعالى لم يوجب على المرء في الوقت الواحد سوى صلاة واحدة وهي الجمعة وقد أتى بها؛ وأما تعليل من علل ذلك بأن تعدد الجمع لا يجوز، وأته إذا تعددت فالجمعة لأسبق المساجد، وهنا الأسبق مجهول فيؤدي حينئذ إلى بطلان الجمع كلها وإقامة الظهر بعدها. فنقول لهؤلاء من أين لكم هذا الدليل أو هذا التعليل وهل بني على أساس من السنة أو على صحيح من النظر؟ الجواب: لا، بل نقول إن الجمعة إذا تعددت لحاجة فكل الجمع صحيح لقول الله

تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) ، وأهل هذا البلد إذا تباعدت جهات البلد أو ضاقت المساجد وتعددت الجمع بحسب الحاجة هم قد اتقوا الله ما استطاعوا، ومن اتق الله ما استطاع فقد أتى بما وجب عليه فيكف يُقال إن عمله فاسد، وإنه يجب أن يأتي ببدله وهي صلاة الظهر بدلاً عن الجمعة. وأما إذا أقيمت الجمع في أمكنة متعددة بدون حاجة فلا شك أن هذا خلاف السنة، وخلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، وهو حرام عند أكثر أهل العلم، ولكن مع هذا لا نقول إن العبادة لا تصح؛ لأن المسؤولية هنا ليست على العامة وإنما المسؤولية على ولاة الأمور الذين أذنوا بتعدد الجمعة بدون حاجة فمن ثمّ نقول: يجب على ولاة الأمور القائمين بشئون المساجد أن لا يأذنوا في تعدد الجمع إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وهذا لأن للشارع نظراً كبيراً في اجتماع الناس على العبادات لتحصل الألفة والمودة وتعليم الجاهل، وغير ذلك من المصالح الكبيرة الكثيرة. والاجتماعات المشروعة: إما أسبوعية، أو حولية، أو يومية كما هو معروف، فالاجتماعات اليومية تكون في الأحياء في مساجد كل حي، لأن الشارع لو أوجب على الناس أن يجتمعوا كل يوم خمس مرات في مكان واحد لكان في ذلك مشقة عليهم، فلهذا خفف عنهم وجعلت اجتماعاتهم في مساجدهم كل حي في مسجده. أما الاجتماع الأسبوعي فهو يوم الجمعة، فإن الناس يجتمعون كل أسبوع، ولهذا كانت السنة تقتضي أن يكونوا في مسجد واحد لا يتعدد، لأن هذا الاجتماع الأسبوعي لا يضرهم إذا قاموا

س320: جاء وقت صلاة الجمعة علينا ونحن في البحر نشتغل، وبعد ميعاد الأذان للظهر بنصف ساعة خرجنا منه هل يصح لنا الأذان وصلاة الجمعة؟

به، ولا يشق عليهم، وفيه مصلحة كبيرة، يجتمع الناس على إمام واحد وعلى خطيب واحد يوجههم توجيهاً واحداً فينصرفوا وهم على عِظة واحدة، وصلاة واحدة. وأما الاجتماع الحولي فمثل صلاة الأعياد فإنها اجتماع حولي وهي أيضاً لجميع البلد، ولهذا لا يجوز أن تعدد مساجد الأعياد إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك كمساجد الجمعة. * * * س320: جاء وقت صلاة الجمعة علينا ونحن في البحر نشتغل، وبعد ميعاد الأذان للظهر بنصف ساعة خرجنا منه هل يصح لنا الأذان وصلاة الجمعة؟ الجواب: صلاة الجمعة لا تصح إلا في المساجد في المدن أو القرى، ولا تصح من جماعة يشتغلون في البر أو بحر؛ لأنه لم يكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقُيم صلاة الجمعة إلا في المدن والقرى، فقد كان عليه الصلاة والسلام يُسافر الأيام العديدة ولم يكن يقيم صلاة الجمعة، وأنتم الآن في البحر غير مستقرين، ولكنكم تنتقلون يمنياً وشمالاً وترجعون إلى الأوطان وإلى البلدان فالذي يجب عليكم إنما هو صلاة الظهر دون صلاة الجمعة، ولكم قصر الصلاة الرباعية إذا كنتم مسافرين. * * * س 321: ماذا يفعل المأموم يوم الجمعة إذا جاء إلى الصلاة والإمام في التشهد الأخير، هل يقضي أربعاً أم يصلي اثنتين؟

س322: هل التأمين عند دعاء الإمام بعد الخطبة في صلاة الجمعة من البدع؟

الجواب: إذا جاء الإنسان والإمام في التشهد الأخير يوم الجمعة فقد فاتته الجمعة، فيدخل مع الإمام ويصلى ظهراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) (¬1) فإن مفهوم هذا أن من أدرك أقل من ذلك لم يكن مدركاً للصلاة، وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك)) (¬2) أي فقد أدرك صلاة الجمعة إذا قام وأتي بالركعة الثانية. * * * س322: هل التأمين عند دعاء الإمام بعد الخطبة في صلاة الجمعة من البدع؟ الجواب: ليس هذا من البدع، التأمين على دعاء الخطيب في الخطبة إذا أخذ يدعو للمسلمين فإنه يستحب التأمين على دعائه، لكن لا يكون بصوت جماعي وصوت مرتفع، وإنما كل واحد يؤمِّن بمفرده، وبصوت منخفض، حيث لا يكون هناك تشويش، أو أصوات مرتفعة، وإنما كل يؤمِّن على دعاء الخطيب سرّاً ومنفرداً عن الآخرين. * * * س323: ما حكم رفع الأيدي والإمام يخطب الجمعة؟ ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص 292. (¬2) النسائى، كتاب الجمعة، باب من أدرك ركعة من صلاة الجمعة 3/92، ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في من أدرك من الجمعة ركعة 1/356.

س324: ما حكم الخطبة بغير اللغة العربية؟

الجواب: رفع الأيدي والإمام يخطب يوم الجمعة ليس بمشروع أيضاً، وقد أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين رفع يديه في خطبة الجمعة، لكن يستثنى من ذلك الدعاء بالاستسقاء فإنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه رفع يديه يدعو الله تعالى بالغيث وهو في خطبة الجمعة، ورفع الناس أيديهم معه، وما عدا ذلك فإنه لا ينبغي رفع اليدين في حال الدعاء في خطبة الجمعة. * * * س324: ما حكم الخطبة بغير اللغة العربية؟ الجواب: الصحيح في هذه المسألة أنه لا يجوز لخطيب الجمعة أن يخطب باللسان الذي لا يفهم الحاضرون غيره، فإذا كان هؤلاء القوم مثلاً ليسوا بعرب ولا يعرفون اللغة العربية فإنه يخطب بلسانهم، لأن هذا هو وسيلة البيان لهم، والمقصود من الخطبة هو بيان حدود الله سبحانه وتعالى للعباد، ووعظهم وإرشادهم، إلا أن الآيات القرآنية يجب أن تكون باللغة العربية، ثم تفسر بلغة القوم ويدل على أنه يخطب بلسان القوم ولغتم قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم) (ابراهيم: الآية4) فبين الله تعالى أن وسيلة البيان إنما تكون باللسان الذي يفهمه المخاطبون. * * * س325: غسل الجمعة والتجمل لها هل هو عام للرجال والنساء؟ وما حكم الاغتسال قبلها بيوم أو يومين؟ الجواب: هذه الأحكام خاصة بالرجل لكونه هو الذي يحضر

س326: إذا دخل الإنسان المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني فهل يصلى تحية المسجد أو يتابع المؤذن؟

الجمعة، وهو الذي يُطلب منه التجمُّل عند الخروج، أما النساء فلا يُشرع في حقهن ذلك، ولكن كل إنسان ينبغي له إذا وجد في بدنه وسخاً أن ينظفه، فإن ذلك من الأمور المحمودة التي ينبغي للإنسان أن لا يدعها. أما الاغتسال للجمعة قبلها بيوم أو يومين فلا ينفع، لأن الأحاديث الواردة في ذلك تخصه بيوم الجمعة، وهو ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الجمعة، هذا هو محل الاغتسال الذي ينبغي أن يكون، وأما قبلها بيوم أو يومين فلا ينفع ولا يجزئ عن غسل الجمعة. والله ولي التوفيق. * * * س326: إذا دخل الإنسان المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني فهل يصلى تحية المسجد أو يتابع المؤذن؟ الجواب: ذكر أهل العلم أن الرجل إذا دخل المسجد يوم الجمعة وهو يسمع الأذان الثاني ليتفرغ لاستماع الخطبة، لأن استماعها واجب، وإجابة المؤذن سنة، والسنة لا تزاحم الواجب. * * * س327: ما رأي فضيلتكم فيمن يتخطَّ الصوف يوم الجمعة؟ الجواب: يجب إجلاس المارين بين الصفوف أثناء خطبة الجمعة بدون كلام، ولكن يجر ثوبه أو يشير، والأولى أن يتولى ذلك الخطيب نفسه كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل حيث رأي رجلاً يتخطى

س 328: ما حكم السلام والإمام يخطب؟ وما حكم الرد أيضا؟

رقاب الناس وهو يخطب يوم الجمعة فقال له: ((اجلس فقد آذيت الناس)) (¬1) * * * س 328: ما حكم السلام والإمام يخطب؟ وما حكم الرد أيضاً؟ الجواب: الإنسان إذا جاء والإمام يخطب فإنه يصلي ركعتين خفيفتين ويجلس ولا يسلم على أحد، فالسلام على الناس في هذه الحال محرَّم لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول)) : إذا قلت لصاحبك انصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) (¬2) . وكذلك قال: ((من مسّ الحصى فقد لغى)) (¬3) . واللاغي معناه الذي أتى شياً من اللغو وربما يكون هذا اللغو الذي حصل منه مفوتاً لثواب الجمعة، ولهذا جاء في الحديث: ((ومن لغى فلا جمعة له)) (¬4) . وإذا سلم عليك أحداً فلا ترد عليه السلام باللفظ لا تقل وعليك السلام حتى لو قاله باللفظ، فلا تقل وعليك السلام، أما مصافحته فلا بأس بها، وإن كان الأولى أيضاً عدم المصافحة، مع أن بعض أهل العلم قال: إن له رد السلام ولكن الصحيح إنه ليس له أن يرد السلام؛ لأن واجب الاستماع مقدم على واجب الرد، ثم إن المسلم في هذه الحال ليس له حق أن يسلم؛ لأن ذلك يشغل الناس عما يجب استماعهم إليه ¬

(¬1) ابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في النهي عن تخطي الناس يوم الجمعة، الإمام أحمد 4/188. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الجمعة/ باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب (934) ، ومسلم: كتاب الجمعة / باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة (851) (¬3) أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة/ باب فضل الجمعة (105) ، والترمذي: أبواب الصلاة/ باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة (498) . (¬4) أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة / باب فضل الجمعة (1051) .

س 329: ما حكم التهنئة يوم العيد؟ وهل هناك صيغة معينة لها؟

فالصواب أنه لا رد ولا ابتداء للسلام والإمام يخطب. * * * س 329: ما حكم التهنئة يوم العيد؟ وهل هناك صيغة معينة لها؟ الجواب: التهنئة بالعيد جائزة، وليس لها صيغة معينة، بل ما اعتاده الناس فهو جائز، ما لم يكن إثماً. * * * س 330: ما حكم صلاة العيد؟ الجواب: الذي أرى أن صلاة العيد فرض عين، وأنه لا يجوز للرجال أن يدعوها بل عليهم حضورها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، بل أمر النساء العواتق ذوات الخدور أن يخرجن إلى صلاة العيد، بل أمر الحيَّض أن يخرجن إلى صلاة العيد، ولكن يعتزلن المصلى، وهذا يدل على تأكدها، وهذا القول الذي قلت إنه الراجح هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -. ولكنها كصلاة الجمعة إذا فاتت لا تقضى لعدم الدليل على وجوب قضائها، ولا يصلى بدلها شيء؛ لأن صلاة الجمعة إذا فاتت يجب أن يصلى الإنسان بدلها ظهراً؛ لأن الوقت وقت ظهر، أما صلاة العيد فإذا فاتت فإنها لا تُقضى. ونصيحتي لإخواني المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يقوموا بهذه الصلاة التي تشتمل على الخير والدعاء، ورؤية الناس بعضهم بعضاً، وائتلافهم وتحابهم، ولو أن الناس دعوا إلى اجتماع على لهو لرأيت من يصلون إليه مسرعين فكيف وقد دعاهم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى هذه الصلاة التي ينالون بها من ثواب الله

س 331: ما حكم تعدد صلاة العيد في البلد؟ أفتونا مأجورين.

سبحانه وتعالى ما يستحقونه بوعده، لكن يجب على النساء إذا خرجن إلى هذه الصلاة أن يبعدن عن محل الرجال، وأن يكنّ في طرف المسجد البعيد عن الرجال، وألا يخرجن متجملات ومتطيبات، أو متبرجات، ولهذا لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام النساء بالخروج إليها سألنه قلن: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: ((لتلبسها أختها من جلبابها)) (¬1) . والجلباب الملاءة أو ما يشبه العباءة، وهذا يدل على أنه لابد أن تخرج المرأة متجلببة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا سئل عن المرأة لا يكون لها جلباب لم يقل لتخرج بما تستطيع بل قال: ((لتلبسها أختها من جلبابها)) ، وينبغي للإمام - أعني إمام صلاة العيد - إذا خطب الرجال أن يخض النساء بخطبة إذا كنَّ لا يسمعن خطبة الرجال، أما إذا كنَّ يسمعن خطبة الرجال فإنها كافية، ولكن مع الأولى أن يذيل الخطبة بأحكام خاصة بالنساء يعطهن ويذكرهن، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب الرجال في صلاة العيد تحول إلى النساء فوعظهن وذكرهن. * * * س 331: ما حكم تعدد صلاة العيد في البلد؟ أفتونا مأجورين. الجواب: إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، كما إذا دعت الحاجة إلى الجمعة، لأن الله تعالى يقول: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: الآية78) . وإذا لم نقل بالتعدد لزم من هذا حرمان بعض الناس من صلاة الجمعة، وصلاة العيد. ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الحيض/ باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين (324) ، ومسلم: كتاب صلاة العيدين/ باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين (890)

س332: ما كيفية صلاة العيدين؟

ومثال الحاجة لصلاة العيد أن تتسع البلد، ويكون مجيء الناس من الطرف إلى الطرف الثاني شاقاً. أما إذا لم يكن حاجة للتعدد فإنها لا تقام إلا في موضع واحد. * * * س332: ما كيفية صلاة العيدين؟ الجواب: كيفية صلاة العيدين أن يحضر الإمام ويؤم الناس بركعتين يكبر في الأولى تكبيرة الإحرام، ثم يكبر بعدها ست تكبيرات، ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ سورة ((ق)) في الركعة الأولى"، وفي الركعة الثانية إذا قام سيقوم مكبراً فإذا انتهى في القيام يكبر خمس تكبيرات، ويقرأ سورة الفاتحة ثم سورة ((اقتربت الساعة وانشق القمر)) فهاتان السورتان كان النبي صلى الله عيه وسلم يقرأ بهما في العيدين (¬1) ، وإن شاء قرأ في الأولى بسبح وفي الثانية ب ((هل أتاك حديث الغاشية) (¬2) . واعلم أن الجمعة والعيدين يشتركان في سورتين ويفترقان في سورتين فالسورتان اللتان يشتركان فيها هما: سبح والغاشية، والسورتان اللتان يفترقان فيها هما في العيدين ((ق)) و ((اقتربت)) وفي الجمعة ((الجمعة)) و ((المنافقون)) وينبغي للإمام إحياء السنة بقراءة هذه السور حتى يعرفها المسلمون ولا يستنكروها إذا وقعت، وبعد هذا يخطب الخطبة، وينبغي أن يخص شيئاً من الخطبة يوجهه إلى النساء يأمرهن بما ينبغي أن يقمن به، وينهاهن عن ما ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب العيدين، باب ما يقرأ به في صلاة العيدين (607) . (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة (598) .

س333: يقوم الإمام في بعض المدن في يوم العيد قبل الصلاة بالتكبير من خلال المكبر ويكبر المصلون معه، فما الحكم في هذا العمل؟

ينبغي أن يتجنبه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. * * * س333: يقوم الإمام في بعض المدن في يوم العيد قبل الصلاة بالتكبير من خلال المكبر ويكبر المصلون معه، فما الحكم في هذا العمل؟ الجواب: هذه الصفة التي ذكرها السائل لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والسنة أن يكبر كل إنسان وحده. * * * س334: متى يبتدئ التكبير للعيد؟ وما صفته؟ الجواب: التكبير يوم العيد يبتدئ من غروب الشمس آخر يوم من رمضان إلى أن يحضر الإمام لصلاة العيد. وصفته أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أو يقول: الله أكبر، ولله الحمد، يعني إما أن يقول التكبير ثلاث مرات، أو مرتين كل ذلك جائز، ولكن ينبغي أن تظهر هذه الشعيرة فيجهر بها الرجال في الأسواق والمساجد والبيوت، أما النساء فإن الأفضل في حقهن الإسرار. * * * س335: ما حكم صلاة الكسوف؟ الجواب: صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة عند جمهور أهل العلم، وليست بواجبة، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بها

س336: من فاتته ركعة من صلاة الخسوف فكيف يقضيها؟

وأنه فزع لها، وأنه صلى صلاة عظيمة خارجة عن نظائرها. وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها إما على الأعيان، أو على الكفاية، واستدلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والأصل في الأمر الوجوب، وبأنه احتف بهذا الأمر من القرائن ما يدل على أهميتها، ولأنها إنذار من الله عز وجل لعقوبة انعقدت أسبابها، فكان واجباً على العباد أن يضرعوا إلى الله عز وجل بسبب هذه العقوبة التي انعقد سببها وأنذر الله بها. ولا شك أن هذا القول قوي في دليله الأثري والنظري، وأقل أحوالها أن تكون فرض كفاية، هذا ما نراه فيها، أما الجمهور؛ فليس لهم دليل صارف عن الوجوب إلا قول النبي عليه الصلاة والسلام للرجل حين قال: هل علّي غيرها- إي: الصلوات الخمس-؟ قال: ((لا. إلا أن تطوع)) (¬1) . وهذا لا ينفي وجوب غير هذه الصلوات الخمس إذا وُجد سبب يوجبه، ويكون المراد من النفي في قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا)) ؛ إي من الصلوات الراتبة التي تتكرر في اليوم والليلة، وأما الصلوات المعلقة بسبب؛ فهذا الحديث لا ينفي وجوبها. والخلاصة أن الذي نرى وجوب صلاة الكسوف؛ إما على الأعيان، أو على الكفاية. * * * س336: من فاتته ركعة من صلاة الخسوف فكيف يقضيها؟ ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان/باب الزكاة من الإسلام (46) ، ومسلم: كتاب الإيمان/ باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (11) .

س337: تحويل الرداء أثناء الدعاء بعد صلاة الاستسقاء، هل يكون عند القيام للدعاء أم يكون في البيت قبل الخروج؟ وما الحكمة من قلبه؟ أفيدونا بارك الله فيكم.

الجواب: من فاتته ركعة في صلاة الخسوف فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) (¬1) . فهذا الذي فاتته ركعة من الخسوف يتمها على حسب ما صلاها الإمام، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((فأتموا)) . وهذا السؤال يتفرع عليه سؤال أكثر إشكالاً عند كثير من الناس وهو فيمن فاته الركوع الأول في الركعة؟ فمن فاته الركوع الأول من الركعة فقد فاتته الركعة، وبعدما يسلم الإمام يقضي الركعة التي فاته ركوعها الأول كلها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (وما فاتكم فأتموا)) . س337: تحويل الرداء أثناء الدعاء بعد صلاة الاستسقاء، هل يكون عند القيام للدعاء أم يكون في البيت قبل الخروج؟ وما الحكمة من قلبه؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: قلب الرداء في الدعاء أثناء الاستسقاء يكون حال الخطبة، كما ذكر ذلك أهل العلم، والحكمة منه تحصيل ثلاث فوائد: الأولى: الاقتداء بالني صلى الله عليه وسلم. الثانية: التفاؤل على الله عز وجل بأن يتحول القحط إلى حصب ورخاء. الثالثة: أنه إشارة من المرء أن يقلب حاله من الانصراف عن ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الأذان/ باب لا يسعى إلى الصلاة ... (636) ، ومسلم: كتاب المساجد/ باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة (602) .

س 338: بعض الناس يقول: لو لم تستغيثوا لنزل المطر، فما قولكم في ذلك؟

الله عز وجل، والوقوع في معصيته، إلى الإقبال على الله عز وجل والتزام طاعته، لأن التقوى لباس معنوي، والرداء وشبهه لباس حسي، فكأنه بقلبه اللباس الحسي يلتزم بقلب الرداء المعنوي وهذه مناسبة جيدة. * * * س 338: بعض الناس يقول: لو لم تستغيثوا لنزل المطر، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: قولي إني أخشى على قائله من خطر عظيم، فإن الله - عز وجل - يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر: الآية60) والله سبحانه وتعالى حكيم وقد يؤخر فضله ليعلم الناس شدة إفتقارهم إليه، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، ويجعل سبب نزول المطر هو دعاء الناس، وإذا دعا الناس ولم يُمطروا فلله تعالى في ذلك حكمة، فهو سبحانه وتعالى أعلم، وأحكم، وأرحم بعباده منهم بأنفسهم، فكثيراً ما يدعو الإنسان بشيء ولا يحصل، ثم يدعو ولا يحصل، ثم يدعو ولا يحصل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي)) (¬1) . وحينئذ يستحسر ويدع الدعاء - والعياذ بالله - مع أن الإنسان لا يدعو الله بكلمة إلا أثيب عليها، لأن الدعاء عبادة، فالإنسان الداعي على كل حال رابح، بل جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من دعا يحصل له إحدى ثلاث خصال، إما أن يستجاب له، وإما ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الدعوات / باب يستجاب للعبد ما لم يعدل (6340) ، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء/ باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل ... (2735) .

س339: ما رأيكم فيمن يوصي إذا مات أن يدفن في المكان الفلاني، هل تنفذ هذه الوصية؟

أن يصرف عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن تدخر له يوم القيامة (¬1) وإني أوجه نصيحتي إلى الأخ القائل لتك العبارة أن يتوب إلى الله - عز وجل- فإن هذا ذنب عظيم مضاد لأمر الله تعالى بالدعاء وحادة الله. * * * س339: ما رأيكم فيمن يوصي إذا مات أن يدفن في المكان الفلاني، هل تنفذ هذه الوصية؟ الجواب: أولاً: لابد أن يسأل لماذا اختار هذا المكان؟ فلعله اختاره إلى جنب ضريح مكذوب، أو إلى جنب ضريح يُشرك به مع الله، أو لغير ذلك من الأسباب المحرمة، فهذا لا يجوز تنفيذ وصيته، ويدفن مع المسلمين إن كان مسلماً. أما إذا كان أوصى لغير هذا الغرض، بل أوصى أن ينقل إلى بلده الذي عاش فيه فهذا لا حرج أن تنفذ وصيته إذا لم يكن في ذلك إتلاف للمال، فإذا كان في ذلك إتلاف للمال بحيث لا ينقل إلا بدراهم كثيرة فإنها لا تنفذ وصيته حينئذ وأرض الله - تعالى - واحدة، ما دامت الأرض أرض مسلمين. * * * س340 متى وقت التلقين؟ الجواب: التلقين عند الموت وعند الاحتضار، يلقن المحتضر لا إله إلا الله، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام عند موت عمه ¬

(¬1) أخرجه الترمذي: كتاب الدعوات/ باب في انتظار الفرج وغير ذلك (3573) .

س341: ما رأيكم فيمن يؤخر الميت عن دفنه لأجل وصول بعض الأقارب من أماكن بعيدة؟

أبي طالب حيث حضره فقال: ((يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)) ، ولكن عمه أبا طالب - والعياذ بالله - لم يقل هذا ومات على الشرك (¬1) وأما التلقين بعد الدفن فإنه بدعة لعدم ثبوت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولكن الذي ينبغي أن يفعل ما رواه أبو داود حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: ((استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل)) (¬2) ، وأما القراءة عند القبر أو تلقينه في القبر فهذا بدعة لا أصل له. س341: ما رأيكم فيمن يؤخر الميت عن دفنه لأجل وصول بعض الأقارب من أماكن بعيدة؟ الجواب: المشروع في الميت المبادرة والإسراع في تجهيزه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تلك صالحة فخيرٌ تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)) (¬3) . ولا ينبغي أن يؤخر الميت من أجل حضور بعض أهله، اللهم إلا ساعات يسيرة، وإلا فالمبادرة في تجهيزه أولى، وإذا جاء الأهل فإنه يمكنهم أن يصلوا على قبره كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى على قبر المرأة التي ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله 1360، ومسلم، كتاب الإيمان باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت 24. (¬2) أبو داود، كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف 3221. (¬3) البخاري، كتاب الجنائز، باب السرعة في الجنازة 1315، ومسلم في الجنائز باب السرعة في الجنازة 944.

س342: الإخبار بوفاة شخص ما لأقربائه وأصدقائه ليجتمعوا للصلاة عليه، هل يدخل ذلك في النعي الممنوع أم أن ذلك مباح؟

كانت تقم المسجد، فدفنوها ولم يخبروه فقال: ((دلوني على قبرها)) فدلوه فصلى عليها (¬1) * * * س342: الإخبار بوفاة شخص ما لأقربائه وأصدقائه ليجتمعوا للصلاة عليه، هل يدخل ذلك في النعي الممنوع أم أن ذلك مباح؟ الجواب: هذا من النعي المباح، ولهذا نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه (¬2) ، وقال في المرأة التي كانت تقم المسجد، فدفنها الصحابة - رضي الله عنهم - ولم يخبروا النبي عليه الصلاة والسلام بذلك فقال: "هلا كنتم آذنتموني.." فالإخبار بموت الشخص من أجل أن يكثر المصلون عليه لا بأس به، لأن ذلك مما وردت في مثله السنة، وكذلك إخبار أهله وذويه ممن يهمهم أن يجتمعوا للصلاة عليه ليس فيه حرج. * * * س343: ما هي الصفة الصحيحة التي وردت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في غسل الميت؟ الجواب: الصفة المشروعة في غسل الميت هو أن الإنسان يغسل فرج الميت، ثم يشرع في تغسيله، فيبدأ بأعضاء الوضوء ويوضئه إلا أنه لا يدخل الماء فمه ولا أنفه، وإنما يبل خرقة وينظف ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر بعدما يدفن (1337) ، ومسلم في الجنائز باب الصلاة على القبر 956. (¬2) البخاري، كتاب الجائز، باب الرجل ينعى إلى أهل الميت (1245) ، ومسلم في الجنائز باب التكبير على الجنازة 951.

س344: أحيانا في حوادث السيارات والحرائق والهدم تتلف أو تفقد أجزاء الإنسان وأحيانا لا يوجد إلا قطع يسيرة اليد والرأس هل يشرع الصلاة على هذه الأجزاء؟ وهل تغسل؟

أنفه وفمه بها، ثم يغسل بقية الجسد ويكون ذلك بسدر (والسدر هو المعروف) ، يدق ثم يوضع بالماء ثم يضرب باليد حتى يكون له رغوة، فتؤخذ الرغوة ويغسل لها الرأس واللحية، ويغسل بقية البدن بفضل السدر؛ لأن ذلك ينظفه كثيراً، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً، (والكافور طيب معروف) ، قال العلماء من فوائده أنه يصلب الجسد ويطرد عنه الهوام. وإذا كان الميت كثير الوسخ، فإنه يزيد في غسله لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: ((أغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك)) (¬1) . ثم بعد هذا ينشفه ويضعه في كفنه. * * * س344: أحياناً في حوادث السيارات والحرائق والهدم تتلف أو تفقد أجزاء الإنسان وأحياناً لا يوجد إلا قطع يسيرة اليد والرأس هل يشرع الصلاة على هذه الأجزاء؟ وهل تغسل؟ الجواب: الأجزاء اليسيرة مثل اليد والرجل إذا وجدت وقد صُلَّي على صاحبها من قبل فإنه لا يصلى عليها، مثل لو أننا صلينا على شخص ودفناه ولكنه بلا رجل، ثم بعد ذلك عثرنا على رجله فإنها تدفن ولا يصلى عليها؛ لأنه قد صُلَّي على الميت. أما إذا كان لم يوجد جملة الميت، وإنما وجد عضوٌ من أعضائه كرأسه، أو رجله، أو يده، وبقية جسمه لم يوجد، فإنه يصلى على هذا الموجود بعد أن يغسل ويكفن ثم بعد ذلك يدفن. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب غسل الميت (1253) .

س345: امرأة أسقطت في حملها وكان عمر هذا السقط ستة أشهر، وكانت تقوم بأعمال شاقة ومتعبة ومع ذلك كانت تصوم شهر رمضان، وهي تخشى أن يكون موت هذا السقط في بطنها قبل وضعه سببه تلك الأعمال، ومع ذلك دفن ولم يصل عليه، فما حكم ترك الصلاة عليه؟ وماذا على المرأة أن تفعل لكي تدفع هذه الشكوك التي تساورها من موت السقط؟ أفيدونا أفادكم الله.

س345: امرأة أسقطت في حملها وكان عمر هذا السقط ستة أشهر، وكانت تقوم بأعمال شاقة ومتعبة ومع ذلك كانت تصوم شهر رمضان، وهي تخشى أن يكون موت هذا السقط في بطنها قبل وضعه سببه تلك الأعمال، ومع ذلك دُفن ولم يُصلَّ عليه، فما حكم ترك الصلاة عليه؟ وماذا على المرأة أن تفعل لكي تدفع هذه الشكوك التي تساورها من موت السقط؟ أفيدونا أفادكم الله. الجواب: السقط إذا بلغ أربعة أشهر فإنه يجب أن يغسل، ويكفن، ويُصلىَّ عليه، لأنه إذا بلغ الأربعة نفخت فيه الروح، كما يدل على ذلك حديث عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكن مضغة مثل ذلك، ثم يُبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح)) (¬1) إلخ الحديث. فهذه مائة وعشرون يوماً: أي أربعة أشهر، فإذا سقط فإنه يغسل، ويكفن، ويُصلَّى عليه، وسوف يحشر يم القيامة مع الناس. أما إذا كان دون الأربعة أشهر فإنه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يُصلى عليه، ويدفن في أي مكان؛ لأنه قطعة من لحكم وليس بإنسان. وهذا السقط المذكور في السؤال قد بلغ ستة أشهر فالواجب أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، بناء على ما ذكر في السؤال من أنهم ¬

(¬1) أخرجه البخاري رقم (3208) في بدء الخلق، ومسلم رقم (2643) كتاب القدر.

س346: ما صفة صلاة الجنازة؟

لم يصلوا عليه فإن عليهم أن يصلوا الآن على قبره إن كانوا يعرفونه، وإلا صلوا عليه صلاة الغائب، وتكفي صلاة واحد فقط عليه. وأما بالنسبة لشكوك أمه وأنه سقط بسببها فإن هذه الشكوك لا أثر لها، ولا ينبغي أن تطرأ لها على بال. وكثيراً ما تموت الأجنة في بطون أمهاتهم، وليس عليها في ذلك شيء، فلتنته عن هذه الشكوك والوساوس التي تكدر عليها حياتها. والله أعلم. * * * س346: ما صفة صلاة الجنازة؟ الجواب: صفتها بالنسبة للرجل أن يوضع أمام الإمام، ويقف الإمام عند رأسه سواء كان كبيراً أو صغيراً، يقف عند رأسه ويكبر التكبيرة الأولى، ثم يقرأ الفاتحة، وإن قرأ معها سورة قصيرة فلا بأس، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه من السنة، ثم يكبر الثانية فيصلى على النبي عليه الصلاة والسلام ((اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، الله بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)) . ثم يكبر الثالثة فيدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنه: الله اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأُنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسِّع مُدخله، وأغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده،

واغفر لنا وله، وغير ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر الرابعة، قال بعض أهل العلم: ويقول بعدها: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وإن كبرَّ خامسة فلا بأس، لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه ينبغي أن يُفعل ذلك أحياناً أي أن يكبر خمساً لثبوت ذلك عنه عليه الصلاة والسلام (¬1) ، وما ثبت عنه فإنه ينبغي للمرء أن يفعله على الوجه الذي ورد، فيفعل هذا مرة، وهذا مرة، وإن كان الأكثر أن التكبير أربع، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، أما إذا كانت أُنثى فإنه يقف عند وسطها، وصفة الصلاة عليها كصفة الصلاة على الرجل. وإذا اجتمع عدة جنائز فإنه ينبغي أن يكونوا مرتبين، فيكون الذي يلي الإمام الرجال البالغون، ثم الأطفال الذكور ثم النساء البالغات، ثم الجواري الصغار، هكذا بالترتيب، وإما رؤوسهم فيجعل رأس الذكر عند وسط المرأة ليكون وقوف الإمام في المكان المشروع. وهنا ملاحظة انه يوجد كثير من العامة يظنون أن الأفضل أن يقف الناس الذين يقدمون الجنازة مع الإمام، بل إن بعضهم يظن أنه لابد أن يقف واحد أو أكثر مع الإمام بدل أن يكون وحده، وإذا كان المقدمون للجنازة ليس لهم مكان في الصف الأول فإنهم يصفون بين الإمام وبين الصف الأول. * * * ¬

(¬1) من حديث زيد بن أرقم رضى الله عنه أنه كبر على جنازة خمساً وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها. مسلم: كتاب الجنائز/ باب الصلاة على القبر 2/659.

