غريب القرآن لابن قتيبة ت أحمد صقر
الدِّينَوري، ابن قتيبة
مقدمة
مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم قال عبد الله بن مسلم بن قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ: نَفَتتِحُ كتابَنا هذا بذكْر أسمائه الحُسنى، وصفاته العُلا (1) ؛ فنُخبِرُ بتأويلهما واشتقاقهما؛ ونُتْبِعُ ذلك ألفاظا كثر تَرْدادُها في الكتاب لم نر بعض السُّور أولى بها من بعض؛ ثم نبتدئ في تفسير غريب القرآن، دون تأويل مُشْكله: إذ كنا قد أفْرَدْنا للمشكل كتابًا جامعًا كافيًا، بحمد الله. * * * وغرضنا الذي امتثَلْناه في كتابنا هذا: أن نختصر ونُكْمل، وأن نوضِّح ونُجْمِلَ؛ وأن لا نستشهدَ على اللفظ المُبْتَذَل، ولا نُكْثِرَ الدِّلالةَ على الحرف المستعمل؛ وأن لا نحشُوَ كتابنا بالنحو وبالحديث والأسانيد. فإنَّا لو فعلنا ذلك في نقل الحديث: لاحتجنا إلى أن نأتِيَ بتفسير السلف - رحمة الله عليهم - بعينه؛ ولو أتَيْنا بتلك الألفاظ كان كتابنا كسائر الكتب التي أَلَّفَهَا نَقَلَةُ الحديث؛ ولو تكلَّفْنا بعدُ اقتصاصَ اختلافِهم، وتبيينَ معانيهم، وفتْقَ جُمَلِهم بألفاظنا، وموضعَ الاختيارِ من ذلك الاختلاف، وإقامةَ الدلائل عليه، والإخبارَ عن العلة فيه -: لأسْهبْنا في القول، وأطلنا الكتاب؛ وقطعْنا منه طمعَ المُتحفِّظ، وباعدْناه من بُغْيَة المُتأدِّب؛ وتكلَّفنا من نقل الحديث، ما قد وُقِينَاه وكُفِيناه.
وكتابنا هذا مستنبط من كتب المفسرين، وكتب أصحاب اللغة العالمين. لم نخرج فيه عن مذاهبهم، ولا تكلَّفنا في شيء منه بآرائنا غيرَ معانيهم، بعد اختيارنا في الحرف أَوْلَى الأقاويلِ في اللغة، وأشْبَهَهَا بقصةِ الآية. ونَبَذْنَا مُنكَرَ التأويل، ومَنحولَ التفسير. فقد نَحَلَ قومٌ ابنَ عباس، أنه قال في قول الله جل وعز: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (1) إنها غُوِّرتْ؛ من قول الناس بالفارسية: كُورْ بِكِرد (2) . وقال آخر في قوله: {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا} (3) أراد سَلْني سبيلا إليها يا محمدُ. وقال الآخر في قوله: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (4) إن الويل: وادٍ في جهنمَ. وقال الآخر في قوله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (5) إن الإبل: السحابُ.
وقال الآخر في قوله: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (1) -: إن النعيم: الماء الحار في الشتاء. وقال الآخر في قوله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (2) -: إن الزينة: المُشطُ. وقال آخر في قوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} (3) إنها الآرَابُ التي يَسجد عليها المرء؛ وهي جبهتهُ ويداه، وركبتاه وقدماه. وقال الآخر في قوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى} (4) أن تُجعل كلُّ واحدة منهما ذُِكَرًا؛ يريد: أنهما يَقومان مَقام رجل، فإحداهما تُذكِّر الأخرى. مع أشباهٍ لهذا كثيرة؛ لا ندري: أَمِن جهة المفسرين لها وَقَع الغلطُ؟ أو من جهة النَقَلة؟ وبالله نستعين، وإيّاه نسأل التوفيق للصواب.
اشتقاق أسماء الله وصفاته، وإظهار معانيها
اشْتِقَاقُ أَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِه، وَإِظْهَار مَعَانِيهَا 1- "الْرَّحْمنُ الرَّحِيمُ": صفتان مبنِيَّتان من "الرحمة". قال أبو عبيدةَ: وتقديرهما: نَدْمانُ، ونَدِيمٌ (1) . * * * 2- ومن صفاته: "السَّلامُ". قال: {السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} (2) ومنه سُميَ الرجلُ: عبدَ السلام؛ كما يقال: عبدُ الله. ويرى أهل النظر - من أصحاب اللغة -: أن "السلام" بمعنى السلامة؛ كما يقال: الرَّضاعُ والرَّضاعة، واللَّذَاذُ واللَّذَاذة (3) . قال الشاعر: تُحَيِّى بِالسَّلامَةِ أُمُّ بَكْرٍ ... فَهَلْ لَكِ - بَعْدَ قَومِكِ - مِنْ سَلامِ? فسَمى نفسه - جل ثناؤه - "سلامًا": لسلامته ممَّا يَلحق الخلقَ: من العيب والنقص، والفناء والموت. قال الله جل وعز: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} (4) ؛ فالسلام: الله؛ ودارُه: الجنة. يجوز أن يكون سماها "سلاما": لأن الصائر إليها يَسلَمُ فيها من
كل ما يكون في الدنيا: من مرض ووَصَبٍ، وموت وهَرَم؛ وأشباهِ ذلك. فهي دارُ السلام. ومِثلُه: {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (1) . ومنه يقال: السلامُ عليكم. يراد: اسمُ السلام عليكم. كما يقال: اسمُ الله عليكم. وقد بيَّن ذلك لَبِيدٌ، فقال: إلَى الحَوْلِ, ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا ... وَمَنْ يَبْكِ حَوْلا كَامِلا فَقَدِ اعْتَذَرْ (2) ويجوز (3) أن يكون [معنى] "السلامُ عليكم": السلامةَ لكم. وإلى هذا المعنى، يَذهب مَن قال: "سلامُ الله عليكم، وأَقرِئْ فلانًا سلامَ الله". وقال: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} (4) ؛ يريد: فسلامةٌ لك منهم؛ أي: يُخبِرُك عنهم بسلامة. وهو معنى قول المفسرين. ويُسمَّى الصوابُ من القول "سلاما": لأنه سَلِم من العيب والإثم. قال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (5) ؛ أي: سَدادًا من القول. * * * 3- ومن صفاته: "القَيُّومُ" و "القَيَّامُ". وقُرِئ بهما جميعا. وهما "فَيْعُولٌ" و "فَيْعَالٌ" (6) . من "قمتُ بالشيء": إذا وَلِيتُه. كأنه القَيِّم بكل شيء. ومثله في التقدير قولهم: ما فيها دَيُّورٌ وَدَيَّارٌ (7) .
4- ومن صفاته: "سُبُّوحٌ". وهو حرف مبني على "فُعُّول"؛ من "سبَّح اللهَ": إذا نزهه وبرَّأه من كل عيب. ومنه قيل: سبحان اللهِ؛ أي: تنزيهًا لله، وتبرئةً له من ذلك. ومنه قوله: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} (1) . وقال الأعْشَى: أَقُولُ لَمَّا جَاءَنَا فَخْرُهُ ... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ (2) أراد: التبرُّؤَ من علقمةَ. وقد يكون تَعجبَ [بالتسبيح من فخره؛ كما يقول القائل إذا تعجب] من شيء: سبحان الله. فكأنه قال: عجبًا من علقمةَ الفاخرِ. * * * 5- ومن صفاته: "قُدُّوسٌ". وهو حرف مبني على "فُعُّول"؛ من "القُدْس" وهو: الطهارة. ومنه قيل: "الأرْض الْمُقَدَّسَة" (3) ؛ يراد: المطهَّرة بالتبريك. ومنه قوله حكاية عن الملائكة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} (4) ؛ أي: نَنْسُبك
إلى الطهارة. و"نُقدّسك ونُقدِّس لك" و"نُسَبِّح لك ونُسبِّحك" بمعنى واحد. وحَظِيرة القُدس - فيما قاله أهل النظر - هي: الجنة. لأنها موضع الطهارة من الأدناس التي تكون في الدنيا: من الغائط والبول والحيض، وأشباهِ ذلك. * * * 6- ومن صفاته: "الرَّبُّ". والرب: المالك. يقال: هذا ربُّ الدار، وربُّ الضَّيْعة، وربُّ الغلام. أي: مالكُه؛ قال الله سبحانه: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} (1) ؛ أي: إلى سيِّدك. ولا يقال لمخلوق: هذا الرب؛ معرَّفا بالألف واللام؛ كما يقال لله. إنما يقال: هذا ربُّ كذا. فيعرَّفُ بالإضافة. لأن الله مالكُ كل شيء. فإذا قيل: الربُّ؛ دلَّت الألف واللام على معنى العموم. وإذا قيل لمخلوق: ربُّ كذا وربُّ كذا؛ نُسِب إلى شيء خاص: لأنه لا يَملِك [شيئًا] غيره. ألا ترى أنه قيل: "اللهُ"؛ فألزم الألفَ واللام: ليُدَلَّ بها على أنه إلهُ كل شيء. وكان الأصل: "الإلاه". فتُركت الهمزة: لكثرة ما يجري ذكره - عز وجل - على الألسنة؛ وأدغمتْ لام المعرفة في اللام التي لقيَتْها؛ وفُخِّمتْ وأُشْبِعتْ حتى طبَّق اللسانُ بها الحَنَك: لفخامة ذكره تبارك وتعالى؛ وليُفرَقَ أيضا - عند الابتداء بذكره - بينه وبين اللات [والعُزَّى] . * * * 7- ومن صفاته: "الْمُؤْمِنُ". وأصلُ الإيمان: التصديقُ. قال: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}
(1) ؛ أي: وما أنت بمصدِّق ولو كنا صادقين. ويقال [في الكلام] : ما أُومِنُ بشيء مما تقول؛ أي: ما أُصدقُ بذلك. فإيمانُ العبد بالله: تصديقهُ قولا وعملا وعَقْدًا. وقد سمى الله الصلاة - في كتابه - إيمانًا؛ فقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (2) ؛ أي: صلاتَكُمْ إلى بيت المَقْدس. فالعبدُ مؤْمن، أي: مصدِّق مُحقِّق. والله مؤْمن، أي: مصدِّق ما وعده ومحقِّقُه، أو قابلٌ إيمانَه. وقد يكون "المؤْمن" من "الأمَان"؛ أي: لا يأمَنُ إلا من أَمَّنَه [الله] . وقد ذكرت الإيمان ووجوهَه، في كتاب "تأويل المشكل (3) ". وهذه الصفةُ - من صفات الله جل وعزّ - لا تتصَرَّف تصرُّف غيرِها؛ لا يقال: أَمِنَ اللهُ؛ كما يقال: تقدَّس اللهُ. ولا يقال: يُؤْمِنُ اللهُ؛ كما يقال: يتقدَّس اللهُ. وكذلك يقال: "تعالى الله". وهو تفاعُلٌ من "العُلُو". و"تبارَكَ الله" هو تفاعُلُ من "البركة" و"الله مُتعالٍ". ولا يقال: مُتبارِكٌ. لم نسمعه. وإنما نَنْتَهي في صفاته إلى حيث انتَهَى؛ فإن كان قد جاء من هذا شيءٌ - عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله، أو عن الأئمة -: جاز أن يُطَلقَ، كما أُطِلق غيرُه.
* * * 8- ومن صفاته: "المُهَيْمِنُ". وهو: الشهيدُ. قال الله: {وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (1) ؛ أي: شاهدًا عليه. هكذا قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه. وروى عنه - من غير هذه الجهة - أنه قال: "أمينًا عليه" (2) . وهذا أعجبُ إليَّ؛ وإن كان التفسيران متقارَبيْن. لأن أهل النظر - من أصحاب اللغة - يَرَون: أن "مُهَيْمِنًا" اسم مبني من "آمَنَ" (3) ؛ كما بُني "بَطِيرٌ" و "مُبَيْطِرٌ" و "بَيْطارٌ" من "بَطَر". قال الطِّرِمَّاحُ: كَبَزْغِ الْبَطِيرِ الثَّقْفِ رَهْصَ الْكَوَادِنِ (4)
وقال النابغة: شَكَّ المُبَيْطِرِ إِذْ يَشْفِي مِنَ الْعَضَدِ (1) وكأن الأصل، "مُؤَيْمِنٌ"؛ ثم قُلبت الهمزة هاء: لقُرب مَخرجهما؛ كما تُقلب في "أَرَقتُ الماء"، فيقالُ: هَرَقت الماء. وقالوا: ماءٌ مُهَرَاق؛ والأصل: ماءٌ مُراق. وقالوا: "إبْرِيَةٌ وهِبْرِيَةٌ، وأَيْهاتَ وهَيْهَاتَ، وإيَّاكَ وهِيَّاكَ". فأبدلوا من الهمزة هاءَ. وأنشد الأخْفَش: فَهِيَّاكَ وَالأمْرَ الَّذِي إِنْ تَوَسَّعَتْ ... مَوَارِدُهُ, ضَاقَتْ عَلَيْكَ مَصَادِرُهْ (2) * * * و"آمِينَ" اسم من أسماء الله. وقال قوم من المفسرين - في قول المصلي بعد فراغه من قراءة أمِّ الكتاب: "آمينَ"-: [أمينَ] قُصر من (3) ذلك؛ كأنه قال: يا ألله؛ وأضمر "استجبْ لي" -: لأنه لا يجوز أن يَظهر هذا في هذا الموضع من الصلاة؛ إذ كان كلامًا.- ثم تُحذف ياء النداء. وهكذا يختار أصحاب اللغة في "أمينَ": أن يَقصرُوا الألف، ولا يُطَوِّلوا. وأنْشَدوا فيه:
تَبَاعَدَ مِنِّي فُطْحُلٌ إِذْ سَأَلْتُهُ ... أَمِينَ, فَزَادَ اللهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدَا (1) ويفتحونها: لانفرادها، وانقطاعها عما يُضمر فيها: من معنى النداء. حتى صارت عندهم معنى "كذلك فَعَل الله". وقد أجازوا أيضا "آمينَ" مطوّلة الألف. وحكَوها عن قوم فصحاء. وأصلها: "يا أمين" بمعنى: يا أللهُ. ثم تُحذف همزة "أمين" استخفافا لكثرة ما تَجْرى هذه الكلمة على ألسنة الناس. ومَخْرَجُها مخرج "آزيدُ". يريد: يا زيدُ. و "آراكبُ" يريد: يا راكبُ. وقد سمعنا من فصحاء العرب: "آخبيثُ"؛ يريدون: يا خبيثُ. وفي ذلك قولٌ آخر؛ يقال: إنما مدت الألف فيها، ليطول بها الصوتُ. كما قالوا: "أَوِّهْ" مقصورةَ الألف، ثم قالوا: "آوَّهْ" [ممدودة] . يريدون تطويل الصوت بالشكاية. وقالوا: "سقط على حاقِّ رأسِه"؛ أي: على حَقِّ رأسه (2) . وكذلك "آمين": أرادوا تطويل الصوت بالدعاء. وهذا أعجب إليَّ. * * * وأما قول العباس بن عبد المُطَّلِب، في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
حَتَّى احْتَوَى بَيْتُك الْمُهَيْمِنُ مِنْ ... خِنْدِفَ, عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ (1) فإنه أراد: حتى احتويتَ - يا مُهيمن- من خندفَ علياءَ؛ فأقام البيتَ مُقامَه: لأن بيته إذا حَلَّ بهذا المكان، فقد حل هو به. وهو كما يقال: بيتُه أعزُّ بيتٍ. وإنما يراد: صاحبُه. قال النابغة: وَحَلَّتْ بُيُوتِي فِي يَفَاعٍ مُمَنَّعٍ ... تَخَالُ بِهِ رَاعي الْحُمُولَةِ طَائِرَا (2) ولم يكن بيته في جبل بهذه الصفة؛ إنما أراد: أني ممتنعٌ على من أرادني، فكأني حللت في يفاع مُمنَّع. * * * 9- ومن صفاته: "الغَفُورُ". وهو من قولك: "غَفَرتُ الشيء": إذا غَطَّيتهَ. كما يقال: "كَفَرْتُه": إذا غطَّيْته. ويقال: كذا أَغْفَرُ من كذا؛ أي: أستَرُ. و "غَفْرُ الخَزِّ والصوف" ما علا فوق الثوب منها: كالزِّئْبِر. سمي "غفرا": لأنه ستر الثوب. ويقال لجُنَّة
الرأس: "مِغفرٌ"؛ لأنها تستر الرأس (1) . فكأن "الغفور": الساترُ لعبده برحمته، أو الساترُ لذنوبه. ونحوٌ منه قولهم: "تَغَمَّدْني برحمتك"؛ أي: ألبِسْني إياها. ومنه قيل: "غِمْدُ السيف"؛ لأنه يُغمد فيه، أي: يُدخل. * * * 10- ومن صفاته: "الواسِعُ". وهو الغنيُّ. والسَّعةُ: الغِنَى. قال الله [: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (2) أي] : يعط من سعته. * * * 11- ومن صفاته: "البارِئُ". ومعنى "البارئ": الخالقُ. يقال: بَرَأ الله الخلقَ يَبْرَؤُهم. و"البَرِيَّة": الخلق. وأكثر العرب والقُراء: على ترك همزها؛ لكثرة ما جرت على الألسنة. وهي "فَعِيلةٌ" بمعنى "مَفْعولة". ومن الناس مَن يزعم: أنها مأخوذة من "بَريْتُ العودَ". ومنهم من يزعم: أنها من "البَرَى"، وهو: التراب أي: خُلق من التراب. وقالوا: لذلك لم يُهمز.
وقد بينت هذا في كتاب "القراءات" (1) وذكرت موضع الأخبار منه. * * * 12- ومِثلُ البارئ: "الذَّارِئُ". وهو: الخالق. يقال: ذَرَأ الله الخلقَ. وقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا} (2) أي: خلَقْنا. و "الذُّرِّيةُ" منه؛ لأنها خلق الله من الرجل. وأكثر القُراء والعرب: على ترك همزها؛ لكثرة ما يُتكلم بها. ومنهم من يزعم: أنها من "ذَرَوْتُ" أو "ذَرَيْتُ". * * * 13- ومن صفاته ما جاء على "فَعِيلٍ" بمعنى "فاعِلٍ"؛ نحو: "قَديرٍ" بمعنى "قادرٍ"، و"بصيرٍ" بمعنى "باصِرٍ"، و"سَميعٍ" بمعنى "سامعٍ"، و"حَفيظٍ" بمعنى "حافِظٍ" و"بَدِيءٍ" بمعنى: "بادئ الخلق"، و"شَهِيدٍ" بمعنى "شاهِدٍ"، و"عَليمٍ" بمعنى "عالِمٍ"، و"رَقِيبٍ" بمعنى "راقِبٍ" - وهو: الحافظ - و"كَفِيلٍ" بمعنى "كافِلٍ"، و"خَبيرٍ" بمعنى "خابِرٍ"، و"حَكِيمٍ" بمعنى "حاكِمٍ"، و"مَجِيدٍ" بمعنى "ماجد" وهو: الشريف. * * * 14- ومن صفاته ما جاء على "فَعِيلٍ" بمعنى "مُفْعِلٍ"؛ نحو:
"بَصيرٍ" بمعنى "مُبْصِرٍ"، و "بَدِيعِ الخلْقِ" بمعنى "مُبْدِع الخلق". كما قالوا: "سميعٌ"؛ بمعنى مُسْمِعٍ. قال عَمْرُو بن مَعْدِيكَرِب: أَمِنْ رَيْحَانَةَ الداعِي السَّمِيعُ (1) و"عذابٌ أليمٌ" أي: مؤْلمٌ، و"ضرْبٌ وَجِيعٌ" أي: مُوجِعٌ. [ومنه] : {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (2) ؛ أي: كافيًا. من قولك: "أَحْسَبَني هذا الشيءُ"، أي: كفاني (3) . و"اللهُ حَسِيبي وحسيبُك" أي: كافينا؛ أي: يكون حَكَما بيننا كافيًا. قال الشاعر: وَنُقْفِي وَلِيدَ الْحَيِّ: إنْ كَانَ جَائِعًا ... وَنُحْسِبُهُ: إنْ كَانَ لَيْسَ بِجَائِعِ (4) أي: نُعطيه ما يَكفيه، حتى يقولَ: حَسْبِي. وقال بعض المفسرين -في قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} -: أي مُحاسبًا. وهو -على هذا التأويل- في مذهب "جَليس" و "أَكِيل" و "شرِيب" و "نَديمٍ" و "قَعيدٍ". * * * 15- ومن صفاته ما جاء على "فَعِيلٍ": لا يكونُ منها غيرُ لفْظِها؛ نحو:
"قَريب" و"جَليل" و"حَليم" و"عَظيم" و"كَبير" و"كَريم" -وهو الصَّفُوح عن الذنوب- و"وَكيل" وهو الكَفيل. قال: {وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} (1) {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} (2) {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} (3) ؛ أي: اجعلْه كافلَك، واعتمد على كفالته لك. ووكيل الرجل في ماله هو الذي كفَلَه له، وقام به. * * * 16 - ومن صفاته: "الوَدُودُ". وفيه قولان. يقال: هو "فَعُولٌ" بمعنى "مَفْعول"؛ كما يقال: رجل هَيُوب؛ أي مَهيبٌ، يراد به: مَوْدودٌ. ويقال: هو "فَعُول" بمعنى "فاعل" كقولك: غفورٌ؛ بمعنى غافر. أي: يَودُّ عباده الصالحين. وقد تأتي الصفةُ بالفعل لله ولعبده، فيقال: "العبدُ شكورٌ لله" أي: يشكر نعمه. و "اللهُ شكور للعبد" أي: يشكر له عملَه. و "العبدُ تَوَّابٌ إلى الله من الذنب"، و "اللهُ توَّابٌ عليه". * * * 17- و "كِبْرياءُ اللهِ": شَرَفُه. وهو من "تكبَّر": إذا أعلا نفسَه.
18- و "جَدُّ اللهِ": عَظَمتُه. ومنه قوله: {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} (1) . ومنه يقال في افتتاح الصلاة: "تَبَارَك اسمُك، وتعالَى جَدُّك" (2) . يقال: جَدَّ الرجلُ في صدور الناس وفي عيونهم، إذا عَظُم. ومنه قول أنسٍ: "كان الرجُل إذا قرأ البقرة وآلَ عمران، جَدَّ فينا" (3) ؛ أي: عَظُم. 19- و "مَجْدُ اللهِ": شرَفُه، وكرَمُه. 20- و "جَبَرُوتُه": تجَبُّرُه؛ أي تعظُّمُه. 21- و "مَلَكُوتُه": مُلْكُه. ويقال: دارُ مُلكِه. وزيدتْ التاءُ فيهما، كما زيدتْ في "رَهَبُوتٍ" و "رَحَمُوتٍ". تقول العرب: "رَهَبوتٌ خيرٌ من رَحَموتٍ"؛ أي: [أنْ] تُرهَبَ خير من أن تُرحمَ. * * * 22- و "فَضْلُ اللهِ": عطاؤه. وكذلك "منُّه" هو: عطاؤه. يقال: الله ذو مَنٍّ عظيم. ومنه قوله: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (4) ؛ أي أعط أو أمسك. وقوله: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (5) ؛ أي: لا تعطِ لتأخذ من المكافأة أكثر مما أعطيتَ. * * * 23- و "حَمْدُ اللهِ": الثناء عليه بصفاته الحسنى. و "شُكْرُه":
الثناء عليه بنعمه وإحسانِه. تقول: "حمِدتُ الرجل": إذا أثنيتَ عليه بكرم وحسب وشجاعة: وأشباهِ ذلك؛ و "شكرتُ له": إذا أثنيتَ عليه بمعروفٍ أَوْلاكَهُ. وقد يوضعُ الحمدُ موضع الشكر. ولا يوضع الشكرُ موضع الحمد. * * * 24- و "أسماءُ اللهِ الحُسنى": (1) الرحمنُ، والرحيم، والغفورُ، والشكُورُ؛ وأشباهُ ذلك. * * * 25- والإلحادُ (2) في أسمائه: [الجورُ عن الحق والعدولُ عنه، وذكرُ] اللاتِ والعُزَّى، وأشباهِ ذلك. * * * 26- و "مَثَلُه الأعلى" (3) لا إله إلا اللهُ. ومعنى المَثَل -ها هنا- معنى الصفة؛ أي: هذه صفته. وهي أعلى من كل صفة: إذ كانت لا تكون إلا له. ومِثْل هذا -مما المَثَلُ فيه بمعنى الصفة- قوله في صفة أصحاب رسوله: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} (4) ؛ أي: صِفَتهم. وقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (5) ؛ أي: صفتُها. وقد بينت هذا في كتاب "الْمُشْكل" (6) .
باب تأويل حروف كثرت في الكتاب
بَابُ تَأْوِيلِ حُرُوفٍ كَثُرَتْ فِي الْكِتَابِ 1- {الجن} من "الاجْتنان"، وهو الاسْتِتارُ. يقال للدرع: جُنَّةٌ؛ لأنها سترت. ويقال: أجَنَّه الليل؛ أي: جعله من سواده في جُنّة؛ وجَنَّ عليه الليلُ. وإِنما سموا جِنًّا: لاستتارهم عن أبصار الإنس. وقال بعض المفسرين في قوله: {فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (1) ؛ أي: من الملائكة (2) . فسماهم جنًّا: لاجتِنَانهم واستتارهم عن الأبصار. وقال الأعشى يذكر سليمانَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ الْمَلائِكِ تِسْعَةً ... قِيَامًا لَدَيْهِ يَعْمَلونَ بِلا أَجْرِ (3) * * * 2- وسُمي {الإنس} إنسا: لظهورهم، وإدراكِ البصر إياهم. وهو من قولك: آنستُ كذا؛ أي: أبصرتُه. قال الله جل ثناؤه: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} (4) أي: أبصرت.
وقد روي عن ابن عباس، أنه قال: إنما سُمي إنسانا: لأنه عُهد إليه فنَسىَ (1) . وذهب إلى هذا قوم من أهل اللغة. واحتجوا في ذلك بتصغير إنسان وذلك: أن العرب تُصغره "أْنَيْسيان": بزيادة ياء؛ كأن مكبَّره "إنْسِيانٌ" -إفْعِلانٌ- من النِّسيان؛ ثم تُحذف الياء من مكبَّره استخفافا: لكثرة ما يجرى على اللسان؛ فإذا صُغر رجعت الياء وردّ إلى أصله؛ لأنه لا يكثر مصغَّرا كما يكثر مكبَّرا. والبصريون يجعلونه "فِعْلانًا" على التفسير الأول. وقالوا: زيدت الياء في تصغيره، كما زيدت في تصغير ليلة، فقالوا: لُيَيْلة. وفي تصغير رجل، فقالوا: رُوَيْجل. * * * 3- وهما {الثقلان} ؛ يعني: الجن والإنس. سميا بذلك (2) لأنهما ثِقْل الأرض، إذ كانت تحملهم أحياء وأمواتا. ومنه قول الله: {وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا} (3) أي: موتاها. وقالت الخنساء ترثي أخاها: أبَعْدَ ابنِ عَمْرٍو من آل الشَّرِيـ ... دِ حَلَّتْ به الأرضُ أَثْقَالَهَا (4)
قالوا: حلَّت من التَّحْلِيَة، لا مِنَ الحَلِّ الذي هو ضد العقد. أي: حلَّتْ به موتاها كأنها زيّنتهم به. * * * 4- و {الملائكة} من الألُوك. وهي الرسالة. وهي المأْلُكَة والمأْلَكَة، ومنه قالت الشعراء: أَلِكْنِي. أي أرسلني. وبمعنى كن رسولي، واحدهم ملك -بترك الهمزة- لكثرة ما يجرى في الكلام، والهمزة في الجمع مؤخرة لأنهم رسل الله. * * * 5- و (إبليس) فيه قولان: قال أبو عبيدة: هو اسم أعجمي ولذلك لا يصرف. (1) وقال غيره: هو "إفْعِيل" من أبْلَسَ الرجل إذا يَئِسَ. قال الله جل ثناؤه: {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (2) أي: يائسون. [كذلك قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه] ؛ قال: ولما لعنه الله وغضب عليه أبْلَس من رحمته أي: يئس [منها] فسماه [الله عز وجل] إبليس. وكان اسمه عَزَازِيل. قال: ولم يصرف لأنه لا سَمِيَّ له فاستثقل. * * * 6- و {الشيطان} تقديره فَيْعَال. والنون من نفس الحرف. كأنه من شَطَنَ أي: بَعُدَ. ومنه يقال شَطَنَتْ دارُه [أي: بعدت] وقَذفَتْه نَوًى [شَطُون] أي: بعيدة. وشياطين الجن: مَرَدَتُهم. وكذلك شياطين الإنس: مَرَدتهم [أيضًا] .
كأن المارد منهم يخرج عن جملتهم ويبعد [منهم] لتمرُّده. ومثله قولهم: شَاطِر وشُطَّار. لأنهم كانوا يبعدون عن منازلهم. فسُمِّي بذلك كلُّ من فَعَلَ مثل فعلهم وإن لم يَعْزُب عن أهله. قال طرَفَة: في القوم الشُّطُرْ (1) أي: البعداء. والدليل على أن النون من شيطان من نفس الحرف قول أمية بن أبي الصلت في وصف سليمان النبي صلى الله عليه-: أَيُّمَا شَاطِنٍ عَصَاهُ عَكَاهُ ... ثُمَّ يُلْقَى في السجْنِ والأغْلالِ (2) فجاء به على فاعل من شطن. * * * 7- وقوله {يَتَوَفَّى الأنْفُسَ} (3) هو من استيفاء العدد واستيفاء الشيء إذا استقصيته كله. يقال: توفيته واستوفيته. كما يقال: تيقَّنت الخبر واسْتَيْقَنْتُه، وتثبَّت في الأمر واسْتَثْبَتُه. وهذا [هو] الأصل. ثم قيل للموت: وفاة وتوف.
والعرب تسمى الدم نفسا لاتصال النفس به على مذهبهم في تسمية الشيء بما اتصل به أو جاوره أو كان سببا له. ويقولون: نَفِسَت المرأة: إذا حاضت كأنها دَمِيَت. وقال أصحاب اللغة: وإنما سمِّيت المرأة نُفَسَاء لسيلان الدم. وقال إبراهيم (1) : كل شيء ليست له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا سقط فيه. يريد كل شيء ليس له دم سائل. وتسمى العرب النفس نسمة. وأصل النسمة النفس. وروي في بعض الحديث "تَنَكَّبُوا الغبار فإن منه تكون النسمة" (2) يراد منه يكون النفس. والربو سمي نفسًا لأنه عن النفس يكون. والعرب تقول: مات فلان حتف نفسه، وحتف أنفه إذا مات على فراشه؛ لأنه لا يزال يتنفس حتى يموت فتخرج نفْسُه نَفَسًا من أَنفه وفمه. * * * 8- و {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} (3) قال أبو عبيدة: وهو جمع صُورَة. يقال: صُورَة وصُوَر وصَوَر. قال: ومثله سُورَةُ البناء وسُورُه. وأنشد:
سُرْتُ إليه في أَعَالِي السُّورِ (1) قال: وسور المجد أعاليه. أي ينفخ في صُوَرِ الناس. وقال غيره: الصُّور القَرْن بلغة قوم من أهل اليمن، وأنشد: نَحْنُ نَطَحْناهمْ غَداةَ الْجَمعَيْن ... بالضَّابِحَاتِ في غُبارِ النَّقْعَين (2) نَطْحًا شدِيدًا لا كَنَطحِ الصُّورَين وهذا أعجب إليَّ من القول الأول (3) لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله (4) : "كيف أَنْعَمُ وصاحب القرْن قد التَقَمه وحنَى جبْهَته، ينتظر متى يؤْمر فينفخ" (5) . * * * 9- و (اللَّعنُ) في اللغة أصله الطّرْد. ولعن الله إبليس: طرده حين قال: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا} (6) ثم انتقل ذلك فصار قولا. قال الشماخ: -وذكر ماء-
ذَعَرْتُ به القَطَا وَنَفَيْتُ عنه ... مَقَامَ الذِّئْبِ كالرَّجُلِ الُلَّعِينِ (1) أراد مقام الذئب اللعين. أي الطريد كالرَّجُل. فكأن القائل: لعنه الله، أراد طردَه الله عنه، باعده الله منه، أسحقه الله، هذا أو نحوه. * * * 10- و (الشِّرْك) في اللغة مصدر شَرِكْتُه في الأمر أشْرَكُه، وفي الحديث: أن مُعَاذا أجاز بين أهل اليمن الشِّرْك (2) . يراد في المزارعة أن يشترك فيها رجلان أو ثلاثة. فكان الشِّرْكَ بالله هو أن يجعل له شريك قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (3) . قال أبو عُبَيْدَة: كانت تَلْبِيَةُ أهل الجاهلية: لَبَّيْكَ لا شرِيك لك إلا شريك هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وما مَلَكَ (4) . فأنزل الله هذه الآية. * * * 11- و (الجَحْدُ) في اللغة: إنكارك بلسانك ما تَسْتَيْقِنهُ نَفْسُك. قال الله جل ثناؤه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (5) وقال: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (6) يريد أنهم لا يَنْسبُونَكَ إلى الكذب في قراءة من قرأ "يُكَذِّبُونَك" بالتشديد. ومن قرأ "يُكْذِبونك"
بالتخفيف، أراد: لا يجدونك كذابا ولكنهم بآيات الله يجحدون. أي ينكرونها بألسنتهم وهم مستيقنون [أنك] لم تكذب ولم تأت بها إلا عن الله تبارك اسمه. * * * 12- و (الكُفْرُ) في اللغة من قولك كَفَرْتُ الشيءَ إذا غَطَّيته. يقال لليل كافر لأنه يستر بظلمته كل شيء. ومنه قول الله عز وجل: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} (1) يريد بالكُفَّار الزُّرَّاع. سمّاهم كفّارًا لأنهم إذا ألقوا البذر في الأرض كفَرُوه أي: غطوه وستروه، فكأن الكافر ساتر للحق وساتر لنعم الله عز وجل. * * * 13- و (الظلم) في اللغة وضع الشيء غير موضعه. ومنه ظُلْمُ السِّقَاءِ وهو شُرْبُهُ قبل الإدْرَاك؛ لأنَّه وضع الشُّرْب غيرَ موضعه. وظلم الجَزُورِ وهو نَحْرُه لغير عِلَّة. ومنه يقال: من أشبه أباه فما ظَلَمَ (2) أي: ما وضع الشبه غير موضعه. ومنه قول النابغة: والنُّؤْيُ كالحَوْضِ بالمَظْلُومَةِ الجَلَدِ (3)
والمظلومة: الأرض التي حُفِرَ فيها ولم تكن موضع حفْر. سميت بذلك لأن الحفر وُضِع غير موضعه. فكأَن الظالم هو الذي أزال الحق عن جهته وأخذ ما ليس له، هذا وما أشبهه. ثم يتفرع من الظلم معان قد ذكرتها في كتاب "تأويل المشكل" (1) . * * * 14- و (الفِسْقُ) في اللغة: الخروج عن الشيء. ومنه قول الله جل وعز: {إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (2) أي خرج من طاعته. قال الفراء: ومنه يقال فَسَقَت الرُّطَبَةُ: إذا خرجت من قشرها. * * * 15- و (النِّفَاق) في اللغة مأخوذ من نافِقاء اليَرْبُوعِ وهو جُحْر من جِحَرتِه يخرج منه إذا أخذ عليه الجُحْر الذي دخل فيه. فيقال: قد نَفَقَ ونافَق، شبِّه بفعل اليربوع؛ لأنه يدخل من باب ويخرج من باب. وكذلك المنافق يدخل في الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعقد. وقد ذكرت هذا في كتاب "غريب الحديث" بأكثر من هذا البيان. والنفاق لفظ إسلامي لم تكن العرب قبل الإسلام تعرفه (3) .
* * * 16- و (البُهْتَانُ) من بَهت الرجلَ إذا واجهته بالباطل. * * * 17- و (العُدْوَان) من عَدَوْت وتَعَدَّيت على الرجل. والعَدَاء: الظلم. * * * 18- و (الخُسْرَان) النُّقْصَان. وكذلك الخُسْرُ، ويكون بمعنى الهلَكة. قال الله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (1) أي الهالكون: وقال: {فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} (2) أي هلكة، وقال في موضع آخر: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} (3) أي هلكة. * * * 19- و (الإفْكُ) الكذب، لأنه كلام قُلِبَ عن الحق. وأصله من أفَكْتُ الرجلَ إذا صرفته عن رأي كان عليه. ومنه قيل لمدائن قوم لوط: {المؤتفكات} (4) لانقلابها. ومنه قول الله جل وعز: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (5) أي: من أين تحرمون وتُصْرفون عن الحق، قال الشاعر: إنْ تَكُ عَنْ أَحْسَنِ الصَّنِيعَة مَأْ ... فُوكًا فَفِي آخَرِين قَدْ أُفِكُوا (6)
أي: إن تك عن أحسن الصنيعة مَعدُولا. * * * 20- وكذلك (الفجور) هو الميل عن الحق إلى الباطل. ويقال للكذب أيضا: فجور، وهو الميل عن الصدق. * * * 21- و (الافْتِرَاء) الاختلاق، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (1) أي: يختلقونه. ومنه قيل: افترى فلان على فلان، إذا قذفه بما ليس فيه، أو قذف أبويه. * * * 22- (إقامة الصّلاة) إدامتها لأوقاتها. والعرب تقول: قامت السوق وأقمتها: إذا أدمتها ولم أعطلها. قال الشاعر: أقَامَتْ غَزَالَةُ سُوقَ الضِّرَابِ ... لأهْلِ العِراقَيْنِ حَوْلا قَمِيطًا (2) ويقولون في خلاف ذلك: نامت السوق، إذا عطلت أو كسدت. * * * 23- و (التَّزْكِيَةُ) من الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله، أَخْذُ الزكاة. قال: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ} (3) وأصل الزكاة النَّماء والزيادة. ومنه قيل للصدقة عن المال: زكاة لأنها
تثمره، ومنه يقال: زكا الزرع، وزكت النفقة: إذا بورك فيها. * * * 24- و (الحِكْمَةُ) العلم والعمل. لا يسمى الرجل حكيما حتى يجمعهما. * * * 25- و (شَعَائِرُ الله) واحدُها شَعِيرة، وهي كل شيء جُعل علما من أعلام طاعته. ومنه إِشْعَارُ البُدْنِ: إذا أُهدِيت. وهو أن تطعن في سَنامها، وتُجَلِّلَها وتُقَلِّدَها، لأن ذلك من علامات إهْدَائها. وقال قائل حين شُجَّ عمرُ: أُشْعِرَ أميرُ المؤمنينَ (1) . كأنه أعلِم بعلامة من الجراح. ويرى أهل النظر أن أصله من الشِّعار، وهو ما ولي الجسد من الثياب. * * * 26- و (حَجُّ البيت) مأخوذ من قولك: حججت فلانا إذا عدت إليه مرّة بعد مرة، قال الشاعر: وأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبِرْقَانِ المُزَعْفَرَا (2) أي: يكثرون الاختلافَ إليه لِسُؤْدَدِه.
وكان الرئيس يعتم بعمامة صفراء تكون علمًا لرياسته ولا يكون ذلك لغيره ونحوه قوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} (1) أي يثوبون إليه، يعني يعودون إليه في كل عام. * * * 27- و (السُّلطان) [المُلْكُ والقهر] فإذا لم يكن ملك وقهر فهو بمعنى حجة وبرهان، كقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (2) وكقوله: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} (3) * * * 28- و (القُرْآن) من قولك: ما قرأت الناقة سَلًى (4) قَطُّ، أي: ما ضَمَّت في رحمها ولدًا، وكذلك ما قرأت جنينا. وأنشد أبو عُبَيْدة: هِجَانِ اللَّونِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا (5) وقال في قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (6) أي تأليفه. قال: وإنما سمي قرآنا لأنه جمع السور وضمّها. ويكون القرآن مصدرًا كالقراءة: يقال: قرأت قراءة حسنة وقرآنا حَسَنًا. وقال الله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (7) أي قراءة الفجر، يعني صلاة الفجر. قال الشاعر في عثمان بن عفان رضي الله عنه-:
ضَحَّوْا بِأَشْمَطَ عُنْوَانُ السّجُّودِ بِهِ ... يُقَطِّعُ الليلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنا (1) أي: تسبيحًا وقراءة. * * * 29- و (السُّورَةُ) تهمز ولا تهمز: فمن همزها جعلها من أسْأَرْتُ، يعني أفضَلْت. لأنها قطعة من القرآن. (2) ومن لم يهمزها جعلها من سُورَة البِنَاء، أي منزلة بعد منزلة. قال النابغة في النّعْمان: أَلَمْ تَرَ أنَّ الله أَعْطَاكَ سُورَةً ... تَرَى كلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ (3) والسُّورَةُ في هذا البيت سُورَةُ المَجْد. وهي [مستعارة من] سورة البناء. * * * 30- و (الآيةُ) جماعة الحروف. قال الشَّيْبَاني (4) : وهو من قولهم: خرج القوم بآيتهم، أي بجماعتهم.
31- و (السَّبْعُ الطِّوَالُ) آخرها براءة. كانوا يرون الأنفال وبراءة سورة واحدة؛ لأنهما جميعا نزلتا في مغازي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولذلك لم يفصلوا بينهما. * * * 32- و (السور التي تعرف بالمِئِين) هي ما ولي السَّبْع الطوال، سميت بمئين لأن كل سور منها تزيد على مائة آية أو تقاربها. * * * 33- و (المَثَانِي) ما ولي المِئين من السور التي هي دون المائة. كأن المئين مَبَادٍ وهذه مَثَانٍ. وقد تكون المثاني سُوَر القرآن كلَّها قصارها وطوالها. ويقال من ذلك قوله جل وعز: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} (1) ومنه قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (2) . وإنما سمِّي القرآن مثاني لأن الأنباء والقصص تثنَّى فيه. ويقال المثاني في قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} آيات سورة الحمد. سمَّاها مثاني لأنها تثنَّى في كل صلاة (3) .
34- و (المُفَصَّلُ) ما يلي المثاني من قِصَار السّور؛ سمِّيت مفصّلا لقصرها وكثرة الفصُول فيها بسطر: بسم الله الرحمن الرحيم. * * * 35- وأما (آل حميم) فإنه يقال: إن حم اسم من أسماء الله، أضيفت هذه السور إليه. كأنه قيل: سور الله. لشرفها وفضلها. قال الكُمَيْتُ: وَجَدْنَا لَكُمْ في آلِ حمِيمَ آيةً ... تَأوَّلها مِنّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ (1) وقد يُجعل حم اسمًا للسورة، ويدخله الإعراب ولا يُصرف. ومن قال هذا قال في الجميع: الحَوَامِيم. كما يقال: طس والطَّوَاسِين. * * * 36- وأما (التوراة) فإن الفرّاءَ يجعلُها من وَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي: إذا خرجت نارُه، وأوْرَيتُه (2) . يريد أنها ضِياء. * * * 37- و (الإنجيل) من نَجلتُ الشيءَ: إذا أخرجته. وولدُ الرجل نجلُه (3) . وإنجيل "إِفْعِيل" من ذلك. كأن الله أظهر به عَافيًا من الحق دَارِسًا. * * * 38- وقد سمى الله القرآن: (كِتَابًا) فقال: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} (4)
وقال: {كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ} (1) والكتاب فِعْلُ الكاتب. تقول: كتب كتابًا، كما تقول: حَجَبَ حِجابا وقام قياما وصام صياما. وقد يُسمَّى الشيء بفعل الفاعل، يقال: هذا درهم ضَرْبُ الأمير، وإنما هو مضروب الأمير، وتقول: هؤلاء خلق الله. لجماعة الناس، وإنما هم مخلوقو الله. * * * 39- و (الزَّبُور) هو بمعنى مكتوب من زَبَرَ الكتاب يَزْبُرُه إذا كتَبَه وهو فَعُولٌ بمعنى مَفْعُول، كما يقال: جلُوب وركُوب في معنى مَجْلُوب ومركُوب. ومعنى: "كتَبَ الكِتَاب" أي جمع حروفَه. ومنه كَتبَ الخَرَزَ، ومنه يقال: كتبتُ البَغْلةَ: إذا جمعت بين شُفْرَيْها بحلْقة. * * * 40- و {أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أخبارهم. وما سطِّر منها أي كتب. ومنه قوله: {وَمَا يَسْطُرُونَ} (2) أي يكتبون. واحدها سطر ثم أسطار، ثم أسَاطِير [جمع الجمع، مثل: قول وأقوال وأقاويل] . وأبو عبيدة (3) يجعل واحدها أُسْطورة وإسطارة [معناها التُّرَّهات البَسابِس] (4) وهو الذي لا نِظَامَ له. وليس بشيء صحيح.
غريب القرآن
سورة الحمد 1- {بِسْمِ اللَّهِ} اختصار كأنه قال: أبدأ باسم الله. أو بدأت باسم الله. 2- و (العالَمُونَ) أصناف الخلق الرُّوحانِيِّين، وهم الإنس والجن والملائكة، كلُّ صِنْفٍ منهم عالَم. 4- و {يَوْمِ الدِّينِ} يوم القيامة. سمِّي بذلك لأنه يوم الجزاء والحساب، ومنه يقال: دِنْتُه بما صَنَع. أي جازيته. ويقال في مَثَلٍ: "كما تَدِين تُدان" (1) يراد كما تَصنع يُصنع بك، وكما تُجَازِي تُجَازَى. 6- و {الصِّرَاطَ} الطريق. ومثله {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} (2) ومثله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (3) . 7- {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} يعني الأنبياء والمؤمنين. و {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} اليهود. و (الضَّالُّونَ) النصارى.
سورة البقرة
سُورة البَقَرَة 1- {الم} قد ذكرت تأويله وتأويل غيره - من الحروف المقطعة - في كتاب: "المشكل" (1) . 2- {لا رَيْبَ فِيهِ} لا شكَّ فيه. {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} أي: رُشدًا لهم إلى الحق. 3- {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} أي: يصدِّقون بإخبار الله - عز وجل - عن الجنة والنار، والحساب والقيامة، وأشباهِ ذلك. {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} أي: يُزَكُّونَ ويتصدقون. 5- {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} من الفلاح؛ وأصله البقاء. ومنه قول عَبِيدٍ: أَفْلِحْ بِمَا شِئْتَ ; فَقَدْ يُبْلَغُ بِالضْ ... ضَعْفِ, وَقَدْ يُخْدَعُ الأَرِيبُ (2) أي: ابق بما شئت من كَيْس أو غفلة. فكأنه قيل للمؤمنين: مفلحون؛ لفوزهم بالبقاء في النعيم المقيم. هذا هو الأصل.
ثم قيل ذلك لكل من عَقَلَ وحَزَمَ، وتكاملت فيه خِلالُ الخير. * * * 7- {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} بمنزلة طَبَعَ الله عليها. والخَاتَمُ بمنزلة الطابَع. وإنما أراد: أنه أقفل عليها وأغلقها، فليست تعي خيرا ولا تسمعه. وأصل هذا: أن كل شيء ختمتَه، فقد سددتَه وربطتَه. ثم قال عز وجل: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} ابتداء. وتمامُ الكلام الأول عند قوله: {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} (1) . والغِشَاوَة: الغِطاء. ومنه يقال: غَشِّه بثوب، أي: غَطِّه. ومنه قيل: غاشية السَّرْج؛ لأنها غِطاء له. ومثلُه قوله: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} (2) . * * * 9- وقوله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ} ؛ يريد: أنهم يُخَادِعُونَ المؤمنين بالله؛ فإذا خادعوا المؤمنين بالله: فكأنهم خادعوا الله. وخِدَاعُهُمْ إيّاهم، قولهم لهم إذا لقُوهم: {قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} أي: مَرَدَتِهِمْ؛ {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} (3) . وما يُخَادِعون إلا أنفسهم: لأن وَبَالَ هذه الخديعة وعاقبتها راجعة عليهم؛. وهم لا يَشْعُرُون.
10- {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي: شك ونفاق (1) . ومنه يقال: فلان يُمَرِّضُ في الوعد وفي القول؛ إذا كان لا يصححه، ولا يؤكده. 13- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ} يعني: المسلمين؛ {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} ؟! أي: الجهلة ومنه يقال: سَفِه فلانٌ رأيَه؛ إذا جَهِله (2) . ومنه قيل [للبَذَاء] : سَفَهٌ؛ لأنه جهْل. 15- {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} أي يجازيهم جزاء الاستهزاء. ومثله قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (3) ؛ أي جازاهم جزاء النسيان. وقد ذكرت هذا وأمثاله في كتاب "المشكل" (4) . {وَيَمُدُّهُمْ} أي: يتمادى بهم، ويطيل لهم. {فِي طُغْيَانِهِمْ} أي: في عُتُوِّهِمْ وتكبُّرهم. ومنه قوله: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} (5) ؛ أي: علا. {يَعْمَهُونَ} يركبون رءُوسهم فلا يُبصرون. ومثله قوله:
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ؟ (1) يقال: رجل عَمِهٌ وعَامِهٌ؛ أي: جائِرٌ [عن الطريق] . وأنشد أبو عُبَيْدَةَ: وَمَهْمَهٍ أطْرَافُهُ في مَهْمِهِ ... أعْمَى الهُدَى بالجاهِلِينَ العُمَّهِ (2) 16- {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} أي: استبدلوا. وأصل هذا: أن من اشترى شيئا بشيء، فقد استبدل منه. {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} والتجارةُ لا تَربح، وإنما يُربح فيها. وهذا على المجاز. ومثله: {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ} (3) ؛ وإنما يُعزم عليه. وقد ذكرت هذا وأشباهه في كتاب "المشكل" (4) . 17- و {الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} أي: أوْقَدَها. 19- و (الصَّيِّبُ) المطر؛ "فَيْعِل" من "صَابَ يَصُوبُ": إذا نزل من السماء. 20- {يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} يَذْهَب بها. وأصل الاختطاف: [الاستلاب] ؛ يقال: اختطف الذئب الشاة من الغنم. ومنه يقال لما يخرج به الدَّلْوُ: خُطَّافٌ؛ لأنه يَخْتَطِفُ ما عَلِقَ به. قال النَّابِغَةُ: خَطَاطِيفُ حُجْنٌ فِي حِبَالٍ مَتِينَةٍ ... تَمُدُّ بها أيْدٍ إلَيْكَ نَوَازِعُ (5)
والحُجْنُ: المُتَعَقِّفَة. وهذا مثل ضربه الله للمنافقين؛ وقد ذَكرته في كتاب "المشكل" وبينته (1) . 22- {أَنْدَادًا} أي: شركاء أمثالا. يقال: هذا نِدُّ هذا ونَدِيدُهُ (2) . {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: تعقِلون. 23- {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} أي: ادعوهم لِيُعَاوِنُوكم على سورةٍ مثلِه. ومعنى الدعاء هاهنا الاستغاثة. ومنه دعاء الجاهلية ودعوى الجاهلية؛ وهو قولهم: يا آلَ فلان؛ إنما هو استغاثتهم. وشهداؤهم من دون الله: آلهتهم؛ سُموا بذلك لأنهم يشهدونهم ويحضرونهم. 24- {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ} أي حطَبُها. والوَقود: الحطب؛ بفتح الواو. والوُقود بضمها: تَوَقُّدُها. {وَالْحِجَارَةُ} قال المفسرون: حجارة الكبريت. 25- {جَنَّاتٍ} بساتين. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} ذَهَبَ إلى شجرِها لا إلى أرضها. لأن الأنهار تجري تحت الشجر. {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أي: كأنّه ذلك لِشَبَهِه به.
{وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} أي يشبه بعضه بعضا في المناظر دون الطعوم. {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} من الحيض والغائط والبول وأقذار بني آدم. * * * 26- {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} لما ضرب الله المثل بالعنكبوت في سورة العنكبوت، وبالذباب في سورة الحج - قالت اليهود: ما هذه الأمثال التي لا تليق بالله عز وجل؟! فأنزل الله (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) من الذباب والعنكبوت (1) . وكَان أبو عبيدة [رحمه الله] يذهب إلى أن "فوق" هاهنا بمعنى "دون" على ما بينا في كتاب "المشكل" (2) . فقالت اليهود: ما أراد الله بمثل يُنكره الناسُ فَيَضِلُّ به فريق ويَهْتدي به فريق؟ قال الله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ} 27- {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} يريد أن الله سبحانه أمرهم بأمور فقبلوها عنهُ، وذلك أخذ الميثاق عليهم والعهد إليهم. ونقضهم ذلك: نَبْذُهم إيّاه بعدَ القبول وتركهم العمل به. 28 - {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} يعني نطفا في الأرحام. وكُلّ شيء فَارَقَ الجسد من شعر أو ظُفُرٍ أو نطفة فهو ميتة. {فَأَحْيَاكُمْ} في الأرحام وفي الدنيا. {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} في البعث. ومثله قوله حكاية عنهم: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (3)
فالميتة الأولى: إخراج النطفة وهي حية من الرجل، فإذا صارت في الرحم فهي ميتة؛ فتلك الإماتة الأولى. ثم يحييها في الرحم وفي الدنيا، ثم يميتها ثم يحييها يوم القيامة. 29- {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} عَمَدَ لها. وكل من كان يعمل عملا فتركه بفراغ أو غير فراغ وعمد لغيره، فقد استوى له واستوى إليه (1) . وقوله: {فَسَوَّاهُنَّ} ذهب إلى السماوات السبع. 30 - وقوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} أراد: وقال ربك للملائكة، و"إذْ" تزاد والمعنى إلقاؤها (2) على ما بينت في كتاب "المشكل" (3) . {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} يرى أهلُ النظر من أصحاب اللغة: أن الله جل وعزّ قال: إني جاعل في الأرض خليفة يفعل ولده كذا ويفعلون كذا. فقالت الملائكة: أتجعل فيها من يفعل هذه الأفاعيل؟ ولولا ذلك ما علمت الملائكة في وقت الخطاب أن خليفة الله يفعل ذلك. فاختصر الله الكلام على ما بينت في كتاب "المشكل". 31- {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} يريد أسماء ما خلق في الأرض (4) .
{ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} أي عرض أعيان الخلق عليهم {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} 35- {وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا} أي رزقًا واسعًا كثيرًا (1) . يقال: أرْغَدَ فلان إذا صار في خصب وسعة. 36- {فَأَزَلَّهُمَا} من الزلل بمعنى اسْتَزَلَّهُمَا تقول: زلّ فلان وأزْلَلْتُه. ومن قرأ: "فأَزَالَهُمَا" أراد نَحّاهما (2) ، من قولك: أزلتك عن موضع كذا أو أزلتك عن رأيك إلى غيره. {وَقُلْنَا اهْبِطُوا} قال ابن عباس - في رواية أبي صالح عنه -: كما يقال: هبط فلان أرض كذا (3) . {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} يعني الإنسان وإبليس ويقال: والحَيَّة (4) . {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} موضع استقرار. {وَمَتَاعٌ} أي مُتْعة. {إِلَى حِينٍ} يريد إلى أجل. 37- {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} أي قبلها وأخذها، كأن الله أوحى إليه أن يستغفره ويستقبله بكلام من عنده (5) ففعل ذلك آدم {فَتَابَ عَلَيْهِ} (6)
وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله كان يتلقى الوحي من جبريل؛ أي يَتَقَبَّله ويأخذه. 40- {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} أي: أوْفُوا لي بما قبِلتموه من أمري ونَهيي. {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أي: أوف لكم بما وعدتكم على ذلك من الجزاء. * * * 44- {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} أي: وتتركون أنفسكم، كما قال: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (1) أي: تركوا الله فتركهم. 45- {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ} أي: بالصوم. في قول مجَاهِد (2) رحمه الله. ويقال لشهر رمضان: شهرُ الصبر (3) ، وللصائم صابر. وإنما سُمِّي الصائم صابرًا لأنه حبس نفسه عن الأكل والشرب. وكُلّ من حبس شيئًا فقد صَبَرَه. ومنه المَصْبُورةُ التي نُهِيَ عنها، وهي: البَهيمة تُجْعَلُ غَرَضًا وتُرْمَى حتى تقتل. وإنما قيل للصابر على المصيبة صابر لأنه حَبَسَ نفسه عن الجزع. * * * 46- {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} أي: يعلمون. والظن بمعنيين: شك ويقين (4) على ما بينا في كتاب "المشكل" (5) .
47- {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي: على عالمي زمانهم. وهو من العام الذي أريد به الخاصّ. * * * 48- {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} أي: لا تقضي عنها ولا تُغْنِي. يقال: جزى عني فلان بلا همز، أي ناب عني. وأجزأني كذا - بالألف في أوله والهمز - أي: كفاني. {وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} أي فِدْيَة قال: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا} (1) أي: إن تفتد بكل شيء لا يؤخذ منها. وإنما (2) قيل للفداء: عَدْلٌ لأنه مثل للشيء، يقال: هذا عَدْلُ هذا وعَدِيلُه. فأما العِدْل - بكسر العين - فهو ما على الظهر. * * * 49- {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} قال أبو عبيدة: يولُونكم أشدّ العذاب (3) . يقال: فلان يسومك خسفًا؛ أي: يوليك إذلالا واستخفافًا. {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} أي: في إنْجَاء اللهِ إيّاكم من آل فرعون نعمة عظيمة. والبلاء يتصرف على وجوه قد بيّنتها في كتاب "المشكل" (4) . 50- و {آلَ فِرْعَوْنَ} أهل بيته وأتباعه وأشياعه. وآل محمد أهل بيته وأتباعه وأشياعه. قال الله عز وجل: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (5) .
54- {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} أي خالقكم. {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي ليقتلْ بعضكم بعضًا؛ على ما بينت في كتاب "المشكل" (1) . وقوله: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} أي ففعلتم فتاب عليكم. مختصر (2) . 55- {نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} أي علانية ظاهرا، لا في نوم ولا في غيره. {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ} أي الموت. يدلك على ذلك قوله: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} (3) . والصاعقة تتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب "المشكل" (4) . 57- {الْغَمَامَ} السحاب. سُمِّي بذلك لأنه يغُمُّ السماءَ أي يسترها وكُلُّ شيءٍ غطيته فقد غممتَه. ويقال: جاءنا بإناء مَغْمُوم. أي مغطى الرأس. وقيل له: سحاب بمسيره، لأنه كأنه ينسحب إذا سار (5) . {الْمَنَّ} يقال: هو الطَّرَنْجَبِين (6) .
{وَالسَّلْوَى} طائر يشبه السُّمَانَى لا واحد له. {وَمَا ظَلَمُونَا} أي ما نقصونا. {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي ينقصون. والظلم يتصرَّف على وجوه قد بينتها في كتاب "المشكل" (1) . 58- وقوله: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} رفع على الحكاية. وهي كلمة أمروا أن يقولوها في معنى الاستغفار، من حَطَطْتُ. أي حُطَّ عَنَّا ذنوبنا. 59- {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} أي قيل لهم: قولوا: حِطَّةٌ فقالوا: حِطَّا سُمْقَاتَا، يعني حنطة حمراء. (2) . و (الرِّجْزُ) العذاب. 60- {وَلا تَعْثَوْا} من عَثِيَ. ويقال أيضا من عَثَا، وفيه لغة أخرى عَاثَ يَعيثُ. وهو أشد الفساد. وكان بعض الرواة ينشد بيت ابن الرقاع: لولا الحياءُ وأنَّ رأسي قد عَنَا ... فيه المشيبُ لزرتُ أُمَّ القاسِمِ (3) وينكر على من يرويه: "عسا". وقال: كيف يَعْسُو الشيبُ وهو
إلى أن يرقّ في كبر الرجل ويلين، أقرب منه إلى أن يغلظ ويعسوَ أو يصلب؟ واحتج بقول الآخر: * وَأَنْبَتَتْ هَامَتُهُ المِرْعِزَّى * يريد أنه لما شاخ رقَّ شعره ولان، فكأنه مِرْعِزَّى [والمرعزى: نبت أبيض] . 61- (وَالْفُومُ) فيه أقاويل: يقال: هو الحنطة، والخُبْزُ جميعا. قال الفرّاء (1) هي لغة قديمة يقول أهلها: فَوِّمُوا، أي: اخْتَبِزُوا. ويقال: الفوم الحبوب. ويقال: هو الثوم. والعرب تبدل الثاء بالفاء فيقولون جَدَث وجَدَف. والمَغَاثِير والمَغَافِير (2) . وهذا أعجب الأقاويل إليّ؛ لأنها في مصحف عبد الله: "وثومها" (3) . {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ} أي رجعوا. يقال: بُؤْتُ بكذا فأنا أبوء به. ولا يقال: باء بالشيء. 62- {الَّذِينَ هَادُوا} هم: اليهود. {وَالصَّابِئِينَ} قال قتادة (4) هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون [إلى] القبلة، ويقرأون الزَّبور.
وأصل الحرف من صَبَأْتُ: إذا خرجت من شيء إلى شيء ومن دين إلى دين. ولذلك كانت قريش تقول في الرجل إذا أسلم واتبع النبي صلى الله عليه وعلى آله -: قد صبأ فلان - بالهمز - أي خرج عن ديننا إلى دينه. * * * 63- و {الطُّورَ} الجبل. ورفعه فوقهم مبين في سورة الأعراف. 65- {اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} أي ظلموا وتَعَدَّوا ما أُمروا به من ترك الصيد في يوم السبت. {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} أي: مبعدين (1) . يقال: خَسَأْتُ فلانًا عني وخسأتُ الكلبَ. أي: باعدته. ومنه يقال للكلب: اخسأ، أي: تباعد. * * * 66- {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا} أي: قريةَ أصحاب السبت. نَكالا أي عِبْرَة لما بين يديها من القرى، وما خلفها ليتعظوا بها. ويقال: لما بين يديها من ذنوبهمُ وما خلفها: من صيدهم الحيتان في السبت. وهو قول قتادَةَ (2) . والأول أعجب إليّ. 68- {لا فَارِضٌ} أي: لا مُسِنَّة. يقال: فَرَضَتْ البقرةُ فهي فارضٌ، إذا أَسَنَّتْ. قال الشاعر:
يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ وَضَبٍّ فَارِضِ ... لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الحَائِضِ (1) أي ضِغْن قديم. {وَلا بِكْرٌ} أي ولا صغيرة لم تلد، ولكنها {عَوَانٌ} بين تَيْنِك. ومنه يقال في المثل: "العَوَانُ: لا تُعَلَّمُ الخِمْرَة" (2) . يراد أنها ليست بمنزلة الصغيرة التي لا تحسن أن تَخْتَمِر. 69- {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} أي ناصع صاف. وقد ذهب قوم إلى أن الصفراء: السوداء (3) . وهذا غلط في نُعُوت البقر. وإنما يكون ذلك في نُعُوت الإبل. يقال: بعير أصفر، أي أسود. وذلك أن السود من الإبل يَشُوبُ سوادَها صفرة. قال الشاعر: تِلْكَ خَيْلِي مِنْهُ وَتِلْكَ رِكَابِي ... هُنَّ صُفْرٌ أَوْلادُها كَالزَّبِيبِ (4) أي سود.
ومما يدلك على أنه أراد الصفرة بعينها - قوله {فَاقِعٌ لَوْنُهَا} والعرب لا تقول: أسود فَاقِع - فيما أعلم - إنما تقول: أسود حالك، وأحمر قاني، وأصفر فَاقِع (1) . * * * 71- {لا ذَلُولٌ} يقال في الدوابّ: دابّة ذَلُول بَيِّنةُ الذِّل - بكسر الذال (2) وفي الناس: رجل ذليل بَيِّن الذُّل. بضم الذال. {تُثِيرُ الأَرْضَ} أي تُقَلِّبها للزراعة. ويقال للبقرة: المُثِيرَة. {وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} أي لا يُسْنَى (3) عليها فَيُسْتَقَى بها الماء لسقي الزرع (4) . {مُسَلَّمَةٌ} من العمل. {لا شِيَةَ فِيهَا} أي: لا لَوْنَ فيها يخالف مُعْظَم لونِها - كالقُرْحَة، والرُّثْمَة، والتَّحْجِيل (5) وأشباه ذلك. والشِّيَةُ: مأخوذة من وَشَيْتُ الثوبَ فأنا أشِيه وَشْيًا. وهي من المنقوص. أصلها وِشْيَة. مثل زِنَة، وعِدَة. * * * 72- {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} اختلفتم. والأصل: تَدَارَأْتُمْ. فأدغمت التاء في الدال، وأدخلت الألف ليسلم السكون للدال الأولى. يقال: كان بينهم
تَدَارُؤٌ في كذا. أي اختلاف. ومنه قول القائل (1) في رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان شريكي فكان خير شريك: لا يُمَارِي ولا يُدَارِي" (2) أي لا يخالف. * * * 73- {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} أي اضربوا القتيل ببعض البقرة. قال بعض المفسرين: فضربوه بالذنب. وقال بعضهم: بالفخذ فحَيِي. 74- {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} أي: اشتدت وصلُبت. 78- {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ} أي لا يعلمون الكتاب إلا أن يُحدِّثهم كبراؤُهم بشيء، فيقبلونه ويظنون أنه الحق وهو كذب. ومنه قول عثمان - رضي الله عنه -: "ما تَغَنَّيْتُ ولا تَمَنَّيْت" (3) أي: ما اخْتَلَقْتُ الباطل. وتكون الأمانِيُّ (4) التلاوة. قال الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ [فِي أُمْنِيَّتِهِ} (5) يريد إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته] .
يقول: فهم لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة ولا يعملون به، وليسوا كمن يتلوه حَقَّ تلاوته: فيُحِلُّ حلالَه ويُحَرِّم حرامَه، ولا يحرفه عن مواضعه. * * * 79- {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي يزيدون في كتب الله ما ليس منها؛ لينالوا بذلك غَرَضًا حقيرًا من الدنيا. * * * 80- {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} قالوا: إنما نُعذَّبُ أربعين يومًا قَدْرَ ما عَبَدَ أصحابُنا العجلَ. {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} أي أتخذتم بذلك من الله وعدًا؟ * * * 83- {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ} أي أمرناهم بذلك فقبلوه؛ وهو أخذ الميثاق عليهم. {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي وَصَّيْناهم بالوالدين إحسانًا. مختصر كما قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (1) أي: ووصى بالوالدين (2) . * * * 84- {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} أي لا يَسْفِك بعضُكم دَم بعض. {وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} أي لا يخرج بعضُكم بعضا من داره ويغلبه عليها.
{ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} أي ثم قبِلتم ذلك وأقررتم به. {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} على ذلك. * * * 85- {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} وقد بينت معنى هذه الآية في المشكل (1) . {تَظَاهَرُونَ} تعاونون. والتَّظَاهُر: التعاون. ومنه قوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} (2) أي تعاونا عليه. والله ظَهِير أي: عَوْن. وأصل التَّظَاهُر من الظَّهْر. فكأنّ التَّظاهر: أن يجعل كُلُّ واحدٍ من الرجلين أو من القوم الآخَرَ له ظَهْرًا يَتَقَوَّى به ويَسْتَنِدُ إليه. * * * 87 - {وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ} أي: أتْبَعْناه بهم وأرْدَفْنَاه إيَّاهم وهو من القفا مأخوذ. ومنه يقال: قَفَوْتُ الرجلَ: إذا سرت في أثره. * * * 88- {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} جمع أغْلَف. أي كأنّها في غِلاف لا تفهم عنك ولا تعقل شيئا مما تقول. وهو مثل قوله: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} (3) يقال: غَلَّفْتُ السيفَ: إذا جعلته في غلاف، فهو سيف أغْلَف. ومنه قيل لمن لم يُخْتَن: أغْلَف.
ومن قَرَأه (غُلُفٌ) مُثَقَّل. أراد جمع غلاف. أي هي أوعية للعلم (1) . * * * 89- {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} يقول: كانت اليهود إذا قاتلت أهل الشرك استفتحوا عليهم؛ أي اسْتَنْصَرُوا الله عليهم. فقالوا: اللهم انصرنا بالنبيّ المبعوث إلينا. فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم وعَرَفوه كفروا به. والاستفتاح: الاستنصار. * * * 93- {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} أي: حُبَّ العجل. 96- {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} يعني اليهود. {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} يعني المجوس. وشركهم: أنهم قالوا بإلهين: النور والظلمة. {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} أراد معنى قولهم لملوكهم في تحيتهم: "عش ألف سنة وألف نَوْرُوز" (2) . {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} أي: بِمُباعدِه من العذاب طُول عمره؛ لأن عمره ينقضي وإن طال؛ ويصير إلى عذاب الله.
97- {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} من اليهود (1) . وكانوا قالوا: لا نتبع محمدا وجبريلُ يأتيه؛ لأنه يأتي بالعذاب. {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ} يعني: فإن جبريل نزلَ القرآن {عَلَى قَلْبِكَ} * * * 100- {نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} (2) تركه ولم يعمل به. * * * 102- {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي: ما تَرْوِيه الشياطين على مُلْك سليمان. والتلاوة والرواية شيء واحد. وكانت الشياطين دفنت سحرًا تحت كرسيِّه، وقالت للناس بعد وفاته: إنما هلك بالسحر. يقول: فاليهود تتبع السحر وتعمل به. {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} أي: اختبارٌ وابتلاء. (والخلاقُ) : الحظُّ من الخير، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لَيُؤَيِّدَنَّ اللهُ هذا الدينَ بقوم لا خَلاق لهم " (3) أي: لا حَظَّ (4) لهم في الخير.
{شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} أي باعوها. يقال: شريتُ الشيء. وأنت تريد اشتريته وبعته. وهو حرف من حروف الأضداد. * * * 103- (الْمَثُوبَةُ) : الثواب. والثواب والأجر: هما الجزاء على العمل. * * * 104- {لا تَقُولُوا رَاعِنَا} من "رعيتُ الرجل": إذا تأمّلته، وتعرَّفْت أحواله. يقال: أرْعِني سَمْعَك. وكان المسلمون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم -: رَاعِنَا وأرْعِنا سمعَكَ. وكان اليهود يقولون: رَاعِنَا - وهي بلغتهم سب لرسول الله (1) صلى الله عليه وسلم بالرُّعُونَة - ويَنْوُون بها السبَّ؛ فأمر الله المؤمنين أن لا يقولوها؛ لئلا يقولَها اليهود، وأن يجعلوا مكانها {انْظُرْنَا} أي انتظرنا. يقال: نظرتك وانتظرتك بمعنى. ومن قرأها "رَاعِنًا" بالتنوين (2) أراد: اسمًا مأخوذًا من الرَّعْن والرُّعُونَة، أي لا تقولوا: حمقا ولا جهلا. * * * 106- {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} أراد: أو نُنْسِكَهَا. من النِّسْيان.
