غرائب الاغتراب

الألوسي، شهاب الدين

نص الكتاب

نص الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أخذ بيدي فأوصلني على أكف الراحة إلى دار الخلافة وأعطاني ما قوى به خلدي فلم أضق ذرعاً فيما قطعته الرواسم من حدود المسافة والصلوة والسلام على سيدنا محمد الذي أشفر من سجف البطون ولا أثر يومئذ ولا عين فاستبشرت الأعيان الثابتة بأسفار فجر أسفار الظهور وسافر وقد هدأت العيون إلى مقام قاب قوسين فعاد وسهم الأمة من عوائد ذلك السفر موفور وعلى آله الذين اختيرت لهم طوالع السعد حلواً أو ارتحلوا وضربت عليهم قباب المجد أي بلدٍ دخلوا وأي منزل نزلوا. وبعد فإنني خرجت من زوايا الزوراء منتهجاً أقوم طريق محمولاً من فضل الله تعالى على مطايا النعماء بأيدي رفيق التوفيق وذلك في غرة جمادى ستة من سنة سبع وستين من القرن الثالث عشر بعد هجرة سيد قرون الأولين والآخرين ولم أزل أطوي الفدافد وأنشر حسب الإمكان مطوي الفوائد مجتمعاً في كل بلد مع لبيدة وبليدة مستخبراً كل طالب علم عن طريفة وتليدة فوفقت في سيري حتى وقفت على أمور تحكي الصراط دقه واطلعت في سيري فاطلعت على أسرار تطيش لو قرنت بها في الميزان سجلات المشقة إلى أن نبذتني ويلمها نون سفينة الدخان بساحل خليج القسطنطينية وقد كادت) تبت يدا أبي لهبها (تريني النازعات لولا لطف الرحمن وبركة ما آتانيه تبارك اسمه من إخلاص النية وذلك في الثامن والعشرين من شهر رمضان السبع والستين وقد كنت كتبت بعض ما وفقت عليه قبل الوصول من غرائب محسوس وعجائب معقول إلا أني جاوزت في اختصار الكلام الحد حيث كان وقتي لاتساع دائرة الحزن بعد فراق العراق أضيق من خصر هند ودعد. كأن الحزن دائرة بقلبي ... فأوله وآخره سواء ثم أني كتبت أيضاً ما اتفق لي في عودي إلى مسقط رأسي ومنبت عودي وسلكت في ذلك نحو ما سلكت أولاً من المسالك وأظنني أبدعت في كلا المسلكين وخفقت فيهما بأجنحة ما خفق بها أحد في الخافقين والعلة الحقيقية لهاتيك الكتابة القصد إلى مداواة ما بي من غلة علة الكآبة فإني قد ضاقت في فضاء تلك البوادي منافسي واتسعت في مضايق كربة الغرب وساوسي وعادتي أنه إذا ألم بي ألم أتداوى منه بعقاقير أرقام القلم وأسترقي برقي بحثه من شياطين الهموم وأبصل بطيب نفثه سحر النفاثات في عقد القوى من سحرة الغموم.

ولما قرت عيني بالإياب وفرت عني ولله الحمد آلام الاكتئاب وفزت برؤية الأهل والعيال وفريت بطن عادي الفراق بشفرة الوصال أحببت أن أفرد كتاباً أجمع فيه مجمل ما كان ذهاباً وإياباً وربما أحل في رحابه مشكلاً وأتصل في بعض أبوابه مجملاً وأستوفي حسب الإمكان ما كان لي في الإقامة معرضاً عن أشياء لم يمكنني ذكرها إلى يوم القيامة مترجماً بعض الأجلة مطلعاً في سمائه شموساً وبدوراً وأهله مبتدئاً بترجمة نفسي مع أني أحقر أبناء جنسي بل أهون من تبنه في لبنه ومن قلامه في قمامه ومن ذره بجنب دره ولكن قد تتقدم الخدم بين يدي السادة وتؤدي النافلة قبل فرض العبادة ومكان رقم الآحاد قبل مكان رقم عشرات الأعداد ولا يفسر الورد تأخره عن أغصانه ولا السنان كونه في أطراف مرانه مستطرداً سبب رحلتي وتحملي ما لاقيت في سباسب غربتي سالكاً في كل ذلك سبيل الاختصار والاقتصاد خوفاً من الملل الذي جبل عليه أكثر العباد وسميته " غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب " سائلاً منه أن لا يذيق مقامي صاب الافتراء على بري ولا يريق مداد ذمي على أبيض الثياب نفي وهو سبحانه العاصم في الفواتح والخواتم وكأني بك تجده إن شاء الله تعالى كتاباً تشد إليه الرواحل وتطوي لنيل المنى من فصوله وأبوابه المنازل حيث تضمن مباحث لطيفة ومطالب شريفة ورسائل تقطر ظرفاً ومسائل ترشح لطفاً بنثر قرب حتى اطمع وبعد على المتناول حتى امتنع كأنه من شرخ الشباب مسروق ومن لذة وصال الأحباب مخلوق بل لعمري لو أن كلاماً أذيب به صخر أو أطفئ بما يرشح من أهابه جمر أو عوفي بمعانيه مريض أو أجبر بمبانيه مهيض لكان هو ذلك الكلام الذي يقود سامعيه من بني الآداب إلى السجود ويجري في شرايين قلب واعية من ذوي الألباب جري الماء في العود لكني لم ألتزم في جميعه هذا النثر وأي روض كله عطري الزهر وأصابع الكف غير متساوية في الوصف وليست كل آية أن تعي فاغرة فاها بفصاحة يا أرض ابلعي وما كل نجم سيار ولا جميع أجزاء الليل أسحار على أني كثيراً ما أترك النثر بالكلية وآتي بدله بعبارة أرجو أن تكون عند المنصف مرضية وذلك لتكون مائدتي للآذان ذات ألوان وأشربتي للأذهان ذوات خمور وألبان فالطعام الواحد يمل، وإن حلا وجل، وأكثر الأسماع اليوم طبيعتها إسرائيلية فهيهات أن تصبر على طعام واحد وإن كان من أطعمة شهية، هذا مع أن ذهني بأيدي التجليات، فربما لا تسلمه بيدي لأنسج به بعض الفقرات، وقد يشرد مني، ويكون مناط الثريا عني، فأضطر إلى كلام مغسول، لا أعقل فيه سوى أنه معقول، فرحم الله تعالى امرأً عذر وقنع مني بما حضر) ولنشرع بمقصود الكتاب (مما في نزهة الألباب متوكلين على مولى العباد، ومن منه تعالى المبدأ وإليه سبحانه المعاد) فأقول (خرج خالص لبن وجودي من بين فرث العدم ودم الإمكان، بيد حازب القدر إلى قعب عالم العيان، قبيل ظهر الجمعة رابع عشر من شعبان وذلك سنة سبع عشرة بعد المائتين والألف، من هجرة من لا يحيط بكماله نطاق وصف صلى الله تعالى عليه وسلم ما ولد مولود، وما وجد في عالم الكيان موجود، وقد أرخ عام ولادتي بكل من شطور بيتين تراهما عين الأديب لخد غانية الفصاحة كسالفين، الشاعر المجيد الأطرقجي الملا عبد الحميد فقال: لقد أشرق البدر السماوي من بدا ... سنا نوره عن مشرق لاح بالجود أكمل الدين الحنيف مؤرخ ... تكلمت العليا بميلاد محمود

وأثر ما فطمت من ارتضاع الألبان، شرعت أتحسى در قراءة القرآن وبعيد ما حل عني بند قماط الطفولية، عقد على لواء حفظ المقدمة الأجرومية وريثما كسرت عني البيضة حبست في قفص مكتب الملا حسين الجبوري فأوفر من حسن تعليمه إياي الكتاب العظيم حبوري، وهو رجل قد كتب على أسارير جبهته الطلاح، ووفق للتقوى فرح على صفحات وجهه أنوار الفلاح، وكان مقيماً في مسجد قرب سوق حمادة، وقد أقام فيه رحمة الله تعالى عليه سوق العبادة، وقبل أن أبلغ من تسدية ما بين الدفتين الأمنية، طويت على نول قلبي رداء حفظ الأجرومية، وفي أثناء ذلك حفظت ألفية ابن مالك، وقرأت غاية الاختصار في فقه الشافعية، وحفظت في علم الفرائض المنظومة الرحبية، كل ذلك عند والدي أسكنه الله تعالى أعلى عليين، وكان قبل أن أبلغ من العمر سبع سنين، ثم أني لم أزل أقرأ عنده، وأحسو دره وشهده، حتى استوفيت الغرض من علم العربية وحصلت طرفاً جليلاً من فقهي الحنفية والشافعية، وأحطت خبراً ببعض الرسائل المنطقية، والكتب الشريفة الحديثية، وكان عليه الرحمة يزقني العلم ليلاً ونهاراً، ويزقني إن ونيت سراً وجهاراً، ولما بلغت من العمر عشراً، أذن لي بالقراءة عند غيره ولم يرهقني عسراً،) فقرأت (على أن عمي الأمجد) السيد علي بن السيد أحمد (شرح القوشجي للرسالة الوضعية العضدية، ووقفت والحمد لله تعالى على مضمراتها وإشاراتها الخفية) وقرأت (عليه أيضاً حواشيها، وأزلت بمراجعة الوالد عليه الرحمة غواشيها وهو رجل في بيتنا ربا، ولم يعرف غير أبي أباً، وأقرأه معظم العلوم القلية، وطرفاً يسيراً من العلوم العقلية، ومعظم قراءاته المعقول عند من تقصر عن طويل شرح حاله عبارتي) صبغة الله أفندي (بن الملا مصطفى العلي الزيارتي، ثم اضطره ضعف الحال، فسلك طريق الاكتساب لدفع ضرورة العيال، حتى أشكل عليه البديهي الأول، ولا يكاد يفهمه إياه إلا ابني أو ولي،) وقرأت (شرح آداب البحث المسمى بالحنفية على رجل يدعى) ملا درويش بن عرب خضر (في المدرسة الأحمدية وهو ممن أخذ العلم من العالم الرباني) الشيخ عبد الرحمن أفندي (المدرس الروزبهاني، خريج صبغة الله أفندي المذكور، ضوعفت لنا ولهم الأجور وذلك بعد أن قرأت منه درساً واحداً عند محمد أفندي بن أحمد أفندي مدرس السليمانية فلم أفهم منه ما قال كما لم يفهم مني ما قلت كأن بعضنا يتكلم بالعربية والآخر بالعبرانية،) وقرأت (حواشي الرسالة المذكورة، للفاضل مير أبو الفتح مع حواشيه المشهورة، وكذا آداب المسعودي والغ وعبد اللطيف وشرح السراجة في الفرائض للسيد الشريف، وأبعاض كتب عديدة ورسائل مفيدة، على ذي الأخلاق المستجادة) عبد العزيز أفندي شواف زادة (، وهو أيضاً ممن تخرج على الفاضل الأوحدي، الزيارتي، صبغة الله أفندي، وكان علم العلم ومناره، ومقتبس الفضل ومستناره شمائله معبرة عن لطف النسيم، ومحاوراته محدثة عن لذة التنسيم، ذا مزح أطيب من نفس الحبيب، وروح أخف من مغيب الرقيب. ففيه مجال للتواضع والعلى ... وفيه نصيب للفكاهة والجد

وكان عليه الرحمة مشهوراً بعلم العربية بين القاصي والداني حتى أنه كان يدعى لمهارته فيه بسيبويه الثاني، وقد قرأ ذلك على والده جليل الأوصاف الفقيه الشهير الملا محمود الشواف، وكان غواص تأمله يستخرج الدرر وقلما يجيب جواباً بأول النظر، ولا يأنف من قول لا أدري، ويجري مع الحق حيث يجري، وما رأيته غلظ في جواب، بل كان يسكت أو ينطق بالصواب، وكان أبعد العلماء من حمى المأثم، غير أنه للطفه يصحب الجنيد ويحيى بن أكثم، وغالب تدريسه في مسجد خال خاله ذي الصلاح، بل ولى الله تعالى بلا نزاع شيخ والدي الملا عبد الفتاح، وفي حجرته التي كان يدرس فيها دفن، فيا لها من مدفن بكل خير قمن، وسبب ذلك تعذر الوصول إلى المقابر لكثرة الماء وقلة الناصر، فقد طغى الماء ودخل البلد أيام الطاعون، وجرت من عيون السور على المطعونين عيون، ولا تكاد تجد لكثرة الموتى في الكرخ غير الشيخة الفانية والشيخ، ولذا كثر الدفن في المساجد والطرق والبيوت ومن الموتى من كان قبره جوف كلب أو بطن حوت، وكان ذلك من شهر شوال إلى غرة ذي الحجة الحرام، سنة ست وأربعين بعد المائتين والألف من هجرته عليه الصلوة والسلام،) وقرأت (من شرح الوضعية لمولانا عصام، إلى ما يعانق من الرسالة الختام، على ذي الفضل الجليل الجلي) السيد محمد أمين بن السيد علي الحلي (وكان رب فصاحة وبيان، يخيل منه إذا نطق أن كلاً من أعضائه لسان. إذا ارتج الخطاب بدا خليج ... بفيه كأنه بحر الكلام كلام أم مدام أم نظام ... من الياقوت أم حب الغمام إلا أنه كان مولعاً بنقل الغريب، ولا يبالي إذا تكلم أيخطئ أم يصيب وقد كثر لغطه، فكثر غلطه، ولم ينق ما في سفطه، فسقط كلامه عن القبول، لوافر سقطه، مع أنه أذكى من أياس، وذهنه أضوأ من نبراس، وكان أكثر قراءته على الملا عبد العزيز أفندي المذكور، قرأ عليه علوم العربية لما أنه في إتقانها مشهور، وقرأ على ذي المقام العلا، علاء الدين مولانا علي أفندي الموصلي، ولم يتحمل لسع نحل أخلاقه، ولم يستطب طبعه واستبشع مر مذاقه، فترك درسه الذي ماله في الحلاوة ثاني، وقرأ على الفاضل) عبد الرحمن أفندي الروزبهاني (وقبل أن يتخرج خرجت إلى الملأ الأعلى روحه، وتوفي في الطاعون بعد أن برأت بمرهم منصب الإفتاء جروحه) ولما (انقضت ثلاث عشرة سنة من عمري، وأنا مهتم في التحصيل وإصلاح أمري،) شرعت (بالقراءة مع إخلاص النية، وافتتحت بالخاتمة من شرح عصام للرسالة الوضعية، عند واحد العلماء، وأوحد الفضلاء، الضارب في كل فن بسهم، والقارع صفاة كل قريحة وفهم، فارس ميدان المباحث والحبر الذي عزز العلامتان منه بثالث، ذي القدم الراسخة في جميع العلوم والرتبة الشامخة التي دون رفعتها النجوم، ذي القدر الأعلى) علاء الدين أفندي الموصلي (، ولم أزل أقرأ عنده، وأستنشق ريحه ورنده، إلى من تخرجت به وتأدبت بأدبه، وكان عليه الرحمة ذا ذهن يحل كل عويصة ضامن، ووقار كان ثبيراً فيه كامن، وأدب زرت على أعناق الإعجاز جيوبه، وهبت بغوالي غواني الإبداع صباه وجنوبه، إلى عبارات عذبة شريفة، وإشارات ظريفة لطيفة، وألفاظ رائقة، ومعان فائقة، والحق أنه كان في كل علم آية الله تعالى الكبرى، وجنته التي لا يجوع فيها طالب علم ولا يعرى. هو الشمس علماً والجميع كواكب ... إذا ظهرت لم يبق منهن كوكب بيد أنه لضيق ذات يده ضاق صدره، ولمزيد كلف في نجم سعده كلف بدره ولذلك ساءت أخلاقه، وشائت فراقه رفاقه. كان لا يدري مداراة الورى ... ومداراة الورى أمر مهم

وعلى العلات أن حظه حطه، وأوفر من الحرمان قطه، وأعانه على ذلك الزمان المشوم، والدهر الجائر الغشوم، ومن العجيب أن داود باشا على فضله لم يعرف فضله، وأحله في غير محله وما أجله وذلك لأنه ما صانعه ولا داراً، ولم يكن في دفتره لما كان دفتر داراً، واتفق أن أمر له إذ ذاك ببرده، فأبى أن يقبل كرمه في المجلس ورده، فأضمر ذلك في نفسه حتى استوزر، فأظهر من سوء معاملته إياه ما أظهر، وكان يتتبع عثاره ويزيد بعثير الغارة عليه غباره، حتى أنه أمر بنفيه إلى الحدباء، فحدب عليه ورجا إثباته بعض أجلاء الزوراء، فأثبت ولكن في هم لا يحد، وبقي منكسر القلب إلى أن ضمه اللحد، وقد ضم في شهر ضم أباه، وكان تاريخ ذلك قولي) عنهما رضى الإله (ودرج على الأثر في الطاعون جميع أهله وبنيه وبقي بيته خالياً ليس سوى الصدا والحزن فيه. أتى على القوم أمر لا مرد له ... حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا وصار ما كان من علم ومن أدب ... كما حكي عن خيال الطيف وسنان ولم يتخرج عليه إلا جمع هم أقل من أنصاف الزمان، بل المتخرج إذا تتبعت واحد أو اثنان، وذلك لقلة تحمل الطلبة كثرة دله، وعدم وقوفهم على وافر فضله ولا ينقص العالم قلة طلبته، كما لا ينقص النبي عدم أمته، وأنا ولله تعالى الحمد صبرت على مره، وصيرت شغلي السعي في صفاء سره، وتأدبت معه غاية الأدب، وانتهى أداء رسم خدمتي إياه إلى حد العجب، وإني لأرجو أن أنال ببركة ذلك مزيد الآلاء، فبركة بركة خدمة الشيخ بحر لا تنزحه الدلاء) وكان له شعر (تحكيه غمزات الجفون الوطف، وتماثله إشارات البنان الذي يكاد ينعقد من اللطف، ويضاهيه السحر إلا أنه خال عن تعقيد العاقد ويشبهه الدر، إلا أنه كله فرائد، فمن فرائده المنظومة، ونوافج مسكه المختومة التي تغار منها درر الأسلاك، وتغور لحسنها دراري الأفلاك، قوله غمره إحسان الله تعالى وفضله: لئن لم تشاهدني أخافش أعين ... فلي من عيون الفضل شاهد رؤية وإن أنكرتني الحاسدون تجاهلاً ... كفاني عرفاني بقدري وقيمتي يمثلني بالمد عين مكابر ... وقد حكم الفضل اختلاف الحقيقة فأيان شمس الاستواء من السهى ... وأين زلال من سراب بقيعة وليس الذي في الناس كالحي ميته ... لفضل وأفضال كحي كميت وقوله: وبي أهيف حلو الدلال مهفهف ... مليح التثني ساحر اللحظ أغيد حكى قده سمر القنا وجفونه ... حكي البيض والثغر الأقاح المنضد ترقرق ماء الحضن في وجناته ... على أن فيه جمرة تتوقد كتمت هواه عن سواه فليس لي ... به عاذل يرمي ولا لي مفند وفي هذه الدنيا ملاح كثيرة ... وليس كمثل السيد المتسود قد امتزجت روحي قديماً بروحه ... وقام لنا في عالم الذر مشهد له مقلة تعطي الصبابة حقها ... وأخرى حقوق الحسن ترعى فتجحد ويعجبني منه إذا مر في ملا ... يصد كما صد الغزال ويحرد وإن خلوة حانت أبان دلاله ... فنون ابتهاج هكذا الحب يحمد أوحده في الحب فليشهد الورى ... بأني في دين الغرام موحد أجدد فيه كل يوم صبابة ... بها يقتدي أني الإمام المجدد وقوله: ما غير ندب على الأيام ينتدب ... ولا سوى نجب تخدي لها النجب وليس كل فتى يدعى لحادثة ... ولا بكل ملاذ تكشف الكرب وليس يدفع من ضيم وينفع من ... مؤمل قط إلا السرج والقتب لا أكذبنك ما صبح كغاشية ... ولا بمغن غناء الأثمد الترب هذا الزمان لحاه الله همته ... أن لا يرى عنده حاج ولا أرب وفي ضمير الليالي أن تكلفني ... خلق الذي أنا وهو الرأس والذنب لا أسعد الله جدي إن أكن رجلاً ... يشين عرض علاه الجاه والنسب وزند فضلي يوماً أن قدحت به ... زند اللئام فلا جافتني النوب لا أرتقي الرتبة القعسا وسلمها ... نقصي ولو خدمتني السبعة الشهب أأبتغي عز نفسي في مذلتها ... وأيمن الله هذا المطمع العجب وأدعي المجد والعليا وتملكي ... كف الأماني لعمري هكذا الكذب على حرثي وبذلي في مواسمه ... وما على إذا لم تسعد السحب

فداء صان بوجه الماء مكسبه ... غنى مال بماء الوجه يكتسب ما ينقم الدهر مني حيث أهملني ... لا عيب عندي إلا العلم والأدب ولي فؤاد إذا حركت جانبه ... لنحو ضيم ينادي الويل والحرب ونفس حر إذا حدثتها لعلي ... تقول لي في سوى الإذلال تصطحب إن قمت يوماً على أعواد منبرها ... فذيل فضلي على سحبان منسحب إذا رأيت تساو ناقص وأخو ... فضل لدي مجلس السليا فلا عجب هذي الكواكب تبدو للعيون على ... بعد سواء ولكن بينها رتب فضائلي ما لهذا الدهر من سفه ... لم يقض من حقكم ببعض الذي يحبب حتى متى أنا في بؤس أكابده ... أحشاء عيشي في كف العنا نهب هل رحمة لفتى أودت شهامته ... بقدره فرثاه الحزم والأدب تهوى النوائب لقياه فيمنحها ... وصلاً ويهوى سنا العليا فتحتجب كأن بيني وبين الحادثات جرى ... عقد الموالاة أم ما بيننا نسب فكلما فارقته نكبة فرقا ... أمدها للرزايا عسكر لجب وقوله: وزمان عدت علي لياليه ... وقصت قوادمي وجناحي ودعتني صروفه في شتات ... وعناء وخيبة ونزاح لا لذنب أتيته غير أن ال ... فضل لم تلقه قرين نجاح وإذا ما الصلاح فيكم فساد ... ففسادي الذي لديكم صلاحي وقوله: قلما دعاني مشق قامة كاتب ... ثلث الملاحة منه في الولدان يرجو رقاعي الملام لعارض ... نسخي هواه وليس ذاك بشأني علقت قلوب الناس في تعليقه ... حسناً وهمت بخطه الريحاني وقوله: شجاك من الربع اليمانين عينه ... وأشجاك أن حث الرحيل ظعينه هو الحين أما الهجر يذكو سعيره ... وأما هو الأزماع يقضي طعينه عدتك العوادي خل داعية الهوى ... فمستوعر سهل الهوى وحزونه أتدري بنات الحيف أي دم امرئ ... أحلت ومن أدمت عليها شؤونه وهل ذكرت وألبان آخر عهدنا ... بها عهد صب أقسمت لا تخونه وعيشاً قضيناه بمنعرج اللوى ... ذوت بعد ذياك النضار غصونه لها طلل بين العذيب وبارق ... تفيئه والآن لا تستبينه ونؤي عفاه الدهر بعد وضوحه ... كما بان بعد الحك في الخط نونه خيال لذات الخال شوش خاطري ... وطيف بدا لي ثم أسرت ضعونه تكلفني وجداً بنجد وإنما ... هوى كل قلب حديث حل قرينه مضت حجج والشأن في المط شأنها ... وعندي شؤون الحفظ فيها شؤونه كأنا تراهنا لعود فرهنها ... فوأدي والطيف الخيال رهينه ترى هل أتى تلك المليحة والهوى ... أحاديث أن الصبر بان معينه وهل جاءها والعشق ميل ونزعة ... عن القلب أن لا يستفيق جنونه على بها في الجزع أية وقفة ... بها للهوى العذري تقضي ديونه ونظرة مسنام يغار على الحمي ... فطوراً يراعيه وطوراً يصونه كفى حزناً أني أرى العيس ترتمي ... بهودجها والبين حتى يقينه وأبصر ربات الحجال تفرقت ... أيادي سبا والربع خف قطينه ولم أنسها يوماً بجمع وشملنا ... بجمع ووجه الوصل زاه جبينه تقول كأني بالخيام تقوضت ... جميعاً وحادي الركب خفت لحونه وظن بأني قد سلوت غرامها ... فتى غير ديني في المحبة دينه معاذ هواها من سلوي وأنني ... بذاك بخيل لا يجوذ ضنينه وقوله: دعي ما كل ساجعة حمام ... وما النخل السحوق هي الثمام هي الأيام يوم عد عاماً ... ويوم في الحساب يعد عام لقد لهجت بذم الفضل قوم ... له قمنا على قدم وناموا يناظرني بهذا العصر ناس ... أنا الألف القويم وهن لام وشتان الذي صفع هواه ... ومن بالعز لذله الغرام رماني الحاسدون بكل أمر ... به عرفت مكانتي الكرام فقالوا حدة طوراً وحيناً ... به كبر وطوراً لا يرام وفي بغداد جثماني وفضلي ... تراعي حقه حلب وشام وفتية فرية قدحت بحقد ... وغير الحزم ما ضم الحزام وإن الجاهلين بكل عصر ... لأهل الفضل أعداء عظام فإن نبحت على أثري كلاب ... فليس بمدركي نقص وذام

وكيف تنال أرجلنا بعيب ... رؤوس خناً مطهرها الحسام وقوله: قيل لم همت في هوى ذي عذار ... طرز الشعر منه حلة خده قلت والعشق ذو فنون لكي يق ... طع عني الرقيب أسباب صده وكذا العاذلون تقصر عن لو ... مي فيخلو لي الحبيب بوده والجمال الذي به فتن الع ... شاق ما له الزمان بفقده أفتور بجفنه زال لا واله ... ما زال أم رشاقة قده خده خده وما ذاك العا ... رض إلا دخان لهبة قده وقوله: وقالوا تأخرت في ذا الزمان ومنك التقدم حاز الرجال فقلت يرى الصدر صفا أخيراً ... إذا أولاً عد صف النعال وقوله: لعلة جسمك قلبي شكا ... وعلة جسمي عندي أحب لجسمك قلبي جسم غدا ... وما صح جسم إذا اعتل قلب وقوله: أسفي على فضلي قضيت ولم أكن ... أملي قضيت وللفنون ديون وأخذت في كفني علو ما لم أجد ... مستودعاً هي في الدفين دفين وقوله مشطراً: أسفي على فضلي قضيت ولم أكن ... أبصرت عارف حقه فيبين ومن العلوم الغامضات ورمزها ... أملي قضيت وللفنون ديون وأخذت في كفني علوماً لم أجد ... من يخفظن حقوقها ويصون ورقيق أسرار جعات لها الحشا ... مستودعاً هي في الدفين دفين

إلى غير ذلك من شعره، وما ذكر زهرة من زهره، ومعظمه مما أنشده في مدينة السلام، وفيه أشعار بما أضربه من رخص أسعار فضله عند اللئام، والتشطير المذكور آخر شعر أحكم نظامه، والحمام قد نصب بباب داره خيامه، وكل أرويه عنه، وأدريه منه، وقد دفن عليه الرحمة في قبة حذاء قبة الشيخ عبد الله العيدروسي، في محلة حضرة الباز الأشهب أظلنا الله تعالى بظلال جناحه القدوسي،) وقرأت (شرح النخبة للهيكل النوراني، المحدث الحافظ ابن حجر العسقلاني، عند الفاضل الأوحدي) الشيخ علي أفندي السويدي (وكان ذا جاه كبير عند والي بغداد سليمان باشا الصغير، فكان لا يصدر إلا عن رأيه، وهو يسعى في نصحه غاية سعيه، وامتحن بعد قتله بسبب ذلك، وكان يهوى لولا بركة العلم في مهاوي المهالك، ومن الغريب أنه على كمال عقله وتنزه نفسه، ارتكب ما لا يكاد يرتكبه أبناء جنسه، حيث ذهب إلى البصرة محاسباً لواليها، ضابطاً رسم الكمرك الذي فيها، وكان ينسب إليه سيئ الإنكار، على أكثر الأولياء الكبار، وأنه وهابي العقيدة، وله فيها وله ومحبة شديدة، وأنه دعا إليها سليمان باشا، وملأ من علل الخروج على الدولة أهابه فخرج عليها، ولم يرسل شيئاً من خراج العراق إليها، فأثارت عشائر الأكراد وبعض الأعراب عليه، فتوجهوا في معية رئيسهم الداهية الهماء إليه، فخرج لقتالهم إذ قربوا من سور الزوراء، وقابلهم بجنود تغبر غيظاً من كثرتهم وجوه نجوم الخضراء حتى إذا التقى الجيشان، واعتدل الصفان، خانه رؤساء العسكر فبقي مع مثل عدة الأصابع ففر، ومر فاراً على قبيلة الدفافعة، فقطعوا عنه ماء الحيوة، وسدوا عنه مشارعه، والإنصاف أن السويدي لم يسود قلبه بعقائد جهلة الوهابية، وإنما عقده على العقائد السلفية الأحمدية ولعمري ولا حاجة إلى اليمين، أن ذلك ظاهر من درر كتابه العقد الثمين، وأن خروج ذلك الوزير إنما جر إليه أمر آخر لسوء التدبير) وبالجملة (كان ذلك الشيخ من كبار المتبعين، وحاشاه ثم حاشاه أن يكون من المبتدعين ... وكان لأهل السنة برهاناً، وللعلماء المحدثين سلطاناً، ما رأيت أكثر منه حفظاً، ولا أعذب منه لفظاً، ولا أحسن منه وعظاً، ولا أفصح منه لساناً، ولا أوضح منه بياناً، ولا أكمل منه وقاراً، ولا آمن منه جاراً، ولا أكثر منه حلماً، ولا أكبر منه بمعرفة الرجال علماً، ولا أغزر منه عقلاً، ولا أوفر منه في فنه فضلاً، ولا ألين منه جانباً، ولا آنس منه صاحباً، ولولا ونيم ذباب الذهاب إلى كمرك البصرة على ثيابه لقلت هو في جمع المحاسن الغرد فرد أسلافه وأصحابه، اختارت روحه في دمشق الشام من الملأ الأعلى رفيقاً، وهو يقرأ قوله تعالى) أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (، وجاء تاريخ وفاته أسكنه الله تعالى أعلى جناته) إن المدارس تبكي عند فقد علي (وقد أوقفني على جميع إجازاته، وأجازني كأولاده بجميع مروياته،) وقرأت (مسألة الصفات من الخيالي، على حضرة مولى لا يصل إلى حقيقة فضائله خيالي، حضرة مولانا) ضياء الدين الشيخ خالد النقشبندي (، وهو صاحب الأحوال الباهر، والكرامات الظاهرة، والأنفاس الطاهرة، الذي تواتر حديث جلالته وأجمع المنصفون على ولايته، وعمت بركاته الحاضر والبادي، وانتشر صيته في ك وادٍ ونادي، بهر بجبل صفاته أطوار العقول، ونال منه تلامذته غاية الوصول، امتد في المقامات والأحوال باعه، وعمرت بالفضل والأفضال رباعه، كان حريصاً على سلوك طريق أهل السنة والجماعة، لا يصرف من أوقاته ساعة في غير حل دقيقة علم أو طاعة، حسن السمت والسيرة، نير القلب والسريرة، إن توجه إلى قلب مريد ملأه نوراً، أو ربط على إكرام معدم أفعم ناديه بأيدي أياديه سروراً. الإمام الجليل غوث البرايا ... غيثها المرتجى ندى إحسانه ذو سجايا مثل الرياض سقاها ... وابل القطر من ندى هتانه بحر جود له جداول عشر ... في يديه تدفقت من بنانه سار في الخافقين ذكر علاه ... وعلا قدره على كيوانه فائض العلم عن روية فكر ... كاد يجلو سر القضا بعيانه ثابت الذهن كم خفايا علوم ... قد جلاها بالكشف عن برهانه فهو كشاف مشكلات معان ... حل ألفاظها بديع بيانه

وبالجملة ما حوى أحد في عصرنا فضله، وأنا لم أر مثلاً له وأظن أنه هو أيضاً ما رأى مثله، وإنكار بعض الأجلة عليه، وتوجيههم سهام الطعن وحاشاه إليه، كان بعضه محض نفسانية، وبعضه الآخر كان من غير روية، ومن المتنكرين من كان كالبائل في بئر زمزم، أراد أن يشهر اسمه بالإنكار عليهم مثله، وتحملوا من معاصريهم حملاً ثقيلاً، وصبروا على ما نالوا من معاديهم صبراً جميلاً، تلك) سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا (على أن ذلك إنما نقص قدر من آذاهم ولم ينقص قدر ذرة من شامخ علاهم. من كان فوق محل الشمس رتبته ... فليس يرفعه شيء ولا يضعه وقد كان له قدس سره على شفقة شفيقه، وقد أمرني بالاشتغال بالعلم وضمن لي أن لا أحرم من بركة الطريقة، وها أنا إلى هذا الزمن منتظر تحقق ما ضمن، وكأني في بركة تلك البركة، أسبح إن شاء الله ولا سبح السمكة، وفد طارت روحه إلى حضيرة القدس في دمشق الشام، فحبست في أقفاص الأسى لطيرانه قلوب المسلمين والإسلام وقيل في تاريخ ذلك، غير ما قيل هنالك، ومنه قول السياه بوش من قصيدة مرثية، شرحتها شرحاً نفيساً سميته الروضة الأحمدية: ولما هويت الحق قلت مؤرخاً ... هوى للقاء الحق في القدس خالد وحين بكت أهل الطريقة أرخوا ... بكى فقدك الدرس الإلهي خالد وحين نحوت القدس قلت مؤرخاً ... دنى بازاء القدس في القرب خالد وحين اتحدنا في الطريقة نسبة ... وقد طهرت أعراقنا والمخالد نبغت بصدق عن لساني أرخوا ... مقامك صدق عند مولاي خالد وأجازني بما تجوز له روايته، وصحت لديه درايته، جامع العلوم البعيدة والقريبة، والفنون المعروفة والغريبة، سيدي وأستاذي ملحق الأصاغر بالأكابر) الشيخ يحيى المزوري العمادي (وهو إمام علامة أشهر من أن ينبه عليه، وأجل من يعرف بالإشارة إليه، لا يجاذب رداء فضله، ولا تدور العين في أصحابه على مثله، حامل أعباء التدريس والمعول عليه في مذهب الإمام ابن إدريس، بل لعمري أنه كان واسطة قلادة علماء عصره، يعجز البليغ عن وصف فضله ولو بلغ النثرة بنثره، والشعري بشعره، كان عليه الرحمة للعلماء جمالاً، لكن إذا رأيته حسبته لعدم اعتنائه بنفسه حمالاً، ولسان الإنصاف يقول على لسانه لو تعي، نحو ما قاله في نفسه الإمام الشافعي: على ثياب لو يباع جميعها ... بفلس لكان الفلس منهن أكثرا وفيهن نفس لو تباع بمثلها ... نفوس الورى كانت أعز وأكبرا توفي في بضع وخمسين بعد الألف والمائتين، من هجرة سيد المرسلين صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ودفن في مقبرة باب الأزج، لا زال لثرى قبره من غالية الرحمة أرج) وأجازني (أيضاً علماء أعلام، كل منهم في حلبة الفضل إمام، كالفاضل السري، محدث دمشق) الشيخ عبد الرحمن الكزبري (والسارح بقلبه في رياض الملكوت) الشيخ عبد اللطيف (ابن الشيخ علي مفتي بيروت، وقد كتبا لي بذلك من دمشق الشام، وصرحا فيما كتبا بعده إثبات لعلماء فخام ونظم في أثناء ما كتب الثاني، أبياتاً حسنة المباني والمعاني، فقال: أحسن ببغداد التي ... تحوي المكارم والكرام فاقت على كل البلا ... د بحسنها عند الأنام فكم انتشى من عالم وكم انتشى فيها إمام من حسنها أن قد غدت ... دار المحاسن والسلام وكأناس آخرين من علماء الآفاق ... والفضلاء القاطنين في أرجاء العراق قد انتظموا في سلك فضل قلادة ... وكلهم وسطي فناهيك من عقد

ولعلي أترجم الكل في كتاب، يكون إن شاء الله تعالى ثانياً لنزهة الباب) ولما (بلغت من العمر نحو إحدى وعشرين، جمع لشهود إجازتي علماء بلدتي شيخي علاء الدين، فكان يوم الجمع يوماً مشهوداً مشهوراً أفاض على العدو شروراً، وأغاض من الحاسد سروراً، وكان ذلك في المدرسة الخاتونية، قريباً من الحضرة القادرية، ونصبت يومئذ مدرساً في مدرسة الباجة جي الحاج نعمان، وهو جوار بيته قصر التماثيل متصلة بجدار البستان، في المحلة المشهورة اليوم بسبع بكار، وكانت من قبل مشهورة بمحلة نهر المعلى في الأقطار، وعندما نصبت تأججت نيران قلوب الأعداء فلم يطفها إلا خروجي فخرجت من هاتيك الأرجاء، ثم عمر الحاج أمين شقيق النعمان في محلة رأس القرية مدرسة وجامعاً مقدساً، فنصبت هنالك على رغم الحاسدين خطيباً وواعظاً ومدرساً، فصدعت بالخدمات الثلاث في ذلك المحل الأرفع، وصدحت على أفنانها بمرأى من العدو الشاني ومسمع، إلا أني عددت الخطابة نقمة، حيث أني أجهل خطباء العراق بأصول النغمة، والناس اليوم لا يسمعون خطيباً، ما لم يكن عندليباً، ولا يدخلون مسجداً، ما لم يكن خطيبه معبداً، ومعظم أهل العراق يكرهون الخطبا، إذا لم يغنوهم بنحو الحسيني والصبا، ويحسبون الإخلال بالألحان لحناً، وترك الأوزان العجمية في الدين وهناً، وكذا ثقل علي أن أعظ، لعلمي بأني غير متعظ. وإني لأستحيي من الله كلما ... راوني خطيباً واعظاً فوق منبر ولست برياً بينهم فأفيدهم ... إلا إنما تشفي المواعظ من بري وكان يغص الجامع بالسامعين، وتشرق الجيوب والأكمام بدموع الباكين وربما أبقى في تفسير الآية الواحدة شهراً، وأنا كل يوم أتلو عليهم والحمد لله تعالى من أسرارها ذكراً، وشرعت في الوعظ وأنا ابن عشر سنين ووعظت في كثير من مساجد المسلمين، وأقرأت شاباً وكهلاً. وأنا ابن ثلاثة عشر حولاً، وتعلمت ضم الحرف إلى الحرف، وعمري نحو أصابع الكف، كل ذلك من فضل الله تعالى عليّ، ثم بركة دعاء والدي، حتى إذا جاء الطاعون، وسارت بعلماء الكرخ وسادته الظعون. خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد وتوفي إذ ذاك والأمر لله سبحانه والدي، ومن هو الله تعالى مساعدي، وفي تناول ما يصلح حالي زندي ومساعدي، سيدي وسندي) السيد عبد الله أفندي (تغمده الله برحمته، وأسكنه غرف كرامته في أعالي جنته، وكان عليه الرحمة ترشح بالصلاح جلدته، وتشرح الصدور رؤيته، ما رأته عيون الأسحار إلا قائماً، وما أبصرته مواسم الأبرار إلا صائماً، وما ابتسم ثغر فجر تحت أذيال دجاه، إلا وجده يبكي خشية بين يد مولاه جل علاه، وقد درس نحو أربعين سنة في الحضرة الأعظمية وكان يذهب إليها ماشياً إعظاماً لما ضمته من عظام محيي السنة الأحمدية وكان مع ذلك يدرس في مدرسة الموليخانه، التي جعلها داود باشا خاناً وسوقاً وبنى فيها لقهوة البن حانه، ونقل التدريس إلى بعض منها يسمى اليوم بالآصفية، ونصب فيها مدرسين للعلوم النقلية والعقلية، ودرس نحو أربع سنين في مدرسة الشهيد علي باشا التي أعدت لرئيس المدرسين، وهو عليه الرحمة ثالث مدرس درس بها، وكنت في أيامه محافظ كتبها، ووعظ وخل الشباب غير مماذق، في جامع محمد الفضل بن إسماعيل بن جعفر الصادق وكانت الطلبة تتبرك بالقراءة عليه، وتعد من أسباب الفتوح عليها تقبيل يديه وقد حج قبل أن يتزوج ثلاث مرات، وذهب إلى مصر لزيارة شقيقه السيد حسن فوجده يوم دخل قد مات) وينتهي نسبه الذكي الزكي إلى الريحانتين (فمن جهة أمه إلى الحسن ومن جهة أبيه إلى الحسين، ويحلق نسب أمه إلى ذلك بجناح الباز الأشهب، ومن نصب له وكر العناية الأزلية في حظائر الغيب الأغيب، قدس سره، وغمرنا بره، والأمر مفصل في حديقة الورود، فقد زهت فيها نظماً ونثراً أسماء الآباء والجدود، وكذا في شجرة الأنوار، ونوار الأزهار، التي ألفناها في إسلامبول، وجمعنا فيها ما شاء الله تعالى من ذرية الزهراء البتول، ولعمري أنه نسب يصلح أن يجعل تميمة فطيم، ويتخذ لبركة من حوى رقيمة سليم. نسب كأن عليه من شمس الضحى ... نوراً ومن فاق الصباح عموداً فهو عليه الرحمة محبوك الطرفين، قد طابق شرفه في نفسه شرف الجدين فلا بدع أن نال بيد مجده الثريا، أو تفيء في الشرف مكاناً عليا.

ما عذر من ضربت به أعراقه ... حتى بلغن إلى النبي محمد أن لا يمد إلى المكارم باعه ... وينال غايات العلى والسؤدد مترقياً حتى تكون ذيوله ... أبد الزمان عمائماً للفرقد وبالجملة كان نقي الذات، بهي الصفات، زكي الأعراق، ذكي الأخلاق، وافي الوفاء، لا يخل بحقوق الأخلاء، قد طهر الله تعالى سره، وأعلى لديه بطاعته قدره، فلو أقسم على الله سبحانه لأبره. هذا أبي جامع ما قد سمعت به ... هيهات ما للورى يا دهر مثل أبي ولما توفي عليه الرحمة في الطاعون، وسارت معه من أهل البيت الظعون، لبس لي الزمان جلد النمر وجعل يكر عليّ ويفر، وجرت أمور منها السماء تمور، ووقعت مواد تشيب لذكرها لمم المداد. رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبال وصرت إذا أصابتني نبال ... تكسرت النبال على النبال

واضطررت إلى أن تركت سكنى داري، وارتكبت والأمر لله تعالى فراق سكني وجاري، وسكنت في ظل جناح باز الله الأشيب، عليه ما يبهر العقول من النور الشعشعاني الذي يحجب ولا يحجب قدس الله تعالى سره، وأعلى في حظائر القدس ذكره، حتى إذا كان رمضان سنة الخمسين، وهي مبدأ انحلال ما عقده القضاء علي من البين المبين، أمرني النقيب إذ ذاك بالوعظ في الحضرة الغوثية، فأجبته مكرهاً لاشتغال ذهني بأمور فاتفق أن ساق حسن القضاء، لاستماع وعظي الوزير الخطير) علي رضا (فسمعه فصلاً فصلاً، وفهم أسراره بلاً بلاً، فدهش واستغرب، وعجب غاية العجب وقال في مدحي ما قال، مما يضيق عن التلفظ به فم المقال، ثم أمر بأن أذهب إليه في العيد، والنقيب السابق ملقى السمع وهو شهيد، فضاق لذلك فسيح صدره، وندم على ما مر من أمره، فلما جاءه العيد، ذهب إلى سرايه فعايدته، وشاهدت من الإكرام ما لم أكن شاهدته، وأعاد ما كان من الوظائف علي، وكان أخذها مني، ورغبها عني، فكنت أشكل برؤيته العين، وأذهب غليه في الأسبوع مرة أو مرتين، وفي عيد الأضحى نصبني خطيب الأعظمية، وشغف بي، من بين صحبي، فجعلت أذهب مع الأعيان، كل جمعة للديوان، فأكون في الأغلب المخاطب له وحدي كأن لم يكن في الديوان غيري أفندي، وفي كل ليلة أجتمع معه، وأكاد أحيي ف مسامرته ليلي أجمعه، وفي هاتيك الأثناء شرحت البرهان في إطاعة الله ظل الله تعالى السلطان، فقدمته إليه، وعرضته عليه، لؤلؤه بوقف مرجان، وبجلب رتبة تدريس الأستانة من حضرة السامعين ثم نصبني مفتي الحنفية، وكان قد وعدني بذلك يوم سمع وعظي في الحضرة الغوثية) نعم (سعى غاية السعي في إنجاز ذلك الوعد، وأصر على عدم تأخيره من يوم إلى غد، ذو الهمة التي لا تجارى، والغيرة العمرية التي لا تبارى، من جرى وادي فضله فطم على القرى، حضرة مولاي) عبد الباقي أفندي العمري (، وكان لي سلمه الله تعالى في كل أموري مساعداً، ومتى عطلت يدي عن مصالحي كان لي يداً وساعداً، أدام الله تعالى حياته على رغم كل مبغض، ولم يزل ذلك الوزير يعلي لي الشأن، حتى قلدني من أيادي السلطان بنيشان، ولم يسبق ذلك لأحد من علماء البلد وذلك بعد أن وردت عدة أسئلة علمية من إيران، فأحجم عن جوابها قبلي فضلاء الزمان، وكل ذلك مفصل في ترجمتي حديقة الورود في مدائح أبي الثناء شهاب الدين محمود) حتى (إذا أراد الله تعالى فيه إظهار سابق علمه، وأوصله بلطفه الجزيل إلى آخر أيام حكمه، وجهت إيالة مدينة السلام) إلى محمد نجيب باشا (وإلى دمشق الشام، وأمر هو بالتوجه بدله إلى دمشق، فلم يسعه إلا الامتثال وإن شق، فلما جاء النجيب جعل حاله يتلون معي تلون الحرباء، فطوراً وصال وطوراً والعياذ بالله تعالى جفاء وأنا في كلتا الحالتين أطوع له من ظله، وأسرع في امتثال أمره من خاصة أهله، وكم صمم على عزلي وما عزل، حيث دفع بصدره عدم انتهاء الأجل، فقد قدر جل شأنه وعلا، لكل شيء حتى المناصب أجلا، فلما انتهى ما قدره، وقضى به في الأزل وقرره، أطاع اللاحي فعزلني عن منصبي، ففرحت بذلك كأنه غاية مطلبي، حيث كنت مشغولاً بإتمام تفسيري روح المعاني، وكان الاشتغال بالإفتاء قاضياً بتضييق زماني) نعم (رفع عني وقف مرجان، فأسبل علي بذلك سجف الأحزان، وقطع مني بشفرة إعراضه نياط قلبي، فصرت عثيثة أثاثي، وفويرة كتبي، حتى كدت آكل الحصير، وأشرب عليه مداد التفسير، وأرتقي هضبة عزلي، على وجه لم يحب إليه طفل عقلي، وذلك أني دعيت من قبل الدولة العلية أيدها وأبدها رب البرية، لحضور سور همايون، الذي هو بالخير مقرون، فبلاني من ذلك سرور، وضرب عليه من الكآبة سور، فأفهمني إشارة أني خرجت من البلد، أتردى بخنادق الكمد، ثم أشار علي بالاعتذار، وعرض تعذر السفر لبعد الدار، مع الاشتغال بالتفسير، والقيام بمصالح الوزير، فكتبت حسبما أشار، وكتب هو أيضاً ألا أنه أولج الليل في النهار، ومع ذا أوصل كتابي إلى حضرة شيخ الإسلام وولي النعم، الآخذ من مطايا الحق بمذود لا ومقود نعم على يد الباليون الفرنساوي، فأهوى بي لذلك إلى وخيم المهاوي، فكان ما كان، والله تعالى المستعان، فلم أر بداً من الارتحال، خشياً أن تغتالني غائلة العيال، وقلت لنفسي لا بد من السفر، وإن كانت قطعة من السقر، لأعرض حالي وعريض ما أنا فيه من البلية، على مراحم الدولة العلية العثمانية

الفصل الأول

أيدها وأبدها رب البرية، واتفق أن تم تأليف روح المعاني، فقلت نعمت الوسيلة هذه الأسفار للسفر إلى تلك المغاني، وصادف خروج خلف نجيب باشا حضرة عبد الكريم باشا الملقب بالنادر وبعبدي، ومعه من أحبابي مصطفى بك الربعي وسليمان بك أفندي، وذلك إلى آمد السوداء، حيث وجهت له إيالتها بدلاً عن إيالة الزوراء، فقلت لنفسي هذا الوزير نعم الرفيق وحبذاه صاحباً في ذلك الطريق، حيث أني من مخلصيه، الموالين لمن يواليه، والمعادين لمن يعاديه) فاستخرت (الله تعالى حسب المأثور ودعوته تعالى شأنه بالدعاء المشهور، ثم تفاءلت بكتاب رب العالمين مقلداً من قال لا بأس بذلك من العالمين، فنادتني غواني كواعب الآي من الخدور، وتلت علي) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور (، واعلم أن الاستخارة مما درج عليه السلف، واتبع أثرهم فيه الخلف، والكلام عليها في فصول فاستمع هديت لما نقول. الفصل الأول في الأمور التي هي محل الاستخارة اعلم أن من شأنه أن يراد ينقسم أولاً إلى ثلاثة أقسام: الأول ما يعلم كونه خيراً كالواجب المضيق، الثاني ما يعلم كونه شراً قطعاً كالمجرم المجمع على تحريمه، الثالث ما لا يعلم على القطع خيريته ولا شريته في وقت مخصوص كالواجب الموسع والمندوب كذلك والمندوب المضيق الذي يعارضه مندوب آخر في ذلك الوقت من غير ظهور رجحان لأحدهما والمباحات كلها. ولما كان معناها طلب خير الأمرين من الفعل في وقت معين أو تركه فيه لم يكن الأولان محلين لها إذ أولهما خير قطعاً فلا رخصة في تركه وثانيهما شر قطعاً فلا رخصة في فعله فليس محلاً لها، إلا الثالث فما يوهم العموم في بعض الأخبار وستطلع إن شاء الله تعالى عليه كالأمر في خبر جابر الآتي عام مخصص أو أن آل فيه للعهد فلا تغفل. الفصل الثاني في سرد بعض أحاديثها

روى البخاري في باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى من صحيحه عن جابر بن عبد الله قال كن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدر بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري) أو قال عاجل أمري وآجله (فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري) أو قال في عاجل أمري وآجله (فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به قال ويسمي حاجته، وروى في كتاب الدعوات عن جابر أيضاً قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كسورة من القرآن إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ثم يقول اللهم إني أستخيرك وساق الدعاء وقال في آخره أيضاً ويسمي حاجته، وروي في كتاب التوحيد من الصحيح عنه أيضاً قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك إلى قوله وأنت علام الغيوب ولم يقل العظيم اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر ثم يسميه بعينه خيراً لي في عاجل أمري وآجله قال) أو في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري) أو قال في عاجل أمري وآجله (فاصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به. وروى الطبراني في المعجم الصغير عن ابن مسعود قال كان رسول الله) صلى الله عليه وسلم (يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا أراد أحدكم أمراً فليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كان في هذا الأمر خير في ديني ودنياي وعاقبة أمري فاقدره لي وإن كان غير ذلك خيراً فسهل لي الخير حيث كان واصرف عني الشر حيث كان ورضني بقضائك، وروى في الكبير عنه أيضاً قال علمنا رسول الله) صلى الله عليه وسلم (الاستخارة فقال إذا أراد أحدكم أمراً فليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك ولم يقل العظيم وقال فإن كان هذا الذي أريد خيراً في ديني وعاقبة أمري فيسره لي وإن كان غير ذلك خيراً لي فاقدر لي الخير حيث كان يقول ثم يعزم، وروى الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر في كتابه مورد الظمآن، إلى زوايد ابن حيان عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله) صلى الله عليه وسلم (قال: اكتم الخطبة ثم توضأ فاحسن وضوءك ثم صل ما كتب الله لك ثم احمد ربك ومجده ثم قل اللهم إنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فإن رأيت لي فلانة) تسميها باسمها (خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها وإن كانت غيرها خيراً لي منها في ديني ودنياي وآخرتي فاقض لي ذلك.) وروي فيه أيضاً (عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله) صلى الله عليه وسلم (يقول إذا أراد أحدكم أمراً فليقل اللهم أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كان كذا وكذا خيراً لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي وأعني عليه وإن كان كذا وكذا) الأمر الذي يريد (شراً لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري فاصرفه عني ثم اقدر لي الخير أينما كان ولا حول ولا قوة إلا بالله.) وروي فيه أيضاً (عن أبي هريرة قال قال رسول الله) صلى الله عليه وسلم (إذا أراد أحدكم أمراً فليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كان كذا وكذا خيراً لي في ديني وخيراً لي في معيشتي وخيراً لي في عاقبة أمري فاقدره لي وبارك لي فيه وإن كان غير ذلك خيراً فاقدر لي الخير حيث كان ورضني بقدرك.) وروى الحافظ السخاوي (في كتاب الابتهاج بإذكار المسافر الحاج عن ابن السني من حديث إبراهيم بن البراء بن النظر بن أنس بن مالك عن أبيه عن جده أن رسول الله) صلى الله

الفصل الثالث

عليه وسلم (قال لأنس رضي الله تعالى عنه إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك فإن الخيرة فيه وعزاه السيوطي إلى الديلمي في مسند الفردوس.) وذكر المجد الفيروز آبادي (في سفر السعادة عن الترمذي والحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه مرفوعاً من سعادة ابن آدم استخارته الله ومن سعادة المرء رضاه بما قضى الله ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله.) وروى الطبراني في الصغير (عن أنس مرفوعاً ما خاب من استخار وهو واهي الإسناد جداً. لكن قال ابن حجر في فتح الباري ضعفه منجبر بشواهده وذكر منها ما ذكر والله أعلم. الفصل الثالث المذكور في كثير من الكتب أن من أراد الاستخارة يصلي ركعتين من غير الفريضة ثم يدعو وهو المصرح به في حديث جابر. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال النووي في الإذكار لو دعا بدءاً الاستخارة عقب راتبة الظهر مثلاً أو غيرها من الراتبة والمطلقة سواء اقتصر على ركعتين أو أكثر أجزأ كذا أطلق وفيه نظر. ويظهر أن يقال محله أن نوى تلك الصلوة بعينها وصلاة الاستخارة معاً بخلاف ما إذا لم ينووا تفارق تحية المسجد لأن المراد بها شغل البقعة بالصلوة. والمراد بصلوة الاستخارة أن يقع الدعاء عقبها إلى آخر ما قال انتهى. ثم أن ظاهر ما في حديث أبي أيوب ثم صل ما كتب الله لك أن الركعة الواحدة يحصل بها المقصود. وفي حاشية الإيضاح لابن حجر المكي أن الوجه عدم الحصول بها. وخبر ثم صل ما كتب الله لك يشملها وأكثر منها لكن استنبط معنى خصصه بغيرها ولا يخصصه حديث الركعتين لأنه من ذكر بعض أفراد العام الذي هو ما كتب الله لك وهو لا يخصص انتهى. وفيه إشارة إلى ما في قول الحافظ في فتح الباري من أن حديث الركعتين مقيد لحديث أبي أيوب. قال ويمكن الجمع بأن المراد أن لا يقتصر على ركعة واحدة للتنصيص على الركعتين ويكون ذكرها على سبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى فلو صلى أكثر من ركعتين جاز انتهى. ثم اعلم أن الصلوة مطلقاً معتبرة في حصول الكمال فقد قال الشيخ أبو الحسن البكري في فتح المالك يشرح ضياء المسالك قال بعضهم لو تعذرت عليه صلوة الاستخارة اقتصر على الاستخارة بالدعاء انتهى. والظاهر أنه لا يشترط التعذر ولا التعسر فيحصل أصل الاستخارة بالدعاء وأكملها بالصلوة بنيتها ثم الدعاء. وفي خبر إذا أراد أحدكم أمراً فليقل الخ ما يشهد بحصول الاستخارة بلا صلوة انتهى كلام البكري) واعلم أيضاً (أن ظاهر الخبر أن الدعاء بعد فراغ المستخير من الصلوة فلا يجزى الإتيان في الأثناء. لكن في فتح الباري في قوله فليركع ركعتين ثم يقول اللهم الخ هو ظاهر في تأخير الدعاء عن الصلوة أي لمكان ثم قال فلو دعا به في أثناء الصلوة احتمل الأجزاء ويحمل الترتيب على تقديم الشروع في الصلوة قبل الدعاء فإن مواطن الدعاء في الصلوة السجود والتشهد انتهى. ولا يخفى ما فيه من ارتكاب خلاف الظاهر. الفصل الرابع

الفصل الخامس

يسن كما قال ابن حجر المكي في حاشية الإيضاح نقلاً عن مصنفه افتتاح دعاء الاستخارة وختمه أي كسائر الأدعية بالحمد لله والصلوة على رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي حديث أبي أيوب ما يشهد بالافتتاح بالتحميد والتمجيد في خصوص دعاء الاستخارة ومن الأدلة العامة الدالة على سنية الافتتاح بما ذكرنا مطلقاً ما عزاه السيوطي لأبي داود والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي عن فضالة بن عبيد مرفوعاً إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء. وأما البسملة فلم أقف على ما يدل على سنية افتتاح الأدعية بها. وحديث كل أمر ذي بال الخ ليس على عمومه بل هو خاص فيما لم يجعل له الشارع مبدءاً كالصلوة ولا يبعد نظم الدعاء في سلكها فتأمل. الفصل الخامس اختلفوا فيما يقرأ في ركعتي صلوة الاستخارة فأفاد النووي أنه يقرأ في الأولى الكافرون وفي الثانية الإخلاص أي بعد الفاتحة فقال الحافظ زين الدين العراقي لم أقف على دليل لذلك ولعله ألحقهما بركعتي الفجر والركعتين بعد المغرب ولهما مناسبة بالحال لما فيهما من الإخلاص والتوحيد والمستخير يحتاج لذلك. ثم قال ومن المناسب أن يقرأ فيهما مثل قوله تعالى) وربك يخلق ما يشاء ويختار (وقوله سبحانه) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (. وقال في فتح الباري والأكمل أن يقرأ في كل منهما السورة والآية الأوليتين في الأولى والآخرتين في الثانية. وفي أمالي الصابوني عن أبي جعفر محمد بن حسين عن أبيه زين العابدين على جدهم وعليهم الصلوة والسلام أنه كان يقرأ في صلوة الاستخارة بسورة الرحمن وسورة الحشر. قال الصابوني وأنا أقرأ فيهما بسبح اسم ربك الأعلى لأن فيها ونيسرك لليسرى وأقرأ والليل إذا يغشى لأن فيها فسنيسره لليسرى. وفيما ذكر ما يشعر بأن رعاية المناسبة مندوب إليها وهو كذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق وهي الآداب الشرعية الظاهرة والباطنة القولية والفعلية وهي أن يعامل كل شيء بما يليق به مما يحمده منك. فالأوضاع الشرعية كلها على المناسبة أما ظاهرة وأما خفية ولعل المناسبة فيما كان يقرأ زين العابدين أن في الأولى كل يوم هو في شأن وفي الثانية الأسماء الحسنى التي يدعى بها جل جلاله والله تعالى أعلم. فمغزى أهل البيت بعيد) وأقول (لا يبعد أن يعد من المناسب قراءة والضحى وألم نشرح لما في ذلك من التفاؤل كما لا يخفى. الفصل السادس من المقرر في محله أن كل صلوة لها سبب متقدم على فعلها أو مقارن لفعلها فهي لا تكره في الأوقات المكروهة وكل صلوة لا سبب لها أولها سبب متأخر فهي مكروهة. أو اختلف في صلوة الاستخارة فعن النووي أنه قال في شرح المهذب أنها ذات سبب متقدم وهو الهم بالأمر والعزم عليه كما يقتضيه قوله عليه الصلوة والسلام إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين حيث وقع الأمر جزاء ومسبباً عن الهم الذي هو شرط. وقال الهيتمي في التحفة إنها ذات سبب متأخر ونوزع بأن السبب الإرادة لا الفعل ويرد بمنع ذليل هو السبب الأصلي والإرادة من ضروريات وقوعه انتهى. واعترض بأن قوله الفعل هو السبب الأصلي دعوى لم يثبتها وقوله والإرادة الخ لا تقريب فيه إذ لا منافاة بين كون الإرادة سبباً للصلوة وكونها من ضروريات الوقوع ولا يلزم كونها من ضروريات الوقوع أن يكون الفعل هو السبب الأصلي لا الإرادة فيحتاج إلى دليل يثبت مدعاه ولم يأت بشيء فتأمل وانصف. الفصل السابع

الفصل الثامن

إذا فرغ المستخير من الدعاء فليمض كما قال النووي عليه الرحمة لما انشرح له صدره قال الهيتمي في حاشية الإيضاح فإن لم ينشرح صدره لشيء فالذي يظهر أنه يكرر الاستخارة بصلاتها ودعائها حتى ينشرح صدره لشيء وإن زاد على السبع. والتقييد بها في خبر أنس إذا هممت بامر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك فإن الخير فيه. لعله جرى على الغالب إذ انشراح الصدر لا يتأخر عن السبع. على أن الخبر إسناده غريب ومن ثمة قيل الأولى قوله ابن عبد السلام أنه يفعل بعدها ما أراد إذ هو الخير لما مر في بعض الأخبار يقول أي الدعاء ثم يعزم أي على ما استخار عليه وهو أقوى من ذلك الخبر. وزعم بعضهم أن الاعتماد على ما ألقي في النفس إذا كان موافقاً للشرع فإنه إلهام حقاني. لكن ينبغي كما قال ابن جماعة أن يكون المستخير قد جاهد نفسه حتى لم يبق لها ميل إلى فعل ذلك الشيء ولا تركه وأن يكون محكم المراقبة لربه سبحانه من أول الصلوة إلى آخر الدعاء ولو فرض أنه لم ينشرح صدره لشيء كرر الصلوة والدعاء ولو فوق السبع كما يشعر به ما وقع للشافعي رحمه الله تعالى من أنه استخار في أمر سنة. فإن خاف الفوات وكرر ولم ينشرح صدره شرع فيما يسر الله تعالى له فالخير فيه إن شاء الله تعالى. وقال بعض الأجلة يمكن الجمع بين حديث أنس والخبر الذي فيه بعد دعائها ثم يعزم بأن الأول لمن يكون مراقباً لقلبه مميزاً بين خواطره ضابطاً يفرق بين الخاطر الأول وما بعده لا يلتبس عليه الأمر لكونه صافي القلب حاضراً مع الرب سبحانه فذاك الذي يعتمد الخاطر الأول الذي يسبق إلى القلب كما في ذلك الخبر. وقد قالت الصوفية الخاطر الرباني هو أولى الخواطر وهو لا يخطي. والخبر الثاني لمن ليس بمتمكن في المراقبة وضبط الخواطر ومعرفة السابق منها وغيره فذاك الذي يعزم بعد الاستخارة على الشروع فيما استخار له والله تعالى ييسر الخير ويصرف الشر وهو سبحانه الرؤوف الرحيم. الفصل الثامن

الفصل التاسع

ذكر السهروردي قدس سره في عوارف المعارف أن من جلس بعد الصبح يذكر الله تعالى إلى طلوع الشمس وارتفاعها كرمح يصلي بعد ذلك ركعتين بنية الاستعاذة بالله من شرور يومه وليلته ثم ركعتين بنية الاستخارة لكل عمل يعمله في يومه ونيته. ثم قال وهذه تكون بمعنى الدعاء على الإطلاق وإلا فالاستخارة التي وردت بها الأخبار هي التي يفعلها أمام كل أمر يريد انتهى. وتعقبه الهيتمي في التحفة بأن ما ذكر صلوة مخترعة لا أصل لها في السنة. وألف الكوراني رسالة في رده سماها) الأسفار عن أصل استخارة أعمال الليل والنهار (وفيها ما يتعلق بما نحن فيه أنه قد تبين من السنة الصحيحة سنية الاستخارة في أمر معين بشرطه بلا خلاف فهي سنة في كل عمل هو محل لها فلا مانع أن يلاحظ بوجه كلي أعمال الليل والنهار ويقال في الدعاء اللهم إن كنت تعلم أن جميع ما أتحرك به أو أكتسبه فعلاً أو تركاً خير الخ. وقد ورد في أدعية الصباح والمساء ما فيه عموم نحو أسألك خير هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شرها وشر ما بعدها ونحو اللهم أنجح الليلة كل حاجة لي ولا تزدني في دنياي ولا تنقصني في آخرتي وجاء أنه إذا أصبح قال مثل ذلك. وعلى هذا فالهم في أحاديثها يعم الهم بأمر معين والهم بأمور متصورة بعنوان كلي إجمالاً في مدة معينة وللمجد الفيروز آبادي في سفر السعادة وجمال الدين السمهودي في جواهر العقدين ما هو ظاهر في أن تلك الصلوة غي مخالفة لما ورد في السنة) وقال الشيخ الأكبر قدس سره (جربنا هذه الصلوة ورأينا عليها كل خير. وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من هاتيك الرسالة وما ذكرناه بالنسبة إلى ما هناك أقل ذبالة) وبالجملة (أمر ما يفعلونه من تلك الصلوة هين بالنسبة إلى ما اعتادوه من الاعتماد على الرؤيا التي يرونها في النوم بعد الاستخارة إذ ليس في ظواهر الأخبار ما يؤيد) وذكر الكوراني (عليه الرحمة أن المقصود من الاستخارة أن يختار الله تعالى لعبده ما فيه الخير وإعلام الله سبحانه له درجات متفاوتة ومن درجاته الرؤيا فهي من قسم المضي لما ينشرح له الصدر المفسر به العزم لرجوعه إلى الانشراح بالخطاب الرباني الشامل لما يكون يقضة بالإلهام ولما يكون رؤيا وهو كما ترى فتأمل) نعم (هم القوم الواقفون مع الآداب الشرعية ظاهراً وباطناً فحسن الظن بهم أنهم لم يعتمدوا ذلك إلا لدليل يعتمد عليه وما يضرهم عدم علمنا به) فوق كل ذي علم عليم (. الفصل التاسع

لهذه الاستخارة المنامية أدعية مختلفة. منها ما سمعته في الآثار. ومنها غير ذلك فقد رأيت في بعض الكتب أنه يقول بعد الصلوة والدعاء الوارد اللهم يا هادي اهدني ويا عليم علمني ويا مبين بين لي ويا خبير خبرني عن أمري ويسميه وينام على وضوء مستقبل القبلة وفي بعضها زيادة واضعاً خده على كف يده اليمنى وهو مما لا بأس به والاقتصار على الوارد أولى) نعم (الطامة الكبرى ما ذكره ابن خلدون في كتابه المشهور وسماه بحطومة الانطباع التام وذكر أنه يقرأ عند النوم بعد فراغ السر وصحة التية فيرى القارئ ما يرى وهو تماغس بعد أن يسوادد أغداس نوفنا تمادس. وذلك فإن هذه الأسماء مجهولة المعنى لم ترو قراءتها ولا الأمر بها عن المعصوم عليه الصلوة والسلام وقد صرحوا بحرمة قراءة مثل ذلك لعدم الأمن من تضمنه محظوراً ولا أقل من الكراهة وندب الترك لخبر يدع ما يريبك إلى ما يريبك) ومن الاستخارات الشائعة (الاستخارة بالقرآن ويسمونها تفاؤلاً ولهم فيها كيفيات شتى والظاهر أن ذلك مما لا دليل على مشروعيته. وفي شرح فقه الأكبر لعلي القارئ ما نصه ومن جملة علم الحروف فال المصحف حيث يفتحونه وينظرون في أول صفحة أي حرف وافقه وكذا في سابع الورقة السابعة فإذا جاء حرف من الحروف المركبة من تشخلا كم حكموا بأنه غير مستحسن وفي سائر الحروف بخلاف ذلك. وقد خرج ابن العجمي في منسكه قال ولا يؤخذ الفال من المصحف قال العلماء اختلفوا في ذلك فكرهه بعضهم وأجازه بعضهم ونص المالكية على تحريمه انتهى. ولعل من أجاز أو كره من اعتمد على المعنى ومن حرمه من اعتبر حروف المبنى فإنه في معنى الاستقسام بالأزلام انتهى كلام القاري. والذي أميل إليه الكراهة مطلقاً ولا يبعد القول بالحرمة كذلك فتأمل) ومن البدع (ما يستعمله الشيعة من التفاؤل بالسبحة ونحوها على سائر الكيفيات المعروفة بينهم وكذا ما يفعله كثير من الناس من التفاؤل بديوان الحافظ الشيرازي قدس سره وقد تفاؤل لي بعض أصحابي يوم عزيمتي على السفر فخرج قوله: كل بر در ومي در كف ومعشوقة بكامست ... سلطان جهانم بجينين روز غلامستِ حافظ منشين بي مي معشوقة زماني ... أيام كل وياسمين وعيد صيامست ) وللعوام تفاؤلات بغير ذلك (من أقدمها التفاؤل بالطيور وكانت الجاهلية تفاؤل بأسمائها وأصواتها وأحوالها وتتشاءم بذلك وعليه قول ذي الرمة: رأيت غراباً ساقطاً فوق قضبة ... من القضب لم ينبت لها ورق خضر فقلت غراب لاغتراب وقضبة ... لقضب النوى هذي العيافة والزجر وهبت جنوب باجتنابك منهم ... ونفح الصبا تلك الصبابة والهجر وقول كثير عزة: رأيت غراباً ساقطاً فوق بانة ... ينتف أعلى ريشه ويطايره فقلت ولو أني أشاء زجرته ... بنفسي للنهدي فهل أنت زاجره فقال غراب لاغتراب من النوى ... وفي البان بين من حبيب تحاوره فما أعيف النهدي لا در دره ... وأزجره للطير لا عز ناصره وقول بعضهم: دعا صرد يوماً على غصن بانة ... وصاح بذات البين منها غرابها فقلت أتصريد وشحط وغربة ... فهذا لعمري نأيها واغترابها ومثل ذلك الطرق بالحصى والتشاؤم بالعطاس إلى أمور كثيرة من هذا الباب ولله تعالى در من قال: لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع وقال صابي بن الحرث البرجمي: وما أنا ممن يزجر الطير همه ... أصاح غراب أم تعرض ثعلب ولا السانحات البارحات عشية ... أمر سليم القرن أم مر أعضب وقال شاعر قديم: لا يمنعنك من بغاء الخ ... ير تعقاد التمائم ولا التشأم بالعطا ... س ولا التيامن بالمقاسم ولقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحائم فإذا الأشايم كالأيا ... من والأيامن كالأشايم وكذاك لا خير ولا ش ... ر على أحد بدائم قد خط ذلك في الزبو ... ر الأوليات القدائم

وصح لا عدوى ولا طيرة. والطيرة على ما قال المناوي التشاؤم بالطيور والظاهر أن مثله التشاؤم بغيرها) نعم (في التشاؤم بالمرأة والدار والفرس خلاف وقد ذكر الجلال السيوطي في حاوي التاوي قد ورد في التشاؤم بالمرأة والدار والفرس الحديث واختلف العلماء هل ذلك على ظاهره أو مؤول والمختار أنه على ظاهره وهو ظاهر قول مالك انتهى. ثم أن التفاؤل بنحو سماع كلمة طيبة مما لا أرى فيه بأساً بل قد ورد أنه عليه الصلوة والسلام كان يحب الفأل فليحفظ. وكل هذا استطراد وتحقيق الكلام عليه في محله وليس الغرض إلا تحقيق الاستخارة التي ذكرها الفقهاء وذكر أني قد فعلتها فخار لي ربي عز وجل السفر) فخرجت يوم الخميس (لما أنه يوم مبارك وقد جاء في خبر اللهم بارك لأمتي في سبتها وخميسها وفي البخاري كان عليه الصلوة والسلام قلما يخرج إذا خرج في سفر إلا في يوم الخميس وفي رواية للشيخين ما كان يخرج) صلى الله عليه وسلم (إلا في يوم الخميس لكن ذكر غير واحد أنه) عليه الصلوة والسلام (خرج مرة يوم السبت وبكرت في الخروج لخبر اللهم بارك لأمتي في بكورها وفي رواية بزيادة لا سيما يوم الخميس. ثم أن في هذا اليوم تفاؤلاً من جهة أنه يوم بث الله تعالى فيه الدواب في أصل الخلق وأخرجها من العدم إلى الوجود وجعلها تسرح في رياض كرم وجود ومن جهة أنه خامس أيام الأسبوع بناء على ما اختاره من أن أوله الأحد لا السبت كما قاله جمع والخمسة عدد مآثر لا تعدم بضربها في نفسها وضرب الحاصل في نفسه وهكذا إلى ما لا يتناهى ومن جهة أن اسمه قبل مؤنس كما قيل: أؤمل أن أعيش وأن يومي ... بأول أو بأهون أو جبار أو التالي دبار فإن انته ... فمؤنس أو عروبة أو شيار ومن هذا يعلم سائر أسماء الأسبوع من قبل وفي السفر فيه للغزو تفاؤل آخر من جهة أنه اسم للجيش ففيه تفاؤل على الظفر بالخميس أي الجيش لأنه عبارة عن مقدمة وقلب وميمنة وميسرة وسافة. وكان ذلك أول جمادى الآخرة وجمادى كحبارى معرفة مؤنثة تجمع على جماديات ويقال للأولى جمادى خمسة وللآخرة جمادى ستة نظراً إلى أن الأولى خامسة شهور السنة المفتتحة بالمحرم والآخرة سادستها وكانت تسمى زبى كزنى وكذا لغيرها من الشهور أسماء في الجاهلية غير المشهورة. فالمؤتمر للمحرم. وباجر لصفر. وخوان كشداد لشهر ربيع الأول. وبصان كغراب ورمان لشهر ربيع الثاني. وحنين كأمير وسكيت وباللام فيهما لجمادى الأولى والآخرة وما سمعت للآخرة فقط. والأصم لرجب. والعادل لشعبان. ونانق لرمضان والوعل لشوال. وورنه لذي القعدة. وبرك كزفر لذي الحجة.) واخترت (أولى المشهد لأنه أول أيام الليالي الغرر فلا يخلو ذلك عن تفاؤل لا سيما والقمر متوجه إلى الكمال. واعلم أن لكل ثلاث ليال من الشهر أسماء يخصها وقد نظم ذلك فقيل: ثم ليالي الشهر قد ما عرفوا ... كل ثلث بصفات تعرف فغرر ونفل وتسع ... وعشر فالبيض ثم الدرع وظلم حنادس دآدي ... ثم المحاق لانمحاقٍ بادي ) وكنت (قد التمست الرفيق قبل الطريق لخبر رافع بن خديج التمسوا الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق. لكن قال الكمال ابن أبي شريف أنه منكر وقد أشرت إلى الرفيق فيما مر) وأنا أقول (الآن هو حضرة الوزير والمشير الخطير) عبد الكريم باشا (دام بخير وعاشا يلقب بعبدي بين الأكابر والأصاغر. ولقبه حضرة السلطان عبد المجيد خان بالنادر جاء إلى بغداد مشير عساكر الحجاز والعراق فوقع بينه وبين واليها حضرة نجيب باشا سيء الشقاق وأنى يتصافى لا سيما في العراق عشاق هند وهل يجمع السيفان ويحك في غمد فعرض كل منهما للباب العالي شاكياً على صاحبه طالباً أن يسلب من يديه لحمة منصبه بقوى مخالبه فصادف ذلك انتهاء مدة الوالي في أم الكتاب فجاء البريد أسرع من رجع العطاس بفصله من جانب الباب وكان علاوة على ذلك نصب النادر بدله وتوجيه النيشان ذي الشأن له. ما حيلة الرامي إذ التقت العدى ... وأراد يرمي السهم فانقطع الوتر

فعلا النجيب من ذلك حزن عجيب وخرج من بغداد ملتفتاً إليها بقلب ذي وجيب ولم يسر النادر نصبه والياً وكان منصبه الأول في عينه وعينيك حالياً وكان يهوى قلبه البقاء في العسكرية وليس له وراءها إلى المنية أمنية لأنه نشأ فيها ووقف على جليها وخافيها فهي حبيبه الأول الذي لا ينتقل عنه ولا يتحول فلسان حاله يقول وتسمعه إذا صاخت إليه آذان العقول. أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً خالياً فتمكنا على أنه يعلم أن علم السياسة أدق من عمل الإكسير. والفتق الذي فتقه سلفه يعجز عن رتقه دقيق التدبير وأن ليس عنده من يحل رجل دجاجة أو يقضي له من حاجة أدنى حاجة وكان سلمه الله تعالى ذكي الأخلاق زكي الأعراق طاهر الثياب نقي الأهاب لين الجانب مكرم الصاحب إذا دقق بهر وإذا فكر شق الشعر يحب الكرم ويكره من ظلم لا يرتوي جواد ذهنه من حياض التفكر في عظمة ذي الكبرياء ولا يزال طرف طرفه سارحاً في رياض ملكوت السماء كلماته تعد وكمالاته لا تحد بيد أنه لا يلتزم لامرئ أمراً ولا يتجرع لشرب حلو مراً قد حول كل أمر إلى القدر فلا يغضب إن عصي إذا نهى أو أمر) وبالجملة (هو نادر الأمثال فيمن رأينا من الرجال ما أحسن صحبته وأجل لمن ليس له عنده أمل أسأل الله تعالى أن يديمه في سعود وصعود ويكفيه على ممر الزمان كيد كنود وحسود) والرفيق الثاني (الذي التمسته وأدركت منه اللطف من قبل وآنسته أخي الذي لم أزل معه ولم يزل معي) جناب مصطفى بك أفندي الربعي (وهو من قوم كانوا في بغداد أعيان مجد يشار إليه بالأصابع وأقران فضل لا طاعن فيه ولا مدافع. إذا ركبوا زانوا المواكب هيبة ... وإن جلسوا كانوا صدور المجالس صار أبوه) علي بك (في بغداد قائمقام واليها سليمان باشا الكبير وكان عند الوالي المشار إليه ذا قدر على خطير ونصبه بعد متسلما في ماردين وهناك تسلمت الملائكة روحه فعرجوا بها إلى عليين وهو ابن عبد الله بك بن محمد أفندي دفتر دار بغداد المحمية وقد ورد دفتر دار إليها من جانب الدولة العلية وهو ابن علي باشا كان والياً في الحدباء أتاها من قبل الدولة سنة خمس وتسعين بعد الألف وحكم فيها ثلاث سنين على ما ذكره العمري في كتابه منهل الأولياء وذكر فيه أيضاً قصة غريبة لهذا المرحوم ونص على أن اسم أبيه عليه الرحمة قدوم وذريته تنكر ذلك الكلام وترفع رأسها إلى بعض الصدور العظام وتقول أن ذلك الصدر كان من رؤوس ربيعة وأنه كان صدراً عند حضرة السلطان مراد يوم جاء إلى بغداد فنال بفتحها الفخر جميعه وقد فاز عند الفتح بالشهادة وحاز بالرفع إلى عليين أعلى مراتب السعادة) وأنت تعلم (أن الناس مأمونون على أنسابهم كذباً أو صدقاً نعم يطالبون بحجة إذا ادعوا بها حقاً وأن التسامع في هذا المطلب نافع على أن النفس إذا كانت بأهلية لا يجديها نفعاً شرف الأنساب ولو كانت هاشمية. ما تنفع الأنساب من هاشم ... إن كانت الأنفس من باهلة فبلال حبشي وأبو لهب قرشي ولله تعالى در من قال: كن ابن من شئت واكتسب أدباً ... يغنيك مضمونه عن النسب إن الفتى من يقول هاأنا ذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي ولعمري لا ينفع الحسب ما لم يكن بالمكتسب. وما الحسب الموروث لا در دره ... بمحتسب إلا بآخر مكتسب إذ العود لم يثمر وإن كان شعبة ... من المثمرات اعتاده الناس للحطب والشرف النسبي في حكم النعت السببي ومن الجهل والغرور التعاظم بعظام في القبور ولله تعالى در ذي النظم الدري والنثر العبقري سلطان بني الآداب عبد الباقي أفندي العمري في قوله دام صيب فضله: قل لمن ظهر التعاظم في الأرض ... على الناس بالعظام الرميمة لا تكن بالعظام كالكلب مغري ... ليس في الكلب ويك في العظم قيمة وقوله: أقول لمن غدا في كل وقت ... يباهينا بأسلاف عظام أتقنع بالعظام وأنت تدري ... بأن الكلب يقنع بالعظام وقوله: لم يجدك الحسب العالي بغير تقى ... مولاك شيئاً فحاذر واتق الله وابغ الكرامة في ترك الفخار به ... فأكرم الناس عند الله أتقاها

والكلام في هذا الباب مما تضيق عنه صفحات هذا الكتاب وفيما ذكرنا غنية عن المزيد ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد على أن الأمر أوضح من صباح فأي حاجة إلى مصباح) ثم أني أقول (ويشهد لي بذلك عدول إن أباء الرفيق المومى إليه رحمة الله تعالى عليهم وعليه لا يختلف في جلالتهم اثنان ولا ينتطح في شرفهم كبشان وقد أراد هو أن يتسور ما تسوروا ويجسر على الكسر والجبر كما جسروا ويصل إلى ما وصلوا وينزل من العلياء حيثما نزلوا فجهد وجد لكن لم يساعده الجد. إذا لم يكن للمرء جد مساعد ... فلا جهده يغني ولا جده يجدي وجد الفتى من غير جد يعينه ... كسيف بلا حد وكف بلا زند ونهاية امرأ أن مد الزمان له يداً فرفعه حتى جعله عند عبدي باشا في بغداد كدخدا إلا أنه لم يمهله أن يجبر كسراً أو يسر سراً أو يسدي يداً أو يرد على صديق ردي أو يبني كأسلافه مجداً أو يبقي بإحسانه على الأحرار لا خلافه عبداً حيث ضيق بواسع الحوادث صدره ونفث في عقد عقله فغير فكره ولم يزل يغريه بأشياء كان هو ينكرها على غيره ويحسن له أموراً كان يكرهها في سره وجهره وبذلك وجد عليه من وجد وثنى عنه عطفه بلا اكتراث معظم وجوه البلد وقبل أن تنجلي عنه غياهب المحن ويفطن لما غشه به غشاش الزمن صرحت الأقدار وصرحت الأخيار بعزل وزيره وحطه عن سريره وأمره بالذهاب إلى آمد السوداء وتوجيه أيالتها بدل أيالة الزوراء فعند ذلك عادت إليه أفكاره التي كانت له في الأصل وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل وقد كانت بيني وبينه رحمه الله تعالى محبة شديدة ومودة لم تزل على ممر الأيام أكيدة لا تكاد نفترق في أغلب الليالي والأيام إلا لحاجة ضرورية أو ضروري منام وكنت أوفر أخلائه نصيباً من وافر هممه وكان يذب عني ذب الغيور عن حرمه ومن كرامة نفسه أنه يغضب من غية بني جنسه بل يغضب من غيب أعدائه فضلاً عن أصدقائه وأحبائه وكان إذا نطق لا يتلعثم وكثيراً ما يضحك وهو يتكلم وله عقيدة أصفى من الحليب ومذهب السلف إليه أحب حبيب وكان معظماً بين الكوله مند حيث أن له ولاء يخفق لواؤه على فريقهم بنسائم عتق فعله الجد ولإثبات هذا الولاء في حق داود باشا تجشم السفر للأستانة العلية فسوعد وأثبت إلا أنه قبل أن يلوي عنان الرجعة لوت ساعد حياته المنية ويا سبحان الله تعالى كان بصدد أن يقبض أرث المشار إليه فقبضت روحه وبقصد أن يسكن ريح من يشق ذلك عليه فسكنت ريحه. يرجى المرء ما أن لا يراه ... ويعرض دون أدناه الخطوب وقد لبس من الشهادة الحلة الفاخرة سنة تسع وستين ومائتين وألف تاسع جمادى الآخرة من الله تعالى عليه بالرحمة والغفران وأورثه بدل ما فاته من الإرث غرف الجنان. ) والرفيق الثالث (في هذا السفر الحادث) هو سليمان بك (بن ليث أوغا كدخدا بغداد سابقاً الحاج طالب أغا ارتضع در الفضل صغيراً وتقلد در الأفضال كبيراً عانى فن الكتابة فمهر في الإنشاء فهو اليوم ينظم الكواكب الدرية في سلك تحريراته التركية إن شاء. عباراته في النظم والنثر كلها ... غرائب تصطاد القلوب بدايع فهن لأجياد المعالي قلائد ... وهن لأجناد المعاني طلايع أقرت له بارق كتاب الروم وقالت أنى لنا أن نقر بالرق سواري النجوم فيا له من كاتب جمع العجائب والغرائب. إن هز أقلامه يوماً ليعملها ... أنساك كل كمي هز عامله وإن أقر على رق أنامله ... أقر بالرق كتاب الأنام له قد سخرت له جن المعاني المتعاصية على الأذهان ولا بدع إذا ما سخرت الجن لسليمان ولعمري لو صعد الذهن النظر في بلقيس كتبه وصوب لظهر له من معانيها وألفاظها غاية العجب. معان كالعيون ملئن سحراً ... وألفاظ موردة الخدود ومع ذا إذا نظم أبدع وإذا تفتق نور شعره فالحسن بين مرصع ومصرع وينضم إلى ذلك لين جانب ورعاية صاحب وكرم أخلاق وحسن وفاق. ولو أن المكارم صرن نفساً ... لكان لها الضمائر والعيونا