س347: ما حكم الصلاة على الميت إذا كان تاركا للصلاة أو يشك في تركه لها أو تجهل حاله؟ وهل يجوز لولي أمره تقديمه للصلاة عليه؟

س347: ما حكم الصلاة على الميت إذا كان تاركاً للصلاة أو يشك في تركه لها أو تجهل حاله؟ وهل يجوز لولي أمره تقديمه للصلاة عليه؟ الجواب: أما من علم أنه مات وهو لا يصلي فإنه لا يجوز أن يصَّلى عليه، ولا يحل لأهله أن يقدموه إلى المسلمين ليصلوا عليه، لأنه كافر مرتد عن الإسلام، والواجب أن يُحفر له حفرة في غير المقبرة ويرمى فيها ولا يُصلَّى عليه، لأنه لا كرامة له فإنه يُحشر يوم القيامة مع فرعون، وهامان وقارون، وأبّي بن خلف. أما مجهول الحال من المسلمين، أو المشكوك فيه فيصلى عليه؛ لأن الأصل أنه مسلم حتى يتبيَّن لنا أنه ليس بمسلم، ولكن لا بأس إذا كان الإنسان شاكّاً في هذا الميت أن يستثني عند الدعاء فيقول: اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه، لأن الاستثناء في الدعاء قد ورد في الذين يرمون أزواجهم ثم لم يأتوا بأربعة شهداء أن الرجل إذا لاعن زوجته قال في الخامسة ((وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين)) وتقول هي في الخامسة: ((وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين)) . * * * س348: هل لصلاة الجنازة وقت محدد؟ وهل يجوز الدفن ليلاً؟ وهل لها عدد معين؟ وهل يجوز أن تصلى في المقابر وعلى القبور؟ الجواب: الصلاة على الجنازة ليس لها وقت محدد، وذلك لأن الموت ليس له وقت محدد، فمتى مات الإنسان فإنه يغسل ويكفن

س349: هل تشرع الصلاة على الغائب مطلقا أم لها شروط معينة؟

ويصلى عليه في أي وقت من ليلٍ أو نهار، ويدفن في أي وقت من ليل أو نهار، إلا في ثلاثة أوقات فإنه لا يجوز الدفن فيها وهي: من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول - يعنى قبل الزوال بنحو عشر دقائق - وحين تضيف للغروب حتى تغرب، وتضيفها للغروب أن يكون بينها وبين الغروب مقدار رمح، فهذه الثلاثة الأوقات لا يحل فيها الدفن. والنهي عن الدفن في هذه الأوقات للتحريم، لحديث عقبة بن عامر أنه قال: ((ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا)) (¬1) . وليس لصلاة الجنازة عدد معين بل لو صلى عليها واحد فقط أجزأ ذلك. ويجوز أن تصلى في المقبرة، ولذلك استثنى أهل العلم صلاة الجنازة من النهي عن الصلاة في المقبرة، وقالوا: إنه يجوز أن تصلى صلاة الجنازة في المقابر، كما تجوز الصلاة على القبر، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى على قبر المرأة التي كانت تقم المسجد فماتت ليلاً فدفنها الصحابة، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((دلوني على قبرها)) فدلوه فصلى عليه (¬2) * * * س349: هل تُشرع الصلاة على الغائب مطلقاً أم لها شروط معينة؟ ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها 1/568. (¬2) تقدم تخريجه

س350: في بعض البلاد يدفنون الميت على ظهره ويده على بطنه فما الصواب في دفن الميت؟

الجواب: القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الصلاة على الغائب غير مشروعة إلا لمن لم يصلّ عليه، كما لو مات شخص في بلد كفر ولم يُصلّ عليه أحد، أو غرق في بحر أو نهر أو واد ولم يُعثر على جثته، فإنه يجب الصلاة عليه، وأما من صُلِّي عليه فالصحيح أن الصلاة عليه غير مشروعة، لأن ذلك لم يرد في السنة إلا في قصة النجاشي، والنجاشي لم يُصلَّ عليه في بلده، فلذلك صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة (¬1) ، وقد مات الكبراء والزعماء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُنقل أنه صلى عليهم، وقال بعض أهل العلم: من كان فيه منفعة في الدين بماله، أو عمله، أو علمه فإنه يُصلّى عليه صلاة الغائب، ومن لم يكن كذلك فلا يُصلى عليه. وقال بعض أهل العلم: يُصلَّى على الغائب مطلقاً، وهذا أضعف الأقوال. * * * س350: في بعض البلاد يدفنون الميت على ظهره ويده على بطنه فما الصواب في دفن الميت؟ فأجاب فضيلته بقوله: الصواب أن الميت يُدفن على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن الكعبة قبلة الناس أحياءًا وأمواتاً، وكما أن النائم ينام على جنبه الأيمن كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فكذلك الميت يضجع على جنبه الأيمن فإن النوم والموت يشتركان في كون كل منهما وفاة، كما قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ¬

(¬1) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب موت النجاشي 5/65. مسلم، كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة 2/656.

س351: ما حكم قراءة القرآن على القبور والدعاء للميت عند قبره، ودعاء الإنسان لنفسه عند القبر؟

الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) . فالمشروع في دفن الميت أن يضجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة. ولعل ما شاهده السائل كان نتيجة عن جهل من يتولى ذلك، وإلا فما علمت أحداً من أهل العلم يقول: إن الميت يضجع على ظهره، وتجعل يداه على بطنه. * * * س351: ما حكم قراءة القرآن على القبور والدعاء للميت عند قبره، ودعاء الإنسان لنفسه عند القبر؟ الجواب: قراءة القرآن على القبور بدعة ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وإذا كانت لم ترد عن النبي صلي الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه فإنه لا ينبغي لنا نحن أن نبتدعها من عند أنفسنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يصح عنه: ((كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)) (¬1) . والواجب على المسلمين أن يقتدوا بمن سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حتى يكونوا على الخير والهدى لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)) (¬2) . وأما الدعاء للميت عند قبره فلا بأس به فيقف الإنسان عند ¬

(¬1) تقدم تخريجه (¬2) تقدم تخريجه

س 352: ما حكم زيارة المقابر؟ وقراءة الفاتحة؟ وزيارة النساء للمقابر؟

القبر ويدعو له بما يتيسر مثل أن يقول: اللهم اغفر له، الله ارحمه، اللهم أدخله الجنة، اللهم افسح له في قبره وما أشبه ذلك. وأما دعاء الإنسان لنفسه عند القبر فهذا إذا قصده الإنسان فهو من البدع أيضاً، لأنه لا يخصص مكان للدعاء إلا إذا ورد به النص، وإذا لم يرد به النص ولم تأت به السنة فإنه - أعتني تخصيص مكان للدعاء - أيّاً كان ذلك المكان يكون تخصيصه بدعة. * * * س 352: ما حكم زيارة المقابر؟ وقراءة الفاتحة؟ وزيارة النساء للمقابر؟ الجواب: زيارة القبور سنة أمر به النبي صلي الله عليه وسلم بعد أن نهى عنها كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم في قوله: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، إلا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة)) (¬1) ، رواه مسلم، فزيارة القبور للتذكر والاتعاظ سنة، فإن الإنسان إذا زار هؤلاء الموتى في قبورهم، وكان هؤلاء بالأمس معه على ظهر الأرض يأكلون كما يأكل، ويشربون كما يشرب، ويتمتعون بدنياهم، وأصبحوا الآن رهناً لأعمالهم إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر، فإنه لابد أن يتعظ ويلين قلبه، ويتوجه إلى الله - عز وجل - بالإقلاع عن معصيته إلى طاعته، وينبغي لمن زار المقبرة أن يدعو بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به وعلمه أمته ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الجنائز/ باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (977) .

س353: هناك عادة في بعض البلاد وهى أنه إذا مات الميت رفعوا أصواتهم بالقرآن ومن خلال المسجلات في بيت الميت فما حكم هذا العمل؟

ولكم العافية، الله لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) (¬1) . ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ الفاتحة عند زيارة القبور، وعلى هذا فقراءة الفاتحة عند زيارة القبور خلاف المشروع عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما زيارة القبور للنساء، فإن ذلك محرم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج (¬2) ، فلا يحل للمرأة أن تزور المقبرة، هذا إذا خرجت من بيتها لقصد الزيارة، أما إذا مرت بالمقبرة بدون قصد الزيارة فلا حرج عليها أن تقف وأن تسلم على أهل المقبرة بما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته، فيفرق بالنسبة للنساء بين من خرجت من بيتها لقصد الزيارة، ومن مرت بالمقبرة بدون قصد فوقفت وسلمت، فالأولى التي خرجت من بيتها للزيارة قد فعلت محرماً، وعرضت نفسها للعنة الله - عز وجل- وأما الثانية فلا حرج عليها. * * * س353: هناك عادة في بعض البلاد وهى أنه إذا مات الميت رفعوا أصواتهم بالقرآن ومن خلال المسجلات في بيت الميت فما حكم هذا العمل؟ ¬

(¬1) انظر صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور. (¬2) أخرجه أبو داود: كتاب الجنائز/ باب في زيارة النساء القبور (3236) ، والترمذي: كتاب الصلاة/ باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجداً (320) . والنسائي: كتاب الجنائز/ باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور (2042) . وابن ماجه: كتاب الجنائز باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور (1575) .

الجواب: الجواب أن نقول إن هذا العمل بدعة بلا شك فإنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه، والقرآن إنما تخفف به الأحزان إذا قرأه الإنسان بنفسه بينه وبين نفسه، لا إذا أعلن به على مكبرات الصوت التي يسمعها كل إنسان حتى اللاهون في لهوهم، حتى الذين يستمعون المعزف وآلات اللهو تجده يسمع القرآن ويسمع هذه الآلات، وكأنما يلغون في هذا القرآن ويستهزؤون به، ثم إن اجتماع أهل الميت لاستقبال المعزين هو أيضاً من الأمور التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن بعض العلماء قال: إنه بدعة، ولهذا لا نرى أن أهل الميت يجتمعون لتلقي العزاء بل يغلقون أبوابهم، وإذا قابلهم أحد في السوق، أو جاء أحد من معارفهم بدون أن يعدوا لهذا اللقاء عدته، ودون أن يفتحوا الباب لكل أحد فإن هذا لا بأس به، وأما اجتماعهم وفتح الأبواب لاستقبال الناس فإن هذا شيء لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان الصحابة يعدون الاجتماع عند أهل الميت، ووضع الطعام من النياحة، والنياحة كما هو معروف من كبائر الذنوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة، وقال: ((النائحة إذا لم تتب قبل موتها تُقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب) (¬1) . نسأل الله العافية. فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يتركوا هذه الأمور المحدثة؛ لأن ذلك أولى بهم عند الله، وهو أولى بالنسبة للميت أيضاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الميت يُعذب ببكاء أهله عليه، وبنياحة أهله ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الجنائز/ باب التشديد في النياحة (934) .

عليه، ومعنى يُعذَّب يتألم من هذا البكاء وهذه النياحة، وإن كان لا يعاقب عقوبة للفاعل، لأن الله تعالى يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام: الآية164) ، ولا يلزم من العذاب أن يكون عقوبة ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((السفر قطعة من العذاب)) (¬1) ، وليس السفر عقوبة، بل إن الألم والهم وما أشبه ذلك يعد عذاباً، ومن كلمات الناس العابرة قول ((عذبني ضميري)) إذا اعتراه الهم والغم الشديد، والحاصل أنني أنصح إخواني عن مثل هذه العادات التي لا تزيدهم إلا بعداً، ولا تزيد موتاهم إلا عذاباً. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب العمرة/ باب السفر قطعة من العذاب (1804) . ومسلم: كتاب الإمارة/ باب السفر قطعة من العذاب (1927) .

فتاوى الزكاة

فتاوى الزكاة

س354: ما شروط وجوب الزكاة؟

س354: ما شروط وجوب الزكاة؟ الجواب: شروط وجوب الزكاة: الإسلام، والحرية، وملك النصاب واستقراره، ومضي الحول إلا في المعشرات. فأما الإسلام: فإن الكافر لا تجب عليه الزكاة، ولا تُقبل منه لو دفعها باسم الزكاة، لقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة: 54) الآية، ولكن ليس معنى قولنا: إنها لا تجب على الكافر ولا تصح منه أنه معفى عنه في الآخرة بل إنه يعاقب عليها، لقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ) (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) . وهذا يدل على أن الكفار يعذبون على إخلالهم بفروع الإسلام وهو كذلك. وأما الحرية: فلأن المملوك لا مال له إذ أن ماله لسيده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من باع عبداً له مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المبتاع)) (¬1) ، فهو إذاً غير مالك للمال حتى تجب عليه الزكاة، وإذا قُدر أن العبد ملك بالتمليك فإن ملكه في النهاية يعود لسيده، لأن سيده له أن يأخذ ما بيده، وعلى هذا ففي ملكه نقص ليس بمستقر استقرار أموال الأحرار. وأما ملك النصاب: فمعناه أن يكون عند الإنسان مال يبلغ ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب المساقاة/ باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخل (2379) ، ومسلم: كتاب البيوع/ باب من باع نخلاً عليها ثمر (1543) (80)

س355: ما كيفية إخراج زكاة الرواتب الشهرية؟

النصاب الذي قدره الشرع، وهو يختلف باختلاف الأموال، فإذا لم يكن عند الإنسان نصاب فإنه لا زكاة عليه؛ لأن ماله قليل لا يحتمل المواساة. والنصاب في المواشي مقدار ابتداء وانتهاء، وفي غيرها مقدر ابتداء وما زاد فبحسابه. وأما مضي الحول: فلأن إيجاب الزكاة في أقل من الحول يستلزم الإجحاف بالأغنياء، وإيجابها فيما فوق الحول يستلزم الضرر في حق أهل الزكاة، فكان من حكمة الشرع أن يقدر لها زمن معين تجب فيه وهو الحول، وفي ربط ذلك بالحول توازن بين حق الأغنياء، وحق أهل الزكاة. وعلى هذا فلو مات الإنسان مثلاً أو تلف المال قبل تمام الحول سقطت الزكاة، إلا أنه يستثنى من تمام الحول ثلاثة أشياء: ربح التجارة، ونتاج السائمة، والمعشرات. أما ربح التجارة فإن حوله حول أصله، وأما نتاج السائمة حول النتاج حول أمهاته، وأما المعشرات فحولها وقت تحصيلها والمعشرات هي الحبوب والثمار. * * * س355: ما كيفية إخراج زكاة الرواتب الشهرية؟ الجواب: أحسن شيء في هذا أنه إذا تم حول أول راتب استلمه فإنه يؤدي زكاة ما عنده كله، فما تم حوله فقد أخرجت زكاته في الحول، وما لم يتم حوله فقد عجلت زكاته، وتعجيل الزكاة لا شيء فيه، وهذا أسهل عليه من كونه يُراعي كل شهر على

س356: هل تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون؟

حدة، لكن إن كان ينفق راتب كل شهر قبل أن يأتي راتب الشهر الثاني فلا زكاة عليه، لأن من شروط وجوب الزكاة في المال أن يتم عليه الحول. * * * س356: هل تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون؟ الجواب: هذه المسألة محل خلاف بين العلماء: فمنهم من قال: إن الزكاة في مال الصغير والمجنون غير واجبة، نظراً إلى تغليب التكليف فيها، ومعلوم أن الصغير والمجنون ليسا من أهل التكليف فلا تجب الزكاة في مالهما. ومنهم من قال: بل الزكاة واجبة في مالهما، وهو الصحيح؛ لأن الزكاة من حقوق المال ولا ينظر فيها إلى المالك، لقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) (التوبة: الآية103) ، فجعل موضع الوجوب المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن ((أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)) (¬1) وعلى هذا فتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ويتولى إخراجها وليهما. * * * س 357: ما حكم زكاة الدين؟ الجواب: لا يجب على من له دين على شخص أن يؤدي زكاته قبل قبضه؛ لأنه ليس في يديه، ولكن إن كان الدين على موسر فإن ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة/ باب وجوب الزكاة (1395) . ومسلم: كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (19) .

س358: هل يقضى دين الميت الذي لم يخلف تركة من الزكاة؟

عليه زكاته كل سنة، فإن زكَّاها مع ماله فقد برئت ذمته، وإن لم يزكها مع ماله وجب عليه إذا قبضها أن يزكيها لكل الأعوام السابقة، وذلك لأن المؤسر يمكن مطالبته، فتركه باختيار صاحب الدين، أما إذا كان الدين على معسر، أو غني لا يمكن مطالبته فإنه لا يجب عليه زكاته لكل سنة، وذلك لأنه لا يمكنه الحصول عليه فإن الله تعالى يقول: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) (البقرة: الآية280) فلا يمكن أن يستلم هذا المال وينتفع به فليس عليه زكاته، ولكن إذا قبضه فمن أهل العلم من يقول: يستقبل به حولاً من جديد. ومنهم من يقول: يزكي لسنة واحدة، وإذا دارت السنة يزكيه أيضاً وهذا أحوط. والله أعلم. * * * س358: هل يقضى دين الميت الذي لم يخلف تركة من الزكاة؟ الجواب: ذكر ابن عبد البر وأبو عبيد أنه لا يقضى من الزكاة دين على ميت بالإجماع، ولكن الواقع أن المسألة محل خلاف، لكن أكثر العلماء يقولون: إنه لا يقضى منها دين على ميت؛ لأن الميت انتقل إلى الآخرة، ولا يلحقه من الذل والهوان بالدين الذي عليه ما يلحق الأحياء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقضي ديون الأموات من الزكاة، بل كان يقضيها عليه الصلاة والسلام من أموال الفيء حين فتح الله عليه، وهذا يدل على أنه لا يصح قضاء دين الميت من الزكاة. ويقال: الميت إن كان أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن الله تعالى يؤدي عنه بفضله وكرمه، وإن كان أخذها يريد إتلافها فهو

س359: هل تصح صدقة المدين؟ وماذا يسقط عن المدين من الحقوق الشرعية؟

الذي جنى على نفسه، ويبقى الدين في ذمته يستوفى يوم القيامة، وعندي أن هذا أقرب من القول بأنه يقضى منها الدين على الميت. وقد يقال: يفرق بين ما إذا كان الأحياء يحتاجون إلى الزكاة لفقر أو جهاد أو غرم أو غير ذلك، وما إذا كان الأحياء لا يحتاجون إليها، ففي الحال التي يحتاج فيها الأحياء يقدم الأحياء على الأموات، وفي الحال التي لا يحتاجون إليها لا حرج أن نقضي منها ديون الأموات الذين ماتوا ولم يخلفوا مالاً، ولعل هذا قول وسط بين القولين. * * * س359: هل تصح صدقة المدين؟ وماذا يسقط عن المدين من الحقوق الشرعية؟ الجواب: الصدقة من الإنفاق المأمور به شرعاً، والإحسان إلى عباد الله إذا وقعت موقعها، والإنسان مثاب عليها وكل أمرىء في ظل صدقته يوم القيامة، وهي مقبولة سواء كان على الإنسان دين، أم لم يكن عليه دين إذا تمت فيها شروط القبول، بأن تكون بإخلاص لله عز وجل، ومن كسب طيب، ووقعت في محلها، فبهذه الشروط تكون مقبولة بمقتضى الدلائل الشرعية، ولا يشترط أن لا يكون على الإنسان دين، لكن إذا كان الدين يستغرق جميع ما عنده فإنه ليس من الحكمة، ولا من العقل أن يتصدق - والصدقة مندوبة وليست بواجبة- ويدع ديناً واجباً عليه، فليبدأ أولاً بالواجب، ثم يتصدق، وقد اختلف أهل العلم فيما إذا تصدق وعليه دين يستغرق جميع ماله، فمنهم من يقول: إن ذلك لا يجوز له؛ لأنه

إضرار بغريمه، وإبقاء لشغل ذمته بهذا الدين الواجب. ومنهم من قال: إنه يجوز ولكنه خلاف الأولى. وعلى كل حال فلا ينبغي للإنسان الذي عليه دين يستغرق جميع ما عنده أن يتصدق حتى يوفي الدين؛ لأن الواجب مقدم على التطوع. وأما الحقوق الشرعية التي يعفى عنها من عليه دين حتى يقضيه: فمنها الحج، فالحج لا يجب على الإنسان الذي عليه دين حتى يقضيه ويوفي دينه. أما الزكاة فقد اختلف أهل العلم هل تسقط عن المدين أو لا تسقط؟ فمن أهل العلم من يقول: أن الزكاة تسقط فيما يقابل الدين سواءً كان المال ظاهراً أم غير ظاهر. ومنهم من يقول: إن الزكاة لا تسقط فيما يقابل الدين بل عليه أن يزكي جميع ما في يده، ولو كان عليه دين ينقص النصاب. ومنهم من فصل فقال: إن كان المال من الأموال الباطنة التي لا ترى ولا تشاهد كالنقود وعروض التجارة فإن الزكاة تسقط فيما يقابل الدين، وإن كان المال من الأموال الظاهرة كالمواشي والخارج من الأرض فإن الزكاة لا تسقط. والصحيح عندي: أنها لا تسقط سواء كان المال ظاهراً أم غير ظاهر، وأن كل من في يديه مال مما تجب عليه الزكاة فعليه أن يؤدي زكاته ولو كان عليه دين، وذلك لأن الزكاة إنما تجب في المال لقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ

س360: شخص لم يخرج زكاته أربع سنين ماذا يلزمه؟

سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة: 103) ولقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حينما بعثه إلى اليمن: ((أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) (¬1) . والحديث في البخاري بهذا اللفظ، وبهذا الدليل من الكتاب والسنة تكون الجهة منفكة، فلا تعارض بين الزكاة وبين الدين؛ لأن الدين يجب في الذمة، والزكاة تجب في المال، فإذاً كل منهما يجب في موضع دون ما يجب فيه الآخر، فلم يحصل بينهما تعارض ولا تصادم، وحينئذٍ يبقي الدين في ذمة صاحبه وتبقى الزكاة في المال يخرجها منه بكل حال. * * * س360: شخص لم يخرج زكاته أربع سنين ماذا يلزمه؟ الجواب: هذا الشخص آثم في تأخير الزكاة، لأن الواجب على المرء أن يؤدي الزكاة فور وجوبها ولا يؤخرها؛ لأن الواجبات الأصل وجوب القيام بها فوراً، وعلى هذا الشخص أن يتوب إلي الله - عز وجل- من هذه المعصية، وعليه أن يبادر إلى إخراج الزكاة عن كل ما مضى من السنوات، ولا يسقط شيء من تلك الزكاة بل عليه أن يتوب ويبادر بالإخراج حتى لا يزداد إثماً بالتأخير. * * * س361: هل في المواشي التي تعلف نصف السنة زكاة؟ الجواب: المواشي التي تعلف نصف السنة كاملاً ليس فيها زكاة، وذلك لأن زكاة المواشي لا تجب إلا إذا كانت سائمة والسائمة هي التي ترعى مما أنبته الله في الأرض السنة كاملة أو أكثر السنة، ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س362: اشتريت قبل ثلاث سنوات بيتا وفيه ولله الحمد ثلاث نخلات مثمرات من نوعين، وفيهن ثمر كثير فهل على زكاة والحال هذه، فإذا كان الجواب بنعم والناس يجهلون ذلك جدا فأسأل أسئلة عن ذلك كيف يكون معرفتي بلوغ النصاب من عدمه وأنا أخرفها خرفا؟

وأما ما يعلف بعض السنة، أو نصف السنة فإنه لا زكاة فيه إلا إذا كانت معدة للتجارة، فهذه لها حكم زكاة العروض، وإذا كانت كذلك فإن فيها الزكاة حيث تقدر كل سنة بما تساوي ثم يخرج ربع عشر قيمتها، إي اثنين ونصف في المائة من قيمتها. * * * س362: اشتريت قبل ثلاث سنوات بيتاً وفيه ولله الحمد ثلاث نخلات مثمرات من نوعين، وفيهن ثمر كثير فهل على زكاة والحال هذه، فإذا كان الجواب بنعم والناس يجهلون ذلك جّداً فأسأل أسئلة عن ذلك كيف يكون معرفتي بلوغ النصاب من عدمه وأنا أخرفها خرفاً؟ ثانياً: كيف يكون تقدير الزكاة؟ وهل تدفع من كل نوع بنسبته أم يضم بعضها إلى بعض وتخرج من نوع واحد؟ وهل يجوز أن أدفع نقوداً؟ وماذا أصنع في السنوات الماضية؟ الجواب: ما ذكره السائل من خفاء حكم هذه النخيل التي تكون في البيوت على كثير من الناس فهو صحيح، وكثير من الناس يكون عنده سبع نخل، أو عشر نخل، أو أكثر أو أقل وثمرتها تبلغ النصاب لكنهم لا يعلمون أن فيها زكاة يظنون أن الزكاة في البساتين فقط، والزكاة في ثمر النخل سواء كان في البستان أو في الدور، وعلى هذا فليأت بإنسان عنده خبرة وليقدر ثمر هذا النخل هل يبلغ النصاب أو لا؟ فإذا بلغ النصاب وجب عليه أن يزكيه ولكن كيف يزكيه وهو يخرفه؟ كما قال السائل أرى أنه في مثل هذه الحالة تقدر قيمة النخل، ويخرج نصف العشر من قيمتها؛ لأن ذلك أسهل على

س363: ما نصاب الذهب والفضة؟ وما مقدار صاع النبي صلى الله عليه وسلم بالكيلو؟

المالك، وأنفع للمحتاج- يعني إعطاء الدراهم أنفع للمحتاج وتقويمها بالدراهم أسهل على المالك- ومقدار الزكاة خمسة في المائة، بينما زكاة المال في المائة اثنين ونصف، لكن هذه فيها خمسة في المائة، لأن زكاتها زكاة ثمر، وليست زكاة تجارة. أما ما مضى من السنوات وهو لم يزكه جاهلاً فإنه يقدر الآن في نفسه كم يظن الثمرات الماضية ويخرج زكاتها الآن، وليس عليه إثم فيما سبق من تأخير الزكاة؛ لأنه جاهل بذلك، لكن لابد من أداء زكاة ما سبق. * * * س363: ما نصاب الذهب والفضة؟ وما مقدار صاع النبي صلى الله عليه وسلم بالكيلو؟ الجواب: نصاب الذهب عشرون مثقالاً ويساوي بالجرام خمسة وثمانين جراماً. أما النصاب الفضة فهو مائة وأربعون مثقالاً، ويساوي بدراهم الفضة السعودية ستّاً وخمسين ريالاً. وأما مقدار صاع النبي صلى الله عليه وسلم بالكيلو فهو كيلوان وأربعون جراماً من البر الرزين. * * * س364: رجل عنده بنات قد أعطاهن حلياً ومجموع حليهن يبلغ النصاب، وحلي كل واحدة بمفردها لا يبلغ النصاب فهل يجمع الحلي جميعاً ويزكي؟

س365: إذا أعطى الرجل زكاته لمن يستحقها ثم أهداها له من أخذها فهل يقبلها؟

الجواب: إذا كان أعطاهن هذا الحلي على سبيل العارية فالحلي ملكه ويجب عليه أن يجمعه جميعاً فإذا بلغ النصاب أدى زكاته، وإن كان أعطى بناته هذا الحلي على أنه ملك لهن فإنه لا يجب أن يجمع حلي كل واحدة إلى حلي الأخرى؛ لأن كل واحدة ملكها منفرد عن الأخرى، وعلى هذا فإن بلغ حلي الواحدة منهن نصاباً زكاه، وإلا فلا. * * * س365: إذا أعطى الرجل زكاته لمن يستحقها ثم أهداها له من أخذها فهل يقبلها؟ الجواب: إذا أعطى الرجل زكاته من يستحقها ثم أهداها له فلا بأس بذلك إذا لم يكن بينهما مواطأة، والأحوط أن لا يقبلها. * * * س366: هل يجوز للإنسان أن يدفع بدلاً عن زكاة المال ثياباً ونحوها؟ الجواب: لا يجوز ذلك. * * * س367: إذا كان مع الذهب الماس ونحوه فكيف تقدر زكاته؟ الجواب: يقدر ذلك أهل الخبرة فيذهب بها إلى تجار الذهب أو الصاغة لينظروا هل يبلغ الذهب النصاب أو لا يبلغ فإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه، إلا أن يكون عندها من الذهب ما يكمل به النصاب وتقدر قيمة الذهب الذي مع الماس ثم تخرج زكاته وهي ربع العشر. * * *

س 368: ما حكم صرف الزكاة في بناء المساجد؟ ومن هو الفقير؟

س 368: ما حكم صرف الزكاة في بناء المساجد؟ ومن هو الفقير؟ الجواب: لا يجوز صرف الزكاة إلا إلى الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله، لأن الله ذكر ذلك على سبيل الحصر بإنما فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 60) ، فلا يجوز صرفها في بناء المساجد، وتعليم العلم ونحو ذلك، وأما الصدقات المستحبة فالأفضل أن تكون فيما هو أنفع. وأما الفقير الذي يستحق من الزكاة فهو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة بحسب الزمان والمكان، فربما ألف ريال في زمن ومكان تعتبر غنى، وفي زمن أو مكان آخر لا تعتبر غنى، وفي زمن أو مكان آخر لا تعتبر غنى لغلاء المعيشة ونحو ذلك. * * * س369: هل تجب الزكاة في السيارات المعدة للأجرة والسيارات الخاصة؟ الجواب: السيارات التي يؤجرها الإنسان للنقل، أو السيارات الخاصة التي يستخدمها لنفسه كلها لا زكاة فيها وإنما الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصاباً بنفسها، أو بضمها إلى دراهم أخرى عنده وتم عليها الحول، وكذلك العقارات المعدة للأجرة ليس فيها زكاة وإنما الزكاة أجرتها. * * *

س 370: ما حكم زكاة الدار المؤجرة؟

س 370: ما حكم زكاة الدار المؤجرة؟ الجواب: الدار المؤجرة إن كانت معدة للتأجير والاستغلال فإنه لا زكاة في قيمة الدار، وإنما الزكاة فيما يحصل فيها من الأجرة إذا تم عليه الحول من العقد، فإن كان لا يتم عليه الحول من العقد فلا زكاة فيه أيضاً، مثل أن يؤجر هذا البيت بعشرة آلاف مثلاً يقبض منها خمسة عند العقد فينفقها، ثم يقبض خمسة عند نصف السنة فينفقها قبل تمام السنة فإنه لا زكاة عليه حينئذ؛ لأن هذا المال لم يتم عليه الحول؛ أما إذا كانت الدار قد أعدها للتجارة وينتظر بها الربح لكنه قال ما مادامت لم تبع فإني أؤجرها، فإنه في هذه الحال تجب عليه الزكاة في قيمة الدار، وكذلك في أجرتها إذا تم عليها الحول كما تقدم، وإنما تجب عليه الزكاة في قيمة الدار حينئذ لأنه أعدها للتجارة وما أرادها للبقاء والاستغلال، وكل شيء يُراد به التجارة والتكسب فإن فيه الزكاة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرىء ما نوى)) (¬1) . وهذا الذي عنده أموال يريد بها التكسب إنما نوى بها قيمتها لا ذاتها، وقيمتها دراهم ونقود والدراهم والنقود تجب فيها الزكاة، وعلى هذا فيكون هذا الذي قصد بهذا البيت التجارة والاستغلال يكون واجباً عليه الزكاة في قيمة البيت وفي أجرته إذا تم عليه الحول من العقد. ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب بدء الوحي / باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسلم: كتاب الإمارة/ باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية" (1907) .

س371: شخص اشترى أرضا ليسكنها وبعد مضي ثلاث سنوات نواها للتجارة فهل فيما مضى زكاة؟

س371: شخص اشترى أرضاً ليسكنها وبعد مضي ثلاث سنوات نواها للتجارة فهل فيما مضى زكاة؟ الجواب: لا تجب الزكاة فيها لأنه فيما مضى من السنوات إنما أرادها للسكنى، ولكن من حين نيته الاتجار والتكسب بها فإنه ينعقد الحول، فإذا تم الحول بعد ذلك وجبت عليه الزكاة. * * * س 372: ما حكم إخراج زكاة الفطر في العشر الأوائل من رمضان؟ الجواب: زكاة الفطر أضيفت إلى الفطر؛ لأن الفطر هو سببها فإذا كان الفطر من رمضان هو سبب هذه الكفارة فإنها تتقيد به ولا تقدم عليه، ولهذا كان أفضل وقت تخرج فيه يوم العيد قبل الصلاة، ولكن يجوز أن تقدم قبل العيد بيوم أو يومين، لما في ذلك من التوسعة على المعطي والآخذ، أما ما قبل ذلك فإن الراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يجوز، وعلى هذا فلها وقتان: وقت جواز وهو: قبل العيد بيوم أو يومين، ووقت فضيلة وهو: يوم العيد قبل الصلاة، أما تأخيرها إلى ما بعد الصلاة فإنه حرام، ولا تجزيء عن الفطرة، لحديث ابن عباس- رضى الله عنهما-: ((من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) (¬1) . إلا إذا كان الرجل جاهلاً بيوم العيد مثل أن يكون في برية ولا يعلم إلا متأخراً وما أشبه ذلك فإنه لا حرج أن يؤديها بعد صلاة العيد، وتجزيء عن الفطرة. * * * ¬

(¬1) أخرجه أبو داود: كتاب الزكاة/ باب زكاة الفطر (1609) . وابن ماجة: كتاب الزكاة/ باب صدقة الفطر (1827) .

س373: هل تجوز الزيادة في زكاة الفطر بنية الصدقة؟

س373: هل تجوز الزيادة في زكاة الفطر بنية الصدقة؟ الجواب: نعم يجوز أن يزيد الإنسان في الفطرة وينوي ما زاد على الواجب صدقة، ومن هذا ما يفعله بعض الناس اليوم يكون عنده عشر فطر مثلاً ويشتري كيساً من الرز يبلغ أكثر من عشر فطر ويخرجه جميعاً عنه، وعن أهل بيته، وهذا جائز إذا كان يتيقن أن هذا الكيس بقدر ما يجب عليه فأكثر؛ لأن كيل الفطرة ليس بواجب إلا ليعلم به القدر، فإذا علمنا أن القدر محقق في هذا الكيس ودفعناه إلى الفقير فلا حرج. * * * س374: يقول بعض العلماء إنه لا يجوز أداء زكاة الفطر من الرز مادامت الأصناف المنصوص عليها موجودة فما رأي فضيلتكم؟ الجواب: قال بعض العلماء إنه إذا كانت الأصناف الخمسة وهي البر، التمر، والشعير، والزبيب، والإقط إذا كانت هذه موجودة فإن زكاة الفطر لا تجزيء عن غيرها وهذا القول مخالف تماماً لقول من قال: إنه يجوز إخراج زكاة الفطر من هذه الأصناف وغيرها حتى الدراهم فهما طرفان. والصحيح: أنه يجزىء إخراجها من طعام الآدميين، وذلك لأن أبا سعيد الخدري- رضي الله عنه- كما ثبت عنه في صحيح البخاري يقول: ((كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا التمر، والشعير، والزبيب، والأقط)) (¬1) . ولم يذكر ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة/ باب صدقة الفطر صاع من طعام (1506) .