ومن قرأها: "أو نَنْسَأْهَا". بالهمز (1) . أراد: نؤخِّرها فلا نَنْسَخها إلى مدة. ومنه النَّسِيئَةُ في البيع؛ إنما هو: البيع بالتَّأْخير. ومنه النَّسِيء في الشهور؛ إنما هو: تأخير تَحْرِيمِ "المُحَرَّم" (2) . {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} أي: بأفضلَ منها. ومعنى فَضْلِها: سهولتُها وخفتُها (3) . * * * 108- {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} أي ضلَّ عن وسط الطريق وقَصْدِه. 114- {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} نزلت في "الرُّوم" حين ظهروا على "بيت المقدس" (4) فخرَّبوه. فلا يدخله أحد أبدًا منهم إلا خائف. {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} أي هوان. ذكر المفسرون: أنه فتح مدينتهم رُومِيَةَ.
* * * 115- {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} نزلت في ناس من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله، كانوا في سفر فَعَمِيت عليهم القِبلَة: فصلّى ناسٌ قِبَل المشرق، وآخرون قِبَل المغرب (1) . وكان هذا قبل أن تُحَوَّل القبلة إلى الكعبة (2) . * * * 116- {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} مُقِرُّونَ بالعبودية، مُوجِبُون للطاعة. والقنوت يتصرف على وجوه قد بيّنتها في "تأويل المشكل" (3) . 117- {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} مُبْتَدِعُهما. 118- {لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} هلا يكلمنا. {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} في الكفر والفسق والقسوة. 123- {وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} هذا للكافر. فليس له شافع فينفعَه؛ ولذلك قال الكافرون: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} (4) حين رَأَوْا تَشْفيعَ اللهِ في المسلمين.
* * * 124- {ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} أي: اختبر الله إبراهيم بكلمات يقال: هي عَشْرٌ مِنَ السُّنَّةِ (1) . {فَأَتَمَّهُنَّ} أي عمِل بهن كلِّهن. * * * 125- {جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} أي: مَعَادًا لهم، من قولك: ثُبْتُ إلى كذا وكذا: عُدْتُ إليه. وثَابَ إليه جسمه بعد العلة، أي: عاد. أراد: أن الناس يعودون إليه مرّة بعد مرّة. {وَالْعَاكِفِينَ} المقيمين. يقال: عكف على كذا؛ إذا أقام عليه. ومنه قوله: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} (2) . ومنه الاعتكاف؛ إنما هو: الإقامة في المساجد على الصلاة والذكر لله. * * * 127- {الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} إسَاسَه (3) . واحدها قاعدة. فأما
قواعد النساء فواحدها قَاعِد. وهي العجوز (1) . 128- {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} أي: علِّمنا (2) . 130- {إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} أي من سَفِهَت نَفْسُه. كما تقول: غَبِنَ فلان رأيَه. والسَّفَهُ: الجهل. 135- (الحَنيفُ) : المستقيم. وقيل للأعرج: حَنِيفٌ؛ نظرًا له إلى السلامة. 137- {فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} أي في عداوة ومُباينة. 138- {صِبْغَةَ اللَّهِ} يقال: دينُ الله. أي: الزم دين الله. ويقال: الصِّبغة الختان. وقد بينت اشتقاق الحرف في كتاب "تأويل المشكل" (3) . * * * 143- {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي: عَدْلا خِيارًا. ومنه قوله في موضع آخر: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} (4) أي: خيرهم وأعدلهم. قال الشاعر:
هُمُ وَسَطٌ يَرْضَى الأنَامُ بحُكْمِهِمْ ... إذا نزلَتْ إحْدى الليالي بِمُعْظَمِ (1) ومنه قيل للنبي صلى الله عليه وعلى آله: "هو أوْسَطُ قُرَيْش حسبا" (2) وأصل هذا أن خير الأشياء أوساطها، وأن الغلو والتقصير مذمومان. {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} أي على الأمم المتقدمة لأنبيائهم. 144- {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} نحوه وقَصْدَه. * * * 148- {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} أي: قبلة. {هُوَ مُوَلِّيهَا} أي: موليها وجهه. أي: مستقبلُها. يريد أن كل ذي مِلّة له قبلة. * * * 150- {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي: إلا أن يحتج عليكم الظالمون بباطل من الحُجَج. وهو قول اليهود: كنت
وأصحابك تصلون إلى بيت المقدس؛ فإن كان ذلك ضلالا فقد مات أصحابُك عليه. وإن كان هدى فقد حُوِّلتَ عنه. فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (1) أي: صلاتكم. فلم تكن لأحد حجة. * * * 157- {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} أي: مغفرة. والصلاة تتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب "المشكل" (2) . * * * 158- {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ} أي: لا إثم عليه. {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} أي: يَتَطَوَّف. فأدغمت التاء في الطاء. وكان المسلمون في صدر الإسلام يكرهون الطواف بينهما، لِصَنَمَين كانا عليهما؛ حتى أنزل الله هذا (3) . وقرأ بعضهم: (ألا يَطَّوَّفَ بِهِمَا) (4) . وفي هذه القراءة وجهان: أحدهما: أن يجعل الطواف مُرَخَّصًا في تركه بينهما. والوجه الآخر: أن يجعل "لا" مع "أن" صلة. كما قال: {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ} (5) .
هذا قول الفراء (1) . 159- {وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} قال ابن مسعود: إذا تلاعن اثنان وكان أحدهما غير مستحق للعن، رجعت اللعنةُ على المستحق لها؛ فإن لم يستحقها أحد منهما رجعت على اليهود (2) . * * * 160- {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} أي بَيَّنُوا التوبة بالإخلاص والعمل (3) . 164- {وَالْفُلْكِ} السُّفن، واحد وجمع بلفظ واحد (4) .
166- {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ} يعني: الأسباب التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا. 167- {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} أي رَجْعَة. {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} يريد: أنهم عملوا في الدنيا أعمالا لغير الله، فضاعت وبطلت. * * * 168- {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} أي لا تتبعوا سبيله ومسلكه. وهي جمع خُطْوَة. والخُطْوَة: ما بين القدمين - بضم الخاء - والخَطْوَة: الفَعْلة الواحدة؛ بفتح الخاء. واتباعُهم خطواته: أنهم كانوا يحرمون أشياء قد أحلها الله، ويُحلون أشياء حرمها الله. 170- {نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} أي وجدنا عليه آباءنا. * * * 171- {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً} أراد: مثلُ الذين كفروا ومثلُنا في وعظهم. فحذف "ومثلنا" اختصارا. إذ كان في الكلام ما يدل عليه؛ على ما بينت في "تأويل المشكل" (1) . {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} وهو: الراعي؛ [يقال: نعق بالغنم ينعق بها] ؛ إذا صاح بها. {بِمَا لا يَسْمَعُ} يعني الغَنَم.
{إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً} حَسْبُ؛ ولا يفهم قولا (1) . 173- {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ} أي غير باغ على المسلمين، مُفَارِقٍ لجماعتهم، ولا عَادٍ عليهم بسيفه (2) . ويقال: غير عاد في الأكل حتى يشبع ويتزوّد (3) . {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} أي: ما ذُبح لغير الله. وإنما قيل ذلك: لأنه يذكر عند ذبحه غير اسم الله فيظهر ذلك، أو يرفع الصوت به. وإهلال الحج منه، إنما هو إيجابُه بالتَّلْبِيَةِ. واستهلالُ الصبيُّ منه إذا وُلِدَ، أي: صوتُه بالبكاء. * * * 175- {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} ما أجرأهم. وحكى الفراء (4) عن
الكسائي أنه قال: أخبرني قاضي اليمن: أنه اختصم إليه رجلان، فحلف أحدهما على حق صاحبه. فقال له الآخر: ما أصْبَرك على الله. ويقال منه قوله: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} (1) قال مجاهد: ما أصبرهم على النار، ما أعملهم بعمل أهل النار. وهو وجه حسن. يريد ما أدومهم على أعمال أهل النار. وتحذف الأعمال. قال أبو عبيدة: ما أصبرهم على النار. بمعنى ما الذي أصبرهم على ذلك ودعاهم إليه. وليس بتعجب (2) . * * * 177- {ابْنَ السَّبِيلِ} الضَّيْف (3) . و {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ} أي في الفقر. وهو من البؤس. {وَالضَّرَّاءِ} المرض والزَّمَانَةُ والضُّرُّ. ومنه يقال: ضَرِيرٌ بَيِّنُ الضُّر. فأما الضَّر - بفتح الضاد - فهو ضِدُّ النفع. {وَحِينَ الْبَأْسِ} أي حين الشِّدَّة. ومنه يقال: لا بأس عليك. وقيل للحرب: البأس.
178- {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} قال ابن عباس (1) كان القصاص في بني إسرائيل ولم تكن [فيهم] الدِّيَةُ. فقال الله عز وجل لهذه الأمة: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) والكتاب يتصرّف على وجوه قد بينتها في "تأويل المشكل" (2) {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} قال (3) قبول الدية في العَمْد، والعفو عن الدم. {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أي مطالبة بالمعروف (4) . يريد ليطالب آخذُ الدية الجانيَ مطالبةً جميلةً لا يرهقه فيها. {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} أي لِيُؤَدِ المُطَالَبُ ما عليه أداء بإحسان لا يَبْخَسُه ولا يَمْطُلُه مطل مُدَافِع. {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} عما كان على مَنْ قَبْلَكُم. يعني القصاص.
{وَرَحْمَةٌ} لكم. {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} أي قتل بعد أخذ الدية. {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال قَتَادَة: يقتل ولا تؤخذ منه الدية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية " (1) . * * * 179- {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} يريد: أن سافِكَ الدم إذا أُقِيد منه، ارتدع من يَهُمُّ بالقتل فلم يَقْتُل خوفًا على نفسه أن يُقْتَل. فكان في ذلك حياة (2) . * * * 180- {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} أي مالا. {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} أي يوصي لهم ويقتصد في ذلك، لا يسرف ولا يضر. وهذه منسوخة بالمواريث.
* * * 181- {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ} أي بدل الوصية. فإثْمُ ما بَدَّلَ عليه. * * * 182- (الجَنَفُ) الميل عن الحق. يقال: جَنِفَ يَجْنَفُ جَنَفًا. يقول: إن خاف أي علم من الرجل في وصيته ميلا عن الحق، فأصلح بينه وبين الورثة، وكفَّه عن الجَنَف - {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} ، أي على المُوصِي. قال طَاوُس: هو الرجل يوصي لولد ابنته يريد ابنته (1) . 183- {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} فُرِضَ. 184- {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي فعليه عِدّة من أيام أخر مثل عدة ما فاته. {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} وهذا منسوخ بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2) . والشهر منصوب لأنه ظرف. ولم ينصب بإيقاع شهد عليه. كأنه قال: فمن شهد
منكم في الشهر ولم يكن مسافرا فليصم. لأن الشهادة للشهر قد تكون للحاضر والمسافر (1) . * * * 186- {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} أي: يجيبوني، هذا قول أبي عبيدة، وأنشد: وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إلَى النَّدَى ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ (2) أي: فلم يجبه. * * * 187- {الرَّفَثُ} الجماع. ورفث القول هو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه من ذكر النكاح. {تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} أي: تخونونها بارتكاب ما حرّم الله عليكم (3) . {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يعني من الولد. أمْرُ تأديب لا فرض. {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} أمرُ إباحة. {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} وهو بياض النهار.
{مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} وهو سواد الليل. ويتبين هذا [من هذا] عند الفجر الثاني (1) . {عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [أي مقيمون] والعَاكِفُ: المقيم في المسجد الذي أوْجَبَ العُكُوفَ فيه على نفسه. * * * 188- {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أي لا يأكل بعضكم مال بعض بشهادات الزور. {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} أي تدلي بمال أخيك إلى الحاكم ليحكم لك به وأنت تعلم أنك ظالم له. فإن قضاءَه باحتيالك في ذلك عليك لا يحل لك شيئا كان محرمًا عليك (2) . وهو مثل قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله (3) " فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه؛ فإنما أقطَعُ له قطعة من النار ". * * * 189- وقوله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} قال
الزُّهْرِي: (1) كان أناس من الأنصار إذا أهلُّوا بالعُمْرَة لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون من ذلك. وكان الرجل يخرج مهلًّا بها فتبدو له الحاجة فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل السقف ولكنه يقتحم الجدار من وراء. ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته. وكانت قريش وحلفاؤها الحُمس لا يبالون ذلك. فأنزل الله: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى) أي: بِرُّ من اتقى. كما قال: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (2) أي بِرُّ من آمن بالله. * * * 190- {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} أي لا تعتدوا على من وَادَعَكُم وعَاقَدَكُم. * * * 191- {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} أي حيث وجدتموهم. {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} يعني من مكة. {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} يقول: الشرك أشد من القتل (3) في الحرم.
193- وكذلك قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (1) أي شرك (2) . وقوله: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ} أي لا سبيل. وأصل العدوان الظلم. وأراد بالعدوان الجزاء. يقول: لا جزاء ظلم إلا على ظالم. وقد بينت هذا في كتاب "تأويل المشكل" (3) . 194- {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} قال مجاهد: (4) فخرت قريش أن صَدَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن البيت الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام. فَأَقَصَّهُ الله فدخل عليهم من قَابِلٍ في الشهر الحرام في البلد الحرام إلى البيت الحرام. وأنزل الله (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) (5) . وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} أي: من ظلمكم فجزاؤه
جزاء الاعتداء. على ما بينت في كتاب "المشكل" (1) . 196- {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} من الإحصار. وهو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو كَسْرٍ (2) أو عدو. يقال: أُحْصِرَ الرجلُ إحْصارًا فهو مُحْصَر. فإن حُبِسَ في سجن أو دار قيل: قد حُصِرَ فهو مَحْصُور. {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} أي فما تَيَسَّرَ من الهَدْي وأمكن. والهَدْيُ ما أُهدِيَ إلى البيت. وأصله هَدِيٌّ مشددٌ فخفف. وقد قرئ: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدِيُّ مَحِلَّهُ) بالتشديد (3) . واحده هَدِيَّةٌ. ثم يخفف فيقال: هَدْيَة. {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} هو من حَلَّ يَحِلُّ والمَحِلُّ: الموضع الذي يحل به نحره. {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} أراد فَحَلَقَ. {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} فحذف "فحلق" اختصارا، على ما بينت في "تأويل المشكل" {أَوْ نُسُكٍ} أي ذَبْح. يقال: نَسَكْتُ لله، أي: ذَبَحْتُ له. 197- {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة.
{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} أي: أحْرَمَ (1) . {فَلا رَفَثَ} أي: لا جماع. {وَلا فُسُوقَ} أي: لا سباب. {وَلا جِدَالَ} أي لا مِرَاء. 198- {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} (2) أي: نفعا بالتجارة في حجّكم. {فَإِذَا أَفَضْتُمْ} أي دَفَعْتُم (3) {مِنْ عَرَفَاتٍ} 199- {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} كانت قريش لا تخرج من الحرم، وتقول: لسنا كسائر الناس، نحن أهل الله وقُطَّانُ حَرَمِه: فلا نخرج منه. وكان الناس يقفون خارج الحرم ويُفِيضون منه. فأمرهم الله أن يقفوا حيث يقف الناس: ويفيضوا من حيث أفاض الناس. 200- {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} كانوا في الجاهلية إذا فرغوا من حجهم ذكروا آباءهم بأحسن أفعالهم. فيقول أحدهم: كان أبي يَقْرِي الضيف ويصل الرحم ويفعل كذا ويفعل كذا. قال الله عز وجل: فاذْكُرُونِي كذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ {أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} ؛ فأنا فعلتُ ذلك بكم وبهم. 201- {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} أي نعمة. وقال في موضع آخر: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} (4) أي نعمة.
202- {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا} أي لهم نصيب من حجهم بالثواب. 203- {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} أيام التَّشْريق. والأيام المعلومات: عَشْرُ ذي الحجة (1) . 204- {أَلَدُّ الْخِصَامِ} أشَدّهم خصومة. يقال: رجل ألدُّ، بيِّنُ اللَّدَد. وقوم لُدٌّ. والخِصَام جمع خَصْم. ويجمعُ على فُعُول وفِعَال. يقال: خَصْم وخِصَام وخُصُوم. 205- {وَإِذَا تَوَلَّى} أي فارقك. {سَعَى فِي الأَرْضِ} أي: أسرع فيها. {لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ} يعني الزرع. {وَالنَّسْلَ} يريد الحيوان. أي يحرق ويقتل ويخرب. 206- {وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} أي الفِراش. ومنه يقال: مَهَّدْتُ فلانا إذا وطَّأْت له. ومَهْدُ الصبيّ منه. 207- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} أي
يبيعها. يقال: شَرَيْتُ الشيءَ؛ إذا بعته واشتريته. وهو من الأضداد. 208- {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} الإسلام. وتُقرأ في السَّلم بفتح السين أيضا (1) وأصل السِّلْم والسَّلْم الصلح. فإذا نصبت اللام فهو الاستسلام والانقياد. قال: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ} (2) أي استسلم وانقاد. {كَافَّةً} أي جميعا. * * * 210- {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} أي: هل ينتظرون إلا ذلك يوم القيامة. {وَقُضِيَ الأَمْرُ} أي فُرِغَ منه. 213- {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي مِلَّة واحدة. يعني كانوا كفارًا كلهم. 214- {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ} الشدّة. {وَالضَّرَّاءُ} البلاء. {وَزُلْزِلُوا} خُوِّفوا وأُرهبوا. * * * 215- {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} أي: ماذا يُعطُون ويتصدقون؟ {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ} ما أعْطَيْتُم. {مِنْ خَيْرٍ} أي: من مال.
216- {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} أي: فُرض عليكم الجهادُ. {وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} أي مشقّة. 217- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} أي يسألونك عن القتال في الشهر الحرام: هل يجوز؟ فأبدل قتالا من الشهر الحرام. {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} أي: القتال فيه عظيم عند الله. وتم الكلام. ثم قال: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وخَفض المسجد الحرام نَسَقًا على سبيل الله. فكأنه قال: وصَدٌّ عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وكفرٌ به؛ أي بالله. {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} أي: أهل المسجد منه. {أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} يريد: من القتال في الشهر الحرام. {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} أي: الشرك أعظم من القتل. {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي بطلت. * * * 219- {وَالْمَيْسِرِ} القمار. وقد ذكرناه في سورة المائدة، وذكرنا النفع به. {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} أي: ماذا يتصدقون ويعطون؟ {قُلِ الْعَفْوَ} يعني: فضلَ المال. يريد: أن يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله. ويقال: "خذ ما عفا لك" أي: ما أتاك سهلا بلا إكراه ولا مشقة.
ومنه قوله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} (1) ؛ أي: اقبل من الناس عفوهم، وما تطوعوا به من أموالهم؛ ولا تستَقْص عليهم. * * * 220- {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} أي تثمير أموالهم، والتنزه عن أكلها لمن وليها - خيرٌ. {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ} فتواكلوهم. {فَإِخْوَانُكُمْ} فهم إخوانكم؛ حكمهم في ذلك حكم إخوانِكم من المسلمين. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} أي: من كان يخالطهم على جهة الخيانة والإفساد لأموالهم، ومن كان يخالطهم على جهة التنزه والإصلاح. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} أي: ضَيَّقَ عليكم وشدّد. ولكنه لم يشأ إلا التسهيل عليكم. ومنه يقال: أعْنَتَنِي فلان في السؤال؛ إذا شدّد عليَّ وطلب عَنَتِي، وهو الإضرَار. يقال: عَنِتت الدابة، وأعْنَتَها البيطار؛ إذا ظَلَعَت. 221- {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} أي: لا تتزوجوا الإماءَ المشركاتِ (2) .
{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} [أي: لا تزوِّجوا المشركين] المسلماتِ {حَتَّى يُؤْمِنُوا} (1) . * * * 222- {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} أي: ينقطعَ عنهن الدمُ. يقال: طَهُرت وطَهَرت؛ إذا رأت الطُّهْر، وإن لم تغتسل بالماء. ومن قرأ (يَطَّهَّرْنَ) أراد: يغتسلن بالماء. والأصل: "يتطهرن". فأدغم التاء في الطاء. * * * 223- {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} كناية (2) . وأصل الحرث: الزَّرْع. أي: هُنَّ للولد كالأرض للزرع.
{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: كيف شئتم (1) . {وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} في طلب الولد. 224- {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} (2) يقول: لا تجعلوا الله بالحلف به - مانعا لكم من أن تبروا وتتقوا. ولكن إذا حلفتم على أن لا تصلوا رحما، ولا تتصدقوا، ولا تصلحوا؛ وعلى أشباه ذلك من أبواب البر -: فكفِّروا، وأتوا الذي هو خير. 225- {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} ؛ واللغو في اليمين: ما يجري في الكلام على غير عَقْد. ويقال: اللغو أن تحلِف على الشيء تَرَى أنه كذلك وليس كذلك. يقول: لا يؤاخذُكم الله بهذا. {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} أي: بما تحلفون عليه وقلوبكم مُتَعَمِّدةٌ، وتعلمون أنكم فيه كاذبون. * * * 226- {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} يحلفون. يقال: أَلَيْتُ من امرأتي أُولِي
إيلاء؛ إذا حلف أن لا يجامعَها. والاسم الألِيَّة. {فَإِنْ فَاءُوا} أي رجعوا إلى نسائهم. 228- {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} وهي الحِيَض: (1) وهي: الأطهار أيضا (2) . واحدها قُرْءٌ. ويُجمع على أقْرَاء أيضا. قال الأعشى: وَفِي كلِّ عام أنت جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لأقْصاها عَزِيمَ عَزَائِكَا (3) مُوَرِّثةٍ مالا وفي الحَيّ رِفْعَةً ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا (4) فالقُروء في هذا البيت الأطهار. لأنه لما خرج للغزو: لم يغش نساءَه، فأضاع قُرُوءَهُنَّ؛ أي أطْهَارَهُن. وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المستحاضة: " تقعد عن الصلاة أيام أقرائها " (5) ؛ يريد أيام حِيَضها. قال الشاعر: يا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عليَّ فَارِضٍ ... لَهُ قُروءٌ كقُروء الحائضِ (6)
فالقُرُوء في هذا البيت: الحِيَضُ. يريد: أن عدواته تَهِيجُ في أوقات معلومة، كما تحيض المرأة لأوقات معلومة. وإنما جُعل الحيضُ قرأً والطهر قرأً: لأن أصل القرء في كلام العرب: الوقت. يقال: رجع فلان لقرئه، أي لوقته الذي كان يرجع فيه. ورجع لقارئه أيضا. قال الهذَليّ: كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ ... إذا هَبَّت لقارِئِها الرِّياحُ (1) أي لوقتها. فالحيض يأتي لوقت، والطهر يأتي لوقت. {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} يعني: الحمل (2) . {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} ؛ يريد: الرجعة ما لم تنقض الحيضة الثالثة. {وَلَهُنَّ} على الأزواج، {مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} للأزواج. {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ} فِي الْحَقِّ {دَرَجَةٌ} أي: فضيلةٌ (3) .
* * * 229- {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} يقول: الطلاق الذي يملك فيه الرجعةَ تطليقتان. {فَإِمْسَاكٌ} بَعْدَ ذَلِكَ، {بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} أي: تطليق الثالثة بإحسان. {إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} أي: يعلمان أنهما لا يقيمان حدود الله. {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} أي: علمتم ذلك. {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أي: لا جناح على المرأة والزوج. {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} المرأة نفسها من الزوج. 230- {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} يريد: إن علما أنهما يقيمان حدوده. * * * 231- {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} ؛ كانوا إذا طلق أحدهم امرأته: فهو أحقُّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة؛ فإذا أراد أن يضر بامرأته: تركها حتى تحيضَ الحيضة الثالثة، ثم راجعها. ويفعل ذلك في التطليقة الثالثة. فتطويله عليها هو: الضِّرار. * * * 232- {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} أي: لا تحبسوهن. يقال: عضل الرجل أيِّمَه؛ إذا منعها من التزويج (1) . {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} يعني: تزويجًا صحيحًا.
233- {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: على الزوج إطعام المرأةِ والوليدِ والكسوة على قدر الجِدَة. {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} أي: طاقتها. {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} بمعنى: لا تضارَر. ثم أدغم الراء في الراء. أي: لا ينزعْ الرجل ولدها منها فيدفعَه إلى مُرْضع أخرى، وهي صحيحة لها لبن. {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} يعني: الأب. يقال: إذا أرضعت المرأة صبيها وأَلِفَها، دفعتهُ إلى أبيه: تُضارُّه بذلك. {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} يقول: إذا لم يكن للصبي أب، فعلى وارثه نفقته. و (الفِصَالُ) : الفطام. يقال: فَصَلتُ الصبيَّ؛ إذا فطمته. ومنه قيل للحُوَار (1) - إذا قطع عن الرضاع -: فصيل. لأنه فُصِل عن أمه. وأصل الفصل: التفريق. 234- {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي: منتهى العدة (2) . {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: لا جناح عليهن في التزويج الصحيح. 235- {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} وهو: أن يُعَرِّض للمرأة في عدتها بتزويجه لها، من غير تصريح بذلك. فيقول لها: والله
إنك لجميلة، وإنك لشابّة. وإن النساء لمنْ حاجتي (1) ؛ ولعل الله أن يسوق إليك خيرًا. هذا وما أشبهه. {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} أي: نكاحا (2) . يقول: لا تواعدوهن بالتزويج - وهن في العدة - تصريحا بذلك. {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} لا تذكرون فيه نكاحا ولا رَفَثا. {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} أي لا تُوَاقِعوا عُقْدَة النكاح (3) . {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} ؛ يريد: حتى تنقضيَ العدة التي كُتب على المرأة أن تَعْتَدَّها. أي فُرض عليها. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} أي: يعلم ما تحتالون به في ذلك على مخالفة ما أراد؛ فاحذروه. * * * 236- {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} يعني: المهر. {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} أي: أعطوهن مُتْعَةَ الطلاق على قدر الغنى والفقر. 237- {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} من المهر. أي: فلهن نصف ذلك. {إِلا أَنْ يَعْفُونَ}
أي: يَهَبْنَ. {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} يعني: الزوجَ. وهذا في المرأة: تُطلَّق من قبل أن يُدخل بها، وقد فُرِضَ لها المهرُ. فلها نِصْفُ ما فُرِض لها؛ إلا أن تهبَه، أو يتممَ لها الزوجُ الصداق كاملا. وقد قيل: إن الذي بيده عقدة النكاح: الأبُ (1) . يراد: إلا أن يعفو النساء عما يجب لهن من نصف المهر، أو يعفو الأب عن ذلك؛ فيكون عفوه جائزا عن ابنته. {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} حضّهم الله على العفو. * * * 238- {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} (2) صلاة العصر. لأنها بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل. {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} أي: مطيعين. ويقال: قائمين. ويقال: ممسكين عن الكلام. والقنوت يتصرف على وجوه قد بينتها في "المشكل" (3) .
239- {فَإِنْ خِفْتُمْ} يريد: إن خفتم عدوًّا. {فَرِجَالا} أي: مُشَاةً؛ جمع رَاجِل. مثل قائم وقِيام. {أَوْ رُكْبَانًا} يقول: تصلي ما أمِنتَ قائما؛ فإذا خفتَ صلّيت: راكبًا، وماشيًا. والخوف هاهنا بالتَّيقُّن، لا بالظن (1) . * * * 243- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} على جهة التعجب. كما تقول: ألا ترى ما يصنع فلان!! 246- {الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} وجوههم وأشرافهم. * * * 247- {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} أي: سَعَةً في العلم والجسم. وهو من قولك: بسطت الشيء؛ إذا كان مجموعا: ففتحتَه ووسعتَه. 248- {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} أي: علامةَ ملكه. {فِيهِ سَكِينَةٌ} السكينةُ فعِيلةٌ: من السكون (2) . {وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ} ؛ يقال: شيءٌ من المَنِّ الذي كان ينزل عليهم، وشيء من رُضَاضِ (3) الألواح. 249- {مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} أي: مُخْتَبِرُكُم.
{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ} أي يعلمون. {كَمْ مِنْ فِئَةٍ} الفِئَة: الجماعة. * * * 250- {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} أي صُبَّه علينا، كما يُفرغ الدّلوُ. 254- {وَلا خُلَّةٌ} أي: ولا صداقة تنفع يومئذ. ومنه الخليل. 255- و (السِّنَةُ) : النُّعَاسُ من غير نوم. قال ابن الرِّقاع: وَسْنَانُ أقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ ... فِي عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ (1) فأعلمك أنه وسنان؛ أي: ناعس، وهو غير نائم. وفَرْقُ الله سبحانه بين السِّنة والنوم، يَدُلُّك على ذلك. {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي: لا يُثقله. يقال: آدَهُ الشيءُ يؤُودُهُ وآدَه يَئِيدُه، والوَأْد: الثّقل. * * * 256- {لا انْفِصَامَ لَهَا} أي: لا انكسار. يقال: فَصمتُ القدَح؛ إذا كسرتَه وقصمته. 258- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} أي: حَاجَّه لأن آتاه الله الملك؛ فأعجب بنفسه وملكه فقال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}
أي: أعفو عمن استحق القتل فأحييه؛ و "أميت": أقتل من أريد قتله فيموت. {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} أي: انقطعت حجته. 259- {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} أي: هل رأيت [أحدا كالذي حاج إبراهيم في ربه] أو كالذي مر (1) على قرية؟! على طريق التعجب. {وَهِيَ خَاوِيَةٌ} أي: خراب. و {عُرُوشِهَا} سقوفها (2) . وأصل ذلك أن تسقط السقوف ثم تسقط الحيطان عليها. {ثُمَّ بَعَثَهُ} الله، أي: أحياه. {لَمْ يَتَسَنَّهْ} لم يتغيرْ بممر السنين عليه. واللفظ مأخوذ من السَّنة. يقال: سانَهَتْ النَّخْلَةُ؛ إذا حملت عاما، وحَالَتْ (3) عاما. قال الشاعر: وَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلا رُجَّبِيَّةٍ ... وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ (4)
وكأن "سَنةً" من المنقوص: وأصلها: "سَنْهَةٌ". فَمَن ذهب إلى هذا قرأها - في الوصل والوقف - بالهاء: "يَتَسَنَّهْ". قال أبو عَمْرو الشّيباني (1) "لم يَتَسَنَّهْ": لم يتغير؛ من قوله: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} (2) ؛ فأبدلوا النون من "يَتَسَنَّنْ" هاء. كما قالوا: تَظَنَّيْتُ (3) وَقَصَّيْتُ أظفاري، وخرجنا نَتَلَعّى (4) . أي نَأْخُذ اللّعَاع. وهو: بقل ناعم. {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} أي: دليلا للناس، وعَلَما على قُدرتنا. وأضمر "فَعلْنا ذلك" (5) . (كَيْفَ نُنْشِرُهَا) بالراء، أي: نحييها. يقال: أنشرَ الله الميت فنَشَر. وقال: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} (6) ومن قرأ {نُنْشِزُهَا} بالزاي، أراد: نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه (7) . ومنه يقال: نَشزَ الشيءُ، ونَشَزَتْ المَرْأةُ على زوجها.
وقرأ الحسن: "نَنْشُرُها". كأنه من النَّشْر عن الطَّيِّ (1) . أو على أنه يجوز "أنشرَ الله الميت ونشره": إذا أحياه. ولم أسمع به [في "فَعَل" و "أفْعَلَ"] . 260-[ {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} بالنظر. كأن قلبه كان معلَّقا بأن يرى ذلك (2) . فإذا رآه اطمأن وسكن، وذهبت عنه محبة الرؤية. {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أي: فضُمَّهُنَّ إليك. يقال: صُرْتُ الشيء فانْصار؛ أي: أمَلتُه فمال. وفيه لغة أخرى: "صِرْته" بكسر الصاد. {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} أي: رُبعا من كل طائر. فأضمر "فقطعهن"، واكتفى بقوله: (ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ) عن قوله: فقطعهن. لأنه يدل عليه. وهذا كما تقول: خذ هذا الثوب، واجعل على كل رمح عندك منه عَلما.
{ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} يقال: عَدْوًا. ويقال: مشيًا على أرجلهن ولا يقال للطائر إذا طار: سعى. 264 - و (الصَّفْوَانُ) : الحجر. و (الوَابِلُ) : أشدُّ المطر و (الصَّلْدُ) : الأملس. * * * 265- {وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي تحقيقًا من أنفسهم. (الرَّبْوة) : الارتفاع. يقال: رَبْوَة، ورُبوة أيضا. {أُكُلَهَا} : ثَمَرُها. (الطَّلُّ) : أضعف المطر. 266- (الإعْصَارُ) : ريح شديدة تعصف وترفع ترابا إلى السماء كأنه عمود (1) . قال الشاعر: *إِنْ كُنْتَ رِيحًا فَقَدْ لاقَيْتَ إعْصَارًا* (2) أي: لاقيتَ ما هو أشد منك. 267- {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} يقول: تصدقوا من طيبات
ما تكسبون: الذهب والفضة. {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} أي: لا تقصدون للرديء والحشف من التمر، وما لا تأخذونه أنتم إلا بالإغماض فيه. أي: بأن تترخَّصوا (1) . * * * 272- {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} أي: تُوَفَّوْن أجره. 273- {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ} لم يُرِد الجهل الذي هو ضد العقل؛ وإنما أراد الجهل الذي هو ضد الخِبرَة. يقول: يحسبهم من لا يَخْبُر أمرهم. {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أي: إلحاحًا. يقال: ألحف في المسألة؛ إذا ألح. * * * 275- {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ} من قبورهم يوم القيامة. {إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} أي: من الجنون؛ [يقال: رجل ممسوس] . 279- {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} أي: اعْلَمُوا. ومن قرأ: "فآذِنُوا بحرب". أراد: آذِنوا غيركم من أصحابكم. يقال: آذَنَنِي فأَذِنْت.
* * * 280- {فَنَظِرَةٌ إِلَى [مَيْسَرَةٍ} أي انتظارٌ (1) . {وَأَنْ تَصَدَّقُوا} بما لَكُم على المعسر {خَيْرٌ لَكُمْ} 282- {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} أي] : وَليُّ الحق (2) . {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} أي: تنسى إحداهما الشهادة، فتذكرها الأخرى. ومنه قول موسى عليه السلام: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} (3) أي: من الناسين. {وَلا تَسْأَمُوا} أي: لا تملوا. {أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا} من الدَّيْن كان {أَوْ كَبِيرًا} {أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أعْدَلُ. {وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} لأن الكِتَابَ يُذَكِّرُ الشهودَ جميعَ ما شهدوا عليه. {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} أي: أن لا تَشُكُّوا (4) . {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} أي: تَتَبايَعُونها بينكم.
{وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ} فيكتبَ ما لم يُمْلَلْ عليه. {وَلا شَهِيدٌ} فيشهدَ ما لم يستشهد. ويقال: هو أن يمتنعا إذا دُعِيا. ويقال: "لا يُضَار" بمعنى لا يُضارَر "كاتب" أي: يأتيه فيشغله عن سوقه وصنعته. هذا قول مُجَاهد (1) والكلبي. 283- {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} جمع "رَهْن". ومن قرأ (فَرُهُنٌ مَقْبُوضة) أراد جمع "رِهَان" فكأنه جمع الجمع. * * * 285- {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} ["أحد" في معنى جميع. كأنه قال: لا نفرق بين رسله] ، فنؤمنَ بواحد، ونكفرَ بواحد. 286- {وُسْعَهَا} طاقتها. (الإصْر) : الثِّقْل أي: لا تثقل علينا من الفرائض، ما ثقلته على بني إسرائيلَ. {أَنْتَ مَوْلانَا} أي وليُّنا.
سورة آل عمران
سورة آل عمران 7- {فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أي جَوْر. يقال: قد زُغْتُ عن الحق. ومنه قوله: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} (1) أي عدَلت ومالت. {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أي الكفر (2) . والفتنة تتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب "تأويل المشكل" (3) . {أُولُو الأَلْبَابِ} ذوو العقول. وواحد "أولو" ذو (4) . وواحد أولات: ذات. 11- {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} أي كعادتهم يريد كفر اليهود ككفر مَن قبلهم. يقال: هذا دأْبُه ودِينُه ودَيْدَنُه. 14- {الْقَنَاطِيرِ} واحدها قنطار. وقد اختُلِفَ في تَفْسيرها. (5) . فقال
بعضهم: القنطار ثمانية آلاف مثقال ذهب بلسان أهل إفريقية (1) وقال بعضهم: ألف مثقال. وقال بعضهم: مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهبًا. (2) وقال بعضهم: مائة رطل (3) . {الْمُقَنْطَرَةِ} المكملة. وهو كما تقول: هذه بَدْرَة مُبَدّرَة وألف مُؤَلَّفَة. وقال الفرّاء: المقنطرة: المُضَعَّفة؛ كأن القناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة (4) . {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} الرَّاعِية يقال: سَامَتِ الخيلُ فهي سَائِمَةٌ إذا رعَت. وأَسَمْتُها فهي مُسَامَةٌ وسَوَّمْتُها فَهِي مُسَوَّمَةٌ: إذا رَعَيْتهَا. والمُسَوَّمَةُ في غير هذا: المُعَلَّمَة في الحرب بالسُّومَة وبالسِّيماء. أي بالعلامة. وقال مجاهد: الخيل المسومة: المُطَهَّمَة الحسان (5) . وأحسبه أراد أنها ذات سِيمَاء. كما يقال: رجل له سِيمَاءٌ وله شارةٌ حسنة. {وَالأَنْعَامِ} الإبل والبقر والغنم. واحدها نَعَمٌ. وهو جمع لا واحد له من لفظه. {وَالْحَرْثِ} الزّرع. {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} أي: المرجع. من "آبَ يؤُوب": إذا رجع.
* * * 17- {وَالْقَانِتِينَ} المصلّين. و"القنوت" يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب "مشكل" (1) . {وَالْمُنْفِقِينَ} يعني: المتصدقين. * * * 18- {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} أي: بالعدل. 24- {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي: يختلقون من الكذب. 27- {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} أي: تدخل هذا في هذا فما زاد في واحدٍ نقص من الآخر مثله. {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} يعني: الحيوان من النطفة والبيضة. {وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} يعني: النطفة والبيضة - وهما ميتتان - من الحي. {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: بغير تَقْدِيرٍ وتضييق. * * * 35- {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} أي: قالت و"إذ" تزاد في الكلام على ما بينت في "تأويل المشكل" (2) . {مُحَرَّرًا} أي: عَتِيقًا لله عز وجل. تقول: أعتقت الغلام وحَرَّرْته؛ سواء. وأرَادت: إني نذرت أن أجعل ما في بطني مُحَرَّرًا من التَّعْبيد للدنياُ لِيَعْبُدَك ويلزمَ بيتك.
36- {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} ؛ وكان النذر في مثل هذا يقع للذكور (1) . ثم قالت: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} فقول الله عز وجل: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} - في قراءة من قرأ بجزم التاء وفتح العين - مُقَدَّمٌ ومعناه التأخير. كأنه: إني وضعتها أنثىُ وليس الذكر كالأنثى؛ والله أعلم بما وضعَت. ومن قرأه (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ) - بضم التاء (2) فهو كلام متصل من قول أم مريم عليها السلام. 37- {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ضَمَّها إليه. و {الْمِحْرَابَ} الغرفَةَ. وكذلك روي في التفسير: أن زكريا كان يصعد إليها بِسُلَّم. (3) والمحراب أيضا: المسجد. قال: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} (4) ؛ أي: مساجد. وقال أبو عبيدة: (5) المحراب سيد المجالس ومقدمها وأشرفها؛ وكذلك هو من المسجد. {أَنَّى لَكِ هَذَا} أي: من أين لك هذا؟ 39- {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} قال ابن عيينة: "السيد: الحليم (6) ". وقال
هو وغيره: "الحصور: الذي لا يأتي النساء". وهو "فَعُول" بمعنى "مَفْعول"، كأنه محصور عنهن أي مأخوذ محبوس عنهن. وأصل الحصر: الحبس. ومثله مما جاء فيه "فعول" بمعنى "مفعول": ركوب بمعنى مركوب، وحَلُوب بمعنى مَحْلُوب، وهَيُوب بمعنى مَهِيب. * * * 41- {اجْعَلْ لِي آيَةً} أي: علامة. {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} أي: وحيا وإيماءً باللسان [أو باليد] أو بالحاجب. يقال: رمز فلان لفلانة؛ إذا أشار بواحدة من هذه. ومنه قيل للفاجرة: رَامِزَة ورَمَّازة؛ لأنها تَرْمُِزُ وتُومِئُ ولا تعلن. قال قتادة: إنما كان عقوبةً عوقب بها؛ [إذ] سأل الآية بعد مشافهة الملائكة إياه بما بُشِّر به (1) . 44- {يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ} أي: قداحهمُ، يَقْتَرِعون على مريم. أيُّهُم يَكْفُلُها ويحضنها. والأقلام واحدها قلم. وهي: الأزلام أيضا؛ واحدها زَلَم وزُلَم (2) . 45- {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} أي: ذا جاه فيهما. 49- و {الأَكْمَهَ} الذي يولد أعمى. والجمع كُمْه.
52- {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} أي: من أعواني مع الله؟ 55- {مُتَوَفِّيكَ} قابضك من الأرض من غير موت (1) . 61- {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} أي: إخواننا وإخوانكم. {ثُمَّ نَبْتَهِلْ} أي: نتدَاعى باللعن. يقال عليه بَهْلَة الله وبُهْلته أي لعنته. * * * 64- {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أي: نَصَف. يقال: دعاك إلى السَّوَاء أي إلى النَّصَفة. وسواءُ كلِّ شيءٍ: وَسَطُه. ومنه يقال للنصفة: سواء؛ لأنها عدلٌ. وأعدلُ الأمور أوساطها. * * * 72- {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ} أي: صدر النهار. قال قتادة: قال بعضهم لبعض: أعطُوهم الرِّضا بدينهم أوَّل النهار واكفروا بالعَشِيّ؛ فإنه أجْدَرُ أن تصدقكم الناسُ ويظنوا أنكم قد رأيتم منهم ما تكرهون فرجعتم؛ وأجْدَرُ أن يَرْجعوا عن دينهم. 75- {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} أي: مواظبا بالاقتضاء. وقد بينت هذا في باب المجاز (2) . {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} ؛ كان أهل الكتاب إذا بايعهم المسلمون قال بعضهم لبعض: ليس للأميين - يعنون العرب - حرمةُ
أهل ديننا، وأموالُهم تحِلُّ لنا: إذ كانوا مخالفين لنا. واستجازوا الذَّهابَ بحقوقهم. 78- {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} أي: يُقلِّبونَ ألسنتهم بالتحريف والزيادة. (الرَّبَّانِيُّونَ) واحدهم رَبَّانِيّ. وهم: العلماء المعلِّمون (1) . 81- {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} أي: عَهْدي. وأصل الإصْر الثِّقْل. فسمّي العهدُ إصرًا: لأنه يمنع من الأمر الذي أُخِذَ له وثُقِّل وشُدِّد. * * * 93- {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا} أي: حلالا {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} ومثله: الحِرْم والحَرَامُ واللِّبْس واللِّباس. {إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} ؛ قالوا: لحوم الإبل (2) . 96- {بَكَّة} ومكّة شيء واحد. والباء تبدل من الميم. يقال: سمَّد رأسَه وسبَّده؛ إذا استأصله. وشَرٌّ لازِم ولازِب.
ويقال: بكّة: موضع المسجد؛ ومكة: البلد حوله (1) . 97- قال مجاهد في قوله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} -: هو مَن إن حج لم يره بِرًّا وإن قعد لم ير قعوده مَأْثَمًا (2) . 101- {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} أي: يمتنع بالله. وأصل العِصْمَة: المَنْعُ. ومنه يقال: عَصَمَهُ الطعامُ؛ أي منعهُ من الجوع. 103- {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} أي: بدينه [وعهده] . {شَفَا حُفْرَةٍ} أي: حرف حفرة ومنه "أشْفَى على كذا" إذا أشرف عليه. * * * 104- {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} أي: مُعَلِّمون للخير. والأمَّة تتصرف على وجوه قد بينتها في "تأويل المشكل" (3) . 111- {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى} أي: لم تبلغ عدواتهم لكم أن يَضروكم في أنفسكم؛ إنما هو أذى بالقول. 112- {إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ} أي بلسان وعهد. [والحبل] يتصرف على وجوه قد ذكرتها في "تأويل المشكل" (4) . 113- {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} أي: مواظبة على أمر الله.
117- {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} أي: بَرْدٌ. ونُهِيَ عن الجراد: عما قتله الصِّر (1) أي البرد. {أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ} أي: زَرْعهم. 118- {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} أي: دُخَلاء من دون المسلمين يريد من غيرهم. {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} أي: شرا. {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} أي ودوا عَنَتَكم وهو ما نزل بكم من مكروه وضُر. 119- {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ} أي: ها أنتم يا هؤلاء تحبونهم. 120- {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} أي: نعمة. {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} أي: مصيبة ومكروه. {لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ} أي: مكرهم. 121- {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} من قولك: بَوَّأْتُك منزلا؛ إذا أفَدتك إياه وأسكنتكَه. ومقاعد القتال: المُعَسْكر والمَصَافُّ (2) . 122- {أَنْ تَفْشَلا} أي: تجبُنا. 125- {مُسَوِّمِينَ} معلمين بعلامة الحرب. وهو من السِّيماء مأخوذ. يقال: كانت سيماء الملائكة يوم "بدر" عمائم صُفرًا. وكان حمزة مُسَوِّمًا يوم "أحد" بريشة. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: " تَسوَّمُوا فإن الملائكة قد تسوّمت " (3) .
ومن قرأ "مسوَّمين" بالفتح (1) أراد أنه فُعِل ذلك بهم. والسُّومَةُ: العلامة التي تعلم الفارس نفسه. وقال أبو زيد: (2) يقال سوم الرجل خيله: إذا أرسلها في الغارة. وسوَّمُوا خيلهم: إذا شنوا الغارة. وقد يمكن أن يكون النَّصْبُ من هذا أيضا. 127- {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بأسْر وقتل. {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} قال أبو عبيدة: الكَبْت: الإهلاك (3) . وقال غيره: هو أن يغيظهم ويحزنهم. وكذلك قال في قوله في سورة المجادلة: {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (4) ويقال: كبت الله عدوّك. وهو بما قال أبو عبيدة أشبه. واعتبارُها قوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} (5) لأن أهل النظر يرون أن "التاء" فيه منقلبة عن "دال" (6) . كأن الأصل فيه: يَكْبدُهُم أي يصيبهم في أكبادهم بالحزن والغيظ وشدة العداوة. ومنه يقال: فلان قد أحرق الحزن كبدَه. وأحرقت العداوة كبده. والعرب تقول للعدو: أسود الكبد. قال الأعْشَى:
فما أُجْشِمْتُ من إتيان قَوْمٍ ... هُمُ الأعداءُ والأكبادُ سُودُ (1) كأن الأكباد لما احترقت بشدة العداوة اسودت. ومنه يقال للعدو: كاشح؛ لأنه يخبأ العداوة في كَشْحِه. والكَشْحُ: الخاصرةُ وإنما يريدون الكبد لأن الكبد هناك. قال الشاعر: *وَأُضْمِر أضْغَانًا عَلَيَّ كُشُوحُها * (2) والتاء والدال متقاربتا المخرجين. والعرب تدغم إحداهما في الأخرى وتبدل إحداهما من الأخرى كقولك: هَرَتَ الثوب وهَرَدَه: إذا خرقه. كذلك كبت العدو وكبده. ومثله كثير. * * * 130- {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} يريد ما تضاعف منه شيئا بعد شيء. قال ابن عيينة: هو أن تقول: أَنْظِرْني وأَزِيدُك (3) . 133- وقوله {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} يريد سعتَها، ولم يرد العرض الذي هو خلاف الطول. والعرب تقول: بلاد عريضة أي واسعة "وفي الأرض العريضة مَذْهَبُ". وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمنهزمين يوم أُحد: " لقد ذهبتم بها عريضة ". وقال الشاعر:
كَأَنَّ بِلادَ اللهِ - وَهْيَ عَرِيضةٌ - ... على الخائفِ المطلوبِ كِفَّةُ حابلِ (1) وأصل هذا من العَرْض الذي هو خلاف الطول. وإذا عَرُضَ الشيءُ اتسع وإذا لم يَعْرُض ضاق ودَقّ. 134- {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} الصابرين. وأصل الكَظْم والصبر: حبس الغيظ. 135- {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} أي: لم يقيموا عليه. 139- {وَلا تَهِنُوا} أي لا تضعفوا. وهو من الوَهَن. و (الْقَرْحُ) الجراح. والقُرح أيضا (2) . وقد قُرِئَ بهما جميعا (3) ويقال: القُرح - بالضم -: ألم الجراح. 141- {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} أي يختبرهم. والتمحيص: الابتلاء والاختبار. قال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
رأيتُ فُضَيلا كان شيئا مُلَفَّفًا ... فَكَشَّفَهُ التمحيصُ حتى بَدَا لِيَا (1) يريد الاختبار. 143- {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} أي: رأيتم أسبابه. يعني السيف والسلاح. 144- {انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} أي كفرتم. ويقال لمن كان على شيء ثم رجع عنه: قد انقلب على عقبه. وأصل هذا أرجعه القهقرى. ومنه قيل للكافر بعد إسلامه: مرتد. 146- {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} أي كثير من نبي. (قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ) أي جماعات كثيرة. ويقال: الألوف. وأصله من الرِّبَّة. وهي الجماعة. يقال للجمع: رِبِّي كأنه نسب إلى الربَّة. ثم يجمع رِبِّي بالواو والنون. فيقال: رِبِّيُّون. [ {فَمَا وَهَنُوا} أي ضعفوا] . {وَمَا اسْتَكَانُوا} ما خشعوا وذلّوا. ومنه أُخِذ المستكين. 151- {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} (2) أي حجة. 152- {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} أي تستأصلونهم بالقتل. يقال: سنة
حَسُوس: إذا أتت على كل شيء. وجراد مَحْسُوس (1) إذا قتله البرد. * * * 153- {إِذْ تُصْعِدُونَ} أي تبعدون في الهزيمة. يقال: أصْعَد في الأرض إذا أمْعَن في الذهاب. وصعد الجبل والسطح. {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} أي جازاكم غما مع غم. أو غما متصلا بغم. والغم الأول: الجراح والقتل. والغم الثاني: أنهم سمعوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قُتل (2) فأنساهم الغمّ الأول. و (الأمَنَةُ) : الأمن. يقال: وقعت الأمَنَة في الأرض. ومنه يقال: أعطيته أمانا. أي عهدًا يأمن به. {فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} أي قصور عالية. والبروج: الحصون. 155- {اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ} طلب زَلَلَهم. كما يقال: استعجلت فلانا. أي طلبت عجلتهُ واستعملته أي طلبت عمله. 156- {ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ} تباعدوا. و {غُزًّى} جمع غَازٍ. مثل صائم وصُوَّم. ونائم ونُوَّم. وعاف وعُفًّى. 159- {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} أي فبرحمة. و "ما" زائدة. {لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} أي تفرقوا. 161- {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} (3) . أي يخون في الغنائم.
{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} معناه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة على عنقه شاة لها ثُغَاءٌ لا أعرفن كذا، لا أعرفن كذا، فيقول: يا محمد. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغت " (1) . يريد: أن من غل شاة أو بقرة أو ثوبا أو غير ذلك؛ أُتي به يوم القيامة يحمله. ومن قرأ "يُغَلّ" أراد يُخَان. ويجوز أن يكون يُلْفَى خائنا. يقال: أغللت فلانا أي وجدته غالا. كما يقال: أحْمَقْتُه وجدته أحمق. وأحمدته وجدته محمودا. وقال الفَرَّاء (2) . من قرأه "يُغَلّ" أراد: يُخَوَّن. ولو كان المراد هذا المعنى لقيل يُغَلَّل. كما يقال: يُفَسَّق ويُخَوَّن ويُفَجَّر. 163- {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} أي هم طبقات في الفضل. فبعضهم أرفع من بعض. * * * 165- {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} يقول أصابتكم مصيبة يوم "أحد" قد أصبتم مثليها من المشركين يوم "بدر" {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} أي بمخالفتكم وذنوبكم. يريد مخالفة الرُّماة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد. 167- {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا} يقول: كثّروا فإنكم إذا كَثَّرْتم دفعتم القومَ بكثرتكم (3) .
168- {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} أي ادفعوه. يقال: دَرَأَ الله عنك الشرك أي دفعه. 175- {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أي يخوفكم بأوليائه كما قال: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} (1) أي لينذركم ببأس [شديد] . 178- {نُمْلِي لَهُمْ} أي نُطيل لهم. يعني الإمهال والنَّظْرَة. ومنه قوله: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} (2) . 179- {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} يقول: حتى يخلِّص المؤمنين من الكفار. 180- {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي يَلْزَم أعناقهم إثْمُه. ويقال: هي الزكاة يأتي مانِعُها يوم القيامة قد طُوِّق شجاعًا أقرع يقول: أنا الزكاة (3) . * * * 181- {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} قال رجل من اليهود (4) حين نزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (5) -: إنما يستقرض الفقير من الغني والله الغني فكيف يستقرض؟ فأنزل الله هذه الآية. 185- {زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} أي نحِّي عنها وأُبْعِد.
186- {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} أي: لَتُخْتَبَرُنَّ. ويقال: لَتُصَابُنَّ. والمعنيان متقاربان. 188- {بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} أي بمنجاة ومنه يقال: فاز فلان أي نجا. 196- {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} أي تصرّفهم في التجارات وإصابتهم الأموال. 197- (وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) أي بئس الفِراش والقرار. 198- {نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي ثوابا ورزقا. 200- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} أي صَابِروا عدوَّكم. {وَرَابِطُوا} في سبيل الله (1) . وأصل المرابطة والرِّباط: أن يربط هؤلاء خيولهم، ويربط هؤلاء خيولهم في الثغر. كل يُعِدُّ لصاحبه. وسمي المقام بالثغور رِباطًا. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي: تفوزون ببقاء الأبد. وأصل الفلاح: البقاء. وقد بيناه فيما تقدم (2) .
سورة النساء
سورة النساء مدنية كلها 1- {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً} أي نشرَ في الأرض. {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} مَن نَصَب أراد: اتقوا الله الذي تساءلون به واتقوا الأرحام أن تقطعوها. ومَن خفض أراد: الذي تساءلون به وبالأرحام (1) . وهو مثل قول الرجل: نَشَدْتُكَ بالله وبالرحم (2) . 2- {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي: مع أموالكم مضمومة إليها. والحوب الإثم. وفيه ثلاث لغات: حُوب. وحَوْب. وحَابٌ.
3- {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أي: فإن علمتم أنكم لا تعدلون بين اليتامى. يقال: أقسط الرجل: إذا عدل. ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله: "المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة" ويقال: قسط الرجل: إذا جار بغير ألف. ومنه قول الله: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (1) . {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} أي: ذلك أقرب إلى ألا تجوروا وتميلوا. يقال: عُلْت عليَّ أي جرت علي. ومنه العَوْلُ في الفَرِيضة (2) . 4- {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} يعني المهور. واحدها صَدُقَةٌ. وفيها لغة أخرى: صُدْقَةٌ. {نِحْلَةً} أي: عن طيب نفس. يقول ذلك لأولياء النساء لا لأزواجهن (3) ؛
لأن الأولياء كانوا في الجاهلية لا يعطون النساء من مهورهن شيئا. وكانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئًا لك النَّافِجةُ. يريدون أنه يأخذ مهرها إبلا فيضمها إلى إبله. فَتُنْفِجُها. أي تعظِّمُها وتُكَثِّرُها. ولذلك قالت إحدى النساء في زوجها: * لا يأخذ الحُلْوَانَ مِنْ بَنَاتِيَا * (1) تقول: لا يفعل ما يفعله غيره. والحلوان هاهنا: المهور. وأصل النِّحْلة العطية. يقال: نَحَلْتُه نحلة حسنة. أي أعطيته عطية حسنة. والنحلة لا تكون إلا عن طيب نفس. فأما ما أخذ بالحكم فلا يقال له نحلة. * * * 5- {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} أي: لا تعطوا الجهلاء أموالكم، والسفه الجهل. وأراد هاهنا النساء والصبيان (2) . {قِيَامًا} وقِوَامًا بمنزلة واحدة. يقال: هذا قوام أمرك وقيامهُ أي: ما يقوم به أمرك. 6- {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} أي: اختبروهم. {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} أي: بلغوا أن ينكحوا النساء. {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} أي: علمتم وتبينتم. وأصل آنست: أبصرت. {وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} أي: تأكلوها مُبَادَرَة أن يكْبروا فيأخذوها منكم.
{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} أي: ليترك ولا يأكل. {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} أي يقتصد ولا يسرف. 7- قال قتادة (1) وكانوا لا يُوَرِّثون النساء فنزلت: {وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} مُوجَبًا فرضه الله. أي أوجبه. 9- {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} مبينة في كتاب "المشكل" (2) . {قَوْلا سَدِيدًا} من السّداد وهو الصواب والقصد في القول. 12- وقوله: {يُورَثُ كَلالَةً} هو الرجل يموت ولا ولد له ولا والد. قال أبو عبيدة: هو مصدر من تَكَلَّلَه النَّسب (3) . وتكلله النسب: أحاط به. والأب والابن طرفان للرجل. فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه. فسمي ذهاب الطرفين: كلالة. وكأنها اسم للمصيبة (4) في تكلل النسب مأخوذ منهُ نحو هذا قولهم: وجهت الشيء: أخذت وجههُ، وثغّرت الرجل: كسرت ثغره. وأطراف الرجل: نسبه من أبيه وأمه. وأنشد أبو زيد: فكيفَ بأطْرَافِي إذَا ما شَتَمْتَنِي ... وَمَا بَعْد شَتْمِ الوالِدينِ صُلُوحُ (5)
أي صلاح. * * * 15- {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} يعني الزنا. وقوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} منسوخة نسختها: 16- {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} يعني الفاحشة. {فَآذُوهُمَا} أي عزروهما. ويقال: حدوهما. {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} أي: لا تُعَيروهما بالفاحشة. ونحو هذا قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله في الأَمَة: "فليجلدها الحد ولا يعيرها". 19- {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} قالوا (1) . كان الرجل إذا مات عن امرأته وله ولد من غيرها، ألقى ثوبه عليها فيتزوجها بغير مهر إلا المهر الأول. ثم أضرّ بها ليرثها ما ورثت من أبيه. وكذلك كان يفعل الوارث أيضا غير الولد. والكَرْه هاهنا بمعنى الإكراه والقهر. فأما الكُرْه بالضم فبمعنى المشقة. يقول الناس: لتَفْعَلَن ذلك طوعا أو كَرها. أي طائعا أو مكرها. ولا يقال: طوعا أو كُرها بالضم. {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: صاحبوهن مصاحبة جميلة. 20- {بُهْتَانًا} أي ظلما. 21- {أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} يعني المجامعة.
{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} أي وثيقة. قال ابن عباس: هو تزوجهن على إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان (1) . 22- {وَسَاءَ سَبِيلا} أي قبح هذا الفعل فعلا وطريقا. كما تقول: ساء هذا مذهبا. وهو منصوب على التمييز. كما قال: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (2) . 23- {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} أزواج البنين. 24- {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي حرم عليكم ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم من السبايا اللواتي لهن أزواج في بلادهن. {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي: فرضه الله عليكم. {مُحْصِنِينَ} متزوجين. {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} أي: غير زناة. والسفاح: الزنا. وأصله من سَفَحْت القربة إذا صببتها. فسمي الزنا سفاحا. كما يسمى مِذَاءً (3) لأنه يسافح يصب النطفة وتصب المرأة النطفة ويأتي بالمَذْي وتأتي المرأة بالمَذْي. وكان الرجل في الجاهلية إذا أراد أن يفجر بالمرأة قال لها سافحيني أو ماذِيني. ويكون أيضا من صب الماء عليه وعليها. {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي أعطوهن مهورهن.
25- {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} أي لم يجد سعة. {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} يعني الحرائر. {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} يعني الإماء. {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ} عفائف. {غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} غير زَوَانٍ. {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} أي متخذات أصدقاء. {فَإِذَا أُحْصِنَّ} أي: تزوجن. وقال بعضهم: أسلمن. والإحصان يتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب "المشكل" (1) . {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} أي زَنَيْن. {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} (2) يعني البكر الحرة. سماها محصنة وإن لم تتزوج لأن الإحصان يكون لها وبها إذا كانت حرة. ولا يكون بالأمة إحصان. {مِنَ الْعَذَابِ} يعني الحد. وهو مائة جلدة. ونصفها خمسون على الأمة. {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} أي خشي على نفسه الفجور. وأصل العَنَت: الضرَر والفساد (3) . 29- و {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير استحقاق.
{إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} مثل المضاربة (1) والمقارضة في التجارة فيأكل بعضكم مال بعض عن تراض. {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا يقتل بعضكم بعضا على ما بينت في كتاب "المشكل" (2) . 31- {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ (3) مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} يعني الصغائر من الذنوب. {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا} أي: شريفا (4) . 32- {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي لا يتمنى النساء ما فضّل به الرجال عليهن (5) . {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا} أي: نصيب من الثواب فيما عملوا من أعمال البر. {وَلِلنِّسَاءِ} أيضا {نَصِيبٌ} منه فيما عملن من البر. 33- {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} أولياء. ورثة عصبة (6) .
{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1) يريد الذين حالفتم. {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} من النظر والرِّفْدِ والمعونة (2) . 34- {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} أي: لغيب أزواجهن بما حفظ اللهُ أي: بحفظ الله إياهن. {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} يعني: بغض المرأة للزوج. يقال: نَشَزَت المرأة على زوجها ونَشَصَت: إذا تَرَكته ولم تطمئن عنده. وأصل النشوز: الارتفاع. {فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} (3) أي: لا تجنوا عليهن الذنوب. 35- {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} (4) أي: التباعد بينهما. * * * 36- {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} القرابة. {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} الغريب (5) والجنابة: البُعد. يقال: رجل جنب أي غريب.
{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} الرفيق في السفر (1) . {وَابْنِ السَّبِيلِ} الضيف. و (المختال) ذو الخيلاء والكبر. 40- {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} أي: زنة ذرة. يقال: هذا على مثقال هذا أي: على وزن هذا، والذرة جمعها ذر وهي أصغر النمل. {يُضَاعِفْهَا} أي يؤتي مثلها مرات. ولو قال: يضعِّفها لكان مرة واحدة. 42- {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ} أي يكونون ترابا، فيستوون معها حتى يصيروا وهي شيئا واحدا. {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} هذا حين سئلوا فأنكروا فشهدت عليهم الجوارح. 43- {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} يعني المساجد لا تقربوها وأنتم جنب إلا مجتازين غير مقيمين ولا مطمئنين. {الْغَائِطِ} الحدث. وأصل الغائط: المطمئن من الأرض. وكانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا غائطا من الأرض فَفَعَلوا ذلك فيه. فكنى عن الحدث بالغائط (2) . {فَتَيَمَّمُوا} أي تعمدوا. {صَعِيدًا طَيِّبًا} أي ترابا نظيفا.
44- {نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} أي حظا. 46- {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وعلى آله: اسمع لا سَمِعْت. {وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} أراد أنهم يحرفون "راعنا" من طريق المراعاة والانتظار إلى السب بالرعونة. وقد بينت هذا في "المشكل" (1) . {وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا} أي: لو قالوا: اسمع وانظرنا. أي لو قالوا: اسمع ولم يقولوا: لا سمعت وقالوا: انظرنا - أي انتظرنا - مكان راعنا. {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} والعرب تقول: نظرتك وانتظرتك بمعنى واحد. 47- {نَطْمِسَ وُجُوهًا} أي: نمحو ما فيها من عينين وأنف وحاجب وفم. {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} أي: نصيرها كَأَقْفَائِهِمْ. 51- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا} ألم تُخْبَر. ويكون أما ترى أما تعلم وقد بينا ذلك في كتاب "المشكل" (2) . {بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} كل معبود من حجر أو صورة أو شيطان فهو جبت وطاغوت (3) . ويقال (4) إنهما في هذه السورة رجلان من اليهود يقال لأحدهما: حُيَيّ بن أخطب وللثاني كعب بن الأشرف. وإيمانهم بهما تصديقهم لهما وطاعتهم إياهما.
وقوله: {فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} (1) يعني الشيطان. * * * 53- (النَّقِيرُ) النقطة التي في ظهر النواة. يقول: لا يعطون الناس شيئا ولا مقدار تلك النقطة. (وَالفَتِيلُ) (2) القشرة في بطن النواة. ويقال: هو ما فتلته بإصبعيك من وسخ اليد وعرقها. (القِطْمِيرُ) (3) الفُوفَة التي تكون فيها النواة. ويقال: الذي بين قمع الرطبة والنواة. * * * 54- {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} يعني بالناس: النبي صلى الله عليه وسلمُ على كل ما أحلَّ الله له من النساء (4) . {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} (5) يعني داود النبي عليه السلامُ وكانت له مائة امرأة؛ وسليمان وكانت له تسعمائة امرأة وثلثمائة سرية (6) .
59- {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} يعني الأمراء الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث بهم على الجيوش. {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} بأن تردوه إلى كتابه العزيز، (وردوه إلى الرَّسُولِ) بأن تردوه إلى سنته. {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} أي وأحسن عاقبة. 65- {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} أي: فيما اختلفوا فيه. {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} أي: شكا ولا ضيقا من قضائك. وأصل الحرج: الضيق. 66- {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} أي: فرضنا عليهم وأوجبنا. 71- {ثُبَاتٍ} جماعات. واحدتها ثُبَةٌ. يريد جماعة بعد جماعة (1) . {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} أي: بأجمعكم جملة واحدة. 75- {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} أي: وفي المستضعفين بمكة. و (البُرُوجُ) الحصون و (المُشَيَّدَةُ) المُطَوَّلَةُ (2) . 78- {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} أي: خصب. {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: قحط. {يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} أي: بشؤمك. {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} 79- {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: من نعمة. {فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ}
أي: بلية. {فَمِنْ نَفْسِكَ} أي: بذنوبك. الخطاب للنبي والمراد غيره (1) . 80- {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أي: محاسبا (2) . 81- {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} بحضرتك. {فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ} أي: خرجوا. {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} أي: قالوا وقدَّروا ليلا غير ما أعْطَوْك نهارا. قال الشاعر: أَتَوْنِي فَلَمْ أرْضَ ما بَيَّتُوا ... وكانوا أتوني بشيء نُكُرْ (3) والعرب تقول: هذا أمر قُدِّرَ بليل وفرغ منه بليل. ومنه قول الحارث بن حِلِّزَة: أجْمَعُوا أمْرَهُمْ عِشَاءً فَلَما ... أصْبَحُوا أصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ (4)
وقال بعضهم: بَيَّتَ طائفة: أي بدَّل وأنشد: وَبَيَّتَ قَوْلي عبد الملي ... ك قَاتَلَكَ اللهُ عَبْدًا كَفورا (1) 83- {أَذَاعُوا بِهِ} أشاعوه. {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ} أي: ذوو العلم منهم. {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} أي: يستخرجونه إلا قليلا (2) . 85- {شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} من الثواب. {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أي: نصيب. ومنه قوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} (3) {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} أي: مُقْتدِرًا أقات على الشيء: اقتدر عليه. قال الشاعر: وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ ... وَكُنْتُ على إسَاءَتِهِ مُقِيتًا (4)
والمُقِيت أيضا: الشاهد للشيء الحافظ له. قال الشاعر: أَلِيَ الفَضْلُ أَمْ عَلَيَّ إذا حُو ... سِبْتُ إنِّي على الحساب مُقِيتُ (1) * * * 88- {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} أي فرقتين مختلفتين. {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} أي نَكّسَهم وردَّهم في كفرهم (2) . وهي في قراءة عبد الله بن مسعود: "رَكَّسَهُمْ" (3) وهما لغتان: رَكَسْتُ الشيء وأرْكَسْتُه. 90- {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ} أي يتصلون بقوم. {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أي: عهد. ويتصلون ينتسبون، وقال الأعشى - وذكر امرأة سُبِيَتْ: إذَا اتَّصَلَتْ قَالَتْ: أَبَكْرَ بنَ وَائِلٍ ... وَبَكْرٌ سَبَتْهَا والأنُوفُ رَوَاغِمُ (4) أي انتسبت (5) . وفي الحديث "من اتصل فَأَعِضُّوه" يريد من ادّعى دَعْوى
الجاهلية (1) . {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي ضاقت. والحَصر: الضيق. {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} أي: المَقَادَة. يريد استسلموا لكم. 91- {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ} هؤلاء منافقون يعطون المسلمين الرضا ليأمنوهم ويعطون قومهم الرضا ليأمنوهم (2) . 92- {إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} أي يتصدقوا عليهم بالدِّية فأدغمت التاء في الصاد. 95- {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} أي: الزَّمانَة. يقال: ضرِير بَيِّن الضّرر. 100- (المُرَاغَمُ) و (المُهَاجَرُ) واحد. تقول: راغمت وهاجرت [قومي] (3) وأصله: أن الرجلَ كان إذا أسلم خرج عن قومه مُرَاغِمًا لهم. أي مُغَاضِبًا، ومهاجرا. أي مقاطعا من الهجران. فقيل للمذهب: مراغم، وللمصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم: هجرة - لأنها كانت بهجرة الرجل قومه.