فهو الذي اجتهد في طلب الكمال ففاق وقلد بدور الأفضال سائر الأعناق فيا له من مجتهد مقلد ومسددٍ مسدد ما صحب ذا عقل من الوزراء إلا كان مقدم حزبه والمستولي على سمعه وبصره وقلبه كل ذلك لعلو همته ومزيد صدقه في خدمته لا يترك وإن ضاقت لسعة غائلته الأوقات الاشتغال بما عين له من النفي والإثبات ويميل في الاعتقاديات إلى مذهب الحلف وكم له في ذلك الميل من سلف ولا يرى في العمليات غير تقليد الإمام الأعظم وتعظيم سائر أئمة الدين عنده أمر ملتزم فكلهم درر مستجاده إلا أن الإمام الأعظم واسطة المقلادة ولله تعالى در شيخ الإسلام الكاشف بدراري حكمه عن جو سماء الحقيقة الظلام ذي الخلق العطر الندي أحمد عارف حكمت بك أفندي حيث يقول: إن الأئمة عقد در فاخر ... وأبا حنيفة درة التيجان بعلومه تزهو الشريعة ما علت ... زهر الربا بشقائق النعمان ولقد أنصف بقوله دام فاضل فضله: إن الأئمة كالمناهل في الهدى ... والناس مثل الوارد الظمآن والنفس إن رويت بأول منهل ... غنيت بلا كره لشرب الثاني يحيى من الرحمى موات قبورهم ... صوب الغمام بوابل هان ) وأبو هذا المترجم (حفظه الله تعالى من كل ألم كان حسن السياسة ذا عفة وكياسة وكان محباً للعلماء ومحبوباً لجميع أهل الزوراء وهو من موالي حضرة الوزير أبي الوزراء سليمان باشا الكبير وليس لأحد على كاهل ولده لواء ولاء لعدم وجود الشرط الذي اعتبره في هذا المقام الفقهاء) وبالجملة (ما أدرك ذو حس مثل هذا الأب والابن وروح القدس غير أن هذا الابن فاق أباه وغدا أعرف في أمور أخراه وأولاه وهو في الدهاء بين كتاب الزمان أشبه رجل بكاتب الوحي معاوية ابن أبي سفيان وبين ما للأمراء من ذوي الاختصاص يحكي داهية العرب عمرو بن العاص فلعمري وعمره هو معاوية هذا الزمان وعمره جعله الله تعالى على المقام وأناله من حسن الآمال غاية المرام. ) واتفق (أن وافقنا في المسير غنياً عن رفاقه مأمور وأمير شامة وجنة الأحباب حضرة) إقبال الدولة (الشهير بالنواب وهو رجل من ملوك الهند سكن العراق ووافقه صباه وجنوبه غاية الوفاق وعرف الناس وعرفوه وألف الأخيار وألفوه حيث كان ذا خلق أرق من دمعة الصب وطبع ألطف من وابل غيث غب الجدب وله مع الأحبة منهاج لا تجد له ولو تتبعت من هاج ومزاج عير أجاج هو لمدام الأنس خير مزاج مع عراقة أصل ورجاحة عقل وكمال فضل يحب بشر أشره العترة الطاهرة وليس له رأس مال سوى ذلك في الآخرة ولا يقبل منقولاً ما لم يكن لديه معقولاً وله نظم في الفارسية الدرية رائق ونثر كالنجوم الدرية فائق والذي أوجب سفره حب رؤية سوق لم يسبق مثله أحدث في لوندره ومن عادته حب رؤية الغرائب ولو صرف لأجلها جل الرغائب على أن ما صرف ولو بلغ حد السرف قل من جل وغيض من فيض فقد يسر الله تعالى له تجارة رابحة وأتاه) من الكنوز ما إن مفاتحه (فليس عليه لأحد سوى الله تعالى منه ولا يرى محنة تعالج بمرهم الدراهم محنة ولقد آنسنا برفاقته لغاية لطفه ونجابته لا زال يسرح في رياض النعم محفوظاً من كل ألم بحرمة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. ) وعند (ما وضعت رجلي بالركاب وتنادت بالرحيل الأصحاب تشبث بأذيالي عيالي وأطفالي وقالت لا نطيق الفراق ولا نقدر على علاج آلامه ولو جئنا بألف راق ودونك فادفنا أحياء إن لم تجد في هذه الأحياء لداء حاجتنا دواء وجعلت تذري دموعاً حمراً وتذكي في كانون فؤادي عوفيت جمراً وكادت تصرخ بالويل وتشق الجيوب إلى الذيل فناديتها ودموعي كدموعها ذواري. ذريني أن أسير ولا تنوحي ... فإن الشهب أشرفها السواري فشرعت تخوفني عجزاً وذله ما قد يحدث للغريب من سقام وعله: فقلت أليس الموت إن لم ألاقه ... أمامي أتتني خيله من ورائيا فما عذر أهل العجز والكل تابع ... جديساً وطمساً والقرون الخواليا وهل منكر للضيم مات ولم يمت ... رويبضة ما زال بالدار ثاويا ومن لم يفارق منزل الذل الذي لم يرح ... ويغدو إلا موجع القلب باكيا ومن يبق في دار الهوان يعش بها ... أخاً مضض لا يبرح الدهر شاكيا عدمت يميني إن أقمت على القلى ... نعم وتلتها عن قريب شماليا فلما تحققت أفي لا أحول أنشدت تقول:

هو الصبر والتسليم لله والرضى ... إذا دهمتنا خطة لإنشاءها فتركت الله تعالى الخليفة فيهم وسرت مع صحبي والله سبحانه وتعالى أعلم بما تضمنه قلبي: هواي ورائي والمسير خلافه ... فوجهي إلى بلخٍ وقلبي إلى الكرخ وشيعني أحبه وقد اغرورقت منهم بالدمع عيون المحبة وآخرون قد خنقتهم حبال الغبرة وحرقتهم من خيال البين جمره حتى إذا ودعتهم ولله تعالى أودعتهم انفصمت منهم عرى الأجفان فجادت عزاليها بوابل هتان فسرت وإنسان عيني بالدمع غريق وبين حنايا ضلوعي من نيران الفراق حريق واعترتني دهشة وأضل طائر عقلي عشه فلم أدر أيمنة أضرب أم شامة ونجداً أقصد أم تهامة فلما اعتم الليل واعتم الجو بشملة الويل بت بليلة أنقد أرعى السهر والفرقد حتى إذا ذاب كحل الدجى بدمع فجره وآب أسير الضياء طليقاً من قيد أسره رأيت حولي ولدي عبد الباقي جعله الله تعالى راقياً أعلى المراقي فعقلت في الجملة نفسي وعلقت يدي بأذيال ما فارقني من حسي فسألته عن مذهبه وأمره الذي جاء به فأخبرني أنه لم يطق فراقي وأنه معي إلى انتهاء أيام سفري إن شاء الله تعالى باقي فحسنت له الرجوع إلى أمه والهجوع من أخيه وعمه فلم يكن يعقل ويعي وأبى إلا البقاء معي وحدست أن أمه سهلت عليه سلوك الفجاج وأرسلته ليكون رقيباً علي يمنعني مما عسى أن أهم به من الزواج فقدم حقوقها على حقوقي وقدم على تحمل مشاق السفر العقوقي فأذنت له بالبقاء لعلي أداوي به علل الأحزان وقلت لنفسي لا تيأسي فما شاء الله تعالى كان على أن وإن كنت في حب النكاح مشهوراً قد جعل الله تعالى اليوم بيني وبين ذلك إحجاباً مشتوراً حيث أجدني قد صرت مما عناني عنيناً وأظنك بعد أن ترني لو كشف لك الغطاء لم تزدد يقيناً فما أولاني في هذه الأوقات بقول عبد الرحيم قاضي هرات. قالوا تزوج بأرض مرو ... تعش أخاً غبطة وخير فقلت أحسنتم ولكن ... بأي مالٍ وأي أير ولو رجعت إلى الجد لكنت من قبل الحرى بقول العلامة جار الله الزمخشري: تزوجت لم أعلم وأخطأت لم أصب ... فيا ليتني قد مت قبل التزوج فوالله ما أبكي على ساكني الثرى ... ولكنني أبكي على المتزوج وعلى العلات بقي في معيتي وشغل بخدمته خدمتي عن خدمتي) ثم (إنا لم نزل نفري بطون الوهاد ونلطم وجه الصحصحان بأيدي الجياد حتى ارتضع صبي العين در الأنس من ثدي) أم الربيعين (فنزلنا عند جسرها حتى دعانا وردة زهرها ذو الذهن العبقري محمود أفندي العمري إلى بيته روضة الآداب وغيل ليوث أبناءه) أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (وهذا الفاضل فيلسوفي الفكر قد غاص غواص ذهنه في بحار الحقائق فاستخرج الدرر وله اطلاع على العلوم الغريبة وله بواسطتها سهام أخبار لهدف الصدق مصيبة قد جعل الفتوحات المكية ثاني قرآنه وزين بفصوص الحكم خواتم زمانه واستغنى بالتنزلات الموصلية عن الترفعات الدنيوية ومطالعة الكبريت الأحمر عن قدح زناد الفكر في تحصيل الذهب الأصفر يحب الشيخ الأكبر أكثر من نفسه وولده ولا كذلك أغلب خواص علماء بلده وله عقل يعقل به الفلك الدوار إن شاء ولا يغلبه في ميدان خصام أحد إلا القضاء ولقد شاع في علم الطب فضله حيث غدا تذكرة لصاحب القانون وحوى مالاً يسع الطبيب جهله) وبالجملة (قد غمس يد فكره في كل فن ولم يحد عن صوب الصواب كل ما خطر له وعن طالما ينادم خرائد الأفكار وراء أستار الخلوة وقلما يشافه غواني الأسرار على أرائك الجلوة وما ذلك إلا لكونه بالأفق الأعلى من الحكمة وبمقعد صدق من علو الهمة ولقد صحبته كثيراً في بلدتي وشفيت بمعجون ياقوت حكمه علتي: وكانت بالعراق لنا ليالٍ ... سرقناهن من أيدي الزمان جعلناهن من تاريخ الليالي ... وعنوان المسرّة والأمان

وهو اليوم قد شرفت الزوراء بزورته ورشفت الأخلاء حمياً وصلته حيث رأى الحدباء قد ولى شبابها واحدودب ظهرها وكشر نابها ونكحت غير كفوها وجادت على كدر السيرة والسريرة بصفوها وقد حل في بيت أخيه الأوحدي آية الله تعالى الكبرى عبد الباقي أفندي ونحن ولله تعالى الحمد معهما في روض من الأنس أريض وركض في ميدان من الأدب طويل عريض تخطاهما كل سوء وعداهما ودانت لأقدامهما رؤوس عداهما ولا زالا في سماء الفضل فرقدين ولفلكي الحدباء والزوراء منطقتين) ولما (حللت في بيت المومى إليه لا زال ممدود الفضل مقصوداً عليه جاء لزيارتي علماء أعلام كل منهم في حلبة الرهان أمام أولهم وأولاهم وأفضلهم وأغلاهم الفاضل السري) عبد الله أفندي العمري (وهو نور الشجرة العمرية ونور فرق العصابة الفاروقية إليه انتهت رياسة العلماء وعليه حدبت طلبة العلم في الحدباء فعنه يروون ومن زلال فضله يرتوون جاء منذ ثلاثين سنة إلى بغداد وقرا فيها لأمرِ ما عند غرباء العلماء الأمجاد فأصلد القدر له زنداً ونادته غواني الاستفادة مكانك أن حراسنا أسداً وفي أثناء هاتيك الأوقات قرأت عليه بعض القراءات فهو أحد مشايخي في القرآن وأنا أفتخر به على سائر الأقران وقد تخرج على علامة عصره وعلامة الفضل في مصره حليف التدريس والإفادة علي أفندي محضر باشي زادة) وبالجملة (قد عدا فغدا للأمثال سباقاً وراق ففاق علماء بلده علماً وأخلاقاً) وسألني (جماعة بمحضره دام علاه عما يقوله الشيعة في) إلا تنصروه فقد نصره الله (فقلت راجعوا تفسيري روح المعاني فإني وإن كنت آلوسياً فأنا من مشقة الطريق عاني فأحضرت لهم التفسير ولم أكن حظرت فيه شيئاً من التقرير فرأوا فيه العجب العجاب وقالوا ما وجدنا هذا في غير هذا الكتاب وإن أحببت أن يكون ذلك لديك فاستمع الآن لما نتلوه عليك قد ذكرت في تفسير الآية ما ذكرت وحررت ما حررت ثم قلت فهي لعمري مما يدع الرافضي في جحر ضب أو مهامه قفر فإنها خرجت مخرج العتاب للمؤمنين ما عدا أبا بكر رضي الله تعالى عنه. فقد أخرج ابن عساكر عن سفيان بن عيينة قال عاتب الله سبحانه المسلمين جميعاً في نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم غير أبي بكر وحده فإنه خرج من المعاتبة ثم قرأ الا تنصروه الآية. وأخرج الحكيم الترمذي عن الحسن قال عاتب الله تعالى جميع أهل الأرض غير أبي بكر فقال إلا تنصروه الآية. وأخرج ابن عساكر عن علي كرم الله تعالى وجهه بلفظ أن الله تعالى ذم الناس كلهم ومدح أبا بكر رضي الله تعالى عنه فقال إلا تنصروه فقد نصره الله الخ. وفيها النص على صحبته رضي الله تعالى عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يثبت ذلك لأحد من الصحابة سواه وكونه المراد من الصاحب ما وقع عليه الإجماع ككون المراد من العبد بقوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هنا قالوا إن إنكار صحبته كفر مع ما تضمنته من تسلية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم له بقوله لا تحزن وتعليل ذلك بمعية الله تعالى الخاصة المفادة بقوله أن الله معنا ولم يثبت مثل ذلك في غيره بل لم يثبت لنبي معية الله سبحانه له ولآخر من أصحابه وكأن في ذلك إشارةً إلى أنه ليس فيهم كأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفي إنزال السكينة عليه بناءً على عود الضمير إليه مما يفيد السكينة في أنه هو هو رضي الله تعالى عنه ولعن بأغضيه وكذا في إنزالها على الرسول صلى الله عليه وسلم مع أن المنزعج صاحبه ما يرشد للمنصف إلى أنهما كالشخص الواحد وظهر من ذلك إشارة ما ذكر أن الحزن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويشهد لذلك ما مر في حديث الشيخين وأنكر الرافضة دلالة الآية على شيء من الفضل في حق الصديق رضي الله تعالى عنه قالوا أن الدال على الفضل إن كان) ثاني اثنين (فليس فيه أكثر من كون أبي بكر متمماً للعدد) وإن كان إذ هما في الغار (فلا يدل على أكثر من اجتماع شخصين في مكان وكثيراً ما يجتمع فيه الصالح والطالح وإن كان) لصاحبه (فالصحبة تكون بين المؤمن والكافر كما في قوله تعالى) قال لصاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك (وقوله) وما صاحبكم بمجنون (و) يا صاحبي السجن (بل قد تكون بين من يعقل وغيره كقوله: إن الحمار مع الحمير مطية ... وإذا خلوت به فبئس الصاحب

وإن كان) لا تحزن (فيقال لا يخلو أما أن يكون الحزن طاعة أو معصية لا جائز أن يكون طاعة وإلا لما نهى عنه صلى الله عليه وسلم فتعين أن يكون معصية لمكان النهي وذلك مثبت خلاف مقصودكم على أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه) وإن كان إن الله معنا (فيحتمل أن يكون المراد إثبات معية الله تعالى الخاصة له صلى الله عليه وسلم وحده لكن أتى بنا سداً لباب ألا يحاش ونظير ذلك الإتيان بأوفى قوله تعالى) وإنا وإياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين (وإن كان) فأنزل الله سكينته عليه (فالضمير فيه للنبي صلى الله عليه وسلم لئلا يلزم تفكيك الضمائر وحينئذ يكون في تخصيصه عليه الصلوة والسلام بالسكينة هنا مع عدم التخصيص في قوله) فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين (إشارة إلى ضد ما ادعيتموه. وإن كان ما دلت عليه الآية من خروجه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت فهو عليه الصلوة والسلام لم يخرجه معه إلا حذراً من كيده لو بقي مع المشركين بمكة وفي كون المجهز لهم بشراء الإبل علياً كرم الله تعالى وجهه إشارة لذلك وإن كان شيئاً وراء ذلك فبينوه لنتكلم عليه انتهى كلامهم) ولعمري (أنه أشبه شيء بهذيان المحموم أو عربدة السكران ولولا أن الله سبحانه حكى في كتابه الجليل عن اليهود والنصارى ما هو مثل ذلك ورده رحمة بضعفاء المؤمنين ما كنا نفتح في رده فماً أو نجري في ميدان تزييفه قلماً) لكني لذلك أقول (لا يخفى أن ثاني اثنين وكذا إذ هما في الغار إنما يدلان بمعونة المقام على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه ولا ندعي دلالتهما مطلقاً ومعونة المقام أظهر من نار على علم ولا يكاد ينتطح كبشان في أن الرجل لا يكون ثانياً باختياره لآخر ولا معه في مكان إذا فرض عدو ما لم يكن معولاً عليه ومتحققاً صدقه لديه لا سيما وقد ترك الآخر لأجله أرضاً حلت فيه قوابله وحلت عنه بها تمائمه وفارق أحبابه وجفا أترابه وامتطى غارب سبسب يضل به القطا وتقتصر فيه الخطا) ومما (يدل على فضل تلك الاثنينية قوله صلى الله عليه وسلم مسكناً جاش أبي بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما والصحبة اللغوية وإن لم تدل بنفسها على المدعي لكنها تدل عليه بمعونة المقام أيضاً فإضافة صاحب إلى الضمير للعهد أي صاحبه الذي كان معه في وقت يجفو فيه الخليل خليله ورفيقه الذي فارق لمرافقته أهله وقبيله) وإن (لا تحزن ليس المقصود منه حقيقة النهي عن الحزن فإنه من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بل المقصود التسلية للصديق رضي الله تعالى عنه أو نحوها) وما ذكروه (من الترديد يجري مثله في قوله تعالى خطاباً لموسى وهارون عليهما السلام) لا تخافا إنني معكما (وكذا في قوله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم) ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعاً (إلى غير ذلك افترى أن الله سبحانه نهى عن طاعة أو أن أحداً من أولئك المعصومين عليهم السلام ارتكب معصية سبحانك هذا بهتان عظيم ولا ينافي كون الحزن من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بالنظر إلى نفسه أنه قد يكون مورداً للمدح والذم كالحزن على فوات طاعة فإنه ممدوح والحزن على فوات معصية فإنه مذموم لأن ذلك باعتبار آخر كما لا يخفى وما ذكر في حيز العلاوة من أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه من ارتكاب الباطل ما فيه) فإإنا (لا نسلم أن الخوف يدل على الجبن وإلا لزم جبن موسى وأخيه هارون عليهما السلام فما ظنك بالحزن وليس حزن الصديق بأعظم من الاختفاء بالغار ولا يظن مسلم أنه كان عن جبن أو يتصف بالجبن أشجع الخلق على الإطلاق صلى الله تعالى عليه وسلم ومن أنصف رأي أن تسليته عليه الصلوة والسلام لأبي بكر بقوله لا تحزن كما سلاه بقوله) لا يحزنك قولهم (مشيرة إلى أن الصديق رضي الله تعالى عنه عنده عليه الصلوة والسلام بمنزلته عنه ربه جل شأنه فهو حبيب له تعالى بل لو قطع النظر عن وقوع مثل هذه التسلية من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم كان نفس الخطاب بلا تحزن كافياً في الدلالة على أنه رضي الله تعالى عنه حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فكيف تكون محاورة الأحباء وهذا ظاهر إلا عند الأعداء. وما ذكر من أن المعية الخاصة كانت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وحده والإتيان بنا لسد باب الإيحاش من باب المكابرة الصرفة كما يدل عليه الخبر المار آنفاً على أنه إذا كان إشفاقاً على

رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غير فأي إيحاش في قوله لا تحزن إن الله معي وإن كان إشفاقاً على الرسول وعلى نفسه رضي الله تعالى عنه لم يقع التعليل موقعه والجملة مسوقة له) ولو سلمنا (الإيحاش على الأول ووقوع التعليل موقعه على الثاني يكون ذلك الحزن دليلاً واضحاً على مدح الصديق رضي الله تعالى عنه) وإن كان (على نفسه فقد كما يزعمه ذو النفس الخبيثة لم يكن للتعليل معنى أصلاً وأي معنى لقولك لا تحزن على نفسك إن الله معي لا معك) على أنه (يقال للرافضي هل فهم الصديق من الآية ما فهمت من التخصيص وأن التعبير بنا كان سداً لباب الإيحاش أم لا. فإن كان الأول يحصل الإيحاش ولا بد فنكون قد وقعنا فيما فررنا عنه وإن كان الثاني فقد زعمت لنفسك رتبة لم تكن بالغها ولو زهقت روحك ولو زعمت المساواة في فهم عبارات القرآن الجليل وإشاراته لمصاقع أولئك العرب المشاهدين للوحي ما سلم لك أو تموت فكيف يسلم لك الامتياز على الصديق وهو وقد فهم من إشاراته صلى الله عليه وسلم من حديث التخيير ما خفي على سائر الصحابة حتى على علي كرم الله وجهه فاستغربوا بكاءه رضي الله عنه يومئذ. وما ذكر من التنظير في الآية مشير إلى التقية التي اتخذتها الرافضة ديناً وحرفوا لها الكلم عن مواضعها وقد أسلفنا لك الكلام في ذلك على أتم وجه فتذكره. وما ذكر في أمر السكينة فجوابه يعلم مما ذكرناه. وكون التخصيص مشيراً إلى إخراج الصديق رضي الله تعالى عنه عن زمرة المؤمنين كما رمز إليه الكلب عدو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لو كان ما خفي على أولئك المشاهدين للوحي الذين من جملتهم الأمير كرم الله وجهه فكيف مكنوه من الخلافة التي هي أخت النبوة عند الشيعة وهم الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم وكون الصحابة قد اجتمعوا في ذلك على ضلالة والأمير كان مستضعفاً فيما بينهم أو مأموراً بالسكوت وغمد السيف إذ ذاك كما زعمه المخالف قد طوى بساط رده وعاد شذر مذر فلا حاجة إلى إتعاب القلم في تسويد وجه زاعمه. وما ذكر من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرجه إلا حذراً من كيده. فيه أن الآية ليس فيها شائبة دلالة على إخراجه له أصلاً فضلاً عن كون ذلك حذراً من الكيد على أن الحذر لو كان في معيته له صلى الله عليه وسلم وأي فرصة تكون مثل الفرصة التي حصلت حين جاء الطلب لباب الغار فلو كان عند أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وحاشاه أدنى ما يقال لقال هلموا فهاهنا الغرض. ولا يقال أنه خاف على نفسه أيضاً لأنه يمكنه أن يخلصها منهم بأمور ولا أقل من أن يقول لهم خرجت لهذه المكيدة. وأيضاً لو كان الصديق كما يزعم الزنديق فأي شيء يمنعه من أن يقول لابنه عبد الرحمن أو ابنته أسماء أو مولاه عامر بن نهيرة فقد كانوا يترددون إليه في الغار كما أخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها فيخبر أحدهم الكفار فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أنه على هذا الزعم يجيء حديث التمكن وهو أقوى شاهد على أنه هو هو. وأيضاً إذا انفتح باب هذا الهذيان أمكن للناصبي أن يقول والعياذ بالله تعالى في علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالبيتوتة على فراشه الشريف ليلة هاجر إلا ليقتله المشركون ظناً منهم أنه النبي صلى الله عليه وسلم فيستريح منه وليس هذا القول بأعجب ولا أبطل من قول الشيعي أن إخراج الصديق إنما كان حذراً من شره. فليتق الله سبحانه من فتح هذا الباب المستهجن عند ذوي الألباب وزعم أن تجهيز الإمام كرم الله تعالى وجهه لهم بشراء الأباعر إشارة إلى ذلك. لا يشير إلى ذلك بوجه من الوجوه على أن ذلك وإن ذكرناه فيما قبل إنما جاء في بعض الروايات عن ابن عباس والمعول عليه عند المحدثين غير ذلك) ولا بأس (بإيراده تكميلاً للفائدة وتنويراً لفضل الصديق رضي الله عنه) فنقول (أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمرر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية.) ولما (ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغمار لقيه ابن الدغة وهو سيد القارة فقال ابن الدغنة أين تريد يا أبا بكر فقال أبو

بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي قال ابن الدغنة مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك فارتحل ابن الدغنة. فرجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في كفار قريش فقال إن أبا بكر لا يخرج مثل ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق. فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره وليصل فيها ما شاء وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا ولا يستعلن بالصلوة والقراءة في غير داره ففعل) ثم (بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ ويتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان رجلاً بكاءاً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وأنه جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره وأعلن بالصلوة والقراءة وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نحتقرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال يا أبا بكر قد علمت الذي عقد لك عليه فأما أن تقتصر على ذلك وأما أن ترد إلى ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له. فقال أبو بكر إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله تعالى وجوار رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يومئذ قال للمسلمين قد أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما جرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة إلى أرض الحبشة من المسلمين. وتجهز أبو بكر مهاجراً فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر وترجو ذلك بأبي أنت وأمي قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر فبينما نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأذن من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد أذن لي بالخروج فقال أبو بكر فالصحابة بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله نعم فقال أبو بكر فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن. قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز فصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها فأوكت به الجراب فلذلك كانت تسمى ذات النطاق. ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيخرج من عندهما سحراً فيصبح مع قريش بمكة كبات فلا يسمع أمراً يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حتى يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر منيحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب بغلس ساعة من الليل فيبيتان في رسلهما حتى ينعق بها عامر في غلس يفعل ذلك كل ليلة من الليالي إلى الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الذئل ثم من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل وهو على دين كفار قريش فآمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث ليال فأخذ بهم طريق إذ أخر وهو طريق الساحل الحديث بطوله. وفيه من الدلالة على فضل الصديق ما فيه وهو نص في أن تجهيزهما في بيت أبي بكر وأن الراحلتين كانتا له وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل أحدهما إلا بالثمن يرد على الرافضي زعم تهمة الصديقة وحاشاها في الحديث هذا. ومن أحاط خبراً بأطراف ما ذكرناه من الكلام في هذا المقام علم أن قوله وإن كان شيئاً وراء ذلك فبينوه لنا حتى نتكلم عليه ناش عن محض الجهل أو العناد) ومن يضلل الله فما له من هاد (

وبالجملة. أن الشيعة قد اجتمعت كلمتهم على الكفر بدلالة الآية على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه. ويأبى الله تعالى إلا أن تكون) كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا (انتهى. ما روجع من روح المعاني وتلي على رؤوس الأشهاد في هاتيك المغاني) وبعد أن تم ذاك (طاف بنا المفتي عبد الرحمن أفندي الكلاك وهو رجل قد لبس كفن التماوت فوق ثيابه وأنعم من حب الحيوة الدنيا عيابه حتى غدت لا تنطبق شفاه عياً به قد جعل مسكنته حبة لفخه لكنه لم يصطد بها حتى طار طائر الشباب بفرخه وكان صيده جرادة الدنيا الدنية وحمامة إفتاء المستفتين من الحنفية وكم جاهل صاد ذلك بحبائل حيل نحو ما هنالك وأعانه عليه خوراً كثر العوام وجور معظم الحكام) نعم (له علم لكنه دون ما يدعيه وصلاح لكنه عملي وفيه ما فيه فهو على علاته أحسن ممن مد ذراع حيلته فنال ما نال وقدح زند مسكنته فأوري وهو من الجهال وقد دلت الآثار أن من إمارات الساعة إفتاء من ليس سوى بز الجهل بضاعة ولا شك أن قيام الساعة قريب فوقوع مثل ذلك غير عجيب وإلا فبين أهل الصدر الأول السادة الأمجاد كانت لا تمهر فتاة الإفتاء إلا بنقد الاجتهاد: فتراخى الأمر حتى أصبحت ... هملاً يطمع فيها من يراها ولست أقول هذا من نفس واجدة لا والذي شقهن خمساً من واحدة كيف وأنا أحمد الله تعالى على أن خلصني من نصب منصب الإفتاء وشغلني برشف رضاب فتاة التدريس في الإصباح والإمساء وأنار ليلي بتوقد وجنات ليلي الدقائق ومن على سرح فكري برياض اللطائف وجنات الحقائق وهذه نعمة لا يبلغ طائر الشكر ذراها فكيف تقبل النفس أن تقبل شوهاء غداً وينم ذباب الجهل لعس شفاها وأعود فأقسم ممن أخرج العذق من الجريمة والنار من الوثيمة أني لفي نعمة من فضل ربي عز شأنه جليلة عظيمة يحق لي أن أقول غير مبال بحسود جهول: سهري لتنقيح العلوم الذلي ... من وصل غانية وطيب عناق وتمايلي طرباً لحل عويصةٍ ... في الدرس ابلغ من مدامة ساق وصرير أقلامي على أوراقها ... أشهى من الدوكاه والعشاق وألذ من نقر الفتاة لدفها ... نقري لألقي الرمل عن أوراقي يا من يحاول بالأماني رتبتي ... كم بين مستفل وآخر راق أأبيت سهران الدجى وتبيته ... نوماً وتبغي بعد ذلك لحاقي

فما قلت ما قلت إلا لإفادة حقيقة الحال ولإخبار الأخيار بأن طعم الدهر الحلو قد استحال فيسأل الواقف ربه سبحانه من فضله أن يوسد الأمر إلى أهله ويصون بلطفه تعالى هذا الدين من أن يقضي عليه إفتاء الجاهلين) وقد استعظم (ذلك المفتي بين علماء في المجلس قعود أمر السؤال الشهير بين الأسود والأحمر في قوله تعالى) غرابيب سود (فقلت يكفي في جوانه ما يعرفه الحاضر والبادي وقد ذكر في قاموسه مولانا) مجد الدين الاسترابادي (قال وأسود غربيب حالك وأما غرابيب سود فالسود بدل لأن توكيد الألوان لا يتقدم فجعلت إبهامه تناجي ناجده فانبهم على أمره فلم أدر أفهم أم أنه لم يفهم فسكت حيث شككت وكنت ناوياً أن أسلك غير ذلك المسلك فما سلكت) وفي روح المعاني (ظاهر كلام الزمخشري أن غرابيب هنا توكيد لمحذوف والأصل سود غرابيب أي شديدة السواد. وتعقب بأنه لا يصح إلا على مذهب من يجوز حذف المؤكد ومن النحاة من منع ذلك وهو اختيار ابن مالك لأن التأكيد يقتضي الاعتناء والتقوية وقصد التطويل والحذف يقتضي خلافه. ورده الصفار كما في شرح التسهيل لأن المحذوف لدليل كالمذكور فلا ينافي تأكيده. وفي بعض شروح المفصل أنه صفة لذلك المحذوف أقيم مقامه بعد حذفه وقوله تعالى سود بدل منه أو عطف بنيان له وهو مفسر للمحذوف ونظير ذلك قول النابغة: والمؤمن العائدات الطير يمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسند وفيه التفسير بعد الإبهام ومزيد الاعتناء بوصف السواد حيث دل عليه من طريق الإضمار والإظهار. ويجوز أن يكون العطف على جدد على معنى ومن الجبال ذو جدد مختلف اللون ومنها غرابيب متحدة اللون كما يؤذن به المقابلة وإخراج التركيب على الأسلوب الذي سمعته وكأنه لما اعتنى بأمر السواد بإفادة أنه في غاية الشدة لم يذكر بعده الاختلاف بالشدة والضعف. وقال القرآن الكلام على التقديم والتأخير أي سود غرابيب. وقيل ليس هناك مؤكد ولا موصوف محذوف وإنما غرابيب معطوفة على) جدد أو على بيض من أول الأمر وسود بدل منه. قال في البحر وهذا حسن ويحسنه كون غربيب لم يلزم فيه أن يستعمل تأكيداً ومنه ما جاء في الحديث أن الله تعالى يبغض الشيخ الغريب وهو الذي يخضب بالسواد. وفسره ابن الأثير بالذي لا يشيب أي لسفاهته أو لعدم اهتمامه بأمر آخرته وحكى ما في البحر بصيغة قيل وقول الشاعر: العين طامحة واليد شامخة ... والرجل لايحة والوجه غربيب انتهى. ويرد على ما يقل عن الفراء ما يرد فتأمل) وأعجبني (فتى ذو فطنة وقادة يدعى) حسن أفندي قاضي زاده (ولقد رأيته أحد الأفاضل الأكياس الذين لهم من نقود الأدب دون الذهب أكياس قد حل من رتب المعارف المحل الأسمى ودل عرفانه على أن الاسم عين المسمى. وهو من سادة لا شك في صحة نسبهم وقادة لا شبهة لأحد في سمو رتبتهم بهم يفخر الفخر وبنورهم يكتحل طرف الفجر قد عرجوا إلى سماء مجد انحط عنها زحل وتبوءوا مقاعد صدق ما نال من تبوأها لا والذي عز وجل. بيض بها ليل يستسقي الغمام بهم ... في المحل إن ضل يوماها طل الديم يفوح عرف المعاني إن ذكرتهم ... ويعبق الأفق مسكاً من حديث فم ودأب هذا الفتى من بينهم التأليف والتدريس والاستغناء بحمياهما عن حميا منادمة الجليس ولا يزال يمد إلى اكتساب الفضل ذراعاً ويطول كل يوم على من يروم مطاولته باعاً ويلوح لي من أسارير جبين فضله أنه سيكون رأس قومه وأهله وأنه ستنتهي إليه رياسة العلماء ويتقوم به أود الطلبة في الموصل الحدباء: إن الهلال إذا رأيت نموه ... أيقنت أن سيصير بدراً كاملا

) والموصل (قال في اللباب بفتح الميم وسكون الواو وكسر الصاد المهملة وفي آخرها لام مدينة من الرابع من الجزيرة وهي على دجلة في جانبها الغربي انتهى. وفي جانبها الشرقي نينوى بكسر النون كطيطوى وهي المدينة التي أرسل إلى أهلها يونس عليه السلام وفيها مرقده الشريف. والقول بأنه عليه السلام إنما أرسل إلى أهل أربل مما لا يعول عليه أصلاً اللهم إلا أن يقال أن نينوى كانت بلدة واسعة جداً وكانت أرض أربل قطعة منها وكون ما بينهما مسيرة نحو يومين لا يضيق جوابه بعد فرض السعة بل زعم بعضهم فيها أنها سعة تسع أربل وكركوك والله تعالى الخبير. ومدنها نينوى ابن بالوس من ملوك آثور سنة ألف وثلاث وسبعين بعد الطوفان. وطول الموصل على ما في الأطوال) سز (وعرضها) لزل (وفي المقاصد العوالي أن عرضها) لدل (وطولها) عزما (ولعله الأقرب للتحقيق. وفاتحها في زمن الفاروق رضي الله تعالى عنه قيل عياض بن غنم الأشعري وقيل خالد بن الوليد فتحها عنوة رضي الله تعالى عنه.) وأهلها (على ما في التعريبات الشافعية لبعض المعاصرين المصريين خمسة وثلاثون ألفاً وقيل سبعون ألفاً ما بين أتراك وأكراد وعرب. وسميت بالموصل على ما هو المشهور لأن نوحاً عليه السلام سبر الماء هنالك وهو في السفينة فوصل المسبار الأرض. وفي المراصد سميت بذلك لأنها وصلت بين الجزيرة والفرات وقيل وصلت بين دجلة والفرات وقيل لأنها وصلت بين بلد والحديثة وقيل أن الملك الذي أحدثها كان يسمى الموصل انتهى. ولا أجزم بشيء مما ذكر والله تعالى أعلم) وقريب (من الموصل المعمورة اليوم محل يسمى أسكي موصل يعنون الموصل القديمة وهذا ظاهر في أن المعمورة حديثة) وفي معجم البلدان (ما يدل على أن تلك القديمة هي حديثة الموصل ونقله عنه علامة عصره وفهامة مصره الفاضل السري الملا أمين العمري في كتابه منهل الأولياء ومورد الأصفياء وصححه من عدة أقوال وعليه فوصفها بالقديمة لعله لخرابها اليوم واشتهر بين خواص المعمورة أنها تسلطت في وقت عليها الجن فلم يستطع أهلها الإقامة فيها فتحولوا إلى مكان قريب منها وعمروا فيها مساكن لهم وسموه بحديثة الموصل ثم انتقلوا في أيام الشيخ أبي الفتح الموصلي قدس سره إلى بلدتهم الأولى حيث انقطع عنها ببركة الشيخ المذكور قدس سره ما عراها من الجن فخرب ما أحدثوه في ذلك المكان من المساكن انتهى. ولم يخطر لي أني رأيت ذلك في كتاب ومن ينكر تسليط الجن وتمكين الله تعالى إياهم من مثل ما يحكى يقول في ذلك هو حديث خرافة ومن ينكر الجن رأساً والعياذ بالله تعالى فحاله في مثل هذه الحكاية غير خفي عليك. والأقرب أن يقال لعلهم تركوا مكانهم في وقت من الأوقات لمزعجات الليالي فحوادثها جمة وأحدثوا ما سمعت ثم نامت عنهم عيون الحوادث فاستيقظت عين محبة الوطن فحنوا إليه حنين الشارف إلى العطن فرجعوا إليه وانتقلوا عما كانوا عولوا عليه فخلا من السكان فخربته أيدي الحدثان) وهي عذبة (الماء طيبة التربة والهواء طعامها هني وشرابها مري واسطة البلاد وسرتها ووجهها الصبيح وغرتها تلد الربيع في السنة مرتين فهي بين البلاد أم الربيعين فأراضيها في فصلين قد علا جنسها وتجرد عن عوارض الكدر أنسها وهي كالعرائس في حليها وزخارفها والقيان في وشيها ومطارفها باسطة زرابيبها وأنماطها ناشرة حبرها ورياطها: كأن نسيم الريح في جنباتها ... نسيم حبيب أو لقاء مؤمل لا عيب فيها سوى أنها أيام الربيع تسرق العمائم الخضر من السادة فتنشرها على سطوح دورها وتبيع وتقول لا بأس على أم الربيعين لو سرقت عمائم أبناء الريحانتين) ولعمري (أن من اختبر وامتحن حكم بأن كل روضة بالنسبة إلى رياضها خضراء الدمن وأنها تنبت العلماء المحققين كما تنبت الأقحوان والنسرين وتخرج الأخيار كما تخرج الأزهار وهذا أظهر من الشمس وأقوى من الأمس فلا حاجة إلى التطويل بإقامة الدليل: وليس يصح في الأعيان شيء ... متى احتاج النهار إلى دليل

ونفحة الشمامة تهدي من ليس له زكام إلى حمى بعض أولئك العلماء الأعلام) وفي الروض النضر (أريج فضلاء منهم ارتدوا رداء أحسن عصر ولا يكاد يحيط نطاق بجميع من فاق منهم علماء الآفاق والأمر من البديهيات الأولية عند منصفي علماء العراق فهيهات أن يكون فيه بين اثنين نزاع وشقاق) وبعد يومين (ودعنا أم الربيعين وسرنا مع رفقائنا الغرر) حتى أتينا جزيرة ابن عمر (وهي بلدة هلالية الشكل لكن لا نور فيها ولا فضل وذلك لو خامة هوائها ودمامة أرجائها ولولا أن تكون دجلة عليها شفيقة لجعلتها بمجازها جزيرة على الحقيقة) وابن عمر (الذي تنسب إليه وتعول في الشهرة عليه قيل هو يوسف بن عمر الثقفي وفي معجم البلدان جزيرة ابن عمر أحسب أن أول من عمرها الحسن بن عمر بن الخطاب التغلبي وكان له إمرة بها سنة مائتين وخمسين انتهى. وفي تاريخ ابن المستوفي ابنا عمرهما أوس وكامل ابنا عمر ابن أوس التغلبي وإليهما تنسب الجزيرة المشهورة انتهى. وفي تاريخ ابن خلكان ما يتعلق بذلك) وأنا (أعول على ما في المعجم والله تعالى أعلم ويبعد ما في تاريخ ابن المستوفي في الجملة أفراد ابن) وسألي (رجل ذو ذقن طويل عريض وذهن عليل مريض عن معنى قول العلامة ابن حجر في شرح المنهاج الذي غدا بين المحققين كالسراج الوهاج ليس له من هاج قيل والإيجاز لكونه حذف طول الكلام وهو الإطناب غير الاختصار لأنه حذف تكريره مع اتحاد المعنى ويشهد له) فذو دعاءٍ عريض (وفيه تحكم واستدلال بما لا يدل إذ ليس في الآية حذف ذلك العرض فضلاً عن تسميته فالحق ترادفهما كما في الصحاح انتهى. فقرأت عليه ما كتبه العلامة) أحمد حيدر (والفهامة) صبغة الله أفندي الحيدري (والمحقق) الشيخ عبد الله السويدي (والمدقق) الشيخ إبراهيم أفندي الراوي (فما رأيته هش ولا بش.) ثم (تلوت عليه ما حررته فأوضحته لديه وقررته فأحسست أن تكاثف شعر ذقنه حال بينه وبين وصوله إلى ذهنه) ولما (عييت عن التفهيم أنشدت قول الشاعر القديم: على نحت القوافي من معادنها ... وما على إذا لم تفهم البقر

وإذا أحببت أن تسمع كلامي وما حررته في ذلك أقلامي فهاك ذاك والله تعالى يتولى هداك) قوله (قيل والإيجاز لكونه على ما يفهم من كلام غير واحد حذف طول الكلام أي ترك ما به يطول وهو أي الطول بمعنى الإطالة لمكان قوله الإطناب ففيه استخدام غير الاختصار فيما أرى لأنه أي الاختصار حذف تكريره أي ترك ما به يحصل تكرير الكلام مع اتحاد المعنى المقصود منه) ولما (كان هذا القائل إنما قال ما قال والله أعلم لمن يسلم أن الإيجاز حذف طول الكلام ويدعي أن الاختصار كذلك ولا يسلم أن للكلام عرضاً يكون بالتكرير ليكون الاختصار حذفه أراد أن يقوي ما قاله فقال ويشهد له أي للفرق أو للمدعى المذكور وهو المغايرة بين الإيجاز والاختصار قوله تعالى) فذو دعاءٍ عريض (وذلك أنه يدل على ثبوت عرض للكلام الذي ينكره الخصم الغير الفارق بينهما إذ الدعاء فيه بمعنى المدعو به دون المعنى الصدري لخفاء وصفه بالعريض إلا أن يتكلف وهو ليس إلا الكلام والمتبادر من عرضه تكرره لا سيما هذه الآية لأن دعاء الإنسان فيها لدفع الشر الذي يمسه فهو يكرر قوله رب ادفع الشر عني فحيث أفادت أن للكلام عرضاً يكون بتكريره كما في دعاء الإنسان المحدث عنه ومن المسلم أن له طولاً وأن حذفه يسمى إيجازاً تعين أن يسمى المتعلق بالعرض أعني حذفه اختصاراً إذ لا جائز أن يسمى إيجازاً لأنه متعلق بالطول دون العرض إذ لا عرض عند الخصم يتعلق به وليس في البين ثالث يرتفع به الشقاق ويقع على حسن التسمية به الاتفاق) واعترض (عليه الشارح العلامة أولاً بقوله وفيه أي في هذا القيل تحكم حيث جعل قائله الإيجاز حذف الطول والاختصار حذف العرض ولم يعكس مع عدم المانع. وهذا غفلة منه عفا الله تعالى عنه عن كون الكلام مع من سلم أن الإيجاز حذف الطول واستقر رأيه عليه لكن أدعى أن الاختصار ليس أمراً وراءه متعلقاً بالعرض لإنكاره إياه) واعترض (ثانياً بقوله وفيه أيضاً استدلال على مدعاة من المغايرة بما لا يدل عليه من قوله عز وجل) فذو دعاءٍ عريض (إذ ليس في الآية المذكورة حذف ذلك العرض الذي يشير كلامه إلى أنه تكرير الكلام بل فيها الوصف به فضلاً عن تسميته أي تسمية حذف ذلك اختصاراً. وهذا أيضاً غفلة منه عليه الرحمة عن كون إثبات ذلك العرض والوصف كافياً في العرض. ومما ذكر يعلم ضعف تفريع قوله فالحق تراد فهماً أي الإيجاز والاختصار وكونهما معاً عبارة عن حذف طول الكلام كما يشعر به كلام الجوهري في الصحاح حيث قال اختصار الكلام إيجازه وأوجزت الكلام أقصرته هذا. وللعلامة شيخ مشايخنا) صبغة الله أفندي الحيدري (في حل هذه العبارة وتوجيه الشهادة ما تشهد بداهة العقول بأنه بمعزل عن ساحة القبول ونحوه من وجه كلام المولى) أحمد حيدر (في ذلك ولكثير من الأجلة غيرهما نحو ما لهما) وبالجملة (لم تزل هذه العبارة معتركاً لأولي الأفهام من العلماء الأعلام ولم أر أحداً منهم أصاب المحز ولا عرف مغزى ذلك القائل فيما قال وأوجز وكلهم راعي فيما ذكر تصحيح اعتراض العلامة ابن حجر مع أنه لم يلزم ذلك عليهم أصلاً وإن كان نور الله تعالى صريحه للفضل أهلاً ويكفي في توهين الاستدلال غير ذلك مما لا يخفى على فحول الرجال فتدبر ذاك والله سبحانه وتعالى يتولى هداك وأنا إن كنت قد أصبت فذلك من محض فضل الله عز وجل وإن كنت قد أخطأت فقد أخطأ قبلي من هو أفضل مني بمراتب وأجل وكل شيء بقضاء وقدر حتى العجر والكيس انتهى. والذي كتبه العلامة السري شيخ مشايخنا) صبغة الله أفندي الحيدري (ما نصه قوله. ويشهد له الخ. وجه الشهادة أنه فسر العريض في الآية بالكثير على أن يكون مستعاراً مما له عرض متسع فكأنه قال فذو دعاءٍ عريض عرضه فحذف العرض ونقل الضمير إلى الصفة واكتفى بوصف الدعاء بالعريض عنه لدلالته عليه فهذا إيجاز لحذف طوله الذي هو الإطناب وليس باختصار لعدم حذف تكرير منه. وفيه تحكم إذ ليس تخصيص كل من الإيجاز والاختصار بما خصصه ذلك القائل به أولى من تخصيص الآخر به لأنه لا مانع في اللغة ولا في الاصطلاح من أن يوصف ما حذف طوله من الكلام بالاختصار ولا ما حذف تكريره بالإيجاز واستدلال بما لا يدل إذ لا حذف لذلك العرض في الآية. ولا حاجة إلى اعتباره في نظمها بل هو ووصفه بالاتساع كلاهما مفهومان من لفظ العريض باعتبار مادته وصيغته فضلاً عن تسمية ذلك الحذف

بالإيجاز دون الاختصار وتسمية النظم موجزاً لا مختصراً ولا دلالة في الآية على ما ذكر باعتبار ما صدق عليه مفهوم الدعاء العريض أيضاً فإن الحق أن المراد بالعريض على ما أشير إليه أولاً هو الكثير مطلقاً بسواء كان كثرته بالتطويل أو التكرير فلا اختصاص له بواحد منهما فتأمل من تقصير انتهى. وقال المولى) أحمد حيدر (قوله. ويشهد له الخ. وجه الشهادة أن المراد بالدعاء العريض ما حذف فيه الطول وحصل تكثيره بتكرير المعنى الواحد وليس بمختصر بناء على هذا التكثير مع أنه يتحقق فيه الإيجاز لحذف طوله الذي هو الإطناب. وفيه تحكم إذ ليس كونه كثيراً بتكرير المقصود الواحد أولى من كونه كذلك بتطويله مطلقاً. واستدلال بما لا يدل إذ الآية لا تدل على حذف طوله فضلاً عن أن تدل على تسميته بالعريض دون الاختصار وتسمية الدعاء عريضاً لا مختصراً فالحق أن المراد بالعريض الكثير الطويل مطلقاً وعلى هذا فالأولى أن يقال بدل ذلك العرض ذلك الطول انتهى.) ونقل (جميع ما قيل يفضي إلى الإطناب والتطويل وقد اتحد الكل في المنهج وكلام هذين الشيخين في ذلك نموذج) وناولني (بعض السائحين السابحين في بحار طلب اليقين ورقة فيها عدة أسئلة مختصرة ومطولة يتعلق معظمها بالسادة الصوفية من الله تعالى علينا بمثل علومهم اللدنية وحث على الأجوبة عنها وحض فأنبأته عن بعض منها وأعرضت عن بعض ووعدته بأن أرسل له ذلك ضمن كتاب وما غرضي من ذلك إذ ذاك إلا مجرد الإعراض عن الجواب فكم من حق لا يقبله الخدق ومتى قيل ترتب عليه شرح طويل ولذا قال بعض الأمجاد ونسب ذلك إلى زين العابدين السجاد: إني لأكتم من علمي جواهره ... كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا ورب جوهر علم لو أفوه به ... لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا وقد تقدم في هذا أبو حسن ... إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا وكنت عزمت على أن أكلف حبيبي عيسى أفندي بأجوبتها حيث أني أعلم أنه بين آبا الإرشاد في العراق ابن بجدتها) فلما (اجتمعت به رأيته مشغولاً فما أحببت أن أكون على ذلك الخفيف الروح بطلب ذلك ثقيلاً وأنا الآن ذاكر معظم ما كان بيد أني لا أطيل في الجواب ولا أركب فيه متن الإطناب لئلا يمل الأصحاب ويطول جداً هذا الكتاب والحق أن ذلك يطلب سفراً ضخماً ويذيب من قلم التحرير لحماً وعظماً ووقتي والذي أخرج قائبة من قوب أضيق من مبعج الضب لا بل أضيق من النخروب فأقول: السؤال الأول: ما الفرق بين الطرق والبدع والأهواء

الجواب أن الطرق كما يدل عليه كلام السيد الشريف في تعريفاته هي السير المختصة بالسالكين إلى الله تعالى من قطع المنازل والترقي في المقامات والبدع جمع بدعة بكسر فسكون وهي ما استحدث في الدين بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وما ليس له أصل في كتاب ولا سنة وتنقسم إلى أقسام الحسنة وغيرها كما ذكر ذلك العلامة ابن حجر في شرح الأربعين النووية وفتاواه الحديثية والأهواء جمع هوى بالقصر وهو الحب والاشتهاء المتعلقان بمحمود أو مذموم وغلب الهوى على ما تعلق بالمذموم وشاع إطلاقه على المهوى المذموم فالأهواء الأمور المذمومة المهوية وشاع إطلاقها على البدع المذمومة التي ليس لها أصل شرعي) وإنما (استحدثت عن الهوى وشهوة النفس فاتضح الفرق بين الثلاثة لكن ينبغي أن يعلم أن في بعض ما يطلق عليه الناس اليوم الطريق والطريقة بدعاً ذميمة وأهواءً وخيمة نعوذ بالله تعالى منها. الثاني: بأي شيء تفترق الطرق الجواب أنها تختلف باختلاف السير والأعمال التي هي رواحل لقطع المنازل وسلالم للترقي في المقامات. الثالث أن الورد لا يكون إلا من أفضل الوارد ويجب على الصوفي متابعة الفقهاء إن اتفقوا وإن اختلفوا فعليه العمل بالأحسن الأحوط ولم يختلف في أفضلية كلمة التوحيد والجمع في الذكر بين القلب واللسان فما بال بعض الصوفية لا يعرجون إلا على الذكر القلبي ويقدمونه على الجمع ويوظفون للمريد ورداً أول وروده عليهم غير كلمة التوحيد التي ورد في أفضليتها ما ورد.

الجواب قال العلامة ابن حجر في الفتاوى الحديثية ذكر) لا إله إلا الله (أفضل من ذكر الجلالة مطلقاً بلسان أئمة الظاهر) وأما (عند أهل الباطن فالحال مختلف باختلاف أحوال السالك فمن هو في ابتداء أمره ومقاساته لشهود الأغيار وعدم انفكاكه عن التعلق بها وعن إراداته وشهواته لبقائه مع نفسه يحتاج إلى إدمان الإثبات بعد النفي حتى يستولي عليه سلطان الذكر وجواذب الحق المرتبة على ذلك فإذا استولت عليه تلك الجوانب حتى أخرجته عن شهواته وإراداته وحظوظه وجميع أغراض نفسه صار بعيداً عن شهود الأغيار واستولى عليه مراقبة الحق وشهوده فحينئذٍ يكون مستغرقاً في حقائق الجمع الإحدى والشهود السرمدي فالأنسب بحاله الإعراض عما يذكر الأغيار والاستغراق فيما يناسب حاله من ذكر الجلالة فقط لأن بذلك تمام لذته ودوام مسرته ونعمته ومنتهى أدبه ومحبته بل إذا وصل السالك لهذا المقام وأراد قهر نفسه إلى الرجوع إلى شهود غيره حتى ينفيه أو يتعلق به خاطره لم تطاوعه نفسه المطمئنة لما شاهدت من الحقائق الوهبية والمعارف الذوقية والعوارف اللدنية وقد فتحنا لك باباً تستدل بما ذكرناه على فتحه بل على ما وراءه فافهم مقاصد القوم. السالكين السالمين من كل محذور ولوم. وسلم لهم تسلم. ولا تنتقد حقيقة من حقائقهم تندم. بل قل فيما لم يظهر لك الله تعالى أعلم انتهى. وهذا جواب عن مسألة الورد) وأما الجواب (عن العدول عن الأفضل من الجمع بين اللسان والقلب إلى انفراد القلب فهو ما ذكر هذا العلامة أيضاً فقد قال بعد ما سمعت أن ذكر اللسان والقلب عند أهل الظاهر أفضل مطلقاً وعند أهل الطريق في ذلك تفصيل تفهمه مما قبله أن وعيته فإن المستغرق قد يعرض له من الأحوال ما يلتجم به لسانه ويصير في غاية مقام الحيرة والدهش فلا يستطيع نطقاً ويستغرق بسبب ما تحلى به من معالي تلك الأحوال. وما هو مستغرق فيه من بحار العرفان والكمال) والحاصل (أن الأولى بالسالك قبل الوصول إلى هذه المعارف أن يكون مديماً لما يأمره به أستاذه الجامع لطريقي الحقيقة والشريعة. فإنه الطبيب الأعظم وأنه بمقتضى معارفه الذوقية. وحكمه الربانية. يعطي كل نفس ما هو اللائق بشفائها. والصالح لغذائها. فإن لم يكن له أستاذ كذلك فلا يعدل عن ذكر) لا إله إلا الله (بلسانه وقلبه بل يديم ذلك إلى أن يفتح له مما يعلم به خير الأمرين. والترقي إلى شهود العين. حقق الله تعالى لنا ذلك بمنه وكرمه انتهى.) ولعلك (تقول ما عليه المشايخ في ذلك مخالف لما عليه الفقهاء فكيف نأخذ به وقائله غير مجتهد. فنقول ظاهر أنه ما من طريقة حقة إلا وفي سلسلتها مجتهد واحد أو أكثر وأن قلنا بتجزي الاجتهاد فالأمر أظهر وأظهر.) ولعلك (تقول حينئذ من أن أخذوا ما ذكر فنقول لا يلزم المقلد معرفة مأخذ المجتهد ومع ذا نقول يجوز أن يكون المأخذ أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم بعض أصحابه رضي الله تعالى عنهم شيئاً ويأمره باستعماله ويسلك بآخر غير ذلك. وذلك لاختلاف الاستعدادات. وتنوع القابليات. وتفاوت تأثيرات الأسماء والأذكار والأوراد. كما تتفاوت تأثيرات أمراض الأبدان والأجساد. ولذا تداوى بعض العلل بنحو الثوم والكراث والبصل. ولا تداوى باللبن والعسل. مع أنهما كما لا يخفى عليك بلا شبهة أفضل. بل صرح الفقهاء بحرمة شرب العسل على الصفراوي مع أنه وصف بأنه شفاء للناس. وللشيخ الكامل حظ أوفر. من إشراق نور سيد البشر. صلى الله عليه وسلم فلا يبعد أن ينكشف له في شأن داخل طريقته. نحو ما كان ينكشف له عليه الصلوة والسلام في شأن المتشرف بصحبته. وقد جاء في خبر صحيح أو حسن اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل والفراسة قيل مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب وقيل سواطع أنوار تلمع في القلب يدرك بها المعاني وقيل وقيل. مما هو من هذا القبيل. ثم أنه يكفي هذا المقدار مأخذاً ولا يلزم أن يكون فعله عليه الصلوة والسلام في خصوصية الذكر بكلمة التوحيد واسم الجلالة وخصوصية جمع اللسان والقلب وإفراد القلبنهأأااااا فإن كان قد ظفر المشايخ بشيء من ذلك فزيادة خير.) نعم (في قول العلامة في الجواب عن الجمع والإفراد فإن المستغرق الخ شيء فإنه لا يحسم مادة السؤال. ولا يقطع القيل والقال. كيف ونحن نرى مشايخ بعض الطرق الجليلة الشأن. يأمرون المريد من أول ساعة بالذكر القلبي وربما لا

استغراق له إذ ذاك إلا في بحار الجهل والنقصان. دون بحار الكمال والعرفان. ولا يكاد يندفع السؤال عنهم إلا بالتزام أنهم ظفروا بما يدل على أفضلية إفراد القلب ويلتزم القول بأن في ضم اللسان إليه إخلالاً بجمعية الفكر) وأيضاً (في قوله أول الجواب الأول يحتاج إلى إدمان الإثبات بعد النفي نوع مناقشة فإن الأظهر يحتاج إلى إدمان كلمة التوحيد مثلاً والقول بأنه اختار ذلك للإشارة إلى أن المقصود الأهم الإثبات لا يخلو عن دغدغة لكن هذا بحث لا يضر في المقصود كما لا يخفى وما أحسن قوله والحاصل الخ. لكن ذلك الأستاذ أعز من بيض الأنوق. بل أشبه شيء بالأبلق العقوق. ولا تغتر بالهيئات. والجلوس في التكيات. فليس التشابه في منظر. دليل التشابه في مخبر. وفي البرج يجتمع الكوكبان ... وما زحل ثم كالمشتري وعندي بعد كلام. لا تسعه كؤوس الأرقام. ولا تظنه من باب الإنكار. على أحد من المشايخ الأخيار. فذلك لدي من أقبح المعايب. لا يرتكبه إلا كل صخب الشوارب. بل أمر آخر يطول الكلام بذكره. وأكره سماع نهيق حمر جهلة المتصوفة من نشره. الرابع: بأي شيء يصير الفقيه صوفياً الجواب أن الفقيه يصير صوفياً بسلوكه نحو ما سلك الصوفية. قدس الله تعالى أسرارهم الزكية. وروح قلوبنا بنفحاتهم الذكية. وذلك بأن يتخلى عن الرذائل. ويتحلى بأنواع الفضائل. وقد اختلفوا في معنى التصوف اختلافاً كثيراً مذكوراً في محله. وفي آخر الفتاوى الحديثية طرف منه نفيس فارجع إليه) واختار السيد (قدس سره أنه الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهراً فيسري حكمها من الظاهر في الباطن وباطناً فيسري حكمها من الباطن في الظاهر فيحصل للتأدب بالحكمين كمال أي كمال وقال بعض الأجلة: تنازع الناس في الصوفي واختلفوا ... وكلهم قال قولاً غير معروف ولست أمنح هذا الاسم غير فتىً ... صافى فصوفي حتى سمي الصوفي وحصول نحو ما عند الصوفي للفقيه قلما يتفق من غير سلوك على يد شيخ كامل يعرف الداء والدواء وأكثر الفقهاء اليوم كالعطارين الذين يعرفون العقاقير ولا يعرفون خواصها أو يعرفون ذلك لكن لا يعرفون الداء الذي تنفع معه تلك الخاصة أو يعرفون ذلك أيضاً لكن لا يعرفون كمية ما ينفع فلا تغتر بفقهك إن كنت فقيهاً. وتوجه إلى ربك جل شأنه بالتخلية والتحلية تكن وجيهاً. واسلك طريقة القوم. لتسلم من العتاب واللوم. على نفسه فليبك من ضاع عمره ... وليس له منها نصيب ولا سهم ولا تظن أنك من غير طلب. تنال الإرب. وبدون جد. تنال وصال دعد. فتلك أماني كاسدة. وآراء أصلحك الله تعالى فاسدة. أراك تطلب دنيا ليس تدركها ... فكيف تدرك أخرى لست تطلبها نسأل الله التوفيق. والهداية لأقوم طريق. الخامس: ما التربية والوعظ يتأتى من الأستاذ تقريراً وتحريراً) الجواب (أن التربية كعلاج الطبيب للمريض فتتوقف على معرفة الداء ودرجته والدواء وكميته وربما تكون بتوجيه الشيخ المربي بهمة نفسه القدسية نحو من يربه نظير ما يقال في السلحفاة أو دابة أخرى أنها تربي بيضتها بالنظر ومتى قصرت فيه فسدت فكم فرق بينها وبين الوعظ كما لا يخفى على المصنف. السادس: بأي شيء تفترق الأمة بضعاً وسبعين فرقة كما في الحديث والمرتد لا يكون فرد من الأمة الفاعلة للافتراق.

) الجواب (إن الافتراق بالعقائد ولا سؤال بالمرتد على تقدير أن يراد بالأمة في الحديث أمة الدعوة كما جوزه بعض شراحه ونقله عن المحقق الدوائي في شرح العقائد العضدية. وأما على تقدير أن يراد بالأمة فيه أمة الإجابة وهم الذين آمنوا به عليه الصلوة والسلام كما هو الظاهر لأن أكثر ما ورد في الحديث على هذا الأسلوب أريد به أهل القبلة وفي الروايات الأخرى في حديث الافتراق ما يؤيده فيقال أن اللازم تقدم وصف الكون من الأمة على الافتراق تقدماً بالذات فلا يضر ذهابه بالافتراق إن كان ما حصل به الافتراق كفراً كما في الغرابية مثلاً وهذا كما تقول كفر المسلم ومات الحي وسقم الصحيح إلى غير ذلك فلا إشكال فتأمل. السابع: بأي شيء يعرف سبيل الله تعالى من السبل المذكورة في حديث خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وخطوطاً عن يساره وقال هذه سبل وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه. ) الجواب (يعرف ذلك بموافقة الشرع ومخالفته فما وافق فهو سبيل الله تعالى وما خالف فهو خلافه. ويرشد إلى ذلك قوله تعالى هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني. ولمعرفة الموافق من غيره موازين ذكرها حجة الإسلام الغزالي في بعض كتبه يطول الكلام بذكرها وإلا فما من فرقة ضالة من الفرق الإسلامية إلا تدعي الموافقة. وكل يدعي وصلاً لليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا الثامن: بأي شيء يعرف هذا الداعي) الجواب (ظاهر مما قدمناه بأدنى التفات. التاسع: هل يعارض هذا الحديث قول العامة من لا شيخ له فشيخه الشيطان حيث أن هذا القول يصدق على الشيخ كيفما كان. ) الجواب (ما بعد قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قول لقائل وأي قول ما عدا قول الله عز شأنه لذلك القول معادل. وروي عن مالك أنه ذكر لمسألة حديثاً فقال بعض الحاضرين قال أبو بكر كذا وقال عمر كذا فقال مالك الله الله يوشك أن تقع عليكم حجارة من السماء أنا أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تقولون قال أبو بكر قال عمر. فإذا كان قول الشيخين رضي الله تعالى عنهما وهما هما في جنب قوله عليه الصلوة والسلام مضمحلاً فما ظنك بقول من هو أقل باللفظ من لا. على أن لنا أن نقول المراد بالشيخ في قول العامة الشيخ الكامل المتبع لما جاء به عليه الصلوة والسلام لمكان قولهم فشيخه الشيطان إذ غير المتبع لذلك متبع للشيطان لا محالة غاية ما في الباب أن اتباع الشيطان متفاوت المراتب حتى أن بعض المتبعين له من هو أشد ضرراً منه. بل قد يكون شيخه في بعض الأمور التي تصدر عنه. نعوذ بالله تعالى من شر الشيطان. من الإنس والجان. العاشر: ما المتبع أقول الهيتمي في فتاواه يشترط في سند التصوف اتصاله بالحسن البصري ومنه بعلي كرم الله تعالى وجهه أو بأويس ومنه بعمر رضي الله تعالى عنه أم اجتماع أهل الزمان على ما اتصل سنده بالصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه. ) الجواب (كلام الهيتمي إن صح عنه في حيز المنع والحق صحة كل طريقة اتصلت بصحابي من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بسند مقبول عند المحدثين كسند الطريقة القادرية أو عند المشايخ المعتبرين كالسند المشهور للطريقة النقشبندية فإنه على خلاف أسانيد أهل الحديث لما فيه من الأخذ عن الروحانية لكنه معتبر عند أهل الله تعالى.) ثم (ما ذكر في السؤال من الاجتماع على ما اتصل سنده بالصديق الأكبر رضي الله عنه ممنوع فإن بلاد الإسلام مملوءة والحمد لله تعالى من الطرائق المتصلة بعلي كرم الله تعالى وجهه بل هي أكثر جماعة.) وأنا (لم أجد إلا شخصاً أو شخصين يتصل سند طريقتهما بعمر رضي الله تعالى عنه على أنه سند في القلب من صحته شيء) والحاصل (أنه كل ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند مقبول فعلى العين والرأس. وما كان على خلاف ذلك نبذناه وراء ظهورنا وإن تلقته بأيدي القبول جهلة الناس. والله تعالى ولي التوفيق. وهو سبحانه نعم المولى ونعم الرفيق. الحادي عشر: ما الفرق بين الجذبة الرحمانية والجذبة الشيطانية

) الجواب (أن الجذبة الرحمانية ما يحصل من وارد رحماني بواسطة أمر شرعي من استعمال ذكر أو استماع وعظ أو قرآن أو نحوها يضيق عنه وسع السالك فيفزع منه وربما يصعق مع بقاء شعوره كما في نحو العطاس والسعال ولذا لا يعاب من تعتريه ولا يعادلها وضوء. وهذا كثيراً ما يعرض في أول السلوك لضيق الوسع إذ ذاك.) وقلما (يعرض للكاملين المتسعة صدورهم للواردات والكثير عروض البكاء لهم والطمأنينة والاستغراق كما كان يعرض ذلك لأصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) وإنما (لم يعرض لهم الصعق ونحوه لاتساع قلوبهم وانشراح صدورهم بما أشرق عليها من مشكاة النبوة فمبتديهم كمنتهى غيرهم حيث فازوا بالإكسير الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم. وما يحكى من وقوع التواجد في محضره عليه الصلوة والسلام بل منه صلى الله عليه وسلم حتى أنه سقطت جبته عن كتفه الشريف إلى آخر القصة كذب لا أصل له لعن الله تعالى من افتراه ليروج به بدعته ومدعاه. وقد تقال الجذبة الرحمانية على تحويل الله تعالى عبده إلى حال أعلى وأغلى من حاله الذي كان فيه قبل التحويل بسبب الوارد المذكور. وقد تقال أيضاً على جذبه عز وجل قلب عبده إليه وتخليصه إياه من مخالب بازي نفسه. وجعله سارحاً في رياض أنسه وقدسه. وعلامة ذلك النشاط والعبادة وضعف تعلق القلب بالدنيا أو انقطاعه عنها بالكلية حسب قوة الجذب وضعفه. وقد يقوى الجذب إلى حد لا يبقى معه صحو أصلاً فيبقى العبد سكران القلب مستغرقاً في الرب وحينئذ يعذره الشرع إذا صدر منه ما ينكره من غيره لارتفاع التكليف إذ ذاك كذا قيل) ومن الناس (من لا يطلق الجذبة الرحمانية على ما يفوت معها الصلوة ونحوها ويقول لا بد أن يكون المجذوب محفوظاً عليه وقت العبادة وجعل ذلك أحد الفروق بين المجذوب والمجنون فليتأمل) وأما الجذبة الشيطانية (فهي نزغة من الشيطان كثيراً ما تحصل بواسطة أمر غير شرعي ظاهر يثير من النفس كوامنها. ويحرك منها سواكنها. كاستماع النغمات المحرمة فتنعق وتزعق. وتشهق وتزهق. وربما تحصل من تصور معشوق. يحلو للمتصور ويروق. وعلامتها عدم ندم صاحبها على التقصير وعدم اهتمامه بما يقربه إلى ربه سبحانه قدر قطمير وكثير ممن شاهدناه يصرخ من استماع النغمات المحرمة وينعق ويشدخ الحجر برأسه من شدة ضربه به ويسحق هو تارك للصلوة متبع للشهوات مستحل للمحرمات مستحلٍ لمر الخطيئات. أجازنا الله تعالى والمسلمين من ذلك ولا سلك بنا سبحانه هاتيك المسالك ولها إطلاقات أخر لعلها تعلم مما ذكرناه في الجذبة الرحمانية بأدنى فكر فتفكر. الثاني عشر: ما الحكم في طرد شيوخ الوقت من يحضر مجلس قراءتهم السور المعبر عنها بخزاتم الخواجكان ولو في المسجد ولو قاصداً للصلوة مع قول صاحب التحفة المسجد وقف للمصلي وللقارئ والواعظ بالتبع وقول صاحب الأنوار يسن الجلوس في حلقة القراءة والإصغاء إليها إلى غير ذلك مما يدل على قبح ذلك الطرد.

) الجواب (أنه لا شبهة في أن الطرد عن مثل ذلك في كل مكان قبيح وهو في المسجد أقبح وقل من يفعله لكن قبح ذلك إنما يسلم أن لو كان رغبة عن أن يشارك المطرود الجماعة في القراءة أو كراهة أن يصغي إليها وليس كذلك بدليل أنه لو قرأ نحو ما يقرءون أو القرآن كله لا معهم أو لو أصغى إليهم غير جالس في حلقتهم ولا مطلع على ما يقع منهم لم يمنعوه بل ذلك الطرد يحتمل أن يكون لكراهة أن يطلع على ما يقع منهم حيث أنهم ترد على بعضهم واردات لا يتحملها فيصعق منها أو يعتريه ما يغير هيئته ويهول رؤيته. ويشوق خلقته. ويخرج عن الانتظام حركته. فربما يفضي ذلك إلى سخرية من حضرهم وليس منهم واستهزائه واستخفافه بهم. حتى أنهم متى أمنوا من حضور الأجنبي نحو ذلك لم يمنعوه ولو دخل عليهم في بيوتهم فضلاً عن كونهم في المسجد وذلك بأن يكون صالحاً عارفاً بأحول السالكين عاذراً لهم فيما يصدر عنهم عند تلاطم أمواج الواردات عليهم ولا أظن أن في الطرد لهذا الغرض بأساً أو في إباحته لهذا المقصد التباساً ويحتمل أن يكون لأن الأجنبي قد يكون منكراً منتقداً لا مسلماً معتقداً فيكون حضوره حسبما جربوه مانعاً من الرقة والفيض وحصول الجمعية لمكان انعكاس حال الجليس على جليسه وأن البياض قليل الحمل للدنس ولا تكاد تطيب أنفسهم ببعد ما عن محبوبهم وإن ترتب عليه قرب ما للأجنبي منه ودرء المفاسد أولى كما قالوا من جلب المنافع فلا يرد أنه كما يخشى انعكاس حاله عليهم يرجى انعكاس حالهم عليه فتأمل وقد حكي أن الجنيد قدس سره وهو من تعلم جمع أصحابه في خلوة عن الأغيار فاشتغلوا بالذكر والفكر فلم يحصل لهم ما عودوه فقال انظروا هل فيكم أجنبي حرمتم الفيض بسببه فنظروا فقالوا لا فقال انظروا هل تجدون شيئاً من آثاره فنظروا فوجدوا نعلاً لمنكر فقال قدس سره من هنا أوتيتم فانظر إذا كان هذا حال نعل المنكر فكيف هو لو حضر بلحيته. وزاحم أهل الحلقة بفقحته. وحاصل الأول أن الطرد لمصلحة المطرود وحاصل الثاني أنه لمصلحة الطارد كمنع قارئ يشوش على مصل مثلاً وحاصلهما أنه ليس رغبة في أن لا يحصل له ثواب قراءة أو استماع وربما يستأنس في هذا المقام بما روي في الحديث الصحيح أخرج الحاكم في مستدركه عن يعلى بن شداد قال حدثني أبي شداد بن أوس وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال أنا لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال هل فيكم غريب يعني أهل الكتاب قلنا لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب وقال ارفعوا أيديكم فقولوا) لا إله إلا الله (فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة إنك لا تخلف الميعاد ثم قال ابشروا فإن الله قد غفر لكم. وكذا بما صح من رواية مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم دخل الكعبة فأغلقها عليه الحديث قال النووي عليه الرحمة إنما أغلقها عليه صلى الله عليه وسلم ليكون أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه ولئلا يجتمع الناس ويدخلوا أو يزدحموا فينا لهم ضرر فيتشوش عليه الحال بسبب لغطهم انتهى. وقد كان معه عليه الصلوة والسلام أسامة وبلال رضي الله تعالى عنهما فلا تغفل ثم أن تفسير الغريب في الخبر السابق بأهل الكتاب غير متعين كما لا يخفى على المنصف من ذوي الألباب فتأمل. هذا نهاية ما عندي في الجواب. مما لم أجده لعمرك في كتاب فإن حصل به الإقناع فذاك وإلا فاطلب نار فكرة وقادة فلعلك تجد على النار هداك ثم اعلم أنه يقال نحو ذلك في طردهم الأجنبي عن جمعيتهم للتوجه المعروف فيما بينهم ورابطتهم على الطرد هناك أقوى من رابطتهم على الطرد في ختم الخواجكان. وبالجملة إياك ثم إياك من الإنكار عن هوى على ذوي العرفان. الثالث عشر: ما الحكم في نهي فضلاء الزمان عن أكل طعام أهل الكتاب ويقولون أن يقسي القلب ويظلمه وهذا تحريم أو ارتكاب بدعة مذمومة بمقتضى قول شارح العباب واجتناب طعام أولي الكتاب بدعة مذمومة انتهى.

) الجواب (متى صدر هذا النهي من مرشد كامل ينظر بنور الله تعالى عز وجل فهو مقبول. ولولا ما يقال لقلت يلقى له في البحر كلام شارح العباب. وليس ذلك من باب التحريم في شيء كما لا يخفى على ذوي الألباب. وقد روي عن بعض الأئمة وأظنه الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه أنه كان في حبس الخليفة فأتته بطعام فلم تصل إليه فأعطته السجان ليوصله إليه فلما أتاه به لم يأكل منه شيئاً فقيل له إنه طعام أهل بيتك فقال نعم لكن اليد التي حملته فأوصلته إلي ظالمة يعني يد السجان ومثله ما يحكى عن بعض المشايخ أنهم لا يأكلون طعاماً يصنعه جنب أو محدث ويتحرون طهارة صانعه وصلاحه وأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لتأكيد إفادة الحل مع أنه عليه الصلوة والسلام وكذا أصحابه الكرام على نور تتحاماه الظلمة ورقة قلب لا يحوم حوله قسوة فتدبر. والله أعلم وأخبر. الرابع عشر: إذا دخل رجل بالزهد بأن أكل اللذائذ ولبس المفاخر وبنى فوق تسعة أذرع ارتفاعاً وطمع في الجلوس بصدر الديوان ودعا إلى الاجتماع إليه فهل يحسن الاجتماع عليه مع قول شارح الأربعين الاجتماع على رجل بغير زهد وورع بدعة مذمومة انتهى. ) الجواب (غير ذي الزهد والورع لا يحسن الاجتماع عليه ولا السلوك على يديه بل قالوا ترك السلوك خير من سلوك على يد ناقص لكن وقوع الإخلال بالزهد وأخيه من غير استمرار عليه لا يضر. فقد قيل للجنيد قدس سره أيزني العارف فقال وكان أمر الله قدراً مقدورا ثم ينبغي أن يعلم أن أكل اللذائذ وكذا لبس المفاخر ليس على إطلاقه إخلالاً بالورع والزهد فإن الورع اجتناب الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات وقيل ملازمة الأعمال الجميلة والزهد بغض الدنيا والإعراض عنها وقيل ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة وقيل أن يخلو قلبك مما خلت منه يداك ولبس المفاخر الغير المحرمة قد يكون لغرض شرعي مع إعراض القلب وعدم تعلقه بها والتفاته إليها كما وقع لكثير من المشايخ الكبار المقطوع بولايتهم بل قد وقع له عليه الصلوة والسلام كما لا يخفى على من تتبع الآثار وكذا أكل اللذائذ وقد صح أنه عليه الصلوة والسلام أكل حلوى عسلية صنعها له عثمان رضي الله تعالى عنه ولا شك أنه عليه الصلوة والسلام سيد الزاهدين والورعين ويقال نحو ذلك في البناء فوق تسعة أذرع فإنه ليس بمنهي عنه مطلقاً كيف وقد تمس الحاجة إليه والتفصيل في محله وربما يقال أيضاً في الطمع في الجلوس بصدر الديوان أنه ليس مخلاً بالورع والزهد مطلقاً إذا تأملت) وبالجملة (المدار الإخلال بشرطه المشار إليه سابقاً وعدم الإخلال. وأكثر الجهلة اليوم مجتمعون على كلاب دنيا لا يخطر لهم الزهد والورع ببال. وقد رأس أهل الطريقة أقوام هم في الحقيقة بالنسبة إلى أهل الشريعة أخس من نعال أقدام فيا أسفي على الطرائق العلية كيف عرتها اليوم هذه البلية. لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى استأمها كل مفلس نسأل الله تعالى أن يخلصها من أياديهم ويقطع بسيف غيرته سبحانه دابر من يواليهم. الخامس عشر: قال العلامة بن حجر في فتاواه اتفق الفقهاء على أنه لا ثواب للذكر القلبي وقال الإمام النووي الذكر بالقلب واللسان أفضل من الذكر بالقلب وهو ظاهر في أن للذكر القلبي فضلاً فيكون له ثواب فكيف التوفيق.

) الجواب (قد أخل السائل في النقل. ففي الفتاوى الحديثية لابن حجر ما نصه. سئل عن قول النووي في آخر مجالس الذكر من شرح مسلم ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من ذكر القلب انتهى. فهل يؤخذ من كلامه أنه إذا ذكر الله تعالى بالقلب دون اللسان أن ينال الفضيلة إذا كان معذوراً أم لا. وهل إذا قرأ بقلبه دون لسانه من غير عذر ينال الفضيلة أم لا. فأجاب بقوله الذكر بالقلب لا فضيلة فيه من حيث كونه ذكراً متعبداً بلفظه.) وإنما (فيه فضيلة من حيث استحضار معناه من تنزيه الله تعالى وإجلاله بقلبه. وبهذا يجمع بين قول النووي المذكور وقولهم ذكر القلب لا ثواب فيه فمن نفي عنه الثواب أراد من حيث لفظه ومن أثبت فيه ثواباً أراد من حيث حضوره بقلبه كما ذكرناه. فتأمل ذلك فإنه مهم ولا فرق في ذلك بين المعذور وغيره والله تعالى أعلم انتهى كلام الفتاوى. وقال في موضع آخر منها بعدما تقدم بورقات الذكر الخفي قد يطلق ويراد به ما هو بالقلب فقط وما هو بالقلب واللسان بحيث يسمع نفسه. ولا يسمع غيره. ومنه خير الذكر الخفي أي لأنه لا يتطرق إليه الرياء.) وأما (حيث لم يسمع نفسه فلا يعتد بحركة لسانه. وإنما العبرة بما في قلبه على أن جماعة من أئمتنا وغيرهم يقولون لا ثواب في ذكر القلب وحده ولا مع اللسان حيث لم يسمع. وينبغي حمله على أنه لا ثواب عليه من حيث الذكر المخصوص) وأما (اشتغال القلب بذلك وتأمله لمعانيه واستغراقه في شهودها فلا شك أنه بمقتضى الأدلة يثاب عليه من هذه الحيثية الثواب الجزيل ويؤيده خبر البيهقي الذكر ما لم يسمعه يضاعف سبعين ضعفاً انتهى كلامه. ويعلم منه أن ليس المراد من قوله في الكلام السابق وقولهم قول جميع الفقهاء بل قول جمع منهم ومن مجموع الكلامين يعلم جواب السؤال وما فيه من الإخلال. السادس عشر: إن من أهل الطرائق من ذكر الله في القلب وهو لا يصدق عليه تعريف الذكر لأنه مفرد وتعريف الذكر قول سيق لثناء أو دعاء. ولا سياق في المفرد. وقد نص الإمام النووي في فتاواه على أن المفرد ليس ذكراً وأيضاً هو لا يدل على تنزيه وإجلال ليحصل باستحضار معناه بالقلب ثواب فكيف أطبق جميع أهل تلك الطريقة على ذلك. ) الجواب (أنه ينبغي أن يكون المفرد ذكراً كالكلام لأن الذكر إن كان باللسان فهو مقابل الصمت والسكوت وإن كان بالقلب ويقال له ذكر بضم الذال فهو مقابل الغفلة أو السكوت الباطني أو القول النفسي وأياً ما كان فهو يتحقق بالمفرد بلا شبهة وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد كما قال الإمام مالك ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تنقص جلالة النووي رضي الله تعالى عنه إذا لم يؤخذ بقوله هاهنا. وقد اتفق له نفسه أنه لم يأخذ بقول من هو أفضل منه كأصحاب المذاهب الثلاث أبي حنيفة ومالك وأحمد رضي الله تعالى عنهم فما علينا نحن من بأس إذا لم نأخذ بقوله في هذه المسألة مع إنا أدنى من تراب نعاله رضي الله تعالى عنه. وأن الاسم الجليل وإن كان من حيث أنه علم شخصي على الصحيح موضوع للذات البحت يدل على التنزيه والإجلال باعتبار الأوصاف المشتهر بها ولا اشتهار حاتم بوصف الكرم وباعتبار ذلك قبل تعلق الجار به في قوله تعالى) وهو الله في السماوات وفي الأرض (على أن تلك الطائفة التي عناها السائل إنما يعتبرون الذكر القلبي به إذا كان مع ما يسمونه بالوقوف القلبي. وهو أن يستحضر الذاكر مع كل قول الله الله ذات بلا مثل وعليه فلا إشكال ولا قيل ولا قال. السابع عشر: قال العلامة بن حجر في فتاواه لابس المرقعة يجب أن يكون قد أدب نفسه بالأدب وراضها بالمجاهدات والمكابدات وتحمل المشاق وتجرع المرارات وجاوز المقامات واقتدى بالمشايخ أهل الاتباع والاقتداء وصحب رجال الصدق والاهتداء وعرف أحكام الدين وحدد أصوله وفروعه ومن لم يكن بهذه الصفة حرم عليه التعريض للمشيخة فما الجواب في إجماع الناس على من هو عن هذه الصفات بمعزل. وبعيد عنها بألف ألف منزل. أو يكون ذلك مصداق قوله عليه الصلوة والسلام بدا الإسلام غريباً وسيعود كما بدا.

) الجواب (أنه لا إجماع. وإنما هو اجتماع كثير من الرعاع. وجملة ممن يظن أنه ذو قدر خطير. وليس يمد في نفس الأمر في عير ولا نفير. وإن اتفق في المجتمعين. بعض العلماء المحققين. فذاك ممن ركس في أوحال الأمل. وضل عن سبيل الرشاد وعدل. وبرق له برق من سحاب هاتيك المرقعة. فحسب أن هناك صبياً يروي غليله فتبعه. وذلك لأنه رأى أن ذلك المجتمع عليه. قد أمال قلوب أهل الدنيا ومعظم ولاتها إليه. ونصب لهم فخاً ما وراء طور العقل فاصطادهم. ومد إليهم باع حيلة يضيق عن تفاصيلها نطاق القتل فاقتادهم. فقادت لذلك لهم كثيراً من أهل العلم شرط أطماعهم. ونظمتهم لا در درها في سلك مردتهم وأتباعهم. ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما فرمى الدين من ذلك بثالثة الأثافي. وقص من جناح الشريعة القدامى والخوافى. ولا أكاد أرى ذلك أمراً عجيباً. فقد ورد بدا الإسلام غريباً وسيعود غريباً. إن دام هذا ولم حدث له غير ... لم يبك ميت ولم يفرح بمولود ونسأل الله تعالى أن يجيرنا من الأعظم. بحرمة صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم. الثامن عشر: كيف يقولون الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق مع إدخالهم ألوفاً في طريقة واحدة. ففي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد وعلى كل تقدير لا منافاة بين الأمرين اللذين ذكرهما السائل ثم ينبغي أن يعلم أن نسبة شعاب الطريقة إليها كنسبة شعاب الشريعة التي هي الطرائق إليها. وإن شئت قلت كنسبة المذاهب المعروفة إليها. ويعد الكل طريقاً واحداً. وهو سبيل الله تعالى المشار إليه في حديث خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً الخ فتأمل. التاسع عشر: ما التوفيق بين قول الغزالي في الأحياء أن المبتدع قد يسلب إيمانه وقول الفقهاء تكره الصلوة خلف الفاسق والمبتدع. وبين قولهم لا ترد شهادة مبتدع لبدعة إلا أن يدعو إليها. ) الجواب (أنه لا تلازم بين كراهة الصلوة خلف شخص وبين رد شهادته بل قد لا تصح خلفه فضلاً عن أنها تكره وتقبل شهادته كالصلوة خلف المرأة فإنها لا تصح وقد تقبل شهادتها في بعض الحوادث كما بين في محله وقد تصح الصلوة ولا تكره خلف شخص ولا تقبل شهادته في الجملة كما إذا كان ذلك بين الوالد وولده فإن صلوة أحدهما خلف الآخر تصح بلا كراهة ولا تقبل شهادة أحدهما للآخر وما ذلك إلا لأن مدار أمر الاقتداء صحة وكراهة غير مدار الشهادة قبولاً ورداً وإن سلب الإيمان أمر لا نجزم به في شأن كل مبتدع ولا نطلع عليه وإلا لزمنا أن لا نصلي على من علم أنه مبتدع ولا ندفنه في مقابر المسلمين بل نعامله معاملة من علمنا أنه يهودي أو نصراني قبل هلاكه. مع أن الأمر ليس كذلك بالاتفاق فلما كان ذلك غبياً وكان الظاهر الإسلام وعدم الفسق بمجرد البدعة من غير دعاءٍ إليها كان لنا أن نقبل شهادة المبتدعة غير الدعاة إلى بدعتهم) والحاصل (أن مدار سلب الإيمان عند الموت وعدم سلبه شيء ومدار قبول الشهادة وردها شيء آخر فتدبر. السؤال الموفي للعشرين: من أعطى شيئاً على ظن صلاحه وليس له صلاح فهل يحل له أخذه أم لا. ) الجواب (لا يحل عليه أخذه ويحرم فقد صرحوا أن من أعطى شيئاً على صفة ليست فيه يحرم عليه أخذه. الحادي والعشرون: قال الهيتمي في فتاواه من يتوصل إلى الدنيا بطريق الصلاح أشد من الظلمة فهل من يتوصل بالعلم كذلك أم لا.