س 375: سئل فضيلة الشيخ: من كان عنده ثلث ميت ودراهم لأيتام فهل فيها زكاة؟

البر أيضاً، ولا أعلم أن البر ذكر في زكاة الفطر في حديث صحيح صريح، ولكن لاشك أن البر يجزىء، ثم حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين)) (¬1) ، فالصحيح أن طعام الآدميين يجزىء إخراج الفطرة منه وإن لم يكن من الأصناف الخمسة التي نص عليها الفقهاء، لأن هذه الأصناف- كما سبقت الإشارة إليه- كانت أربعة منها طعام الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيجوز إخراج زكاة الفطر من الأرز، بل الذي أرى أن الأرز أفضل من غيره في وقتنا الحاضر؛ لأنه أقل مئونة وأرغب عند الناس، ومع هذا فالأمور تختلف فقد يكون في البادية طائفة التمر أحب إليهم فيخرج الإنسان من التمر، وفي مكان آخر الزبيب أحب إليهم فيخرج الإنسان من الزبيب، وكذلك الأقط وغيره، فالأفضل في كل قوم ما هو أنفع لهم. * * * س 375: سئل فضيلة الشيخ: من كان عنده ثلث ميت ودراهم لأيتام فهل فيها زكاة؟ فأجاب فضيلته بقوله: أما الثلث الذي للميت فلا زكاة فيه لأنه ليس له مالك، وإنما هو معد لوجوه الخير، وأما الدراهم التي للأيتام فتجب فيها الزكاة فيخرجها الولي عنهم؛ لأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الزكاة لا يشترط فيها بلوغ ولا عقل؛ لأن الزكاة واجبة في المال. * * * ¬

(¬1) جزء من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما - المتقدم ص 433.

س 376: هل على السيارات الخاصة زكاة؟

س 376: هل على السيارات الخاصة زكاة؟ الجواب: ليس عليها زكاة، وكل شيء يستعمله الإنسان لنفسه ما عدا حلي الذهب والفضة فليس فيه زكاة سواء سيارة، أو بعير، أو ماكينة فلاحة، أو غير ذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) (¬1) . * * * س377: إذا أعطى الإنسان زكاته لمستحقها فهل يخبره أنها زكاة؟ الجواب: إذا أعطى الإنسان زكاته إلى مستحقها فإن كان هذا المستحق يرفض الزكاة ولا يقبلها فإنه يجب على صاحب الزكاة أن يخبره بأنها زكاة، وليكون على بصيرة من أمره إن شاء رفض، وإن شاء قبل، وإذا كان من عادته أن يأخذ الزكاة فإن الذي ينبغي أن لا يخبره؛ لأن إخباره بأنها زكاة فيه نوع من المنة، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) (البقرة: الآية264) . * * * س 378: ما حكم نقل الزكاة من مكان وجوبها؟ الجواب: يجوز للإنسان أن ينقل زكاته من بلده إلى بلد آخر إذا كان في ذلك مصلحة، فإذا كان للإنسان أقارب مستحقون للزكاة في بلد آخر غير بلده وبعث بها إليهم فلا بأس بذلك، ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة/ باب ليس على المسلم في عبده صدقة (1464) . ومسلم: كتاب الزكاة/ باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه (982) .

س379: من كان في مكة وعائلته في الرياض فهل يخرج زكاة الفطر عنهم في مكة؟

وكذلك لو كان مستوى المعيشة في البلد مرتفعاً وبعث بها الإنسان إلى بلدٍ أهله أكثر فقراً فإن ذلك أيضاً لا بأس به، أما إذا لم يكن هناك مصلحة في نقل الزكاة من بلد إلى البلد الثاني فلا تنقل. * * * س379: من كان في مكة وعائلته في الرياض فهل يخرج زكاة الفطر عنهم في مكة؟ الجواب: يجوز للإنسان أن يدفع زكاة الفطر عن عائلته إذا لم يكونوا معه في البلاد، فإذا كان هو في مكة وهم في الرياض جاز أن يدفع زكاة الفطر عنهم في مكة، ولكن الأفضل أن يزكي الإنسان زكاة الفطر في المكان الذي أدركه وقت الدفع وهو فيه فإذا أدرك الإنسان وقت الدفع وهو في مكة فيدفعها في مكة، وإن كان في الرياض يدفعها في الرياض، وإذا كان بعض العائلة في مكة وبعضهم في الرياض، فالذين في الرياض يدفعونها في الرياض، والذين في مكة يدفعونها في مكة؛ لأن زكاة الفطر تتبع البدن. * * * س380: هل الأفضل أن يعطي المدين الزكاة ليقضي دينه أو يذهب صاحب الزكاة إلى دائنه ويوفي عنه؟ الجواب: هذا يختلف فإن كان هذا الرجل المدين حريصاً على وفاء دينه وإبراء ذمته، وهو أمين فيما يعطى لوفاء الدين فإننا نعطيه هو بنفسه ليقضي دينه؛ لأن هذا أستر له، وأبعد عن تخجيله أمام الناس الذين يطلبونه. أما إذا كان المدين رجلاً مبذراً يفسد الأموال، ولو أعطيناه

س381: هل كل من مد يده للزكاة يستحقها؟

مالاً ليقضي دينه ذهب يشتري به أشياء لا ضرورة لها، فإننا لا نعطيه وإنما نذهب نحن إلى دائنة، ونقول له ما دين فلان لك؟ ثم نعطيه هذا الدين أو بعضه حسبما يتيسر. * * * س381: هل كل من مد يده للزكاة يستحقها؟ الجواب: ليس كل من مد يده للزكاة يستحقها لأن من الناس من يمد يده للمال وهو غني، وهذا النوع من الناس يأتي يوم القيامة وليس في وجهة مزعة لحم - العياذ بالله - وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقلل أو ليستكثر)) (¬1) . وبهذه المناسبة أحذر أولئك القوم الذين يسألون الناس إلحافاً وهم في غنى، بل أحذر كل شخص يقبل الزكاة وهو ليس أهلاً لها وأٌقول له: إنك إذا أخذت الزكاة وأنت لست أهلاً لها فإنما تأكل سحتاً - والعياذ باله - فعلى المرء أن يتقى الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((من يستغني يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله)) (¬2) . ولكن إذا مد إليك رجل يده وغلب على ظنك أنه أهل فأعطيته فإن الزكاة تجزىء، وتبرأ بها ذمتك، ولو تبين بعد ذلك أنه ليس بأهل فلا إعادة للزكاة، والدليل على ذلك قصة الرجل الذي تصدق بمال فتصدق ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة/ باب كراهة المسألة للناس (1041) . (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة/ باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى (1427) . ومسلم: كتاب الزكاة: باب فضل التعفف والصبر (1053) .

س382: رجل غني أرسل زكاته لشخص وقال فرقها على نظرك فهل يكون هذا الوكيل من العاملين على الزكاة ويستحق منها؟

أولاً على امرأة زانية فأصبح الناس يتحدثون تُصدق الليلة على زانية فقال: الحمد لله، ثم تصدق الليلة الثانية، فوقعت الصدقة في يد سارق، فاصبح الناس يتحدثون، تُصدق الليلة على سارق، ثم تصدق الليلة الثالثة على غني، فأصبح الناس يتحدثون تُصدق الليلة على غني، فقال: الحمد لله، على زانية، وسارق، وغني، فقيل له: إن صدقتك قد قبلت، أما الزانية فلعلها أن تستعف بما أعطيتها عن الزنا، وأما السارق فلعله أن يستغني فيكف عن السرقة، وأما الغني فلعله أن يعتبر فيتصدق (¬1) ، فانظر يا أخي إلى النية الصادقة كيف تكون آثارها، إذا فإذا أعطيت الذي سألك وتبين أنه غني وقد أعطيته وأنت تظن أنه فقير فإنه لا يلزمك إعادة الزكاة. * * * س382: رجل غني أرسل زكاته لشخص وقال فرقها على نظرك فهل يكون هذا الوكيل من العاملين على الزكاة ويستحق منها؟ الجواب: ليس هذا الوكيل من العاملين عليها، ولا يستحق منها؛ لأن هذا وكيل خاص لشخص خاص، وهذا هو السر والله أعلم في التعبير القرآني حيث قال: (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) لأن ((على)) تفيد نوعاً من الولاية كأن العاملين ضمنت معنى القائمين، ولهذا صار الذي يتولى صرف الزكاة نيابة عن شخص معين لا يعد من العاملين عليها. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة/ باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم (1421) . ومسلم: كتاب الزكاة/ باب ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها (1022) .

س383: شخص ضعيف الإيمان هل يعطى لتقوية إيمانه وإن لم يكن سيدا في قومه؟

س383: شخص ضعيف الإيمان هل يعطى لتقوية إيمانه وإن لم يكن سيداً في قومه؟ الجواب: هذه المسألة محل خلاف بين العلماء والراجح عندي أنه لا بأس أن يعطى لتأليفه على الإسلام بتقوية إيمانه، وإن كان يعطى بصفة شخصية وليس سيداً في قومه لقوله تعالى (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ولأنه إذا جاز أن نعطي الفقير لحاجته البدنية الجسمية، فإعطاؤنا هذا الضعيف الإيمان لتقوية إيمانه من باب أولى؛ لأن تقوية الإيمان بالنسبة للشخص أهم من غذاء الجسد. * * * س384: ما حكم إعطاء الزكاة لطالب العلم؟ الجواب: طالب العلم المتفرغ لطلب العلم الشرعي وإن كان قادراً على التكسب يجوز أن يعطى من الزكاة، لأن طالب العلم الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله، والله تبارك وتعالى جعل الجهاد في سبيل الله جهة استحقاق في الزكاة فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) . أما إذا كان الطالب متفرغاً لطلب علم دنيوي فإنه لا يعطى من الزكاة، ونقول له: أنت الآن تعمل للدنيا، ويمكنك أن تكتسب من الدنيا بالوظيفة فلا نعطيك من الزكاة، ولكن لو وجدنا شخصاً يستطيع أن يكتسب للأكل، والشرب، والسكنى، لكنه

يحتاج إلى الزواج وليس عنده ما يتزوج به فهل يجوز أن نزوجه من الزكاة؟ الجواب: نعم يجوز أن نزوجه من الزكاة، ويعطى المهر كاملاً فإن قيل: ما وجه كونه تزويج الفقير من الزكاة جائزاً ولو كان الذي يعطى إياه كثيراً؟ قلنا لأن حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب، ولذلك قال أهل العلم إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك، فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به، لكن سمعت أن بعض الآباء الذين نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج، قال له تزوج من عرق جبينك. وهذا غير جائز، وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه، وسوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه. وهنا مسألة: لو كان لرجل عدة أبناء منهم الذي بلغ سن الزواج فزوجه، ومنهم الصغير، فهل يجوز لهذا الرجل أن يوصي بشيء من ماله مهراً للأبناء الصغار لأنه أعطى أبناءه الكبار؟ الجواب: لا يجوز للرجل إذا زوج أبناءه الكبار أن يوصي بالمهر لأبنائه الصغار، ولكن يجب عليه إذا بلغ أحد من أبنائه سن الزواج أن يزوجه كما زوج الأول، أما أن يوصي له بعد الموت فإن هذا حرام ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث (¬1) * * * ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب ما جاء في الوصية للوارث، والترمذي، أبواب الوصايا، ما جاء لا وصية لوارث.

س385: هل يجوز دفع الزكاة للمجاهدين؟

س385: هل يجوز دفع الزكاة للمجاهدين؟ فأجاب فضيلته بقوله: "إن الله جعل من أصناف أهل الزكاة المجاهدين في سبيل الله، فالمجاهدون في سبيل الله يجوز أن نعطيهم من الزكاة، ولكن من المجاهد في سبيل الله؟ المجاهد في سبيل الله بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ فأعطانا نبي الله صلى الله عليه وسلم ميزاناً قيماً قسطاً فقال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) (¬1) فكل من قاتل لهذا الغرض لإعلاء كلمة الله، وتحكيم شريعة الله، وإحلال دين الله تعالى في بلاد الكفار فإنه في سبيل الله، يعطي من الزكاة، أما أن يعطى دراهم يستعين بها على الجهاد، وإما أن تشترى معدات لتجهيز الغزاة. * * * س386: هل صرف الزكاة في بناء المساجد ينطبق عليه قوله تعالى في شأن أهل الزكاة؟ (وَفِي سَبِيلِ اللَّه) ؟ الجواب: إن بناء المساجد لا يدخل في ضمن قوله تعالى (وَفِي سَبِيلِ اللَّه) . لأن الذي فسرها به المفسرون أن المراد في سبيل الله هو الجهاد في سبيل الله؛ ولأننا لو قلنا: إن المراد في سبيل الله جميع وجوه الخير لم يكن للحصر في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) فائدة، والحصر كما هو معلوم إثبات الحكم في المذكور ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا (2810) .

س387: ما حكم دفع الزكاة للأقارب؟

ونفيه عن ما عداه، فإذا قلنا: إن (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يعنى جميع طرق الخير فإن الآية تبقى غير ذات فائدة بالنسبة لتصديرها بإنما الدالة على الحصر، ثم إن في جواز صرف الزكاة لبناء المساجد، وطرق الخير الأخرى تعطيل للخير؛ لأن كثيراً من الناس يغلب عليهم الشح، فإذا رأوا أن بناء المساجد، وأن طرق الخير يمكن أن تنقل الزكاة إليها نقلوا زكاتهم إليها، وبقي الفقراء والمساكين في حاجة دائمة * * * س387: ما حكم دفع الزكاة للأقارب؟ الجواب: القاعدة في ذلك أن كل قريب تحب نفقته على المزكي فإنه لا يجوز أن يدفع إليه من الزكاة ما يكون سبباً لرفع النفقة عنه، أما إذا كان القريب لا تجب نفقته كالأخ إذا كان له أبناء، فإن الأخ إذا كان له أبناء فلا يجب على أخيه نفقته نظراً لعدم التوارث لوجود الأبناء، وفي هذه الحال يجوز دفع الزكاة إلى الأخ إذا كان من أهل الزكاة، كذلك أيضاً لو كان للإنسان أقارب لا يحتاجون الزكاة في النفقة لكن عليهم ديون فيجوز قضاء ديونهم ولو كان القريب أباً، أو أبناً أو بنتاً، أو أماً ما دام هذا الدين الذي وجب عليهم ليس سببه التقصير في النفقة. مثال ذلك: رجل حصل على ابنه حادث وألزم بغرامة السيارة التي أصابها، وليس عنده مال فيجوز للأب أن يدفع الغرم سببه النفقة، بل إنما وجب لأمر لا يتعلق بالإنفاق، وهكذا كل من

س388: هل الصدقات والزكوات مختصة برمضان؟

دفع زكاة إلى قريب لا يجب عليه أن يدفعه بدون سبب الزكاة فإن ذلك جائز من الزكاة. * * * س388: هل الصدقات والزكوات مختصة برمضان؟ الجواب: ليست مختصة بشهر رمضان، بل هي مستحبة ومشروعة في كل وقت، والزكاة يجب على الإنسان أن يخرجها إذا تم حول ماله ولا ينتظر رمضان، اللهم إلا إذا كان رمضان قريباً مثل أن يكون حوله في شعبان فينتظر رمضان فهذا لا بأس به، أما لو كان حول زكاته في محرم مثلاً فإنه لا يجوز له أن يؤخرها إلى رمضان، لكن يجوز له أن يقدمها في رمضان قبل محرم ولا حرج، وأما تأخيرها عن وقت وجوبها فإن هذا لا يجوز، لأن الواجبات المقيدة بسبب يجب أن تؤدى عند وجود سببها ولا يجوز تأخيرها عنه. ثم إن المرء ليس عنده ضمان إذا أخر الزكاة عن وقتها ليس عنده ضمان أن يبقى إلى الوقت الذي أخرها إليه فقد يموت وحينئذ تبقى الزكاة في ذمته، وقد لا يخرجها الورثة قد لا يعلمون أنها عليه إلى غير ذلك من الأسباب التي يخشى على المرء إذا تهاون في إخراج زكاته أن تكون عائقاً عن إخراج زكاته. أما الصدقة: فالصدقة ليس لها وقت معين، فكل أيام العام وقت لها، ولكن الناس يختارون أن تكون صدقاتهم وزكاتهم في رمضان، لأنه وقت فاضل، وقت الجود والكرم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، ولكن يجب أن نعرف أن فضيلة الزكاة أو الصدقة في

س389: هل الصدقة الجارية ما أخرجه الإنسان في حياته أم ما تصدق به أهله عنه من بعده؟

رمضان فضيلة تتعلق بالوقت، فإذا لم يكن هناك فضيلة أخرى تربو عليها ففي هذا الزمن أفضل من غيره، أما إذا كان هناك فضيلة أخرى تربو على فضيلة الوقت مثل أن يكون الفقراء أشد حاجة في وقت آخر- أي غير رمضان - فإنه لا ينبغي أن يؤخرها إلى رمضان، بل الذي ينبغي أن ينظر إلى الوقت والزمن الذي يكون فيه أنفع للفقراء فيخرج الصدقة في ذلك الزمن، والغالب أن الفقراء في غير رمضان أحوج منهم في رمضان؛ لأن رمضان تكثر فيه الصدقات والزكوات فتجد الفقراء فيه مكتفين مستغنين بما يعطون، لكنهم يفتقرون افتقاراً شديداً في بقية أيام السنة، فهذه المسألة ينبغي أن يلاحظها المرء، وأن لا يجعل فضل الزمن مقدماً على كل فضل. * * * س389: هل الصدقة الجارية ما أخرجه الإنسان في حياته أم ما تصدق به أهله عنه من بعده؟ الجواب: الظاهر أن قوله صلى الله عليه وسلم ((إلا من صدقة جارية)) (¬1) يعني من الميت نفسه وليس مما يجعله أولاده له من بعده، لأن ما يكون من الولد بيّنه الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: ((ولد صالح يدعو له)) . فالميت إذا كان قد أوصى بشيء يكون صدقة جارية، أو أوقف شيئاً يكون صدقة جارية فإنه ينتفع به بعد موته وكذلك العلم فإنه من كسبه، وكذلك الولد إذا دعا له، ولهذا لو قيل لنا: هل الأفضل أن أصلي ركعتين للوالد، أو أن أصلي ركعتين لنفسي وأدعو للوالد فيهما؟ قلنا: الأفضل أن تصلي ركعتين لك، وتدعو للوالد فيهما؛ ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الوصية/ باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (1631) .

س390: هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها لنفسها أو لأحد من أمواتها؟

لأن هذا هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ((أو ولد صالح يدعو له)) ولم يقل يصلي له، أو يعمل عملاً آخر. * * * س390: هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها لنفسها أو لأحد من أمواتها؟ الجواب: من المعلوم أن مال الزوج للزوج، ولا يجوز لأحد أن يتصدق من مال أحد إلا بإذنه، فإذا أذن الزوج لها أن تتصدق به لنفسها، أو لمن شاءت من أمواتها فلا حرج عليها، فإن لم يأذن فإنه لا يحل له أن تتصدق بشيء لأنه ماله ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه. * * * س 391: رجل فقير يأخذ الزكاة من صاحبه الغني بحجة أنه سيوزعها ثم يأخذها هو فما الحكم في هذا العمل؟ الجواب: هذا محرم عليه وهو خلاف الأمانة، لأن صاحبه يعطيه على أنه وكيل يدفعه لغيره، وهو يأخذه لنفسه، وقد ذكر أهل العلم أن الوكيل لا يجوز أن يتصرف فيما وكّل فيه لنفسه، وعلى هذا فإن الواجب على هذا الشخص أن يبين لصاحبه أن ما كان يأخذه من قبل كان يصرفه لنفسه، فإن أجازه فذاك، وإن لم يجزه فإن عليه الضمان- أي يضمن ما أخذ لنفسه ليؤدي به الزكاة عن صاحبه-. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى مسألة يفعلها بعض الناس الجهال وهي: أنه يكون فقيراً فيأخذ الزكاة، ثم يغنيه الله فيعطيه الناس على أنه لم يزل فقيراً، ثم يأخذها، فمن الناس من يأخذها

ويأكلها ويقول: أنا ما سألت الناس، وهذا رزق ساقه الله إلي، وهذا محرم؛ لأن من أغناه الله تعالى حرم عليه أن يأخذ شيئاً من الزكاة. ومن الناس من يأخذها ثم يعطيها غيره بدون أن يوكله صاحب الزكاة وهذا أيضاً محرم ولا يحل له أن يتصرف هذا التصرف وإن كان دون الأول، لكنه محرم عليه أن يفعل هذا، ويجب عليه ضمان الزكاة لصاحبه إذا لم يأذن له ولم يجز تصرفه. * * *

فتاوى الصيام

فتاوى الصيام

س 392: ما الحكمة من إيجاب الصوم؟

س 392: ما الحكمة من إيجاب الصوم؟ الجواب: إذا قرأنا قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم وهي التقوى والتعبُد لله سبحانه وتعالى، والتقوى هي ترك المحارم؛ وهي عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به، وترك المحظور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)) (¬1) . وعلى هذا يتأكد على الصائم القيام بالواجبات وكذلك اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال، فلا يغتاب الناس ولا يكذب، ولا ينمّ بينهم، ولا يبيع بيعاً محرماً، ويتجنب جميع المحرمات، وإذا فعل الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام. ولكن المؤسف أن كثيراً من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم ويوم فطرهم، فهم على العادة التي هم عليها من ترك الواجبات، وفعل المحرمات، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم وهذه الأفعال لا تبطل الصوم، ولكن تنقص من أجره، وربما عند المعادلة ترجح على أجر الصوم فيضيع ثوابه. * * * س393: هناك من ينادي بربط المطالع كلها بمطالع مكة حرصاً على وحدة الأمة في دخول شهر رمضان المبارك وغيره فما رأي فضيلتكم؟ ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصيام/ باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم (1903) .

الجواب: هذا من الناحية الفلكية مستحيل، لأن مطالع الهلال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تختلف باتفاق أهل المعرفة بهذا العلم، وإذا كانت تختلف فإن مقتضى الدليل الأثري والنظري أن يجعل لكل بلد حكمه. أما الدليل الأثري فقال الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة: 185) . فإذا قدر أن أناساً في أٌقصى الأرض ما شهدوا الشهر - أي الهلال- وأهل مكة شهدوا الهلال فكيف يتوجه الخطاب في هذه الآية إلى من لم يشهدوا الشهر؟! وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)) (¬1) متفق عليه، فإذا رآه أهل مكة مثلاً فكيف نلزم أهل باكستان ومن وراءهم من الشرقيين بأن يصوموا، مع أننا نعلم أن الهلال لم يطلع في أفقهم، والنبي صلى الله عليه وسلم علق ذلك بالرؤية. أما الدليل النظري فهو القياس الصحيح الذي لا تمكن معارضته، فنحن نعلم أن الفجر يطلع في الجهة الشرقية من الأرض قبل الجهة الغربية، فإذا طلع الفجر على الجهة الشرقية، فهل يلزمنا أن نمسك ونحن في ليل؟ الجواب لا. وإذا غربت الشمس في الجهة الشرقية ولكننا نحن في النهار فهل يجوز لنا أن نفطر؟ الجواب: لا. إذن الهلال كالشمس تماماً، فالهلال توقيته توقيت شهري، والشمس توقيتها توقيت يومي. والذي قال: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال ... " (1909) . ومسلم، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال (1081) .

س394: إذا انتقل الصائم من بلد إلى بلد وأعلن في البلد الأول رؤية هلال شوال فهل يفطر تبعا لهم علما بأن البلد الثاني لم ير فيه هلال شوال؟

أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (البقرة: 187) هو الذي قال: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) فمقتضى الدليل الأثري والنظري أن نجعل لكم مكان حكماً خاصًا به فيما يتعلق بالصوم والفطر، ويربط ذلك بالعلامة الحسية التي جعلها الله في كتابه وجعلها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سنته ألا وهو شهود القمر، وشهود الشمس أو الفجر. * * * س394: إذا انتقل الصائم من بلد إلى بلد وأعلن في البلد الأول رؤية هلال شوال فهل يفطر تبعاً لهم علماً بأن البلد الثاني لم ير فيه هلال شوال؟ الجواب: إذا انتقل الإنسان من بلد إسلامي إلي بلد إسلامي وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه فإنه يبقى معهم حتى يفطروا؛ لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وهذا وإن زاد عليه يوماً أو أكثر فهو كما لو سافر إلى بلد آخر يتأخر فيه غروب الشمس، فإنه قد يزيد على اليوم المعتاد ساعتين، أو ثلاثاً، أو أكثر، ولأنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلال لم ير فيه، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نصوم إلا لرؤيته وكذلك قال

س395: ما رأي فضيلتكم فيمن عمله شاق ويصعب عليه الصيام هل يجوز له الفطر؟

((لرؤيته)) (¬1) . وأما العكس مثل أن ينتقل من بلد تأخر ثبوت الشهر عنده إلى بلد تقدم فيه ثبوت الشهر فإنه يفطر معهم، ويقضي ما فاته من رمضان، إن فاته يوم قضي يوماً، وإن فاته يومان قضى يومين، وقلنا يقضي في الثانية لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، أو يزيد على الثلاثين يوماً، وقلنا له أفطر وإن لم تتم تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الهلال رؤي، فإذا رؤي فلابد من الفطر، ولما كنت ناقصاً عن تسعة وعشرين؛ لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرون يوماً لزمك أن تتم تسعة وعشرين بخلاف المسألة الأولى فإنك لا تفطر حتى يُرَ الهلال، فإن لم ير فإنك لا تزال في رمضان، فكيف تفطر فلزمك الصيام وإن زاد عليك الشهر فهو كزيادة الساعات في اليوم. * * * س395: ما رأي فضيلتكم فيمن عمله شاق ويصعب عليه الصيام هل يجوز له الفطر؟ الجواب: الذي أرى في هذه المسألة أن إفطاره من أجل العمل محرم ولا يجوز، وإذا كان لا يمكن الجمع بين العمل والصوم فليأخذ إجازة في رمضان حتى يتسنى له أن يصوم في رمضان؛ لأن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام لا يجوز الإخلال به. * * * ¬

(¬1) تقدم تخريجه في الفتوى السابقة.

س396: فتاة صغيرة حاضت وكانت تصوم أيام الحيض جهلا فماذا يجب عليها؟

س396: فتاة صغيرة حاضت وكانت تصوم أيام الحيض جهلاً فماذا يجب عليها؟ الجواب: يجب عليها أن تقضي الصيام الذي كانت تصومه في أيام حيضها، لأن الصيام في أيام الحيض لا يُقبل ولا يصح ولو كانت جاهلة؛ لأن القضاء لا حد لوقته. وهنا مسألة عكس هذه المسألة: امرأة جاءها الحيض وهي صغيرة، فاستحيت أن تخبر أهلها فكانت لا تصوم فهذه يجب عليها قضاء الشهر الذي لم تصمه لأن المرأة إذا حاضت صارت مكلفة؛ لأن الحيض إحدى علامات البلوغ. * * * س397: رجل ترك الصيام رمضان من أجل كسب عيشه وعيش من تحته من الذرية فما الحكم؟ الجواب أنه كما جاز للمريض أن يفطر فإنه يجوز لمن لا يستطيع العيش إلا بالإفطار أن يفطر، فهذا متأول ويقضي رمضان إن كان حيّاً أو يصام عنه إن كان ميتاً، فإن لم يصم عنه وليه فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكين. أما إذا تركه بغير تأويل فإن القول الراجح من أقوال أهل العلم، أن كل عبادة مؤقتة إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها بلا عذر فإنها لا تقبل منه، وإنما يكتفي منه بالعمل الصالح، وكثرة النوافل والاستغفار، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه ((من

س398: ما الأعذار المبيحة للفطر؟

عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬1) فكما أن العبادة المؤقتة لا تفعل قبل وقتها، فكذلك لا تفعل بعد وقتها، أما إذا كان هناك عذر كالجهل والنسيان فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النسيان: " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك (¬2) مع أن الجهل يحتاج إلى تفصيل وليس هذا موضع ذكره.: هذا الرجل الذي ترك صيام شهر رمضان بحجة أنه يكتسب العيش له ولأولاده، وإذا كان فعل ذلك متأولاًً يظن * * * س398: ما الأعذار المبيحة للفطر؟ الجواب: الأعذار المبيحة للفطر: المرض، والسفر، كما جاء في القرآن، ومن الأعذار أيضاً أن تكون المرأة حاملاً تخاف على نفسها أو على جنينها ومن الأعذار أيضاً أن تكون المرأة مرضعاً تخاف إذا صامت على نفسها أو على رضيعها، ومن الأعذار أيضاً أن يحتاج الإنسان إلى الفطر لإنقاذ معصوم من هلكة، مثل: أن يجد غريقاً في البحر، أو شخصاً بين أماكن محيطة به فيها نار فيحتاج في إنقاذه إلى الفطر فله حينئذ أن يفطر وينقذه، ومن ذلك أيضاً إذا احتاج الإنسان إلى الفطر للتقوى على الجهاد في سبيل الله، فإن ذلك من أسباب إباحة الفطر له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة الفتح: ((إنكم لاقوا العدو غداً، والفطر أقوى لكم فأفطروا)) (¬3) فإذا وجد السبب المبيح للفطر وأفطر الإنسان به فإنه لا يلزمه الإمساك ¬

(¬1) تقدم تخريجه (¬2) أخرجه مسلم: كتاب المساجد/ باب قضاء الصلاة الفائتة (314) . (¬3) أخرجه مسلم: كتاب الصيام/ باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل (1120) .

س399: رجل نام الليلة الأولى من رمضان قبل أن يثبت الشهر، ولم يبيت نية الصوم وعلم بعد أن طلع الفجر أن اليوم من رمضان فما العمل في مثل هذه الحال؟ وهل يقضي ذلك اليوم؟

بقية ذلك اليوم، فإذا قدر أن شخصاً قد أفطر إنقاذ معصوم من هلكة فإنه يستمر مفطراً ولو بعد إنقاذه، لأنه أفطر بسبب يبيح له الفطر فلا يلزمه الإمساك حينئذ لكون حرمة ذلك اليوم قد زالت بالسبب المبيح للفطر، ولهذا نقول بالقول الراجح في هذه المسألة: أن المريض لو برئ في أثناء النهار وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك، ولو قدم المسافر أثناء النهار إلى بلده وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك، ولو طهرت الحائض في أثناء النهار فإنه لا يلزمها الإمساك؛ لأن هؤلاء كلهم أفطروا بسبب مبيح للفطر، فكان ذلك اليوم في حقهم ليس له حرمة صيام، لإباحة الشرع الإفطار فيه فلا يلزمهم الإمساك، وهذا بخلاف ما إذا ثبت دخول شهر رمضان في أثناء النهار فإنه يلزم إمساك حينئذ، والفرق بينهما ظاهر؛ لأنه إذا قامت البينة في أثناء النهار فقد ثبت أن الإمساك في هذا اليوم واجب عليهم، لكنهم معذورون قبل قيام البينة بالجهل. ولهذا لو كانوا عالمين بأن هذا اليوم من رمضان لزمهم الإمساك، أما أولئك القوم الآخرون الذين أشرنا إليهم فقد أبيح لهم الفطر مع علمهم، فكان بينهما فرق ظاهر. * * * س399: رجل نام الليلة الأولى من رمضان قبل أن يثبت الشهر، ولم يبيت نية الصوم وعلم بعد أن طلع الفجر أن اليوم من رمضان فما العمل في مثل هذه الحال؟ وهل يقضي ذلك اليوم؟ الجواب: هذا الرجل الذي نام أول ليلة من رمضان قبل أن

س400: إذا أفطر الإنسان لعذر وزال العذر في أثناء النهار فهل يمسك بقية يومه؟

يثبت الشهر، ولم يبيت نية الصوم، ثم استيقظ وعلم بعد أن طلع الفجر بأن اليوم من رمضان فإنه إذا علم يجب عليه الإمساك ويجب عليه القضاء عند جمهور أهل العلم، ولم يخالف في ذلك فيما أعلم إلا شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله- فإنه قال: إن النية تتبع العلم وهذا لم يعلم، فهو معذور، فهو لم يترك تبييت النية بعد علمه، ولكنه كان جاهلاً، والجاهل معذور، وعلى هذا فإذا أمسك من حين علمه فصومه صحيح، ولا قضاء عليه على هذا القول. وأما جمهور العلماء فقد قالوا إنه يلزمه الإمساك، ويلزمه القضاء، وعللوا ذلك بأنه فاته جزءٌ من اليوم بلا نية. والذي أرى أن الاحتياط في حقه أن يقضي ذلك اليوم. * * * س400: إذا أفطر الإنسان لعذر وزال العذر في أثناء النهار فهل يمسك بقية يومه؟ الجواب: لا يلزمه الإمساك، وذلك أن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع، فالشرع يبيح للمضطر إلى تناول الدواء مثلاً أن يتناوله، لكن إذا تناوله أفطر، إذاً حرمة اليوم غير ثابتة في حقه لأنه أبيح له أن يفطر لكن عليه القضاء، وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعاً لا يستقيم، فما دام هذا الرجل لا ينتفع بالإمساك فلا نلزمه به. مثل ذلك: رجل رأى غريقاً في الماء، وقال: إن شربت أمكنني إنقاذه وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه، فيشرب وينقذه، ويأكل ويشرب بقية يومه، لأن هذا الرجل لم يكن هذا اليوم محترماً

س401: امرأة مصابة بجلطة ومنعها الأطباء من الصيام فما الحكم؟

في حقه حيث استباحه بمقتضى الشرع، فلا يلزمه الإمساك، ولهذا لو كان هناك شخص مريض هل نقول لهذا المريض: لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب لا إذا عطشت؟ بمعنى لا تأكل ولا تشرب إلا بقدر الضرورة، لا نقول له هذا، لأن المريض قد أبيح له الفطر، فكل من أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يلزمه الإمساك والعكس بالعكس فمن أفطر لغير عذر لزمه الإمساك؛ لأنه لا يحل له أن يفطر، وقد انتهك حرمة اليوم بدون إذن من الشرع، فنلزمه بالبقاء على الإمساك والقضاء. والله أعلم. * * * س401: امرأة مصابة بجلطة ومنعها الأطباء من الصيام فما الحكم؟ الجواب: قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185) . وإذا كان الإنسان مريضاً مرضاً لا يُرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، وكيفية الإطعام: أن يوزع عليهم طعاماً من الرز، ويحسن أن يكون معه ما يؤدمه من اللحم أو غيره، أو يدعو مساكين إلى العشاء، أو إلى الغداء فيعشيهم، أو يغديهم، هذا هو حكم المريض مرضاً لا يُرجى برؤه، وهذه المرأة المصابة بما ذكره السائل من هذا النوع، فيجب عليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. * * *

س402: متى وكيف تكون صلاة المسافر وصومه391؟

س402: متى وكيف تكون صلاة المسافر وصومه (¬1) ؟ الجواب: صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه، لقول عائشة - رضى الله عنها -: ((أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر)) ، وفي رواية: ((وزيد في صلاة الحضر)) (¬2) ، وقال أنس بن مالك - رضى الله عنه -: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة)) (¬3) . لكن إذا صلى مع إمام يتم صلّى أربعاً، سواء أدرك الصلاة من أولها أم فاته شيء منها؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) (¬4) فعموم قوله: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرهم. وسئل ابن عباس - رضي الله عنهما - ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد، وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟ فقال: " تلك السنة". ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر، لأن الله تعالى أمر بها في ¬

(¬1) ذكرت هنا الصلاة محافظة على الفتوى بنصها. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب تقصير الصلاة/ باب يقصر إذا خرج من موضعه (1090) . ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها/ باب صلاة المسافرين وقصرها (685) . (¬3) أخرجه البخاري: كتاب تقصير الصلاة/ باب ما جاء في التقصير (1081) . ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها (693) . (¬4) تقدم تخريجه.