قال الجَعْدِي: * عَزِيزُ المَرَاغَمِ وَالمَذهَبِ * (1) 103- {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} أي: من السفر والخوف. {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} أي: أتموها. {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} أي مُوَقَّتًا. يقال: وقَّتَه الله عليهم وَوَقَتَهُ أي جعله لأَوْقَات، ومنه: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} (2) و (وُقِتَتْ) أيضا مخففة. 104- {وَلا تَهِنُوا} لا تضعفوا. {فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} أي في طلبهم. 112- {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} أي يقذِف بما جناه بريئًا منه. 117- {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} يعني اللات والعُزَّى ومَنَاةَ. {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} أي: مَارِدًا. مثل قدِير وقادر والمَارِد: العَاتِي. 118- {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} أي حظا افترضته لنفسي منهم فأُضِلّهم.
119- {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} أي يقطعونها ويشقّونها. يقال: بَتَكَهُ إذا فَعَل ذلك به. {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} يقال: دين الله. ويقال: يغيرون خَلْقَه بالخِصَاء وقطع الآذان وفَقْءِ العيون. وأشباه ذلك. 128- {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} أي: عنها. {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا} أي يتصالحا. هذا في قسمة الأيام بينها وبين أزواجه فترضى منه بأقل من حظِّها (1) . 135- {وَإِنْ تَلْوُوا} من اللَّيّ في الشهادة والميل إلى أحد الخصمين. 141- {نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} نَغْلِبْ عليكُم (2) . 148- {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} يقال: مُنِعَ الضِّيَافَةَ (3) . 154- {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} كل من أرسل إليه رسول فاستجاب له وأقر به فقد أخذ منه الميثاق. 157- {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} يعني
العلم أي: ما قتلوا العلم به يقينا. تقول: قَتَلْتُهُ يَقِينًا وقتلته علمًا للرأي والحديث. 159- {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} يريد: ليس من أهل الكتاب في آخر الزمان عند نزوله - أحد إلا آمَنَ به حتى تكون المِلَّة واحدة، ثم يموت عيسى بعد ذلك. 171- {لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} أي لا تفرطوا فيه (1) . يقال: دين الله بين المُقَصِّر والغالي. وغَلا في القول: إذا جاوز المِقْدَار. 172- {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ} أي: لن يَأْنَف. 176- {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أي: لئلا تضلوا (2) . وقد بينت هذا وما أشبهه في كتاب "تأويل المشكل" (3) .
سورة المائدة
سورة المائدة مدنية كلها 1- {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أي بالعهود. يقال: عَقَد لي عقدًا أي جعل لي عهدا؛ قال الحُطَيْئَةُ: قَوْمٌ إذا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمُ ... شَدُّوا العِنَاجَ وشَدُّوا فَوقَه الكَرَبَا (1) ويقال: هي الفرائض التي أُلْزِمُوها. {بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} الإبل والبقر والغنم والوحوش كلها. {إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} مما حُرِّم. {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} واحدهم حرام. والحَرَام والمُحَرَّمُ سواء. ثم تلا ما حرم عليهم وهو الذي استثناه فقال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (2) . 2- وكذا {شَعَائِرَ اللَّهِ} ما جعله عَلَمًا لطاعته. واحدها شَعِيرة (3) مثل الحرم. يقول: لا تحلِّوه فتصطادوا فيه، وأشباه ذلك.
{وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} فتقاتلوا فيه. {وَلا الْهَدْيَ} وهو ما أُهْدِي إلى البيت. وهو من الشَّعَائِر. وإشْعَارُه أن يُقلَّد ويُجَلَّلَ ويطعن في سَنامه ليعلم بذلك أنه هَدْيٌ. يقول: فلا تستحلوه قبل أن يبلغ محلّه. {وَلا الْقَلائِدَ} وكان الرجل يقلِّد بعيره من لِحَاء شجرِ الحرم فيأمن بذلك حيث سلَك. {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} يعني العَامِدِين إلى البيت. واحدهم آمٌّ. {يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ} أي يريدون فضلا من الله، أي رزقًا بالتجارة. {وَرِضْوَانًا} بالحج. {وَإِذَا حَلَلْتُمْ} أي خرجتم من إحرامكم. {فَاصْطَادُوا} على الإباحة. {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ} أي لا يكسبنكم. يقال: فلان جارم أهله: أي كاسبهم. وكذلك جَرِيمَتُهُمْ (1) وقال الهُذَلِيّ ووصف عقابا: جَرِيمَة نَاهِضٍ في رأْسِ نِيقٍ ... تَرَى لعِظَامِ ما جَمَعَتْ صَلِيبَا (2) والناهض: فرخها. يقول هي تكسب له وتأتيه بِقُوتِه.
{شَنَآنُ قَوْمٍ} أي: بغضهم يقال: شنأته أشنأه: إذا أبغضته. يقول: لا يحلمنكم بغض قوم نازلين بالحرم على أن تعتدوا فتستحلوا حُرْمَةَ الحَرَمِ (1) . 3- {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} أي ذبح لغير اللَّهِ وذكر عند ذبحه غيرُ اسم الله. واسْتِهْلالُ الصَّبِيِّ منهُ أي صوته. وإِهْلالُ الحج منهُ أي التَّكَلُّم بإيجابه والتلبية (2) . {وَالْمُنْخَنِقَةُ} التي تَخْتَنِق. {وَالْمَوْقُوذَةُ} التي تضرَب حتى تُوقَذُ أي تُشْرِف على الموت. ثم تترك حتى تموت وتؤكل بغير ذكاة. ومنه يقال: فلان وَقِيذٌ. وَقَذَتْه العبادة (3) . {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} الواقعة من جبل أو حائط أو في بئر. (4) يقال: تردَّى: إذا سقط. ومنه قوله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} (5) أي تردَّى في النار. {وَالنَّطِيحَةُ} التي تنطحها شاة أخرى أو بقرة. فعيلة بمعنى مَفْعُولة (6) . {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} أي افْتَرَسَهُ فأكل بعضَه. {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} يقول: إلا ما لحقتم من هذا كلِّه وبه حياة فذبحتموه. {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} وهو حجر أو صنم منصوب كانوا يذبحون
عنده (1) يقال له: النُّصُب والنُّصْب والنَّصْب. وجمعه أنْصاب. {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} وهي القِدَاح. واحدها: زَلَم وزُلَم. والاستقسام بها: أن يضرَب بها ثم يعمل بما يخرج فيها من أمر أو نهى (2) . وكانوا إذا أرادوا أن يقتسموا شيئا بينهم وأحبوا أن يعرفوا قسم كلِّ امرئ تَعَرَّفُوا ذلك منها. فأخذ الاستقسام من القسم وهو النَّصيب. كأنه طلب النصيب. و (المَخْمَصَةُ) : المجاعة. والخَمْصُ الجوع. قال الشاعر يذم رجلا: يَرَى الخَمْصَ تَعْذِيبًا وَإِنْ يَلْقَ شَبْعَةً ... يَبِتْ قَلْبُهُ من قِلَّة الهَمِّ مُبْهَمَا (3) {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} أي منحرف مائل إلى ذلك. والجَنَفُ: الميل. والإثم: أن يتعَدى عند الاضطرار فيأكل فوق الشّبع. 4- {الْجَوَارِحِ} كلاب الصيد. وأصل الاجتراح: الاكتساب. يُقال: امرأة لا جارح لها، أي: لا كاسب. ويقال ما اجترحتم: أي ما اكتسبتم. {مُكَلِّبِينَ} أصحاب كلاب. 12- (النَّقِيبُ) : الكَفِيل على القوم والنِّقَابة والنِّكَابة شبيهٌ بالعِرافة. {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} أي: عظّمتموهم. والتعزير: التعظيم. ويقال: نَصَرْتُمُوهُمْ (4) . {سَوَاءَ السَّبِيلِ} أي قصد الطريق ووسطه.
13- (القاسية) والعاتية والعاسية واحد، وهي اليابسة. {وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} أي تركوا نصيبًا مما أُمروا به. و (الخَائِنَةُ) (1) الخيانة. ويجوز أن يكون صفة للخائن، كما يقال: رجل طاغية وراوية للحديث (2) . 21- {الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} دمشق وفلسطين وبعض الأردنّ. {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أي جعلها لكم وأمركم أن تدخلوها. 26- {فَلا تَأْسَ} أي لا تحزن. يقال: أَسِيتُ على كذا: أي حزنتُ فأنا آسى أسًى. * * * 27- {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} أي خبرهما. و (القُرْبَانُ) : ما تقرِّب به إلى الله من ذبح وغيره. 29- {أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} أي: تنقلب وتنصرف بإثمي أي: بقتلى. وإثمك: ما أضْمَرت في نفسك من حسدي وعداوتي. 30- {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} أي: شايعته (3) وانقادت له. يقال: طَاعَتْ نَفْسُه بكذا ولساني لا يَطُوع لِكذا. أي: لا ينقاد. ومنه يقال: أتيته طائعا وطوعا وكرها.
ولو كان من أطاع لكان مطيعا وطاعة وإطاعة. 32- {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} أي: يُعَذَّب كما يعذَّب قاتل الناس جميعا. {وَمَنْ أَحْيَاهَا} أُجِرَ في إحيائها كما يؤجر من {أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} وإحياؤه إياها: أن يعفو عن الدم إذا وجب له القَوَد. 33- {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} مفسر في كتاب "تأويل المشكل" (1) . 35- {الْوَسِيلَةَ} القُرْبة والزُّلْفَة. يقال: توسل إليَّ بكذا أي تقرّب. 38- {نَكَالا مِنَ اللَّهِ} أي عظة من الله بما عوقبا به لمن رآهما. ومثله قوله: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} (2) . 42- {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أي: للرُّشَى: وهو من أَسْحَتَه الله وسَحَتَه: إذا أبطله وأهلكه. {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} أي بالعدل. 44- {وَالرَّبَّانِيُّونَ} العلماءُ وكذلك (الأحبار) واحدهم حَبْر وحِبْر (3) .
{بِمَا اسْتُحْفِظُوا} أي استُودِعُوا. 45- {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} أي للجارح وأجْرٌ للمَجْرُوح. 48- {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} أي أمينا عليه. {شِرْعَةً} وشَرِيعة هما واحد. و (المِنْهَاجُ) : الطريق الواضح. يقال: نهجت لِيَ الطريق: أي أوضحتَه. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي: لجمعكم على دين واحد. والأمَّة تتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب "تأويل المشكل" (1) . 52- {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي في رضاهم: {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} أي: يدور علينا الدّهرُ بمكروه -يعنون الجَدْب- فلا يُبَايِعُونَنَا. ونَمْتارُ فيهم فلا يميروننا. فقال الله: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} (2) أي بالفرج. ويقال: فتح مكة. {أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} يعني الخصْب. 64- {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} أي: ممسكة عن العطاء مُنْقبِضَة (3) وجعل الغُلَّ لذلك مَثَلا. 66- {لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} يقال: من قَطْرِ السماء ونبات الأرض. ويقال أيضا (4) هو كما يقال: فلان في خير من قَرْنِه إلى قَدِمه.
67- {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أي يمنعك منهم. وعصمةُ الله إنما هي مَنْعُهُ العبدَ من المعاصي. ويقال: هذا طعامٌ لا يَعصمُ أي لا يَمنعُ من الجوع. 75- {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} أي: تقدمت قبلَه الرسل. يريد أنه لم يكن أول رسول أُرسِلَ فيعجب منه. وقوله: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} هذا من الاختصار والكناية، وإنما نَبَّه بأكل الطعام على عاقبته وعلى ما يصير إليه وهو الحدَث؛ لأن مَن أَكَلَ الطعام فلا بد له من أن يُحدث. {انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ} وهذا من ألطف ما يكون من الكناية (1) . {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} مثل قوله: {أَنَّى يُصْرَفُونَ} أي: يصرفون عن الحق ويعدلون. يقال: أَفِك الرجل عن كذا: إذا عدل عنه. وأرض مَأْفُوكَةٌ: أي محرومة المطر والنبات. كأن ذلك عدل عنها وصُرف. * * * 90- {وَالْمَيْسِرُ} القمار. يقال: يَسَرْتُ: إذا ضرَبت بالقِدَاح والضارب بها يقال له: ياسر وياسرون ويُسْر وأَيسار. وكان أصحاب الثروة والأجواد في الشتاء عند شدّة الزمان وكَلَبِهِ يَنْحَرُون جَزُورًا ويجزِّئونها أجزاء ثم يضربون عليها بالقداح، فإذا قَمَر القَامِرُ جَعَلَ ذلك لذوي الحاجة وأهل المسكنة. وهو النَّفْع (2) الذي ذكرَه الله في سورة البقرة - فقال: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (3) وكانوا يتمادحون بأخذ القداح ويتسابون بتركها ويعيبون من لا يَيْسِرُون ويسمونهم الأَبْرَام. واحدهم بَرَم (4) . {وَالأَنْصَابُ} حجارة كانوا يعبدونها في الجاهلية. {وَالأَزْلامُ} القِدَاح. وقد ذكرتها في أول هذه السورة (5) . {رِجْسٌ} وأصل الرجس: النَّتَن. * * * 93- {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} أي إثم. {فِيمَا طَعِمُوا} أي شربوا من الخمر قَبْلَ نزول التحريم. يقال: لم أطْعَمْ خبزًا ولا ماءً ولا نَومًا. قال الشاعر: فإن شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ ... وإن شئت لم أطْعَمْ نُقَاخًا ولا بَرْدًا (6) والبَردُ: النوم. والنُّقَاخ: الماء العذب. {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} يريد: اتقوا شرب الخمر وآمنوا بتحريمها. * * * 94- {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} يعني بيض النعام (7) . {وَرِمَاحُكُمْ} يعني الصيد. 95- و (النَّعَم) الإبل. وقد تكون البقر والغنم. والأغلب عليها الإبل.
وقوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} أي مثلُه. 96- {صَيْدُ الْبَحْرِ} ما صيد من السمك {وَطَعَامُهُ} ما نَضَب عنه الماء وما قذفه البحر وهو حيّ. {مَتَاعًا لَكُمْ} أي منفعة لكم (1) {وَلِلسَّيَّارَةِ} يعني المسافرين. 97- {قِيَامًا لِلنَّاسِ} أي قِوامًا لهم بالأمن فيه (2) . 103- {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} البحيرة: الناقة إذا نتجت خمسة أبطن. والخامس ذكر نَحَرُوه فأكلَه الرجال والنساء. وإن كان الخامس أنثى بَحروا أذنها أي: شَقُّوها. وكانت حراما على النساء لحمها ولبنها فإذا ماتت حلّت للنساء. و (السَّائِبَةُ) البعير يُسَيَّب بِنَذْر يكون على الرجل إن سلّمه الله من مرض أو بلغه منزله أن يفعل ذلك. و (الوَصِيلَةُ) من الغنم. كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكرًا ذبح. فأكل منه الرجال والنساء. وإن كان أنثى تُرِكت في الغنم. وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: قد وَصَلَت أخاها. فلم تذبح لمكانها. وكانت لحومها حراما على النساء. ولبن الأنثى حراما على النساء إلا أن يموت منهما شيء فيأكله الرجال والنساء.
و (الْحَام) : الفحل الذي ركب ولد ولده. ويقال: إذا نتج من صلبه عشرة أبطن. قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلإ ولا ماء (1) . * * * {يَفْتَرُونَ} يختلقون الكذب. 106- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} قد ذكرتها في كتاب تأويل "المشكل" (2) . 107- {فَإِنْ عُثِرَ} أي: ظهر. {الأَوْلَيَانِ} الوَلِيَّان. * * * 109- {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ (3) فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا} قيل: تدخلهم حيرة من هول القيامة وهول المسألة. 110- {أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} أي: قَويتك وأعنتك. {وَكَهْلا} ابن ثلاثين سنة. {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ} أي: الخط. {وَالْحِكْمَةَ} يعني الفقه (4) . * * * 111- {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} أي: قَذَفْتُ في قلوبهم؛
كما قال: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} (1) . 112- (المَائِدَةُ) الطعام. من مَادَنِي يَميدُني. كأنها تميدُ للآكلين. أي: تعطيهم. أو تكون فاعلة بمعنى مفعول بها. أي: ميد بها الآكلون. 114- {تَكُونُ لَنَا عِيدًا} أي: مجمعا. {وَآيَةً مِنْكَ} أي: علامة. 116- {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} بمعنى إذ يقول الله يوم القيامة. فعل بمعنى يَفْعَل. على ما بينت في كتاب "المشكل" (2) . 118- {فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} أي: عبيدك. عبدٌ وعِباد كما يقال: فَرْخ وفِرَاخ وكلْب وكِلاب.
سورة الأنعام
سورة الأنعام مكية كلها: إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة من قوله: {قُلْ تَعَالَوْا} إلى قوله: {تَتَّقُونَ} 2- {ثُمَّ قَضَى أَجَلا} بالموت. {وَأَجَلٌ مُسَمًّى} عنده للدنيا إذا فَنِيت. 6- و (القَرْنُ) يقال: هو ثمانون سنة. قال أبو عبيدة (1) يروون أن أقل ما بين القرنين ثلاثون سنة. {مِدْرَارًا} بالمطر. أي غزيرًا. من دَرَّ يَدِرّ. * * * 7- {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} أي صحيفة. وكذلك قوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} (2) أي صحفا. قال المَرَّار: عَفَتِ المَنَازِلُ غَيْرَ مِثلا ِلأَنْقُسِ ... بَعْدَ الزمان عَرَفْتَهُ بالقِرْطَسِ (3) فوقفت تَعتَرِف الصحيفة بعدما ... عَمَسَ الكتاب وقد يرى لم يَعْمسِ والأَنقسُ: جمع نِقس مثل قِدْح وأقْدُح وأقْدَاح. أراد: غير مثل النِّقْس
عرفته بالقرطاس. ثم قال: "فَوَقَفَت تعترفُ الصحيفة" فأعلمك أن القرطاس هو الصحيفة. ومنه يقال للرامي إذا أصاب: قَرْطَسَ. إنما يراد أصاب الصحيفة. 8- {وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ} يريد: لو أنزلنا ملكا فكذبوه أهلكناهم. 9- {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا} أي: لو جعلنا الرسول إليهم ملكا. {لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا} أي في صورة رجل. لأنه لا يصلح أن يخاطبهم بالرسالة ويرشدهم إلا مَن يرونه. {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} أي: أضللناهم بما ضَلُّوا به قبل أن يبعث الملك. 12- {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي: أوجبها على نفسه لخلقه. {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} هذا مردود إلى قوله: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (1) {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} 14- {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي: مبتدئهما. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة" (2) أي على ابتداء الخلقة. يعني الإقرار بالله حين أخذ العهد عليهم في أصلاب آبائهم.
22- {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} أي أين آلهتكم التي جعلتموها لي شركاء. فنسبها إليهم لِمَا ادّعَوْا لها من شَرِكته جلّ وعز. 23- {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} أي مقالتهم. ويقال حُجَّتُهم. وقد ذكرت هذا في كتاب "تأويل المشكل" (1) في باب الفتنة. وبينت كيف هو. 24- {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي ذهب عنهم ما كانوا يدعون ويختلقون. 25- (الوَقْرُ) الصَّمَم. والوِقر: الحمل على الظهر. (2) . 26- {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ} أي عن محمد (3) . {وَيَنْأَوْنَ} أي يبعدون. * * * 31- {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} أي آثامهم. وأصل الوِزْر: الحمل على الظهر. قال الله سبحانه: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} (4) أي أثْقَلَه حتى سُمِعَ نَقِيضُه.
33- {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} أي لا يَنْسِبُونَكَ إلى الكذب. ومن قرأ "لا يُكَذِّبُونَكَ" أراد: لا يُلْفُونَكَ كاذبا (1) . {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} والجحود [الإنكار] على ما بيناه (2) . 35- (النَّفَقُ) في الأرض: المَدْخَل. وهو السَّرَب. و (السُّلَّم في السماء) : المَصْعَد. * * * 36- {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} أي يجيبك من يسمع. فأما الموتى فالله يبعثهم. شبههم بالموتى. 38- {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} أي ما تركنا شيئا ولا أغفلناه ولا ضيعناه. 42- {بِالْبَأْسَاءِ} الفقر. وهو البؤس. {وَالضَّرَّاءِ} البلاء. 43- {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} أي فهَلا إذ جاءهم بأسنا. 44- {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} فجأة وجهرة مُعَاينة. {فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (3) يائِسون مُلْقُونَ بأيديهم (4) .
45- {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ} أي آخرهم. كما يقال: اجْتُثَّ أصْلُهم. 46- {يَصْدِفُونَ} يُعْرِضُون. يقال: صَدَفَ عني وصد أي: أعْرَضَ (1) . 53- {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} أي: ابتلينا بعضا ببعض. 55- {نُفَصِّلُ الآيَاتِ} أي: نأتي بها مُتَفَرِّقَة شيئًا بعد شيء، ولا ننزلها جملة (2) . 58- {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من عقوبة الله. {لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أي: لَعَجَّلته لكم فانقضى ما بيننا. 60- {جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} أي كسَبتم. {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} أي: يبعثكم في النهار من نومكم. {لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} الموت. 65- {عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} الحجارة والطوفان. {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} الخسف. {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} من الالتباس عليكم حتى تكونوا شِيَعًا أي فرقا مختلفين. {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} بالقتال والحرب. * * * 67- {لِكُلِّ نَبَإٍ} أي: خبر. {مُسْتَقَرٌّ} أي: غاية.
68- {يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} بالاستهزاء. 70- {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ} أي: تسلم للهلكة. قال الشاعر: وَإِبْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... بَعَوْنَاهُ ولا بِدَم مُرَاقِ (1) أي بغير جرم أَجْرَمْنَاه. والبَعْوُ: الجناية. {لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} وهو الماء الحار. ومنه سمي الحمام. 71- {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ} أي: هوت به وذهبت (2) . {حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} يقولون له: ائتنا (3) . نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر (4) . وأصحابه: أبوه وأمّه.
* * * 74- {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} قد ذكرته في كتاب "تأويل المشكل" (1) 75- {مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ملكهما. زيدت فيه الواو والتاء وبنى بناء جَبَرُوت ورَهَبُوت (2) . 76- {جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} أظلم. يقال جَنَّ جَنَانًا وجُنُونًا وأجَنَّه الليل إجنَانًا. 77- {بَازِغًا} طالعا. يقال: بزغت الشمس تَبْزُغُ. 78- {أَفَلَتْ} غابت. 82- {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} أي: لم يخلطوه بشرك (3) . ومنه قول لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (4) . 91- {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي: ما وصفوه (5) حَقَّ صفتِه ولا عرفوه حقَّ معرفته. يقال: قَدَرْت الشيء وقَدَّرْته. وقدرت فيك كذا وكذا، وقدرته. 92- {أُمَّ الْقُرَى} مكة لأنها أقدمها. 93- {عَذَابَ الْهُونِ} أي الهَوَان (6) .
94- {فُرَادَى} جمع فَرْد. وكأنه جمع فَرْدَان. كما قيل: كَسْلان وكُسَالَى وسَكْرَان وسُكَارَى. {وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} أي: مَلَّكناكم. {الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} أي زعمتم أنهم لي في خلقكم شركاء. {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} أي تقطعت الوُصَلُ التي كانت بينكم في الدنيا من القرابة والحِلْف والمَوَدَّة. 96- و (الحُسْبَانُ) الحساب. يقال: خذ كل شيء بحسبانه [أي بحسابه] . 98- {فَمُسْتَقَرٌّ} في الصلب. {وَمُسْتَوْدَعٌ} في الرحم. 99- (القِنْوَانُ) عُذُوقُ النَّخْل. واحدها قِنْوٌ. جمع على لفظ تَثْنِيَتِهِ غير أن الحركات تلزم نونه في الجمع وهي في الاثنين مكسورة، مثل: صِنْو وصِنْوان في التَّثنية. وصِنْوانٌ في الجمع (1) . {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} وهو غضّ. {وَيَنْعِهِ} أي إدراكه ونُضْجه. يقال: يَنَعَت الثَّمَرَة وأيْعَنَت: إذا أدْرَكَت. وهو اليَنَع واليَنِع واليُنُوع. 100- {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} يعني الزَّنادقة، جعلوا إبليسَ يخلق الشرَّ، والله يخلق الخير. {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ} أي اخْتَلَقُوا وخَلَقوا ذلك بمعنى واحد كذِبا وإفْكًا. 105- {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} أي قرأْت الكتب. و"دَارَسْتَ":
أي دَارَسْتَ أهل الكتاب. و"دَرَسَتْ": انمحَت (1) . 111- {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ (2) كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا} جماعة قبيل (3) أي أصناما، ويقال: القَبيل: الكَفيل كقوله تعالى: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} أي ضُمَنَاء. ومن قرأها "قِبَلا" أراد: معاينة (4) . 112- {زُخْرُفَ الْقَوْلِ} ما زُيِّن منه وحُسِّنَ ومُوِّه. وأصل الزخرف: الذهب. 113- {وَلِيَقْتَرِفُوا} أي: ليكتسبوا وليدّعوا ما هم مُدَّعون. 116- {يَخْرُصُونَ} يَحْدِسُون ويوقِعون (5) . ومنه قيل للحازر: خَارِصٌ.
120- {ظَاهِرَ الإِثْمِ} الزنا. {وَبَاطِنَهُ} المُخَالَّة (1) . 121- {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} أي: يقذفون في قلوبهم أن يجادلوكم. 122- {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} أي: كان كافرا فهديناه. {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} إيمانا. {يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} أي يهتدي به. {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} أي: في الكفر. 123- {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} أي: جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر. وأكابر لا ينصرف. وهم العظماء. 124- {صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ} أي: ذلة. 125- {يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} أي: يفتحه. ومنه يقال: شرحت الأمر. وشرحت اللحم: إذا فتحته.
(الحَرِجُ) الذي ضاق فلم يجد منفذا إلا أن (يَصَّعَّد فِي السَّمَاءِ) وليس يقدر على ذلك. * * * 127- {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي: الجنة. ويقال: السلام الله ويقال: السلام السلامة. 128- {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ} أي: أضللتم كثيرا منهم. {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} أي: أخذ كل من كل نصيبا (1) . {وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا} أي الموت. 135- {يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي: على موضعكم. يقال: مكان ومكانة. ومنزل ومنزلة. وتسع وتسعة. ومتن ومتنة. وعماد وعمادة. 136- {مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ} أي: مما خلق من الحرث وهو الزرع. والأنعام الإبل والبقر والغنم. {نَصِيبًا} أي حظا. وكانوا (2) إذا زرعوا خَطُّوا خطا فقالوا: هذا لله وهذا لآلهتنا. فإذا حصدوا ما جعلوا لله فوقع منه شيء فيما جعلوا لآلهتهم تركوه. وقالوا: هي إليه محتاجة.
وإذا حصدوا ما جعلوا لآلهتهم فوقع منه شيء فيما جعلوه لله أعادوه إلى موضعه. وكانوا يجعلون من الأنعام شيئا لله. فإذا ولدت إناثها ميتا أكلوه. وإذا جعلوا لآلهتهم شيئا من الأنعام فولد ميتا عظموه ولم يأكلوه. فقال الله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} * * * 137- {لِيُرْدُوهُمْ} أي ليهلكوهم. والرّدى: الهلاك. 138- وقوله: {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} (1) أي زرع حرام. وإنما قيل للحرام: حِجْر لأنه حُجِرَ على الناس أن يصيبوه. يقال: حَجرْت على فلان كذا حَجرا. ولما حجرْتَه وحَرَّمْتَهُ: حِجرا. {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} يعني "الحامي". {وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} يعني "البحيرة": لأنها لا تركب ولا يحمل عليها شيء، ولا يذكر اسم الله عليها. 139- {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا} يعني "الوصيلة" من الغنم، و"البحيرة" من الإبل.
{وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} يعني الإناث. {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} أي: بِكَذِبِهم (1) . 140- {قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا} أي جهلا. 141- و {مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} أي: ثمره. سماه أُكُلا لأنه يُؤْكل. {مُتَشَابِهًا} في المنظر. {وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} في الطعم. {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} أي: تصدّقوا منهُ (2) . {وَلا تُسْرِفُوا} في ذلك. 142- و (الحَمُولَةُ) : كبار الإبل التي يحمل عليها. و (الفَرْشُ) : صغارها التي لم تُدْرِك. أي لم يحمل عليها (3) وهي ما دون الحِقَاق. والحِقَاقُ: هي التي صَلُح أن تُرْكَب أي حق ذلك. * * * 143- {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أي: ثمانية أفراد. والفرد يقال له: زوج. والاثنان يقال لهما: زوجان وزوج. وقد بينت تأويل هذه الآية في كتاب "المشكل" (4) . 145- {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} أي سائلا.
{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} أي: ما ذُبِح لغيره وذُكر عليه غير اسمه. 146- {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي كُلَّ ذي مِخْلب من الطير وكلَّ ذي ظِلْفٍ ليس بمشقوق. يعني الحافر. {شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} يقال: الألْيَةَ. {أَوِ الْحَوَايَا} المَبَاعِر؛ واحدها حَاوِية وحَوِيّة (1) . 151- (الإمْلاقُ) الفقر (2) . يقال: أملق الرجل فهو مملق: إذا افتقر. 153- {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} يريد السبل التي تعدل عنه يمينا وشمالا. والعرب تقول: الزم الطريق ودع البُنيات (3) . 154- {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} مفسر في كتاب "المشكل" (4) . 156- {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ} يريد هذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على اليهود والنصارى قبلنا. فحذف "لا" (5) . {وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ} أي قراءتهم الكتب وعلمهم بها (غافلين)
157- {أَوْ} لئلا {تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ} (1) . {وَصَدَفَ عَنْهَا} أعرض. * * * 158- {هَلْ يَنْظُرُونَ} أي هل ينتظرون. {إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} عند الموت. {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ. {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} طلوعُ الشمس من مغربها. 159- {وَكَانُوا شِيَعًا} أي فرقا وأحزابا. {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} أي ليس إليك شيء من أمرهم. 162- {وَنُسُكِي} ذبائحي. جمع نَسِيكةٍ. وأصل النُّسُك: ما تقربت به إلى الله (2) . 165- {خَلائِفَ الأَرْضِ} أي سكان الأرض يخلف بعضكم بعضا: واحدهم خليفة. {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ} أي فضَّل في المال والشرف (3) . {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} أي يختبركم فيعلم كيف شكركم.
سورة الأعراف
سورة الأعراف مكية كلها (1) 2- {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} أي: شك. وأصل الحَرَج: الضيق والشاك في الأمر يضيق صدرًا؛ لأنه لا يعلم حقيقته. فسمى الشك حَرَجًا. 4- {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} يعني العذاب. {بَيَاتًا} ليلا. {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} من القائلة نصف النهار. 5- {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} أي: قولهم وتداعِيهم. 9- {بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} أي: يجحدون. والظلم يتصرف على وجوه قد ذكرناها في "المشكل" (2) . 12- {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} أي: أن تسجد. و"لا" زائدة للعلة التي ذكرناها في "المشكل" (3) . 16- {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: دينك. يقول: لأَصُدَّنهم عنه. 17- {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} مفسر في كتاب "المشكل" (4) .
18- {مَذْءُومًا} مذموما بأبلغ الذم (1) . {مَدْحُورًا} أي: مَقْصِيًّا مبْعَدًا. يقال: اللهم ادْحَر عني الشيطان (2) . 20- {لِيُبْدِيَ لَهُمَا} أي: ليظهر. {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا} أي: سُتِرَ. والتَّواري والمُواراة منه. 22- {وَطَفِقَا} أي: جعلا وأقْبلا. يقال: طَفِقْت أفعل كذا. {يَخْصِفَانِ} أي: يصلان الورق بعضه ببعض ويلصقان بعضه على بعض. ومنه يقال: خَصَفْتُ نعلي: إذا طبَّقت عليها رقعة. 26- (والرِّيشُ) و (الرِّياشُ) : ما ظهر من اللباس. وريش الطائر: ما ستره الله به. {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} أي: خير من الثياب؛ لأن الفاجر وإن كان حسن الثوب فإنه بادِي العورة. و "ذلك" زائدة. قال الشاعر في مثل هذا المعنى: إنِّي كأَنِّي أَرَى مَنْ لا حَيَاءَ لَهُ ... ولا أَمَانَةَ وَسْطَ القوم عُرْيَانَا (3) وقيل في التفسير: إن لباس التقوى: الحياء (4) . 27- {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} أصحابه: وجنده.
29- {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} يقول: إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد من المساجد فصلوا فيه ولا يقولن أحدكم: لا أصلي حتى آتى مسجدي (1) . 31- وقوله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة بالنهار والنساء منهم بالليل إلا الحُمْس-وهم قريش ومن دان بدينهم- ولا يأكلون من الطعام إلا اليسير إعظاما لحجِّهم. فأنزل الله هذه الآية (2) . 33- {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} أي حُجَّة. 37- {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} أي: حظهم مما كتب عليهم من العقوبة. 38- {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي: ادخلوا مع أمم. {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا} تداركوا. أدغمَت التاء في الدال وأدخلت الألف ليسلم السكون لما بعدها. يريد: تتابعوا فيها واجتمعوا. 40- {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [أي ليس لهم عمل صالح تفتح لهم به أبواب السماء] ويقال: لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء (3) إذا ماتوا. {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ} أي يدخل البعير. {فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} أي: في
ثقب الإبرة (1) . وهذا كما يقال: لا يكون ذاك حتى يشيب الغراب. وحتى يَبْيَضَّ القارُ. 41- {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ} أي: فراش. {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} أي: ما يغشاهم من النار (2) . 43- (الغِلُّ) الحسد والعداوة. 44- {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} أي: نادى مناد بينهم: {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} 46- و {الأَعْرَافِ} سور بين الجنة والنار سمي بذلك لارتفاعه وكل مرتفع عند العرب: أعْرَاف. قال الشاعر: كُلُّ كِنَازٍ لَحْمُهُ نِيَافِ ... كالعَلَمِ المُوفِى على الأعْرَافِ (3) و (السِّيماءُ) : العلامة. 51- {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} أي: نتركهم. 53- {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ} أي هل ينتظرون إلا عاقبته. يريد ما وعدهم الله من أنه كائن {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} في القيامة. {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ} أي تركوه وأعرضوا عنه (4) .
56- {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} أي خوفا منه ورجاء لما عنده. 57- {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} كأنها تبشر. ورحمته ها هنا: المطر، سماه رحمة: لأنه كان برحمته. ومن قرأها (نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أراد جمع نَشُور ونَشْرُ الشيء ما تفرق منه. يقال: اللهم اضمم إلي نشري. أي ما تفرق من أمري. {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا} أي حملت. ومنه يقال: ما أستقِلُّ به. 58- {لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا} أي إلا قليلا. يقال: عطاء مَنْكُودٌ: مَنزور. 63- {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ} أي على لسان رجل منكم. 66- {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} أي في جهل. 69- {آلاءَ اللَّهِ} نعمه. واحدها ألًى (1) ومثله في التقدير {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} (2) أي وقته. وجمعه: آناء. 74- {وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} أي أنزلكم. 78- {جَاثِمِينَ} (3) الأصل في الجُثُوم للطير والأرنب وما يَجْثُم. والجُثُوم البروك على الركب.
83- {الْغَابِرِينَ} الباقين (1) يقال: من مضى ومن غَبَر أي ومن بقي. 89- {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا} أي احكم بيننا. ويقال للحاكم: الفتاح (2) . 92- {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي لم يقيموا فيها. يقال: غنينا بمكان كذا: أقمنا. ويقال للمنازل: مَغَانٍ. واحدها مغْنى. 95- {حَتَّى عَفَوْا} أي كثروا. ومنه الحديث "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تُحفى الشّوارب وتُعْفَى اللحى" (3) أي تُوَفَّر. 111- {أَرْجِهْ} أي أخره. وقد تهمز. يقال: أرجأت الشيء وأرجيته ومنه قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} (4) يقرأ بهمز وغير همز (5) . ومنه سميت المُرْجِئَةُ (6) . 113- {إِنَّ لَنَا لأَجْرًا} أي جزاء من فرعون. 116- {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} أرهبوهم. 117- {تَلْقَفُ} تَلْتَهِم وتَلْقَم. 126- {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} أي صُبَّه علينا.
127- {الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} أشرافهم ووجوههم. وكذلك الملأ من قومه [في كل موضع] . 130- {أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} بالجَدْب. يقال: أصابت الناس سَنَةٌ: أي جَدْب. 131- {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} يعني الخصْب. {قَالُوا لَنَا هَذِهِ} أي هذا ما كنا نعرفه وما جرينا على اعتياده. {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي قحط. {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى} وقالوا: هذا بشؤمه. {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} لا عند موسى (1) . 133- {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} السيل العظيم. وقيل: الموت الكثير الذريع (2) . وطوفان الليل: شدة سواده. وقال الراجز: *وَعَمَّ طُوفَانُ الظَّلامِ الأَثْأَبَا* (3) 133- {آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} بين الآية والآية فَصْلٌ ومُدَّة. 134- و (الرِّجْزُ) العذاب. 136- و (الْيَمّ) البحر.
137- {وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} أي: يبنون، والعروش: البيوت. والعروش: السقوف. 138- {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} أي: يقيمون عليها مُعَظِّمين. كما يقيم العاكفون في المساجد. 139- {مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} أي: مُهْلَكٌ. والتَّبَارُ: الهلاك. 141- {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: في إنجائه إياكم نِعْمَةٌ من الله عظيمة (1) . 143- {تَجَلَّى رَبُّهُ} أي: ظهر. أو ظهر من أمره ما شاء. ومنه يقال: جَلَوْت العروس: إذا أبرزتها. ومنها يقال: جَلَوْت المِرْآة والسيف: إذا أبرزته من الصدأ والطَبَع وكشفت عنه (2) . {جَعَلَهُ دَكًّا} أي: ألصقه بالأرض. يقال: ناقةٌ دَكَّاء: إذا لم يكن لها سنام (3) . كَأَنَّ سنَامها دُكَّ -أي أُلْصِق- ويقال: إنَّ دككت دققت فأبدلت القاف فيه كافا. لتقارب المخرجين. {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} أي: مغشيا عليه. 149- {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} أي: ندموا. يقال: سقط في يد فلان: إذا ندم.
150- {أَسِفًا} شديد الغضب. يقال: آسفني فأسفت. أي: أغضبني فغضبت. ومنه قوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} (1) . 154- {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} أي: سكن. {وَفِي نُسْخَتِهَا} أي: فيما نسخ منها. 155- {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} أي: اختار من قومه. فحذف "مِنْ" والعرب تقول: اخترتك القوم. أي اخترتك من القوم (2) . 156- {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} أي: تُبنا إليك. ومنه: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} (3) كأنهم رجعوا عن شيء إلى شيء. 157- {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ} أي: يجدون اسمه مكتوبا أو ذِكْرَه. {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} فكل خبيث عند العرب فهو مُحَرَّم. {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} أي: الثِّقل الذي كان بنو إسرائيل أُلزِمُوه. وكذلك {وَالأَغْلالَ} هي الفرائض المانعة لهم مِنْ أشياء رُخِّصَ فيها لأمة محمد صلى الله عليه وعلى آله (4) . {وَعَزَّرُوهُ} عظّموه. (الأَسْبَاطُ) : القبائل. واحدها سبط. 160- {فَانْبَجَسَتْ} أي: انفجرت. يقال: انبجس الماء كما يقال: تفجر.
163- {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} أي: يَتَعَدَّوْن الحق. يقال: عَدَوْتُ على فلان إذا ظلمته. {شُرَّعًا} أي: شَوَارِعَ في الماء. وهو جمع شَارع. 165- {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي: شديد. 167- {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} أي أعْلَمَ. وهو من آذنتك بالأمر. {مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} أي: يأخذهم بذلك ويوليهم إيّاه. يقال: سُمْتُ فلانا كذا. وسوءُ العذاب: الجزية التي ألزموها إلى يوم القيامة والذلة والمسكنة. 168- {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ} أي: فرقناهم. {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ} أي: اختبرناهم بالخير والشر والخصب والجدب. 169- {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} والخَلْف: الرّدِيء من الناس ومن الكلام، يقال: هذا خَلْف من القول. * * * 171- {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} أي زَعْزَعْناه. ويقال: نَتَقْتُ السِّقَاءَ: إذا نَفَضْته لتقتلع الزبدة منه. وكان نَتْقُ الجبل أنّه قُطِعَ منه شيء على قدر عسكر موسى فأظلّ عليهم. وقال لهم موسى: إما أن تقبلوا التوراة وإما أن يسقط عليكم (1) . 175 - {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} أي أدركه. يقال: أتبعت القوم: إذا لحقتهم وتَبِعْتُهم: سِرْتُ في إثْرهم. 176- {أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ} أي ركن إلى الدنيا وسكن. {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ}
تطرده. {يَلْهَثْ} وهذا مفسر في كتاب "المشكل" (1) . 179- {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} أي خلقنا لجهنم. ومنه ذُرِّيَّةُ الرجل: إنما هي الخَلْق. ولكن همزها يتركه أكثر العرب. 180- {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} أي: الرحمن والرحيم والعزيز. وأشباه ذلك (2) . {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} أي: يجورون عن الحق ويعدلون. فيقولون: اللات والعزى ومناة، وأشباه ذلك. ومنه قيل: لحد القبر. لأنه في جانب (3) . 183- {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي أؤخرهم. {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي: شديد. 184- {مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} أي جنون. 187- {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} أي متى ثُبُوتها. يقال: رسا في الأرض: إذا ثبت؛ ورسا في الماء: إذا رسب. ومنه قيل للجبال: رواسٍ. {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} أي: لا يظهرها. يقال: جلّى لي الخبر: أي كشفه وأوضحه. {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي خفي علمُها على أهل السماوات والأرض، وإذا خفي الشيء ثقل. {حَفِيٌّ عَنْهَا} أي مَعْنِيٌّ بطلب علمها. ومنه يقال: تَحَفَّى فلان بالقوم. 189- {فَمَرَّتْ بِهِ} أي استمرت بالحمل.
{لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} ولدًا سويًا بشرًا ولم [تجعله بهيمة] مفسر في كتاب "تأويل المشكل" (1) . 199- {خُذِ الْعَفْوَ} أي: الميسور من الناس. {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [أي بالمعروف] (2) . 200- {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} أي يستخفنك. ويقال: نزعَ بيننا: إذا أفسد. 202- {يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ} أي يطيلون لهم فيه. {وَإِخْوَانُهُمْ} شياطينهم. يقال: لكل كافر شيطان يغويه. 203- {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا} أي: هلا اخترت لنا آية من عندك. قال الله: {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} (3) . 205- {وَالآصَالِ} آخر النهار. وهي العشى أيضا. 206- {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} يعني الملائكة.
سورة الأنفال
سورة الأَنْفَالِ مدنية كلها (1) {الأَنْفَالِ} الغنائم (2) . واحدها نَفَلٌ. قال لَبِيد: إنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْر نَفَلْ ... وبِإِذْنِ اللهِ رَيْثِي وَعَجَلْ (3) 7- {ذَاتِ الشَّوْكَةِ} ذات السلاح. ومنه قيل: فلان شاكُّ السلاح. 9- {مُرْدِفِينَ} رَادِفين يقال: ردفته وأردفته: إذا جئت بعده. (الأَمَنَةُ) : الأمن. 11- {رِجْزَ الشَّيْطَانِ} كيده. والرِّجز والرِّجْس يتصرفان على معان قد ذكرتها في كتاب "المشكل". (4) . 12- {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} أي الأعناق. و (البَنَانُ) : أطراف الأصابع (5) . 13- {شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} نابذُوه وبَايَنُوه.
16- {أَوْ مُتَحَيِّزًا} يقال: تَحَوَّزْتُ وتحيَّزت. بالياء والواو. وهما من انحزت. و (الفِئَةُ) : الجماعة. {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ} أي: رجع بغضب. 19- {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} أي: تسألوا الفتح، وهو النصر. {فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وذلك أن أبا جهل قال: اللهم انصر أحبّ الدينين إليك. فنصر الله رسولَه (1) . 22- {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ} يعني شر الناس عند الله. {الصُّمُّ} عما بعث رسوله صلى الله عليه وسلم من الدين. {الْبُكْمُ} يعني الذين لا يتكلمون بخير ولا يفعلونه. والبكم: الخرس. 24- {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} بين المؤمن والمعصية وبين الكافر والطاعة. ويكون: يحول بين الرجل وهواه (2) . 25- {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} يقول: لا تصيبن الظالمين خاصة، ولكنها تعم فتصيب الظالم وغيره. 29- {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} أي مَخْرَجًا.
30- {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} (1) أي: يحبسوك. ومنه يقال: فلان مُثْبَتٌ وَجَعًا: إذا لم يقدر على الحركة. وكانوا أرادوا أن يحبسوه في بيت ويسدوا عليه بابه ويجعلوا له خرقا يدخل عليه منه طعامه وشرابه. أو يقتلوه بأجمعهم قتلة رجل واحد. أو ينفوه. و (المُكَاءُ) : الصَّفِيرُ. يقال: مكَا يَمْكُو. ومنه قيل للطائر: مُكَاء لأنه يَمْكُو. أي: يَصْفِر. و (التَّصْدِيَةُ) : التصفيق. يقال: صدى إذا صفّق بيده، قال الراجز: ضَنَّتْ بخَدّ وثَنَتْ بِخَدِّ ... وإنِّيَ مِنْ غرْو الهوى أُصَدِّي الغَرْو: العجب. يقال: لا غَرْو من كذا وكذا: أي لا عجب منه. 37- {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} أي: يجعله رُكَامًا بعضه فوق بعض. 42- {الْعُدْوَةِ} شَفِير الوادي. يقال: عُدْوة الوادي وعِدْوته. 43- {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ} أي: في نومك ويكون: في عينك؛ لأن العين موضع النوم (2) . 46- {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أي دَوْلَتُكم. يقال: هبت له ريح النصر. إذا كانت له الدّولة. ويقال: الريح له اليوم. يراد له الدّولة. 48- {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي رجع القَهْقَرى. 57- {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} أي تظفر بهم.
{فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} أي: افعل بهم فعلا من العقوبة والتَّنْكِيل يَتَفَرّق بهم مَنْ وراءَهم من أعدائك. ويقال: شرّد بهم سَمِّع بهم بلغة قريش. قال الشاعر: أُطَوِّفُ فِي الأبَاطِحِ كُلَّ يَوْمٍ ... مَخَافَةَ أَنْ يُشَرِّدَ بِي حَكِيمُ (1) ويقال: شرّد بهم أي نكِّل بهم. أي اجعلهم عظة لمن وراءهم وعبرة. 58- {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} ألق إليهم نَقْضَك العهدَ لتكون أنت وهم في العلم بالنقض سواء (2) . 59- {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا} أي فاتوا. ثم ابتدأ فقال: {إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ} 60- {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} أي: من سلاح (3) . 61- {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} أي مالوا للصلح. 68- {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} أي قضاء سبق بأنه سيحل لكم المغانم (4) .
73- {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} يريد هذه الموالاة أن يكون المؤمنون أولياء المؤمنين. والمهاجرون أولياء الأنصار. وبعضهم من بعض - والكافرون أولياء الكافرين. أي: وإن لم يكن هذا كذا، كانت فتنة في الأرض وفساد كبير (1) . 75- {وَأُولُو الأَرْحَامِ} الواحد منه "ذو" (2) من غير لفظه وهو و"ذو" واحد.
سورة التوبة
سورة التوبة 1- {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي تَبَرؤٌ من الله ورسوله إلى من كان له عهد من المشركين. 2- {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} أي اذهبوا آمنين أربعة أشهر أو أقل [من كانت مدة عهده إلى أكثر من أربعة أشهر أو أقل] فإن أجله أربعة أشهر (1) . 3- {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي إعلام. ومنه أذَان الصلاة إنما هو إعلام بها. يقال: آذَنْتُهم إيذَانًا فأَذِنُوا إذْنًا. والأذن اسم مبنى منه. {الْحَجِّ الأَكْبَرِ} يوم النَّحْر (2) . وقال بعضهم: يوم عَرَفَة. وكانوا يسمون العُمْرَة: الحج الأصغر (3) . 4- {وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا} أي: لم يعينوه والظهير: العَوْن. {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} يريد: وإن كانت أكثر من أربعة أشهر. هؤلاء بَنُو ضَمرة خاصة (4) .
5- {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} وآخرها المُحَرَّم (1) . {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} يعني من لم يكن له عهد. {وَخُذُوهُمْ} أي: أسروهم. والأسير: أخِيذ. {وَاحْصُرُوهُمْ} احبسوهم. والحَصْر: الحبس {كُلَّ مَرْصَدٍ} أي: كل طريق يرصدونكم به. 8- و (الإلُّ) : العهدُ ويقال: القرابة، ويقال: الله جل ثناؤه (2) . و (الذمة) : العهد. 16- (الْوَلِيجَةُ) : البِطَانة من غير المسلمين، وأصله من الولوج. وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين وخليطا ووُدًّا (3) . * * *
28- {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (1) أي: قذَر. {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أي: فقرا بتركهم الحمل إليكم التجارات، {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} 29- {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} يقال: أعطاه عن يد وعن ظهر يَدٍ: إذا أعطاه مبتدئا غير مُكافئ (2) . 30- {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} أي: يشبهون. يريد أن من كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قاله أَوَّلُوهم. 31- {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} يريد: أنهم كانوا يحلّون لهم الشيء فيستحلونه. ويُحَرِّمون عليهم الشيءَ فيحرمونه. * * * 36- {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (3)
ثم قال: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي: الحساب الصحيح والعدد المستوي. والأربعة الحرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. ورجب الشهر الأصم. وقال قوم: هي الأربعة الأشهر التي أجَّلَهَا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المشركين فقال: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. واحتجوا بقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (1) وأنكروا أن يكون رجب منها. وكانت العرب تعظم رجب وتسمّيه مُنْصِلَ الأَسِنَّة ومُنصلَ الأَلِّ؛ لأنهم كانوا ينزعون الأسنة فيه والأَلَّ وهي الحراب (2) . ويسمونه أيضا: شهر الله الأصم؛ لأنهم كانوا لا يحاربون فيه لأنه محرم عليه. ولا يسمع فيه تداعي القبائل أو قعقعة السلاح. قال الأعشى: تَدَارَكَهُ في مُنْصِل الأَلِّ بعْدَمَا ... مَضَى غير دَأْدَاءٍ وقد كادَ يَذْهَبُ (3) وقال حُمَيْدُ بْنُ ثَوْر يصف إبلا: رَعَيْنَا المُرَارَ الجَوْنَ مِنْ كُلِّ مِذْنَبٍ ... شهورَ جُمَادَى كلها والمُحَرَّما (4)
يريد بالمحرم رجبا. وأما قوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} فإنما عنى الثلاثة منها؛ لأنها متوالية لا أنَّهُ جعل فيها شوَّالا وأخرج رجبًا. ويقال: إن الأربعة الأشهر التي أجَّلها رسول الله المشركين من عشر ذي الحجة إلى عشر ربيع الآخر وسماها حُرُمًا لأن الله حرم فيها قتالهم وقتلهم. 37- و {النَّسِيءُ} نَسْءُ الشهور، وهو تأخيرها (1) . وكانوا يؤخرون تحريم المحرم منها سنة، ويحرمون غيره مكانه لحاجتهم إلى القتال فيه، ثم يردونه إلى التحريم في سنة أخرى. كأنهم يستنسئون ذلك ويستقرضونه. {لِيُوَاطِئُوا} أي ليوافقوا. {عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} يقول: إذا حرموا من الشهور عدد الشهور المحرمة لم [يُبَالُوا] أن يحلُّوا الحرام ويحرِّموا الحلال. 38- {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} أراد تثاقلتم فأدغم التاء في الثاء وأحدث الألف ليسكن ما بعدها. وأراد: قعدتم ولم تخرجوا [وركنتم] إلى المقام. 40- {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} السكينة: السكون والطمأنينة. (عليه) قال قوم: على أبي بكر واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلمُ كان مطمئنا يقول لصاحبه: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} والمَذْعُورُ صاحبه فأنزل الله السكينة. {وَأَيَّدَهُ} أي قواه بملائكة. قال الزهري (2) الغار في جبل يسمى "ثورا" ومكثا فيه ثلاثة أيام.
41- {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} أي: لينفر منكم من كان مخفا ومثقلا. و"المخف": يجوز أن يكون: الخفيف الحال، ويكون: الخفيف الظهر من العيال. و"المثقل": يجوز أن يكون: الغني. [ويجوز أن يكون الكثير العيال] . ويجوز أن يكون [المعنى] شبابا وشيوخا. والله أعلم بما أراد. وقد ذهب المفسرون إلى نحو مما ذهبنا إليه (1) . 42- {الشُّقَّةُ} السَّفَر. 47- {مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا} أي شرا. [والخبال] والخبل: الفساد. {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} من الوَضْع، وهو سرعة السير. يقال: وضَع البعير وأوضَعْته إيضاعا. والوجِيفُ: مثله. و {خِلالَكُمْ} فيما بينكم. {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} يعني الشرك (2) . {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} يعني المنافقين يسمعون ما يقولون ويقبلونه. 50- {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} أي ظفر.
{وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} أي نكبة يفرحوا بها و {يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ} أي أخذنا الوَثيقَةَ فلم نخرج. 52- {إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} الشهادة. والأخرى: الغنيمة. 57- {أَوْ مُدَّخَلا} أي: مُدخلا يدخلونه. {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ} أي لرجعوا عنك إليه. {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} أي: يسرعون [روغانا عنك] ومنه قيل: فرس جَمُوح إذا ذهب في عَدْوه فلم يثنه شيء. 58- {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} يعيبك ويطعن عليك (1) . يقال: هَمَزْتُ فلانا ولَمَزْته. إذا اغتبته وعبته [ومنه قوله تعالى] : {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} (2) . * * * 60- {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} وهم ضُعفاء الأحوال الذين لهم البُلْغة من العَيْش. {وَالْمَسَاكِينِ} الذين ليس لهم شيء. قال قتادة (3) الفقير: الذي به زَمَانَة؛ والمسكين: الصحيح المحتاج. {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} أي عمال الصدقة وهم السّعاة.
{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يَتَأَلَّفُهم على الإسلام (1) . {وَفِي الرِّقَابِ} أي المُكَاتَبِين. أراد: فَكَّ الرِّقاب من الرِّق. {وَالْغَارِمِينَ} مَنْ عليه الدَّيْن ولا يجد قضاء. وأصل الغرم: الخسران. ومنه قيل في الرهن: له غُنْمُه وعليه غُرْمه. أي ربحه له وخسرانه أو هلاكه عليه. فكأن الغارم هو الذي خسر ماله. والخُسْران: النقصان. ويكون الهلاك. قال الله عز وجل: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ} (2) وقد يشتق من الغُرْم اسم للهلاك خاصة. من ذلك قوله: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (3) أي هلاكا. ومنه يقال: فلان مُغْرَمٌ بالنساء أي مهلك بهن. ويقال: ما أشد غَرَامه بالنساء وإغْرَامه، أي هلاكه بحُبِّهن. 61- {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} أي يقبل كل ما قيل له. {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} أي يقبل منكم ما تقولون له خيرًا لكم إن كان ذاك كما تقولون ولكنه {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي يصدِّق الله ويصدق المؤمنين (4) . 67- {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} أي تركوا أمر الله فتركهم.
69- {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ} أي استمتعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا. 70- {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} مدائن قوم لوط؛ لأنها ائتفكت أي انقلبت (1) . 73- {جَاهِدِ الْكُفَّارَ} بالسيف. {وَالْمُنَافِقِينَ} بالقول الغليظ. 74- وقوله: {وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} أي: ليس ينقمون شيئا ولا يعرفون من الله إلا الصنع [الجميل] وهذا كقول الشاعر: ما نَقِمَ النَّاسُ من أُميّة إلا ... أنهم يَحْلُمُون إن غضبوا (2) وأنهم سادةُ الملوكِ فلا ... تصلحُ إلا عليهمُ العَرَبُ وهذا ليس مما ينقم. وإنما أراد أن الناس لا ينقمون عليهم شيئا. وكقول النابغة: ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلولٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتَائِبِ (3) أي ليس فيهم عيب. 79- {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} أي: يعيبون المتطوعين بالصدقة. {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ} أي: طاقتهم. والجُهد الطاقةُ، والجَهد: المشقة. يقال: فعلت ذاك بجهد. أي: بمشقة. {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} أي: جزاهم جزاء السخرية.
83- {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} واحدهم خالف وهو من يَخْلُف الرجلَ في ماله وبيته (1) . 86- {اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ} أي: ذوو الغنى والسعة. 87- {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} يقال: النساء (2) . ويقال: هم خساس الناس وأدنياؤهم. يقال: فلان خَالِفَةُ أهلِه: إذا كان دُونهم. 90-[ {الْمُعَذِّرُونَ} هم] الذين لا يجدُّون إنما يَعْرِضُونَ ما لا يريدون أن يفعلوه (3) . يقال: عذَّرت في الأمر إذا قصّرت وأعْذَرت حذّرت. ويقال: المعذِّرون هم الْمُعْتَذِرُون. أدغمت التاء في الذال. ومن قرأ "الْمُعْذِرُون" (4) . فإنه من أَعْذَرت في الأمر. 98- {يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} أي غُرْمًا وخُسْرَانًا. {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} دوائر الزمان بالمكروه. ودوائر الزمان: صُرُوفُه التي تأتي مرّة بالخير ومرّة بالشر. 99- {وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} دعاؤه.
وكذلك قوله (1) {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: ادع لهم {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} أي: دعاؤُك تَثْبِيتٌ لهم وطمأنينة (2) . 101- {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} بالقتل والأسر (3) . وقال الحسن: (4) عذاب الدنيا وعذاب القبر. 104- {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} أي: يقبلها. ومثله: {خُذِ الْعَفْوَ} (5) أي: اقبله. 106- {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} أي: مُؤَخَّرُون على أمره (6) . 107- {مَسْجِدًا ضِرَارًا} أي: مُضارّة. {وَإِرْصَادًا} أي: ترقُّبا بالعداوة، يقال: رَصدتُه بالمُكافأَة أرصُدُه، إذا ترقّبته. وَأَرْصَدْتُ له في العداوة، وقال أبو زيد: رَصَدْتُه بالخير وغيرِه أرصُدُه رَصَدًا وأنا رَاصِدُه. وأرْصَدْتُ له بالخير وغيره إِرْصَادًا وأنا مُرْصِدٌ له. وقال ابن الأعرابي: أرْصَدْتُ له بالخير والشر جميعا بالألف (7) . 109- {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} أي: على حرْف جُرُفٍ هَائِر. والجُرُف: ما ينجرف بالسيول من الأودية. والهَائِر: الساقط، ومنه يقال: تَهَوَّر البناء: إذا سقط وانهار.
112- {السَّائِحُونَ} الصائمون (1) . وأصل السائح: الذاهب في الأَرض. ومنه يقال: ماء سَائِحٌ وسَيْحٌ: إذا جرى وذهب. والسائح في الأرض ممتنع من الشهوات. فشبه الصائم به. لإمساكه في صومه عن المطعم والمشرب والنكاح. 114- (الأَوَّاهُ) الْمُتَأَوِّه حزنا وخوفا. قال الْمُثَقِّبُ العبْدِيّ وذكر ناقته: إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ آهةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ (2) 117- {يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} أي: تعدل وتميل. 118- {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} أي: بما اتسعت. يريد: ضاقت عليهم مع سعتها. {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ} أي: استيقنوا أن لا يُنْجِيَهم من الله ومن عذابه غيرُه شيء. 120- و (الْمَخْمَصَةُ) : المجاعة. وهو الخمص. 122- {لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} أي: جميعا. {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ} أي: هلا نفر! 125- {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} أي: كفرًا إلى كفرهم. 128- {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي: شديد عليه ما أَعْنَتَكم وضركم (3) .
سورة يونس
سورة يونس مكية كلها 2- {قَدَمَ صِدْقٍ} يعني: عملا صالحا قدَّمُوه. 5- {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} أي: جعله ينزل كل ليلة بمنزلة من النجوم، وهي ثمانية وعشرون منزلا في كل شهر، قد ذكرتها في "تأويل المشكل" (1) . 7- {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي: لا يخافون (2) . 11- {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي: لو عجل الله للناس الشر إذا دَعَوْا به على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأولادهم، واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير فيسألونه الرزق والرحمة: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي: لماتوا (3) . 15- {أَوْ بَدِّلْهُ} كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل آيةَ عذاب آية رحمةٍ، وآية رحمةٍ آيةَ عذاب. 16- {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} أي: ولا أعلمكم به. 19- {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} أي: نَظِرَةٌ إلى يوم القيامة.
21- {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} يعني: فرجًا من بعد كرب. {إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} يعني: قولا بالطعن والحيلة يجعل لتلك الرحمة سببًا آخر (1) . 22- {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أي: دَنَوْا لِلْهَلَكَة. وأصل هذا أن العدو إذا أحاط ببلد، فقد دنا أهله من الهلكة. * * * 24- {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ} يريد أن الأرض أنبتت بنزول المطر فاختلط النبات بالمطر، واتصل كل واحد بصاحبه. {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا} أي: زينتها بالنبات. وأصل الزخرف: الذهب. ثم يقال للنقش وللنور والزهر وكل شيء زين: زخرف. يقال: أخذت الأَرض زُخْرُفها وزخارفها: إذا زخرت بالنبات كما تَزْخَر الأودية بالماء. {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} أي: [على] ما أنبتته من حب وثمر. {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} أي: كأن لم تكن عامرة بالأمس. والمغاني المنازل. واحدها مَغْنى. وغَنِيتُ بالمكان: إذا أقمت به. * * * 26- {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} أي: الْمِثْل (2) .
{وَزِيَادَةٌ} التَّضْعِيفُ حتى تكون عشرا، أو سبعمائة، وما شاء الله. يدل على ذلك قوله: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} (1) . {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} أي: لا يغشاها غبار. وكذلك الْقَتَرَة. 27- {مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} أي: مانع. {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ} جمع قِطْعَة. ومن قرأها: "قِطْعًا مِنَ اللَّيْلِ" (2) أراد اسم ما قُطع. تقول: قطعتُ الشيءَ قَطْعًا. فتنْصِبُ أوّلَ المصدر. واسم ما قطعتَ [منه] فسقط: "قِطْعٌ". 28- {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} أي: فرَّقْنَا بينهم. وهو من زال يَزُول وَأَزَلْت. (هُنَالِكَ تَتْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ) أي: تَقْرَأُ في الصحفِ ما قدَّمت من أعمالها. ومن قرأ {تَبْلُو} بالباء أراد: تختبر (3) ما كانت تعمل.
وقال أبو عمرو: وَتَصْدِيقُهَا {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} (1) وهي قراءة أهل المدينة. وكذلك حُكيت عن مُجَاهد. 33- {حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} أي: سبق قضاؤُه. 35- {أَمَّنْ لا يَهِدِّي} أراد من لا يَهْتَدِي. فأدغم التاء في الدال. ومن قرأ "يهدي" خفيفة. فإنها بمعنى يهتدي [قال الكسائي: يقول قوم من العرب هديت الطريق بمعنى: اهتديت] . 37- {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: يُضافُ إلى غيره، أو يُخْتَلَقُ. 39- {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} أي: عاقبته. 58- {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} فضله: الإسلام. ورحمته: القرآن. 61- {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: تأخذون فيه. يقال: أفَضْنا في الحديث. {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} أي ما يبعد ولا يغيب. {مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} أي: وزن نملة صغيرة (2) . 64- {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يقال: الرؤيا الصالحة (3) . {وَفِي الآخِرَةِ} الجنةُ. {لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} أي: لا خُلْف لمواعيده.
66- {وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} أي: يَحْدِسُونَ وَيَحْزُِرُونَ. 68- {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} أي: ما عندكم من حجة. 71- {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ} ادعوا {شُرَكَاءَكُمْ (1) ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي: غَمًّا عليكم. كما يقال: كَرب وكُربة. {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} أي: اعملوا بي ما تُريدون. {وَلا تُنْظِرُونِ} ومثله {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (2) أي: فاعمل ما أنت عامل. 78- {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} أي: لِتَصْرِفَنَا. يقال: لَفَتُّ فلانا عن كذا إذا صرفته. والالتفات [منه] إنما هو الانصراف عما كنت مقبلا عليه. {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} أي: الْمُلْكُ والشَّرَفُ. 83- {عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} وهم أشراف أصحابه. {أَنْ يَفْتِنَهُمْ} أي: يقتلهم ويعذّبهم. 87- {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أي: نَحْوَ القبلة. ويقال: اجعلوها مساجد. 88- {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} أي: أهلكها. وهو من قولك: طَمَسَ الطَّرِيقُ: إذا عَفَا وَدَرَسَ. {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي: قَسِّها (3) .
90- {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ} لحقهم. يقال: أتبعت القوم؛ أي: لحقتهم. وتبعتهم: كنت في أثرهم (1) . {وَعَدْوًا} أي: ظلما. 92- {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} قال أبو عبيدة: نلقيك على نَجْوَة من الأرضِ، أي: ارتفاع. والنَّجْوَة والنَّبْوة: ما ارتفع من الأرض. {بِبَدَنِكَ} (2) . أي: [بجسدك] وحدك. {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} لمن بعدك. 93- {بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} أي: أنزلناهم منزل صِدْق (3) . 94- {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} المخاطبة للنبي صلى الله عليه وعلى آله، والمراد غيره، كما بينت في كتاب "المشكل". (4) . 98- {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} عند نزول العذاب.
{إِلا قَوْمَ يُونُسَ} فإنهم آمنوا قبل نزول العذاب. أي: فهلا آمنت قرية غير قوم يونس فنفعها إيمانها! ويقال: فلم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها عند نزول العذاب إلا قوم يونس (1) . 101- {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ} من الدلائل. {وَالأَرْضِ} واعتبروا (2) .
سورة هود
سورة هود مكية كلها 1- {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} فلم تُنْسَخ (1) . {ثُمَّ فُصِّلَتْ} بالحلال والحرام. ويقال: فُصِّلت: أُنزلت شيئا بعد شيء، ولم تنزل جملة. {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} أي: من عند حكيم خبير. 3- {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} أي: يعمِّركم (2) وأصل الإمتاع: الإطالة. يقال: أَمْتَعَ اللهُ بك ومتّع الله بك إِمْتَاعا وَمَتَاعا. والشيء الطويل: مَاتِعٌ. ويقال: جبل ماتِعٌ. وقد مَتَع النَّهار: إذا تطاوَل. 5- {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} أي: يطوون ما فيها ويسترونه {لِيَسْتَخْفُوا} بذلك من الله (3) .
{أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} أي: يستترون بها وَيَتَغَشَّوْنَهَا. 6- {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} قال ابن مسعود: مستقرها: الأرحام. ومستودعها: الأرض التي تموت فيها (1) . 8- {إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} أي: إلى حين بغير توقيت. فأما قوله: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} (2) فيقال: بعد سبع سنين. 9- {لَيَئُوسٌ} فَعَولٌ من يَئِسْت. أي: قَنُوط (3) . 10- {ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي} أي: البلايا. 15- {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} أي: نؤتهم ثواب أعمالهم لها فيها. {وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} أي: لا ينقصون. 17- {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} مفسر في كتاب "المشكل" (4) . 22- {لا جَرَمَ} حقا. 23- {وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} أي: تواضعوا لربهم. وَالإخْبَاتُ: التواضع والوقار.
27- {أَرَاذِلُنَا} شِرَارُنَا. جمع أَرْذَل. يقال: رجُل رَذْل وقد رَذل رذَالة ورُذُولة. {بَادِيَ الرَّأْيِ} أي: ظاهر الرأي. بغير همز. من قولك: بدا لي ما كان خَفِيًّا: أي ظهر. ومن همزه جعله: أوَّل الرأي. من بدأت في الأمر فأنا أبدأ. 28- {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أي على يقين وبيان. {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} أي: عَمِيتم عن ذلك. يقال: عَمِيَ عليَّ هذا الأمر. إذا لم أفهمه، وعميت عنه؛ بمعنى. {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أي: نُوجِبُهَا عليكم ونأخذكم بفهمها وأنتم تكرهون ذلك (1) ؟! . 35- {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ} أي: اخْتَلَقْتُه. {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} أي: جُرْمُ ذلك الاختلاق - إن كنتُ فعلْتُ. {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} في التكذيب (2) . 37- و {الْفُلْكَ} السفينة. وجمعها فُلْكٌ، مثل الواحد.