) الجواب (نعم من يتوصل بالعلم كذلك فيما أرى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وما ألطف ما حكاه لي بعض الثقات مما حاصله أن أمير المؤمنين في الحديث) الشيخ علي أفندي السويدي (رحمة الله تعالى عليه قال يوماً لحضرة مولانا المجدد المجددي سيدي وسندي) الشيخ خالد النقشبندي (قدس سره يا مولانا بئسما يفعله أكثر علماء الأكراد اليوم من الاشتغال بالفلسفة وهجر علوم الدين كالتفسير والحديث على عكس ما يفعله علماء العرب. فقال قدس سره كلا الفريقين طالب يعلمه الدنيا الدنية وطلبها بقال الله تعالى قال رسوله صلى الله عليه وسلم أقبح من طلبها بقال أفلاطون قال أرسطو فإن الدني إن طلب طلب بدني مثله) نعم (لو كانوا طالبين الآخرة فيا حبذا ما يفعله أكثر علماء العرب فسكت الشيخ علي أفندي السويدي. وصار في ذلك المجلس عليه الرحمة لا يعيد ولا يبدي. ولله تعالى در الشيخ قدس سره ما أغيره وما أغوره فتأمل. الثاني والعشرون: ما الحكم في شرب التتن عند الشافعية مع قول بعض الحنفية أنه حرام لتفتيره وقد ورد كل مسكر ومفتر حرام. ) الجواب (أنه تجري فيه الأحكام الخمسة على ما قرره بعض المتأخرين من فقهاء الشافعية في فتاواه) وأغلب (ظني أنه محمد بن سليمان المدني الكردي رحمه الله تعالى والقول بالتحريم مطلقاً ممن كان لا يعول عليه والمراد بالمفتر في الخبر مفتر العقل لا أعمم منه ومن مفتر البدن وإلا لحرم نحو اللبن لتفتير البدن والتتن لا يفتر العقل وإنما يفتران فتر البدن والله تعالى أعلم. هذا ما أردنا إيراده من الأجوبة المرية عن الأسئلة الجزرية ولم يبق من الأسئلة إلا أقل قليل. لا طائل في ذكرها والجواب عنها سوى التطويل.

ثم إنا بعد يومين أو ثلاث. سرنا من الجزيرة مع أصحابنا الدماث. ولم نزل في حل وترحال. ومسالمة سهول ومحاربة جبال. حتى أمطنا غبار العناء. براحة الحلول في) آمد السوداء (. قال في اللباب هي بمد الألف وكسر الميم وفي آخرها دال مهملة مدينة من الإقليم الرابع من ديار بكر وهي على غربي دجلة كثيرة الشجر والزرع. قال ابن حوقل وعليها سور في غاية الحصانة. قال المعاصر الشيخ رفاعة المصري في التقريبات الشافعية يظن أنه من بناء الرومانيين وأهلها أربعون ألفاً منهم نحو عشرين ألفاً نصارى) وأقول (أنها تشتمل على جوامع نفيسة ومدارس لكنها لخلوها عن التدريس غير أنيسة وطولها على ما في كتاب الأطوال) سرك (وعرضها) لزج (وفي الرسم طولها) سزن (وعرضها) لزنيب (وفي القانون طولها) لزل (وعرضها) لزمة (وفي المقاصد العوالي طولها) عج (وعرضها) م (ولعله المعول عليه وقد اعتبره من الجزائر الخالدات دون ساحل أوقيانوس) وفاتحها (أبو عبيدة رضي الله تعالى عنه واشتهرت بديار بكر وهو في الحقيقة اسم لذلك القطر الذي هي فيه وسمي به لأنه كان ينزله بكر بن وائل بن قاسط بقومه وفي التقريبات ربما سميت أيالة بكر باشوية بغداد وكانت أيالة الجزيرة وديار بكر وهي ما بين دجلة والفرات تسمى عند اليونانيين) ميشوبوتاميا (وفي نشوة المدام. ما يتعلق أيضاً بهذا المقام. فارجع إليه إن أردته) وسألني (بعض مدرسيها المشهورين بين أهاليها عن قول العلامة البيضاوي. فإن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض في تفسير قوله تعالى في سورة النساء فإن لم يعتزلوكم الآية. فذكرت له ملخص ما ذكره في رسالة مستقلة الفاضل سليمان أفندي ابن الحاج أحمد المدرس بالمدرسة الشعبانية. المشروطة للغرباء في حلب المحمية. ثم أخرجت لهم الرسالة فقالوا الحمد لله على الخبير سقطنا. ومن درر البحر الغزير التقطنا. فلننقل لك ملخص ذلك. مما كان هنالك. مع ما يزيدك بصيرة من عبارة البيضاوي. بيض الله تعالى غرة أحواله يوم تهوى بسود الوجوه المهاوي) فأقول (قال قدس سره. فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم بأن لم يتعرضوا لكم وألقوا إليكم السلم الاستسلام والانقياد. فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم. ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم وينبذوا إليكم العهد ويكفوا أيديهم عن قتالكم. فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم حيث تمكنتم منهم فإن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض انتهى. فأقول قوله إن مجرد الكف الخ. تعليل لاعتبار إلقاء السلم في المفهوم المخالف من قوله تعالى فإن لم يعتزلوكم الخ. فالمعنى وإنما اعتبر إلقاء السلم في المفهوم المخالف لأن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض لا من جهتهم لإمكان تعرضهم باللسان وغيره ولا من جهتنا وهو ظاهر وإذا لم يوجب مطلقاً فاعتبر إلقاء السلم في هذا القول فإن مجرد الكف والاعتزال وعدم القتال لا يوجب نفي التعرض وإذا لم يوجب فاعتبر إلقاء السلم في هذا القول وفيه بعد ما لفظاً بخلاف الأول وكلا الوجهين إذا كان قوله تعالى ويكفوا معطوفاً على النفي وتوجه النفي إلى الجمع كما هو الظاهر. ويمكن أن يكون معطوفاً على النفي ويتوجه النفي إلى الأولين فقط لا إليه ويكون المتوجه إليه هو الشرط المتوجه إليهما وسقوط النون لذلك ويكون المعنى فإن لم يعتزلوكم اعتزالاً كلياً ولم يلقوا إليكم السلم بل اعتزلوكم اعتزالاً جزئياً ويكفوا أيديهم عنكم فخذوهم الخ. فإن مجرد كف اليد لا يوجب نفي التعرض وإذا لم يوجب فخذوهم واقتلوهم فهو تعليل للتالي في الشرطية الثانية ولعل هذا أقرب لفظاً ومعنىً ويؤيده تأخير قوله تعالى ويكفوا عن قوله سبحانه ويلقوا مع أن مقتضى الظاهر والمناسب لترتيب أجزاء المقدم في الشرطية الأولى تقديمه عليه فتأخيره عنه والعدول عن مقتضى الظاهر يشعر بعدم توجه النفي إليه ويؤيده أيضاً أن السبب في نفي التعرض لهم مجموع أمرين. أحدهما اعتزالهم المراد بعدم قتالهم وكف أيديهم عن المسلمين. وثانيهما إلقاؤهم السلم إليهم كما هو المفهوم من الشرطية الأولى وإذا كان كذلك فانتفاء أحدهما يكفي في انتفاء نفي التعرض ولا حاجة إلى انتفاء الآخر وإلا يلزم الواسطة وتفوت المقابلة فافهم وإنما قلنا فالمعنى فإن لم يعتزلوكم اعتزالاً كلياً لقرينة المقابلة وليكون رفع إيجاب كلي فلا

يناقض الإيجاب الجزئي ويفهم منه حكم السلب الكلي فإنهم إذا لم يعتزلوهم أصلاً ولم يلقوا السلم ولم يكفوا أيديهم فأخذهم وقتلهم بالطريق الأولى وإذا أحطت خبراً بما سمعت من المقال علمت اندفاع ما قاله ابن الكمال وهو أن قوله تعالى ويكفوا إن كان معطوفاً على المنفي فأين الكف حتى يقال فإن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض وإن كان معطوفاً على النفي يلزم التناقض انتهى واندفاعه على كل من الشقين كما لا يخفى على ذي عينين ثم ينبغي أن يعلم أن الاعتزال وعدم القتال وعدم التعرض وكف الأيدي كلها شيء واحد ويشير إليه قول المصنف بأن لم يتعرضوا لكم فعطف فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم من قبيل عطف المفصل على المجمل ويؤيده الفاء وكذا العطف في قوله تعالى ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم في المآل على التقدير الثاني وأما على التقدير الأول فمن قبيل عطف الخاص على العام ويمكن أن يكون الاعتزال أعم من عدم القتال فالعطف من القبيل الثاني وإن يعلم أن قول المصنف وينبذوا إليكم العهد تفسير لقوله تعالى ويلقوا إليكم السلم على أن يتوجه النفي إليهما ويؤيده السياق والسباق ودأب المصنف والواو وإليكم كما لا يخفى وليس بإضراب ولا ترق لآباء المذكورات عن ذلك. وأيضاً إذا لم يوجد إلقاء السلم والعهد فكيف يتصور نقضه وإبطاله على أنه يلزم على تقدير الحمل عليهما ثبوت الواسطة ويبقى حكمها مجهولاً ولا يفهم بالطريق الأولى فتأمل جميع ذلك. والله تعالى الهادي لأوضح المسالك. هذا خلاصة ما في الرسالة وللبحث في بعض ما ذكره مجال كما لا يخفى على فحول الرجال لكن علماء آمد قنعوا وفرحوا بما سمعوا وفي الآية الجليلة كلام تستحسنه إفهام ذوي الأفهام فارجع إلى تفسيرنا روح المعاني تجد من ذاك ما هو ألذ من رنات المثاني) ولقد سئلت (أيضاً عن مسائل يطول الكلام بذكرها من غير طائل) وأقمت (نيفاً وعشرين يوماً في آمد السوداء بعيشة خضراء ونعمة بيضاء بين قوم يتوددون ولإقامتي فيهم إلى الأبد يودون بيد أني ما شمت فيهم من ذاق حلاوة كلام العرب ولا شممت من أردان شمائلهم نفحة علم الأدب ولا وجدت عندهم كتباً أدبية أرتع في حدائقها وأستمتع ما دمت بين ظهرانيهم بصافيها ورائقها وأسرح طرف الطرف في طرفها وأتلذذ بموائد مبسوطها وفواكه نتفها فبقي طائر قلبي في قفص الحيرة حبيساً وغدا لي يوم الوحشة في عش الدهشة أنيساً:

ما في الركاب أخو وجد نطارحه ... حديث نجد ولا خل نجاوبه ) فبينما (أنا في ذلك الحال أترقب أن تميط بنان العناية عن لبي قشر البلبال هبت علي من جانب أرزن الروم نسمة نداء عطس منها عرنين فؤادي المزكوم فجعلت أشمشم جيوبها وقد استطيبت هبوبها وأسألها عن مهبها ومعطر أردان ثوبها فقالت مهبي فجر الوفاء ومعطر أردان ثوبي فخر الوزراء) حضرة محمد حمدي باشا (لا أنتعش معاديه ولا عاشا وهو يدعوك للقدوم إلى جنابه الفسيح فإن أردت شرح حواشي صدرك فاركب إليه ولو متن الريح فعندما تحققت ذلك نشرت جناحي وطويت لأجله سباسب المسالك لكني لم أصل إليه إلا بعد مقاساة أخطار وأشرفت غير مرة على أودية تيار حيث غدا معظم سيري على مناطق جبال غدت في الارتفاع معادلة لمنطقة معدل النهار لو رآها راء في منامه لفزع أو تهدد بسلوكها جان من الجان لجزع ولعمري لولا فسحة الأجل لنر أن يقال سلم البائس أو وصل ولصفق على أهل الوداد صفقة المغبون ولا التحقت بألف ألف ألف ألف ألف هالك أو يزيدون ولما حللت مغناه وحققت صورته ومعناه وجدت ما شغلني عن الأهل والوطن وأذهلني عن كل صفي وسكن وإنساني طوق إحسانه الذي طوقنيه هاتيك المناطق وصغر في عيني كبيراً إكرامه الذي أكرمنيه ما عاينته من البوائق وظفرت منه بضالتي المنشودة وبغية نفسي المفقودة: ونلت مرادي فوق ما كنت راجياً ... وليس ورا ذاك الذي نلت مطمع ) وأرزن الروم (بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة وبعدها نون وهي مضافة إلى الروم بلدة من الخامس من أرمينية وهي آخر بلاد الروم من جهة الشرق وفي شرقها وشمالها منبع الفرات ذات قلعة حصينة في الجملة ودور ظريفة وجوامع جليلة جيدة الهواء شديدة الشتاء وهو فيها ثمانية أشهر. ومن الناس من يقول امتداد شتائها كامتداد صيف بغداد. وأهلها على ما في التقريبات تسعة وسبعون ألفاً. وقال بعض المعاصرين من الجغرافيين أنهم يزيدون على مائة ألف وطولها على ما في الأطوال) سط (وعرضها) ما (وفي الرسم طولها) مو (وعرضها) لطية (وقال ابن سعيد طولها) سد (وعرضها ميل (وفي بعض كتب الجغرافيا لبعض المعاصرين طولها) نطيا (وعرضها) مرا (وأيضاً الصحيح) وفاتحها (عياض بن غنم الأشعري أرسله أبو عبيدة بعد أن فتح الشامات في زمن عمر رضي الله تعالى عنه سنة عشرين بعد الهجرة وهو الذي فتح أيضاً بلاد الأكراد وسعرد وبدليس وما حولها والناس اليوم يسمونها أرضروم وأزروم والأصل ما ذكرناه كما في القاموس وغير كتاب من كتب الجغرافيا. وبالإضافة إلى الروم تميزت عن أرزن غير مضافة فإنها من آخر الرابع من أطراف أرمينية عن خلاط ثلاثة أيام وطولها على ما في الأطوال) سه (وعرضها) لح (وقال ابن سعيد طولها) سو (وعرضها) لطى (ولم يتعرض لها المعاصر لأنها خراب وغير مشهورة ومثلها في الخرابية خلاط المشهورة بين العوام بأخلاط فهي اليوم يتجاوب في نواحيها اليوم وتتناوح في أراجيها الريح السموم. يستوحش فيها الأنيس. ويرثى لمصابها إبليس. ويوشك أن يساويها غيرها في ذلك. لعظم ما قد حل من البلاء لسوء معاملة المأمورين في أكثر الممالك. وفي بعض الكتب أن أرزن الروم كانت تسمى قاليقلا فليراجع.) ومحمد حمدي باشا (هو رجل من رجال إسلامبول. ولد على أيدي قوابل الاعتبار والقبول. وارتضع لبان المجد. وامتهد حجور السعد. حتى ترعرع وبرع. وورد منهل المجرة وشرع. وفاق الأقران. وزاحم منكبه كيوان. فهو اليوم لا يجارى بكرم. ولا يبارى بمحاسن شيم. ذو وفاء وافي. وطبع من كل غش صافي. أريحي في العلى آثاره ... شامة لاحت على وجه جميل آصفي الرأي كم أبدى لنا ... في الملمات جواز المستحيل لم يزل صباً بأبكار العلى ... غير مصغٍ لأحاديث العذول لا يرى مثلاً له في عصره ... غير آحاد لدى التحقيق حول ورد بغداد في معية حضرة فاتحة قرآن العرفاء. وخاتمة قرون الوزراء) علي رضا باشا (. كان له رضى مولاه سبحانه غطاءاً وفراشاً. فنلت إذ ذاك تفضله. ورقيت إلى ما رقيت بإخلاصي له. فأنا ربيب نعمته. وغرس أيادي أياديه وهمته. فها أنا شاكر ما دمت حياً ... أيادي منه لا تجزى بشكر

وبقي في بغداد مدة مديدة. وأعواماً على عامة أهل وداده سعيدة. وهو في جميع تلك المدة بدر سماء وزارة ذلك الوزير. ونجمها الذي يهتدى به في ليل المشكلات ذلك المشير. وكان عليه الرحمة وهو المهاب يهابه. ويهوله وهو البحر الخضم عبابه. ثم رجع لأمرٍ ما إلى الأستانة العلية. فخطبته حوراء الوزارة البهية. ولم تزل تراوده حتى نكحها كرهاً وما كان في قلبه من قبل أن يمنحها وجهاً. رب شخص تقوده الأقدار ... للمعالي وما لذاك اختيار غافل والسعادة احتضنته ... وهو عنها مستوحش نفار وقد تشرفت بولايته عدة أيالات. وما انفصل من أيالة الأواصل أهلها البكاء لما أضحكهم من أياديه السالفات. وكان بينه وبين المرحوم) علي رضا باشا (قرابة سببية. وكانت أقوى من كثير من القرابة النسبية. وذلك أنه كان متزوجاً بخالته. ولذا اتحدت حالته بحالته. وكان هو متزوجاً ببنت درويش باشا الصدر الأعظم. وبعد وفاته خرجت عليه الصدور فصودر بما الله تعالى بمقداره أعلم. وكان أبوه رئيس وزراء العساكر البحرية. وكان داهية دهما مع ديانة وأياديه البيض أدهمية. وهو زاده الله تعالى في الآخرة انتعاشاً. مشهور في البر والبحر بسيدي) علي باشا (. وسبب ذلك أنه كان والياً في الجزائر. وكان يجلب بملاطفته قلوب أهلها الأكابر والأصاغر. فكانوا يخاطبونه على وجه التعظيم بسيدي بالتخفيف. وكذا كانت عادتهم في خطاب كل جليل شريف. فاشتهر بذاك. من بين وزراء الأتراك. تغمده الله تعالى برحمته. وأسكنه الغرف العلية من جنته.) وبالجملة (حضرة المترجم. حفظه الله من كل ألم. لا نظير له في الوزراء حسباً ونسباً. وأنه لكريم الطرفين أماً وأباً. يا من يناظره بالغير من ملك ... هداك ربك ما دير كمسجده والفرق واضح ليس فيه مشتبه. بين من يفتخر بالوزارة ومن تفتخر الوزارة به. وكم بين من كلمت رقبته بشفاه الرق يد النخاس. ومن ملكت رقته بما تفضل به من أكياس الورق رقاب الأحرار الأكياس. وهيهات أن يقاس وزير يتلون تلون الحرباء بين شقاق ونفاق. بوزير صبغه الله تعالى بيد النعماء فغدا يختال ببياض محاسن الأخلاق. ولا يغرنك أن هذا وزير وذاك وزير. فبين النجم والنجم فرق كبير وبعد كثير. قد يبعد الشيء عن شيء يشابهه ... إن السماء نظير الماء في اللون أسأل الله تعالى أن يعطيه سؤله. ويبلغه عن قريب مأموله. ويوالي مواليه. ويعادي سبحانه معاديه) وأقمت (نحو خمسة وعشرين يوماً في أرزن الروم. وقدر بين أجلة أهاليها يسامت النجوم. وقد أخذ عني كثير من فضلائها الكرام. وألبست خرقة الأذن غير واحد من علمائها العظام. وصنع لذلك طعام وفير. أكل منه الغني والفقير. وكان ذلك في يوم مشهود. هو عند الأجلة من أجل الأعياد معدود. وكل ما قد كان. من آثار ذلك الوزير العلي الشأن. وفي نشوة الشمول. بعض إجازات حررتها لأولئك الفحول. أن أحببت الوقوف عليها. فأرجع هديت إليها. وبعد أن استوفينا ما قسم لنا من الخبز والماء. وأتممنا ما كتب علينا من الإقامة في هاتيك الأرجاء. خرجنا مع حضرة الوزير المشار إليه. لا زال السعد آخذاً بضبعيه. متوجهين بسرور واستئناس. إلى محل ولايته بلدة سيواس. حيث أنها نادته ليكشف بنسائم رأفته عنها غيوم الغموم. فوجهت له لحسن حظ أهلها بدل أيالة أرزن الروم. فنالت من توجيهه إليها مناها. وآلت أختها من فراقه إياها تبكي شجاها. بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد

ولم نزل في حل وارتحال. نفري بطون أودية ونفاق هام جبال. حتى دخلنا في يوم مشهود) سيواس (. فجعل سامري النصب وطالما سامرناه ينادي لا مساس. وهذه البلدة بكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الواو وبعدها ألف وسين مهملة وهي بلدة من الخامس وقاعدة أرمينية الصغرى التي كانت تسمى بلاد الروم. وملوكها يلقبون بملوك الروم. والبلد في سهل من الأرض على نهر يقال له) قزل أورماق (يقرب منبعه منها وهي مدينة وسخة ردية البناء شديدة الشتاء بنى لها السلطان علاء الدين السلجوقي عليه الرحمة سور من حجارة فخربه تيمورلنك ملك المغول يوم خربه مع المرحوم السلطان بايزيد العثماني واستيلائه عليه واتفق تاريخ ذلك لفظ) خراب (. وتشتمل اليوم على جوامع وحمامات وأسواق. دون ما كان أولاً حين استولى عليها الطاغية تيمور. ويقال أنها تشتمل اليوم على نحو ألف دار. وقيل على أكثر من ذلك بقليل وهي قليلة الأشجر والثمار. وطولها على ما في الأطوال) سال (وعرضها) مى (وقال ابن سعيد طولها) لطيا (والله أعلم بالصواب. وفيها علماء أفضلهم) جاشغون أفندي (المفتي وهو على كبر سنه أشد حياءً من ذوات الحجال. وعلى قلة ذات يده أكرم من ابن مامة وابن سعدي بين الأمثال. وفيها وجوه أوجههم من زمرة العلماء. رجل يقال له) أوليا أفندي (كان مفتياً فترك باختياره الإفتاء. حيث رأى الابتلاء بذلك من مر القضاء. فهو اليوم في ذلك البلد. محترم مكرم عند كل أحد. ذو خلق ألطف من النسيم. وفكاهة ألذ من التسنيم. ولباس كلباس الشيوخ. غير أنه ليس له مثلهم فخوخ. فكأنه أحد الأولياء. في هاتيك الأرجاء. وأوجههم من سائر الناس. ذو الذهن المزري بالنبراس. صاحب الأخلاق الحسان. حر النفس) عبدي أفندي (خواجكان. وهو الذي نزلت في داره العامرة. فكانت سحب هممه بوابل المسرة لي غامرة. رأيته ينشد بلسان حاله. وشفتي فضله وأفضاله. وإني عبد الضيف ما دام نازلاً ... وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا ) وبقيت (هناك خمسة أيام. ثم توجهت جهة مقصدي بسلام. وقد أثقل ركابي ببره. فخر وزراء عصره. فخرجت من عنده وكل شيء عندي. ولذا قرت عليه بعد الله عز وجل حمدي. وإن أنا لم أشكر لنعماه جاهداً ... فلا نلت نعمي بعدها توجب الشكرا ولم أزل أحث العملات. حتى أتيت مدينة) توقات (. وهي على ما ف أوضح المسالك بضم التاء المثناة من فوق وسكون الواو وفتح القاف ثم ألف وتاء مثناة كالأولى بلدة صغيرة في الروم من الخامس في لحف جبل من تراب حمر انتهى. وذكر الشيخ رفاعة الطنجاوي في التقريبات أن أهلها مائة ألف. وقال بعض الجغرافيين من الروم المعاصرين أنهم يقربون من ذلك وتصنع فيها آنية النحاس وتحمل منها إلى كثير من البلاد لجودتها وبجوارها يخرج العنب الجيد وفاكهتها كثيرة وطولها على ما في الأطوال) سال (وعرضها) ماي (وكثير من الناس يقولون طوقات بالطاء أولها وبعضهم يبدل التاء آخرها دالاً والأصل الصحيح ما ذكرناه ومعظم أهلها أهل حسد ودناءة. وارتكاب ورداءة. وليس بين سكنتها اليوم في مكارم الأخلاق مثل) خان أفندي (وأصله من أهل غازي قمق هاجر من بلده فسكن بعد اللتيا والتي بينهم في ذلك المغنى. فهو لعمري هناك غريب حساً ومعنى. وأرداهم طبعاً. وأكثرهم للمساوي جمعاً. مفتٍ فيها اسمه أحمد. فقد أطفئ بصرصر أخلاقه نور الإفتاء وأخمد. وقد أحسست منه بكبر وحسد. وغل وحقد. وعجب ومكر. وجبن وبخل وشر. مسا ولو قسمن على الغواني ... لما أمهرن إلا بالطلاق

) واتفق (أن ذهبت يوم دخلت إلى جامع لاستماع الوعظ. فوقعت على واعظ كبا به جواد الحظ. فأضخت بعد أن قعدت حيث يسمع قوله. فإذا هو يقرأ خبر سبعة يظلهم الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله. فغلط والله في لفظ الخبر. سبع غلطات أو أكثر. وقبل الشروع في التفسير والتأويل. ذكر حديث دنو الشمس من رؤوس الخلائق في المحشر قدر ميل. ثم قرر ما قرر. وأجرى من عيون المستمعين العبر. وبعد أن ختم. وقبلت منه اليد والقدم. تقدمت إليه. وسلمت عليه. وقلت يا سيدي. أنا مستفيد فأفدني. كيف يكون للعرش ظل والشمس دونه. على ما يقرره المحدثون ويذكرونه. فاصفر وجهه وتلعثم. وجعل يلوك بلحييه ولا يستطيع أن يتكلم. فعدا على من أقصى الجامع رجل قصير. فقال لي ألست تؤمن بأن الله تعالى على كل شيء قدير. فقلت بلى. أنا مؤمن بقدرته على جميع الممكنات جل وعلا. فقال إذن يلزمك أن تؤمن بأن للعرش ظلاً على الأرض. وإن اقترن به عامل الرفع واقترن بالشمس عامل الخفض. وأمر الآخرة غريب. بل كل شأنها عجيب. ثم أكثر الهراش علي. فجعلت أعدو والتفت مخافة أن يعض رجلي. وسألت عنه فقيل لي هو أمين الفتوى. وأنه شرير عديم التقوى. فقلت وافق شن طبقة. وسبحان من أتقن كل شيء خلقه. وهذا السؤال مشهور. وهو في كتب الحديث مسطور. وقد أشار إلى جوابه المناوي في شرحه الكبير للجامع الصغير. فقال أضاف الظل إلى العرش لأنه محل الكرامة. وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش ليس شيء فوقه يظل منه انتهى. وجوز أن لا يراد بالظل حقيقته بل الحماية. والإضافة إلى العرش لتعظيم شأنه. وكذا جوز أن يكون الكلام خارجاً مخرج الاستعارة التمثيلية ويراد أيضاً الحماية والحفظ من أهوال يوم القيمة فتأمل. وقد نظم أبو شامة معنى الحديث فقال: وقال النبي المصطفى أن سبعة ... يظلهم الله العظيم بظله محب عفيف ناشئ متصدق ... وباك مصل والإمام بعدله

وذيلها الحافظ ابن حجر. بأبيات أخر. ولا حصر عنده بسبعة كما صرح بذلك في أماليه. وفي رسالته التي سماها معرفة الخصال. الموصلة إلى الأظلال. وأنهى السخاوي والجلال السيوطي فيما ألفاه في ذلك تلك الخصال إلى تسعين خصلة ولذا قيل العدد في الخبر السابق لا مفهوم له فليحفظ. وهذا استطراد فلنكتف بهذا المقدار. مخافة الملل من الإكثار. ولم أبق في توقات سوى ليله. لما أني رأيت من أهلها حشفاً وسوء كيله. ولم أزل في عروج على معارج الجبال إلى النجوم. وهبوط في مدارك الأودية إلى التخوم. فما أتيت) سامسون (. إلا بعد أن كادت تصفق على الأحبة صفقة المغبون. وهي بالسين المهملة ثم ألف وميم وسين ثانية وواو ونون مدينة من السادس من سواحل الروم. وهي فرضة مشهورة قال في تحفة الآداب سميت بسام ابن نوح عليهما السلام. وفي جهان نما بدل السينين صادان والعامة يسمونها صمصوم بصادين مهملتين بينهما ميم وبعد الثانية واو بعدها ميم. قال ابن سعيد هي على شرقي نهر يخرج من عند أماسية ويمر حتى يصب في البحر عند سامسون. وقال غيره لها قنى وعليها بساتين وهي في وطاءة والجبل من جهة الجنوب منها متصل شرقاً وغرباً بساحل البحر وهو البحر الأسود ويسمى البحر الأزرق وبحر القرم ويقال له في القديم بحر نيطش بنون مكسورة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة ثم طاء مهملة مكسورة ثم شين معجمة وفي مختصر معجم البلدان لصفي الدين عبد المؤمن ما يستفاد منه أنه بنطش بباء موحدة ثم نون ساكنة بعدها طاء مهملة اكنة وآخره سين مهملة. وحكى صاحب الأصل ياقوت الحموي أنه كذا وجده بخط أبي الريحان وهو يبتدئ من طرف بلاد الترك في الشمال ويمتد إلى ناحية الغرب والجنوب ويتضايق حتى يصب في بحر الروم ويكون خليجاً في مصبه وهو خليج القسطنطينية وله جرى ما يظهر هناك ولا يكاد يدرك سبب ذلك إلا بحراً في العلم مديد وهو أشد خطراً من بحر الروم الذي يصب هو فيه) وطول سامسون (على ما قال ابن سعيد) نطك (وعرضها) مويح (. ومن العجب أن حماماتها مربع للولدان. ومرتع للغزلان. إلا أن معظم أهلها ذياب. وأكثر أهل السوق أجلكم الله تعالى كلاب. وقد) سألني (عن عدة مسائل بعض الأخيار. من أهمها الجمع بين حديثي أطفال المشركين في الجنة والوائدة والموؤدة في النار. فقلت أن الإمام النووي عليه الرحمة في شرح مسلم قال في حديث الوائدة معنى الوائدة والموءودة في النار. القابلة التي كانت تستر الولد في الأرض والموءودة لها وهي أم الولد في النار. وبهذا يتجلى الغبار.) ثم إنا (ركبنا البحر الأسود لطلب العيش الأخضر. وأذاقه البدو الأزرق طعم الموت الأحمر. فقاسيت من أهواله ما يذيب المهج. وحدث عن البحر ولا حرج. البحر صعب المذاق مر ... لا رجعت حاجتي إليه أليس ماء ونحن طين ... فما عسى صبرنا عليه وجعلت نفسي تلوم. وتتمنى لو بقيت في صمصوم. فقلت لها دعي اللوم. وعي قول لابنة القوم: وقائلة أراك ركبت بحراً ... يشيب فذال قلبك من كروبه وتهرب فلكه شرقاً وغرباً ... وترهب من صباه ومن جنوبه فقلت دعي الملام فقد دعتني ... نوازل يا أميم إلى ركوبه ) ثم أني (لم أزل أذكرها يوم اتهم الهم بها وانجد. حتى أنسيتها ما نزل بها من الموت الأحمر الأسود. فتركت عذلي. وعدت أطوع إلى من ظلي.) وفي اليوم الرابع (لثمت شفاه العيون ثغر القسطنطينية. وشربت أفواه القلوب خمر السرور بجام رؤية قصورها العلية. وريثما انسابت سفينة الدخان في الخليج سكن اختلاجها. وانجلى عن أفق سمائها دخان أحشائها وعجاجها. ثم أخرجت أثقالها. كأن ربك أوحى لها. فصدر الناس عنها أشتاتاً. بعد أن كانوا فيها أمواتاً. وصدرت أنا إلى بيت) حمدي باشا (. فوردت فيه من حياض الراحة ما زادني انتعاشاً. وكان ذلك البيت الأجل عند الساحل. في محل يسمى جنكل. وهو بمرأى من القسطنطينية ومسمع. ومقعد بين شعبها الأربع. فبقيت هناك مدة. قعيد مخدرة الوحدة. فلا صديق إليه مشتكى حزني ... ولا أنيس إليه منتهى جذلي

وعطرت هناك أردان وحدتي. بنفحة رسالة ذكرت فيها إلى الريحانتين نسبتي. مع ذكر نسبة آخرين. غدوا في البلاد متفرقين. وبعد عدة أيام دخلت القسطنطينية. وبلغت من الحلول فيها الأمنية. وهي بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء الأولى وقد تضم وبعدها نون ثم طاء مكسورة وبعدها ياء ساكنة ثم نون بعدها ياء مشددة وقد تسقط هذه الياء فيقال قسطنطينة. قال الشيخ رفاعة في التقريبات الشافية لمريد الجغرافية كانت هذه المدينة في سالف الأعصر قرية من قرى طراسة التي هي الآن روملي وكانت تسمى ليغوس ثم صارت بعد نزول قبائل اليونان تسمى بيزنطيا) ولما (صارت تحت مملكة الرومانيين سمين نيي روما أي رومة الجديدة ثم أبدلوا هذا الاسم بالقسطنطينية. وفي كتب تواريخ المسقو تسمى زرغورود يعني المدينة الملكية والبلغار والأولاف يسمونها زرعوراد وأهل جزيرة أسلندة والسكندناوية كانوا يسمونها في القرن العاشر من تاريخ الميلاد مكلا غرد أي المدينة الكبيرة) وأما إسلامبول (فلفظ مركب من كلمة يونانية وكلمة عربية والمراد مدينة الإسلام انتهى. وفي القاموس أنها تسمى بوزنطيا وفي موضع آخر منه أنها تسمى فروق أيضاً. وذكر ماغريفوريوس في مختصر الدول أن قسطنطينوس قصر القاهر ملك اثنتين وثلاثين سنة وفي السنة الثانية له ملك على الفرس ابور بن هرمز واستمر تسعاً وستين سنة وفي السنة الثالثة بنى لبوزنطيا سوراً وزاد في ساحتها أربعة أميال وسماها قسطنطينية ونقل الملك إليها. وفي السنة السابعة استعد لغزو مكسانطيس بن بنت يوز فيلطيانس لأنه لم يبايعه وغلب على رومية وكان قسطنطينيوس يفكر إلى من يلجئ أمره في هذا فبينما هو كذلك رفع رأسه إلى السماء نصف النهار فرأى راية الصليب في السماء مثل النور وقد كتب فيها بهذا الشكل تغلب فصاغ له صليباً من الذهب وكان يرفعه على رأس رمح ثم أنه غزا رومية فخرج إليها مكسانطيس فوقع في نهر واختنق وافتتح قسطنطينيوس مدينة رومية وبنى في القسطنطينية بيعة عظيمة وسماها أجياسوفيا أي حكمة القدوس. وفي أيامه حاصر سابور مدينة نصيبين ثلاثين يوماً وبدعاء أسقفها مر يعقوب وتلميذه مارا فريم رحل عنها خائباً ومات قسطنطينوس سنة اثنتين وأربعين وستمائة للإسكندر يوم الأحد لثمان بقين من أيار وكان قد قسم ملكه بين بنيه الثلاث فأعطى ابنه الكبير المسمى قسطنطينوس مصر والشام وما بين النهرين وأرمينية وأعطى ابنه الأوسط المسمى قطنطيس مصر والشام وما بين النهرين وأرمينية وأعطى ابنه الصغير المسمى قسطوس رومية وسفاينا وما يليها من ناحية المغرب ووقع بين هذا والكبير حرب فقتل الكبير في ذلك الحرب. وكان له ابنان غالوس ويوليانس فنصب صاحب مصر غالوس على القسطنطينية مكان أبيه فعصاه فسير عليه جيشاً عظيماً فقتله ونصب أخاه يوليانس مكانه وبعد قليل قتل قسطوس صاحب رومية ومات قسطنطيس صاحب مصر والشام فاستقل يوليانس بجميع الممالك انتهى. وفي القانون المسعودي أنه بنيت بوزنطيا في أيام سنحاريب الصغير من ملوك بابل لأربعة آلاف وثمانمائة وتسع وأربعين سنة من لدن آدم عليه السلام وجاء قسطنطينوس المظفر ولد امرأة اسمها هيلالي لخمسة آلاف وثمانمائة وعشرين سنة من لدن آدم عليه السلام وتنصر ولثلاث من ملكه بنى سوراً لقسطنطينية وانتقل إليها من رومية. ومن لدن آدم عليه السلام إلى الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلوة وأكمل التحية ستة آلاف سنة ومائة واثنتا عشرة سنة انتهى. وعليه فبين بناء القسطنطينية والهجرة ألف ومائتان وثلاث وستون سنة وبين بناء سورها والهجرة مائتان وإحدى وثمانون سنة. ونقل عن التاريخ الكامل لابن الأثير أن الملك قسطنطينوس لما بنى مدينة قسطنطينية سماها استنبول ومعناها بلغتهم دار الملك انتهى. والمشهور أنه سماها بالقسطنطينية. وفي التقريبات الشافعية أن الملك يستنبان بنى فيها كنيسة في القرن السادس قبل الميلاد وهو قرن ولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم فاشتهرت عند العامة باسم بنته صوفية. فلما فتحت إسلامبول بالإسلام جعلوها مسجداً وسموها أيا صوفيا انتهى. ولعل هذا أقرب إلى التحقيق وأيا بفتح الهمزة والياء بعدها مخففة ومعناه على ما سمعت خانم أي سيدة جليلة كقولهم خاتون وهذه الكنيسة على ما رأيت في بعض الكتب معمارها من أهل بابل فإن الحضارة فيهم أقدم وأتم وسمعت أنها كانت من

خشب فاحترقت ثم أعيدت من حجر وهي اليوم جامع. للمحاسن جامع. لا يحيط بوصفه نطاق الألفاظ. ولا يشرح حاله إلا ما يسرح فيه من عبارات أشعة الألحاظ. ما إيوان كسرى إلا زاوية من زوايا فيه. ولا منارة جامع الخلفاء إلا سارية من سواريه. وبالجملة هو آية. وفي الغرابة نهاية. لا زال معبداً للإسلام. إلى يوم القيام. ثم أن القسطنطينية على شكل مثلث فالزاوية الأولى منه فيما بين الشرق والجنوب قريبة من الشرق والزاوية الثانية فيما بين الغرب والشمال قريبة من الغرب والزاوية الثالثة فيما بين الشرق والشمال قريبة من الشمال والضلعان اللذان أحدهما من الزاوية الأولى إلى الزاوية الثانية وثانيهما من الزاوية الأولى إلى الزاوية الثالثة في البحر وأما الضلع الذي هو من الزاوية الثانية إلى الزاوية الثالثة ففي البر. ومقابل القسطنطينية في الجانب الشرقي الشمالي من البر الآخر قرية متوسطة في الصغر والكبر تسمى) غلطة (وقد تسمى) غلتا (وهي عامرة آهلة وبينها وبين القسطنطينية خليج دقيق عرضه قدر ميل وعليه ثلاثة جسور) الجسر الأول (أنشأه في سبيل الله تعالى المرحوم السلطان الغازي محمود خان. أوصله الله تعالى على جسر رحمته إلى رياض الجنان) والجسر الثاني (أنشأه ولده الموفق السلطان عبد المجيد خان. دام ملكه ثابت الأركان ما دام الدوران. وأوقفه على دار الشفا. فهو يستغل ممن مر عليه منتعلاً أو ذا حفا. وتصرف غلته على مرضى المسلمين. من الفقراء والمساكين) والجسر الثالث (اشترك في إنشائه وأنا هناك ذوو الأموال. من تجار الدولة العلية والرجال. فجعلوا يستغلونه. إلا أنهم يشتكون من قلة نفعه ويستقلونه. وبين الأول والثاني. قريب من ألفي ذراع عثماني. وبين الثاني والثالث ما يزيد على ذلك. ويختلف الأمر حسب اختلاف المسالك. ويمتد ذلك الخليج حتى يتجاوز الزاوية الثالثة للقسطنطينية وإذا جاوزها بمقدار يسير فهناك قبر خالد الشهير) بأبو أيوب الأنصاري (الذي أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم شرف المدينة المنورة جاء غازياً مع يزيد اللعين وتوفي ودفن هناك وأظهر قبره السلطان محمد الفاتح عليه الرحمة ودله عليه كشفاً آق شمس الدين قدس سره وكشف القبور مما يقع لأصاغر السالكين. فضلاً عن أكابر الأولياء الكاملين. ونفحة ليلى تدل عليها. وتهدي قلوب الأحبة إليها.

تأرج مسكاً بطن نعمان إذا مشت ... به زينب في نسوة خفرات

ثم يمتد إلى الشمال والشرق حتى ينتهي إلى قرية يقال لها) كاغد خانة (وهي من المتنزهات المشهورة والخليج بعد أن يتجاوز قبر أبي أيوب رضي الله تعالى عنه يدق جداً وفي جهة غلطة الطوبخانة والترسخانة وربما يقال لها الترسانة وعندها مرسى السفن واللفظان أخذهما سكان هاتيك الأرجاء. من لفظ المرسى لكن غرقوا في لجة الغلط كما لا يخفى ومقابل القسطنطينية من البر الآخر الشرقي) أسكدار (وهي فرضتها من البر الشرقي وهي أيضاً عامرة آهلة أهلها نحو ثلاثين ألفاً أو يزيدون. وسور القسطنطينية مرتفع في الجملة وقد أحدثت بيوت بينه وبين البحر وله اليوم وله اليوم على ما في التقريبات ثمانية وعشرون باباً أربعة عشر منها من جهة خليج غلتا وسبعة من جهة البر ومثلها من جهة بحر مرمرا وأنا لم أحقق ذلك لكن أعلم يقيناً أن أبوابه بضع عشر باباً والمدينة عبارة عن ستة أو سبعة تلول وفي طرقها كثير ارتفاع وانخفاض ويقولون للطريق المرتفع) يوقش (واليوقشات المشهورة نحو أربعين والطرق المشهورة تزيد على مائة وثلاثين. والجوامع والمساجد التي فيها وفي ساحلها نحو أربعمائة وخمسة وعشرين وقال الشيخ رفاعة في التقريبات هي نحو ستمائة وقال فيها أيضاً فيها خمسمائة وثماني عشرة مدرسة وخمس وثلاثون مكتبة ومائة وثلاثون حماماً واثنتان وعشرون كنيسة. وأهلها قيل أربعمائة ألف وقيل مائتا ألف وثلاثون ألفاً وبعضهم أدخل أهل غلتا وغيرها وجعلهم ستمائة ألف وقيل هم خمسمائة ألف وسبعة وتسعون ألفاً وقيل سبعمائة ألف وقيل خمسمائة ألف وتسعون ألفاً وصحح بعضهم أن أهلها ستمائة ألف وسمعت هناك أن مجموع أهلها وأهل غلتا وأهل أسكدار ومن في الساحل ألف ألف وفيهم كل صنف من الناس. وقد عد أهل إيران الذين يتجرون فيها فبلغوا ثلاثين ألفاً فما ظنك بالنصارى والإفرنج على اختلاف أصنافهم. ومعظم بيوت البلد من أخشاب وما كان منها من حجر قليل جداً وقلما تجد فيها بيتاً ليس له كوى على البحر أو على الطريق وأنا لم أر ذلك وفي طرقاتها مواضع كثيرة معدة لمياه عذبة يشرب منها أبناء السبيل والماء يأتيها من خارجها ويقل بقلة المطر ويكثر بكثرته. وفي كثير من بيوتها أماكن معدة يدخرون فيها ما يسيل من سطوحها أيام المطر من المياه وقد يجتمع في ذلك المعد ما يكفي أهل سنة من مياه الأمطار. وفي الساحل مما يقرب منها عيون قليلة جداً ماؤها في غاية اللطافة والعذوبة يشبه ماء دجلة المصفى أو أحسن منه لكن لا يبل غليله منه بعض الفقراء. وإذا جمع جميع مياه القسطنطينية الداخل والخارج لا يبلغ قدر ماء نهر الخالص من أنهر بغداد وفيها مكاتب للفنون نفيسة. ومشاهد للسلاطين أنيسة. وإذا رأيت مدفن المرحوم السلطان الغازي محمود خان الثاني حسبته بيضة نعامة كبيرة حيث أنه بني من المرمر الأبيض ويصرف فيها لا سيما في رمضان من الزيت للقناديل ونحوها ما لو جمع لكان كنهر الدجيل وقد حققت أن الزيت الذي يشعل في جوامع السلاطين في رمضان ثمانون ألف حقة كل حقة أربعمائة درهم. وأكثر جوامعها مما لا نظير له في بلدة من بلاد الإسلام على التحقيق وكذا أسواقها. وفي حماماتها وخاناتها قولان الثاني أن حمامات دمشق الشام مثل حماماتها أو ألطف. وخانات حلب مثل خاناتها أو أظرف. وأنا لا أظن ذلك وإن اشتهر ويكثر فيها الحريق وذلك لأمر ما يريده الله تعالى ولا يبعد أن يكون ذلك من إصابة عين. ولولا ذلك لكان لبيوتها سقف من فضة أو لجين. وليس ذلك لكون بيوتها من خشب. إذ كثير من البلاد بيوتها كذلك ولا يكثر ككثرته فيها الحريق واللهب. وفيها عمد قديمة أعجبها عمود قريب من باب جامع السلطان أحمد منحوت من حجارة واحدة صنوبري الشكل مخروطية قائم على أربعة أثافي من نحاس مكعبة ارتفاع الأثفية نحو شبر وقد وضعت على بنية مكعبة ارتفاعها أقل من قامة وفيها صور شتى وفي العمود نقوش يظن أنها كتابة بقلم قديم غريب وكان قبل الفتح فيها عمود أعجب من ذلك على ما يقال وهو مذكور في كتب التواريخ) وطولها (على ما في الرسم والقانون والأطوال وكتاب ابن سعيد) نط (وعرضها) مه (وفي المقاصد العوالي طولها) نطن (وعرضها) ن ها (وصحح بعضهم أن طولها) نوم (وعرضها) ماية (والصحيح عندي أن طولها) مول (وعرضها) ماها (وانحراف قبلتها إلى شرقي الجنوب كثير جداً وتكاد تكون قبلتها نصف القوس التي بين القطب الجنوبي

ونقطة مطلع الاعتدال ولم أحقق ذلك وذكر في القاموس أن فتحها من إمارات الساعة. وقد روى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في الفتن عن أبي عبد الله بشر الغنوي وقيل الخثعمي لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش لك الجيش. ولهذا الحديث جهد قوم في فتحها وأول من غزاها يزيد اللعين في زمن أبيه رضي الله تعالى عنه فأبى الله تعالى أن يفتحها على يديه. لعنة الله تعالى عليه) لا يقال (روى أن أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له فيكفي اللعين أنه أول من غزاها) لأنا نقول (قال المناوي أن يزيد بن معاوية غير مغفور له وإن كان من ذلك الجيش لأن الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة ولا كذلك يزيد انتهى. وغزاها مسلمة بن عبد الملك فجهد كل الجهد في فتحها فلم يفتحها الله تعالى أيضاً على يديه والقصة في أمره مشهورة وفي أكثر كتب التواريخ مسطورة) والحاصل (أن الله تعالى عز وجل أبى فتحها إلا على يد المرحوم السلطان محمد خان وجاء تاريخ فتحها) بلدة طيبة (وكذا) عون خالق (وهذا الفتح يحتمل أن يكون هو الذي من إمارات الساعة ويحتمل أن لا يكون كذلك ويكون الفتح الذي هو من إماراتها ما يقع ومن المهدي رضي الله تعالى عنه وإنكار مجيء المهدي أشبه شيء بإنكار المتواتر) نعم (لا بأس بإنكار ظهوره على الوجه الذي يزعمه الشيعة والله تعالى أعلم. وقصة فتح ذلك السلطان الموفق إياها شائعة ذائعة فلا نطيل بذكرها) ثم أعلم (أن المتقدمين من المؤرخين بالغوا في عظم هذه البلدة. وجاوزوا في الوصف حده. كما بالغوا في شأن الزوراء. في عصر الخلفاء.) وأنا أقول (غير مبالغ بمقول. أنها بلدة مونقة الأرجاء. رائقة الأنحاء.) ذات قصور تضيق عن قصورها سعة الأذهان. وتتجاذب الحسن هي وقصور الجنان. وربة رياض أريضة. وأهوية صحيحة مريضة. قد تغنت أطيارها. فتمايلت طرباً أشجارها. وبكت أمطارها. فتضاحكت أزهارها. وطاب روح نسيمها. فصح مزاج إقليمها. وليتك رأيت ما فيها من الرياض الأنيقة. والأشجار المتهدلة الوريقة. وقد ساقت إليها أرواح الجنائب. زقاق خمر السجائب. فسقت مروجها مدام الطل. فنشأ على أزهارها حباب كاللؤلؤ المنحل. فلما رويت من الصهباء أشجارها. ونحها مع النسمات المسكية خمارها. فتدانت ولا تدانى المحبين. وتعانقت ولا تعانق العاشقين. يلوح من خلالها شقيق. كأنه جمرات من آثار حريق. ويتخللها بهار يبهر ناظره. فيرتاح إليه ناظره.

وكأن النرجس الغض بها ... أعين العين وما فيهن غمض وجملة أمرها أنها أنموذج الجنة بلامين. فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ العين. وكم فيها من حبر راقت حبره. ومن إمام توجت جباه الإسلام سبره. آثار علومهم على صفحات الدهر مكتوبة. وفضائلهم في محاسن الدين والدنيا محسوبة. وإلى كل قطر مجلوبة. ولكل قلب محبوبة. فما من متين علم وقديم رأي إلا ومنهم مشرقه. ومن بروجهم مطلعة. ولا من معين فضل وقوي فهم إلا وعندهم مغربه. وإليهم منزعه. وما تشاءووه من كرم أخلاق بلا اختلاق إلا وجدته فيهم. ولا جلالة أعراق في طيب أعراق إلا اجتليته من معانيهم. أطفالهم رجال. وشبانهم أبطال. ومشايخهم أبدال. شواهد مناقبهم باهرة ودلائل مجدهم ظاهرة. فمن حاتم في جوده وابن مامة ... ومن أحنف إن عد حلم ومن سعد وأما الثغر وما أدراك ما الثغر. فذاك الذي تنشق من حلاوة لمى محاسن ثناياه مرارة الخمر. وقد دلع لسانه بالافتخار. فجرى مطلق عنان الفخر في كل مضمار. وتلاسن البحران بلا مرا. فألقم البحر الأسود حجرا بحر مرمرا. وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً. وملكاً مقيماً. وملكاً عظيماً. فالقصور هناك لها الترفع عن القصور سمه. فوحسنها لقد غدت فلفلة الغيرة منها في أست قصور أرض السمسمة. فإن الفرق بين هذه وتلك جبال. فهذه مما تلتذ به الحواس العشر وليس في تلك حظ لسوى الخيال. وقد غدت تسحل ذيول الفخر بأفصح لسان على ساحلي خليج يزري بالمجرة. وتنقل لرائيها أحاديث غرف الجنان فتملي إذ تملي الجنان بأنواع المسرة. وأنها على ما أضمرت من دقائق الحسن في سرائرها. ليرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها. وقد غلت مقداراً. وعلت مناراً. وشمخت بأنفها حتى ظن أن لها عند الشعري العبور ثاراً. وقد اتصلت بها من ورائها جنان. هي فوق ما تتخيله أذهان الإمكان. وأن مبتدأ أمرها لينادي ليس الخبر كالعيان. وفي كل منها بركة مفعمة من الحسن ببركات. ولها خد كاللجين تحلى بعذار من انعكاس النبات. وحول كل بركة وحياتك روض نضر. وما من روضٍ إلا ويلتقي فيه ماء الحيوة والخضر. وامتداد هاتيك القصور ست ساعات. على ما حدثني به بعض الرواة الثقات. وأسود غابات) إسلامبول (وبدور بروجها التي ليس لها أفول. ينتقلون إليها إذا بلغت الشمس نصف برج الثور. ولهم إذا بلغت نصف برج العقرب رجوع بعد الإقامة وجور بعد الكور. وفي كلا الأمرين قد يتقدمون وقد يتأخرون. وربما تجد فيها قوماً مقيمين في الفصول الأربعة لا يرتحلون. قد اتخذوها منزلاً. واستوطنوها ولم يبلغوا عنها حولاً. وعرض الخليج هناك نحو جسر الزوراء أربع مرات. وأنه يزيد على ذلك وينقص في بعض الجهات. والزوارق فيه تزيد على اثني عشر ألفاً. وهي مشحونة لطفاً ومملوءة ظرفاً. وأنها تحكى فيها الدعاميس. كما أن زوارقه السلطانية تشبه الطواويس. وفيه من السفن النارية عدة. قد اتخذت للعبور عدة. وهي من حيث البوائق. أأمن بكثير من الزوارق. وفيه من الحيتان اليونسية كثير. ويتحرج من هناك من أكلها كما يتحرج المسلم من أكل الخنزير. وربما يظنها الظان. أنها خنازير الحيتان. وهي تتطارد جهاراً. ليلاً ونهاراً. فماذا عسى تقول في بلدة لا يزال يضحك ثغرها على جميع البلاد. ولا يبرح في العمارة أمرها كل يوم في ازدياد. ويوشك أن تكون جنة يقضى منها العجب. لولا ما ابتليت به من الحريق وقمل الخشب. ولكم نمت فيها من القمل على مثل الأسنة. واعترتني من محن الدهشة من حريقها أعظم محنة. وكلا الأمرين في الساحل قليل. وفي الأرض قطع متجاورات كما نطق به التنزيل. ثم أنها لكثرة الخلق فيها. واختلاف صنوف أهاليها. لا تخلو عمن أو ألقى في البحر المحيط لنجسه. أو كان جزءاً من العديد الغير المتناهي لبخسه. وفيها من النسوان. ما يخيل أنهن حور الجنان. وكلامهن لو تجسد لأزري بالدر. ولولا الأدب لقلت هو حر بأن ينكح باير الفكر. وفيهن من عادات نساء الأعراب. أنهن يبرزن إلى الأزقة بمجرد نقاب. إلا أنه ألطف من شمائلهن. وأدعى للصبوة بهن من تمايلهن. فكأنه نسيم هم أن يتجسد. فعارضه توقد وجنة الخد. وربما يقول ظمآن النظر إذ أتى منهل مياه خدودهن وورد. الله أكبر كيف نسج الريح على الماء زرد. وربما ينشد. إذا ذاق نظره خمر خدها المتورد: رق الزجاج ورقت الخمر ... فتشاكلا وتشابه الأمر

فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر ومعظمهن حرائر. وإن لم يتحجبن عن النواظر. فعدم الاحتجاب عادة قديمة في عرب الأعراب. وهن اللواتي لا شك في عفتهن. ولله تعالى در من قال في صفتهن: هن الحرائر لا ربات أخمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسور وقد حققت أن منهن من لا تخرج من بيتها حتى إلى الحمام. ولا يحوم عليها طائر نظر أهل الأزقة إلا أن تصير وكراً لحمام الحمام.) نعم (لا يخلو غيل من واوي. وأي بلد عريض طويل ليس فيه كلب عاوي. فالمعول عليه في رداءة البلدة وفضلها. إنما هو عند المنصف حال غاب أهلها. وحال غالب أهل هذه البلدة في الحسن لا يطال. وسيان في ذلك على ما علمت النساء والرجال. قوم زكوا نفساً وطابوا مخبراً ... وتدفقوا جوداً وراقوا منظراً فانعم بذلك المغنى. فقد جمع الفضل حساً ومعنى: تلك المنازل لا أعقة عالج ... ورمال كاظمة ولا وادي القرى أرض إذا مرت بها ريح الصبا ... حمات من الأغصان مسكاً إذا فرا فيها لقد حلّ المليك المجتبى ... عبد المجيد أجل أملاك الورى العادل الشهم الذي ألقا به ... في كل ناحية تشرف منبرا وبكل أرض جنة من عدله ال ... ضافي أسأل نداه فيه كوثرا عدل يبيت الذئب فيه على الطوى ... غرثان وهو يرى الغزال الأعفرا بين الملوك الغابرين وبينه ... في العدل ما بين الثريا والثرى ما مدحه المستعار له ولا ... آيات سؤدده حديثاً يفترى لا تسمعن حديث ملك غيره ... يروى فكل الصيد في جوف الفرا نسخت خلائقه الكريمة ما أتى ... في الكتب عن كسرى الملوك وقيصرا وله العساكر في الثغور نظامهم ... يهدي إلى الأعداء موتاً أحمرا من كل وضاح الجبين تخاله ... بدراً فإن شهد الوغى فغضنفرا يعشو إلى نار الوغى شغفاً بها ... ويجل أن يعشو إلى نار القرى لا زال مسعود الفريق مؤيداً ... أبداً ومنصور اللواء مظفرا

ثم أن) إسلامبول (على ما حوت من الحسن مجملاً ومفصلاً. تضيق على الغريب في مبدأ الأمر ثم تتسع عليه أولاً فأولا. وأول من أشرفت على حضرته. وتشرفت برؤيته شيخ الإسلام. وولي النعم. والمغرد هزار الحق على أفنان قلمه لنغم لا ونعم. سيدي وسندي) السيد أحمد عارف حكمت بك أفندي (. وقد أفردت ترجمته بالتدوين. وقدمتها إلى حضرته المشبهة حظائر عليين. وقد كان سمع عني. ما جبذ ذيل إقباله عني. فرميت عند مواجهته بثالثة الأثافي. وقصت من أجنحة آمالي القدامى والخوافي. وعلى كل حال قدمت إليه تفسيري. وجعلته لديه شفيعي وسفيري. فأمر عليه برق نظره الحالي. فأمر أن أذهب به وأقدمه إلى الباب العالي. وقال العادة تقتضي أن تعرضه على الصدر الأعظم هناك. فحينئذٍ يصدره إلي فأورده النظر الدقيق إذ ذلك. وسأعطيه إن شاء الله تعالى حقه. وأرصع بجواهر المدح طوقه. فقمت من عنده بلا تواني. وذهبت إلى الباب العالي في اليوم الثاني. وآه ثم آه من أبناء الدنيا. ذوي المراتب العليا. حيث غدا من طباعهم. انصباب كلام كل خرق في خروق أسماعهم. ثم لا يكاد يمتص بمحجمة اعتذار. أو يصعد بأنبيق استغفار. والحمد لله تعالى على أن أستثني من هذا العموم حضرة ولي النعم. فإن أذنه الكريمة عن الفحشاء في صمم. وله إنصاف مع ذوي الفضل. خارج عن طور العقل. لا زال للإنعام ربعاً. ولجسد الأعلام عيناً وسمعاً. ولما دخلت الباب العالي. حظيت بمشاهدة طلعة البدر المتلألئ. قرة عيون بصائر ذوي الأبصار. حضرة رائس أقرانه) فؤاد أفندي (المستشار. فتلقاني بالترحيب. ولقيته أحب حبيب. كأني اصطحبت معه دهراً. واصطبحت بمدام أنسه عمراً. ووجدته لجسد النبل فؤاداً. ولإنسان عين العقل بياضاً وسواداً. ولشخص الأفضال رأساً. ولبدن الكمال نفساً. ولنوع الإنسانية فصلاً وجنساً. وأبوه اللطف المجسد عزت ملا. الذي لا تمل منادمته ولا تقلى. وهو مشهور في البسيطة بكيجة جي زاده. وقد فرشت له زمن المرحوم السلطان محمود بسط الشهادة. وثنيت له في دار الخلود على منصة السعادة الوسادة. وذلك أنه عثر به جواد اللسان. فلم يقل له أحد لعا سوى حور الجنان. وكم فصل الحق عن قائله رأساً. وسقاه من كؤوس المنون كأساً. تغمده الله برحمته. وبارك في أعمار ذريته) ثم أني (عرضت حاجتي على المستشار المشار إليه. جعل الله تعالى حاجة يوم العرض حاصلة لديه. فأمر النجيب ابن النجيب. ومن له من قداح الإنسانية المعلى والرقيب. ذا الأخلاق المستجادة) جميل بك أفندي (نجيب باشا زاده. وهو إذ ذاك مدير الأوراق وقد نال هذه الخدمة بعيد عوده من العراق. بأن يكون في صحبتي. إلى محل نيتي. فقام من غير تواني. وراح حاملاً على يديه تفسيري روح المعاني. فدخل بي على حضرة الصدر الأعظم. ووضع التفسير بين يديه فرفع شأنه وأعظم. ولما رآني قام وتلقاني. وحياني وبياني. وأجلسني حيث لا يجلس أقراني. وهذا الصدر هو واحد الزمان. والثاني في الوصف لآصف حضرة) سليمان (الذي لا تنال الرؤوس أقدامه. ولا تقدم الشوس أقدامه. ولا تدرك بديهياته إلا بالنظر الدقيق. ولا تطاق جزئياته إلا بكلى التوفيق. حضرة) رشيد باشا (لا زال سهم رأيه بريش الرشد مراشاً. وقد رأيته صدراً كاملاً من كل الوجوه. لا يرجع أحد توجه إليه إلا بما يرجوه. له صدق في خدمة الدولة والملة عظيم. وحنو عليهما ولا حنو المرضعات على الفطيم. يداري الناس وهو غني عنهم. ويعطيهم ولا يأخذ شيئاً منهم. وقد علاه الدين لمزيد كرمه. وأعوزه العين مع وفور نعمه. حتى سمع العتب على ذلك من أمثاله. فأنشدهم لسان حاله: يعاتبني في الدين قومي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا أسد به ما قد أخلوا وضيعوا ... ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا

وهو الذي سعى في وضع التنظيمات. وجهد في رفع القتل بأهون الجنايات. وغل أيدي ظلمة الحكام. عن أن تختضب لمجرد النفسانية بنفوس الإسلام. ومن خلص ذهنه عن كدر التعصب ودق. يعلم أن فوات قتل مائة نفس بحق أهون من قتل مسلم محترم بغير حق. وأي شيء أعظم من هدم بنية الله تعالى بانيها. ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها. فجزاه الله تعالى بما رفع خيراً. ورفع عنه في الدارين ضيراً. وقد ضمته الصدارة العظمى إلى صدرها ثلاث مرات. وما كان انفصاله عنها إلا لإحدى الحادثات. ومن العجب أنها قبل أن تخرج من العدة ترجع إليه. وتقبل على الكرة منه يديه. لأنها مغرمة به. من بين صحبه: فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها وقد ولد حفظه الله تعالى في العقد الثاني من المائة الثالثة من الألف الثانية من الهجرة النبوية. على صاحبها أفضل الصوة وأكمل التحية في البكرة والعشية. ولم يزل ينتقل في المناصب حتى صار صدراً. وعلا في الخافقين صيتاً وقدراً. وغدا محبوباً عند البرية. حتى عند الدول الأجنبية أسأل الله تعالى أن يديم وجوده. ويسبغ عليه كرمه وجوده. ولما وصل التفسير إليه. استفسر عن شأنه مما بين دفتيه. فنادته مباني عبارته. وناجته معاني إشارته. بما أجله لأجله. وأحله بسببه في لائق محله. حتى قال هذا أثر تفتخر به الدولة. حيث فك من مقفل المعاني قفله. وكان المجلس غاصاً بالرجال. فكل منهم صدق بما قال. ثم نظر في ديباجته. فرأى مدح حضرته. فقال يلوح لي فيه عيب واحد. ففطنت بالبداهة لما هو قاصد. فقلت نعم. ومن يقدر أن يحيط بمحاسن مولى النعم. كأنها ويراع الواصفين لها ... بحر مقيس إلى منقار عصفور فاستغفر مولاه. وأظهر من هضم النفس ما يقتضيه علاه. ثم قال اكتب مذكرة لبيان مرامك. ومعاذ الله تعالى أن يكون منا قصور في إكرامك. فدعوت له. وشكرت فضله. ثم قمت بأنواع المسرات. فقام وشيعني بخطوات. فلما رأيته بهذه الحال. ورأيت مستشاره على ما مر وحلا من الكمال. قلت بين قوم أمجاد. يليق بهذا الصدر هذا الفؤاد. فشاع هذا المضمون. واستظرفه السامعون. وضمنه كثيرون. منهم جواد المعارف الذي لا يرجى به لحاق. وبدر العواطف الذي لا يخشى عليه محاق. ذو الخلق المعطر الندي. معلم أبناء جودت أفندي. فقال. وأحسن المقال: جاء فؤاد مستشاراً لمن ... أضحى رشيد الرأي صدر الرشاد جاء بحق المدعي قائل ... لاق لهذا الصدر هذا الفؤاد ومنهم صابى زمانه بطرس كرامه. وقد قال لكنه لم ينل بذاك حباً ولإكرامه: يا حبذا الصدر الرشيد الذي ... حازت به الأيام أبهى رشاد كذا فؤاد مستشاراً له ... لاق لهذا الصدر هذا الفؤاد ولما سمعت أنا ذلك. قلت وإن لم أعد فيمن هنالك: ولما نظرت إلى المستشار ... وشمت عليه مدار الأمور هتفت أنادي بقول صحيح ... عليه يلوح من الصدق نور يليق بذا الصدر هذا الفؤاد ... وهل غيره لائق للصدور وقال آية الله تعالى الكبرى. وسورة كتابه الذي بأفواه العقول يثري ذو الفضل الجليل الجلي. حضرة عبد الباقي العمري الموصلي: فؤاد لصدر الملك لا زال لائقاً ... وهل لائق للصدر غير فؤاده فذاك وذا جسم وروح تلازما ... لخدمة ظل الله بين عباده ثم أنه ذهب بي إلى ناد ندى. هو نادي التشريفاتي. واسمه محرر) علي بك (أو) بهجت أفندي (فقام قدامي. وبالغ في احترامي. وبعد أداء رسوم التحية. والارتواء من شرب القهوة البنية. قال يا مولانا عند من تختار أن تكون ضيفاً. ويكون لك ما دمت مقيماً عنده خادماً وألفاً ففكرت في نفسي أن الضيافة ثقيلة. ومدة الإقامة فيما أظن طويلة. وأنها سهلة. في دار ضيافة الدولة. فاخترت دار الضيافة. المعدة في كرسي الخلافة. فقال الأمر إليك. وما نريد أن نشق عليك. فنادى شاباً أمرد. يزري بالغصن إذا تأود. لكنه إذا تكلم تلجلج لسانه. فأشكل على السامع بيانه. فذكرني في ذلك المقام الكريم. قول الأديب ابن تميم: عابوا التلجلج في لسان معذبي ... فأجبتهم للصب فيه بيان إن الذي ينشي الحديث لسانه ... ولسانه من ريقه سكران

فقال اذهب بفلان إلى دار الضيافة. وأوص مأموريها أن لا يتخلفوا عن أمره أو يرتكبوا خلافه. فوحرمة إبراهيم الخليل. ما دخلها ضيف مثله جليل. فقال كلنا نتشرف بخدمته. ومعاذ الله تعالى أن نرتكب خلاف طبيعته. فقمت معه. وقد حزت السرور أجمعه. فسألته في أثناء الطريق عن اسمه. وعن خدمته في دار الضيافة ورسمه. فتلجلج لسانه ولم يكد يبدي. فقال بعض الرفاق هو فائز بك أفندي. وأنه أحد الكتبة ذوي الظرافة. وأن أباه طاهر أفندي قيم دار الضيافة. فحمدت ربي. وزاد بالتفاءل باسمه سرور قلبي. فلما دخلت المسافر خانه. رأيتها لمدام المسار خانه. وريثما استقر بي المقام. جائني القيم وابنه الأكبر شوكت بك أفندي للسلام. ورأيتهما قد هيأ جميع ما يراد. حتى السائس والجواد. وعندما دخل الليل. طلى قمل الخشب جسمي عندما بأيدي الويل. ولم يزل يخلط دمي ولحمي خلطاً. إلى أن تبدى الصبح كاللمة الشمطا. فسألت صحبي هل حل بكم من قمل الخشب ما حل بي. فقالوا إنه رعانا. وفي آخر الليل أتانا. ألم بنا والليل أشمط والكرى ... أصم وأحداق الكواكب حول فلم أدر أكان تسلط ذلك على من بينهم لسالف جريمة. أم لخاصة أودعها الله تعالى في مزاج طبيعتي السقيمة. وفي اليوم الثاني عين لمصارفي في كل شهر ثلاثة آلاف قرش صاغ إسلامبول. فكان القيم يصرف علي أقل من ثلثها ويأكل باقيها وهكذا يفعل بما عين لسائر النزول. فقاتله الله تعالى ما أضيق عينه. وأوسع كذبه ومينه. وما أقل حياءه. وأكثر اجتراءه. وفي اليوم الثالث كتبت المذكرة. وقدمتها لهاتيك الحضرة المنورة.) وهي (بتوفيق الله عز وجل. وبركة حبيبه الرسول الأجل. لم أزل منذ درجت متدرجاً في خدمة الملة والدولة. فدرست من غير حد العلوم الرسمية غرباء بلدي وأهله. ورددت ببناني وبياني محالفي السنة. وأوردت بتقريري وتحريري مخالفي البدعة مضائق المحنة. وألفت لتأليف سرح القلوب بعون الملك الديان. شرح خلاصة البرهان في إطاعة السلطان. ونشرت مطوى النصيحة في أكناف العراق. وشمرت عن ذراعي في كف الأكف عن غمسها في غسلين الشقاء والشقاق. ولم تمض على الإعصار. حتى خدمت القرآن الكريم بتفسير تسعة أسفار. وقد كان إذ ذاك بالي صافياً. ورداء عيشي صافياً. بما قلدته قبل تقليد الإفتاء. من مرجان صدقات الدولة العلية لا زالت محاسنها محفوظة من سوء القضاء. ثم جرى ما جرى. بتقدير رب الآخرة والأولى. فتركت علي أنقى من الراحة. أتمنى لو أخذ الموت بيدي لعلي أجدبه راحه. فودعت أطفالاً لي كأفراخ القطا. وقد غدا بنا ألم الفراق لكل منهم ومني وطاءاً وغطاءاً وهرولت للثم مواطئ حضرة أمير المؤمنين. لا زال مؤبداً ومؤيداً إلى يوم الدين. فرأيت ما لم كد يخطر ببال. أو يخطو إلى حجرة حجرٍ أو خيال. من انتظام أمر الدولة. والاهتمام بتمييز حال خدمة الملة. فها أنا اليوم أرجو أن أعامل بما يقتضيه شأن الدولة العلية. مما يصدح ويصدع بتعظيم شأن القرآن العظيم بين الأمة المحمدية. فإني رجل من آل الرسول. وفدت من أقصى البلاد إلى ساحة ظل الله تعالى وبابه لكل مأمول. وقد خدمت حسب الطاقة ملتي ودولتي. راجياً بعد ثواب الله تعالى ترفيه عيشي وترفيع رتبتي. لأصرف ما بقى من نقد عمري في الخدمة. وجلب الدعوات الخيرية للدولة المجيدة المجيدية بأكمل همة. والأمر لمن له الأمر. في السر والجهر انتهى. وكتبت على حدة في قرطاس. بيتين مضمناً لهما شطراً من شعر أبي فراس. وهما: قصدت من الزوراء صدراً معظماً ... وقد سامني ضر وقد سألني دهر فقلت لنفسي والرجاء موفر ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر. وقد سارتا في كل واد. وطارتا إلى بغداد. فشطرهما ذو الأدب العبقري. عبد الباقي أفندي العمري فقال: قصدت من الزوراء صدراً معظماً ... وما البحر إلا ما حوى ذلك الصدر وذلك لما ضامني زمني عني ... وقد سامني ضر وقد سألني دهر فقلت لنفسي والرجاء موفر ... لك الخير يا نفسي لقد حصل الوفر وصارت بنا أولى مقالة غيرنا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر وشطره أيضاً من أخرس مصاقع الشعراء. وأنطق بالثناء عليه كواكب الجوزاء. ذو النسب الذي هو من كل عيب خلي. السيد عبد الغفار الموصل فقال:

قصدت من الزوراء صدراً معظماً ... تقر به عيني وينشرح الصدر وأملت فيه النفع فيما يسرني ... وقد سامني ضر وقد ساءني دهر فقلت لنفسي والرجاء موفر ... ليهتك هذا القصد والنائل الوفر فكنا به كالقلب طول حياتنا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر وشطرهما أيضاً ذو الفطنة الوقادة. والفكرة النقادة. والأخلاق المستجادة. والشرف والسيادة. فخر الملة المحمدية. السيد محمد أمين أفندي واعظ الحضرة القادرية. فقال: قصدت من الزوراء صدراً معظماً ... لي السعد في قصدي له ولي الفخر وجئت إليه قائلاً تحت ظله ... وقد سامني ضر وقد ساءني دهر فقلت لنفسي والرجاء موفر ... ومن يأسها لم يبق في خاطري ذكر بخس لك يا نفسي بذا القصد إنه ... لن الصدر دون العالمين أو القبر وشطره أيضاً بعض ذوي الأدب. ممن كان غريباً هناك من أبناء العرب فقال: قصدت من الزوراء صدراً معظماً ... أبى الله أن يحكيه زيد ولا عمرو فجئت ونيران الأسى في جوانحي ... وقد سامني ضر وقد ساءني دهر فقلت لنفسي والرجاء موفر ... وروض أماني القلب جلله القطر لك الله كفي عن مطامع خسة ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر

) ولما وصلت (المذكرة والبيتان. إلى حضرة الصدر الأعظم السامي علي كيوان. وجه المذكرة إلى مجلس الشورى المعروف بمجلس الأحكام. وأمر بتحرير تذكرة في أمري لحضرة شيخ الإسلام. فحررت تذكرة من قبله لذلك المولى الخطير. وأرسلت لحضرته المنورة ومعها أسفار التفسير. فغم على هلال الجواب شهراً. فبقيت مغموماً لا أسمع شيء من أموري ذكراً. وأنا في تلك الأيام. لم أزل أتردد بلا تردد إلى حضرة شيخ الإسلام. فكان إنصافه يستعطفه علي. ويأخذ بعنان عنايته إلي. فلكم أطار بازي ذهني في جو سماء أبحاث. فعاد إليه بعنقاء غرائب ونسور عجائب مترفعاً عن اصطياد بغاث. ولكم أثار جواد فكري في ميادين مباحث. فأتاه بقصب سبق لم يصل إليه سوانا ثالث. وأكد ذلك الاستعطاف. ما انضم إليه من استعطاف بعض الأجلة الأشراف. وقد كثر مستعطفوه على من ألافه. ولم أر مستعطفاً إياه مثل إنصافه. وأول من عام في لجج الاستعطاف. وقام بترتيب حجج استحقاقي الألطاف. فخر الكتبة والطلبة. ومن عدت صحف أخلاقه مهذبة. عين أحبابي.) راشد أفندي (العينتابي. وهو ممن جاء في معية المرحوم) علي رضا باشا (إلى بغداد. وقد صار مكتوبياً وبقي فيها نحو سنة ثم عاد. وهو اليوم مميز بين كتبة الباب العالي. ومميز عليهم بقلائد أدبه الحالي. وقد جسره على ذلك فأقدم. علمه بفتوة حضرة ولي النعم. وكان ما كان من نصرته. قبل أن يتضح لسواد العين بياض الطريق إلى لثم عتبة محاسن طلعته. فلله تعالى دره من أخ. وحبيب انتصر قبل أن يستصرخ. وممن احتسب إزالة ما يزيد على النصف مما جلب علي من الافتراء. وعرض بنية البيع لدى حضرة شيخ الإسلام وولي النعماء. حضرة من لا يجارى في جده. ولا يبارى في قوة سعده. المنضد أمتعة حسن المعاملة في حجرة وجوده. والمشتري بضائع الأثنية الفاضلة بجواهر لسانه ونقوده. من لم يزل في ازدياد سعده.) عبد القادر باشا (الشهير بزياده زاده. وعظيم شهرته. ويغني عن ترجمته. وقد شمر سلمه الله تعالى عن ساق الاجتهاد. وسعى في الذب عني غاية السعي رعايةً لحقوق صداقة مرت في بغداد. وكان هو أعز من الولد المطيع. عند حضرة شيخ الإسلام. وكان كلامه أحب إليه من أزهار الربيع. إذا توجتها لآلئ حب الغمام. فلو فاجأه بوقوع المستحيل العقلي يصدقه. وإذا ناجاه بتوقيع الأمر الكلي يحققه. كل ذلك لقوة فراسته. ورصانة ديانته.) وبالجملة (لما كثر الاستعطاف في تلك الأيام. ثنى على عنان الشفقة والعناية شيخ الإسلام. وصار جنبه ألين من الخز. وعاد قلبه أصفى من عين الوز. وضمن جواب التذكرة على ما سمعت من مطلع خبير. كلاماً يشرح به فضلي ويرشح منه مدح أسفاراً لتفسيره. حتى أنه قال فيه كلما بالغتم في إكرام هذا الرجل. فهو بالنسبة إلى ما ينبغي له قل من جل. لكنه تحاشى. عن أن يعين معاشا. كأنه خشي عدم نفاد قوله عند ناظر المالية) نافذ باشا (. حيث أنه كان هنالك. خازناً أشد من مالك. لا يبتسم بوجه من الوجوه. ولا يرجع إلا بخيبة من يرجوه. يقول لفقراء العلماء. لا رزق لكم في بيت المال ورزقكم في السماء. ويقابل ذوي الفقر الأسود من المقعدين ببيض الأذى وزرقه. ويتلو عليهم قول رب العالمين) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه (. ومن سعى إليه من غرباء الغبراء. عدا عليه بقول بعض الشعراء: جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرك والسكون جنون منك أن تسعى لرزق ... ويرزق في غشاوته الجنين وكم وقع على عرضحال قديم. إنما الرزق على الله الكريم. وكم قال لكتابه. وهم أن يكتبه على بابه. قولاً لا يدفع البلا. وقول نعم يزيل النعم. وقد أخذ على ما سمعت عهداً من حضرة السلطان. أن لا يغضب عليه إن لم ينفذ أمره بما عز وهان. فكان يعصي أمر سلطانه. ويضيع في كل أمر هوى شيطانه. ومع هذا هو من بيت المال أسرق من برجان. وبين أجلة الرجال أحمق من أبي غبشان. ولذا لم ينص شيخ الإسلام على مقدار معاشي ولم يلتفت إليه. ولقد كان سلمه الله تعالى يخاف على اعتباره من هواء يهب عليه. وعندما حققت الحال. ووقفت على ما لم يمر لي ببال. رفعت أكف الابتهال. وشكوت إلى ربي سبحانه ما لا يقال: إني لأشكو أموراً لا أعينها ... ليبرأ الناس من عذري ومن عذلي كالشمع يبكي ولا يدري أعبرته ... من صحبة النار أم من فرقة العسل

ولما وصل الجواب من حضرة شيخ الإسلام. قدم حسب العادة في مثله إلى مجلس الأحكام. فجعل أمر معاشي بينهم شورى. ومن أهل المدينة من لا يحب أن يصنعوا لسروري سوراً. فحسن لهم حضرة) أحمد بك (نجيب باشا زاده. وكان أحد مشاهير أعضاء المجلس بالفكرة الوقادة. أن يرجعوا لي نصف غلة وقف مرجان. أجرى الله تعالى عليه وظائف البر والإحسان. وأنه ليعلم أنها بأسرها لم تكن تفي. بإذهاب ثلث غلة مصرفي. وإن من يتصحب هوله. لا حق له حسب شرط الواقف في تلك الغلة. ومن علم حاله أصاخ إلى ما تقول جدران المدرسة. لم يبق له في صحة ما قلت وحرمه العلم الشريف وسوسة. وإنما لم يذكر حضرة المشار إليه حقيقة الحال. مع وقوفه عليها من بين أولئك الرجال. لأن نفاق أهل العراق على غبر جنانه. وباطلهم الذي نسبوه إلى غير عن قول الحق لسانه. وقد كنت في العراق أحظى أهله. بجزيل فضله. وأقرب أهل ناديه. إلى جميل أياديه. فلعن الله قوماً حالوا بنفاقهم بيني وبين هذا النجيب. والشهم الذي حاز من سهام المجد المعلى والرقيب. وماذا أقول. وحل عصام الكلام يستدعي عقد فصول. وعلى العلات. خطيئتي في رقاب أبناء المومسات. ولما حسن ما حسن حضرة المشار إليه. استقر رأي أهل المجلس جميعاً عليه. فلخصوا ذلك للمآبين وحصلوا فيه إرادة. وحرروا بعد مضي نحو شهرين فرماناً حسب العادة. وقد حكى لي جميع ما كان. متفضلاً بإعطاء الفرمان. حضرة مفتي الأنام. وشيخ مشايخ الإسلام. فقلت يا سيدي وجلالة قدرك الخطير. إن باعي الطويل عن ذراع ابن زند في أمر الكسب قصير. وأنه ليبتلع الفرات ودجلة. وما يرى على شفتيه بلة. فأخشى أن يبتلعني ونصفي. ويشرب شربة ماء على ملكي ووقفي. فاعفني عن شراكته الخاسرة. ووجهوا بدل معاشي ما شئتم نحو الخزينة العامرة. فقال تكلم. مع حضرة الصدر الأعظم. فذهبت إلى حضرة من افترع بلقيس الشيم. وارتفع قدراً على بساط الكرم. سر عسكر الإسلام سابقاً. وأجل أعضائه مجلس الأحكام لا حقاً. حضرة الوزير الخطير. والمشير الكبير. سليمان باشا. يسر الله تعالى له من جفان جفون الأنظار المجيدية ماشا. وقلما يوجد مثل هذا الوزير في مكارم الأخلاق. وجبر كسر قلوب العباد على اختلاف أصنافهم حسبما يطاق. وهو اليوم والي حلب. وقد حلب لأهلها من در فضله ما حلب. وجلب عليهم من در عدله ما جلب. وله بي بهي احتفال. كما لي به قوي اختصاص من بين أكثر الرجال. فعرضت عليه الأمر بلاً بلا. وشرحت له الحال فصلاً فصلا. وطلبت منه أن حول معاشي نحو الخزنة. وذكرت له أن لي في ذلك منحة عرية عن كل محنة. فقال سأسعى في ذلك جهدي. وأجد في مصلحتك غاية جهدي. فرأيته في اليوم الثاني جنب الصدر يشاوره فغلب على ظني أنه في أمري يحاوره. فالتفت حضرة الصدر بوجهه إلي. وقال جميع ما تريده على الله تعالى ثم علي. وقد جعلت حضرة الباشا من قبلك وكيلاً. فقال المشار إليه أن لي بهذه الوكالة فخراً طويلاً. فدعوت لهما. وشكرت فضلهما. وبعد نحو ثلاثة أشهر تم أمر التحويل على الخزنة. وأزال الله تعالى بنسائم خزائن لطفه على القلب حزنه. ولما وقفت على الفرمان. رأيت فيه إفراز المسقفات من أوقاف مرجان. كأنهم قطنوا بزيادة الإيراد. فضنوا به على مفتي بغداد. حيث أوقفوا على حاله. وقيل لهم أنه يرضى بمجرد المنصب ولو ضم إليه من ماله. وكيف لا يرضى به وهو على كل حال خير من البزازة. وأين قلم الفتوى من ذراع الأندازة. فشق علي والله ذلك. وكنت أحب أن يكون مفتي بغداد خيراً من جميع المفتين في سائر الممالك. وجعلت أثني عليه حسب الغيرة. وأفضله في فنه ولا أفضل عليه غيره. وطفقت أورد لهم أمثالاً جلية. وأباهتهم بالفتاوى البزازية. وأقول قد يكون مفتي دكان. أعلم من قاضي خان. فقالوا حظه ينطقك بهذا الكلام. ويلجئك أن تحر ببيانك الأفهام. ولا بدع في مثل ذلك فقد قالوا: إذا صدق الجد افترى العم للفتى ... مكارم لا تحصى وإن كذب الخال

وفي هاتيك الأثناء. فزت بعطية من حضرة ظل الله تعالى على أهل الغبراء. أيده الله تعالى وأبده. وخلد ملكه ونور خلده. ومقدارها خمسة وعشرون ألف قرش استنبولي. وكذا كان مقدار ما عين من بيت المال كل سنة لي. وبلغني أن العطية حين وجهت كانت أقل من هذا المقدار. فأبى ذلك حضرة شيخ الإسلام قائلاً أيعطى أقل مما صرفه حتى أتى هذه الدار. ولو أنه نفذ في أمري أمر نافد باشا. ما كنت رأيت عطية أصلاً ولا معاشاً. ولقد سعى لأسعى في المنع. فمج كلامه في وجهه كل سمع. وما ذلك إلا ببركة خدمتي للقرآن. ونسبتي إلى بضعة سيد الأكوان. صلى الله تعالى عليه وسلم. وأدام علينا بحرمته ديم النعم.) وبينما (أنا في حظيرة حضرة شيخ الإسلام المسامتة للنجوم. ناولني منشور القضاء في جميع أيالة أرزن الروم. فقلت يا ملاذي. إني لأعد المناصب من ملاي. وأن فتوتي لترى من مر القضاء. أن أنكح بعد اليوم فتاة إفتاء أو قضاء. وشر ما قنصته راحتي قنص ... شهب البزاة سواء فيه والرحم وقد نزل المشيب بعذاري. وضاقت منه أقطار أوطاري. وانقض بازي الشيب على غراب شبابي فقنصه. وألقى جواد العقل على ظهره فارس أملي فدق عنقه ووقصه. بل لا يليق بمثلي. ومن حكى شكله شكلي. أن يستعمل طرفاً طماحاً. أو يركب طرفاً جماحاً. أو يلحف بيض طمع جناحاً. أو يشق لطلب دنيا من شقق البيد وشاحاً. ولولا أمور أبرمت أضمارها. وأحكمت في سري أسرارها. فلا أكاد أحدث بها نفسي أو تحدث الأرض أخبارها. ما كنت لأخرج من قرارة داري. وأدخل في مضايق غربة وسعت أكداري. وبعد أن يسر الله تعالى لي خبزاً آدمه بالقناعة. واحتساء قهوة سحت بكؤوس شريعة غراء. فقال سلمه الله تعالى قضي الأمر. ولا يرد المنشور بنظم أو نثر. فأنب عنك نائباً في أرزن الروم. ولا تأمره بأخذ شيء في هاتيك الحدود من الرسوم. وخذ أنت ما عين في بيت المال من الشهرية. ومبلغها في السنة ثلاثون ألفاً من القروش الرومية. ثم قال. سلمه الله تعالى المتعال. هذا ما وفقت له في رفدك. وإعانتك في مارف مجيئك وعودك. وكان علي أن أعلي رتبتك. فأغلي بين الأقران قيمتك. ألا أنه حق القول من حضرة السلطان. أن لا تعطى رتبة مخرج لمن خرج من إسلامبول من أهل البلدان. فإن كنت تعزم على الإقامة بالقسطنطينية. أوجه لك في مجلسي هذا ما تقصر عنه أيدي الأمنية. فقلت يا مولاي من العجب بناء حركة رتبتي على السكون. فقال نعم لا تحرك حتى تسكن. فقلت يا مولاي دون الإقامة. أهوال يوم القيامة. وكيف أترك أهلاً وأوطاناً. أم كيف ألتذ برفعة في غير بلدتي ولو أضحيت سلطاناً. فقال لم يبق في بلدتك أنيس. إلا اليعافير وإلا العيس. وإن زئير آساد المحن. زلزل أطراف ناديها. وصرير صعار الفتن جلجل أكناف واديها. فلو وقع عليها طرف لبيب ذي اعتبار. لحكم بلا خوف ولا تكذيب أنها جوف حمار. فقلت يا مولاي أنا مشغوف بترابها. فضلاً عمن حل برحابها. شج بماها. فضلاً عن لمى دماها. مغرم بطيب نسيمها. فضلاً عن نكهة ريمها. مع أني كم تجرعت في رحابها صابا. وقاسيت من أنياب كلابها عذابا. فقال هذا والعياذ بالله تعالى داء. فقلت نعم وأسأل الله عز وجل الشفاء. ثم أني حيث رفعت مرحمته عني الحرج. ناقشته في أمر منع رتبة المخرج عمن خرج. واعترضت عليه بما وقع في تلك الأثناء. للشامي الجابي الذي كان قاضياً في الزوراء. فإنه فتح له باب المخرج. وقيل له دونك ولا تحرج. فاحتسى منه معقة المأمول. من غير أن يشرطوا عليه الإقامة في إسلامبول. فأطال أطال الله عمره في ذلك جوابه. فحبست لسان الاعتراض عليه في فم المهابة. وقلت في نفسي. وأكاد أخفيه عن حسي: أهابك أن أجيبك لا لعجز ... ولكن لمخافة أسكتتني هذا وقد كتب له حضرة الصدر. تذكرة يطلب لي فيها ترفيع القدر. فاعتذر بما اعتذر. وأنا أرضى بما صنع القدر.) وبالجملة (رضيت بقضاء أرزن الروم. وقنعت جبراً بما عين في مقابلته من المبلغ المعلوم. ولم أعتب إلا الزمان المفتون. والدهر الشرس الحرون. ما خلت أن الدهر يثنيني على ... صراء لا يرضى بها ضب الكدى

وتفضل علي حضرة ولي النعم الغامر أهل الفضل بأفضاله. بخمسين ألف قرش رومي من خالص ماله. أسأل الله تعالى أن يؤيد سعوده. ويديم وجوده وجوده.) وقد اجتمعت (في دار الخلافة برجال. هم في الكمال بمراحل عن دائرة الخيال. من معشر فالأرض دارهم ... والنجم جارهم والعز حيث هم ) منهم حضرة شيخ الإسلام (. وهو كالفاتحة بالنسبة إلى سائر الكلام. وأنه لعارف بأمور أولاه. معرفته بأمور أخراه. بل لا تكاد تتفاوت المعرفتان. لو وضعتا في كفتي الميزان. فهو في نعوته الباهرة. رجل الدنيا والآخرة. وقد ذكرنا بعض ذلك في كتابنا شهي النغم. في ترجمة شيخ الإسلام وولي النعم. وأما كل ما حواه أهابه مما يبهر الأذهان. فذاك مما يضيق عن أحضانه فم ظرف الزمان. وربما ينشق إلى أذنيه. إن هم أن يفتح بذلك شفتيه. وملخص الكلام فيه أنه آية الله تعالى الكبرى. وأن مشيخته اليوم نعمة على فتاة الشريعة عظمى. ولا تعبأ بسفسطة السفط. فأولئك كأبناء الزمان أكثرهم سقط. فهم إن يشبعوا مدحوا. وإذا جاعوا قدحوا. وكم أنهلت علي من سماء شفقته شئابيب مكارم. فجرت منها بحار أبحاث يمزق فيها فكر العالم العائم. لكن إذا اتغاث. بذلك الحبر أغاث. وسأجري إن شاء الله تعالى في بزائز هذه الرسالة. شيئاً مما استقر منها في حياض حافظتي السيالة. فحينئذ تتهادى رياضها ببرود سندسية. وتدل غياضها بجر أذيال طاوسية. ) ومنهم حضرة مصطفى رشيد باشا الصدر الأعظم (. ومن لم تر عين رأس الدولة العلية أجل عقلاً منه وأحكم. وقد قدمت لك شيئاً من سني ترجمته. ومن أين لي الإحاطة بما أودع الله تعالى فيه من عجائب قدرته. فبشرى لدولة هو صدرها. وإليه ينتهي أمرها ونهيها. أسأل الله تعالى أن يحفظه وذريته. ويؤيد به ملته ودولته. ) ومنهم الجار ذيل الفخر على قنة كيوان (حضرة) محمد علي باشا (صهر حضرة السلطان الغازي محمود خان. كان يوم دخلت الأستانة. مشير الترسانة. وهو الرئيس للعساكر البحرية المرابطين في حراسة الممالك الإسلامية. ولما واجهته آنسني غاية الإيناس. وقال لم يز يمدحك عندي حضرة) حمدي باشا (والي سيواس. فلما استنشقت بعرنين سمعي وياك. اشتقت علم الله تعالى كثيراً لأن أراك. فالحمد لله تعالى على رؤيتك. ومشاهدة طلعتك. وفي أواخر سنة ألف ومائتين وثماني وستين من هجرة صدر المرسلين. ورأس الخلائق أجمعين.) صلى الله تعالى عليه وسلم (توجيه إليه قلب جسد الخلافة الكبرى. فقلده أمانة الصدارة العظمى. وفي شعبان سنة التاسعة والستين. استردت منه وعاد كما كان قديماً مشير عساكر المسلمين. وسبحان من بيده الوضع والرفع. والوصل والقطع. والإعطاء والمنع. ومن أجل أخلاق المشار غليه. أنه يلتزم أمر من حط رحال الآمال لديه. فيبذل وسعه. فيما يعلم أن فيه نفعه. فالمحسوب عليه. كالمنسوب إليه. يغمره بصنوف النعم. ويذب عنه ذب الغيور عن الحرم.) نعم (يقال أن تواضعه. دون تواضع من تساوى في الرتبة معه. وأنت إذا حققت الأمر من راءٍ وسامع. تعلم أنه حفظه الله تعالى غير مقيد بتكبر أو تواضع. فتراه قد استوى على عرش المجد وذراه. ولم يستوف شيئاً من ذينك الأمرين يوماه. وهو عندي في الحقيقة مترفع عن الكبر. ولعله يقول بقولي هذا كل من أمعن فيه الفكر. وقد رأيته يشفق على الرعية. ويأسف لما هم فيه من صنوف البلية. ويقول والله إنا لم نأل جهداً في رعاية رعيتنا. إلا أن لله عز وجل مشيئة فوق مشيئتنا. فقلت يا سيدي على العبدان يسعى. والمأمول من الله تعالى أن لا يخيب المسعى. نعم. إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده ثم قلت يا سيدي تصافى رجال الملك. من موجبات عمارة الملك. واختلاف قلوبهم من أقوى مقتضيات الاضمحلال والهلك. فأسأل الله تعالى أن يؤلف بين القلوب. ويوفق الراعي والرعية إلى كل أمر محبوب.