حال القتال: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) (النساء: 102) . وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء، إلا أن يكون بعيداً، أو يخاف فوت رفقته، لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء، أو الإقامة. أما التطوع بالنوافل فإن المسافر يصلي جميع النوافل سوى راتبة الظهر، والمغرب، والعشاء، فيصلي الوتر، وصلاة الليل، وصلاة الضحى، وراتبة الفجر، وغير ذلك من النوافل غير الرواتب المستثناة. أما الجمع: فإن كان سائراً فالأفضل له أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير حسب الأيسر له، وكل ما كان أيسر فهو أفضل. وإن كان نازلاً فالأفضل أن لا يجمع، وإن جمع فلا بأس؛ لصحة الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما صوم المسافر في رمضان فالأفضل الصوم، وإن أفطر فلا بأس، ويقضي عدد الأيام التي أفطرها، إلا أن يكون الفطر أسهل له فالفطر أفضل؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه، والحمد لله رب العالمين. * * *

س403: ما حكم صوم المسافر مع المشقة؟

س403: ما حكم صوم المسافر مع المشقة؟ الجواب: إذا شق عليه الصوم مشقة محتملة فهو مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد ضلل عليه، والناس حوله زحام فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: صائم، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم:: ((ليس من البر الصيام في السفر)) (¬1) . وأما إذا شق عليه مشقة شديدة فإن الواجب عليه الفطر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما شكا إليه الناس أنهم قد شق عليهم الصيام أفطر، ثم قيل له: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة)) (¬2) . وأما من لا يشق عليه الصوم فالأفضل أن يصوم اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان يصوم، كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في حر شديد، وما منّا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة)) (¬3) . * * * س404: ما حكم صوم المسافر مع أن الصوم لا يشق على الصائم في الوقت الحاضر لتوفر وسائل المواصلات الحديثة؟ الجواب: المسافر له أن يصوم وله أن يفطر لقوله تعالى ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر: " ليس من البر الصوم في السفر" (1946) . ومسلم: كتاب الصيام/ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر من غير معصية ... (1115) . (¬2) أخرجه مسلم: كتاب الصيام/ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية (1114) . (¬3) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب 35 (1945) . ومسلم: كتاب الصيام/ باب التخيير في الصوم والفطر في السفر (1122) .

(وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) (البقرة: الآية185) وكان الصحابة رضي الله عنهم يسافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم الصائم، ومنهم المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر، قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: ((سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حر شديد، وما منا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة)) (¬1) . والقاعدة في المسافر أنه يخير بين الصيام والإفطار، ولكن إن كان الصوم لا يشق عليه فهو أفضل؛ لأن فيه ثلاث فوائد: الأولى: الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. والثانية: السهولة، سهولة الصوم على الإنسان؛ لأن الإنسان إذا صام مع الناس كان أسهل عليه. والفائدة الثالثة: سرعة إبراء ذمته. فإن كان يشق عليه فإنه لا يصوم، وليس من البر الصيام في السفر في مثل هذه الحال، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً قد ظلل عليه وحوله زحام فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: صائم، فقال: ((ليس من البر الصيام في السفر)) (¬2) فينزل هذا العموم على من كان في مثل حال هذا الرجل يشق عليه الصوم. وعلى هذا نقول: السفر في الوقت الحاضر سهل- كما قال السائل- لا يشق الصوم فيه غالباً، فإذا كان لا يشق الصوم فيه فإن الأفضل أن يصوم. * * * ¬

(¬1) تقدم تخريجه في الفتوى السابقة. (¬2) تقدم تخريجه في الفتوى السابقة.

س 405: المسافر إذا وصل إلى مكة صائما فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة؟

س 405: المسافر إذا وصل إلى مكة صائماً فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة؟ الجواب: نقول إن النبي صلى الله عيه وسلم دخل مكة في العشرين من رمضان من عام الفتح، وكان عليه الصلاة والسلام مفطراً، وكان يصلي ركعتين في أهل مكة ويقول لهم: ((يا أهل مكة أتموا، فإنا قوم سفر)) (¬1) وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً بقية الشهر، لأنه كان مسافراً، فلا ينقطع سفر المعتمر بوصوله إلى مكة، ولا يلزمه الإمساك إذا قدم مفطراً، وقد يكون بعض الناس مستمّراً في صيامه حتى في السفر، نظراً إلى أن الصيام في السفر في الوقت الحاضر ليس بشاق على الأمة، فيستمر في صيامه في سفره، ثم يقدم مكة ويكون متعباً، فيقول في نفسه هل أستمر على صيامي، وأؤجل العمرة إلى ما بعد الفطر، أم أفطر لأجل أن أؤدي العمرة فور وصولي إلى مكة؟ فنقول له في هذه الحال: الأفضل أن تفطر لأجل أن تؤدي العمرة فور وصولك إلى مكة وأنت نشيط؛ لأن السنة لمن قدم مكة لأداء نسك أن يبادر فوراً لأداء هذا النسك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة وهو في نسك بادر إلى المسجد، حتى كان ينيخ راحلته عند المسجد، ويدخله ليؤدي نسكه الذي كان متلبساً به، فكونك - أيها المعتمر- تفطر لتؤدي العمرة بنشاط في النهار، أفضل من كونك تبقى صائماً، ثم إذا أفطرت في الليل قضيت عمرتك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان صائماً في سفره لغزوة الفتح فجاء إليه ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب المغازي/ باب غزوة الفتح في رمضان (4275) .

س406: هل يجوز للمرضع أن تفطر؟ ومتى تقضي؟ وهل تطعم؟

الناس وقالوا: يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام، وأنهم ينتظرون ماذا تفعل، وكان ذلك بعد العصر، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فشربه، والناس ينظرون، فأفطر النبي صلى الله عليه وسم في أثناء السفر، بل أفطر في آخر اليوم (¬1) ، وكل هذا من أجل أن يبين للأمة أن ذلك جائز، وتكلف بعض الناس الصوم في السفر مع المشقة خلاف السنة بلا شك، وينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس من البر الصيام في السفر)) (¬2) . * * * س406: هل يجوز للمرضع أن تفطر؟ ومتى تقضي؟ وهل تطعم؟ الجواب: المرضع إذا كانت تخاف على ولدها من الصيام بحيث ينقص اللبن حتى يتضرر الطفل فإن لها أن تفطر، ولكنها تقضي فيما بعد لأنها تشبه المريض الذي قال الله فيه: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185) . فمتى زال المحذور تقضي إما في وقت الشتاء لقصر النهار وبرودة الجو، أو إذا لم يكن في الشتاء ففي العام القادم، أما الإطعام فلا يجوز إلا في حال كون المانع أو العذر مستمراً لا يرجى زواله فهذا هو الذي يكون فيه الإطعام بدلاً عن الصيام. * * * ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الصيام/ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية (1114) . (¬2) تقدم تخريجه.

س407: إذا قضى الصائم معظم النهار مسترخيا لشدة الجوع والعطش فهل يؤثر ذلك في صحة الصيام؟

س407: إذا قضى الصائم معظم النهار مسترخياً لشدة الجوع والعطش فهل يؤثر ذلك في صحة الصيام؟ الجواب: هذا لا يؤثر على صحة الصيام، وفيه زيادة أجر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة: ((أجرك على قدر نصبك)) (¬1) . فكلما زاد تعب الإنسان في طاعة الله زاد أجره، وله أن يفعل ما يخفف الصيام عليه كالتبرد بالماء، والجلوس في المكان البارد. س408: هل كل يوم يُصام في رمضان يحتاج إلى نية أم تكفي نية صيام الشهر كله؟ الجواب: يكفي في رمضان نية واحدة من أوله، لأن الصائم وإن لم ينو كل يوم بيومه في ليلته فقد كان ذلك في نيته من أول الشهر، ولكن لو قطع الصوم في أثناء الشهر لسفر، أو مرض، أو نحوه وجب عليه استئناف النية؛ لأنه قطعها بترك الصيام للسفر والمرض ونحوهما. * * * س409: النية الجازمة للفطر دون أكل أو شرب هل يفطر بها الصائم؟ الجواب: من المعلوم أن الصوم جامع بين النية والترك فينوي الإنسان بصومه التقرب إلى الله - عز وجل- بترك المفطرات، وإذا عزم على أنه قطعه فعلاً فإن الصوم يبطل، ولكنه إذا كان في رمضان ¬

(¬1) أخرجه البخاري كتاب العمرة/ باب أجر العمرة على قدر التعب (1787) . ومسلم: كتاب الحج/ باب إحرام النفساء ... (1211) (126) .

س410: ما الحكم إذا أكل الصائم ناسيا؟ وما الواجب على من رآه؟

يجب عليه الإمساك حتى تغيب الشمس؛ لأن كل من أفطر في رمضان لغير عذر لزمه الإمساك والقضاء. وأما إذا لم يعزم ولكن تردد فموضع خلاف بين العلماء: منهم من قال: إن صومه يبطل؛ لأن التردد ينافي العزم. ومنهم من قال: إنه لا يبطل؛ لأن الأصل بقاء النية حتى يعزم على قطعها وإزالتها. وهذا هو الراجح عندي لقوته، والله أعلم. * * * س410: ما الحكم إذا أكل الصائم ناسياً؟ وما الواجب على من رآه؟ الجواب: من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم فإن صيامه صحيح، لكن إذا تذكر فيجب عليه أن يقلع، حتى إذا كانت اللقمة أو الشربة في فمه فإنه يجب عليه أن يلفظها، ودليل تمام صومه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه من حديث أبي هريرة: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)) (¬1) ، ولأن النسيان لا يؤاخذ به المرء في فعل محظور لقوله - تعالى-: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال تعالى-: قد فعلت. أما من رآه فإنه يجب عليه أن يذكره؛ لأن هذا من تغيير المنكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) (¬2) ، ولا ريب أن أكل الصائم ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب إذا أكل أو شرب ناسياً (1933) . ومسلم: كتاب الصيام/ باب أكل الناسي وشربه وعلمه لا يفطر (1155) . (¬2) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان/ باب كون النهي عن المنكر من الإيمان (49) .

س411: ما حكم الكحل للصائم؟

وشربه حال صيامه من المنكر ولكنه يعفي عنه حال النسيان لعدم المؤاخذة، أما من رآه فإنه لا عذر له في ترك الإنكار عليه. * * * س411: ما حكم الكحل للصائم؟ الجواب: لا بأس على الصائم أن يكتحل، وأن يقطر في عينه، وأن يقطر كذلك في أذنه حتى وإن وجد طعمه في حلقه فإنه لا يفطر به، لأنه ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب والدليل إنما جاء في منع الأكل والشرب فلا يلحق بهما ما ليس في معناهما، وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- وهو الصواب، أما لو قطر في أنفه فدخل جوفه فإنه يفطر إن قصد ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) (¬1) . * * * س412: ما حكم السواك والطيب للصائم؟ الجواب: الصواب أن التسوك للصائم سنة في أول النهار وفي آخره، لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم: ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)) (¬2) . وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك ¬

(¬1) أخرجه أبو داود: كتاب الاستنثار (142) . والترمذي: كتاب الطهارة/ باب ما جاء في تخليل الأصابع (38) . والنسائي: كتاب الطهارة/ باب المبالغة في الاستنشاق (87) . وابن ماجة: كتاب الطهارة وسننها / باب تخليل الأصابع (448) . (¬2) أخرجه البخاري معلقاً: كتاب الصوم/ باب السواك الرطب واليابس للصائم.

س 413: ما هي مفسدات الصوم؟

مع كل صلاة)) (¬1) . وأما الطيب فكذلك جائز للصائم في أول النهار وفي آخره سواءً كان الطيب بخوراً، أو دهناً، أو غير ذلك، إلا أنه لا يجوز أن يستنشق البخور، لأن البخور له أجزاء محسوسة مشاهدة إذا استنشقه تصاعدت إلى داخل أنفه ثم إلى معدته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) (¬2) * * * س 413: ما هي مفسدات الصوم؟ الجواب: مفسدات الصوم هي المفطرات وهي: 1- الجماع. 2- الأكل. 3- الشرب. 4- إنزال المني بشهوة. 5- ما كان بمعنى الأكل والشرب. 6- القيء عمداً. 7- خروج الدم بالحجامة. 8- خروج دم الحيض والنفاس. أما الأكل والشرب والجماع فدليلها قوله تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الصيام، باب السواك الرطب واليابس للصائم. ومسلم: كتاب الطهارة/ باب السواك (25) . (¬2) تقدم تخريجه.

الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة: الآية187) . وأما إنزال المني بشهوة فدليله قوله تعالى في الحديث القدسي في الصائم: ((يدع طعامه ووشرابه وشهوته من أجلي)) (¬1) وإنزال المني شهوة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((في بضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجرا؟ قال أرأيتم لو وضعها في الحرام - أكان عليه وزر- فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) (¬2) والذي يوضع إنما هو المني الدافق، ولهذا كان القول الراجح أن المذي لا يفسد لصوم حتى وإن كان بشهوة ومباشرة بغير جماع. الخامس: ما كان بمعنى الأكل والشرب وهو الإبر المغذية التي يستغني بها عن الأكل والشرب؛ لأن هذه وإن كانت ليست أكلاً ولا شرباً لكنها بمعنى الأكل والشرب حيث يستغني بها عنهما، وما كان بمعنى الشيء فله حكمه، ولذلك يتوقف بقاء السم على تناول هذه الإبر بمعنى أن الجسم يبقى متغذياً على هذه الإبر التي لا تغذي ولا تقوم مقام الأكل والشرب فهذه لا تفطر سواء تناولها الإنسان في الوريد، أو في العضلات، أو في أي مكان من بدنه. السادس: القيء عمداً أي أن يتقيأ الإنسان ما في بطنه حتى ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجة: كتاب الصيام/ باب ما جاء في فضل الصيام (1638) . (¬2) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة/ باب بيان اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (1006) .

يخرج من فمه، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من استقاء عمداً فليقض، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه)) (¬1) ، والحكمة في ذلك أنه إذا تقيأ فرغ بطنه من الطعام، واحتاج البدن إلى ما يرد عليه هذا الفراغ، ولهذا نقول: إذا كان الصوم فرضاً فإنه لا يجوز للإنسان أن يتقيأ؛ لأنه إذا تقيأ أفسد صومه الواجب. وأما السابع: وهو خروج الدم بالحجامة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم ((أفطر الحاجم والمحجوم)) (¬2) وأما الثامن وهو خروج دم الحيض والنفاس فلقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: ((أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)) (¬3) وقد أجمع أهل العلم على أن الصوم لا يصح من الحائض، ومثلها النفساء. وهذه المفطرات وهي مفسدات الصوم لا تفسده إلا بشروط ثلاثة وهي: 1- العلم. 2- الذكر. 3- القصد. ¬

(¬1) أخرجه أبو داود: كتاب الصوم/ باب الصائم يستقيء عمداً (2380. والترمذي: كتاب الصوم/ باب ما جاء فيمن اتقاء عمداً (720) . (¬2) أخرجه البخاري معلقاً. كتاب الصوم/ الحجامة والقيء للصائم. والترمذي: كتاب الصوم/ باب كراهية الحجامة للصائم (774) . (¬3) أخرجه البخاري: كتاب الحيض/ باب ترك الحائض الصوم (304) . ومسلم: كتاب الإيمان/ باب بيان نقص الإيمان بنقص الطاعات (79) .

فالصائم لا يفسد صومه بهذه المفسدات إلا بهذه الشروط الثلاثة: الأول: أن يكون عالماً بالحكم الشرعي وعالماً بالحال أي بالوقت، فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي، أو بالوقت فصيامه صحيح لقول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: ((قد فعلت)) ولقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (الأحزاب: الآية5) وهذان دليلان عامان. ولثبوت السنة في ذلك في أدلة خاصة في الصوم، في الصحيح من حديث عدي بن حاتم-رضي الله عنه - أنه صام فجعل تحت وسادته عقالين- وهما الحبلان اللذان تشد بهما يد البعير إذا برك- أحدهما أسود، والثاني أبيض، وجعل يأكل ويشرب حتى تبين له الأبيض من الأسود، ثم أمسك، فلما أصبح غداً ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس المراد بالخيط الأبيض والأسود في الآية الخيطين المعروفين، وإنما المراد بالخيط الأبيض بياض النهار، وبالخيط الأسود سواد الليل، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصوم (¬1) ؛ لأنه كان جاهلاً بالحكم، يظن أن هذا معنى الآية الكريمة. وأما الجهل بالوقت ففي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب قول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (1916) . ومسلم: كتاب الصيام/ باب بيان إن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (1090)

بكر- رضي الله عنهما- قالت: ((أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس)) (¬1) ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنُقل إلى الأمة لقول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) . فلما لم ينقل مع توافر الدواعي على نقله عُلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم به، ولما لم يأمرهم به- أي بالقضاء - عُلم أنه ليس بواجب، ومثل هذا لو قام الإنسان من النوم يظن أنه في الليل فأكل أو شرب، ثم تبين له أن أكله وشربه كان بعد طلوع الفجر فإنه ليس عليه قضاء، لأنه كان جاهلاً. وأما الشرط الثاني: فهو أن يكون ذاكراً، وضد الذكر النسيان، فلو أكل أو شرب ناسياً فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه، لقول الله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: ((قد فعلت)) ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)) (¬2) الشرط الثالث: القصد وهو أن يكون الإنسان مختاراً لفعل هذا المفطر، فإن كان غير مختار فإن صومه صحيح سواء كان مكرهاً أم غير مكره، لقول الله تعالى في المكره على الكفر: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل: 106) ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس (1959) . (¬2) تقدم تخريجه.

فإذا كان حكم الكفر يغتفر بالإكراه فما دونه من باب أولى، وللحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن الله رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)) (¬1) وعلى هذا فلو طار إلى أنف الصائم غبار ووجد طعمه في حلقه ونزل إلى معدته فإنه لا يفطر بذلك؛ لأنه لم يتقصده، وكذلك لو أكره على الفطر فأفطر دفعاً للإكراه فإن صومه صحيح؛ لأنه غير مختار، وكذلك لو أحتلم فأنزل وهو نائم فإن صومه صحيح؛ لأن النائم لا قصد له، وكذلك لو أكره الرجل زوجته وهي صائمة فجامعها فإن صومها صحيح لأنها غير مختارة. وهاهنا مسألة يجب التفطن لها: وهي أن الرجل إذا أفطر بالجماع في نهار رمضان والصوم واجب عليه فإنه يترتب على جماعة خمسة أمور: الأول: الإثم. الثاني: وجوب إمساك بقية اليوم. الثالث: فساد صومه. الرابع: القضاء. الخامس: الكفارة. ولا فرق بين أن يكون عالماً بما يجب عليه في هذا الجماع أو جاهلاً، يعني أن الرجل إذا جامع في صيام رمضان والصوم واجب عليه، ولكنه لا يدري أن الكفارة تجب عليه، فإنه تترتب عليه أحكام الجماع السابقة؛ لأنه تعمد المفسد، وتعمده المفسد يستلزم ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجة: كتاب الطلاق / باب طلاق المكره والناسي (2043) .

س414: ما حكم استعمال بخاخ ضيق النفس للصائم وهل يفطر؟

ترتب الأحكام عليه، بل في حديث أبي هريرة أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ((ما أهلكك؟)) (¬1) قال وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، مع أن الرجل لا يعلم هل عليه كفارة أو لا، وفي قولنا: ((والصوم واجب عليه)) احتراز عما إذا جامع الصائم في رمضان وهو مسافر مثلاً فإنه لا تلزمه الكفارة، مثل أن يكون الرجل مسافراً بأهله في رمضان وهما صائمان، ثم يجامع أهله، فإنه ليس عليه كفارة، وذلك لأن المسافر إذا شرع في الصيام لا يلزمه إتمامه إن شاء أتمه، وإن شاء أفطر وقضى. * * * س414: ما حكم استعمال بخاخ ضيق النفس للصائم وهل يفطر؟ الجواب: هذا البخاخ يتبخر ولا يصل إلى المعدة، فحينئذ نقول لا بأس أن تستعمل هذا البخاخ وأنت صائم، ولا تفطر بذلك، لأنه كما قلنا: لا يدخل منه إلى المعدة أجزاء؛ لأنه شيء يتطاير ويتبخر ويزول، ولا يصل منه جرم إلى المعدة، فيجوز لك أن تستعمله وأنت صائم، ولا يبطل الصوم بذلك. * * * س415: هل القيء مفطر؟ الجواب: إذا قاء الإنسان متعمداً فإنه يفطر، وإن قاء بغير عمد فإنه لا يفطر والدليل على ذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب إذا جامع في رمضان ... (1936) . ومسلم: كتاب الصيام/ باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ... (1111) .

س416 خروج الدم من لثة الصائم هل يفطر؟

قال ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض)) (¬1) وإن غلبك القيء فإنك لا تفطر، فلو أحس الإنسان بأن معدته تموج، وأنها سيخرج ما فيها نقول له: لا تمنعه ولا تجذبه؟ قف موقفاً حياديّاً لا تستقيء، ولا تمنع لأنك إن استقيت أفطرت، وإن منعت تضررت، فدعه إذا خرج بغير فعل منك فإنه لا يضرك ولا تفطر بذلك. * * * س416 خروج الدم من لثة الصائم هل يفطر؟ الجواب: الدم الذي يخرج من الأسنان لا يؤثر على الصوم، لكن يحترز من ابتلاعه ما أمكن، وكذلك لو رعف أنفه واحترز من ابتلاعه، فإنه ليس عليه في ذلك شيء، ولا يلزمه قضاء. * * * س417: إذا طهرت الحائض قبل الفجر واغتسلت بعد طلوعه فما حكم صومها؟ الجواب: صومها صحيح إذا تيقنت الطهر قبل طلوع الفجر المهم أن تتيقن أنها طهرت، لأن بعض الناس تظن أنها طهرت وهي لم تطهر، ولهذا كانت النساء يأتين بالقطن لعائشة- رضى الله عنها- فيرُينها إياه علامة على الطهر، فتقول لهن: ((لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء)) ، فالمرأة عليها أن تتأنى حتى تتيقن أنها طهرت، ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س418: ما حكم قلع الضرس للصائم وهل يفطر؟

فإذا طهرت فإنها تنوي الصوم وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، ولكن عليها أيضاً أن تراعي الصلاة فتبادر بالاغتسال لتصلي صلاة الفجر في وقتها. وقد بلغنا أن بعض النساء تطهر بعد طلوع الفجر، أو قبل طلوع الفجر ولكنها تؤخر الاغتسال إلى ما بعد طلوع الشمس بحجة أنها تريد أن تغتسل غسلاً أكمل وأنظف وأطهر، وهذا خطأ في رمضان وفي غيره، ولأن الواجب عليها أن تبادر وتغتسل لتصلي الصلاة في وقتها، ولها أن تقتصر على الغسل الواجب لأداء الصلاة، وإذا أحبت أن تزداد طهارة ونظافة بعد طلوع الشمس فلا حرج عليها، ومثل المرأة الحائض من كان عليها جنابة فلم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا حرج عليها وصومها صحيح، كما أن الرجل لو كان عليه جنابة ولم يغتسل منها إلا بعد طلوع الفجر وهو صائم فإن لا حرج عليه في ذلك، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدركه الفجر وهو جنب من أهله فيصوم ويغتسل بعد طلوع الفجر صلى الله عليه وسلم (¬1) . والله أعلم * * * س418: ما حكم قلع الضرس للصائم وهل يفطر؟ الجواب: الدم الخارج بقلع الضرس ونحوه لا يفطر فإنه لا يؤثر تأثير الحجامة فلا يفطر به. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب اغتسال الصائم (1930) . ومسلم: كتاب الصيام / باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب (1109) .

س419: ما حكم تحليل الدم للصائم وهل يفطر؟

س419: ما حكم تحليل الدم للصائم وهل يفطر؟ الجواب: لا يفطر الصائم بإخراج الدم من أجل التحليل، فإن الطبيب قد يحتاج إلى الأخذ من دم المريض ليختبره، فهذا لا يفطر؛ لأنه دم يسير لا يؤثر على البدن تأثير الحجامة فلا يكون مفطراً، والأصل بقاء الصيام ولا يمكن أن نفسده إلا بدليل شرعي، وهنا لا دليل على أن الصائم يفطر بمثل هذا الدم اليسير، وأما أخذ الدم الكثير من الصائم من أجل حقنه في رجل محتاج إليه مثلاً، فإنه إذا أخذ منه الدم الكثير الذي يفعل بالبدن مثل فعل الحجامة فإنه يفطر بذلك، وعلى هذا فإذا كان الصوم واجباً فإنه لا يجوز لأحد أن يتبرع بهذا الدم الكثير لأحد، إلا أن يكون هذا المتبرع له في حالة خطرة لا يمكن أن يصبر إلى ما بعد الغروب وقرر الأطباء أن دم هذا الصائم ينفعه ويزيل ضرورته، فإنه في هذه الحال لا بأس أن يتبرع بدمه، ويفطر ويأكل ويشرب حتى تعود إليه قوته، ويقضي هذا اليوم الذي أفطره، والله أعلم. * * * س420: إذا استمنى الصائم فهل يفطر بذلك؟ وهل تجب عليه الكفارة؟ الجواب: إذا استمنى الصائم فأنزل أفطر، ووجب عليه قضاء اليوم الذي استمنى فيه، وليس عيه كفارة؛ لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع، وعليه التوبة مما فعل. * * *

س421: ما حكم شم الطيب للصائم؟

س421: ما حكم شم الطيب للصائم؟ الجواب: شم الطيب للصائم لا بأس به سواء كان دهناً أم بخوراً، لكن إذا كان بخرواً فإنه لا يستنشق دخانه؛ لأن الدخان له جرم ينفذ إلى الجوف فيكون مفطراً كالماء وشبهه، وأما مجرد شمه دون أن يستنشقه حتى يصل إلى جوفه فلا بأس به. * * * س422: الفرق بين شم البخور وبين القطرة حيث يفطر بالأول دون الثاني؟ الجواب: الفرق بينهما أن الذي يستنشقه قد تعمد أن يدخله إلى جوفه، وأما القطرة فإنه لم يقصد أن تصل إلى جوفه وإنما قصد أن يقطر في أنفه في الخياشيم فقط. * * * س423: ما حكم قطرة الأنف والعين والأذن للصائم؟ الجواب: قطرة الأنف إذا وصلت إلى المعدة فإنها تفطر لما جاء في حديث لقيط بن صبرة حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) (¬1) فلا يجوز للصائم أن يقطر في أنفه ما يصل إلى معدته، وأما ما لا يصل إلى ذلك من قطرة الأنف فإنها لا تفطر. وأما قطرة العين، ومثلها أيضاً الاكتحال، وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم؛ لأنها ليست منصوصاً عليها، ولا هي ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س424: من احتلم وهو صائم فهل صيامه صحيح؟

بمعنى المنصوص عليه، والعين ليست منفذاً للأكل والشرب وكذلك الأذن فهي كغيرها من مسام الجلد، وقد ذكر أهل العلم أن الإنسان لو لطخ باطن قدمه بشيء فوجد طعمه في حلقه فإنه لا يفطر بذلك؛ لأن ذلك ليس منفذاً، وعليه لا يكون من أكتحل، أو قطر في عينه، أو قطر في أذنه مفطراً بذلك ولو وجد طعمه في حلقه، ومثل هذا أيضاً لو ادّهن الصائم بدهن للعلاج، أو لغير العلاج فإنه لا يضره، وكذلك لو كان عنده ضيق نفس فاستعمل هذا الغاز الذي يبخ في الفم لأجل تسهيل التنفس، فإنه لا يفطر بذلك؛ لأن ذلك لا يصل إلى المعدة، فلا يكون أكلاً ولا شرباً. * * * س424: من احتلم وهو صائم فهل صيامه صحيح؟ الجواب: نعم صيامه صحيح فإن الاحتلام لا يبطل الصوم؛ لأنه بغير اختيار الإنسان، وقد رُفع القلم عنه في حال نومه، ومن المناسب أن أنبه على ما يفعله في هذا الزمان كثير من الناس يسهرون في ليالي رمضان، وربما يسهرون على أمر لا ينفعهم أو يضرهم، ثم إذا كان النهار يستغرقونه كله في النوم فإن هذا لا ينبغي بل الذي ينبغي أن يجعل الإنسان صيامه محلاً للطاعات والذكر وقراءة القرآن وغيرها مما يقرب إلى الله تبارك وتعالى. * * * ص425: ما حكم التبرد للصائم؟ الجواب: التبرد للصائم جائز لا بأس به، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصب على رأسه الماء من الحر، أو من العطش

س426: إذا تمضمض الصائم، أو استنشق فدخل الماء إلى جوفه هل يفطر بذلك؟

وهو صائم (¬1) ، وكان ابن عمر يبل ثوبه وهو صائم بالماء لتخفيف شدة الحرارة، أو العطش، والرطوبة لا تؤثر؛ لأنها ليست ماء يصل إلى المعدة. * * * س426: إذا تمضمض الصائم، أو استنشق فدخل الماء إلى جوفه هل يفطر بذلك؟ الجواب: إذا تمضمض الصائم، أو أستنشق فدخل الماء إلي جوفه لم يفطر؛ لأنه لم يتعمد ذلك، وقد قال الله تعالى ... (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (الأحزاب: 5) . * * * س427: ما حكم استعمال الصائم للروائح العطرية؟ الجواب: لا بأس أن يستعملها في نهار رمضان، وأن يستنشقها، إلا البخور فلا يستنشقه؛ لأن له جرماً يصل إلي المعدة وهو الدخان. * * * س428: هل الرعاف يفطر؟ الجواب: الرعاف لا يفطر ولو كان كثيراً، لأنه بغير قصد صاحبه. * * * ¬

(¬1) أخرجه أبو داود: كتاب الصيام/ باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ... (2365) .

س429: نرى بعض التقاويم في شهر رمضان يوضع فيه قسم يسمى ((الإمساك)) ويجعل قبل صلاة الفجر بنحو عشر دقائق، أو ربع ساعة فهل هذا له أصل من السنة أم هو من البدع؟ أفتونا مأجورين.

س429: نرى بعض التقاويم في شهر رمضان يوضع فيه قسم يسمى ((الإمساك)) ويجعل قبل صلاة الفجر بنحو عشر دقائق، أو ربع ساعة فهل هذا له أصل من السنة أم هو من البدع؟ أفتونا مأجورين. الجواب: هذا من البدع، وليس له أصل من السنة، بل السنة على خلافه، لأن الله قال في كتابه العزيز (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (البقرة: 187) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا آذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر)) (¬1) ، وهذا الإمساك الذي يصنعه بعض الناس زيادة على ما فرض الله - عز وجل- فيكون باطلاً، وهو من التنطع في دين الله وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون (¬2) * * * س430: من غربت عليه الشمس وأذن المؤذن وهو في أرض المطار فأفطر وبعد إقلاع الطائرة رأى الشمس فهل يمسك؟ الجواب: جوابنا على هذا أنه لا يلزم الإمساك؛ لأنه حان وقت الإفطار وهم في الأرض فقد غربت الشمس وهم في مكان غربت منه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يمنعكم ... " (1918) . ومسلم كتاب الصيام/ باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر ... (1092) . (¬2) أخرجه مسلم: كتاب العمل/ باب هلك المتنطعون (2670) .

س 431: ما حكم بلع البلغم، أو النخامة للصائم؟

النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)) (¬1) فإذا كان قد أفطر من غربت عليه الشمس وهو في أرض المطار فقد انتهى يومه فإذا انتهى يومه فإنه لا يلزمه الإمساك إلا في اليوم التالي. وعلى هذا فلا يلزم الإمساك في هذه الحال؛ لأن الفطر كان بمقتضى دليل شرعي فلا يلزم الإمساك إلا بدليل شرعي. * * * س 431: ما حكم بلع البلغم، أو النخامة للصائم؟ الجواب: البلغم، أو النخامة إذا لم تصل إلى الفم فإنها لا تفطر قولاً واحداً في المذهب، فإن وصلت إلى الفم ثم ابتلعها ففيه قولان لآهل العلم: منهم من قال: إنها تفطر، إلحاقاً لها بالأكل والشرب. ومنهم من قال: لا تفطر، إلحاقاً لها بالريق، فإن الريق لا يبطل به الصوم حتى لو جمع ريقه وبلعه فإن صومه لا يفسد. وإذا اختلف العلماء فالمرجع الكتاب والسنة، وإذا شككنا في هذا الأمر هل يفسد العبادة أو لا يفسدها؟ فالأصل عدم الإفساد وبناء على ذلك يكون بلع النخامة لا يفطر. والمهم أن يدع الإنسان النخامة ولا يحاول أن يجذبها إلى فمه من أسفل حلقه، ولكن إذا خرجت إلى الفم فليخرجها سواء كان صائماً أم غير صائم، أما التفطير فيحتاج إلى دليل يكون حجة للإنسان أمام الله عز وجل في إفساد الصوم. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب الصوم في السفر والإفطار (1941) .