40- {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي من كلِّ ذكرٍ وأنثى اثنين. {وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} أي سبق القول بِهَلَكَتِهِ. 41- {مَجْرَاهَا} مسيرُها. {وَمُرْسَاهَا} حيث ترسى وترسو أيضا. أي: تقف. 43- {يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} أي: يمنعني منه. {قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ} لا معصوم اليوم. {مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ} ومثله: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (1) بمعنى مدفوق. 44- {وَغِيضَ الْمَاءُ} أي: نقص. يقال: غاض الماء وغضتُه. أي: نقص ونقصته. {وَقُضِيَ الأَمْرُ} أي: فُرِغ منه، فغرِق مَن غرق، ونجا مَن نجا و {الْجُودِيِّ} جبل بالجزيرة. 46- {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} لمخالفته إياك. وهذا كما يقول الرجل لابنه إذا خالفه: اذهب فلست منك ولست مني. لا يريد به دفع نسبه. أي: قد فارقتك. 50- {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} جعله أخاهم؛ لأنه منهم. 54- {إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} أي: أصابك بِخَبَل، يقال: عَرَاني كذا وكذا واعْتَرَانِي: إذا أَلَمَّ بي. ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك: عار. ومنه قول النابغة:
أَتَيْتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِي ... عَلَى خَوْفٍ تُظَنُّ بِيَ الظُّنُونُ (1) 59- {عَنِيدٍ} العنيد والْعَنُود والعاند: المعارض لك بالخلاف عليك. 60- {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} أي: أُلحقوا. 63- {فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} أي: غير نُقصان. 69- {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أي: مَشْوِيّ. يقال: حَنَذْتُ الجمل: إذا شويته في خَدٍّ من الأرض بِالرَّضَفِ، وهي الحجارة الْمُحْمَاة. وفي الحديث: أن خالد بن الوليد أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُتي بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ. 70- {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ} أي: إلى العجل، يريد رآهم لا يأكلون. {نَكِرَهُمْ} أَنْكَرَهُمْ. يقال: نَكِرْتُك، وأَنْكَرْتُك، وَاسْتَنْكَرْتُك. {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أي: أَضْمَر في نفسه خوفا. 71- {فَضَحِكَتْ} قال عِكْرمة: حاضت، من قولهم: ضحكت الأرْنب: إذا حاضت (2) . وغيره من المفسرين يجعله الضحك بعينه (3) . وكذلك هو في التوراة؛ وقرأت
فيها: "أنها حين بُشِّرت بالغلام ضحكت في نفسها وقالت: مِن بعد ما بليت أعود شابّةً، وسيدي إبراهيم قد شاخ؟ فقال الله لإبراهيم عليه السلام: لِمَ ضحكتِ سَرَّا - وسَرَّا اسمها في التوراة. يعني سارَة - وقالت: أَحَقٌّ أن أَلِدَ وقد كبرت؟ فجحدت سَرَّا وقالت: لمْ أضحك. من أجل أنها خشيت. فقال: بلى لقد ضحكت". {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} أي: بعدَ إسحاق. قال أبو عبيدة: الوراء: وَلَدُ الْوَلَدِ. {سِيءَ بِهِمْ} فُعل من السوء (1) . 77- {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} أي: شديد. يقال: يوم عَصِيب وَعَصَبْصَب. 78- {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} أي: يسرعون إليه. يقال: أُهْرِعَ الرجلُ: إذا أسرع على لفظ ما لم يُسَمَّ فَاعلُه كما يقال: أُرعد. ويقال: جاء القوم: يُهْرَعُون، وهي رِعْدة تحلّ بهم حتى تذهب عندها عقولهم من الفزع والخوف إذا أسرعوا (2) . {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أي: تزوجوهن فَهُنَّ أطهر لكم.
{فِي ضَيْفِي} أي: في أضيافي. والواحد يدل على الجمع (1) . كما يقال: هؤلاء رَسُولي ووكيلي. 79- {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} أي: لم نتزوجهن قبلُ، فَنَستحقَّهن. 80- {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} أي: عشيرة (2) . 81- {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} أي: سرْ بهم ليلا. {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} أي: ببقية تبقَى من آخره. والقِطْعُ والقِطْعةُ: شيء واحد (3) . 82- {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} يذهب بعض المفسرين إلى أنها "سَنْكِ وَكِلْ" بالفارسية (4) وَيَعْتَبِرُهُ بقوله عز وجل: {حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} (5) يعني الآجُرَّ. كذلك قال ابن عباس (6) . وقال أبو عبيدة (7) السجيل: الشديد. وأنشد لابن مُقْبِل:
ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الأبْطَالُ سِجِّينَا (1) وقال: يريد ضربا شديدا. ولست أدري ما سجيل من سجين. وذَاك باللام وهذا بالنون. وإنما سجين في بيت ابن مقبل "فِعِّيلٌ" من سَجَنْتُ. أي حَبَسْت. كأنه قال: ضَرْبٌ يُثْبِتُ صَاحِبَه بمكانه. أي يحبسه مقتولا أو مُقَارِبًا للقتل. و"فِعِّيلٌ" لما دام منه العمل. كقولك: رجل فِسِّيقٌ وَسِكِّيرٌ وسِكِّيتٌ: إذا أدام منه الفسق والسكر والسكوتَ. وكذلك "سِجِّينٌ". هو ضرب يدوم منه الإثبات والْحَبْسُ. وبعض الرواة (2) يرويه "سِخِّين" - من السُّخُونة - أي ضربا سُخْنا. {مَنْضُودٍ} بعضه على بعض كما تُنْضد الثيابُ وكما يُنضد اللبِن. 83- {مُسَوَّمَةً} معلمة بمثل الخواتيم. والسُّومَةُ: العلامة (3) . 86- {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} أي: ما أبقى الله لكم من حَلال الرزق خير من التَّطْفِيف. 87- {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ} أي: دينك. ويقال: قراءتك (4) . 89- {لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي} أي: لا يكسبنَّكم ويجرّ عليكم شقاقي، أي: عداوتي، أن تَهْلِكُوا (5) .
91- {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} أي: قتلناك. وكانوا يقتلون رَجْمًا. فسمّى القتل رجما. ومثله: قوله: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1) . 92- {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} أي: لم تلتفتوا إلى ما جئتكم به عنهُ، تقول العرب: جعلتني ظِهْرِيًّا وجعلت حاجتي منك بظهر؛ إذا أعرضت عنه وعن حاجته. 93- {وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} أي: انتظروا إني معكم منتظر (2) . 95- {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} يقال: بعِدَ يبْعُدُ: إذا كان بُعْد، هلكة. وَبَعُدَ يَبْعُدُ: إذا نأى. 99- {الرِّفْدُ} العطية. يقال: رَفَدْتُه أَرْفِدُه؛ إذا أعطيته وأعنته. و {الْمَرْفُودُ} المعطى. كما تقول: بئس العطاء والمعطى. 100- {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى} أي: من أخبار الأمم. {مِنْهَا قَائِمٌ} أي: ظاهر للعين. {وَحَصِيدٌ} قد أُبيد وحُصِدَ. 101- {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} أي: غير تخسير. ومنه قوله عز وجلّ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} (3) أي: خسرت.
107- {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ} مبيَّن في كتاب "المشكل" (1) . 108- {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي: غير مقطوع. يقال: جَذَذْتُ، وَجَدَدْتُ وَجَذَفْتُ، وَجَدَفْتُ؛ إذا قطعت. 110- {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} أي: نَظِرَةٌ لهم إلى يوم الدين. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدنيا. 112- {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} أي: امض على ما أُمِرت به. 114- {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} أي: ساعة بعد ساعة. واحدتها زُلْفَةٌ. ومنه يقال: أَزْلَفَنِي كذا عِنْدَك؛ أي: أدناني. وَالْمَزَالِفُ: المنازل والدَّرَج. وكذلك الزُّلَف. قال الْعَجَّاج: (2) . طَيَّ اللَّيَالِي زُلَفًا فَزُلَفَا ... سَمَاوَةَ الْهِلالِ حَتَّى احْقَوْقَفَا (3) 116- {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي: فهلا. {أُولُو بَقِيَّةٍ} أي: أولو بقيّة من دين. يقال: [قوم] لهم بقيّة وفيهم بقية. إذا كانت بهم مُسْكَةٌ وفيهم خير.
{وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} ما أعطوا من الأموال؛ أي: آثروه واتبعوه فَفُتِنُوا به (1) . 118- {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} في دينهم. 119- {إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} فإن دينهم واحد لا يختلفون. {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} يعني: لرحمته خلق الذين لا يختلفون في دينهم. وقد ذهب قوم (2) إلى أنه للاختلاف خلقهم الله. والله أعلم بما أراد. 120- {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} أي: في هذه السورة (3) . 121- {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي: على مواضعكم واثْبُتُوا {إِنَّا عَامِلُونَ} 122- {وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} تهديد ووعيد.
سورة يوسف
سورة يوسف مكية كلها 5- {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} أي: يحْتَالُوا لك ويَغْتَالُوك. 6- {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي: يختارُك. {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} أي: من تفسير غامضها، وتفسير الرؤيا. 7- {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} أي: مواعظُ لمن سأل (1) . 8- {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي: جماعةٌ. يقال: الْعُصْبَة من العَشَرَةِ إلى الأربعين. 9- {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} أي: يَفْرُغ لكم من الشغل بيوسفَ. {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ} أي: من بعد إهلاكه. {قَوْمًا صَالِحِينَ} أي: تائبينَ. 12- {يَرْتَعْ} بتسكين العين: يأكلْ. يقال: رَتَعَت الإبل؛ إذا رعت. وَأَرْتَعْتُها: إذا تركتها ترعى.
ومن قرأ: (نَرْتَعِ) بكسر العين - أراد: نتحارس ويرعى بعضُنا بعضا (1) ، أي: يحفظ. ومنه يقال: رعاك الله؛ أي: حفظك. 15- و {الْجُبِّ} الرَّكِيَّة التي لم تُطْوَ بالحجارة (2) . فإذا طُوِيَت: فليست بِجُبّ. 17- {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أي: نَنْتَضِلُ، يسابق بعضنا بعضا في الرمي. يقال: سَابَقْتُه فسبقتُه سَبْقا. والْخَطَر هو: السَّبَق (3) بفتح الباء. {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} أي: بِمُصَدِّقٍ لنا. 18- {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} أي: مكذوب به. {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} أي: زَيَّنَت. وكذلك "سول لهم الشيطان أعمالهم" أي: زَيَّنَها.
19- {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} قومٌ يَسيرون. {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} أي: وَارِدَ الماءِ ليستقيَ لهم. {فَأَدْلَى دَلْوَهُ} أي: أرسلَهَا. يقال: أَدْلَى دَلْوَه؛ إذا أرسلَها للاستقاء. وَدَلَى يَدْلُو: إذا جذبها ليخرجَها (1) . {قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ} وذلك: أن يوسفَ تعلّق بالحبل حين أدْلاهُ، أي: أرسلَه. (وَأَسَرُّوهُ) أي: أسرُّوا في أنفسهم أنه بضاعةٌ وتجارةٌ. 20- {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} يكون: اشْتَرَوْه؛ يعني: السيارة. ويكون: باعوهُ، يعني: الإخوة. وهذا حرف من الأضداد (2) . يقال: شريت الشيء؛ يعني: بعته واشتريته. وقد ذكرت هذا وما أشبهه في كتاب "تأويل المشكل" (3) . و (الْبَخْسُ) الخسيس الذي بُخس به البائعُ. {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} يسيرةٍ سهُل عددُها لقلّتِها؛ ولو كانت كثيرة: لَثَقُل عددُها. 21- {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} أي: أكرمي منزله ومُقامه عندكِ. من قولك: ثويتُ بالمكان؛ إذا أقمت به. {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أي: نَتَبَنَّاه.
22- {بَلَغَ أَشُدَّهُ} إذا انتهى منتهاه قبل أن يأخذ في النقصان. وهو جمع. يقال: لواحده أَشُدّ. ويقال: شَدٌّ وَأَشُدٌّ. مثل: قَدّ وأَقُدّ. وهو الجلْد. ولا واحد له. وقد اختلف في وقت بلوغ الأشدّ، فيقال: هو بلوغ ثلاثين سنة. ويقال: بلوغ ثمان وثلاثين. 23- {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} أي: هَلُمَّ لك. يقال: هَيَّتَ فلانٌ لفلان؛ إذا دعاه وصاح به. قال الشاعر: قَدْ رَابَنِي أَنَّ الْكَرِيَّ أَسْكَتَا ... لَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِهَا لَهَيَّتَا (1) 24- {لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} أي: حُجَّته عليه. 25- {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} وجداه {لَدَى} عند {الْبَابَ} 29- {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} قال الأصمعي: يقال: خَطِئَ الرجلُ يَخْطَأُُ خِطْأً -: إذا تعمد الذنب. فهو خَاطئ. والخطيئة [منه] وأخطأ يخطئ -: إذا غَلِطَ ولم يتعمَّد. والاسم منه الْخَطَأُ. 30- {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} أي: بلغ حُبُّهُ شَغَافَهَا. وهو غلاف القلب. ولم يرد الغلاف إنما أراد القلب. يقال: قد شَغَفْتُ فلانا إذا أصبت شَغَافَهُ. كما يقال: كَبَدْتُه؛ إذا أصبت كَبِدَهُ. وَبَطَنْتُهُ: إذا أصبت بطنه.
ومن قرأ: "شَعَفَهَا"- بالعين - (1) أراد فتَنها. من قولك. فلان مَشْعُوفٌ بفلانةَ. 31- {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} أي: بقولهن وغِيبتهن. {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ} أعتدت من العتاد (2) . {مُتَّكَأً} أي: طعاما. يقال: اتكأنا عند فلان: إذا طعمنا. وقد بينت أصل هذا في كتاب "المشكل" (3) . ومن قرأ "مُتْكًا" (4) فإنه يريد الأتْرُجّ. ويقال: الزُّمَاوَرْد (5) . وَأَيَّا مَّا كان فإني لا أحسبه سُمّي مُتَّكَأً إلا بالقطع؛ كأنّه مأخوذ من الْبَتْك.
وأبدلت الميم فيه من الباء. كما يقال: سَمَّدَ رأْسَه وَسَبَّدَه. وَشَرٌّ لازِم ولازِب. والميم تبدل من الباء كثيرا لقرب مخرجهما. ومنه قيل للمرأة التي لم تُخْفَض، والتي لا تَحبس بولها: مَتْكََاء - أي: خَرْقَاء - والأصل بَتْكَاء. ومما يدل على هذا قوله: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} ؛ لأنه طعام لا يُؤكل حتى يُقطع. وقال جُوَيْبِر، عن الضحاك: [الْمَتْك] كلّ شيء يُحَزُّ بالسكاكين (1) . {أَكْبَرْنَهُ} هَالَهُن فَأَعْظَمْنَه. 32- {فَاسْتَعْصَمَ} أي: امتنع. 36- {أَعْصِرُ خَمْرًا} يقال: عنبا. قال الأصمعي: أخبرني المُعْتَمِرُ بنُ سليمانَ (2) أنه لقي أعرابيًّا معه عنب، فقال: ما معك؟ فقال: خمر. (3) وتكون الخمر بعينها؛ كما يقال: عصرت زيتا؛ وإنما عصرت زيتونا. 42- {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} أي: عند سيدك. قال الأعشى يصف ملكا: رَبِّي كَرِيمٌ لا يُكَدِّرُ نِعْمَةً ... وَإِذَا يُنَاشَدُ بِالْمَهَارِقِ أَنْشَدا (4) {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} يقال: ما بين الواحد إلى تسعة. وقال أبو عبيدة: هو ما [لم] يبلغ العقد ولا نصفه. يريد: ما بين الواحد إلى الأربعة. 44- {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} أي: أخْلاط أحلام. مثل أضْغَاث النبات يجمعها الرجل فيكون فيها ضُرُوب مختلفة. والأحلام واحدها حُلُم.
45- {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي: بعد حين. يقال: بعد سبع سنين. ومن قرأ (بَعْدَ أَمَةٍ) أراد: بعد نسيان (1) . 46- {الصِّدِّيقُ} الكثيرُ الصدقِ. كما يقال: فِسِّيقٌ وشِرِّيبٌ وسِكِّيرٌ؛ إذا كثر ذلك منه. 47- {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} أي: جِدًّا في الزراعة ومتابعةً. وتقرأ (دَأَبًا) : بفتح الهمزة. وهما واحد. يقال: دَأَبْتُ أَدْأَبُ دَأْبًا وَدَأَبًا. 48- {تُحْصِنُونَ} أي: تُحْرِزُون. 49- {يُغَاثُ النَّاسُ} أي: يُمْطَرُون. والْغَيْثُ: المطرُ. {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يعني: الأعنابَ والزيت. وقال أبو عبيدة (2) (يعصرون) : يَنْجُون والْعُصْرة النَّجَاة. قال الشاعر: *وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ الْمَنْجُودِ* (3) أي: غياثا ومنجاةً للمكروب. 51- {مَا خَطْبُكُنَّ} ما أمْرُكُنَّ، ما شَأْنُكُنَّ؟ {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} أي: وضَح وتَبَيَّن. 59- {خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} أي: خير الْمُضِيفِين.
65- {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} من الميرة. يقال: مار أهلَه ويَميرُهم مَيْرًا، وهو مَائِرٌ أهلَه؛ إذا حمل إليهم أقواتَهم من غير بلده. {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} أي: حِمْلَ بعير. 66- {إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} أي: تُشْرِفوا على الْهَلَكَة وتُغْلَبوا. {اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} أي: كفيلٌ. 67- {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} ؛ يريد: إذا دخلْتم مصرَ، فادخلوا من أبواب متفرّقة. يقال: خاف عليهم العين إذا دخلوا جملة. 69- {آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} أي: ضَمَّه إليه. يقال: آوَيْتُ فلانا إليَّ بِمَدّ الألف -: إذا ضممتَه إليك. وَأَوَيْتُ إلى بني فلان - بقصر الألف -: إذا لجأت إليهم. {فَلا تَبْتَئِسْ} من البُؤْس (1) . 70- {السِّقَايَةَ} المكيالَ. وقال قتادة: مَشْرَبَةُ المَلِك (2) . {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} أي: قال قائلٌ، أو نادى مُنادٍ. {أَيَّتُهَا الْعِيرُ} القومُ على الإبل. 72- {صُوَاعَ الْمَلِكِ} وصَاعه واحدٌ.
{وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} أي: ضمين. 75- {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} أي: يُستعبد بذلك. وكانت سنة آل يعقوب في السارق. 76- {كِدْنَا لِيُوسُفَ} أي: احتلنا له. والكيد: الحيلة. ومنه قوله: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} {فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي: في سلطانه. 77- {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} ؛ يعنون يوسف، وكان سرق صنما يُعْبَد وألقاه. (1) 80- {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ} أي: يَئِسُوا. {خَلَصُوا نَجِيًّا} أي: اعتزلوا الناس ليس معهم غيرُهم يتناجَوْن ويتناظَرُون ويَتَسَارُّون. يقال: قوم نَجِيٌّ؛ والجميع أَنْجِيَة (2) . قال الشاعر: إِنِّي إِذَا مَا الْقَوْمُ كَانُوا أَنْجِيَهْ ... وَاصْطَرَبَتْ أَعْنَاقُهُمْ كَالأرْشِيَهْ (3)
{قَالَ كَبِيرُهُمْ} أي: أعقلهم. وهو: شَمْعُون. وكأنه كان رئيسَهم. وأما أكبرُهم في السن: فَرُوبيلُ. وهذا قول مجاهد (1) . وفي رواية الكلبي: كبيرهم في العقل، وهو: يَهُوذا. 81- {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} يريدون: حين أعطيناك المَوْثق لنأتينَّك [به] ؛ أي: [لم] نعلم أنه يسرقُ فيؤخذ. 84- {وَقَالَ يَا أَسَفَى} ؛ والأسف: أشدُّ الحسرة. {فَهُوَ كَظِيمٌ} أي: كاظمٌ. كما تقول: قديرٌ وقادرٌ. والكاظمُ: المُمسكُ على حزنه، لا يُظهره، ولا يشكوه. 85- {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي: لا تزالُ تذكر يوسُفَ. قال أوس بن حَجَر: فَمَا فَتِئَتْ خيلٌ تَثُوبُ وتَدَّعِي (2) {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} أي: دَنِفًا (3) . يقال: أحْرَضهُ الحزن؛ أي: أدنفه. ولا أحسبه قيل للرجل الساقطِ: حَارِضٌ؛ إلا من هذا. كأنَّه الذاهبُ الهالكُ.
{أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} يعني: الموتى. 86- و (الْبَثُّ) أشد الحزن. سمي بذلك: لأن صاحبه لا يصبر عليه، حتى يَبثَّه، أي: يشكوَه. 88- {بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} أي: قليلةٍ؛ ويقال: رَدِيئة؛ لا تنفق في الطعام، وتنفق في غيره. لأن الطعام لا يؤخذ فيه إلا الجيدُ. {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} يعنون: [تفضلْ بما] بين البضاعة وبين ثمن الطعام (1) . 92- {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} لا تعْيير عليكم بعد هذا اليوم بما صنعتُم. وأصل التَّثْريب: الإفسادُ. يقال: ثَرَّب علينا؛ إذا أفسد. وفي الحديث: "إذا زَنَتْ أَمةُ أحدكم: فليجلدها الحدَّ، ولا يُثَرِّبِ". (2) أي: لا يُعَيِّرْها بالزنا. 94- {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} أي: تُعَجِّزون (3) . ويقال: لولا أن تُجَهِّلُونِ، يقال: أَفْنَدَهُ الهرمُ؛ إذا خلَّط في كلامه. 100- {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} أي: على السرير. 105- {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ} أي: كم من دليل وعلامةٍ. {فِي} خَلْق
{السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} (1) . 106- {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} يريد: إذا سئلوا: من خلقهم؟ قالوا: الله. ثم يشركون بعد ذلك. أي: يجعلون لله شركاء. 107- {غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} أي: مُجَلِّلَةٌ (2) تغشاهم. ومنه قولُه تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (3) أي: خبرُها. 108- {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} أي: على يقين. ومنه يقال: فلان مُسْتَبْصِرٌ في كذا، أي: مُسْتَيْقِنٌ له. 110- {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ} مُفَسَّرٌ في كتاب "تأويل المشكل" (4) . 111- {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} أي: يُخْتَلَقُ ويُصنَعُ.
سورة الرعد
سورة الرعد مكية كلها 2- {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ذَلَّلَهما وقصرهما على شيء واحد. 3- {جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي: من كل الثمرات لونين حُلُوًا وحامِضًا. والزَّوْجُ: هو اللون الواحد. 4- {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} يعني قرى متجاورات (1) . و (الصِّنْوَانُ) من النخل: النخلتان أو النخلات يكون أصلها واحدا. {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} يعني متفرق الأصول. ومن هذا قيل: بَعْضُ الرَّجلِ صِنْوُ أبيه. {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} أي: في الثمر. 6- {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ} أي بالعقوبة.
وأصل المَثُلَة: الشِّبْهُ والنَّظِيرُ وما يعتبرُ به. يريد من خلا من الأمم. 7- {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (1) أي: نبي يدعوهم. 8- {وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} أي: ما تنقص في الحمل عن تسعة أشهر من السقط وغيره. {وَمَا تَزْدَادُ} على التسعة. يقال: غاض الماء فهو يغيض إذا نقص، وغِضْتُه. 10- {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} أي: مُتَصَرِّف في حوائجه. يقال: سَرَبَ يَسْرَب. وقال الشاعر: أَرَى كلَّ قوْمٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ... ونحنُ خلعْنَا قَيْدَهُ فهو سارِبُ (2) أي: ذاهب. 11- {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} يعني: ملائكة يعقب بعضها بعضا في الليل والنهار، إذا مضى فريق خلفَ بعده فريق. {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} أي: بأمر الله. {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} أي: وَلِيّ. مثل: قادر وقدِير. وحافظ وحفيظ. 12- {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا} للمسافر، {وَطَمَعًا} للمقيم.
13- {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} أي: الكيد والمكر. وأصل المحال: الحيلَةُ. والحولُ: الحيلة (1) . قال ذُو الرُّمَّة: وَلَيَّسَ بين أقوامٍ فكلٌّ ... أعَدَّ له الشَّغَازِبَ والمِحَالا (2) 14- {لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} أي: لا يصير في أيديهم منه إذا دعوهم إلا ما يصير في يديْ مَن قَبَضَ على الماء ليبلغَه فاه. والعرب تقول لمن طلب ما لا يجد: هو كالقابض على الماء. قال الشاعر: فإِني وإيَّاكم وشوقًا إليكم ... كقابضِ ماءٍ لَمْ تَسِقْهُ أناملُهْ (3) لم تَسِقْهُ: أي لم تحمله، والوسق: الحِمْلُ. 15- {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} أي: يستسلم وينقاد ويخضع. وقد بينت هذا في تأويل "المشكل" (4) .
17- {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} أي: على قدرها في الصغر والكبر. {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} أي: زبدًا عاليًا على الماء. {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} أي: حلى. {أَوْ مَتَاعٍ} أو آنية. يعني: أن من فِلِزِّ الأرض وجواهرها مثل الرصاص والحديد والصُّفر والذهب والفضة - خبثًا يعلوها إذا أُذِيبَتْ، مثل زبد الماء. (والجُفَاءُ) ما رَمَى به الوادي إلى جَنَبَاتِهِ. يقال: أَجْفَأَت القِدْرُ بزبدها: إذا ألْقت زبدها عنها (1) . 22- {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي يدفعون السيئة بالحسنة، كأنهم إذا سفهَ عليهم حلموا. فالسَّفَهُ سيِّئَةٌ والحِلْمُ حسنة. ونحوه {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (2) ويقال: دَرَأَ اللَّهُ عنّي شَرَّكَ: أي دفعه. فهو يَدْرَؤُه دَرْءًا. 24- {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم} أي يقولون: سلام عليكم. فحذف اختصارًا. 31- {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} أراد لكان هذا القرآن. فحذف اختصارًا (3) . {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} أي أفلم يعلم. ويقال: هي لغة للنخع. وقال الشاعر:
أَقُولُ لَهُمْ بالشِّعْب إذْ يَأْسِرُونَنِي ... أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابنُ فَارِسِ زَهْدَمِ (1) أي أَلَمْ تَعْلَمُوا. {قَارِعَةٌ} داهية تَقْرَع أو مصيبة تنزل. وأراد أن ذاك لا يزال يصيبهم من سَرَايَا رسول الله صلى الله عليه وسلم. 32- {فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي أمهلتهم وأَطَلْت لهم (2) . 33- {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} هو الله القائم على كل نفس بما كسبت يأخذها بما جنت ويثيبها بما أحسنت. وقد بينت [معنى] القيام في مثل هذا في كتاب "المشكل" (3) . 38- {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} أي وقت قد كُتِب. 39- {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ} أي ينسخ من القرآن ما يشاء. {وَيُثْبِتُ} أي يدعه ثابتًا فلا ينسخهُ، وهو المُحْكَمُ (4) . {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي جُمْلَتُهُ وأصلُه.
وفي رواية أبي صالح: أنه يمحو من كتب الحفظة ما تكلم به الإنسان مما ليس له ولا عليه، ويثبت ما عليه وما له. 41- {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} أي بموت العلماء والعُبَّاد (1) ، ويقال: بالفتوح على المسلمين. كأنه ينقص المشركين مما في أيديهم (2) . {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} أي لا يَتَعَقَّبُه أحدٌ بتغيير ولا نقص (3) .
سورة إبراهيم
سورة إبراهيم مكية كلها 5- {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} أي: بأيام النِّعم (1) . 7- {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} مبيَّن في سورة الأعراف (2) . 9- {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} قال أبو عبيدة: تركوا ما أمروا به، ولم يُسلِموا (3) . ولا أعلم أحدًا قال: ردَّ يدَه في فيه؛ إذا أمسك عن الشيء! والمعنى: رَدُّوا أيديهم في أفواههم، أي عضُّوا عليها حنقًا وغيظا. كما قال الشاعر: يَرُدُّونَ فِي فِيهِ عَشْر الحَسُودِ (4) يعني: أنهم يَغيظُون الحسودَ حتى يعض على أصابعه العشر، ونحوه قول الهُذَلي:
قَدَ افْنَى أَنَامِلَهُ أَزْمُهُ ... فَأَضْحَى يَعَضُّ عَلَيَّ الوَظِيفَا (1) يقول: قد أكل أصابعه حتى أفناها بالعض، فأضحى يعضُّ عليَّ وظِيفَ الذراع، وهكذا فسر هذا الحرفَ ابنُ مسعود (2) واعتبارُه قولُه عز وجل في موضع آخر: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} 15- {وَاسْتَفْتَحُوا} أي: استنصَرُوا (3) . {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} 16- {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} أي: أمامَه (4) . {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} والصديد: القيْحُ والدمُ. أي: يُسقى الصديدَ مكان الماء. كأنه قال: يُجعلُ ماؤه صديدًا. ويجوز أن يكون على التشبيه. أي يُسقَى ماءً كأنه صديدٌ. 17- {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} أي: من كل مكان من جسده. {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} (5) .
18- {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} أي: شديد الريحِ. شبه أعمالَهم بذلك: لأنه يُبطلها ويَمحَقُها. 21- {مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} أي: مَعْدِلٍ. يقال: حاصَ عن الحق يحيصُ؛ إذا زاغ وعَدَل. 22- {لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} أي: فُرِغ منه، فدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، وأهلُ النارِ النارَ (1) . 24- {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً} شهادة أن لا إله إلا الله، {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} يقال: هي النخلةُ. {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} في الأرض، {وَفَرْعُهَا} أعلاها؛ {فِي السَّمَاءِ} 25- {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} يقال: كلَّ ستةِ أشهر؛ ويقال: كلَّ سنةٍ. 26- {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} يعني: الشرك. {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} قال أنس بن مالك: هي الحَنْظَلَةُ (2) . {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ} أي: اسْتُؤْصِلَتْ وقُطعتْ. {مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} أي: فما لَها من أصل (3) . فشبَّه كلمةَ الإيمان في نفعها وفضلها؛ بالنخلة: في عُلُوِّها وثباتها وحملها. وشبَّه كلمة الشرك، بحنظلةٍ قطعتْ: فلا أصلَ لها في الأرض، ولا فرع لها في السماء، ولا حَمْلَ.
28- {دَارَ الْبَوَارِ} دارَ الهلاك. وهي: جهنم. 31- {وَلا خِلالٌ} مصدر "خَالَلْتُ فلانًا خلالا ومُخَالَّةً" والاسم الخُلة، وهي: الصداقة (1) . 35- {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ} أي: اجنُبْني وإيَّاهُمْ (2) . 36- {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} أي: ضَل بهن كثيرٌ من الناس. 37- {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} أي: تنزعُ إليهم. 43- {مُهْطِعِينَ} أي: مسرعين. يقال: أهْطَعَ البعير في سَيْره واسْتَهْطَعَ؛ إذا أَسْرَعَ. {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} والمُقْنِع رأسه: الذي رفعه وأقبل بطرفه على ما بين يديه. والإقناعُ في الصلاة هو من إتمامها. {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} أي: نظرُهم إلى شيء واحد. {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} يقال: لا تَعِي شيئًا من الخير (3) . ونحوه قول الشاعر في وصف الظَّلِيم:
.. جُؤْجُؤُهُ هَوَاء (1) أي: ليس لِعَظْمِهِ مُخٌّ ولا فيه شيء. ويقال: أفئدتهم هواء مَنْخُوبَةٌ من الخوف والجبن. 49- {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} أي: قد قُرن بعضُهم إلى بعض في الأغلال. واحدها: صَفد (2) . 50- {سَرَابِيلُهُمْ} أي: قُمُصُهم. واحدها: سِرْبَال (3) . {مِنْ قَطِرَانٍ} (4) . ومن قرأ: "مِنْ قَطْرٍ آنٍ" أراد: نحاسًا قد بلغ منتهى حرِّه (5) أنَى فهو آنٍ.
سورة الحجر
سورة الحجر مكية كلها (1) 4- {إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} أي: أجل مؤقت. 7- {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ} أي: هلا تأتينا بالملائكة. و "لولا" مثلها أيضا: إذا لم يكن يحتاج [إلى جواب. وقد ذكرناها في المشكل] (2) . 10- {فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ} أي: أصحابِهم (3) . 13- {لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} أي: تقدمتْ سيرةُ الأولين في تكذيب الأنبياء (4) . 14- {فِيهِ يَعْرُجُونَ} أي: يَصْعَدُون. يقال: عرج إلى السماء؛ أي صعد. ومنه تقول العامة: عُرج بروح فلان. والمعارجُ: الدَّرَج. 15- {سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} غُشِيَتْ. ومنه يقال: سُكِرَ النهر؛ إذا سُدَّ. والسِّكْرُ: اسم ما سَكَرْتَ [به] . وسُكْرُ الشَّرابِ منه، إنما هو الغطاءُ على العقل والعين.
وقرأ الحسن: سُكِرَتْ - بالتخفيف - وقال: سُحِرَتْ (1) . والعامة تقول في مثل هذا: فلان يأخذ بالعين. 16- {جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} يقال: هي اثنا عشر برجًا (2) . وأصل البرج: القصر والحِصْنُ. 17-18- {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} يقول: حفظناها من أن يصل إليها شيطان، أو يعلمَ من أمرها شيئًا إلا استراقا، ثم يتبعه {شِهَابٌ مُبِينٌ} أي كوكب مضيء. 19- {مَوْزُونٍ} مقدَّر. كأنه وُزِنَ. 20- {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} مثل الوحش والطير والسباع. وأشباه ذلك: مما لا يرزقه ابن آدم. 22- {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} قال أبو عبيدة: "لواقح" إنما هي ملاقحُ، جمع ملقحة (3) . يريد أنها تلقح الشجر وتلقح السحاب. كأنها تنتجه. ولست أدري ما اضطره إلى هذا التفسير بهذا الاستكراه. وهو يجد العرب تسمي الرياح لواقح، والريح لاقحًا. قال الطِّرِمَّاح وذكر بُرْدًا مدَّه على أصحابه في الشمس يستظلون به: قَلِقٌ لأفْنَانِ الرِّيَا ... حِ لِلاقِحٍ مِنْهَا وَحَائِلْ (4)
فاللاقح: الجنوب (1) . والحائل: الشمال. ويسمون الشمال أيضا: عقيما. والعقيم التي لا تحمل. كما سموا الجنوب لاقحا. قال كُثَيِّر: وَمَرُّ بِسِفْسَافِ التّرَابِ عَقِيمُهَا (2) يعني الشمال، وإنما جعلوا الريح لاقحًا - أي حاملا - لأنها تحمل السحاب وتقلبه وتصَرِّفه، ثم تحمله فينزل. [فهي] على هذا الحاملُ. وقال أبو وَجْزَةَ يذكر حميرًا وَرَدَتْ [ماء] : حَتَّى رَعَيْنَ الشَّوَى مِنْهُنّ في مَسَكٍ ... مِنْ نَسْلِ جَوَّبَةِ الآفَاقِ مِهْدَاجِ (3) ويروى: "سلكن الشوى"؛ أي: أدخلن قوائمهن في الماء حتى صار الماء لها كالمَسَك. وهي الأسورة. ثم ذكر أن الماء من نَسْل ريح تَجُوب البلاد (4) . فجعل الماء للريح كالولد: لأنها حملته وهو سحاب وحلّته. ومما يوضح هذا قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا} (5) أي: حملت (6) . 26- (الصَّلْصَالُ) : الطين اليابس لم تصبه نار. فإذا نقرته صوَّتَ (7) فإذا
مسته النار فهو فَخَّار. ومنه قيل للحمار: مُصَلْصِل. قال الأعشى: كَعَدْوِ المُصَلْصِلِ الجَوَّالِ (1) ويقال: سمعت صَلْصَلَة اللجام؛ إذا سمعت صوت حِلَقِه. {مِنْ حَمَإٍ} جمع حَمْأَة. وتقديرها: حَلْقَة وَحَلَق. وبَكَرَةُ الدَّلْو وبَكَر. وهذا جمع قليل. و (الْمَسْنُونُ) المتغير الرائحة. وقوله: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} في قول بعض أصحاب اللغة منه. وقد ذكرناه في سورة البقرة (2) . و (المسنونُ) [أيضا] : المصبوبُ. يقال: سننت الشيء؛ إذا صببته صبًّا سهلا. وسُنَّ الماء على وجهك. 47- (الْغِلُّ) : العداوة والشحناء. 55- {فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} أي: اليائسين. 66- {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ} أخبرناه. 70- {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} أي: [أو] لم ننْهك [عن] أن تضيف أحدًا (3) ؟! وكانوا نَهَوْه عن ذلك.
75- {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} المتَفَرِّسين. يقال: توسمتُ في فلان الخير؛ أي: تبينته. 79- {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} أي: لبطريق واضح بين (1) . وقيل للطريق: إمامٌ؛ لأن المسافر يأتم به، حتى يصير إلى الموضع الذي يريده. 82- {وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ} يريد: أمنوا أن تقع عليهم. 88- {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} أي: أصنافا منهم. 90- {الْمُقْتَسِمِينَ} قوم تحالفوا على عَضْهِ النبي صلى الله عليه وسلم (2) وأن يذيعوا ذلك بكل طريق، ويخبروا به النزاع إليهم. 91- {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} (3) أي: فرَّقوه وعَضُّوه. قال رُؤْبة: ولَيْسَ دينُ اللَّهِ بِالْمُعَضَّى (4) ويقال: فرَّقُوا القول فيه. فقالوا: شعر. وقالوا: سِحر. وقالوا: كهانة. وقالوا: أساطير الأولين (5) .
وقال عِكْرَمة (1) العَضْهُ: السحر، بلسان قريش. يقولون للساحرة: عاضِهَةٌ. وفي [الحديث] : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة" (2) . 94- {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أي: أظهر ذلك. وأصله الفَرْق والفتحُ. يريد: اصدع الباطلَ بحقِّك. 99- {حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} أي: الموت.
سورة النحل
سورة النحل مكية كلها (1) 1- {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} يعني القيامة (2) . أي هي قريب فلا تستعجلوا. وأتى بمعنى يأتي (3) . وهذا كما يقال: أتاك الخير فأبشر. أي سيأتيك. 2- {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي: بالوحي. 5- {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} (الدِّفْءُ) : ما استدفأت به. يريد ما يتخذ من أوبارها من الأكْسِيَةِ والأخْبِيَة وغير ذلك. 6- {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ} إذا راحت عِظَامَ الضرُوع والأسْنِمة، فقيل: هذا مال فلان (4) . {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} بالغداة. ويقال: سَرَحَت الإبل بالغداة وسَرَّحتها (5) . 7- {بِشِقِّ الأَنْفُسِ} أي بمشقة. يقال: نحن بِشِقٍّ من العيش، أي بجهد. وفي حديث أمّ زَرْع: "وجدني في أهل غُنَيْمَةٍ بِشِقّ" (6) .
9- {وَمِنْهَا جَائِرٌ} أي: من الطرق جائر لا يهتدون فيه. والجائرُ: العادِلُ عن القصد (1) . 10- {مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ} يعني المرعى. قال عِكْرِمَة: لا تأكل ثمرَ الشجر فإنه سُحْت. يعني الكلأ. {فِيهِ تُسِيمُونَ} أي تَرْعَون. يقال: أَسَمْتُ إبلي فسَامَت. ومنه قيل لكل ما رعى من الأنعام: سائمة، كما يقال: رَاعِيَة. 14- {وَتَرَى الْفُلْكَ} السفن. {مَوَاخِرَ فِيهِ} أي: جَوَارِيَ تَشُقُّ الماء. يقال: مَخَرَت السفينة. ومنه مَخْرُ الأرض، إنما هو شقُّ الماء لها. 15- {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} أي: جبالا ثوابت لا تبرح. وكل شيء ثَبَتَ فقد رسا. {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي: لئلا تميد بكم الأرض. والميد: الحركة والميل. ومنه يقال: فلان يَمِيدُ في مشيته: إذا تَكَفَّأ (2) . 21- {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي: متى يبعثون. 26- {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} أي: من الأساس. وهذا مثل. أي أهلكهم كما أهلك من هدم مسكنه من أسفله فخرَّ عليه.
28- {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} أي: انقادوا واستسلموا. والسلم: الاستسلام. 44- {بِالْبَيِّنَتِ وَالزُّبُرِ} الكتب. جمع زبور. 47- {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} أي: على تَنَقُّص. ومثله: التَّخَوُّن، يقال: تَخَوَّفته الدهور وتخوَّنته، إذا نقصته وأخذت من ماله أو جسمه. 48- {يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} أي: تدور ظلاله وترجع من جانب إلى جانب. والْفَيْءُ: الرّجوع. ومنه قيل للظل بالعَشِيّ: فَيْءٌ، لأنه فَاءَ عن المغرب إلى المشرق. {سُجَّدًا لِلَّهِ} أي مُسْتَسْلِمَة منقادة. وقد بينت هذا في كتاب "المشكل " (1) {وَهُمْ دَاخِرُونَ} أي: صاغرون. يقال: دخر لله (2) . 52- {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} أي: دائما (3) . والدين: الطاعة. يريد: أنه ليس من أَحَدٍ يُدَانُ له ويطاع إلا انقطع ذلك عنه بزوال أو هلكة، غير الله. فإن الطاعة تدوم له. 53- {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} أي: تضجُّون بالدعاء وبالمسألة. يقال: جَأَرَ الثور يَجْأَر. و {الضُّرُّ} البلاء والمصيبة.
56- {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} (1) هذا ما كانوا يجعلونه لآلهتهم من الحظ في زروعهم وأنعامهم. وقد ذكرناه في سورة الأنعام (2) . 57- {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ} (3) . أي تنزيها له عن ذلك. {وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} يعني البنين. 58- {وَهُوَ كَظِيمٌ} أي حزين قد كَظَم فلا يشكو ما به. 59- {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} أي على هَوَان. {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أي يَئِدُه. 60- {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} شهادةُ أن لا إله إلا هو. 62- {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} من البنات. {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} أي الجنة. ويقال: البنين. {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} أي معجلون إلى النار (4) . يقال: فَرَطَ مني ما لم أحسبه.
أي سبق. والفارِط: المتقدِّم إلى الماء لإصلاح الأَرْشِيَةِ والدِّلاء حتى يَرِدَ القوم. وأَفْرَطْتُه: أي قدّمته. 66- {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} ذهب إلى النَّعَم. والنّعم تؤنث وتذكر (1) و (الْفَرْثُ) ما في الكَرِش. وقوله: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا} لأن اللبن كان طعامًا فخلص من ذلك الطعام دم، وبقي منه فَرْثٌ في الكرش، وخلص من الدم لبن. {سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} أي: سهلا في الشراب لا يَشْجَى به شاربه ولا يَغَصّ. 67- {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} أي: خمرًا. ونزل هذا قبل تحريم الخمر (2) . {وَرِزْقًا حَسَنًا} يعني: التمر والزبيب. وقال أبو عبيدة: السَّكَرُ: الطُّعم (3) . ولست أعرف هذا في التفسير. 68- {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [أي: ألهمها. وقيل:] سخَّرها. وقد بيَّنت في كتاب "المشكل" أنه قد يكون كلاما وإشارة وتسخيرًا (4) .
{وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} كل شيء عُرِشَ من كَرْم أو نبات أو سقف: فهو عَرْش ومَعْرُوش. {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} أي: من الثمرات. وكلّ هاهنا ليس على العموم. ومثل هذا قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (1) . 69- {فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا} أي: منقادة بالتَّسْخِير. وذُلُل: جمع ذَلُول. 70- {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} وهو الهَرَم؛ لأن الهرم أسوأ العمر وشرّه. {لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} أي: حتى لا يعلم بعد علمه بالأمور شيئا لشدة هرمه. 71- {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} يعني: فضّل السادة على المماليك. {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} يعني: السادة. {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} أي: لا يجعلون أموالهم لعبيدهم حتى يكونوا والعبيد فيها سواء (2) . وهذا مَثَل ضربه الله لمن جعل له شركاء من خلقه. 72- {بَنِينَ وَحَفَدَةً} الحفدة: الخدم والأعوان. ويقال: هم بنون وخدم. ويقال: الحفدة الأصهار. وأصل الحَفْد: مُدَارَكَةُ الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة. ومنه
يقال في دعاء الوِتْر: وإليك نَسْعَى ونَحْفِد (1) . 73- وقوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا} نَصَبَ شيئًا بإيقاع رزق عليه (2) . أي: يعبدون ما لا يملك أن يرزقهم شيئًا. كما تقول: هو يخدم من لا يستطيع إعطاءه درهما. 76- {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} أي: ثِقْلٌ على مولاه. أي على وليه وقرابته. مَثَل ضربه لمن جعل شريكًا له في خلقه (3) . {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} مَثَل ضربه لنفسه. 80- {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا} يعني قِبَابَ الأَدَمِ وغيرها. {تَسْتَخِفُّونَهَا} في الحَمْل. {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} يوم سفركم {وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} و (الأثاث) : متاع البيت من الفُرِش والأَكْسِيَة. قال أبو زيد: واحد الأثاث: أثَاثَة (4) .
81- {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا} أي ظلال الشجر والجبال. و (السَّرَابِيلُ) : القُمُص. {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أراد تقيكم الحر والبرد. فاكتفى بذكر أحدهما إذا كان يدل على الآخر. كذلك قال الفرَّاء. {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} يعني الدُّرُوع تقيكم بأس الحرب (1) . 83- {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ} أي يعلمون أن هذا كله من عنده، ثم ينكرون ذلك، بأن يقولوا: هو شفاعة آلهتنا (2) . 92- (الأنكاث) : ما نقض من غزل الشعر وغيره. واحدها نِكْث، يقول: لا تؤكدوا على أنفسكم الأيْمان والعهود ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت، ثم نقضت ذلك النسج فجعلته أنكاثا (3) . {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ} أي: دَخَلا وخيانة (4) . {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ} أي: فريق منكم. {أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي: أغنى من فريق. 100- {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} لم يرد أنهم بإبليس كافرون. ولو كان هذا كذا كانوا مؤمنين. وإنما أراد
الذين هم من أجله مشركون بالله. وهذا كما يقال: سار فلان بك عالمًا، أي سار من أجلك. 101- {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} أي: نَسخْنا آية بآية. 103- {يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} أي يميلون إليه ويزعمون أنه يُعلِّمك. وأصل الإلحاد: الميل. 106- {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي فتح له صدرًا بالقبول. 111- {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} أي يأتي كل إنسان يجادل عن نفسه [غدا] . 112- {رَغَدًا} كثيرًا واسعًا. 118- {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} يعني: اليهود. 120- {كَانَ أُمَّةً} أي معلما للخير يقال: فلان أمة. وقد بينت هذا في كتاب "المشكل" (1) . {قَانِتًا لِلَّهِ} أي مطيعًا. 121- {شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ} جمع نُعْمٍ. يقال: يوم نُعْمٍ ويوم بُؤْس، ويُجمع أَنْعُم وأَبْؤُس. وليس قول من قال: إنه جمع نِعْمة بشيء؛ لأن فِعْلَة لا يجمع على أَفْعُل (2) . 127- {وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ} تخفيف ضَيِّق. مثل: هَيْنٍ ولَيْنٍ. وهو إذا
كان على هذا التأويل صِفَةٌ. كأنه قال: لا تك في أمر ضَيِّق من مكرهم. ويقال: إن "ضَيْق" و " ضِيق" بمعنى واحد. كما يقال: رَطْلٌ ورِطْلٌ. ويقال: أنا في ضِيقٍ وضِيقَة. وهو أعجب إليَّ.
سورة بني إسرائيل
سورة بني إسرائيل مكية كلها 4- {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أخبرناهم. 5- {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} أي عاثوا بين الديار وأفسدوا؛ يقال: جَاسوا وحَاسوا. فهم يَجُوسون وَيَحُوسُون. 6- {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ} أي الدَّوْلَة. {أَكْثَرَ نَفِيرًا} أي أكثر عددًا. وأصله: مَنْ يَنْفِرُ مع الرجل من عشيرته وأهل بيته. والنَّفِيرُ والنَّافرُ واحد. كما يقال: قَدِير وقَادِر (1) . 7- {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} يعني من المَرَّتَين. {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} من السَّوْء. {وَلِيُتَبِّرُوا} أي ليدمِّروا ويخرِّبوا. 8- {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} أي مَحْبِسًا (2) . من حَصَرْتُ الشيء: إذا حبسته. فَعِيل بمعنى فاعل. 11- {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} أي يدعو على نفسه وعلى خادمه وعلى مَالِه، بما لو استُجيب له فيه، هلك. {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا} أي يَعْجَلُ عند الغضب. والله لا يعجل بإجابته.
12- {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} يعني مَحْوَ القمر. {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} أي مُبْصَرًا بها. وقد ذكرت هذا وأمثاله في "المشكل" (1) . 13- {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} قال أبو عُبَيْدَة: حظَّهُ. وقال المفسّرون: ما عمل من خير أو شر ألزمناه عنقه (2) . وهذان التفسيران يحتاجان إلى تبيين. والمعنى فيما أرى- والله أعلم -: أن لكل امرئ حظًّا من الخير والشر قد قضاه الله عليه. فهو لازم عنقه. والعرب تقول لكل ما لزم الإنسانَ: قد لزم عنقه. وهو لازم صَلِيفَ عُنُقه (3) . وهذا لك عليَّ وفي عنقي حتى أخرج منه. وإنما قيل للحظ من الخير والشر: طائر؛ لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر؛ على طريق الفأل والطِّيَرة، وعلى مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببًا. فخاطبهم الله بما يستعملون، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر، هو مُلْزِمُه أعناقَهم. ونحوه قوله: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} (4) وكان الحسن وأبو رجاء ومجاهد يقرؤون: (وكل إنسان ألزمناه طيره في عنقه) بلا ألف. والمعنيان جميعًا سواء؛ لأن العرب تقول: جَرَت له طَيْرُ الشمال. فالطَّيْرُ الجماعة، والطائر واحد. وقوله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} أي نخرج بذلك العمل كتابا. ومن قرأ "ويخرج له يوم القيامة كتابا" أراد: ويخرج ذلك العملُ كتابا.
14- {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} أي كافيًا. ويقال: حاسبًا ومُحَاسبًا. 16- {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أي أكْثَرْنَا مُتْرَفِيهَا. يقال: أَمَّرْتُ الشيءَ وأمَرْتُه، أي كثَّرته. تقدير فَعَّلت وأَفْعَلْت، ومنه قولهم: مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ (1) أي كثيرة النِّتاج. ويقال: أَمِرَ بنو فلان يأمرون أمرًا؛ إذا كثروا. وبعض المفسرين يذهب إلى أنه من الأمْر. يقول: نأمرهم بالطاعة ونفرض عليهم الفرائض، فإذا فسقوا حقَّ عليهم القول، أي وَجَب. ومن قرأ (أَمَّرْنَا) فهو من الإمارة. أي جعلناهم أُمراء. وقرأ أقوام (آمَرْنَا) بالمد. وهي اللغة العالية المشهورة. أي كَثَّرْنا. 23- {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} أي أمر ربك (2) . 25- (الأوَّابُ) : التائب مرة بعد مرة. وكذلك التَّوَّاب، وهو من آب يَؤُوب، أي رجَع. 28- {قَوْلا مَيْسُورًا} أي لَيِّنا.
29- {مَحْسُورًا} أي تَحْسِرُكَ العطيةُ وتقطعك، كما يَحْسِرُ السفر البعير فيبقى منقطعًا. يقال: حسَرت الرجلَ فأنا أَحْسِرُه، وحسِر فهو يحسِر. 30- {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} يوسِّع عليه. {وَيَقْدِرُ} أي يضيِّق عليه. (فَلا تُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) (1) أي: لا تُمَثِّلْ إذا قتلت بالقَوَد، ولا تقتل غير قاتلك. 34- {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} أي: يتناهَى في الثَّبَات إلى حدّ الرجال. ويقال: ذلك ثمانية عشر سنة. وأَشُدُّ اليتيم غير أَشُدِّ الرجل في قول الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} (2) وإن كان اللفظان واحدًا؛ لأن أشُدَّ الرجل: الاكتهال والحُنْكَةُ وأن يشتد رأيُه وعقله. وذلك ثلاثون سنة، ويقال: ثمان وثلاثون سنة. وأشدُّ الغلام: أن يشتد خَلْقُه، ويتناهى ثَبَاتُه. 35- {بِالْقِسْطَاسِ} الميزان، يقال: هو بلسان الروم (3) . وفيه لغة أخرى: (قُسْطَاس) بضم القاف. وقد قرِئ باللغتين جميعًا (4) . {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} أي أحسن عاقبة. 36- {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي: لا تتبعه الحدْسَ والظُّنُون ثم تقول: رأيتُ ولم تر، وسمعتُ ولم تسمع، وعلمتُ ولم تعلم (5) .
وهو مأخوذ من القفاء كأنك تقفو الأمور، أي تكون في أَقْفَائِها وأواخرها تتعقبها. يقال: قَفَوْتُ أثرَه. والقَائِف: الذي يعرف الآثار ويتبعها. وكأنه مَقْلوب عن القافي. 37- {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} أي: بالكبر والفخر. {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} أي: لا تقدر أن تقطعها حتى تبلغ آخرها. يقال: فلان أخْرَقُ للأرض من فلان، إذا كان أكثر أسْفارا وعَزْوًا. {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} يريد: أنه ليس للفاجر أن يَبْذَخَ (1) ويستكبر. 39- {مَدْحُورًا} مَقْصِيًّا مُبْعَدًا، يقال: اللهم ادْحَر الشيطان عني (2) . 40- {وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا} كانوا يقولون: الملائكة بنات الله. 42- {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا} يقول: لو كان الأمر كما تقولون لابتغى من تدعونه إلها، التَّقَرُّبَ إلى الله؛ لأنه ربّ كل مَدْعُوّ. ويقال: لابتغوا سبيلا أي طريقا للوصول إليه. 46- {أَكِنَّةً} جمع كِنَان. مثل غِطاء وأغطية. 47- {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} أي: مُتَنَاجون: يُسَارُّ بعضهم بعضا. {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} قال أبو عبيدة: يريدون
بشرا ذا سَحْرٍ، أي ذا رِئَةٍ (1) ولست أدري ما اضطره إلى هذا التفسير المستكره؟ . وقد سبق التفسير من السلف بما لا استكراه فيه. قال مُجَاهد في قوله: {إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} أي مَخْدُوعًا؛ لأن السحر حيلة وخديعة. وقالوا في قوله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (2) أي من أين تخدَعون؟ و {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} (3) أي من المُعَلَّلِينَ (4) . وقال امرؤ القيس: ونُسْحَرُ بالطَّعام وبالشرابِ (5) أي نُعَلَّل، فكأنا نخدع. وقال لَبِيد: فإن تسألينا: فيمَ نحن? فإنَّنا ... عصافيرُ من هذا الأنام المُسَحَّرِ (6) أي المُعَلَّل. والناس يقولون: سحرْتني بكلامك. يريدون خدعتني. وقوله: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} (7) يدل على هذا التأويل لأنهم لو أرادوا رجلا ذا رِئَةٍ، لم يكن في ذلك مَثَلٌ ضربوه. ولكنهم لما أرادوا رجلا مَخْدُوعًا – كأنه بالخديعة سُحِر – كان مثلا ضربوه، وتشبيها شبّهوه. وكأن المشركين ذهبوا إلى أن قومًا يعلِّمونه ويخدعونه. وقال الله في موضع آخر حكاية
عنهم: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} (1) وقول فرعون: {إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} (2) لا يجوز أن يكون أراد به: إني لأظنك إنسانًا ذا رِئَةٍ؛ وإنما أراد: إني لأَظنك مَخْدُوعًا. (والرُّفَاتُ) : مَا رُفِتَ (3) . وهو مثل الفُتَات. 51- {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} أي يحركونها كما يحرك اليائسُ من الشيء المستبعدُ له رأسَه. يقال: نَغَضَتْ سِنُّهُ؛ إذا تحركت. ويقال للظليم: نَغْضٌ؛ لأنه يحرِّك رأسَه إذا عدا. 57- {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} يعني الذين يعبدون من دونه ويَدْعُونَهم آلهة، يعني الملائكة، وكانوا يعبدونها. {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} أي القُرْبة. 58- {مَسْطُورًا} أي مكتوبا. يقال: سَطَرَ؛ أي كتب. 59- {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} أي آتينا ثمود آية – وهي الناقة – مبصرة، أي بيِّنة، يريد مُبْصَرًا بها. كما قال: {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} (4) . {فَظَلَمُوا بِهَا} أي كذبوا بها. وقد بينت الظلم ووجوهه في كتاب "المشكل" (5) . {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ} أي وما نرسل الرسلَ بالآيات.
60- {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} يعني ما رآه ليلة الإسراء. {إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} يقول: فُتِنَ أقوامٌ بها، فقالوا: كيف يكون يذهب هذا إلى بيت المقدس ويرجع في ليلة؟ فارتدوا؛ وزاد اللَّه في بصائر قوم منهم أبو بكر رحمه الله، وبه سُمِّيَ صِدِّيقًا. {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} يعني شجرة الزَّقُّوم. 62- {هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} أي فضَّلت. {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} لأَستأصلنَّهم. يقال: احْتَنَكَ الجرادُ ما على الأرض كلَّه؛ إذا أكله كلَّه. واحْتَنكَ فلانٌ ما عند فلان من العلم: إذا استقصاه، ويقال: هو من حَنَكَ دابَّتَهُ يَحْنُكُها حَنْكًا: إذا شد في حَنَكِها الأسفل حبلا يقودها به. أي لأَقُودَنَّهم كيف شئتُ. 63- {جَزَاءً مَوْفُورًا} أي مُوَفَّرًا. يقال: وفَّرْت عليه ماله ووَفَرْتُه: بالتخفيف والتشديد. 64- {وَاسْتَفْزِزْ} أي اسْتَخِفَّ. ومنه يقال: استَفزَّني فلان. و (الرَّجِلُ) الرَّجَّالة. يقال: رَاجِلٌ ورَجْل. مثل تاجر وتَجْرٌ، وصاحب وصَحْبٌ. {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ} بالنَّفقة في المعاصي؛ {وَ} في {الأَوْلاد} بالزنا. 66- {يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} أي يسيرها. قال الشاعر: فتى يُزْجي المطِيَّ على وَجَاها
68- (الحَاصِبُ) الريح. سميت بذلك: لأنها تَحْصب، أي ترمي بالحصباء، وهي: الحصى الصغار. 69- و (الْقَاصِفُ) الريح التي تقصف الشجر، أي تكسره. {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} أي مَنْ يَتْبَعُنا بدمائكم، أي يطالبنا. ومنه قوله: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (1) أي مطالبةٌ جميلة. 71- {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَمِهِمْ} أي بكتابهم الذي فيه أعمالهم (2) ، على قول الحسن. وقال ابن عباس – في رواية أبي صالح -: برئيسهم. {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} والفَتِيلُ: ما في شِقِّ النّواة. 73- {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} أي يَسْتَزِلُّونَك. {لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} لتختلق غيره. {وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا} أي لو فعلت ذاك لَوَدُّوك. 75- {ضِعْفَ الْحَيَاةِ} أي ضِعف عذاب الحياة. {وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أي ضِعف عذاب الممات. 76- {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ} أي بَعْدَك. 78- {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} غروبها. ويقال: زوالها. والأول أحب إليَّ؛ لأن العرب تقول: دَلَكَ النجم؛ إذا غاب. قال ذو الرُّمَّة:
مَصَابيحُ لَيْسَتْ بالَّلوَاتي تَقُودُها ... نُجُومٌ ولا بالآفلاتِ الدَّوَالكِ (1) وتقول في الشمس: دَلَكَت بَرَاحِ (2) يريدون غربت. والناظر قد وضع كفه على حاجبه ينظر إليها. قال الشاعر: والشمس قد كادت تكون دَنَفًا ... أَدْفَعُها بالرَّاح كَيْ تَزَحْلَفَا (3) فشبهها بالمريض في الدَّنَف، لأنها قد همَّت بالغروب. كما قارب الدَّنِف الموت. وإنما ينظر إليها من تحت الكف، ليعلم كم بقي لها إلى أن تغيب ويتوقى الشعاع بكفه. و {غَسَقِ اللَّيْلِ} ظلامه. و {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أي قراءة الفجر. 79- {فَتَهَجَّدْ بِهِ} أي اسْهَرْ به. يقال: تهجَّدت: إذا سهرت. وهَجَدْت: إذا نمت. {نَافِلَةً لَكَ} أي تطوعا. 83- {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي تَبَاعَد. {كَانَ يَئُوسًا} أي قانطًا يائسًا. 84- {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} أي على خَلِيقَتِه وطبيعته. وهو من الشَّكل، يقال: لست على شَكْلي ولا شاكِلَتِي.
88- {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} أي عَوْنًا. 89- {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} أي وجهنا القول فيه بكل مثل. وهو من قولك: صَرَفْت إليك كذا؛ أي عَدَلْت به إليك. وشُدّد ذلك للتكثير. كما يقال: فُتِّحت الأبواب. 90- {يَنْبُوعًا} أي عينا وهو مَفْعُولٌ من نَبَعَ يَنْبَعُ. ومنه يقال لمالِ علي رحمه الله: يَنْبُع (1) . 92- {كِسَفًا} أي قِطَعًا. الواحد: كِسْفَةٌ. {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} أي ضَمِينا. يقال: قبلت به أي كفلت به. وقال أبو عبيدة: مُعَايَنَةً. ذهب إلى المقابلة (2) . 93- {بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} أي من ذَهَب (3) . 97- {كُلَّمَا خَبَتْ} أي سكنت يقال: خَبَت النار - إذا سكن لهبها – تَخْبُو. فإن سكن اللهب ولم يطفأ الجمر، قلت: خَمَدت تَخْمُدُ خُمُودًا. فإن طفئت ولم يبق منها شيء، قيل: هَمَدَت تَهْمِد هُمُودًا. {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} أي نارًا تَتَسَعَّر، أي تَتَلَهَّب. 100- {وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا} أي ضَيِّقًا بخيلا. 102- {وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} أي مهلَكا. والثُّبُور: الهَلَكَة.
وفي رواية الكلبي: إني لأعلَمُك يا فرعون مَلْعونا (1) . 103- {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ} أي يَسْتَخِفَّهُمْ حتى يخرجوا. 104- {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} أي جميعًا (2) . 110- {وَلا تُخَافِتْ بِهَا} أي لا تخفها. {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} أي بين الجهر وبين الإخفاء طريقا قَصْدًا وَسَطًا. وَالتَّرْتِيلُ (3) في القراءة: التَّبْيِين لها. كأنّه يَفْصِل بين الحرف والحرف، ومنه قيل: ثَغْرٌ رَتَلٌ ورَتِل؛ إذا كان مُفَلَّجًا. يقال: كلام رَتِلٌ، أي مُرَتَّل؛ وثَغْرٌ رَتِلٌ، يعني إذا كان مستوى النبات (4) ؛ ورجل رِتل – بالكسر – بَيِّنُ الرَّتَل: إذا كان مُفَلَّجَ الأسنان.
سورة الكهف
سورة الكهف مكية كلها 1- {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا} مُقَدَّم ومؤخَّر. أراد: أنزل الكتاب قيِّمًا ولم يجعل له عِوَجًا (1) . 2- {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} أي لينذر ببأس شديد؛ أي عذاب. 6- {بَاخِعٌ نَفْسَكَ} أي قاتل نفسك ومهلك نفسك. قال ذو الرُّمَّة: ألا أيها البَاخِعُ الوجْدُ نَفْسَهُ ... لشيءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ المَقَادِرُ (2) {أَسَفًا} حُزْنًا. 8- (الصَّعِيد) المُسْتَوي. ويقال: وجه الأرض. ومنه قيل للتراب: صعيد؛ لأنه وجه الأرض. و (الْجُرُزُ) التي لا تُنْبِتُ شيئًا. يقال: أرض جُرُز وأَرَضُون أَجْرَاز. 9- {أَمْ حَسِبْتَ} أي أحسبت. و {الرَّقِيم} لوح كتب فيه خبر أصحاب الكهف، ونصب على باب الكهف. والرَّقِيمُ: الكِتاب. وهو فَعِيل بمعنى مَفْعُول. ومنه: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} (3) أي مكتوب.
11- {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} أي أَنَمْنَاهُم. ومثله قول أبي ذَرّ: قد ضرب الله على أصْمِخَتِهِمْ (1) . (وَالأَمَدُ) الغاية. 14- {رَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي ألهمناهم الصبرَ وثَبَّتْنَا قلوبَهم. {شَطَطًا} أي غُلُوا. يقال: قد أشَطَّ عليَّ: إذا غلا في القول. 16- {مِرْفَقًا} ما يُرْتَفَقُ به. 17- {تَزَاوَرُ} تَمِيل. {تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} تعدل عنهم وتُجَاوِزُهُم. قال ذو الرُّمَّة: إلى ظُعُنٍ يَقْرِضْنَ أَجْوَازَ مُشْرِفٍ ... شِمَالا وعَنْ أَيْمَانِهِنَّ الفَوَارِسُ (2) {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ} أي متسع وجمعها فَجَوَات وفِجَاءٌ. ويقال: في مَقْنَأَةٍ (3) والتفسير الأول أشبه بكلام العرب. و (الْوَصِيدُ) الفِناء. ويقال: عتبة الباب. وهذا أعجب إليَّ؛ لأنهم يقولون: أَوْصِد بابَك. أي أغلقه. ومنه {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} (4) أي مُطْبَقَة مُغْلَقَة. وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إذا أغلقته. ومما يوضح هذا: أنك إن جعلتَ الكلبَ بالفِناءِ كان خارجًا من الكهف. وإن جعلته بعتبة الباب أمكن أن
يكون داخل الكهف. والكهف وإن لم يكن له باب وعتبة – فإنما أراد أن الكلب منه بموضع العتبة من البيت، فاستعير على ما أعلمتك من مذاهب العرب في كتاب "المشكل" (1) . وقد يكون الوصيد الباب نفسه، فهو على هذا كأنه قال: وكلبهم باسط ذراعيه بالباب. قال الشاعر: بأرضِ فَضَاءٍ لا يُسَدَّ وَصِيدُها ... عليَّ ومعروفي بها غير مُنْكَرِ (2) 19- {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ} أحييناهم من هذه النَّوْمة التي تشبه الموت. (الْوَرِقُ) الفِضّة دراهم كانت أو غير دراهم. يدلك على ذلك أن عَرْفَجَةَ بن أسعد أصيبت أنفه يوم الكُلاب فاتخذ أنفًا من ورِق فأَنْتَنَ عليه (3) - أي من فضة – فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفًا من ذهب. {أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} يجوز أن يكون أكثر، ويجوز أن يكون أجود، ويجوز أن يكون أرخص. والله أعلم. وأصل الزكاء: النَّماء والزيادة. {وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} أي لا يُعْلمنّ. ومنه يقال: ما أشعر بكذا. وليت شعري. ومنه قيل: شاعر، لِفِطْنَتِه. 20- {يَرْجُمُوكُمْ} يقتلوكم. وقد تقدم هذا (4) . 21- {أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} أي أظهرنا عليهم وأطْلَعْنا، ومنه يقال: ما عثرت على فلان بِسُوء قط.
{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} يعني المُطَاعِين والرؤساء. 22- {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} أي ظنا غير يقين. 25- {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} ولم يقل: سنة. كأنه قال: ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة. ثم قال: سنين. أي ليست شهورا ولا أياما. ولم يخرج مخرج ثلاثمائة درهم. وروى ابن فضيل عن الأجلح، عن الضّحاك، قال: نزلت "ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة". فقالوا: أيام أو أشهر أو سنين؟ فنزلت {سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} (1) . 26- ثم قال: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} وقد بيَّنَ لنا قبل هذا كم لَبِثوا. والمعنى أنهم اختلفوا في مدة لُبْثهم. فقال الله عز وجل: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} وأنا أعلم بما لبثوا من المختلفين (2) . {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أي ما أَبْصَرَهُ وأسمعه! . 27- {مُلْتَحَدًا} أي مَعْدِلا. وهو من أَلْحَدْتُ ولحدْتُ: إذا عَدلت. 28- {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي لا تتجاوزهم إلى زينة الحياة الدنيا. {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} أي نَدَمًا. [هذا] قول أبي عبيدة: وقول المفسرين: سَرَفًا. وأصله العَجَلَةُ والسَّبق (3) . يقال: فَرَطَ مني قول قبيح: أي سَبق. وفَرَسٌ فُرُطٌ: أي متقدم.
29- و (السُّرَادِقُ) الحجرة التي تكون حول الفسطاط. وهو دخان يحيط بالكفار يوم القيامة. وهو الظل ذو الثلاث شعب، الذي ذكره الله في سورة {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} (1) . و (المُهْل) دُرْدِيّ الزيت. ويقال: ما أُذِيبَ من النّحاس والرّصاص. {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} أي مَجْلسًا. وأصل الارتفاق: الاتكاء على المِرْفق (2) . 31- {أَسَاوِرَ} جمع: إسوار. و (السُّنْدُس) رقيق الديباج. و (الإسْتَبْرَق) ثخينه. ويقول قوم: فارسي معرب (3) ، أصله: اسْتَبْرَهَ، وهو الشديد. و {الأَرَائِكِ} السُّرُر في الحجال، واحدها أريكة. 33- {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} أي لم تنقص منه. 40- {حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} أي مَرَاميَ. واحدها: حُسْبَانَة (4) . (الصَّعِيدُ) الأملس المستوي. و (الزَّلَقُ) الذي تزل عنده الأقدام (5) . 41- {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي: غائرًا. فجعل المصدر صفة. كما يقال: رجل نَوْمٌ ورجل صَوْم ورجل فِطْر؛ ويقال للنساء: نَوْح: إذا نُحْنَ (6) .
42- {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أي أُهلِك. {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} أي نادما وهذا مما يوصف [به] النادم. {خَاوِيَةٌ} خربة. و (الْعُرُوش) السّقوف. 44- {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ} يريد: يومئذ [يتولون الله ويؤمنون به ويتبرءون مما كانوا يعبدون] . {وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي عاقبة. و (الهَشِيمُ) من النبت المتفتت. وأصله: من هَشَمْتُ الشيء إذا كسرته. ومنه سمي الرجل: هاشما (1) . 45- {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} أي تنسفه (2) . {مُقْتَدِرًا} مُفْتَعِلٌ من قَدَرْت. 46- {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} يقال: الصلوات الخمس. ويقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (3) . {وَخَيْرٌ أَمَلا} أي خير ما تؤمِّلُون. 47- {فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} أي لم نُخَلِّف يقال: غادرت كذا وأَغْدَرْتُه: إذا خلّفته ومنه سمي الغدير؛ لأنه ماء تُخَلِّفه السيولُ. 50- {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} أي خرج عن طاعته. يقال: فَسَقَت الرُّطبة إذا خرجت من قِشْرِها.
52- {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} أي: مَهْلِكًا بينهم وبين آلهتهم في جهنم. ومنه يقال: أَوْبَقَتْهُ ذنوبُه. وقوله: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} (1) ويقال: مَوْعِدًا (2) . 53- {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} أي علموا. {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} أي مَعْدِلا (3) . 55- {إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} أي سنتنا في إهلاكهم. {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا} وقِبَلا أي مُقَابَلة وعِيانًا. ومن قرأ بفتح القاف والباء أراد استئنافًا (4) . 58- {لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا} أي مَلْجَأ. يقال: وَأَلَ فلان [إلى كذا وكذا] ؛ إذا [لجأ] . ويقال: لا وَأَلَتْ نَفْسُك؛ أي لا نَجَت. وفلان يُوَائِلُ، أي يسابق لِيَنْجُوَ. 60- {حُقُبًا} أي زمانًا ودهرًا. ويقال الحُقُب: ثمانون سنة. 61- {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} أي فاتخذ الحوت طريقه في البحر. {سَرَبًا} أي مذْهبًا ومَسْلَكَا. 63- {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ} سبيلا {عَجَبًا} 64- {قَصَصًا} أي يَقْتَصَّان الأثَرَ الذي جاء فيه. 71- {شَيْئًا إِمْرًا} أي عجبًا (5) .