) ومنهم الوزير المشير التالية مدافع عزماته على حصون الأعداء وكثرة الدخان. حضرة أحمد فتحي باشا الصهر الأول لحضرة السلطان الغاز محمود خان (وكان يوم دخلت الأستانة. مشير الطوبخانة. ولما واجهته أعلى محلي. وفاتحني بأبحاث علم نقلي وعقلي. فرأيت له اطلاعاً وافراً. وفكراً باهراً. فأحس مني باستغراب. فقال يا مولاي كنت أنا من جملة الطلاب. قد قرأت إلى شرح الشمسية. فأخذ السعد بيدي فجعلني قطباً لمصالح الدولة العلية. فضاق وقتي عن الدرس. ومضى ذلك الشغف كما مضى الأمس. ولم أزل أتردد إليه. لما وجدت من النجابة لديه. وهو يضاعف الاحترام. ويبالغ في مدحي عند الخواص والعوام. وكثيراً ما حكي لي أنه يقول. لم أر مثل فلان يعنيني بين علماء إسلامبول. وكان مدحه أحد أسباب شهرتي. وبلوغي حسب الإمكان ذرى هضاب أمنيتي. وقد رأيته لين الجانب. صلب الانتصار للصاحب. ولم أحس منه بانحلال عقيدة مع أني خضت معه في العقائد مراراً عديدة. بل تحققت منه. خلاف ما يرويه السفط عنه. ولعن الله تعالى امرأ له على الطعن في المسلمين ثبات. وعلى أكفار المؤمنين بمجرد التخمين هجوم ووثبات. ولي كل من ذهب إلى أوربا مستحقاً للإكفار.) نعم (إن من الذاهبين من رجع منها أكفر من حمار. ثم أن حضرة السلطان. يحب حضرة المشير أكثر من سائر الأقران. وكثيراً ما يأكل عنده الطعام. ويستمر لساعات وربما يسمر معه والناس نيام. وهو حفظه الله تعالى مع ذلك لا يظهر فخراً. ولا يبدي على أحد من الخلق كبراً. زادوه إجلالاً فزاد تواضعاً ... الله أكبر هكذا الرجل السوي وقد عزل في اليوم الحادي والعشرين. من شوال سنة الألف والمائتين والثاني والستين. ثم عاد إلى ما كان. في السنة التالية أواسط شعبان. وسبحان من بيده مقاليد السماوات والأرض. وهو عز وجل المتصرف كما يشاء في الطول والعرض. ) ومنهم الشجاع القسور حضرة محمد باشا سر عسكر (وهو ذو ذهن نقاد وفكر دقيق. يحب الوقوف على أحوال العباد والبلاد بتحقيق وتدقيق. ومن قوة ما له من العقل والإدراك. تراه يجمع بين الضب والنون والسمك. فيعاشر كلاً من المتعاديين. كما يعاشر كلاً من المتحابين المتصافين. فيظن كل من يحبه. أنه مختص به. ويحس منه على فضله. الفخر بفاضل عقله. وقد اجتمعت به مرات. فسألني عن العراق وأهله عدة سؤالات. فأفصحت له عن الحقيقة الحال أي إفصاح. فجعل يعجب من فرط الأهوال ويصفق راحاً براح. لكن لعمري ما أثمر صفق الراح راحة لأهل العراق. بل أوقع في أيديهم ضحكة تتغنى بعجائبه الركبان في الآفاق. وما ذاك إلا لبعد خطتهم. عن حمى دولتهم. وقصور هممهم. عن شكاية المهم. واستيلاء وضيعهم. على رفيعهم. وشرارهم. على خيارهم. وتصعراً وجههم. لأوجههم. وعظم نفاقهم. على رفاقهم. وتفويق خضراء دمنهم. على سويداء مهجهم. وسوداء أعينهم. إلى أمور أنتن في الشم من ريح الجورب. وأشد على الذوق من سم العقرب. وليس لدائهم من دواء. حتى ينزل المسيح من السماء. وقد عزل هذا المشير الرصين. أواسط شعبان سنة التاسعة والستين. ونصب محله. من كان في ذلك المنصب قبله. أعني) محمد علي باشا (الصدر السابق. يسر الله تعالى الأمر الموافق. وجعل هو لأوردي الخاصة مشيراً. فعد كل ما ناله من المنصب قضاءً عليه وتقديراً. لما في ذلك من الحور. بعد الكور. والاتضاع. بعد الارتفاع. والحق أنه إذا توفر للعبد سهم السعود. ينبغي أن تتساوى عنده قوسا الهبوط والصعود. والغرض نظر السلطان. فمن أصابه اتحدت لديه القوسان. إذا صح منك الود يا غاية المنى ... فكل الذي فوق التراب تراب ومن كان من صدق الخدمة بالأفق الأعلى. لا يبالي دنا أم تدلى. بل ذاك أعظم همومه. انتظام مصالح مخدومه. إلا أن مثل هذا في الخدم. أعز من الغراب الأعصم.

) ومنهم المشير المحكم قوانين الرياسة أي أحكام (. حضرة) رفعت باشا (رئيس مجلس الأحكام. وهو لين الجانب. متواضع للأهالي والأجانب. وله اعتقاد أظن أنه راسخ. بأهل الزوايا المتزينين بزي المشايخ. وقد كان معظم رجال الدولة. في هذا الاعتقاد مثله. ويجبرهم على الاعتقاد رجاء أغراض دنيوية. ويجيزهم عن الانتقاد خوف تأثيرات نفسية. وحب الدنيا يفعل بالعقول. فوق ما تفعله والعياذ بالله تعالى الشمول. ولحضرة المشير المشار إليه شغف بالمناصب. يكاد يخرج إلى حد الأمر الغير المناسب. فتراه إذا انفصل مضطرب البال. مضطرم البلبال. لا يدري ما يصنع. وما يحط وما يرفع. جيشه مهموم. ونديمه لا يسقى إلا بكاسات غموم. وهو في المنصب أنور من صبح مسفر. وأنشط من ظبي مقمر. ذو فكاهة مع الجليس. تغنيه عن احتساء الخدريس. وقد صحبته منصوباً ومعزولاً. وعلمت من أحواله جملاً وفصولاً. وبالجملة. هو من خيار رجال الدولة. وذلك من حيث الغيرة والوفاء. وحسن المعاملة مع الغرباء. عزل في الحادي والعشرين. من شوال سنة الثامنة والستين. وعاد إلى رياسته الحالية. في شعبان السنة التالية. فله اليوم في مجلس الأحكام. نقض وإبرام. وتوهين وأحكام. على قانون لو رآه ابن سينا لقال هذا لي إمام. أو عرج عليه عمر الخيام. لنصب عليه الخيام. أسأل الله تعالى أن يوفقه لما هو الأحرى. وييسره لما هو الأولى في الأولى والأخرى. ) ومنهم ذو النجابة التي تتشعشع أنوارها من جبينه وتبتلى حضرة سليمان باشا (أحد الأعضاء الرئيسة في مجلس الوالا. وهو ذو أخلاق أرق من دمعة الصب. وألطف وأبل غب الجدب. وله وفاء وافي. وفؤاد عن كل غش صافي. وغيرته على ملته. وصدق جلي في خدمة دولته. بهر نجم سعده الأنور. فلم يزل يترقى في المناصب وحتى صار سر عسكر. ثم غض طرف الحظ عنه بعض الإغضاء. فانفصل عن ذلك وصار في مجلس الأحكام من الأعضاء. لكنه أيضاً مشار إليه في البين. فأنزل من ذلك المجلس منزلة إنسان العين من العين. وفي أواسط السنة الثامنة والستين أعطي أيالة حلب. فحلت أهاليها من شطور عدله المبين در المنى والأدب. فهو اليوم والٍ هناك. بسيرة ترضي الإنس والجن والأملاك. أسأل الله تعالى أن يحفظه من كل مكروه. ويبلغه بلطفه كل ما يرجوه. ) ومنهم ذو الأخلاق الذكية الزكية. حضرة عالي باشا مشير الخارجية (وهي أحيى من كتاب. وأصحى قلباً من دمع سحاب. وأعظم تواضعاً من أرباب السلوك. لكل من قصده من غني وصعلوك. ذو فتوة وعفة. لا يرفع إلى سفاسف الأمور طرفه. نال الصدارة العظمى في الحادي والعشرين من شوال سنة الثامنة والستين. وقد فارق غيلها الليث الهسور. حضرة الرشيد الصدر الأسبق على كل الصدور. فما كان ذلك إلا من إقامة الفرع مقام أصله. واستعمال جزء الشيء في كله. فإن حضرة ذلك العالي القدر. كضلع من أضلاع ذلك الصدر. وهو الذي أوقد نبراسه. وأيد أساسه. وأعلى بين الرؤوس رأسه. ثم أنه عزل بعد أيام قصيرة من غير تقصير. وأخرج من الأستانة وجعل والي أزمير. وهو اليوم فيها. مترقب أن يعود إلى الأستانة بحالة يرتضيها. أسأل الله تعالى أن ينشر له أجنحة السرور. وييسر له ما يقر العيون ويشرح الصدور. وذلك بالعود إلى مسنده الأول. فإنه لديه فيما أظن أجل وأفضل. ) ومنهم كوكب السعد. الذي هو في فلك المجد. أجل السواري. حضرة المشير علي غالب باشا داماد حضرة الشهرياري (وهو سر أبيه الصدر الأعظم. والرشيد الذي قال رشده لكل معاند سلم تسلم. قد جمع قبل أن يبلغ من العمر عشرين. ما تفرق من أنواع الكمال في الفلاسفة المعمرين. واسترق رقاب الأحرار بالمكارم. قبل أن تسرق أيدي الآظار منه التمائم. ولما أن طر شاربه. وأذن الظمآن النظر أن يرد مباه حسنه حاجبه. صحكت فنون كماله على أكثر أهل الذقون. حتى إذا أحسوا بنقائصهم بكوا بعيون الندم على ما فاتهم من هاتيك الفنون. فلما رأى حضرة ظل الله تعالى ما أظل هذا الشاب مما سما به على السماء المظلة قدراً. استولى حبه على قلبه حتى خرق الحجاب فاختاره من بين شباب دولته صهراً. إلا أنه إلى الآن لم يقترن السعدان. وكأنك بهما إن شاء الله تعالى مقترنان.

) ومنهم جنة البصائر والأبصار. وحبة فؤاد السرائر والأسرار. حضرة جلاء عين الصدر من غين الدهر فؤاد أفندي المستشار (وقد شرت لك فيما مر شيئاً من عسل صفاته. وأشرت إلى ما لا يبلغ عشر العشر من سمى سماته. وحيث إني ممن لا يستغني عن المستشار. وأحاديثه لدي في العراق كأحاديث نجد لا تمل بتكرار. أعود فأقول. غير مبال بملول. هو فتى قد عرج إلى ما عرج. وعرج إلى ما لم يكن سواه عرج. وشأى فرأى ما لا تضبطه قواعد الإبصار حيث شاء. فلما ادعى. دعا فنادت شواهد الآثار. ما كذب الفؤاد ما رأى. ولقد شغفت به مناص المراتب. كما شغفت به خواص المناقب. وعندما صار مستشار الصدر. جبر كسر القلوب أحسن جبر. وذلك لما مصره من كرائم الأخلاق. واعتصره من كرم كرم الأعراق. ولمزيد فضله. وسلامة عقله. عول عليه الصدر في أمره كله. ولكونه ذا ذهن وقاد. أحل إليه الكلام في أحوال البلاد والعباد. ولا بدع في ذلك فالمستشار مؤتمن وأن الكلام في الفؤاد. واتفق أن دعاني إلى الثغر. ليشرح مني بالاستئناس الصدر. في قصر له طاب مغناه. وطال مبناه. فكأنه سخاب. في نحر السحاب. وقد أقرت له القصور. بغاية القصور. واكتست له الشعرى العبور. ثوب الغيور. وقد احتوت عليه دار دار بالسعد نجمها. وفاز بالحسن سهمها. ذات أشجار كأن الحور أعارتها قدودها. وكستها برودها. وحلتها عقودها. خلالها روض يروق. كأنه من الجنة مسروق. فالأرض تجلى بالنبات الغض ... في حليها المحمر والمبيض من سوسن أحوى وورد غض ... مثل الخدود نقشت بالعض وأقحوان كاللجين المحض ... ونرجس زاكي النسيم بض مثل العيون رتقت للغمض ... ترنو فيغشاها الكرى فتغضني وياسمين في ذرى الأغصان ... منظم كقطع العقيان وجلنار شبه خدي دعد ... أو مثل أعراف ديوك الهند وغير هذا من صنوف الورد ... ليس له سوى البها من حد وهناك بركة ماء عذب مورده. وصفا حتى كأنما يفقده من يشهده. وربما يخيله الناظر في بعض الأوقات. خداً من لجين تجلى بعذار من انعكاس النبات. فجعلت أتمشى معه هناك بين سماء فاختيه. وأرض طاوسية. فتحير فكري. ودهش سري. حيث أبصرت ما لا يخطر في الجنان. ولا يكاد يتصور وجوده في سوى الجنان. فقال هل مثل هذا في مدينة السلام. فقلت لا ولا في غوطة دمشق الشام. وأنشدته ارتجالاً. وإن لم أكن قوالاً. لقد وصف الرحمن للناس جنة ... فشوق من كل العباد نفوسا وما كنت أدري أن في الأرض نحوها ... إلى أن رأينا منزلاً فيك مأنوسا ففرح به. وجعل ينشده لصحبه. ثم رأيت في بعض رياضه. حذاء أحد حياضه. بصورة امرأة حسناء. كأنها حوراء. قد نحتت من رخام. وأحكمت صناعتها أي إحكام. فلا تكاد تعرف أنها من حجر. إلا بتدقيق النظر. فأنكر ذلك بعض الحاضرين. وقال إنه محرم باتفاق المسلمين. فقال المشار إليه أنها تناسب هذا المكان بناءً على تشبيهه بإحدى الجنان. فقلت على سبيل الارتجال. ناسجاً على ذلك المنوال. هذه الدار يحاكي ... حسنها دار السلام غير أن الحور فيها ... قد تجلت من رخام فابيض وجهه بالسرور وأسفر. وأمر بكتابة ذلك على صدر الصورة بالذهب الأحمر. وقال هذا عندي كفتوى شيخ الإسلام. وسأقوى بها إذا أنكر منكر على هذا الرخام. فقلت في نفسي كيف تقوى. وهي لو فرضت فتوى. خالية عن تقوى. ثم خضنا في بحر التصوير. فاستوعبت الكلام فيه من غير تقصير.) ولما (عزمت على العود إلى الأوطان. التمست منه أن يحرر لي لأجل الطريق فرمان. وكتبت له هذه الأبيات يوم الدعوة الثالث والعشرين من شهر رمضان. أرى دولة الإسلام شخصاً فرأسه ... ملاذ الورى السلطان والصدر صدره وأنت بلا ريب فؤاد وحبذا ... فؤاد حوى العرفان لله دره إذا ما بدا أمر مهم فرأيه ... هو الرأي والفكر المسدد فكره فيا سيدي قد طال بالعبد غربة ... فمنوا عليه أن يحرر أمره ليغدو إلى أهليه بالخير داعيا ... ويبقى لكم ما عاش بالمدح ذكره

فوعد بإرساله بعد العيد حسب المراد. فصدق بما وعد وما كذب الفؤاد. وكان سلمه الله تعالى قد ذهب إلى القاهرة. ليجري مع واليها حضرة) عباس باشا (بعض المذاكرة. فعاد من هنالك. بوجه مستبشر ضاحك. فأرسلت إليه بأبيات. لها على كمال الحسن شرافات. وهي: أهلاً وسهلاً بك من قادم ... قد نفذ الأمر إلينا وعاد فانسر من ظل الإله صدره ... إذ عاد بالخير إليه الفؤاد ) وبالجملة (كان المشار إليه عاقلاً حليماً. وعارفاً بما يقتضيه الوقت عليما. وقد صار مشير الخارجية في الحادي والعشرين. من شوال السنة الثامنة والستين. وبعد نحو ثمانية أشهر جاء من قبل الدولة المسقوفية سفير. يقولون أنه بين السفراء ذو قدر خطير. وكان سفير شر. وخباثة وغدر. فذهب إلى الباب العالي. غير مارٍ بحضرة هذا البدر المتلألئ. وعادة سفراء الدول الأجنبية. المرور أولاً بمشير الخارجية. فاستشعر من ذلك عدم الاكتراث به. فأبى شريف طبعه جليل منصبه. فكان أهون عليه من قراضة الجلم. وأقل من براية القلم. وأحقر من تراب يصفع براحة القدم. فنبذه وراء ظهره. وفرى بطن أنانية السفير المسفور بشفرة أنفته وكبره. وهكذا فليكن الغيور. والليث الجسور. وبلغني أن كلب المسقوف أظهر الضجر. وجعل يعوي إذ رمي بهذا الحجر. وأن مجيئه لطلب أمور شاقة. لا تكاد تحققها الدولة العلية أو تحق إلحاقه. ولما لم يمكن منها فسخ العهد الذي كان في البين. وجعل رأس ذلك أن رفع ما لدولته في بطن أرجاء غلطة مما يشبه العين. ففهم الناس من ذلك فتح باب الحراب. فاضطربوا اضطراباً كثيراً لما في البلاد من الضعف وقوة الخراب. وأنشد الواقف على الخفايا. السائر في الأرض السابر لبحار البلايا. أرى تحت الرماد وميض نار ... وأخشى أن يكون لها ضرام فإن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام نسأل الله تعالى أن يطفئ نار أولئك الطغام. ويؤجج عز وجل بلطفه نور المسلمين والإسلام. ولا يخرجنا إلى الاستعانة بأعداء الدين يريدون أن يصطادوا بشباك الإعانة بعض بلاد المسلمين. وأنا أخوف ما أخاف من مكر الأعداء من جهة العراق. فإنه عضو ضعيف بالنسبة إلى سائر الآفاق. وإن إبل ذلك النادي. قد حداها والأمر لله تعالى غير حادي. ووراء ذلك ما لا يقال. وحسبنا الله الملك المتعال. ) ومنهم الآخذ بضبع المظلوم مخافة أن تدفعه يد الظالم إلى أشر المهاوي. حضرة مظلوم بك أفندي ناظر مجلس الدعاوى (وهو فتى تقمص الديانة والعفة. وكان من تقوى الله تعالى في أوقي محفة. يحب العلماء والشيوخ. وإن لم يكونوا من أهل الرسوخ. مع أخلاق أرض من النسيم. وفكاهة ألذ من التسنيم. وكم تقلد أموراً. فأنتجت فرحاً وسروراً. واتفق أن بعث رسولاً إلى) محمد علي باشا (ملك القاهرة. فبالغ في عظته ونصيحته. ولم يبال بأبهته وهيبته. وأرشده إلى تجارة غير خاسرة. وكان ممن حظي عند حضرة السلطان محمود خان. وتبوأ من غرف عنايته العلية أعلى مكان. وفي هاتيك الأثناء اتفق أن حظي أيضاً عند ذلك السلطان الأوحدي. رجل يدعى بصائب بك أفندي. فشق ذلك على الحساد. كما هو العادة في غالب العباد. فكانوا يقولون أن ميم مظلوم سرقت من أول صائب. فهذا ظلوم بلاميم أوله وذاك مصائب.) ولعمري (لقد ظلموا. وبالباطل الجلي حكموا. فقد رأيت المشار إليه مظلوماً بين الأقران. حيث لم يبوأ من بينهم قنة كيوان. وأن الظلم عنه بمعزل. وبعيد عن منزله بألف ألف منزل. كأن ربي لم يخلق لخشيته ... من الرجال سواه قط إنسانا

وقد حضرت مجلس دعاويه المرة بعد المرة. فرأيته لا يخرج عن دائرة الشريعة الغراء قيد شعرة. واستمر في منصبه عدة سنين. وعزل عنه أثناء السنة التاسعة والستين. وهو اليوم في مغناه. مشغول بعبادة مولاه. يسر الله تعالى له ما هو الأولى والأحرى. وستره سبحانه في الأولى والأخرى.) واتفق (أني سمرت معه في بعض الليال. مع جملة أحبة ذوي فضل وكمال. وكان قد بلغه عني إنكار على الشيخ الأكبر. وغض طرفٍ عن ذلك النور المجسد الذي لا ينكر. فقال ما تقول في الشيخ الأكبر محيي الدين. فقلت الشيخ الأكبر محيي الدين. فأعجبه الجواب جداً. وقال إذا أنكرت. ثم ذكرت من شؤون الشيخ قدس سره ما ذكرت. وأنشدت آخر المقال. قول الفاضل المفضال. ذي الأدب العبقري. عبد الباقي أفندي العمري. من قصيدة قالها في مدح الشيخ المشار إليه. لا زالت سحائب رحمة الله تعالى ورضوانه منهلة عليه. ينكر المرء منه أمراً فينها ... هـ نهاه فينكر الإنكارا فعجب غاية العجب. وقال مثل هذا يكتب بماء الذهب. وأنا الآن أقول. غير مبال. بمنكر ذي فضول. أن الشيخ قدس سره لا شك في جلالته علماً وعملاً. وأن عنده وكذا عند أمثاله لكلامه المتشابه من أحسن المحامل محملاً. لكن أنا لا أعلم ما ألتزمه في شأنه من شر التدوين. مع ظهور أنه سبب قوي لضلال كثير من ضعفاء المسلمين. وقياسه على متشابه الكتاب والسنة. قياس لا يرتضيه إذا أمعن النظر ذو فطنة. وكذا لا أعلم سر تأخير النبي صلى الله عليه وسلم تبليغ ما في الفصوص. عن زمان تبليغ ما أوحي إليه عليه الصلوة والسلام من النصوص. إلى أن يأتي الشيخ الأكبر بعد نحو ستمائة سنة بعد الهجرة. فيناولها إياه في المنام ويقول له اخرج بها إلى الناس فخرج بها غير مغير منها مقدار ذرة. وليس مرادي من هذا نفي السر في نفس الأمر. فذلك عين الإنكار الذي هو أدهى وأمر. بل مرادي مجرد نفي علمي به. مع تسليم أن له سراً هو معلوم لدى صحبه.) وبالجملة (أنا معتقد جلالة قدره. مفوض سائر أحواله إلى عالم جهره وسره. ويأبى الله تعالى أن أخوض في حقه كما خاض المنكرون. فذاك فضول لا ينبغي أن يرتكبه العالمون. وهذا ما أدين به الملك الديان. غير مداهن به أحداً من كبراء الزمان. وما علي إذا ما قلت معتقدي ... دع الجهول يظن السوء عدوانا ) ومنهم حضرة ذي الخلق العطر الندي. مرضي الخالق والخلق رضا أفندي (. وهو فتى استحال تواضعاً وديانة. وتجسد نجابة وعفة وصيانة. له دين متين. وعقيدة قوية بالصالحين. وحب عظيم لأهل البيت. وغرام جسيم شامل للحي منهم والميت. أصله من أهل بروسا. من قوم طابوا فعالاً وزكوا نفوساً. ولقد رأيت أباه شريف أغا في الصلاح غاية. وفي رقة القلب نهاية. حتى أنه ليبكي متى سمع حديثاً أو آية. وقد استخدم المشار إليه مدة فيما بين. فقرت منه بالأنظار الخاقانية العين. ثم صار ناظر أوقاف همايون. فقرت به من الجوامع والمدارس والتكيات العيون. ثم صار أمين الدفتر. وهو بالأمانة أشهر من أن يذكر. ثم انضم إلى ذلك أن جعل أحد أعضاء مجلس الأحكام. وله مع ذلك من الأنظار المجيدة المجيدية أوفر السهام. وقد اقترح علي أن أصحح له الشفاء الشريف. فصححته له رعايةً لسابق فضله المنيف. ثم طلب مني الإجازة به فأجزته. وهذه صورة ما كتبته وحررته: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أجاز بالشفا. من أمراض النفس والهوى. من راعى حقوق المصطفى وواصل حبه وما جفا. والصلوة والسلام على ذلك الحبيب الأعظم. والمظهر الأتم. والنور الأعم. والسر المطلسم. وعلى آله وأصحابه القائمين بحقه. والكارعين كؤوس أخلاقهم من دنان خلقه.) أما بعد (فقد استجازني بالشفا. بتعريف حقوق المصطفى. صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. الأخ المثابر على التخلق بالأخلاق الأحمدية. والمجد في السير فيما يجاز به المجد من الأفعال المرضية المصطفية. الذي هو أعز أخوتي عندي.) أبو المحامد حضرة رضا أفندي (. لا زال ملحوظاً بعين الرضا عند مولاه. ومحفوظاً من كل مكروه في أخراه وأولاه. فاعتذرت بأني عيبة العيوب. وأني لست بأهل لهذا الأمر المطلوب. فلم يقبل عذري. وأجل لحسن ظنه قدري. وعين الرضى عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا

فأجزته بذلك. وفقنا الله تعالى وإياه لسلوك أقوم المسالك. حسبما أجازني به مشايخ عظام. وعلماء أعلام. كل منهم في حلبة الفضل إمام. منهم الشيخ عبد الرحمن الكزبري الدمشقي. عن أبيه الشيخ محمد. عن الشهاب أحمد المنيني. عن عبد الله بن سالم البصري. عن محمد بن سليمان المغربي. عن أبي عثمان سعيد الجزائري الشهير بقدوره. عن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله التنسي. عن الحفيد أبي عبد الله محمد بن أحمد الخطيب محمد بن مزوق. عن جده الخطيب محمد. عن القاضي أبي علي حسن بن يوسف الحسين السبتي. عن القاضي الأزدي السبتي. عن القاضي ابن غازي السبتي. عن مؤلفاته القاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي رحمة الله تعالى عليهم أجمعين. وذلك بالشرط المعتبر. عند أهل الأثر. وأوصى المجاز المشار إليه. لا زالت الألطاف الإلهية منهلة عليه. بتقوى الله تعالى في السر والعلن. فأنها مجلبة للمنح مدرأة للمحن. وأرجو منه أن لا ينساني. وأولادي وأخواني. من صالح دعواته. لا سيما عقيب أوراده وصلواته. وأسأل الله عز وجل لي وله الشفا والعافية من كل ما يستوجب الجفا. بحرمة حبيبه المصطفى. وآله وصحبه أهل الصفاء صلى الله تعالى عليه وعليهم وسلم. ما حرر بجيز إجازة مستجيز. ورقم. وكتب أفقر كل رائح وغادي. أبو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي. غفر له. ) ومنهم ذو الفضل البدي. حضرة زيور أفندي (. وهو شيخ سناً وكمالاً. وفتى فتوة وأفضالاً. قد سرى حب أهل البيت في لحمه وجلده. سريان ماء الورد في أوراق ورده. وأستولي على سره وعلنه. استيلاء روحه على بدنه. وله فيهم نظم فائق. وشعر رقيق رائق. تتمنى النجوم بعقود كلماته. وتود العقول المجردة أن تكون مكتسية ببرود عباراته. فهو اليوم فضولي الروم. وفاضلهم الذي يناطح فضله النجوم. قد تنقل في خدمات جليلة. وما من خدمة منها إلا توسدت ساعده مدة طويلة. وهو حفظه الله تعالى اليوم ناظر الأوقاف. وقد فخرت به الجوامع وأخواتها كما فخر على الوهاد جبل قاف. وكم مرت وقد حلت لي معه أوقات تضمنت فكاهات. ومحاورات هي لأرواح الارتياح أقوات.) فلعمري (ما رأيت ألين منه جانباً. ولا أحسن منه صاحباً. ولا أكثر منه إكراماً. ولا أبر منه ذماماً. ولا أطيب منه نفساً. ولا أخلب منه للأفئدة أنساً. ولا ألطف منه محاضرة. ولا ألذ منه محاورة. ولا أسرع منه جواباً. ولا أوفر منه صواباً. ولا أصدق منه قيلاً. ولا أقوم منه سبيلاً. ولا أسلم منه قلباً. ولا أتم منه للقلوب جلباً. ولا أوفى منه عهداً. ولا أصفى منه وداً. ولا أكمل منه للعترة. ولا. ولا ولا ولا ولا. أسأل الله تعالى أن يديم عليه ديم الألطاف. ويحيى بحياة أنظاره ما عاد رميماً من الأوقاف. ) ومنهم ذو الخلق الوردي. حضرة الكاتب الأول في مجلس الأحكام طلعت أفندي (. وهو رجل قد جاوز سن الكهولة. وما حط عبء لواء اللطف عن كاهله. وجاز سن الشيخوخة وما رفع من رداء الظرف ما يسجل من فاضله. يمزج الهزل بالجد. ويمزج جداً ولا يخرج عن الحد. يلتزم الصديق. ويمر له ريقه ليحلو له الريق. ذهب إلى أوربا وبقي شهوراً عديدة. وعاد ولم تحل بنان التشكيكات منه عقدة العقيدة. وقد سمرت معه حيث كان لي جاراً عدة ليال. فرأيته قد جمع جمع كثرة من حميد الخصال. وأكثر ما عنده رعاة حقوق الصحبة. وبذل الجهد في إدخال السرور على من أحبه. أسأل الله تعالى أن يديم طلعته. ويحفظ من كل مكروه مهجته وبهجته.

بسم الله الرحمن الرحيم

) ومنهم بدر العوارف الذي هو بأودية الكمال كل آونة مرتدي. حضرة ناظر مكاتب المعارف العمومية أخي وحبيبي كمال أفندي (. وهو كهل فاق الكهول. حيث جمع ما راق من ظرائف المنقول والمعقول. وقد غدا في هاتيك المغاني. من حيث معرفة اللغات آدم الثاني. وذهب كغيره إلى أوربا ثم عاد. ولم تكن قد فصمت أيدي الشبه منه عقود الاعتقاد. وأرسل مرة إلى العجم سفيراً. حيث كان بأمور الدولة ورسومها خبيراً. فظهر من معجز عقله ما شق من عقلهم إيوانه. ودر من وابل فضله ما أحمد من فضلهم نيرانه. ولما أراد العود توجه إلى بغداد. فدخلها أيام وزارة واليها النجيب أبي الأمجاد. فقبل أن أذهب لزيارته جاء لزيارتي راجلاً. ففاوضته الحديث فرأيته رجلاً غدا به الكمال كاملاً. وأخبرني أن سبب مجيئه إلي سعياً على القدم. سماعه الإغراق في الثناء علي من علماء العجم. وأنه لما سمع ذلك الثناء. في هاتيك الأطراف. نفث في روعه ملك الإنصاف. إن الفضل ما شهدت به الأعداء. وذكر لي أنهم قالوا له لو لم يكن ناطور السنة في العراق الشهاب. لطال بعلمائه من أسنة السنة أبحاثنا وحرمة الكتاب الأكتاب. ومن هنا ذباب الافتراء. وصفع رقاب المدلسين بنعال الهوان. وألقم كلاب المدسسين فأغصهم بحجر الامتهان.) ولعمري (لقد رأيت من نجابته معي في إسلامبول. ما هو فوق الحد وطور ما وراء طور العقول. ولا يستبعد من الكمال. كمال النجابة والأفضال. فجزاه الله تعالى عني من رائق فضله ورحيقه. أفضل ما جزي به صاحباً عن صاحبه وصديقاً عن صديقه. ولقد رأيته يتبع لجمع الكتب المدارس والجوامع. وقد جاوزوا شغفه بها الحد إلا أنه كحد جامع غير مانع. فتراه يعير منها ما لا يعار. وربما يخبل به الفلك الدوار. وقد أطلعني في جوف داره على مكتبة له. اشحنها التوفيق كتبا جمعت الحسن كله. فلو رأتها كتب الصاحب ابن عباد لذابت في جلودها. أو للطمت بأكف الغيرة منها على صفحات خدودها. فكأنها كتب شيخ الإسلام. التي أوقفتها وسيرها إلى مدينة النبي عليه الصلوة والسلام. وقيل لي كيف كتبك بالنسبة إلى هذه الكتب النفيسة. فأنشدت وحاشاني ولله تعالى الحمد من نفس حسودة خسيسة. هي كتبي فليس تصلح من بع ... دي لغير العطار والإسكاف هي أما مزاود للعقاقي ... ر وأما بطائن للخفاف والتمس مني يوماً على ما بي من الكآبة. أن أكتب له عدة أسطر تتضمن مدح صنعه الكتابة. وغرضه أن يمتحن أطفال المكاتب. بما هو لحالي حالهم مناسب. ويكون فيه ترغيب لهم بتلك الصنعة وأحكامها. والاستغناء عن بيض السيوف وزرق الأسنة بسمر أقلامها. فأجبته إلى ما أمله. وأمليت له رسالتين مختصرة ومطولة. أما المختصرة فهذه: بسم الله الرحمن الرحيم حمداً لمن أمر القلم. فرقم في اللوح المحفوظ ما رقم. وصلوةً وسلاماً على نبيه الذي لا تتسع قراطيس الأدوار لتحرير كمالاته. وتجف محابر البحار دون تسطير ما انطوى في كلماته. وعلى آله وأصحابه الذين مجت أقلام ألسنتهم. ما أنسى عداهم رشح نصال أسنتهم من العُلقم. فغدوا يعدون هرباً من أفاعي الحمام. ويعدون كل فم من هاتيك الأفمام دار الأرقم.) وبعد (فلا يخفى أن الإنسان مدني طبعاً. محتاج إلى بيان مقاصده وضعاً ورفعاً. وقد جعل الله تعالى اللسان. آلة تتكفل بالإيصال إلى ذلك البيان. فمتى أراد ذلك أخرج بدلاء أنفاسه من قليب القلب. وأجرى في حياض السامع من صافيه وكدره ما حب. إلا أنه لما كان قد لا يتسنى له سقي رياض أسماع النائين. ولا يتيسر له سوق مياه الإفادة إلى حياض إفهام الآتين بعد حين. جعل سبحانه له الكتابة عوناً. وجلا جل جلاله بها عن عين الإفادة غنياً. فيفيد بها المرء المرام. القريب والبعيد ومن يأتي من بعده بأعوام. ولذا امتن الله تعالى بها. وقال تبارك اسمه منها) اقرا وربك الأكرم الذي علم بالقلم (. والكتابة والبيان. في النفع فرسا رهان. وقد شاع في البين. أن القلم أحد اللسانين. فليملأ الكاتب صحيفته من شكر مولاه. وليغرد قلم لسانه وكذ اللسان قلمه بحمد باريه على جزيل ما أولاه. وليجهد من حرم لسوء الحظ. في طلب حسن الخط. وليسأل الله تعالى التوفيق فما خاب وحرمة اللوح والقلم موفق قط. وأما المطولة فهذه: بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم. والصلوة والسلام على سيدنا محمد أول كلمة خطت في صحيفة العيان. وأفضل نعمة جرى بها قلم الإرادة بمداد التفضل على سكنة عالم الإمكان. وعلى آله وصحبه الكابتين بأسنة بنانهم وألسنة بيانهم من جيوش الجهل كل كمى. والكاتبين بسمر الخط ما تركت ... أقلامهم حرف جسم غير منعجم صلوةً وسلاماً تتزين بهما السطور. وتصقل ببركتهما ألواح الصدور. ما نقلت عن صحف البحار غواديها. وكتبت أقلام النور على مهارق الرياض حكمة باديها.) وبعد (فإن من منن الرب. أن جعل في مدينة الجسد ملكاً يسمى بالقلب منه يصدر النهي والأمر. وبرأيه يظهر الخير والشر. ولما كان ملكاً محجباً. وعذيقاً في تلك المدينة مرجباً. جعل الله سبحانه له من أشراف مملكته ترجماناً. ونصب له منها سفيراً يسمى لساناً. فغدا يترجم عما فيه. ويبدي من مقاصده ما يبديه. فذاك الأول في تلك المغاني. وهذا منه وعينيك في المحل الثاني. إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا فلولا شأن اللسان. لشان العي أمر التمدن الطبيعي للإنسان. ثم أنه لما كانت فائدته كالمقصورة على إفادة الحاضر. قلما تسري للغائب أبنائي أو من يأتي من الأواخر. علم عز وجل الإنسان الكتابة. وأزال بها عن فؤاد الإفادة الكآبة. فهي جناح اللسان. ورسوله إلى من نأى في البلدان. وأمينة لمن لم تلده بعد أرحام الزمان. فترى أشجار فوائدها نامية. وبحار فرائدها بالنفع طامية. ولذا شرف الباري سبحانه القلم. وسوده جل شأنه بمداد القسم. فقال تبارك اسمه) ن والقلم وما يسطرون (. كفى معشر الكتاب فخراً وسؤدداً ... على الناس أن الله أقسم بالقلم وقد روي عن أبي الحسنين. أنه قال القلم أحد اللسانين. ويا له من لسان تبقى في صحائف الدهور آثاره. ولا تحجب عن صفائح الآفاق أنواره. ويكفي في التنبيه على شرف الكتابة. وأصابه النبه المتصف بها فؤاد هدف الإصابة. إن الله تعالى لم يخل منها ملائكته الكرام. عليهم أفضل الصلوة وأكمل السلام. فقال سبحانه) كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون (وقال تعالى) أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون (بل ظواهر بعض آي الكتاب. تشعر بنسبة الكتابة إلى رب الأرباب. وجاء في خبر لا شك في صحة سنده. أن الله تعالى كتب التوراة بيده. وفي بعض الآيات. الأمر بالكتابة في بعض الأوقات. ولولا أن عدم الكتابة هو الأوفق للإعجاز في شأن الحبيب الأعظم. والرسول الأكرم. صلى الله عليه وسلم. لجعل الله تعالى له من حسن الخط الحظ الأوفر. ومن نفاسة شكل الرسم الحد الأكبر. على أنه قد قيل. وفيه بحث طويل. أنه عليه الصلوة والسلام. قد علمه ربه سبحانه وتعالى في آخر الأمر الخط بالأقلام. وبالجملة الكتابة كمال أي كمال. وزينة زينة للرجال. كم نالوا بهاؤهم قاعدون على الإعجاز الصدور. وكم صعد لهم الزمان من أنبيق قصبها وهم غافلون قطر السرور. ولله تعالى در من قال. وهو من در المقال. خط حسن جمال مرء ... إن كان لعالم فأحسن فالدر مع النبات أحلى ... والدر على البنات أزين فلا بدع أن ابيضت اللمم في تسويد القراطيس لتحصيلها. أو انتقصت اللذائذ في صرف نقد العمر النفيس نحو تكميلها. فنفعها كثير. وفضلها كبير. ولو اتسع لي قرطاس الزمن. ومدني الدهر بمداد الراحة في محبرة الوطن. لحررت من ذلك ما يسر الكتاب. ولا يكاد يوجد مسطوراً في كتاب. وفيما ذكر كفاية. لمن كان عنده حرف من الدراية. وهذه لعمرك دعوى محققة. فلنسد ثغر الدواة ونعقد لسان القلم ونطو كشح الورقة. انتهى. وأنت تعلم أن كلتا الرسالتين نقطة من بحر ما تمدح به هذه الصنعة. وأنى يستوعب لسان القلم مدح ما قد غدا للكمال بصره وسمعه. نعم قد قيل: من فاته العز بالأقلام أدركه ... بالبيض تقدح من أعطافها الشررا لكنه لا ينافي ما ادعيناه من الفضيلة. كما لا يخفى على ذي فكرة ليست بالقليلة. ثم إنا لا ندعي التلازم بين الكتابة. والعروج بمعارجها عن حضيض الكآبة. فكم من كاتب كئيب نبذ بالعرى. يبكي ابن مقلته فيكل آونة من أبي ضوطري. حظه كمداده. وسواد ثوبه من الدرن أشد من سواده. ومجرى رزقه. أضيق من ثقب قلمه وخرقه. وقد قال من ألم به من سوء حالة الألم:

ومن ذا الذي في الناس يبصر حالتي ... ولا يلعن القرطاس واللوح والقلم ومن الكتاب. من كتابته في الردائة العجب العجاب. آثار مواطئ دجاجة مجنونة على القرطاس. أحسن شكلاً من أشكالها بين الناس. ومعاني هذيان المحموم. بالنسبة إلى معاني ما تضمنته تسامت النجوم. ومع هذا قد فاق في السمو عطارد. حيث أن الجد مساعف له ومساعد. وفي مثلهم قول ابن بسام: تعس الزمان لقد أتى بعجاب ... ومحا رسوم الفضل والآداب وأتى بكتاب لو انبسطت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتاب فإذاً لا ينبغي للمرء أن يوسط لفاضل عيشه فضله. بل الحري به أن يتكل على ربه وينتظر ما كتب في الأزل له. فاعتبر نحن قسمنا بينهم ... تلقه حقاً وبالحق نزل ) ثم (أن هؤلاء الأجلة. البدور منهم والأهلة. بعض من اجتمعت بهم من ذوي المناصب. ولم أستقصهم وأنى يستقصون وهم كالأجرام العلوية لا يستقصيها حساب الحاسب.) وقد اجتمعت (أيضاً بكثير ممن انفصل عن منصبه. وقعد في بيته صفر الكف ينتظر الراحة في العود إلى نصبه. ) منهم العضب الذي يقد حده النصل الأزرق. حضرة صارم باشا الصدر الأعظم الأسبق (وهو ذو هيبة ووقار. وهيئة تدل بالمطابقة على تضمنه دقائق أفكار. صار صدراً أربعين يوماً أو أقل. فأبت غانية الصدارة إلا بعلها الأول: وهو حضرة) رشيد باشا (الذي مر وحلا ذكره. لا زال عالياً على السماكين قدره. وقد صح عندي أنه ذو إقدام وجسارة. غير أن الحظ قعد به عن أن ينوء بعبء الصدارة. وعشق تلك الغانية ببعلها الأول. طلب منه خلعها فخلعها كرهاً ولم يتحمل. واتفق أن هنأه حضرة) حمدي باشا (والي سيواس. من الله تعالى عليه بغاية الاستئناس. فكتب بعد عرض الأثنية مجملها ومفصلها. قوله تعالى) إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها (. فوقعت الألوكة بعد انفصاله بيد حضرة) الرشيد (فاغبر ظاهره عليه لما أن في ذلك خلاف ما يعهده من إخلاصه الشديد. وثنى عنه عطفه. ولم يثن عليه عطفه. واتفق أن ذكر لي ذلك) عالي باشا (بطريق العتب على المشار إليه. فقلت هذا يدل على أن الباشا ولي قد سلمت الولاية عليه. فقال كيف ذاك. وأين السمك من السماك. فقلت أنه أشار له بالآية إلى قرب عزله. بل صرح له بما يشعر بأن الله تعالى مريد فصله. حيث خاطبه بذلك الخطاب. ثم ما كان له سوى أداء الأمانة إلى الرشيد جواب. فكأنه كتب إليه أيها الصارم الجديد. إن الله تعالى يأمرك أن تؤدي أمانة الصدارة إلى الرشيد. فهو أهلها. ومنه فصلها وإليه وصلها. فتسارع إلى الامتثال. وأجاب داعي الأمر بالانفصال. فضحك المشير المشار إليه. وأعجبه ما تلوته من التأويل عليه. ثم أنه قال لي. من أول هذا التأويل هو الولي. وشاع ذلك وبلغ حضرة) الرشيد (. فقال في لقد ذب فلان عن حبيبه بما ليس عليه مزيد. وبالجملة أن هذا الصدر وإن أعظم المعظم فضله. قد نبا في الصدارة العظمى صارمه من قبل أن يستله. ولا تكاد تتم لامرئ صدارة وآصف موجود. وأنى يضيء مع الشمس رابعة النهار نجم نحس أو سعود. ) ومنهم ذو الفكر الذي لا تدركه الجياد السوابق حضرة رضا باشا (رأس رؤساء العساكر الإسلامية ومشيرها السابق. قد كان من الدولة العلية بعين الرضا. وقد غمض عنه طرفه مدة مديدة سوء القضاء فكان بمنزلة العينين. من إنسان العين من حضرتي السلطانين. وصعد له الدهر من أنظارهما الإكسيرية ما لا تسعه بوادق العقول. وصوب في حقه الجد التقدم في كل كلية وجزئية على جميع رجال إسلامبول. وغدت الدولة العلية أشفق من الوالدة عليه. والخلوة السلطانية أشوق من الخاصة إليه. وهو مع ذلك صادق الخدمة. لا تأخذه في مصلحة دولته وملته لومة. ذو أوصاف هي للدعوات الخيرية شباك. ورب ألطاف هي للأثنية المرضية ملاك. مكرم العلماء والشيوخ. وإن لم يكونوا من أهل التحقيق والرسوخ. مجبور طبعاً على جبر القلوب. مجبول وضعاً ورفعاً على كل محبوب. وكم رمى في أيام إقباله بسهام حسد. فكان له من عيون السعادة أحفظ رصد. وإذا السعادة لاحظتك عيونها ... ثم فالمخاوف كلهن أمان واصطد بها العنقاء فهي حبالة ... واقتد بها الجوزاء فهي عنان

حتى إذا هدأت هاتيك العيون. وانتهت الأيام المقدرة في العلم المكنون. رماه الحاسد فأصماه. ولطمه القدر فأعماه. وأسلمته الأيادي المتساعدة. وسلمته بيد البلاء القابلة والوالدة. فانفصل عما كان. واتصل بأسباب الهموم والأحزان. وقعد في بيته ينتظر تقلب الزمان. ويقلب وجهه في سماء حوادث عالم الإمكان. وقد اجتمعت به غير مرة. قد ضربت عليه قباب النجابة. وربضت لديه آساد للهابة. ذا وجه صبيح. ولسان فصيح. وقلب سليم. وعقل مستقيم. ينزل الناس منازلهم. ويجل على حسب المراتب أفاضلهم. يسر الله تعالى له مأموله. وأعطاه في الدارين مسؤوله. ) ومنهم ذو الرشد والسداد. حضرة خليل باشا الساماد (. وهو من موالي طلحة الطلحات. خسرو باشا الشهير في سائر الجهات. قد اجتمعت به فرأيته قد علق بجناحه عامل الخفض. وكاد يستحيل من تواضعه ماء فيستحيل في الأرض. لا يرى ذا عمامة إلا أقبل عليه. وكاد بعد تقبيل يديه يقبل رجليه. قد وسع الناس بخلقه. دون دنانيره وورقه. وكف بطيب أقواله. أكفهم عن نيل أمواله. وفكههم بفكاهته. بدل فاكهته. ومن عليهم بلطافته. عرض كنافته. وسقاهم طلاقة بشرته. بدل شربته. فهو محبوب عند كثير من الناس. مع زعمهم أنهم من غير حسن المعاملة في أياس. ورأيته ذا شوق إلى وزارة بغداد. ولا شوق صاحب سعاد إلى سعاد. وقد استنكحها ولكن بسوء تعبير. فأبت أن يكون بعلها على سمو قدره الخطير. وأنكحها وليها غيره على رغم أنفها. فلتهنأ ببعل ما رأت نظيره وهيهات أن ترى ذلك بطرفها. ولتتسل به عمن كانت مشغوفة بحبه. وسبحان المصرف للهور والمتصرف كما شاء في الجليل والحقير من الأمور. ) ومنهم كليم حب الصوفية الفخام. حضرة موسى صفوتي باشا (الوالي الأسبق في دمشق الشام. وهو رجل معلوم بحسن السيرة. معلم بآثار صفاء السريرة. وله حسن عقيدة بالسادة النقشبندية. لا سيما الطائفة الخالدية. وقد بنى لهم خانقاه قرب الباب العالي. وأجرى عليها ما أجرى من وابل بره المتوالي. وأول من أرشد منهم هناك. رجل يدعى يوسف أفندي وهو شعراني الأتراك. وبعد أن طوى القدر من عمره أيامه. فرش سجادته في دار البقاء بعد الفناء ولم يقم فيها أحد مقامه. نعم هي اليوم مفتحة لبعض الشيوخ. ممن مقلهم حب الدنيا في مرحاض شهواتها إلى اليافوخ. وقد اجتمعت بهذا المشير قليلاً. فتفرست به مع أني راجل الفكر خيراً جزيلاً. وله أخ يدعى مصطفى أفندي. هو من صفوة الناس عندي. له صدقات مشهورة. وأياد في كل ناد مذكورة. مع لين جانب. وحسن معاملة مع الجائي والذاهب. كان الله تعالى له في أولاه وأخراه. وحفظه سبحانه من كل سوء وحفظ أخاه. ) ومنهم المشير الذي اتخذ عدة المحاسن لداريه عدة. حضرة حسيب باشا الوالي السابق في جدة (. هو مشير جليل. له في المكرمات باع طويل. وكم من مصلحة ولي أمرها. فسر بحسن سيرته سرها. وفرض إليه النظر في الأوقاف. فنظر إليها بعين الإنصاف. ثم وجهت إليه أيالة جدة. فأعلى جده في خدمة البيت المكرم جده. ثم صرخ صارخ العزل في مسامعه. وصرح له بالعود إلى مراتع مرابعه. فعاد إلى إسلامبول. يسحب أذيال عز وقبول. وقد اجتمعت به المرة بعد المرة. فأحست من نجابته بما يمنح العين قرة والقلب مسرة. فأنعم به من حسيب. وحبيب للمكارم نسيب.

) ومنهم حضرة ذي الطلعة الغراء. علي أشقر باشا الوالي الأسبق في الموصل الخضراء (. وهو من موالي بيت السلطنة. وممن احتسى من ثدي الإسلام قبل البلوغ لبنه. جاء صحبة المرحوم علي رضا باشا. كان له الرضى غطاءً وفراشاً. يوم جاء إلى بغداد. وهو في العسكر أحد القواد. وكان إذ ذاك من البيكات. ثم ذهب وعاد وهو من أهل الرتب العاليات. حيث جعل والياً على شهرزور. مع مكثه في بغداد معيناً لحضرة المرحوم المشار إليه في بعض الأمور. فكان أحد يديه في الحضر. وقائم مقامه إذا خرج للسفر. وأظهر من الصلاح والعدل في الزوراء. ما لم يعهد مثله منذ قديم من الوزراء. وكان ما يسعى إلى صلوة جماعة أو جمعة. إلا وصدقاته للإمام وغيره تسعى معه. وكان يألف من ينتسب إلى المشايخ كيف كان. وقد كان لبعضهم بستان فرأيته بنفسه يخرج الماء من البئر ويسقي البستان. وقرأ على دلائل الخيرات. وقررت له ما فيها على اختلاف الروايات. وأصلح عني ما فسد من جامع مرجان. ولم شعثه وشيد ما وهي فيه من الجدران. وجدد له من البسط الخرسانية أحسن فراش. فكان الناس يتهافتون على الاجتماع فيه تهافت الفراش. ثم خرج من حدود بغداد وله فيها مزيد شغف. يكاد عافانا الله تعالى وإياكم يصل إلى رسوم التلف. فاستوزر في عدة بلدان. وماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان. وما كل روض ينبت الزهر طيب ... ولا كل كحل للنواظر أثمد وقد سمعت من أهالي تلك البلدان. ومن طرقها من الأنام. أنه تغير حاله فيها عما كان عليه من الحسن في مدينة السلام. فاستغربوا ما قالوا. وحسبت أنهم في ظلال الضلال قالوا. حتى اجتمعت به في فروق. فإذا الأمر كما سمعت وبين الحالين فروق. ولا بدع في مثله إذا تغير. ومن ذا الذي يأبى لا يتغير. ومن هنا قيل أن ما كان منه ليس إلا ليتسور به وزارة بغداد. فلما يئس منها رجع إلى طبعه الذي ولد عليه وعاد. وأنا لا أظن ذلك. والله تعالى أعلم بما هنالك. نعم التغير ظاهر. ومن غير الله خبير بالسرائر. ) ومنهم من عشقه الكمال فقال رب اشدد به أزري. كامل باشا صهر المرحوم محمد علي باشا المصري (وقد رأيته كاملاً. ورجلاً عاقلاً نال بصهريته من المشار إليه غاية المسؤول. واختار لكمال التوطن بعد مصر في إسلامبول. وهو أحد أعضاء مجلس الأحكام. وله في الأمور كسائر المصريين اهتمام وإقدام. وقد اجتمعت به غير مرة. فرأيته صحيح العقل سليم الفكرة. عارفاً بزمانه. لا يميل إلى الإسراف كسائر أقرانه. له نظر إلى العواقب. ورأي في المشكلات صائب. فلا بدع أن اتخذه ذلك الملك صهراً. وجعل له فوق فلك العزة وكراً. ) ومنهم ذو الطبع الموزون. حضرة سامي باشا (الوالي السابق في طربزون. وهو ممن له نسبة قوية للدولة المصرية. وقد أقام مدة فيها. ووقف على سرها وخافيها. وعرف اللغة العربية. وعلم المحاضرات عليه. وقد اجتمعت مراراً به. فأعجبني حسن علمه ومحاضرته وأدبه. له ولد يدعى عبد اللطيف بك ما أكمله. يصلح أن يكون والداً له. ومتى رأيتهما يتنادمان. تحسب أنهما أخوان شقيقان طاب لهما الزمان فجعلا يتنادمان. ولهذا الولد اطلاع على الأدب ووقوف عجيب على أيام العرب. وهو أحد أنجم مجلس ابجمن. الذين غمسوا أيديهم في كل فن. وقد رأيته يترجم بالتركية. سائر أسفار تاريخ ابن خلدون في الدولة البربرية. وبالجملة إن هذا الولد أعظم سمو أبيه. فبارك الله تعالى لأبيه فيه. ) ومنهم الصادق في خدمة الدولة العثمانية. إسماعيل باشا (القائمقام سابقاً في السليمانية. وهو ممن صحبناه في بغداد زمن المرحوم علي باشا. فزادنا في كؤوس صحبته من مدام طبيعته انتعاشاً. وقد خدم أحسن خدمة في حادثة السليمانية. وجلب للدولة العلية بحسن معاملته الدعوات الخيرية. وقد أنست بهذا الرجل في إسلامبول. ورأيت من حسن معاملته ما هو فوق المأمول. جزاه الله تعالى عني خيراً. ورقاه في الدارين ضيماً وضيراً. ) ومنهم غير ذلك من الفخام ممن يضيق عن حضرهم نطاق الأرقام.) وقد اجتمعت (أيضاً بكثير ممن انتظموا في سلك العلماء الأجلة. واطلعوا في سماء الفضل بدوراً وأقماراً وأهلة.

) منهم حضرة ذي الفضل الجليل الجلي. مولانا عارف أفندي (قاضي عسكر روم أيلي. ويا له من عارف ما أذكاه. ومن ذكي ما أزكاه. ومن زكي ما أفضله. ومن فاضل ما أكمله. ومن كامل ما أرفعه. ومن رفيع ما أوسعه. ومن واسع ما أصغر نفسه. ومن صغير نفس ما أكبر قدسه. ومن كبير قدس ما أكثر أنسه. ومن كثير أنس ما أدق حدسه. ومن دقيق حدس ما أعلمه. ومن عالم ما أحلمه. ومن حليم ما أكرمه. ومن كريم ما أنصفه. ومن منصف ما أعرفه. لم تر عيني شبهه في الصدور. وأظن أنه هو أيضاً مثله في سالف الدهور. لا يتأله على العلماء. ولا يطوي كشحه عن الفقراء. يراعي لذوي الفضل فضلهم. ويجهد في السعي بالخير لهم. ولا يقول لسان الحال أنا ربكم الأعلى. ولا يخطر بباله التفضل عليهم حاشا وكلا. وقد ولي القضاء العسكري غرة شهر رمضان السنة الثامنة والستين. فكانت كل أيامه أعياداً عظاماً للإسلام والمسلمين. وهو مع ذلك مفتي مجلس الأحكام. وللناس تزاحم على منهله والمنهل العذب كثير الزحام. وغانية المشيخة الكبرى تغازله. وإن شاء الله تعالى بعد العمر الطويل تواصله. فهو بعد حضرة ولي النعم. حفظه الله تعالى من كل ألم. أحق عشاقها. بأخذ ساقها. وأولى خطابها. برشف رضابها. وأليق أحبتها. بالقعود على منصتها. وما شاء الله عز وجل كان. وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الثقلان. وللمشار إليه ولد هو كولدي عندي. يدعى سلمه الله تعالى صديق بك أفندي. قرأ علي بعض النسخ الحديثية. وحررت له عدة إجازات عليه. وكان لي صديقاً. وعلي شفيعاً. يسعى في احترامي وإكرامي. ولا سعي أخوالي وأعمامي. ويجهد في إعظامي. ولا جهد أسرتي وأقوامي. لم أر مثله في أبناء الرجال. جامعاً لأنواع الفضل والأفضال. وأنه ليشب في الفضل كل يوم من الأيام. ما لا يشبه غيره ممن يشبه به بألف عام. فكأني إن شاء الله تعالى به وهو بدر كامل. قد تبوأ من منازل السعد أشرف المنازل. وله صهر. ذو خلق أعطر من عطر. وهو فاضل أوحدي. يدعى أمين أفندي. تبوأ معه الدار. واقتدى منه بكثير من الآثار. وهو الآن من كبار الموالي. ويلوح في جبينه نور سعد عالي. ) ومنهم مولانا الذي له على حمى الأسرار إشراف. حضرة تحسين بك أفندي نقيب الأشراف (. وهو في الرتبة قبرسي. وفي الطينة ذهبي لا قبرسي. وأبوه الحاج محمد أغا من أغنى التجار. ويظن أنه جمع من الذهب الأحمر ألف قنطار. وإليه انتقلت دولة والده. وحظي بطارفه وتالده. فهو اليوم في عيشةٍ أرغد من عيشة السلطان. وراحة ما نالتها يد إنسان من أبناء الزمان. منازله تشبه منازل جنان الخلود. وجنانه لم يغرس مثلها المترفون في ساحة الوجود. وهو مع هذا يصعد النظر ويصوبه في العمل بعلم الكاف. وكان الحري به أن يستضيء من آي الكتاب بشمس أليس الله بكاف. ولكن العقل من نار الحرض فرار. ومحال أن يكون له معها في بودقة القلب قرار. وحب المرء وبغضه يقلبان لديه الحقائق. ويفسدان عليه بيض النظر في الدقائق. فرصاص من أحببته ذهب كما ... ذهب الذي لم ترض عنه رصاص فطوبى لعبد استغنى بإكسير القناعة. ورضي بما قسم له ولم يكشف لأحد قناعه. والمشار إليه في دار الخلافة. أحد رجال الصوفية. وله خلافة في الإرشاد بالطريقة العلية النقشبندية. وخلافته من روح جسد العرفان.) حضرة مولانا الشيخ محمد جان (. أحد خلفاء ذي المدد العلوي. شيخ مشايخنا الشيخ عبد الله الدهاوي. وكان للمرحومة والدة السلطان. اعتقاد به محكم الرابطة قوي الأركان. فكانت تتردد إليه كثيراً. وتستفيض مما أفاض الله تعالى عليه. وبذلك نال اعتباراً عظيماً وفخراً. حتى ظن أكثر الناس أنه سيصافح المشيخة الكبرى. وهو أحد أعضاء مجلس الأحكام. وله مع ذلك النظر في أموال الأيتام. فلله تعالى در همته. مع اختلال نصف بنيته. وقد جالسته كثيراً فرأيته من الأخيار. وصح عندي أنه يكرم الغرباء من سائر الأمصار. وله أبناء في غاية الكمال. كأنهم من حيث الحياء مخدرات الحجال. وهو اليوم في زمرة أرباب القلم. وفضلهم فيما بينهم كنار على علم. وله سلمه الله تعالى طبيعة شعرية. وقريحة في النظم مرضية. وقد أرسل لي أبياتاً فاخرة. فلم أدر أهي تقريظ للتفسير أم تقريظ لرسالة ألفتها في العترة الطاهرة. وهي هذه: مفتي سابق بغداد بهشت آبادك ... شهرت شايعة سي أوج غلاية جيقدي

حصرا يدوب وقتني قرآنه مفسرا ولدي ... صيتي آداب ومعارفدة سهاية جيقدي لطف شاهانه يي تعدادا يدوب أزسرنو ... أثر كلك ترى شكر وثناية جيقدي من مبارك شجرة اولدي بو نأليف جديد ... أصلي ثابت أول رق فرعي سماية جيقدي فال تحسين آجوب نظمله تقريظ كتاب ... قرعة حب كركا آل عباية جيقدي والفقير. لم أعرض عليه التفسير. وإنما عرضت عليه شجرة العترة الزكية. وبعد يومين أرسل لي بهذه الأبيات التركية. واستحيت أن أحقق الأمر من حضرته المنورة. ولعل الظاهر أنها تقريظ تلك الشجرة. وأياً ما كان. فأنا شاكر ذلك الإحسان.

) ومنهم حضرة قرة العين ونزهة الفؤاد. مولانا أحمد شكري أفندي (القاضي الأسبق ببغداد. وقد اشتهر بيوسفجق زاده. لا زال طائر صيته مغرداً على أفنان السعادة. وهو فتى كمل لطفاً. وذاب ظرفاً. ما حاز قاض فضله. ولا رأى في سجل محكمة مثله. جاء إلى بغداد زمن المرحوم علي باشا. فزادت به سروراً وانتعاشاً. ونادت لله تعالى شكري. وله حمدي في سري وجهري. وقد أحق الحق. وأبطل الباطل ومزق. وأبكى الطغام. وأضحك الكرام. وأوحش الأحياء الظالمين. وآنس الأيتام المظلومين. وأرضى الفقير. وأسخط الأمير. ومكث سنتين ثم خرج. وحظي لسمو حظه بمرتبة مخرج. ثم لم تزل له المقاصد ميسرة. حتى تنور قلبه بنيل قضاء المدينة المنورة. وقد اجتمعت به مراراً. فلم أحس منه بمقدار ذرة استكباراً. بل رأيته في كل ناد. أشد تواضعاً منه يوم كان في بغداد.) واتفق (أن دعاني في دار له قوراء. ودعا معي جملة من أجلة العلماء. فسألوني عن وجه الثواب في ذبح القرابين بحكم العقل. مع أن الذبح إيلام محض وليس لسابق جناية ولا للاحق ثواب جل أو قل. ومن أولئك الأجلة. من أحب بسط الكلام في الجملة.) فقلت نعم (الذبح إيلام محض. ولا عبرة بما يخالف هذا مما ذهب إليه البعض. وذلك أن البكرية ذهبوا إلى أن البهائم والأنعام. لا يصيبها أصلاً وقطعاً شيء من الآلام. وقد كابروا في ذلك المحسوس والمعقول. كما لا يخفى على أدنى العقول. والتناسخية زعموا أن أرواح البهائم. كانت في أبدان أشرف قبل انتقالها إلى أبدان البهائم. فانتقلت منها إليها لتعذب على ما اقترفت هناك من المآثم والجرائم. فالذبح عندهم لجريمة اقترفتها. وأثيمة في سابق وطنها ألفتها. والتزموا على هذا أن البهائم. مكلفة عالمة بأن تلك الآلام جزاء الجرائم. وذلك لتتصور الأنز جار عما فعلت. إذا انتقلت أرواحها إلى أشرف من أبدانها وتحولت. والتكليف في زعم بعض منهم كان ابتداءً أول زمن الخلق والتقدير. وفي زعم آخرين كان في ذلك الوقت ولكن بعد التفويض والتخيير. ومنهم من زعم أنه ما من جنس من أجناس إخوانهم البهائم. إلا وفيهم نبي مبعوث من ذلك الجنس يعرفهم الطاعات والمآثم. ولا يختص الزاعم بالتناسخية. فقد نسبه بعض المشايخ إلى بعض الصوفية. محتجين) يوماً من دابةٍ في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم (مع) وإن من أمةٍ إلا خلا فيها نذير (وذهب السادة الحنفية وغيرهم في حق من يقول بهذا القول المستهجن إلى التكفير. مع أنه أمر خطير. وللتناسخية مذاهب. تشيب في نقلها للقلم ذوائب. وورد كل ذلك بين العلماء مشهور. وفي كتب الكلام المبسوطة مسطور. وذهب العلاف والجبائي وكثير من متقدمي المعتزلة إلى أن في مقابلة ذلك الإيلام. عوضاً دائماً غير منقطع يناله الحيوان غداً في الجنة دار السلام. ومن المعتزلة من قال بالعوض في الآخرة على تلك المحنة. لكنه إنما يكون ولا بد في غير الجنة. ولهم كلام طويل في هذا الباب. نخشى أن يضيق بنقله خناق هذا الكتاب. ومثار نقع الخلاف في البين. القول المشهور بالحسن والقبح العقليين.) فنقول (مما نحن فيه. مخرجين له مخرج التنبيه. إن الأشياء إن خلت عن ذينك الأمرين. وعرت عن الحسن والقبح الذاتيين. فله سبحانه أن يخص فعل شيء بثواب. وفعل آخر مثله بعقاب. لا لمعنى يقتضيه. ولا لأمر يستدعيه. وله عز وجل أن يثيب على جزيل قليلاً. وعلى قليل جزيلاً. بل له سبحانه وإن لم يفعل. أن يعاقب المطيع وينعم على العاصي ويتفضل. ويقال أن أفعاله لا تعلل بالأغراض. وليس للمملوك على مالكه الحقيقي حق الاعتراض. وعلى هذا لا وجه لقول القائل ما وجه الثواب إلى آخر ما قال. ولا حاجة في الجواب إلى تكلف قيل وقال. وإن لم تخل عن ذلك فنقول أن الأمر والنهي كاشفان عما هنالك. على معنى أن ذلك الشيء لو لم يكن حسناً لما أمر به. وأن ذلك الشيء لو لم يكن قبيحاً لما نهى عنه. وأما أن وجه حسنه كذا أو أن وجه قبحه كذا فأمر قد يعلم وقد لا يعلم. ومتى لم يعلم قيل في جواب السؤال عنه الله أعلم. وعلى هذا فيقال أن ذبح القرابين حسن. وإن كان بحسب الظاهر من قبيل المحن. وأنه ليس لسابق جريمة. ولا ليكون سبباً للاحق نعمة عظيمة أو غير عظيمة. والله تعالى بوجه حسنه أعلم. ومن فضل من لا يعلم أن يقول لا أعلم. والثواب الزائد يحتمل أن يكون كله جزاء منه عز وجل. ويحتمل أن يكون بعضه جزاء

وبعضه منه تعالى محض فضل. وتخصيص فضيلة إراقة الدم في أزمنة مخصوصة. وأمكنة معروفة منصوصة. نعتقد اشتماله على أسرار وحكم. ولكنا نقول الله سبحانه وتعالى هو الأعلم. وربما يقال في جواب السؤال أن وجه حسن الذبح لما لم يكن بظاهر. وكاد أن لا يعرفه إلا الآمر. وكان فعله مشقة على النفوس البشرية. لمشاركة الذبيح لها في الجنسية. ولذا ترى بعض الناس لا يقدر أن يشاهد رجلاً يذبح عصفوراً. فضلاً عن أن يذبحه بيده إلا أن يكون مجبوراً. ومع ذا قدم المأمون بذلك الذبح وفعله امتثالاً للأمر. وإن جر له بسبب المشاركة الجنسية المقتضية للرقة القلبية ما جر. اقتضى فضل الله تعالى مزيد الثواب. لذلك الذابح الممتثل يوم الحساب. وهذا نظير ما قيل أن الثواب على الأمور التعبدية. أكثر منه على غيرها من سائر الأمور الشرعية. إذ لا داعي هناك على الفعل إلا الامتثال. هذا والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.) فقال (بعض أولئك الأحباب. جزيت خيراً زدنا في الجواب. فعدت) وقلت (هل من يسأل. معتقد حسن ذبح الحيوان ليؤكل. فقالوا نعم. فقلت إذاً وجه كثرة الثواب الإيثار باللحم. فإن قلتم دل بعض ما صح. على أن الثواب على نفس الذبح. فلو تصدق بالشاة مثلاً حية على مستحقها. لم يثب على ذلك مثل ثوابه على نفس ذبحها. قلت أعود حينئذ فأقول لعل وجه ذلك كونه أمراً شاقاً من البشرية. وقد فعله المأمور ابتغاءً لرضاء الله تعالى وامتثالاً لأوامره العلية. فقال بعضهم هذا مقبول. وأمر معقول. لكن نسألك لو قلنا بأن للقرابين على هذا الإيلام. جزاءً يكون لها غداً يوم القيام. هل نكون مصادمين لنص من النصوص المشهورة. أو منكرين لأمر علم كونه من الدين الحق بالضرورة. فقلت لا نكون كذلك. ولعل في كلام بعض أهل السنة ما يشعر بما هنالك. فقد قال الشيخ الأكبر. قدس سره الأنور. في الباب الثلاثمائة والواحد والسبعين من فتوحاته المكية أن الله تعالى إنما يحشر الوحوش إنعاماً منه عليها وكذلك سائر الدواب ثم أنها تكون تراباً ما عدا الغزلان وما استعمل من الحيوان في سبيل الله تعالى فإنهم يدخلون الجنة على صور يقتضيها ذلك الموطن وكل حيوان تغدى به أهل الجنة خاصة في الدنيا اه.

ونقله عنه الشيخ عبد الوهاب الشعراني في الجواهر وجعل القرابين من قسم ما استعمل في سبيل الله تعالى ولم يضطرب في ذلك كما اضطرب في أمر فرعون. وربما يستأنس في أمر القرابين خاصةً لما اقتضاه كلام هذا الأجل. ولا أقول) وهيهات هيهات أن أقول (يستدل بقوله عليه الصلوة والسلام عظموا ضحاياكم. فإنها على الصراط مطاياكم. فإنه يبعد من كرم الله تعالى أن لا يدخل مطايا أحبته. دار كرامته ورحمته. بل يأمرها فتوصلهم إلى الباب. ثم يجعلها تراباً كما يجعل الخنازير والكلاب. مع أن إدخالها الجنة مع الأحباء. أغيظ لمن يسحب على وجهه إلى النار من الأعداء. ولما سمع البعض ذلك رضى غاية الرضى. بيد أنه استكتبني عبارة الفتوحات فأخذها ومضى. وقال بعض منهم ما الجواب إن كان السائل لا يستحسن ذبح الحيوان للقربان أو لطعام. فقلت ذلك من الطعام. ولا أظن مسلماً لا يستحسنه بعد ورود الأمر به في سائر الشرائع كشريعته عليه الصلوة والسلام. على أن الرد على من لم يستحسن قد طوى بساطه. وانقطع هياطه ومياطه. ومن أراد استيفاء المرام. فليرجع إلى كتب الكلام. فقنع الكل بما ذكرت. ولم يناقش أحد منهم فيما قررت. بل قبلوه بترابه. وأقبلوا عليه بما به. وبعد ساعة. تفرقت الجماعة. وذهبت أنا إلى داري. وخلوت فيها غواني أفكاري. وبعد خمسة أو ستة أيام. ذهبت حسب عادتي إلى حضرة شيخ الإسلام. فناولني ورقتين. مشتملتين على عبارتين. إحداهما ما ذكرناه عن الفتوحات المكية. وثانيتهما عبارة معزية لمولانا الجامي متضمنة أن إبليس عبارة عن القوة الوهمية. فقال ما تقول في هاتين العبارتين. فقلت أحدهما على أعراف الرد والقبول والأخرى في نار الرد بلامين. فقال فلم تحررهما. وفي المحافل على رؤوس الأشهاد تقررهما. فقلت يا سيدي إنما قررت ما في الفتوحات المكية. وليس فيها ما يصادم قطعياً من الآيات السماوية. والواردات المدنية. وأما مسألة إبليس فلا والله ما ذكرتها. ولا عمري في ورقة لأحد حررتها. بل لم أذكر إبليس. منذ دخلت فروق عند جليس. فتبسم ضاحكاً وقال لي مفاكهاً جاءني بالأمس رجل من المدرسين بهاتين الورقتين. وقال إن الآلوسي حررهما وقبل ما ذكر فيهما على الرأس والعين. فقلت يا سيدي حضرتكم تعرف خطي. وأنا لم أزل مبتلى بمثل هذا التزوير في رفعي وحطي. وعند شكري أفندي حقيقة الخبر من مبتدأه. فأمر أحداً يسأله عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله. فقال اذكر لي أنت الخبر من المبتدأ. ولا أسأل عنه سواك أحداً. فذكرت له الأمر بلاً بلا. وعرضت عليه ما كان فصلاً فصلا. فقال هذه شنشنة قديمة من الحساد. ومصيبة عظيمة أصيب بها كثير من العلماء الأمجاد. فقلت حسبي ربي من تزوير ملأ الملأ. وأعوذ سبحانه من جليس إن قلت قال وإن سكت تقولا. ثم قلت لنفسي. ولم يشعر بي غير حسي: لمن جاهد الحساد أجر المجاهد ... وأعجز ما حاولت إرضاء حاسد ولم أر مثلي اليوم أكثر حاسداً ... كأن قلوب الناس لي قلب واحد ألم ير هذا الناس قبلي فاضلاً ... ولم يظفر الحساد قبلي بماجد أرى الغل من تحت النفاق وأجتني ... من العسل ألماً ذي سم الأساود وأصبر على ما لم يجلب الصبر ذلة ... وألبس للمذموم حلة حامد وأعلم إن فارقت خلاً عرفته ... وحاولت خلاً أنني غير واجد إلى غير ذلك من أبيات غنيتها بها. حتى طبقت جفنيها على قذى. ونامت إذا عدمت فراش راحة على فراش أذى. وقد صح عندي أن هذه الطبيعة الشيطانية. شعار ودثار لبعض مدرسي القسطنطينية. وأنهم لم يزالوا يجمعون حجر الباطل ويرمون به برياً. ويبغضون لا در درهم كل من يرد على بلدهم من الأفاضل ولو كان نبياً. وأن رؤية العالم العربي في أعينهم الموت الأحمر. وأن صحبته ولو مقدار ذرة في اعتقادهم الذنب الأكبر. والشرك الذي لا يغفر. فإذا دخلت فروق فلا تقرب مأواهم. وابعد عنهم ما استطعت وإياك وإياهم. وعليك إن أردت مصاحبة بمصاحبة العوام. فإنك تقوم وتقعد معهم في أمان الله عز وجل والسلام. وفي هذه الحكاية. لذوي الفطن كفاية.

) ومنهم نزهة الألباب وقرة العيون. حضرة طاهر أفندي الذي كان قاضياً في بغداد سنة الطاعون (. وقد قاسى إذ ذاك فيها. ما يقص في أجنحة العمر قداماها وخوافيها. وقد هرب من السراي إلى الكرخ أيام ألفته. فكنت له في دفع الطعام أقوى سنان وأرقة جنة. حيث جاء إلى بيت خالي المرحوم الحاج عبد الفتاح. ولم يكن فيه إلا أرامل قد قص منهم الطاعون لا عاد منهم الجناح. فطرت إليه بجناح غيرتي. ولم أزل أحوم عليه أنا وأسرتي. حتى منعت أن تختطفه عقبان الفساد. ثم أوصلته إلى مستقر داود باشا والي بغداد. لكن عد ذلك أعظم هناتي. فجعل يغبر به وجوه غواني صفاتي. فضاق أمري. في بيان عذري. إذا محاسني اللاتي أدل بها ... عادت ذنوباً فقل كيف أعتذر وقد رقاه القضاء والقدر. فهو اليوم مستشار قاضي عسكر. وكان لي جاراً. وكنت أسبل علي لئلا يراني إذا مر أستاراً. حيث بانني عنه ما أكره. فكنت أخاف فتكه بي ومكره. فلما اجتمعت به آنسني. وأزاح عني بيد لطفه جميع ما أوحشني. ورأيته من أعظم الناس خلقاً. وأكثرهم بالمنكرين رفقاً. فكنت أتردد إليه ويتردد إلي. ويقول لي كل مصلحة لك عسرت عليك حولها علي. فلله تعالى دره ما أكرمه وأحلمه. وما أصفى قلبه من الغش وأسلمه. وقد استحالت أخلاقه إلى خير مما كانت عليه في الزوراء. فهو في هذا العصر أطهر من ماء المعصرات حين نزولها من السماء. وفقه الله تعالى لمراضيه. وجعل مستقبل حاله متميزاً على ماضيه. ) ومنهم ذو الأخلاق الكريمة والأعراق المعظمة. حضرة مولانا توحيد أفندي القاضي السابق في مكة المكرمة (. من بيت شرف وولاية. وعلم وإرشاد وهداية. لا يجارى بمنقول ومعقول. ولا يبارى بفروع وأصول. وله في علم الفلك مرتبة متسعة العرض. فهو بطرق السماء أعرف منه بطرق الأرض. وقد نال من علم الزيج. ما يغدو منه ابن الشاطر في أمر مريج. ومن علم الأحكام. ما يلحق أيا معشر بالأنعام. هذا مع كرائم مفاخر ما نقش عطارد التصوير. في صفحة استعداد سري. ومن هنا ناداه كل منصف خبير. وإذ ابتاع كريمة أو تشتري ... فسواك بايعها وأنت المشتري وقد كان له حضرة سعيد باشا الداماد. في أيام إقباله أقوى سند وعماد. يجد في تهيئة أسباب عروجه. ويجهد في تحري الأشرف من رفيع منازل العز وبروجه. ولما عثر جواد الجد بحضرة الداماد المشار إليه دخل في عينيه من عثير ذلك العشير. ما أقذى عينيه. وبقى في ذلك العثار مهموماً. وهكذا فليكن الصديق من عثار صديقه مهموماً مغموماً. نعم إن ألسنة العباد تناديه. لما ذاقت من حلاوة أخلاقه وأياديه. أرق بمرقى زحل صاعداً ... إلى المعالي أشرف المصعد. وفض كفيض المشتري بالندى ... إذا اعتلى في بعده الأبعد وزد على المريخ سطواً بمن ... عاداك من ذي نخوة أصيد واطلع كما تطلع شمس الضحى ... كاشفة للحندس الأسود وخذ من الزهرة أفعالها ... في عيشك المقتبل الأوغد وضاه بالأقلام في جريها ... عطارد الكاتب ذا السؤدد وباه بالمنظر بدر الدجى ... وأفضله في بهجته وازدد فقريباً إن شاء الله تعالى يعود السعد كما كان. ويكون بينه وبين جميع آماله أسعد قران. وقد كان سلمه الله تعالى جاري. فكنت أحلي بحلي مجالسته آناء ليلي وأطراف نهاري. وأنا منه ممنون غاية الممنونية. من الله تعالى على كل منا ببلوغ كل أمنية.