س432: هل يبطل الصوم بتذوق الطعام؟

س432: هل يبطل الصوم بتذوق الطعام؟ الجواب: لا يبطل الصوم بتذوق الطعام إذا لم يبتلعه ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة إليه، وفي هذه الحال لو دخل منه شيء إلى بطنك بغير قصد فصومك لا يبطل. * * * س433: هل تحدث المرء بكلام حرام في نهار رمضان يفسد الصوم؟ الجواب: إذا قرأنا قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183) . عرفنا ماهي الحكمة من إيجاب الصوم وهي التقوى والتعبد لله سبحانه وتعالى، والتقوى هي ترك المحارم وهي عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به، وترك المحظور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)) (¬1) وعلى هذا يتأكد على الصائم اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال، فلا يغتاب الناس، ولا يكذب، ولا ينم بينهم، ولا يبيع بيعاً محرماً، ويجتنب جميع المحرمات شهرا ًكاملاً فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام. ولكن المؤسف أن كثيراً من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم وفطرهم، فهم على العادة التي هم عليها من الأقوال ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب من لم يدع قول الزور والعمل به (1903) .

س434: ما هي شهادة الزور؟ وهل تبطل الصوم؟

المحرمة من كذب، وغش، وغيره، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم، وهذه الأفعال لا تبطل الصوم، ولكن تنقص أجره، وربما عند المعادلة تضيع أجر الصوم. * * * س434: ما هي شهادة الزور؟ وهل تبطل الصوم؟ الجواب: شهادة الزور من أكبر الكبائر، وهي: أن يشهد الرجل بما لا يعلم، أو بما يعلم خلافه، ولا تبطل الصوم ولكنها تنقص أجره. * * * س435: ما هي آداب الصيام؟ الجواب: من آداب الصيام لزوم تقوى الله - عز وجل- بفعل أوامره واجتناب نواهيه لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) (¬1) ومن آداب الصوم أن يكثر من الصدقة، والبر، والإحسان إلى الناس، لاسيما في رمضان فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن. (¬2) ومنها أن يتجنب ما حرم الله عليه من الكذب، والسب، ¬

(¬1) تقدم تخريجه. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان (1902) .

س436: هل هناك دعاء مأثور عند الإفطار؟ وهل يتابع الصائم المؤذن أم يستمر في فطره؟

والشتم، والغش، والخيانة، والنظر المحرم، والاستمتاع إلى الشيء المحرم، وغير ذلك من المحرمات التي يجب على الصائم وغيره أن يتجنبها، ولكنها في حق الصائم أوكد. ومنها- أي من آداب الصيام - أن يتسحر، وأن يؤخر السحور لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تسحروا فإن في السحور بركه)) (¬1) . ومن آدابه - أيضاً- أن يفطر على رطب، فإن لم يجد فتمر، فإن لم يجد فعلى ماء، وأن يبادر بالفطر من حين أن يتحقق غروب الشمس، أو يغلب على ظنه أنها غربت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ... )) (¬2) * * * س436: هل هناك دعاء مأثور عند الإفطار؟ وهل يتابع الصائم المؤذن أم يستمر في فطره؟ الجواب: إن الدعاء عند الإفطار موطن إجابة للدعاء، لأنه في آخر العبادة، ولأن الإنسان أشد ما يكون غالباً من ضعف النفس عند إفطاره، وكلما كان الإنسان أضعف نفساً، وأرق قلباً كان أٌُقرب إلى الإنابة والإخبات لله عز وجل. والدعاء المأثور: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، ومنه أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم حين أفطر قال: ((ذهب الظمأ، وابتلت ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب بركة السحور ... (1932) . ومسلم: كتاب الصيام/ باب فضل السحور ... (1095) . (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب تعجيل الإفطار (1957) . ومسلم: كتاب الصيام/ باب فضل السحور ... (1098) .

س437: ما رأيكم في صيام الست من شوال لمن عليه قضاء؟

العروق وثبت الأجر إن شاء الله)) (¬1) . وهذان الحديثان وإن كان فيهما ضعف لكن بعض أهل العلم حسنهما، وعلى كل حال فإذا دعوت بذلك، أو دعوت بغيره مما يخطر على قلبك عند الإفطار فإنه موطن إجابة. وأما إجابة المؤذن والإنسان يفطر فهي مشروعة، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)) (¬2) ، يشمل كل حال من الأحوال، إلا ما دل على استثنائه. * * * س437: ما رأيكم في صيام الست من شوال لمن عليه قضاء؟ الجواب: الجواب على ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان، ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر)) (¬3) وإذا كان على الإنسان قضاء، وصام الست فهل صامها قبل رمضان أو بعد رمضان؟ مثال: هذا رجل صام من رمضان أربعة وعشرين يوماً، وبقي عليه ستة أيام، فإذا صام الست من شوال قبل أن يصوم ستة القضاء فلا يقال: إنه صام رمضان، ثم أتبعه ستّاً من شوال، لأنه لا يقال صام رمضان إي إذا أكمله، وعلى هذا فلا يثبت أجر صيام ستة أيام من شوال لمن صامها وعليه قضاء من رمضان. ¬

(¬1) أخرجه أبو داود: كتاب الصيام/ باب القول عند الإفطار (2357) . (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الأذان / باب ما يقول إذا سمع المنادي (611) ومسلم: كتاب الصلاة/ باب استحباب القول مثل قول المؤذن (384) (¬3) أخرجه مسلم: كتاب الصيام / باب استحباب صوم ستة أيام من شوال (1164) .

س438: مريض أفطر في رمضان وبعد أربعة أيام من دخول الشهر مات فهل يقضى عنه؟

وليست هذه المسألة من باب اختلاف العلماء في جواز تنفل من عليه قضاء بالصوم، لأن هذا الخلاف في غير أيام الست، أما أيام الست فهي تابعة لرمضان ولا يمكن أن يثبت ثوابها إلا لمن أكمل رمضان. * * * س438: مريض أفطر في رمضان وبعد أربعة أيام من دخول الشهر مات فهل يقضى عنه؟ الجواب: إذا كان هذا المرض الذي أصابه من الأمراض الطارئة فإنه لا يقضى عنه إذا استمر به حتى مات؛ لأن الله تعالى قال: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة: 185) . فيكون الواجب على هذا المريض أن يصوم عدة من أيام أخر، وإذا مات قبل أن يتمكن من ذلك سقطت عنه؛ لأنه لم يبلغ الزمن الذي يجب عليه فيه الصوم، فهو كمن مات في شعبان، فلا يجب عليه صيام رمضان المقبل، أما إذا كان المرض من الأمراض التي لا يرجى برؤها فإنه من الأصل يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً. * * * س439:: رجل عليه يوم من رمضان فلم يقضه حتى دخل عليه رمضان الثاني فكيف يصنع؟ الجواب: من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى يقول: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فهذا الرجل الذي أفطر لعذر شرعي عليه أن يقضيه

س440: ما هو الأفضل في صيام ستة أيام من شوال؟

امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، ويجب عليه أن يقضيه في سنته، فلا يؤخره إلى ما بعد رمضان الثاني؛ لقول عائشة- رضى الله عنها -: ((كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان)) ، وذلك لمكان رسول الله منها فقولها: ((ما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان)) (¬1) دليل على أنه لابد من القضاء قبل دخول رمضان الثاني، ولكن إذا أخره إلى ما بعد رمضان الثاني فإن عليه أن يستغفر الله، وأن يتوب إليه، وأن يندم على ما فعل، وأن يقضي هذ1 اليوم؛ لأن القضاء لا يفوت بالتأخير، فيقضي هذا اليوم ولو بعد رمضان الثاني، والله الموفق. * * * س440: ما هو الأفضل في صيام ستة أيام من شوال؟ الجواب: الأفضل أن يكون صيام ستة أيام من شوال بعد العيد مباشرة وأن تكون متتابعة كما نص على ذلك أهل العلم، لأن ذلك أبلغ في تحقيق الإتباع الذي جاء في الحديث: ((ثم أتبعه)) ولأن ذلك من السبق إلى الخير الذي جاءت النصوص بالترغيب فيه والثناء على فاعله، ولأن ذلك من الحزم الذي هو من كمال العبد فإن الفرص لا ينبغي أن تفوّت؛ لأن المرء لا يدري ما يعرض له في ثاني الحال وآخر الأمر، وهذا أعني المبادرة بالفعل وانتهاز الفرص ينبغي أن يسير العبد عليه في جميع أموره متى تبين الصواب فيها. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب متى يقضى قضاء الصوم (1950) .

س441: هل يجوز للإنسان أن يختار الأيام التي يصومها من شهر شوال، أم أن هذه الأيام لها وقت معلوم؟ وهل إذا صام المسلم هذه الأيام تصبح فرضا عليه ويجب عليه صيامها كل عام؟

س441: هل يجوز للإنسان أن يختار الأيام التي يصومها من شهر شوال، أم أن هذه الأيام لها وقت معلوم؟ وهل إذا صام المسلم هذه الأيام تصبح فرضاً عليه ويجب عليه صيامها كل عام؟ الجواب: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستّاً من شوال كان كصيام الدهر)) (¬1) . وهذه الست ليس لها أيام معدودة معينة، بل يختارها المؤمن من جميع الشهر، إن شاء صامها في أوله، وإن شاء صامها في أثنائه، وإن شاء صامها في آخره، وإن شاء فرقها، الأمر واسع بحمد الله، وإن بادر إليها وتابعها في أول الشهر كان ذلك أفضل من باب المسارعة إلى الخير، ولكن ليس في هذا ضيق بحمد الله، بل الأمر فيها واسع إن شاء تابع وإن شاء فرق، ثم إذا صامها بعض السنين وتركها بعض السنين فلا بأس؛ لأنها تطوع وليست فريضة. * * * س442: ما حكم صيام يوم عاشوراء؟ الجواب: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون اليوم العاشر من شهر المحرم، فقال النبي صلى الله عيه وسلم: ((أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه)) (¬2) . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه. وسئل عن فضل صيامه فقال صلى الله عليه وسلم ((احتسب على الله أن ¬

(¬1) تقدم تخريجه. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب صوم يوم عاشوراء (2004) . ومسلم: كتاب الصيام/ باب صوم يوم عاشوراء (1130) .

س443: ما حكم الصيام في شهر شعبان؟

يكفر السنة التي قبله)) (¬1) ، إلا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بعد ذلك بمخالفة اليهود بأن يصام العاشر ويوماً قبله وهو التاسع، أو يوماً بعده وهو الحادي عشر. وعليه فالأفضل أن يصوم يوم العاشر ويضيف إليه يوماً قبله، أو يوماً بعده. وإضافة اليوم التاسع إليه أفضل من الحادي عشر. فينبغي لك أخي المسلم أن تصوم يوم عاشوراء، وكذلك اليوم التاسع. * * * س443: ما حكم الصيام في شهر شعبان؟ الجواب: الصيام في شهر شعبان سنة والإكثار منه سنة حتى قالت عائشة رضي الله عنها: ((ما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان)) (¬2) فينبغي الإكثار من الصيام في شهر شعبان لهذا الحديث. قال أهل العلم: وصوم شعبان مثل السنن الرواتب بالنسبة للصلوات المكتوبة، ويكون كأنه تقدمه لشهر رمضان، أي كأنه راتبه لشهر رمضان، ولذلك سن الصيام في شهر شعبان، وسن الصيام ستة أيام من شهر شوال كالراتبة قبل المكتوبة وبعدها. وفي الصيام في شعبان فائدة أخرى وهي توطين النفس وتهيئتها للصيام لتكون مستعدة لصيام رمضان، سهلا عليها أداؤه. * * * ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الصيام/ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة (1162) . (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم شعبان (1969) .

س444: إذا كان الإنسان يصوم يوما ويفطر يوما ووافق يوم صومه يوم الجمعة فهل يجوز له صيامه أو لا؟

س444: إذا كان الإنسان يصوم يوماً ويفطر يوماً ووافق يوم صومه يوم الجمعة فهل يجوز له صيامه أو لا؟ الجواب: نعم يجوز للإنسان إذا كان يصوم يوماً ويفطر يوماً أن يصوم يوم الجمعة مفرداً، أو السبت، أو الأحد، أو غيرها من الأيام ما لم يصادف ذلك أياماً يحرم صومها، فإن صادف أياماً يحرم صومه وجب عليه ترك الصوم، فإذا قدر أن رجلاً كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، فصار فطره يوم الخميس، ويوم صومه يوم الجمعة فلا حرج عليه أن يصوم يوم الجمعة؛ لكن لأنه صادف اليوم الذي يصوم فيه، أما إذا صادف اليوم الذي يصوم فيه يوماً يحرم صومه فإنه يجب ترك الصوم كما لو صادف عيد الأضحى، أو أيام التشريق، وكما لو كانت امرأة تصوم يوماً وتفطر يومأً، فأتاها ما يمنع الصوم من حيض، أو نفاس فإنها لا تصوم حينئذ. * * * س445: ما هو صوم الوصال؟ وهل هو مشروع؟ الجواب: صوم الوصال أن لا يفطر الإنسان في يومين فيواصل الصيام يومين متتاليين وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وقال: ((من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)) (¬1) . والمواصلة للسحر من باب الجائز، وليست من باب المشروع، والرسول صلى الله عليه وسلم حث على تعجيل الفطر وقال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) (¬2) ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب الوصال إلى السحر (1967) . (¬2) تقدم تخريجه.

س 446: ما العلة في النهي عن تخصيص الجمعة بصيام؟ وهل يعم صيام القضاء؟

لكنه أباح لهم أن يواصلوا إلى السحر فقط، فلما قالوا: يا رسول الله إنك تواصل فقال: ((إني لست كهيئتكم)) (¬1) . * * * س 446: ما العلة في النهي عن تخصيص الجمعة بصيام؟ وهل يعم صيام القضاء؟ الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام)) (¬2) . والحكمة في النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام أن يوم الجمعة عيد للأسبوع فهو أحد الأعياد الشرعية الثلاثة؛ لأن الإسلام فيه أعياد ثلاثة هي عيد الفطر من رمضان وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة، فمن أجل هذا نهي عن إفراده بالصوم، ولأن يوم الجمعة يوم ينبغي فيه للرجال التقدم إلى صلاة الجمعة، والاشتغال بالدعاء، والذكر فهو شبيه بيوم عرفة الذي لا يشرع للحاج أن يصومه؛ لأنه مشتغل بالدعاء والذكر، ومن المعلوم أنه عند تزاحم العبادات التي يمكن تأجيل بعضها يقدم ما لا يمكن تأجيله على ما يمكن تأجيله. فإذا قال قائل: إن هذا التعليل بكونه عيداً للأسبوع يقتضي أن يكون صومه محرماً كيوم العيدين لا أفراده فقط. قلنا: إنه يختلف عن يوم العيدين؛ لأنه يتكرر في كل شهر ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الصوم/ باب بركة السحور في غير إيجاب (1922) . ومسلم: كتاب الصوم/ باب النهي عن الوصال (1102) . (¬2) أخرجه مسلم: كتاب الصيام/ باب كراهية صيام يوم الجمعة صيام يوم الجمعة منفرداً (1144) .

س447: إذا أفسد الإنسان صوم النفل بمفطر من المفطرات فهل يأثم؟ وإذا كان أفسده بالجماع فهل عليه كفارة؟

أربع مرات، فلهذا لم يكن النهي فيه على التحريم، ثم هناك أيضاً معاني أخرى في العيدين لا توجد في يوم الجمعة. وأما إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فإن الصيام حينئذ يُعلم بأنه ليس الغرض منه تخصيص يوم الجمعة بالصوم؛ لأنه صام يوماً قبله وهو الخميس، أو يوماً بعده وهو يوم السبت. أما قول السائل: هل هذا خاص بالنفل أم يعم القضاء؟ فإن ظاهر الأدلة العموم، وأنه يكره تخصيصه بصوم سواء كان لفريضة، أو نافلة، اللهم إلا أن يكون الإنسان صاحب عمل لا يفرغ من العمل ولا يتسنى أن يقضي صومه إلا في يوم الجمعة فحينئذ يكره له أن يفرده بالصوم؛ لأنه محتاج إلى ذلك. * * * س447: إذا أفسد الإنسان صوم النفل بمفطر من المفطرات فهل يأثم؟ وإذا كان أفسده بالجماع فهل عليه كفارة؟ الجواب: إذا صام الإنسان نفلاً ثم أفطر بأكل أو شرب أو جماع فلا إثم عليه؛ لأن كل من شرع في نافلة فإنه لا يلزمه إتمامها إلا في الحج والعمرة، ولكن الأفضل أن يتمه، وحينئذ ليس عليه كفارة إذا جامع في صوم النفل؛ لأنه لا يلزمه إتمامه. أما إذا كان الصوم فرضاً وجامع زوجته فإن ذلك لا يجوز؛ لأن صوم الفريضة لا يجوز قطعه إلا لضرورة، ولا تجب عليه الكفارة إلا إذا كان ذلك في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم وانتبه لقولنا ((وهو ممن يجب عليه الصوم)) فإن الرجل لو فرض أنه قد سافر هو وزوجته وصاما في السفر ثم جامعها فليس عليهما

س448: ما حكم الاعتكاف؟ وهل يجوز للمعتكف الخروج لقضاء الحاجة والأكل وكذلك الخروج للتداوي؟ وما هي سنن الاعتكاف؟ وكيفية الاعتكاف الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

إثم، وليس عليهما كفارة، وإنما عليه أن يقضي هو وزوجته ذلك اليوم الذي حصل فيه الجماع. * * * س448: ما حكم الاعتكاف؟ وهل يجوز للمعتكف الخروج لقضاء الحاجة والأكل وكذلك الخروج للتداوي؟ وما هي سنن الاعتكاف؟ وكيفية الاعتكاف الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: الاعتكاف لزوم المساجد للتخلي لطاعة الله عز وجل، وهو مسنون لتحري ليلة القدر، وقد أشار الله تعالى إليه في القرآن بقوله تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) (البقرة: الآية187) وثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف، واعتكف أصحابه معه (¬1) ، وبقي الاعتكاف مشروعاُ لم ينسخ، ففي الصحيحين عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده (¬2) وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضى الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط ثم قال: ((إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة (يعني ليلة القدر) ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الاعتكاف/ باب الاعتكاف (2036) . (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الاعتكاف/ باب الاعتكاف في العشر الأواخر (2026) . ومسلم: كتاب الاعتكاف/ باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان (1172) .

منكم أن يعتكف فليعتكف)) (¬1) ، فاعتكف الناس معه. وقال الإمام أحمد رحمه الله: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الاعتكاف مسنون. وعلى هذا يكون الاعتكاف مسنوناً بالنص والإجماع. ومحله المساجد التي تقام فيها الجماعة في أي بلد كان لعموم قوله تعالي: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) (البقرة: من الآية187) والأفضل أن يكون المسجد الذي تقام فيه الجمعة لئلا يحتاج إلى الخروج إليها. فإن اعتكف في غيره فلا بأس أن يبكر إلى صلاة الجمعة. وينبغي للمعتكف أن يشتغل بطاعة الله - عز وجل- من صلاة وقراءة قرآن، وذكر الله- عز وجل- لأن هذا هو المقصود من الاعتكاف، ولا بأس أن يتحدث إلى أصحابه قليلاً، ولا سيما إذا كان في ذلك فائدة. ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته. وأما خروجه من المسجد فقد قسمه الفقهاء إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: جائز، وهو الخروج لأمر لابد منه شرعاً، أو طبعاً، كالخروج لصلاة الجمعة، والأكل، والشرب إن لم يكن له من يأتيه بهما، والخروج للوضوء، والغسل الواجبين، ولقضاء حاجة البول والغائط. القسم الثاني: الخروج لطاعة لا تجب عليه كعيادة المريض، وشهود الجنازة، فإن اشترطه في ابتداء اعتكافه جاز، وإلا فلا. القسم الثالث: الخروج لأمر ينافي الاعتكاف كالخروج للبيت والشراء، وجماع أهله ونحو ذلك فهذا لا يجوز بشرط، ولا بغير شرط. والله الموفق. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الاعتكاف/ باب الاعتكاف في العشر الأواخر (2027) .

فتاوى الحج

فتاوى الحج

س 449: إذا حج من لا يصلي ولا يصوم فما حكم حجه وهو على تلك الحال؟ وهل يقضي ما ترك من العبادات إذا تاب إلى الله عز وجل؟

س 449: إذا حج من لا يصلي ولا يصوم فما حكم حجه وهو على تلك الحال؟ وهل يقضي ما ترك من العبادات إذا تاب إلى الله عز وجل؟ الجواب: ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة موجب للخلود في النار كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، وقول السلف- رحمهم الله- وعلى هذا فهذا الرجل الذي لا يصلي لا يحل له أن يدخل مكة لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) (التوبة: الآية28) . وحجه وهو لا يصلي غير مجزئ ولا مقبول، وذلك لأنه وقع من كافر، والكافر لا تصح منه العبادات لقوله تعالى:) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة: 54) . أما بالنسبة لما ترك من الأعمال السابقة فلا يجب عليه قضاؤها لقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (لأنفال: 38) . فعلى من وقع في ذلك أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، ويستمر في فعل الطاعات، والتقرب إلى الله عز وجل بكثرة الأعمال الصالحة ويكثر من الاستغفار والتوبة وقد قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53) وهذه الآية نزلت في التائبين فكل

س450: كثيرا ما نلاحظ بعضا من المسلمين وخاصة من الشباب من يتساهل في أداء فريضة الحج ويسوف في ذلك، ,أحيانا يتعذر بمشاغل فما حكم ذلك؟ وبماذا تنصحون هذا؟

ذنب يتوب العبد منه ولو كان شركاً بالله عز وجل فإن الله يتوب عليه. والله الهادي إلى سواء الصراط. * * * س450: كثيراً ما نلاحظ بعضاً من المسلمين وخاصة من الشباب من يتساهل في أداء فريضة الحج ويسوف في ذلك، ,أحياناً يتعذر بمشاغل فما حكم ذلك؟ وبماذا تنصحون هذا؟ وأحياناً نلاحظ بعضاً من الآباء يمنعون أبناءهم من أداء فريضة الحج بحجة الخوف عليهم، أو أنهم صغار مع أن شروط الحج متوفرة فيهم فما حكم فعل الآباء هذا؟ وما حكم طاعة الأبناء لآباءهم في ذلك؟ جزاكم الله خيراً ووفقكم لما فيه خيري الدنيا والآخرة. الجواب: من المعلوم أن الحج من أركان الإسلام ومبانيه العظام، وأنه لا يتم إسلام الشخص حتى يحج، إذا تمت في حقه شروط الوجوب؛ ولا يحل لمن تمت شروط الوجوب في حقه أن يؤخر الحج؛ لأن أوامر الله تعالى، ورسوله عليه الصلاة والسلام على الفور، ولأن الإنسان لا يدري ما يعرض له فربما يفتقر، أو يمرض، أو يموت. ولا يحل للآباء والأمهات أن يمنعوا أبناءهم من الحج إذا تمت شروط الوجوب في حقهم، وكانوا مع رفقة مؤتمنين في دينهم وأخلاقهم. ولا يجوز للأبناء أن يطيعوا آباءهم، أو أمهاتهم في ترك الحج مع وجوبه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، اللهم إلا أن

س451: من عليه دين هل يلزمه الحج؟

يذكر الآباء أو الأمهات مبرراً شرعياً لمنعم فحينئذ يلزم الأبناء تأخير الحج إلى أن يزول هذا المبرر للتأخير. أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح. * * * س451: من عليه دين هل يلزمه الحج؟ الجواب: إذا كان على الإنسان دين يستغرق ما عنده من المال فإنه لا يجب عليه الحج؛ لأن الله تعالى إنما أوجب الحج على المستطيع قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: الآية97) . ومن عليه دين يستغرق ما عنده لم يكن مستطيعاً للحج، وعلى هذا فيوفي الدين، ثم إذا تيسر له بعد ذلك فليحج. وأما إذا كان الدين أقل مما عنده بحيث يتوفر لديه ما يحج به من بعد أداء الدين فإنه يقضي دينه، ثم يحج حينئذ، سواء كان فرضاً أم تطوعاً، ولكن الفريضة يجب عليه أن يبادر بها، وغير الفريضة هو بالخيار إن شاء تطوع، وإن شاء أن لا يتطوع، وأن شاء أن لا يتطوع فلا إثم عليه. * * * س 452: من وكل شخصاً ليحج عن أمه ثم علم بعد ذلك أن هذا الشخص قد أخذ وكالات عديدة فما الحكم حينئذ؟ أفتونا غفر الله لكم. الجواب: الذي ينبغي للإنسان أن يكون حازماً في تصرفه، وأن لا يكل الأمر إلا إلى شخص يطمئن إليه في دينه، بأن يكون أميناً عالماً بما يحتاج إليه في مثل ذلك العمل الذي وكل إليه فإذا أردت أن

تعطي شخصاً ليحج عن أبيك المتوفى، أو أمك فعليك أن تختار من الناس من تثق به في علمه وفي دينه؛ وذلك لآن كثيراً من الناس عندهم جهل عظيم في أحكام الحج، فلا يؤدون الحج على ما ينبغي، وإن كانوا هم في أنفسهم أمناء، لكنهم يظنون أن هذا هو الواجب عليهم، وهم يخطئون كثيراً، ومثل هؤلاء لا ينبغي أن يعطوا إنابة في الحج لقصور علمهم، ومن الناس من يكون عنده علم لكن ليس لديه أمانة فتجده لا يهتم بما يقوله، أو يفعله في مناسك الحج لضعف أمانته ودينه، ومثل هذا أيضاً لا ينبغي أن يعطى أو أن يوكل إليه أداء الحج، فعلى من أراد أن ينيب شخصاً في الحج عنه أن يختار أفضل من يجده علماً وأمانة، حتى يؤدى ما طلب منه على الوجه الأكمل. وهذا الرجل الذي ذكر السائل أنه أعطاه ليحج عن والدته وسمع فيما بعد أنه أخذ حجات أخرى لغيره ينظر فلعل هذا الرجل أخذ الحجات عن غيره وأقام أناساً يؤدونها، وقام هو بأداء الحج عن الذي استنابه ولكن هل يجوز للإنسان أن يفعل هذا الفعل؟ أي: هل يجوز للإنسان أن يتوكل عن أشخاص متعددين في الحج أو في العمرة، ثم لا يباشر هو بنفسه ذلك، بل يكلها إلى ناس آخرين؟ فنقول في الجواب: إن ذلك لا يجوز ولا يحل، وهو من أكل المال بالباطل، فإن بعض الناس يتاجر في هذا الأمر تجده يأخذ عدة حجج، وعدة عمرات على أنه هو الذي سيقوم بها، ولكنه يكلها إلى فلان وفلان من الناس بأقل مما أخذ هو، فيكسب

س 453: شخص كبير في السن أحرم بالعمرة ولما وصل إلى البيت عجز عن أداء العمرة فماذا يصنع؟

أموالاً بالباطل، ويعطي أشخاصاً قد لا يرضونهم من أعطوه هذه الحجج أو العمرات، فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل في إخوانه، وفي نفسه؛ لأنه إذا أخذ مثل هذا المال فقد أخذه بغير حق، ولأنه إذا ائتمن من قبل إخوانه على أنه هو الذي يؤدي الحج، أو العمرة فإنه لا يجوز له أن يكل ذلك إلى غيره، لأن هذا الغير قد لا يرضاه من أعطاه هذه الحجج أو هذه العمرات. * * * س 453: شخص كبير في السن أحرم بالعمرة ولما وصل إلى البيت عجز عن أداء العمرة فماذا يصنع؟ الجواب: الجواب: أنه يبقى على إحرامه حتى ينشط إلا إذا كان قد اشترط عند الإحرام: ((إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)) ، فإنه يحل ولا شيء عليه، ولا عمرة، ولا طواف وداع، أما إذا لم يقل ذلك ولم يرجى زوال ما به فإنه يحتلل ويذبح فدية إذا كان واجداً لأن الله تعالى يقول: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (البقرة: 196) والنبي عليه الصلاة والسلام عندما أحصر عن إتمام عمرة الحديبية ذبح هديه وحل. * * * س 454: إذا حج الإنسان عن غيره بأجرة فبقي منها شيء فهل يأخذه؟ الجواب: إذا أخذ دراهم ليحج بها وزادت هذه الدراهم عن نفقة الحج فإنه لا يلزمه أن يردها إلى من أعطاه هذه الدراهم

س 455: إذا اعتمر الابن عن أبيه فهل يجوز له أن يدعو لنفسه؟

كان الذي أعطاه قال له: ((حج منها)) ولم يقل: ((حج بها)) فإذا قال ((حج منها)) فإنه إذا زاد شيء عن النفقة يلزمه أن يرده إلى صاحبه، فإن شاء عفا عنه، وإن شاء أخذه، وأما إذا قال: ((حج بها)) فإنه لا يلزمه أن يرد شيئاً إذا بقي، اللهم إلا إذا يكون الذي أعطاه رجلاً لا يدري عن أمور الحج، ويظن أن الحج يكلف مصاريف كثيرة فأعطاه بناء على ظنه وعدم معرفته فحينئذ يجب عليه أن يبين له، وأن يقول: إني حججت بكذا وكذا، وإن الذي أعطيتني أكثر مما أستحق، وحينئذ إذا رخص له فيه وسمح له فلا حرج. * * * س 455: إذا اعتمر الابن عن أبيه فهل يجوز له أن يدعو لنفسه؟ الجواب: يجوز أن يدعو لنفسه في هذه العمرة، ولأبيه ولمن شاء من المسلمين، لأن المقصود أن يأتي بأفعال العمرة لمن أرادها له. أما مسألة الدعاء فإنه ليس بركن ولا بشرط في العمرة فيجوز أن يدعو لنفسه، ولمن كانت له هذه العمرة، ولجميع المسلمين. * * * س 456: ما حكم الإستنابة في الحج أو العمرة؟ الجواب: توكيل الإنسان من يحج عنه لا يخلو من حالين: الحالة الأولى: أن يكون ذلك في فريضة. الحالة الثانية: أن يكون ذلك في نافلة. فإن كان ذلك في فريضة فإنه لا يجوز أن يوكل غيره ليحج عنه ويعتمر، إلا إذا كان في حال لا يتمكن بنفسه من الوصول إلى

البيت، لمرض مستمر لا يُرجى زواله، أو لكبر ونحو ذلك فإن كان يرجى زوال هذا المرض فإنه ينتظر حتى يعافيه الله، ويؤدي الحج بنفسه، وإن لم يكن لديه مانع من الحج بل كان قادراً على أن يحج بنفسه، فإنه لا يحل له أن يوكل غيره في أداء النسك عنه؛ لأنه هو المطالب به شخصياً قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: 97) فالعبادات يقصد بها أن يقوم الإنسان بنفسه فيها ليتم له التعبد والتذلل لله - سبحانه وتعالى- ومن المعلوم أن من وكل غيره فإنه لا يحصل على هذا المعنى العظيم الذي من أجله شرعت العبادات. وأما إذا كان الموكل قد أدى الفريضة وأراد أن يوكل عنه من يحج أو يعتمر فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم: فمنهم من أجازه. ومنهم من منعه. والأقرب عندي: المنع، وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه، أو يعتمر إذا كان ذلك نافلة، لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه، وكما إنه لا يوكل الإنسان أحداً يصوم عنه مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عن وليه، فكذلك في الحج والحج عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه، وليست عبادة مالية يقصد بها نفع الغير، وإذا كانت عبادة بدنية يقوم الإنسان فيها ببدنه فإنها لا تصح من غيره عنه إلا فيما وردت به السنة، ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حج نفل، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد -رحمه الله- أعني أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في نفل حج أو

س 457: هل يجوز الاعتمار عن الميت؟

عمرة، سواء كان قادراً أم غير قادر، ونحن إذا قلنا بهذا القول صار في ذلك حث على الأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم، لأن بعض الناس تمضى عليه السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام، فيفوته المعنى الذي من أجله شرع الحج بناء على أنه يوكل من يحج عنه. * * * س 457: هل يجوز الاعتمار عن الميت؟ الجواب: يجوز الاعتمار عن الميت كما يجوز الحج عنه، وكذلك الطواف عنه يجوز، وكذلك جميع الأعمال الصالحة تجوز عن الميت، قال الإمام أحمد - رحمه الله-: كل قربة فعلها وجعل ثوابها لحي أو ميت مسلم نفعه، ولكن الدعاء للميت أفضل من ثوابها لحي أو ميت مسلم نفعه، ولكن الدعاء للميت أفضل من إهداء الثواب له، والدليل على هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات إنسان أنقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) (¬1) ، ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: ((أو ولد صالح يتعبد له، أو يقرأ، أو يصلي، أو يعتمر، أو يصوم)) أو ما أشبه ذلك، مع أن الحديث في سياق العمل، فهو يتحدث عن العمل الذي ينقطع بالموت، فلو كان المطلوب من الإنسان أن يعمل لأبيه وأمه لقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وولد صالح يعمل له)) ، ولكن لو عمل الإنسان عملاً صالحاً وأهدى ثوابه لأحد من المسلمين فإن ذلك جائز. * * * ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الوصية/ باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (1632) .

س 458: إذا حجت المرأة بدون محرم فهل حجها صحيح؟ وهل الصبي المميز يعتبر محرما؟ والذي يشترط في المحرم؟

س 458: إذا حجت المرأة بدون محرم فهل حجها صحيح؟ وهل الصبي المميز يعتبر محرماً؟ والذي يشترط في المحرم؟ الجواب: حجها صحيح، لكن فعلها وسفرها بدون محرم محرَّم، ومعصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه عليه الصلاة والسلام قال: ((لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم)) (¬1) والصغير الذي لم يبلغ ليس بمحرم؛ لأنه هو نفسه يحتاج إلى ولاية وإلى نظر، ومن كان كذلك فلا يمكن أن يكون ناظراً أو وليّاً لغيره. والذي يشترط في المحرم أن يكون مسلماً، ذكراً، بالغاً، عاقلاً فإذا لم يكن كذلك فإنه ليس بمحرم. وهاهنا أمر نأسف له كثيراً وهو: تهاون بعض النساء في السفر بالطائرة بدون محرم، فإنهن يتهاون بذلك تجد المرأة تسافر في الطائرة وحدها، وتعليلهم لهذا الأمر يقولون: إن محرمها يشيعها في المطار الذي أقلعت منه الطائرة، والمحرم الآخر يستقبلها في المطار الذي تهبط فيه الطائرة، وهى في الطائرة آمنة. وهذه العلة عليلة في الواقع، فإن محرمها الذي شيعها ليس يدخلها في الطائرة، وإنما يدخلها في صالة الانتظار. وربما تتأخر الطائرة عن الإقلاع فتبقى هذه المرأة ضائعة. وربما تطير الطائرة ولا تتمكن من الهبوط في المطار الذي ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب جزاء الصيد/ باب حج النساء (1862) . ومسلم: كتاب الحج/ باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره (1341) .