73- {وَلا تُرْهِقْنِي} أي لا تُغْشِني (1) {عُسْرًا} 74- {شَيْئًا نُكْرًا} أي منكرًا. 77- {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي ينكسر ويسقط. 79- {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} أَمامَهم (2) . 81- {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أي رحمة وعطفا. {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} أي طريقا. 86- {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ذات حَمْأة. ومن قرأ: حَامِيَةٍ، أراد حارة (3) قال الشاعر يذكر ذا القَرْنَيْن: فأَتَى مَغِيبَ الشَّمْسِ عِنْدَ مَآبِها ... في عينِ ذِي خُلُبٍ وثَأْطٍ حَرْمَدِ (4) والخُلُب: الطين في بعض اللغات. والثَّأْط: الحمْأَة. والحَرْمَدُ: الأسْوَد. 93- {بَيْنَ السَّدَّيْنِ} أي بين الجبلين. ويقال للجبل: سدّ. 96- {زُبَرَ الْحَدِيدِ} قِطَعُه. واحدها: زُبْرَة. والزُّبَرُ: القِطَعُ. و {الْقِطْرِ} النُّحاس.
97- {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} أي يَعْلُوه. يقال: ظَهَرَ فلان السَّطْحَ، أي علاه. 98- {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} أي أَلْصَقَه بالأرض. يقال: ناقة دَكَّاء: إذا لم يكن لها سنام. 102- {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا} والنزل ما يقدم للضيف ولأهل العسكر. 108- {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا} أي تَحَوُّلا. 110- {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} أي يخاف لقاء ربه، قال الهُذَلِيّ: إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا ... وحَالَفَهَا في بيتِ نُوبٍ عَوَامِلِ (1) أي لم يَخَف لَسْعَهَا.
سورة مريم
سورة مريم مكية كلها 4- {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} يريد: لم أكن أُخَيَّب إذا دعوتك. 5- {خِفْتُ الْمَوَالِيَ} وهم العَصَبَة. {مِنْ وَرَائِي} أي من بعد موتي. خاف أن يرثه غير الولد. {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي} يعني الولد يرثه الحُبُورَةَ. وكان حَبرًا. 6- {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} المُلْكَ. كذلك قيل في التفسير (1) . 7- {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} أي لم يُسَمَّ أحد قبله: يَحْيَى فأما قوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} فإنه أراد - فيما ذكر المفسرون - شبيها. ولو أراد أنه لا يُسَمِّي الله غيره، كان وجها. 8- {مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} أي يَبَسًا (2) . يقال: عَتَا وعَسَا، بمعنى واحد. ومنه يقال: مَلِك عاتٍ؛ إذا [كان] قاسي القلب غيرَ ليِّن.
10- {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} أي سليما غير أخرس. 11- {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} أي أَوْمَأَ (1) . {أَنْ سَبِّحُوا} أي صلُّو {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} والسُّبْحَةُ: الصلاة. 13- {وَحَنَانًا} أي رحمة. ومنه يقال: تحنَّن عليّ. وأصله من حنين الناقة على ولدها. {وَزَكَاةً} أي صدقة. 16- {انْتَبَذَتْ} اعتزلت يقال: جلست نُبْذَهُ ونَبْذَهُ، أي ناحيته. {مَكَانًا شَرْقِيًّا} يريد مُشَرِّقَةً (2) . و (الْبَغِيُّ) الفاجرة. والبِغَاء: الزنا. 23- {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} أي جَاءَ بِهَا وألْجَأَهَا. وهو من حيث يقال: جاءت بي الحاجة إليك، وأَجَاءَتْنِي الحاجة إليك. والمَخَاض: الحَمْل. {وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} والنِّسْي: الشيء الحقير الذي إذا ألقى نُسِي. ويكون كلَّ ما نُسِي. قال الشاعر: كأَنَّ لها في الأرض نِسْيًا تَقُصُّه ... على أُمِّها. وإنْ تُحَدِّثك تَبْلَتِ (3)
[تبلت: تقطع. مثل تبتل] . 24- و (السَّرِيُّ) النهر. 26- {نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي صمتا. والصَّوم هو الإمساك. ومنه قيل للواقف من الخيل: صَائِم. 27- {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} أي عظيما عجيبا. 28- {يَا أُخْتَ هَارُونَ} كان [في] بني إسرائيل رجل صالح يسمى: هارون، فشبَّهوها به. كأنهم قالوا: يا أخت هارون، يا شِبْهَ هارون في الصلاح. 46- {لأَرْجُمَنَّكَ} أي لأَشتمنَّك. {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} أي حينًا طويلا (1) . ومنه يقال: تَمَلّيت حبيبك. والمَلَوَان: الليل والنهار. 47- {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} أي بارًّا عوَّدني منه الإجابة إذا دعوتُه. 50- {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} أي ذكرًا حسنا عاليا (2) . 61- {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} أي آتيًا. مفعول في معنى فاعل (3) . 62- {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} أي باطلا من الكلام. 64- {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} قول الملائكة، أو قول جبريل صلى الله عليه.
68- {جِثِيًّا} جمع جَاثٍ. وفي التفسير جماعات (1) . 73- {خَيْرٌ مَقَامًا} أي منزلا. {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} أي مجلسا. يقال للمجلس: نَدِيٌّ ونادي. ومنه قيل: دار النَّدْوَة، للدار التي كان المشركون يجلسون فيها ويتشاورون في رسول الله صلى الله عليه وسلم. 74- و (الأثَاثُ) المتاع. و (الرِّئْيُ) المَنْظرُ، والشَّارَةُ، والهَيْئة. 75- {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} أي يَمُدّ له في ضَلالته. 80- {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي المال والولد الذي قال: لأُوتَيَنَّهُ. {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} لا شيء معه. 82- {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} أي أعداء يوم القيامة. وكانوا في الدنيا أولياءهم. 83- {تَؤُزُّهُمْ} تزعجهم وتحرِّكهم إلى المعاصي. 84- {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} أي أيام الحياة. ويقال: الأنفاس. 85- {وَفْدًا} جمع وافِد. مثل رَكْب جمع راكب، وصحْب جمع صاحب. و (الْوِِرْدُ) جماعةٌ يريدون الماء. 87- {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} أي وعدًا منه له بالعمل الصالح والإيمان.
89- {جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} أي عظيما. 90- {يَتَفَطَّرْنَ} يتشقَّقْن. {هَدًّا} أي سقوطا. 96- {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} أي محبة في قلوب الناس (1) . 97- {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} أي سهلناه وأنزلناه بلغتك. و (اللُّدُّ) جمع أَلَدّ. وهو الخَصْمُ الجَدِل. و (الرِّكْزُ) الصوت الذي لا يُفْهَم.
سورة طه
سورة طه مكية كلها 5- {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال أبو عبيدة: علا. قال: وتقول استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت. وقال غيره: استوى: استقر. واحتج بقول الله عز وجل: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} (1) أي استقررت في الفلك. وقوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} (2) أي انتهى شبابه واستقر، فلم يكن في نَبَاتِه مَزِيد. 7- {يَعْلَمُ السِّرَّ} ما أسررتَه ولم تظهره. {وَأَخْفَى} ما حدَّثتَ به نفسك. 10- {آنَسْتُ نَارًا} أبصرتُ. وتكون في موضع آخر: علمتُ كقوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} (3) أي علمتم. 14- {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} أي لتذكرني فيها. 15- {أَكَادُ أُخْفِيهَا} أي أسترها من نفسي. وكذلك هي في قراءة أُبَيّ: "أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي" (4) .
{فَتَرْدَى} أي تَهلِك. والرَّدَى: الموت والهلاك. 18- {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} أخْبِطُ بها الوَرَق. {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} أي حوائج أخرى. واحدها: مَأْرُبَةٌ ومَأْرَبَةٌ. 21- {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} أي: نردُّها عصًا كما كانت. 22- {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} أي إلى جَيْبِك. {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي من غير بَرَص. 27- {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} أي رُتَّةً كانت في لسانه. 31- {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} أي: ظهري. ومنه يقال: آزَرْتُ فلانا على الأمر، أي قويته عليه، وكنت له فيه ظَهيرًا. فأما وَازَرْتُه: فصرت له وزيرًا. وأصل الوَِزَارَة من الوِزْر – وهو الحِمْل – كأن الوزير يحمل عن السلطان [الثِّقْل] . 36- {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} أي طَلِبَتَكَ. وهو فُعْلٌ من سَأَلْت. أي أُعطيتَ [ما] سألت. 38- {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ} أي قَذَفْنا في قلبها (1) . ومثله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} (2) . 39- و {الْيَمِّ} البحر. {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أي لترَبَّى بِمَرْأًى مني، على مَحَبَّتِي فيك.
40- {عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ} أي يَضُمه. ومثله: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} (1) . {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} أي اختبرناك (2) . 42- {وَلا تَنِيَا} أي لا تَضْعُفَا ولا تَفْتُرا. يقال: وَنَى في الأمر يَنِي. وفيه لغة أخرى: وَنِي يَوْنَى. 45- {نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا} أي: يَعْجَلَ ويُقْدم. والفَرْطُ: التقدم والسَّبق. 50- {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} أي أعطى كل ذكر خَلْقا مثله من الإناث. {ثُمَّ هَدَى} أي هدى الذكر لإتيان الأنثى (3) . 51- {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} أي فما حالها؟ يقال: أصلح الله بالك؛ أي حالك. 53- {أَزْوَاجًا} أي ألوانا، كل لون زَوْج. 54- {لأُولِي النُّهَى} أي أولي العقول. والنُّهْيَةُ: العقل. قال ذو الرُّمة: [لِعِرْفَانِها والعَهْدُ نَاءٍ] وقدْ بَدَا ... لِذِي نُهْيَةٍ إِلا إلى أُمِّ سَالمِ (4) 58- {مَكَانًا سُوًى} أي وسطًا بين قريتين. 59- {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} يعني يومَ العيد.
{وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} للجمع في العيد. 60- {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} أي حِيَله. 61- {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} أي يُهلككم ويَسْتَأْصِلكم. يقال: سَحَتَه الله وأَسْحته. {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} أي كذب. 62- {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي تناظروا. {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} أي تَرَاجَعُوا الكلام. 63- {بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} يعني الأشرَاف يقال: هؤلاء طريقة قومهم؛ أي أشرافهم. ويقال: أراد سُنَّتَكم ودِينكم. والمُثْلى مؤنث أمْثل، مثل كُبْرَى وأكْبر. 64- {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} (1) أي حِيَلكم. {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} أي جميعًا. وقال أبو عبيدة: الصَّفّ: المُصَلَّى. وحكى عن بعضهم أنه قال: ما استطعت أن آتيَ الصفّ اليومَ، أي المُصَلَّى (2) . 67- {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} أي أضمرَ خوفًا. 69- {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} أي حيث كان. 72- {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي إنما يجوزُ أمرُك فيها. 77- {يَبَسًا} يابسًا. يقال لليابس: يبَس ويَبْس.
{لا تَخَافُ دَرَكًا} أي لحاقا. 78- {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ} أي لحقهم. 80- و (الطُّورُ) الجبل. 81- {فَقَدْ هَوَى} أي هلك. يقال: هَوت أُمُّه. أي هلكتْ. 86- {أَسِفًا} أي شديد الغضب. 87- {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} أي بقدر طاقَتِنا. {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} أي أحمالا من حُليّهم. {فَقَذَفْنَاهَا} يَعنُون في النَّار. 95- {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} أي ما أمرك وما شأنك؟ 96- {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} يقال: إنها قَبْضَةٌ من ترابِ مَوْطئِ فرس جبريلَ، صلى الله عليه. {فَنَبَذْتُهَا} أي قذفتُها في العِجْل. {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} أي زَيَّنَتْ لي. 97- {أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ} أي لا تخالط أحدا. {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا} أي يوم القيامة. {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} أي مُقيمًا. {لَنُحَرِّقَنَّهُ} بالنار. ومن قرأ: (لَنَحْرُقَنَّه) (1) أراد لَنبرُدنَّه.
{ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ} أي لنُطَيِّرَنَّ تلك البُرَادة أو ذلك الرّماد في البحر. 98- {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} أي وسع علمه كل شيء. 100- {يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} أي إثمًا. 101- {خَالِدِينَ فِيهِ} أي في عذاب ذلك الإثمِ. 102- {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} أي بِيض العيون من العمى: قد ذهب السَّوَادُ والنَّاظِرُ. 103- {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ} أي يُسَارُّ بعضهم بعضًا. يقال: خَفَتَ الدعاء وخَفَت الكلام: إذا سكن. 104- {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أي رأيًا. 106- {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا} والقاع من الأَرض: المُسْتَوِي الذي يعلوه الماء، والصَّفْصَفُ: المستوي. يريد لا نَبْتَ فيها. و (الأَمْتُ) : النَّبَكُ (1) . 108- {يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ} أي لا يَعْدِلُون عنه ولا يُعَرِّجون في اتباعهم. {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ} أي خَفِيتْ. {فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا} أي إلا صوتًا خفيًّا. يقال: هو صوت الأقدام. 111- {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} أي ذَلَّتْ. وأصله من عَنِيتُه: أي حبسته. ومنه قيل للأسير: عانٍ. 112- {وَلا هَضْمًا} أي نَقِصَةً. يقال: تَهَضَّمَنِي حقِّي وهَضَمنِي. ومنه
هَضِيمُ الكَشْحَيْن: أي ضامر الجَنْبَيْنِ، كأنهما هُضِمَا. وقوله: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} (1) أي مُنْهَضِم. 114- {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} أي لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ من وحيه إليك. وكان رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله – يبادر بقراءته قبل أن يتمم جبريلُ، خوفًا من النسيان. 115- {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} أي ترك العهدَ (2) . {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} أي رأيا مَعْزُومًا عليْه. 119- {وَلا تَضْحَى} أي لا يصيبك الضُّحَى، وهو الشمس (3) . 124- {مَعِيشَةً ضَنْكًا} أي ضَيِّقَة. 128- {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} أي يُبَيِّنْ لهمْ. 129- {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} أي لولا أن الله جعل الجزاء يوم القيامة، وسبقت بذلك كلمتُه لكان العذاب لزاما، أي ملازمًا لا يفارق. مصدر لازَمْتُه. وفيه تقديم وتأخير. أراد: لولا كلمة سبقتْ وأجلٌ مسمى – لكان العذاب لِزَامًا (4) . وفي تفسير أبي صالح: لزاما: أَخْذًا (5) . 130- {آنَاءِ اللَّيْلِ} ساعاته. واحدها إِنْيٌ. 131- و {زَهْرَةَ الْحَيَاةِ} أي زينتها، وهو من زَهْرَة النبات وحُسْنه. {لِنَفْتِنَهُمْ} أي لِنَخْتَبِرَهُم. 132- {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} أي لا نسألك رزقا لخلْقنا، ولا رزقا لنفسك.
سورة الأنبياء
سورة الأنبياء 1- {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} أي قربتْ القيامةُ {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} 6- {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} أي: ما آمنت بالآيات. 8- {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} كقولهم: {مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (1) فقال الله: ما جعلنا الأنبياء قبله أجسامًا لا تأكلُ الطعام ولا تموتُ، فنجعلَه كذلك. 10- {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي شرَفُكم وكذلك قوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} (2) . 11- {قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} أي أهلكنا. وأصل القَصْم: الكسر. 12- {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} أي يَعْدُون. وأصل الرَّكْض: تحريك الرجلين؛ تقول: رَكَضْتُ الفرس: إذا أَعْدَيْتَهُ بتحريك رجليك فعدا. ولا يقال: فَرَكَضَ (3) ، ومنه قوله: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ} (4) . 13- {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} أي إلى نعمكم التي أَتْرَفَتْكُمْ. 15- {خَامِدِينَ} قد ماتوا فسكَنُوا وخَمَدوا.
17- {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} أي ولدًا. ويقال: امرأةً. وأصل اللهو: النكاحُ. وقد ذكرت هذا في كتاب "تأويل المشكل" (1) . {لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} أي مِنْ عندِنا لا عندِكم. 18- {فَيَدْمَغُهُ} أي يكسره. وأصل هذا إصابة الرأسِ والدماغِ بالضرب وهو مقتل. {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} أي زائلٌ ذاهب. 19- {وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} أي لا يعيون (2) . والحَسِير: المنقطع به الواقف إعياءً أو كلالا. 21- {هُمْ يُنْشِرُونَ} أي يُحيون الموتى. 24- {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} أي حُجَّتَكم. {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} يعني القرآن. {وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} يعني الكتب المتقدمة من كتب الله. يريد أنه ليس في شيء منها أنه اتخذ ولدًا. 27- {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} لا يقولون حتى يقولَ ويأمر وينهى، ثم يقولون عنه. ونحوه قوله: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (3) أي لا تقدِّموا القول بالأمر والنهي قبلَه. 28- {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} أي خائفون. 30- {كَانَتَا رَتْقًا} أي كانتا شيئا واحدًا مُلْتَئِمًا، ومنه يقال: هو يَرْتُق الفَتْقَ، أي يَسدُّه. وقيل للمرأة: رَتْقَاء.
{فَفَتَقْنَاهُمَا} يقال: كانَتَا مُصْمَتَتَيْنِ، فَفَتَقْنَا السماءَ بالمطر، والأرضَ بالنبات (1) . 32- {سَقْفًا مَحْفُوظًا} من الشياطين، بالنجوم. {وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} أي عمَّا فيها: من الأدلة والعبر. 37- {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي خُلقتْ العجلةُ في الإنسان، وهذا من المقدم والمؤخر، وقد بينت ذلك في كتاب "المشكل" (2) . 43- {وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} أي لا يجيرُهم منَّا أحدٌ؛ لأن الْمُجِيرَ صاحبٌ لجاره. 44- {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} أي نَفْتَحُها عليك. 44- {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} مع هذا؟! . 51- {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ} أي وهو غلام. 58- {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} أي فُتَاتًا. وكل شيء كسرته: فقد جَذَذْتَهُ. ومنه قيل للسَّويق: جَذِيذٌ. 60- {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} أي يَعيبُهم. وهذا كما يقال: لئن ذكرتني لَتَنْدَمَنَّ. يريد: بسوء. 61- {فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ} أي بِمَرْأًى من الناس: لا تأتوا به خِفْيَة.
65- {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} أي رُدُّوا إلى أوّل ما كانوا يعرفونها به: من أنها لا تَنْطق؛ فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} ؛ فحذف "قالوا" اختصارًا. 69- {كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا} أي وسلامةً. لا تكوني بردًا مُؤْذِيًا مضرًّا. 72- {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} دعا بإسحاق فاستُجيب له، وزِيدَ يعقوبُ نافلةً. كأنه تطوُّعٌ من الله وتفضُّلٌ بلا دعاء، وإن كان كلٌّ بفضله. 78- {نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} رعتْ ليلا. يقال: نَفَشَت الغنمُ بالليل، وهي إبلٌ، نَفَشٌ ونُفَّشٌ ونُفَّاشٌ. والواحد نَافِشٌ. وسَرَحَتْ، وسَرَبَتْ بالنَّهار. 80- {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} يعني الدُّروع. {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} أي من الحرب. 81- {عَاصِفَةً} شديدة الحر. وقال في موضع آخر: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً} (1) أي ليِّنَةً كأنها كانت تشتدُّ إذا أراد، وتَلِينُ إذا أراد. 87- {وَذَا النُّونِ} ذا الحوتِ. والنُّونُ: الحوت. {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي نُضَيِّقَ عليه. يقال: فلان مُقَدَّر عليه، ومُقَتَّر عليه في رزقه. وقال: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} (2) أي ضَيَّق عليه في رزقه (3) .
93- {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي تفرّقوا فيه واختلفوا. 94- {فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} أي لا نجْحَدُ ما عَمِل. 95- {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} أي حرامٌ عليهم أن يرجعوا. ويقال: حرامٌ: واجبٌ. وقال الشاعر: فإنَّ حَرَامًا لا أرى الدهرَ باكيًا ... على شَجْوِهِ إِلا بكَيتُ على عَمْرو (1) أي واجبًا. ومن قرأ: "حِرْمٌ" فهو بمنزلة حَرَام. يقال: حِرْمٌ وحرامٌ؛ كما يقال: حِلٌّ وحلالٌ. 96- {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ} أي من كل نَشْزٍ من الأرض وأكَمَةٍ. {يَنْسِلُونَ} من النَّسَلان. وهو: مُقَارَبَةُ الخطْو مع الإسراع، كمشيِ الذئبِ إذا بادر. والعَسَلان مِثله. 97- {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} يعني يوم القيامة. 98- {حَصَبُ جَهَنَّمَ} ما أُلقي فيها، وأصله من الحصْبَاء، وهي: الحصى. يقال: حَصَبْتُ فلانًا: إذا رميتَه حَصْبًا – بتسكين الصاد – وما رَمَيْتَ به: حَصَبٌ، بفتح الصاد. كما تقول: نَفَضْتُ الشجرة نَفْضًا. وما وقع من ثمرها: نَفَضٌ؛ واسم حصى الحجارة: حَصَبٌ. 104- {السِّجِلِّ} الصحيفة.
105- {أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} يقال: أرض الجنة، ويقال: الأرض المقدَّسة، ترثها أمةُ محمد صلى الله عليه وعلى آله. 109- {آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} أي: أعلمتكم وصرتُ أنا وأنتم على سواء، وإنما يريد نابَذْتكُم وعاديتكم وأعلمتكم ذلك، فاستوَيْنا في العلم. وهذا من المختصر (1) .
سورة الحج
سورة الحج مكية كلها إلا ثلاث آيات (1) 2- {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} أي تسلو عن ولدها وتتركه. 4- {كُتِبَ عَلَيْهِ} أي على شيطانه {أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} 5- {مُخَلَّقَةٍ} تَامَّة. {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} غير تامَّة. يعني السّقط. {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} كيف نخلقكم {فِي الأَرْحَامِ} {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} يعني قبل بلوغ الهَرَم. {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أي الخَرَف والهرم. {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً} أي مَيِّتَةً يابسةً. ومثل ذلك همود النار: إذا طَفِئت فذهبت. {اهْتَزَّتْ} بالنبات. {وَرَبَتْ} انتفختْ. {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي من كل جنس حسن، يُبْهِجُ، أي يَشْرح. وهو فعيل في معنى فاعل. يقال: امرأة ذات خَلْق باهِج. 9- {ثَانِيَ عِطْفِهِ} أي متكبر مُعرض. 11- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} على وجه واحد ومذهب واحد.
{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} أي: ارتد. 13- {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} أي الوَليّ. {وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} أي الصاحب والخليل. 15- {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} أي لن يرزقه الله. وهو قول أبي عبيدة، يقال: مَطرٌ نَاصِرٌ، وأرض مَنْصُورَةٌ. أي مَمْطورَة. وقال المفسرون: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا (1) . {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} أي بحبل إلى سقف البيت. {ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} أي حِيلتُه غيظَه لِيَجْهَد جهْده، وقد ذكرت ذلك في تأويل المشكل بأكثر من هذا التفسير (2) . 19- {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} أي الماء الحار. 20- {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} أي يُذاب. يقال: صَهَرت النار الشَّحْمة. والصُّهارة: ما أُذيب من الألْيَة. 25- {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} المقيم فيه والبادي، وهو الطارئ من البدو، سواء فيه: ليس المقيم فيه بأولى من النَّازح إليه. {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} أي من يرد فيه إلحادا. وهو الظلم والميل عن الحق. فزيدت الباءُ كما قال: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} (3) ؛ وكما قال الآخر: سُودُ المحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ (4)
أي: لا يقرأن السُّور. وقال الآخر: نَضْرِبُ بالسيف وَنْرجُو بالفَرَجْ (1) 26- {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} أي جعلنا له بيتًا. 27- {يَأْتُوكَ رِجَالا} أي رَجَّالةً، جمع رَاجِل، مثل صاحب وصِحَاب. {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي رُكْبَانًا على ضُمْرٍ من طول السفر. {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} أي بعيد غامض. 28- {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} يقال: التجارة. {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} يوم التَّرْوِيَة، ويوم عَرَفَة، ويوم النَّحر. ويقال: أيام العشر كلها (2) . 29- {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} والتَّفَثُ: الأَخْذ من الشارب والأظفار، ونتف الإبطين، وحلق العَانَة. {بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} سمي بذلك لأنه عتيق من التَّجَبُّر، فلا يتكبر عنده جبّار. 30- {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} يعني رَمْيَ الجِمَار، والوقوفَ بجمع، وأشباه ذلك. وهي شعائر الله. {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} يعني في سورة المائدة من الميتةِ والمَوْقُوذَةِ والمُتَرَدِّيَةِ والنَّطِيحَةِ (3) .
31- {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} هذا مثل ضربه الله لمن أشرك به، في هلاكه وبعده من الهدى. (السَّحِيقُ) البعيد. ومنه يقال: بُعْدًا وسُحْقًا، وأَسْحَقَهُ الله. 36- {صَوَافَّ} أي قد صُفَّت أيديها. وذلك إذا قُرِنَت أيديها عند الذبح. {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أي سقطت. ومنه يقال: وَجَبت الشمس: إذا غابت. {الْقَانِعَ} السائل (1) . يقال: قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعًا؛ ومن الرِّضا قَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً. {الْمُعْتَرَّ} الذي يَعتريك: أي يُلِمُّ بك لتعطيه ولا يَسْأَل. يقال: اعْتَرَّني وعَرَّني، وعَرَانِي واعْتَرَانِي (2) . 37- {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} كانوا في الجاهلية: إذا نحروا البُدْنَ نَضَحُوا دماءَها حول الكعبة؛ فأراد المسلمون أن يصنعوا ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} (3) . 40- {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} للصَّابئين. {وَبِيَعٌ} للنَّصارى. {وَصَلَوَاتٌ} يريد بيوت صَلَوَات، يعني كنائس اليهود. {وَمَسَاجِدُ} للمسلمين. هذا قول قتادة (4) وقال: الأديان ستة: خمسة للشيطان،
وواحد للرحمن، فالصابئون: قوم يعبدون الملائكة، ويصلون للقبلة ويقرأون الزَّبور. والمَجُوس: يعبدون الشمس والقمر، والذين أشركوا: يعبدون الأوثان. واليهود والنصارى. 45- {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} يقال: هو المبني بالشِّيد. وهو الجِصُّ. والمَشِيد: المُطَوَّل. ويقال: المَشِيدُ والمُشَيَّد سواء في معنى المطول، وقال عَدِيّ بن زَيْد: شَادَهُ مَرْمَرًا وَجَلَّلَهُ كِلْ ... سًا فَلِلطَّيْرِ في ذَرَاهُ وُكُورُ (1) 51- {مُعَاجِزِينَ} مُسَابِقِين (2) . 52- {إِلا إِذَا تَمَنَّى} أي تلا القرآن. {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} في تلاوته. 54- {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أي تخضع وتَذِلّ. 55- {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} كأنه عَقُمَ عن أن يكون فيه خير أو فرج للكافرين. 67- {جَعَلْنَا مَنْسَكًا} أي عيدًا (3) . 71- {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} أي برهانا ولا حُجَّة.
72- {يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} أي يتناولونهم بالمكروه من الشتم والضرب. 78- {هُوَ اجْتَبَاكُمْ} أي اختاركم. {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي ضيق. {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} يعني القرآن. {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} أي قد بلغكم. {وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} بأن الرسل قد بلّغتهم. {فَنِعْمَ الْمَوْلَى} أي الوَلِيّ. {وَنِعْمَ النَّصِيرُ} أي الناصر. مثل قَدِير وقَادِر، وسميع وسامع.
سورة المؤمنون
سورة المؤمنون مكية كلها 3- {اللَّغْوِ} باطل الكلام والمزاح. 10- {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} قال مجاهد: هو البستان المخصوص بالحسن، بلسان الرُّوم (1) . 11- ثم قال: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فأَنَّثَ. ذَهَبَ إلى الجنة. 12- {مِنْ سُلالَةٍ} قال قتادة: اسْتُلَّ آدم من طين، وخُلِقت ذريتُه من ماءٍ مَهين. ويقال للولد: سلالة أبيه، وللنُّطْفَة: سُلالة، وللخمر: سلالة. ويقال: إنما جعل آدم من سلالة، لأنه سُلَّ مِنْ كل تُرْبة. 14- {عَلَقَةً} واحدة العَلَق، وهو الدم. و (المضغة) اللَّحمة الصغيرة. سميت بذلك لأنها بقدْر ما يُمْضَغُ، كما قيل: غرفة، بقدر ما يُغْرَف. {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} أي خلقناه بنفخ الروح فيه خلقًا آخر. 17- {سَبْعَ طَرَائِقَ} سبع سماوات كل سماء طَرِيقة. ويقال: هي الأفْلاك كلُّ واحد طَرِيِقة. وإنما سميت طَرَائِق بالتَّطَارق؛ لأن بعضها فوق بعض. يقال: طارقت الشيء، إذا جعلت بعضَه فوق بعض. يقال: ريش طَرَائِق. 20- {وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} (2) مثل الصِّبَاغ. كما يقال: دِبْغٌ ودِبَاغ ولِبْس ولِبَاس.
27- {فَاسْلُكْ فِيهَا} أي أدخِل فيها. يقال: سَلَكْتُ الخيط في الإبرة وأَسْلَكته. 33- و {أَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وسَّعنا عليهم حتى أُتْرِفُوا، والتُّرْفَةُ [منه] ، ونحوها: التُّحْفَة، كأنّ المُتْرَف هو الذي يتحف. 41- {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} أي هَلْكَى كالغُثَاء، وهو ما علا السَّيْل من الزَّبَد [والقَمْش] (1) لأنه يذهب ويتفرّق. 44- {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} أي تَتَابع بِفَتْرَةٍ بين كل رسولين وهو من التَّوَاتُر. والأصل وَتْرَى. فقلبت الواو كما قلبوها في التَّقْوى، والتّخمة والتُّكلان. {وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أخبارًا وعبرًا. 50- {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} أي عَلَمًا ودليلا. و (الرَّبْوَةُ) الارتفاع. وكلُّ شيء ارتفع أو زاد، فقد رَبَا، ومنه الرِّبا في البيع. {ذَاتِ قَرَارٍ} يُسْتَقَرُّ بها للعمارة. {وَمَعِينٍ} ماء ظاهر. يقال: هو مَفْعُول من العين. كأنّ أصلَه مَعْيُون. كما هو يقال: ثوب مَخِيط، وبُرٌّ مَكِيل. 51- {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} خوطب به النبي، صلى الله عليه؛ وحْدَه على مذهب العرب في مخاطبة الواحد خطاب الجمع (2) .
52- {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي دينكم دين واحد، وهو الإسلام. والأمة تنصرف [عَلى وجوه] قد بينتها في "تأويل المشكل" (1) . 53- {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي اختلفوا في دينهم. (زُبَرًا) بفتح الباء جمع زُبْرَة، وهي القطعة. ومن قرأ {زُبُرًا} فإنه جمع زَبُور، أي كُتُبًا. 56- {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} أي نُسْرِع. يقال: سارعت إلى حاجتك وأسرعت. 63- {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} أي في غطاء وغفلة. {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} قال قتادة: ذكر الله. {الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُون} ثم قال للكفار {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} ثم رجع إلى المؤمنين فقال: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ} أي من دون الأعمال التي عدَّدَ {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} {يَجْأَرُونَ} أي يَضِجُّون ويَسْتَغِيثُون بالله. 66- {عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} أي ترجِعون القَهْقَرَى. 67- {مُسْتَكْبِرِينَ} يعني بالبيت تَفْخَرُون به، وتقولون: نحن أهلُه ووُلاتُه. {سَامِرًا} أي متحدثين ليلا. و (السَّمَرُ) : حديث الليل. وأصل السَّمَر: الليل. قال ابن أَحْمَرَ: من دونهم إِنْ جِئْتَهُمْ سَمَرًا (2)
أي ليلا ويقال: هو جمع سامِر. كما يقال: طَالِبٌ وطَلَب وحارِسٌ وحَرَس. ويقال: هذا سامِرُ الحيِّ يراد المتحدثون منهم ليلا. وسَمَرُ الحي. {تَهْجُرُونَ} تقولون هُجْرًا من القول. وهو اللَّغو منه والهذيان. وقرأ ابن عباس: "تُهْجِرُون" -بضم التاء وكسر الجيم- وهذا من الهُجْر وهو السَّب والإفْحاش في المنطق. يريد سبهم النبيَّ صلى الله عليه ومن اتبعه. 68- {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} أي يَتَدَبَّروا القرآن. 71- {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} أي بِشَرَفِهم. 72- {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا} أي خَرَاجًا، فهم يَسْتَثْقِلُونَ ذلك. {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} أي رزقُه. 74- {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} أي عَادِلُون، يقال: نَكَبَ عن الحق: أي عدَل عنه. 76- {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} يريد: نَقْصَ الأموال والثمرات (1) . {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} أي ما خَضَعُوا. 77- {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} يعني الجوع. {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي يَائِسُون من كل خير. 89- {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي تُخْدَعون وتُصْرَفون عن هذا. 96- {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [أي] الحُسْنَى من القول. قال قتادة: سلِّم عليه إذا لقيته.
97- و {هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} نَخْسُها وطَعْنُهَا. ومنه قيل [للعائب: هُمْزَةٌ] كأنه يطعن ويَنْخَس إذا عاب. 100- و (الْبَرْزَخُ) ما بين الدنيا والآخرة [وكل شيء بين شيئين] فهو بَرْزَخُ. ومنه قوله في البحرين: {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} (1) أي حاجزًا. 110- {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} -بكسر السين- أي تَسْخَرُون منهم. وسُخريا -بضمها- تُسَخِّرُونَهُم، من السُّخْرة {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} أي شغلكم أمرهُم عن ذكري. 113- {فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} أي الحُسَّاب (2) . 117- {لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} أي لا حُجَّة له به ولا دليل.
سورة النور
سورة النور مدنية كلها 1- {فَرَضْنَاهَا} فرضنا ما فيها. 8- {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} أي يَدْفعه عنها. والعذاب: الرَّجْم. 11- {جَاءُوا بِالإِفْكِ} أي بالكذب. وقوله: {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} يعني عائشة. أي تُؤْجَرُون فيه. {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} أي [عُظْمَهُ] قال الشاعر يصف امرأة: تَنَامُ عَن كِبْرِ شَأْنِهَا فإذا ... [قَامَتْ رُوَيْدًا تكادُ تَنْغَرِفُ] (1) أي تنام عن عظم شأنها؛ لأنها مُنَعَّمَة. 12- {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي بأمثالهم من المسلمين. على ما بينا في كتاب "المشكل" (2) . 13- {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} أي هَلا جاءوا. 14- {فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} [أي خضتم فيه] . 15- {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} أي تَقْبَلُونه. ومن قرأ "تَلِقُونه" أخذه من الْوَلْق وهو الكذِب. وبذلك قرأت عائشة (3) .
21- {مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} أي ما طَهُرَ. {اللَّهَ يُزَكِّي} أي يُطَهِّر. 22- {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} أي لا يحلِف. وهو يَفْتَعِل من الألِيَّةِ، وهي اليمين. وقُرِئَت أيضًا: ولا يَتَأَلَّ على يَتَفَعَّل. {أَنْ يُؤْتُوا} أراد أن لا يؤتوا. فحذف "لا". وكان أبو بكر حلف أن لا ينفق على مِسْطَح وقرابته الذين ذكروا عائشة، وقال أبو عبيدة: لا يَأْتَلِ، هو يَفْتَعِل من ألَوْتُ. يقال: ما أَلَوْتُ أن أصْنع كذا وكذا. وما آلو [جهدًا] قال النابغة الجعدي: وَأَشْمَطَ عُرْيَانًا يَشُدُّ كِتَافَهُ ... يُلامُ على جَهْدِ القِتَالِ وما ائْتَلا (1) أي ما تَرَكَ جَهدًا. 25- {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} الدين هاهنا الحساب. والدين يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب "المشكل" (2) . 26- {الْخَبِيثَاتُ} من الكلام. {لِلْخَبِيثِينَ} من الناس. {وَالْخَبِيثُونَ} من الناس. {لِلْخَبِيثَاتِ} من الكلام (3) . {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ} يعني عائشة. وكذلك الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِين على هذا التأويل.
27- {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} أي حتى تستأذنوا {وَتُسَلِّمُوا} والاستئناس: أن يعلم من في الدار. تقول: استأنست فما رأيت أحدًا؛ أي استعلمت وتعرَّفْتُ. ومنه: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} (1) أي علمتم. قال النابغة: كأنَّ رَحْلِي وقَدْ زَالَ النَّهارُ بِنَا ... بِذِي الجَلِيلِ على مُسْتَأْنِسٍ وَحِدِ (2) يعني ثورًا أبصر شيئًا فهو فَزِع. 29- {بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} بيوت الخَانَات. {فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} أي منفعة لكم من الحر والبرد. والسترُ والمتاع: النَّفْع. 31- {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} يقال: الدُّمْلُج والوِشَاحان، ونحو ذلك. {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يقال: الكف والخاتم. ويقال: الكُحْل والخاتم (3) . {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} يعني الإِخْوَة. {أَوْ نِسَائِهِنَّ} يعني المسلمات. ولا ينبغي للمسلمة أن تتجرد بين يَدَيْ كافرة. {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} يريد الأتْبَاع الذين ليست لهم إِرْبَةٌ في النساء، أي حاجة، مثل الخَصِيّ والخُنْثَى والشيخ الهرِم.
{أَوِ الطِّفْلِ} يريد الأطفال. يدلك على ذلك قوله: {الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} أي لم يعرفوها ولم يفهموها. {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} أي لا يضربن بإحدى الرِّجلين على الأخرى ليصيب الخلخالُ الخلْخَالَ، فيعلم أن عليها خلْخَالَيْن. 32- {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} والأَيَامَى من الرجال والنساء: هم الذين لا أزواج لهم. يقال: رجل أيِّم، وامرأة أيِّم؛ ورجل أرْمَل، وامرأة أرْملة ورجل بِكْر، وامرأة بِكْر: إذا لم يتزوجا. ورجل ثيب، وامرأة ثيب: إذا كانا قد تزوَّجا. {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} أي من عبيدكم. يقال: عَبْدٌ وعِبَاد وعَبِيد. كما يقال: كَلْبٌ وكِلاب وكَلِيب. 33- {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ} أي يريدون المُكَاتَبَةَ من العبيد والإماء، على أنفسهم. {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} عفافًا وأمانة. {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} أي أعطوهم، أو ضَعُوا عنهم شيئًا مما يلزمهم. {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} أي لا تكرهوا الإماء على الزنا. {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي لتأخذوا من أجورهم على ذلك. {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يقال: للإماء (1) .
35- {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} في قلب المؤمن. {كَمِشْكَاةٍ} وهي: الكُُوَّةُ غيرُ النافذةِ. {فِيهَا مِصْبَاحٌ} أي سراجٌ. {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} مضئٌ، منسوب إلى الدُّر. ومن قرأ: (دِرِّيءٌ) بالهمز وكسر الدال، فإنه من الكواكب الدَّرارئ وهن: اللائي يَدْرَأْن عليك، أي يطلُعن. وتقديره: فِعِّيلٌ، من "دَرَأْتُ" أي دفعتُ. {لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} أي ليستْ في مَشْرََُقَةٍ أبدًا، فلا يصيبها ظلٌّ. ولا في مَقْنَأَةٍ أبدًا، فلا تُصيبُها الشمسُ. ولكنها قد جمعت الأمرين فهي شرقية غربية: تُصيبُها الشمسُ في وقت، ويُصيبها الظلُّ في وقت. 37- {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} أي تتقلب عمَّا كانت عليه في الدنيا: من الشك والكفر؛ وتتفتَّحُ فيه الأبصارُ من الأغْطية. 39- (السَّرَابُ) ما رأيتَه من الشمس كالماء نصف النهار. و "الآل": ما رأيته في أول النهار وآخره، الذي يَرفعُ كل شيء. {بِقِيعَةٍ} والقِيعَةُ: القاع. قال ذلك أبو عبيدةَ. وأهلُ النظر من أصحاب اللغة يذكرون: أن "القِيعة" جمع "القاع" (1) ؛ قالوا: والقاعُ واحدٌ مذكر، وثلاثةٌ: أقْواعٌ، والكثيرةُ منها: قِيعانٌ وقِيعةٌ.
41- {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} قد صَفَّتْ أجنحتَها في الطيران. 43- {يُزْجِي سَحَابًا} أي يَسُوقُه. {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} بعضَه فوق بعض. {فَتَرَى الْوَدْقَ} يعني المطرَ. {يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} أي من خَلَلِه. {سَنَا بَرْقِهِ} ضوءُه. 49- {يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} أي مُقِرِّين خاضعين. 53- {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا} وتمَّ الكلام. ثم قال: {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} ؛ أراد: هي طاعة معروفة. وفي هذا الكلام حذفٌ للإيجاز، يُستدلُّ بظاهره عليه. كأن القوم كانوا يُنافِقون ويَحلِفون في الظاهر على ما يُضمرون خلافَه؛ فقيل لهم: "لا تُقسموا؛ هي طاعةٌ معروفة، صحيحةٌ لا نفاق فيها؛ لا طاعةٌ فيها نفاقٌ" (1) . وبعض النحويين يقولون: الضَّميرُ فيها: "لِتكنْ منكم طاعةٌ معروفة". 54- {فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي أعرضوا. {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ} أي على الرسول. {مَا حُمِّلَ} من التبليغ. {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} من القبول. أي ليس عليه ألا تقبلوا. 58- {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني: العبيدَ والإماءَ. {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} يعني: الأطفالَ؛ (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) .
ثم بيَّنهن، فقال: {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} يريد: عند النوم. ثم قال: {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} يريد هذه الأوقات، لأنها أوقاتُ التَّجرُّد وظهورِ العورة: فأمَّا قبلَ صلاة الفجر، فللخروجِ من ثياب النوم، ولُبسِ ثياب النهار. وأمَّا عند الظهيرةُ فلوضعِ الثياب للقائلة. وأمَّا بعدَ صلاة العشاء، فلوضعِ الثياب للنوم. ثم قال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} أي بعد هذه الأوقات. ثم قال: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} ؛ يريد: أنهم خدمُكم، فلا بأس أن يدخلوا في غير هذه الأوقات الثلاثة، بغير إذن. قال الله عز وجل: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} (1) أي يَطُوفون عليهم في الخدمة. وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الهِرَّة: "ليستْ بنجِسٍ؛ إنَّما هي من الطَّوَّافِينَ عليكم والطَّوَّافاتِ" (2) جعَلَها بمنزلة العبيد والإماء. 59- {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} في كل وقت. {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني: الرجال. 60- {وَالْقَوَاعِدُ} يعني: العُجْزَ. واحدها: قاعدٌ. ويقال: "إنما قيل لها قاعدٌ: لقعودها عن المحيض والولد". وقد تقعد عن المحيض والولد: ومثلُها يرجو النكاح، أي يطمعُ فيه.
ولا أراها سميتْ قاعدًا، إلا بالقعود. لأنها إذا أسَنَّتْ: عجزتْ عن التَّصرُّفِ وكثرة الحركة، وأطالت القعودَ؛ فقيل لها: "قاعدٌ" بلا هاء؛ ليُدلَّ بحذف الهاء على أنه قعودُ كبَرٍ. كما قالوا: "امرأةٌ حاملٌ" بلا هاء؛ ليُدلَّ بحذف الهاء على أنه حمل حَبَلٍ. وقالوا في غير ذلك: قاعدةٌ في بيتها، وحاملةٌ على ظهرها. {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} يعني: الرِّداءَ. {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ} فلا يُلْقِينَ الرِّداءَ. {خَيْرٌ لَهُنَّ} والعربُ تقول: "امرأةٌ واضعٌ": إذا كبِرتْ فوضعتْ الخِمار. ولا يكون هذا إلا في الهرِمة. 61- {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} في مؤاكلة الناس. وكذلك الباقون: وإن اختلفوا فكان فيهم الرَّغيبُ والزَّهيد. وقد بينت هذا في كتاب "المشكل"، واختلافَ المفسرين فيه (1) . {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} يريد: من أموال نسائكم ومَن ضَمَّتْهُ منازلُكم. {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} يعني: بيوت العبيد. لأن السيد يملك منزل عبده. {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا} أي مُجْتَمِعِين. {أَوْ أَشْتَاتًا} أي مُفتَرِقين. وكان المسلمون يتحرَّجون (2) من مؤاكلة أهل الضُّرِّ -: خوفًا من
أن يَستأثِرُوا عليهم - ومن الاجتماع على الطعام: لاختلاف الناس في مأكلهم، وزيادةِ بعضهم على بعض. فوسَّع الله عليهم. {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} قال ابن عباس (1) : "أراد المساجد، إذا دخلتَها فقل: السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين". وقال الحسن (2) : "ليُسلِّم بعضكم على بعض. كما قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} . (3) 62- {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} يريد يوم الجمعة، {لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} لم يقوموا إلا بإذْنه. ويقال: بل نزل هذا في حفر الخندق؛ وكان قوم يَتَسَلَّلُون منه بلا إذن (4) . 63- {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} يعني: فخِّموه وشرِّفوه، وقولوا: يا رسول الله، ويا نبيَّ الله، ونحوَ هذا. ولا تقولوا: يا محمدُ، كما يدعو بعضكم بعضًا بالأسماء. {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} أي من يَسْتَتِرُ بصاحبه في اسْتِلالِهِ، ويخرجُ. ويقال: لاذ فلان بفلان؛ [إذا استترَ به] . و"اللِّوَاذُ": مصدر "لاوَذْتُ به"، فعْل اثنين. ولو كان مصدرًا لـ "لُذْتُ" لكان "لِيَاذًا". هذا قول الفرَّاء.
سورة الفرقان
سورة الفرقان مكية كلها 1- {تَبَارَكَ} من البرَكة. 3- و (النُّشُورُ) : الحياةُ بعد الموت. {افْتَرَاهُ} تَخَرَّصَه. 12- {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} أي: تغيظًا عليهم. كذلك قال المفسرون (1) . وقال قوم: "بل يسمعون فيها تَغَيُّظَ المعذبين وزفيرَهم". واعتبروا ذلك بقول الله جل ثناؤه: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} (2) واعتَبر الأوَّلون قولَهم، بقوله تعالى في سورة الملك: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} (3) وهذا أشْبَهُ التفسيرَين -إن شاء الله- بما أريد؛ لأنه قال سبحانه: {سَمِعُوا لَهَا} ؛ ولم يقل: سمعوا فيها، ولا منها. 13- {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} أي: بالهَلَكة. كما يقول القائل: واهَلاكاه!.
18- {نَسُوا الذِّكْرَ} يعني: القرآنَ. {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} أي هَلْكى، وهو من "بَارَ يَبُور": إذا هلَك وبطَل. يقال: بار الطعامُ، إذا كَسَد. وبارت الأيّمُ: إذا لم يُرغبْ فيها. وكان رسول الله -صلى الله عليه- يتعوَّذُ بالله من بَوَار الأيِّم (1) . قال أبو عبيدة: "يقال: رجل بُورٌ، [ورجُلان بُورٌ] ، وقوم بور. ولا يجمع ولا يثنى". واحتج بقول الشاعر: يا رسولَ المَلِيكِ! إنَّ لِساني ... راتِقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنَا بُورُ (2) وقد سمعنا [هم يقولون] : رجل بائرٌ. ورأيناهم ربما جمعوا "فاعِلا" على "فُعْلٍ"، نحو عائذٍ وعُوذٍ، وشارِفٍ وشُرْفٍ. 19- {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا} قال يُونُس: الصَّرفُ: الحيلةُ من قولهم: إنه لَيَتَصرَّف [أي يحتال] . فأما قولهم: "ما يُقبَل منه صَرْفٌ ولا عدْلٌ"؛ فيقال (3) إن العدل الفَرِيضةُ، والصرفَ النافلةُ. سميتْ صرفًا: لأنها زيادةٌ على الواجب. وقال أبو إدريسَ الخَولانِيُّ (4) "مَن طلبَ صَرْف الحديث -يبتغي به إقْبالَ وجُوه الناس إليه - لم يَرَحْ رائحةَ الجنةِ". أي طلب تحسينه بالزيادة فيه. وفي رواية أبي صالح: "الصَّرْف: الدِّيةُ. والعَدْلُ: رجلٌ مثلُه" كأنه يُراد: لا يُقبلُ منه أن يفتديَ برجل مثله وعدلِه، ولا أن يَصرفَ عن نفسه بديةٍ.
ومنه قيل: صَيْرَفِيٌّ، وصرَفتُ الدراهمَ بدنانير. لأنك تصرفُ هذا إلى هذا. {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ} أي يكفرْ. 20- {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} يعني: الشريفَ للوضيع، والوضيعَ للشريف. 21- {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي لا يخافون. 22- {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} أي: حرامًا محرَّمًا أن تكون لهم بُشْرَى. وإنما قيل للحرام حِجْرٌ: لأنه حُجِرَ عليه بالتحريم. يقال: حَجَرتُ حَُجْرًا. واسمُ ما حجرتَ عليه: حَِجْرٌ. 23- {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} أي عَمَدْنا إليه. {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} وأصل "الهباء المنثُور": ما رأيته في الكَُوَّة، مثلَ الغُبار، من الشمس. واحدها: هَبَاءة. و "الهباء المُنْبَثُّ": ما سطع من سنابك الخيل. وهو من "الهَبْوَة". والهبوةُ: الغبار. 25- {تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أي تتشقق عن الغمام. وهو: سحابٌ أبيضُ، فيما يُذْكر (1) .
27- {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا} أي سببًا ووُصْلةً. 30- {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} هجروا فيه، أي: جعلوه كالهذَيان. والهُجْر الاسم. يقال: فلان يَهْجُر في منامه، أي: يَهْذِي. 38- {وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} والرسُّ: المَعْدِن. قال الجعديُّ: تَنَابِلَةٌ يَحْفِرُونَ الرِّسَاسَا (1) أي آبارَ المعدن. وكلُّ رَكِيَّة تُطْوَى (2) فهي: رسٌّ. 39- {تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} أي أهلَكْنا ودمَّرْنا. 43- {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} يقول: يتَّبع هواه ويَدَعُ الحقَّ، فهو له كالإله. {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا} أي كَفِيلا. وقيل: حافظًا. 45- {كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} وامتدادُه: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} أي مستَقِرًّا دائمًا لا تَنْسَخُهُ الشمس. 46- {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} أي خفيًّا. كذلك هو في بعض اللغات. 47- {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} أي سِترًا. {وَالنَّوْمَ سُبَاتًا} أي راحةً. وأصل السُّبَات: التمدُّدُ. وقد بينت هذا في كتاب "المشكل" (3) .
{وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} أي ينتشِرُون فيه. 50- {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} يعني المطرَ: يَسقي أرضًا، ويتركُ أرضًا. 52- {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} أي بالقرآن. 53- {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أي خَلاهما. يقال: مَرَج السلطانُ الناسَ؛ إذا خَلاهم. ويقال: أَمْرَجَ الدابةَ؛ إذا رعاها. و (الْفُرَاتُ) العذْبُ. و (الأجَاجُ) أشدُّ المياه ملوحةً. وقيل: هو الذي يُخالطُه مرارة. ويقال: ماءٌ مِلحٌ؛ ولا يقال: مالحٌ. {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} أي حاجزا -وكذلك الحَجْز والحِجَاز-: لئلا يختلطا. 54- {خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} يعني من النُّطْفة. {فَجَعَلَهُ نَسَبًا} يعني: قَرَابةَ النَّسب. {وَصِهْرًا} يعني: قرابةَ النكاح. 55- {ظَهِيرًا} أي عونًا. 62- {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} أي يَخْلُفُ هذا هذا. قال زهير: بها الْعِينُ والآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَأطْلاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ (1)
"الآرَامُ ":الظِّبَاءُ البيض (1) . والآرام: الأعلام. واحده: أَِرَِمٌ. أي إذا ذهب فَوْجُ الوحش، جاء فوجٌ. 63- {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} أي عبيدُ الرحمن. نسبَهم إليه -والناسُ جميعًا عبيدُه-: [لاصطفائه] إيَّاهم. كما يقال: "بيت الله" -والبيوتُ كلُّها لله- و "ناقةُ اللَّهِ". {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} أي مشيًا رُوَيْدًا. {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} أي سَدَادًا من القول: لا رَفَثَ فيه، ولا هُجْرَ. 65- {كَانَ غَرَامًا} أي هَلَكةً. 68- {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} أي عقوبةً. قال الشاعر: [عَقُوقًا] والعُقُوقُ له أَثامُ (2) أي عقوبة. 72- {مَرُّوا كِرَامًا} لم يَخُوضُوا فيه، وأكرَمُوا أنفسَهم عنه. 73- {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} أي لم يتغافلوا عنها: فكأنهم صمٌّ لم يسمعُوها، عميٌ لم يَرَوْها. 77- {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} مفسر في كتاب "المشكل" (3) .
سورة الشعراء
سورة الشعراء مكية كلها إلا خمس آيات من آخرها (1) 7- {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي من كل جنس حَسَن. 14- {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} أي عندي ذنبٌ. 16- {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الرسول يكون بمعنى الجميع، كما يكون الضيفُ. قال: {هَؤُلاءِ ضَيْفِي} (2) وكذلك الطفلُ؛ قال: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا} (3) وقال أبو عبيدة: "رسولٌ بمعنى: رسالة". وأنشد: لَقَدْ كَذَبَ الواشُونَ; ما بُحْتُ عندَهمْ ... بِسِرٍّ, ولا أرسَلْتُهمْ برَسولِ (4) أي برسالة. 19- {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} للنِّعمة. 20- {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} قال أبو عبيدةَ (5) "يعني من الناسِين". واستَشْهد بقوله عز وجل في موضع آخرَ: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} أي تَنْسَى، {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} (6) . 22- {عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} اتَّخذتَهم عبيدًا.
36- {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} أي أخِّره وأخاه. 50- {قَالُوا لا ضَيْرَ} هي من "ضَارَه يَضُوره ويَضِيره" بمعنى: ضَرَّه. وقد قرئ بها: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (1) ؛ يعني: لا يَضُرُّكم شيئًا. 54- {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ} أي طائفة. 60- {فَأَتْبَعُوهُمْ} لَحِقُوهم. {مُشْرِقِينَ} مُصْبِحين حين شَرَقت الشمس، أي طَلَعتْ. يقال: أَشْرَقْنا؛ أي دخلنا في الشُّروق. كما يقال: أمْسَيْنا وأصْبَحْنا؛ إذا دخلنا في المَساء والصَّباح. ومنه قول العرب في الجاهلية: "أشْرِقْ ثَبِيرُ، كَيْما نُغِيرَ" (2) . أي ادخُلْ في شروق الشمس. 63- و (الطَّوْد) الجَبَل. 64- {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} قال الحسن: أهلَكْنا (3) . وقال غيره: (4) جَمَعْنا. أراد: جمعناهم في البحر حتى غَرِقوا. قال: ومنه قيل: "ليلةُ المُزْدَلِفَة" أي ليلة الازْدِلاف، وهو الاجتماع. ولذلك قيل للموضع: "جَمْعٌ". ويقال: {أَزْلَفْنَا} قَدَّمْنا وقرَّبْنا. ومنه "أزْلَفَك الله" أي قَرَّبك. ويقال أزلَفَني كذا عند فلان؛ أي قَرَّبَنِي منه منظرًا. و "الزُّلَفُ": المَنازل والمَراقي؛ لأنها تَدْنوا بالمسافر والراقي والنازل. وإلى هذا ذهب قَتَادةُ (5) فقال: قَرَّبهم الله من البحر حتى أغرقهم فيه،
ومنه: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} (1) أي أُدْنِيَتْ. وكلُّ هذه التأويلات متقاربةٌ يرجعُ بعضها إلى بعض. 89- {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي خالصٍ من الشِّرْك. 94- {فَكُبْكِبُوا فِيهَا} أي أُلقُوا على رءوسهم. وأصل الحرف: "كُبِّبُوا" من قولك: كَبَبتُ الإناء. فأبدَلَ من الباء الوسطى كافًا: استثقالا لاجتماع ثلاث باءات (2) . كما قالوا: "كُمْكِمُوا" من "الكُمَّة" - وهي: القَلَنْسُوَة- والأصل: "كُمِّمُوا" (3) . 118- {فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ} أي احكم بيني وبينهم واقض. ومنه قيل للقاضي: الفَتَّاحُ (4) . 119- و {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} المملوء. يقال: شَحَنْتُ الإناء، إذا ملأته. 128- (الرِّيعُ) الارتفاعُ من الأرض. جمع "رِيعَة". قال ذو الرُّمَّة يصف بازِيًا: طِرَاقُ الْخَوَافِي مُشْرِقًا فَوْقَ رِيعَةٍ ... نَدَى لَيْلِهِ في رِيشِهِ يَتَرَقْرَقُ (5) والرِّيع أيضًا: الطريقُ. قال المُسَيَّبُ بن عَلَسٍ -وذكر ظُعُنًا-: في الآلِ يَخْفِضُهَا ويَرْفَعُها ... رِيعٌ يلُوحُ كأنَّه سَحْلُ (6) و"السَّحْلُ": الثوب الأبيض. شَبَّه الطريق به.
والآيَةُ: العَلَم. 129- و (المَصَانِعُ) البناء. واحدها: "مَصْنَعَة". {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي كيْما تَخْلُدوا. وكأن المعنى: أنهم كانوا يَسْتَوْثِقُون في البناء والحصون، ويذهبون إلى أنها تُحَصِّنُهُم من أقدار الله عز وجل. 130- {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} يقول إذا ضَرَبْتُم: ضَرَبْتُم بالسياط ضَرْب الجبَّارين، وإذا عاقبتُم قتلتُم. 137- (إِنْ هَذَا إِلا خَلْقُ الأَوَّلِينَ) أراد: اخْتلاقَهم وكذبهم. يقال: خَلَقْتُ الحديثَ واخْتَلَقْتُهُ؛ إذا افْتَعَلْتُهُ. قال الفرَّاء: (1) "والعربُ تقول للخُرافات: أحاديثُ الخَلْق". ومن قرأ: {إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} أراد: عَادتهم وشأنَهم. 148- {طَلْعُهَا هَضِيمٌ} والهضيمُ: الطَّلْع قبل أن تَنْشَقَّ عنه القشور وتَنْفتح. يريد: أنه منضمٌ مُكتَنز. ومنه قيل: أهضَمُ الكَشْحَيْن، إذا كان مُنْضَمَّهما. 149- {فَارِهِينَ} أَشِرِين بَطِرِين. ويقال: الهاء فيه مبدلة من حاء، أي فَرِحِينَ. و"الفرحُ" قد يكون: السرورَ، ويكون: الأشَرَ. ومنه قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} (2) أي الأَشِرِين. ومن قرأ: (فَارِهِينَ) فهي لغة أخرى. يقال: فَرِهٌ وفارِهٌ، كما يقال: فَرِحٌ وفارِحٌ.
ويقال: (فَارِهِينَ) حاذِقين (1) . 153- {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} أي من المُعَلَّلِين بالطعام والشراب. يريدون: إنَّما أنت بشرٌ. وقد تقدم ذكر هذا (2) . 155- {لَهَا شِرْبٌ} أي حظٌّ من الماء. 168- {مِنَ الْقَالِينَ} أي من المُبْغِضِين. يقال: قَلَيْتُ الرجلَ، أي أبغضته. 176- {الأَيْكَة} الغَيْضَةُ. وجمعها: "أيْكٌ". 184- (الْجِبِلَّةَ) : الخَلْق. يقال: جُبِلَ فلانٌ على كذا وكذا؛ أي خُلِق. قال الشاعر: والموتُ أعظمُ حادثٍ ... مِمَّا يَمُرُّ على الجِبِلَّةْ (3) 187- (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسْفًا) (4) أي قطعةً. {مِنَ السَّمَاءِ} يقال: كِسْفٌ وكِسْفةٌ، كما يقال: قِطْعٌ وقِطْعةٌ. و "كِسَفٌ" (5) جمع "كِسْفَة"، كما يقال: قِطَعٌ [جمع قطعة] .
197- {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي علامةً. 198- {عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ} يقال: رجلٌ أعجمُ، إذا كانت في لسانه عُجْمَةٌ، ولو كان عربيَّ النَّسبِ، ورجلٌ أعجميٌّ: إذا كان من العَجَم، وإن كان فصيحَ اللسان (1) . 200- {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} يعني: التكذيب، أدخلناه {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} 212- {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} أي عن الاستماع بالرَّجْم (2) . 223- وقوله: {يُلْقُونَ السَّمْعَ} أي يَسْتَرِقُونه. 224- {يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} قوم يتَّبعونهم يَتَحَفَّظون سبَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويَرْوونه. 225- {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} أي في كل وادٍ من القول، وفي كل مذهب. {يَهِيمُونَ} يذهبون كما يذهب الهائمُ على وجهه (3) .
سورة النمل
سورة النمل مكية كلها (1) 6- {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ} أي: يُلْقَى عليك فتَلَقَّاه أنت، أي تأخذُه. 7- (الشِّهَابُ) النارُ. والشهاب: الكوكب؛ في موضع آخر (2) . و (القَبَسُ) النارُ تُقْبَسُ. يقال: قَبَستُ النار قبْسًا. واسم ما قبَست: "قَبَسٌ". 10 - (الْجَانُّ) الحَيَّة التي ليست بعظيمة. {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يرجع. ويقال: لم يلتفت (3) يقال: كَرَّ على القوم وما عَقَّب. ويرى أهل النظر: أنه مأخوذ من "العَقِْب" (4) . 10-11- {يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلا مَنْ ظَلَم} مفسَّرٌ في كتاب "تأويل المشكل" (5) .
12- {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ} أي هذه الآيةُ مع تسع آيات (1) . 16- {مَنْطِقَ الطَّيْرِ} قال قتادة (2) : النملُ من الطير. 17 - {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يدفعون (3) . وأصل "الوَزْع": الكفُّ والمنعُ. يقال: وزَعتُ الرجل؛ إذا كففته. و "وازِعُ الجيش" هو الذي يكفُّهم عن التفرُّق، ويردُّ من شذَّ منهم. 19- وقوله: {رَبِّ أَوْزِعْنِي} أي ألهِمْني (4) . وأصل "الإيزَاع": الإغراء بالشيء. يقال: أوْزَعْتُه بكذا، أي أغريتُه به. وهو مُوزَعٌ بكذا، ومُولَعٌ بكذا. ومنه قول أبي ذُؤَيْب في الكلاب: أُولَى سَوَابِقِها قَرِيبًا تُوزَعُ (5) أي تُفْرَى بالصيد. 21- {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} يقال: نتْفُ الرِّيش (6) . {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي بعُذرٍ بَيِّنٍ. 23- {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} أي سرير. 25- {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي المستَتِرَ فيهما.
وهو من "خبَأْتُ الشيءَ": إذا أخفيته. وقالوا: "خبْءُ السماء: المطر. وخَبْءُ الأرض: النباتُ (1) ". 29- {أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} أي شريفٌ: بشرف صاحبِه. ويقال: بالخاتِم (2) . 31- {أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ} من "العُلوِّ": أي لا تتكبَّروا. 37- {لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} أي لا طاقة. 39- {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} أي شديدٌ وثيقٌ وأصله: "عِفْرٌ" (3) زيدتْ التاء فيه. يقال: عِفْرِيتٌ نِفْرِيتٌ، وعِفْرِيَةٌ ونِفْرِيَةٌ، وعُفَارِيَةٌ ولم يُسمع بـ"نُفَارِيَة" (4) . {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} أي من مجلسك الذي قعدت فيه للحكم. قال الله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} (5) أي في مجلس. ويقال للمجلس: مَقَامٌ ومقامةٌ. وقال في موضع آخر: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} (6) أي في مجلسِ. 40- وقوله: {قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} ؛ قيل في تفسير أبي صالح: "قبل أن يأتيك الشيءُ (7) من مَدِّ البصر" ويقال: بل أراد قبْل أن تَطْرِفَ. {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} أي رأى العرش.
41- {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} أي غيِّروه. يقال (1) نَكَّرْتُ الشيء فتَنَكَّر، أي غيَّرتُه فتغيَّر. 44- (الصَّرْح) القصر. وجمعه: "صُروحٌ". ومنه قول الهُذَلِي: تَحْسَِبُ أَعْلامَهُنَّ الصُّروحَا (2) ويقال (3) "الصَّرحُ: بلاطٌ اتُّخِذ لها من قَواريرَ، وجُعل تحته ماء وسمكٌ". و (المُمَرَّدُ) الأمْلس. يقال: مَرَّدْتُ الشيءَ؛ إذا بَلَّطته وأمْلسته. ومن ذلك "الأمْرَدُ": الذي لا شعرَ على وجهه. ويقال للرملة التي لا تُنْبِتُ: "مَرْدَاءُ". ويقال: الممرَّدُ المطوَّل (4) . ومنه قيل لبعض الحصون: "مارِدٌ". ويقال في مَثَل "تَمَرَّدَ ماردٌ، وعَزَّ الأبْلَقُ". وهما حِصْنان (5) . 47- {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} أي تَطَيَّرنا وتشاءَمْنا بك (6) . فأدغَمَ التاء في الطاء، وأثبَتَ الألف: ليسلمَ السكونُ لما بعدها.
{قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي ليس ذلك مني، وإنَّما هو من الله. {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} أي تُبْتَلُون. 49- {تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} أي تحالَفُوا بالله: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي لنهلكنهم ليلا، (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلَكَ أَهْلِهِ) مُهْلَكَهُم (1) . {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} أي لنقولن له [ذلك] وإنا لصادقون. 60- (الحَدَائِقُ) البساتينُ. واحدها: "حَدِيقَةٌ". سميت بذلك: لأنه يُحْدَقُ عليها، أي يُحْظَرُ [عليها حائطٌ] (2) . ومنه قيل: حَدَّقْتُ بالقوم؛ إذا أحطت بهم. {ذَاتَ بَهْجَةٍ} ذاتَ حُسن. 65- {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} مَتَى يُبعثون. 66- {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ} أي تَدَارَك ظنهم في الآخرة، وتَتَابَع بالقول والحَدْس (3) . {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} أي من عِلْمِها. 72- {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} أي تَبِعَكم. واللام زائدة، كأنه "رَدِفَكم". وقيل في التفسير: "دَنَا لكم" (4) .
82- {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} أي وَجَبَتِ الحُجَّة. 83- {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يُحْبَسُ أوَّلُهم على آخرهم (1) . 88- {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} أي واقفةً: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ} تَسِيرُ سَيْرَ {السَّحَابِ} هذا إذا نُفِخ في الصُّورِ. يريد: أنها تُجْمَعُ وتُسَيَّرُ، فهي لكثرتها كأنها جامدةٌ: وهي تَسيرُ. وقد بينا هذا في كتاب "تأويل المشكل" (2) .
سورة القصص
سورة القصص (1) 3- {مِنْ نَبَإِ مُوسَى} أي من خَبَرِه. {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} أي فِرَقًا وأصْنافًا في الخدمة. {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} يعني: بني إسرائيلَ (2) . 5- {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} للأرض. 7- {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} أي ألقَيْنا في قلبها. ومثله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} (3) . {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} أي في البحر. 8- {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} لم يلتقطوه في وقتهم ذاك لهذه العلةِ. وإِنَّما التقطوه: ليكونَ لهم ولدًا بالتَّبَنِّي؛ فكان عدوًّا وحُزْنًا فاختُصر الكلامُ. 10- {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} قال أبو عبيدة: "فارغًا من الحزن لعلمها أنه لم يُقتل"؛ أو قال: لم يَغْرَق (4) . وهذا من أعجب التفسير. كيف يكون فؤادُها من الحزن فارغًا في وقتها ذاك، واللهُ سبحانه يقول: {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} ؟! وهل يُربَطُ إلا على قلب
الجازع والمحزون؟! والعربُ تقول للخائف والجبان: "فؤاده هواء". لأنه لا يَعِي عزمًا ولا صبرًا. قال الله {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} (1) . وقد خالفه المفسرون إلى الصواب (2) فقالوا أصبح فارغًا من كل شيء إلا من أمر موسى؛ كأنها لم تهتمَّ بشيء -مما يهتم به الحيُّ- إلا أمْرَ ولدِها. 11- {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي قُصِّي أثرَه واتَّبعيهِ. {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} أي عن بُعدٍ منها عنه وإعراضٍ: لئلا يَفْطُنوا لها. و"المجانبةُ" من هذا. {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} بها. 12- {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} أي منعناه أن يرضع [منهن] و"المراضع": جمع "مُرْضِع". {يَكْفُلُونَهُ} أي يَضُمُّونه إليهم. 14- {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} قد تقدم ذكره (3) . {وَاسْتَوَى} أي اسْتَحْكَم وانتهى شبابُه واستقرَّ: فلم تكن فيه زيادةٌ. 15- {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} يقال: نصفُ النهار. {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} أي من أصحابه. يعني: بني إسرائيلَ. {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} أي من أعدائه. و "العَدوُّ" يدل على الواحد، وعلى الجمع (4) .