) ومنهم حضرة زكي الأصل والنفس. الفاضل الشهير بشهرلي سبل حافظ أفندي وكيل الدرس (. عالم قلما يوجد مثل تواضعه في ذوي الشرف. يقول رائيه تالله ما هذا من الخلف إن هذا إلا بقية من السادة السلف. قد ضم إلى العلم زهداً. وزاد على الزبد شهداً. فلم يمزج هزلاً وجداً. له مؤلفات مختصرة. لكنها عند الأتراك مطبوعة معتبرة. وشهرة أمرها هناك. تخيل للذهن أنها أعلى قدراً من السماك. ومن مضمرات حواشيه على شرح الوضعية للملا علي. إشارات إلى أن الفضل موضوع بالوضع الخاص عند هذا العلم الشهرلي. وأني لأقسم بقدره العال. أن من وقف على تلك الحواشي فقد أشرف على وسط العلم بحقيقة الحال.) واتفق (أن ضمنا وإياه مجلس مأنوس. فسأل هو بعض الحاضرين عن معنى عبارة في القاموس. فقال البعض لا أعلم. وأن عبارات القاموس عيلم. فقلت يا مولاي أرنيها. وكانت مكتوبة في ورقة فناولنيها. فنظرت فإذا الناسخ حرف وغير. وعبر بما شوه به وجه المعنى وغبر. فقلت يا مولاي الصواب ذيت وذيت. والقصة على ما ذكره غير واحد كيت وكيت. فقال إن صح هذا فلا إشكال. فقلت الرجوع إلى نسخة صحيحة يكشف الحال. فرجع فرأى كما سمع فأضحى ممنوناً ودعا لي. وسأل الله سبحانه أن يكثر أمثالي. وهذا يدل على نقاء نقيبته. وانتفاء اللؤم على طبيعته. وعبارة القاموس هي هذه: والخطبة الشقشقية العلوية لقوله لابن عباس لما قال له وأطردت مقالتك من حيث أفضيت) يا ابن عباس هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت انتهى (. والتحريف لقوله لو أطردت حرف بلو حررت. وفي قوله أفضيت حرف بقضيت. وفي هدرت حرف بهدت. والمعنى بعد التصحيح. أظهر من محاسن الوجه الصبيح. هذا) واعلم (أن وكيل الدرس عبارة عن شخص من العلماء الأعلام. يكون وكيلاً بوظيفة معينة من قبل شيخ الإسلام. على النظر في أمر المدرسين. ومصالح الطلبة أجمعين. فلا يمكن طالب من الإقامة في حجره. إلا بعد أن يذهب إليه ويحصل أمره. وإذا جنى جناية. فإليه ترفع الشكاية. وإذا نصب ميدان امتحان. كان هو فارس ذلك الميدان.) والحاصل (أنه محور أمورهم. ومدار شرورهم وسرورهم. والطلبة هناك على ما يقولون. اثنا عشر ألف أو يزيدون. ويقرءون عند الشيخ محلقين. وإذا طفت بهم رأيت أكثرهم مقصرين. وربما يختم الدرس والكثير منهم نائم. أو يقتضي الأمر وهو في بيداء التخيلات هائم. والشيخ بينهم على منصة ارتفاعها نحو ركبة. وبين يديه تختة منقوشة بالصدف يضع عليها كتبه. وربما يصفعها إذا حمى الوطيس. ويلطمها إذا اشتدت حرارة التدريس. ومعظم المدرسين في غاية الاستكبار والأنانية. ولولا خوف قطع وظائفهم لأعلنوا بدعوى الربوبية. وقد شمعت من غير واحد منهم في حق على كرم الله وجهه نتن الانتقاص. وهم على عكس الكتبة الذين لهم في حضرة الأمير غاية الاختصاص. ويقابل المدرسين في الاستكبار الواعظون. ومعظم المستمعين ما عدا النساء منهم يضحكون. وقلما ترى واعظاً في حلقته. إلا وهو أهون من قعيس على عمته. ولذا انحطت رتبة الوعظ هناك بالمرة. فكانت بين العلماء أهون من عفطة غنر بالحرة. وأكثر الوعاظ من قلة الأدب والوقيعة في الناس بمكان. وقد استمعت كثيراً منهم فرأيت سداً وعظهم ولحمته هذيان. وعلى ذلك تجمع لهم الدراهم. من المطلعين على الحال. لقد طفت في تلك الجوامع كلها ... وسرحت طرفي بين تلك المدارس فلم أر إلا واعظاً بين نسوة ... يشابه ثوراً بين عفرٍ أو أنس ومثله قوله: لقد طفت في تلك المدارس كلها ... وسرحت طرفي بين تلك المدارس فلم أر إلا خرداً حول واعظ ... لهن ينادي شرح جمع الجوى معي وقوله: لقد طفت في تلك المدارس كلها ... وسرحت طرفي في حمى كل تكية فلم أر إلا واضعاً حب دينه ... على فخه أو صافعاً صدر رحلة

ولا تخلو هذه الأبيات عن مجازفة واعتساف. وخروج بين عن دائرة الإنصاف. فالحق أن في مدرسيهم علماء محققين. بيد أن أكثرهم اليوم غير منصفين. وكذا في مرشديهم فحول. نعم يوجد في التكايا عور عن الإرشاد أولاً فحول. وعلى هذا القياس. وعاظ الناس. وهكذا الشأن. في معظم البلدان. فأي بلدة كل تكياتها مقاعد صدق وإجلال. ومعاقد ألوية أقطاب وأبدال. وأي مملكة كل مدرسيها أجلة. وهل تبدو الأقمار قبل أن تبدو أهلة. وأي الأمصار. كل من وعاظه ابن الجوزي أو ابن عمار. وقد نسجت هذه الأبيات على منوال بيتين للإمام. هما الحقيقتان بالقول عند ذوي الاستدلال من العلماء الأعلام. وهما: لقد طفت في تلك المعاهد كلها ... وسرحت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر ... على ذقن أو قارعاً سن نادم ثم أن هذا الوكيل الأصيل. والجليل النبيل. لما رأى حضرة السلطان فضله. نصبه من بين الأقران معلماً له. فخلع نفسه من هاتيك الوكالة. وزهد فيها زهد الحجاج في تبالة. ودعى إليها رجل فضله مسلم الثبوت. يدعى يحيى أفندي فكاد من غمه يموت. وقد سمعته يقول لشيخ الإسلام. أيليق هذا بذا ويضع يده على شيب كالثغام. فقلت له يا مولاي إن كان هذا مما يرضي رب الأرباب. فهو كما لا يخفك لذا الشيب الطاهر نعم الخضاب. وإن كان من الكبار أو اللمم. فكيف يدعوك إليه شيخ الإسلام ومرشد الأمم. فقال هو طلعة. لو أقيم عرياً عن بشاعة. ولعمرك أن هذه الإقامة. متعذرة إلى أن يقوم مؤذن القيامة. فدعى إليها رجل فضله على ما يزعمون جلي. يدعى بين الناس بمصطفى أفندي الودين لي. فجاء يتعثر بأذيال السرور. ويود لو طار بأجنحة النسور. فقبل يد شيخ الإسلام وقبل منه الوكالة. وحل في الحال بأنامل الشكر من جراب أدعيته الوكالة. وسيأتي إن شاء الله تعالى ترجمة هذين الرجلين. وأسأل الله تعالى أن لا يذيق لسان قلمي صاب افتراء ومين. والله سبحانه الموفق للصواب. ومنه المبدأ وإليه المآب. ) ومنهم الفاضل الأوحدي. ذو الجناحين حضرة يحيى أفندي (. وهذا أحد الرجلين اللذين وعدناك آنفاً بترجمتيهما. وذكر ما وقفنا عليه سماعاً ومشاهدةً من صفتيهما. واشتهر هذا الفاضل بمعلم أولاد نجيب باشا. وكان قد ربط له بسبب التعليم مسكنا وكسوة ومعاشاً. وهو رجل قد ناهز القبضة. وسطا عليه الدهر بكلكلة ورضة. له انتساب إلى الطريقة النقشبندية. وانسلاك في سلك الطائفة الخالدية. واطلاع على مغزى السادة الصوفية. وعروج إلى حظائر مقاصدهم القدسية. وتضلع من علمي المنقول والمعقول. وانهماك في علمي الفروع والأصول. وهو من التواضع على جانب عظيم. ومن الشفقة على أهل العلم ما يظن معها أنه أب حميم. وفيمن أجازهم كثرة. حيث انه أجاز على القانون المقرر هناك غير مرة. والمشهور أنه اليوم أعلم المدرسين. وأنا أقول أنه اجتمع فيه من المحاسن ما لم يجتمع فيهم أجمعين. وقد اجتمعت به مراراً. فرأيت سحائب محاوراته بوابل العلم غزاراً. وكان إذا سألنا في مجلس لا يسبقني بجواب. ويسبل على عوراء جوابي بكرمه أضفى نقاب. وكان ذا ديانة وعفة نفس. ويشهد لذلك طي كشحه عن قبوله وكالة الدرس. وبالجملة كان بالفضل مشهوراً. وعن لذائذ الدنيا الدنية حصوراً. كثر الله تعالى في العلماء أمثاله. وأدام على طلبة العلم أفضاله. ) ومنهم ذو الفضل الجليل الجلي. حضرة إسماعيل أفندي الأقسقه لي (نسبة تركية إلى أقسقه بفتح الهمزة وكسر القاف الأولى وسكون السين المهملة وفتح القاف الثانية وهاء آخره. ممالك كرجستان التي فاقت نساؤها في جهاد الأرس رجال أكثر البلدان. ومن هنا يقال له كرج إسماعيل أفندي على معنى أنه من ذلك الإقليم وليس المراد أنه كرجي بالمعنى المعروف عندنا. وقد استولى الأرس على أقسقه زمن المرحوم السلطان محمود خان. ولم ينفع جهاد أهلها الذي لم يسبق مثله فهي اليوم تحت تصرفهم. وهي قريبة من أرزن الروم مثل كركوك من بغداد. وأظن هذا الرجل هاجر منها بعد استيلاء الكفرة عليها إلى إسلامبول. وهو شيخ فاضل. وعالم عامل. ذو عفة مع فقر حال. وغناء نفس مع كثرة عيال. لا يداهن أهل الدنيا. ولا يخطر بباله بالذل طلب الرتب العليا. يقول لسان حاله. مخالفاً لقال أمثاله: لا أبتغي الرتبة القعسا وسلمها ... نقصي ولو خدمتني السبعة أشهب

وأبتغي عز نفسي في مذلتها ... وأيمن الله هذا المطمع العجب وإذا أرشد إلى تكثير المال. بالخضوع للرجال. أنشد لسان حاله أيضاً وقال: وقالوا توصل بالخضوع إلى الغنى ... وما علموا أن الخضوع هو الفقر وبيني وبين المال شيئان حرما ... على الغني نفس الأبية والدهر وإن قيل هذا المال أبصرت دونه ... مواقف خير من وقوفي بها العفر وهو اليوم يصدح بالحق ويصدع. ويأمر بالمعروف نفع أم لم ينفع. مشغول طول نهاره بنشر العلوم. وقائم على ساق العبادة إذا تغورت النجوم. وإذا قام إلى صلوة ارتدى بأردية ضافية من خضوع وخشوع. وائتزر بميازر طويلة الذيل من سجود وركوع. وهي بمجموعها تكاد لطولها تزاحم الكواكب بالمناكب. ولولا الغلو لقلت أن بين أحرامها وركوعها كما بين المشارق والمغارب. وأني لأقسم ب) والليل إذا عسعس. والصبح إذا تنفس (أني ما رأيت أتم من صلاته فيمن طلب العلم في فروق ودرس. فأنهم وإن كانوا نسور علم ينقرون في صلاتهم نقر الديك. فكل من أركانها وحرمة ورق بيت الحرام كبيت العنكبوت واهن ركيك. وبين أحرامها وسلامها. كما بين الكف وسلامها. فإذا صلى أحدهم لا يكاد يعلم. أأحرم بالصلوة أم سلم. وبالجملة لا يكاد يحنث من حلف. أن نظيره أعز من الإكسير فيمن خلف. ويكاد أن تكون النسبة بينه وبين معظم المدرسين المباينة. وتفصيل هذا الإجمال طويل وليس الخبر كالمعاينة. وقد دعاني ليلة إلى عشه. فرأيته كما يحكى عن السلف في عيشه وفرشه. كان الله تعالى لنا وله. وأسبغ سبحانه على كل منا فضله.

) ومنهم تذكرة العلامة الثاني. حضرة حسين أفندي الداغستاني (وهو شيخ قد حدب. وأكل الدهر عليه وشرب. وكاد يقطع عنه طله. ويمح بلعاب أصباحه ظله. جاء زمن السلطان الغازي محمود خان. مهاجراً إلى إسلامبول. فأكرم عليه الرحمة هجرته ووصله بغاية المأمول. حيث رآه قد استحال فضلاً. وعلا بالمحاسن محلاً. وقد رأيته أنا ذا اطلاع تام على دقائق المعقول. ومشاركة كاملة في حقائق المنقول. تكرمه الرجال وتحترمه. وتواصل إعظامه ولا نحترمه. يستحي من ظله. ويغض طرفه حياءً حتى عن أهله. يتقاطر وجهه نوراً. ويزيدك النظر إليه سروراً. واتفق أن جاءني زائراً. ولقلبي الكسير جابراً. فقلت له يا سيدي أنا أولى بأن أجيء أولاً لزيارتك. وأتشرف بتقبيل عتبة مدرستك. فلم يا مولاي سبقتني. وبمزيد لطفك أخجلتني. فقال أشكل علي أمر الاستثناء في قوله تعالى) فأما الذين شقوا ففي النار (الآيتين. فراجعت تفسير البيضاوي عليه الرحمة فلم أر فيه ما تقر به العين. فراجعت تفسيرك روح المعاني. فوجدت فيه ما أراحني مما عناني. فكان حقاً علي أن أزورك ولو سعياً على رأسي. وأزيل بزلال رؤيتك أوام نفسي. فرأيت منه إنصافاً. لا يوجد مثله عند مدرس هناك وإن صافا. وكان الذي ذكرته كلام بعض العلماء الأعاظم. وقد سبقه إليه محيي السنة البغوي في المعالم. ونص ذلك بعد ذكر الآيتين) اختلفت (أقوال العلماء. في توجيه هذا الاستثناء. على وجه يندفع به احتجاج أهل الأهواء. والذي يلوح لذهني الكليل. والله سبحانه أعلم بمعاني التنزيل. أن الاستثناء في الموضعين مبني على الفرض والتقدير. والمعنى إلا ما شاء الله أي إن شاء أي لو فرض أن الله تعالى شاء إخراجهم من النار أو الجنة في زمان لكان مستثنى من مدة خلودهم. وإن كان ذلك لا يقع البتة لدلالة القواطع على نفي وقوعه.) ثم النكتة (في هذا الاستثناء والله تعالى أعلم إرشاد العباد إلى تفويض الأمور إليه تعالى وإعلامهم بأنها منوطة بمشيئته عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. لا حق لأحد عليه ولا يجب عليه شيء كما قال سبحانه) فعال لما يريد (. وعلى هذا يكون المراد بالذين شقوا الكفار فقط فإنهم الأحقاء بهذا الاسم على الحقيقة. وبالذين سعدوا المؤمنين كافة مطيعهم وعاصيهم فيكون التقسيم في قوله تعالى فمنهم شقي وسعيد للانفصال الحقيقي ولا ينافيه قوله تعالى ففي الجنة لأنه يصدق بالدخول في الجملة. ولعل هذا التأويل هو الحق الذي لا معدل عنه إن شاء الله تعالى اه) وأنا أقول الآن (. ينبغي أن يحمل على هذا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير آية الأنعام) ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك عليم حكيم (. ففي تفسير علي بن طلحة عنه أنه قال في تفسيرها لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله تعالى في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا ناراً. وقال الطبراني وروي عن ابن عباس. أنه كان يتأول في هذا الاستثناء. أن الله عز وجل جعل أمر هؤلاء في مبلغ عذابه إياهم إلى مشيئته. لا على معنى تحقق مشيئة الخروج فإن ذلك خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم. وأجمع عليه أهل السنة. ولعل ما أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من رواية الحسن عن عمر رضي الله تعالى عنه لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه. فخبر منقطع لا يصلح أن يعول عليه. ولو ثبت يلزم أن يحمل أهل النار فيه على الموحدين. وكذا في حديث ابن مسعود الذي رواه عنه عبيد بن معاذ ليأتين عليها زمان ليس فيها أحد أو يراد بالنار في ذلك جهنم وهي الدرار الأعلى الذي فيه العصاة من المؤمنين فقد ورد أن جهنم لا يبقى فيها أحد وأنها ينبت في قعرها الجرجير. وما شاع عن الشيخ الأكبر قدس سره من القول بعدم خلود الكفار وانقطاع العذاب عنهم بالكلية فقد أنكره بعض الصحابة وقال أنه إنما ذهب إلى انقطاع العذاب على الوجه المخصوص أعني ما أشار له قوله تعالى) ففي النار لهم فيها زفير وشهيق (. وجعل الاستثناء من الخلود على هذا الوجه فالمعنى إلا ما شاء ربك فلا يكونون خالدين فيها على الوجه الذي هو أن يكون لهم فيها زفير وشهيق. بل خالدين فيها أما على وجه آخر من العذاب كتوقع العذاب مع

ارتفاعه حساً أو على وجه يحجبون عن خوف التوقع. قال وكل من الاحتمالين واقع في بعض الأوقات مع عود العذاب بعد ذلك. ونقله عن كتابه قدس سره إبداء النعمة. بتحقيق سبق الرحمة. ونقل عنه أيضاً أن قوله تعالى لا يقضي عليهم فيموتوا. ولا يخفف عنهم من عذابهم. وما في معناه إخبار عن حالهم في مدة الانتقال فلا ينافي التخفيف بعد انقضاء أمده بمقتضى الرحمة السابقة اه) وأقول (قد نقل الكوراني في مشرع الورود. إلى مطلع الجود. عن البيهقي أنه قال يجوز أن يخفف عن الكفار من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم بما عملوه من الخيرات اه وعليه فمتى جاز التخفيف بالعمل جاز التخفيف بالرحمة السابقة) ثم (أن ظاهر كلام العلامة ابن القيم في كتابه شفاء العليل إبقاء كلام الحبر على ظاهره حيث قال بعد نقله. وهذا التفسير عن ابن عباس يبطل قول من تأول الآية على أن معناها سوى ما شاء الله من نوع العذاب أو قال المعنى إلا مدة مقامه قبل الدخول. من حيث بعثوا إلى أن دخلوا أو أنها في أهل القبلة وهذه كلها تأويلات باردة ركيكة لا تليق بالآية انتهى فتأمل ولا تغفل. ثم اعلم أن الشيخ إسماعيل حقي ذكر في كتابه الفيض عن شيخه الشيخ عثمان أن الله تعالى إنما يعذب الكفار في النار بما يطيقون وأنه استدل على ذلك بقوله تعالى لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولم أر ذلك لغيره فتأمله وتأمل استدلاله. وإنما ذكرت ما ذكرت لشدة مناسبته لما ذكرته في تفسير الآية مع ما فيه من الغرابة وتوهين أمر الاعتراض على الشيخ الأكبر قدس سره حيث تضمن الإشارة إلى عدم الجزع بما شاع عنه من القول بعدم خلود الكفار لكن رأيت أنا في بعض كتبه أن السور الذي يضرب بين الجنة والنار يهدم حيث شاء الله تعالى فتتحد الداران ويبقى أهل النار في أماكنهم منعمين ولا يقصر نعيمهم عن نعيم أهل الجنة أو ما هذا معناه. وقد أجاب النابلسي عن ذلك بما أجاب. والله تعالى أعلم وهو الموفق للصواب.) ومما اتفق (لهذا الفاضل المترجم. صانه الله تعالى من كل مكروه وسلم. أنه حضر درس الحضور في العشر الأول من رمضان. زمن السلطان الغازي المرحوم محمد خان. فأمر أن يكون هو المقرر. وأمر الشهرلي السيد حافظ أفندي أن يكون المعترض والمنقر. وكانت الآية التي فيها يبحثون. قوله تعالى) وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (فلما شرع في التفسير. وخاض في ساحل التقرير. قال له يا بحر العلم وعبابه. ما الفرق بين التوبة والإنابة. فاختطفت هيبة المجلس من يده الجواب. وأخذت الدهشة بفيه فلم ينطق بخطأ ولا صواب. فاعتراه من الخجل. ما لا يعلمه إلا الله عز وجل. فقام بدمع سائل. وقلب منكسر على ذلك السائل. وكم قد سئل في ذلك المجلس عالم فعجز عن الجواب. وقام وعليه من الاكتئاب أضفى جلباب. والإنصاف أن مثل هذا العجز لا يضر بصدور العلماء. فعلم كل شيء مخصوص برب الأرض والسماء. وقد اختلفوا في جواب هذا السؤال. فمن قائل لا فرق بين التوبة والإنابة بحال من الأحوال. ومثلهما الأوبة. فهي أخت الإنابة والتوبة. ومن قائل أن الإنابة أعلى رتبة من التوبة. لما فيها ما فيها. مع اتخاذ العبد مولاه وكيلاً في جميع أمره. فكأنه أنابه عنه في ذلك فلا يحتاج إلى ما يختاره في جهره وسره. والأوبة أعم منهما وشاملة لهما. ومن قائل أن في التوبة رجوعاً إليه تعالى رغبة في ثواب ورهبة. وفي الإنابة رجوعاً إليه تعالى تشرفاً بعبادته أو قبولاً لتكاليفه أو لغرض من الأغراض غير الرغبة والرهبة. وفي الأوبة رجوعاً إليه سبحانه بمجرد الحب والاستحقاق الذاتي كأوبة المسافر إلى وطنه حباً له وإن لم يكن له فيه أهل أو ولد فالتوبة للعوام. والإنابة للمتوسطين وإن شئت فقل للخواص. والأوبة للخواص. وإن شئت قلت لخواص الخواص. ونظير ذلك ما قيل في العبادة والعبودية والعبودة. ومنهم من عكس في التفرقة بين الإنابة والأوبة ومن قائل غير ذلك. وإثبات الفرق لغة أصعب من خرط القتاد ولا مشاحة في الاصطلاح. والتفنن في التعبير من سنن القرآن العظيم. وأظن أن في إحياء العلوم وعوارف المعارف ما يتعلق بذلك. فارجع إليهما والله تعالى الموفق. ثم أن هذا الفاضل المومى إليه. لا زالت طلبة العلوم عاكفة عليه. معلم اليوم في بعض المكاتب الجديدة. وعيشه بين أمثاله في الجماعة حميدة. وقد أجازني بجميع

مروياته. وكتب لي في ذلك أبياتاً من منشآته. وقد ضاعت مني جزاء الله تعالى خير الجزاء عني. ) ومنهم ذو الحظ الجلي. مصطفى أفندي الودين لي (نسبة تركية إلى ودين بكسر الواو والدال المهملة بعدها ياء مثناة تحتية مكسورة بعدها نون بلدة محكمة رصينة واقعة على ساحل نهر طونة تشتمل اليوم على نحو عشرين ألف نفس. وهذا ثاني الرجلين اللذين وعدنا بترجمتيهما. وبيان صفتيهما. وهو وكيل الدرس اليوم. وله شهرة تامة بين القوم. وقد أجمعوا على أنه في المجالس بأقل. وفي المدارس سحبان وائل. وقد اجتمعت به مراراً فلم أشم منه رائحة العلوم. مع أني بفضل الله تعالى لست بالمزكوم. ولم أجتمع به في مدرسة. ولا سمعت تقريره ودرسه. نعم اجتمعت به عند حضرة شيخ الإسلام. فجرى بحث ما قاله في دلالة القرآن العلماء الأعلام. فقلت أنه قال غير واحد القرآن قطعي الورود ظني الدلالة. فقال لي قد غلطت في نقلك. وصدر منك ما لا ينبغي أن يصدر من مثلك. فقلت ما الذي صدر. ومعاذ الله تعالى أن أجيء بالصقر والبقر. فقال أنهم يقولون القرآن قطعي الثبوت. وأنت قلت قطعي الورود. فكان يلزمك أن تقول كما قالوا ولا تعدل إلى لفظ غير معهود. فتبسمت من قوله. وعجبت من ذلك على ما يزعمون من فضله. فقلت لا حظر علي في تغيير التعبير. ورواية الحديث بالمعنى جائزة للعالم البصير. على أنه إن أردت بضمير الجمع. في أنهم يقولون جميع العلماء فهو في حيز المنع. والاستقراء التام. ما لا يكاد يتحقق في مثل هذا المقام. وإن أردت بعض العلماء. فذاك مما ليس لك فيه غناء. على أن اللائق بمثلك. والأهم لمن فضله كفضلك. أن يتكلم في تحقيق هذا المطلب. وتمييز الأصوب فيه عن غير الأصوب. فإن كون القرآن ظني الدلالة يقتضي تقديم الدليل العقلي على السمعي. والحال قد قال الشيخ الأكبر قدس سره: على السمع عوننا فكنا أولي النهى ... ولا علم فيما لا يكون عن السمع وقال أيضاً: فقل لعقلي اقصر فنقلي ... يهدي إلى العلم والرشاد وقال أيضاً: كيف للعقل دليل والذي ... قد بناه العقل بالكشف انهدم فنجاة النفس في الشرع فلا ... تك إنساناً رأى ثم حرم واعتصم بالشرع في الكشف فقد ... فاز بالخير عبيد قد عصم أهمل الفكر ولا تحفل به ... واتركنه مثل لحم في وضم إن للفكر مقاماً فاعتضد ... به فيه تك شخصاً قد رحم كل علم يشهد الشرع له ... هو علم فيه فلتعتصم وإذا خالفه العقل فقل ... طورك الزم ما لكم فيه قدم

فما نطق الرجل بشيء ولا فاه. وكسا بلثام من السكوت فاه. بيد أني استشعرت منه أنه لا يقول بإطلاق الظنية. وهو مشعر بأن به خبرة ما في مثل هذه المطالب العلية. وإن أردت ما قيل في هذا المقام. فاستمع لما نتلوه عليك من كلام العلماء الأعلام. قال) في المواقف وشرحه (الدلائل النقلية هل تفيد اليقين بما يستدل بها عليه من المطالب أولاً قيل لا تفيده وهو مذهب المعتزلة وجمهور الأشاعرة لتوقفه على العلم بالوضع أي وضع الألفاظ المنقولة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بازاء معانٍ مخصوصة وعلى العلم بالإرادة أي بأن تلك المعاني مرادة له وكل منهما يتوقف على أمور كلها ظنية. ثم بعد هذين الأمرين لا بد من العلم بعدم المعارض العقلي الدال على نقيض ما دل عليه الدليل النقلي إذ لو وجد ذلك المعارض لتقدم على الدليل النقلي قطعاً بأن يؤول النقلي عن معناه إلى معنى آخر. مثاله قوله تعالى:) الرحمن على العرش استوى (فإنه يدل على الجلوس وقد عارضه الدليل العقلي الدال على استحالة الجلوس في حقه تعالى فيؤول الاستواء على العرش بالاستيلاء إذ لا يمكن العمل بهما ولا بنقيضيهما وتقديم النقل على العقل إبطال للأصل بالفرع وفيه إبطال الفرع وإذا أدى إثبات الشيء إلى إبطاله كان مناقضاً لنفسه وكان باطلاً لكن عدم المعارض العقلي غير يقيني إذاً لغاية عدم الوجدان وهو لا يفيد القطع بعدم الوجود. فقد تحقق أن دلالتها تتوقف على أمور ظنية فيكون دلالتها أيضاً ظنية. لأن الفرع لا يزيد على الأصل في القوة. قال والحق أنها قد تفيد اليقين في الشرعيات بقرائن مشاهدة أو متواترة تدل على انتفاء الاحتمالات المذكورة فإنا نعلم استعمال لفظ الأرض والسماء ونحوهما من الألفاظ المشهورة المتداولة فيما بين جميع أهل اللغة في زمن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم في معانيها التي تراد منها الآن والتشكيك فيه سفسطة لا لشبهة في بطلانها. وكذا الحال في صيغة الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل وغيرها فإنها معلومة الاستعمال في ذلك الزمان فيما يراد منها في زماننا. وكذا رفع الفاعل ونصب المفعول وجر المضاف إليه مما علم معانيها قطعاً فإذا انضم إلى مثل هذه الألفاظ قرائن مشاهدة أو منقولة تواتراً تحقق العلم بالوضع والإرادة وانتفت تلك الاحتمالات. وأما عدم العارض العقلي فيعلم من صدق القائل فإنه إذا تعين المعنى وكان مراداً له فلو كان هناك معارض عقلي لزم كذبه) نعم (في إفادتها اليقين في العقليات نظر لأن كونها مفيدة لليقين مبني على أنه هل يحصل بمجردها أي بمجرد الدلائل العقلية والنظر فيها وكون قائلها صادقاً الجزم بعدم المعارض العقلي وأنه أهل للقرينة التي تشاهد أو تنقل تواتراً مدخل في ذلك أي الجزم بعدم المعارض العقلي وهما أي حصول ذلك الجزم بمجردها ومدخلية القرينة فيه مما لا يمكن الجزم بأحد طرفيه أي النفي والإثبات فلا جرم كانت إفادتها اليقين في العقليات محل نظر وتأمل) فإن قلت (إذا كان صدق القائل مجزوماً به لزم منه الجزم بعدم المعارض في العقليات كما لزم منه في الشرعيات وإلا احتمل كلامه الكذب فيهما فلا فرق بينهما) قلت (المراد بالشرعيات أمور يجزم العقل بإمكانها ثبوتاً وانتفاءً ولا طريق له إليها وبالعقليات ما ليس كذلك وحينئذ جاز أن يكون من الممتنعات فلأجل هذا الاحتمال ربما لم يحصل الجزم بعدم المعارض العقلي للدليل النقلي في العقليات وإن حصل الجزم به في الشرعيات وذلك بخلاف الأدلة العقلية في العقليات فإنها بمجردها تفيد الجزم بعدم المعارض لأنها مركبة من مقدمات علم بالبداهة صحتها أو علم بالبداهة لزومها مما علم صحته بالبداهة وحينئذ يستحيل أن يوجد ما يعارضها لأن الأحكام البديهية لا تعارض بحسب نفس أمر أصلاً انتهى.) قال الفاضل حسن جلبي الرومي (في حاشية المواقف عند قوله قدس سره وحينئذ جاز أن يكون من الممتنعات هاهنا بحث مشهور: وهو أن المعنى بعدم المعارض العقلي في الشرعيات صدق القائل وهو قائم في العقليات أيضاً وما يحكم العقل بإمكانه ثبوتاً أو انتفاءً لا يلزم أن يكون من الممتنعات لجواز إمكانه الحافي من العقل فينبغي أن يحمل كل ما علم أن الشرع نطق به على هذا القسم لئلا يلزم كذبه وإبطال ما قطع النقل بصدقه فالحق أن النقلي يفيد القطع في العقليات أيضاً ولا مخلص إلا بأن يقال مراد

الشارح النظر في الأدلة نفسها والقرائن في الشرعيات تفيد الجزم بعدم المعارض لأجل إفادة الإرادة من القائل الصادق جزماً. وفي العقليات إفادته الجزم بعدمه محل نظر. بناءً على أنه ليس على هذا للذكي مزيد.) واجتمعت به مرة أخرى (عند المشار إليه لا زالت أنهار العلم جارية لديه. فألقى بحثاً في البين على ما هو العادة. فترجم هذا المترجم كلامي فيه بالتركية وأعاده. فلسرعة فهمه وانتقاله. علمت أن له فضة تزيد على فضة أمثاله. لا سيما والمسألة من فقه الشافعية. وفهم مقاصده بمراحل عن أذهان علماء القسطنطينية. وسيأتي ذلك آخر الكتاب. إن شاء الله تعالى الملك الوهاب.) وبالجملة (لا يخلو الرجل عن معرفة ببعض العلوم. غير أن له عجباً بنفسه يزاحم مناكب النجوم. وأنه دون العلماء المشهورين هناك في الأخلاق. بل لم أر مثله في كبر النفس بين من رأيت من علماء الآفاق. وخير ما فيه أن له انكباباً على التدريس. فيكاد يضيق وقته لسعة اشتغاله به عن المنادمة مع الجليس. وهو اليوم مع كونه وكيل الدرس مدرس مدرسة السلطان عبد الحميد. وكان ذا معيشة ضنكا فأضحى في عيش حميد. ولا أقول جن له الدهر. فالكثير في حق العلماء كيفما كانوا نزر. أسأل الله تعالى أن يحسن خلقه. ويكثر لكل منا رزقه.) ولقد اجتمعت (بآخرين من العلماء. ولكنهم في العلم دون هؤلاء. ولو ذكرتهم لمل من الطول مقالي. على أن أسماء كثير منهم قد أفلت من سماء خيالي. وقد استأنست ببعضهم جداً. ورأيت فيه من مكارم الأخلاق ما لم أستطع له عداً.) واجتمعت (أيضاً بمشائخ صادقين وكاذبين. وآخرين بين ذلك مذبذبين. ومن أصدق من اجتمعت به. ووددت لو انتظمت في سلك صحبه. روض أنوار سروري.) حضرة مطلع الأنوار الإلهية الشيخ نوري (. وأعني به سيدي وسندي. المرشد بالتكية الشهيرة بتكية يحيى أفندي. وهي كنار على علم عليها من الجلالة غواش. واقعة في الساحل قرب سراي السلطان في سمت بشك طاش. وهو رجل على ما أخبرني من أفراخ حضرة الباز. وقد حلق على ما أحسست في جو كل حقيقة ومجاز. وأخلاقه تشهد بصحة نسبه. ولا تبقى غبار شبهة لمشتبه. تقبل الرجال يديه ورجليه. وهو لا يعد ذلك إلا نحو قذى في عينيه. ورأيته يسلك المريدين في الطريقة النقشبندية. مع أنه من السلالة القادرية. وما ذاك إلا لاتحاد منتهى المسعى. وإن إلى ربك الرجعى.) نعم (اختلف ذوو العرفان. فمن قائل ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان. وأنا عبد على الحقيقة. لصادقي في كل طريقة. وأني لأعد ذلك مجداً. وأكاد أطأ بأخمصي الثريا إذا قلت عبداً.

) وممن اجتمعت به ليث غابة الصلاح المزري بليث الوغا. حضرة الشيخ الشهير بحاج عارف أغا (كان في سالف الزمان. عربه جي باشي عند المرحوم السلطان الغازي محمود خان. فدعاه للعمل بمقتضى ما وضعه من القوانين بعد حادثة بني الأصفر. فقال لا أفعل ذلك أبداً ولو ارتديت أردية الموت الأحمر. فترك خدمة عربته. واشتغل بمحو خطيئته بمياه عبرته. واعتاض عن درهم سلطانه. بدينار ربه وإحسانه. وقام نشطاً لخدمة مولاه. شاكراً على توفيقه سبحانه إياه. وإذا حلت الهداية قلباً ... نشطت للعبادة الأعضاء فهو منقطع للعبادة الآن. في زاوية تجاه باب جامع السلطان أحمد خان. قرب العمود المصور. الذي ذكرناه فيما مر. وقد غدا للمجاذيب مغناطيساً. ولهم بعد الله عز وجل أنيساً. فما من مجذوب في إسلامبول كائناً من كان. إلا وهو آتٍ لزيارته كما يأتي السمك لزيارة صخرة حقلان. بيد أن هاتيك الصخرة. يزورها السمك في السنة مرة. وهو مزور كل مجذوب. في كل يوم عند الطلوع والغروب. فكان رسوله إليهم الشمس في طلوعها وغروبها. أو الريح في سكونها وهبوبها. وكذا فقراء الغرباء إليه يهرعون. وفي رياض إكرامه يرتعون. ومن حياض أنعامه يترعون. وهو في كثرة السيب. كأنما ينفق من جيب الغيب. وقد رأيته فيما سلكه. لم ينصب دينه لدنياه شبكة. ولو كانت الدنيا له عشيقة. ما طلقها ونكح بدلها الطريقة. وقد رأيت معظم مشائخ إسلامبول. يبيعون المنصب للمعزول. يأتون إليه فيقولون هل لك أن تعطينا كذا مقداراً من ذهبك. فنعيدك بالهمة القلبية إلى ما كنت فيه من ذاهب منصبك. وإن لم يتيسر ذلك. أعطيناك منصباً غيره أعلى من السماك. ومجانين المناصب. ملء المشارق والمغارب. فيساندونهم على ما وقع بينهم ودار. فإن صادف القدر ضاعفوا لهم عن طيب نفس ذلك المقدار. وإلا أعطوهم بعض ما وقع عليه الكلام. وعادوا يرجون الهمة منهم في أن يعيدوهم ولو بعد أعوام. وقد يفعلون مثل هذا الفعل الرذل. مع من يروم منصباً لم يكن هو فيه من قبل. واتفق أن كتب بعض الأشهاد. على بيع بعض المشايخ لبعض الناس وزارة بغداد. فاجتهد البائع في أعمال الهمة وجد فما وقع في يد المشتري بعد الجهد الجهيد غير السند. ولم أر عند هذا الشيخ مثل هذه الحيل. نعم عنده مبشرات لمن لاذ به من أهل الدنيا واتصل. ولقد رأيته ذا نفس غنية. قلما يقبل من أحد هدية. وأظنه ضعيف الحال. قد كفي بكف القناعة ذل السؤال. ومع ذا قد شارك الفقراء فيما عنده. ولم يمنع من أتاه مسترفداً رفده. وما أجل القائل. من الأوائل الأفاضل: وأني لأخفي باطني وهو موجع ... فينظر مني ظاهري وهو ضاحك وأسأل عن حالي وبي كل فاقة ... فأوهم أني للعراقين مالك وأظن الأجل من هذا القائل من كان في حاله مثله. لكنه كتم أمره فلم يقل في إظهاره قوله. وبالجملة إن هذا الشيخ بالنسبة إلي أكثر من رأيت هناك من الشيوخ. يعد ذا صلاح أخذ بمنطقه الجوزاء مع مزيد استقامة ورسوخ. وقد استجازني ببعض الأحزاب. فأجزته بالشرط المعتبر عند الأصحاب. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من العلماء العاملين. ويمن علينا بالكون في معية الصادقين. ) وممن اجتمعت به أيضاً من المشايخ ذو الخلق الوردي. الشيخ المولوي قدرة الله أفندي (وهو شيخ مولوي قد أضعف الكبر في الجملة سمعه. وله تكية في غلتا ترتع فيها ظباء أو أنس كل أسبوع بعد صلوة الجمعة. ولقد حضرنا حلقة ذكره وفيها ولدان بدور. فلولا أن تولى حضرة مولانا تعالى شأنه قلوبنا لكانت الدوائر عليها تدور. ولا غلب الرجال ميل إلى هذا الشيخ كثير. وهو مع المشيخة يكتسب ببيع الأسير. وربما يحضر فيما بين. للاستشفاء بقراءته من نحو وجع رأس أو عين. ويقال أن سبب تسميته بقدرة الله. أنه بعد موت أمه نظر بعين الولادة دنياه. ومن هنا مالت إليه النفوس. ولم يعلموا أن مثله في ذلك أغستوس. وبالجملة قد رأيته ذا أخلاق سنية. كأغلب مشايخ الطريقة المولوية. وليس عنده من المحاسن سوى حسن الأخلاق. ولولا ذلك لكان بينه وبين سائر النخاسين أتم وفاق.

) وممن اجتمعت به أيضاً من المشايخ في ذلك النادي. الشيخ عبد الله أفندي القرغولي البغدادي (. وهو ابن محمد أغا المطاوخي عند) داود باشا (والي بغداد. وعشيرته مشهورة خرج فيها رجال أمجاد. واشتهر بين المطلعين على الأنساب. أنهم جاءوا في معية السلطان مراد إلى تلك الرحاب. فسكنوا في بغداد بأمر السلطان. وأنهم ليسوا من عدنان ولا قحطان. وقد خرج هذا الشيخ شاباً إلى القسطنطينية. فأوصله القدر زمن السلطان الغازي محمود خان إلى الأمنية. فبنى له خانقاه. وأولاه من بره ما أولاه. وهو غلام أنقى من مرآة الغريبة. وله دعوى فيه بين الأتراك أعجب كل عجيبة. نعم هو كريم الأخلاق. كسائر أهل العراق. يجود بالقوت. ولو علم أنه يموت. ولا يمنع عن سائل كسوته. كما لا يمنع عنه كسرته. فيعطيه سترته. ولو رأى الناس عورته. ويذهب مع المستشفعين. ولوالي بلاد الصين. إلا أنه يبيع المناصب لكن بالإشارة. ويمنعه الحياء البغدادي أن يبيع بصريح العبارة. ومجمل ما أقول. أنه خير من كثير مشايخ إسلامبول. إلا أنه بلغني أنه يدعي النسبة إلى حضرة) الباز الأشهب (. وأني لأقسم بحرمة هاتيك الخضرة ما تعبق منه عرق من عبير عنبر ذلك النسب. نعم له انتساب إلى حضرته. من حيث دخوله في طريقته. وذلك أقرب نسب. عند من أحب. نسب أقرب من شرع الهوى ... بيننا من نسب من أبوي وفي إسلامبول ونواحيها. غير واحد من الكذابين يدعيها. ولقد رأيت هناك منهم من لا يشك بغدادي في كذبه. فلم يسعني إلا السكوت عن بيان ما هو الحق في نسبه. فالناس لا يستطيع مثلي بينهم ... من نوكهم شرحاً لما قد أبهما

) وقد اجتمعت (بآخرين. معتبرين وغير معتبرين. ولم أر كالمولوية في الأخلاق. فعليهم من دراريها أبهى وشاح ونطاق. وهم في أداء ما يدور على محور الشريعة المحمدية. بكثير دون السادة القادرية والنقشبندية. ولكل متشيخ هناك اعتبار. ولو أنه خمار أو حمار. وقد رأيت شيخ المتشيخين الخمر لا يحط من مقدارهم. ومن الجهلة من يعتقد أن شربهم الحشيشة يظهر درر أسرارهم. وبالجملة لا سلعة أنفق من المشيخة في إسلامبول. وأنها فخ عظيم يصطاد به كل مأمول. لكنها متفاوتة باعتبار الأشخاص. وكم من فرق بين قناص وقناص. وما أظن ذلك الاعتبار إلا من حسن اعتقاد أهل تلك الدار. مع أن معظمهم غريق بحر أمانيه. والغريق يتشبث بالحشيش وما يحاكيه. وحيل المتشيخين على اختلاف طبقاتهم مما تخفى حتى على إبليس. وهي رأس مالهم الذي أثروا به حتى أوثروا على أرباب التدريس. وتلك علة قديمة. ومصيبة والعياذ بالله تعالى عظيمة. وقد ساعد على بقائها في العالم عدم سماع كلام العالم فيهم. حيث توهم جهلة العوام أن ذلك ليس إلا حسداً لهم فيما يأتيهم. ومن أولئك. من يحمله على غرض نفساني غير ذلك. ومنهم من يزعم أن إنكار العلماء الأكابر. لكون أولئك من أهل الباطن وكونهم أنفسهم من أهل الظاهر. وما دروا أن كل باطن يخالف الظاهر. فهو كما قال غير واحد من العارفين باطل ومرتكبه خاسر. وقال الإمام الرباني قدس سره الطريقة لا تخالف الشريعة بمقدار شريعة. ونحو ذلك للعارفين أكثر من أن يحصى. بل قد أنكر العارف الشيخ عبد الوهاب الشعراني. قدس سره النوراني. في كتابه الدرر المنثورة. في بيان زبد العلوم المشهورة. كون علم الصوفية باطناً. قال وما أعلم زبدة التصوف الذي وضع القوم فيه رسائلهم فهو نتيجة العمل بالكتاب والسنة فمن عمل بما علم تكلم بما تكلموا. وصار جميع ما قالوه بعض ما عنده لأنه كلما ترقى العبد في باب الأدب مع الله تعالى دق كلامه على الإفهام. إلى أن قال وهذا هو الذي دعا الفقهاء ونحوهم من أهل الحجاب إلى تسمية علم الصوفية بعلم الباطن وليس ذلك بباطن إذ لباطن إنما هو علم الله تعالى. وأما جميع ما علمه الخلق على اختلاف طبقاتهم فهو من علم الظاهر لأنه ظهر للخلق فاعلم ذلك اه. والحق أن الظهور والبطون أمران نسبيان فيمكن اجتماعهما في شيء واحد بأن يكون ظاهراً عند شخص باطناً عند آخر فقد يعد علم النحو وعلم المنطق وغيرهما من العلوم من العلم الباطن كما لا يخفى. فافهم ذاك. والله تعالى يتولى هداك.) وبالجملة (أن سوء ظن العوام بخواص العلماء. أوجب اتقاد نار فتنة المتشيخين الجهلاء. وأنا أسأل الله تعالى أن يصلح الخواص والعوام. وأن يطفئ بنور شريعته نار فتنة اضطرمت بين الأنام. ) وقد اجتمعت (بكثير من الكتبة وصطفيت لي منهم أحباباً ذوي أخلاق مهذبة. أجلهم بل هو كلهم ذو الخلق العطر الندي.) حضرة عاكف بك أفندي (. وهو ابن أخي حفظي باشا العارنوود وداماداه. ومن هو اليوم سقف بيته الرفيع وعماده. وأصل أهل هذا البيت من العارنوود. جلاهم عن ديارهم وأسكنهم القسطنطينية المرحوم السلطان محمود. وقد نالوا من طويل التغريب. عريض البلا العجيب. ولم يثلب ذلك من سور مجدهم قيد شعرة. ولم يعب من وجوه محاسنهم ومحاسن وجوههم بمقدار ذرة. سراه يقر الحاسدون بفضلهم ... كرام السجايا والعلى والمناسب إذا جلسوا كانوا صدور مجالس ... وإن ركبوا كانوا صدور مواكب أسود تقنت بالقنا عن عرينها ... وبالبيض عن أنيابها والمخالب يجودون للراجي بكل نفيسة ... لديهم سوى أعراضهم والمناقب إذا نزلوا بطن الوهاد لغامض ... من القصد أذكوا نارهم بالمناكب وإن ذكروا غب الطعان رماحهم ... رأيت رؤوس الأسد فوق الثعالب

وأنا لم أر حفظي باشا حيث أنه توفي قبل الدخول. إلا أنه تواترت بأنه واحد الآحاد صحيحات النقول. وأما عاكف بك فرأيته ممن لم تسمح بمثله الأدوار. ولا رأى الزمان نظيره بطرفي النهار في هذه الأقطار. المحاسن عليه عاكفة. وسحب المكارم على حماه) حماه الله تعالى (واكفة. وهو اليوم على ما سمعت كاتب ديوان الإنشاء عند ذي الأقدام الجلي. حضرة عمر باشا مشير عساكر روم أيلي. ولي فيه أقوى إمارة. على أنه سينال مرتبة الوزارة. وقد أنست في داره. ببني أعمامه وضيوفه المقيمين فيها وزواره. فمن بني أعمامه. الحاكين للبدر ليلة تمامه. الكامل الأوحدي. إسماعيل بك أفندي. والغلام اليافع. ومن نور الكمال من خلال أسرة جبينه ساطع. ذو الخلق الوردي محمود بك أفندي. ومن صنوف ضيوفه المقيمين في هاتيك المغاني. الفاضل الكامل عبد الله أفندي الداغستاني. وهو ممن قرأ علي وأجزته. بعد أن وقفت على عجزه وبجره وخبرته. والمسلم الذي تسلم الأنس به مني أكداري. الشيخ المدعو بميرزا بابا البخاري. ولعمري أنه صحيح الوداد. ليس فيه علة عند المنقرين النقاد. ومن زواره. الذين يسمرون كل ليلة في داره. رجل هو في الشفقة علي كوالدي عندي. يدعى في المجلس أثناء المحاورة بحسن أفندي. وقد أنسيت نسبته. وجهلت بعد أن علمت رتبته. نعم سمعت من نحو مائة نفس. أنه كثيراً ما صار وكيلاً عن وكيل الدرس. وما أحرى أن يكون هذا الأصيل هو الوكيل. لأنه مع حسن أخلاقه عالم فضيل. لا يداهن في الجرح والتعديل. ) ومنهم (آخرون معتبرون. عداهم وصاحب البيت ريب المنون. واتفق أن سئلت يوماً عن دفع ما يتوهم من التعارض بإبداء معنى يتكفل بذلك حقيقي أو مجازي. وذلك في صدر وعجز بيت حضرة مولانا لسان الغيب حافظ الشيرازي. وهو قوله: بيرما كفت خطا بر قلم صنع نرفت ... آفرين نظر باك خطا بوشش باد فقلت أين أنا من الفارسية الدرية. وأن مناط الثريا معنى معرفة معاني كلمات القوم الدرية. وأني إذا جسرت. وذكرت ما ذكرت. يقول لي مؤبني: راح تمشرقة ورحت مغرباً ... شتان بين مشرق ومغرب

فقالوا لا نعذرك بهذا الكلام. فاذكر لنا ولا أقل مما ذكره في ذلك العلماء الأعلام. فقلت أنهم ذكروا في ذلك عدة وجوه. وأني ذاكرها لمن يريد فلعل فيها ما يرجوه.) الأول (أن المراد بالستر المفهوم من قوله خطأ بوشش باد النفي مجازاً) الثاني (أن المراد بالخطأ في الشطر الثاني غيره في الأول. وذلك كخطأ المريدين وارتكابهم ما لا يليق بهم شريعة أو طريقة) الثالث (أن المراد به الأول لكن باعتبار أنه خطأ في نظر القاصرين المحجوبين. وأظن هذا يحتاج في دفع الدغدغة إلى حمل الستر على النفي مجازاً أيضاً) الرابع (أن المراد به النقص الذاتي في المصنوعات الذي لا دخل لقلم الصنع في انتقاش حروفه فيها كالإمكان الذاتي لها ضرورة أن الإمكان الذاتي غير مجعول. والألزم الانقلاب المحال وهو ظاهر ككون الإمكان نقصاً فالشيخ نفي جريان الخطأ على قلم الصنع. وستر هذا بأن لم يتعرض له. أو أنه أخفاه بأن قال به رمزاً حيث قال أن الخطأ لا يجري على قلم الصنع ولم يقل لا خطأ في المصنوعات ولا نقص فيها فترك التصريح به ستراً له. ويرد على هذا أن تسمية النقص الذاتي خطأ بعيد جداً كما لا يخفى ولعل اعتبار المشاكلة يهون الأمر فتدبر.) الخامس (أن يراد به النقص الذي هو من ضروريات الصنع ومستتبعاته كالحدوث والتأثر وكالتحير فكل ذلك نقص ولذا استحال عليه تعالى مع أنه من ضروريات الصنع على معنى أنه لولا الصنع ما ظهر. فالشيخ أيضاً ستره ولم يتعرض له. أو أنه أخفاه وقال به رمزاً فتدبر ولا تغفل.) السادس (أن المراد به أحد هذين النقصين أو كلاهما وأن معنى كون نظر الشيخ ساتراً لذلك كونه إكسيراً محيلاً لرصاص المريدين ذهباً خالصاً وماحياً عن جليدية أبصار بصائرهم مثل الأغيار. فيكون مشهودهم المؤثر لا الآثار. وما ألطف وصف النظر بالباك علي هذا وهو معنى بعيد المغزى لولا ما فيه من حمل الخطأ على النقص.) السابع (أن يراد به ذلك أيضاً ويراد بالنظر الباك نظر قلم الصنع. وإثبات النظر للقلم تخبيل كإثبات القلم للصنع والأظفار للمنية. والتخيل طريق مهيع. ومعنى كونه باك أنه سالم من العلة الموجبة للإحساس بالشيء على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر كعلة الحول الموجبة للإحساس بالواحد اثنين. ويراد بستره ذلك النقص أنه يصنع المصنوعات حسبما يقتضيه استعدادها لنفس الأمري الغير المجعول على ما نص عليه غير واحد من السادة الصوفية قدست أسرارهم. ويرمز إليه قوله تعالى) أعطى كل شيء خلقه (دون أعطى كل شيء خلقنا مشتملة على الحكم والمصالح بحيث يضمحل فيما بينها ذلك النقص ولا يلتفت إليه شغلاً عنه برؤية الحكم والمصالح التي يكل عن حصرها القلم. وعلى هذا جوز أن تكون جملة آفرين الخ من تتمة مقولة الشيخ ولا تجعل مقول التلميذ ولو كان هناك خطاب لكنت أرجح عدم كونه مقولة لما فيه من سوء الأدب كما يدل عليه القصة المشهورة في سؤال محمد أبا حنيفة عن حكم قول الرجل لزوجته إن كلمتك فأنت طالق إن كلمتك فأنت طالق إن كلمتك فأنت طالق. وعدم تكليمه إياها بعد فافهم. والله تعالى أعلم. وذكرت أنا وجهاً خطر لي إذ ذاك. ولم أتذكره الآن فكأني تركته هناك. ومن الناس من لم يقبل لهذا البيت توجيهاً. والتزم أنه كلام لم يكن وجيهاً. وللجلال الدواني في الكلام فيه رسالة فارسية. ذكر فيها بعض الاحتمالات التي ذكرناها. ولعل الاحتمالات الأخر عنده غير مرضية. وكم جرت أبحاث علمية في مجلس المومى إليه. لا زالت العلماء عاكفة عليه. ولقد رأيته ذا راحة من البحر أندري. فما كعب بن مامة بالنسبة إليه وما ابن سعدي. قد استحال نجابه. ولم تعرف سهام أفكاره إلا الإصابة. وقد صانه مولاه. من كل قبيح وحماه. وطهره سبحانه من المآثم فلا تحوم حول حماه. وآتاه جل شأنه من الكمال. ما تنقطع دونه أماني الرجال. وميزه تبارك وتعالى على أبناء صنفه في صنعة الإنشاء. فصار بحيث ينظم في سلك إنشائه زهر الكواكب إن شاء. مولى أراع يراعه ... قلب الطروس مع السطور ببديع وشيءٍ مخجلٍ ... وشيء البديع والحريري عجباً له فاق الأوا ... ئل وهو في الزمن الأخير وأنا ما اجتمعت بذي رق إلا وهو مقرباً لرقية له. قائلاً ما رأيت وحرمة اللوح والقلم في فن الكتابة مثله. إن هز أقلامه يوماً ليعملها ... أنساك كل كمي هز عامله

وإن أقر على رق أنامله ... أقر بالرق كتاب الأنام له وقد اكتسى. بحب أهل الكساء. وسرى فيه حب الأمير الفرد. سريان ماء الورد في الورد. ولهج بالثناء على أهل البيت. وولع بتعظيم الحي منهم والميت. ولم يستجن بجنة التقية. من أسنة السنة بعض علماء القسطنطينية. وقد رأيت منهم من يعذله ولو استطاع لأوقع به أذى وهو يقول: لا انتهى لا انثنى لا أرعوي ... ما دمت في قيد الحيوة ولا إذا وحيث أني من أهل البيت لديه. جعلني بحيث أحكم في بيته عليه. وصار ولده في الحب كولدي عنده. وفتاه أسرع في امتثال أمري من أبر ولدي. وخصني في داره المعمورة. بغرفة من المحاسن مغمورة. تشرق على روض أريض. تذهب عقاقير النظر إليه مرض كل مريض. وكنت إذا بت هناك. بت على رفيعات أرائك. ونمت على فرش تنزل بوسعهن اللين أوجاتها. فيغنيني عن تجشم اللحف حافاتها. ويعد قبولي ذلك من تفضلي عليه ومنني. وهكذا كنت ولله تعالى الحمد في أهلي وفي وطني. وكان يقترح علي أن آمر طباخه بطبخ ما أشتهيه. مع أن طعامه العادي كل أحد لنفاسته يشتهيه. فأدعوه وأنص له على ما أريد تنصيصاً. ولست ولله الحمد ممن يقول اطبخوا لي جبة وقميصاً. وسبب فوز طعامه من قداح اللذة بالمعلى والرقيب. أنه ومحي العظام لم يذق فيما أعلم طعم الصليب. وطعام الأكثرين قد تشرب لحمه ودمه بذلك الودك. وإن تسل عن طعام المسافر خانة فذاك الذي رض بثقل رائحته مني القوي ودك. وسبب اضطراري إلى تناول طعامه هنالك. فقدي الطعام الخالي منه بسبب نجاسة طبع المأمور إلا عند مالك. وأظنه أنه لو كان أمسى عنده وهو مسافر. لأفتى بعد الاطلاع على حقيقة الحال بنجاسته. وتحاشى عن أن يقول هو طاهر. وكنت أستحي أن أفيد حالي. المأمورين من أهل الباب العالي. فكنت لذلك أتجرع أنا ومن معي غسيلنا. وأدعو على ذلك المأمور والجماعة تقول بالسنة ضعفت من الجوع آمينا. لكن لم آكل هناك ذلك الطعام. إلا أقل قليل من الأيام. حيث كانت الأحباب تدعوني. وأنهم لم يتركوني هناك في أكثر الليالي ولم يدعوني. لاسم هذا المترجم. ومن درت لديه موائد الكرم. وبلا مداهنة أن المومى إليه. لا زال السعد عاكفاً عليه. ذو نقيبة نقية وخلق حر. وكل ذوي العلم وإن جلوا ليسوا منه ولا قلامة ظفر. وبالجملة أخذت جبلته بعناني. إلى القول بأن العارنوود من قوم جبلة بن الأيهم الغساني. وأنه لما ذهب مع من تبعه من قومه إلى الروم. تنصر هناك زمن الفاروق بسبب الأمر المعلوم. ثم أنه ندم فقيل له مالك لا تعود. فقال لما فيه من بقية الجاهلية عار أن نعود. وما كان لهذا اللفظ يبقى بين الروم على ما هو المعهود. فشنوا عليه الغارة فأضحى وهو عرنوود. ومن الناس من يزعم أن الجراكسة أيضاً كما في تاريخ مصر لابن أياس من قومه. ويزعم أن الأصل قوم من جركساه فغيره من غيره لعدم فهمه. وإنما أخذت جبلة جبلته بعناني لذاك. لأن كرمه كرم عرب لا روم وأتراك. إلى أخلاق حسان. لا توجد إلا فيمن كان من عدنان أو قحطان. ويهديك إلى الروض عطره. ويدلك على المسك نشره. أصل الفتى يخفى ولكنه ... من فعله يظهر خافيه وقد شق عليه فراقي. وتشابه احتراقه واحتراقي. لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... وشهدت حين نكرر التوديعا لعلمت أن من الدموع محدثاً ... وعلمت أن من الحديث دموعاً أسأل الله بحرمة الطائفين والعاكفين والركع السجود. أن يمن علينا بالاجتماع في أحب البقاع بحال عاكفة عليه طيور السعود.

) ومنهم (قرة عيني ووردة روضة أحبابي. حضرة الأمين المأمون راشد أفندي العينتابي. وهو فتى جاء إلى بغداد في معية المرحوم علي باشا وهو مكتوبجي. فخرج قبل أن يتم السنة إلى دار الخلافة فترقى فيها حتى صار خليفة في قلم الآمدجي. وكان للصدر الأعظم الأسبق صارم باشا شغفاً به. ولو بقى صدراً لجعله والله تعالى أعلم رأساً بين سراة صحبه. كان) سره الله تعالى (من أعظم أسباب سروري. ومرشداً إلي في دياجي مصالحي ودجنات أموري. وله من الكمال ما هو حري أن يأخذ بالساعد. فلا يزال يرقى الفتى حتى يقعده على أوج فلك عطارد. وهو في معرفة الألسن آدم الأول بالنسبة إلى أبي نصر الفارابي. وفي جودة الإنشاء البدر الأكمل بالنظر إلى ابن هلال العتابي. مع رصانة اعتقاد. له إلى قويم الحق استناد. ومكارم أخلاق. زادت على ما عهدته في العراق. فليشهد الثقلان. أني ممنون من أياديه الحسان. أسأل الله تعالى أن يديم عليه ديم الآلاء. ويعطيه من عالي الرتب ما شاء. ) ومن الكتبة آخرون (ليس لهم منة تقوم بمئونة أتعاب البنان. ولا شهرة توجب أن يشرئب إلى الوقوف على حالهم إنسان. ومجمل القول فيهم أنهم طيبوا اللسان. قليلو التفضل والإحسان. ومعظم كتاب المالية والأوقاف. ليس في دوي قلوبهم قطرة من مداد الإنصاف. كم طوى أحدهم قرطاس كشحه عن ذي الحاجة وأهمله. وخيرهم من إذا عد له الملهوف دراهماً نظر في شأنه وعدله. وصحائف أعمالهم والله تعالى أعلم أشد من قلوبهم سواد. وكأنك بسواد وجوههم يوم نشر الصحف غداً لسواد وجوه الظلمة مداد. وبالله تعالى مما ذقت من كاتب منهم في الأوقاف. رماه الله تعالى من مصائب الدهر بأبي قبيس أو قاف. وقد اجتمعت أيضاً بأجلة لكن ليسوا من أهل إسلامبول. بل منهم من جاءها بنية الارتحال ومنهم من جاءها بالتصميم على الحلول.) منهم مدينة النقي والبيت المعمور بالمحاسن المعظمة. حضرة سيدنا محمد بن عون شريف مكة المكرمة (. فهو لعمري حسنة وجه السعد. والحجر الأسود في ركن بيت الشرف والمجد. جواد تحصنت منه خوفاً نفاقها في الأفلاك الكواكب. وشجاع تذكرنا شجاعته شجاعة جده الأمير علي بن أبي طالب. لا التفات له إلى أمور دنياه. ولا شغل له بغير الصلوة وذكر مولاه. ولي أمر مكة المكرمة أيام سطوة محمد علي باشا صاحب القاهرة. ثم أخذ بخدعة حتى جيء به إلى حمى الخلافة ودار السلطنة الباهرة. وذلك سنة ألف ومائتين وثماني وسبعين من الهجرة النبوية. على مهاجرها أفضل الصلوة وأكمل التحية. وقد كان نال إمارة الحجاز بجده وجده. واستمر على كرسيها تلك المدة المديدة بقوة سعده. وإلا فالإمارة كانت منحصرة في سلسلة بني عمه. ولم ينلها منذ مئات السنين أحد من أجداده وقومه. ولعمري لقد زانها. وشيد بمحاسنه أركانها. لكن مصلحة الدولة العلية اقتضت فصله. والإتيان به إلى عرش الخلافة عارفة له فضله. فقد أكرمه لما ورد حضرة أمير المؤمنين غاية الإكرام. واحترمه على رؤوس الأشهاد نهاية الاحترام. وعين له من بيت المال ما يكفيه. وكذا عين دامت أياديه لبنيه. وقد اجتمعت به غير مرة. فرأيته أهاب تقي وغيره. لا يفارق قيد شعرة سنن السنة. ولا يكاد يشك رائيه في أنه من أهل الجنة. وله ولدان. اسمهما عبد الله باشا لوذعي الزمان. وله إلى حقيقة الشرف بمحاسن الأخلاق مجاز. لكن يزعم بعض الطائفين في البلاد أنه قد تحمل منه ما هو أثقل من حرا أهل الحجاز. وأنا أستبعد ذلك لما شاهدت من سجاياه. وتحققت من وفور عقله ومزاياه. وإمارة الحجاز أمر خطير. وإرضاء جميع الناس لا يتسنى لأمير. إن نصف الناس أعداء لمن ... ولي الأحكام هذا إن عدل وقد رأيت هذا الولد لسان أبيه. وحققت أن أباه لا يتحرك بحركة خلاف مراضيه.) وبالجملة (إن هذا الشريف ابن عون قليل مثله في الشرفاء. وقد صح عندي أن من الشرفاء من تقذي أفعاله عين الزهراء. فإن لم يختم له بأحسن ختام. استحى من نسبته إليه يوم القيامة جده عليه الصلوة والسلام. فنسأل الله تعالى أن لا يدنس أنسابنا بذنوبنا. وأن لا يثقل عيابنا بعيوبنا.

) ومنهم ذو الحظ الذي هو لفسطاط دنياه عماد. حضرة عبد القادر باشا الذي كان كمركجي بغداد (. وزيادة شهرته. تغني عن ترجمته. وقد جذبني بسلاسل حب شيخ الإسلام إياه وأزمة أوهامي إليه. فكنت لإشارة المشار إليه لا زال اللطف منهلاً عليه في معظم الأيام والليالي ثاوياً بين يديه. وكان يؤنسني بطيب كلامه ومزيد تواضعه. وقد نلت بتوسطه عند شيخ الإسلام معظم ما حصل لي من منافعه. ورأيت له قبولاً عظيماً عند الرجال. وكانوا يحلونه أعلى محل ويجلونه غاية الإجلال. وكان بصدد أن يتسور وزارة بغداد. وقد أرادها له معظم الوكلاء إلا أن الله تعالى ما أراد. وكان في معيته حضرة ذي الخلق العطر الندي. أبو المحاسن معتمده البغدادي أحمد أفندي. وقد شاهدت من غيرته على البغاددة العجب العجاب. وكان لي هناك من أحب الأحباب وأصدق الأخلاء والأصحاب. وقد جعلني من حسن أخلاقه ممنوناً. وسرني بحسن معاملته وكنت محزوناً. جزاه الله تعالى عني خيراً. ووقاه في الدارين ضيراً. وكان معه أيضاً ذو الجد العلي. أحمد جلبي كاكه الموصلي. لكنه فارقه إذ صار كتخدا. للشريف عبد المطلب لما أخذ بيده الحظ إلى إمارة الحجاز وحدا. وحال كلا الرجلين مشهور في العراق. فلا حاجة إلى ترجمتيهما في هذه الأوراق. وإن كانت حلوة المذاق. ) ومنهم مرشدي إلى طريق السوي في مذاهبي. حضرة من لا يساوي معظم التجار شسع نعله الحاج بكر أغا القباقبي (. أصله من أهل دمشق الشام. وفي أجداده الميامين علماء أعلام. وأبوه الحاج أمين أغا كان تاجراً ميسوراً. وبفعل الخير في دمشق الشام ونواحيها مشهوراً. وللشيخ عمر البربير. أو الشيخ أمين الجندي الحمصي قصيدة في رثائه. تدل على سمو قدره وعلائه. أولها: ألا أن عيني لا يشح معينها ... فهل في البكا والنوح خل معينها إذا لم أبح سحب الدموع تأسفاً ... على فقد أحبابي لمن ذا أصونها ومنها: وفي الشام هل ترجى الإقامة بعدما ... ترحل عن وادي دمشق أمينها ومنها وقد أجاد فيه: إذا جاد لم تعلم يسار يساره ... بما أنفقته أو حبته يمينها وفي البيت الأول ما لا يخفى. وقد جاء هذا المترجم مع أخيه إلى دار الخلافة. فتوفي ذلك الأخ وأقام هو خلافه. واتخذ هناك عشاً فرخ فيه وبيض. واكتفى عن الوطن بما جعل له من الأحباب وتعوض. وقد رأيته محبوباً عند الوكلاء العظام. وله في قلب شيخ الإسلام أعلى مقام. ولهم معه مزاح ممزوج بتعظيم. وفكاهة ألطف من التسنيم. وهو للخل أحلى من الشهد. ويجهد في مصلحته غاية الجهد. وقد اتحدت معه غاية الاتحاد. واتخذت فكاهته فاكهة الفؤاد. وكان يمشي معي في الأسواق. لشراء ما يلزمني في العود إلى العراق. وحسن فعله. يشهد بطيب أصله. وهو اليوم شاهبندر تجار الدولة العلية الباهرة. وقد ربط خيول إقامته هناك في رتبة إسطبل عامرة. ويتخيل المشيرية. وربما يدعيها أناء المزح مع وطلاء الدولة العلية. وكنت أقول له أنت المشير الخيالي. فينشرح حضرة الصدر العالي. مما يخيل من وراء حجاب مقالي. والذي شجعه على تخيل هذه الرتبة القعساء. أنه قد امتطاها كثير ممن النسبة بينهم وبينه كالنسبة بين الأرض والسماء. بل فاز بها في هذه الأثناء. من لو عد شيئاً خاصمت العاد يوم الحساب سائر الأشياء. وبالجملة أن الرجل نجيب. وقد أوتي من قداح الوفاء المعلى والرقيب. لا يصر على غضب. ولا يضر نفسه إذا خلا بخواص أحبابه بتحمل ثقيل أدب. وعينه ليست بضيقة في الطعام. على خلاف بعض من شاهدناهم ممن له نسبة ما إلى بلاد الشام. ولقد رأيت عينه على سعة ذات يده بين قومه. أضيق بكثير من أسته ولكن يوم سقط من فرج أمه. وهذا أعني المترجم على ضيق ذات يده في هاتيك المعالم. أوسع إذا مدت الموائد من جفنة جده هاشم. أسأل الله تعالى أن يزيد ثروته. ويحفظ من الأكدار عيشته.

) ومنهم ذو المقام الأنسي. حضرة الشيخ طاهر أفندي القدسي (. كان منذ سنوات مفتي القدس. فجاء لمصلحة إلى إسلامبول فأنس به شيخ الإسلام قبل المشيخة غاية الأنس. فاتخذه خليلاً. وجعله في بيته نزيلاً. وقد رأيته كل ليلة بعد صلوة العشاء يدارسه شيئاً من القرآن العظيم وكتاب الشفا. وسمعت انه مضى لهما على هذه الحال أحوال. لا زالا كذلك بل أمير حالاً إن شاء الله تعالى في الاستقبال. ولشيخ الإسلام اعتقاد به حسن للغاية. وربما يعتقد فيه ولا بدع في أن يعتقد المرء في ظاهر رتبة الولاية. وقد رأيته شيخاً في الفقه والحديث. وله سائق إلى تقوى ربه سبحانه حثيث. وقد فوض الإفتاء إلى شبله. وكفاه شيخ الإسلام مؤونة أمره كله. ورأيت حجرته كحجرة الصخرة يتبرك بزيارتها قبيل أثر قبيل. ويده كالحجر الأسعد طوقتها الزوار بأطواق تقبيل. بل من رأى في حجرته تراكم الأمم. خيل له وحرمة باب حطة أنها بيت لحم. ويا لله تعالى عيشه ما أهنأه. ووقته في فرمق ما أصفاه. وهو ممن أجاز شيخ الإسلام ببعض الأوراد. مع أنه قد أخذ ما أخذ من حضرة المار إليه واستفاد. أسأل الله تعالى أن يكثر في المسلمين مثله. ويديم سبحانه علينا وعليه فضله. ) ومنهم القاضي الأسبق في مدينة السلام. محمد أفندي الشهير بالجابي من أهل دمشق الشام (. حاله في العراق معلوم. وإن جهلته فسل عنه قاضي جبل أو سدوم. رأيته أسامة شيخ الإسلام. مع أنه ثعالة أهل الشام. قد لازم حجرة في بيت المشار إليه ملازمة ما لازمها أحد قبله. فكلما دخلتها عليه وجدته مطرقاً رأسه على سجادة له مستقبل القبلة. لا يخرج منها إلا لحاجة ضرورية في ليل أو نهار. وهو فيها جحيش وحده لا يزور ولا يزار. حتى إذا أعطاه شيخ الإسلام رتبة مخرج. ونصبه مفتي المجلس في بغداد انتصب قائماً وخرج. ثم أنه توجه إلى دمشق الشام. فعزل عن الإفتاء قبل أن يتوجه إلى مدينة السلام. وبقيت رتبة المخرج عليه. وهي أحب شيء لديه. وقد تحقق عندي بلا مرية. أنه رماني وعبد الباقي أفندي العمري بكل فرية. فصدقه على ما سمعت حضرة شيخ الإسلام. حيث أنه عنده) مع أنه أكذب من السالئة (قائم مقام حذام. وهو سلمه الله تعالى معذور في تصديق هذا الكذوب. فإن حاله مما لا يخفى على علام الغيوب. وأنا أسأل الله تعالى أن لا يجعل في قلبي لمؤمن غلاً. وأن يغفر لي إن كنت افتريت عليه شيئاً جل أو قلا. وأن يصلح حالي وحاله. وأن لا يجعل أفعاله أفعى له. ولعمري لو اطلع شيخ الإسلام من حاله نحو ما اطلع عليه أهل مدينة السلام. ما قلده القضاء بين اثنين إلى أن يقضي الله سبحانه بين الأنام. ولله تعالى في تقدم هذا الرجل عند حضرة المشار إليه. سر خفي لا يطلع قبل ظهوره عليه نسأل الله تعالى أن يحفظنا مما نكره. وأن يدفع عنا بحوله وقوته كيد الشيطان ومكره. ) ومنهم من أخذ بضرع الشرف فارتضع منه ما شاء وحلب. حضرة الحاج يوسف بك بن شريف بصيغة التصغير نخبة أهل حلب (. وهو من قوم أمجاد. ولم أجتمع به يوم جاء مع علي باشا إلى بغداد. ولا بعد أن صار متسلم البصرة وعاد منها. وذلك لأمور طويلة الذيل لا ينبغي أن ينكشف الغطاء عنها. ولما اجتمعت به في القسطنطينية. رأيته ذا خبرة بالعلوم الأدبية. ورأيت له من مكارم الأخلاق. ما وددت أن يكون مثلها في بعض وجوه العراق. فيا لله تعالى دره من فتى عالي الجناب. وإذا قلت قد أوتي وسف شطر الحسن فلا عجاب. وحدثني المرحوم والدي تغمده الله تعالى برحمته. وأسكنه الغرف العلية من جنته. أنه نزل في بعض أسفاره ضيفاً عند جده. فرأى من إكرامه إياه ما يشهد بعلو مجده. وهذا الكعك من ذاك العجين. وهذا الليث من ذاك العرين. وقد رجع إلى وطنه قبلي بأيام. وبقدومه إليه استبشر على ما سمعت الخاص والعام. وظني أنه سيكون له في الرياسة شأن. ولا بدع فقلما رأيت مثله في رؤساء هذا الزمان.