س 459: امرأة تقول: أنوي أن أؤدي العمرة في رمضان ولكن برفقة أختي وزوجها ووالدتي فهل يجوز لي أن أذهب للعمرة معهم؟

تقصده لسبب من الأسباب، وتهبط في مكان آخر، فتضيع هذه المرأة. وربما تهبط في المطار الذي قصدته، ولكن لا يأتي محرمها الذي يستقبلها لسبب من الأسباب لمرض، أو نوم، أو حادث في سيارته منعه من الوصول، أو غير ذلك. وإذا انتفت هذه الموانع كلها، ووصلت الطائرة في وقت وصولها، ووجد المحرم الذي يستقبلها، فإنه من الذي يكون إلى جانبها في الطائرة قد يكون إلى جانبها رجل لا يخشى الله- تعالي- ولا يرحم عباد الله فيغريها وتغتر به، ويحصل بذلك الفتنة والمحظور كما هو معلوم. فالواجب على المرأة أن تتقي الله عز وجل، وأن لا تسافر إلا مع ذي محرم، والواجب أيضاً على أولياء النساء من الرجال الذين جعلهم الله قوامين على النساء أن يتقوا الله عز وجل، وأن لا يفرطوا في محارمهم، وأن لا تذهب غيرتهم ودينهم، فإن الإنسان مسؤول عن أهله، لأن الله تعالى جعلهم أمانة عنده، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6) * * * س 459: امرأة تقول: أنوي أن أؤدي العمرة في رمضان ولكن برفقة أختي وزوجها ووالدتي فهل يجوز لي أن أذهب للعمرة معهم؟

س460: ما هي مواقيت الحج الزمانية؟

الجواب: لا يجوز لك أن تذهبي للعمرة معهم؛ لأن زوج أختك ليس محرماً لك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم)) . فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((انطلق فحج مع امرأتك)) (¬1) ، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل مع هذه المرأة نساء؟ وهل كانت شابة أم عجوزاً؟ وهل كانت آمنة أم غير آمنة؟ وهذه السائلة إذا تخلفت عن العمرة من أجل أنه لا محرم لها فإنه لا إثم عليها، حتى ولو كانت لم تعتمر من قبل، لأن من شروط وجوب العمرة والحج أن يكون للمرأة محرم. س460: ما هي مواقيت الحج الزمانية؟ الجواب مواقيت الحج الزمانية تبتدئ بدخول شهر شوال، وتنتهي إما بعشر ذي الحجة، أي بيوم العيد، أو بآخر يوم من شهر ذي الحجة، وهو القول الراجح لقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات) (البقرة: 197) وأشهر جمع، والأصل في الجمع أن يراد به حقيقته، ومعنى هذا الزمن أن الحج يقع في خلال هذه الأشهر الثلاثة، وليس يُفعل في إي يوم منها، فإن الحج له أيام معلومة، إلا أن نسك الطواف والسعي إذا قلنا بأن شهر ذي الحجة كله وقت للحج، فإنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج إلى ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س 461: ما حكم الإحرام بالحج قبل دخول هذه المواقيت الزمانية؟

آخر يوم من شهر ذي الحجة، ولا يجوز له أن يؤخرهما عن ذلك، اللهم إلا لعذر، كما لو نفست المرأة قبل طواف الإفاضة، وبقي النفاس عليها حتى خرج ذي الحجة فهي معذورة في تأخير طواف الإفاضة. هذه هي المواقيت الزمنية في الحج. أما العمرة فليس لها ميقات زمني، تفعل في أي يوم من أيام السنة، لكنها في رمضان تعدل حجة، وفي أشهر الحج اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم كل عمره، فعمرة الحديبة كانت في ذي القعدة، وعمرة القضاء كانت أيضاً في ذي القعدة، وعمرة الجعرانة أيضا كانت في ذي القعدة، وعمرة الحج كانت أيضاً مع الحج في ذي القعدة، وهذا يدل على أن العمرة في أشهر الحج لها مزية وفضل، لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر لها. س 461: ما حكم الإحرام بالحج قبل دخول هذه المواقيت الزمانية؟ الجواب: اختلف العلماء- رحمهم الله- في الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج. فمن العلماء من قال أن الحج قبل أشهره ينعقد ويبقى محرماً بالحج، إلا أن يكره أن يحرم بالحج قبل دخول أشهره. ومن العلماء من قالوا: أن من يحرم بالحج قبل أشهره، فإنه لا ينعقد ويكون عمرة، أي يتحول إلى عمرة، لأن العمرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دخلت في الحج)) (¬1) وسماها النبي صلى الله عليه وسلم الحج الأصغر. ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الحج/ باب جواز العمرة في أشهر الحج (1241) .

س 462: ما مواقيت الحج المكانية؟

كما في حديث عمرو بن حزم المرسل المشهور (¬1) ، الذي تلقاه الناس بالقبول. * * * س 462: ما مواقيت الحج المكانية؟ الجواب: المواقيت المكانية خمسة: وهي ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، وذات عِرق. أما ذو الحليفة: فهي المكان المسمى الآن بأبيار علي، وهي قريبة من المدينة، وتبعد عن مكة بنحو عشر مراحل، وهي أبعد المواقيت عن مكة، وهي لأهل المدينة، ولمن مر به من غير أهل المدينة. وأما الجحفة: فهي قرية قديمة في طريق أهل الشام إلى مكة، وبينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل، وقد خربت القرية، وصار الناس يحرمون بدلاً منها من رابغ. وأما يلملم: فهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن إلى مكة، ويسمى اليوم: السعدية، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين. وأما قرن المنازل: فهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن إلى مكة، ويسمى الآن: السيل الكبير، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين أيضاً. فأما الأربعة الأولى، وهي ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، فقد وقَّتها النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ذات عرق، فقد وقتها ¬

(¬1) أخرجه الدارقطني في سننه (2/285) برقم (122) .

النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أهل السنن من حديث عائشة- رضى الله عنها- (¬1) وصح عن عمر - رضى الله عنه- أنه وقتها لأهل الكوفة والبصرة حين جاءوا إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً، وأنها جور عن طريقنا، فقال عمر رضى الله عنه -: انظروا إلى حذوها من طريقكم (¬2) . وعلى كل حال، فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر ظاهر، وإن لم يثبت، فإن هذا ثبت بسنة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - وهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أُمرنا باتباعهم، والذي جرت موافقاته لحكم الله - عز وجل- في عدة مواضع، ومنها هذا إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقتها، وهو أيضاً مقتضى القياس، فإن الإنسان إذا مر بميقات لزمه الإحرام منه، فإذا حاذاه صار كالمار به، وفي أثر عمر-رضي الله عنه- فائدة عظيمة في وقتنا هذا، وهو أن الإنسان إذا كان قادماً إلى مكة بالطائرة يريد الحج، أو العمرة، فإنه يلزمه إذا حاذى الميقات من فوقه أن يحرم منه عند محاذاته، ولا يحل له تأخير الإحرام إلى أن يصل إلى جدة كما يفعله كثير من الناس، فإن المحاذاة لا فرق أن تكون في البر، أو في الجو، أو في البحر. ولهذا يُحرم أهل البواخر التي تمر من طريق البحر فتحاذي يلملم أو رابغأً، يحرمون إذا حاذوا هذين الميقاتين. ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب على أهل مكة الحج والعمرة (1524) . ومسلم: كتاب الحج / باب مواقيت الحج والعمرة (1181) . (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب ذات عرق لأهل العراق (1531) .

س 463: ما حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام؟

س 463: ما حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام؟ الجواب: من تجاوز الميقات بدون إحرام فلا يخلو من حالين: إما أن يكون مريداً للحج أو العمرة، فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك، والحج أو العمرة، فإن لم يفعل فقد ترك واجباً من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك. وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج ولا العمرة، فإنه لا شيء عليه، سواء طالت مدة غيابة عن مكة أم قصرت، وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات في مروره هذا، لكان الحج يجب عليه أكثر من مرة أو العمرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله أن الحج لا يجب في العمرة إلا مرة، وأن ما زاد فهو تطوع، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم في من تجاوز الميقات بغير إحرام، أي أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة، فليس عليه شيء، ولا يلزمه الإحرام من الميقات. * * * س464: نية الدخول في النسك، هل هي التي يُتلفظ بها في التلبية؟ الجواب: التلبية أن يقول: لبيك عمرة إذا كان في عمرة، ولبيك حجّاً إذا كان في حج، أما التلبية فلا يجوز التلفظ بها، فلا يقول مثلاً: اللهم إني أريد العمرة، أو أريد الحج، فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

س 465: ما كيفية إحرام القادم إلى مكة جوا؟

س 465: ما كيفية إحرام القادم إلى مكة جوّاً؟ الجواب: إحرام القادم إلى مكة جوّاً يجب عليه إذا حاذي الميقات أن يحرم، وعلى هذا فيتأهب أولاً بالاغتسال في بيته، ثم يلبس الإحرام قبل أن يصل إلى الميقات، ومن حين أن يصل إلى الميقات ينوي الدخول في النسك، ولا يتأخر؛ لأن الطائرة مرها سريع، فالدقيقة يمكن أن تقطع بها مسافات كبيرة، وهذا أمر يغفل عنه بعض الناس، تجد بعض الناس لا يتأهب، فإذا أعلن موظف الطائرة بأنهم وصلوا الميقات، ذهب يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام، وهذا تقصير جدّاً، على أن الموظفين في الطائرة فيما يبدوا بدأوا ينبهون الناس قبل أن يصلوا إلى الميقات بربع ساعة أو نحوها، وهذا عمل يشكرونه عليه؛ لأنهم إذا نبهوهم قبل هذه المدة، جعلوا لهم فرصة في تغيير ثيابهم وتأهبهم، ولكن في هذه الحال ينبغي بل يجب على من أراد الإحرام أن ينتبه للوقت فإذا أعلن موظف الطائرة أنه قد بقي ربع ساعة، فلينظر على ساعته، حتى إذا مضى هذا الجزء الذي هو ربع الساعة أو قبله بدقيقتين أو ثلاث لبى بما يريد من النسك. * * * س 466: ما الحكم فيمن تجاوز الميقات بدون إحرام وهو يريد العمرة؟ الجواب: الواجب على من أراد الحج أو العمرة ومرّ بالميقات أن لا يتجاوز الميقات حتى يحرم منه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((يهل أهل

المدينة من ذي الحليفة ... .)) (¬1) إلخ وكلمة ((يهل)) خبر بمعنى الأمر، وعلى هذا فيجب على من أراد الحج أو العمرة إذا مر بالميقات أن يهل منه، ولا يتجاوزه، فإن فعل وتجاوز وجب عليه أن يرجع ليحرم منه، وإذا رجع وأحرم منه فلا فدية عليه، فإن أحرم من مكانه ولم يرجع فعليه عند أهل العلم فدية يذبحها ويوزعها على فقراء مكة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب ميقات أهل المدينة (1525) .

رسالة كيف يصلي الإنسان ويحرم في الطائرة؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أولاً: كيف يصلي الإنسان في الطائرة؟ 1- يصلي النافلة في الطائرة وهو جالس على مقعده حيث كان اتجاه الطائرة، ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض. 2- لا يصلي الفريضة في الطائرة إلا إذا كان يتمكن من الاتجاه إلى القلبة في جميع الصلاة، ويتمكن أيضاً من الركوع، والسجود، والقيام، والقعود. 3- إذا كان لا يتمكن من ذلك فإنه يؤخر الصلاة حتى يهبط في المطار فيصلى على الأرض، فإن خاف خروج الوقت قبل الهبوط أخرها إلى وقت الثانية إن كانت مما يُجمع إليها كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء. فإن خاف خروج وقت الثانية صلاهما في الطائرة قبل أن يخرج الوقت، ويفعل ما يستطيع من شروط الصلاة وأركانها، وواجباتها. (مثلاً) لو أقلعت الطائرة قبيل غروب الشمس وغابت الشمس وهو في الجو فإنه لا يصلي المغرب حتى تهبط في المطار، وينزل فيصلي على الأرض، فإن خاف خروج وقت المغرب أخرها إلى وقت العشاء، فصلاهما جمع تأخير بعد نزوله، فإن خاف خروج

وقت العشاء وذلك عند منتصف الليل صلاهما قبل أن يخرج الوقت في الطائرة. 4- وكيفية صلاة الفريضة في الطائرة أن يقف ويستقبل القبلة فيكبر، ويقرأ الفاتحة وما تسن قراءته قبلها من الاستفتاح، أو بعدها من القرآن، ثم يركع، ثم يرفع من الركوع ويطمئن قائماً، ثم يسجد، ثم يرفع من السجود ويطمئن جالساً، ثم يسجد الثانية ثم يفعل كذلك في بقية صلاته، فإن لم يتمكن من السجود جلس وأومأ بالسجود جالساً، وإن لم يعرف القبلة ولم يخبره أحد يثق به اجتهد وتحرى وصلى حيث كان اجتهاده. 5- تكون صلاة المسافر في الطائرة قصراً فيصلى الرباعية ركعتين كغيره من المسافرين. ثانياً: كيف يحرم بالحج والعمرة من سافر في الطائرة؟ 1- يغتسل في بيته ويبقى في ثيابه المعتادة، وإن شاء لبس ثياب الإحرام. 2- فإذا اقتربت الطائرة من محاذاة الميقات لبس ثياب الإحرام إن لم يكن لبسها من قبل. 3- فإذا حاذت الطائرة الميقات نوى الدخول في النسك، ولبى بما نواه من حج أو عمرة. 4- فإن أحرم قبل محاذاة الميقات احتياطاً خوفاً من الغفلة، أو النسيان فلا بأس. * * *

س 467: من سافر من بلده إلى جدة ثم أراد العمرة فهل يحرم من جدة؟

س 467: من سافر من بلده إلى جدة ثم أراد العمرة فهل يحرم من جدة؟ الجواب: لا يخلو الأمر من حالين: 1- أن يكون الإنسان قد سافر إلى جدة بدون نية العمرة ولكن طرأت له العمرة وهو في جدة، فإنه يحرم من جدة، ولا حرج في ذلك لحديث ابن عباس- رضي الله عنهما- حين ذكر المواقيت قال: ((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشئ، حتى أهل مكة من مكة)) (¬1) 2- أن يكون سافر من بلده بنية العمرة عازماً عليها فإن يجب في هذه الحالة أن يحرم من الميقات الذي يمر به، ولا يجوز الإحرام من جدة، لأنها دون الميقات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقت المواقيت فقال: ((هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة)) (¬2) فإن أحرم من جدة ونزل إلى مكة في هذه الحال فإن عليه عند أهل العلم فدية دماً يذبحه في مكة، ويتصدق به على الفقراء وعمرته صحيحة، فإن لم يحرم من جدة بعد وصوله إليها وهو ناوٍ العمرة قبل وصوله فإنه يرجع إلى الميقات ويحرم منه، ولا شيء عليه. * * * ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب مهل أهل مكة للحج والعمرة (1524) . (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب مهل من كان دون المواقيت (1529) .

س468: ما حكم الاغتسال للمحرم بعد لبس الإحرام؟

س468: ما حكم الاغتسال للمحرم بعد لبس الإحرام؟ الجواب: الاغتسال للمحرم لا بأس به لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء اغتسل مرة، أو مرتين، ولكنه يجب أن يغتسل إذا احتلم وهو محرم فيغتسل عن الجنابة، وأما الاغتسال للإحرام فهو سنة. * * * س 469: ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان جدّاً للإنسان وقد حج النائب عن نفسه؟ الجواب: لا حرج أن يحج الإنسان عن جده الذي لم يحج لأن ذلك قد جاءت به بالسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. * * * س 470: هل للإحرام صلاة تخصه؟ الجواب: ليس للإحرام صلاة تخصه، لكن إذا وصل الإنسان إلى الميقات، وهو قريب من وقت الفريضة فالأفضل أن يؤجل الإحرام حتى يصلي الفريضة ثم يحرم، أما إذا وصل إلى الميقات في غير وقت فريضة فإنه كما هو معلوم يغتسل كما يغتسل من الجنابة، ويتطيب، ويلبس ثياب الإحرام، ثم إن أراد أن يصلي صلاة الضحى فيما إذا كان في وقت الضحى، أو أن يصلى سنة الوضوء فيما إذا لم يكن وقت الضحى وأحرم بعد ذلك فحسن، وأما أن يكون هناك صلاة خاصة للإحرام فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم. * * *

س 471: من اعتمر في أشهر الحج ثم سافر إلى المدينة وأحرم بالحج من أبيار علي فهل يكون متمتعا؟

س 471: من اعتمر في أشهر الحج ثم سافر إلى المدينة وأحرم بالحج من أبيار علي فهل يكون متمتعاً؟ الجواب: ما دام هذا الرجل حين أتى بالعمرة في أشهر الحج قد عزم أن يحج من عامه فإنه يكون متمتعاً، لأن سفره بين العمرة والحج لا يبطل التمتع إلا إذا رجع إلى بلده، وأنشأ السفر من بلده إلى الحج فحينئذ ينقطع تمتعه؛ لأنه أفرد كل نسك بسفر مستقل فهذا الرجل الذي ذهب إلى المدينة بعد أن أدى العمرة ثم أحرم بالحج من أبيار علي يلزمه هدي التمتع لعموم قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (البقرة: 196) . * * * س 472: من احرم بالعمرة في شوال وأتمها وهو لم يرد الحج ثم تيسر له الحج فهل يكون متمتعاً؟ الجواب: ليس بمتمتع فلا يجب عليه هدي. * * * س 473: ما هي التلبية التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومتى تقطع التلبية في العمرة والحج؟ الجواب: التلبية التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك (¬1) . وروى الإمام أحمد- رحمه الله- زيادة: ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الحج / باب التلبية (1549) . ومسلم: كتاب الحج/ باب التلبية وصفتها (1184) .

س 474: هل يجوز للمحرم تمشيط شعره؟

لبيك إله الحق (¬1) . وإسناده حسن. وتقطع التلبية في العمرة إذا شرع في الطواف، وفي الحج إذا شرع في رمي جمرة العقبة يوم العيد، لما روى الترمذي من حديث ابن عباس رضى الله عنهما يرفع الحديث ((أنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر)) (¬2) ، صححه الترمذي لكن فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعفه الأكثرون، وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى فكلاهما قال: ((لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة)) (¬3) ، أخرجاه في الصحيحين، وعند مالك يقطع التلبية في العمرة إذا وصل الحرم، وقيل: يقطعها إذا وصل البيت أو رآه. ومعنى لبيك: إقامة على طاعتك وإجابة لدعواتك، ولفظه لفظ المثنى ومعناه الكثرة. * * * س 474: هل يجوز للمحرم تمشيط شعره؟ الجواب: تمشيط المحرم شعره لا ينبغي، لأن الذي ينبغي للمحرم أن يكون أشعث أغبر، ولا حرج عليه أن يغسله، وأما تمشيطه فإنه عرضة لتساقط الشعر، ولكن إذا سقط شعر من المحرم بدون قصد إما لحك رأسه أو لفركه وما أشبه ذلك فإنه لا حرج عليه ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد. (¬2) أخرجه أبو داود: كتاب المناسك/ باب متى يقطع المعتمر التلبية (1817) . والترمذي كتب الحج/ باب ما جاء متى تقطع التلبية في العمرة (1919) . (¬3) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب الركوب والترادف في الحج (1543) .

س 475: حاج قصر من بعض شعره جهلا منه وتحلل فما يلزمه؟

في هذا، لأنه غير معتمد إزالته، وليعلم أن جميع محظورات الإحرام إذا لم يتعمدها الإنسان ووقعت منه على سبيل الخطأ، أو على سبيل النسيان فإنه لا حرج عليه فيها؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: (ْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب: 5) . وقال سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: 286) . فقال الله تعالى: قد فعلت. وفي خصوص الصيد وهو من محظورات الإحرام قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (المائدة: من الآية95) وهذا القيد وهو قوله تعالى (مُتَعَمِّداً) يفيد أن من قتله غير متعمد فليس عليه جزاء وهذا القيد قيد احترازي؛ لأنه قيد مناسب للحكم وذلك أن المتعمد هو الذي يناسبه إيجاب الجزاء، وأما غير المعتمد فلا يناسبه إيجاب الجزاء لما علم من هذا الدين الإسلامي من أنه دين السماحة والسهولة واليسر وعلى هذا فنقول: جميع محظورات الإحرام بدون استثناء إذا فعلها الإنسان جاهلاً، أو ناسياً فإنه لا يترتب عليه شيء من أحكامها، لا من وجوب الفدية، ولا من فساد النسك فيما يفسد النسك كالجماع وغير ذلك. هذا هو الذي تقتضيه الأدلة الشرعية التي أشرنا إليها. * * * س 475: حاج قصَّر من بعض شعره جهلاً منه وتحلل فما يلزمه؟ الجواب: هذا الحاج الذي قصر من بعض شعره جاهلاً بذلك

س 476: إذا دخل الآفاقي مكة بدون إحرام من أجل أن يتحايل على ولاة الأمر بعدم إرادة الحج، ثم أحرم من مكة فهل حجه صحيح؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيرا.

ثم تحلل لا شيء عليه في هذا التحلل؛ لأنه جاهل، ولكن بقى عليه إتمام التقصير لشعر رأسه. وإنني بهذه المناسبة أنصح إخواني إذا أرادوا شيئاً من العبادات أن لا يدخلوا فيها حتى يعرفوا حدود الله عز وجل فيها لئلا يتلبسوا بأمر يخل بهذه العبادة، لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108) وقوله تعالى (ِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر: من الآية9) . فكون الإنسان يعبد الله عز وجل على بصيرة عالماً بحدوده في هذه العبادة خير بكثير من كونه يعبد الله سبحانه وتعالى على جهل، بل مجرد تقليد لقوم يعلمون أو لا يعلمون. * * * س 476: إذا دخل الآفاقي مكة بدون إحرام من أجل أن يتحايل على ولاة الأمر بعدم إرادة الحج، ثم أحرم من مكة فهل حجه صحيح؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً. الجواب: أما حجه فصحيح، وأما فعله فحرام، حرام من وجهين: أحدهما: تعدي حدود الله - سبحانه وتعالى- بترك الإحرام من الميقات. والثاني: مخالفة أمر ولاة الأمور الذين أمرنا بطاعتهم في غير معصية الله، وعلى هذا يلزمه أن يتوب إلى الله، ويستغفره مما وقع، وعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء لتركه الإحرام من الميقات

س 477: إذا رجع المتمتع إلى بلده ثم أنشأ سفرا للحج من بلده فهل يعتبر مفردا؟

على ما قاله أهل العلم من وجوب الفدية على من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة. * * * س 477: إذا رجع المتمتع إلى بلده ثم أنشأ سفراً للحج من بلده فهل يعتبر مفرداً؟ الجواب: نعم إذا رجع المتمتع إلى بلده ثم أنشأ سفراً للحج من بلده فهو مفرد، وذلك لانقطاع ما بين العمرة والحج برجوعه إلى أهله، فإنشاؤه السفر معناه أنه أنشأ سفراً جديداً للحج وحينئذ يكون حجه إفراداًَ، فلا يجب عليه هدي التمتع حيئنذ، لكن لو فعل ذلك تحيلاً على إسقاط الهدي فإنه لا يسقط عنه؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يقتضي إسقاطه، كما أن التحيل على المحرم لا يقتضي حله. * * * س 478: ما حكم استعمال المظلة للمحرم؟ وكذلك الحزام مع العلم أنه مخيط؟ الجواب: حمل المظلة على الرأس وقاية من حر الشمس لا بأس به، ولا حرج فيه، ولا يدخل هذا في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تغطية الرأس - رأس الرجل- لأن هذا ليس تغطية، بل هو تظليل من الشمس والحر، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه أسامة بن زيد، وبلال أحدهما أخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر

س 479: شخص معاق لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فكيف يصنع؟

رافع ثوباً يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة (¬1) ، وفي رواية: والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس، وهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استظل بهذا الثوب وهو محرم قبل أن يتحلل. أما وضع الحزام على إزاره فإنه لا بأس به، ولا حرج فيه، وقول السائل: ((مع أنه مخيط)) هذا القول مبني على فهم خاطىء من بعض العامة، حيث ظنوا أن معنى قول العلماء: ((يحرم على المحرم لبس المخيط)) ظنوا أن المراد به ما كان فيه خياطة، وليس كذلك بل مراد أهل العلم بلبس المخيط ما كان مصنوعاً على قدر العضو، ولبس على هيئته المعتادة كالقميص والسراويل، والفنيلة وما أشبه ذلك، وليس مراد أهل العلم ما كان به خياطة، ولهذا لو أن الإنسان أحرم برداء مرقع أو بإزار مرقع لم يكن عليه في ذلك بأس، وإن كان قد خيط بعضه ببعض. * * * س 479: شخص معاق لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فكيف يصنع؟ الجواب: إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فإنه يلبس ما يقدر عليه من اللباس الآخر، وعليه عند أهل العلم أما أن يذبح في مكة شاة يفرقها على الفقراء، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام، هكذا قال أهل العلم قياساً على ما جاء في حلق شعر الرأس حيث قال الله تعالى ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الحج/ باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً (1298) .

س 480: ما حكم من جامع وهو محرم بالحج جاهلا تحريم الجماع؟

(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (البقرة: 196) وقد فصل النبي صلى الله عليه وسلم الصيام والصدقة بما ذكرناه. * * * س 480: ما حكم من جامع وهو محرم بالحج جاهلاً تحريم الجماع؟ الجواب: من المعلوم أن الجماع من محظورات الإحرام، قال الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ) (البقرة: 197) والرفث والجماع ومقدماته، فالجماع أعظم محظورات الإحرام، إذا جامع الإنسان وهو محرم بالحج فإما أن يكون قبل التحلل الأول، أو بعد التحلل الأول، فإن كان قبل التحلل الأول ترتب على جماعه أمور: أولاً: فساد النسك بحيث لا يجزئه عن نافلة ولا عن فريضة. ثانياً: الإثم. ثالثاً: وجوب المضي فيه، أي أنه مع فساده يستمر ويكمله ويبقى هذا النسك الفاسد كالنسك الصحيح في جميع أحكامه. رابعاً: وجوب القضاء من العام القادم، سواء كان ذلك الحج فريضة أم نافلة، أما إذا كان فريضة فوجوب القضاء ظاهر لأن الحج الذي جامع فيه لم تبرأ به ذمته، وأما إذا كان نافلة فلأن نافلة الحج يجب المضى فيها لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه) (البقرة: 196) وقد سمى الله تعالى التلبس بالحج فرضاً فقال: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَج) (البقرة: 197) فلهذا

قلنا إنه يجب عليه قضاء هذا الحج الفاسد سواء كان فرضاً أم نفلاً. الأمر الخامس مما يترتب عليه: أنه يذبح بدنه، كفارة عن فعله يوزعها على الفقراء، وإن ذبح عنها سبعاً من الغنم فلا بأس. هذا حكم الجماع قبل التحلل الأول. أما إذا كان الجماع بعد التحلل الأول فإنه يترتب عليه الإثم وفساد الإحرام فقط، وعليه شاة يذبحها ويوزعها على الفقراء، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من البر أو غيره، أو يصوم ثلاثة أيام، فيخير بين هذه الثلاثة، ويجدد الإحرام فيذهب إلى أدنى الحل ويحرم منه ليطوف طواف الإفاضة محرماً، هكذا قال فقهاؤنا. فإن قيل: متى يحصل التحلل الأول؟ قلنا: التحلل الأول يكون برمي جمرة العقبة يوم العيد، والحلق، أو التقصير، فإذا رمى الإنسان جمرة العقبة يوم العيد، وحلق أو قصر فقد حل التحلل الأول وحل من كل المحظورات إلا النساء، قالت عائشة - رضى الله عنها- ((كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) (¬1) . وهذا الحديث دليل على أن الإحلال يليه الطواف بالبيت، وهو يقتضي أن يكون الحلق سابقاً على الإحلال كما قررناه آنفاً بأن التحلل الأول يكون برمي جمرة العقبة يوم العيد مع الحلق أو التقصير، فالجماع الذي قبل ذلك يترتب عليه الأمور الخمسة التي ذكرناها آنفاً، ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب الطيب عند الإحرام (1539) . ومسلم: كتاب الحج/ باب الطيب للمحرم عند الإحرام (1189) .

والذي بعد ذلك يترتب عليه ما ذكرناه من الإثم وفساد الإحرام دون النسك، ووجوب فدية، أو إطعام، أو صيام سواء في مكة أو في غيره، وسواء كان متتابعاً أو متفرقاً، وإذا كان هذا الإنسان داخلاً بمعنى أنه لا يدري أن هذا الشيء حرام فإنه لا شيء عليه سواء كان ذلك قبل التحلل الأول، أو بعده، لأن الله عز وجل يقول: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: 286) فقال الله قد فعلت، ويقول تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب: 5) . فإن قيل: إذا كان هذا الرجل عالماً بأن الجماع حرام في حال الإحرام لكنه لم يظن أنه يترتب عليه كل هذه الأمور، ولو ظن أنه يترتب عليه كل هذه الأمور ما فعله فهل هذا عذر؟ فالجواب: أن هذا ليس بعذر؛ لأن العذر أن يكون الإنسان جاهلاً بالحكم لا يدري أن هذا الشيء حرام، وأما الجهل بما يترتب على الفعل فليس بعذر، ولذلك لو أن رجلاً محسناً يعلم أن الزنا حرام، وهو بالغ عاقل، وقد تمت شروط الإحصان في حقه لوجب عليه الرجم، ولو قال أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم، ولو قال أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم، ولو علمت أن الحد هو الرجم ما فعلت، قلنا له: هذا ليس بعذر فعليك الرجم، وإن كنت لا تدري ما عقوبة الزنا، ولهذا لما جاء الرجل الذي جامع في نهار رمضان يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يجب عليه ألزامه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة مع انه كان حين جماعه جاهلاً بما يجب عليه، فدل ذلك على أن الإنسان إذا تجرأ على المعصية وانتهك حرمات الله

س 481: كيف تتحجب المرأة المحرمة؟ وهل يشترط أن لا يمس الغطاء وجهها؟

- عز وجل- ترتب عليه آثار تلك المعصية، وإن كان لا يعلم بآثارها حين فعلها. * * * س 481: كيف تتحجب المرأة المحرمة؟ وهل يشترط أن لا يمس الغطاء وجهها؟ الجواب: المرأة المحرمة إذا مرت من عند الرجال، أو مر الرجال من عندها وهم من غير محارمها يجب عليها أن تغطي وجهها كما كانت نساء الصحابة - رضي الله عنهم- على هذا، وفي هذه الحال لا فدية عليها، لأن هذا أمر مأمور به، والمأمور به لا ينقلب محظوراً. ولا يشترط أن لا يمس الغطاء ووجهها، بل لو مس الغطاء وجهها فلا حرج عليها، فيجب عليها أن تغطي وجهها ما دامت عند الرجال، وإذا دخلت الخيمة، أو كانت في بيتها كشفت الوجه؛ لأن المشروع في حق المحرمة أن تكشف وجهها. * * * س 482: امرأة حاجة وحاضت قبل طواف الوداع فما الحكم؟ الجواب: الحكم في هذا أن المرأة إذا طافت طواف الإفاضة وأتاها الحيض بعد أن أتمت مناسك الحج ولم يبق عليها إلا طواف الوداع فإن طواف الوداع يسقط عنها في هذه الحال؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: ((أمر الناس أن يكون آخر عهدهم

س 483: امرأة أحرمت مع زوجها وهي حائض، وعندما طهرت اعتمرت بدون محرم ثم إنها رأت الدم بعد ذلك فما الحكم؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيرا

بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض)) (¬1) ، ولما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: " إن صفية بنت حيي حاضت وكانت قد طافت- رضي الله عنها- طواف الإفاضة قال ((فانفروا إذن)) (¬2) وأسقط عنها طواف الوداع. أما طواف الإفاضة فإنه لا يسقط بالحيض، فإما أن تبقى المرأة في مكة حتى تطهر وتطوف طواف الإفاضة، وإما أن تذهب إلى بلدها على ما بقي من إحرامها، فإذا طهرت عادت فأتت بطواف الإفاضة وهنا يحسن إذا عادت أن تأتي أولاً بمعرة فتطوف وتسعي وتقصر، ثم تطوف طواف الإفاضة، وإذا كانت لا يمكنها ذلك بأي حال من الأحول فإنها تضع على محل الحيض ما يمنع نزول الحيض، وتلوث المسجد به، ثم تطوف للضرورة على القول الراحج.. * * * س 483: امرأة أحرمت مع زوجها وهي حائض، وعندما طهرت اعتمرت بدون محرم ثم إنها رأت الدم بعد ذلك فما الحكم؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً الجواب: نقول إن هذه المرأة فيما يبدو قدمت إلى مكة هي ومحرمها، وقد كانت أحرمت من الميقات وهي حائض، وإحرامها من الميقات وهي حائض إحرام صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استفتته أسماء بنت عميس وهو في ذي الحليفة قالت: يا رسول الله إني ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب طواف الوداع (1756) . ومسلم: كتاب الحج/ باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (1338) . (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت 1757) . ومسلم: كتاب الحج/ باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (1211) .