{فَوَكَزَهُ مُوسَى} أي لَكَزَهُ. يقال وَكَزْتُهُ ولَكَزْتُهُ [ونَكَزْتُهُ ونَهَزْتُهُ] ولَهَزْتُهُ؛ إذا دَفَعته. {فَقَضَى عَلَيْهِ} أي قتله. وكلُّ شيء فَرَغتَ منه: فقد قضَيتَه، وقضيتَ عليه. 18- {خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} أي ينتظرُ سوءًا ينالُه منهم. {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} أي يستغيثُ به. يعني: الإسرائيليَّ. {قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} يجوز أن يكون هذا القولُ للإسرائيليّ (1) . أي أغْوَيْتَنِي بالأمس حتى قتلتُ بنُصرتِك رجلا. ويجوز أن يكون لعدوِّهما (2) . {يَسْعَى} أي يُسرِعُ [في مشيه] (3) . {قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ} يعني: الوُجوهَ من الناس والأشراف (4) . {يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} قال أبو عبيدة: (5) "يتشاورون فيك ليقتلوك". واحتَج بقول الشاعر: أحارُ بنَ عمرٍو! كأنِّي خَمِرْ ... ويَعْدُو على المرءِ ما يَأْتَمِرْ (6) وهذا غلط بيّنٌ لمن تدبر، ومضادَّةٌ للمعنى. كيف يعدو على المرء ما شاور فيه،
والمشاورةُ بركة وخير؟! وإنما أراد: يعدو عليه ما همّ به للناس من الشر. ومثله: قولهم: "مَن حفر حفرة وقع فيها". وقوله: {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ} أي يَهِمُّون بك. يَدُلُّك على ذلك قولُ النَّمِر بن تَوْلَب: اعْلَمَنْ أنْ كلَّ مُؤْتَمَرٍ ... مُخْطِئٌ في الرَّأي أحْيَانَا (1) فإذَا لم يصِبْ رَشَدًا ... كانَ بعضُ الَّلومِ ثُنْيَانَا يعني: أن كل من ركب هواهُ وفعل ما فعل بغير مشاورة فلا بد من أن يخطئَ أحيانًا. فإذا لم يُصبْ رُشْدًا لامَهُ الناسُ مرتَيْن: مرةً لركوبه الأمرَ بغير مشاورة، ومرةً لغلطه. ومما يدلك على ذلك أيضا قولُه عز وجل: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} (2) لم يُرِد تَشاوَرُوا، وإنما أراد: هُمُّوا به، واعتَزِموا عليه. وقالوا في تفسيره: هو أن لا تُضِرّ المرأةُ بزوجها، ولا الزوجُ بالمرأة. ولو أراد المعنى الذي ذهب إليه أبو عُبيدةَ، لكان أوْلَى به أن يقول: "إن الملأََ يَتَآمَرُون فيك" أي يَسْتَأمِرُ بعضُهم بعضًا. 22- {تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} أي تِجَاهَ مدينَ ونحوها. وأصله: "اللِّقاءُ". زيدتْ فيه التاءُ. قال الشاعر: فالْيَوْمَ قَصَّرَ عن تِلْقَائهِ الأَمَلُ (3)
أي عن لقائه. {سَوَاءَ السَّبِيلِ} أي قَصْدَه. 23- {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} أي جماعةً (1) . {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} أي تكُفَّان غَنَمهما. وحُذِف "الغنمُ" اختصارًا. وفي تفسير أبي صالح: "تحبسُ إحداهما الغنمَ على الأخرى". (2) {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا} أي ما أمرُكما؟ وما شأنُكما؟. (يَصْدُرَ الرِّعَاءُ) (3) أي يرجعَ الرعاءُ. ومن قرأ: {يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} ؛ أراد: يردَّ الرعاءُ أغنامَهم عن الماء. 27- {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} أي تُجازيَني عن التَّزْويج، والأَجرُ من الله إنَّما هو: الجزاءُ على العمل. 28- {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} قال المفسرون: لا سبيل عليَّ. والأصلُ من "التَّعدِّي"، وهو: الظلم. كأنه قال: أيَّ الأَجَلَيْنِ قضيتُ، فلا تعتدِ عليَّ بأن تُلزمَني أكثرَ منه. 29- {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} أي قطعةٍ منها. ومثلها الجِذْمة (4) وفي التفسير: "الجذوةُ عودٌ قد احترق".
32- {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} أي أدْخِلْ يدَك، يقال: سَلَكتُ يدي وأسلكتُها (1) . (الجَنَاحُ) الإبْطُ. والجَناح: اليد أيضا. {الرَّهْبِ} والرَّهَبُ [والرُّهْبُ] (2) والرَّهْبةُ واحدٌ. {بُرْهَانَانِ} أي حُجَّتان. 34- {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} أي مُعينًا. يقال: أردأْتُه على كذا، أي أعنْتُه. 35- {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} أي حُجَّةً. 38- {فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ} أي اصنعْ لي الآجُرَّ. {فَاجْعَلْ لِي} منه {صَرْحًا} أي قصرًا عاليًا. 45- {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} أي مقيمًا. يقال: ثَوَيْتُ بالمكان؛ إذا أقمت به. ومنه قيل للضيف: الثَّوِيُّ. 48- (سَاحِرَانِ (3) تَظَاهَرَا) أي تَعاوَنَا. 51- {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} أي أتْبَعنا بعضه بعضًا، فاتَّصل عندهم. يعني: القرآن. 57- {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} أي ألم نُسْكِنْهُم إيَّاه ونجعله مكانًا لهم؟!.
58- {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} أي أشِرَت. وكأن المعنى: أبْطَرَتْهَا معيشتُها. كما تقول: أَبْطَرَكَ مالُك، فَبَطِرتَ. 59- {فِي أُمِّهَا رَسُولا} أي في أعظَمِها. 61- {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} أي محضَرِي النارِ. 63- {الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي وَجَبتْ عليهم الحُجةُ، فوجب العذابُ. 66- {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ} أي عَمُوا عنها -من شدة الهول يومئذٍ- فلم يُجيبوا. و"الأنباءُ": الحُججُ هاهنا. 68- {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} أي يختارُ للرسالة. {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} أي لا يُرسل اللَّهُ الرسلَ على اختيارهم. 71- (السَّرْمَدُ) الدائمُ. 75- {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} أي: أحضَرْنا رسولَهم المبعوث إليهم. 76- {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} أي تميلُ بها العصبةُ -إذا حملتْها- من ثقلها. يقال: ناءتْ بالعُصبة، أي مالتْ بها. وأناءَت العصبةَ: أمَالَتْها. ونحوه في المعنى قوله: {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} (1) أي لا يُثْقِله حتى يَؤُودَه، أي يُميلَه.
و"العُصْبة": ما بين العشرة إلى الأربعين. وفي تفسير أبي صالح: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} يعني: الكنز نفسه وقد تكون "المفاتحُ": مكان الخزائن. قال في موضع آخر: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} (1) أي ما ملكتُموه: من المخزون. وقال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} (2) نرى: أنها خزائنُه. {لا تَفْرَحْ} لا تأشَرْ، ولا تَبْطَرْ. قال الشاعر: ولستُ بمِفْرَاحٍ إذا الدهرُ سَرَّني ... ولا جازعٍ من صَرْفه المُتَحَوِّلِ (3) أي لست بأَشِرٍ. فأمَّا السرورُ فليس بمكروه. 77- {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} أي لا تترُك حظَّك منها. 78- {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} أي لفضلٍ عندي. وروي في التفسير: أنه كان أَقْرأَ بني إسرائيلَ للتوراة (4) . {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} قال قتادة (5) يدخُلُون النار بغير حساب. وقال غيره (6) يُعْرَفون بسيمَاهم.
80- {وَلا يُلَقَّاهَا} أي لا يُوَفَّقُ لها. ويقال: يُرزَقُها. 82- {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ} قال قتادةُ: هي "ألم تعلم! ". وقال أبو عبيدةَ: سبيلُها سبيلُ "أَلَمْ تَرَ؟ ". وقد ذكرت الحرفَ والاختلاف فيه، في كتاب "تأويل المشكل" (1) . 85- {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} أي أوجب عليك العمل به. وقال بعض المفسرين (2) أنزله عليك. {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قال مجاهد: يعني مكةَ. وفي تفسير أبي صالح: "أنَّ جبريل -عليه السلام- أتى رسول الله صلى الله عليه وسلمُ فقال: أتشتاقُ إلى مولدِك ووطنِك، يعني: مكة؟ قال: نعم. فأنزل الله عز وجل هذه الآية: وهو فيما بين مكةَ والمدينةِ". وقال الحسن والزُّهريُّ - أحدهما: "معادُه: يومُ القيامة"؛ والآخر: "معادُه: الجنة". وقال قتادة: هذا مما كان ابن عباس يكتُمُه (3) .
سورة العنكبوت
سورة العنكبوت 2- {وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} أي لا يُقْتَلُون و [لا] يعذَّبُون. 3- {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي ابتليناهم. 5- {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ} أي يخافُه. 12- {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا} أي: دينَنا. {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} أي: لِنحملْ عنكم ذنوبَكم. والواو زائدة. 13- {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أي: أوْزارَهم. {وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} أوزارًا مع أوزارِهِم. قال قتادة: "من دعا قومًا إلى ضلالة، فعليه مثلُ أوزارِهم من غير أن ينْقُصَ من أوزارِهم شَيْءٌ" (1) . 14- {الطُّوفَانُ} المطر الشديد. 17- (الأَوْثَانُ) واحدها: وَثَنٌ. وهو: ما كان من حجارة أو جَصٍّ. {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} أي: تَخْتَلِقُونَ كَذِبًا (2) 21- {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} أي: تُرَدُّون.
22- {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} أي: ولا من في السماء [بمعجزٍ] (1) . 27- {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} بالولد الطَّيِّبِ، وحُسن الثناء عليه. 29- {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} و"النادي": المجلسُ. و"المنكر" مَجْمَعُ الفواحش من القول والفعل. وقد اخْتُلِفَ في ذلك المنكرِ. 40- {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} يعني: الحجارةَ. وهي: الحَصْباءُ أيضا. يعني: قومَ لوطٍ. 45- {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} قالوا: المُصلِّي لا يكون في منكرٍ ولا فاحشةٍ ما دام فيها (2) {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} يقول: ذِكرُ اللهِ العبدَ -ما كان في صلاته- أكبرُ من ذكرِ العبدِ للهِ. ويقال: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) أي التسبيحُ والتكبيرُ أكبرُ وأحْرَى بأن يَنْهى عن الفحشاء والمنكر. 48- {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} يقول: هم يجدُونك أُمِّيًّا في كتبهم فلو كنتَ تكتبُ لارْتابُوا. 58- {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} أي لنُنزلَنَّهم. ومن قرأ: (لَنُثْوِيَنَّهُمْ) (3) ،فهو من "ثَوَيْتُ بالمكان" أي أقمتُ به.
60- {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ} أي كم من دابةٍ {لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} لا ترفَعُ شيئًا لغدٍ؛ {اللَّهُ يَرْزُقُهَا} قال ابن عُيَيْنَةَ: "ليس شيءٌ يَخْبَأُُ إلا الإنسانَ والنملةَ والفأْرةَ". 64- {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} يعني: الجنةُ هي دارُ الحياة؛ أي لا موتَ فيها.
سورة الروم
سورة الروم مكية كلها 1-2- {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ} مفسر في كتاب "تأويل مشكل القرآن" (1) . 9- {وَأَثَارُوا الأَرْضَ} أي قَلَبُوها للزراعة. ويقال للبقرة: المثيرةُ؛ قال الله تعالى: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ} (2) . 10- (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى) وهي: جهنم -و {الْحُسْنَى} الجنَّةُ؛ في قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} (3) - {أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ} أي كانت عاقبتُهم جهنمَ بأن كذَّبوا بآيات الله. 15- {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أي يُسَرُّون. و "الحَبْرَة": السُّرُورُ. ومنه يقال: "كلُّ حَبْرَةٍ تَتْبَعُهُا عَبْرَةٌ". 18- {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} أي تَدخُلون في الظَّهِيرةِ وهو وقتُ الزَّوال. 26- {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} أي مُقِرُّون بالعبوديَّة (4) . 27- {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} قال أبو عبيدةَ (5) "وهو هيِّنٌ عليه؛ كما يقال:
الله أكبرُ أي كبيرٌ. وأنتَ أوحدُ أي واحدُ الناس. وإني لأوْجَلُ أي وَجِلٌ. وقال أوْس بن حَجَر: وقد أُعْتِبُ ابنَ العمِّ إن كنتُ ظالمًا ... وأغفِرُ عنه الْجهلَ إن كان أجْهَلا (1) أي إن كان جاهلا". وفي تفسير أبي صالح: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أي على المخلوق. لأنه يقاله له يوم القيامة: كن، فيكونُ. وأولُ خَلْقِه نطفةٌ، ثم عَلَقةٌ، ثم مُضْغةٌ (2) ". 28- {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} مفسَّرٌ في كتاب "تأويل المشكل" (3) . 30- {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} أي خِلْقَة الله التي خَلق الناسَ عليها؛ وهي: أنْ فَطَرهم جميعًا على أن يعلموا أن لهم خالقًا ومدَبِّرًا (4) . {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} أي لا تغييرَ لما فَطَرهم عليه من ذلك. ثم قال عز من قائل: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 31- {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} أي مُقبِلين إليه بالطاعة. ويقال: أنابَ يُنِيبُ؛ إذا رجع عن باطلٍ كان عليه. 35- {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} ؟ أي عذرًا. ويقال: كتابًا. ويقال:
برهانا. {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} فهو يَدُلُّهُم على الشركِ. وهو مجاز (1) . 36- {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} أي نعمةً. {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي مصيبةٌ. 39- {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} أي ليزيدَكم من أموال الناس. {فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} قال ابن عباس: "هو الرجلُ يُهدِي الشيءَ يُريدُ أن يُثابَ أفضلَ منه. فذلك الذي لا يَرْبُو عند الله" (2) . {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ} أي من صدقة. {تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} أي الذين يجدون التضعيف والزيادة (3) . 41- {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أي أجْدَب البرُّ وانقطعتْ مادَّةُ البحر بذُنوب الناس. 44- {فَلأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} أي يعملون ويُوَطِّئُون. و"المِهادُ": الفراش. 48- {فَتَرَى الْوَدْقَ} أي المطرَ. {يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} أي من بين السحاب. 49- {لَمُبْلِسِينَ} أي يائسين. يقال: أبلَسَ؛ إذا يئس.
50- {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} يعني: آثارَ المطر. 54- {خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} أي من مَنِيٍّ. 55- {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} يحلِفُون -إذا خرجوا من قبورهم-: أنهم ما لبثوا فيها غير ساعة. {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} في الدنيا. أي كَذَبوا في هذا الوقتِ كما كانوا يكذِبُون من قبلُ. ويقال: أُفِكَ الرجلُ؛ إذا عُدِل به عن الصدق وعن الخير. وأرضٌ مأْفوكةٌ، أي محرومةُ المطرِ. 56- {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} أي لبثتم في القبور -في خَبَرِ الكتابِ- إلى يوم القيامة.
سورة لقمان
سورة لقمان (1) 6- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} نزلت في النَّضْر بن الحارث (2) ؛ وكان يشتري كتبًا فيها أخبارُ الأعاجم، ويحدثُ بها أهلَ مكةَ، ويقول: "محمدٌ حدثكم أحاديثَ عادٍ وثمودَ؛ وأنا أحدثُكم أحاديثَ فارسَ والرُّومِ وملوكِ الحِيرةِ". 14- {وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} أي ضَعفًا على ضعفٍ. {وَفِصَالُهُ} فِطَامُه. 16- {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} أي يُظهرْها اللهُ ولا تَخْفَ عليه. 18- {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} أي لا تُعْرِضْ بوجهك وتتكبرْ. و"الأَصْعَرُ" من الرجال: المُعرضُ بوجهه [كِبْرًا] . 19- {إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ} أي أقبحَها. عَرَّفَه قبْحَ رفعِ الصوتِ في المخاطبة وفي الملاحاة بقبح أصوات الحمير؛ لأنها عاليةٌ. 32- {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} جمع "ظُلَّة". يريد: أَنَّ بعضه فوق بعض، فله سوادٌ من كثرته. والبحر ذو ظلال لأمواجه. قال الْجَعديُّ: يُعارِضُهُن أخضرُ ذُو ظِلالٍ ... على حافَاتِه فِلَقُ الدِّنَانِ (3) يعني: البحرَ. و (الخَتَّارُ) : الغدَّار. و"الخَتْرُ": أقبحُ الغدرِ وأشدُّه. 33- {لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} أي لا يُغني عنهُ ولا ينفعُه. {الْغَرُورُ} الشيطان؛ و"الغُرُور" بضم الغين: الباطلُ.
سورة السجدة
سورة السجدة وهي مكية كلها إلا ثلاث آيات من قوله: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا} إلى قوله: {كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (1) . 5- {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} أي يَقْضي القضاء. {مِنَ السَّمَاءِ} فيُنزلُه {إِلَى الأَرْضِ (2) ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أي يصعَدُ إليه. {فِي يَوْمٍ} واحدٍ {كَانَ مِقْدَارُهُ} أي مسافةُ نزولِه وصعودِه. {أَلْفَ سَنَةٍ} يريد: نزولَ الملائكةِ وصعودَها. 10- {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ} ؟ أي بَطَلنا وصرنا ترابًا (3) . 11- {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} هو مِن "تَوَفِّي العدَدِ واستِيفائه". وأنشد أبو عبيدةَ: إنَّ بَنِي الأَدْرَمِ لَيْسُوا من أحَدْ ... لَيْسُوا إِلى قَيْسٍ ولَيْسُوا من أسَدْ ولا تَوَفَّاهُمْ قُرَيْشٌ في العَدَدْ (4) أي لا تجعلهم [قريشٌ] وفاءً لعَدَدها. والوفاء: التَّمام. 16- {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} أي ترتفعُ. 26- {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} أي يُبيِّنْ لهم (5) .
27- {الأَرْضِ الْجُرُزِ} الغليظة اليابسة التي لا نبتَ فيها (1) . وجمعها: "أجْرازٌ". ويقال: سِنُونَ أجْرازٌ؛ إذا كانت سِنِي جَدْبٍ. 28- {مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} ؟ يعني: فتْحَ مكةَ. 29- {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} يقال: "أراد قتْلَ خالدِ بن الوليد -يومَ فتحِ مكة- مَن قَتَل" (2) . والله أعلم.
سورة الأحزاب
سورة الأحزاب مدنية كلها (1) 4- {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} من تَبَنَّيْتُمُوه واتَّخَذْتُمُوهُ ولدًا. يقول: ما جعلهم بمنزلةِ ولدِ الصُّلبِ؛ وكانوا يورِّثون من ادَّعَوه. {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} أي قولُكم على التَّشبيهِ والمجازِ، لا على الحقيقة. {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} 5- {هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أي أعدلُ وأصحُّ. 6- {مَسْطُورًا} أي مكتوبًا. 10- {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} أي عَدَلتْ. {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} أي كادت تبلُغ الحُلوقَ من الخوف (2) . 11- {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} أي شُدِّد عليهم وهُوِّل. و"الزِّلازلُ": الشدائدُ. وأصلها من "التحريك". 13- {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي خاليةٌ، فقد أمْكَن من أراد دخولَها، وأصل "العورة": ما ذهب عنه السِّترُ والحفظُ؛ فكأن الرجال سِترٌ وحفظٌ للبيوت، فإذا ذهبوا أعْوَرت البيوتُ. تقول العرب: أعْوَرَ مَنزلُك؛ إذا ذهب سِترُه، أو
سقط جِدارُه. وأعْوَرَ الفارسُ: إذا بدا فيه موضعُ خللٍ للضرب بالسيف أو الطعن. يقول الله: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} ؛ لأن الله يحفظها. ولكن يريدون الفِرارَ. 14- {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} أي من جوانبها. {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ} أي الكفرَ-: {لآتَوْهَا} أي أعطَوْا ذلك مَن أراده. {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا} أي بالمدينة. ومن قرأ: (لأتوها) بقصر الألف (1) أراد: لصاروا إليها. 19- {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} يقول: آذَوْكم بالكلام [الشديد] (2) . يقال: خطيبٌ مِسْلَقٌ ومِسْلاقٌ. وفيه لغة أخرى: "صَلَقُوكُمْ"؛ ولا يُقْرأُ بها. وأصل "الصَّلْق": الضربُ. قال ابن أحمرَ -يصف سوطا ضرب به ناقته-: كأنَّ وَقْعتَه -لَوْذَانَ مِرْفَقِها- ... صَلْقُ الصَّفَا بأدِيمٍ وقْعُه تِيَرُ (3) 23- {مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أي قُتل. وأصل "النحب": النذرُ. وكان قوم نَذَروا -إن لقوا العدوَّ-: أن يُقاتلوا حتى يُقتَلوا أو يَفتحَ اللهُ؛ فقُتِلوا. فقيل: فلانٌ قَضى نحْبَه؛ إذا قُتل (4) . 26- {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} أي من حُصونهم. وأصل "الصَّياصي": قرونُ البقر؛ لأنها تمتنعُ بها وتدفعُ عن أنفسها. فقيل للحصون صياصي: لأنها تَمنع.
30 و31- {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} قال أبو عبيدة: يُجعل الواحدُ ثلاثةً [لا] (1) اثنين. هذا معنى قول أبي عبيدةَ. ولا أراه كذاك؛ لأنه يقول بعدُ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} أي يُطعهْما: {وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} ؛ فهذا يدلُّ على أن "الضِّعفين" ثَمَّ أيضًا: مِثْلان. وكأنه أراد: يُضَاعف لها العذابُ، فيجعل ضعفَيْن، أي مثلَيْن، كلُّ واحد منهما ضعفُ الآخر. وضعفُ الشيء: مِثلُه. ولذلك قرأ أبو عَمْرٍو: (يُضَعَّفْ) لأنه رأى أن "يضعَّف" للمِثْل و "يضاعف" لما فوق ذلك. وهذا كما يقول الرجل: إن أعطيتَني درهمًا كافأتُك بضِعفَيْن -أي بدرهمين- فإن أعطيتَني فردًا أعطيتُك زوجَيْنِ؛ يريد اثنين. ومثلُه: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} (2) أي مِثْلَين. 32- {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} أي فلا تُلِنَّ القولَ {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي فجورٌ؛ {وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} أي صحيحًا: لا يُطمع فاجرًا. 33- (وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (3) من الوقار يقال: وَقَرَ في منزله يَقِرُ وَقُورًا (4) . ومن قرأ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} بنصب القاف؛ جعله من "القرار". وكأنه من "قَرَّ يَقَرُّ" بفتح القاف. أراد: "اقْرَرَنْ في بيوتكن"؛ فحذف الراء
الأولى، وحوَّل فتحتها إلى القاف. كما يقالُ: ظَلْن في موضع كذا؛ من "اظْلَلْنَ". قال الله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (1) . ولم نسمع بـ "قَرَّ يَقَرُّ" إلا في قُرة العين. فأمَّا في الاستقرار فإنما هو "قَرَّ يَقِرُّ" بالقاف مكسورةً. ولعلها لغةٌ (2) . 38- {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} أي أحَلَّ الله له (3) . {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أنه لا حرجَ على أحد فيما لم يَحرُم عليه. 42- و (الأصيلُ) ما بين العصر إلى الليل. 43- {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} أي يباركُ عليكم. ويقال: يغفرُ لكم. {وَمَلائِكَتُهُ} أي تستغفرُ لكم (4) . 50- {آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي مُهورَهن. 51- {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} أي تؤخرْ. يُهْمَزُ ولا يُهْمَزُ (5) . يقال: أرْجَيْتُ الأمرَ وأرجأْتُه. {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} أي تَضمُّ. قال الحسن (6) : "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب امرأةً لم يكن لأحد أن يخطبَها حتى يَدَعَها النبيُّ صلى الله عليه وسلمُ أو يتزوجَها".
ويقال: "هذا في قسمة الأيام بيْنَهن؛ كان يسوِّي بينَهن قبلُ ثم نزل. [أي] تؤخرُ من شئتَ فلا تُقْسِمُ له. وتَضُمُّ إليك مَن شئتَ بغير قسمة" (1) . 52- {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} قَصَرَه على أزواجه، وحَرَّم عليه ما سواهنَّ إلا ما ملكتْ يمينُه من الإماء. 53- {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي منتظِرين وقتَ إدراكه (2) . 59- {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} أي يلبَسْنَ الأرْدية. 60- {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي لنُسلطَنَّك عليهم، ونُولِعَنَّك بهم. 70- {قَوْلا سَدِيدًا} أي قصْدًا. 72- {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} يعني: الفرائضَ. {عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} بما فيها من الثواب والعقاب. {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} وعُرضتْ على الإنسان -بما فيها من الثواب والعقاب- فحَمَلها. وقال بعض المفسرين: "إن آدمَ لما حضرتْه الوفاة قال: يا ربِّ! مَن أَسْتَخْلِفُ بعدي؟ فقيل له: اعرِضْ خلافتَك على جميع الخلق، فعَرَضها، فَكلٌّ أباها غيرَ ولدِه" (3) .
سورة سبأ
سورة سبأ مكية كلها 2- {مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ} أي يَدخلُ. {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} أي يصعَدُ. 3- {لا يَعْزُبُ عَنْهُ} لا يبعُدُ. {مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} أي وزنُ ذرةٍ، وهي: النملة الحمراء الصغيرة. 5- {مُعَاجِزِينَ} أي مسابِقِين. يقال: ما أنت بمُعاجِزِي، أي بمُسابِقِي. وما أنت بمُعْجِزِي، أي سابِقِي وَفائِتِي. 9- {كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} قطعةً. و "كِسَفًا": قِطَعًا؛ جمع كِسْفَةٍ. 10- {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} أي سَبِّحي (1) . وأصله: التأْويبُ في السير؛ وهو: أن تسيرَ النهارَ كلَّه وتنزلَ ليلا. قال ابن مُقْبِل: [لَحِقْنا بحيٍّ] أوَّبُوا السَّيرَ بعدَ مَا ... دَفَعْنا شُعاعَ الشمسِ والطَّرْفُ يَجْنَحُ (2) كأنه أراد: أوِّبِي النهارَ كلَّه بالتسبيح إِلى الليل. 11- (السابغات) الدُّروعُ الواسعةُ.
{وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي في النَّسْج، أي لا تَجعل المساميرَ دِقاقًا فَتَقْلَقَ ولا غِلاظًا فتكسِّرَ الحَلَقَ. ومنه قيل لصانع [حَلَقِ] الدُّروعِ: سَرَّادٌ وزَرَّادٌ. تبدل من السين الزايُ، كما يقال: سَرَّاطٌ وزَرَّاطٌ. والسَّرْدُ: الخَرَزُ أيضًا. قال الشَّمَّاخ: كما تَابَعَتْ سَرْدَ العِنَانِ الْخَوَازِرُ (1) ويقال للإثْفَى: مِسْرَدٌ وسِرَادٌ. 12- {وَأَسَلْنَا لَهُ} أذَبْنا لهُ. يقال: سال الشيءُ وأسَلْتُه. والقِطْرُ: النُّحاس. 13- {مَحَارِيبَ} مساجدَ. و (الْجَوَابِي) : الحِياضُ. جمع جابِيَة، قال الشاعر: تَرُوحُ على آلِ الْمُحَلَّقِ جَفْنَةٌ ... كجَابِيَةِ الشَّيْخِ العِرَاقيِّ تَفْهَقُ (2) {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} ثَوَابِتَ في أماكنها تُتركُ -لعظمِها- ولا تُنقلُ. يقال: رَسَا [الشيءُ]-إذا ثَبَت- فهو يَرْسُو. ومنه قيل للجبال: رَوَاسٍ. 14- (المِنْسَأَةُ) : العصا. وهي مِفْعَلَة من نسأتُ الدابة: إذا سُقتُها قال الشاعر:
إذَا دَبَبْتَ على المِنْسَاةِ من كِبَرٍ ... فَقَدْ تَبَاعَدَ عنكَ اللَّهْوُ والغَزَلُ (1) وقال الآخر: وعَنْسٍ كألواحِ الإرَانِ نَسَأْتُها ... إذا قِيلَ للمَشْبُوبَتَيْنِ: هُمَاهُمَا (2) {فَلَمَّا خَرَّ} سقطَ {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} كان الناس يَرون الشياطينَ تعلم كثيرا من الغيب والسر؛ فلمَّا خرَّ سليمانُ تبينتِ الجنُّ أي ظهر أمرها، ثم قال: {أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} وقد يجوز أن يكون {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} أي علمتْ وظهر لها العجزُ. وكانت تسترقُ السمعَ وتُلَبِّسُ بذلك على الناس أنها تعلم الغيبَ؛ فلما خرَّ سليمانُ زال الشكُّ في أمرها كأنها أقرتْ بالعجز (3) . وفي مصحف عبد الله (4) "تبيَّنتِ الإنْسُ أنَّ الجنَّ لو كانوا يَعلمون الغيبَ". 16- (الْعَرِمُ) المُسَنَّاةُ (5) . واحدها: عَرِمَة قال الشاعر: مِنْ سَبَأَ الحَاضِرينَ مَأْرِبَ إِذ ... يَبْنُونَ من دونِ سَيْلِه العَرِمَا (6)
(الأكُلُ) : الثمر. (الخَمْطُ) : شجرُ العِضَاهِ. وهي: كل شجرة ذاتِ شوك. وقال قَتادةُ: الخمطُ: الأَرَاكُ؛ وبَرِيرُه (1) أُكُلُه. و (الأَثْلُ) : شبيهٌ بالطَّرْفاء إلا أنه أعظم منه. 17- (وَهَلْ يُجَازَى إِلا الْكَفُورُ) (2) قال طاوسٌ: يُجازَى ولا يُغفرُ له؛ والمؤمن لا يناقَشُ الحسابَ. 18- {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} أي جعلنا ما بيْنَ القريةِ والقريةِ مقدارًا واحدًا. 19- {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي عظة ومُعْتَبَرًا. {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي فرَّقناهم في كل وجه. ولذلك قالت العربُ للقوم إذا أخَذوا في وجوهٍ مختلفة: تفرَّقوا أيْدِي سَبَا (3) . "وأيدي" بمعنى: مذاهبَ وطرُقٍ. 20- {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} وذلك أنه قال: لأضِلَّنَّهم ولأُغْوِيَنَّهُم [ولأُمنِّيَنَّهم] ولآمُرَنَّهم بكذا؛ فلمَّا اتَّبعوه [وأطاعوه] صَدَّق ما ظنَّه؛ أي فيهم. وقد فسرت هذا في كتاب "المشكل" (4) . 23- {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} خُفِّف عنها الفَزعُ.
ومن قرأ: فُرِّغَ (1) أراد فُرِّغَ منها الفزعُ. 24- {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [هذا] كما تقول: أحدُنا على باطلٍ؛ وأنتَ تعلم أن صاحبك على الباطل، وأنك على الحق. وقال أبو عبيدةَ: "معناها إنك لعلى هدًى، وإنكم لفي ضلال مبين" (2) . 26- {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} أي يقضي. [ومنه قوله تعالى] : {وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (3) أي القُضاةِ. 28- {إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} أي عامةً. 33- {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي مكرُكم في الليل والنهار (4) . {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ} أي أظهروها، يقال: (5) أسررتُ الشيءَ: أخفيتُه وأظهرتُه. وهو من الأضداد. 34- (الْمُتْرَفُونَ) المتكبِّرون. 37- {تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} أي قُرْبَى ومنزلةً عندنا. {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} لم يُرد فيما يَرى أهلُ النظر -والله أعلم- أنهم يُجازون على الواحد بواحدٍ مثلِه ولا اثنَيْن. وكيف يكون هذا واللهُ يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (6) وَ {خَيْرٌ مِنْهَا} (7) ؟!!
ولكنه أراد لهم جزاء التَّضْعيفِ. وجزاءُ التَّضعيف إنَّما هو مِثلٌ يضم إلى مثلٍ إلى ما بَلغ. وكأن "الضعف": الزيادةُ؛ أي لهم جزاءُ الزيادة. ويجوز أن يُجعَل "الضِّعفُ" في معنى الجمع أي [لهم] جزاءُ الأضعاف. ونحوُه: {عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} (1) أي مُضَعَّفًا. 45- {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} أي عُشرَه. {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إنْكاري. وكذلك: {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (2) ؛ أي إنْذاري، وجمعه: نُكُرٌ ونُذُرٌ. 46- {مَثْنَى} أي اثنَيْن اثنين، {وَفُرَادَى} واحدًا واحدًا. ويريد بـ"المَثْنَى": أن يتناظَرُوا في أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ وبـ "فُرَادَى" (3) أن يفكِّرُوا. فإن في ذلك ما دَلَّهم على أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ليس بمجنونٍ ولا كذَّابٍ. 48- {يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} أي يلقيه إلى أنبيائه صلوات الله عليهم. 49- {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ} أي الشيطانُ {وَمَا يُعِيدُ} 51- {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ} أي عند البعث. {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} أي قريبٍ على الله؛ يعني القبورَ (4) . 52- {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} ؟ أي تناوُل ما أرادوا بلوغَه، وإدراكُ
ما طلبوا من التوبة. {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} من الموضع الذي تُقبلُ فيه التوبةُ (1) . والتناوُشُ يُهمز ولا يُهمز (2) . يقال: نُشْتُ ونأشْتُ كما يقال: ذِمْتُ الرجلَ وذَأَمْتُه؛ أي عبتُه. وقال أبو عبيدةَ: نأشْتُ: طَلَبتُ (3) . واحتَجَّ بقول رُؤْبةَ: إليكَ نأْشُ القَدَرِ النَّؤُوشِ وقال: "يريد طلبَ القَدَرِ المطلوبِ". وقال الأصْمَعيُّ: "أراد تناوُلَ القدرِ لنا بالمكروه". 53- {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} أي بالظنِّ أن التوبةَ تنفعُهم. 54- {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} من الإيمان. وهذا مفسر في "تأويل المشكل" (4) بأكثرَ من هذا التفسير.
سورة فاطر
سورة فاطر مكية كلها (1) 2- {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} أي من غيثٍ (2) . 3- {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي احفَظُوها. تقول: اذكرْ أيادِيَّ عندك؛ أي احفَظْها. وكلُّ ما كان في القرآن -من هذا- فهو مثلُه. 8- {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} أي شُبِّهَ عليه. 9- {النُّشُورُ} الحياةُ. 10- {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي يَبْطُلُ. 12- {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} أي جَوَارِيَ. ومَخْرُها: خَرْقُها للماء. 13- {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} القطميرُ: الفُوفَةُ التي تكون في النَّواةِ. وفي التفسير: أنه الذي بين قِمَْعِ الرُّطَبةِ وبين النَّواة (3) . وهو من الاستعارة في قلة الشيء وتحقيره. 18- {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} يقول: إنْ دَعتْ نفسٌ ذاتُ ذنوبٍ قد أثقلَتْها ذنُوبها ليُحملَ عنها شيءٌ منها لم تَجِدْ ذلك؛ {وَلَوْ كَانَ} مَن تدعوه {ذَا قُرْبَى}
19- {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} مثلٌ للكافر والمؤمن. 20- {وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ} مثلٌ للكفر والإيمان. 21- {وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} مثلٌ للجنة والنار. 22- {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ} مثلٌ للعقلاء والجهال. 24- {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} أي سلف فيها نبيّ. 27-28- {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} و"الجُدَدُ": الخُطوطُ والطَّرائِقُ تكون في الجبال فبعضُها بِيضٌ وبعضُها حمرٌ وبعضُها غرابيبُ سودٌ. وغَرابيبُ: جمع غِرْبِيبٍ وهو: الشديد السواد. يقال: أسْودُ غِرْبِيبٌ. وتمام الكلام عند قوله: {كَذَلِكَ} يقول: من الجبالِ مختلِفٌ ألوانُها. {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} أي كاختلاف الثمرات. ثم يبتدئُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 31- {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي لما قبله. 35- {دَارَ الْمُقَامَةِ} ودارُ المُقام واحدٌ، وهما بمعنى الإقامة. اللغوب: الإعْياءُ. 37- {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم.
ويقال: الشيبُ. ومَن ذهب هذا المذهب فإنه أراد: "أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ حَتَّى شِبْتُمْ" (1) . 43- {فَهَلْ يَنْظُرُونَ} أي يَنْتَظِرون، {إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ} أي سُنَّتَنا في أمثالهم من الأَوَّلين الذين كفروا كُفْرَهم.
سورة يس
سورة يس مكية كلها 7- {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} أي وَجَب. 8- {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} "المقمح": الذي يرفع رأسَه ويغُض بصرَه. يقال: بعيرٌ قامحٌ وإبِلٌ قِمَاحٌ؛ إذا رَوِيتْ من الماء وقَمَحتْ. قال الشاعر -وذكر سفينةً وركبانَها-: ونحن على جَوانِبِها قُعُودٌ ... نَغُضُّ الطَّرْفَ كالإِبِلِ القِمَاحِ (1) يريد إنا حبَسناهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانعَ كالأغلال. 9- {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} والسَّدُّ والسُّدُّ (2) الجبلُ. وجمعهما: أسْدَادٌ. {فَأَغْشَيْنَاهُمْ} (3) أي أغشينا عيونَهم وأعميناهم عن الهُدَى. وقال الأسود بن يَعْفُرَ -وكان قد كُفَّ بصره-: ومنَ الحَوادثِ -لا أبَا لَكَ- أَنَّنِي ... ضُرِبَتْ علَيَّ الأرضُ بالأسْدَادِ ما أهْتَدِي فيها لمَدْفَعِ تَلْعَةٍ ... بيْنَ العُذَيْبِ وبيْنَ أرْضِ مُرَادِ (4)
12- {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} من أعمالهم؛ {وَآثَارَهُمْ} ما استُنَّ به بعدهم من سُننهم. وهو مثل قوله: {يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} (1) أي بما قَدَّم من عملهِ وأخَّر من أثرٍ باقٍ بعده. 14- {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي قوَّيْنَا وشدَّدْنَا. يُقال: عَزِّز منه؛ أي قَوِّ من قلبِهِ. وتعزَّز لحمُ الناقة: إذ صَلُب. 18و19- {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} قال قَتادةُ: يقولون: إن أصابنا شرٌّ فهو بكم. {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} ثم قال: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} تَطَيَّرْتُم بنا؟ (2) وقال غيره: طائرُكم معكم أين ذُكِّرْتُم (3) . و"الطَّائرُ" هاهنا: العملُ والرزقُ. يقول: هو في أعناقكم ليس من شؤمنا. ومثلُه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (4) . وقد ذكرناه فيما تقدم. 25- {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} أي فاشهَدُوا. 34 و 35- {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ}
أي ولِيأكلوا مما (1) عملتْه أيديهم. ويجوز أن يكون: إنا جعلنا لهم جناتٍ من نخيل وأعناب ولم تعملْه أيديهم. ويقرأ: (وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ) بلا هاء (2) . 36- {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا} أي الأَجناسَ كلَّها (3) . 37- {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} أي داخلون في الظلام. 38- {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أي موضعٍ تنتهي إليهُ فلا تُجَاوزُه؛ ثم ترجع (4) . 39- و (الْعُرْجُونُ) عُودُ الكِبَاسَةِ. وهو: الإهَانُ أيضًا. و (الْقَدِيمِ) الذي قد أتى عليه حَوْلٌ فاستَقْوَس ودَقَّ. وشُبِّهَ القمرُ -آخِرَ ليلةٍ يطلُع- به (5) . 40- {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} فيجتمعا. {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} أي لا يفوتُ الليلُ النهارَ فيذهبَ قبل مجيئه. {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يعني: الشمسُ والقمرُ والنجومُ يَسْبحون أي يَجْرُون (6) . 43 و 44- {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} أي لا مُغيثَ لهم ولا مُجِيرَ.
{وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} أي إلا أن نرحمَهم ونُمَتِّعَهم إلى أجَلٍ. 49- {يَخِصِّمُونَ} أي يَخْتَصِمون. فأدغم التاءَ في الصاد. 51- و (الأَجْدَاثُ) القبور. واحدها: جَدَثٌ. {يَنْسِلُونَ} قد ذكرناه في سورة الأنبياء (1) . 53- {مُحْضَرُونَ} مُشْهَدُون. 55- (فِي شُغُلٍ فَكِهُونَ) أي يَتَفَكَّهون. قال: أبو عُبيدٍ (2) تقول العرب للرجُل -إذا كان يتفكه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس-: إن فلانًا لَفَكِهٌ بكذا، قال الشاعر: فَكِهٌ إلى جَنْبِ الخِوَانِ إذَا غَدَتْ ... نَكْبَاءُ تَقْطَعُ ثابتَ الأَطْنَابِ ومنه يقالُ للمِزاح: فاكهةٌ. ومن قرأ: (فَاكِهُونَ) أراد ذَوِي فاكهةٍ؛ كما يقال: فلان لابنٌ تامرٌ. وقال الفراء (3) "هما جميعًا سواءٌ: فَكِهٌ وفاكِهٌ؛ كما يقال حَذِرٌ وحَاذِرٌ". وروي في التفسير: (فَاكِهُونَ) ناعمون. وفكهون: مُعْجَبُونَ. 56- {فِي ظِلالٍ} جمع ظِلٍّ و (فِي ظُلَلٍ) (4) جمعُ ظُلَّةٍ. (الأَرَائِكُ) السُّرُر في الحِجَال. واحدُها: أرِيكةٌ.
57- {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} أي ما يَتَمَنَّوْن. ومنه يقول الناس: هو في خيرِ ما ادَّعى؛ أي ما تَمَنَّى. والعرب تقول: (1) ادَّعِ [عليَّ] ما شئت؛ أي تَمَنَّ [عليَّ] ما شئت. 58- {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} أي سلامٌ يقال لهم [فيها] كأنهم يَتَلَقَّوْنه من رب رحيم. 59- {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} أي انقطِعُوا عن المؤمنين وتَميَّزُوا منهم. يقال: مِزْتُ الشيءَ من الشيءِ -إذا عزلتُه عنه- فانْمازَ وامْتازَ ومَيَّزتُه فتَميَّزَ. 60- {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} ألم آمُرْكم ألم أُوصِكم؟! 62- {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا} أي خَلْقًا. وجُبُلا بالضم والتخفيف، مثلُه. والجِبْلُ أيضًا: الخَلْقُ. قال الشاعر: [جِهَارًا] ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجِبْلِ (2) 66- {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} والْمطْموسُ هو [الأعمى] الذي لا يكون بين جَفْنَيْه شقٌّ. {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} ليَجوزوا. {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} أي فكيف يبصرون؟!.
67- {عَلَى مَكَانَتِهِمْ} هو مثل مكانِهم. يقال: مكانٌ ومكانةٌ ومنزلٌ ومنزلةٌ. 68- {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} أي نَرُدَّه إلى أرذلِ العُمُرِ. 70- {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} أي مؤمنًا. ويقال: عاقلا. 71- {خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} يجوز أن يكون مما عملناه بقدرتِنا وقوَّتنا. وفي اليد القوةُ والقدرةُ على العمل؛ فتُستعارُ اليدُ فتُوضَعُ موضعها. على ما بيَّناه في كتاب "المشكل" (1) . هذا مجازٌ للعرب يحتملُه هذا الحرفُ والله أعلم بما أراد. 72- {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} أي ما يَرْكَبون. والحَلوب: ما يَحْلُبون والجَلُوبة: ما يَجْلِبُونَ. ويُقْرَأ: "رَكُوبَتُهُمْ" أيضًا. [وهي] قراءةُ عائشةَ رضي الله عنها (2) . 78- {وَهِيَ رَمِيمٌ} أي باليةٌ. يقال: رَمَّ العظْمُ -إذا بَلِيَ- فهو رَمِيمٌ ورُمام (3) . كما يقال: رُفاتٌ وفُتَاتٌ. 80- {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا} أراد الزُّنُودَ التي تُورِي بها الأعرابُ من شجر المَرْخ والعَفَار.
سورة الصافات
سورة الصافات مكية كلها (1) 2-3- قال ابن مسعود: (الصَّافَّاتُ صَفًّا، فَالزَّاجِرَاتُ زَجْرًا، فَالتَّالِيَاتُ ذِكْرًا) هم الملائكة (2) . 8- {لا يَسَّمَّعُونَ} أي لا يَتَسمَّعون. فأدغمت التاء في السين. {إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى} ملائكةِ اللَّه. 9- {دُحُورًا} يعني طردًا. يقال: دحَرتُه دَحْرًا ودُحورًا؛ أي دفعتُه. {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} أي دائمٌ. 10- {فَأَتْبَعَهُ} أي لَحِقه. {شِهَابٌ ثَاقِبٌ} كوكبٌ مضيءٌ بَيِّنٌ. يقال: أثْقِبْ نارَك، أي أضئْها. و"الثَّقُوب" ما تُذْكَى به النارُ. 11- {فَاسْتَفْتِهِمْ} أي سَلْهم. {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} أي لاصقٍ لازمٍ. والباءُ تُبدلُ من الميم لقربِ مَخْرَجَيْهِمَا. 12- {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} قال قتادةُ: "بل عجبتَ من وحيِ الله وكتابِه، وهم يسخرون [بما جئتَ به] " (3) . 14- {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} أي يَسْخَرون. يقال: سَخِر واسْتَسْخَر؛ كما يقال: قَرَّ واسْتَقَرَّ. ومثله: عَجِب واسْتَعْجَب. قال أوْس بن حَجَر: ومُسْتَعْجِبٍ مِمَّا يَرَى من أناتِنا ... ولو زَبَنَتْهُ الحَرْبُ لم يَتَرَمْرَمِ (4) ويجوز أن يكون: يسألون غيرَهم -من المشركين- أن يَسْخَروا من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (5) . كما تقول: اسْتَعْتَبْتُه: سألتُه العُتْبَى. واسْتَوْهَبْتُهُ: سألتُه الهِبَةَ. واسْتَعْفَيْتُه سألتُه العفوَ. 22- {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} أي أشكالَهم. تقول العرب: زوجْتُ إبِلِي؛ إذا قرنْت واحدًا بآخرَ. ويقال: (6) قُرَناؤُهم من الشياطين. 28- {كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} أي تخدعوننا وتفتنوننا عن طاعة الله. وقد بينت هذا في كتاب "المشكل" (7) . 47- {لا فِيهَا غَوْلٌ} أي لا تَغتالُ عقولَهم فتذهبَ بها. يقال: "الخمرُ غَولٌ للحِلْم، والحربُ غَولٌ للنفوس". وغالني غولا. و"الغَوْلُ":البُعد. {وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} أي لا تذهبُ خمرُهم وتنقطعُ ولا تذهبُ عقولُهم. يقال: نزفَ الرجلُ؛ إذا ذهب عقلُهُ وإذا نَفِد شرابه. وتُقْرَأُ: (يُنزفُونَ) من "أنزف الرجلُ": إذا حان منه النزفُ
أو وقع له النزفُ. كما يقال: أقْطَفَ الكَرْمُ؛ [إذا حان قِطَافُه] ؛ وأحصَدَ الزَّرعُ [إذا حان حَصاده] . 48- {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} أي قَصَرْن أبصارَهن على الأزواج ولم يَطْمَعن إلى غيرهم وأصل "القصر": الحَبْس. {عِينٌ} نُجْلُ العيونُ أي واسعاتُها. جمعُ "عَيْنَاءَ". 49- {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} العربُ تشبِّهُ النساءَ ببيضِ النَّعامِ. قال امرؤ القيس: كبِكْرِ المُقَاناتِ البَياضُ بِصُفْرةٍ ... غَذَاها نمِيرُ الماءِ غيرَ مُحَلَّلِ (1) و"المكنون": المَصُون. يقال. كَنَنْتُ الشيءَ؛ إذا صُنْتُه؛ وأكْنَنْتُه: أخفيتُه. 51- {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} أي صاحبٌ. 53- {أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} أي مَجْزِيُّون بأعمالنا. يقال: دِنْتُه بما صنع؛ أي جزَيتُه. 55- {سَوَاءِ الْجَحِيمِ} وسَطها (2) . 56- {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} أي لتُهْلِكُني. يقال: أرْدَيْتُ فلانًا، أي أهلكتُه. و"الرَّدَى": الموتُ والهلاكُ. 57- {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} أي من المحضرين [في] النار. 62- {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا} أي رزقًا. ومنه "إقامةُ الأنزال" (3) . و"أنزالُ الجنود": أرزاقُها.
63- {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} أي عذابًا. 65- {طَلْعُهَا} أي حَمْلُها. سمي طَلْعًا لطلوعه في كل سنة (1) . 67- {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} أي خِلْطًا من الماء الحارِّ يشربونه عليها. 69- {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} أي وجدوهم كذلك. 70- {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} أي يُسرِعون و"الإهْراعُ": الإسراع، وفيه شَبِيهٌ بالرِّعدة. 78- {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} أي أبقينا عليه ذِكْرًا حسنًا. {فِي الآخِرِينَ} أي في الباقين من الأمم. 88-89- {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} مفسر في كتاب "تأويل المشكل" (2) . 93- {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا} أي مال عليهم يضربُهم. {بِالْيَمِينِ} و"الرَّوَاغُ" منه. 94- {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} أي: يُسرعون إليه في المشي. يقال: زَفَّتِ النَّعامةُ (3) . 97- {فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} أي في النار. و"الجحيمُ": الجَمر. قال عاصم بن ثابت: وضالَّةٌ مثلُ الجحيمِ المُوقَدِ (4)
أراد: سهامًا مثلَ الجمر. ويقال: "رأيتُ جَحْمَةَ النارِ" أي تلهُّبَها؛ و"للنار جاحِمٌ" أي توقُّدٌ وتلهُّبٌ. 102- {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي بلغ أن يَنْصرفَ معه ويُعينَه (1) . {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} أي سأذبحُك. ولم يُردْ -فيما يرى أهلُ النظر- أنه ذَبَحه في المنام. ولكنه أُمر في المنام بذبْحِه فقال: إني أَرَى في المنام أني سأذبحُكَ. ومثلُ هذا: رجلٌ رأى في المنام أنه يُؤذِّن -والأذانُ دليلُ الحجِّ- فقال: إني رأيتُ في المنام أني أحُجُّ؛ أي سأحجُّ. وقوله: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} دليلٌ على أنه أمر بذلك في المنام. 103- {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي اسْتَسْلما لأمر الله. و"سَلَّمَا" (2) مثلُه. {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} (3) أي صَرَعه على جَبِينه، فصار أحد جبينيه على الأرض. وهما جبينان والجبهةُ بينهما. وهي: ما أصاب الأرضَ في السجود. 104-105- {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} أي حقَّقْتَ الرؤيا. أي صدقتَ الأمرَ في الرؤيا وعملتَ به. 106- {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} أي الاختبار العظيمُ (4) .
107- {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي بكبشٍ. والذِّبح: اسم ما ذُبِحَ. والذَّبح بنصب الذال: مصدر ذَبَحْتُ. 125- {أَتَدْعُونَ بَعْلا} أي ربًّا. يقال: أنا بعلُ هذه الناقة، أي ربُّها. وبعلُ الدار أي مالكُها. ويقال: بَعْلٌ صنمٌ كان لهم (1) . 140- {إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أي السفينة المملوءة. 141- {فَسَاهَمَ} أي فقارَعَ. {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أي من المَقْرُوعِين. يقال: أدْحَض الله حُجَّتَه فدَحَضتْ؛ أي أزالها فزالتْ. وأصل الدَّحْض: الزَّلَق. وقال ابن عُيَيْنَةَ: {فَسَاهَمَ} أي قامَرَ. {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أي المَقْمُورِين". 142- {وَهُوَ مُلِيمٌ} أي مذنبٌ. يقال: ألامَ الرجلُ (2) ؛ إذا أذنَب ذنبًا يُلامُ عليه. 143- {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} يقال: من المصلِّين. 145- {فَنَبَذْنَاهُ} ألقَيْناه. {بِالْعَرَاءِ} وهي: الأرضُ التي لا يُتَوَارَى فيها بشجر ولا غيره. وكأنه من عَرِيَ الشيءُ.
146- و (الْيَقْطِينُ) الشجرُ الذي لا يقومُ على ساقٍ. مثل القرع والحنظل والبِطِّيخ. وهو: يَفْعِيلٌ. 147- {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} أي ويزيدون. و"أو" معنى "الواو". على ما بينت في "تأويل المشكل" (1) 149- {فَاسْتَفْتِهِمْ} أي سَلْهُم. 156- {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} أي حجةٌ بيِّنةٌ (2) . 158-160- {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} يقول: جعلوا الملائكة بناتِ اللَّه، وجعلوهم من الجن. {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ} يُريد: الذين جعلوهم بناتِ اللَّهِ. {لَمُحْضَرُونَ} النارَ. {إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} 162- {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} أي بمُضِلِّينَ (3) 163- {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} أي من قُضِيَ عليه أن يَصْلَى الجحيمَ. 164- {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} هذا قول الملائكة. 166- {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} أي المُصلُّون. 167- {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ} يعني: أهلَ مكةَ. 170- {فَكَفَرُوا بِهِ} بمحمد صلى الله عليه وعلى آله. أي كذبوا بأنه مبعوث.
سورة ص
سورة ص مكية كلها 1- {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} أي ذي الشرف. مثل قوله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} (1) . ويقال: فيه ذِكرُ ما قبله من الكتب. 2- {وَشِقَاقٍ} عداوةٍ ومُباعدةٍ. 3- {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} أي لاتَ حين مَهْرَبٍ. والنَّوْص: التأخُّر في كلام العرب. و"البَّوْص": التقدُّم. قال امرؤ القيس: أمِنْ ذِكْرِ لَيْلَى -إذ نَأَتْكَ- تَنُوصُ ... فَتَقْصُرُ عنها خَطْوَةً وَتَبُوصُ?! (2) وقال ابن عباس: ليس حينَ نزوٍ، و [لا] فِرارٍ (3) . 5- {عُجَابٌ} وعَجِيبٌ واحد. مثل طُوَال وطَوِيل وعُرَاض وعَرِيض وكُبَار وكَبِير. 10- {فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ} أي في أبواب السماء، إن كانوا صادقين. قال زُهيرٌ:
وَلَوْ نَالَ أسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ (1) [وقال السُّدِّيُّ: في (الأسباب) : في الفضل والدين] قال أبو عبيدة: تقول العرب للرجل -إذا كان ذا دِينٍ فاضلٍ-: قد ارتقى فلانٌ في الأسباب. وقال غيره: كما يقال: قد بلغ السماءَ. وأول هذه السورة مفسَّر في كتاب "تأويل المشكل" (2) . 12- {وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ} ذو البناء المحكَم. والعرب تقول: هم في عزٍّ ثابت الأوتاد، ومُلكٍ ثابتِ الأوتاد. يريدون أنه دائم شديد. وأصل هذا أن البيت من بيوتهم يَثْبُت بأوتاده. قال الأسود بن يَعْفُرَ: في ظِلِّ مُلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ (3) وقال قتادة وغيره: هي أوتادٌ كانتْ لِفِرْعَوْنَ يُعَذِّبُ بها الرجل، فيَمُدُّه بين أربعةٍ منها حتى يموت (4) . 13- و (الأَيْكَةُ) الغَيْضةُ. {أُولَئِكَ الأَحْزَابُ} يريد الذين تَحَزَّبوا على أنبيائهم. 15- {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} قال قتادة: ما لها من مَثْنَوِيَّةٍ. وقال أبو عبيدة: من فَتَحها أراد: ما لها من راحةٍ ولا إفاقةٍ. كأنه يَذهبُ
بها إلى إفاقةِ المريض من علَّتِه ومَن ضَمَّها جعلها: فُواق ناقةٍ؛ وهو: ما بيْن الحَلْبَتَيْن. يريد ما لها من انتظارٍ. و"الفَوَاق" والفُوَاق واحدٌ -كما يقال: جَمَامُ المَكُّوكِ وجُمَامُه- وهو: أن تُحلَبَ الناقةُ وتُترَكَ ساعةً حتى ينزل شيءٌ من اللبن ثم تُحلَبَ. فما بين الحلبتين فَُواقٌ. فاستُعير الفُوَاق في موضع التَّمَكُّثِ والانتظارِ. 16-17- {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} والقطُّ: الصحيفةُ المكتوبةُ؛ وهي الصَّكُّ. وروي في التفسير: أنهم قالوا ذلك - حين أُنزلَ عليه: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} و (بِشِمَالِهِ) (1) - يستهزئون. أي عجِّلْ لنا هذا الكتاب قبلَ يوم الحساب. فقال الله: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} {إِنَّهُ أَوَّابٌ} رَجَّاعٌ تَوَّاب. 20- و {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} يقال: أما بعدُ. ويقال: الشُّهودُ والأيْمَانُ؛ لأن القطع في الحكم بهم (2) . 21- {تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} أي صَعِدوا. 22- {وَلا تُشْطِطْ} أي لا تَجُرْ علينا. يقال: أشْطَطتُ؛ إذا جُرتُ. وشَطَّتْ الدَّارُ: إذا بعدتْ؛ فهي تَشُطُّ وتَشِطُّ. {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} أي قَصْدِ الطريق.
23- {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} أي ضُمَّهَا إليَّ واجعلني كافِلَها. {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي غلبني في القول. ويقال: صار أعزَّ مني. يقال: عَازَزْتُهُ فعَزَزْتُهُ وعَزَّني. 24- {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} أي مضمومةً إلى نعاجه؛ فاختُصر. ويقال: "إلى" بمعنى "مع". و (الْخُلَطَاءُ) الشركاءُ. 25- {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} تَقَدُّمًا وقُرْبَةً. 31- و {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} الخيلُ. يقال: هي القائمةُ على ثلاثِ قوائم، وقد أقامت اليدَ الأخرى على طَرَف الحافر من يدٍ كان أو رجلٍ. هذا قول بعض المفسرين (1) . والصافِنُ - في كلام العرب: الواقفُ من الخيلِ وغيرها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَن سرَّه أن يقومَ الرجالُ له صُفُونًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ "؛ أي يُديمون له القيامَ (2) . 33- {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} أي أقْبَل يمسَحُ بضرْبِ سوقِها وأعناقِها. 34- {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} يقال: شيطانٌ. ويقال: صنمٌ. 36- {رُخَاءً} أي رِخْوَةً ليِّنةً. {حَيْثُ أَصَابَ} أي حيث أراد من
النواحي. قال الأصمعي (1) العرب تقول: أصاب الصواب فأخطأ الجواب. أي أراد الصواب. 38- (الأَصْفَادُ) الأَغلالُ في التفسير (2) . 39- {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ} أي فأعط أو أمسك. كذلك قيل في التفسير (3) . ومثله: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (4) . أي لا تُعطِ لتأخُذَ من المكأفاة أكثر مِمَّا أعطَيْتَ. قال الفَرَّاءُ أراد: هذا عطاؤنا فمُنَّ به في العطية. أراد أنه إذا أعطاه فهو مَنٌّ فسمَّى العطاءَ مَنًّا (5) . 41- (النُّصْبُ) والنَّصَبُ (6) واحدٌ - مثل حُزن وحَزن - وهو: العَناء والتعب. وقال أبو عبيدة (7) النُّصْب: الشر. والنَّصَب الإعياء. 42- {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} أي اضرب الأَرضَ برجلك. ومنه ركَضْتُ الفَرسَ. و (المُغْتَسَلُ) المَاءُ. وهو: الغَسُول أيضًا.
44- و (الضِّغْثُ) الحُزْمةُ من الخَلَى والعِيدَانِ (1) . 52- {أَتْرَابٌ} أسنانٌ واحدةٌ. 57- (الْغَسَّاقُ) (2) . ما يَسيل من جلود أهل النار وهو الصديد. يقال: غَسَقتْ عينُه؛ إذا سالتْ. ويقال: هو البارد المُنْتِنُ. 58- {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ} أي مِن نحوِه. {أَزْوَاجٌ} أي أصنافٌ. قال قَتادةُ (3) هو الزَّمْهَرِير. 61- {مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا} أي من سَنَّه وشَرَعه. 63- {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} (4) أي كنا نَسْخَر منهم. ومَن ضم أولَه (5) جعله من "السُّخْرة". أي يَتَسَخَّرونهم ويَسْتَذِلُّونهم. كذلك قال أبو عبيدة.
سورة الزمر
سورة الزمر مكية إلا ثلاث آيات وهي قوله: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} إلى {تَشْعُرُونَ} (1) . 4- {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أي لاختارَ ما يشاءُ من خلقه، لو كان فاعلا. {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} 5- {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} قال أبو عبيدةَ (2) : يُدخِلُ هذا على هذا. وأصل التَّكْوِير اللَّفُ والجمعُ. ومنه كَوْرُ العمامة. ومنه قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (3) أي جُمعتْ ولُفَّتْ. 6- {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أي ثمانيةَ أصناف، وهي التي ذكرها الله -عز ذكره- في سورة الأنعام (4) . {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} أي عَلَقَةً بعد نُطْفَةٍ ومُضْغَةً بعد علقةٍ. {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} يقال (5) : ظُلْمَةُ المَشِيمَة وظُلمَةُ الرَّحِم وظُلمةُ البطن. 9 - {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ} (6) . أي مُصلٍّ. وأصل القُنوت: الطاعة. {آنَاءَ اللَّيْلِ} أي ساعاتِه.
21- {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} أي أدخله [فيها] فجعله ينابيعَ: عيونًا تَنْبُعُ. {ثُمَّ يَهِيجُ} أي يَيْبَس. {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} مثلَ الرُّفَات والفُتَات. 23- {كِتَابًا مُتَشَابِهًا} يُشبِهُ بعضُه بعضًا، ولا يختلفُ. {مَثَانِيَ} أي تُثَنَّى فيه الأنباءُ والقصصُ وذكْرُ الثواب والعقاب. {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} من آية العذاب وتَلِينُ من آية الرحمة. 29- {رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} أي مختلِفون: يَتَنازعُون ويتَشَاحُّون فيه. يقال: رجلٌ شَكِْسٌ [أي متعبُ الخلُق] (1) . قال قَتادةُ (2) "هو الرجل الكافر؛ والشركاءُ: الشياطين. (وَرَجُلا سَالِمًا لِرَجُلٍ) هو: المؤمن يَعْمَلُ لله وحده". ومن قرأ: {سَلَمًا لِرَجُلٍ} (3) أراد: سلَّم إليه فهو سَِلَْمٌ له. 33- {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} هو: النبي صلى الله عليه وسلم. {وَصَدَّقَ بِهِ} هم: أصحابه رضي الله عنهم. قال أبو عبيدة:" {الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} في موضع جميع." وهي قراءة عبد الله (4) (وَالَّذِينَ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ) .
47- {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} يقال: إنهم عمِلوا في الدنيا أعمالا كانوا يَرَوْنَ أنها تنفعُهم؛ فلم تنفعْهم مع شركِهم. 61- {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} من العذاب، أي بمنجَاتِهم. 63- {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي مفاتيحُها وخزائنُها، واحدها: "إقليد" (1) يقال: هو فارسي معربٌ "إكليد". 68- {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} أي ماتوا. {إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} يقال: الشُّهَدَاءُ (2) . 69- {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} أضاءتْ. 74- {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} أي أرضَ الجنة (3) . {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ} أي ننزل منها {حَيْثُ نَشَاءُ}
سورة المؤمن
سورة المؤمن (1) مكية كلها (2) 3- (الطَّوْلُ) التفضُّل. يقال: طُل عليّ برحمتك؛ أي تفضَّل. 4- {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} أي تصرُّفهم في البلاد للتجارةِ وما يكسبون. ومثله: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ} (3) . 5- {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أي ليُهلكوه. من قوله: {فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} ويقال: ليحبسوه ويعذبوه. ويقال للأسير: أخيذٌ (4) . 10- {يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} قال قتادة (5) : "يقول: لَمقْتُ الله إيّاكم في الدنيا -حين دُعيتم إلى الإيمان فلم تؤمنوا- أكبرُ من مقتكم أنفسكم حين رأيتم العذاب". 11- {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} مثلُ قوله:
{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} (1) . وقد تقدم ذكر ذلك في سورة البقرة. 12- {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} كذَّبتم. {وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} أي تصدِّقوا (2) . 15- {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ} أي الوحيَ (3) . 18- {الآزِفَةِ} القيامة. سميتْ بذلك: لقربها. يقال: أزِفَتْ فهي آزفة؛ وأزف شخوص فلان أي قرُب. 19- {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} قال قتادة (4) : " [هي] همزُه بعيْنِه وإغماضه فيما لا يحب الله". والخيانة والخائنة واحد. قال [الله تعالى] : {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} (5) . 32- {يَوْمَ التَّنَادِ} أي يوم يَتَنَادى الناسُ: يُنادي بعضهم بعضًا. ومن قرأ: (التَّنَادِّ) بالتشديد (6) ؛ فهو من "نَدَّ يَنِدُّ": إذا مضى على وجهه، يقال: ندَّت الإبل؛ إذا شردتْ وذهبتْ. 36-37- {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} أي أبوابَها (7) .
{فِي تَبَابٍ} أي بطلان. وكذلك: الخسرانُ ومنه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (1) ؛ وقوله: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} (2) . 40- {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي بغير تقدير. 51- {وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدمَ. 56- {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} أي تكبُّرٌ عن محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وطمعٌ أن يَعْلُوه؛ وما هم ببالغِي ذلك. 60- {دَاخِرِينَ} أي صاغرين. 75- {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ} أي تَبطَرون. وقد تقدم ذكر هذا (3) . 80- {وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} قال قتادةُ: "رحلة من بلد إلى بلد" (4) . 83- {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} أي رضوا به (5) . 85- {سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} وسنتُه في الخالين: أنهم يؤمنون به -إذا رأَوا العذاب- فلا ينفعُهم إيمانهم.
سورة فصلت
سورة فصلت (1) مكية كلها (2) 5- {وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} أي صَمَمٌ. 10- {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} جمع قوت، وهو: ما أُوتيه ابنُ آدمَ لأكله ومصلحته {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} قال قتادةُ (3) "من سأل فهو كما قال الله". 11- {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} أي عمَد لها. 12- {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} أي صنعهنَّ وأحكمهنَّ. قال أبو ذؤيب: وعليهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُما ... داودُ أو صَنَعَ السَّوَابِغِ تُبَّعُ (4) [أي صنعهما داود وتبَّع] . {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} أي جعل في كل سماء ملائكة. 16- (الريح الصرصر) الشديدة. {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} قال قتادةُ (5) : "نكدات مشئومات". قال الشاعر: فَسِيرُوا بِقلبِ العَقْرَبِ اليومَ إنَّه ... سَواءٌ عليكم بالنُّحوسِ وبالسَّعْدِ (6) 17- {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي دعوناهم ودلَلْناهم (7) .
(عَذَابُ الْهُونِ) أي الهوان. 20- {وَجُلُودُهُمْ} كناية عن الفُروجِ (1) . 23- و {أَرْدَاكُمْ} أهلككم. 26- {وَالْغَوْا فِيهِ} الغَطُوا فيه. 29- {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} يقال (2) : إبليسُ وابنُ آدمَ الذي قتل أخاهُ فسَنَّ القتلَ. 30- {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} أي آمنوا، ثم استقاموا على طاعة الله. قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- (3) : " اسْتقيموا ولن تُحْصُوا ". 32- {نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} أي رزقًا. 39- {اهْتَزَّتْ} أي اهتزت بالنبات. {وَرَبَتْ} علتْ وانتفختْ. 42- {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} قالوا (4) : لا يستطيع الشيطان أن يُبطلَ منه حقًّا ولا يُحقَّ منه باطلا. 43- {مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} تعزيةٌ [له صلى الله عليه وسلم وتسليةٌ] أي قد قيل للرسل قبلك: ساحر وكذاب؛ كما قيل لك. 44- {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي هَلا
فصلتْ آياتُهُ، أي أنزلتْ عربيةً مفصلة بالآي! كأن التفصيل للسان العرب!. ثم ابتدأ فقال: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} حكايةً عنهم. كأنهم يَعجبون فيقولون: أكتابٌ أعجميّ ونبيٌّ عربي؟ كيف يكون هذا (1) !. 44- {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} لقلّة أفهامهم. يقال للرجل الذي لا يفهم: أنت تنادَى من مكان بعيد (2) !. 47- (وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَةٍ (3) مِنْ أَكْمَامِهَا) أي من المواضع التي كانت فيها مستترةً. وغِلاف كل شيء: كُمَّتُه (4) . وإنما قيل: كُمُّ القميص؛ من هذا. {قَالُوا آذَنَّاكَ} أعلمناك. هذا من قول الآلهة التي كانوا يعبدون في الدنيا. {مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} لهم بما قالوا وادَّعَوه فينا. 51- {فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} أي كثير. إن وصفته بالطول أو بالعَرض جاز في الكلام. 53- {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ} قال مجاهد (5) "فتح القُرى؛ {وَفِي أَنْفُسِهِمْ} فتح مكة". 54- {أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ} أي في شك.
سورة الشورى
سورة الشورى (1) مكية كلها (2) 5- {يَتَفَطَّرْنَ} يَتَشَقَّقن من جلال الله تعالى وعظمته. 7- {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ} أي تنذرهم بيوم الجمع، هو يوم القيامة. كما قال عز وجلّ: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} (3) ؛ أي ببأس شديد. 11- {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} يريد: الإناث. {وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا} يريد: جعَلَ للأنعام منها (4) أزواجًا أي إناثًا. {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي يخلقكم في الرحم أو في الزوج (5) . {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي ليس كَهُو شيء (6) . والعرب تُقيم المِثل مُقام النفْس، فتقول: مثلي لا يقال له هذا؛ أي أنا لا يقال لي. 12- {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي مفاتيحُها. ومالك المفاتيح: مالك الخزائن. واحدها: "إقليد"؛ جُمع على غير واحد (7) كما قالوا: "مذاكير" جمع ذكَر. وقالوا: "محاسن" جمع حُسْنٍ.