) ومنهم طاهر النسب. تقي الدين أفندي مفتي حلب (وهو محبوك الطرفين. مشهور الجدين. فجده من جهة أبيه عبد الرحمن أفندي الأوحدي. الفاضل المشهور حسن أفندي. وجده من جهة أمه المنكر على حضرة مولانا الشيخ النقشبندي. شيخ صفعة المرعشي محمود أفندي. وهذا لولا الإنكار. لعد ممن لم تسمح بمثله الإعصار. فوا أسفاً على فضله. كيف أنكر على من لم ينكر منصف على مثله.) وقد اجتمعت (غير مرة بهذا المفتي السامي بنسبه إلى المجرة فلم أجد فيه ما يحمد إلا أنه ذو نسب. وكان الحري في رأيي أن يكون الحاج يوسف بك بدله مفتي حلب. ) ومنهم الشيخ عبد الفتاح أفندي. أحد خلفاء حضرة مولانا الشيخ خالد المجددي (. وهو من مشاهير مشايخ العصر. ومنشؤه من قرية في نواحي كردستان تسمى بالعقر. وكان في مبدأ أمره خادماً لحضرة ملحق الأصاغر بالأكابر الشيخ يحيى العمادي. وكان صادقاً جداً في خدمته لا يفارقه أصلاً في كل نادي. وقرأ عليه طرفاً من فقه الشافعية. مما يتعلق بالعبادة البدنية والوظائف المالية. ثم قرت بالانتساب إلى الطريقة النقشبندية منه العين. وطار إلى عرش الخلافة بين مريديها بهمة حضرة مولانا ذي الجناحين. ولم اختلى في خلوات القبور معظم الخلفاء العظام. انتهت إليه رياسة الطريقة وصار المشار إليه بين الخاص والعام. وإذا اختفى النيران. ظهرت صغار النجوم للعيان. فأتته الدنيا منقادة. بسلاسل ما أظهر من العبادة. فامتلأ صندوق من ذهبه. لكن سلط الله تعالى عليه من ذهب به. ولما رأى صندوقه فارغاً كفؤاد أم موسى. دخل القسطنطينية فعاد يهدي لصندوقه ما يهدي إليه كيساً فكيساً. حتى عاد لأولى حالتيه. وحلاه بأولى حليتيه. وليس ذلك معاذ الله تعالى عن شغف بالدنيا الدنية. كما يزعمه بعض إخوانه في الطريقة العلية النقشبندية. وإنما علم بالكشف أو نحوه قرب قيام القائم. وأنه ربما يحتاج لذلك أول أمره قبل أن تكثر الغنائم. فألح عليه قوي ديانته. أن يدخر ذلك لإعانته. فادخره إلى تلك الأوقات. وكف عنه أكف الأقوات. وإنما الأعمال كما صح بالنيات. وهو مع ذلك حسبما أظن يزكيه. كما يزكي نفوس مريديه. فلا تظن أيها السامع. أنه كالحد التام جامع مانع..) وبالجملة (هو رجل حمول. عنده من الصبر على القدح فيه حمول. وأنه شيخ عاقل. وعن مصالحه غير غافل. يحب دار السلطنة. ولأمرٍ ما يقيم فيها السنة بعد السنة. وكم جاءها وهو ماشي. وعليه من مزيد التعب غواشي. وهي وإن لم يكن فيها تكيته. لكنها فيها زبيته. وقد تبوأ اليوم إذ جاءها لبعض مصالحه الدنيوية. تكية صفوتي باشا التي بناها للشيخ يوسف أفندي أحد الخلفاء النقشبندية. وهو بصدد أن تقصر عليه. حيث توفي الشيخ المشار إليه. ولم يترك إلا ولداً يعد ابن لبون بين الناس. فما يصنع مع شيخنا وهو والحمد لله تعالى بأزل قنعاس: وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس وقد رأيته ذا اعتبار. عند كثير من الكبار. وهو يداري الصغير والكبير. ويعامل حسبما ينبغي الوزير والمشير. وأكثر اعتنائه بالكتبة. إذ بدهم أقلامهم يدرك إربه. ولله تعالى دره من لقف. يعرف من أين تؤكل الكتف. وكثيراً ما ترددت إليه وتررد إلي. وذلك لحقوق إخاء لي عليه وحقوق كذلك له علي. وقد بدأني بمكرمة أعظمت في قلبي هممه. قبل أن أشاهد جسمه أو أعرف اسمه. فأنا مقر بأياديه. ولولا أني اعتدت قول الحق لسكت عما فيه. على أنه ما هتكت بذاك ستره. إذ يعرف منه ما ذكرته من جالسه ولو مرة. وتعذلني إفتاء سعد عليهم ... وما قلت إلا بالذي علمت سعد

وإنما ذكرت ما ذكرت. وحررت ما حررت. ليعرف من لم يعرف إلام انتهت في هذه الأرجاء الطريقة النقشبندية. وكيف اعتاض اليوم السالكون فيها بالسهي عن الشمس المضيئة. فيعلم أن الزمان قد وهنت قواه. وأنه قد انحنى إلى أن كاد يلتقي طرفاه. وقد رأيت أكثر العاكفين عليه هناك أكراداً. ينتظرون موت أرباب الوظائف ممن كانوا في بغداد. لينتهبوا وظائفهم بأيدي همته. ورجائه من الوزراء والكتبة المترددين إلى تكيته. وعلى العلات. هو أحسن من أكثر أهل التكيات. فإنه مستقيم على أداء رسوم العبادة آناء الليل وأطراف النهار. ولعمري لولا فناؤه بح الدرهم لأضحى وهو ابن دينار. ولقد دفع بصدره هذا الفناء وصده عن الانتظام في سلك أرباب البقاء. كان الله تعالى لنا وله. وأصلح لكل منا عمله. ) ومنهم النازل من قلبي منزلة ولدي. ولي أفندي بن عمر أفندي بن ولي أفندي (. وهو شاب في طاعة الله نشأ. وعلى ما يرضيه عز وجل درج ومشى. وهو من بيت بيننا وبينهم حقوق قديمة. ومودة أكيدة عظيمة وإذا استخبرت عنها الأنباء. علمت أن قد ورثتها الآباء والأبناء. وقد قرأت على والده وأنا في سن عشر علم الاشتقاق. وكان إذ ذاك أحد الطلبة المشهورين في العراق. وقد رأيت هذا الولد في إسلامبول. يدعي كثيراً رؤية الرسول. صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. ويروى عنه عليه الصلوة والسلام أخباراً بحوادث كونية. وذلك مع نسكه من أقوى الأسباب لاحترامه بين أكثر أهل القسطنطينية. وله دعاوٍ أخر في الرؤيا. أظن أنها ستبلغه هناك الرتبة العليا. وكان جده كاتب الديوان عند سليمان باشا الصغير. وكان ذا عقل على ما سمعت من المرحوم والدي كبير. وقد أدى هذا الولد المومى إليه. جزاه الله تعالى خيراً حق مشيختي عليه. فأنه قرأ علي في بغداد المحمية. طرفاً من شرح الجلال السيوطي للألفية. وهو طاهر الذيل. مجاهد لكافر الليل. لم يكسب أهل العراق عاراً. ولم يجلب عليهم كبعض الناس شناراً. فليفخر به أهل بلدته وناديه. وليفدوا شسع نعله بلحية شاليه. ) ومنهم (آخرون من هذا القبيل. أخشى من ذكرهم زيادة التطويل.) واجتمعت بآخرين (. ولا أقول من هم. مخافة أن يتمعر وجه القرطاس أو تصيبه معرة منهم. مساويهم كواو عمرو ترى واللفظ عنها قصير. ومعاليهم كنون زيد تقال في اللفظ لكن لا يراها بصير. فلنطو كشحاً عن ذكرهم إلى أن تذهب القدرة الإلهية بالحرج. وتأتي سحائب الرحمة اللدنية بوابل الفرج. وإن ممن اجتمعت به من لو غير اسمه إلى اسم غير شريف. وسمي باسم لائق بلحيته التي هي أنجس من ممسحة الأستاه في كنيف. للامني على ذكره الناس. ولنجس ذكره القلم والمداد والقرطاس. على أن كل ما أذكر من قبح فعله وخيمه. فهو عشر العشر مما يعرفه فيه أهل إقليمه. أسأل الله تعالى أن يستر جيفته بطبقات التراب. وأن لا يجعل حفرته حول روضة مؤمن بيوم الحساب. ) وقد آن (أن أذكر ما وقع لي من المراسلات ونحوها في هاتيك البطاح. وقد ذهب مني أكثرها لمزيد عواصف الأكدار المذهلة أدراج الرياح.) فأقول (أني بعد أن قر بي القرار. بلغني عن بغداد ما يوجب الأكدار. من أمور أرضية وسماوية. وداخلية وخارجية. جعلت لفرط البلبال. تقول بلسان الحال: ولو أني استزدتك فوق ما بي ... من البلوى لأعوزك المزيد فتسرد من حبائل أهدابي واقع السهاد. وطار من قفص صدري طائر الفؤاد. فكتبت لصبيتي. مما فيه شرح صبوتي. أبياتاً أكثرها من شعر جدي. وقليل منها من عندي. وذلك لقلة تدربي بالنظم. وأنه لا يعد سارقاً من يأكل من طعام الأب والجد والعم. هي وهذه: أبيت ولي وجد حرارته تعلو ... ودمع له في عارضي عارض هطل وأطوي على جمرٍ وأغضي على قذى ... وأشغل أعضائي وقلبي له شغل إذا الليل وافي ضقت ذرعاً إلى الحمى ... وفاضت شؤون ليس يعقلها عقل حداني إلى الزوراء شوق مبرح ... فليس الذي حدثت عن حالها سهل إذا ما نبت دار السلام بأهلها ... فلا جبل يأوي الكرام ولا سهل وإن قلص الظل الذي في جنابها ... فأين من الرمضاء في غيرها ظل وإن نضب الماء النمير بأرضها ... فأي شرابٍ في سواها لنا يحلو ديار بها نيطت على تمائمي ... قديماً ولي فيها نما الفرع والأصل

بها سكني في ربعها الخصب ناقتي ... بها جملي يرغو بها قيمتي تغلو ألا ليت شعري هل أراني بربعها ... مقيماً وبالأحباب يجتمع الشمل وهل روضها يخضر بعد ذبوله ... ويهمي على أوراقه الوبل والطل وهل أنا في يوم العروبة قاصد ... لحضرة باز شأنه الفصل والوصل وهل كل يوم ماسك كف والدي ... أبو المصطفى ذو همة أبداً تعلو وهل أدباء الجانبين يضمهم ... وإياي طاق نقله الأدب الجزل وذلك طاق التهم لا أزال باقياً ... له العقد في أرجائه وله الحل وهل تريني ذاهباً بعد مغرب ... لتكية شيخ العصر من جوره عدل ففيها صدور لازموه لعجزهم ... وما ظعنوا بالسير عنه وقد كلوا سلام على تلك الديار وأهلها ... فهم في فؤادي دائماً أينما حلوا فوالله لا أسلو هواها وماءها ... إذا كان قلبي عندها فمتى أسلو أحبتنا هل من وصول إليكم ... فقد تعبت بيني وبينكم الرسل الأهمة تزجي ركائب عزمتي ... إليكم إذا شئتم بها اتصل الحبل وأني بناديكم على سوء فعلكم ... أرى أبداً عندي مرارته تحلو وأسأل ربي بالنبي وآله ... يسهل عودي نحوكم وله الفضل فورداً لي. وأنهل من سحائب الرحمة علي. أبيات من حضرة عين العراق. ومن وقع على غيرته وشهامته من كل راء له الاتفاق. وليس ذاك بمستنكر فهو المشهور بكامل الأوصاف. في جميع البسيطة من القاف إلى القاف. سيدي الذي جعل الله فعل الجميل غذاءه وزاده. أبو محمد والدي عبد الغني أفندي جميل زاده. ذكر فيها ما زاد همي. واعتصر من ألفي ما شربته من حليب أمي. وهي هذه: لهفي على بغداد من بلدة ... قد عشعش العز بها ثم طار كانت عروساً مثل شمس الضحى ... لمستعير حليها لا يعار كان بها للنفس ما تشتهي ... كجنة الخلد ودار القرار كانت لآساد الوغى منزلاً ... والخائف الجاني بها يستجار كان يميطون الأذى أهلها ... عن كل آتٍ حيها مستطار واليوم لا مأوى لذي فاقة ... فيها ولا في أهلها مستجار واليوم قد حل بها من ترى ... فانفر وإلا بيديك الخيار لم يرقبوا إلاً ولا ذمة ... فينا ولا عذراً لذي اعتذار حل بها قوم وهم في عمىً ... ما ميزوا أشرارها والخيار وأصبح القرد بها مقتدى ... يلعب بالألباب لعب القمار والليث قد غاب وفي غابة ... قطباً إذا الثور عليه المدار وللخنا لما غدت مريضاً ... قد سجد الليث بها للحمار بارت بها أسنى تجاراتها ... وهكذا عادة دار البوار وأهلها لا عيب فيهم سوى ... أنهم يرعون حق الذمار قد نعق البوم على جدرها ... يصيح بالناس البدار البدار والكرخ قد أقفر من أهله ... من بعد ما كانوا كورد البهار ما سمت زوراء إلا لما ... فيها عن الرشد من الازورار قد حط فيها كل طود علا ... وما علا إلا خفيف العيار وكل من كان بها واثباً ... إلى العلى عادت خطاه قصار قد خلع الناس عذار الحيا ... فخار فيها الوغد والحرحار والكل فيها قادح زنده ... وأول الإحراق يبدو الشرار لا يشتفي غيظ أخي نخوة ... إلا إذا جرد بيض الشفار قد طال هجوي وعتابي لها ... والآن قد ملت إلى الاختصار أيا شهاب الدين يا سيدي ... قد هجم النذل علينا وغار بغدادكم أحني عليها الذي ... من أسره لا يستطاع الفرار قد بليت بالغمرات التي ... قد علمت مثلك خوض الغمار يا نازحاً عنا وما قد درى ... من بعده ما قد جرى في الديار برمة من مسدٍ رثةٍ ... بالذل قد قاد الصغار الكبار لو أن لي ماسكة من قوى ... أتيتكم حبواً إلى أسكدار وفزت في لثم أيادٍ لنا ... في لثمها السؤدد والافتخار ونلت من راحتها نهلة ... أطفي بها ما سامني من أوار علامة الدنيا وفهامة ال ... فتوى ومن به الدين القويم استجار مشيخة الإسلام كانت له ... نعم الدثار يا له من دثار وقد غدا الدين الحنيفي في ... أنظاره عالي الذرى والمنار

ومنتقى الدر ومختاره ... من لفظه له علينا نثار وملتقى الأبحر في كفه ... يغني عن السحب النقال الغزار بحر علوم رائق صفوه ... صدراً تراه مجمعاً للبحار في حلبة الفضل إذا ما عدا ... هيهات أن ينشق منه الغبار وإن جرى في طرسه أجرد ... علم أهل الفضل كيف المغار إن جال طرف الطرف في مبحث ... تمتلئ الآفاق نقعاً مثار وفي سوى منزله ما ترى ... لذي كمال أبداً من قرار ذو شيم شم إذا جسمت ... كانت لوجه الدهر أبهى عذار لا يعرف الفضل سوى أهله ... وهل سواه من يقيل العثار دام على مخلصه مسبلاً ... من عفوه الشامل ذيل الإزار ما صدحت ورق على بانة ... وغرد القمري وغنى الهزار وجاءني. من حضرة مبتكر المعاني. من أيام منادمته ربيع عمري. عبد الباقي أفندي الموصلي العمري. ولله تعالى منه سمسار ابتكار ملأ بيواقيت المعاني مصانع حوانيت الألفاظ. فروج قس براعته على أورق ورق دقائقه مجامع سوق عكاظ. شقة أذهبت عني المشقة. وملكت رقبة فؤادي وره. وهي) أعرض لحضرة المولى الشهاب. المستغني عن فقراتي وبقراءتي في سرحها بهذه الرحاب. جمع الله تعالى به شمل الكل. وأعاد بعوده روح النبل. آمين (أنه مع ما نحن فيه من التلهف. ومزيد الأسى والتأسف. قد زادنا ولوعاً. ومنعنا هجوعاً. عدم اطلاعنا على ما أنتم فيه من الحال. وعدم ذوق القوة الشامة ثمرة ما عناكم من الحل والارتحال. نعم نسمع من الأفواه ما نقر به عينا تارة. وتلوح عليه من بلوغ الأمل إمارة. نرجوه تعالى لكم تحقيق ذلك. وبلوغكم من الأمنية فوق ما هنالك. ولو اطلعت على ما تأسس لك بهذه المدة في قلوب الخاصة والعامة. من المحبة المتزايدة والمودة الكاملة التامة. لتحققت من أهل العراق. وقاطبة ذوي الخلاف والوفاق. ببلوغ الأمل. ولقنعت من الغنيمة بعد الكد بالقفل. والأسى من الجميع. العالي والوضيع. كل ساعة عليك في زيادة. واعترف الكل بفضلك ولمزيد الثناء عليك يا أبا الثنا ثني الوسادة. لا زلت مركزاً للسيادة. وقطباً للسعادة. إلى آخر ما قال. حفظه الملك المتعال. وكتب في صدر هذا الكتاب بيتين. يلوحان في سماء الفصاحة كفرقدين: أبو الثناء شهاب الدين مدحته ... فرض ومدح سواه غير مندوب فيا له من شهاب ثاقب وأنا ... أنظم الدر فيه غير مثقوب وأرسل مع ذلك تخاميس لأبياتي السابقة. والعجب من الإقدام على تخميسها مع أنها ليست بفائقة. وقد كتب في صدرها. لشرح مبهم أمرها. لعمر العمري لقد أبدع الأديب السيد عبد الغفار. نابغة الإعصار في جميع الديار. في هذا التخميس. الواقع على هذا الأصل النفيس. ولقد أنشدته يوم طلوع البوستة في منزلي المعمور بالوحشة. المغمور بالدهشة. المقفر من الأنس. الخالي من الإنس. والمجلس غاص. بمن تعلم من بقية الخواص. وهم حضرة عبد الغني أفندي. ونقيب أفندي. وشعبان بك أفندي. وواعظ أفندي. وعبد اللطيف أغا فأجهش الكل بالبكاء. وتنفس الصعداء. وسالت بالأعين الدموع. ولم يكن يكفكفها إلا مناديل الولوع. والتخميس هو هذا: عليكم دموع العين لا زال تنهل ... ووجدي بكم وجد المفارق لا يسلو وهاأنا من فقدانكم ما دجى الليل ... ) أبيت ولي وجد حرارته تعلو ( ) ودمع له في عارضي عارض هطل ( شغلت بهذا الوجد قلباً مجذذاً ... ولم أر لي من شاغل الدمع منقذا إلام أعاني ما أعانيه من أذى ... ) وأطوي على جمر وأغضي عن قذى ( ) وأشغل أعضائي وقلبي له شغل ( أقضي نهاري في عسى ولربما ... وأبكي عليكم كل آونة دما وأني وعيشٍ فيكم قد تصرما ... ) إذا الليل وافى ضقت ذرعاً إلى الحمى ( ) وفاضت شؤون ليس يعقلها العقل ( شجاني حديث بالبوار مصرح ... وأوضح لي حال الرصافة موضح فمن ثم أن يفصح وللشوق مفصح ... ) حداني إلى الزوراء شوق مبرح ( ) فليس الذي حدثت عن حالها سهل ( وقالوا نبت لكن بأرباب فضلها ... وجادت على أشرافها بعد عدلها وقلت فلا مأوى إلى غير ظلها ... ) إذا ما نبت دار السلام بأهلها ( ) فلا جبل يأوي الكرام ولا سهل ( على ما أصيبت من عظيم مصابها ... وما أذنت أحداثها بخرابها

فلا ظل إلا في فسيح رحابها ... ) وإن قلص الظل الذي في جنابها ( ) فأين من الرمضاء في غيرها ظل ( أيعرف خفض العيش إلا بخفضها ... وفيض النمير العذب إلا بفيضها لئن أجدبت يوماً فهل مثل روضها ... ) وإن نضب الماء النمير بأرضها ( ) فأي شراب في سواها لنا يحلو ( رعى الله ماضي عهدي المتقادم ... ببغداد في رغد من العيش ناعم وفي الكرخ جاد الكرخ صوب الغمائم ... ) ديار بها نيطت على تمائمي ( ) قديماً ولي فيها نما الفرع والأصل ( يكلفني عنها النوى فوق طاقتي ... فسكري بتذكاري لها وإفاقتي منازل أحبابي ومنشأ علاقتي ... ) بها سكني في ربعها الخصب ناقتي ( ) بها جملي يرغو بها قيمتي تغلو ( تذكرت أحباباً لأيام جمعها ... ولم يصدح البين المشت بصدعها فآهاً على وصلي لها بعد قطعها ... ) ألا ليت شعري هل أراني بربعها ( ) مقيماً وبالأحباب يجتمع الشمل ( عفا ربعها من رسمه وطلوله ... وأضحى هشيماً روضها بمحو له فيأهل يرويها الحيا بهموله ... ) وهل روضها يخضر بعد ذبوله ( ) ويهمي على أوراقه الويل والطل ( لقد شاقني منها كرام أماجد ... مشاهدهم للعالمين مقاصد فهل أنا في تلك المقاعد قاعد ... ) وهل أنا في يوم العروبة قاصد ( ) لحضرة باز شأنه الفصل والوصل ( وهل أنا يوماً ظافر بمقاصدي ... فمكرم أحبابي ومكبت حاسدي وأجري مع الأخوان مجرى عوائدي ... ) وهل كل يوم ماسك كف والدي ( ) أبو المصطفى ذو همة أبداً تعلو ( وهل علماء طبق الأرض علمهم ... وحير أفهام البرية فهمهم تقر بهم عيني وينجاب غمهم ... ) وهل أدباء الجانبين يضمهم ( ) وإياي طاق نقله الأدب الجزل ( فأغدو ولا كان التفرق لاقياً ... وجوهاً عليها قد بللت المآقيا بطاق رقي فيمن حواه المراقيا ... ) وذلك طاق الشهم لا زال باقيا ( ) له العقد في أرجائه وله الحبل ( وهل تريني مصبحاً كل منجب ... وخواض أغمار الخطوب مجرب وكل فتى عذب الكلام مهدب ... ) وهل تريني ذاهباً بعد مغرب ( ) لتكية شيخ العصر من جوره عدل ( بناها لا شياخ قرارة عزهم ... وصدرهم فيها ولاذ بحرزهم وإن كان لم يفهم إشارة رمزهم ... ) ففيها صدور لازموه لعجزهم ( ) وما ظعنوا بالسير عنه وقد كلوا ( بلونا سواها بعد إصرام حبلها ... فكان من البلوى تعذر مثلها ديار عرفنا بعدها كنه فضلها ... ) سلام على تلك الديار وأهلها ( ) فهم في فؤادي دائماً أينما حلوا ( يروق لعيني أن تكون جلاءها ... وتشتاق نفسي أرضها وسماءها ومن أين أسلو ماءها وهواءها ... ) فوالله لا أسلو هواها وماءها ( ) إذا كان قلبي عندها فمتى أسلو ( أحبتنا مني السلام عليكم ... إذا نشرت صحف الغرام لديكم أحبتنا والدهر نسيء عنكم ... ) أحبتنا هل من وصول إليكم ( ) فقد تعبت بيني وبينكم الرسل ( تنائيت عنكم والهوى فيكم معي ... كأن لم أكن منكم بمرأىً ومسمع وقد طال بعدي عن دياري وأربعي ... ) الأهمة تزجي ووصل مرجعي ( ) لديكم إذا شئتم بها اتصل الحبل ( أحبتنا أصبو إلى حسن قولكم ... وإن ذقت فيه المر من حلو عذلكم أحن لمغناكم وسامي محلكم ... ) وأني بناديكم على سوء فعلكم ( ) أرى أبداً عندي مرارته تحلو ( سألت إلهاً لم أخب بسؤاله ... بلوغ المنى من فضله ونواله وأدعو دعاء العبد عند ابتهاله ... ) وأسأل ربي بالنبي وآله ( ) يسهل عودي نحوكم وله الفضل (

) وكتب إلي أيضاً الشهم الأوحدي. حضرة مولانا عبد الغني أفندي (. كتاباً يطلب به أن أستفتي شيخ الإسلام. عن مسألة وقعت في مدينة السلام. ويستفسر به عن حالي. وما جنيته أو جناه على حلي وارتحالي. وأشار لي فيه إلى أن شيع الأكراد. يشيعون في أخباراً ترن منها حصاة الفؤاد. وهي أخبار توحيها إليهم مردة الشيخ عبد الفتاح. فترمى بها من غير خبرة عن قسي التزوير إلى الزوراء وسائر البطاح. ومعه قصيدة يشكو بها حاله. ويصف عافاه الله تعالى بلباله. وأرسلها مع تخاميس لها جاد بها السيد عبد الغفار. الذي أخرس ببلاغته شعراء جميع الأمصار. والمكتوب لا أدري أين ذهب. وأما القصيدة بتخميسها فهي هذه وحري أن تكتب بماء الذهب: أقلب طرفي لا أرى غير منظر ... متى تختبره كان الأم مخبر فلم أدر والأيام ذات تغير ... ) أيذهب عمري هكذا بين معشر ( ) مجالسهم عاف الكريم حلولها ( أسفت على من ليس يرجى لعودة ... وكان يرى عوناً على كل شدة قضى الله أن يقضي بأقرب مدة ... ) وأبقى وحيداً لا أرى ذا مودة ( ) من الناس لا حاش الزمان ملولها ( إذا الحر في بغداد أصبح مبتلى ... وعاش عزيز القوم فيها مذللاً فلا عجب أن رمت عنها تحولاً ... ) وكيف أرى بغداد للحر منزلاً ( ) إذا كان مفرى الأديم نزيلها ( لقد كنت لم أحفل بأيام عرسها ... ولم يتبدل شهمها بأخسها فكيف بها إن سادها غير جنسها ... ) ويسطو على آسادها ابن عرسها ( ) ويرقى على هام السماك ضئيلها ( عجبت لندب ثابت الجأش مفضل ... يرى بدلاً من أرضه بمبدل ولم يك عن دار الهوان بمعزل ... ) فما منزل فيه الهوان بمنزل ( ) وفي الأرض للندب الحليم بديلها ( سأركبها يا سعد كل معدة ... أجوب عليها شدة بعد شدة وإن مت ألف البيد موتة واحدة ... ) فللموت خير أن أقيم ببلدة ( ) يفوق بها الصيد الكرام ذليلها ( فكم هابط بالخزي بالمال شاخص ... لقيت وبلقاني بطلعة قارص فلاقيت صعب الملتقى غير ناكص ... ) وأصعب ما ألقى رياسة ناقص ) مساوية إن عدت كثير قليلها ( أنبه طرف الحظ والحظ راقد ... وأنهض للعلياء والجد قاعد وأني أسود اليوم والدهر فاسد ... ) وما ساد في أرض العراقين ماجد ( ) من الناس إلا فدمها ورذيلها ( وكم مهمة قفر طويت مشافها ... بها كل هول لم يزل متشابهاً وواجهني من لم يكن لي مواجهاً ... ) عفى الله عني كم أجوب مهامها ( ) من الأرض يستف التراب ذليلها ( طويت فيافيها ذهاباً وجيئة ... أكان ابتلاء طيها أم بلية كمن يبتغيها منية أو منية ... ) لعلي ألاقي عصبة عبشمية ( ) فروع مناجيب كرام أصولها ( إذا نطقوا بالقول فالقول مغلق ... وإن حاولوا مجداً فعزم محلق لهم أرج لم يكتتم وهو معبق ... ) يئم بهم رفيع ومنطق ( ) وينبي عن الخيل العتاق صهيلها ( لقد طال ما قد بت أطوي وانطوى ... على مضض أمست على الضيم تحتوي فيا سعد قل لي إن أصخت فارعوي ... ) متى يلئم اللبان رمحي وترتوي ( ) سيوف بأعناق اللئام صليلها ( أحن إلى يوم عبوس عصبصب ... يبل غليلي منجب وابن منجب فيا ليت شعري هل أراني بموكب ... ) وحولي رجال من معد ويعرب ( ) مصاليت للحرب العوان قبولها ( شفا النفس مني يا أميمة حشرجت ... أو الساعة الخشنا إلى الأمر أحوجت فهم مثل آساد الشرى حين هيجت ... ) إذا أوقدوا للحرب ناراً تأججت ( ) مجامرها والبيض تدمي نصولها ( كهول وشبان كماة بأيهم ... ظفرنا وجدنا كهلهم كفتيهم حماة بماضيهم وفي سمهريهم ... ) وبالسمر تحمي البيض شبان حيهم ( ) وبالبيض تحمي السمر قسراً كهولهم ( من القوم ما زالت تطبق سحبهم ... وفي عدم الجدوى تفارط صوبهم كرام بيوم الجدب يعرف خصبهم ... ) يهشون للعافي إذا ضاق رحبهم ( ) وجوه كأسياف يضيء صقيلها ( نماهم أب عالي الجناب سميدع ... وعن أصل زاكي البصرين فزعوا فإن يدعوا العلياء كانوا كما ادعوا ... ) إلى خندف ينمي علاهم إذا دعوا (

) ومن خير أقيال إذا عد قيلها ( فمن لي بأبيات يروقك وصفها ... يهان معاديها ويكرم ضيفها بحيث العلى والعز بما يحفها ... ) والعز إلا في بيوت تلفها ( ) عذارى وأبكار المطي حمولها ( وعصبة غي لم أجدها تطأطأت ... لرشد وإن تدعى إلى الرشد أبطأت لها الويل قد أخطت ضلالاً وأخطلت ... ) إلى الله أشكو عصبة قد واطأت ( ) على دخن بغياً فضلت عقولها ( إلام المعالي يملك الرذل رقها ... ويمنعها في ظله مستحقها ألا عودة للمجد يعرف صدقها ... ) ألا غيرة تقضي المنازل حقها ( ) ويوقظ وسنان التراب خيولها ( لها السبق في ميدان كل مخاطر ... بكل نزاري على الموت صابر عوادي إلى أقصى علي ومفاخر ... ) عليها رجال من نزار وعامر ( ) مطاعين في الهيجا كريم قتيلها ( إذا نحن لم نحمد بحالٍ ذهابنا ... إلى شرحبيل شرهم قد أنابنا فلم لا نعاني حزننا واكتئابنا ... ) كفى حزناً إنا نعاني ركابنا ( ) إلى معشر من جيل يافث جيلها ( لقد خاب مسعاهم إليها وبئس ما ... تقحمت الأمر الخطير تقحما تروح رواء ترتمي أي مرتمى ... ) فترجع ضلعاً شفها الظمى ( ) فيا ليتها ضلت وساء سبيلها ( لئن كان أصحبي كا أروع يجتري ... على كل ليث في الحروب غضنفر رجعت عن رذل الصفات مصغر ... ) فلا أنوي للأنذال جيدي ومعشري ( ) بها ليل مستن المنايا نزولها ( يؤرقني في ذكرهم حين يعرض ... نسيم الصبا يسري أو البرق يومض أحبة قلبي حيث صدوا أو أعرضوا ... ) ويوحش من بالرصافة قوضوا ( ) ولي عبرات في الديار أجيلها ( أرى جاهلاً قد نال في جهله المنى ... كذا عالماً عانى على علمه العنا وذلك من جور الزمان وما جنى ... ) ومن نكد الأيام أن يحرم الغنا ( ) كريم ويحظى بالثراء بخيلها ( أراني وأسياقي لألف وصاحب ... إلى جانبٍ أصبو وتصبو لجانب فما بالنا لم نتفق في المذاهب ... ) تحن إلى أرض العراق ركائبي ( ) وصحبي بأرض الشام طال مقيلها ( فهل تسمح الأيام لي برجوعها ... فأحظى بأحباب كرام جميعها لقد عاقني عنها نوىً بنزوعها ... ) وأخرني عن جلقٍ وربوعها ( ) علائق قد أعيى البخاتي حمولها ( لقد عادت الأيام تزهو بوصلها ... وإشراق محياها وأبيض فعلها تذكرتها والعين غرقى بوبلها ... ) وعاودني ذكرى دمشق وأهلها ( ) بكاء حماماتٍ شجاني هديلها ( شجتني وما قلب الشجي كقلبها ... ولم تحك من عيني منهل صوبها فما برحت من شجوها أو لحبها ... ) تردد ألحاناً كأن الذي بها ( ) من الوجد ما بي والدموع إذ يلها ( منازل أشواقي ومنشأ علاقتي ... وسكر صباباتي بها وإفاقتي حلفت يميناً صادقاً جهد طاقتي ... ) لئن باعتني رمل يبرن ناقتي ( ) عليّ حرام ظهرها ومشيلها ( ولم أنس لا أنسيت في كل ضامر ... وقوفي على ربع لظمياء دائر بحسرة ملهوف وصفقة خاسر ... ) وكم لي على جيرون وقفة حائر ( ) له عبرات أغرقته سيولها ( ألم تنظر الأرزاء كيف تعددت ... وساعدت النحس الشقي وأسعدت قعدنا وقامت أرذلونا فسودت ... ) وكم باسقات في الرصافة أقعدت ( ) على عجزها حيث استطال فسيلها ( بلاد سعت جهالها في خرابها ... فليس شراب يرتجى من سرابها ولا لكريم منزل في قرابها ... ) فيمر عبر بلاد صوحت لا ترى بها ( ) مقيل كريم للعثار مقيلها ( وليس عليها لو نظرت معول ... ولا عندها للآملين مؤمل فيا لك دار قد نبت بي ومنزل ... ) بها الجود مذموم بها الحر مهمل ( ) بها الشح محمود فهل لي بديلها ( ورب أخ للمجد وهو موالف ... له في ربوع اللائمين مواقف أقول له والقول كالسم ذاعف ... ) ألا يا شقيق النفس عندي صحائف ( ) لقوم لئام هل لديك قبولها ( صحائف ذي غيظ على الدهر واجد ... عليها طوى قسراً جوانح حاقد وأني بما يبدي لساني وساعدي ... ) سأنشرها والهند وأني شاهدي ( ) وأذكرها والسمهري وكيلها (

فمن مبلغ عني كلاماً ملخصاً ... أهان به عرض اللئام وأرخصا لئاماً يعيش الحر فيهم منغصاً ... ) وكم كلمات فيهم تصدع الحصى ( ) إذا حكم العضب اليماني أقولها ( يرى المجد مجداً من أغار وأنجدا ... ولم يبق في جوب الفدافد فدفدا إلي شكته البيد راح أو اغتدا ... ) ومن رام مجداً دونه جرع الردا ( ) شكته الفيافي وعرها وسهولها ( رجال المعالي بالعوالي منالها ... مناها إذا ما حان يوماً نزالها هي المجد أو ما يعجب المجد حالها ... ) وما المجد إلا دولة ورجالها ( ) أسود الوغى والسمهرية غيلها ( لقد نالها دنياً دنى تجبرا ... فتاه على أشرافها وتكبرا وكان أذل العالمين وأحقرا ... ) لما الله دنياً بالها أحقر الورى ( ) وتاه على القوم الكرام سفيلها ( إذا لم يكن ظل خلي من الأذى ... تلذذت في لفح الهجير تلذذا وبدلت هذا بعد أن عفته بذا ... ) رعى الله نفسي لم ترد مورد القذى ( ) وتصدى وفي ظل الهجير ظليلها ( لعل خطوباً قد أساءت تسرني ... عواقبها حتى أراها بأعيني وأني على وهني لما قد أمضني ... ) سأحمل أعباء الخطوب وأنني ( ) لأنتظر العقبى وربي كفيلها ( وفي جانب من الكتاب. أبيات من مبتكرات فخر بني الآداب. الفاضل السري. عبد الباقي أفندي العمري. من ذلك قوله. وقد عز مثله: قلم القضا بمداد محبرة الدجا ... كم خط من أمر بصحف نهار وجرى فأجرى ما تعذر حكمه ... في أمر باريه من الأقدار فكتبت لحضرته الجواب. مع أني إذ ذاك في غاية الاكتئاب) ونصه (: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل شهاب العلم ساطعاً في كل مدار. وصير بالثناء عليه سبحانه محمود الحال في كل برجٍ جله ودار. والصلوة والسلام على حبيبه الذي عمت أنوار هجرته ما بين الخافقين. وتوفرت سهام عطيته ذا سفر من كنانة إقامته إلى سفر قاب قوسين. وعلى آله وأصحابه الذين هجروا الأوطان لوصال الأوطار. وطار صيت فضلهم حتى خفقت لطيب نسائم أجنحته الخفاقة رؤوس سكنة الأقطار.) وبعد (فقد أخرجتني من مشيمة الغم. قوابل سطور كتاب حضرة مولى لطفه فوق ما يتصوره الحال والعم. لا يدرك الواصف المطري خصائصه ... وإن يك سابقاً في كل ما وصفا الصارم الهندي. عبد الغني أفندي. أدامه الله تعالى للعراق عيناً. وأزال سبحانه بنسائم همته عن قلوب أحبته غيناً. وقد ذكر لي في خلاله المصون عن الخلل. والمبرأ عن وصمة الخطأ والخطل. طلب فتوى من حضرة مولاي شيخ الإسلام. في مسألة وقعت في مدينة السلام. فيا مولاي وحق من أفتانا في الكلالة. ووقانا عن مهاوي الضلالة. أني يوم تشرفت بكتابكم ذهبت إلى دار الفتوى من غير كلال. وعرضت المادة بطولها لدى محل العرض من غير إخلال. فاستقر الكلام بعد أن صار على أن أرعوي الوقف بالخصوص في مثل ذلك تسمع. وأن سكوت الجدة بل قولها لا حق لي في ذلك العقار لا يضر في دعوى ابن بنتها المشركة في الوقف ولا ينفع. وذلك مثل قول أحد الأبناء الموقوف عليهم لا حق لي في الوقف. فإنه لا يمنع صحة دعوى الآخرين فيه وكذا لو بلغ عدد القائل إلى الألف. ولا فرق في ذلك بين آخر الطبقات وأولها. لاشتراك العلة الصحيحة بين الطبقات كلها. فلم يسعني إلا السكوت والتسليم. لا سيما ودفع هذا المدعي ممكن بغير ما ذكر مما لا يخفى على فكركم السليم. فالمرجو من حضرتكم العذر في عدم إرسال الفتوى. فإني ما قصرت في سلوك طرق تحصيلها وعالم السر والنجوى. وكيف يتصور مني مع فضلك الطويل العريض تقصير. وما كلفتني سوى أمر هو على كل ذي لسان وأياديك الثقال يسير. وأهون ما يعطي الصديق صديقه ... من الهين الموجود أن يتكلما

ثم أنكم ذكرتم تهوشكم مما يزوره على الأكراد. ويزودون من يذيعه بين أهل بغداد. وطلبتم شرح الحال. ليسكن ما عرض لكم من مزيد الزلزال. يا مولاي قسماً. برافع السماء. وباسط الأرض على الماء. أني منذ أصبحت طالعاً من بروج الزوراء. ومميطاً علائقي منها وممتطياً غارب الوجناء. لم أر ممن رآني سوى أنواع الاحترام. ولم يسؤني من وجوه البلاد ورؤوس العباد. إلا كثرة تقبيل الأكف والأقدام. وما جئت بلداً إلا اشتد عدو علمائها إلي. فأحاطوا بي ولا عدو يعد الحسنة سيئة علي. فكم مرتوٍ مني. وكم وكم راوٍ عني. ولا أكاد أسمع في المدارس والمغاني. سوى قال الآلوسي صاحب روح المعاني. حتى كان يخيل أن لست الذي كان ببغداد. إذ الفرق بين الحالين كالفرق بين ريش الطواويس وشوك القتاد. بل صرت أقول كما يقول الشيخ الأكبر قدس سره بتجدد الجواهر. مع أني في الزمان الماضي لم أكن قائلاً بتجدد الأعراض وإن قال به كثير من الأكابر. ومال ذهني السيال من غير اضطراب. إلى صحة الاستدلال على ذلك بقوله تعالى) وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب (. وزال عنه الالتباس إذ نظر ببصر جديد. فرأى قوة الاستناد هنالك إلى قوله سبحانه وتعالى) بل هم في لبسٍ من خلق جديد (. وكاد يدعني اختلاف الحال ذا الودعات. لولا أن من الله تعالى علي ببركة القرآن المجيد بالثبات. وتمنيت أن لو كنت خرجت في شرخ الشباب. لأنال إذ ذاك شرح الصدر الذي يعجز المتن عن رسم بعضه في حواشي كتاب. إلا أن الأمور مرهونة بأوقاتها. وحبلى الليالي لا تلد إلا بعد استكمال ساعاتها. ولما حللت أزرار ثياب السفر في إسلامبول. وزررت أردية الإقامة فيها إلى أن يتفضل الله تعالى بحصول المأمول. رأيت من بديع التفات حضرات الوكلاء الفخام. ما لم يكن لأحدٍ قبلي من أهل مدينة السلام. لا سيما حضرة الصدر الأعظم. الذي أذعنت بأنه رئيس العقلاء قلوب الأمم. وحضرة مولاي شيخ الإسلام العارف دقائق الحكم. بما نفث في روعه ملك الإلهام. فوالذي على العرش استوى. وعلم السر والنجوى. أني رأيت منهما ما شرح صدري. بل فرق الفرق مما يقتضيه قدري. ) نعم (كان ما كان من شيخ الإسلام أول الأمر. مما هو كغمام صيف لاح في أطراف الأفق ومر. وبيان سبب ذلك يطول. والقلم لا مللت من حبيب ملول. وأما بقية الكبار من رجال الدولة. وصدور قضاة الدين والملة. والعلماء المدرسون. والكرام الكاتبون. فكنت بينهم المذيق المرجب. والغرنيق المحبب. فلا تكاد تمر ليلة إلا وهي حالية بدعوة. زاهرة بجمعية مع أفرادٍ هم وعيشك صفوة الصفوة. مع منادمات أرق من النسيم. ومداعبات ألذ من التسنيم. ولولا حبكم ما ذكرت العراق. ولا التفت بقلبي إليه أو تلتف الساق بالساق. إذ طالما تجرعت فيه كؤوس الغصص. ورجعت النوح ولكن كحمامة في قفص. وهيهات أن يستطيع ذهني السيال أن يجري من أنابيب الأقلام ما جرى. على أنك يا مولاي عارف بتفصيل ما كساني الدهر هناك حتى نبذني من كان يونس قلبي بالعراء. فليبتلع أدهم القلم ريقه الأسود. وليسترح من العدو في تعداد تلك الحوادث السود وليبق أبيض القرطاس على نقائه الذي تعهد. وليسلم خدم من مسيس لهب التأوه مما فعل بي أصحاب الأخدود. ولأرجع إلى إتمام الجواب. عما سلف من الخطاب.

) فأقول (يا مولاي أنت تعلم أني لم أتعب الرواحل إلا لاقتياد الراحة. ولم أطو المنازل إلا لازدياد بسطة راحة. وقد أخرج الله تعالى من جب نفسي الإمارة أو حال حب المناصب. وأترع جل شأنه قليب قلبي بزلال اعتقاد أن الاشتغال بالعلم أعلى المراتب وأغلى المواهب. فليس لي اليوم ميل إلا لتحصيل ما يقومني في الاشتغال بالتأليف والتدريس. والاستغناء بمجالسة المستفيدين على موائد قرى القراءة عن كل جليس. لكني كلما هممت بالتماس لك الأمر. نهاني عنه ذوو النهي وأمروني بمر العبر. قائلين أن العجلة تزري بمثلك. وكلامك في ذلك مع قرب عهدك بالقدوم محض الفضول بالنسبة إلى فضلك. وحاشا أن تغفل الدولة عما يليق بك من الإكرام. وليس التأخير إلا لكثرة المصالح والمهام. وطور إسلامبول. ما وراء طور العقول. فلذلك يا سيدي لم أظهر إلى الآن ما في الضمير. ولم أكلف أحداً في خير أو حقير. وقد أعانني على ترك الإظهار. أنسي بحسن معاملة الكبار والصغار. وقريباً إن شاء الله تعالى الجواد المطلق. يسود بما أنال من العيش الأخضر والذهب الأصفر وجه العدو الأزرق. فليقل الأكراد ما شاءوا. وسيظهر إن شاء الله تعالى قريباً كذب ما أشاعوا. وليكن ذلك عند حضرتكم كطنين ذباب. أو كأطيط سرير أو كصرير باب. ثم أني أعجب منهم. وأستغرب ما يروى عنهم. فطالما أكرمت فقيرهم. وجبرت بمومياء سعيي كسيرهم. وعلمت جاهلهم. وعظمت فاضلهم. ومسحت بأردان الشفقة دموع باكيهم. وأزلت بأكمام الهمة غبار الأذى عن وجه شاكيهم. وأنسيت غريبهم داره. وسترت لذي شنار منهم شناره. وأشركت من قرأ علي من طلبتهم في الأقوات. وبالغت في إكرام نزيلهم عندي في سائر الأوقات. إلى محاسن أعوزها الحد. ومكارم لا تكاد تعد. وأظن ومعاذ الله تعالى أن أفتري عليهم. إن الذي أوجب إساءتهم إلي إحساني إليهم. فمن يفعل الإحسان مع غير أهله ... يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر والكلام كثير. ويغني عنه أنك بحال القوم خبير. وكم لي فيهم عنك رواية. وفي ذلك يا منتهى الإرب كفاية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.) وخمست (ما بقي من بيتي الفاروقي. ولكن بعد أن عظم فرقي. وأرسلت ذلك لخدمته وقلبي يخفق كقرطي مارية لمزيد فرقي. فقلت: قلم القضا بمداد محبرة الدجا ... في أصبعي يد قدرة القهار بمكاتب ملئت لعمري حكمة ... كم خط من أمر بصحف نهار وجرى فأجرى ما تقدر حكمه ... من حادث ما مر بالأفكار فاصخ لما يبدي إليك صريره ... في أمر باريه من الأقدار ) وكتبت (للسيد عبد الغفار. ما فيه شكر أياديه الغزار. وذلك ما تقدم من تخميس نظمي وتسميطه. وأين وشل نثري من مديد نظمه وبسيطه.) وهذا ما كتبته (مولاي فؤاد الفضل ولسان الأدب. والمفترع بثاقب فكره أبكاراً عرباً من غواني أشعار العرب. السيد الذي جعل أحرار المعاني البيض عبيداً لسمر أقلامه. وكسى نصال الأسنة الزرق حمرة الخجل تارة وصفرة الوجل أخرى بسود أرقامه. ذو الخلق الذي هو أعطر من شرابه الندي. كدرار راوق الفصاحة ومغفر الرجاحة عبد الغفار أفندي. أقر الله تعالى برؤية عينه العين. وفرق سبحانه بوصاله البين من البين. وصل إلى تخميسك الذي غنت به السبع الطباق. وتوحدت بالترفع فيه على قنة الإبداع في جميع الآفاق. ولعمري لقد أريتني بمرايا مزاياه نقطة العلم بحقيقة القول بوحدة الوجود. حيث لم أفرق حقيقة بين فرعه وأصله مع أن ذهني في الفرق لدى الجمع محمود. بهاتيك الدار. بيد أنك تركتني في بيداء الأفكار. بل في بحار دموع أذيلها على ما صنع الملك الدوار. فأنشدت قول القائل في سالف العصر.) رق الزجاج ورقت الخمر (.

وقد كانت عندي ولطيف محاضرتك حظيرة قدس. أو روضة غناء خطرت بها خود في ثوبي غنج وأنس. فلما سمعت ما قال فيها الوالد الشهم الغيور. ومن كان يخشى أن يذكرها لديه بسوء الليث الهصور. صارت في عيني أقل من تبنة. في لبنة. وأذل من قلامة. في قمامة. فلو استطعت لبعدت عنها إلى جابلقا أو جابرصا. وإلى ما هو أبعد من ذلك وأقصى ثم أقصى. وقد عزمت على الإقامة في دار الخلافة. وقطع علائق القلب عن أرجاء الكرخ والرصافة. إلا أنه حال بيني وبين ذلك حلول مولانا الشهم وأمثالكم فيها. والأمل بلطف الله تعالى أنها عن قريبٍ تراها النفس طبق أمانيها. فكم لله تعالى شأنه من نفحات. وكم جعل سبحانه للدهر القاطع للأنفاس تنفسات. ومع ذا هي اليوم على علاتها أحسن من كثير من الديار وألطف. ومن طاف البلاد وقف على صحة ما أقول وقال به ولم يتوقف. ولذا أذب عن شجرها الطير وإن بلوت المر من ثمره. ولا أودان يمس ساكنها ضير وإن تجرعت منه ما عندك حقيقة خبره. وما أنا بالداعي لعزة بالردى ... ولا شامت إن قيل عزة ذلت ويا مولانا وصلت أيضاً تشاطير كم بيتي في الصدر الأعظم. ومن أقعد الصدور على الإعجاز بقوة رأيه السديد الأقوم. فرأيتها قد ارتضعت شطر البلاغة. وهكذا كل شعر لكم لا يستطيع مفلق وأن إنفاق أن يبلغ بلاغة. لا زالت آثاركم طراز الزمان. ولا برحت أشعاركم سلوة الغريب عن سلوى فكاهة الإخوان في الأوطان. أفندم. ) وكتبت أيضاً كتاباً (لذي الأدب العبقري. حضرة عبد الباقي أفندي العمري. إلا أنه اغتالته مني بأيدي غفلتي الغوائل. واختطفته من يد حافظتي عقبان البلابل. ) نعم (ظفرت بما كتبت له في ذيل كتاب السيد عبد الغفار. وهو بالنسبة إلى ما ذهب دندنة نخلة بالنسبة إلى نغمة هزار.) ونصه (: وأشكو ألم فراقي. لحضرة الأفندي الفاروقي عبد الباقي. وأعرض لديه أنه قد واصل دره النظيم. الحديث منه والقديم. والكل قد قدم يوم قدم. لدى شيخ الإسلام وولي النعم. فاستحسن جميع ذلك. وشاع الكل في هاتيك الممالك. لا سيما قوله قلم القضاء بمداد محبرة الدجا البيتين. فإنه ما من قلم إلا وسما بالفخر بكتابتهما على الفرقدين. لكن يا سيدي معرفة مزايا كلام العرب على الوجه التام. لم نجدها وحرمة العارفين إلا عند عارف الحكم شيخ الإسلام. فهو اليوم عارف الديار الرومية. وعالمها في جميع العلوم العقلية والنقلية. وله حظ وافر من علم الأدب. فكأنه سلمه الله تعالى أجل علماء العرب. فلله تعالى دره من عالم همام. وحبر قمقام. وهكذا فليكن شيخ الإسلام. وبلغوا دعاءنا لحبيبي الواعظ الواعي. ومن هو لحقوق الإخاء الحافظ المراعي. ولكافة الأحباب. لا سيما بني الآداب.) وكتب لي (حضرة الفاروق جواب كتاب. أظنه الذي ضاع مني في هاتيك الرحاب.) ونصه (: قال العراق وقد رحلت مودعاً ... فاسمع بحقك ما العراق يقول بغداد لي خد ودجلة دمعةٌ ... أسفاً عليك إلى المعاد تسيل قد كنت حلياً فاسترد معاره ... وكذاك أحوال الزمان تحول للشمس من أوج السماء إذا هوت ... بدل ومالكٍ لأعدمت بديل

أعرض لحضرة عارض همع فاستوشلت البحور. ووامضٍ لمع فكسفت الشموس وخسفت البدور. من الثناء والدعاء. ما لا يسعهما وعاء. وأنهى لجناب ذلك الشهاب الثاقب. والبدر الحاضر الغائب. أنه وصل منه شريف كتابه. ومنيف خطابه. والداعي إذ ذاك في عقائل شكوى سدكتني منذ أيام سدك الغريم. وعركتني بأكف آلامها وأيدي أسقامها عرك الأديم. حتى لقد فغرت على فاها المنون. واستوت في اليأس من الحياة مني الظنون. إلا أنه تعالى بلطفه من علي بالشفاء. ونقلني على جهة اليأس إلى جانب الرخاء. فله الحمد متواتراً. والشكر أولاً وآخراً. وهو المسؤول أن يبلغك أطول الأعمار. ويروي عنك مكروه الأقدار. وكان كتابكم قد وافى في عنفوانها. وأبان نزواتها. فخفف من أوصابها. وخلع بعض أثوابها. وكأنما ورد عائداً ملطفاً. أو وفد زائراً متحفاً. ولما نضوت برد الاعتلال. وشمت برق الإبلال. وجب إنهاء العرض المعترض. وتعين قضاء الحق المفترض. فنبهت عين النون. وأطلقت لسان القلم لتحرير هذه الأحرف المشحونة بالزخرف ولولا ترتيب الحق كما ذكرتم ما كنت أنطق ببنت شفة. وما زاد على هذا فمعدود من السفه. وأما الشرك الذي نصبته لصيد غرانق العقول. فهو منقول غير معقول. فتدبر) وقد بلغنا سلامكم (لكل من خصصته بسلام. من الخاص والعام. والجميع سالمون ويسلمون. وكما أمرتم نحن لسنا بغافلين عن تحريض مخدومكم المحروس بعين عناية الله تعالى المعيد المبدي. النجيب عبد الله أفندي. على مثابرته على القراءة وغيرها. وما شاء الله كان وحركاته وسكناته جميعها طبق ما تؤملون ليكن معلومكم أفندم. ) وأتاني (من هزار قفص المعاني، ذي الفضل الجليل الجلي، أحمد عزت أفندي العمري الموصلي، عدة قصائد، هي في عنق الدهر قلائد. منها قوله. دام فضله. في جواب كتاب أرسلته إليه. لا زالت مرسلات اللطف تهب عليه: ما بين قلبي وبرق المنحنى نسب ... هذا وذياك خفاق ومضطرب شتان ما بين خفاق بلا سبب ... ليلاً وما بين خفاق له سبب ما لاح ومضك يا برق الحمى سحراً ... إلا وجن إلى مغناه مغترب ما كان يشجي فؤادي ومض بارقه ... لولا الهوى وظباء بالهوى عرب كلا ولا كدت أرضى أن أموت جوى ... في أهل وجرة لولا ماؤها العذب يا صاحبي عجا نحو الغوير فلي ... ما بين مربعه والمنحنى إرب فإن سكانه يوماً إذا عدلوا ... جاروا زماناً وإن أرضيتهم غضبوا قولاً لأهليه هذا قلب صاحبكم ... كالبرق بين أثافي ربعكم يجب لله قلبي له في كل آونة ... تقلب في ربي حزوي ومنقلب يصبو إليها وقد جر النسيم بها ... ذيلاً وشقت عليها جيبها السحب كأن هطالها في كل مرتبع ... مد من البحر يعلو ثم ينسكب من لي بعين تزال الدهر هامية ... بمدمعيها وقلب حشوه لهب دارت لآلئ دمعي فوق مقلتها ... فالعين كأس ودمعي فوقها حبب سقياً ورعياً لأيام الشباب وإن ... لم يبق لي بعد ذا فيهن مطلب يا ليت عصر شبابي مذ قضى وطراً ... قضيت من حقه بعض الذي يجب فالعيش في ظل أيام الصبا فإذا ... مضى الشباب فلا لهو ولا لعب إلى متى أنا والدهر المشتد لي ... لا زال يبعدني عنهم واقترب ومن تفكر في الدنيا وحققها ... رأى أموراً غطا ما كلها عجب ما خلت ألقي عصا التسيار في بلدٍ ... ودأب راحلتي في سيرها خبب ما نالت البيد مني يوم مطلبي ... ما نال مني ومن أكتارها القتب أكنت مثل) شهاب الدين (حين سرى ... جرت يدي مجده نحو العلى الرتب سعى فأجمل بالتطلاب عن سعة ... يوماً فما خانه رزق ولا طلب وما درى من أراد العز في جدة ... أن التقدم مقرون به التعب أبقى بقلبي ناراً من تباعده ... والنار آونة تخبو وتلتهب كاتبت عبدك يا مولي الورى فغدا ... في جيده من لآلئ مدحكم سخب ما مر ذكرك في أفكاره أبداً ... وإن تباعدت إلا هزه الطرب يهوى التشرف في لثم الأنامل من ... راحات كف امرئ آباؤه نجب إن أوعدوا أرهبوا أو واعدوا أوهبوا ... أو أهزموا طلبوا أو سوجلوا غلبوا لله أقلامك اللاتي سحرن فتى ... أقلامه أخجلت ما ضمت من الكتب

كادت تمزق ذهني من بلاغة ما ... أبدت وقد مزقت مع أنها قصب وهبت من لفظك الدري لي مدحاً ... وأحس الناس من يعطي ومن يهب أخجلت بدر الدجى فانصاع من خجل ... في فضل ذيل غمام الأفق ينتقب وافت إلي بشهر رحت أحسبه ... عيداً وإن مضت الأزمان والحقب فبت تنشدني نفسي وأنشدها ... ) يا ليت عدة حولي كله رجب ( قرطت في لؤلؤ ما ضمه صدف ... منا المسامع إلا أنه رطب فقل لمن رام أن يحكي محاسنها ... ) لقد حكيت ولكن فاتك الشنب ( يا من يراه كبار الناس فوقهم ... كما تراءت على أبراجه الشهب إن قلت لا زلت مرفوعاً ومنتصباً ... فإنما أنت مرفوع ومنتصب قد كنت قطب الرحى فينا يدور به ... منا على محور يك العلم والأدب واليوم منا الرحى دارت بلا قطب ... وهل تدور رحات ما لها قطب أم العلى إن نسبناها إلى أحد ... فأنت يا سيدي جد لها وأب وكل من يدعي في الفضل رتبتكم ... فمدعي نفسه حاشا كم كذب إني بنيت على علياك من فكري ... بيتاً من الشعر لم يمدد له طلب فاعذر فتىً قد توالت بعد فرقتكم ... على قريحته الأشجان والنوب قد أذهبتني ببلواها ومن قدم ... في النار أصلي لا من هونه الذهب ولا غبار على مدحي فعندك لي ... تعليق نظم على الأحداق مكتتب فالما دحوك على ما حزت من شيم ... أثنوا عليك بشيء منك مكتسب ) وكتب في ذيلها شاكراً (سعيي له في أمرٍ أتعبت فيه لساني وأقدامي. لكن لم ينتج لأمرٍ ما طبق مرامي: بأبي يا أبا الثنا وبعمي ... أنت تفدى وبالغطاريف قومي قد بذلت المجهود في سعيك الم ... حمود فيما به يفرّج همي ) وقوله (: كم ولوع لي بهاتيك المغاني ... ونزوع لأحاديث الغواني ودموع من عقيق قد كست ... جبلي نعمان ثوب الأرجواني لم تقل عيني حسبي ما جرى ... من شؤون وكفاني وكفاني يا رعى الله ليالينا التي ... في دجاها أشرقت زهر الأماني بي أويقات مضت من طيبها ... رب ساعات بها عدت ثواني واعنا قلبي هل من راحة ... لمعنى لاعج الشوق يعاني كم أبان الوجد ما أضمرته ... بفؤادي من هوى أم أبان كلما مالت ببانات النقي ... شمائل زادت إليهم ميلاني بان عني من إمالته الصبا ... والصبا كم أمالت غصن بان ودعاني كخيال طارق ... يا خليلي بعينيه دعاني وسقاني من طلي راحته ... أحمراً عربدة السكر وقاني في اللوى يا سعد كم لي من لوى ... ساعد البين لواه ولواني لا أضل الله عن طرق الهدى ... من إلى النضال وأهليه هداني كم رماني أسهماً من لحظه ... لا رمت سهم لحاظ من رماني سقم فيه ابتلى الله الصبا ... وابتلى لحظ الغواني وابتلاني أعين أعدي بجسمي سقمها ... لا تعداني الذي منها عداني وخيال مع خيال لم ينم ... عمرك الله متى يلتقياني أنا كالظل إذا ما أشرقت ... شمس حسن نورها حالاً محاني يا خليلي وهل من مسعدٍ ... لشجٍ أولع بالبيض الحسان ثمل ما صافحت راحته ... راحة كلا ولا طاف بحان ذي انتهاض لهوى سلمى وما ... عن نزوع لحماها متوان إن بالجزع سقي الجزع الحيا ... منزلاً نقب كالجزع حباني لعبت فيه الليالي مثل ما ... لعبت في لمتي أيدي الزمان لمة قد فتك الشيب بها ... فتكة اللحظ بنجلاء الطمان أشعلت ذكرى شبابي هامتي ... بمشيب واد كار العنفوان ذا هوى كنت فلما أن بدا ... وضح الشيب بفردي ثناني في فروق بات قلبي وأنا ... لست أدري من ضني أين مكاني عائدي إن زارني ليس يرى ... في مكاني غير آثار جراني شام برقاً فيه رعد وحياً ... كل من شام يراعي ببناني هان قدري وأنا ذو عزةٍ ... عند من شبه مثلي بابن هاني وأرى جنية وسوس لي ... أن شعري فاق شعر الأرجاني راجت الأرواح ما قد روقت ... راحتي يا صاح من خمر الدنان كم أوانٍ من بيان أترعت ... بثنا من جاد في روح المعاني

خير الآحاد عنه في العلى ... راح يروينا عن السبع المثاني مفرد بالفضل كم مثنٍ له ... ما له مثلي بعرض المدح ثاني من أناس لم يشن قدرهم ... ومعالي شأنهم ذو شنآن طبخوا نياتهم حتى استوت ... بقدورٍ راسياتٍ وجفان ذو يراع إن تبدي خافقاً ... علم البرق ضروب الخفقان هل رأيتم من شجاع قبله ... ينبري أخفق من قلب جبان عيلم بل علم في لجة ... يقذف الدر وفي رفعة شان لا ترى الأشراف إلا دونه ... فهي كالأنبوب منه والسنان فليقل لله دري مغتذٍ ... من أفاويق المعالي بلبان يا ترى هل من مدان مجده ... وهو النخبة من عبد المدان شرفتني من علاه قطعة ... نظمت أسطرها نظم الجمان ما وعته أذني من لفظها ... أزبوراً كان أم آي قرآن حملتني فوق وسعي يده ... آه لو قبلتها حمل امتنان شرفي المحض لدى تعريضه ... أن يسميني في لفظ فلان حملت أبكار فكري مدحه ... كقيان فوق راحات قيان أنا في حملي إليه مدحي ... مثل من يحمل دراً لعمان يا نجيباً حاز فضلاً وعلا ... في نجيب قلما يجتمعان كنت قد أقرضتني مدحك لي ... فهو قرض داخل تحت ضماني قيدتني منك قدماً مدحة ... أطلقت في شكرك اليوم لساني سوف أزجي من نجيبات الثنا ... لعلاكم كل بكر وعوان كم عجاف لعجاف سقتها ... من معان وسمان لسمان لا يصون الدر من يعرضه ... لمهانٍ عرضه غير مصان أتراني ساعة من زمني ... منه أحظى بلقاء أتراني فعلي أني نجيب شاهد ... ما إليه من صباباتي عداني بأني من لم يزل منذ نشأ ... خضل الراحة منهل البنان حزت أجر الصوم والعيد إذا ... يتلقاك ببشر وتهاني لا خلاك الله من دنياً بها ... كل شيء ما خلا مجدك فاني هذه راحة فكر روق ال ... عقل معاناها براحات البيان سطعت كالشمس من دون النهى ... فمحت ظل العنا باللمعان خمرة بين الندامى بكرة ... دار أرخ) كأسها في رمضان ( ) وكتب (في ذيلها مخبراً عن عمه. الذي هو أشفق عليه من أبيه وأمه. المولى المكتسبي أدباً هو من كل نقص عري. حضرة واحد الآحاد عبد الباقي أفندي العمري. ما نصه: وبعد أن تشرف نظر العم. بإمعانه فيما تفضل به المولى على عبده وأنعم. واطلع بنائرة نار حدسه الموصدة. كما تطلع نار الله الموقدة على الأفئدة. على ما نظمته بهذه الدفعة. بمدح تلك الحضرة الرفيعة المنعة المنيعة الرفعة. فأنشدني مرتجلاً على ذلك الروي والقافية. في نعت هذه الطلول العافية.) قوله (: كم نزا عير على الزورا وما ... حيل فيما بينه والنزوان ) فكتبت (له في جواب إحدى القصيدتين. ما هو أقل في حقه إذا أنصفت من نصف الاثنين. ونصه:

أما وحرمة الأدب. أن الدهر لأبو العجب. وأني سأتلو عليكم من ذلك ذكراً. ليحيط من لم يحط به خبراً. بينا هذا الغريب يعاني من كرب الغربة. ما بلغ عقد الكرب واسأل عرق القربة. وقد قاء سمعه ما تجرعه في سفره من صديد متعفن النظم. وجاء ذهنه بصقره ونقره. لما بلي من سوء الفهم. وجعل يظن العربي رومياً. ويحسب الوحشي أنسياً. وجرب من غواني حواسه الأديم من مصاحبة الجرباء. وعاد يتلون حدسه المستقيم تلون الحرباء. وعمش عقله وكان وعينيك ينظر بعين عقاب. وتعرى من الملابس فضله وكان وجديك يجر على المجرة فاضل الإعجاب. إلى أمور ينشق رأس القلم صداعاً. إذا انشق أنفه مفتن ذكرها. ويتشقق القرطاس غيظاً إذا أحس خده الصقيل بخشن سطرها. إذ برزت عليه من سجاف الغيب. حوراء قصيدة لا عيب فيها سوى أنها لم تدنس بعيب. فجعلت تغذوه بلبانها مع أنها بكر لم تطمث. وتتثنى سكراً في حانها مع أنها العدوية التي لم تشرب المثلث. وأخذت تداوي خموش عجائز قصائد تركية. شانت أسيل سمعه. وتكسو فضله ملابس سندسية. طالما جر ذيولها في رفيع ربعه. وغدت تدلك ما جرب من أديم حواسه بما جرب من معسول رضابها. وتكحل عيني عقله بما أثارته من غبار الفصاحة ذيول إعجابها. وأدخلت على قلبه الخفاق من السرور الوفير. ما لو تجسد لملأ ما بين الخافقين فاستخفه الفرح حتى أوشك ولا جناح أن يطير. مع أنه وكتاب الله تعالى الواحد الأحد من ثاني الثقلين. إلى أمور ضم القلم عليها لحلاوتها شفتيه. وبخل بالشفاه بها على القرطاس لنفاستها ولم يحكم خوف انكساره عليه. فلما رآها أجدى من تفاريق العصا. ونال ما نال م ننفعها الذي امتنع من أن يحصى أو يحصي الحصى. جعل يدعو لمنشيها. ومحكم قوى قوافيها. حضرة المولى الذي هاجر من مكة الفصاحة إلى مدينة البلاغة. ثم عرج به إلى قاب قوسي الإعجاز فأنى يبلغ سهم أديب بلاغة. العدوي الذي عدا فاستنزل بهمته عصم الحقائق. من صاصيها. وبدا فاستذل بعزته أعز الدقائق. فسفع بنواصيها. العمري الذي فطره مولاه على أحسن فطرة وجبله. فأخاف ولله تعالى در بدرة فطنته وذكاه سهل الأدب وجبله.) فلعمري (لقد سامت جبل فضله النجوم السواري. فغدا يقول يا سارية الجبل وجرت في نيل منشآته المنشآت الجواري. ولكنها أنعمت بدراري نيل الأمل. الشاب الذي أقعد على الإعجاز صدور الشيوخ. واستفز برزانة كلامه وصرير أقلامه أرباب التمكين والرسوخ. من هو في خلدي. وحق عمه وأبيه بمنزلة عبد الله ولدي. حضرة الأجل الأشيم أحمد عزت أفندي. كان الله تعالى له فيما يسر ويبدي. ومع استغراق أوقاتي بالدعاء لك أيها المولى وجعلي بدل أقواتي الثناء عليك أيها البدر السامي الأعلى. كيف أستطيع شكرك. وأني أكافي مزيد فضلك بمجرد الدعاء لك. وأنت الذي آنستني في وحدتي. وأنسيتني جميع أسرتي في غربتي. وأضأت علي يومي. وكان ظلمات بعضها فوق بعض. وأعدت في جسدي دمي. وكان قد ذهب به قمل الخشب بتوالي المص والعض. فأسأل الله تعالى أن يوفقني لمكافأتك. ويتم سبحانه نعمته علي بعوائد العود إلى ملاقاتك. فأنا لا أكتفي ممن أحبه. بمجرد أن يأتيني في البعد كتبه. وإن اكتفى غيري بطيف خيالي ... فأنا الذي بوصاله لا أكتفي ثم أني أرجو من جميل ظرفك. أن تسبل على عوراء نثري ذيل حوراء إغضاء طرفك. فإنه قد تناثر عني لباس النثر منذ أخرجتني من دار السلام يد المحنة. ولم يمهلني سائق سابق القضاء كي أخصف علي من ورق هاتيك الجنة. فبقيت أعرى من أبرة. وكنت أكسى من بصلة بألف مرة. وكذا أرجو نحو ذلك من حضرة عمك. وباقي ذوي قرابتك وقومك. ولولا خوفي أنه يبقى خاطرك ما فهت وأبيك ببنت شفة. ولكنت أعد مقابلة نظمك بهذا النثر محض سفه. فأين خبث الحديد من حجر المغناطيس. وشتان ما بين القتاد وريش الطواويس. وفرق بين منثور الدر. ومنظوم فرائد الدرر. وكم ما بين دندنة الزنبور. ونغمة داود بالزبور. وأين السهى. عن شمس الضحى. وهل تقاس قبة السماء. بفقاقع الماء. ومع علمي بهذا كله قدمت رعاية لخاطرك الخطير. على هذا الأمر الخطير. وخشية فتح حلقك بالاعتراض أختار قلمي على شعور منه هذا التقصير. وعند الضرورات. تباح المحضورات. ونهاية ما في ذهن الجاني مع الكرام. الفوز منهم بالعفو الكامل والسلام.

) وكتبت (في ذيله معتذراً عن تقريظ قصيدة نظمها عمه في أهل الكسا. خالية وحرمتهم من نقص ليت ولعل وعسى. ما نصه: مولاي قبل التاريخ وصلت إلى قصيدة عمك. لا زال باقياً ترمي عن قسيه بسهمك. فعزمت على تقريظها. بعد أن صحا ذهني من خندريس تصريحها وتعريضها. فناداني العي أربع على ضلعك. هل فضل بعدما يصلح لفضلها من فضل. ولا يكاد يقدم على تقريظها إلا من يقري السلام على الإيمان. فيقول هل القرآن تجلى في صورة النظم. فعز علي إيماني. وحرمة السبع المثاني. ولم يخطر لها بخاطري مما لا يحظر فيه من القنوت. سوى أنها بين القصائد كبيت النبوة من البيوت. وأن لكل بيت منها شبهاً بالعبا لأهل العبا. ويبري صبا أنفاسها القدسية وصباً ممن صبا. وهذا مما تشهد بصحته العقول. وقل لي يا أفندي غير هذا أيش أقول. بقي يا مولانا اعذرني. وإلا فعلمني. والسلام ختام اه.) وهذه القصيدة (جعلها مقدمة مجموع مفرد في شأنه. فجمع فيه ما له من مديح أهل البيت النبوي وأركانه. قد سماه بالباقيات الصالحات. ولا يبعد أن يكون عنوانها المبشر بطي العنا يوم نشر السجلات. وقد قرطته ولكن بما خف بالنسبة إلى قدره الرزين. وكذا قرظه ولدي أبو السعود السيد عبد الله أفندي بهاء الدين. أنار الله تعالى له كواكب السعود. ولا زال تابعاً سيرتي في كل أمر محمود. ) أما تقريظي فقولي (لما ارتدى سمعي بردة سماع ما حوته هذه المجموعة المفردة الشأن. ونهض فكري الجاثي على ركبتيه يجر ذيل التعجب على هام ممسك العنان. حاك في صدر القلم أن يصف فضلها على عجزه. وأن يبتز من نسائج الفكر بردة مدح لها على ضعف بزه. فقلت له ويحك الزم حفرة دواتك فما يتسنى لك وجلالة باريك وإن بلغت السماك في سمو الهمة. أداء حق شعر لو شعرت لعلمت. أنه قد علا كعبه فغدا للعبا المحمدية سدىً ولحمة. ولعمري أن در بحوره.) علي (الشأن العظيم. ودر شطوره.) فاطم (للأذهان على ارتضاع شطور التسنيم.) وحسن (معناه أحق بالقبول مما تحكي للحس المشترك العين. ورائق مبناه أرق من دمعة شيعية تبكى وحق لها) الحسين (. وأنه لجرى أن يزين بتلاوته) السجاد (في أسود الليل صحيفته البيضاء. ويستغني بدلالته المرتاد عن النهار) الباقر (بطن غول الظلام بقرن بقرته الصفراء.) فيا لجعفر (فضله كيف أعجز) موسى (اللب أن يشقه بعصا فكره فجعل يسحل ذيل التسليم بساحليه. وقذف عن) رضى (باللآلئ حتى غدا نهر المجرة لمزيد حسده) كاظماً (غيظه عليه. فما مولى جاد به إلا) جواد (. أطلق جواد منه البهي في ميادين المنن. ونجم) هاد (بنور ذهنه) النقي (إلى) معسكر (كل أمر) حسن (. ويوشك أن يكون) مهدي (أفكاره) القائم (على كل نفس من القرايح بما كسبت من المعاني المبتكرة.) والمنتظر (للأخذ بيد أفهام ذوي الإفهام عن إلجاء دجال الوهم إياها إلى المهاوي الخطرة. ولكم أملي أبقاه الله تعالى للكرام الكاتبين من صنوف الطاعات تفاصيل وجملاً.) والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً (. أسأل الله تعالى أن يسبغ عليه في الدارين فضلاً. ويرفقه بأهل الكسا يوم يخرج الناس حفاةً عراةً غرلاً. انتهى. ) وأما تقريظه فقوله. عظم شرفه وفضله (. لازمت بيتي أياماً أتأمل في محاسن هذه القصائد. ملازمتي ولاء أهل البيت. فوقفت منها على بحر مفعم بأغلى الفرائد. لا تجري فيه سفن نقص لو أن وعسى وليت. ثم أمعنت فيها النظر. وأسمعت في نواحيها سرح الفكر. فتحققت أنها قد نصبت شباك البلاغة والفصاحة. فاصطادت عنقاء الإعجاز. وجرت ذيول الفخر في مسارح البراعة والرجاحة. فلم ترض إلا أن يكون لها على الحقيقة مجاز إلى حمى الامتياز. وبدت في ترفع لا تهوى لغير سماء الشرف آل بيت النبوة عروجاً. ولم تقبل وحق لها سوى الأئمة الاثني عشر منهم بروجاً. فيا لله تعالى حضرة مستخرج هذه الفرائد من عمان فكره المسكي المتوج بالذهب. المطرز بها بردة تعجز عن نقش حواشيها صناع الفصاحة ويعيي عنه ما في الأدب. فقد أتى بما لا يؤتى بمثله. وحاك عباً للآل لا يمكن لأحد بعده أن يحوك على نوله. وتفرد بجميع هذه الدرر. وجمع في هذه الفريدة ما لا يخطر على قلب بشر. حتى أحجم كل ذي لب عن مدحها بما تستحقه. وأذعن له بذلك كما هو حقه. فلا زال فاروقاً بين ذوي الأدب. وآتياً بما لا تستطيع تشبهاً به جميع فصحاء العرب. انتهى.

وأرسلت إليه رسالة أخرى جواباً عن قصيدته الثانية. لكنها لعطفها عما تضمنته السابقة من الفصاحة والبلاغة ثانية.) ونصها (: أحمد الله حمداً على وصول ما تفضلت به من رقيق خز النثر والنظم. وصفيق نسج وحده من مبتكرات الخال والعم. فلله تعالى أبوك كيف اصطدت عنقاء جو الغرائب بحبائل فضلك. واقتدت جوزاء سماء العجائب بحبال قمر عقلك. وكيف نقشت من الزوراء في عقد حواسي المستقيمة. فسحرتني يا بن الفاروق. وأنا في فروق. وروقت لي في كاسات الحروف ريثما خرجت من الحدباء خندريس المعاني القويمة. فأسكرتني يا رب الراووق. قبل أن أذوق.) ولقد هممت (بمجاراتك فكبا أدهم يراعي. فضاق ذرعاً عن طويل باعك ذراعي. فقلت لنفسي لا بد أن أفعل. وأنازل هذا الشاكي السلاح وإن كنت أعزل. فناداني عقلي ويحك ما الذي اعتراك. أتراك ترضى أن تقول أطفال المكاتب خرف الشيخ العربي لما عاشر الأتراك. بل كأني بالناس حتى النساء يقولون إن أقدمت على ما تروم. سبحان الله تعالى عاد فيل ذهنه وهو ابن سيد قريش عنكبوتاً في حجر الروم. فأربع فديتك على نفسك. ودعني من تسويد قراطيس شهرتك بنفسك. فعند ذلك جعلت يدي لثام فمي وحبست في غار دواتي جان قلمي. إلا أني بعد برهة استأذنت في إفادة الحال. فحررت هذه الأحرف ومعاذ الله أن يمر بفكري قصد النزال. فأحمد الله سبحانه إليك ثم أحمد. وأرجوك أن تدعو لي بالسلامة والعود أحمد. فقد عظمت مني الأشواق. إلى ربوع العراق. وضعفت طاقتي عن تحمل الفراق. وقويت صبوتي لسماع شيطان شعرك يا ملك الطاق. ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لما قلقت ركائبي. ولا ارتحلت عن أرضٍ حلت بها عني التمائم أيدي شبابي. ولا أرقت لذكر أحبابٍ ذوي أدب. ينسل ياجوج الذكاء وماجوج الدهاء إلى حدائبهم من كل حدب. ولكن حدود الإرادة الربانية. لا يتسنى لرسوم العبودية أن تتعداها وأنى لهاتيك الأمنية.) ومن كتبت عليه خطا خطاها (. فأسأل الله عز وجل أن يحلي بلطفه اللطيف صحيفة رحلتي عن دياري. ويجعل مسك فضله المنيف ختام العود بالخير إلى أحبابي وسماري. هذا وسلام الله ورحمته وبركاته عليكم. وعلى من ينتمي من ذوي النهي في الغدو والرواح إليكم. انتهى. ) وأرسل لي (ذو الفضل الجليل الجلي. مدامي وراووقي. حضرة عبد الباقي أفندي الفاروقي. عدة أبيات. على شعراء العصر أبيات. تتضمن مدح هذا الفقير. الذي هو بالقدح جدير. ) منها قوله (: مهما هممت بأن أحرر ما جرى ... من بعد بعدكم بصدر كتاب من مقلتي على المهارق دحرجت ... أكر الدموع صوالج الأهداب فلذا تراني والصبابة مشربي ... ذا صبوة لملاعب الأحباب أهفو لمن سكنوا فروق وحركوا ... بالكسر قلب أخي هوى وتصابي يرعى النجوم بأعين أهدابها ... بانت معلقة بذيل شهاب ) ومنها قوله (: سبقت شهاب الدين والشهب تسبق ... فأرسلت ما يندي علي ويعبق كتاب كما يتلى الكتاب خلاً له ... حديث كما يروى الحديث المصدق أضاء الفضا في صفح ما قد خططته ... كما ضاء في وجه الحقيقة نورق أعدت إلى الدنيا فتاة وربما ... غلاماً كلا الوجهين في الحسن ريق وآنستني من وحشة فكأنما ... مددت على الظل والشمس تحرق أخذت بأطراف الكمال فحزته ... فخط الورى منه الذي تتصدق جمعت معاني الحسن في طي مهرق ... ولم أحتسب أن يجمع الحسن مهرق وهبنا شدونا كالبلابل أنه ... جميع المعاني في مديحك تنطق ولا فضل لي إلا القصائد إنها ... آماؤك يجلوها بياني فتشرق وماذا عسى نهدي إليك وأننا ... جداول في تيار بحرك نغرق وما زلت تهدي كل حين جواهراً ... فتخزن منها ما نشاء وتنفق أيرى فضلاء العصر دونك قصرت ... إلى عفوك الأدنى تحب وتعنق وجدتك شمس العلم أشرق نورها ... فلست أراعي كوكباً يتألق ) ومنها قوله (: مذ غبت عنا شهاب الدين في أفقٍ ... طلعت فيه رفيع القدر والجاه قد استدارت على أقطاب ألسنة ... تبدي عليك الثنا أفلاك أفواه فأطلعت من مساعيك الحسان لنا ... للاهتداء كل نجم زاهرٍ زاه أنت ابن شمس هدىً عزت نظائره ... ما أنت بابن نجيم رب أشباه

فالحمد لله رب العالمين على ... ما نلت من حكمة والشكر لله ) ومنها قوله (: حسن اطراد جياد خيل تخيلي ... في غور إطراء عديم تناهي لأبي الثنا المولى شهاب الدين مح ... مود أبي الباقي ابن عبد الله ) وقد خمسها السيد عبد الغفار فقال (: أتخيل المعنى البديع وأجتلي ... ما راق من كلم ومن معنى جلي فلذاك إذ سبق الوجيه تأملي ... ) حسن اطراد جياد خيل تخيلي ( ) في غور إطراء عديم تناهي ( أبدعت في مدحي وأعلي من مدح ... دوني وكنت كالزناد إذا قدح وأتيت من فكري بهاتيك الملح ... ) لأبي الثنا المولى شهاب الدين مح ( ) مود أبي الباقي ابن عبد الله ( وخمسهما الملا عبد الحميد الأطرقجي الصباغ فقال: حاولت مدح أبي الثناء فلذلي ... بجمال طلعته جميل تغزلي حتى إذا ما طاب فيه تعللي ... ) حسن اطراد جياد خيل تخيلي ( ) في غور إطراءٍ عديم تناهي ( فإذا الزمان عليك في جلل ألح ... يممه ممتدحاً تنل أهنى المنهج إذ صح بالإجماع ماروت المدح ... ) لأبي الثنا المولى شهاب الدين مح ( ) مود أبي الباقي ابن عبد الله ( ثم قال من عنده وكان قد حضر درسي: بحر علم من غير جزر ... ولكل البحار جزر ومد عالم للرياضي عين وللتحر ... ير زند وللنهاية حد ومنها قوله: لا تعجبوا المولى الشهاب أبو الثنا ... رتب المعالي كلها إن نالها هو لفظة من منطق الدنيا بها ... تاه الزمان على بنيه فقالها ومنها قوله: منك حسام في مضاربه ... بذب غلٍ يفوق الدهر بالهمم تقلدته الليالي وهي مدبرة ... كأنه صارم في كف منهزم ومنها قوله: يا أيها الحبر الذي ... صحف المعالي حبرا عن طول باع يراعك ... الصمصام لما قصرا سموه أبتر فاختفى ... بقرابه وتسترا وخمس ذلك أيضاً الملا عبد الحميد فقال: يا فرحتي وتلذذي ... ومن المهالك منقذي يا جلوة الطرف القذي ... ) يا أيها الحبر الذي ( ) صحف المعالي حبرا ( جرعت شانيك الغصص ... وحبست خصمك في قفص يا بحر علم ما نقص ... ) عن طول باع يراعك الص ( ) صمصام لما قصرا ( وشكا الظما وتلهفا ... حتى براعم الصفا بتر الرقاب وأسرفا ... ) سموه أبتر فاختفى ( ) بقرابه وتسترا ( ومنها قوله: أقلام مولانا الشهاب تراقصت ... ببنانه في ساحة الإنشاء وتلاعبت أفكاره ببنانه ... كتلاعب الأفعال بالأسماء ومنها قوله: أبي الثنا شعري على ... غيرك يا أبا الثنا ولست أدري أينا ... لشجوه أبثنا ومنها قصيدة مطلعها إلى بيت التخلص: بالكر والفر هاماة العدات لها ... وقع الدخيل على أقدام إقدامي والعضب في قبضتي يحكيه منصلتاً ... ناب تكشر عنه شدق ضرغام وما ارتجاج قناتي بالسنان سوى ... إيماض بارقة من ثغر بسام أو لمعة من) شهاب الدين (قد لمعت ... فأحرقت بشواظ جن أوهامي وقد كنت نظمت بيتين وأرسلتهما إليه فشطرهما وأرسلهما إلي وذلك قولي وقوله: قد غدا ملحي أداماً ... لمن اغتر بحلمي فهما صبغ ودهن ... لشقٍ يأكل لحمي وعلى خبزي تمني ... وضع سكباجة ذمي وبها إن غص يهوى ... أنه يشرب دمي ومنها قوله في صدر جواب كتاب أرسلته له: كتاب مولاي الشهاب الذي ... قد حار في تحبيره لي فاق على الكتب كما فاق من ... شيه على الأعلى من الشهب ما خدمت عيناً فتى قلبه ... ما خدمت عيني به قلبي إلى غير ذلك. مما اغتلته الغوائل مني هنالك. ولله تعالى دره من شعر لا مزية الإيجاز أخطأته. ولا فضيلة الإعجاز تخطئه. تتألف القلوب على درره ائتلافاً. وقصير الآذان له أصدافاً. قد أخذ بحبل الجودة من طرفيه. وجمع رداء الحسن من حاشيتيه. قوافٍ إذا رواها المشوق ... هزت له الغانيات القدودا كسون عبيداً ثياب العبيد ... وأضحى لبيد لديها بليدا وقد أكثرت بزناد التفكر فيها قدحي. فلم أر مما يقدح فيها سوى أنها في مدحي.