س 484: امرأة حاضت ولم تطف طواف الإفاضة وتسكن خارج المملكة وحان وقت مغادرتها ولا تستطيع التأخر ويستحيل عودتها للمملكة مرة أخرى فكيف تصنع؟ أفتونا جزاكم الله خيرا

نفست، قال ((اغتسلي واستثفري بثوب، واحرمي)) (¬1) . وإذا قدمت مكة وطهرت وأدت العمرة بدون محرم فلا حرج عليها؛ لأنها في وسط البلد، لكن رجوع الدم إليها بعد قد يورث إشكالاً في هذه الطهارة التي رأتها فنقول لها: إذا كنت قد رأيت الطهر يقيناً فإن عمرتك صحيحة، وإن كنت في شك من هذا الطهر فأعيدى العمرة من جديد، لكن ليس معنى إعادة العمرة من جديد أن تذهبي إلى الميقات فتحرمي من جديد، وإنما نريد أن تعيدي الطواف والسعي والتقصير. * * * س 484: امرأة حاضت ولم تطف طواف الإفاضة وتسكن خارج المملكة وحان وقت مغادرتها ولا تستطيع التأخر ويستحيل عودتها للمملكة مرة أخرى فكيف تصنع؟ أفتونا جزاكم الله خيراً الجواب: إذا كان الأمر كما ذكر امرأة لم تطف طواف الإفاضة وحاضت، ويتعذر أن تبقى في مكة، أو أن ترجع إليها لو سافرت قبل أن تطوف ففي هذه الحال يجوز لها أن تفعل واحداً من أمرين: 1- إما أن تستعمل إبراً توقف هذا الدم وتطوف إذا لم يكن عليها ضرر في هذه الإبر. 2- وإما أن تتلجم بلجام يمنع من سيلان الدم إلى المسجد وتطوف للضرورة، وهذا القول هو القول الراجح الذي اختاره ¬

(¬1) أخرجه مسلم: كتاب الحج/ باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218) .

س 485: امرأة أحرمت بالعمرة ثم حاضت فخرجت من مكة بدون عمرة فماذا عليها؟

شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-. وخلاف ذلك واحد من أمرين: 1- إما أن تبقي على ما بقي من إحرامها بحيث لا يحل لزوجها مباشرتها، ولا أن يعقد عيها إن كانت غير متزوجة. 2- وإما أن تعتبر محصرة تذبح هدياً، وتحل من إحرامها، وفي هذه الحال لا تعتبر هذه الحجة لها. وكلا الأمرين أمر صعب، الأمر الأول وهو بقاؤها على ما بقي من إحرامها، والأمر الثاني الذي يفوت عليها حجها فكان القول الراجح هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيميه- رحمه الله- في مثل هذه الحال للضرورة وقد قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78) وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185) . أما إذا كانت المرأة يمكنها أن تسافر، ثم ترجع إذا طهرت فلا حرج عليها أن تسافر، فإذا طهرت رجعت فطافت طواف الحج، وفي هذه المدة لا تحل للأزواج، لأنها لم تحل التحلل الثاني. * * * س 485: امرأة أحرمت بالعمرة ثم حاضت فخرجت من مكة بدون عمرة فماذا عليها؟ الجواب: إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض فإن إحرامها لا يبطل بل تبقى على إحرامها، وهذه المرأة التي أحرمت بالعمرة وخرجت من مكة، ولم تطف، ولم تسع، لا تزال في عمرتها وعليها أن ترجع إلى مكة، وأن تطوف، وتسعى، وتقصر حتى تحل

س 486: هل يجوز للمحرمة أن تغير الثياب التي أحرمت فيها؟ وهل للإحرام ثياب تخصه؟

من إحرامها، ويجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام من الطيب وأخذ الشعر، أو الظفر، وعدم قربها من زوجها إن كانت ذات زوج حتى تقضي عمرتها، اللهم إلا أن تكون قد خافت من مجيء الحيض فاشترطت عند إحرامها، أن محلها حيث حبست، فإنها لا شئ عليها إذا تحللت من إحرامها حينئذ. * * * س 486: هل يجوز للمحرمة أن تغير الثياب التي أحرمت فيها؟ وهل للإحرام ثياب تخصه؟ الجواب: يجوز للمرأة المحرمة أن تغير ثيابها إلى ثياب أخرى، سواء كان ذلك لحاجة أم لغير حاجة، لكن بشرط أن تكون الثياب الأخرى ليست ثياب تبرج وجمال أمام الرجال، وعلى هذا فإذا أرادت أن تغير شيئاً من ثيابها التي أحرمت بها فلا حرج عليها. وليس للإحرام ثياب تخصه بالنسبة للمرأة بل تلبس ما شاءت إلا أنها لا تلبس النقاب، ولا تلبس القفازين، والنقاب هو الذي يوضع على الوجه ويكون فيه نقب للعين، وأما القفازان فهما اللذان يلبسان في اليد، ويسميان شراب اليدين. وأما الرجل فإن له لباساً خاصّاً في الإحرام، وهو الإزار والرداء، فلا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمائم، ولا البرانس ولا الخفاف. س 487: هل يجوز للمحرمة أن تلبس القفازين والجورب؟ الجواب: أما لبس المرأة الجورب فلا بأس به.

س 488: امرأة مرت بالميقات وهي حائض فأحرمت منه ونزلت إلى مكة وأخرت العمرة حتى طهرت فما حكم عمرتها؟

وأما لباسها القفازين فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال في المحرمة: ((لا تلبس القفازين)) (¬1) س 488: امرأة مرت بالميقات وهي حائض فأحرمت منه ونزلت إلى مكة وأخّرت العمرة حتى طهرت فما حكم عمرتها؟ الجواب: العمرة صحيحة ولو أخرتها إلى يوم أو يومين ولكن بشرط أن يكون ذلك بعد طهارتها من الحيض؛ لأن المرأة الحائض لا يحل لها أن تطوف بالبيت، ولهذا لما حاضت عائشة- رضي الله عنها- وهي قد أقبلت إلى مكة محرمة بالعمرة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ((أحرمي بالحج وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) (¬2) ، ولما حاضت صفية قال صلى الله عليه وسلم: ((أحابستنا هي)) ؟ ظن أنها لم تطف طواف الإفاضة، فقالوا إنها قد أفاضت فقال: ((انفروا)) (¬3) فالمرأة الحائض لا يحل لها أن تطوف بالبيت، فإذا قدمت إلى مكة وهي حائض وجب عليها الانتظار حتى تطهر، ثم تطوف بالبيت، أما إذا حصل الحيض بعد طواف العمرة وقبل السعي فلتكمل عمرتها ولا شيء عليها؛ وإذا أتاها الحيض بعد السعي فلا يجب عليها طواف الوداع حينئذ؛ لأن طواف الوداع يسقط عن الحائض. * * * س 489: امرأة أحرمت من الميقات وهي حائض ثم طهرت في مكة وخلعت ملابسها فما الحكم؟ ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب جزاء الصيد/ باب ما ينهى عن الطيب للمحرم والمحرمة (1838) . (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الحيض/ باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف (305) . (¬3) تقدم تخريجه.

س 490: ما حكم تغطية الوجه بالنقاب في الحج، فقد كنت قرأت حديثا بما معناه ((لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)) ، وقرأت قولا آخرا لعائشة - رضي الله عنها- وهم في الحج تقول: ((كنا إذا ساوى بنا الرجال أسدلنا على وجوهنا وإذا سبقناهم كشفنا وجوهنا)) فكيف نجمع بين القولين؟

الجواب: المرأة إذا أحرمت من الميقات وهي حائض، ثم وصلت مكة وطهرت فإن لها أن تغير ما شاءت من الثياب، وتلبس ما شاءت من الثياب ما دامت الثياب من الثياب المباحة، وكذلك الرجل يجوز أن يغير ثياب الإحرام بثياب إحرام أخرى، ولا حرج عليه. * * * س 490: ما حكم تغطية الوجه بالنقاب في الحج، فقد كنت قرأت حديثاً بما معناه ((لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)) ، وقرأت قولاً آخراً لعائشة - رضي الله عنها- وهم في الحج تقول: ((كنا إذا ساوى بنا الرجال أسدلنا على وجوهنا وإذا سبقناهم كشفنا وجوهنا)) فكيف نجمع بين القولين؟ الجواب: الصواب في هذا ما دل عليه الحديث وهو نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقب المحرمة، فالمرأة المحرمة منهية عن النقاب مطلقاً سواء مرّ بها الرجال الأجانب أم لم يمروا بها، وعلى هذا فيحرم على المرأة المحرمة أن تنتقب سواء كانت في حج، أو في عمرة، والنقاب معروف عند النساء وهو أن تغطي وجهها بغطاء يكون فيه فتحة لكل واحدة من عينيها، وأما حديث عائشة فلا يعارض النهي عن الانتقاب؛ وذلك لأن حديث عائشة ليس فيه أن النساء ينتقبن، وإنما يغطين الوجه بدون نقاب، وهذا أمر لا بد منه إذا مر الرجال بالنساء، فإنه يجب عليهن أن يسترن وجوههن؛ لأن ستر الوجه عن الرجال الأجانب واجب، وعلى هذا فنقول لبس النقاب للمحرمة حرام عليها مطلقاً، وأما ستر وجهها فالأفضل لها كشف الوجه،

س 491: من فعل شيئا من محظورات الإحرام ناسيا أو جاهلا فما الحكم؟

ولكن إذا مر الرجال قريباً منها فإنه يجب عليها أن تغطيه، ولكن تغطيه بغير النقاب. * * * س 491: من فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً فما الحكم؟ الجواب: إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام بعد أن لبس إحرامه وهو لم يعقد النية بعد فلا شيء عليه؛ لأن العبرة بالنية لا بلبس ثوب الإحرام، ولكن إذا كان قد نوى ودخل في النسك فإنه إذا فعل شيئاً من المحظورات ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، ولكن يجب عليه بمجرد ما يزول العذر فيذكر إن كان ناسياً، ويعلم إن كان جاهلاً يجب عليه أن يتخلى من ذلك المحظور. مثال هذا: لو أن رجلاً نسي فلبس ثوباً وهو محرم فلا شيء عليه، ولكن من حين ما يذكر يجب عليه أن يخلع هذا الثوب وكذلك لو نسي فأبقى سرواله عليه، ثم ذكر بعد أن عقد النية ولبى، فإنه يجب عليه أن يخلع سرواله فوراً ولا شيء عليه، وكذلك لو كان جاهلاً فإنه لا شيء عليه مثل أن يلبس فنيلة ليس فيها خياط بل منسوجة نسجاً يظن أن المحرم لبس ما فيه خياطة فإنه لا شيء عليه، ولكن إذا تبين له أن الفنيلة وإن لم يكن بها توصيل فإنها من اللباس الممنوع فإنه يجب عليه أن يخلعها. والقاعدة العامة في هذا أن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه لقوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: 286) فقال الله

س 492: حاج وقع في بعض الأخطاء في أداء نسكه ولم يكن معه ما يكفر به وسافر إلى بلده فهل يخرج ما وجب عليه في بلده أم يلزمه أن يكون في مكة؟ وإذا كان يلزم في مكة فهل يجوز التوكيل؟

تعالى: قد فعلت، ولقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب: 5) ولقوله تعالى في خصوص الصيد هو من محظورات الإحرام: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) (المائدة: 95) . ولا فرق في ذلك بين أن يكون محظور الإحرام من اللباس، والطيب ونحوهما، أو من قتل الصيد، وحلق شعر الرأس ونحوهما، وإن كان بعض العلماء فرق بين هذا وهذا، ولكن الصحيح عدم التفريق، لأن هذا من المحظور الذي يعذر فيه الإنسان بالجهل، والنسيان، والإكراه. * * * س 492: حاج وقع في بعض الأخطاء في أداء نسكه ولم يكن معه ما يكفر به وسافر إلى بلده فهل يخرج ما وجب عليه في بلده أم يلزمه أن يكون في مكة؟ وإذا كان يلزم في مكة فهل يجوز التوكيل؟ الجواب: لا بد أن نعرف ما هو هذا الشيء الذي حصل: إن كان ترك واجب ففيه فدية يذبحها في مكة؛ لأنها تتعلق بالنسك، ولا يجزئ في غير مكة. وإن كان فعل محظور فإنه يجزى فيه واحد من ثلاث أمور: إما إطعام ستة مساكين، ويكون في مكة أو في مكان فعل المحظور. وإما صيام ثلاثة أيام، وفي هذه الحال يصوم ثلاثة أيام في مكة أو غيرها. إلا أن يكون هذا المحظور جماعاً قبل التحلل الأول في الحج، فإن الواجب فيه بدنه يذبحها في مكان فعل المحظور، وفي مكة

س 493: هل يجوز تقديم السعي على الطواف؟

ويفرقها على الفقراء، أو أن يكون جزاء صيد فإن الواجب مثله، أو إطعام، أو صيام فإن كان صوماً ففي أي مكان، وإن كان إطعاماً أو ذبحاً فإن الله تعالى يقول: (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) (المائدة: 95) . فلا بد أن يكون في الحرم، وله أن يوكل فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عليّاً رضي الله عنه في ذبح ما بقي من هديه. * * * س 493: هل يجوز تقديم السعي على الطواف؟ الجواب: أما بالنسبة لتقديم سعي الحج على طواف الإفاضة فهذا جائز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر وجعل الناس يسألونه وقيل له سعيت قبل أن أطوف فقال: ((لا حرج)) (¬1) . فمن كان متمتعاً فقدم السعي في الحج على الطواف، أو مفرداً، أو قارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم فقدم السعي علي الطواف فهذا لا بأس به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا حرج". * * * س 494: ما حكم تكرار العمرة في رمضان؟ وهل هناك مدة معينة بين العمرتين؟ الجواب: تكرار العمرة في شهر رمضان من البدع، لأن تكرارها في شهر واحد خلاف ما كان عليه السف حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ذكر في الفتاوى أنه يكره تكرار العمرة والإكثار منها باتفاق السلف، ولا سيما من يكررها في ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب إذا رمى بعدما أمسى (1734) . ومسلم، كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر.

س 495: ما الحكم إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف؟ وهل يستأنف الطواف؟ وإذا لم يستأنف فيمن أين يكمل؟

رمضان وهذا لو كان من الأمور المحبوبة لكان السلف أحرص منا على ذلك، ولكرروا العمر، وهذا النبي عليه الصلاة والسلام أتقى الناس لله عز وجل، وأشد الناس حبّاً للخير بقي في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، ولم يأت بعمرة، وهذه عائشة - رضي الله عنها- حين ألحت على النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتمر، أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها من الحرم إلى الحل لتأتي بعمرة، ولم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أن يأتي بعمرة، ولو كان هذا مشروعاً لأرشده النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا معلوم المشروعية عند الصحابة لفعله عبد الرحمن بن أبي بكر لأنه خرج إلى الحل. والمدة المعنية لما بين العمرتين قال الإمام أحمد - رحمه الله-: (ينتظر حتى يحمم رأسه)) بمعنى يسود كالحممة، والحممة هي العيدان المحترقة. * * * س 495: ما الحكم إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف؟ وهل يستأنف الطواف؟ وإذا لم يستأنف فيمن أين يكمل؟ الجواب: إذا أقيمت الصلاة والإنسان يطوف سواء طواف عمرة، أو طواف حج، أو طواف تطوع فإنه ينصرف من طوافه ويصلي، ثم يرجع ويكمل الطواف، ولا يستأنفه من جديد ويكمل الطواف من الموضع الذي انتهى إليه من قبل، ولا حاجة إلى إعادة الشوط من جديد؛ لأن ما سبق بني على أساس صحيح وبمقتضى إذن شرعي فلا يمكن أن يكون باطلاً إلا بدليل شرعي. * * *

س 496: إذا سعى المعتمر قبل الطواف ثم طاف فماذا يلزمه؟

س 496: إذا سعى المعتمر قبل الطواف ثم طاف فماذا يلزمه؟ الجواب: إذا سعى المعتمر قبل أن يطوف ثم طاف فإنه لا يعيد إلا السعي فقط، وذلك لأن الترتيب بين الطواف والسعي واجب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رتب بينهما وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم)) (¬1) وإذا أخذنا عنه صلى الله عليه وسلم مناسكه بدأنا بالطواف أولاً، ثم بالسعي ثانياً، ولكن لو قال أنا تعبت في السعي الأول، قلنا إنه يؤجر على تعبه، ولكن لا يقر على الخطأ. وذهب بعض التابعين وبعض العلماء إلى أنه سعى قبل الطواف من العمرة ناسياً، أو جاهلاً فلا شيء عليه، كما لو كان ذلك في الحج. * * * س 497: ما المراد بالاضطباع؟ ومتى يُشرع؟ الجواب: الاضطباع أن يكشف الإنسان كتفه الأيمن ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر. وهو مشروع في طواف القدوم، وأما في غيره فإنه ليس بمشروع. * * * س 498: هل يجوز التطوع بالسعي؟ الجواب: لا يجوز التطوع بالسعي، لأن السعي إنما يشرع في ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب العلم/ باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها (83) ومسلم: كتاب الحج/باب من حلق قبل النحر ... (1306)

س 499: من ترك طواف الإفاضة جهلا ماذا يلزمه؟

النسك، الحج أو العمرة لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 158) س 499: من ترك طواف الإفاضة جهلاً ماذا يلزمه؟ الجواب: طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فإذا تركه الإنسان فإن حجه لم يتم، ولا بد أن يأتي به فيرجع ولو من بلده فيطوف طواف الإفاضة، وفي هذه الحال ما دام لم يطف لا يجوز أن يستمتع بزوجته؛ لأنه لم يتحلل التحلل الثاني إلا بعد طواف الإفاضة، والسعي إن كان متمتعاً، أو كان قارناً، أو مفرداً، ولم يكن سعى مع طواف القدوم. * * * س 500: رأيت بعض الطائفين يدفع نساءه لتقبيل الحجر فأيهما أفضل تقبيل الحجر، أو البعد عن مزاحمة الرجال؟ الجواب: إذا كان هذا السائل رأى هذا الأمر العجيب فأنا رأيت أمراً أعجب منه، رأيت من يقوم قبل أن يسلم من الفريضة ليسعى بشدة إلى تقبيل الحجر فيبطل صلاته الفريضة المفروضة التي هي أحد أركان الإسلام لأجل أن يفعل هذا الأمر، الذي ليس بواجب، وليس بمشروع أيضاً إلا إذا قرن بالطواف، وهذا من جهل الناس، الجهل المطبق الذي يأسف الإنسان له، فتقبيل الحجر واستلام الحجر ليس بسنة إلا في الطواف، لأني لا أعلم أن استلامه مستقلاً عن الطواف من السنة، وأنا أقول في هذا المكان لا أعلم،

س 501: امرأة حجت مع زوجها حج تمتع وفي الشوط السادس من طواف العمرة قال زوجها: إنه السابع وأصر على رأيه فهل عليها شئ؟

وأرجو ممن عنده علم خلاف ما أعلم أن يبلغنا به جزاه الله خيراً. إذا فهو من مسنونات الطواف، ثم إنه ليس بمسنون إلا حيث لا يكون بذلك أذية لا على الطائف، ولا على غيره؟، فإن كان في ذلك أذية على الطائف، أو على غيره فإننا ننتقل إلى المرتبة الثانية التي شرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث أن الإنسان يستلم الحجر بيده ويقبل يده، فإن كانت هذه المرتبة لا تمكن أيضاً إلا بأذى أو مشقة فإننا ننتقل إلى المرتبة الثالثة التي شرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الإشارة إليه، فنشير إليه بيدنا، لا بيدينا الاثنين، ولكن بيدنا الواحدة اليمنى نشير إليه ولا نقبلها هكذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان الأمر أفظع وأشد كما يذكر السائل أن الإنسان يدفع بنساءه ربما تكون المرأة حاملاً، أو عجوزاً، أو فتاة لا تطيق، أو صبيًّا يرفعه بيده ليقبل الحجر كل هذا من الأمر المنكر، لأنه يحصل بذلك ضرر على الأهل، ومضايقة ومزاحمة للرجال، وكل هذا مما يكون دائراً بين التحريم، أو الكراهة، فعلى المرء أن لا يفعل ذلك ما دام الأمر، ولله الحمد واسعاً - فأوسع على نفسك، ولا تشدد فيشدد الله عليك. * * * س 501: امرأة حجت مع زوجها حج تمتع وفي الشوط السادس من طواف العمرة قال زوجها: إنه السابع وأصر على رأيه فهل عليها شئ؟ الجواب: إذا كانت هي تتيقن أنها في الشوط السادس وأنها لم

س 502: إذا كان المعتمر أو الحاج لا يعرف إلا القليل من الأدعية فهل يقرأ من كتب الأدعية في طوافه وسعيه وغير ذلك من المناسك؟

تكمل الطواف فإن عمرتها لم تتم حتى الآن، لأن الطواف ركن من أركان العمرة لا يمكن أن تتم العمرة إلا به، فإذا أحرمت بالحج بعد صارت قارنه؛ لأنها أدخلت الحج على العمرة قبل انتهائها وإن حصل عندها شك حين رأت زوجها مصمماً على أن هذا هو الشوط السابع فإنه لا شيء عليها؛ لأنه إذا حصل عندها شك، وعند زوجها اليقين، فإنها ترجع إلى قول زوجها لترجحه، الله أعلم. * * * س 502: إذا كان المعتمر أو الحاج لا يعرف إلا القليل من الأدعية فهل يقرأ من كتب الأدعية في طوافه وسعيه وغير ذلك من المناسك؟ الجواب: إن الحاج أو المعتمر يكفيه من الأدعية ما يعرفه، لأن الأدعية التي يعرفها يدعو بها وهو يعرف معناها، ويسأل الله حاجته فيها، وأما إذا أخذ كتاباً أو مطوفاً يلقنه ما لا يدري عنه فإن ذلك لا ينفعه، وكثير من الناس يتبعون المطوف بما يقول وهم لا يدرون معنى ما يقول، وكثير من الناس يأخذ هذه الكتيبات ويقرؤها وهو لا يدري ما معناها، وهذه الكتيبات التي فيها لكل شوط دعاء معين هي من البدع، التي لا يجوز للمسلم أن يستعملها، لأنها ضلالة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت لأمته دعاء لكل شوط،: ((إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)) (¬1) ، وإذا كان كذلك فإن الواجب على المؤمن الحذر من هذه الكتيبات، وأن يسأل الله حاجته ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الرمل. والترمذي، أبواب الحج باب ما جاء كيف ترمى الجمار. الإمام أحمد في المسند 6/64.

س 503: هل هناك دعاء خاص لمناسك الحج والعمرة من طواف وسعي وغيرهما؟

التي يريدها، وأن يذكر الله بما يستطيع وبما يعرف فذلك خير له من أن يستعمل هذه الكتيبات التي قد لا يعرف معناها، بل قد لا يعرف لفظها فضلاً عن معناها. * * * س 503: هل هناك دعاء خاص لمناسك الحج والعمرة من طواف وسعي وغيرهما؟ الجواب: ليس هناك دعاء خاص بالحج والعمرة، بل يقول الإنسان ما شاء من دعاء، ولكن إذا أخذ بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أكمل مثل الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)) . وكذلك ما ورد من الدعاء في يوم عرفة، وما ورد من الذكر على الصفا والمرة وما أشبه ذلك، فالشيء الذي يعلمه من السنة ينبغي أن يقوله، والشيء الذي لا يعلمه يكفي عنه ما كان في ذهنه مما يعلمه، وهذا ليس على سبيل الوجوب أيضاً بل هو على سبيل الاستحباب. وبهذه المناسبة أود أن أقول: إنما يكتب في المناسك الصغيرة التي تقع في أيدي الحجاج والعمار من الأدعية المخصصة لكل شوط أقول: إن هذا من البدع، وفيها من المفاسد ما هو معلوم، فإن هؤلاء الذين يقرؤنها يظنون أنها أمر وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يعتقدون التعبد بتلك الألفاظ المعينة، ثم إنهم يقرؤونها ولا يعلمون المراد بها، ثم إنهم يخصون هذا الدعاء بكل شوط، فإذا انتهى الدعاء قبل تمام الشوط كما يكون في الزحام سكتوا في بقية الشوط، وإذا انتهى الشوط قبل انتهاء هذا الدعاء قطعوا الدعاء

س 504: رجل بعد الفراغ من عمرته وجد في ثياب إحرامه نجاسة فما الحكم؟

وتركوه، حتى لو أنه قد وقف على قوله ((اللهم)) ولم يأتي بما يريد قطعه وتركه، وكل هذا من الأضرار التي تترتب على هذه البدعة، وكذلك ما يوجد في هذه المناسك من الدعاء عند مقام إبراهيم، فإن هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه دعا عند مقام إبراهيم، وإنما قرأ حين أقبل عليه (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) (البقرة: 125) وصلى خلفه ركعتين، وأما هذا الدعاء الذي يدعون به، ويشوشون به على المصلين عند المقام فإنه منكر من جهتين: إنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو بدعة. أنهم يؤذون به هؤلاء المصلين الذين يصلون خلف المقام. وغالب ما يوجد في هذه المناسك غالبه مبتدع، إما في كيفيته وإما في وقته، وإما في موضعه. نسأل الله الهداية. * * * س 504: رجل بعد الفراغ من عمرته وجد في ثياب إحرامه نجاسة فما الحكم؟ الجواب: إذا طاف الإنسان للعمرة وسعى، وبعد ذلك وجد في ثوب إحرامه نجاسة فإن طوافه صحيح، وسعيه صحيح وعمرته صحيحة؛ وذلك لأن الإنسان إذا كان على ثوبه نجاسة لم يعلم بها، أو كان عالماً بها ولكن نسي أن يغسلها، وصلي في ذلك الثوب فإن صلاته صحيحة، وكذلك لو طاف بهذا الثوب فإن طوافه صحيح والدليل لذلك قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: 286) وهذا دليل عام يعتبر قاعدة عظيمة من قواعد الشرع، وهناك دليل خاص في المسألة وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم

بأصحابه وكان من سنته عليه الصلاة والسلام أن يصلي في نعليه، فخلع نعاله، فخلع الناس نعالهم، فلما أتم صلاته قال: ((ما شأنكم)) ؟ قالوا: رأيناك يا رسول الله خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: ((إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما خبثاً)) (¬1) - يعني نجاسة- ولم يستأنف النبي صلى الله عيه وسلم الصلاة، مع أن أول صلاته كان قد لبس حذاءً نجساً، فدل هذا على أن من صلى بثوب نجس ناسياً، أو جاهلاً فإن صلاته صحيحة. وهنا مسألة: إذا أكل الإنسان لحم جزور وقام يصلى ولم يتوضأ بناء على أنه أكل لحم غنم فهل يعيد الصلاة إذا علم؟ فنقول: إنه يعيد الصلاة بعد أن يتوضأ فإذا قال قائل: لماذا قلتم في من صلى بثوب نجس جهلاً لا يعيد، وفيمن أكل لحم إبل جاهلاً إنه يعيد؟ قلنا: لأن لدينا قاعدة مفيدة مهمة وهي ((المأمورات لا تسقط بالجهل والنسيان، والمنهيات تسقط بالجهل والنسيان)) ، ودليل هذه القاعدة قول النبي صلى الله عيه وسلم: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) (¬2) . ولما سلم من ركعتين في إحدى صلاتي العشي ونسي بقية الصلاة أتمها لما ذكر، فهذا دليل على أن المأمورات لا تسقط بالنسيان، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر من نسي صلاة أن يصليها: إذا ذكر، ولم تسقط عنه بالنسيان، وكذلك أتم الصلاة ولم يسقط بقيتها بالنسيان، والدليل على أن المأمورات لا تسقط بالجهل أن رجلاً جاء ¬

(¬1) أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة/ باب الصلاة في النعال (650) . (¬2) تقدم تخريجه.

س 505: هل الأثر الذي في مقام إبراهيم هو أثر قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام أم لا؟

فصلى صلاة لا يطمئن فيها ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال له ((ارجع فإنك لم تصل)) ، وردده ثلاث مرات، وهو يصلي ويأتي فيقول: ((ارجع فصل فإنك لم تصلّ)) (¬1) ، حتى علمه النبي صلى الله عليه وسلم وصلى صلاة صحيحة، فهذا الرجل ترك واجباً جاهلاً لأن الرجل قال: ((والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني)) ، ولو كان الواجب يسقط بالجهل لعذره النبي صلى الله عليه، وهذه القاعدة مهمة مفيدة لطالب العلم. * * * س 505: هل الأثر الذي في مقام إبراهيم هو أثر قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام أم لا؟ الجواب: لا شك أن مقام إبراهيم ثابت، وأن هذا الذي بني عليه الزجاج هو مقام إبراهيم، لكن الحفر الذي فيه لا يظهر أنها أثر القدمين، لأن المعروف من الناحية التاريخية أن أثر القدمين قد زال منذ أزمنة متطاولة، ولكن حفرت هذه أو صنعت للعلامة فقط، ولا يمكن أن نجزم بأن هذا الحفر هو موضع قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وبالمناسبة أحب أن أنبه على مسألة وهي أن بعض المعتمرين والحجاج يقف عند مقام إبراهيم، ويدعو بدعاء لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وربما يدعو بدعاء بصوت مرتفع، فيشوش على الذين يصلون ركعتي الطواف خلف المقام، وليس للمقام دعاء ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة. ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.

س 506: هل يجوز التمسح بثوب الكعبة؟

بل السنة تخفيف الركعتين خلفه، ثم يقوم بعد التسليم مباشرة ليترك المكان لمن هو أحق به منه من الذين يريدون صلاة ركعتي الطواف. * * * س 506: هل يجوز التمسح بثوب الكعبة؟ الجواب: التبرك بثوب الكعبة والتمسح به من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما طاف معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه- بالكعبة وجعل يمسح جميع أركان البيت، أنكر عليه عبد الله بن عباس - رضى الله عنهما- فأجاب معاوية ((ليس شيء من البيت مهجوراً)) ، فرد عليه ابن عباس بقوله: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)) وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الركنين اليمانيين)) يعني الحجر الأسود والركن اليماني وهذا دليل على أننا نتوقف في مسح الكعبة وأركانها على ما جاءت به السنة، لأن هذه هي الأسوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الملتزم الذي بين الحجر الأسود والباب فإن هذا قد ورد عن الصحابة - رضي الله عنهم- أنهم قاموا به فالتزموه يدعون، والله أعلم. * * * س 507: ما حكم الحلق أو التقصير في العمرة؟ وأيهما أفضل؟ الجواب: الحلق أو التقصير بالنسبة للعمرة واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة في حجة الوداع وطاف وسعي أمر كل من لم يسق الهدي أن يقصر ثم يحل، فلما أمرهم أن يقصروا - والأصل في الأمر الوجوب دل على أنه لابد من التقصير، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم حين أحصروا في غزوة الحديبية أن يحلقوا حتى إنه

س 508: حاج متمتع طاف وسعى للعمرة ولبس ملابسه العادية ولم يقصر ولم يحلق وسأل بعد الحج فأخبر أنه أخطأ فماذا يفعل؟

صلى الله عليه وسلم غضب حين توانوا في ذلك. وأما هل الأفضل في العمرة التقصير أو الحلق؟ فالأفضل الحلق إلا للمتمتع الذي قدم متأخراً فإن الأفضل في حقه التقصير من أجل أن يوفر الحلق للحج. * * * س 508: حاج متمتع طاف وسعى للعمرة ولبس ملابسه العادية ولم يقصر ولم يحلق وسأل بعد الحج فأخبر أنه أخطأ فماذا يفعل؟ الجواب: هذا الرجل يعتبر تاركاً لواجب من واجبات العمرة وهو الحلق أو التقصير، وعليه عند أهل العلم أن يذبح فدية في مكة، ويوزعها على فقراء مكة، وهو باق على تمتعه وعمرته صحيحة. * * * س 509: من أحرم متمتعاً ولم يقصر أو يحلق لعمرته وأكمل مناسك الحج ماذا عليه؟ الجواب بقوله: هذا الحاج ترك التقصير في عمرته، والتقصير من واجبات العمرة، وفي ترك الواجب عند أهل العلم دم يذبحه الإنسان في مكة ويوزعه على الفقراء، وعلى هذا فنقول لهذا الحاج يجب عليك على ما قاله أهل العلم أن تذبح فدية بمكة ويوزعها على الفقراء، وبهذا تتم عمرتك وحجك، وإن كان خارج مكة فإنه يوصي من يذبح له الفدية بمكة. والله الموفق. * * *

س 510: متمتع لم يجد الهدي فصام ثلاثة أيام في الحج ولم يصم السبعة الباقية، ومضى علي ذلك ثلاث سنوات فماذا يفعل؟

س 510: متمتع لم يجد الهدي فصام ثلاثة أيام في الحج ولم يصم السبعة الباقية، ومضى علي ذلك ثلاث سنوات فماذا يفعل؟ الجواب: يلزمه أن يصوم بقية الأيام العشرة وهي سبعة أيام، ونسأل الله له العون. س 511: شخص يحلق شعره للعمرة في بلده فما حكم عمرته؟ الجواب: يقول أهل العلم إن حلق الرأس لا يختص بمكان فإذا حلق في مكة، أو في غير مكة فلا بأس، لكن الحلق في العمرة يتوقف عليه الحل، وأيضاً سيكون بعد الحلق طواف وداع فالعمرة هكذا ترتيبها إحرام، وطواف، وسعي، وحلق، أو تقصير، وطواف وداع إذا أقام الإنسان بعد أداء العمرة، وأما إذا سافر من حين أن أتى بأفعال العمرة فلا وداع عليه، إذاً معناه لابد أن يحلق رأسه أو يقصره وهو في مكة إذا كان يريد الإقامة؛ لأنه سيأتي بعده طواف الوداع، وأما إذا طاف وسعى وخرج إلى بلده فوراً فإنه لا حرج عليه أن يقصر، أو يحلق في بلده، لكنه سيبقى على إحرامه حتى يقصر أو يحلق. * * * س 512: من أحرم بالعمرة متمتعاً ثم بد له أن لا يحج فهل عليه شيء؟ الجواب: لا شيء عليه، لأن المتمتع إذا أحرم بالعمرة فأتمها ثم بد له أن لا يحج قبل أن يحرم بالحج فلا شيء عليه، إلا أن ينذر

س 513: من أحرم بالحج متمتعا واعتمر ولم يتحلل من إحرامه إلى أن ذبح الهدي جاهلا فماذا عليه؟ وهل حجه صحيح؟

فإذا نذر أن يحج هذا العام وجب عليه الوفاء بنذره، فإن كان بدون نذر فإنه لا حرج عليه إذا ترك الحج بعد أداء العمرة، والله الموفق. * * * س 513: من أحرم بالحج متمتعاً واعتمر ولم يتحلل من إحرامه إلى أن ذبح الهدي جاهلاً فماذا عليه؟ وهل حجه صحيح؟ الجواب: يجب أن يعرف أن الإنسان إذا أحرم متمتعاً فإنه إذا طاف وسعى، قصر من شعره من جميع الرأس، وحل من إحرامه، هذا هو الواجب، فإذا استمر في إحرامه فإن كان قد نوى الحج قبل أن يشرع في الطواف- إي طواف العمرة- فهذا لا حرج عليه؛ لأنه في هذه الحال يكون قارناً، ويكون ما أدى من الهدي عن القرآن. وإن كان قد بقي على نية العمرة حتى طاف وسعى فإن كثيراً من أهل العلم يقولون إن إحرامه بالحج غير صحيح؛ لأنه لا يصح إدخال الحج على العمرة بعد الشروع في طوافها. ويرى بعض أهل العلم أنه لا بأس به، وحيث إنه جاهل فالذي أرى أنه لا شيء عليه وأن حجه صحيح إن شاء الله تعالى والله الموفق. * * * س 514: قوم ضلوا الطريق إلى مزدلفة فلما أقبلوا عليها توقفوا وصلوا المغرب والعشاء الساعة الواحدة ليلاً ثم دخلوا مزدلفة أذان الفجر وصلوا فيها فهل عليهم شيء؟ أفتونا جزاكم الله عنا خيراً.