17- {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} أي العدل. 18- {مُشْفِقُونَ مِنْهَا} أي خائفون. 20- {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ} أي عمل الآخرة. يقال: فلان يحرُث للدنيا؛ أي يعمل لها ويجمع المال. ومنه قول عبد الله بن عمرو (1) : "احرُثْ لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمَلْ لآخرتك كأنك تموت غدًا". ومن هذا سمّي الرجل: "حارثًا". وإنما أراد: من كان يريد بحرثه الآخرةَ، أي بعمله. {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} أي نضاعفْ له الحسناتِ. {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} أي أراد بعمله الدنيا آتيناه منها. 21- {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} وهم: الآلهة. جعلها شركاءهم: لأنهم جعلوها شركاء الله عز وجل؛ فأضافها إليهم: لادعائهم فيها ما ادعَوا. وكذلك قوله {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} (2) أي من الشركاء الذين ادَّعيتموهم لي. {شَرَعُوا لَهُمْ} أي ابتدعوا لهم. {وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ} أي القضاء السابق الفصل: بأن الجزاء يوم القيامة. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدنيا. {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}
قال قتادةُ (1) : "لا أسألكم أجرًا على هذا الذي جئتكم به إلا أن تَوَدُّوني في قرابتي منكم. وكلُّ قريش بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قرابةٌ". قال مجاهد: "لم يكن من قريش بطنٌ إِلا وَلَدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم" (2) . وقال الحسن (3) : "إِلا أن تتودَّدُوا إلى الله عز وجل بما يقرِّبُكُم منه" {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} أي يكتسبْ. 26- {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا} أي يجيبهم؛ كما قال الشاعر: وَدَاعٍ دَعَا: يَا مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدَى ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ -عِنْدَ ذَاكَ- مُجِيبُ (4) 29- {وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ} أي نشر. 32- {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ} يعني: السفن. {كَالأَعْلامِ} أي الجبال. واحدها: عَلَم. 33- {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} أي سواكنَ على ظهر البحر. 34- {أَوْ يُوبِقْهُنَّ} يُهْلِكْهُنَّ. يقال: فلان قد أوبقَتْه ذنوبه. وأراد: أهل السفن. 38- {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} أي يَتَشاورون فيه.
45- {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي قد غَضُّوا أبصارهم من الذلِّ. 50- {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} أي يجعلُ بعضَهم بنينَ وبعضَهم بناتٍ. تقول العرب: زوَّجت إبلي؛ إذا قرنت بعضها ببعض (1) . وزوَّجت الصغار بالكبار: إذا قرنت كبيرًا بصغير. 51- {أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا} فِي الْمَنَامِ. {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} كما كلَّم موسى عليه السلام. {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} أي ملَكًا [ {فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} ] فيكلمَه عنه بما يشاء (2) .
سورة الزخرف
سورة الزخرف (1) مكية كلها 4- {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} أي في أصل الكتب عند الله. 5- {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} أي نُمسك عنكم فلا نذكركم صفحًا، أي إعراضًا. يقال: صفحت عن فلان؛ إذا أعرضت عنه. والأصل في ذلك: أنك تُولِّيه صفحةَ عنقك. قال كُثير يصف امرأة: صَفُوحًا فما تَلْقَاكَ إِلا بحيلةٍ ... فَمَن مَلَّ منها ذلك الوصلَ مَلَّتِ (2) أي معرضةً بوجهها. ويقال: ضربت عن فلان كذا؛ أي أمسكته وأضربت عنه. {أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} أي لأنْ كنتم قومًا مُسرفين. 13- {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي مطيقين. يقال: أنا مُقْرِن لك؛ أي مطيق لك. ويقال: هو من قولهم: أنا قِرْن لفلان؛ إذا كنت مثله في الشدة. وإن فتحت - فقلت: أنا قَرْن لفلان. - أردتَ: أنا مثله في السنّ (3) .
15- {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} أي نصيبًا (1) . ويقال: شِبهًا ومِثًلا (2) ؛ إذ عبدوا الملائكة والجن. وقال أبو إسحاقَ [الزجّاجُ] (3) "إن معنى (جُزْءًا) هاهنا: بنات. يقال: له جزء من عيال؛ أي بنات". قال: وأنشدني بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى "جزء" معنى "إناث" - قال: ولا أدري: البيتُ قديم؟ أم مصنوع؟ (4) إِنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يومًا فلا عَجَبٌ ... قد تُجْزِئُ الحُرَّةُ المِذْكَارُ أحْيانا (5) فمعنى "إن أجزأت" أي آنَثَتْ أي أتت بأنثى (6) . وقال المفضَّل بن سَلَمَةَ: "حكى لي بعض أهل اللغة: أجزأ الرجلُ؛ إذا كان يولد له بناتٌ. وأجزأت المرأةُ: إذا ولدت البناتِ". وأنشد المفضل: زُوِّجْتُها من بَناتِ الأوسِ مُجْزِئَةً ... للعَوْسَجِ اللَّدْنِ في أبياتِها زَجَلُ (7) 17-[ {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا} يريد] :
جعلتم البناتِ للَّه: وأنتم إذا ولد لأحدكم بنتٌ {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} أي حزين؟!. 18- {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} أي رُبِّيَ في الحُليّ، يعني البناتِ. و (الْخِصَامُ) جمع "خصيمٍ". ويكون مصدرا لـ"خاصمت" (1) . {غَيْرُ مُبِينٍ} للحجة. 19- {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} أي عبيده، يقال: عبد وعبيد وعباد. 22-23- {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي على دين واحد (2) . 22-23- {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي على دين واحد (3) . 28- {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} يعني: "لا إله إلا الله". 33- {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي كفارًا كلهم. و (المعارج) : الدَّرَج. يقال: عَرَج أي صعِد. ومنه "المِعراج"؛ كأنه سبب إلى السماء أو طريق. {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} أي يعلون. يقال: ظهرت على البيت؛ إذا علوت سطحه. 35- و (الزخرف) : الذهب. 36- {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} أي يُظْلم بصره. هذا قول أبي عبيدةَ (4) . قال الفراء: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} أي يُعرِضُ عنه. ومن قرأ:
(وَمَنْ يَعْشَ) بنصب الشين (1) أراد: [من] يعم عنه. وقال في موضع آخر: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} (2) . ولا أرى القول إلا قولَ أبي عبيدةَ. ولم أر أحدًا يُجيز "عَشَوْتُ عن الشيء: أعرضتُ عنه؛ إنما يقال: "تَعاشَيْتُ عن كذا"؛ أي تغافلتُ عنه كأني لم أره. ومثله: "تعامَيْتُ". والعرب تقول: "عَشَوْتُ إلى النار" إذا استدللتُ إليها ببصر ضعيف (3) قال الحُطَيْئة: مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ (4) ومنه حديث ابن المسيّب: "أن إحدى عينَيْهِ ذهبتْ وهو يَعْشُو بالأخرى"؛ أي يبصر بها بصرًا ضعيفًا (5) . 44- {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} أي شرفٌ لكم؛ يعني القرآن (6) . {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} عن الشكر عليه.
45- {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} أي سَلْ من أرسلنا إليه رسولا - من رسلنا - قبلك؛ يعني: أهل الكتاب (1) . 52- {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} قال أبو عبيدةَ (2) "أراد بل أنا خير". وقال الفراء: "أخبرني بعض المشيخة: أنه بلغه أن بعض القراء قرأ: (أمَا أنَا خَيْرٌ) وقال لي هذا الشيخ: لو حفظت (3) الأثر لقرأت به؛ وهو جيد في المعنى". 55- {فَلَمَّا آسَفُونَا} أي أغضَبونا (4) . و"الأسف": الغضب. يقال: أسِفتُ آسَفُ أسفًا؛ أي غضبتُ. 56- {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} قومًا تقدَّموا. {وَمَثَلا} عبرةً. وقرأها الأعرج: (5) (سُلَفًا) كأن واحدته: "سُلْفةٌ" [أي عُصبة وفرقة متقدمة] من الناس، مثل القِطعة. تقول: تقدمتْ سُلفةٌ من الناس. وقرئت: (سُلُفًا) (6) ؛ كما قيل: خَشَب وخُشُب وثَمَر وثُمُر. ويقال (7) : هو جمع "سَلِيفٍ". وكله من التقدُّم.
57- {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} يَضِجُّون (1) . يقال: صددتُ أصُِدُّ صدًّا؛ إذا ضججتُ. و"التَّصْدِيَةُ" منهُ وهو: التصفيق. والياء فيه مبدلة من دال؛ كأن الأصل فيه: "صدَّدْت" بثلاث دالات؛ فقُلبتْ الأخرى ياءً فقالوا: "صَدَّيتُ" كما قالوا: قَصَّيْت أظفاري؛ والأصل: قصَّصْت. ومن قرأ: (يَصُدُّونَ) (2) ؛ أراد: يَعدلون ويُعرضون. 61- {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ؛ أي نزول المسيح -عليه السلام- يُعلَم به قربُ الساعة. ومن قرأ: (لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) (3) ؛ فإنه يعني: العلامة والدليل. 70- {تُحْبَرُونَ} أي تُسرون. و"الحَبْرةُ": السرور (4) . 71- (الأكواب) الأباريق لا عُرى لها؛ ويقال: ولا خراطيمَ. واحدها: "كُوب". 75- {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي يائسون من رحمة الله. 79- {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا} أي أحْكموه.
81- {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي: أولُ من عبده بالتوحيد (1) . ويقال: {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أول الآنفين الغِضابِ. يقال: عَبِدتُ من كذا أعبَدُ عَبَدًا فأنا عَبِدٌ وعابد. قال الشاعر: وأَعْبَدُ أنْ تُهْجَى تَمِيمٌ بِدَارِمِ (2) أي: آنَفُ. 89- {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} أي أعرضْ عنهم.
سورة الدخان
سورة الدخان (1) مكية كلها (2) 4 - {يُفْرَقُ} أي يُفصَل. 10- {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} أي بجَدبٍ؛ يقال (3) : "إن الجائع فيه كان يَرى بينه وبين السماء دخانًا من شدة الجوع". ويقال (4) : "بل قيل للجوع: دخان ليُبْسِ الأرض في سنة الجدب، وانقطاع النبات، وارتفاع الغبار. فشُبِّهَ ما يرتفع منه بالدخان. كما قيل لسنة المجاعة: غَبْرَاءُ؛ وقيل: جُوع أغْبَرُ وربما وضعت العرب الدخانَ موضع الشر إذا علا، فيقولون: كان بيننا أمر ارْتَفَع له دخان". 15- {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى شرككم. ويقال: إلى الآخرة (5) . 16- {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يعني: يوم بدر (6) . 20- {عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} أي تقتلونِ (7) . 21- {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} أي دعوني كَفَافًا لا عليَّ ولا ليَ. 24- {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} أي ساكنًا (8) .
29- {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} مبيّن في كتاب "تأويل المشكل" (1) . 33- {وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ} أي نِعَمٌ بَيِّنَة عظام (2) . 35- {وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} أي بِمُحْيَيْنَ. 41- {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا} أي وليٌّ عن وليِّه بالقرابة أو غيرِها (3) . 44- {طَعَامُ الأَثِيمِ} أي طعام الفاجر. 45- {كَالْمُهْلِ} قد تقدّم تفسيره (4) . 46- و (الْحَمِيمُ) الماء الحارُّ. 47- {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} (5) أي فرُدُّوه بالعنف. وتقرأ: {فَاعْتِلُوهُ} يقال: جيء بفلان يُعْتَلُ إلى السلطان؛ أي يُقاد. {إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} وسط النار. 53- و (الإِسْتَبْرَقُ) ما غلُظ من الديباج. و (السُّنْدُسُ) ما رقَّ منه.
54- {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} أي قَرَنَّاهم بهن (1) . 56- و [قوله] : {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى} ؛ مبين في كتاب "تأويل المشكل" (2) . 59- {فَارْتَقِبْ} أي انتظر. {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} أي منتظرون.
سورة الجاثية
سورة الجاثية (1) مكية كلها (2) 10- {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} أي أمامهم (3) . 18- {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ} أي على مِلَّة (4) ومذهب. ومنه يقال: شَرَعت لك كذا، وشَرَع فلان في كذا: إذا أخذ فيه. ومنه "مَشارِعُ الماء" [وهي] : الفُرَض التي يَشْرَع فيها الناس والواردة. 21- {اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} أي اكتسبوها. ومنه قيل لكلاب الصيد: جوارحُ. 24- {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} مرور السنين والأيام. 28- {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [باركةً] (5) على الرُّكَب. يراد: أنها غير مطمئنة. {تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} أي إلى حسابها. 29- {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} يريد: أنهم يقرءُونه فيَدُلُّهم ويُذكِّرُهم؛ فكأنه ينطق عليهم.
{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نكتب. 32- {قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أي ما نعلم ذلك إلا ظنًّا وحَدْسًا وما نستيقنه. و"الظن" قد يكون بمعنى "العلم"؛ قال: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} (1) ؛ وقال دُرَيْدٌ: فقلت لهم: ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ ... سرَاتُهُمُ في الفارِسِيِّ المُسَرَّدِ (2) أي أيقنوا [بإتيانهم إيَّاكم] . 33-[قوله: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} ؛ هو مثل قوله] : {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (3) ؛ يعيَّرون أنهم عملوا في الدنيا أعمالا كانوا يظنون أنها تنفعهم، فلم تنفعهم مع شركهم. 34- {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ} أي نتركُكم.
سورة الأحقاف
سورة الأحقاف (1) مكية كلها (2) 4- {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أي بقية من علم تؤثرُ عن الأولين. ويقرأ: (أَثَرَةٍ) (3) ؛ اسم مبني على "فَعَلَةٍ" من ذلك. والأول على "فَعَالَةٍ". 9- {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} أي بَدْءًا منهم ولا أوَّلا. 15- {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا} أي مشقة. {وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} أي مشقة. {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} قد ذكرناه فيما تقدم (4) . {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} أي ألهمْني. والأصل في "الإيزاع": الإغراء بالشيء؛ يقال: فلان مُوزَعٌ بكذا ومُولَعٌ (5) . 21- {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} واحدها: "حِقْف" وهو من الرمل ما أشرَفَ من كُثْبانه واستطال وانحنَى. 22- {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} لتصرفَنا. 24- {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} و "العارض": السحاب.
26- {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} أي: فيما لم نمكنْكم (فيه) و "إن" بمعنى "لم" (1) . ويقال: بل هي زائدة؛ والمعنى: مكنَّاهم فيما مكنَّاكم فيه (2) . 28- {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً} أي اتخذوهم آلهةً يتقرَّبون بهم إلى الله. 29- {فَلَمَّا قُضِيَ} أي فَرَغ [رسول الله صلى الله عليه وسلم] من [قراءة القرآن و] تأويله.
سورة محمد
سورة محمد صلى الله عليه وسلم مدنية كلها (1) 1- {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أبطلها و [أصل "الضَّلال": الغَيْبُوبة] . يقال: ضل الماء في اللبن؛ إذا [غاب] وغُلب عليه؛ فلم يُتبيَّن. {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي سترها. {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي حالَهم. 4- {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} أي يضعَ أهل الحرب السلاحَ (2) . قال الأعشى: وأعْدَدْتُ للحرب أوْزَارَها ... رِماحًا طِوالا وَخَيْلا ذُكُورَا ومِن نَسْجِ داودَ يُحْدَى بها ... على أثَرِ الحيِّ, عِيرًا فعِيرَا (3) وأصل "الوِزْر" ما حملته؛ فسمي السلاح "أوزارا" لأنه يُحمل. 6- {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} يقال في التفسير (4) : "بيَّنها لهم، وعرَّفهم منازلهم منها".
وقال أصحاب اللغة (1) : "عَرَّفَهَا لَهُمْ": طَيَّبَها. يقال: طعام معرَّف؛ أي مطيَّب. قال الشاعر: فَتَدْخُلُ أيْدٍ فِي حَنَاجِرَ أُقْنِعَتْ ... لِعَادتِهَا من الخَزِيرِ المُعَرَّفِ (2) 8- {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ} من قولك: تعَستُ؛ أي عثَرت وسقطت. 11- {مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} أي وليُّهم. {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} لا وَلِيَّ لهم (3) . 12- {وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} أي منزلٌ لهم. 13- {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} أي كم من أهل قرية: {هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} يريد: [أخرجك] أهلها (4) . 15- {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} أي غير متغيِّر الريح والطعم و "الآجن" نحوه. {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} أي: لذيذة. يقال: شراب لَذٌّ إذا كان طيبًا. 18- {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي هل ينظرون؟! {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} أي علاماتُها.
{فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} ؟ فكيف لهم منفعةُ الذكرى إذا جاءتْ والتوبةُ -حينئذٍ- لا تُقبل؟! 20-21- {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ} هذا مفسر في كتاب "تأويل المشكل" (1) . {فَأَوْلَى لَهُمْ} وعيدٌ وتهدُّد؛ تقول للرجل -إذا أردت به سوءًا ففاتك-: أوْلَى لك. ثم ابتدأ فقال: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} قال قتادةُ (2) : "يقول: لطاعةُ اللَّهِ وقولٌ بالمعروف -عند حقائق الأمور- خيرٌ لهم". 25- {سَوَّلَ لَهُمْ} زيَّن لهم. {وَأَمْلَى لَهُمْ} أطال لهم الأملَ. 30- {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} في نحو كلامهم ومعناه (3) . 35- {فَلا تَهِنُوا} أي لا تضعُفوا. من "الوهْن". {وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} أي الصلح. {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي لن يَنقُصَكم ولن يظلمَكم (4) . يقال: وتَرْتَني حقي؛ أي بخَستنِيه. 37- {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} أي إن يُلحَّ عليكم بما يوجبه في أموالكم. {تَبْخَلُوا} يقال: أحْفَاني بالمسألة وألْحَف وَأَلَحَّ.
سورة الفتح
سورة الفتح مدنية كلها (1) 1- {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} أي قضينا لك قضاءً عظيمًا. ويقال للقاضي: الفتاح (2) . 4- {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} أي السكون والطمأنينة (3) . 9- {وَتُعَزِّرُوهُ} أي تعظموه. وفي تفسير أبي صالح: تنصروه (4) . 12- {وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} أي هَلْكَى. قال ابن عباس: "البور -في لغة أَزْد عُمَان- (5) الفاسد". و"البور" -في كلام العرب-: لا شيء؛ يقال: أصبحت أعمالهم بُورًا، أي مبطَلة. وأصبحت ديارهم بُورًا، أي معطَّلة خرابًا. 17- {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} أي إثم في ترك الغزو. 18-19- {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} أي جازاهم بفتح قريب {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} 20- {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ} أي عن عيالكم؛
ليكونَ (1) كفُّ أيدي الناس -أهل مكةَ- عن عيالهم، {آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} 21- {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} مكةُ. 25- {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} أي محبوسًا. يقال: عكفتُه عن كذا؛ إذا حبسته. ومنه: "العاكف في المسجد" إنما هو: الذي حبَس نفسه فيه. {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} أي مَنْحَرَه (2) . {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} مفسر في كتاب "التأويل" (3) . 26- {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} قول "لا إله إلا الله". 29- {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} أي صفتهم (4) . ثم استأنف، فقال: {وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} قال أبو عبيدة: "شَطْءُ الزرع: فِراخه وصغاره (5) ؛ يقال: قد أشطأ الزرع فهو مشطئ؛ إذا أفرخ". قال الفراء. "شطْئُه: السُّنبل تُنبت الحبةُ عشْرًا وسبعًا وثمانيًا". {فَآزَرَهُ} أي أعانه وقوّاه. {فَاسْتَغْلَظَ} أي غلُظ. {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} جمع "ساق". [مثل دُور ودار] . ومنه يقال: "قام كذا على سوقه
وعلى السوق"؛ لا يراد به السوقُ: التي يُباع فيها ويُشترى. إنما يراد: أنه قد تناهى وبلغ الغاية؛ كما أن الزرع إذا قام على السوق فقد استَحكَم. وهذا مثل ضربه الله للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إذ خرج وحدهُ، فأيده بأصحابه؛ كما قوَّى الطاقة من الزرع بما نبت منها حتى كثُرتْ وغلُظتْ واستحكمتْ.
سورة الحجرات
سورة الحجرات مدنية كلها (1) 1- {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي لا تقولوا قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقال (2) : "فلا يقدم بين يدي الإمام وبين يدي أبيه"؛ أي يُعجِّل بالأمر والنهي دونه. 2- {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} أي لا ترفعوا أصواتَكم عليه (3) كما يرفع بعضكم صوته على بعض. {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} أي لئلا تحبطَ أعمالكم (4) . 3- {امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} أي أخلَصَها للتقوى. 4- {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} واحدها: "حُجْرة"؛ مثل ظُلْمة وظُلُمات. ويقرأ: (حُجَرات) (5) ؛ كما قيل: رُكَبات. وينشَد هذا البيت: ولمَّا رَأَوْنا بادِيًا رُكَباتُنا ... على مَوْطنٍ لا نَخْلِطُ الجدَّ بالهَزْلِ (6)
7- {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} من "العَنَت" وهو: الضرر والفساد. 9- {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي ترجعَ. {وَأَقْسِطُوا} اعدلوا. 11- {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا تَعِيبوا إخوانَكم من المسلمين (1) {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} أي لا تَتَداعوا بها، و "الألقاب" و "الأنْباز" واحد. ومنه قيل في الحديث: "قومٌ نَبْزُهم الرافضة"؛ أي لقبُهم. وقوم -من أصحاب الحديث- يغيّرون اللفظ (2) . 13- و (الشعوب) أكبر من القبائل مثل "مُضَرَ" و "رَبيعةَ". 14- {قُولُوا أَسْلَمْنَا} ؛ أي اسْتَسْلمنا من خوف السيف وانْقَدْنا (3) . {لا يَلِتْكُمْ} أي لا يَنقصْكم وهو من "لاتَ يلِيتُ [ويَلُوتُ] ". ومنها لغة أخرى: "أَلَتْ يَأْلَت [أَلْتًا] " (4) . وقد جاءت اللغتان جميعا في القرآن؛ قال: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (5) . والقرآن يأتي باللغتين المختلفتين؛ كقوله في موضع: {تُمْلَى عَلَيْهِ} (6) ؛ وفي موضع آخرَ: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (7) .
سورة ق
سورة ق (1) 3- {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} يريدون: البعثَ بعد الموت؛ أي لا يكون (2) . 4- {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} أي تأكلُ من لحومهم إذا ماتوا. 5- {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} أي مختَلطٍ. يقال: مَرِج أمرُ الناس ومَرج الدِّينُ. وأصل "المَرَج": أن يقلَقَ الشيءُ فلا يستقرّ. يقال: مَرج الخاتم في يدي مَرَجًا؛ إذا قَلِق من الهُزَال. 6- {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} أي صدوع. وكذلك قوله: {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} ؟! (3) . 7- {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي من كل جنسٍ حسن يُبْتَهج به (4) . 9- {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} أراد: والحبَّ الحصيدَ؛ فأضاف الحب إلى الحصيد. كما يقال: صلاةُ الأولى؛ يراد: الصلاةُ الأولى. ويقال: مسجدُ الجامع؛ يراد: المسجدُ الجامعُ (5) .
10- {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} أي طوالا. يقال: بَسَقَ الشيء يَبْسُق بُسوقًا؛ إذا طال. {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} أي منضودٌ: بعضُه فوق بعض. وذلك قبل أن يتفتَّح. فإذا انشقَّ جُفُّ الطَّلْعة (1) وتفرَّق: فليس بنضيدٍ. ونحوه قوله: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} (2) . وقد قرأ بعضُ السَّلف: (وَطَلْعٍ مَنْضُودٍ) كأنه اعتبره بقوله في ق: {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} 15- {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ} !؟ أي أفعيينا بإبداء الخلق، فنعْيَا بالبعث، وهو: الخَلق الثاني؟!. {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} أي في شكٍّ. {مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي من البعث. 16- {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} و "الوريدان": عِرْقَانِ بين الحُلْقوم والعِلْباوَيْنِ. والحبل هو: الوريد؛ فأضيف إلى نفسه: لاختلاف لفظَي اسمَيْه (3) . 17- {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} أي: يتلقيان القول ويكتبانه؛ يعني: المَلَكين. {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} أراد: قعيدًا من كل جانب. فاكتفى بذكر واحد: إذ كان دليلا على الآخر (4) . و"قَعِيدٌ" بمعنى قاعدٍ؛ كما يقال: "قدير" بمعنى قادر. ويكون بمنزلة "أكِيل وشَرِيب [ونديم] " أي مؤاكلٍ ومُشارب
[ومُنادم] . كذلك: "قعيد" أي مُقاعد. 22- {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} أي حادٌّ؛ كما يقال: حافظٌ وحفيظٌ. 27- {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} مفسرٌ في كتاب "تأويل المشكل" (1) . 31- {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} أي أُدنيَتْ. 36- {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ} أي طافوا وتباعدوا. {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} أي هل يجدون من الموت محيصًا (2) ؟! فلم يجدوا ذلك. 37- {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أي فهمٌ وعقلٌ (3) . {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} يقول: استمَعَ كتاب الله: وهو شاهدُ القلبِ والفهمِ ليس بغافلٍ ولا ساهٍ. 41- {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} يقال: صخرةُ بيت المقدس. 42- {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} يوم البعثِ من القُبور. ويقال ليوم العيد: يومُ الخروج؛ لخروج الناس فيه. 45- {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} أي بمسَلَّط (4) . وليس هو من "أجبرتُ الرجلَ على الأمر": إذا قَهَرْتُه عليه. لأنه لا يقال من ذلك: "فَعَّال". و"الجَبَّار": الملِكُ، يسمَّى بذلك: لتجبُّره يقول: فلستَ عليهم بملك مسلَّط.
سورة الذاريات
سورة الذاريات مكية كلها (1) 1- {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} الرياح. يقال: ذَرَت [الريح الترابَ] تَذْرو [هُ] ذَرْوًا [وتَذْرِيه ذَرْيًا] . ومنه قوله: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} (2) . 2- {فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا} السحاب تحمل الماء (3) . 3- {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} أي السفن تجري في الماء جريًا سهلا. ويقال: تجري ميسرة؛ أي مسخَّرة (4) . 4- {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} الملائكة. هذا أو نحوه يؤثر عن علي رضي الله عنه. 6- {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} يعني الجزاء بالأعمال والقصاصَ. ومنه يقال: دِنْتُه بما صنع. 7- {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} ذات الطرائق. ويقال للماء القائم -إذا ضربَتْه الريحُ فصارت فيه طرائق-: له حُبكٌ. وكذلك الرمل: إذا هبَّتْ عليه الريحُ فرأيتَ فيه كالطرائق - فذلك: حُبكُه. 9- {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي [يُصرفُ عنهُ و] يُحرَمُه من حُرمه يعني: القرآن.
10- {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} أي لُعنَ الكَذَّابون الذين قالوا في النبي صلى الله عليه وسلم: كاذبٌ وشاعر وساحرٌ؛ خَرَصوا ما لا علم لهم به (1) . 13- {يُفْتَنُونَ} يعذَّبون. 14- {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} أي ذُوقوا عذابكم. {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} في الدنيا. 17- {يَهْجَعُونَ} أي ينامون. 18- {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي يصلون. 19- {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ} يعني: الطوَّاف. {وَالْمَحْرُومِ} المُحارَف؛ [وهو] : المقَتَّر عليه [في الرزق] . وقيل: الذي لا سهمَ له في الغنائم. 26- {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} أي عَدَل إليهم في خُفْية. ولا يكون "الرَّواغُ" إلا أن تُخْفِيَ ذهابَك ومجيئَك. 28- {فَأَوْجَسَ} في نفسه. {خِيفَةً} أي أَضْمَرها. {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} إذا كبر. 29- {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} أي في صَيْحَة. ولم تأت من موضع إلى موضع؛ إنما هو كقولك: أقبلَ يَصيح وأقبل يتكلَّم. {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي ضربتْ بجميع أصابعها جَبْهَتَهَا. {وَقَالَتْ} أَتَلِدُ {عَجُوزٌ عَقِيمٌ} ؟! . 33- {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} ؛ قال ابن عباس (2) : هو الآجُرُّ.
34- {مُسَوَّمَةً} أي مُعَلَّمَةً. 39- {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} و "بجانبه" سواءٌ (1) ؛ أي أعرضَ. 40- {وَهُوَ مُلِيمٌ} أي مُذنب. يقال: ألام الرجلُ؛ إذا أتى بذنب يلام عليه. قال الشاعر: ومَن يخْذُلْ أخَاه فقد أَلامَا (2) 45- {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ} أي ما استطاعوا أن يقوموا لعذاب الله. 47- {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أي بقوةٍ. {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أي قادرون. ومنه قوله: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} (3) . 49- {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} أي ضِدَّين: ذكرًا وأنثى، وحلْوًا وحامضًا؛ وأشباهَ ذلك (4) . 56- {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} يعني المؤمنين منهم؛ أي ليوحِّدوني. ومثله قوله: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (5) أي الموحِّدين. 57- {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} أي ما أريد أن يَرزُقوا أنفُسَهم.
سورة الطور
{وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} أي يُطعموا أحدًا من خلقي (1) . 58- و (الْمَتِين) : الشديد القويّ. 59- و (الذنوب) : الحظ والنصيب. وأصله: الدَّلْوُ العظيمة. وكانوا يَسْتَقون فيكون لكل واحدٍ ذنوبٌ. فجُعل "الذَّنوب" مكان "الحظ والنصيب": على الاستعارة (2) . سورة الطور مكية كلها (3) 1- {وَالطُّورِ} جبل بمَدْيَنَ، كُلِّمَ عنده موسى عليه السلام (4) . 2 - {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} أي مكتوب. 3- {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} يقال: هي الصحائف التي تخرج يوم القيامة إلى بني آدمَ (5) . 4- {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} بيت في السَّماء حِيالَ الكعبة (6) . 5- {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} يعني: السماء. 6- {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} المملوء. قال النَّمِر بن تَوْلَبٍ -وذكر وَعِلا-: إِذا شاء طالَعَ مَسْجُورَةً ... تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ والسَّاسَمَا (7) أي عينًا مملوءةً. 9- {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} تدور بما فيها. 10- {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ} عن وجه الأرض. 13- {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} أي يُدفعون. يقال: دَعَعْتُه
أدعُّه دعًّا؛ أي دفعته. ومنه: {الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (1) . 18- {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} أي ناعمين بذلك. وفكهين معجَبين بذلك (2) . 21- {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} أي ما نقصناهم. 23- {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا} أي يَتَعاطَون. قال الأخطل: وشَارِبٍ مُرْبِحٍ بالكأْسِ نازَعَنِي ... لا بالحَصُورِ ولا فيها بِسَوَّار (3) أي عاطاني. {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} أي لا تَذهبُ بعقولهم فيَلْغُوا أو يَرفُثوا فيأثموا. كما يكون ذلك في خمر الدنيا. 26- {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أي خائفين. 29- {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} كما تقول: ما أنت -بحمد الله- بجاهل. 30- {نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} أي حوادثَ الدهر وأوجاعه ومصائبه و "المنون": الدهر؛ قال أبو ذُؤيبٍ: أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِه تَتَوَجَّعُ ... والدَّهرُ ليس بمُعْتِبٍ مَن يَجْزَعُ ? (4)
هكذا كان الأصمعيُّ يرويه: "ورَيْبِه" (1) ويذهب إلى أنه الدهر؛ قال: وقوله: "والدّهرُ ليس بمعتِبٍ" يدل على ذلك؛ كأنه قال: "أمِن الدهرِ وريبه تتوجعُ والدهر لا يُعتِبُ من يجزع!؟ ". قال الكسائي: "تقول العرب: لا أكلمك آخرَ المنون، أي آخرَ الدهر". 37- {أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} ! أي الأرباب. يقال: تسيطرتَ عليَّ؛ أي اتخذتني خَوَلا [لك] . 38- {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} !؟ أي دَرَجٌ. قال ابن مُقْبِل: لا تُحْرِزُ المَرْءَ أحْجاءُ البلادِ ولا ... تُبْنَى له في السَّمَواتِ السَّلالِيمُ (2) 44- {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} قد تقدم ذكره (3) . {سَحَابٌ مَرْكُومٌ} أي رُكام: بعضُه على بعض. والمعنى أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه: إنا لا نؤمن لك حتى تسقط السماء علينا كسفًا؛ فقال الله: لو أسقطنا عليهم كِسْفًا من السماءِ قالوا: هذا سحاب مركوم؛ ولم يؤمنوا. 45- {يُصْعَقُونَ} يموتون.
سورة النجم
سورة النجم مكية كلها (1) 1- {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} يقال: "كان القرآن ينزلُ نُجومًا؛ فأقسم الله بالنجم منه إذا نزل". وقال مجاهد: "أقسم بالثُّريَّا إذا غابت" والعرب تسمي الثّريا -وهي ستة أنجم ظاهرةٍ- نجمًا (2) . [و] قال أبو عبيدة: "أقسم بالنجم إذا سقط في الغَوْر". وكأنه لم يخصِّص الثُّريَّا دون غيرها. 5- {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} جبريلُ عليه السلام. وأصله من "قُوَى الحَبْل"؛ وهي طاقاته. الواحدة: قوة. 6 و7- {ذُو مِرَّةٍ} أي ذو قوةٍ. وأصل "المِرَّة": الفَتْلُ. ومنه الحديث (3) : "لا تَحِلُّ الصَّدقةُ لغنيٍّ ولا لِذي مِرَّة سَوِيٍّ". وقوله: {فَاسْتَوَى * وَهُوَ} ؛ أي استوى هو وجبريلُ (4) -صلوات الله عليهما- {بِالأُفُقِ الأَعْلَى}
8 و9- {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} أي قدرَ قوسين عربيتَيْن (1) . وقال قوم: "القوس: الذارع؛ أي كان ما بينهما قدر ذراعين". والتفسير الأول أعجبُ إليَّ؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (2) : "لَقابُ قوسِ أحدِكم من الجنةِ، أو موضعُ قِدِّه - خيرٌ له من الدنيا وما فيها". و "القِدُّ": السوط. 10- {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} عن الله عز وجل. 11- {مَا رَأَى} يقول بعض المفسرين: "إنه أراد: رؤية بصر القلب". 12- {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} أفتجادلونه. من "المراء". ومن قرأ: {أَفَتُمَارُونَهُ} (3) ؛ أراد: أفتجحدونه. 16- {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} من أمر الله تعالى. 17- {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} أي ما عدل. {وَمَا طَغَى} ما زاد ولا جاوز. 19-21- {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} ؟! كانوا يجعلونها بناتِ الله؛ فقال: ألكم الذكورُ من الولد وله الإناثُ؟! 22- {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} أي جائرةٌ. يقال: ضِرت في الحكم؛ أي جُرْت. و"ضِيزَى": فُعلى؛ فكسرت الضاد للياء. وليس في النعوت "فِعْلَى".
23- {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أي حجة. 32- {اللَّمَمَ} صغار الذنوب. وهو من "أَلَمَّ بالشيء": إذا لم يتعَمَّق فيه ولم يلزمه. ويقال (1) "اللَّمَم: أن يُلِمَّ [الرجلُ] بالذنب ولا يعود". 34- {وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى} أي قطع. وهو من "كُدْية الرَّكِيَّة". (2) وهي: الصلابة فيها، وإذا بلغها الحافر يئس من حفرها فقطع الحفر. فقيل لكل من طلب شيئا فلم يبلغ آخرَه أو أعطَى ولم يتمِّمْ -: أكْدَى (3) . 35- {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} أي يعرفُ ما غاب عنه: من أمر الآخرة وغيرها؟! 37- {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} أي بلَّغ. 39- {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} أي ما عمِل لآخرته. 40- {وَأَنَّ سَعْيَهُ} عمله. {سَوْفَ يُرَى} أي يعلم. 41- {ثُمَّ يُجْزَاهُ} يُجْزَى به. 46- {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} أي تقدَّرُ وتُخلَق (4) . يقال: ما تدري ما يَمْنِي لك الماني؛ أي ما يقدِّر لك الله. 47- {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} أي الخلْق الثانيَ للبعث يوم القيامة.
48- {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} [أي أعطَى ما يُقتَنى] : من القِنْية والنَّشَب. يقال: أقنيت كذا [وأقْنَانِيه الله] . 49- {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} الكوكب [المضيء الذي يطلُع] بعد الجَوْزاء. وكان ناسٌ في الجاهلية يعبدونها. 53- {وَالْمُؤْتَفِكَةَ} مدينة قوم لوط؛ لأنها ائْتفَكتْ [بهم] أي انقلبت. {أَهْوَى} أسقط. يقال: هَوَى؛ إذا سقط. وأهواه اللهُ أي أسقطه. 54- {فَغَشَّاهَا} من العذاب والحجارة؛ {مَا غَشَّى} 56- {هَذَا نَذِيرٌ} يعنى: محمدا صلى الله عليه وسلم. {مِنَ النُّذُرِ الأُولَى} يعني من الأنبياء المتقدمين. 57- {أَزِفَتِ الآزِفَةُ} أي قربت القيامة. 58- {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} ليس لعلمها كاشفٌ ومبيِّنٌ دونَ الله، ومثله: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} (1) . وتأنيث "كاشفة" كما قال: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} (2) أي بقاء. و [كما قيل] : العاقبة، وليست له ناهية. 61- {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} لاهُون (3) ؛ ببعض اللغات. يقال للجارية: اسْمُدِى لنا؛ أي غنِّي لنا.
سورة القمر
سورة القمر (1) مكية كلها (2) 1- {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} أي قرُبتْ. 2- {سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} أي شديد قويٌّ. وهو من "الْمِرَّة" مأخوذ. والمِرَّةُ: الفتْل؛ يقال: استمَرَّت مَرِيرَتُه. ويقال: هو من "المرارة". [يقال] : أمَرَّ الشيءُ واستَمرَّ [إذا صار مُرًّا] (3) . 4- {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أي متَّعَظ ومنتهى. 6- {إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} أي منكَر. 8- {مُهْطِعِينَ} قال أبو عبيدةَ (4) : مسرعين {إِلَى الدَّاعِ} وفي التفسير (5) : "ناظرين قد دفعوا رءوسَهم إلى الداعي". 9- {وَازْدُجِرَ} أي زُجر. وهو: "افتُعِل" من ذلك. 11- {بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} أي كثير سريع الانصباب. ومنه يقال: همر الرجل؛ إذا أكثر من الكلام وأسرع.
12- {فَالْتَقَى الْمَاءُ} أي التقى ماء الأرض وماء السماء. 13- و (الدسر) : المسامير؛ واحدها: "دِسار". وهي أيضًا (1) الشُّرُط التي تُشَدُّ بها السفينة. 14- {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي بمرأى منا وحفظٍ. {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} يعني: نوحًا -عليه السلام- ومن حمله معه من المؤمنين. و (كُفِرَ) : جُحِد ما جاء به. 15و51- {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي معتبِر ومتعِظ (2) . وأصله "مُفْتَعِل" من الذِّكر: "مُذْتَكر". فأدغمت الذال في التاءِ ثم قلبتا دالا مشدَّدَة. 16، 18، 21، 30- {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} جمع نَذِير. و "نذير" بمعنى الإنذار أي فكيف كان عذابي وإنذاري. ومثله: "النَّكير" بمعنى الإنكار (3) . 17، 22، 32، 40- {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} أي سَهَّلناه للتلاوة. ولولا ذلك: ما أطاق العبادُ أن يَلْفِظوا به ولا أن يستَمِعوا [له] . 19- (الصرصر) : الريح الشديدة ذات الصوت. {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} أي في يوم شؤم. {مُسْتَمِرٍّ} أي استمَرَّ عليهم بالنُّحوسة (4) .
20- {تَنْزِعُ النَّاسَ} أي تقلَعُهم من مواضعهم. {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} أي أصولُ نخل. {مُنْقَعِرٍ} منقطِعٍ ساقط. يقال: قَعرتُه فانْقَعَر؛ أي قلعته فسقط. 24- {إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} أي جنون. وهو من - "تَسَعَّرَتِ النار": إذا التهبتْ. يقال: ناقة مَسْعُورة؛ أي كأنها مجنونة من النشاط (1) . 25-26- و (الأَشِرُ) : المَرِح المتكبر. 27- {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} أي مُخرِجوها. {فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} . 28- {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُم} وبين الناقة: لها يوم ولهم يوم. {كُلُّ شِرْبٍ} أي كل حظ منه لأحد الفريقين. {مُحْتَضَرٌ} يَحْتَضِرُه (2) صاحبه ومستحِقه. 29- {فَتَعَاطَى} أي تعاطى عقْرَ الناقة. {فَعَقَرَ} أي قتل. و"العقرُ" قد يكون: القتلَ (3) ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم -حين ذكر الشهداء-: "من عُقِر جوادُه وهُرِيق (4) دمُه".
31- {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} و "الهشيمُ": يابسُ النبت الذي يتهشَّم أي يتكسَّر. و"المحتظِرُ": صاحب الحَظِيرة. وكأنه يعني: صاحبَ الغنم الذي يجمع الحشيش في الحظيرة لغنمه. ومن قرأه {الْمُحْتَظِرِ} بفتح الظاء (1) ؛ أراد الحِظَار وهو: الحظيرة. ويقال (2) (المحتظِرُ) هاهنا: الذي يَحظُر على غنمه وبيته بالنبات، فَيَيْبَسُ ويسقط ويصير هشيمًا بوطء الدوابِّ والناسِ. 36- {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} أي شكُّوا في الإنذار. 43- {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} ؟! أي يا أهل مكةَ! أنتم خير من أولئك الذين أصابهم العذاب؟! {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ} من العذاب. {فِي الزُّبُرِ} ؟! يعني: الكتب المتقدمة. واحدها: "زَبُور". 45- {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} يومَ بدرٍ. {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} 53- {مُسْتَطَرٌ} أي مكتوب: "مُفْتَعَل" من "سطرت": إذا كتبت. وهو مثل "مَسْطور" (3) . 54- {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} قال الفراء: "وُحِّد؛ لأنه رأسُ آية، فقَابَلَ بالتوحيد رءوسَ الآي" (4) .
قال: ويقال: " (1) النهْر: الضياء والسعة؛ من قولك: أنْهَرْتُ الطعنة؛ إذا وسعتها. قال قيس بن الخطِيم يصف طعنة: مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي, فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا ... يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونِها مَاوَرَاءَهَا (2) أي وسَّعتُ فتقها.
سورة الرحمن
سورة الرحمن مكية كلها (1) 4- {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} أي الكلام. 5- {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} أي بحسابٍ ومنازلَ لا يَعْدُونها. 6- {وَالنَّجْمُ} العُشْب والبقل. {وَالشَّجَرُ} ما قام على ساق. {يَسْجُدَانِ} قال الفراء (2) : "سجودُهما: أنهما يستقبلان الشمس إذا أشرقتْ ثم يَمِيلان معها حتى ينكسر الْفَيْءُ". وقد بينت السجود في كتاب "تأويل المشكل" (3) وأنه الاستسلامُ من جميع المَوَات (4) ، والانقيادُ لِما سُخر له. 7- {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} أي العدل في الأرض. 8- {أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} أي ألا تجورُوا. 9- {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} أي بالعدل. {وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} أي لا تَنقُصوا الوزن. 10- و (الأنام) : الخَلْق. 11- و {ذَاتُ الأَكْمَامِ} أي ذات الكُفُرَّى قبل أن ينفتق. وغِلاف كل شيء: كُمُّه.
[و] "الكُفُرَّى": هو الجُفُّ وهو الكُمُّ وهو الكافور وهو الذي ينشق عن الطَّلْع. 12- و {الْعَصْفِ} ورق الزرع؛ ثم يصير -إذا جَفَّ ودَرَس- تبنًا. {وَالرَّيْحَانُ} الرزق؛ يقال: خرجت أطلب ريحان الله. قال النَّمِر بن تَوْلَبٍ: سلامُ الإلهِ ورَيْحَانُهُ ... ورَحْمَتُه وسَماءٌ دِرَرْ (1) 13- و (الآلاء) : (2) النعم. واحدها "ألًى" إلى مثل قفًا و "إلًى" مثل مِعًى (3) . 14- {صَلْصَالٍ} طين يابس يُصَلْصِل أي يصوت من يُبسه كما يصوت الفَخَّار؛ وهو: ما طُبخ. ويقال: "الصلصال": المُنْتِن؛ مأخوذ من "صلَّ الشيء": إذا أنْتَنَ مكانه فكأنه أراد: "صَلالا"؛ ثم قلب إحدى اللامين. وقد قرئ (4) (أَئِذَا صَلَلْنَا فِي الأَرْضِ) : أي أنْتَنَّا. 15- و (المارج) : هاهنا: لهب النار؛ من قولك: مَرج الشيءُ؛ إذا اضطرب ولم يستقرَّ.
قال أبو عبيدةَ (1) : {مِنْ مَارِجٍ} من خِلْط من النار. 19- {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} خلاهما. تقول: مَرَجتُ دابتي؛ إذا خلَّيتَها ومَرَج السلطانُ الناسَ: [إذا أهملهم] . وأمْرَجْتُ الدابة: رعيتها (2) . 20- {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} أي حاجز: لئلا يحملَ أحدهما على الآخر؛ فيختلطان. 22- و {اللُّؤْلُؤُ} كبار الحبّ. {وَالْمَرْجَانُ} صغاره. 24- {الْجَوَارِ} السفن. و {الْمُنْشَآتُ} اللواتي أُنشِئن أي ابتُدئ بهن {فِي الْبَحْرِ} ومن قرأ: {الْمُنْشَآتُ} (3) جعلهن: اللَّواتي ابتدأْن. يقال أنشأت السحابةُ تُمطر؛ أي ابتدأتْ. وأنشأ الشاعر يقول. و (الأَعْلامُ) : الجبال. واحدها: "عَلَم" (4) . 33- {أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ} وأقتارها: جوانبُها. {لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} أي إلا بمُلكٍ وقَهرٍ. 35- و (الشواظ) : النار التي لا دخَانَ فيها. و (النُّحَاسُ) : الدخان. قال الجَعْديُّ: تُضِيءُ كضَوْءِ سِراجِ السَّلِيطِ ... لم يجعَلِ اللهُ فِيه نُحاسا (5)
37- {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} أي حمراءَ في لون الفرس الوَرْدة (1) . و"الدِّهان": جمع "دُهن". ويقال (2) : "الدِّهانُ": الأَدِيم الأحمر. 41- {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} أي بعلامات فيهم، يقال (3) : سوادُ الوجوه وزُرقةُ العيون ونحو ذلك. 44- وقوله: {حَمِيمٍ آنٍ} و "الحميم": الماء المغلي. و "الآني": الذي قد انتهت شدة حره (4) . 46- {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} بستانان في الجنة. قال الفراء (5) : وقد تكون في العربية جنةً واحدة. (قال) : أنشدني بعضهم: وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنِ ... قَطَعتُه بالسَّمْتِ (6) لا بالسَّمْتَيْنِ
يريد: مهمهًا واحدًا وسمتًا واحدًا. (قال) وأنشدني آخرُ: يَسْعَى بِكَبْدَاءَ وفَرَسَيْنِ ... قد جَعَلَ الأرْطَاةَ جَنَّتَيْنِ (قال) : وذلك للقوافي؛ والقوافي تحتمل -من الزيادة والنقصان- ما لا يحتمله الكلام". وهذا من أعجب ما حُمل عليه كتاب الله (1) . ونحن نعوذ بالله من أن نَتَعسَّفَ هذا التعسُّفَ ونُجِيزَ على الله -جل ثناؤه- الزيادة والنقص في الكلام لرأس آية. وإنما يجوز في رءوس الآي: أن يزيد هاءً للسكت؛ كقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} (2) ؛ وألفًا كقوله: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (3) أو يحذف همزةً من الحرف كقوله: {أَثَاثًا وَرِئْيًا} (4) أو ياءً كقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (5) لتستويَ رءوس الآي على مذاهب العرب في الكلام: إذا تمَّ فآذَنَتْ بانقطاعه وابتداء غيره. لأن هذا لا يُزيل معنًى عن جهته ولا يَزيد ولا يَنقُص. فأمَّا أن يكون الله عز وجل وَعَد جنتَيْن فيجعلَها جنة واحدة من أجل رءوس الآي -: فمعاذ الله!. وكيف يكون هذا: وهو -تبارك اسمه- يصفُهما بصفات الاثنين، فقال: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} (6) ؛ ثم قال: {فِيهِمَا} ، {فِيهِمَا} (7) ؟!.
ولو أن قائلا قال في خَزَنة النار: إنهم عشرونَ، وإنما جعلهم تسعةَ عشرَ لرأس الآية - كما قال الشاعر: نحنُ بَنُو أُمِّ البَنِينَ الأَرْبَعة (1) وإنما هم خمسة فجعلهم للقافية أربعة -: ما كان في هذا القول إلا كالفراء. 54- {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} قال الفراء (2) : "قد تكون البِطانةُ ظِهارةً، والظهارةُ بطانةً. وذلك: أن كل واحد منهما [قد] يكون وجهًا؛ تقول العرب: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء -لـ[ظاهرها] الذي تراه. (قال) : وقال ابن الزُّبير- وذكر قَتَلةَ عثمانَ رضي الله عنه-: "فقتلهم الله كل قِتْلَةٍ، ونجا من نجا منهم تحت بطون السماء والكواكب"؛ يعني: هربوا ليلا". وهذا أيضا من عَجَب التفسير. كيف (3) تكون البِطانةُ ظِهارةً، والظِّهارةُ بِطانةً - والبِطانةُ: ما بَطَن من الثوب وكان من شأن الناس إخفاؤه؛ والظِّهارةُ: ما ظَهَر منه وكان من شأن الناس إبداؤه؟!. وهل يجوز لأحد أن يقول لوجهِ مصلًّى: هذا بِطانته؛ ولما وَلِيَ الأرضَ منه: هذا ظِهارتُه؟!. وإنَّما أراد الله جل وعز أن يعرفنا -من حيثُ نفهم- فضلَ هذه الفُرش
وأن ما وليَ الأرضَ منها إستَبْرَقٌ، وهو: الغليظ من الدِّيباج. وإذا كانت البِطانة كذلك: فالظِّهارةُ أعلى وأشرفُ. وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لَمَنَادِيلُ سعدِ بن مُعاذٍ -في الجنة- أحسنُ من هذه الحُلَّة " (1) . فذكر المناديلَ دون غيرها: لأنها أخشنُ من الثياب. وكذلك البطائنُ: أخشنُ من الظواهر. وأما قولهم: ظهر السماء وبطن السماء؛ -لما ولِينَا-:فإن هذا قد يجوز في ذي الوَجْهين المتساويَيْن إذا ولِيَ كلُّ واحد منهما قومًا. تقول في حائط بينك وبين قوم -لِمَا ولِيَكَ منه-: هذا ظهرُ الحائط؛ ويقول الآخَرون لما ولِيَهم: هذا ظهر الحائط. فكلُّ واحد -من الوجهين-: ظهرٌ وبطنٌ. ومثلُ هذا كثيرٌ. كذلك السماء: ما وَلِينا منها ظهرٌ؛ وهو لمن فوقها -من الملائكة- بطنٌ. 56، 74- {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ} قال أبو عبيدة: لم يَمْسَسْهن (2) . ويقال: ناقة صعبة لم يَطمِثْها فحلٌ قط؛ أي لم يمسسها. وقال الفراء (3) : {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} لم يفتَضَّهن. و "الطَّمْث": النكاح بالتَّدْمِيَة. ومنه قيل للحائض: طامثٌ. 64- {مُدْهَامَّتَانِ} سَوْداوَان من شدة الخُضرة والرِّيّ (4) . قال ذو الرُّمة -وذكر غيثًا-:
كَسا الأَكْمَ بُهْمَى غَضَّةً حَبَشِيَةً ... تُؤَامًا ونُقْعانُ الظُّهورِ الأَقارِعِ (1) جعلها حبشية من شدة الخضرة. 66- {نَضَّاخَتَانِ} تفوران بالماء. و "النَّضْخ" أكثر من "النَّضْح". ولا يقال منه: فَعَلْت (2) . 70- {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} نساء خيِّرات؛ فخفف. كما يقال: هيْنٌ وليْنٌ. 72- {حُورٌ} شديدات البياض وشديدات سواد المُقل. واحدها: "حَوْراءُ" ومنه قيل: حَوَارِيُّ. {مَقْصُورَاتٌ} أي محبوسات مخَدَّرات. والعرب تسمي الحَجَلة: "المقصورة". قال كُثيِّر: لَعَمْرِي! لقد حبَّبْتِ كلَّ قصيرةٍ ... إلَيَّ وما تَدْرِي بذاكَ القصَائِرُ (3) عَنَيْتُ قَصيراتِ الحِجَالِ ولم أُرِدْ ... قِصارَ الخُطَى; شرُّ النساءِ البَحَاتِرُ و"البَحَاتِرُ": القِصَارُ. 76- {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} يقال: رياضُ الجنة (4) .
وقال أبو عبيدة (1) : "هي الفُرش والبُسط" أيضًا؛ وجمعه: "رَفارِف". ويقال: هي المحابس (2) . و (الْعَبْقَرِيُّ) : الطَّنَافِس الثِّخان (3) . قال أبو عبيدة: "يقال لكل شيء من البُسُط: عبقريٌّ. ويُذكر أن "عَبْقَرَ": أرض كان يُعمل فيها الوشيُ؛ فنُسب إليها كلُّ شيء جيد" (4) .
سورة الواقعة
سورة الواقعة مكية كلها (1) 1- {الْوَاقِعَةُ} القيامة. 2- {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} أي ليس لها مردود (2) . يقال: حمل عليه فما كذَب؛ أي فما رجع. قال الفراء (3) : "قال لي أبو ثَرْوَانَ: إن بني نُمير ليس لِحدِّهم مَكْذوبةٌ؛ أي تكذيب". 3- ثم قال: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} أي تخفض قومًا إلى النار وترفع آخَرين إلى الجنةِ. 4- {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا} أي زُلْزِلَتْ. 5- {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} فُتِّتَتْ حتى صارت كالدقيق والسَّوِيق المَبسوس. 6- {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} أي ترابًا منتشِرًا. و "الهباءُ المُنْبَثُّ": ما سطع من سنابك الخيل (4) . 7- {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً} أي أصنافًا. 8- {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} ؟! على التعجب. كأنه قال: أيُّ شيء هم؟!.
ويقال في الكلام (1) : "زيدٌ ما زَيدٌ! " أيْ أيُّ رجل هو. 9- {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} ؟! أي أصحاب الشمال. والعرب تسمِّي اليدَ اليسرى: الشُّؤمَى؛ والجانبَ الأيسر: الجانبَ الأَشْأَمَ. ومنه قيل: اليُمْن والشُّؤم. فاليُمن: كأنه ما جاء عن اليمين؛ والشُّؤم: ما جاء عن الشمال. ومنه سميت "اليَمَنُ" و "الشَّأم". 13، 39، 40- {ثُلَّةٌ} جماعة. 15- {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} أي منسوجة. كأن بعضها أُدخِلَ في بعض، أو نُضِّد بعضُها على بعض. ومنه قيل للدِّرْع: مَوْضونةٌ. ومنه قيل: وَضِينُ الناقة. وهو بِطَانٌ من سيُور يُرَصَّع ويُدْخَل بعضُه في بعض. قال الفراء: "سمعت بعضهم يقول: الآجُرُّ (2) موضونٌ بعضُه إلى بعض؛ أي مُشْرَجٌ [صَفيفٌ] ". 17- {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} يقال: على سِنٍّ واحدة لا يتغيَّرونُ [ولا يموتون] (3) . ومن خُلِّد وخُلِق للبقاء: لم يتغيَّر. ويقال: مُسوَّرون (4) .
ويقال: مُقَرَّطون (1) ويُنْشَد فيه شعر: ومُخَلَّداتٌ باللُّجَيْنِ كأنَّمَا ... أعْجَازُهُنَّ أَقاوِزُ الكُثْبانِ (2) 18- {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} لا عرًى لها ولا خراطِمَ. 18و19- {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} كان بعضهم (3) يذهب في قوله: {لا يُصَدَّعُونَ} ؛ [إلى أن معناه] أي لا يتفرقُون عنها. من قولك: صَدَّعتُه فانْصَدَع. ولا أراه إلا من "الصُّداع" (4) الذي يعتري شرابَ الخمر في الدنيا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم -في وصف الجنة-: " وأنهار من كأسٍ ما إنْ بها صُدَاعٌ ولا ندامةٌ ". {وَلا يُنْزِفُونَ} قد ذكرناه (5) . 28- {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} أي لا شَوْكَ فيه: كأنه خُضِدَ شَوْكُهُ أي قُطع. ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة: "لا يُخْضَدُ شوكُها ولا يُعْضَدُ شجرُها" (6) .
29- {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} الطلحُ عند العرب: شجر من العِضاه عظامٌ؛ والعِضاهُ: كل شجر له شوك. قال مجاهد (1) . "أعجبهم طلح "وَجٍّ" وحُسنُه فقيل لهم: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} ". وكان بعض السلف (2) يقرأه: (وَطَلْعٍ مَنْضُودٍ) ؛ واعتبره بقوله في ق (3) {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} وقال المفسرون: "الطَّلْحُ" هاهنا: الموز (4) . و"المنضود": الذي نُضِدَ بالحمل من أوله إلى آخره، أو بالورق والحمل، فليست له سُوقٌ بارزة (5) . وقال مسروق (6) "أنهارُ الجنة تجري في غير أُخْدُودٍ، وشجرُها نَضِيد [من أصلها إلى فرعها"؛ أي] من أسفلها إلى أعلاها. 30- {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} لا شمس فيه (7) . 31- {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} جارٍ غير منقطعٍ.
32-33- {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ} أي لا تَجيءُ في حينٍ وتنقطعُ في حين؛ {وَلا مَمْنُوعَةٍ} لا محظورةَ عليها كما يُحظَر على بساتين الدنيا (1) . 34-35- {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} ثم قال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} ؛ ولم يذكر النساء قبل ذلك: لأن الفرش محل النساء؛ فاكتفى بذكر الفُرُش. يقول: أنشأنا الصبيَّةَ والعجوزَ إنشاءً جديدًا (2) . 36-37- {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا} أي شيئًا واحدًا وسنًّا واحدًا (3) . [و] "عُرُبًا": جمع "عَرُوب"؛ وهي: المُتَحَبِّبَةُ إلى زوجها. ويقال: الغَنِجَةُ (4) . 42- {فِي سَمُومٍ} أي في حرّ النار. 43- {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} أي دخَانٍ أسودَ. و"اليحموم": الأسْود (5) . 46- {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} أي يُقيمون على الحنث العظيم، ولا يتوبون عنه.
و "الحنث": الشِّرك (1) ؛ وهو: الكبير من الذنوب أيضًا. 55- و {الْهِيمِ} الإبلُ يصيبها داءٌ فلا تَروَى من الماء (2) . يقال: بعيرٌ أهْيَمُ وناقةٌ هَيْمَاءُ. 56- {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} أي: رزقُهم وطعامهم. 58- {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [أي ما تصبُّونه في أرحام النساء] : من المنيِّ. 60-61- {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ} أي لسنا مغلوبين على أن نستبدلَ بكم أمثالَكم من الخلق. 63- {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} أي تزرعون. 65- {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} تَعجبون مما نزل بكم في زرعكم إذا صار حطامًا (3) . [و] يقال: {تَفَكَّهُونَ} تنَدَّمونُ مثل "تَفَكَّنُونَ". وهي لغةٌ لِعُكْلٍ (4) . 66- {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} أي معذَّبون. من قوله عز وجل: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (5) أي هَلَكةً.
69- و {الْمُزْنِ} السحابُ. 70- و (الأجاج) : الشديد المرارة. 71- {الَّتِي تُورُونَ} أي تستخرجُونَ من الزُّنود. 72- {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا} التي تُتخذ منها الزُّنودُ؟ {أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} ؟. 73- {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} أي تذكِّركم جهنم. {وَمَتَاعًا} أي منفعة (1) . {لِلْمُقْوِينَ} يعني: المسافرين (2) . سموا بذلك: لنزولهم القواء وهو: القَفْر. وقال أبو عبيدةَ: "المُقْوِي: الذي لا زاد معه (3) ؛ [يقال: أقوى الرجل؛ إذا نَفِد زاده] ". ولا أرى التفسير إلا الأولَ؛ ولا أرى الذي لا زاد معهُ أولى بالنار ولا أحوجَ إليها من الذي معه الزادُ. بل صاحبُ الزاد أولى بها وإليها أحوجُ (4) . 75- {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} أراد: نجوم القرآن إذا نزل. وقال أبو عبيدةَ: "أراد مساقط النجوم في المغرب" (5) . 81- {أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} أي مداهِنون. يقال: أدْهَن في دِينه وداهن (6) .
82- {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكركم. {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أي جعلتم شكرَ الرزقِ التكذيبَ. قال عطاء (1) : "كانوا يُمْطَرُون فيقولون: مُطِرنا بنوء كذا". 83- {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} أي فهلا إذا بلغت النفسُ الحلقومَ. 86-87- {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أي غير مملوكين أذلاءَ (2) . من قولك: دِنْتُ له بالطاعة. وقال أبو عبيدةَ: {مَدِينِينَ} مجزيّين (3) . {تَرْجِعُونَهَا} أي تردون النفْس!. 89- {فَرَوْحٌ} في القبر، أي طيب نسيم (4) . {وَرَيْحَانٌ} رزق. ومن قرأ: (فَرُوحٌ) : (5) ؛ أراد: فحياةٌ وبقاءٌ.
سورة الحديد
سورة الحديد مدنية كلها (1) 4- {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ} أي يدخلُ فيها. 13- {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} يقال: هو السور الذي يسمى الأعرافَ (2) . 14- {فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} أنَمْتموها (3) . {وَارْتَبْتُمْ} شككتم. 15- {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ} أي هي أولى بكم. قال لبيد: فَغَدَتْ كِلا الفَرْجَيْنِ تَحْسِبُ أنَّهُ ... مَوْلَى المَخَافَةِ خَلْفَهَا وأمامَها (4) 16- {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي ألم يَحِن. يقال: أنَى الشيءُ يأنِي؛ إذا حان. {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} يعني: الغاية.
20- {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} أي الزُّرَّاع. يقال للزارع: كافرٌ؛ لأنه إذا ألقَى البذر في الأرض: كَفَره أي غطَّاه (1) . 21- {عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} أي سَعتُها كسعةِ السماء والأرض. وقد تقدم ذكر هذا (2) . 22- {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} أي نخلقَها. 23- {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} أي لا تحزنوا. 25- {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} أي بالعدل. {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} ذكروا: "أن الله أنزل العَلاة - وهي: السَّنْدان- والكَلْبَتَيْن والمِطْرَقة" (3) . {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} للقتال. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} مثل السكين والفأس والمَرِّ (4) والإبرة. 27- {وَرَهْبَانِيَّةً} اسمٌ مبني من "الرَّهبة"، لِما [فَضَل عن المقدار و] أفْرَط فيه. وهو ما نهى الله عنه إذ يقول: {لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (5) ويقال: دين الله بين المقصر والغالي. {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} أي ما أمرناهم بها إلا ابتغاء
رضوان الله؛ أي أمرنا منها بما يُرضي الله عز وجل لا غير ذلك (1) . 28- {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} نصيبين وحظَّين. 29- {لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ} أي ليعلموا أنهم لا يقدرون (2) {عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}
سورة المجادلة
سورة المجادلة مدنية كلها (1) 1- {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} أي تشكو. يقال: اشتكيْت ما بي وشكوْته. 3- {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} أي: يُحرِّمونهم تحريم ظهور الأمهات (2) . ويروى: أن هذا نزل في رجل (3) ظاهَرَ فذكر الله قصته. ثم تبع هذا كلُّ ما كان من الأم محرمًا على الابن أن يطأه: كالبطن والفَخْذِ وأشباهِ ذلك. وقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} ؛ يتوهم قوم: (4) أن الظِّهار لا يُحسب ولا يقع حتى يتكرر اللفظ به؛ لقول (5) الله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} وقد أجمع الناس على أن الظِّهار يقع بلفظ واحد. فأمَّا تأويلُ قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} ؛ فإن أهل الجاهليَّة كانوا يطلِّقون
بالظِّهار؛ فجعل الله حُكمَ الظِّهار في الإسلام خلافَ حكمه عندهم في الجاهلية؛ وأنزل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} في الجاهلية {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [لما] كانوا يقولونه من هذا الكلام (1) . {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي عتقُها {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (2) . 5- {كُبِتُوا} قال أبو عبيدة: (3) أُهْلِكُوا. وقال غيره: غِيظُوا وأُخْزُوا (4) . وقد تقدم ذكر هذا في سورة آل عمرانَ. 8 و 10- {النَّجْوَى} السِّرَار. 11- {تَفَسَّحُوا} أي تَوَسَّعُوا. {انْشُزُوا} (5) قوموا. و "الناشِزُ" منه. ومنه قيل: نَشَزَت المرأةُ على زوجها.
18- {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} أي يحلفُ المنافقون لله يومَ القيامة كما حلَفوا لأوليائه في الدنيا. هذا قول قتادةَ (1) . 19- {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} أي غلب عليهم واستولى. 21- {كَتَبَ اللَّهُ} أي قضى الله: (2) {لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} 22- {حَادَّ اللَّهَ} و "شاقَّه" واحدٌ.
سورة الحشر
سورة الحشر مدنية كلها (1) 2- {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} قال عِكْرِمَةُ: (2) "من شك في أن المحشر هاهنا (يعني: الشام) فليقرأ: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} (قال) : وقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يومئذٍ: اخرجوا فقالوا: إلى أين؟ فقال: إلى أرض الحشر". وقال ابن عباس (3) -في رواية أبي صالح-: " يريد أنهم أول من حُشِر وأُخرج من دياره". وهو: الجلاء. يقال: جلوا من أرضهم وأجليتهم وجلوتهم أيضا (4) . 5- (اللينة) : الدَّقَلَة. ويقال للدَّقَلِ الألوانُ: ما لم يكن عجوةً أو بَرْنِيًّا. واحدتُها: "لُونة". [فقيل: لِينَة؛ بالياء] . وذهبت الواو لكسرة اللام (5) .
6- {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} من "الإيجاف". يقال: وَجَف الفرسُ والبعيرُ وأوجفتُهُ. ومثله "الإيضاع" وهو: الإسراع (1) . وأراد: أن الذي أفاء الله على رسوله -من هذا الفَيْء خاصة- لم يكن عن غزو ولا أوْجَفْتم عليه خيلا ولا ركابًا (2) . 7- {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} من "التداول"، أي يتداولُه الأغنياء بينهم.
سورة الممتحنة
سورة الممتحنة مدنية كلها (1) 1- {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أي تُلقون إليهم المودة (2) . وكذلك: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} 4- {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي عبرةٌ (3) وائْتمامٌ. {إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ} قال قتادةُ: (4) "ائْتَسُوا بأمر إبراهيمَ كلِّه إلا في استغفاره لأبيه: فلا تأتسُوا به في ذلك؛ لأنه كان عن موعدة منه له (5) ". 10- {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} أي بحبالهن. واحدتها: "عِصمة" (6) . أي لا ترغبوا فيهن. {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} أي سلُوا أهل مكةَ أن يردُّوا عليكم مهورَ النساء اللاتي يخرجْنَ إليهم مرتدَّاتٍ.
{وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} وليسألوكم مهورَ من خرج إليكم من نسائهم (1) . 11- {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} يقول: إن ذهبت امرأة من نسائكم فلحقتْ بالمشركين بمكة {فَعَاقَبْتُمْ} أي أصبتم [منهم] عُقْبَى (2) أي غنيمةً من غزوٍ. ويقال: "عَاقَبْتُمْ": غزوتم معاقِبين غزوًا بعد غزو (3) . [فآتوا] : فأعطوا المسلمين. {الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} إلى مكةَ {مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} -يعني: المهر- من تلك الغنيمة قبل الخُمُس (4) . وتُقرأ: (فَعَقَّبْتُمْ) (5) من "تعقيب الغزو". وتقرأ: (فَأَعْقَبْتُمْ) (6) . 12- {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} ؛ [أي لا يُلْحِقْن (7) بأزواجهن غير أولادهم] .
وكانت المرأة تلتقطُ المولود فتقولُ للزوج: هذا ولدي منك (1) . {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} أي في أمرٍ تأمُرهن به. وأمرُ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كلُّه معروفٌ. 13- {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} أن يبعثوا؛ كذلك يئس أولئك من الآخرة أن تكون (2) . ويقال: "أراد كما يئس الكفار الموتى من الآخرة؛ أي يئس المشركون من الآخرة كما يئس أسلافهم الكفار المقبورون (3) ". و"المَقْبُورون" هم: أصحاب القبور.
سورة الصف
سورة الصَّف مدنية كلها (1) 4- {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} أي يثبتُون في القتال ولا يبرَحون؛ فكأنهم بناء قد رُصَّ (2) . 14- {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} ؟ أي مع الله (3) . {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ} شيعة عيسى عليه السلام. يقال: كانوا قَصَّارين [يُحَوِّرُون الثيابَ] . (4) و "التَّحْوير" للثياب وغيرها: تبييضُها. {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} غالبين عالِين عليهم. من قولك: ظهرتُ على فلان؛ إذا علوته. وظهرتُ على السطح: إذا صرت فوقَه.
سورة الجمعة
سورة الجمعة مدنية كلها (1) 5- {يَحْمِلُ أَسْفَارًا} أي كتبًا. واحدها: "سِفْر". يريد: أن اليهود يحملون التوراة ولا يعملون بها؛ فمثلُهم كمثل حمَار يحمل كتبا من العلم: وهو لا يعقلُها (2) . 6- {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي ادْعُوا على أنفسكم به. وفي الحديث: "لو دَعَوْا على أنفُسِهم بالموت، لماتُوا جميعًا"؛ هذا أو نحوُه من الكلام (3) . و"التَّمَنِّي": القول والتلاوة، والتخَرص بالكذب (4) وليس يعرف عوامُّ الناس منه إلا الوَدَادة (5) . 9- {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} بادروا بالنية والجد. ولم يُرد العَدْو، ولا الإسراعَ في المشي (6) .
10- {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} أي فُرغ منها. 11- {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} يقال: "قدِم دِحْيَةُ الكلبيُّ -رضي الله عنه- بتجارة له من الشام، فضَرب بالطبل: لِيُؤْذِنَ الناسَ بقدومه". {انْفَضُّوا إِلَيْهَا} أي تفرَّقوا عنك إليها. وقال (إليها) ، ولو قال: "إليهما" أو "إليه" لكان جائزا (1) . {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} تخطبُ. يقال: "إن الناس خرجوا إلا ثمانيةَ نفَرٍ" (2) .