) وكتبت له (في جواب الكتاب الذي حواها. وأصبح من بين الكتب مغناها. ما أظن أنه لم يصل إلى حضرته. ولم يتشرف بنظرته. وهو: شكراً فكم من فقرةٍ لك كالغنى ... وأني الكريم بعيد فقر مدقع وإذا تفتق نور شعرك ناضراً ... فالحسن بين مرصع ومصرع أرجلت فرسان الكلام ورضت أفر ... اس البديع وأنت أمجد مبدع ونقشت في فص الزمان بدائعاً ... تزري بآثار الربيع الممرع أيها المولى الأكرم. والمولي جلائل النعم. وصل إلي كتابك الذي وصلت جناحه بفنون صلاتك وتفقدك. وضرور برك الوفير وتعهدك. فارتحت لكل ما أوليت. وابتهجت بجميع ما أهديت. وأضفت إحسانك اللاحق. إلى إحسانك السابق. وأياديك الآن. إلى أياديك التي أثقلت بها عاتقي في سالف الزمان. وأنها لأيادٍ وكلت بها ذكري. ووقفت عليها شكري. وتأملت النظم فملكني العجب به. وبهرني التعجب منه. وقد رمت أن أجري. ممتطياً جواد فكري. على العادة في تشبيهه بمستحسن من زهرٍ جني. وحلل وحلي. وشذور الفرائد في نحور الخرائد. ونجوم الجوزاء. في وسط السماء. وحديقة تفتحت أوراق وردها. وغانية توددت أسرار خدرها. والسحر الحلال. والماء الزلال. والشباب الناظر. والنعيم الحاضر. فلم أره لشيء عدلاً. ولم أرض بما أعددته له مثلاً. غير أنك كسوت به عاطلاً. وشهرت به خاملاً. وجعلته أعذب من الرضاب. بما ضمنته وحاشاك من الكذاب. فإني عما قلت بمعزل. وبعيد عنه بألف ألف منزل. بلى جميع ما قلته حقيقة في مثلك. فلا يصدق إلا إذا كنت مرآةً لفضلك. وعلى العلات أسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله. ولا يخليك من إحسانه وطوله. وأرسل لي حبيبي البدر العلوي. الملا حبيب ابن قاسم أغا الكروي. بيتين يمدحنى بهما) وهما قوله (: إن كان محمود جار الله قد جمعت ... له المعاني بتفسير وتبيان فإن محمودنا الحبر الشهاب له ... روح المعاني وكان الفخر الثاني فلم يتيسر لي الجواب. لما بي من الاكتئاب.) وجاءني (ممن كلامه جلاء همي وغمي. الموصلي العمري محمد أفندي فهمي. ضمن رسالة) ما نصه (: هذا التخميس النفيس. المزري بأجنحة الطواويس. قد سمط به هذه الأبيات الأربع. المنيفة المطلع. اللطيفة المقطع. جناب عندليب روح الأدب المحض. وشحرور روضة الفيض. مولاي العم المحترم. وذلك في غرة هذا الشهر المحرم. فطار صيته بقوادم مبانيه. وخوافي معانيه. بعد أن وكر في أوكار الأفكار. وشاع حسن توشيعه بين شيعة هذه الأقطار. وسجعت بمشجيات أسجاعه بلابل السنة سحرة بابل. وتناحلت به في مجالس العزاء وأندية الرثاء عنادل. وملأت بصفيرها أقفاص المحافل. وهتفت به هتوف الضحى والعشي. بأكناف الطفوف وأطراف الغرى. فأشجى الخافقين ترديدها. واستخف الثقلين تغريدها. وأبكى الفريقين تعديدها. وصدح به كل ببغاء. يوم عاشوراء. في عرصة كربلاء وساحة الزوراء. بمقام لو سمعه ديك الجن لباض. أو وعاه الوطواط لحاض. وهاهو قد حررته. ولحضرتكم عرضته: هل المحرم فاستهل بعبرة ... طرفي على فقدان أشرف عترة فتنغصت مني لواعج حسرة ... ) وتنبهت ذات الجناح بسحرة ( ) في الواديين فنبهت أشواقي ( وغدت تردد بالغناء على فنن ... وأخذت أنشدها رثاء ذوي المحن فبكت معي فقد الحسين أخي الحسن ... ) ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن ( ) يعقوب والألحان عن إسحق ( هي لم تكن ببني النبي مصابة ... مثلي لتندب بالطفوف عصابة إني اتخذت رثا الحسين مثابة ... ) إني تباريني جوى وصبابة ( ) وكآبة وأسىً وفيض مآقي ( وعلى شهيد الطف حشو ضما يرى ... كمد أحاط بباطني وبظاهري لو تدرك الورقاء كنه سرائري ... ) وأنا الذي أملي الهوى من خاطري ( ) وهي التي تملي من الأوراق ( فأعجبني جداً من نثرة فقرتا ديك الجن والوطواط. ولعمري لو رآهما عنترة الفصاحة والبلاغة لعاد كالوطواط.) فكتبت ما نصه (:

مولاي فهمي. خيرت بما حبرت به فهمي. وبالله تعالى عليك يا ابن عمر من أين جئتني بديك الجن حتى التقط فؤادي. وكيف أرسلت لي الوطواط وأنا الشهاب حتى إذا الليل عسعس عشعش في ناظري فمنعني سهادي. فكأن ابن جني يوم ثوى في الموصل خبا لك سره. أو سليمان عندما قضى دعا أن تقلد من بعده أمره. هذا وأما ما حررته من التشطير والتخميس. فهو والمؤمن العائذات الطير مزرٍ بريش الطواويس. وما عندي وحقك عبارة توفي حقه. وهيهات فقد بعدت على هذا الغريب في مثل ذلك الشقه. إلا أن ذلك ليس بالبعيد ولا البديع. من موالي أولئك السادات العظام ذوي القدر الرفيع. وقد عرضته بطوله على حضرة مولاي شيخ الإسلام. ومربي أطفال العلماء بطوله في حجور الأنعام. فارتضاه رضي الله تعالى عنه جداً. وجاوز في رسم المدح والثناء عليه حداً. ولا بدع فهو سلمه السلام عارف. وكل من سواه من أهل العصر من بحر فضائله كارع وغارف. وأرجو أن لا تزالوا متفضلين علي. بإرسال مثل ذلك إلي. إذ أجدني عند تلاوته كأني في دار السلام. وأتخيلني كأني في طاق شيخ الأدب لا زال باقياً بين أولئك السادة الأعلام. نسأل الله تعالى أن يجمعنا بأعيانهم. كما فرق همنا بآثارهم. وأن يجلي أبصارنا بأخيارهم. كما حلى أسماعنا بأخبارهم. أنه سبحانه على ما يشاء قدير. وبإجابة دعاء الداعي جدير. انتهى. وليته لم ينته. ) وكتب لي (بعد أن) كتبت له (ما جارت به على سائر الضياع يد الغفلة. ثالث الرافعي والنواوي. رئيس مدرسي بغداد محمد أفندي الزهاوي. ما نصه: الشوق أعظم أن يحيط بحده ... قلم وأن يطوى عليه كتاب إلى حضرة الشهاب الثاقب. الساطع نوره في المشارق والمغارب. ذي المقام المحمود. واللواء الذي هو بأيدي الفضائل معقود. علامة علماء الآفاق. ومن وقع على فضله وكماله الاتفاق. النسيب الذي لو انتسب لقيل في نسبه: نسب كأن عليه من شمس الضحى ... نوراً ومن فلق الصباح عموداً والحسبي الذي لو احتسب لأنشد عند حسبه: نفس عصام سودت عصاماً ... وعلمته الكر والإقداما معدن الشرف والفتوة. ومصباح مشكاة آل بيت النبوة. مولاي الأفضل الأعلم. السيد السند الأفندي المفخم. لا زال في حضر وفي سفر. ذاك الشهاب يضيء كالقمر.) أما بعد (فقد ورد إلى المخلص الداعي من المقام المحمود ذلك الكتاب. الذي أعجز بفصاحته وبلاغته بلغاء الكتاب. فرد علي بوروده شرخ الشباب. فأخذته لوحشتني خير أنيس. ولوحدتي نعم جليس. وأني وحرمة العلم وذويه. وحق الفضل وبنيه. منذ امتطيتم غارب الغربة. وأورثتم في الفؤاد كربة وأي كربة. وركبتم راحلة الارتحال. قاصدين دار الخلافة العلية التي هي محط رحال الرجال. قد أصبحت لدى دار السلام جحيماً. وقاسيت من ألم الفراق عذاباً أليماً. يا سادتي كان الفراق مقد ... راً فمتى اللقا ما ذقت طعم العي ... ش بعدكم ولا اخترت البقا يكفيكم أن النعي ... م لبعدكم عندي شقا وكيف أعبر عن حالةٍ ضميرك مني أعرف بها. أسأل الله تعالى شأنه. وعظم سلطانه. أن يطوي بلطفه شقة البعاد والبين. وينشر علينا رحمته ويعيدكم لطرفنا بصفاء الخاطر قرير العين. لنصرف ما نجده من العناء. بمطالعة طلعة الشهاب أبي الثناء والدعاء. ) وكتب لي (بعد أن كتبت له أيضاً. الفاضل الذي لو رأى نثره البديع لازداد على نفسه غيظاً. وهو الذي يجد عنده مرتجى أنواع الفواضل والفضائل كل ما يرتجى. مدرس بروسا) الشيخ طه أفندي بن الشيخ أحمد أفندي (السنندجي.) ما نصه (. أعذب سلام يهديه عليل غليل الشوق إلى أصفى مناهل الأفضال. وأغرب تحية يتحفها متوطن كور الوجد إلى وارث مدينة العلم والكمال. سلام يرسل إلى البحر الطامي. وتحية ترفع إلى سماء الفضل السامي. شهاب أشرقت بأنواره الأرجاء. وسما سماء المجد فالكواكب الزهر بإضافته إن هي إلا مجرورات الأسماء. تود الثريا لو تنال نعاله ... وأين الثريا من يد المتناول

مولاي الذي يفوق أرج ثناءه على النشر الرندي. مولانا وشيخنا وسيدنا وسندنا حضرة السيد محمود أفندي. لا زالت كواكب سعده مشرقة على الأمصار. وشهب أفضاله محرقة أحشاء الأشرار.) أما بعد (فقد نلت بوصول رقيمتكم غاية الفخر. ووصلت نهاية العز والقدر. حتى باهى يومي على أمس. وسئلت من أين طلعت الشمس. فقلت من مطلع الجود. من سماء سنا أبي الثناء محمود. ثم وأني قصر باعي عن تقبيل تلك الأيادي. ويراعى عن ترقيم التسليم إلى ذلك النادي. فما قصر لساني عن ثنائكم المحمود أداؤه. وجناني عن موجب وفائكم الواجب إيفاؤه. على أن شين إهداء النثر وإن كان في سلك اللآلئ إلى محفلكم المنظوم مما هو غني عن البيان. وعرض النظم لدي مديد فضلكم الطويل العريض وإن كان على وزان عقود الجمان. مما يعده كل كامل عقل من وافر النقصان. فالصواب هو الحصر على ما لا يحصر من الثناء. والاكتفاء بما نرجو قبوله من خير الدعاء. ونحن وفضائلكم الوسيعة. وسماء فواضلكم المنيعة. لا نزال نسأل خالق المكوكب والأطلس. وبارئ الثوابت والجواري الخنس. أن يمن علينا بوشك رجوعكم بعد الإقامة. واستقامتكم في أوج العز والسلامة. وأن لا تزال خالداً خلود الجبال. ومحسوداً لكل قرم من أفاضل الرجال. هذا والوالد يسلم عليكم. والأخوان يتمنيان تقبيل يديكم. والسلام. ) وسألني (بعض فقهاء القسطنطينية. عن عدة مسائل من مذهب ساداتنا الحنفية. فأجبت بما خطر. فسألني لك جواب نصاً من كلامهم فما حضر. وكان مني الجواب. أنه يعييني عندكم وجدان كتاب. فألح في السؤال. زاعماً أنه تطلب النصوص فلم يجدها عدة أحوال. فاستمهلته فأمهل. علماً منه أن لست ممن قال وأهمل) فكتبت (في ذلك لحبيبي فخر الحنفية. السيد محمد أمين أفندي واعظ الحضرة القادرية. فأرسل لي النصوص. مع هذه الفقرات التي تحكي الفصوص. وهي: بعد لثم الداعي. أنامل حضرةٍ دعا يراعها داعي الفضل هلم لي قبل ضياعي. هو أنه صيرني نأي بدرك عني. هلال شك لا يراني من يلتمسني وإن قرب مني. فولطف عباراتك. المومية برضى إشاراتك. أني بعد ذلك الشمر. المزري برنات المثاني ونغامة الوتر. صرت للهم سميراً. وللحزن مولى وعشيراً. تارةً يحتوشني بجيشه. وآونةً يشد علي بقوة سلطانه وبطشه. فهذا دأبه معي. وتلك شنشنة له يعرفها كل المعي. فبينا أنا أعاني منه هذا العنا. وأناجي داعي الفنا. إذ شرفني من لدن المولى كتاب. جمع كتائب فضل أخذت بمحاسن الألباب. فترجل له الرأس والعين. وصافحه القلب لا أصابع الكفين. فكان وأبيك لدي ألذ من رضاب لعساء واصلت بعد قطع. ولم تلق لواشي الهجر) ويا فض فوه (السمع. تذكر فيه ما تذكر. وتأمر الداعي فيه بما تأمر. فسمعاً لك سمعاً. لا كرهاً بل طوعاً. إن تكن في هواك لم تعتبرني ... عبرة للسوي فبالقتل مرني عمرك الله من وجودي أجرني ... ) وبما شئت في هواك اختبرني ( ) فاختياري ما كان فيه رضاكا ( وقد حررنا من النصوص. ما يدل على جوابكم بالعموم وما يدل بالخصوص. أفإن رأيتم السائل يستضيء بمصباحها. ويفرع هذه الفروع على أصول بدائع إيضاحها. وإلا فذروا عليها من إكسير أنظاركم ذره. وأفرغوها في بودقة التقرير بعد أن تصفوها في كورة الفكرة. فعند ذلك تظهر للعقل بالفعل كالشمس. فيستضيء بها إضاءة الليل إذا عسعس. وتنكشف له انكشاف الصبح إذا تنفس. ولما أني خالٍ من الكتب. اعتماداً على ما حرر وكتب. أخذت ما تيسر. وتركت ما تعسر. هذا ومن أهديت إليهم السلام. محمولاً بأكف الغرام. يهدون لحضرتك وافر الدعاء. مشمولاً بمزيد الثناء. وأسأل الله تعالى مجيب من سأله. ومعطي من رجاه وأمله. أن يمن علينا بلقياك. وأن يكحل أبصارنا بأثمد رؤياك. في أحسن حال. وأرغد عيش وأهنى بال. إنه على ذلك قدير. وبالإجابة جدير. وعليك ورحمة الله السلام. ما هب نسيم الصبا. وابتسم البرق وضحك زهر الربى. وذكرت مجالسنا بمدينة السلام.) ثم كتب في الحاشية (وأهدي مزيد الشوق التام. والثناء المستدام. إلى حضرة الصارم الهندي. ذي العرف الرندي. واسع الرحاب. بهي الألقاب. سعادة إقبال الدولة النواب. جمعنا الله تعالى معه بخير آمين. ) وكتب (ظهر الكتاب بيتين. هما لخد الفصاحة كسالفين. وهما قوله: تحظى عريضة الثناء والدعا ... بلثم أيدٍ نحوها الفضل سعى

مولى الموالي شيخنا الحبر شها ... ب الدين محمود الفتي أبو الثنا ) فكتبت له (أمروة المروة. وصفا أهل الصفا والفتوة. الواعظ الذي يصدع بزواجر وعظه. ويقرط الأسماع بجواهر لفظه. اليةً لك برب البيت. المنزه حرم جلاله عن أن يطوف به نقص لعل ولو أن وليت. لقد نثر عني كتائب الترح كتابك. وخطابي إلى معالم الفرح خطابك. وروى ظمآن سري درك. وحلي جيد فكري درك. وأثبت دعاوى بنصوصك. وزينت خواتم عباراتي بفصوصك. بيد أنك حركت أشواقاً سكنتها أيدي التغافل. وسكنت أذواقاً حركتها محاريث التجاهل. فآهاً ثم آهاً على ربع أربع بأزهار الأدب. وأعرب عن محاسن عرب أشعار العرب. وتفجر بأنواع العلوم. وافتخر بمن حل فيه على أبراج النجوم. ولولا أن من الله تعالى علي بأصحاب سمرهم مما يضرب إليه آباط الإبل كل داوية. وسميرهم لا يزال واضعاً يديه على أذنيه خوفاً على ما شنف من دررهم المزرية بقرطي مارية. لشق دمعي ريقه إلى الأذيال. وللطم قلبي على وجهه بكفي الرية والطحال. والحمد لله تعالى أن قوى قواي على تحمل الفراق. ومن على لديغ ثعبان الغربة بأحباب يغني درياق غرائبهم عن ألف راق. وأرجوك أن تتحفني مع كل بريد بكتاب. وأن تبلغ سلامي إلى جميع الأحباب. وإن قبلت يافوخ الرحبى. تكن قد مننت على شيبي. أو شفتي عبد الغفار. تكن قد شفيت العبد على بعد الدار. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. ) وسألني (حضرة شيخ الإسلام. وكعبة الأنام. عن مسألة غريبة نظماً. يقوم لنا مقام الزلال إذا نظما. فأجبت عما سأل. سالكاً سبيل النظم كما فعل. وسترى ذلك الجواب. إن شاء الله تعالى آخر الكتاب. وأرسلت ذلك إلى الواعظ ذي القريحة الصافية. فأرسل لي هذه الأبيات على الوزن والقافية: أجدت شهاب الدين كل إجادة ... بثاقب فكر سلب سيب المجرة أروح معان جسمت ما أبنته ... بلفظ نظيم أم دراري سحيرة وهل مشكلات سلمت لك مقوداً ... وآتتك ما تبغيه كل عويصة لعمرك قد أوتيت سؤلك بعدما ... أجبت شؤالاً عن معان أبية أتاك شفاهاً من لدن كعبة سعى ... لنحو صفاها الفضل من كل وجهة وطاف بها جذلان من بعدما رأى ... حوادث دهر آذنته بضيعة وقام مقاماً من على رتاجها ... فكم نال وبلا من شآبيب رحمة بفضل وأفضال وعلم عنت له ... وجوه بها عين المعارف قرت من القرم بحر العلم من كل عارف ... يؤم حماه عاد عارف حكمة فلله ما أبدى بديع نظامه ... وما أظهرته فكرة أي فكرة فأعجزت إذا وجزت كل عرمرم ... عليه دلاص من فضائل جمة بما شئت شيخ المسلمين تحد من ... تشاء فقد أوتيتها بالعصوبة ألست الذي ضمت علاك عباءة ... مصاقع فرسان البلاغة أعيت سفينة نوح أنتم من نجا نحا ... إليها ومن عنها تخلف يكبت وما نقموا منا سوى أن مدحنا ... على الدوام يتلي سورة بعد سورة ويا ما أحيلي ما أجبت أبا الثنا ... بصورة نظم لاح في حسن صورة فكان على صادي فؤادي وروده ... كما كاعب دارت على حين غفلة تهادى بليلٍ من معاجر فاحمٍ ... تهادى بدرٍ في غشاء دجنا فوسدتها جيدي فأبدى وشاحها ... لرقة خصر شكية بعد شكية ويلثم مني كل جزء لثامها ... بكل فم من لثمة كل قبلة وعندي مقال في نظامك فاستمع ... فعنك أخذنا القول في كل شذرة فلو لم تكن في نظامك فاستمع ... فعنك أخذنا القول في كل شرة فلو لم تكن مازجت ما قد أجبته ... بصرف سلاف كللت بأشعة لما ضاء للمستقبلين لركنه ال ... عراقي ما يهديهم نحو قبلة ولاحتاج كل للتحري كمن غدا ... يروم صلوة في دياجر ظلمة ولكنه مذ قام وألحظ ناهض ... بجوهر فرد فضله جمع كثرة أضاء على أرجائه من خلال ... سناء يراه من بطحاء مكة فدم مستضيئاً من أشعة نوره ... ببدر منير ليله مثل ضحوة

انتهى ثم الظاهر أن مراد الناظم. عليه رحمة غفار الجرائم. بقوله وعندي مقال في نظامك المدح. لا الاعتراض والقدح. وحينئذٍ فيكون المقال. هو قوله فلو لم تكن مازجت ما قد أجبته إلى آخر ما قال. فإنه يلبي بالمدح لمولاه بكل لسان. ويرمي بجمار الشنار شيطان القدح بالجوارح والجنان. وقد أجاد فيه غير أنه أمرني آخراً بالاستماع حيث قال وعندي مقال في نظامك فاستمع. فأصخت فلم أسمع ما أفهم. ولست أعلم ما أراد والله أعلم. ) وكتب لي (مسكن احتراقي. حضرة الأفندي عبد الباقي. كأنه يعرض علي الحال. ولله تعالى دره فيما قال) ونصه (: استوهب الله عقلاً يعقل عن تكلف ما لا أعلمه. وعن تسور ما لا أحسنه ولا أفهمه. وأستعينه على عمل يرضيه مني. وقول يرضي به عني. وأدينه بقولي: على عرشي الرحمن سبحانه استوى ... كما أخبر القرآن والمصطفى روى وذاك استواء لائق بجنابه ... وأبرأ من قولي له العرش قد حوى فمن قال مثل ذلك كان استواؤه ... على الجبل الجودي من شاهق هوى ومن يتبع ما قد تشابه ينبغي ... به فتنة أو يبغي تأويله غوى فلم أقل استولى ولست مكلفاً ... بتأويله كلا ولم أقل احتوى ومن قال لي كيف استوى لا أجيبه ... بشيء سوى أني أقول له استوى وما نظمت أبكار هذه الفرائد بهذا السلك. إلا وأنا بموافقة أول ثاقب لها لا أشك. إذ لست وأيم الله ممن يبرم له خيطاً. أو ينظم من ثناء درره سمطاً. وبعد تعليق ما نظمته في هذه السطور. على لبة الطروس والصدور. أحدقت به أحداق أولي البصائر. وأقررت بأنه عديم الأشباه والنظائر. فأحببت مراجعة روح المعاني. ليظهر حقي باتحادها مع روح بياني. ليقال كما قيل: روحه روحي وروحي روحه ... من رأى روحين حلا في بدن فلما ظهر الميل عما عليه السلف من عدم التأويل. والجنوح إلى ما عليه الخلف من اختلاف الأقاويل. قلنا ذلك العلامة بما أراده سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون منا أعلم. وذلك الفهامة من كل ذي فهم بمقاصده تعالى أفهم. وقد تجاسرنا على تحشية هذه المنسوخة وتطريز طرازها. بما قاله حضرة المولى في روح معانيه التي أقعدت الصدور على إعجازها. فالمرجو بعد إمعان النظر العالي. بما عرضته لعمان إمعانكم من اللآلئ. إسبال ذيل العفو والصفح. لا زال مستولياً من العراق ومستوياً على الملك والصرح انتهى.) وحرر (للواعظ في ذيله وكتب. ما أسبلت عليه ذيل الستر إذ لاح من لسان قلمه نوع ما من سوء الأدب) ما نصه (:) والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى (وما قلت ما قلت إلا توسطاً في المسألة. متخيراً للحق جهدي في هذه المعضلة. ومقلني الله تعالى في بحار التلف. إن دنته عز وجل يوماً بغير مذهب السلف. والتأويل عندي في الصفات قول على الله تعالى بالظن. ومن يرضى أن يقول عليه سبحانه ما لم يقل به ومن. ويرشدك إلى ذلك ذكر المؤل عدة احتمالات. وليس ذاك من باب اختلاف العبارات. وما ملت إليه قد مال إليه غير واحد من السلف. ومن تتبع كتب القوم في ذلك عرف. وعهدي بك يا واعظ وأنت واعي. فما الذي عراك حتى عدت غير مراعي. وبلغ سلامي وقيت من موجبات الأسف. على جماعتك المحبين السلف والخلف. ) وكتب لي ولدي (مدرس القادرية عبد السلام أفندي شواف زاده. أكرمه الله تعالى بالعلم والسعادة.) ما نصه (:

بسم الله الرحمن الرحيم أحمد مولاي المحمود بكل فعاله. وأشكره على مزيد أفضاله. وأهدي الصلاة والسلام إلى من ترقى في السفر إلى أعلى مقام. حتى جاوز الأين. وشاهد العين بالعين. وعلى آله وصحبه. ومن حظي بقربه وبحبه.) أما بعد (فمعروض العبد. الداعي في القرب والبعد. لحضرة سيده وسعد الزمان. وقطب السادة وفخر الموالي وعضد الأعيان. معرضاً عن تعاطي المدح وذكر الألقاب. مشتغلاً بالشكر والدعاء لذلك الجناب. لما رأيت أني إذا تعاطيت ذلك. أكون كالمخبر عن ضوء النهار الباهر. وأني حيث انتهيت من القول فيما هنالك. أنسب إلي العجز والتقصير الظاهر. لا بل فارس مضمار البلاغة إذا أطلق عنان قلمه في ذلك الميدان. فأتى بما لم يبلغ بليغ بلاغة وأنسى محامد عبد الحميد ومحاسن حسان. لم يصل هناك إلى غاية. بل لم يأت في ذلك المقام بآية. وكيف وأني بإحصاء الثناء. على مولى هو أخو المجد وأبو الثناء. المحيي لما عم مما لا يدركه الخال ولا يضبطه الحد. من دائر مآثر الأب والجد.) لكني أقول (هو أول ثاني ركبتيه في معالم هذا العصر لكشف أسرار التأويل. وآخر كشاف بإيقانه عن روح المعاني المحتجبة بأنوار التنزيل. بحر العلم المحيط بكنز الدقائق. ورموز الحقائق. ولكن ليس له ساحل. وطود الفضل العظيم الذي يهتدي به كل فاضل. كريم في طرق الفضائل والفواضل. بدر هالة الكمال المضيء بأنواره المستفادة من نور شمس النبوة المشرقة من مطالع بروج الفتوة جميع الآفاق. وقطب تداوير أفلاك الجلال المثمن بحاوي تحريراته ومحوي جاراته السبع الطباق.) وخلاصة القول فيه (لمن أراد كشف القناع. أنه لو صور نفسه الكريمة لم يزدها على ما فيه من كرم الطباع. فلهذا غدا بحر كمال لا عيب فيه سوى أن عباب علومه قد عذب وصفا. لا يدرك الواصف المطري خصائصه ... وإن يك سابقاً في كل ما وصفا أعني بذلك حضرة سيد وأستاذي. ومن هو بعد إلهي سبحانه سندي وملاذي. من اسمه وفعله ومقامه محمود. وعلمه وفضله وكماله غير محدود. وأسأل الملك العزيز السلطان. أن يحفظه من شر الشيطان. ومن كيد إخوانه أبناء الزمان. وأن يمنحه من كل ما يريد الأولى والأخرى. حتى يحوز خيري الأولى والأخرى. إن الحقير وأياديكم. التي أقرت بها أعاديكم. منذ حسدنا الدهر على التشرف برؤيا محياكم. وأستكثر علينا التعطر باستنشاق طيب رياكم. فأخذ بزمام عزمكم للتوجه نحو ديار الروم. وأقعدنا على العجز عن الوصول إلى ما نروم. تراكمت علينا غيوم الغموم. وتكاثرت أمطار الهموم. وتناوبت النوائب وأصابت منا المحز المصائب. وغزتنا جيوش الأشجان. وأحاطت بنا كتائب الأحزان. ولم نزل بعد بعدكم على هذه الحال. إلى أن نزل بنا ما نزل ومحا من وجه الأرض الخال. فضاق علينا إذ ذاك القفص. واتسعت دائرة الغصص. وصرنا في ظلمات الأكدار. لا نعرف الليل من النهار. وكيف حال من فارق قريبه الذي والاه. فأيس من إيابه. ونأى عنه ملاذه ومولاه. فرجا أن يراه ليزول ما به. ولا زلنا في هذا الزمان اللئيم. نذوق من العذاب الأليم. لا سيما في هذه الأيام. فقد فقد العبد من مولاه الميل التام. عبد السلام له كافي. وإن كان لا يحصل به تلافي. وأني بوجودكم لأجول في بغداد نظراً وفكراً. فلا أرى فيها من يكون كما كنتم لباز هواي أو أكون كغراب التفاته وكراً. فلذا تركنا الدار لأهله والدرس. وطوينا العرس على الفر والفرس. وأعرضنا عن الأسفار. ماثلين إلى الأسفار. ومشتغلين في الأسفار. عن خفيات الإظهار. وأني في بغداد وإن لم أقل كأنني مصحف في بيت زنديق. لكنني كالغريب ليس لي فيها قريب ولا صديق. لما أن بغداد. وأنت الخبير بها لا تقاس بالبلاد. فإنها وإن كان في أهلها فضل كمال. ليس فيما بينهم فضل كمال. فالسؤال من حضرة الشيخ الكاشف برأيه عويصات الزمن. بطريق الاستشارة والمستشار كما قال مشير دولتي النبوة والرسالة مؤتمن. إن السفر لمثل الحقير إلى دار الخلافة استنبول. هل فيه فائدة بوجهٍ ما وهل يحصل فيه مأمول. ولو مع طول المدة وقطع النظر عن الرجوع إلى الأوطان. والقطون مع من قطن في تلك البلاد من الأخوان. فيم الإقامة في الزوراء لا سكني ... فيها ولا ناقتي فيها ولا جملي

وكما عدمت فيها مسكني. عدمت صديقاً إليه مشتكى حزني. ومن المأمول زيادة وظيفتي المقابلة للتدريس في الأستانة الكيلانية. وذاك شيء ليس بخارج من كيس صدقات الدولة العثمانية. وإني سيدي وإن كنت لكم من أحقر الخدم. أظنني وليس من البعض عندكم من أهل البيت والحرم. وقد خلفتموني لدهرٍ شديد. وعيشٍ غير سديد. فها أنا أطلب الفرار. ولا أجد القرار. فتعطفوا بجوابي. لتزيلوا ما اختص من الجوى بي. ومع منعكم من استسحاب الحقير. في هذا السفر الخطير. أنتم منه في هذه المرة سالمون. وللدعاء منا والتفضل علينا غانمون. وما أردت فيما مضى تكليفكم بشيء لا يوافق طبعكم السليم. لا ومن) لا يكلف نفساً إلا وسعها (وهو سبحانه بذاك عليم. والآن إذا سافرت فبلغت المنى برؤيتكم. لي في شيء من الأشياء الكلية والجزئية. بل لو أردتم عدم الانتساب إلى حضرتكم أنتسب إلى المشايخ القادرية. هذا وأني لا أعتقد بل أعلم أن تحويل الأحوال. وتصريف الأفعال بيد الملك المتعال. وهذا كما هو ظاهر لديكم وعلمكم به اشتمل منا وأكمل. كالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب وإن كان الترك أعلى وأفضل وأحلى وأسلم. على من به كتاب الرسالة قد ختم. ثم كتب في الحاشية. وأهدي التحيات الوافيات لنجلكم ... مدى الدهر في الأنعام لا زال باقيا ثنائي له أبدية في كل محفل ... وأدعو له يرقى العلوم مراقيا ومن بعد للأحباب أهدي تحية ... كذا العبد والخدام نلت الأمانيا ) وهذا ما كتبته (في جوابه. ولا أظنه يطفئ مزيد جوىً به: ما كنت أظن أن من الكلام ما يبري الكرم. ومن السلام ما يباري نسمات الأسحار في مدينة السلام. حتى ورد علي كتاب الإعجاز أول صفاته. والمجاز إلى معالم الحقيقة أحد طرقاته. فهو ولا أطيل آية الله الكبرى الدالة على شرف الإنسان. وأنه المشار إليه بالبنان من بين من أوتي البيان. أتحفني ولدي القلبي. وحبي المقصور لسلامة خيمه في خيمة حبي. الأجل الأشيم.) عبد السلام أفندي (الأفخم. ملأ الله تعالى بالسلامة أهابه. ولا زال السرور يملي علي حسب أملي كتابه. فيا لله تعالى دره من ولد. قد بربي وربي عندما كاد يذهب بكبدي الكبد. إلا أني شكوت من شكواه. نحو ما كنت أشكوه إذ كنت ثاوياً مثواه. مع أمور أدرجها في كتابه. واتخذها درجاً إلى شرح ما به. فمذ وكر على ذهني عقاب ملخصها. طارت قطاة قلبي عوفيت من مفحصها. وصرت كلما طالعت من طلائع أحواله جملة. حملت على جيوش الهم حملة أي حمله. إذ أنت يا ولدي. بمنزلة عبد الله عندي. يؤذيني كثيراً أقل ما يؤذيك. ويورثني هماً عظيماً أحقر ما يؤثر فيك. إلا أنك على ما يشعر به كتابك لا شعور لك بذلك. ولذا ظننت أني ضننت عليك بما ينفعك في صحبتي فيما سلكت من المسالك. لا والله ما كان آبائي عن صحبتك بخلاً. ولا مر ببالي أن لست يا حلو الشمائل لصحابتي أهلاً. لكني كنت أعرف أن المسلك وعر. وهو ثلج الله صدرك وغر. وأنا حديث سفر. وغر نفع وضر. وجاهل بما ينال العالم. فيما أردت التوجه إليه من المعالم. فخشيت أن يلم بك ما ألام به. ولا ينالك من ركوب مطايا السفر غير كربه. على أني لما ألقيت عصا التسيار. وألفيت الرحلة بأسفار نهار الاستقرار. فتحت غيني على جنة جميلة الذكر. لكن قطوفها اليوم نائية. وحوراء دقيقة الخصر. إلا أنها لعطف عطفها في كل ساعاتها ثانية. قوس أنعام. بيد أنه لا تحوم صوب الغرض منها السهام. وإذا حققت حالي. تحققت صدق مقالي. ولولا أن القلم لو شرحت يغص بريقه. والقرطاس لو فصلت يفزع لشق زيقه. لأسمعتك ما يصم سمعك. ويصم كل ربع خلا ربعك. فالآن إن كنت مصراً على فراق مصرك. وجازعاً من تجرع حنظل سوء المعاملة من أبناء عصرك. فاستعر لك طبعاً أو اشتره بالثمن. ولكن لا أقدر أن أجيبك إن قلت مثل من. وبعد ذلك الصبر سنين. ونصب فخ للدنيا حبه ما عندك من الدين. ومع هذا لا أجزم بحصول مرادك. وظفرك بما لم تظفر به في بلادك. إذ من رأيناهم من الوافدين أشبه الناس بغواص البحر. تارة يظفر وأخرى ينال ما يناله من الشر. وأقول لك بعد كل حساب. سلك الله تعالى بك وإيانا مسلك الصواب. لا تيأسن من العوا ... قب فالأمور لها انفراج بينا شجاك رتاجها ... إذ قيل قد فتح الرتاج إن الليالي شربها ... فيه العذوبة والأجاج

لم يشف من أوصابها ... كالصبر والتقوى علاج واعلم يا ولدي. أن أعظم سهم أصبت به كبدي. حديث حادثة وفاة الخال. التي تندك من سماعها شوامخ الجبال. فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما ومنذ تجرع مرارة ذلك الخبر المسمع. نزل بي ما نزل فعدت لا أحط ولا أرفع. نعم كبدي لا وجنتي قد لطمتها ... عليه وعيني لا ثيابي شققتها ثم نظرت فهون علي ذلك الأمر الأمر. والضرر الأضر. والشر الأشر. إن حكم المنية في البرية جار. وإن هذه الدنيا الدنية ليست بدار قرار. وإن تلك الطامة. إحدى الثمانية العامة. ثمانية عمت بأسبابها الورى ... فكل امرئ لا بد يلقى الثمانية سرور وحزن واجتماع وفرقة ... وعسر ويسر ثم سقم وعافية فيا ولدي عليك بالصبر. وإن عظم الأمر. إذا حل بك الخطب ... فكن بالصبر لو إذا وإلا فاتك الأجر ... فلا هذا ولا هذا وبلغ لي السلام. يا عبد السلام. جميع من تعرفه حتى أحجار مدينة السلام. وخص لي حضرة النقيب. بإبلاغ الشوق العجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وكتبت (إلى المشد النقشبندي. ملاذ الفقراء الشيخ أبي بكر أفندي. وهو ممن فاق بمكارم الأخرق. جميع من أعرف اليوم من مشايخ العراق. أزيه في ولديه. وأذكره بما هو معلوم لدى العارفين ولديه. وهو هذا: لا كدر الله تعالى ولا أحزن. ولا أصاب بشيء من سهام الحوادث والمحن. حضرة من صبر على جهاد النفس. حتى ظفر بعينه في خامس الحضرات الخمس. الساحب رداء الولاية الكبرى في مقام البقاء بعد الفناء. والراكب ذروة سنام المهمة العلياء. في إرشاد السالكين والناسكين إلى الطريقة السوية والشريعة الغراء. شيخي وسيدي.) الشيخ الحاج أبو بكر أفندي (. لا زالت فيوضاته وابل القلوب. وتوجهاته كاشفة غمائم الغموم والكروب.) وبعد (فقد المنى إذا ألم بي فقد شبلك. وغروب نجم سماء أولادك وأهلك. وهم بإتلافي الهم. وغم على القمر ليلة البدر لفرط الغم. وماذا أقول لدنيا طبعت على الخطوب. وجبلت لا در درها على العيوب. ولعل هذا آخر سهم في كنانتها. وأنكى ما في خزانتها. فأعظم الله تعالى لكم الأجر. ووقاكم كل سوء وشر. ثم أني قد أخبرت بعلي همتكم المتضوعة تضوع المسك الأذفر. والمشرقة إشراق الفجر الأنور. فشكرت مولى ثابتاً ركن إخائه. صافياً شرب وفائه. لم يزل فضله عدة لإخوانه. ينصرهم ويقويهم. ونور يسعى بين أيديهم. لا زلت قلب الطريقة ولسان الشريعة وحصن الأمة وقرة الزمان وجمال الأيام. فلقد تفضلت علي بما لا أنساه. ولا يبلغ لساني من الشكر مداه. فإني للسان القلم يستطيع ذلك وهو أقصر من أنمله. واستمداده من دودة حبر هي أضعف من نملة. بيد أني أرجو من الله تعالى التوفيق. لأداء ما يليق والسلام دثاركم ورداؤكم. ) وكتب (لي في الجواب ما يرحب. صدور الأحباب وهو هذا: بسم الله الرحمن الرحيم أسنى محمود دعوات زاكيات طاهرات. وأكمل ممدوح تحيات ناميات متواترات. صادرة عن لسان معبر عن إخلاص قديم. وود مقيم وثناء عميم. يحملها نسيم لطائف اثني عشرية. ويعطرها أنفاس تجليات حقائق سبعية. تحف بها روحانيات الرضوان. وتزفها روح المعاني إلى حظائر الإحسان. يهدي ذلك إلى نادي من أشرقت محافل السادات العظام بوميض بيانه. وزينت مجالس العلماء الأعلام بدراري تبيانه. وانجلت وتجلت غياهب مجهولات المسائل بأنوار عرفانه. وانحلت وتحلت عقد مشكلات الأوائل ببنان بيانه. منبع الفواضل. ومجمع الفضائل. العارف بحقائق الفنون القلبية. والكاشف للقناع عن وجوه أبكار دقائق العلوم العقلية. المشيد بالأدلة الخمس قواعد الشرع المتين. والمؤيد بأفكاره الحمس أحكام الدين المبين. الحبر الفريد. والبحر المديد. المستغني بشموس أوصافه عن الإطناب في الألقاب. المستحق لأن ينشد فيه: تجاوز قدر المدح حتى كأنه ... بأحسن ما يثنى عليه يعاب

العالم الكامل. والفاضل الفاصل بين الحق والباطل. ملاذ الفقراء والمساكين. الواصل إلى الحضرة القدسية بمعارج اليقين. نعني به محمود الطائفتين. ومفتي الفرقتين. أعلى الله تعالى سرادقات الأدب بعلو قدرك. وجعل أهلة المتسللين من كل حدب تحت ألوية نهيك وأمرك. وأينع أزهار الحقائق في حدائق بيانك. وحلى أبراد الدقائق بطراز رقوم بنانك. ولا زال أهل الدوائر تتطفل على موائدك. وتستخرج فرائد المعاني من بحار فوائدك. ولا برح لسان المجد ينطق ببراعتك. وكرة الفضل تدور إلى محور عبارتك. ولا فتئت أشجار عدوك وآصالك وإرقة الأفنان. مثمرة كما تهوي ثمار اللطف والإحسان. آمين يا رب العالمين.) وبعد (فقد وصلت رسالتكم الكريمة. التي هي عن كل عيب سليمة. فجنيت بأنامل الفكر ثمراتها. واجتليب بإنسان العين مخدراتها. فإذا هي روضة غدقة. وريحانة غبقة. ويتيمة عقد. وتميمة مجد. ومطالع بدور كمال. ومشارق شموس إقبال. ذات نثر متفق الفقر. لم أدر أقطع جمان أم وشي حبر. أم قلائد غوان أم حدائق زهر. كلا بل هو سحر يؤثر. ثم تأملت ما اشتمل عليه من جنات ألفاظ زخرفت. وبروق معان تألقت. وسحائب سطور تألفت فحنوت على فرائد جواهرها لكونها يتامى. وترشفت من كؤوس حروفها مداماً يظنه الناس كلاماً. وخلب لبي سحرها الحلال وكنت أظن السحر حراماً. ومذ ملأت حقاق مسامعي دراً. قلت سبحان الله إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً. وقد تضمنت التعزية بأفول شمس فلك العرفان واليقين. على القدر ولدي علاء الدولة والدين. وبغروب قمر سماء قلبي أخيه الأصغر. محمد أسعد المشرق إشراق الفجر الأنور. ولعمري لقد كانا يروي ثغرهما عن الضحاك مع أنهما ابنا جلا. وريقهما عن المبرد مع أنهما طلا. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وهذا ما ينبغي أن يقوله عند المصائب المؤمنون. والصبر عند الصدمة الأولى. هو الأحرى بالمؤمن والأولى. نعم العدل وحبذا العلاوة. ولمر القضاء عند أهل الفناء حلاوة. أيا شمساً لها سرى سماء ... بحقك لا تغيبي عن سمائي ويا نوراً ويا بدراً تجلى ... لقلبي بالغداة وبالمساء رويدك لا تغب عني فإني ... إذا ما غبت أهلك في بلائي وحب صادق في جمع جمع ... وموت النفس في بحر الفناء وتلوين وتمكين وسكر ... بخمر راق في كأس الصفاء فهذا في الحقيقة سر كنزي ... وهذا نور معنى في البقاء وهذا جوهر من بحر فكري ... وكل الدر يوجد في خبائي وكل لمحة من كل معنى ... أراها قد تجلت في قبائي فخذ مني مليحات المعاني ... تجد كل العرائس في فنائي وتأتي لي شموس في المعالي ... وأولاد الحقيقة في صفائي ومن قد حل في أوج التجلي ... فكيف يطوف في حجب العماء أنا المتجلي والتحقيق شغلي ... ووجد الحق قصدي وابتغائي وأرجو من ألطاف المولى العميمة. وأوصافه الكريمة. أن يغض عن شرب سبيكة هذا الجواب طرف الانتقاد. وأن يلمحه بمقلة المحبة والوداد. فإنا أجبنا لكن بالذر عن الدر. وبالصفر عن التبر. وبالذبالة عن السراج الوهاج. وبالوشل عن البحر العجاج. لكن المودات. تجعل السيئات حسنات. وعين الرضى عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا ) وقلت شعراً (: دع الأنوار فهي حجاب عين ... ورأس مقام عباد الخيال ولكن الذي يفني ويبقى ... ينال خصوص أحوال الرجال العلم علمان علم الروبية. وعلم العبودية. وقد ذكرنا ما ذكرنا ليعلم ذوق الذائقين. وعشق العاشقين. ونار العارفين. ونور المحبين. وأنس المشتاقين. ووجد الواجدين. وثمرة المكاشفين. وكشف المجاهدين. وأسرار المتناهين. لقد طفت في تلك المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر ... على ذقن أو قارعاً سن نادم

حقيقة العرفان ذاك. فخذ فقد قلنا لك هاك. وكتب في إمضائه أفقر الورى. أبو بكر النقشبندي المتجلي المجددي. انتهى بتغيير تيسير. ارتكبه القلم إذ رأى أن فهم الأصل عسير. وقد بقي لك ما تجيل فيه قداح فكرك. وتقدح منه ما توقد به ذبالة مصباح مشكوة سرك. وإذا لم تفهم مثلي منه شيئاً فاتهم نفسك. وعب حسك وحدسك. فكلام العارفين خالٍ عن العيب. وماذا يقال في كلا. من لا يرضى إلا الحديث عن غيب الغيب. فاعلم ذاك والله تعالى يتولى هداك.) وكتبت (في الجواب. عن ذلك الكتاب ما نصه: حضرة دليل السالكين في الحضرات الخمس. ومبري عليل الناسكين. بإذن الله تعالى من أمراض النفس. واحد عصره في مصره. والثاني ركبة الإرشاد على سجادة ذكره وذكره. سيدي وسندي. الحاج الشيخ أبو بكر أفندي. لا زلت كارعاً من زلال توجهاته. رابطاً قلبي برابطة الإخلاص في موالاته) وبعد (فقد شرفني كتابك. وسما بي إلى أسمى شرافات الفخر خطابك. فأردت أن أجاري ما حررت. فرجفت فرائص قلمي فما قدرت على أداء ما قدرت. خشية من قوم استغنوا بوشل الظاهر عن مثعنجر الباطل. وتعوضوا ويا حسرتا عليهم عن العذب الزلال بالإجماع الآجن. واحولت أعينهم فحسبوا الواحد اثنين. وحجبهم تراكم الغين عن مشاهدة العين. ومرت أفواههم من مرة محبة البيضاء والصفراء. فظنوا الحلو مراً. وانتكست عقولهم من عواصف الشهوات والأهواء. فأدركوا الخير المحض شراً. وصمت أسماعهم بأنامل الحسيات. فأنى يسمعون رنات رباب التجليات وهيهات هيهات. على أني وإن لم أكن والحمد لله تعالى من أولئك. لكني لم أسلك فيما سلكت من قويمات المسالك. فأنت اليوم. من أكابر القوم. قد عرفت الحقيقة. وغرفت من بحار الشريعة والطريقة. فكيف يصل إلى حقيقة ما وطنت به عقلي. وهو مما لا يكاد يفهمه سقيم الحواس مثلي. ومع هذا كله قد كدر قليب قلبي دلاء كرب الغربة. وشغل ذهني بلاء ما عزمت عليه بتوفيق الله تعالى من الأوبة. فأمدني) أمد الله تعالى عمرك (بهمة قلبية. وروحني بأنفاس زكية من نفس قدسية. وأشكر نيابة عن داعيك. والفاني حباً فيك. حضرة نامق باشا الوالي المشير. كان الله تعالى له في الإقامة والمسير. فقد نلت ببركة جدي حبيب الله تعالى الأعظم. صلى الله تعالى عليه وسلم. ثم بمدخليةٍ ما من المشير المشار إليه. أكمل الله تعالى نعمته عليه. بعضاً مما خدت إليه بعملات آمالي. من حصول ما أتعيش به مع أدام القناعة أنا وعيالي. وأنا داع له في فروق كما كنت داعياً في العراق. وإن كان قد داف لي شهدة هاتيك المدخلية بالمر الذعاق. وهو أعرف بما كان منه عفا الله عز وجل عنه. وأرجوك ألا تشير له بشيء مما أشرت به لك. أدام الله تعالى على مخلصك فضلك. هذا وجميع تلامذتك يقبلون قدميك. وسلام الله تعالى ورحمته وبركاته عليك. ) وجاءني (من نخبة علماء الزمان. ومن خلقه ألذ من الماء البارد على قلب الظمآن. صاحب الرسوخ والتمكين. علم الهدى الشيخ عصام الدين. كتاب أرسله إلي من صاوغ بلاغ وأبلغني فيه مرامه أي إبلاغ. وقد عرضته على رجال ذلك المغني. فضاع وما ضاع حساً ومعنى. فكتبت له: بسم الله الرحمن الرحيم

من العبد الفقير إلى اللطف القدوسي. أبي الثناء شهاب الدين محمود الشهير بابن الآلوسي. أخذ الله تعالى بيده وجعل سبحانه يومه حاسداً لغده. إلى حضرة واحد عصره. وثاني وسادة الإفادة في مصره. ذي النفس العصامية. والغيرة الفاروقية. رحلة المستفيدين. علم الهدى الشيخ عصام الدين. نفس الله تعالى كربته وطهر من رجس الرفض بلدته. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.) وبعد (فإني أحمد المولى. جميل ما أولى. وأشكره عز وجل على أن وصل إلي كتابك. فحصل لي به من السرور ما حصل. بيد أنه أفادني مزيد اكتئابك. وضيق صدرك مما حل في هذا الزمن في فسيح رحابك. وطلبك الهجرة. لعلك تحظى بما يكون لعينيك قرة. وقد كتبت تستشير في ذاك. تستعين على ما فيه دفع إذ ذاك. فيا مولاي لا يخفاك أن الدنيا قد هيأت رحال مطايا الارتحال لتذهب. بل قد وضعت إحدى رجليها في الركاب ورفعت الأخرى لتركب. وقد غصت الأرض بالمظالم. وعضت الحوادث كل من في هذا العالم من عالم. فلا تكاد ترى عالماً سلمت له ديانته سالماً منها. ولا أرضاً وحق من دحاها خالية عنها. وإلى الله تعالى المشتكى. وهو حسب من توكل عليه وكفى. وقد عرضت كتابك على جملة من رجال الدولة. فلم أجد فيهم من له في قضاء مصلحتك صوله. حيث أنهم يدعون أن الروابط بين الدول اليوم تأبى مرامكم. وتحظر أن تتركوا ولو بلغ السيل الزبى مرامكم. فلست أرى لك يا سيدي سوى الصبر. والتضرع إلى الله تعالى أن يمن على أهل السنة بالتأييد والنصر. وأن أبيت إلا الهجرة. فلتكن إلى ما قرب إليكم من البلاد الإسلامية. ومتى حللتم فيها فتوسطوا بواليها في العرض لكم إلى الدولة العلية. وأما الهجرة إلى داء السلطنة إسلامبول. فأراه شاقاً عليكم ومع شق الأنفس قد لا يبلغ المأمول. والأمر إليكم. وسلام الله تعالى عليكم ومع شق الأنفس قد لا يبلغ المأمول. والأمر إليكم. وسلام الله تعالى ورحمته وبركاته عليكم. هذا والتفصيل طويل. وحسبنا الله ونعم الوكيل. انتهى. وكتب لي سنان الشريعة وسيف الدين. القاضي الخربوتي قاضي بغداد سنة ألف ومائتين وثمان وستين.) غب التفحص (عن تلك الذات. التي هي منبع الفضل ومظهر الكمالات. هو أن الداعي منذ عزم على التوجه إلى بغداد. لم يزل منشرح الخاطر مسرور الفؤاد. طمعاً بمسامرة ذلك العلم المفرد. والمولى الذي على فضله كل الخناصر تعقد. فلما تعذر حسب الإرادة تلاقينا. عند قرب تدانينا. واعترض عائق الزمان دون ذلك الأمل وقد عارضنا من أمم. وصار أدنى من يد لفم. دامت نفوسنا بحمد الله تعالى في المقاصد والأغراض. متلاقية على موارد الإخلاص والأمحاض. حتى وردت إلى بغداد فرأيته بلداً عاطلاً بغيبته. محتاجاً للتحلي بأوبته. عامراً به وأن خلا عنه وعن سواه. خراب منه وإن جمع العالم إلا إياه. ولم أر فيه من أتقلد من ألفاظه الدر النظيم. كما عهدته من حضرة ذلك المولى الكريم. فلا زلت أترقب من ذاته العلية موارد الأخبار. وهو سلمه الله تعالى لا زال يهدي إلى رقائق تسليمات هي ألطف من الطل في وجنات الأزهار. والآن حيث أعيتني الأشواق. وأضرت بي لواعج الأتواق. بادرت إلى تحرير ليكون لي في الجملة من جوابه تسلية لي عن ذلك الجناب الخطير. العديم النظير. وها أنا قد أرسلته. وإلى جنابه السامي قدمته. لدي شرف الوصول. المرجو والمأمول. أن يمن علينا بمكتوب. جالب لأفراح القلوب. وأن لا يخرجنا من الخاطر العاطر. والفكر المنير الزاهر. على الدوام سلمه الله تعالى وأبقاه. ومن علينا برؤياه. آمين انتهى. ) وكتب لي (العالم السديد. والعليم المديد. ذو الخلق الرندي. أقا ملا الشيرواني الدربندي. متشكراً لي على ما كان مني في حق الكريم الماجد. السيد صالح الكربلائي الشهير بالداماد إذ كان مغرباً في آمد. ومستنهضاً لي على الشفاعة في استرداده. إلى وطنه وأهله وأولاده. ولم أكتب له في جوابه كتاباً. حيث لم أجد لما رامه مني باباً: بسم الله الرحمن الرحيم

فخر الإسلام. وحجة الأفاضل الأعلام. وحلال العويصات التي هي أمنع من عقاب الجو في الظلام. ومنها عويصة أن القائم بالحق. إذا نطق صدق. والقائم بالسيف. ولو عدل فهو صاحب حيف. لأن الأصل معلوم وصاحبه مخذول. لا يقوم بالسيف المسلول. إلا الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بارك الله تعالى لك في حضرك وسفرك. وفرج الكروب والأحزان على أعزة القوم بنظرك. ثم لعمرك أنه قد قرع الأسماع. وملأ المآدب والبقاع. قضية إحسانك. للسيد فخر الأجلة. جناب ميرزا صالح الداماد ومواساتك له. وحيوة رأسك أدامها الله تعالى أن جموعاً من الفاطميين المتضرعين وجماعات من الفاطميات الباكيات. داعون وداعيات لجنابك تحت القباب المنورات. فوالله إن قضية هذا الرجل المكرام. لدى ذوي الأفهام. حيث نسب إليه أبناء بلدته قرية. وذاته عما عزى إليه بريئة بغير مرية. وكيف لا وإذا أسفر صبح المشيب فقد هوت أنجم الهوى. ووهت حبال الصبى. مع أنه من أجلة العلماء الفضلاء. ومن البيت الذي يلوذ به الناس إذا شملهم البلاء. هيهات ذاك دم ضيعه أهله. ثم أن الوزير الأعظم الذي هو ابن عمه في النسب. ويليق أن يقال فيه بحسب الحسب: متوج بالمعالي فوق هامته ... وفي الردى ضيغم في صورة القمر قد غفل عن أحوال السعادة الأوغاد. وما جبلوا عليه في الجوالق من الفساد. آه آه) فرب جذوة نار أحرقت بلداً (. سبحان الله إن بعض الناس كالغذاء النافع. وبعضهم كالسم الناقع. ثم أن هذا السيد الأجل الأعلى. وإن كان ممن يرى أن الصبر عند الصدمة الأولى. إلا أنه لا بد أن تكون السادة العظام. والقروم الفخام من ذراري الآل الكرام. والسلام عليكم ورحمته وبركاته انتهى. ) وكتبت لولدي النجيب محمود بك أفندي بن المرحوم داود بك (وقد جاءني منه كتاب تركي العبارة من طرابلس الغرب. يرحب بي فيه ترحيب من حب بمن حب. ما نصه: بينا أناجي الهم. وقد غم هلال السرور لتكاثف غيم الغم. إذ ورد علي ما سرني. وسرى ما أنا فيه من العنا عني. وجعلني أسرح وأمرح. وأجر ذيل الرضى في رياض المسرة وأفرح. وذلك كتابك يا من هو لدي. كروحي التي بين جنبي. ويا لله تعالى دره من كتاب مغرب. لقد اطلع شمس البلاغة بعد الأفول من المغرب. وهذا لعمري هو الإعجاز. الذي يقعد صدور المنشئين على الإعجاز. وقد لثمته وعينك ألفاً. وتمثلت بمحياه بعد أن تأملته حرفاً حرفاً. حيث بشرني بعافيتك. وحسن حالك في محل إقامتك. ثم أني رفعت أكف الابتهال. وحططت رحال الرجاء في رحاب التسآل. ودعوت الله تعالى أن يرجعني وإياك إلى مدينة السلام بسلام. ويمن سبحانه علينا برؤية أحبة هي في أعين المنى ألذ من طيب المنام. فالغربة على العلات تشق على أبناء الشرق. وهي عليهم ونور الأنوار في الغرب أشق. والفرق بين الجهتين. كما بين المشرقين والمغربين. ولكثرة ما للشرق من المفاخر. لا ترحل عنه مواكب الكواكب إلا بقاسر. أسأل الله تعالى لي ولكم العود إليه بالخير. مدفوعاً عنا وعنكم كل ضيم وضير. وأرجو من أياديك. ونجابة جمعت فيك. أن تبلغ دعائي حضرة أفندينا ولي النعم. أحمد الأفعال وفي الذمم. حفظه الله تعالى من كل ألم ألم. بحرمة الحبيب الأعظم. صلى الله تعالى عليه وسلم. هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إلى غير ذلك من مراسلات تزري بدراري الأفلاك. وتهزأ وحق لها بدرر الأسلاك. حسدني عليها الزمان فسرقها. وعدا ظلماً وعدواناً على جملة منها خبأتها في حافظتي ففرقها. ولعل فيما غفل عنه للكتاب مقنعاً. ولصرح تنزه ذوب الألباب مربعاً.) وقد أجزت هناك (جملة من الإمجاد. فازوا بالحظ الأوفر من سهام الاستعداد. وحررت لهم عدة إجازات. إلا أن الزمان فعل بها نحو ما فعل بالمراسلات. فلم يبق منها إلا ما هو أقل من إنصافه. مع ساداته الأجلة وأشرافه. فمن ذلك إجازتي في تفسير البيضاوي لحمامة مدرسة اللآلئ. أخي السيد عبد الرحمن أفندي الأجه لي. وهي: بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أجاز أهل التفسير بما هو أهله. وجزاهم بما صبروا على مر النصب حلو فضله العزيز وهكذا فضله. والصلوة والسلام على حبيبه مطلع أنوار التنزيل. ومعدن أسرار التأويل. كشاف غطاء الإبهام عن معالم الحقائق. وشافي دواء الأوهام بزلال بحر تبيانه الرائق. وعلى آله وأصحابه الواقفين على روح المعاني. والموفقين لإرشاد العقل السليم إلى طيب المغاني. فآثارهم جلاء عيون المدارك. وضياء درهم المنثور. يهدي السبيل إن احلولكت أرجاء المسالك.) وبعد (فقد من ربي جل شأنه علي. بما هو أحلى من المن لدي. وهو الاجتماع بذي الفضل الجليل الجلي. السيد عبد الرحمن أفندي بن السيد أحمد الأجه لي. كان الله تعالى لي وله. ولا زال له في طلب العلم وله. فرأيته قد امتلأ من العلم والأدب أهابه. وسح بوابل أسرار الشريعة والطريقة سحابه. وعلمت منه حفظه الله تعالى من أنواع المساوئ. وصانه عز وجل عن الوقوع في المهاوي. إن له رغبة في درس تفسير مولانا ناصر الدين البيضاوي. بيض الله تعالى بأنوار القبول صحائف حسناته. ومن عليه جل شأنه بتكفير سيئاته. ولزيادة رغبة فيه على صحبه. استجازني مع غاية الالتماس به. فأجزته كما أجازني الشيخ يحيى المزوري العمادي. عن الشمس محمد الكزبري. عن والده الشيخ عبد الرحمن الكزبري. عن العارف عبد الغني النابلسي. عن النجم محمد الغزي. عن والده البدر محمد الغزي. عن القاضي زكريا. عن الحافظ ابن حجر العسقلاني. عن عبد الرحمن الذهبي. عن عمر بن إلياس المراغي. عن مؤلفه ناصر الدين أبي الخير عبد الله بن عمر البيضاوي رحمه الله تعالى) ح (وكما أجازني الشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن والده الشيخ علي. عن الشمس محمد الحفناوي الأزهري. عن الشمس محمد البديري الدمياطي. عن الشبراملسي. عن البرهان. عن سالم بن محمد. عن النجم محمد بن أحمد. عن الزين زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري. عن الفضل المرجاني. عن أبي هريرة عبد الرحمن الذهبي إلى آخر السند السابق وذلك أعلى. ولي فيه والحمد لله تعالى أسانيد أخر يطول ذكرها.) وكذا أجزته (بسائر مؤلفات العلامة المذكور. ضوعفت لنا وله الأجور. بالسندين المذكورين وغيرهما وذلك بالشرط المعتبر. عند أهل الأثر. ثم أني أوصي المجاز بالتقوى. فإنها الوزر الأوقى والسبب الأقوى. وعليه بإكثار المطالعة والاعتناء بالتفهيم لدى التدريس. وصرف نفائس الأوقات في طلب العلم الشرعي النفيس. وقبول الحق مما كان. وخفض الجناح للإخوان. وأرجو منه أن لا ينساني وأولادي من صالح دعواته. لا سيما بعد درسه وصلواته. وأحمد الله تعالى حمداً غضاً. وأصلي وأسلم على سيدنا وسندنا حبيبه محمد حتى يرضى. وعلى آله وأصحابه. والمجدين والمجتهدين في تفهم معاني كتابه. ) ومن ذلك (إجازتي لولدي الألمعي. السيد محمد أفندي الرافعي. وهي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي روت أحاديث وجوده القديم إثبات. وارتوت قلوب أوليائه من بحار جوده العميم حتى رشح منها زلال الإيقان في نفي وإثبات. والصلوة والسلام على حبيبه الواسطة العظمى. والوسيلة الكبرى. سيد الخلائق على الإطلاق. وسندهم يوم يكشف عن ساق. وعلى آله وأصحابه نجوم الهداية. وفي طرق الرواية والدراية.) وبعد فإني (على قصر باعي. وطول همي من تغربي عن رباعي. قد أجزت طالب الإجازة مني. والراغب في الرواية عني. الأخ في الله. والفاضل الأداة. نخبة أحبتي وأخواني. السيد محمد أفندي الرافعي الحجمزي الداغستاني. كان الله تعالى له ولي. بحرمة كل مؤمن صالح ولي. بجميع ما حوته هذه الكراسة من الإثبات. المنسوبة للمشايخ الأجلة الإثبات. حسبما أجازني. الإمام الهمام. مولانا محدث دمشق الشام. العلامة السري. الشيخ عبد الرحمن أفندي الكزبري. تغمده الله برحمته. وأسكنه الغرف العالية من جنته. بأسانيده المسطورة فيها. العلومة لمن اطلع على ظاهرها وخافيها. وأوصيه وإياي. بما أوصى به الأنبياء عليهم الصلوة والسلام. من تقوى الله تعالى الملك العلام. وأرجو منه لي ولأولادي صالح الدعاء. لا سيما في أوقات الأنس بالطاعة والصفاء. انتهى.) ومن ذلك (إجازتي له أيضاً. وهي: بسم الله الرحمن الرحيم

إن واسطة عقد الجوهر الثمين. حمد الله تعالى بما ينبغي له على قديم وحديث فضله على العالمين. والصلوة والسلام على أول ذرة انفلق عنها صدف الإمكان. ونبعث من بحر الإحسان حتى كان ما كان. سيدنا وسندنا محمد أفصح من نطق بالضاد. وأمنح من روى بزلال جوامع كلمة الصاد. وعلى آله وأصحابه الذين بلغوا عنه ما سمعوا. وبلغوا الغاية في الإرشاد فانتفعوا أو نفعوا.) وبعد (فقد سمع مني الأخ النبيه النبيل. والفاضل الوجيه الجليل. العالم العابد. وعليم المفاخر والمحامد. السيد محمد أفندي الداغستاني. أعلى الله تعالى شأنه وشأني. وحفظه سبحانه وإياي من كيد كل ماكر وشاني. جميع هذه الرسالة الفريدة. المشتملة على أربعين حديثاً من كتب عديدة. جمع المحلق في جو علم الحديث ولا جناح. شيخ مشايخنا الشيخ إسماعيل العجلوني ابن محمد الجراح. وطلب من هذا العبد الفقير. أسير الآثام والتقصير. الإجازة بكل كتاب ذكر حديث منه فيها. مع أن الغربة قد قصت ما قصت من قوادم المسرة وخوافيها. فأجبته على ما بي. رجاء دعاء صالح منه يفرج الله تعالى به كربي واكتئابي. فأجزته أن يروي عني جميع الكتب المسطورة أسماؤها في هذه الرسالة الشريفة. حسبما أجازني ذو الكمالات المنيفة. محدث دمشق الشام. والإمام ابن الإمام. الفاضل السري. الشيخ عبد الرحمن الكزبري. عن علامة الأقطار. الشيخ شهاب الدين أحمد العطار. عن جامعها. وناظم عقدها. الشيخ إسماعيل ابن محمد المذكور. ضوعفت لنا وله الأجور. بأسانيده المشهورة. المذكور جلها في ثبته ذي الفوائد الموفورة. المسمى بحلية أهل الفضل والكمال. باتصال الأسانيد إلى كمل الرجال. وأوصى المجاز بالتقوى. فإنها الحرز الأوقى والسبب الأقوى. وأرجوه أن لا ينساني وأولادي من صالح دعواته. في خلواته وجلواته. وعقب درسه وصلواته. وجل المرام. الدعاء بصلاح الحال وحسن الختام. اه. ) ومن ذلك (إجازة طويلة. أجزتها جماعة من ذوي الطول في هاتيك المغاني منهم هذا الفاضل الذي ذكرناه آنفاً السيد محمد الداغستاني. وهي: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي أبدع بقدرته فطرة الخليقة. وأولى كلاً بحسب قابليته ما يليق به من صبغة الحقيقة. فعلم آدم الأسماء كلها. وفهمه الخواص دقها وجلها. واصطفى من أكابر ذريته. خالص أهل صفوته. للبحث عن حقائق الأشياء. والاطلاع على ما في بطون الأنباء. وألهمهم حقائق لا تحلق في جوها بازات الأفكار. وأوقفهم إذ وقفهم على دقائق ليس لها إلا عروش قلوبهم السليمة أوكار. فغدوا مواضع ودائع أسراره. ومطالع طوالع أنواره. فاستنبطوا وأفادوا. وصنفوا وأجادوا. وأضحى شريف بيانهم كشافاً عن معضلات الحقائق. ولطيف تبيانهم مفتاحاً لمشكلات الدقائق. وابتهجت بما نفثوه من روح المعاني الأرواح. فغدت تغرد بأطيب النغم وهي في أقفاص الأشباح. على نفسه فليبك من ضاع عمره ... وليس له منها نصيب ولا سهم واستضاءت من أشعة لمعان قرائحهم الآفاق. وأشرقت الأرض بنور ربها كل الإشراق. وصادفت بحار العلم والهدى تتلاطم أمواجاً. ورأيت الناس يدخلون في أبواب المعارف أفواجاً. إن سلف واحد منهم تخلف أو حدى بعد أوحدى. أو غاب كوكب طلع بدر له بالإشراق سيربدى. فصار سندهم سلسلة موصلة إلى ما هو خير بالذات وأبقى. فمن تمسك بحبلهم المتين فقد استمسك بالعروة الوثقى. لا سيما منهم أهل الفقه والحديث والتفسير. فصغير أولئك لعمري عند الله جل شأنه كبير. فماء ولا كصداء. ومرعىً ولا كالسعدان. وفي السماء نجوم لا عداد لها ... وليس فيها كمثل الشمس والقمر والصلاة والسلام على من كان سهمه من العلم في مقام قاب قوسين. مكمل علوم الأولين والآخرين من الثقلين. إلى علوم حماها مولاه. عن أن يلج ورب البيت حماها سواه. النبي الأمي أعلم ممن ... أسند عنه الرواة والحكمة وعلى آله وأصحابه الذين لم يألوا جهداً في نثر جواهر العلوم بأيد الرواية والدراية. ونظم أفراد الأمة الخصوص والعموم في أسلاك الهداية والعناية. ما لموسى ولا لعيسى ... حواريون في فضلهم ولا نقباء

) وبعد (فإن فضل الإسناد أظهر من أن يقام عليه دليل. ولذا ترى العلماء قد ضربوا له آباط الإبل وأكباد الجياد جيلاً بعد جيل. وأني لما أخرجتني نكباء الحوادث من مسقط رأسي. ورباع أحبتي ومجامع سروري وأنسي. مدينة السلام بغداد. لا زالت برجاً لشموس الأولياء الأمجاد. لم تزل ترفل بي سفن البر والبحر. وتهرول بي في شعاب برد وحر. لا أستقر بأرض أو أسير إلى ... أخرى بشخص قريب عزمه ناء يوماً بحزوي ويوماً بالعقيق ويو ... ماً بالعذيب ويوماً بالخليصاء وتارة أنتحي نجداً وآونةً ... شعب الحزون وحيناً قصر تيماء حتى حللت حرم الخلافة العظمى. ودار السلطان الكبرى. خلدها الملك المولى. فاجتمعت هناك بمصنفين منصفين. ومشتغلين بنار الوجد مشتعلين. دأبهم اقتناص الشوارد. وديدنهم افتضاض أبكار الفوائد. ولهم أخلاق أرق من دمعة الصب. وألطف من وابل غب الجدب. يميطون عن الغريب همه. وينسونه أباه الشفيق وأمه. لا ينكرون فضل فاضل. ولا يكرون بأسنة السنة التجهيل على أعزل جاهل. وإن من أولئك الكرام. والفضلاء الفخام. أناساً استمعوا لحسن ظنهم درسي. وتجرعوا بخندريس اللطافة كاسات أنسي. وقرءوا على بعض منقول ومعقول. وقبلوني شيخاً وكنت أظن أن لست بمقبول.) منهم (حضرة النازل مني منزلة ولدي. أبو المكارم جمال الدين صديق بك أفندي. ابن مولانا المسامت فضله هامات النجوم. حضرة عارف أفندي قاضي عسكر الروم.) ومنهم (ذو الذهن الذي يشق الشعر. والكاسي غواني المعاني أبهى الحبر. ذو الفضل الذي أقربه القاصي والداني. أبو اليمن علم الهدى السيد محمد رشدي أفندي الشترواني) ومنهم (الفاضل الزكي. والكامل الذكي. أعز أحبتي وأخواني. أبو البركات نجم الدين عبد الله أفندي الداغستاني.) ومنهم (جامع أفراد الكمال. والمتحلي بأشرف الخصال. زكي الأوائل والثواني. أبو الفوز جلال الدين السيد محمد الداغستاني) ومنهم (أخي الحميم. ذو الطبع السليم. والذهن المستقيم. المثابر على ارتشاف العلوم. واستكشاف سرها المكتوم. الصارم الهندي أبو الضياء نور الدين السيد إبراهيم أفندي. كان الله تعالى لي ولهم. وأعظم بين الأقران فضلهم. وبعد أن قرأوا علي ما قرأوا. وسمعوا مني ما سمعوا. طلبوا مني لعلمهم بفضل الإسناد الإجازة بما تجوز لي روايته. وصحت لدي والحمد لله عز وجل درايته. فأنشدتهم لعرفاني بنفسي. وحالي بين أبناء جنسي. ولست بأهل إن جاز فكيف أن ... أجيز ولكن الحقائق قد تخفى وأضواء فكري قد عرتها حوادث ... فآونة تخفى وآونة تطفى ولولا رجائي منكم صالح الدعا ... لما رسمت يمناي في مثل ذا حرفا

ثم أجزتهم بذلك على سبيلي الإجمال. وكتبت لهم إجازة بنيف وسبعين ثبتاً لمشايخنا الإثبات ذوي الكمال. وأخرى بما تضمنه من الكتب عقد الجوهر الثمين. لشيخ مشايخنا الأجلة الدمشقيين. الشيخ إسمعيل بن محمد جراح. عليه رحمة الله الفتاح. ثم أنهم استزادوني على ذلك فقلت مستعيناً بالله تعالى المالك.) أجزت (هؤلاء الأفاضل. والسادات الأماثل. بمصنفات الإمام علم الهدى. أبي منصور محمد بن محمد بن الحسين الماتريدي الاعتقادية وغيرها حسبما أجازني جماعة) منهم (الشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن الشيخ خليل الكاملي. عن أبيه النور علي الكاملي. عن الشمس محمد الميداني. عن الشهاب أحمد بن حجر الهيتمي المكي. والشمس محمد الرملي. عن شيخ الإسلام القاضي زكريا. عن الحافظ ابن حجر العسقلاني. عن الشمس القرشي. عن عبد الله الكاشغري. عن الحسام حسين. عن حافظ الدين محمد بن نصر النسفي الكبير. عن النجم عمر النسفي. عن القاضي صدر الدين محمد بن محمد النسفي. عن أبيه. عن جده الحسين بن عبد الكريم. عن الإمام المذكور. آنسه الله تعالى بالولدان والحور.) وكذا أجزتهم (بمصنفات الإمام أبي الحسن علي بن إسمعيل بن عبد الله ابن موسى بن بلال بن أبي بردة بن عامر بن أبي موسى الأشعري الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه. حسبما أجازني جماعة أيضاً) منهم (الشيخ السالف ذكره. وفر له يوم القيامة أجره. عن والده الشيخ علي. عن الشيخ محمد الحفناوي الأزهري. عن الشمس محمد البديري الدمياطي عن الشيخ حسن بن علي العجيمي. عن الشمس البابلي. عن الشهاب أحمد بن الشلبي. عن الجمال يوسف بن القاضي زكريا. عن أبيه. عن التقي بن فهد. عن المجد الفيروز آبادي. عن السراج القزويني. عن أبي بكر الهروي. عن الفخر محمد بن عمر الرازي. عن والده. عن أبي القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري. عن إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني. عن الإمام المتقدم ذكراً. أعظم الله تعالى له يوم الجزاء أجراً. وكذا) أجزتهم (بكتب العقائد المشهورة المتداولة بين المعلمين والمتعلمين. لساداتنا الماتريدية والأشاعرة رحمة الله تعالى عليهم أجمعين. ككتاب التوحيد والمقالات وكتاب رد أوائل الأدلة للكعبي وكتاب وهم المعتزلة من تآليف أبي المنصور الماتريدي. وككتاب الإبانة في أصول الديانة تأليف أبي الحسن الأشعري. وكشرح المواقف للسيد الجرجاني. وكشرح الماقصد وشرح النسفية للعلامة التفتازاني. وكشرحي الجوهرة للشيخ إبراهيم اللقاني. وكشرح العضدية للجلال الدواني. إلى غير ذلك بأسانيدها إلى مؤلفيها المذكورة في معظم الإثبات. التي أجزتهم بما تضمنته فيما مضى من الأوقات. فليرجعوا إليها. وليعولوا في مرامهم عليها.) وكذا أجزتهم (بفقه الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه حسبما أجازني به أساتذة كرام.) منهم (شيخي علاء الدين علي أفندي الموصلي. عن العلامة محمد نجيب أفندي ابن أحمد القلعي الحنفي. عن الشيخ مصطفى الرحمتي الأيوبي الحنفي. عن العلامة الشهاب أحمد بن علي المنيني الحنفي. عن سيدي العارف بالله تعالى الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي. عن والده الشيخ إسمعيل النابلسي الحنفي. عن الشيخين الشهاب أحمد الشوبري الحنفي. والنور حسن الشربنلالي صاحب حاشية شرح الدرر. برواية الأول عن السراج عمر بن بخبم صاحب النهر الفائق. والثاني عن الشيخ عبد الله التحريري كلاهما عن الشيخ أحمد بن يونس الشلبي صاحب الفتاوى المشهورة. عن السري عبد البر بن الشحنة شارح الوهبانية. عن الكمال بن الهمام صاحب فتح القدير. عن السراج قارئ الهداية. عن الشيخ علاء الدين السيرامي. عن السيد جلال الدين الكبير. عن الإمام أبي عبد الستار محمد الكردري. عن البرهان علي المرغيناني صاحب الهداية. عن فخر الإسلام البزدوي. عن شمس الأئمة الحلواني. عن القاضي أبي علي النسفي. عن الإمام أبي بكر محمد ابن الفضل البخاري. عن الإمام أبي عبد الله السيذموني. عن الأمير عبد الله ابن أبي حفص البخاري. عن أبيه. عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني. عن الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي ابن ماه صاحب المذهب رضي الله تعالى عنه. وهو أخذ عن حماد بن زيد. عن إبراهيم النخعي. عن علقمة ابن أبي وقاص عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود صاحب الهدى النبوي رضي الله تعالى عنه. عن أعلم

الخلق. وحبيب الحق. رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم. عن الأمين جبريل عليه السلام. عن الرب الكريم. الرؤوف الرحيم. رب العالمين جل جلاله. وعز نواله. وعظم أفضاله.) وكذا أجزتهم (بفقه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه حسبما أجازني به علماء أعلام) منهم (الشيخ عبد الرحمن الكزبري. والشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن الشيخ خليل الكاملي. عن الشيخ إسمعيل العجلوني. عن الشيخ محمد الكاملي. عن العلامة الشيخ محمد البطيني. عن المحقق الشمس الميداني. عن الشيخ أحمد الطيبي الكبير. عن السيد كمال الدين الحسيني. عن جمال الدين ابن جماعة. عن البرهان الشامي. عن ابن العطار. عن محرر المذهب شرف الدين يحيى النووي. عن جماعة أولهم أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد المغربي ثم المقدسي. عن أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهير بابن الصلاح. عن والده. عن أبي سعد عبد الله بن محمد الشهير بابن أبي عصرون. عن أبي علي الفاروقي. عن أبي إسحق الشيرازي. عن القاضي أبي الطيب طاهر الطبري. عن أبي الحسن محمد الماسرجسي. عن أبي إسحاق إبراهيم المروزي. عن أبي أحمد ابن سريج. عن أبي القاسم غثمان الأنماطي. عن أبي إبراهيم إسماعيل المزني. عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الإمام الشافعي. عن الإمام مالك. عن ربيعة. عن أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.) وتفقه مالك أيضاً (على نافع. عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. وكلا الصحابيين. عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وأخذ الإمام الشافعي أيضاً. عن سفيان ابن عيينة. عن عمرو بن دينار. عن ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. وأخذ أيضاً عن مسلم ابن خالد الزنجي مفتي مكة. عن عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج بالجيم أوله وآخره مع التصغير. عن عطاء بن أسلم. عن ابن عباس. وأخذ ابن عباس. عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وعن عمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه. وزيد ابن ثابت وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. والكل من أعلم الخلق على الإطلاق. رسول الله الملك الخلاق. وهو عليه الصلاة والسلام من رب العالمين. بواسطة جبريل الأمين. عليه السلام.) ولي سند أعلى من ذلك (وهو شيخ الإسلام. ومفتي الأنام. السيد أحمد عارف بك أفندي. عن العلامة ذي المآثر. وملحق الأصاغر بالأكابر. أبي محمد محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر الأمير المالكي المغربي ثم المصري. عن شيخه الإمام نور الدين أبي الحسن علي بن محمد الصعيدي العدوي المالكي. عن شيخه عقيلة. عن الشيخ حسن العجيمي. عن العارف القشاشي. عن الشمس محمد الرملي. عن شيخ الإسلام زكريا. عن الحافظ ابن حجر. عن الصلاح ابن أبي عمر. عن الفخر ابن البخاري. عن القاضي أبي المكارم أحمد بن محمد اللبان وأبي حفص محمد بن أحمد الصيدلاني عن أبي الحسن بن أحمد الحداد. عن الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم. عن الربيع ابن سليمان المراري. عن الإمام الشافعي. عمن سمعت آنفاً. وبهذا السند إلى الإمام أروى مسنده رضي الله تعالى عنه.) وكذا أجزتهم (بفقهي الإمام مالك. والإمام أحمد بأسانيدي المشتملة عليها الإثبات التي أجزتهم بها) وكذا أجزتهم (بالمشهور المتداول من كت فقهي الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي. كالبحر الرائق والأشباه والنظائر للعلامة زين الدين بن بخيم وكالنهر لأخيه الشيخ عمر ابن بخيم. وكالتنوير وشرحه منح الغفار للشيخ محمد بن عبد الله التمرتاشي الغزي. وشرحه الدر المختار وشرح الملتقى للشيخ غلاء الدين الحصكفي وكالدرر والغرر للعلامة محمد ابن فرموز الشهير بملا خسرو وكالهداية لبرهان الدين علي ابن أبي بكر المرغيناني وكشرحها فتح القدير لكمال الدين محمد بن عبد الواحد الشهير بابن الهمام وكشرح الجامع الصغير. والفتاوى الشهيرة للإمام فخر الدين الحسن بن منصور بن محمد بن عبد العزيز الفرغاني الأوزجندي المعروف بقاضي خان. وكمختصر الإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القدوري إلى غير ذلك من كتب فقه الحنفية وكتحفة المحتاج شرح المنهاج وشرح الحضرمية وسائر الكتب الفقهية للشهاب أحمد ابن حجر الهيتمي يالمثناة الفوقية قبل الميم نسبة إلى الهياتم من قرى مصر على ما ذكره العلامة محمد الأمير في ثبته وقال نسبة إلى محلة أبي الهيتم من محال مصر.

وكنهاية المحتاج. لشرح المنهاج. للشمس الشيخ محمد بن أحمد بن حمزة الرملي. وكشرح غاية الاختصار لشمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني. وكشرح المنهج للقاضي زكريا. إلى غير ذلك من كتب فقه الشافعية بأسانيدي إلى مؤلفي ذلك المشتملة عليها الإثبات التي أجزتهم بها أيضاً.) وكذا أجزتهم (بكتب الحديث المشهورة حسبما تضمنته تلك الإثبات أيضاً. واذكر لهم هنا سنداً لجامع المسند الصحيح لأمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة) بموحدة مفتوحة فراء مهملة ساكنة فدال مهملة مكسورة فزاي ساكنة فموحدة مفتوحة فهاء تأنيث على ما هو المشهور في ضبطه وهي لفظة بخارية معناها الزراع (. مقتصراً عليه لأنه مع غاية شهرته أصح الكتب الحديثية على الأصح وإن كان دون صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجاج) بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم الأولى بينهم ألف (بن مسلم القشيري) بالقاف والشين المعجمة مصغراً نسبة إلى قشير قبيلة من العرب (الخراساني في حسن الترتيب ولذا قال من قال: تنازع قوم في البخاري ومسلم ... لدي وقالوا أي ذين تقدم فقلت لئن فاق البخاري صحة ... فقد فاق في حسن الصناعة مسلم فأقول لي فيه أسانيد كثيرة. والحمد لله تعالى على نعمه المتواترة الوفيرة. منها وهو أول سند حظيت به) 1 (شيخنا علاء الدين علي أفندي الموصلي) 2 (عن محمد نجيب أفندي القلقي) 3 (عن الشيخ مصطفى الرحمتي والشيخ أحمد الحنبلي والشيخ علي السليمي) 4 (عن الشيخ عبد الغني النابلسي) 5 (عن الشيخ تقي الدين عبد الباقي الحنبلي) 6 (عن حجازي الواعظ سماعاً) 7 (عن محمد الحنفي ابن أركماس البرسي) 8 (عن الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني) 9 (عن أبي إسحق إبراهيم بن عبد المؤمن وأبي علي الجيزي وأم محمد عائشة بنت عبد الهادي) 10 (عن أحمد ابن أبي طالب ابن أبي النعم الصالحي الحجار وست الوزراء بنت عمر بن المنجي التنوخية) 11 (عن أبي عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدي ثم البغدادي سماعاً) 12 (عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي الهروي سماعاً) 13 (عن أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الدراوردي سماعاً) 14 (عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه الحموي السرخسي سماعاً) 15 (عن أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري سماعاً) 16 (عن سلطان أهل الحديث الإمام البخاري سماعاً منه. رضي الله تعالى عنه.

وأعلى سند لي فيه) 1 (الشيخ عبد اللطيف البيروتي) 2 (عن والده الشيخ علي فتح الله) 3 (عن الشمس محمد الحفناوي الأزهري) 4 (عن الشمس محمد البديري الدمياطي) 5 (عن الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني) 6 (عن العبد الصالح المعمر الصوفي عبد الله بن ملا سعد الدين اللاهوري نزيل المدينة المنورة زيدت شرفاً) 7 (عن الشيخ قطب الدين محمد بن أحمد النهرواني) 8 (عن والده علاء الدين أحمد بن محمد النهرواني) 9 (عن الحافظ نور الدين أبي الفتوح أحمد بن عبد الله بن أبي الفتوح الطاوسي) 10 (عن الشيخ المعمر ثلاث مائة سنة بابا يوسف الهروي الشهير بسيصد ساله) 11 (عن الشيخ المعمر محمد بن شادبخت الفرغاني) 12 (عن الشيخ المعمر مائة وثلاثاً وأربعين سنة أبي لقمان يحيى بن عمارة بن مقبل بن شاهان الخنلاني) ! 3 (عن محمد بن يوسف الفربري سماعاً) 14 (عن الإمام حجة الإسلام البخاري. عليه رحمة الباري. وما أقرب هذا السند في ثلاثياته. إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فليحمد الله على ذلك المجيز والمجاز.) وفي سند أقرب منه (. لكنه من طريق الكشف عن الشيخ عبد اللطيف المذكور والشيخ عبد الرحمن الكزبري عن والده. الثاني الشيخ محمد الكزبري. عن الشهاب أحمد المينيتي. عن أحمد النخلي بالسند إلى الشيخ عبد المعطي التونسي أنه استجاز بصحيح البخاري من سند الأنبياء والمرسلين سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأذن عليه الصلوة والسلام أن يرويه عنه وكذا) أجزتهم (بكتب التفسير الشهيرة حسبما تضمنته تلك الإثبات أيضاً. ولنذكر لهم أحد أسانيدنا في تفسير البيضاوي لعظم شهرته في الأقطار. وأحد أسانيدنا في تفسير المحقق شيخ الإسلام أبي السعود لعظم شهرته في هاتيك الديار. فأقول) أجازني (بتفسير العلامة البيضاوي. الشيخ يحيى المزوري العمادي. ثم البغدادي وفاةً والشيخان المار ذكرهما آنفاً. عن الشيخ محمد الكزبري. عن والده الشيخ عبد الرحمن الكزبري الكبير. عن عبد الغني النابلسي عن النجم محمد الغزي. عن القاضي زكريا. عن الحافظ ابن حجر. عن عبد الرحمن الذهبي. عن عمر بن الياس المراغي. عن مؤلفه ناصر الدين أبي الخير عبد الله بن عمر البيضاوي عليه الرحمة. وأجازني بتفسير المحقق أبي السعود المشايخ الثلاثة المذكورون آنفاً. عن الشيخ محمد الكزبري. عن ثالث السيد الجرجاني. والسعد التفتازاني. الإمام المحقق المدقق علي أفندي الداغستاني. عن الشيخ محمود الأنطاكي. عن الشيخ محمد الكاملي. عن الشيخ عبد القادر المضوري الفرضي عن القاضي عبد الرحيم الشعراوي. عن مؤلفه أبي السعود العمادي الرومي عليه الرحمة.

وكذا) أجزتهم (بعلم النحو كما أجازني المشايخ الثلاثة أيضاً. عن الشيخ محمد الكزبري بسنده إلى الفخر ابن البخاري. عن أبي حفص عمر بن طبرزد. عن أبي بكر الأنصاري. عن أبي محمد الجوهري. عن أبي بكر علي الفارسي. عن أبي بكر محمد بن السري السراج عن أبي العباس المبرد) بصيغة اسم الفاعل مراداً به المثبت للمسألة بالدليل لا بصيغة المفعول كما اشتهر فقد روي عنه أنه كان يقول برد الله تعالى من بردني (عن إمام النحويين البصريين أبي بشر عمرو بن عثمان الحارثي وهو سندي أيضاً في كتابه قرآن النحو المشهور بالكتاب) وكذا أجزتهم (بالكتب النحوية المشهورة كالأجرومية للإمام أبي عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المعروف بآجرومي) كلمة بربرية معناها الفقيه الصوفي (وكعوامل الجرجاني وكألفية ابن مالك وشرحها للجلال السيوطي وشرحها لبهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الهاشمي العقيلي الشافعي وسائر مصنفات ابن مالك النخوية وكالقطر وشرحه للفاكهي وشرحه للمصنف عبد الله بن يوسف بن هشام وسائر مصنفاته وكالكافية وشرحها لنور الدين عبد الرحمن بن نظام الدين أحمد بن محمد الدشتي ثم الجامي وشرحها للمدقق الرضي وكشرح الأجرومية وشرح الأزهرية وشرح قواعد الإعراب وشرح التوضيح للشيخ خالد الأزهري. وسائر مؤلفاته النحوية وكشرحي المغني للدماميني والشمني وكمؤلفات عصام الدين بن عربشاه الافرائيني النحوية إلى غير ذلك. من الكتب المشهورة بين أهل الفن. حسبما أجازني بذلك مشايخي بأسانيدهم التي تضمنتها هاتيك الإثبات) وكذا أجزتهم (بغنية سلطان الأقطاب. حضرة الباز الأشهب السيد عبد القادر الكيلاني قدس سره. وبالفتوحات المكية وسائر مؤلفات الشيخ الأكبر محيي الدين الحاتمي الخاتمي قدس سره التي هي أكثر من أن تحصى. وبرسالة أبي القاسم القشيري. وبعوارف المعارف لمفتي الصوفية أبي حفص شهاب الدين عمر الصديقي السهروردي ثم البغدادي مسكناً ووفاةً. وبإحياء العلوم لحجة الإسلام زين الدين أبي حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الشيخ علي السويدي. والمشايخ الثلاثة المذكورون آنفاً بأسانيدهم إلى البديري بأسانيده إلى مؤلفي تلك الكتب المذكورة في ثبته المشهور.) وكذا أجزتهم (بالأوراد الشهيرة. والأحزاب المعروفة بين الأصحاب وبالصلوة البشيشية. وبدلائل الخيرات المباركة المرضية. حسبما أجازني بذلك مشائخي بأسانيدهم ولا ذكر لهم سند الأخيرين اعتناءً بأمر الصلوة على سيد الكونين صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. فأقول:

أجازني بدلائل الخيرات الشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن الفاضل المعمر السيد منصور بن مصطفى السرميني الحلبي القادري النقشبندي الخلوتي الحسني الحنفي. عن العارف محمد الحنفي. عن ولي الله تعالى محمد المغربي التلمساني. قال أخذتها بطريق الباطن عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وبطريق الظاهر عن الشيخ أحمد النخلي. عن السيد عبد الرحمن المحجوب. عن والده السيد أحمد. عن والده السيد محمد. عن والده السيد أحمد المكناسي. عن مؤلفها محمد بن سليمان الجزولي. وأجازني بالصلوة البشيشية جماعة منهم. بل أولهم شيخي علاء الدين علي أفندي الموصلي. عن والده بن جوزي زمانه صلاح الدين يوسف أفندي الرمضاني الموصلي الشهير بالخياط. عن ولي الله تعالى بلا نزاع السيد علي البندينجي الكبير. عن الخضر عليه السلام.) وأجازني (من طريق الظاهر جماعة أولهم: أيضاً شيخي المذكور. ضوعفت لنا وله الأجور. بأسانيده) وثانيهم (الشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن والده الشيخ علي. عن الشمس محمد الحفناوي. عن الشمس محمد البديري. عن الشيخ حسن العجيمي. عن الشيخ محمد البابلي. عن ابن الفرات. عن التاج السبكي. عن والده تقي الدين. عن ابن عطاء الله. عن المرسي. عن أبي الحسن الشاذلي. عن سيدي عبد السلام ابن بشيش) بالباء الموحدة أوله ويقال بالميم بدلها () وكذا أجزتهم (بكتب مخصوصة في علوم شتى. كشرح العضدية في علم الوضع لعصام وشرح السمرقندية في الاستعارات له أيضاً وكشرحي الشمسية في المنطق للقطب الرازي. والسعد التفتازاني. وكشرح جمع الجوامع في الأصول للجلال المحلى وكشرح مختصر المنتهى. الحاجبي للعضد في الأصول أيضاً. وكمنهاج البيضاوي فيها أيضاً. وكصحاح الجوهري. وقاموس المجد الفيروز آبادي. ومزهر الجلال السيوطي في اللغة إلى كتب كثيرة. وزبر شهيرة. بأسانيدها إلى مؤلفيها المشتملة عليها أبيات مشائخنا التي أجزتهم بها.) وكذا أجزتهم (برقي وتمائم. مذكورة كأسانيدها في إثبات مشائخنا الأكارم. رحمهم الله تعالى أجمعين. وأوصيهم بالتقوى. في العلانية والسر والنجوى. وأن يحمل كل منهم كلام السادة الصوفية. أعاد الله تعالى علينا وعليهم من بركات أنفاسهم الذكية الزكية. على أحسن محمل وأقوم. وأن يتهم نفسه دونهم إذا لم يفهم. فأولئك الذين ولدوا مرتين. وولجوا في عالم الملكوت فكرعوا بأفواه القلوب من رأس العين. فأنى يقاس بهم من هو جنين في رحم الطبيعة إلى الآن. وقد غذى هناك بفاسد دم النفس الإمارة والهوى والشيطان. هيهات هيهات. أن الأرض السابعة من سابعة السماوات. والأولى عندي بمن لا يفهم. أن يترك النظر في كتب القوم فهو أسلم. وليس من ضروريات العالم. الولوج في مضائق هاتيك المعالم. وفي كتب الفقه والعقائد. غني عن تلك الكتب للزاهد العابد. وإن كان ولا بد لامرئ أن يطلع على ما في معالمها مما يتعاصى على الفكر. فليمتط للسير إليها قلب التوفيق على مطايا الجوع والسهر. وأرجو أيضاً من هؤلاء المجازين. أن يدعو إلي ولأولادي ولسائر المسلمين. لا سيما في الأوقات الشريفة. والأماكن المقدسة المنيفة. وجل المقصد والمرام. الدعاء بالعافية وحسن الختام. والحمد لله على ما أنعمنا ... حمداً به يجلو عن القلب العمي ثم الصلوة مع سلام دائم ... على نبي جاء خير خاتم وآله وصحبه القروم ما حررت إجازة العلوم ) واستجازني (هنالك. غير واحد من سالك وناسك. بطريقة القطب الرباني. والغوث الصمداني. علم الشرق والغرب سيدي عبد القادر الكيلاني. قدس سره. وغمنا بره. منهم الفائز من التقوى بالحمل والعلاوة. العبد الصالح محمد غوث الوزير الأعظم عند ابن عمه سلطان جاوة. وقد كان قادماً قبلي إلى دار الخلافة. وساكناً مع خدمه وأتباعه في دار الضيافة. وسبب قدومه طلب التبعة للدولة العلية العثمانية. وهذه صورة الإجازة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل الطرق إليه سبحانه بعدد الأنفاس. وروق لأوليائه خندريس لمحبته براووق عنايته وأترع لهم بيد هدايته الكأس. فسكروا فيه تعالى وهاموا. وغاصوا في تيار الفكر في أياديه وعاموا. وتجردوا عن السوى. وعطلوا أفراس الهوى. وغدوا ينادون بلسان الحال. في كل محفل ومجال. إليك وإلا لا تشد النجائب ... ومنك وإلا فالمؤمل خائب

وفيك وإلا فالغرام مضيع ... وعنك وإلا فالمحدث كاذب والصلوة والسلام على خليفته الأعظم في الخليقة. وصفيه الذي غدا أتباعه مجازاً إلى أسرار الشريعة والطريقة والحقيقة. وعلى آله وأصحابه الذين ساروا إلى خامس الحضرات بهمم عليه. وغاروا على خميس الشهوات فكسروه بنفوس قدسية. لا سيما خلفائه الراشدين المرشدين. وأئمة أهل بيته الطيبين الطاهرين.) وبعد (فلما كانت طرائق سادتنا الصوفية. أحيى الله تعالى قلوبنا بأنفاس هممهم الذكية الزكية. من أرجى أسباب الوصول إلى حضرة المولى جل جلاله. والحصول في فناء نواله الأعلى عم نواله. كم أشرقت من بروجها شموس العرفان. وحصل بالسلوك فيها الفناء والبقاء الاتمان. وقد اتضحت منها المسالك. فلا يضل فيها بتوفيق الله تعالى السالك. إلا أن طريقة السادة القادرية. المنسوبة لحضرة الباز الأشهب المحلق في جو الأسرار الربانية. القائل: أنا بلبل الأفراح أملأ دوحها ... طرباً وفي العلياء باز أشهب غربت شموس الأولين وشمسنا ... أبداً على فعلك العلي لا تغرب والمفصح بلسان الفناء في الحقيقة المحمدية عن قدره العلي. حيث قال وصدقته رؤوس الأولياء) قدمي هذه على رقبة كل ولي (. العالم الرباني. والغوث الصمداني. سيدي وسندي. عبد القادر الكيلاني. قدس الله تعالى سره. وأدام إلى يوم القيامة في الخافقين ذكره. من أجل الطرائق. وأوصلها إلى حرم الحقائق. وأعذبها مورداً. وأغزرها مدداً. وأقواها سنداً وأزكاها محتداً. فما كل مخضوب البنان بثينة ... ولا كل مصقول الحديد يماني

وكانت كلمة التوحيد توريد وجنة الإذكار. وتجعيد ذوائب حوراء أوراد الليل والنهار. بل هي محور كرة الإيمان. ومركز دائرة الإيقان. وفي حديث السجلات ما يغني عن الإطراء فيها. ويقضي بالنجاة في يوم القضاء لتاليها. جعلها الله تعالى آخر كلامنا من الدنيا. ورقانا بها يوم توضع الموازين الرتبة العليا. وقد تلقفتها الأخلاف عن الأسلاف. وصح حديث التلقين عند السادة الصوفية وأئمة المحدثين الأشراف. رغب الرجل التقي. والناسك النقي. من هو على المعادي ليث. وللموالي غيث. الأمير الجليل محمد غوث. وفقه الله تعالى للعمل في يومه لغده. وأوصله إلى حظائر الأنس به سبحانه قبل أن يخرج الأمر من يده. في الانتساب إليها. وتلقن تلك الكلمة الطيبة توفانا الله تعالى عليها. على يد هذا العبد الفقير. الأسير في قيود التقصير. غفر الله تعالى ذنوبه. وأترع بزلال الرحمة ذنوبه. فأجبته إلى ما طلب. ومنحته إلى ما فيه رغب. فلقنته طبق ما تلقيته. وعاهدته. حسبما عهدته. وأجزته بالتلقين. وأخذ العهد على المريدين. كما أجازني بذلك. سالكاً بي ما أشرت إليه من المسالك. شيخ السجادة وواحد السادة. ثاني الوسادة. نقيب الأشراف. ومن له من شرافات التقي على أسرار الملكوت إشراف. ذو الخلق العطر الندي. أبو المحاسن السيد علي أفندي. ابن نقيب الأشراف. وفخر آل عبد مناف. الكامل الأوحدي. السيد سليمان أفندي. بسنده المشهور. المشتمل على آبائه البدور. إلى جده الأعلى. ذي القدر الأغلى. باز الأسرار والمعاني. سيد وسندي السيد عبد القادر الكيلاني. بسنده الآت. إلى سيد الكائنات. صلى الله تعالى عليه وسلم) ح (وكما أجازني سلفه المرحوم الشيخ محمود أفندي ابن السيد زكريا بسند آبائه الكرام. إلى جده الضرغام.) ح (وكما أجازني الشيخ يحيى المزوري العمادي. والشيخ عبد الرحمن الكزبري الدمشقي والشيخ عبد اللطيف البيروتي. عن الشمس الشيخ محمد الكزبري عن السيد سعد الله الهندي. عن السيد عبد الشكور. عن شاه مسعود الاسفزائيني. عن الشيخ علي الحسيني. عن الشيخ جعفر ابن أحمد الحسيني. عن الشيخ إبراهيم الحسيني. عن الشيخ عبد الله الحسيني. عن الشيخ عبد الرزاق. عن والده سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني الحسيني. عن أبي سعيد المبارك المخزومي. عن الشيخ عبد العزيز التميمي. عن الشيخ أبي القاسم أحمد ابن أبي بكر. عن عبد الله الشبلي. عن أبي القاسم سعيد بن عبيد. المشهور في الخافقين بالجنيد. عن خاله السري السقطي. عن أبي محفوظ الشيخ معروف الكرخي. عن سيدنا علي بن موسى الرضا. عن والده سيدنا موسى الكاظم. عن والده سيدنا جعفر الصادق. عن والده سيدنا محمد الباقر. عن والده أفضل التابعين سيدنا علي الأصغر زين العابدين. عن والده أحد الريحانتين وثاني سيدي شباب أهل الجنة الحسين. عن والده مظهر العجائب سيدنا وصي النبي علي بن أبي طالب. عن ابن عمه. وجلاء غمه. حبيب الحق. ورسوله عز وجل إلى جميع الخلق. سيد العالم. محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.) وأقرب (من هذا السند عدداً. وإن لم يكن مثله مدداً. ما كان إلي عن الشيخ معروف. عن أبي سليم داود الطائي. عن حبيب العجمي. عن الحسن البصري. عن أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه. عن الرسول الأعظم. صلى الله تعالى عليه وسلم. والأول عندي سلسلة الجواهر. لاشتماله على أولئك الأئمة الأكابر. وأوصي المجاز المذكور. أترع الله تعالى حياض لطائفة الخمس من ساطع النور. بتقوى الله عز وجل في السر والعلن. فإنها مجلبة للمنح مدرأة للمحن. وأن لا يخل بأداء آداب الشريعة والطريقة. وأن يجعلهما جناحين للطيران إلى سماء الحقيقة. وأن يتحمل أذى الإخوان. ويقابل إساءتهم معه بالإحسان. وأن يأخذ بالعزائم فيما يسلكه من المسالك فإن حقيقة التصوف عند المحققين ذلك. وأن لا يتواضع لأرباب الدنيا لدنياهم. وأن لا يمد عينيه إلى ما متعوا به من غناهم. وأن يكثر الاستغفار. آناء الليل وأطراف النهار. وأن يكون أمله برحمة مولاه. أقوى من أمله بتقواه. وأن يداوي بعقاقير الذكر علل الجوف. وأن يمزج شراب الرجا بزنجبيل الخوف. وأن يوقر الكبير. ويوفر الشفقة على الصغير. وأرجو منه أن لا ينساني. وأولادي وأخواني. من صالح دعواته. في خلواته وجلواته. وعقب أوراده وصلواته. لا سيما بالسلامة من الآثام. والعافية وحسن الختام.