س 515: امرأة دفعت من مزدلفة آخر الليل، ووكلت ابنها في رمي الجمرة عنها مع أنها قادرة، فما الحكم؟ أفتونا مأجورين.

الجواب: هؤلاء لا شيء عليهم؛ لأنهم أدركوا صلاة الفجر في مزدلفة حين دخلوها وقت أذان الفجر، وصلوا الفجر فيها بغلس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجة وقضى تفثه)) (¬1) ، لكن هؤلاء أخطأوا حين أخروا الصلاة إلى ما بعد منتصف الليل، لأن وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم. * * * س 515: امرأة دفعت من مزدلفة آخر الليل، ووكلت ابنها في رمي الجمرة عنها مع أنها قادرة، فما الحكم؟ أفتونا مأجورين. الجواب: رمي الجمرات من مناسك الحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به وفعله بنفسه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)) (¬2) فهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وهو عبادة لأن الإنسان يقوم برمي هذه الحصيات في هذا المكان تعبداً لله- عز وجل- وإقامة لذكره، فهي مبنية على مجرد التعبد لله - سبحانه وتعالي- لهذا ينبغي للإنسان أن يكون حين رميه للجمرات خاشعاً خاضعاً لله مهما كان ذلك وإذا ¬

(¬1) أخرجه البخاري: كتاب الأذان / باب وجوب القراءة للإمام والمأموم. (757) ومسلم: كتاب الصلاة/ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (397) . (¬2) تقدم تخرجه.

دار الأمر بين أن يبادر برمي هذه الجمرات في أول الوقت، أو يؤخره في آخر الوقت لكنه إذا أخره رمى بطمأنينة وخشوع وحضور قلب كان تأخيره أفضل، لأن هذه المزية مزية تتعلق بنفس العبادة، وما تعلق بنفس العبادة فإنه مقدم على ما يتعلق بزمن العبادة أو مكانها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثان)) (¬1) فيؤخر الإنسان الصلاة عن أول وقتها من أجل قضاء الحاجة، أو دفع الشهوة الشديدة التي حضر مقتضيها وهو الطعام، إذن إذا دار الأمر بين أن يرمي الجمرات في أول الوقت، لكن بمشقة وزحام شديد، وانشغال بإبقاء الحياة، وبين أن يؤخرها في آخر الوقت ولو في الليل لكن بطمأنينة وحضور قلب كان تأخيره أفضل، ولهذا رخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، حتى لا يتأذوا بالزحام الذي يحصل إذا حضر الناس جميعاً بعد طلوع الفجر، إذا تبين ذلك فإنه لا يجوز لإنسان أن يوكل أحداً في رمي الجمار عنه لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (البقرة: 196) ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، فإذا تبين ذلك أيضاً وأن رمي الجمرات من العبادات، وأنه لا يجوز للقادر رجلاً أو امرأة أن ينيب عنه فيها، فإنه يجب أن يرمي بنفسه إلا رجلاً، أو امرأة مريضة، أو حاملاً تخشي على حملها فلها أن توكل. وأما المسألة التي وقعت لهذه المرأة التي ذكر أنها لم ترم مع قدرتها فالذي أرى أن من الأحوط لها أن تذبح فدية في مكة توزعها على الفقراء عن ترك هذا الواجب. * * * ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س 516: حاج رمى جمرة العقبة من جهة الشرق ولم يسقط الحجر في الحوض وهو في اليوم الثالث عشر هل يلزمه إعادة الرمي كله؟

س 516: حاج رمى جمرة العقبة من جهة الشرق ولم يسقط الحجر في الحوض وهو في اليوم الثالث عشر هل يلزمه إعادة الرمي كله؟ الجواب: لا يلزمه إعادة الرمي كله وإنما يلزمه إعادة الرمي الذي أخطأ فيه فقط، وعلى هذا يعيد رمي جمرة العقبة فقط، ويرميها على الصواب، ولا يجزئه الرمي الذي رماه من جهة الشرق إذا لم يسقط الحصى في الحوض، الذي هو موضع الرمي، ولهذا لو رماها من الحسر من الناحية الشرقية أجزأ لأنه يسقط في الحوض. * * * س 517: إذا لم تصب جمرة أو جمرتان من الجمار السبع المرمى ومضى يوم أو يومان فهل يعيد رمي هذه الجمرة؟ وإذا لزمه فهل يعيد ما بعدها من الرمي؟ الجواب: إذا بقي عليه رمي جمرة أو جمرتين من الجمرات، أو على الأوضح حصاة أو حصاتين من إحدى الجمرات فإن الفقهاء يقولون إذا كان من آخر جمرة فإنه يكملها أي يكمل هذا النقص فقط، ولا يلزمه رمي ما قبلها، وإن كان من غير آخر جمرة فإنه يكمل الناقص ويرمي ما بعده. والصواب عندي: أنه يكمل النقص مطلقاً، ولا يلزمه إعادة رمي ما بعدها، وذلك لأن الترتيب يسقط بالجهل، أو بالنسيان، وهذا الرجل قد رمى الثانية وهو لا يعتقد أن عليه شيئاً مما قبلها فهو بين الجهل والنسيان، وحينئذ نقول له: ما نقص من الحصا فارمه، ولا يجب عليه رمي ما بعدها.

س 518: يقال إنه لا يجوز الرمي بالحصاة التي قد رمي بها فهل هذا صحيح؟ وما الدليل عليه؟ وجزاكم الله عن المسلمين خيرا؟

وقبل إنهاء الجواب أحب أن أنبه على أن المرمى مجتمع الحصا وليس العمود المنصوب للدلالة عليه، فلو رمى في الحوض ولم يصب العمود بشيء من الحصيات فرميه صحيح. والله أعلم. * * * س 518: يقال إنه لا يجوز الرمي بالحصاة التي قد رمي بها فهل هذا صحيح؟ وما الدليل عليه؟ وجزاكم الله عن المسلمين خيراً؟ الجواب: هذا ليس بصحيح، لأن الذين استدلوا بأنه لا يرمى بحصاة قد رمي بها عللوا ذلك بعلل ثلاث: 1- قالوا: أنها- أي الحصاة- التي رمي بها كالماء المستعمل في طهارة واجبة، والماء المستعمل في الطهارة الواجبة يكون طاهراً غير مطهر. 2- أنها كالعبد إذا أعتق، فإنه لا يعتق بعد ذلك في كفارة، أو غيرها. 3- أنه يلزم من القول بالجواز أن يرمي جميع الحجيج بحجر واحد، فترمي أنت هذا الحجر، ثم تأخذه وترمي، ثم تأخذه وترمي حتى تكمل السبع، ثم يجيء الثاني فيأخذه فيرمي حتى يكمل السبع فهذه ثلاث علل وكلها عند التأمل عليلة جداً. أما التعليل الأول: فإننا نقول بمنع الحكم في الأصل، وهو أن الماء المستعمل في طهارة واجبة يكون طاهراً غير مطهر؛ لأنه لا دليل على ذلك، ولا يمكن نقل الماء عن وصفه الأصلي وهو

س 519: هل يجوز للحاج أن يقدم سعي الحج على طواف الإفاضة؟

الطهورية إلا بدليل، وعلى هذا فالماء المستعمل في طهارة واجبة طهور مطهر، فإذا انتفى حكم الأصل المقيس عليه أنتفي حكم الفرع. وأما التعليل الثاني وهو قياس الحصاة المرمي بها على العبد المعتق، فهو قياس مع الفارق، فإن العبد إذا أعتق حراً لا عبداً فلم يكن محلاً للعتق، بخلاف الحجر إذا رمي به فإنه يبقي حجراً بعد الرمي به، فلم ينتف المعنى الذي كان من أجله صالحاً للرمي به، ولهذا لو أن هذا العبد الذي أعتق استرق مرة أخرى بسبب شرعي جاز أن يعتق مرة ثانية. وأما التعليل الثالث: وهو أن يلزم من ذلك أن يقتصر الحجاج على حصاة واحدة فنقول إن أمكن ذلك فليكن، ولكن هذا غير ممكن، ولن يعدل إليه أحد مع توفر الحصا. وبناء على ذلك فإنه إذا سقطت من يدك حصاة أو أكثر حول الجمرات فخذ بدلها مما عندك، وارم به سواء غلب على ظنك أنه قد رمي بها أم لا. * * * س 519: هل يجوز للحاج أن يقدم سعي الحج على طواف الإفاضة؟ الجواب: إن كان الحاج مفرداً أو قارناً فإنه يجوز أن يقدم السعي على طواف الإفاضة، فيأتي به بعد طواف القدوم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ساقوا الهدي. أما إذا كان متمتعاً فإن عليه سعيين، الأول عند قدومه إلى

س 520: متى ينتهي رمي جمرة العقبة أداء؟ ومتى ينتهي قضاء؟

مكة وهو للعمرة فيطوف، ويسعى، ويقصر، والثاني في الحج والأفضل أن يكون بعد طواف الإفاضة؛ لأن السعي تابع للطواف فإن قدمه على الطواف فلا حرج على القول الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: سعيت قبل أن أطوف قال: ((لا حرج)) (¬1) . فالحاج يفعل يوم العيد خمسة أنساك مرتبة: رمي جمرة العقبة، ثم النحر ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف بالبيت، ثم السعي بين الصفا والمروة، إلا أن يكون قارناً أو مفرداً سعى بعد طواف القدوم فلا سعي عليه مرة أخرى، والأفضل أن يرتبها على ما ذكرنا، وإن قدم بعضها على بعض لا سيما مع الحاجة فلا حرج وهذا من رحمة الله وتيسيره فلله الحمد رب العالمين. * * * س 520: متى ينتهي رمي جمرة العقبة أداء؟ ومتى ينتهي قضاءً؟ الجواب: أما رمي جمرة العقبة يوم العيد فإنه ينتهي بطلوع الفطر من اليوم الحادي عشر، ويبتدئ من آخر الليل من ليلة النحر للضعفاء ونحوهم من الذين لا يستطيعون مزاحمة الناس، وأما رميها في أيام التشريق فهي كرمي الجمرتين اللتين معها يبتدئ الرمي من الزوال، وينتهي بطلوع الفجر من الليلة التي تلي اليوم، إذا كان في آخر أيام التشريق فإن الليل لا رمي فيه وهو ليلة الرابع عشر، لأن أيام التشريق انتهت بغروب شمسها، ومع ذلك فالرمي في النهار أفضل إلا أنه في هذه الأوقات مع كثرة الحجيج وغشمهم، وعدم مبالاة بعضهم ببعض إذا خاف على نفسه من ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س 521: هل جواز تقديم السعي قبل الطواف خاص بيوم العيد؟

الهلاك، أو الضرر، أو المشقة الشديدة فإنه يرمي ليلاً ولا حرج عليه، كما أنه لو رمى ليلاً بدون أن يخاف هذا فلا حرج عليه، ولكن الأفضل أن يراعي الاحتياط في هذه المسألة ولا يرمي ليلاً إلا عند الحاجة إليه, وأما قوله: ((قضاء)) فإنها تكون قضاء إذا طلع الفجر من اليوم التالي. * * * س 521: هل جواز تقديم السعي قبل الطواف خاص بيوم العيد؟ الجواب: الصواب أنه لا فرق بين يوم العيد وغيره في أنه يجوز تقديم السعي على الطواف حتى لو كان بعد يوم العيد لعموم الحديث حيث قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: سعيت قبل أن أطوف، قال ((لا حرج)) (¬1) وإذا كان الحديث عاماًّ فإنه لا فرق بين أن يأتي ذلك في يوم العيد أو فيما بعده. * * * س 522: إذا طاف من عليه سعي ثم خرج ولم يسع وأخبر بعد ذلك بأن عليه سعياً فهل يسعى فقط أم يلزمه أن يعيد الطواف؟ الجواب: إذا طاف الإنسان معتقداً أن لا سعي عليه، ثم بعد ذلك أُخبر بأن عليه سعياً فإنه يأتي بالسعي فقط، ولا حاجة إلى إعادة الطواف، وذلك لأنه لا يشترط الموالاة بين الطواف والسعي. حتى لو فرض أن الرجل ترك ذلك عمداً- أي أخر السعي ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س 523: ما رأي فضيلتكم فيمن يقصر للعمرة من بعض الرأس فقط؟

عن الطواف عمداً - فلا حرج عليه، ولكن الأفضل أن يكون السعي موالياً للطواف. * * * س 523: ما رأي فضيلتكم فيمن يقصر للعمرة من بعض الرأس فقط؟ الجواب: الذي أرى في هذا أنه لم يتم تقصيره، وأن الواجب عليه أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ويقصر تقصيراً صحيحاً ثم بعد ذلك يتحلل. وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أنه يجب على كل مؤمن أراد أن يتعبد لله بعبادة يجب عليه أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله فيها، ليعبد الله على بصيرة، لا على جهل، قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) ولو أن إنساناً أراد أن يسافر من مكة إلى المدينة وليس هناك خطوط مزفلتة، فإنه لا يخرج حتى يسأل عن الطريق، فإذا كان هذا في الطرق الحسية فلماذا لا يكون في الطرق المعنوية التي هي الطرق الموصلة إلى الله؟! والتقصير هو الأخذ من الشعر جميعه، وأفضل ما يكون في التقصير أن يستعمل المكينة لأنها تعم الرأس كله، وإن كان يجوز أن يقصر بالمقص، لكن بشرط أن يمر على جميع الرأس، كما أنه في الوضوء يمر على جميع الرأس فكذلك في التقصير، والله أعلم. * * *

س 524: ما وقت رمي الجمار؟

س 524: ما وقت رمي الجمار؟ الجواب: وقت الرمي بالنسبة لجمرة العقبة يوم العيد يكون لأهل القدرة والنشاط من طلوع الشمس يوم العيد، ولغيرهم من الضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء يكون وقت الرمي في حقهم من آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- ترتقب غروب القمر ليلة العيد فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى ورمت الجمرة، أما آخره فإنه إلى غروب الشمس من يوم العيد، وإذا كان زحام أو كان بعيداً عن الجمرات وأحب أن يؤخره إلى الليل فلا حرج عليه في ذلك، ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر. وأما بالنسبة لرمي الجمار في أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر فإن ابتداء الرمي يكون من زوال الشمس أي من انتصاف النهار عند دخول وقت الظهر ويستمر إلى الليل، وإذا كان هناك مشقة من زحام وغيره فلا بأس أن يرمي بالليل إلى طلوع الفجر، ولا يحل الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال للناس: ((خذوا عني مناسككم)) (¬1) وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي- إلى هذا الوقت - مع أنه في شدة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر، ودليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت، ويدل لذلك أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرمي من حين أن تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س 525: رجل أصابه المرض يوم عرفه ولم يبت في منى ولم يرم الجمار ولم يطف طواف الإفاضة فماذا يلزمه؟

لا يحل أن يرمي قبل الزوال، وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل لأجل أن يصلي الصلاة- صلاة الظهر- في أول وقتها؛ لأن الصلاة في أول وقتها أفضل، والحاصل أن الأدلة تدل على أن الرمي في أيام التشريق لا يجوز قبل الزوال. * * * س 525: رجل أصابه المرض يوم عرفه ولم يبت في منى ولم يرم الجمار ولم يطف طواف الإفاضة فماذا يلزمه؟ الجواب: إذا كان هذا الرجل الذي مرض في يوم عرفة مرض مرضاً لا يتمكن معه من إتمام النسك، وقد اشترط في ابتداء إحرامه " إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" فإنه يحل ولا شيء عليه، ولكن إن كان هذا الحج فريضة فإنه يؤديه في سنة أخرى، وإن كان لم يشترط فإنه على القول الراجح إذا لم يتمكن من إكمال حجه له أن يتحلل ولكن يجب عليه هدي لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فقوله (أُحْصِرْتُمْ) الصحيح أنه يشمل حصر العدو، وحصر غيره، ومعنى الإحصار: أن يمنع الإنسان مانع من إتمام نسكه. وعلى هذا فيتحلل ويذبح هدياً، ولا شيء عليه سوى ذلك، إلا إذا كان لم يؤد فريضة الحج فإنه يحج من العام القادم. أما إذا كان هذا المريض واحل المسير في حجه ووقف بمزدلفة ولكنه في منى لم يبيت، ولم يرم الجمرات فإنه في هذه الحال يكون حجه صحيحاً ومجزئ، ولكن عليه دم لكل واجب تركه فيلزمه على هذا دماً أحدهما: للمبيت بمنى، والثاني: لرمي الجمرات.

س 526: من بات خارج مزدلفة جهلا بالحدود فماذا عليه؟

وأما طواف الإفاضة فيبقي ويطوف إذا عافاه الله؛ لأن طواف الإفاضة حده على القول الراجح إلى منتهى شهر ذي الحجة فإن كان لعذر فحتى ينتهي العذر. * * * س 526: من بات خارج مزدلفة جهلاً بالحدود فماذا عليه؟ الجواب: عليه عند أهل العلم فدية شاة يذبحها ويوزعها على فقراء مكة؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج. وبهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني الحجاج إلى أن ينتبهوا للحدود حدود المشاعر في عرفة وفي مزدلفة، فإن كثيراً من الناس في عرفة ينزلون خارج حدود عرفه، ويبقون هناك إلى أن تغرب الشمس، ثم ينصرفون ولا يدخلون إلى عرفة، وهؤلاء إذا انصرفوا بدون دخول عرفة فإنهم ينصرفون بدون حج. ولهذا يجب على الإنسان أن يتحرى حدود عرفة ويتعرف إليها وهي أميال قائمة ولله الحمد. * * * س 527: من حج مفرداً وسعى بعد طواف القدوم فهل عليه سعي بعد طواف الإفاضة؟ الجواب: ليس عليه سعي بعد طواف الإفاضة، فالمفرد إذا طاف للقدوم وسعى بعد طواف القدوم، فإن هذا السعي هو سعي الحج فلا يعيده مرة أخرى بعد طواف الإفاضة. * * *

س 528: هل يكفي طواف واحد وسعي واحد للقارن؟

س 528: هل يكفي طواف واحد وسعي واحد للقارن؟ الجواب: إذا حج الإنسان قارناً فإنه يجزئه طواف الحج وسعي الحج عن العمرة والحج جميعاً، ويكون طواف القدوم طواف سنة، وإن شاء قدم السعي بعد طواف القدوم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وإن شاء أخره إلى يوم العيد بعد طواف الإفاضة، ولكن تقديمه أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان يوم العيد فإنه يطوف طواف الإفاضة فقط. ولا يسعى لأنه سعى من قبل، والدليل على أن الطواف والسعي يكفيان للعمرة والحج جميعاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة-رضي الله عنها- وكانت قارنة: ((طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعكِ لحجكِ وعمرتك)) (¬1) . فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن طواف القارن وسعي القارن يكفي للحج والعمرة جميعاً. * * * س 529: ما حكم من بات في منى إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً ثم دخل مكة ولم يعد حتى طلوع الفجر؟ الجواب: إذا كانت الساعة الثانية عشرة ليلاً هي منتصف الليل في منى فإنه لا بأس أن يخرج منها بعدها، وإن كان الأفضل أن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، وإن كانت الثانية عشرة قبل منتصف الليل فإنه لا يخرج؛ لأن المبيت في منى يشترط أن يكون معظم الليل على ما ذكره فقهاؤنا- رحمهم الله تعالى -. * * * ¬

(¬1) أخرجه أبو داود: كتاب المناسك/ باب طواف القارن (1897) .

س 530: إذا خرج الحاج من منى قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر بنية التعجل ولديه عمل في منى سيعود له بعد الغروب فهل يعتبر متعجلا؟

س 530: إذا خرج الحاج من منى قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر بنية التعجل ولديه عمل في منى سيعود له بعد الغروب فهل يعتبر متعجلاً؟ الجواب: نعم يعتبر متعجلاً، لأنه أنهى الحج، ونية رجوعه إلى منى لعمله فيها لا يمنع التعجل؛ لأنه إنما نوى الرجوع للعمل المنوط به لا النسك. * * * س 531: حاج من خارج المملكة موعد سفره الساعة الرابعة عصراً من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة ولم يخرج من منى بعد الرمي من اليوم الثاني عشر وأدركه المبيت ليلة الثالث عشر، فهل يجوز له أن يرمي صباحاً ثم ينفر علماً أنه لو تأخر بعد الزوال فات السفر وترتبت عليه مشقة كبيرة؟ وإذا كان الجواب بعدم الجواز أليس هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال؟ أفيدونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً. الجواب: لا يجوز له أن يرمي قبل الزوال، ولكن يمكن أن نسقط عنه الرمي في هذه الحال للضرورة، ونقول له: يلزمك فدية تذبحها في منى أو مكة، أو توكل من يذبحها عنك، وتوزع على الفقراء، وتطوف طواف الوداع وتمشي. ونقول: أما قولك ((إذا كان الجواب بعدم الجواز أليس هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال)) ؟ الجواب: هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال، لكنه ليس بصحيح، الصواب أن الرمي قبل الزوال في الأيام التي بعد العيد

لا يجوز، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خذوا عني مناسككم)) (¬1) ولم يرم صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام إلا بعد الزوال. فإن قال قائل: رمي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب. قلنا: هذا صحيح إنه مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، أما كونه مجرد فعل فلأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال، ولم يأمر بأن يكون الرمي بعد الزوال، ولا نهى عن الرمي قبل الزوال، وأما كون الفعل لا يدل على الوجوب فلأن الوجوب لا يكون إلا بأمر بالفعل، أو نهي عن الترك، ولكن نقول هذا الفعل دلت القرينة على أنه للوجوب، ووجه ذلك أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي حتى تزول الشمس يدل على الوجوب، إذ لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله؛ لأنه أيسر على العباد وأسهل والنبي عليه الصلاة والسلام ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فكونه لم يختر الأيسر هنا وهو الرمي قبل الزوال يدل على أنه إثم. والوجه الثاني مما يدل على أن هذا الفعل للوجوب كون الرسول عليه الصلاة والسلام يرمي فور زوال الشمس قبل أن يصلي الظهر فكأنه يترقب الزوال بفارغ الصبر ليبادر بالرمي، ولهذا أخر صلاة الظهر، مع أن الأفضل تقديمها أول الوقت، كل ذلك من أجل أن يرمي بعد الزوال. * * * ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س 532: من ترك الرمي في اليوم الثاني عشر ظنا منه أن هذا هو التعجل وغادر ولم يطف للوداع فما حكم حجه؟

س 532: من ترك الرمي في اليوم الثاني عشر ظنّاً منه أن هذا هو التعجل وغادر ولم يطف للوداع فما حكم حجه؟ الجواب: حجه صحيح؛ لأنه لم يترك فيه ركناً من أركان الحج، ولكنه ترك فيه ثلاث واجبات إن كان لم يبت ليلة الثاني عشر بمنى. الواجب الأول: المبيت بمنى ليلة الثاني عشر. الواجب الثاني: رمي الجمار في اليوم الثاني عشر. والواجب الثالث: طواف الوداع. ويجب عليه لكل واحد منها دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء، لأن الواجب في الحج عند أهل العلم إذا تركه الإنسان وجب عليه دم يذبحه في مكة ويفرقه على الفقراء. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إخواننا الحجاج على هذا الخطأ الذي أرتكبه السائل فإن كثيراً من الحجاج يفهمون مثل ما فهم، يفهمون أن معنى قوله تعالى: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْن) أي خرج في اليوم الحادي عشر فيعتبرون اليومين يوم العيد، واليوم الحادي عشر، والأمر ليس كذلك بل هذا خطأ في الفهم لأن الله تعالى قال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) والأيام المعدودات هي أيام التشريق، وأيام التشريق أولها الحادي عشر، وعلى هذا يكون قوله: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْن) أي من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر فينبغي للإنسان أن يصحح مفهومه حول هذه المسألة حتى لا يخطئ. * * *

س 533: من لم يجد مكانا في منى فيأتي إليها في الليل ويبقى بها إلى ما بعد نصف الليل ثم يذهب إلى الحرم بقية يومه فما الحكم؟

س 533: من لم يجد مكاناً في منى فيأتي إليها في الليل ويبقى بها إلى ما بعد نصف الليل ثم يذهب إلى الحرم بقية يومه فما الحكم؟ الجواب: الحكم في هذا العمل مجزئ ولكن الذي ينبغي خلاف ذلك؛ لأن الذي ينبغي أن يبقى الحاج بمنى ليلاً ونهاراً في أيام التشريق، فإن لم يجد مكاناً فيبقى حيث انتهى الناس أي عند آخر خيمة، ولو خارج منى إذا لم يجد مكاناً إذا بحث أتم البحث ولم يجد مكاناً في منى، وقد ذهب بعض أهل العلم في زمننا هذا إلى أنه إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فإنه يسقط عنه المبيت ويجوز له أن يبيت في أي مكان في مكة أو في غيرها، وقاس ذلك على ما إذا فقد عضواً من أعضاء الوضوء، فإنه يسقط غسله، ولكن في هذا نظر؛ لأن العضو يتعلق حكم الطهارة به ولم يوجد، أما هذا فإن المقصود من المبيت أن يكون الناس مجتمعين أمة واحدة، فالواجب أن يكون الإنسان عند آخر خيمة حتى يكون مع الحجيج، ونظير ذلك إذا امتلأ المسجد وصار الناس يصلون حول المسجد فلا بد أن تتواصل الصفوف حتى يكون جماعة واحدة، والمبيت نظير هذا وليس نظير العضو المقطوع. * * * س 534: رجل طاف طواف الوداع في الصباح ثم نام وأراد أن يسافر بعد العصر فهل يلزمه شيء؟ الجواب: عليه أن يعيد طواف الوداع في العمرة والحج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده

بالبيت)) (¬1) قال ذلك في حجة الوداع فابتداء وجوب طواف الوداع من ذلك الوقت فلا يرد علينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ذلك ولم ينقل عنه أنه ودع؛ لأن طواف الوداع إنما وجب في حجة الوداع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك)) (¬2) . وهذا عام يستثنى منه الوقوف، والمبيت، والرمي، لأن هذا خاص بالحج بالاتفاق، ويبقى ما عداه على العموم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى العمرة حجاً أصغر (¬3) ، كما في حديث عمرو بن حزم الطويل المشهور الذي تلقاه العلماء بالقبول، وهو حديث مرسل، لكنه صحيح لتلقي العلماء له بالقبول. ولأن الله تعالى قال: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وإذا كان طواف الوداع من إتمام الحج فهو أيضاً من إتمام العمرة. ولأن هذا الرجل المعتمر دخل المسجد الحرام بتحية فلا ينبغي أن يخرج منه إلا بتحية. وعلى هذا فإن طواف الوداع يكون واجباً في العمرة كالحج، وهناك حديث أخرجه الترمذي: ((إذا حج الرجل أو أعتمر فلا يخرج حتى يكون آخر عهده بالبيت)) (¬4) . وهذا الحديث فيه ضعف؛ لأنه من رواية الحجاج بن أرطأة ولولا ضعف هذا الحديث لكان نصّاً في ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (963) . (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب غسل الخلوق ثلاث مرات (1536) . ومسلم: كتاب الحج/ باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة (1180) . (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) أخرجه أبو داود: كتاب المناسك/ باب في الوداع (2002) . والترمذي: كتاب الحج/ باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت (946) .

س 535: ما حكم طواف الوداع للمعتمر؟

المسألة وقاطعاً للنزاع، ولكن لضعفه لم يقو على الاحتجاج به، إلا أن الأصول التي ذكرناها قبل قليل تدل على وجوب طواف الوداع للعمرة. ولأنه إذا طاف للعمرة فهو أحوط وأبرأ للذمة؛ لأنك إذا طفت للوداع في العمرة لم يقل أحد إنك أخطأت، لكن إذا لم تطف قال لك من يوجب ذلك: أنك أخطأت، وحينئذ يكون الطائف مصيباً بكل حال، ومن لم يطف فإنه على خطر ومخطئ على قول بعض أهل العلم. * * * س 535: ما حكم طواف الوداع للمعتمر؟ الجواب: طواف الوداع للمعتمر إذا كان من نيته حين قدم مكة أن يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، ويرجع فلا طواف عليه، لأن طواف القدوم صار في حقه بمنزلة طواف الوداع، أما إذا بقي في مكة فالراجح أنه يجب عليه أن يطوف للوداع وذلك للأدلة التالية: أولاً: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)) (¬1) و (أحد) نكرة في سياق النهي فتعم كل من خرج. ثانياً: أن العمرة كالحج بل سماها النبي صلى الله عليه وسلم حجّاً كما في حديث عمرو بن حزم المشهور (¬2) ، الذي تلقته الأمة بالقبول قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والعمرة هي الحج الأصغر)) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه. (¬2) تقدم تخريجه.

س 536: رجل أحرم بالحج من الميقات ولما وصل إلى مكة منعه مركز التفتيش لأنه لم يحمل بطاقة الحج فما الحكم؟

ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)) (¬1) . رابعاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليعلى بن أمية: ((اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك)) فإذا كنت تصنع طواف الوداع في حجك فاصنعه في عمرتك، ولا يخرج من ذلك إلا ما أجمع العلماء على خروجه مثل الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى، ورمي الجمار، فإن هذا بالإجماع ليس مشروعاً في العمرة. ولأن الإنسان إذا طاف صار أبرأ لذمته وأحوط. والله الموفق. * * * س 536: رجل أحرم بالحج من الميقات ولما وصل إلى مكة منعه مركز التفتيش لأنه لم يحمل بطاقة الحج فما الحكم؟ الجواب: الحكم في هذه الحال أنه يكون محصراً حين تعذر عليه الدخول إلى مكة، فيذبح هدياً في مكان الإحصار ويحل، ثم إن كانت هذه الحجة هي الفريضة أداها فيما بعد بالخطاب الأول لا قضاء، وإن كانت غير الفريضة فإنه لا شيء عليه على القول الراجح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الذين أحصروا في غزوة الحديبية أن يقضوا تلك العمرة التي أحصروا عنها، فليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجوب القضاء على من أحصر، قال الله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (البقرة: 196) ولم يذكر شيئاً سوى ذلك، وعمرة القضاء سميت بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضى قريشاً أي ¬

(¬1) تقدم تخريجه.

س 537: من قصد الحج ثم منع منه فماذا يلزمه؟

عاهدهم عليها، وليس من القضاء الذي هو استدراك ما فات، والله أعلم. * * * س 537: من قصد الحج ثم منع منه فماذا يلزمه؟ الجواب: إذا لم يتلبس بالإحرام فلا يلزمه شيء في هذه الحال؛ لأن الإنسان إذا لم يتلبس بالإحرام فإن شاء مضى في سبيله وإن شاء رجع إلى أهله، إلا إذا كان الحج فرضاً فإنه يجب عليه أن يبادر به، ولكن إذا حصل مانع فإنه لا شيء عليه. أما إذا كان هذا المنع بعد التلبس بالإحرام فإن كان قد اشترط عند إحرامه ((إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني)) فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط فإن كان يرجو زوال المانع عن قرب، انتظر حتى يزول المانع ثم أتم الحج، فإن كان قبل الوقوف بعرفة وقف بعرفة وأتم حجه، وإن كان بعد الوقوف بعرفة ولم يقف بها فقد فاته الحج، فيتحلل بعمرة، ويقضي الحج من العام القادم إن كان حجه فريضة، وإن كان لا يرجو زوال المانع عن قرب تحلل من إحرامه، وذبح هدياً لعموم قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) . * * * س 538: هل ما يفعله الحاج من المعاصي تنقص من أجر الحج؟ الجواب: المعصية مطلقاً تنقص من ثواب الحج، لقول الله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج) . بل إن بعض أهل العلم قال: إن المعصية في الحج تفسد

س 539: من حج بجواز سفر مزور فما حكم حجه؟

الحج؛ لأنه منهي عنها في الحج، ولكن جمهور أهل العلم على قاعدتهم المعروفة أن التحريم إذا لم يكن خاصّاً بالعبادة فإنه لا يبطلها، والمعاصي ليست خاصة بالإحرام، إذ المعاصي حرام في الإحرام وغير الإحرام، وهذا هو الصواب، وأن هذه المعاصي لا تبطل الحج ولكنها تنقص الحج. * * * س 539: من حج بجواز سفر مزور فما حكم حجه؟ الجواب: حجه صحيح؛ لأن تزوير الجواز لا يؤثر في صحة الحج، ولكن عليه الإثم، وعليه أن يتوب إلى الله- عز وجل- وأن يعدل اسمه إلى الاسم الصحيح حتى لا يحصل تلاعب لدى المسؤولين، ولئلا تسقط الحقوق التي وجبت عليه بالاسم الأول لاختلاف اسمه الثاني عن الاسم الأول، فيكون بذلك آكلاً للمال بالباطل مع الكذب في تغيير الاسم. وبهذه المناسبة أود أن أنصح إخواني بأن الأمر ليس بالهين بالنسبة لأولئك الذين يزورون الأسماء، ويستعيرون أسماءً لغيرهم من أجل أن يستفيدوا من إعانة الحكومة، أو من أمور أخرى، فإن ذلك تلاعب في المعاملات، وكذب وغش، وخداع للمسؤولين والحكام، وليعلموا أن من اتقى الله - عز وجل- جعل له مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب، وأن من أتقى الله جعل الله له من أمره يسراً، وأن من اتقى الله وقال قولاً سديداً أصلح الله له عمله وغفر له ذنبه. تم بحمد الله تعالى وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

§1/1