سورة المنافقون
سورة المنافقون مدنية كلها (1) 2- {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} أي استتروا بالحلف: كلّما ظَهَر [النبيُّ] على (2) شيء منهم يوجب معاقبتهم، حلفوا كاذبين. ومن قرأ: (إِيمَانَهُم) بكسر الألف؛ (3) ؛ أراد: تصديقهم بالله جُنةٌ [ووِقاية] (4) من القتل. 4- {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ (5) مُسَنَّدَةٌ} جمع "خَشَبة". كما يقال: بَدَنَةٌ وبُدْنٌ، وأَكَمَةٌ وأُكْمٌ، ورَحْمَةٌ ورُحْمٌ. ومن المعتل: قادة وقُود (6) .
ومن قرأ: (خُشُبٌ) ؛ (1) ؛ جعله جمعا لـ "خَشَب"؛ [وخَشَبٌ جمع "خشبة] ". مثل ثَمَرة وثَمَر وثُمُر (2) . {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} أي كلّما صاح صائح، ظنُّوا أن ذاك أمرٌ عليهم: جُبْنًا [منهم] . كما قال الشاعر: ولو أنَّها عُصفُورةٌ لَحَسِبْتَها ... مُسَوَّمَةً تَدْعُو عُبَيْدًا وأَزْنَمَا (3) أي لو طارت عصفورة لحسبتَها -من جبنك- خيلا تدعو هاتَيْن القبيلتَيْن. ثم قال: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} أي فهم الأعداء (4) .
سورة التغابن
سورة التغابن مكية إلا ثلاث آيات من قوله: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) نزلت بالمدينة. 11- {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} يقال: (2) "إذا ابتُليَ صبرَ، وإذا أُنعِم عليه شكَر، وإذا ظُلم غفَر". 15- {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} أي إغرامٌ؛ كما يقال: فُتِنَ فلان بالمرأة وشُغِفَ بها (3) . وأصل "الفتنة": البلوى والاختبار (4) . 16- {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} قال ابن عُيَيْنةَ: "الشُّح: الظلم. وليس الشح أن تبخل بما في يدك؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} (5) .
سورة الطلاق
سورة الطلاق مدنية كلها (1) 1- {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلمُ والمراد هو والمؤمنون (2) . {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} يريد: الحِيَض. ويقال: الأطهارُ (3) . {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} التي طُلِّقْنَ فيها؛ {وَلا يَخْرُجْنَ} من قِبَل أنفسِهن؛ {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} فتُخرَجُ ليقامَ عليها الحدُّ (4) . {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} أي لعل الرجلَ يرغب فيها قبل انقضاء العدَّة، فيتزوجَها. 2- {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي منتهى العدَّة (5) -: فإمَّا أمسكتم عن الطلاق فكنَّ أزواجًا؛ أو فارقتم فراقًا جميلا لا إضرارَ فيه. 4- {إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي شككتم.
6- {مِنْ وُجْدِكُمْ} أي بقدر سعتكم (1) . و"والوَُِجْد": المقدرة والغِنى؛ يقال: افتقر فلان بعد وجْدٍ. {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} قد بيناه في سورة البقرة (2) . {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} أي هُمُّوا به، واعزموا عليه (3) . ويقال: هو أن لا تُضرَّ المرأةُ بزوجها، ولا الزوجُ بالمرأة (4) . {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ} أي تضايقتم. 7- {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي ضُيِّقَ. 8- {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} أي كم من قرية (5) . {عَذَابًا نُكْرًا} أي منكرًا (6) . 9- {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا} أي هَلَكة.
سورة التحريم
سورة التحريم مدنية كلها (1) 2- {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أي أوجب لكم الكفارة (2) . 4- {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أي عَدَلَتْ ومالتْ (3) . {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أي تتعاونا عليه. {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ} أي وَلِيُّهُ (4) . 5- {قَانِتَاتٍ} مطيعات (5) . {سَائِحَاتٍ} صائماتٍ (6) . ويرى أهل النظر (7) "أنه إنما سميَ الصائمُ سائحًا: تشبيهًا بالسائح الذي لا زاد معه". [و] قال الفراء: "تقول العرب للفرس -إذا كان قائمًا لا علَفَ بين يديه-: صائمٌ؛ وذلك: أن له قوتَيْن غُدوةً وعشية؛ فشُبِّه به صيامُ الآدميِّ بتسحُّرِه وإفطارِه".
6- قوله: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} أي قوا أنفسَكم النارَ: بطاعة الله ورسوله؛ وقوا أهليكم النارَ: بتعليمهم وأخذِهم بما ينجيهم منها (1) . 8- {تَوْبَةً نَصُوحًا} أي تَنصَحون فيها لله، ولا تُدْهِنون (2) . 12- {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} المطيعين لله عز وجل.
سورة الملك
سورة الملك (1) 2- {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} أي ليختبرَكم. 3- {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} أي اضطراب واختلافٍ. وأصله من "الفوت" (2) وهو: أن يفوت شيء شيئا، فيقعَ الخللُ ولكنه متصل بعضُه ببعض. {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} ؟ أي من صُدوع. ومنه يقال: فَطَر نابُ البعير؛ إذا شَقَّ اللحم وظهر. 4- {خَاسِئًا} مبعَدًا. من قولك: خسأتُ الكلبَ؛ إذا باعدتَه (3) . {وَهُوَ حَسِيرٌ} أي كَلِيلٌ (4) منقطعٌ عن أن يَلحق ما نظَر إليه. 8- {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} أي تنشقُّ (5) غيظًا على الكفار. 11- {فَسُحْقًا} أي بُعدًا.
15- {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} أي جوانبها (1) . ومَنْكِبا الرجل: جانباه. 16- {فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} أي تدور، كما يمور السحاب: إذا دار وجاء وذهب. 17- {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (2) أي إنذاري. 18- وكذلك: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إنكاري. 19- {صَافَّاتٍ} باسطاتٍ أجنحتَهن. {وَيَقْبِضْنَ} يضربْن بها جنوبَهن. 22- {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} لا يُبصرُ يمينًا ولا شمالا ولا ما بين يديه. يقال: أكبَّ فلان على وجهه (بالألف) ، وكبَّه الله لوجهه (3) . وأراد: الأعمى (4) . 27- {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} أي قريبًا منهم. يقول: لما رأوا ما وعدهم الله قريبًا منهم؛ {سِيئَتْ} وجُوهُهم، {وَقِيلَ} لهم: {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} أي تَدْعون. وهو "تفتعلون" من الدعاء (5) . يقال: دعوت وادَّعيت؛ كما يقال: خبَرت واختبَرت، ودخَرت وادَّخرت.
30- {أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} أي غائرًا؛ وُصِفَ بالمصدر (1) . يقال: ماءٌ غَوْر، ومياهٌ غَوْر. ولا يُجمع، ولا يُثَنَّى، ولا يؤنَّث. كما يقال: رجلٌ صَوْمٌ ورجالٌ صومٌ، ونساءٌ صومٌ. {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} ؟! أي ظاهر. وهو "مفعول" من العَين؛ [كَمَبِيع من البيع] . وقد تقدم ذكر هذا (2) .
سورة القلم
سورة القلم (1) 1- {ن} قال قتادةُ والحسن: (2) هي الدواة. ويقال: الحوتُ تحت الأرض (3) . وقد ذكرت الحروف المقطَّعة في كتاب "تأويل مشكل القرآن" (4) . {وَمَا يَسْطُرُونَ} أي يكتبون. 3- {وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع [ولا منقوص] . يقال: مَنَنْتُ الحبل؛ إذا قطعته. 6- {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} أي أيُّكم المفتونُ؟ [أي الذي فُتِن بالجنون] . والباء زائدة. (5) . كما قال الراجز:
نَضْرِبُ بالسيفِ ونرجُو بالفَرَجْ (1) أي نرجو الفرج. وقال الفراء: (2) "و [قد] يكون (الْمَفْتُونُ) بمعنى: الفتنة؛ كما يقال: ليس له معقول -أي عقلٌ- ولا معقود، أي رأيٌ. وأراد: الجنونَ". 9- {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} أي: تُدَاهن [وتَلين لهم] في دينك {فَيُدْهِنُونَ} [فيَلينون] في أديانهم (3) . وكانوا أرادوه على أن يعبد آلهتَهم مدة، ويعبدوا الله مدة. 10- (الْمَهِينُ) الحقير الدنيء. 11- {هَمَّازٍ} عَيَّاب. 12- {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} بخيل. {مُعْتَدٍ} ظلوم. و (الْعُتُلُّ) الغليظ الجافي (4) . نراه من قولهم: فلان يُعْتَل؛ إذا غُلِّظَ عليه وعُنِّف به في القود: و (الزَّنِيمُ) : الدَّعِيُّ (5) .
وقد ذكرت هذا في كتاب "تأويل المشكل"، وتأويل قوله: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} (1) . 17- {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ} أي حلفوا ليَجُذُّنَّ ثمرها صباحًا؛ ولم يستثنوا. 20- {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} أي سوداءَ كالليل مُحْتَرِقَةً. و "الليل" هو: الصّريم؛ و "الصبح" أيضًا: صريم. لأن كل واحد منهما ينصرم من صاحبه. (2) . ويقال: "أصبحت: وقد ذهب ما فيها من الثمر؛ فكأنه صُرِمَ" (3) أي قُطِع وجُذَّ. 23-24- {وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} أي يتسارون: بـ {أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} (4) . 25- {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ} أي منعٍ (5) . و "الحَرْد" و "المُحَارَدة": المنع. يقال: حَارَدَتْ السَّنَةُ؛ إذا لم يكن فيها مطرٌ. وحاردت الناقةُ: إذا لم يكن لها لبَنٌ.
و "الحَرْد" أيضًا: القَصْدُ. يقال للرجل: لئن حَرَدتَ حَرْدَك؛ أي قصدتَ قصدَك. (1) ومنه قول الشاعر: أمَّا إِذا حَرَدَتْ حَرْدِي فمُجْرِيَةٌ (2) أي إذا قصَدتْ قَصْدِي. ويقال (3) : (عَلَى حَرْدٍ) أي على حَرْدِ. وهما لغتان (4) ؛ كما يقال: الدَّرَك والدَّرْك. قال الأشهب بن رُمَيْلة: أُسُودُ شَرًى لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ ... تَساقَوْا على حَرْدٍ دِمَاءَ الأسَاوِدِ (5) {قَادِرِينَ} أي مَنَعوا: وهم قادرون، أي واجدون. 28- {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي خيرُهم [فعلا] ، وأَعْدلُهم قولا-: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} أي هلا تسبحون (6) . 40- {أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} أي كفيل (7) . يقال: زَعَمْتُ به أزعُم [زَعْمًا وزَعَامَةً] ؛ إذا كَفَلْت.
42- {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أي عن شدةٍ من الأمر (1) . قال الشاعر: في سَنةٍ قد كشَفَتْ عن ساقِها ... حمراءَ تَبْرِي اللَّحْمَ عن عُرَاقِها (2) "عُرَاقِها": جمع "عَرْق". والعُراقُ: العظام. ويقال: "قامت الحرب على ساق" (3) . وأصل هذا مُبَيَّن في كتاب "تأويل المشكل" (4) . 43- {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} تغشاهم. 44- {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أي نأخذُهم قليلا قليلا ولا نُباغِتُهم (5) . 45- {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي أُطيلُ لهم وأُمهلُهم. {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي شديد. و "الكيد": الحيلةُ والمكر. 48- {وَهُوَ مَكْظُومٌ} من الغَمِّ (6) . و "كظِيمٌ" مثله. 49- (العَرَاءُ) الأرض التي لا تُواري مَن فيها بجبل ولا شجر (7) .
51- {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} قال الفراء: "يَعْتانونك أي يصيبونك بأعينهم" (1) ؛ وذكر: "أن الرجل من العرب كان يَمْثُل (2) على طريق الإبل -إذا صَدَرَتْ عن الماء- فيُصيبُ منها ما أراد بعينه، حتى يُهلِكَه". هذا معنى قوله، وليس هو بعينه. ولم يرد الله جلّ وعزّ -في هذا الموضع- أنهم يصيبونك بأعينهم، كما يُصيبُ العائن بعينه ما يَسْتَحْسِنُه ويَعجَب منه. وإنما أراد: أنهم ينظرون إليك -إذا قرأتَ القرآن- نظرًا شديدًا بالعداوة والبغضاء، يكاد يُزلِقك، أي يُسقطك. كما قال الشاعر: يَتَقَارَضُون - إذا الْتَقَوْا في مَوْطِنٍ - ... نظَرًا يُزِيلُ مَوَاطِئَ الأقْدَامِ (3)
سورة الحاقة
سورة الحاقة (1) 1- {الْحَاقَّةُ} القيامة؛ [لأنها] حَقَّتْ (2) . فهي حاقة وحَقَّةٌ. قال الفرّاء: (3) "إنما قيل لها حاقةٌ: لأن فيها حَوَاقَّ الأمور [والثوابَ. و "الحَقَّةُ": حقيقة الأمر] . يقال: لمَّا عرفتَ الحقَّةَ مني هربتَ. وهي مثل الحاقة". 5- {فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} أي بالطغيان. 7- {حُسُومًا} تِباعًا. ويقال: هو من "حَسْمِ الداء" [إذا كُويَ صاحبه] : لأنه يُكوَى (4) مرة بعد مرة، يُتابَعُ عليه الكيُّ. {أَعْجَازُ نَخْلٍ} أصولُ نخل. {خَاوِيَةٍ} باليةٍ. 8- {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} أي أثرٍ (5) . ويقال: هل ترى لهم من بقاء؟ (6) . 9- {بِالْخَاطِئَةِ} أي بالذنوب.
10- {أَخْذَةً رَابِيَةً} عالية مذكورة. 12- {وَتَعِيَهَا} من "وعت الأذن" (1) . 17- {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} أي على جوانبها [ونواحيها] . 19- {فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} يقال: "بمعنى هاكُمُ اقرءُوا كتابيهْ"؛ (2) أبدلتْ الهمزةُ من الكاف (3) . 23- {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} ثمرها. واحدها: "قِطْفٌ". 27- {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} أي المَنِيَّة. 36- {إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} وهو "فِعْلين" من غَسَلت؛ كأنه غسالة. ويقال: "هو: ما يسيل من صَدِيد أجسامِ المعذَّبين" (4) . 40- {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} لم يُرد أنه قول الرسول؛ وإنما أراد: أنه قول رسول عن الله جل وعز. وفي "الرسول" ما دل على ذلك؛ فاكتفى به من أن يقول: عن الله (5) . 45- {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} مفسر في كتاب "تأويل المشكل" (6) . 46- و {الْوَتِينَ} نِيَاطُ القلب؛ وهو: عِرق يتعلق به القلب، إذا انقطع مات صاحبه (7) .
سورة المعارج
سورة المعارج مكية (1) 1- {سَأَلَ سَائِلٌ} سأل سائل (2) . أي دعا داع. 1-2-3 {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} يريد: معارج الملائكة. وأصل "المعارج": الدَّرَج؛ وهو من "عَرَج": إذا صَعِد. 8- (الْمُهْل) ما أذيب من الفضة والنُّحاس (3) . 9- {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} أي كالصوف (4) . وذلك: أنها تُبَسُّ. 10-11- {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} أي لا يسأل ذو قرابة عن قرابته؛ ولكنهم {يُبَصَّرُونَهُمْ} أي يُعَرَّفُونهم (5) . 10-11- {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} أي لا يسأل ذو قرابة عن قرابته؛ ولكنهم {يُبَصَّرُونَهُمْ} أي يُعَرَّفُونهم (6) . 13- {وَفَصِيلَتِهِ} عشيرته الأدْنَوْن.
16- {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} يريد: جلود الرءوس. واحدها: "شواة" (1) . 19- (الْهَلُوعُ) الشديد الجزَعِ (2) . والاسم: "الهُلاع". ومنه يقال: ناقة هِلْوَاعٌ؛ إذا كانت ذكيَّةً حديدةَ النفَس. ويقال: "الهَلُوعُ": الضَّجُور (3) . 37- {عِزِينَ} جماعاتٍ (4) . 43- {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ} و "النُّصُب": (5) . حجر يُنصب ويُذبح عنده؛ أو صنمٌ يقال له: نَصْبٌ ونُصْبٌ ونُصُب (6) . {يُوفِضُونَ} يُسرعون (7) . و"الإيفاض": الإسراع.
سورة نوح
سورة نوح (1) 13- {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} أي لا تخافون له عظمة (2) . 14- {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} أي ضروبًا؛ يقال: نُطفةً، ثم عَلَقة، ثم مُضغة، ثم عَظْمًا (3) . ويقال: بل أراد اختلافَ الأخلاق والمناظر (4) . 22- {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} أي كبيرًا. يقال: كبير وكُبَار وكُبَّار؛ كما يقال: طويل وطُوَال وطُوَّال (5) . 23- و (وُدٌّ) (6) صنم. ومنه كانت تسمِّي العربُ عبدَ وُدٍّ. وكذلك: (يَغُوثَ) ومنه سمي: عبدُ يغوثَ. و (سُوَاع) و (يَعُوقُ) و (نَسْر) كلها: أصنام كانت لقوم نوح عليه السلام، ثم صارت في قبائل العرب (7) .
{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} أي من خطيئاتهم؛ و "ما" زائدة. 26- {دَيَّارًا} أي أحدًا. ويقال: ما بالمنازل ديارٌ؛ أي ما بها أحدٌ. وهو من "الدار"؛ أي ليس بها نازلُ دار (1) . 28- {إِلا تَبَارًا} أي إلا هلاكًا. ومنه قوله: {وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} (2) .
سورة الجن
سورة الجن (1) 1- {نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} يقال: "النفر" ما بين الثلاثة إلى العشرة (2) . 3- {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ} قال مجاهد (3) جلالُ ربنا. وقال قتادةُ (4) عظمته. وقال أبو عبيدةَ (5) مُلكُه وسلطانُه. 4- {يَقُولُ سَفِيهُنَا} جاهلُنا. {عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} أي جَوْرًا في المقال (6) . 6- {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أي ضلالا. وأصل "الرَّهَقِ": العيب. ومنه يقال: يُرَهَّقُ في دِينه (7) . 8- (والشُّهُبُ) جمع "شِهاب"، وهو: النجم المضيء. 9- و (الشَّهَابُ الرَّصَدُ) : الذي قد أُرصِد به للرَّجْم.
11- {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} أي كنا فِرَقًا مختلفةً أهواؤنا. و"القِدَد": جمع "قِدة"؛ وهي بمنزلة قطعة وقِطَع [في التقدير والمعنى] (1) . 12- {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ} أي اسْتَيْقَنَّا. 13- {فَلا يَخَافُ بَخْسًا} أي نقصًا من الثواب. {وَلا رَهَقًا} أي ظلمًا. وأصل "الرَّهَقِ": ما رَهِقَ الإنسانَ من عيب أو ظلم. 14- و {الْقَاسِطُونَ} الجائرون. يقال: قسط؛ إذا جار. وأقسط: إذا عدل. {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} أي تَوَخَّوْهُ وأمُّوه. 16- {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} يقال: طريقةُ الكفر. {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} و "الغدق": الكثير. وهذا مِثلُ "لَزِدناهم في أموالهم ومواشيهم". ومثلُه: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً} (2) أي كَفَرَةً كلُّهم. هذا بمعنى قول الفراء (3) . وقال غيره: "وأن لو استقاموا على الهُدَى جميعا: لأَوْسَعْنا عليهم" (4) .
17- {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} أي لنختبرَهم، فنعلم كيف شكرُهم. {يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} أي عذابًا شاقًّا. يقال: تصعّدني الأمر؛ إذا شق عليّ. ومنه قول عمرَ: "ما تَصَعَّدَنِي شيءٌ ما تصعَّدَتْنِي (1) خِطْبَةُ النِّكاح". ومنه قوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} (2) أي عقبةً شاقةً. ونرى (3) أصلَ هذا كلِّه من "الصُّعود": لأنه شاقٌّ؛ فكُنِّي به عن المشقات. 18- {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} أي السُّجود لله. هو جمع "مَسجَد"؛ يقال: سجدت سجودًا ومَسجَدًا؛ كما يقال: ضربت في البلاد ضربًا ومَضرَبًا. ثم يجمع فيقال: المساجدُ لله. كما يقال: المضاربُ في الأرض لطلب الرزق (4) . 19- {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} أي لما قام النبي-صلى الله عليه وسلم- يدعو إليه (5) . {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} أي يَلْبُدون به [ويَتَراكبُون] : (6) رغبةً في القرآن، وشهوةً لاستماعه. وهو جمع "لِبْدَة"؛ يقال: غَشِيَتْه لِبدةٌ من الحِرَام (7) أي قطعةٌ لَبَدتْ به.
22- {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} أي مَعْدِلا ومَوْئلا (1) . 23- {إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ} هذا استثناء من {لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا} إلا أن أُبَلِّغَكُم (2) . 25- {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} أي غاية. 26-27- {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} أي اصطفَى للنبوة والرسالة: فإنه يُطلعه على ما شاء من غيبه؛ {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أي يجعل بين يديه وخلفه {رَصَدًا} من الملائكة: يدفعون عنه الجن أن يسمعوا ما ينزل به الوحي، فيُلقُوه إلى الكَهَنة قبل أن يخبِر [به] النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الناسَ (3) . 28- {لِيَعْلَمَ} محمد أن الرسل قد بلَّغتْ عن الله عز وجل، وأن الله حفظها ودَفَعَ عنها، وأحاط بما لَدَيها (4) . ويقال: ليعلم محمد أن الملائكة -يريد جبريلَ- قد بلَّغ رسالاتِ ربه (5) . ويُقرأ: (لِتَعْلَمَ) بالتاء. (6) يريد: لتعلم الجنُّ أن الرسل قد بلَّغتْ [عن] إلهِهم بما وَدُّوا (7) من استراق السمع.
سورة المزمل
سورة المزمل (1) 1- {الْمُزَّمِّلُ} المُتَلَفِّف في ثيابه. وأصله: "المُتَزَمِّل"؛ فأدغمتْ التاء في الزاي (2) . 2-3-4- وقوله: {إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} ؛ مفسر في كتاب "المشكل" (3) . {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} قد ذكرناه في سورة بني إسرائيل (4) . 5- {قَوْلا ثَقِيلا} أي ثقيلَ الفرائضِ والحدود. ويقال: "أراد قولا ليس بالخفيف ولا السَّفْساف؛ لأنه كلام الله عز وجل" (5) . 6- {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} ساعاتِه الناشئةَ. من "نشأَتْ": إذا ابتدأتْ. {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} أي أثقل على المصلِّي من ساعات النهار. {وَأَقْوَمُ قِيلا} لأن الأصواتَ تهدأُ فيه، ويتفرغُ القلب للقرآن، فيُقِيمه القارئُ. ومن قرأ: (وِطَاءً) (6) ؛ فهو مصدر "واطأْت". وأراد: مواطأةَ السمعِ واللسان والقلب على الفهم له، والإحكامِ لتأويله.
7- {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا} أي تصرُّفًا في حوائجك، وإقبالا وإدبارًا، [وذهابًا ومجيئًا] . 8- {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ} أي انقطع إليه. من قولك: بَتَلْتُ الشيء؛ إذا قطعته. 12- (الأنكال) القيود (1) . واحدها: "نِكْل". {وَجَحِيمًا} أي نارًا. 13- {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} تَغَصُّ به الحُلوقُ. 14- {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا} أي رملا سائلا. ومثله: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} (2) . 16- {أَخْذًا وَبِيلا} أي شديدًا (3) . وهو من قولك: "اسْتَوْبَلْتُ البلدَ": [إذا استَوْخمتَها] . ويقال: كَلأ مُستَوْبَل؛ أي لا يُستمرأُ. 17- {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} المعنى: فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا، إن كفرتم. 18- {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} أي منشقٌّ فيه (4) . {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} أي طريقًا ووجهةً. 20- {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} لن تطيقوه (5) .
سورة المدثر
سورة المدثر (1) 1- {الْمُدَّثِّرُ} المُتَدثر ثيَابه إذا نام. فأدغم التاءَ في الدال. 4- {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي طهِّر نفسك من الذنوب. فكنَّى عنه (2) بثيابه: [لأنها تشتمل عليه] . قال ابن عُيَيْنَةَ (3) : "لا تَلْبَسْ ثيابَكَ على كذب، ولا فجور، ولا غدر، ولا إثم. البَسْها: وبدنُك طاهرٌ. (قال) : وقال الحسن: يُطيِّب أحدُهم ثوبه، وقد أَصَلَّ ريحُه! وقال ابن عباس: أمَا سمعتَ قول الشاعر: إنِّي - بحمدِ الله - لا ثَوْبَ غَادِرٍ ... لَبِسْتُ, ولا مِن خَزْيَةٍ أَتَقَنَّعُ" (4) وقال بعضهم: "ثيابَك فقصِّر؛ فإن تقصيرَ الثياب طُهرٌ لها" (5) . 5- {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} يعني: الأوثان (6) . وأصل "الرجز" العذاب. فسمِّيتْ الأوثانُ رجزًا: لأنها تؤدِّي إلى العذاب.
6- {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} يقول: لا تُعطِ في الدنيا شيئًا، لتُصيبَ أكثر منه (1) . 8- {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} أي نُفخ في الصور أولُ نفخةٍ. 11-12-13- {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} أي فردًا: لا مال له ولا بنينَ؛ ثم " جَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا " دائمًا {وَبَنِينَ شُهُودًا} وهو الوَليد بن المُغيرة: كان له عشرة بنينَ (2) لا يغيبون عنه في تجارة ولا عمل. 16- {إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا} أي معاندًا. 17- {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} أي سَأُغْشِيه مشقةً من العذاب. و"الصَّعود": العَقبة الشاقة (3) . وكذلك "الكَؤُود". 18- {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} في كيد محمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به، فقال: "شاعرٌ" مرة، و "ساحرٌ" مرة، و "كاهنٌ" مرة؛ وأشباهَ ذلك. 19-20- وقوله: {قُتِلَ} أي لُعن (4) . كذلك قيل في التفسير. 21- {عَبَسَ وَبَسَرَ} أي قطَّب وكرَّه (5) . 29- {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} أي مغيِّرةٌ لهم. يقال: لاحتْه الشمسُ؛ إذا غيَّرتْه.
30-31- {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً} روي: أن رجلا (1) من المشركين - قال: أنا أكفِيكم سبعةَ عشرَ، واكفُوني اثنين: فأنزل الله: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً} فمن يطيقهم؟. {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ} في هذه القِلَّة {إِلا فِتْنَةً} ؛ لأنهم قالوا: "ومَا قدْرُ تسعة عشر؟ فيُطيقوا هذا الخلق كله! ". {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} حين وافقتْ عدَّةُ خَزَنَةِ أهل النار ما في كتابهم. هذا قول قتادة (2) . (وَاللَّيْلِ إِذَا دَبَرَ) (3) . أي جاء بعد النهار، كما تقول: خَلَفَه. يقال: دَبَرني فلان وخَلَفني؛ إذا جاء بعدي. 34- {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} أي أضاء. 35- {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} جمع "كُبرى". مثل الأولى والأوَلُ، والصُّغْرَى والصُّغَر. وهذا كما تقول: إنها لإحدى العظائم والعُظَم (4) .
42- {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} ؟ أي ما أدخلَكم النارَ؟ 50- {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} مذعورة؛ اسْتُنْفِرَتْ فنَفَرَتْ. ومن قرأ: (مُسْتَنْفِرَةٌ) بكسر الفاء (1) ؛ أراد: نافرة. قال الشاعر: ارْبُطْ حِمَارَكَ, إنّهُ مُسْتَنْفِرٌ ... في إثْرِ أَحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ (2) 51- {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} قال أبو عبيدة: هو الأسد (3) . وكأنه من "القَسْر" وهو: القهر. والأسدُ يقهر السِّباع. وفي بعض التفسير: "أنهم الرُّماة" (4) . وروى ابن عُيَيْنَة (5) . أن ابن عباس قال: "هو رِكْزُ الناسِ"؛ يعني: حسَّهم وأصواتَهم. 52- {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً} قالت كفار قريش: "إن كان الرجلُ يذنبُ، فيُكتب ذنبُه في رُقعة: - فما بالُنا لا نرى ذلك؟! " (6) . 54- {كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} يعني: القرآن.
سورة القيامة
سورة القيامة (1) 1- قوله عز وجل: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ؛ "لا" صلةٌ، (2) أريدَ بها تكذيبُ الكفار؛ لأنهم قالوا: لا قيامةَ. 2- (وَالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) أي تلومُ نفسَها يوم القيامة. 3، 4، 5 {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} هذا مفسر في كتاب "تأويل المشكل" (3) . 6- {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} أي متى يومُ القيامة (4) ؟ . 7- {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} إذا حارَ عند الموت (5) . وأصل "البَرَق": الدهَش. يقال: بَرِقَ الرجل يبرقُ برقًا. ومن قرأ: (بَرَقَ) ؛ (6) أراد: بريقَه إذا شخَصَ. 8- {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} و "كُسِفَ" واحد (7) . 11- {كَلا لا وَزَرَ} أي لا ملجأَ.
وأصل "الوَزَر": الجبل [أو الحِصن] الذي يُمتنَع فيه. 13- {يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ} من عمل الخير والشر. {وَأَخَّرَ} من سُنّة عُمل بها بعده. 14-15- {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} أي شهيدٌ عليها بعملها بعدهُ ولو اعتذر. يريد: شهادةَ جوارحه. ويقال: "أراد: بل على الإنسان -من نفسه- بصيرةٌ" (1) . 17- {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي ضمَّه وجمْعَه. 18- {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} أي جمعناهُ. {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي جَمْعه. و "القراءة" و "القرآن" مصدران. قال قتادةُ (2) "اتبعْ حلاله، و [اجتنب] حرامَه". 22- {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} أي مُشرقةٌ. 24- {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} أي عابسةٌ مقطِّبةٌ. 25- و (الْفَاقِرَةُ) الداهيةُ. يقال: إنها من "فَقَار الظهر" كأنها تكسِره. تقول: فَقَرتُ الرجل؛ إذا كسرتَ فَقَارَه. كما تقول: رَأَسْتُه؛ إذا ضربتَ رأسَه؛ وبَطَنْتُه: إذا ضربتَ بطنَه. ويقال: رجل فقير وفَقِرٌ. وقال أبو عبيدة (3) "هو من الوَسْمِ الذي يُفْقَرُ به على الأنف". 26-27- {كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} يعني: النفس؛ أي صارت النفس
بين تراقيه. {وَقِيلَ: مَنْ رَاقٍ} ؟ أي هل أحدٌ يرقِي؟ 29- {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} أتاه أولُ شدةِ أمرِ الآخرة، وأشدُّ آخرِ أمر الدنيا. ويقال: "هو التفاف ساقَي الرجلِ عند السِّيَاقِ". [و] هو مثل قولهم (1) "شمَّرت عن ساقها". 31- {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} أي لم يصدق ولم يصل (2) . 33- {يَتَمَطَّى} يَتَبَخْتَرُ. وأصله "يتمطّط"؛ فقُلبتْ الطاءُ فيه ياء. كما يقال: يَتَظَنَّى؛ وأصله: يَتَظَنَّن. ومنه "المِشْيَةُ المُطَيْطَاءُ". وأصل الطاء في هذا كله: دال. إنما هو: مدُّ يدِه في المشي، إذا تبختر. يقال: مدَدتُ ومططتُ؛ بمعنى واحد. 35- {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} تهدُّدٌ ووعيدٌ (3) . 36- {أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أي يُهْمَلَ: فلا يؤمَر، ولا يُنهَى، ولا يُعاقَبَ (4) . يقال: أسديتُ الشيء؛ إذا أهملته.
سورة الدهر
سورة الدهر (1) 1- {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} قال المفسرون: "أراد: قد أتى على الإنسان" (2) . 2- {أَمْشَاجٍ} أخلاط؛ يقال: مَشَجْتُه فهو مَشِيجٌ. يريد: اختلاطَ ماء الرجل بماء المرأة (3) . {نَبْتَلِيهِ} نختبره. أي إنا جعلناه سميعًا بصيرًا، لنبتليه بذلك (4) . 7- {كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} أي فاشيًا منتشرًا. يقال: اسْتَطَار الحريقُ؛ إذا انتشر. واسْتَطَار الفجرُ: إذا انتشر الضوء (5) . 10- {يَوْمًا عَبُوسًا} أي يومًا تَعْبِسُ فيه الوجوهُ. فجعل عبوسًا من صفة اليوم؛ كما قال: (في يومٍ عاصفٍ) (6) ؛ أراد: عاصف الريح. و (الْقَمْطَرِيرُ) الصَّعب الشديد. [يقال] : يوم قَمْطَرِيرٌ وقُمَاطِرُ (7) ؛ [إذا كان صعبًا شديدًا أشدَّ ما يكون من الأيام، وأطولَه في البلاء] . ويُقال: المُعبِّسُ الوجه.
14- {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا} أي أُدْنِيَتْ منهم. من قولك: حَائطٌ ذليلٌ؛ إذا كان قصير السَّمْكِ (1) . ونحوه قوله: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} (2) . و "القطوف": الثمر؛ واحدها: "قِطْفٌ". و (التَّذْلِيلُ) أيضًا: تسويةُ العُذوقِ (3) . يقول أهل المدينة: ذُلِّلَ النخلُ؛ أي سُويَ عُذُوقُه. 15- و (الأكْوَابُ) كيزان لا عُرًى لها. واحدها: كُوب (4) . 16- {قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} مفسر في كتاب "تأويل المشكل" (5) . {قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} على قَدْر الرِّيّ. 17-18- {كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا} يقال: هو اسم العين. وكذلك (السَّلْسَبِيلُ) اسم العين (6) . قال مجاهد (7) "السلسبيل: الشديد [ة] الجَرْيَة". وقال غيره: "السلسبيل: السَّلِسَةُ اللَّيِّنَة" (8) . وأمَّا "الزنجبيل": فإن العرب تضرب به المثل وبالخمر ممتزِجَيْن. قال المُسيَّب بن عَلَس يصف فم المرأة: وَكَأَنَّ طَعْمَ الزَّنْجَبِيلِ به ... - إذْ ذُقْتُه - وَسُلافَةَ الخَمْرِ (9)
21- و (السُّنْدُسُ) و (الإسْتَبْرَقُ) قد تقدم ذكرهما (1) . 28- {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} أي خَلْقَهُم (2) . يقال: امرأةٌ حسنةُ الأسْرِ؛ أي حسنة الخَلْقِ: كأنها أُسِرت، أي شُدَّتْ. وأصل هذا من "الإسار" وهو: القِدُّ [الذي يُشَدُّ به الأقْتَابُ] . يقال: (3) ما أحسَنَ ما أسَرَ قَتَبَهُ! أي ما أحسن ما شَدَّه [بالقِدِّ] ! وكذلك: امرأةٌ حسنة العَصَب، إذا كانت مُدْمَجَةَ الخَلْقِ: كأنها عُصِّبَتْ، أي شُدَّتْ.
سورة المرسلات
سورة المُرْسَلات مكية (1) 1- (الْمُرْسَلاتُ) الملائكة؛ {عُرْفًا} أي متتابعة. يقال: هم إليه عُرْفٌ واحدٌ. ويقال: أُرسِلَتْ بالعُرْف؛ أي بالمعروف (2) . 2- و (الْعَاصِفَاتُ) الرياح. 3- و (النَّاشِرَاتُ) الرياح التي تأتي بالمطر؛ من قوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} (3) . 4- {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} [هي] : الملائكةُ تنزل، تَفْرُقُ ما بين الحلال والحرام. 5- {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} هي: الملائكة أيضًا، تُلقي الوحيَ إلى الأنبياء. 6- {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} إعذارًا من الله وإنذارًا (4) . 8- {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} أي ذهب ضوءها: كما يُطمَسُ الأثرُ حتى يذهبَ. 9- {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ} أي فُتِحَتْ.
11- {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} جُمعت لوقتٍ، وهو: يوم القيامة. 12- {لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} [استفهام] على التعظيم لليوم (1) ؛ كما يقال: ليومٍ أيِّ يوم! و (أُجِّلَتْ) : أُخِّرت. 20- {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} أي حقير. 23- {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} ! بمعنى "قدَّرنا" مشدَّدةً (2) . يقال: قدَرتُ كذا وقدَّرتُه. ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهلال: "إذا غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له"؛ (3) . أي فقدِّرُوا له المسيرَ والمنازلَ. 25- {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} أي تضمُّكم فيها. و"الكَفْتُ": الضمّ. يقال: أَكْفِتُ إليك كذا؛ أي أضُمُّه إليك. وكانوا يسمون بقيعَ الغَرْقَدِ: "كَفْتَةً"؛ لأنها مَقْبَرَةٌ تضمُّ الموتى (4) . 26- {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} يريد: أنها تضم الأَحياءَ والأَمواتَ (5) . 27- {شَامِخَاتٍ} [جبالا] طوالا. ومنه يقال: شَمخَ بأنفِه؛ [إذا رفعه كِبْرًا] . {مَاءً فُرَاتًا} أي عذبًا.
30- {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} مفسر في "تأويل مشكل القرآن" (1) . 32- {بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} من البناء. ومن قرأه: {كَالْقَصْرِ} (2) ؛ أراد: أصولَ النخل المقطوعة المقلوعة. ويقال: أعناق النخل [أو الإبل] ؛ شَبَّهَها بقَصَرِ الناس، أي أعناقِهم. 33- (جِمَالاتٌ) جُمَالات (3) . {صُفْرٌ} أي إبلٌ سود. واحدها: "جِمَالَةٌ". والبعير الأصفر هو: الأسود؛ لأن سواده تَعْلُوه صُفْرةٌ. [و] قال ابن عباس (4) "الجِمَالات الصُّفر: حِبالُ السُّفن يُجمعُ بعضُها إلى بعض، حتى تكون كأوساط الرجال". 39- {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ} أي حيلةٌ: {فَكِيدُونِ} أي فاحتالوا.
سورة النبأ
سورة النبأ (1) 1-2- {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} يقال: القرآنُ. ويقال: القيامةُ (2) . 6- {مِهَادًا} أي فِراشًا. 7- {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} أي أوتادًا للأرض. 8- {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} أي أصنافًا وأضدادًا. 9- {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} أي راحةً لأبدانكم. وأصل "السَّبْت": التمدُّد (3) . 10- {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} أي سِترًا لكم. 13- {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} أي وَقَّادًا؛ يعني: الشمسَ. 14- {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} يعني: السحابَ. يقال: "شُبّهتْ بمَعَاصِير الجواري. والمُعْصِرُ: الجاريةُ التي دَنت من الحيض" (4) . ويقال: "هن ذواتُ الأعاصير، أي الرياحُ" (5) . {مَاءً ثَجَّاجًا} أي سَيَّالا.
16- {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} أي مُلْتَفَّةً. قال أبو عبيدةَ: واحدها: "لِفٌّ" (1) . ويقال: هو جمع الجمع؛ كأن واحده: "أَلَفُّ" (2) . و "لَفَّاء"؛ وجمعه: "لُفٌّ"؛ وجمع الجمع: "ألفافٌ". 23- {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} يقال: "الْحُقْبُ (3) ثمانون سنة. وليس هذا مما يدلُّ على غايةٍ، كما يظن بعض الناس (4) . وإنما يدُلُّ على الغاية التوقيتُ: خمسة أحقاب أو عشرة. وأراد: أنهم يَلْبَثُون فيها أحقابًا، كلَّما مضى حُقْبٌ تَبِعه حقبٌ آخرُ". 24- {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا} أي نَوْمًا. قال الشاعر: وإن شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ ... وإن شِئتِ لمْ أَطْعَمْ نُقَاخًا ولا بَرْدَا (5) و"النُّقاخ": الماء؛ و "البرد": النوم. ويقال: "لا يذوقون فيها برد الشراب" (6) .
25- {إِلا حَمِيمًا} وهو: الماء الحار. {وَغَسَّاقًا} أي صديدًا. وقد تقدم ذكره (1) . 26- {جَزَاءً وِفَاقًا} أي وفاقًا لأعمالهم. 27- {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا} أي لا يخافون. 31- {مَفَازًا} موضع الفَوْز (2) . 32- {حَدَائِقَ} بساتينَ نخل. واحدها: "حديقة". 33- {وَكَوَاعِبَ} نساءً قد كَعَبَتْ ثُدِيُّهن. {أَتْرَابًا} على سنٍّ واحدٍ (3) . 34- {وَكَأْسًا دِهَاقًا} أي مُتْرَعَةً مَلأى. 36- {عَطَاءً حِسَابًا} أي كثيرًا. يقال: أعطيتُ فلانًا عطاءً حِسابًا؛ وأحْسَبْتُ فلانًا، أي أكثرتُ له (4) . قال الشاعر: ونُقْفِي وَلِيدَ الحَيِّ إنْ كان جائعًا ... ونُحْسِبُه إن كان ليس بِجائعِ (5) ونرى أصلَ هذا: أن يُعطيَه حتى يقولَ: حسبِي (6) .
38- {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا} أي صُفُوفًا. ويقال ليوم [العيد: يومُ] الصف (1) . وقال في موضع آخر: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (2) ؛ فهذا يدل على الصُّفوف. 39- {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} أي مرجعًا إلى الله [بالعمل الصالح] : كأنه إذا عمل خيرًا ردَّه إلى الله، وإذا عمل شرًّا باعده (3) منه.
سورة النازعات
سورة النازعات (1) 1- {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} يقال: هي الملائكة تَنزعُ النفوس إغراقًا؛ كما يُغرِق النازعُ في القوس. 2- {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} [هي] : الملائكة تَقبِض نفسَ المؤمن [وَتَنْشِطُها] كما يُنشَطُ العِقالُ، أي يُربطُ. {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} أي الملائكة؛ جعل نزولها كالسِّباحة. و"السَّبْحُ" أيضًا: التصرُّف. كقوله: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا} (2) . 4- {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا} تسبق الشياطينَ بالوحي. 5- {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} تنزلُ بالحلال والحرام. وقال الحسن: "هذه كلها: النجومُ؛ خلا (الْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) فإنها الملائكة (3) . وإلى هذا ذهب أبو عبيدةَ (4) . 6- {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} الأرض. ويقال: "الرَّجْفَة" و "الرَّاجفة" ها هنا سواءٌ. 7- {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} أي تَرْدَفُها أخرى. يقال رَدِفتُه وأرْدَفْتُه؛ إذا جئت بعده.
8- {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} أي [تَجِفُ و] تَخْفِق وتَجِب. 10-11- {أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} أي إلى أول أمرِنا. يقال: رجع فلان في حافرته، وعلى حافرته. أي رجع من حيث جاء (1) . وأرادوا: {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} نُرَدُّ أحياءً (2) ؟! كما قال الشاعر: أَحَافِرَةً على صَلَعٍ وَشَيْبٍ ... مَعَاذَ اللَّهِ من سَفَهٍ وَعَارِ?! (3) أي [أ] أرجع إلى أول أمري -أي في حداثتي- بعد الصلع والشيب؟! 12- {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} أي رجعةٌ يُخْسَرُ فيها. و (السَّاهِرَةُ) وَجْهُ الأَرْضِ. 25- {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى} فإحداهما قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [24] } ؛ والأخرى قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (4) . 29- {أَغْطَشَ لَيْلَهَا} أي جعله مظلمًا. 30- {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} أي بَسَطها (5) . 33- {مَتَاعًا لَكُمْ} أي منفعةً لكم (6) . 42- {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} أي متى تأتي فتستقرَّ؟ لأن الأشراط تتقدمُها. 43- {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} أي ليس عِلمُ ذلك عندك.
سورة عبس
سورة عَبَس (1) 6- {تَصَدَّى} تعرَّضُ. يقال: فلان يتَصَدَّى لفلان؛ إذا تعرَّضَ له ليراه. 11- {كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} يعني: السورة. 12- {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} يعني: القرآن. 15- {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} أي كتبة؛ وهم الملائكة. واحدهم: "سافرٌ". 17- {قُتِلَ الإِنْسَانُ} أي لُعِنَ (2) . 21- {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} أي جعله ممَّن يُقْبرُ، ولم يجعله ممن يُلَقى بوجه الأرض كما تلَقى البهائمُ (3) . يقال: قبرتُ الرجل؛ [أي] دفنته، وأَقْبَرْتُه: جعلتُ له قبرًا يُدفن فيه. 22- {أَنْشَرَهُ} أحياه. 23- {كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} أي لم يقض ما أمره به. 28- (الْقَضْبُ) القَتُّ (4) . يقال: سميَ بذلك: لأنه يُقْضَبُ مرَّة بعد مرة؛ أي يُقطع. وكذلك: الفَصِيلُ (5) ؛ لأنه يفصلُ، أي يقطع.
30- و (الْغُلْبُ) الغِلاظُ الأعناقِ؛ يعني النخلَ. 31- و (الأَبُّ) المَرْعَى. 33- و {الصَّاخَّةُ} القيامة؛ صَخَّتْ تَصُخُّ صَخًّا، أي تُصِمُّ. ويقال: رجل أصَخُّ وأصْلَخُ؛ إذا كان لا يسمع (1) . و"الداهية": صاخَّةٌ أيضًا. 37- {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (2) أي يَصرفُه ويَصدُّه عن قرابته. ومنه يقال: اعْنِ عني وجهَك: أي اصرفْه. واعْنِ عن السَّفيهِ. 41- {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} أي تغشاها غَبَرَةٌ.
سورة التكوير
سورة التكوير (1) 1- {كُوِّرَتْ} قال أبو عبيدة (2) "تُكَوَّر - أي تُلفُّ - كما تكوَّر العمامة". وقال بعض المفسرين: "كُوِّرَتْ" أي ذهب ضوؤها. 2- {انْكَدَرَتْ} انتثَرتْ وانصبَّتْ. 4- و {الْعِشَارُ} من الإبل: الحواملُ. واحدتها: "عُشَرَاءُ"؛ وهي: التي أتى عليها في الحمل عشرةُ أشهر؛ ثم لا يزال ذلك اسمَها حتى تَضَعَ وبعد ما تضعُ. يقول: عطَّلها أهلُها من الشغل بأنفسهم. 6- {سُجِّرَتْ} مُلِئَتْ. يقال: يُفضي بعضُها إلى بعض، فتصيرُ شيئًا واحدًا. 7- {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} قُرنتْ بأشكالها في الجنة والنار (3) . 8- و {الْمَوْءُودَةُ} البنت تُدْفَنُ حيَّةً. 11- {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} أي نزعتْ فطويتْ كما يقشطُ (4) الغِطاءُ عن الشيء.
13- {أُزْلِفَتْ} أُدْنِيَتْ. 15-16- و (الخُنَّسُ [الْجَوَارِ الْكُنَّسُ] ) النجوم الخمسة الكبار؛ لأنها تَخْنِس - أي ترجع في مجراها - وتَكْنِسُ -[أي] تستتر - كما تكنس الظِّباء [في المَغارِ؛ وهو: الكِناسُ] . 17- {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} قال أبو عبيدة: إذا أقبل ظلامُه. وقال غيره (1) إذا أدبر. 24- (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظَنِينٍ) ؛ أي بمُتَّهَم على ما يُخبِر به عن الله عز وجل. ومن قرأ: {بِضَنِينٍ} (2) ؛ أراد: ببخيل. أي ليس ببخيل عليكم؛ يُعلِّم ما غاب عنكم: مما ينفعُكم.
سورة الانفطار
سورة الانفِطار (1) 1- {انْفَطَرَتْ} انشقَّتْ. 3- {فُجِّرَتْ} أي فُجِّر بعضُها إلى بعض. 4- {بُعْثِرَتْ} قُلبتْ وأُخرج ما فيها (2) . يقال: بعثرت المتاع وبحثرته؛ إذا جعلت أسفله أعلاه. 7- (فَعَدَّلَكَ) قَوَّم خَلْقك. ومن قرأ: {فَعَدَلَكَ} بالتخفيف (3) ؛ أراد: صَرَفك إلى ما شاء من الصُّوَر في الحسن والقبح. 9- {تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} أي بالجزاء والحساب.
سورة المطففين
سورة المُطفِّفين (1) 1- (الْمُطَفِّفُ) الذي لا يُوفِي الكَيْلَ. يقال: إناءٌ طَفَّانُ؛ إذا لم يك مملوءًا. 3- {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} أي كالُوا لهم، [أ] وْ وَزَنوا لهم (2) . يقال: كِلْتُكَ ووزنتُكَ؛ بمعنى: كلت لك، ووزنت لك. وكذلك: عَدَدْتُك وعددتُ لك. {يُخْسِرُونَ} يَنقُصون. 7- {لَفِي سِجِّينٍ} فِعِّيل؛ من "سَجَنت" (3) . 14- {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي غلب. يقال: رانت الخمر على عقله، أي غلبت. 19-20- {مَرْقُومٌ} مكتوبٌ. و"الرَّقْم": الكتاب. قال أبو ذؤيبٍ: عَرَفْتُ الدِّيَارَ كَرَقْمِ الدَّوَا ... ةِ يَذْبُرُهَا الكَاتِبُ الْحِمْيَرِيُّ (4) 25- (الرَّحِيقُ) الشراب الذي لا غِشُّ فيه. ويقال: "الرَّحيق": الخمر العتيقة (5) .
26- {خِتَامُهُ مِسْكٌ} أي آخرُ طعمِه وعاقبتُه إذا شُرب. 27- {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} يقال: أرفعُ شراب في الجنة. ويقال: يُمزج بماء ينزل من تسنيم، أي من علوٍّ (1) . وأصل هذا من "سَنَام البعير" ومنه: "تَسنيمُ القُبورِ". وهذا أعجبُ إليَّ؛ لقولِ الْمُسيَّب بن عَلَس في وصف امرأة: كَأَنَّ بِرِيقَتِهَا - لِلْمِزَا ... جِ مِن ثَلْجِ تَسْنِيمَ شِيبَتْ - عُقَارَا أراد: كأن بريقتها عُقَارًا شِيبتْ للمزاجِ من ثلج تسنيمَ؛ يريد جبلا. 36- {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ؟ أي هل جُزُوا بما كانوا يعملون؟!.
سورة الانشقاق
سورة الانشقاق (1) 2- قوله: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} اسْتَمَعتْ؛ {وَحُقَّتْ} أي حُقَّ لها. 6- {إِنَّكَ كَادِحٌ} أي عامل ناصب في معيشتك؛ {إِلَى} لقاء {رَبِّكَ} (2) . 11- {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} أي بالثبور، وهو: الهلكة. 14- {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} أي لن يَرجعَ ويُبْعثَ. 16- (الشَّفَقُ) الحمرة [التي ترى] بعد مغيب الشمس (3) . 17- {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} أي جَمع وحَمل. ومنه: "الوَسْقُ"، وهو: الحَمْل. 18- {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} أي امتلأ في الليالي البيض. 19- {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} أي حالا بعد حال. قال الشاعر: كَذلِك الْمَرْءُ: إنْ يُنْسَأْ لَهُ أَجَلٌ ... يَرْكَبْ عَلَى طَبَقٍ من بَعدِه طَبَقُ (4) 23- {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} أي يَجمعون في صدورهم وقلوبهم يقال: أوعيت المتاع؛ [إذا جعلته في الوعاء] . 25- {غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع.
سورة البروج
سورة البروج (1) 1- (الْبُرُوجُ) بروج النجوم؛ وهي اثنا عشر بُرجًا. ويقال: "البُروج": القصور (2) . 2- و (وَالْيَوْمُ الْمَوْعُودُ) يوم القيامة. 3- {وَشَاهِدٍ} في يوم الجمعة. كأنه أقسم بمن يشهده (3) . {وَمَشْهُودٍ} يوم الجمعة، ويوم عرفة. 4- (الأُخْدُودُ) الشقُّ [العظيم المستطيل] في الأرض، وجمعه: "أخَادِيدُ". وكان رجل من الملوك خَدَّ لقوم في الأرض أخاديدَ، وأوقَد فيها نارًا؛ ثم ألقى قومًا من المؤمنين في تلك الأخاديد (4) . 10- {فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ} أي عذبوهم (5) .
سورة الطارق
سورة الطارق (1) 1- {وَالطَّارِقِ} النجم؛ سُمي بذلك: لأنه يَطرُق - أي يطلُع - ليلا وكلُّ من أتاك ليلا فقد طَرَقك. 3- و {الثَّاقِبُ} المُضيءُ. 7- {وَالتَّرَائِبِ} مُعَلَّق الحُلِيِّ من (2) الصدر. واحدتها "تَرِيبة". 9- {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} أي تُختبرُ سرائرُ القلوبِ. 11- {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} أي المطر. قال الهُذَلِيُّ يذكر سيفًا (3) : أبيضُ كالرَّجْعِ رَسوبٌ, إذَا ... مَا ثَاخَ في مُحْتَفَلٍ يَخْتَلِي أي أبيض كالماء. 12- {وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} أي تَصَدَّعُ بالنبات. 15- {يَكِيدُونَ كَيْدًا} يحتالون حيلةً. 16- {وَأَكِيدُ كَيْدًا} أُجازيهم جزاءَ كيدِهم.
سورة الأعلى
سورة الأعلى (1) 5- {فَجَعَلَهُ غُثَاءً} أي يَبْسًا. {أَحْوَى} أسْودَ مِن قِدَمِه واحتراقِه (2) . 18- {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى} لم يُرد أن معنى السورة في الصحف الأولى، ولا الألفاظَ بعينها. وإنما أراد: أن "الفَلاحَ لِمَنْ تَزَكَّى، وذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى" (3) - في الصحف الأولى، كما هو في القرآن.
سورة الغاشية
سورة الغاشية (1) 1- {الْغَاشِيَةِ} القيامة؛ لأنها تَغْشاهم. 6- (الضَّرِيعُ) نبتٌ [يكون] بالحجاز، يقال لرَطْبِه (2) الشِّبْرِقُ. 11- {لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً} أي قائلةً لَغْوًا؛ ويكون اللغوَ بعينه. 15- و (النَّمَارِقُ) الوسائد، واحدتها: "نُمْرقة" و"نِمْرُقة". 16- و (الزَّرَابِيُّ) الطَّنافِس. ويقال: هي البُسُط (3) . واحدتها: "زَرْبِيَّة". {مَبْثُوثَةٌ} كثيرة متفرِّقة [في المجالس] . 20- {سُطِحَتْ} أي بُسِطَتْ. 22- {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} أي بمسلَّط. 25- {إِيَابَهُمْ} رجوعهم.
سورة الفجر
سورة الفجر (1) 2- {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} يعني: عَشر الأضحى. 3- {وَالشَّفْعِ} يوم الأضحى. {وَالْوَتْرِ} يوم عرفة. و"الشَّفْع" في اللغة: اثنان؛ و"الوَتْر": واحد. قال قتادةُ: "الخَلْقُ كلُّه شفعٌ ووترٌ؛ فأقْسَم بالخلْق". وقال عِمران بن حُصَينٍ: "الصلاةُ المكتوبةُ منها شفعٌ ووترٌ". [و] قال ابن عباس: "الوترُ آدمُ؛ [والشفعُ] . شُفِع بزوجِه حواءَ عليهما السلام". وقال أبو عبيدةَ: "الشَّفع: الزَّكا، وهو: الزَّوج. والوَتر: الخَسَا، وهو: الفَرد" (2) . 4- {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} أي يُسْرَى فيه. كما يقال: ليلٌ نائمٌ؛ أي يُنَامُ فيه (3) . 5- {لِذِي حِجْرٍ} أي لذي عقْلٍ. 9- {جَابُوا الصَّخْرَ} نَقَبُوه واتَّخذوا منه بيوتًا.
16- {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أي ضَيَّق عليه. يقال: قَدَرتُ عليه رزقَهُ، وقَتَرْتُه (1) . 19- و {التُّرَاثَ} المِيراث. والتاء فيه منقلِبة عن واو. كما قالوا: تُجاه؛ والأصل: وُجَاه. وقالوا: تُخَمة؛ والأصل: وُخَمة (2) . {أَكْلا لَمًّا} أي شديدًا. وهو من قولك: لَمَمْتُ الشيءَ؛ إذا جمعتَه. 20- {حُبًّا جَمًّا} أي كثيرًا. 21- {دُكَّتِ الأَرْضُ} دُقَّت (3) جبالُها وأنشازُها، حتى استوتْ.
سورة البلد
سورة البلد (1) 3- {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} آدمُ وولدُه. 4- {فِي كَبَدٍ} أي في شدةِ غَلَبَةٍ، ومكابدةٍ لأمور الدنيا والآخرة. 6- {مَالا لُبَدًا} أي كثيرًا. وهو من "التلبُّد": كأن بعضَه على بعض. 10- {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} و"النَّجْد": الطريق في ارتفاع. يريد: طريق الخير والشر. وقال: ابن عباس (2) الثَّديَيْن. 11- {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي فلا هو اقتحم العقبة (3) . 13- {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي عِتقُها وفكُّها من الرِّق. 14- {ذِي مَسْغَبَةٍ} أي ذي مجاعة: [و"السَّغَْب": الجوع؛ و"الساغِب": الجائع] . يقال: سَغِب الرجل يَسْغَب [سَغَبًا و] سُغوبًا؛ إذا جاع.
15- {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} أي ذا قَرابةٍ. 16- {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} أي ذا فقرٍ، كأنه لَصِق بالتراب [من الفقر] . 20- {نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} أي مُطْبَقَةٌ [مُغْلَقة] . يقال: أوْصدتُ البابَ؛ إذا أطبقتَه [وأغلقتَه] (1) .
سورة الشمس
سورة الشمس (1) 1- {وَضُحَاهَا} نهارُها كلُّه (2) . 2- {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} أي تَبِع الشمسَ. 3- {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا} يعني: جَلَّى الظُّلمة (3) ، أو الدنيا. 6- {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} أي بَسَطها (4) . يقال: حيٌّ طاحٍ؛ أي كثيرٌ متسعٌ. 8- {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أي عرَّفها (5) في الفطرة.
9- {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} أي من زَكَّى نفسه بعملِ [البِر] ، واصطناعِ المعروف. 10- {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} أي دسَّ نفسَه- أي أخفاها- بالفجور والمعصية. والأصل من (1) "دَسَّست" فقلبتْ السينُ ياءً. كما قالوا: قصَّيْتُ أظفاري، أي قصَّصتها. 11- {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} أي كذبتْ الرسولَ إليها بطُغيانها. 12- {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} أي الشقيُّ منها، [أي نَهَضَ] لعقْرِ الناقةِ. 13- {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} ؛ أي احذَروا ناقة الله (2) وشِرْبها.
سورة الليل
سورة الليل (1) 4- {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} أي [إن] عملكم لمختلفٌ (2) . 7- {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي للعودِ إلى العمل الصالح. 9- {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} أي بالجنة والثواب. 11- {تَرَدَّى} في النار، أي سقط. ويقال: "تَرَدَّى": تَفَعَّل؛ من "الرَّدَى" وهو: الهلاك (3) .
سورة الضحى
سورة الضحى (1) 2- {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} إذا سكَن. وذلك عند تناهي ظلامِه ورُكودِه. 3- {وَمَا قَلَى} ما أبْغَضك. 8- {عَائِلا} فقيرًا. و"العائل": الفقير كان له عيالٌ، أو لم يكن. يقال: عال الرجلُ؛ إذا افتَقر. وأعالَ: إذا كثُر عياله.
سورة الانشراح
سورة الانشراح (1) 1- {نَشْرَحْ} نفتح. 2- و (الْوِزْرُ) الإثمُ في الجاهليَّة. 3- {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} أثقله حتى سُمع نَقِيضُه، أي صوتُه (2) وهذا مَثَلٌ. 7-8- {فَإِذَا فَرَغْتَ} من صلاتك: {فَانْصَبْ} في الدعاء، وَارْغَبْ إلى الله.
سورة التين
سورة التين (1) 1- (التِّينُ) وَ (الزَّيْتُونُ) جبلان بالشام؛ يقال لهما: "طُورُ تَيْنَا، وطُورُ زَيْتَا" بالسُّرْيَانِيَّة. سمِّيا بالتين والزيتون: لأنهما يُنبِتانهما. 3- {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} يعني: مكةَ. يريد: الآمنَ. 5، 6- {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} إلى الهَرَم، و "السافلون"
هم: الأطفال والزَّمْنَى والهَرْمَى. {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} فمَن أدركه الهَرَمُ كان له مثلُ أجرِه، إذا كان يعملُ. وقال الحسن: (1) " {أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [في] النار". 6- {غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع.
سورة العلق
سورة العلق (1) 6-7- {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} أي يَطغى أنْ رأى نفسَه استغنَى. 8- {الرُّجْعَى} المرجِعُ. 15- {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} أي لَنَأْخُذَنَّ بها. يقال: اسْفَعْ بيدِه؛ أي خُذْ بيده (2) . 17- {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} أهلَ ناديهِ؛ أي يَنتصِرْ بهم. و "النادي": المجلسُ. يريد: قومَه. 18- {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قال قتادةُ: (3) "هم: الشُّرَط؛ في كلام العرب". وقال غيره: "وهو من "الزَّبْن" مأخوذٌ. و "الزبنُ": الدفع. كأنهم يَدْفَعون أهلَ النار إليها. واحدُهم: "زِبْنِيَة".
سورة القدر
سورة القَدْر (1) 1، 2، 3- {لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ليلة الحُكْم. كأنه يُقدَّر فيها الأشياءُ. {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} ليس فيها ليلة القدر. 4- {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} أي لكل أمر (2) . 5- {سَلامٌ هِيَ} أي خيرٌ هي حتى يطلُعَ الفجرُ.
سورة البينة
سورة البَيِّنَة (1) 1- {مُنْفَكِّينَ} زائلين (2) . يقال: ما أنْفَكُّ في كذا؛ أي لا أزالُ. 3- {كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} عادلةٌ.
سورة الزلزلة
سورة الزّلزلة (1) 2- {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} أي موتاها. 4- {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} فتُخبِرُ بما عُمل عليها. 5- {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي بأنه أَذِن (2) لها في الإخبار بذلك. 6- {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ} أي يرجعون {أَشْتَاتًا} أي فِرقًا. 7-8- {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} وزْنَ نملة صغيرة.
سورة العاديات
سورة العاديات (1) 1- {وَالْعَادِيَاتِ} الخيل. و (الضَّبْحُ) صوت حُلوقها إذا عَدَتْ. وكان عليّ - رضي الله عنه - يقول: (2) "هي الإبل تذهب إلى وقعة بَدْرٍ. (وقال) : ما كان معنا يومئذٍ إلا فرس عليه المِقْدَادُ". وقال آخرون (3) : "الضَّبْع" و "الضَّبْح" واحدٌ في السَّيْر؛ يُقال: ضَبَعَتِ الناقةُ وضَبَحتْ.
2- {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} أي أوْرَتِ النار بحوافرها. 4- و (النَّقْعُ) الغُبارُ. ويقال: الترابُ (1) . 5- {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} أي توسَّطن [به] جمعًا من الناس أغارتْ عليهم. 6- {لَكَنُودٌ} لكَفُور. و "الأرض الكنود": التي لا تُنبت شيئًا. 7- {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} يقول: وإن الله على ذلك لشهيدٌ (2) . 8- {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي [وإنه] لحُبِّ المال لبخيلٌ (3) . 9- {بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} أي قُلِب وأُثِير. 10- {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} مُيِّز ما فيها من الخير والشر (4) .
سورة القارعة
سورة القارعة (1) 1-2-3- {الْقَارِعَةُ} القيامة؛ لأنها تَقْرَع [الخلائقَ بأحوالها وأفزاعها] . ويقال: أصابتْهم قوارعُ الدهر. 4- (الْفَرَاشُ) : ما تهافَتَ في النار: من البَعُوض. {الْمَبْثُوثِ} المنتشِرُ. 5- و (الْعِهْنُ) الصُّوف المَصْبوغ (2) . 9- {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} أي النارُ له كالأم يأْوِي إليها (3) .
سورة التكاثر
سورة التكاثر (1) 1- {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} بالعَددِ والقَراباتِ. 2- {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} حتى عدَدتُم مَن في المقابر: من مَوتاكم. 8- {عَنِ النَّعِيمِ} يقال: (2) الأمْنُ والصحةُ.
سورة العصر
سورة العصر (1) 1- {وَالْعَصْرِ} الدَّهر؛ أقسمَ به. 2- {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أي في نَقْص (2) . 3- {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإنهم غير مَنْقُوصين (3) .
سورة الهمزة
سورة الهُمَزة (1) 1- (الْهُمَزَةُ) العَيَّاب (2) والطَّعَّان. و (اللُّمَزَةُ) مثلُه. وأصل "الهَمْز" و "اللَّمز": الدَّفْع. 4- {لَيُنْبَذَنَّ} ليُطْرَحَنَّ. 7- {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ} مبيَّن في كتاب "المشكل" (3) .
سورة الفيل
سورة الفيل (1) 3- {أَبَابِيلَ} جماعاتٍ متفرِّقةً. 4- {مِنْ سِجِّيلٍ} قال ابن عباس: [من] آجُرٍّ (2) . 5- {كَعَصْفٍ} يعني: ورقَ الزَّرع. و {مَأْكُولٍ} فيه قولان: (3) (أحدهما) : أن يكون أراد: أنه أُخذ ما فيه- من الحَبّ - فأُكل، وبقي هو لا حَبَّ فيه. و (الآخر) : أن يكون أراد: العصفَ مأكولا للبهائم؛ كما تقول للحنطة: "هذا المأكول" ولمَّا يؤكلْ. وللماء: "هذا المشروبُ" ولمَّا يُشربْ. يريد: أنهما مما يُؤكلُ ويُشربُ.
سورة قريش
سورة قريش (1) 1- (الإيلاف) مصدرُ "آلَفْتُ فلانًا كذا إيلافًا"؛ كما تقول: ألزمتُه إيَّاه إلزامًا. يقول: فَعَل هذا بأصحاب الفيل ليُؤْلِفَ قريشًا هاتَيْن الرِّحْلَتَيْنُ فتُقيمَ بمكةَ. وقد بينت هذا في "المشكل" (2) .
سورة الماعون
سورة الماعون (1) 2- {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} يَدْفعه. وكذلك قوله: {يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} (2) . 7- و {الْمَاعُونَ} الزكاة. ويقال: (3) هو الماء والكلأ. [و] قال الفرّاء (4) "يقال: إنه الماء [بعينه] "؛ وأنشد: يَمُجُّ صَبِيرُهُ الماعُونَ صَبَّا "الصبير": السحاب.
سورة الكوثر
سورة الكوثر (1) 1- {الْكَوْثَرَ} الخير الكثير. قال ذلك ابن عباس. وقال ابن عُيينةَ: (2) "قال عبد الكريم أبو أُميَّةَ: قالت عجوز: قَدِم فلانٌ بكوثرٍ كثيرٍ". 541 وأحسَِبُهُ "فَوْعلا" من الكثْرة. وكذلك يقال للغبار- إذا ارتفع وكثُر-: كَوْثرٌ؛ قال الهُذَلِيُّ يذكر الحمار: يُحامي الْحَقيقَ إذا ما احْتَدَمْـ ... ـنَ حَمْحَمَ (3) في كَوْثَرٍ كالجِلالِ أي في غُبارٍ كثيرٍ كأنه جِلالُ [السفينةِ أو الدوابِّ] . ويقال: "الكوثر": نهرٌ في الجنة (4) . 2- {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} يومَ النحر. {وَانْحَرْ} اذبحْ. ويقال: "انحر": ارفعْ يديك بالتكبير إلى نحْرِك (5) . 3- {إِنَّ شَانِئَكَ} أي إن مُبغضَكَ. {هُوَ الأَبْتَرُ} أي لا عَقِب له. وكانت قريش قالت: "إن محمدًا لا ذَكَرَ له؛ فإذا مات: ذهب ذِكْرُه"؛ فأنزل الله هذا، وأنزل: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (6) .
سورة اللهب
سورة اللَّهَب (1) 1- {تَبَّتْ} خسرتْ. وقد تقدم ذكر هذا. (2) 2- {وَمَا كَسَبَ} يعني: وما وَلَدَ. (3)
4- {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} يعني: النميمةَ. ومنه يقال: فلان يَحْطِبُ علَيَّ؛ إذا أغْرَى به. 5- {فِي جِيدِهَا} أي: في عُنُقِهَا؛ {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} أي: فُتِلَ [منه] . يقال: هو السِّلسلةُ التي ذكرها الله في "الحاقَّة". (1)
سورة الإخلاص
سورة الإخلاص (1) 2- {الصَّمَدُ} السَّيد الذي قد انتهى سُودَدُه؛ لأن الناس يَصْمِدُونه في حوائجهم. قال الشاعر: خُذْها حُذَيْفُ فأنْتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ (2) وقال عكرمةُ ومجاهدٌ (3) : هو الذي لا جَوْفَ له. وهو- على هذا التفسير- كأن الدال فيه مبدَلةٌ من تاء. و "المُصْمَتُ" من هذا. 4- {كُفُوًا} مِثْلا.
سورة الفلق
سورة الفلق (1) 1- {الْفَلَقِ} الصبح. 3- و (الْغَاسِقُ) الليل؛ و "الغَسَقُ": الظلْمة. {إِذَا وَقَبَ} أي دخل في كل شيء. ويقال: "الغَاسقُ": القمر (2) إذا كُسف فاسودَّ. "إذا وَقبَ": دخل في الكسوف. 4- {النَّفَّاثَاتِ} السَّواحر. و "يَنْفُِثْن": يَتْفُِلْنَ إذا سَحَرْن ورَقَيْن (3) .
سورة الناس
سورة الناس (1) 4-5- {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} إبليسُ يُوَسْوِسُ في الصدور والقلوب؛ فإذا ذُكر اللهُ: خَنَسَ، (2) أي أقْصَرَ وكَفَّ. 6- و {الْجِنَّةِ} الجنُّ.
(قال أبو محمد) : روى يزيدُ بن هارونَ (1) [السلَميُّ] عن سعيدٍ، قال قتادةُ: "كان إبليسُ ينظرُ إلى آدمَ، ويقولُ: لأمرٍ مَا خُلِقْتَ! . ويدخلُ مِن فِيه، ويخرجُ مِن دُبُره. فقال للملائكةِ: لا تَرهَبوا مِن هذا؛ فإن ربكم صَمَدٌ، (2) وهذا أجْوَفُ". والحمد لله وحده. {تم الكتاب بحمد الله تعالى}