والصوة والسلام على سيد الخلائق. المرشد إلى أقوم الطرائق. وعلى آله وأصحابه الواصلين. وسائر متبعيه ومبتغيه الكاملين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. انتهى. ) واستجزت (أنا هناك جماعة. حازوا ويا لله تعالى درهم من الفضل جماعة. منهم حضرة شيخ الإسلام. ومفتي الخاص والعام. السيد أحمد عارف حكمت بك أفندي. كان الله تعالى له فيما يسر ويبدي. وقد أجازني بجميع ما جازت له روايته. وصحت لديه درايته. وقد أخذ عن علماء أعلام. وفضلاء كل منهم في حلبة الفضل إمام. منهم مولانا فاضل الدنيا. والمتوج بتاج الولاية الكبرى. شامة مكة المكرمة. ومورد وجنة كل مكرمة. حسنة الفلك الدوار. الشيخ عمر بن عبد الكريم بن عبد الرسول العطار. عطر الله تعالى بشذى رحمته. زكي روحه وذكي تربته. وقد كتب لحضرة المشار إليه إجازة بخصوص شمائل الترمذي. عن شيخه الشيخ علي بن عبد البر الونائي الأزهري الحسني. عن العلامة الصالح أحمد بن أحمد البجيرمي. عن الشهاب أحمد بن حسن الخالدي الجوهري. عن الشمس محمد الأطفحي. عن الشمس البابلي. عن الشيخ سالم السهوري. عن النجم الفيطي. عن القاضي زكريا. عن الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني. عن أبي محمد عبد الله بن محمد القدسي. عن الفخر علي بن أحمد بن النجار. عن أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي. عن أبي شجاع عمر بن عمر بن محمد البسطامي. عن أبي القاسم أحمد بن محمد البلخي. عن أبي القاسم علي بن أحمد الخزاعي. عن الهيتم بن كليب الشاشي. عن مؤلفها الحافظ أبي عيسى بن سورة الترمذي. برد الله مضجعه. وكذا بخصوص ما حواه ثبت شيخه الثبت الشيخ صالح الفلاني عن مؤلفخ. وكتب في آخرها أنه أجازه بجميع ما صح له روايةً مؤرخاً سنة 1229 في 3م. ) ومنهم (الفهامة البصير. والشيخ الكبير. حسنة الزمن. والجامع الأزهر لما تفرق في مصر الحسن من كل معنى حسن. الرامي المصيب بسهام أفكاره كل غرض سني. علامة عصره وعزيز مصره الشيخ حسن القويسني. رحمة الله تعالى المولى الغني. ولا زالت مترعة له كاسات اللطف الإلهي الهني. وقد أملي للمشار إليه إجازة صدرها بخصوص صحيح مسلم وسنن أبن ماجة وبقية تسعة وعشرين صحيحاً جمع الإمام عبد الله بن سالم البصري. أوائلها في رسالة وختمها بالإجازة العامة. وأمر بإثبات ذلك على ظهر ثبت الشيخ عبد الله الشبراوي وهو أيضاً من المجاز به وكان ذلك في سادس ذي القعدة الحرام سنة 1238. ) ومنهم (شيخ الشيوخ. ومن تم له على قنة فلك الحسن الرسوخ. الفاضل الذي غطر أرجاء الآفاق بعبير عنبر تأليفاته. وأقر عيون ذوي الأذواق بما جلاه على منصة الإفادة من عرائ تقريراته. والكامل الذي تعقد عند ذكره الخناصر. وتحل ببنان فكره البديع معاني مشكلات الخواطر. الغيث المدرار. الشيخ حسن بن محمد العطار. سقي صيب الرضوان ثرى قبره المعطار. وقد أجازه بخصوص نهاية الشمس الرملي الشافعي وبخصوص شرحه المسمى براحة الأبدان. في شرح نزهة الأذهان. لداود الأنطاكي في الطب. وبخصوص حاشيته على لامية الأفعال في التصريف لابن مالك. وبخصوص شرحه لولدية ساجقلي زادة في آداب المناظرة. وبخصوص حاشيته على شرح أم البراهين للعلامة محمد عرفة الدسوقي. وبخصوص تأليف شيخه العلامة عبد الله بن حجازي المشهور بالشرقاوي المسمى بفتح المبدي. على مختصر الزبيدي. وبخصوص حاشية شيخه المذكور على شرح الشيخ محمد بن منصور الهدهدي لأم البراهين المسماة بالصغرى لأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي المالكي المغرب التلمساني. وبخصوص شرح تحرير تنقيح اللباب وكلاهما للقاضي زكريا على مذهب الإمام الشافعي. وبخصوص حاشيته على موصل الطلاب. إلى قواعد الإعراب. للشيخ خالد الأزهري. وبخصوص أصول الحديث لابن الصلاح. وبخصوص حاشيته على شرح ابساغوجي لشيخ الإسلام القاضي زكريا. وبخصوص مؤلفات له أخر وقد كتب إجازة كل مما ذكر على ظهره وذكر في معظمها إجازته العامة له.

) ومنهم (الحبر الإمام. والبحر القمقام يتيمة الدهر. ومن آثاره سلافة أهل العصر. وأشعاره دمية القصر. ذو الفضل الجليل الجلي. الشيخ محمد أمين الزيلة لي. وكتب له إجازة بخصوص مشكوة المصابيح وكتب في آخرها الإجازة العامة وذكر أن سنده في ثبت شيخه الشيخ صالح الفلاني وكان ذلك في مصر القاهرة خامس شوال سنة 1227. ) ومنهم (ذو الذهن النقاد. والذهب الذي شهد بسلامته من الغش النقاد. محك ذوي الأنظار. والغني بفضله عن الدرهم والدينار. الفاضل الصفي. الشيخ علي الصيرفي. مفتي الشافعية في رشيد. غمره الله تعالى بلطفه الوافر المديد. أجاز المشار إليه أولاً بصحيح البخاري. وأتبع ذلك بالإجازة العامة وكلاهما عن شيخه أحمد الخضري. عن شيخ الإسلام الحفناوي. بسنده المسطور في ثبته وكان ذلك في أواخر شعبان سنة 1234. ) ومنهم (نادرة الزمان. والمشار إليه بين الأفاضل بالبنان. مفترع أبكار المعاني. الشيخ مصطفى البناني. تغمده الله تعالى برحمته. وجعل روحه سارحة في روضات الأنس من جنته. وأجازه أولاً بخصوص شرحه المسمى بروضة الطالبين. لأسماء الصحابة البدريين. وكان ذلك ثامن شوال سنة 1237 وبخصوص حاشية شرح التلخيص المشتهر بالمختصر للسعد التفتازاني التي جردها من هوامش نسخة شيخه العلامة الشيخ محمد الصبان وكان ذلك في تاسع شوال سنة 1237. ) ومنهم (الفاضل الكامل. والراقي بعلي همته إلى قنة الفضائل. حسنة الدهر الشرس العاتي. الناثر الناظم الشيخ علي الساداتي. وقد أجازه إجازة عامة عن شيخه الشنويهي عن العلامة الشرقاوي. والفاضل الصبان والعمادي. وداود القلعاوي. عن أحمد البرماوي. والحبر المهدي عن الحفناوي. بسنده وأجازه أيضاً بخصوص صحيح مسلم عن السمنودي. وكان ذلك سنة 1237. ومنهم الفاضل. الذي غدت فضائله غرر الفضائل. ودرر عقود مآثر الأفاضل. الألمعي الأوحدي. الشيخ أحمد السردي. عليه رحمة المعيد المبدي. وقد أجازه إجازةً عامة بكتب الحديث والتفسير ونص بعد على صحيحي البخاري ومسلم وعلى تفسير البيضاوي. وإذكار الإمام النواوي. وذلك عن الفاضل عبد الرحمن المقري الحفني. والكامل البديري. وشيخ الأزهر سليمان البحيرمي. وكان ذلك في ذي القعدة سنة 1231. ) ومنهم (الفاضل الذي أقر بواسع فضله ذوو الألباب. وطار صيته في البلاد والجبال والشعاب. جبل الفضل الراسخ محمد بن محمد صالح الشعاب. عليه رحمة الملك العفو التواب. وقد صدر ما كتب بإجازته بدلائل الخيرات عن السيد علي بن عبد الله الونائي الحسيني الشافعي. عن العلامة السيد محمد مرتضى الزبيدي الحنفي. عن السيد نور الحق. عن السيد سعد الله الهندي. عن الشيخ المعمر عبد الشكور. عن مؤلفها السيد محمد بن سليمان الجزولي) ح (. وعن عبد الرحمن المحجوب المغربي ثم المكي. عن قاسم ابن علي التونسي نزيل المدينة المنورة. عن عبد الله السوسي. عن الشيخ عبد بن سالم البصري المكي بسنده المذكور في ثبته وعجزه بالإجازة العامة. ) ومنهم الفاضل الآخذ من بسيطة الفضائل بقرنيها. والمسخر له ريح الإدراكات. تجري بسليمان ذهنه السليم بين لابتيها. الكوكب الدري. الشيخ محمد بن سليمان السكندري. أترع الله تعالى له كاسات لطفه الهني المري. وقد أجازه بالأربعين النووية. وصحيح مسلم وشفا القاضب عياض. ثم عمم الإجازة. وذلك عن العلامة الشيخ محمد الأمير بسنده المذكور في ثبته. وعن العلامة الدسوقي. وعن والده سليمان. وعن آخرين كثيرين. ) ومنهم (الفاضل الشيخ أحمد المالكي المغربي الشنقيطي أجازه إجازةً عامة بأرجوزة طويلة. هي في قطر فن الأدب. كالطاووس أحسن ما فيها الذنب. وهو قوله: وها أنا الشنقيطي الحقير ... وفي العلوم باعه قصير أجزت عارفاً كما أجزت ... مؤرخاً وموعدي أنجزت ومنشأ الحسن شطر التاريخ أعني أجزت الخ بيد أن وقوعه شطراً أولاً غير متعارف عند المشارقة والأمر هين.

ومنهم البحر الرائق. وكنز الدقائق. من كلامه تنوير الأبصار. والدر المختار. ذو التأليفات الشريفة. وقرة عين إمام أبي حنيفة. العالم الزاهد. الشيخ محمد عابد. غمره الله تعالى بمزيد العوايد. وقد أجازه بصحيحي البخاري ومسلم بشرحيه على مسند أبي حنيفة وبسنن ابن ماجة والدراس والبيهقي والدارقطني وبسائر السنن وبمصنف ابن أبي شيبة ومستدرك الحاكم وبجميع ما اشتمل عليه ثبت الشيخ صالح الفلاني. وثبت ابن سالم البصري المسمى بالإمداد. في معرفة الإسناد. ويرويه عن عمه الشيخ محمد حسين بن محمد مراد الواعظ الأنصاري. عن شيخه محمد بن محمد بن عبد الله المغربي. عن مؤلفه. وبجميع ثبت الشيخ إبراهيم الكوراني المسمى بالأمم في إيقاظ الهمم. ويرويه عن الشيخ يوسف بن علاء الدين المزجاجي. والزبيدي. عن شيخه الشيخ عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي. عن مؤلفه. وبجميع ما في سلسلات ابن عقيلة. ويرويه عن السيد عبد الرحمن بن سليمان. عن والده السيد سليمان بن مقبول الأهدل. عن مؤلفه. وذلك في شهر ربيع الآخر سنة 1235 وأجازه أيضاً بالوصايا الشريفة النبوية جمع شيخه التحرير السيد عبد الرحمن وذلك في المسجد الشريف النبوي في جمادى الأولى للسنة الخامسة والثلاثين بعد المائتين والألف. ) ومنهم (الفاضل. ذو المحامد والفضائل. التي لا يرى لها جاحد. حليف الوفا. وأليف الصفا. الشيخ إسماعيل الحامدي الحنفي. لا زال لطف مولاه به خير حفي. وقد أجازه بكل ما له روايته. وصحت لديه درايته. ) ومنهم (ذو المآثر والمفاخر. وملحق الأصاغر بالأكابر. علامة الآفاق. وفهامة العلماء على الإطلاق. البدر المنير. الشيخ محمد الشهير بالأبهر. وقد أجازه بمصر إجازة عامة. ) ومنهم (البحر العجاج. الحبر الذي تضيق عن واسع فضله الفجاج. المنيب الأواه. والمجتهد في طاعة مولاه. المولى الذي أضاءت أرجاء العلم بنور ذهنه الوهاج. الشيخ الجليل عبد الله بن عبد الرحمن سراج. لا زال منوراً بمصباح الرحمة رمسه. ولا برح آمناً من الخسوف بدره آثاره حتى تكور من الفلك شمسه. ) ومنهم (تاج الشريعة وصدرها. وشمس الأئمة وفخرها. صاحب حاشية الدر المختار. التي طار صيتها بأجنحة لقبول في الأقطار. المولى الصفي. الشيخ أحمد الطحطاوي الحنفي. تغمده الله تعالى برحمته. ونفعنا عز وجل والمسلمين ببركته. ) ومنهم (غزير المآثر والمفاخر. عزيز الأشباه والنظائر. ثبت العلماء الأعلام. سند الحفاظ وحجة الإسلام. ذو التأليفات الفائقة. والتحقيقات الرائقة. الغيث الهامر الهامي. مولانا قاضي العراق هبة الله الشامي. أحله الله تعالى في ربوة قدسه. وسعد رحمته وغوطة أنسه. ) ومنهم (معدن الفضل والنبل. ومن إليه تضرب آباط الإبل. آية الله تعالى في الحديث. وغوثه لكل طالب علم مستغيث. ثالث النواوي والرافعي. وقرة عين الإمام الشافعي. شمس نهار الفضل الملازمة لنقطة الاعتدال بلا ميل. الشيخ السجاد زين العابدين جمل الليل. جعل الله تعالى قبره الشريف عطن رحمته. وأباح لروحه القدسية مسارح جنته. ) ومنهم (ذو الذهن الوهاج. والسالك في كسب الفضائل منهاجاً ليس له من هاج. الفاضل الذي درياق علمه من سم الجهل شافي. الحبر الجليل الشيخ نصر الكافي. غمره الله تعالى بلطفه الوافر الوافي.) وقد أجازه (بالأربعين النووية وبصحيحي الشيخين. عن الشيخ صالح بن حسين الكوشي. عن العلامة محمد الطرابلسي أصلاً التونسي مسكناً. عن الشيخ العارف الشيخ موسى الجميني المقبور بجزيرة جزيه. عن الشيخ محمد الخراشي. عن الشيخ سالم السنهودي. عن الحافظ ابن حجر بسنده المذكور في أول شرحه المسمى فتح الباري وكان ذلك في غرة محرم الحرام سنة 1234. إلى غير ذلك من العلماء الأعلام. والفضلاء الفخام. ولا أكاد أستطيع لجميعهم ذكراً. ومعظمهم قد أجاز المشار إليه نظماً ونثراً. وفي كتابنا شهي النغم. في ترجمة شيخ الإسلام وولي النعم. طرف من ذلك إن أردته فارجع إليه.) وبعد (إن أجازني استجازني فكلت له كما كال. وقلت في آخر الأمر له كما قال. غير أني لعلمي وقدري وعرفاني. تلعثم عند خطابي إياه لساني.) ثم أني (كتبت له امتثالاً لأمره عدة من مشايخي الكرام. وأساتذتي الفخام عليهم رحمة الملك العلام.

) وممن أجازني (في تلك المغاني. الشيخ المعمر حسين أفندي الداغستاني. وحرر لي أبياتاً في ذلك. ضاعت مني والأمر لله عز وجل هنالك. ولم يبق في حافظتي أحد من مشايخه الأجلة. غير أني أعلم إجمالاً أنهم جمع قلة.) وممن أجازني أيضاً (العالم العربي. الشيخ محمد التميمي المغربي. وهو ممن جاء مصر شاباً فسكن فيها. واشتغل بالعلم حتى صار المشار إليه فيه بين أهاليها. وشاع بينهم على ما تواترت به النقول. إن له امتيازاً على غالب علماء مصر في المعقول. وقد ورد القسطنطينية منفياً. نفاه والي القاهرة عباس باشا مع أنه لم يأت شيئاً فرياً. وكان في أيام محمد علي باشا. جد الوالي المشار إليه معلماً لحفدته أبناء إبراهيم باشا. وبذلك حظي لديه. وعندما اجتمعت به خدثني بحديث الأولية الشهير. عن ملحق الأصاغر بالأكابر الشيخ محمد الأمير. ثم أني كما حدثني حدثته. وعلى نحو ما أجازني أجزته. وأعني بذلك الحديث ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال) الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (وفي رواية) ارحموا أهل الأرض (والتنزيه وهو تبارك وتعالى زاده كثيرون. منهم صاحب المنتخب وهو المسموع من بعض الشيوخ والموجود في إثبات بعضهم. وممن ذكره العارف الكوراني في كل من كتابيه المسالك والإتحاف. ومحمد بن سليمان المغربي في ثبته. وابن عقيلة في مسلسلاته. وأسقطه آخرون. ) منهم (ابن الجوزي في عقود اللآلئ. والجلال السيوطي في جياد المسلسلات. وسقط من نبت الشيخ عبد الباقي الحنبلي. ومن ثبت الشيخ إسماعيل العجلوني. وكذلك من ثبت الشيخ أحمد العطار. لكن قال وفي أخرى زيادة تبارك وتعالى بين قوله) الرحمن وارحموا (واختلف في الرواية في) يرحمكم (هل هي) بالرفع أو بالجزم (. فقال في الإسعاف الرواية) بالرفع (كما قاله البرهان العمادي. فالجملة) دعائية مستأنفة (ونقل مثله عن النجم الغزي. وفي ثبت العجلوني أنه لا يمتنع الجزم في جواب الأمر. والظاهر أنه أزاد عدم الامتناع في الصناعة. وقال العلامة أبو الفتوح علي بن مصطفى الميقاتي الدباغ في رسالة متعلقة بهذا الحديث أن يرحمكم مجزوم على أنه جاوب الأمر. ثم قال هكذا ضبطه البدر الزركشي في تذكرته عن جزء ابن الصلاح. ثم نقل كلام النجم الغزي. وأن الرواية بالرفع ثم قال شواهد الحديث تقتضي الجزم. وقال الحافظ الشيخ محمد الكزبري الدمشقي) جزم بعض المسندين المتقنين (بأن الجزم أي في جواب الأمر هي الرواية. ومن أجاز الرفع على أن الجملة دعائية مستأنفة فإنما يتم له لو ثبت رواية. وهو لم يثبت كما تلقينا عن المشايخ العظام اه. وقال المسند أحمد العطار أخبرني صاحبنا الشيخ محمد الجوهري المصري. أن والده الشهاب أحمد ألف رسالة في هذا الحديث ونقل فيها أن الرواية جاءت بالوجهين اه. ثم قال العطار وعلى كلٍ فرواية الرفع أبلغ كما يظهر بالتأمل اه.

ووجه الأبلغية بأن رحمته تعالى على الرفع تكون مطلقة غير مرتبة على شيء بخلافها على الجزم فإن الكلام عليه في معنى الشرط. أي) أن ترحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (ولا يعكر على أبلغية الرفع إفادة الجزم الترغيب في رحمة من في الأرض لأن هذه الإفادة إنما تفيد بلاغة الجزم لا أبلغيته اه. ولعل لقائلٍ أن يقول أن المنساق إلى الذهن الجزم في جواب الأمر لأنه الأكثر في الأفعال المضارعة الواقعة بعد فعل الأمر وأن الرفع وجعل الجملة دعائية مما قل بعد لأمر. ثم أن الدعاء معنىً على ما يقتضيه السوق معلق على رحمة من في الأرض فلا تكون رحمة من في السماء لمن يرحم من في الأرض مجزوماً بها على الرفع كالجزم بها على الجزم فيضعف أمر الترغيب على ذلك. وجعل الجملة على الرفع مقطوعة عما قبلها لفظاً ومعنىً) على معنى يرحمكم من في السماء مطلقاً. أي إن رحمتم وإن لم ترحموا (يأباه الذوق السليم. والذهن المستقيم. ولا يرضى الفكر النفاد. أن يحمل عليه كلام أفصح من نطق بالضاد. ويزيد ما ذكر وضوحاً إن في صدر الحديث تعليق الحكم بالمشتق وهو كما قالوا يفيد علية مبدأ الاشتقاق فيكون الجملة التي في آخره على رواية الجزم كالمتفرعة على الجملة الأولى. إلا أنه لم يؤت بالفاء لظهور ذلك لا كما قيل أنها كالتأكيد للجملة الأولى ولذا فصلت عنها ولم توصل بها. وقولهم التأسيس خير من التأكيد لا يستدعي حمل كل كلام عليه بل متى اقتضى المقام التأكيد كان هو الخير. فتأمل فإنه دقيق. وبالاعتناء حقيق. ثم أن هذا الحديث على ما نقله الشيخ محمد الزبري حديث حسن عال أخرجه البخاري في تصنيفيه الكنى والأدب المفرد. وأحمد والحميدي في مسنديهما. والبيهقي في الشعب. وأبو داود في سننه. والترمذي. وقال حسن صحيح. وأورده الحاكم في مستدركه وصححه. وذكر الشيخ أيوب في ثبته أن له شواهد عن ثمانية عشر صحابياً وعد أسماءهم. ثم قال العراقي هذا حديث حسن رجاله يحتج بهم في الصحيح انتهى. وقد جمع طرق هذا الحديث جماعة من المتقدمين المتأخربن. ) منهم (ابن الصلاح. والتقي السبكي. والحافظ الذهبي وغيرهم. فبلغت ما بلغت فلا يكاد يشك أحد في صحته.) نعم (ذكره بعضهم مسلسلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهو غير صحيح بل الصحيح المشهور أن تسلسله إلى ابن عيينة دون باقي الإسناد ومن سلسله إلى آخره فهو أما مخطئ أو كاذب كما أوضحه السخاوي. ثم أن المسلسل بالأولية غير منحصر فيه. فقد ذكر الصوفي العارف المولى الياس الكوراني في إجازته للشمس الشيخ محمد الكزبري. أن المسلسل بالأولية ثلاثة أحاديث. أحدها حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص يعني هذا. وثانيها حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداه وإذا رفع (رواه ابن ماجة. وثالثها حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) يجمع الله تعالى العلماء يوم القيامة فيقول إني لم أجعل حكمتي في قلوبكم إلا وأنا أريد بكم الخير اذهبوا إلى الجنة فقد غفرت لكم على ما كان منكم (رواه الإمام أبو حنيفة في مسنده انتهى. لكن الشائع الذي ولع الناس به هو أول الثلاثة وما أنسب تسلسل حديث الرحمة بالأولية وذلك لسبق الرحمة. فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما رواه الديلمي) أول شيء خطه الله في الكتاب الأول أنني أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فله الجنة (ومن ولع الناس به أن ضمنه في النظم جماعة من المحدثين والشعراء. فمن ذلك قول الحافظ ابن حجر العسقلاني: إن من يرحم أهل الأرض قد ... جاءنا يرحمه من في السما فارحم الخلق جميعاً إنما ... يرحم الرحمن منا الرحما وقول حافظ الوقت الزين العراقي: إن كنت لا ترحم المسكين إن عدما ... ولا الفقير إذا يشكو لك العدما فكيف ترجو من الرحمن رحمته ... وإنما يرحم الرحمن من رحما وقول شيخ الإسلام القاضي زكريا: من يرحم أهل السفل يرحمه العلي ... فارحم جميع الخلق يرحمك الولي وقول الإمام العقبي: الحب فيك مسلسل بالأول ... فامنن ولا تسمع كلام العذل

وارحم عباد الله يا من قد علا ... من يرحم السفلي يرحمه العلي وقول الكمال محمد بن محمد البارزي كاتب السر: عليك بتقوى الله سراً وجهرةً ... لأنك مسؤول وربك عالم ولا تخش إلا الله وارحم عباده ... فرحمته ذخر لمن هو راحم وقول خاتمة الفقهاء العلامة محمد أمين بن عابدين: عليك بإسعاف الضعيف ونصره ... فما عمل إلا به الله يعلم وكن راحماً أهل البسيطة كلهم ... فمن يرحم المخلوق لا شك يرحم وقوله أيضاً: أيها الناس أطيعوا ربكم ... وصلوا القربى جميعاً والرحم وارحموا من في الأراضي إنما ... يرحم الرحمن منكم من رحم وقول أبي الحسن علي بن هبة الله بن عساكر: بادر إلى الخير يا ذا اللب مغتنماً ... ولا تكن من قليل الخير محتشما واشكر لمولاك ما أولاك من نعم ... فالشكر يستوجب الأفضال والنعما وارحم بقلبك خلق الله وارعهم ... فإنما يرحم الرحمن من رحما وفي هذا لطيفة ذكرها الشيخ عبد الباقي في ثبته. قال واتصل سندنا مسلسلاً كل راوٍ يقول عن شيخه. وهو أول شعر سمعته منه إلى قائله أبي الحسن عليه الرحمة انتهى. ثم أنه لم يتفق لي أن أخذ هذا الحديث بالسماع له بأولية حقيقية إلا من هذا الشيخ التميمي نعم أخذته بطريق الإجازة العامة عن كثيرين. وبأولية إضافية عمن دونهم بالكثرة. وحين حظيت بأخذه سماعاً بأولية حقيقية عن ذلك الشيخ فلأذكر سنده) فأقول (سمعت ذلك عن الشيخ محمد التميمي المغربي ثم المصري وهو أول حديث سمعه منه. عن العلامة الكبير الشيخ محمد الأمير. قال وهو أول حديث سمعته منه. عن الشيخ شهاب الدين أحمد الجوهري قال وهو أول حديث سمعته منه. عن عبد الله ابن سالم البصري قال حدثنا محمد بن سليمان المغربي وهو أول حديث حدثنا به ثنا أبو عثمان سعيد بن إبراهيم الجزايري. وهو أول حديث حدثنا به. ثنا مفتي تلمسان أبو عثمان سعيد بن أحمد المقري. وهو أول حديث حدثنا به ثنا إبراهيم النازي. أول ما حدثنا قال ثنا أبو الفتح محمد بن إبراهيم المراغي المدني أول حديث. ثنا عبد الرحيم العراقي الأثري أول حديثه ثنا أبو الفتح محمد بن محمد الميدوحي أول حديث. ثنا أبو الفرج عبد اللطيف ابن عبد المنعم الحراني. وهو أول حديث حدثنا به. ثنا أبو الفتوح عبد الرحمن ابن علي أول حديثه قال ثنا أبو سعيد النيسابوري أول حديث. ثنا محمد ابن محمد الزيادي وهو أول حديث حدثنا به. ثنا أبو حامد بن بلال البزار وهو أول حديث حدثنا به. ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي النيسابوري وهو أول حديث حدثنا به. قال حدثنا سفيان بن عيينة وإليه ينتهي التسلسل بالأولية على الصحيح كما سمعت عن عمرو بن دينار. عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص. عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (ووقع في بعض طرق هذا الحديث أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي فجعله صاحب المنح) الواعظ المشهور (كما نقله الأمير في ثبته. ثم قال ونقل شيخنا الجوهري عن البصري عن شيخ الإسلام زكريا أن هذا) بضم الجيم (وليس هو الواعظ انتهى.

) ولم أستجز أحداً (من علماء هاتيك المغاني. غير شيخ الإسلام والداغستاني. والتميمي من علماء الديار المصرية. وساقه القضاء والقدر إلى القسطنطينية. وإنما لم أستجز سوى من ذكر من أولئك العلماء الأمجاد. لما أن ليس لهم حسبما اطلعت سوى إجازة عامة واهية الإسناد. بل أقول في حقيقة أمرهم على سبيل الإيجاز. أنه ليس فيهم بعد شيخ الإسلام يستجاز. وأن شيخ الإسلام إنما نال ما نال. وحصل له ما حصل من الكمال. بواسطة علماء العرب الأمجاد. الذين اجتمع بهم فيما طافه من البلاد. فلقد طاف مصر والقدس والحجاز. فرأى علماءها الأجلة بين مجيز ومجاز. فحرك ذلك غيرته. فملأ من الإجازات الشريفة عيبته. ومن سواه منهم أما قد عدم الغيرة. أو غشي على عينيه العجب فلم ير في العالم عالماً غيره. نسأل الله تعالى العفو والعافية. والقلوب السليمة الصافية.) ومما يحسن التنبيه عليه (ضبط بعض ألفاظ شائعة في الأسانيد يغلط فيها كثير من الناس ولا يحققون أمرها) منها ابن ماجة (في نسب صاحب السنن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة الربعي بالراء المهملة والباء الموحدة نسبة إلى ربيعة بالولاء فالكثير يقول ابن ماجة بفتح هاء التأنيث وهو غلط. والصحيح ابن ماجة بسكون الهاء على ما نص عليه غير واحد من الإثبات وقالو ماجة لقب أعجمي ليزيد والد الحافظ أبي عبد الله محمد المذكور. وقد نص على ذلك في القاموس حيث قال وماجة لقب والد محمد بن يزيد القزويني صاحب السنن لا جده انتهى. فابن ماجة بدل من ابن يزيد أو عطف بيان عليه وذلك النسب في قوة قولك محمد بن ماجة بإسقاط يزيد من البين. وقال الشيخ عيسى المغربي المكي في كتابه مقاليد الأسانيد قال ابن أبي الفتوح الصحيح أن ماجة اسم أمه انتهى. وعليه فالظاهر أن ماجة) بفتح هاء التأنيث (كفاطمة لكن رأيت في ثبت الشيخ شاكر العقاد الذي جمعه تلميذه الشيخ ابن عابدين إطلاق القول بالسكون مع نقل كلام أبي الفتوح فلعل ذلك مبني على أن اللفظ أعجمي نطق به أولاً قي تلك اللغة) بسكون الهاء (وبقي على ذلك. وأياً ما كان فتلك العبارة في نسب ذلك الحافظ نحو قولهم محمد بن علي بن الحنفية. قال غير واحد وعلى كل من القولين القول بأن ماجة لقب يزيد والقول بأنه اسم أم ابنه محمد لا بد من كتابة الألف في ابن أما على القول الأول فلأنه لم يتصل بموصوفه أعني لفظ محمد. وأما على الثاني فلذلك ولأنه لم يضف إلى الأب وشرط إسقاطها منه كتابةً إضافته إليه دون الأم انتهى. وأقول تعليل الكتابة بالألف على الأول بالمفصل هو الذي يقتضيه ظاهر إطلاق كلامهم في بيان مواضع الكتابة والإسقاط حيث لم يفرقوا بين ما يكون الفاصل بنية الإسقاط كالمبدل منه فيما اشتهر وإن لم يسلم اطراده وبين ما لا يكون كذلك وكذا تعليلها به على الثاني وأما تعليلها عليه بالإضافة إلى الأم دون الأب ففيه بحث فقد قال بعض الأجلة أنه إذا اشتهر الرجل بالأم كان حكم ابن الواقع صفة له مضافاً إليها حكم ابن الواقع صفة له مضافاً إلى أبيه فتحذف الهمزة منه كما تحذف من ذلك إذا وقع صفة له بلا فصل نحو عيسى بن مريم ويونس بن متي علي المشهور من أن متي أمه عليه السلام ومحمد بن الحنفية والقياس يقتضيه لأن علة الحذف في الحقيقة إذا أضيف الابن إلى الأب كثرة الاستعمال كما في حذف همزة اسم في البسملة على ما اشتهر بينهم. وتمام الكلام في هذا المقام في شرحنا لمختصر درة الغواص. في أوهام الخواص. لنا أيضاً. فارجع يا إبني إليه إن أردته والله تعالى أعلم. ) ومنها الترمذي (في وصف الحافظ صاحب السنن محمد بن عيسى بن سورة) بفتح السين المهملة وسكون الواو (ابن موسى البوغي) بضم الموحدة وسكون الواو بعدها غين معجمة نسبة إلى بوغ قرية من قرى ترمذ (فقد اختلف الناس في ضبطه فبعضهم يقول الترمذي) بفتح التاء والميم (وبعضهم يقول) بكسرهما (وبعضهم يقول) بضمهما (والمتداول على لسان أهل تلك المدينة) فتح التاء وكسر الميم (وقال السمعاني الذي كنا نعرفه قديماً) كسر التاء والميم جميعاً (انتهى. وأنا أقول متى صح أن المتداول على لسان أهل تلك المدينة فتح التاء وكسر الميم. كان ذلك أولى بالاتباع فأهل المدينة كأهل مكة وهم أدرى بشعابها فتأمل.

خاتمة

) ومنها المزاحي (الواقع في أحد أسانيد مشايخنا إلى صحيح البخاري وهو سلطان بن محمد المزاحي فأكثر الناس يغلطون فيه فيقولون المزاحي بكسر الميم وتخفيف الزاي ظناً منهم أنه نسبة إلى المزاح المعروف وإنما هو المزاحي بفتح الميم وتشديد الزاي وبعدها ألف وحاء مهملة نسبة إلى منية مزاح قرية من قرى مصر كما في معجم أبي المواهب الحنبلي فليحفظ.) ومنها غير ذلك (مما يطول. وإنما اقتصرت على ما ذكرت لأني رأيت من غلط فيه من علماء استنبول. والله عز وجل. العاصم من الخطأ والخطل. خاتمة ونسأل الله حسنها. إذا طويت المراحل وبلغ الكتاب المنتهى. في أبحاث علمية. ومسائل أدبية. جرت سواقيها. في رياض المحاورة مع شيخ الإسلام. ولم تكن لتصب في حياض المناظرة مع ذلك القمقام. وإنما كانت محض حمض. لا لغرض سواه عرض. نعم لم أتخل عن موافقة هواه. حيث شعرت منه أنه يحب العلم ويتمنى أن لا يكون له شغل سواه. وكم رأيته يتنفس الصعداء على أوقات له حلت ومرت. وجلت إذ تجلت فخلت وما استمرت. حيث كانت الفواكه العلمية أقواتاً لهاتيك الأوقات. والفكاهات الأدبية نزلاً لما يمر به من ضيوف الساعات. ومجلسه اليوم مع هذا غاص في كثير من ساعاته بالمباحث العلمية. وهو سلمه الله تعالى لا زال ينتهز الفرصة متى وجد أهلاً لكلماته فيحشي سمعه من درره البهية. لكن ذلك الأهل هنالك كالأبلق العقوق. ومسايره في هاتيك المسالك أعز مثالاً من بيض الأنوق. لأنه سلمه الله تعالى وقف لكثرة كتبه. على حقائق ودقائق لم يقف عليها جميع صحبه. وتضلع بحر أدب. من كل حبر من علماء جزيرة العرب. وعلماء القسطنطينية. أجهل الناس بالفنون الأدبية. ولذا ترى كلامه إياهم السكوت. وهم لا يسألون منه إلا المناصب والقوت. وأما الشعر العربي فطريقة بينهم بالكلية غير مسلوك. ولا بدع فالعربي بين الترك من قديم متروك. هذا.

) فمن هاتيك الأبحاث العلية (التي ذهب أكثرها من ذهني بالكلية. وهو في مبادئ ابتسام ثغر مقاصدي بالجلوس في مجلسه. وابتهاج مواقفي بإشراق أنوار طوالع أنسه. وأوائل توجهه لجبر كسر قلبي. وسعيه في تكذيب ظنون السوء بي. أنه قال ماذا أجبت عن السؤال. في قول الله الملك المتعال.) يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم (فقلت يا مولاي وما السؤال فليس لي به وحرمة علمك علم. فقال هو إن بعض الظن إثم في موقع التعليل. لما تضمنه ما قبله من الكلام الجليل. مع أنه لا استلزام بين اجتناب الكثير. وكون بعض الظن إثماً موقعاً في الأمر الخطير. فيجوز أن يجتنب المؤمن الكثير من الظن ويتقي. ويكون البعض الذي هو إثم فيما بقي. فحيث كان هذا في المبادئ. لم يساعدني على الجواب لساني وفؤادي. فلم أنطق ببنت لساني. حتى أنك لو رأيتني لتوهمت أني عديم بياني. فقال ما لك سكت عن البيان. وأنت مفسر القرآن. فقلت يا إمام ذوي التدقيق على التحقيق. ومن إذا دارت رحى فكره ذرت على ذوي المتربة بكل معنى دقيق. قد ضعفت ذهني لقوة هذا السؤال. وجف فمي لمزيد حرارة تعجبي من طراوة ذلك المقال. وأني قد صرفت نقد عمري في تتبع دقائق كرائم الآي. فلم أظفر إلى هذه الساعة بهذه الدقيقة التي تفضل بها حضرة مولاي. فأفد فديتك عبدك. وابن له لا بنت ما عندك. فقد شرد أسد جلالك مهاة لبي. وخطف من يدي بازي سؤالك قطاة قلبي. فتبسم وقال. مجيباً عن السؤال أن مبنى هذه المسألة المشكلة. ظن أن كثيراً مفعول به لاجتنبوا ومن الظن متعلقاً به يندفع السؤال. وتنحل عقدة الإشكال. كما لا يخفى على منتبه إذ يكون المعنى ح اجتنبوا من الظن اجتناباً كثيراً. وأبعدوا عنه بعداً وفيراً. فإن بعضه إثم. فيكاد يقع فيه من لم يجتنبه عن غير علم. فقلت يا مولا لا زلت ولي كل نعمة. وكشافاً بنسائم التقرير عن معالم أفئدة الطلبة غمائم كل غمة. فلقد أتيت بما لا أظن أن وراءه مرمى لرام. وهيهات أين أذهان أطفال العلماء من ذهن شيخ الإسلام. فسكن وسكتنا. وفي أبحاث أخر خضنا. ثم أني راجعت في ذلك تفسير روح المعاني. فرأيتني لم أسلك سبيلاً إلى هاتيك المغاني. واتفق أن أرسلت السؤال والجواب إلى بغداد. ليطلع عليهما علماؤها الأمجاد. فأرسلهما بعض الأجلة إلى الحدباء. فكتب في ذلك عبد الله أفندي العمري رئيس من فيها من العلماء.) وهذا ما كتبه (قوله تعالى) يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم (أوردوا هاهنا أشكالاً وهو أن المطلوب اجتناب ما هو إثم من الظن وباجتناب الكثير من الظن قد لا يتحقق اجتناب ذلك البعض الذي هو إثم لجواز أن يكون ذلك البعض خارجاً عن تلك الأفراد الكثيرة) وقد أجاب (عن هذا الإشكال شيخ الإسلام حضرة عارف حكمت بك أفندي بأن كثيراً واقع موقع المفعول المطلق ومن الظن متعلق باجتنبوا أي اجتنبوا من الظن اجتناباً كثيراً ولا تقربوه أصلاً لأن بعضه إثم وكل ما هذا شأنه ينبغي أن يجتنب اجتناباً كثيراً ولا يقرب خشية الوقوع فيما هو إثم منه انتهى.

) أقول (يرد على هذا الجواب أن اجتنبوا لا يتعدى بمن بل هو متعد بنفسه قال تعالى) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه (الآية وقال تعالى) فاجتنبوا الرجس من الأوثان (وإن حملناه على زيادة من يرد عليه إن من تزاد إلا في البكرة الواقعة بعد نفي أو شبهة إلا على قول ضعيف لا ينبغي حمل التنزيل عليه. وأيضاً الحرف الزائد لا يتعلق بشيء. ويمكن أن يجاب بأن قوله تعالى من الظن متعلق باجتنبوا على سبيل التضمين. والمعنى اجتنبوا متباعدين من الظن أو تباعدوا من الظن مجتنبين له اجتناباً كثيراً في الاجتناب معنى التباعد وهو يتعدى بمن قال تعالى) وما هي من الظالمين ببعيد (فيكون من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم. ويمكن أن تحمل الآية على زيادة من ويكون المراد من قوله من الظن متعلق باجتنبوا التملق اللغوي الذي هو الارتباط بين الشيئين كتعلق المفعول بالفعل. ولما كان الاجتناب عبارة عن الكف عن الفعل كان فيه معنى النفي والظن معرفاً بلام الجنس وهو في المعنى نكرة صح زيادة من فيكون معنى الآية واجتنبوا الظن اجتناباً كثيراً لأن بعض الظن إثم فلا يأمن من لم يجتنب الظن أن يكون ظنه من بعض الظن الذي هو إثم فينبغي تركه بالكلية. والمتبادر من الآية كما ذكره المفسرون أن كثيراً مفعول به لاجتنبوا ومن في قوله تعالى من الظن بيانية كما في قوله تعالى) واجتنبوا الرجس من الأوثان (وعلى ما ذكره شيخ الإسلام من أن كثيراً واقع موقع المفعول المطلق وأن من الظن متعلق باجتنبوا ينبغي أن يكون نظم الآية واجتنبوا من الظن كثيراً دفعاً لما يتوهم من الإشكال المذكور كما قدم من آل فرعون على متعلقه في قوله تعالى) وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه (لئلا يتوهم تأخيره عنهم أنه ليس منهم. والأولى بقاء الآية على ما يتبادر منها ويقال في الجواب عن الأشكال أن الظن على نوعين حسن وسيئ والسيئ أكثر وقوعاً من الحسن لما جبلت النفوس عليه من سوء الظن والتنوين في كثير للتنويع والمعنى النوع الكثير الغالب الوقوع من الظن وهو الظن السيئ لأنه إثم. ويحتمل أن تكون من للتبعيض والآية من قبيل المجمل المبين بالسنة بالظن السيئ كما في قوله تعالى) فامسحوا برؤوسكم (فإنه مجمل مبين بالسنة بمسح الناصية وإلا فليس كل ظن منهياً عنه بل بعضه واجب كظن المجتهد وبعضه مستحب كالظن الحسن بالمسلمين والبعض مباح كالظن بوجود المطر عند وجود الغيم والمعنى اجتنبوا بعض الظن وهو السيئ اجتناباً كثيراً لأنه إثم وعبر بالظاهر لئلا يتوهم عود الضمير إلى مطلق الظن فيلزم أن يكون مطلق الظن إثماً وليس كذلك والله تعالى أعلم انتهى.

ونوقش في مواضع من كلامه) أما أولاً (فقوله وهو أي التباعد يتعدى بمن فقد منع إطلاقه لما في مجمع البحرين) ما نصه (وفي الحديث من فعل كذا تباعدت عنه النار مسيرة سنة حيث تضمن تعدي التباعد بعن) وأما ثانياً (فالاستشهاد على تعدي التباعد بمن بتعدي البعدية في الآية أعني قوله تعالى) وما هي من الظالمين ببعيد () وأما ثالثاً (فقوله بعد اعتبار تضمين الاجتناب معنى التباعد فيكون من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم فإنه كلام من لا يعرف التضمين كما لا يخفى على عارف. اللهم إلا أن يقال هذا الكلام توجيه لقول شيخ الإسلام متعلق اجتنبوا يعني أراد أنه متعلق بالتباعد باعتبار التضمين إلا أنه ذكر الاجتناب وأراد التباعد وهذا الذكر من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم وليس مراد الموجه أنه في الآية مع اعتبار التضمين كذلك. ثم أن ظاهر كلام بعض المفسرين يشعر بأن الاجتناب صار حقيقة عرفية في التباعد قال وأصل اجتنبه كان على جانب منه ثم شاع في التباعد اللازم له) نعم (إنه ليس نصاُ في ذلك وذكر الشيوع للرمز إلى أن استعماله في ذلك لا يحتاج إلى قرينة كذا قيل فتأمل.) وأما رابعاً (فدعواه أن ذكر الاجتناب وإرادة التباعد من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم فإن كلام بعض المفسرين المنقول آنفاً يدل على عكس هذه الدعوى. وقال بعض الحق أنه يصح أن يعتبر كل لازماً وأن يعتبر ملزوماً فبينهما لزوم متعاكس فافهم) وأما خامساً (فقوله الأعلى قول ضعيف لا ينبغي حمل التنزيل عليه. فإنه نوقش فيه بأن ذلك القول لم يبلغ من الضعف إلى غاية أنه لا ينبغي حمل التنزيل عليه نعم حمل التنزيل على الضعيف مطلقاً مع ظهور الحمل على القوي مما لا ينبغي فلا تغفل.) وأما سادساً (فقوله ولما كان الاجتناب عبارة عن الكف عن الفعل الخ فإنه ظاهر في أن الاجتناب حقيقة في الكف عن الفعل وفيه ما فيه.) وأما سابعاً (فتوجيه صحة زيادة من بما ذكره فإن فيه من التكلف ما فيه وكأن هذا إحدى الدواعي لقوله ويمكن أن يجاب.) وأما ثامناً (فقوله وعلى ما ذكره شيخ الإسلام ينبغي أن يكون نظم الآية الخ فقد نوقش فيه فإن ذلك التوهم لوجود ما يدفعه من أن استقامة التعليل لا تتم إلا بجعل كثيراً واقعاً موقع المفعول المطلق لاجتنبوا وجعل من الظن متعلقاً به لا يلتفت إليه ولا تلزم مراعاته فليس هو كالتوهم في الآية التي نظر بها فإنه ليس فيها ما يدفع التوهم الحاصل من تأخير من آل فرعون ولا يخلو هذا عن بحث فتأمل.) وأما تاسعاً (فقوله بعد احتمال كون من للتبعيض وجعل الآية من المجمل المبين بالسنة والمعنى اجتنبوا بعض الظن وهو السيئ اجتناباً كثيراً الخ. حيث أنه لا داعي على ذلك التقدير إلى العدول عن المبتادر من جعل كثيراً مفعولاً به لاجتنبوا وجعله واقعاً موقع المفعول المطلق له كما تضمنه بيان المعنى) وأما عاشراً (فدعواه الإجمال في قوله تعالى فامسحوا برؤوسكم حيث قال بعد التمثيل به فإنه مجمل مبين بالسنة بمسح الناصية فإنه نوقش فيها بأن ذلك غير متفق عليه ففي جمع الجوامع وشرحه وامسحوا برؤوسكم لا إجمال فيه. وخالف بعض الحنفية قال لتردده بين مسح الكل والبعض ومسح الشارع عليه الصلاة والسلام الناصية مبين لذلك. قلنا لا نسلم تردده بين ذلك وإنما هو لمطلق المسح الصادق بأقل ما ينطلق عليه الاسم وبغيره ومسح الشارع الناصية. من ذلك انتهى.

والأمر في مثل هذا سهل والرجل حنفي فلا ينبغي أن يناقش فيما ذهب إليه أجلة مذهبه. ووقفت على كلام في هذا المقام لأبي سعيد مولانا محمد الخادمي الشهير) ونصه (مع قليل حذف عرض على أن قوله تعالى) إن بعض الظن إثم (واقع في مقام التعليل لقوله تعالى) اجتنبوا كثيراً من الظن (وإثمية بعض الظن كيف تكون علة الاجتناب عن الكثير ولا استلزام بينهما. فقلت) أولاً (إن هذا مقام خطابي فيكفي فيه الظن يعني أنه وإن لم يوجد لزوم كلي لكن يمكن أن يوجد لزوم ضمني. وقد وقع في بعض حواشي شرح المواقف أن شرطية الكلية في الكبرى إنما هي في القطيعات وأما في الظنيات فتكفي الأكثرية والاستقراء الناقص ثم بعد برهة من الزمان سيق إلى الخاطر الفاتر أنه يمكن أن يكون لفظ كثير كناية عن الكلية وتكون إثمية بعض الظن على للاجتناب عن جميع الظنون مثلاً إذا عرف أن كل إثم يجب الاجتناب عنه ثم ظن أن هذا الظن إثم فيجتنب عن جميع الظن كما في شرح المواقف في تفصيل مثله) ثم أقول (لعل الحق فيه أن يقال المراد من البعض في قوله تعالى) إن بعض الظن إثم (ما يتحقق في ضمن الكثير فالمعنى أن الكثير من الظن إثم فاجتنبوه. وتصوير دليله من الاقتراني كثير الظن إثم وكل إثم مجتنب عنه فكثير الظن مجتنب عنه. ومن الاستثنائي إذا كان كثير الظن إثماً فهو مجتنب عنه لكن المقدم حق فالتالي كذلك اه.) وتعقب (ما سبق إلى خاطره بعد برهة بأنا لو سلمنا ورود استعمال كثير في معنى كل كورود استعمال كل في معنى كثير كما قيل به في قوله تعالى) وجاءهم الموج من كل مكان (وقولهم) في كل شجر نار. واستمجد المرخ والعفار (لكن كون كثير في الآية كناية عن الكلية مما لا يكاد يسلم ضرورة أن من الظن ما يباح اتباعه كالظن في الأمور المعاشية. ومنه ما يجب كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات كالواجبات الثابتة بغير دليل قطعي وحسن الظن بالله عز وجل وكأنه لهذا قال بعد) ثم أقول (لعل الحق الخ. وأورد على ما رجا حقيته بأنه لا يظهر عليه وجه العدول إلى الظاهر فإن الظاهر على ذلك أن يقال اجتنبوا كثيراً من الظن إنه إثم. وأيضاً يظهر بعد العدول إلى الظاهر العدول إلى بعض والتعبير به عن الكثير مع أنه في الشائع لا يستعمل فيما زاد على النصف كالستين بالنسبة إلى المائة مثلاً فلا يقال في الشائع عندي بعض المائة ويراد به الستون) وأجيب (بأنه عدل إلى الظاهر لئلا يتوهم ولو على بعد عود الضمير على الظن ولتخرج الجملة مخرج المثل الشائع فيه الاستقلال كما قالوا في نظير ذلك وعدل إلى البعض مراداً به الكثير للإشارة إلى أن ظن السوء المنهي عنه وإن كان كثيراً في نفسه كما يشعر به على ما قيل ما أخرجه الطبراني عن حارثة ابن النعمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثلاث لازمات أمتي الطيرة والحسد وسوء الظن الحديث (لكنه قليل بالنسبة إلى غيره من أفراد الظن كالظنون المباحة المعاشية وغيرها والظنون الواجبة العملية وغيرها فتأمل) قيل في الجواب (عن أصل السؤال أن المراد بالظن في أن بعض الظن إثم الظن المأمور باجتنابه وهو الكثير فكأنه قيل اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض ذلك الظن الذي أمرتم اجتنابه إثم فلا يأمن من لا يجتنب الكثير أن يقع فيه ويكون المراد بهذا البعض الذي هو إثم أي ذنب يستحق العقوبة عليه ظن السوء بالمؤمن بشرطة وهو أن يكون المظنون به ممن شوهد منه التستر والصلاح وأونست منه الأمانة لا ومن يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث كالدخول والخروج والتردد إلى حانات الخمر وصحبة الغواني والفاجرات وإمعان النظر إلى الأمرد الجميل فإن ذلك لا يحرم سوء الظن فيه وإن كان الظان لم يره يشرب الخمر ولا يزني ولا يعبث بالمرد ويكون المراد بالكثير ما يعم النوعين نعم الأولى الإعراض عن سوء الظن فيه أيضاً ويحمل الأمر في اجتنبوا على مطلق الطلب ليشمل الطلب الجازم المفيد للوجوب كطلب اجتناب ظن السوء بالمؤمن الذي يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث ولا يراد بالكثير ما يعم الظن في الإلهيات والنبوات وحيث يختلفه في العمليات قاطع. فإن ذلك وإن كان حراماً يجب اجتنابه إلا أن الآية ولحافها كالمعين لذلك الحمل وكون الكثير من الظن فيما يتعلق بالمؤمنين بعضهم ببعض حيث كان السابق من الآي قوله تعالى) ولا تنابزوا بالألقاب (الآية. وكان اللاحق قوله تعالى) ولا

تجسسوا (وقوله سبحانه) ولا يغتب بعضكم بعضاً (الآية فتدبر فأنه لا يخلو عن شيء ولا أل من أن حمل الأمر على مطلق الطلب غير متعين فيجوز حمله على الوجوب بالنسبة إلى من علم أنه لو لم يجتنب البعض الذي هو إثم وقع في غيره مما كان ذلك البعض في ضمنه. وكذا بالنسبة إلى من اشتبه عليه الأمر فيكون نظير من اشتبهت عليه زوجته بأجنبيات في بلدة محصورة فإنه يحرم عليه وطء كل امرأة فيها لمكان الاشتباه على ما ذكره غير واحد من الفقهاء ويجوز حمله على الندب نظراً إلى إشغال الكثير على ما يندب اجتنابه. قال ذلك بعض الأجلة. فتأمل ذلك. والله تعالى يتولى هداك. ولعل الأولى في الجواب ما ذكره الخادمي أولاً فتذكر فما في العهد من قدم. ) ومنها (ما جرى في قوله تعالى) فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا (وذلك أن الفاضل محمد الأفكرماني. سقى ثراه صيب العفو الصمداني. ذكر فيه سؤالاً وجواباً أوردهما في حواشيه على تفسير جزء النبأ من تفسير البيضاوي. فقال فإن قيل هذه الزيادة إن كانت غير مستحقة كانت ظلماً. وإن كانت مستحقة كان تركها في أول الأمر إحساناً. والكريم لا يليق به الرجوع في إحسانه. والجواب أنها مستحقة وترك المستحق في بعض الأوقات لا يوجب الإبراء والإسقاط انتهى. فقال لي شيخ الإسلام ما تقول في هذا الجواب. فقلت هو سراب يحسبه الظمآن أنه شراب. فقال فما عندك في هذا المقام. فقلت يأبى الله تعالى أن أتكلم قبل أن أعرف ما عند شيخ الإسلام. فقال قد كتبت على الحاشية. ما عسى أن يرفع طرف الغاشية.) ونصه هذا (: إن السؤال والجواب دائران على ملاحظة كون العذاب هنا اثنين عذاب ناقص واقع أولاً وعذاب زايد واقع بعده. ويمكن الجواب بملاحظة كون العذاب واحداً بأن ما استحقوه عذاب مستمر متزايد أبدي فلا يتصور وقوع ذلك إلا بأن يكون الجزء الواقع منه ثانياً أزيد من الواقع أولاً. وهذا مما اقتضاه الطبع فلا تعدد حتى يرد السؤال على أن المقبس بالجزء بنية تحصيل الكل تلبس بذلك الكل وذلك شبيه بالكلي الطبيعي الذي لا تحقق له في الخارج إلا في ضمن جزئياته فمتى تحقق شيء منها تحقق هو في ضمنه قليلاً كان أو كثيراً. ثم قال وهذا الجواب مما منحني به المولى سبحانه من فيضه القدسي. وفضله الأنسي. فله الحمد على ذلك. وأسأله تعالى سلوك أحسن المسالك. فقلت يا ثالث الجرجان. والعلامة الثاني. قد أشرت إلى هذا الجواب في تفسير روح المعاني. وأشرت إلى سبب استحقاقهم العذاب متزايداً وهو أن الكفر والمعاصي متزايدة القبح بالاستمرار عليها ويرشد إلى ذلك أن الإصرار على الصغيرة كبيرة وأن ذم الناس من يتكرر منه القبيح أشد من ذمهم من يقع منه مرة واحدة واستقباحهم وقوع القبيح منه ثاني مرة أقوى من استقباحهم وقوعه أول مرة ونقلت جواباً آخر عن السؤال لكني أشرت إلى ما فيه وهو أن المراد بالعذاب ما يعذب به وزيادته إنما هي لحفظ الأصل الذي كان لأهل النار أول الأمر فإنه لولا الزيادة لألغوا ما أصابهم ولم يتألموا به الألم الذي يستحقونه. ثم أني أقول الآن. والله تعالى المستعان. يحتمل أن تكون زيادة العذاب بتكراره واستمراره لا بزيادة شدته فالكلام إشارة إلى الخلود على أبلغ وجه وعليه فلا سؤال. ولا قيل ولا قال. فليتدبر. وقال بعض الأجلة الآية لا تقتضي وقوع الزيادة لأن المراد إن زدناكم شيئاً فلن نزيدكم إلا عذاباً وأظن أن السوق لا يساعده فليتأمل.

) ومنها (ما جرى في قوله تعالى) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (وذلك أنه نقل ما قاله العلامة التحرير. الفاسي الصغير. فيما له من التعليقات. على كتاب دلائل الخيرات.) ما نصه (:

فإن قيل نحن أمرنا بالصلوة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم لا نصلي عليه بل نطلب من الله تعالى الصلوة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم. قلت قد أجاب بعض الحنفية عن هذا السؤال بأننا لما رأينا في أنفسنا نقصاناً طلبنا الصلوة من حضرة ذي الجلال. لتكون على وجه الكمال. انتهى. ثم قال قد اعترضت هذا المقال) بما نصه (. هذا السؤال ساقط عن أصل. ولا بحث في جوابه بفصل ووصل. لأن الصلوة أما بمعنى الدعاء أو طلب الرحمة والبركة على اختلاف الأقوال. فمن قال اللهم صلى عليه فقد أدى المأمور به بأبلغ ما كان لإفادة الصلوة من المولى سبحانه ومن العبد على أنه ليس في الأمر ما يدل على أن نقول نصلي مثلاً كما اتفقوا على أن من قال الحمد لله فقد حمد الله تعالى لأن الحمد هو الثناء وإثبات الثناء له تعالى أيضاً ثناء ولو أمرنا بشيء بعينه من عند الشارع لزم لنا الامتثال بنصه بلا مانع انتهى. فقلت يا مولانا الكلام في هذا المقام طويل. وعالم فاس لم يأت منه إلا بالقليل. ومع ذا فهو وإن جل. قد اختصر المقال وأخل. وقبل أن أتم المرام. جاء بعض الوزراء الفخام. فانقطع البحث. ولم يصدر مني سمين ولا غث. فإن أردت أن يكون لك نوع بصيرة في هذا المقام. فاسمع ما نتلوه عليك من الكلام. وهو بعض مما ذكرناه في تفسيرنا روح المعاني. في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. فأقول آخذاً له. من كلام الأجلة ممن لا ينكر أحد فضله. ظاهر سوق الآية أعني قوله تعالى) يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (إنه لا يجاب اقتدائنا به تعالى فيناسب اتحاد المعنى مع اتحاد اللفظ وقراءة ابن مسعود صلوا عليه كما صلى عليه. وكذا قراءة الحس فصلوا عليه أظهر فيما ذكر فيبعد تفسير صلوا عليه يقولوا اللهم صلي على النبي أو نحوه ومن فسره بذلك أراد أن المراد بالتعظيم المأمور به ما يكون بهذا اللفظ ونحوه مما يدل على طلب التعظيم لشأنه عليه الصلوة والسلام من الله عز وجل لقصور وسع المؤمنين عن أداء حقه صلى الله تعالى عليه وسلم وما جاء في الأخبار إرشاد إلى كيفية ذلك وصفة لا أنه تفسير للفظ صلوا وجاء ذلك على عدة أوجه والجميع ظاهر أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والإمام أحمد وعبد بن حيد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن مردويه عن كعب بن عجعرة رضي الله تعالى عنه قال قال رجل يا رسول الله أما السلام عليك فقد علمنا فكيف الصلوة عليك قال قل اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وأخرج الإمامان مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف تصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم الحديث وأخرج الإمام أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن أبي سعيد الحذري قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك قد علمنا فكيف الصلوة عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم الحديث. وأخرج النسائي وغيره عن أبي هريرة أنهم سألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد الحديث. وفي آخره والسلام كما قد علمتم إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة. والظاهر من السؤال أنه سؤال عن الصفة كما أشرنا إليه قبل وهو الذي رجحه الباجي وغيره وجزم به القرطبي. وقيل إنه سؤال عن معنى الصلاة وبأي لفظ تؤدى والحامل لهم على السؤال على هذا أن السلام لما ورد في التشهد بلفظ مخصوص فهموا أن الصلوة أيضاً تقع بلفظ مخصوص ولم يفروا إلى القياس ليتيسر الوقوف على النص سيما والإذكار يراعى فيها اللفظ ما أمكن فوقع الأمر كما فهموه فإنه عليه الصلوة والسلام لم يقل كالسلام بل علمهم صفة أخرى كذا قيل. ويقال على الأول أنهم لما سمعوا الأمر بالصلاة بعد سماع أن الله وملائكته يصلون عليه عليه الصلوة والسلام وفهموا أن الصلوة منه عز وجل. من ملائكته نوع من التعظيم. لائق بشأن ذلك النبي الكريم. عليه من الله تعالى أفضل الصلوة وأكمل التسليم. لم يدروا ما اللائق منهم من كيفيات تعظيم ذلك الجناب. وسيد ذوي الألباب. صلى الله تعالى عليه وسلم

صلاة وسلاماً يستغرقان الحساب. فسألوا عن كيفية ذلك التعظيم. فأرشدهم عليه الصلوة والسلام إلى ما علم أنه أولى أنواعه وهو بهم رؤوف رحيم. فقال لهم قولوا اللهم صل الخ. وفيه إيماء إلى إنكم عاجزون عن التعظيم اللائق بي فاطلبوه من الله عز وجل لي ومن هنا يعلم أن الآتي بما أمر به من طلب الصلوة له صلى الله تعالى عليه وسلم من الله عز وجل آتٍ بأعظم أنواع التعظيم لتضمنه الإقرار بالعجز عن التعظيم اللائق) والعجز عن درك الإدراك إدراك (ويقرب في الجملة. لما ذكرنا قول بعض الأجلة. ونقله أبو اليمن ابن عساكر وحسنه لما أمرنا الله تعالى بالصلاة على نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم لم نبلغ معرفة فضلها ولم ندرك حقيقة مراد الله تعالى فيه فأحلنا ذلك إلى الله عز وجل فقلنا اللهم صل أنت على رسولك لأنك أعلم بما يليق به وبما أردته له صلى الله تعالى وسلم انتهى.

ولعل ما ذكرناه ألطف منه ومقتضى ظاهر إرشاده صلى الله تعالى عليه وسلم إياهم إلى طلب الصلاة عليه من الله تعالى أنه لا يحصل امتثال الأمر إلا بما فيه طلب ذلك منه عز وجل ويكفي اللهم صل على محمد لأنه الذي اتفقت عليه الروايات في بيان الكيفية وكان خصوصية الإنشاء لفظاً ومعنى غير لازمة ولذا قال بعض من أوجبها في الصلاة أنه كما يكفي اللهم صل على محمد يكفي صلى الله على محمد على الأصح بخلاف الصلوة على رسول الله فإنه لا يجزي اتفاقاً لأنه ليس فيه إسناد الصلوة إلى الله تعالى فليس في معنى الوارد. وفي تحفة ابن حجر يكفي الصلوة على محمد أن نوى بها الدعاء فيما يظهر وقال النيسابوري لا يكفي صليت على محمد لأن مرتبة العبد تقصر عن ذلك بل يسأل ربه سبحانه أن يصلي عليه عليه الصلوة والسلام) وح (فالمصلي عليه حقيقة هو الله تعالى وتسمية العبد مصلياً مجاز عن سؤال الصلاة فتأمله. وذكروا أن الإتيان بصيغة الطلب أفضل من الإتيان بصيغة الخبر) وأجيب (عن إطباق المحدثين على الإتيان بها بأنه مما أمرنا به من تحديث الناس بما يعرفون إذ كتب الحديث يجتمع عند قراءتها كثير من العوام فخيف أن يفهموا من صيغة الطلب أن الصلوة منه تعالى لم توجد بعد وإلا لما طلبنا حصولها منه تعالى له عليه الصلوة والسلام فأتى بصيغة يتبادر إلى إفهامهم منها الحصول وهي مع إبعادها إياهم من هذه الورطة متضمنة للطلب الذي أمرنا به انتهى. ولا يخفى ضعفه فالأولى أن يقال أن ذلك لأن تصليتهم في الأغلب أثناء الكلام الخبري نحو قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كذا وفعل صلى الله تعالى عليه وسلم كذا فأحبوا أن لا يكثر الفصل وأن لا يكون الكلام على أسلوبين لما في ذلك من الخروج عن الجادة المعروفة إذ قلما تجد في الفصيح توسط جملة دعائية إلا وهي خبرية لفظاً مع احتمال تشوش ذهن السامع وبطء فهمه وحسن الإفهام مما تحسن مراعاته فتدبر. والظاهر أنه لا يحصل الامتثال باللهم عظم محمداً التعظيم اللائق به ونحوه مما ليس فيه مشتق من الصلوة كصل وصلى فإنا لم نسمع أحداً عد قائل ذلك مصلياً عليه صلى الله عليه وسلم وذلك في غاية الظهور إذا كان قولوا صل على محمد في الأخبار تفسير لقوله تعالى صلوا عليه انتهى. إذا علمت ذلك تمكنت من تقرير السؤال هكذا إنا أمرنا بالصلوة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم وهي أما بمعنى التعظيم والدعاء بخير أو العطف أو نحو ذلك مما لا يتعين معه طلبنا إياها من الله عز وجل فلم يعين فيها كما دلت الأخبار الصحيحة. والآثار الصحيحة. الطلب لفظاً أو معنى كما في الجملة الخبرية التي قصد بها الطلب والإنشاء ولم يكف التعظيم بفعل أو قول لم يتضمن ذلك وكذا لم يكف ما يدل على العطف بنوع من أنواع الدلالة ولا ما يدل على الدعاء بخيرٍ ما من الخيور وعلى هذا لا يصادف كلام شيخ الإسلام المحز بل يحتاج إلى الجواب الذي نقل عن بعض الحنفية أو نحوه مما تضمنه كلامنا السابق. كما لا يخفى على من ألف النظر في الحقائق والدقائق. بقي أن بعض المعاصرين ناقش بغير ما أشرنا إليه في كلام شيخ الإسلام. وقد تركنا ذكر ذلك مع جوابه لذوي الإفهام والأفهام. وبحر الكلام في هذا المقام مديد. ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد. فتأمل ذلك. والله تعالى الهادي إلى أقوم المسالك. ) ومنها (ما جرى في قوله تعالى) من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكن له كفل منها (فإنه حكي لييوماً ما جرى له في ذلك. وناولني ورقة كتب فيها ما قرره هنالك.) ونصه (:

) سألني (بعض النجباء. من جحاجح الأولياء. عن نكتة تغيير التعبير. في قوله تعالى عن الشبيه والنظير) من يشفع شفاعةً حسنةً (الآية. فأجبته بما كتبته أن الحسنة حظ ثابت لصاحبها ينتفع بها فلا يزول عنه أبداً وإن أذنب وأما حبط الأعمال. والعياذ بالله المتعال. فلا عبرة به لأنه مبني على انهدام الأصل فناسب فيها التعبير بالنصيب لأنه كثيراً ما يستعمل في الحظوظ الواقعة الثابتة كما يقال هذا نصيب فلان من القدر وهذا نصيب فلان الفقير من الصدقة. والسيئة ليس لها قرار بل هي عرضة للزوال ومنتظر فيها لأنها تزول بالتوبة فناسب فيها التعبير بالكفل المشتق من الكفالة اشتقاقاً كبيراً إشارة إلى أن كسب السيئة كالكفل المأخوذ فكما أن المديون إذا أدى دينه زال كفيله كذلك المسيء إذا تاب محيت عنه سيئته. واعترض عليه. بعض من اجتمعت الفضائل لديه. بأن الحسنة أيضاً تزول كما ورد في الحديث) إن الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (فدفعته بأن هذا مخصوص بالكلام الدنيوي بقرائن ما روي لنا في الآثار من وقوع الكلام في الأمور الأخروية في المساجد كالوعظ والنصح والتذكير. وقبول غير واحد من الأماجد بلا نكير. وكثيراً ما ينجر الاجتماع على الكلام الدنيوي إلى ترتب حقوق الناس في الذمة من الغيبة والاستهزاء وغير ذلك. فهذه الحقوق تأكل الحسنات بطريق إعطائها لأرباب الحقوق كما هو في كتب العقائد. وإعطاء مال المديون لدائنه قهراً لا يوجب عدم ثبوت ملكه فيه عند الأماجد. فيكون إسناد الأكل إلى الكلام. من قبيل إسناد الحكم إلى سببه حسب المقام. هذا ما خطر بالبال. بعون الملك المتعال. والعلم لديه. والمعول عليه. تعالى الله علواً كبيراً. وأحاط بكل شيء علماً ولم يزل عليماً خبيراً. اه.

فقلت يا مولاي هذا الفرق عجيب. ولم أقف على من فرق به بين الكفل والنصيب. وعليه كان الأوفق ببلاغة القرآن وعلو رتبته أن يعبر بنصيبين بدل كفلين في قوله تعالى) يؤتكم كفلين من رحمته (فطال الكلام. وكان نصيبي آخر الأمر إن كسوت فمي من السكوت أضفي لثام.) وأقول الآن (وعلى الله تعالى التكلان. إن إثبات الفرق المذكور. أصعب من خرط القتاد. ولم أجد فيه نقلاً عن أحد من علماء اللغة الأمجاد. وقوله هذا نصيب فلان من القدر لم أسمعه عن أحد ممن غبر. وأنه لا يثبت الفرق الذي أشار إليه ولو سمع ممن جميع البشر. ونوقش في دعواه اشتقاق الكفل من الكفالة الاشتقاق الكبير. بما لا يخفى على كبير ومتوسط وصغير) واعترض (ما ذكر في إعطاء الحسنات أرباب الحقوق أعني قوله وإعطاء مال المديون الخ بأنه يشعر بأن الحسنة بعد إعطاءها لأرباب الحقوق يوم القيمة باقية على ملك صاحبها وفيه ما فيه. وأيضاً في أن إعطاء مال المديون لدائنه قهراً لا يوجب عدم ثبوت ملكه فيه بحثاً بناء على أن من الفقهاء من نص على أن للدائن أن يسرق من مال مديونه المنكر ولا بينة عليه بقدر ماله عليه وجنسه ويحل تصرفه به كما شاء بل صرح بعض الشافعية بحل سرقة غير الجنس وأخذه خفية من غير رضاه) نعم (قالوا أنه إذا أخذ جارية المديون من غير رضىً لا يحل له وطؤها) وأجاب بعضهم (بأن مراد حضرة شيخ الإسلام أن ذلك لا يوجب عدم ثبوت ملك المديون في ذلك المعطى قبل الإعطاء وهو كما ترى هذا) وقد اختلف المفسرون (في توجيه نكتة تغييراً لتعبير فقيل غير للتفنن بناء على أن أكثر اللغويين لا يفرقون بين الكفل والنصيب. وهو طريق مهيع لفصحاء العرب كما يشهد به السمع. وكون التعليل به عكاز أعمى عند البصير في حيز المنع. وقيل أن النصيب يشمل الزيادة. والكفل هو المثل المساوي فاختيار النصيب أولاً لأن جزاء الحسنة يضاعف. والكفل ثانياً لأن من جاء بالسيئة لا يجزى إلا مثلها. ففي الآية إشارة إلى لطف الله تعالى بعباده) واعترض (بأنه يخدش ما ذكر من الفرق التعبير بالكفل في قوله تعالى) كفلين من رحمته (فأن الأوفق بالترغيب نظراً إلى ذلك نصيبين) وأجيب (بأن المساواة بين كل كفل وكفل لا بين ذلك وما كان هو جزاء له ومترتباً عليه بل ذلك باقٍ على احتمال الزيادة. أو يقال أن الثنية أغنت عما يشمل الزيادة لا سيما على القول بأنها كالثنية في لبيك وسعديك فارجع البصر كرتين فتأمل) وقيل (أن الكفل وإن كان بمعنى النصيب إلا أنه غلب في الشر وندر في غيره كقوله تعالى) يؤتكم كفلين من رحمته (فلذا خص بالسيئة وتضمن ذلك التطرية وترك التكرار أيضاً) وفي مفردات الراغب (الكفل الحظ الذي فيه الكفاية كأنه يكفل بأمره والكفل الكفيل قال تعالى) يؤتكم كفلين من رحمته (وأما قوله) ومن يشفع شفاعةً سيئةً (الآية فإن الكفل ههنا ليس بمعنى الأول بل هو مستعار من الكفل وهو الشيء الردئ واشتقاقه من الكفل وهو أن الكفل لما كان مركباً ينوء براكبه صار متعارفاً في كل شدة كالسيساء وهو العظم الناتئ في ظهر الحمار فيقال لأحملنك على الكفل وعلى السيساء ولأركبنك الحسري الردايا. وقيل الكفل الكفيل ومنه) إن من تحرى شراً فإن من له كفيلاً يسلمه (كما قيل) من ظلم فقد أقام كفيلاً بظلمه (تنبيهاً أنه لا يمكنه التخلص من عقوبته انتهى. فتمسك بما به. والله تعالى أعلم بأسرار كتابه. ) ومنها (ما جرى في خبر) ما خير صلى الله تعالى عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لك يكن إثماً (وهو أن ظاهره أنه عليه الصلوة والسلام قد يخيره الله تعالى بين أمرين أحدهما إثم وذلك مما لا يكاد يتصور منه عز وجل. وذكر حفظه الله تعالى أنه كتب في جواب ذلك ما كتب. بعد أن سأل عنه غير واحد فما أتى بشيءٍ من علماء الروم والعرب.

فقلت يا مولاي لا يتعين كون المخير له عليه الصلوة والسلام هو الله عز وجل بل يجوز أن يكون المخير من العباد. وحينئذٍ لا إشكال ولا فساد. وذلك المخير يجوز أن يكون مؤمناً غير مطلع على الإثمية ويجوز أن يكون كافراً غير مطلع عليها أو مطلقاً غير مؤمن بها. وقد يدفع الإشكال. على تقدير كون المخير هو الله الملك المتعال. بأن يجعل يكن بمعنى يصير. وجوز بعض أجلة المعاصرين إبقاء يكن على المعنى المشهور ما لم يكن فيما مضى إثماً أما في شريعة من الشرائع السالفة أو في شريعته عليه الصلوة والسلام ويلزم عليه أن لا يختار عليه الصلوة والسلام النسخ إلى أسهل أصلاً مع أن الأغلب النسخ إليه. بل اختلف في النسخ إلى أثقل. والجمهور على جوانبه بل قووعه كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية بتعيين الصوم قال تعالى) وعلى الذين يطيقونه فدية (الآية وقال تعالى نسخاً لذلك) ومن شهد منكم الشهر (الخ وكنسخ وجوب الكف عن الكفار الثابت بقوله تعالى) واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا (بإيجاب القتال الثابت بآيات كثيرة ولا شك في أنه أثقل. وقال بعض المعتزلة لا يجوز إذ لا مصلحة في الانتقال من سهل إلى عسر. ومنع بأنا لا نسلم ذلك بعد تسليم رعاية المصلحة. ولقائل أن يقول أنه لا يلزم من أغلبية النسخ إلى الأسهل أن يكون بعد التخيير والاختيار. لجواز أن يكون قد وقع ابتداءً من الفاعل المختار. فتدبر وقيل إن ما لم يكن إثماً قيد الجميع ما قبله فيكون مفهوم المخالفة أنه إذا كان إثماً لا يختار وهو كما ترى. وقيل غير ذلك فليتأمل. ) ومنها (ما جرى فيما نقله لي من اعتراض الجلال الدواني. على قول الإمام الرافعي وهو الشافعي الثاني) المتوضي إذا نوى رفع غير حدثه إن ناسياً صحت نيته وإن عامداً لم تصح (وحاصله إن هذه النية من التصور المحال بالوصف لا من تصور المجال بالإضافة فليسن هذا من الفرضيات التي يذكرها الفقهاء لأن كلاً منها أمر محكم وإن كان الواقع خلافه. ) فقلت (يا مولاي كأن الجلال على جلالته. وكونه شافعياً في ديانته. لم يصب في فهم كلام الإمام الرافعي. ولم يع مراده ولو تأمل لكان يعي. وكأنه توهم أن المراد بغير الحدث الذي نوى المتوضي رفعه بالطهارة ونية رفعها بالوضوء المشروع لرفع ضدها كالجمع بين الضدين. وهذا نهاية ما يخطر لي في توجيه جعله ذلك من التصور المحال. وأنت تعلم أن الظاهر عليه أن يقال) إذا نوى المتوضي رفع طهارته (فإنه أخصر وأظهر في ذلك المراد. فقال فما تقول أنت في مراده. فقلت إن حدث المتوضي قد يكون من خروج ريح وقد يكون من خروج بول. إلى غير ذلك مما يغني العلم به عن تكثير القول. فيمكن أن يكون مراده) إن من كان حدثه من خروج بول مثلاً إذا نوى رفع الحدث من غيره فإن كان ناسياً صحت نيته وإن كان عامداً لا تصح لظهور تلاعبه (ولا محالية في النية على الوجهين كما لا يخفى. وعليه فلا إشكال. ولا قيل ولا قال. وكان في ذلك المجلس العلي. وكيل الدرس مصطفى أفندي الودين لي. فأنصق ووافق وقرر ما قررته تركيا وطابق. فقال المولى وأنا أيضاً لم أرتض اعتراض الجلال. ودفعته على غير هذا المنوال) وحاصله (بأنه قد تكون تلك النية. من بعض جهلة القلندرية الوجودية. فينوي أحدهم لو توضى رفع حدث زيد أو عمرو. أو بشر أو بكر. حيث أنه لا يقول بوجود الأغيار. وليس في الدار على زعمه غير الوجود المطلق ديار. ومن هنا قال قائلهم. وتلتذان مرت على جسدي يدي ... إلا أني في التحقيق لست سواه وهم الذين رفعوا الاعتبارات. ثم رفعوا لذلك التكليفات) وأنت تعلم (أن هذا الدفع يقتضي أنه حمل نية رفع غير حدثه على نية رفع حدث غيره) وحينئذ (يقال لو كان المراد ذلك لعبر به لأنه الأظهر. ثم أنه لا بد أن يراد بالغير عليه من هو غير في نفس الأمر أو في عين المحجوبين في زعم ذلك القلندري المتوضي. وإلا فلا غير عنده بل هو في رأيه عين زيد مثلاً الذي نوى رفع حدثه. بل هو وكذا لحيته عين عذرته وروثه. فتأمل. ولا تغفل.

) ومنها (أنه حضر يوماً في المجلس أمين الفتوى لا زال رفيق التوفيق والتقوى. في العلانية والسر والنجوى. وكان في البين شرح العلامة القهستاني. غمره الله تعالى بلطفه الصمداني. فقلت إن هذا الفاضل. قال في قول الماتن الكامل وسننه البداية بالتسمية وبغسل يديه إلى رسغها ثلاثاً للمستيقظ. إن المستيقظ هنا بفتح القاف لا بكسرها كما قيل لدلالة الحديث على ذلك ولأن التصريح بعد الكناية لا يخلو عن شيء انتهى (. فليتغرب ذلك. وقال هو ومن حضر أنه غير ظاهر المسالك. فروجع الكتاب. وتامل الأمين في العبارة فلم يظهر الجواب. وعلم في القاموس فلم يجد فيه تعدي الاستيقاظ. وقال المسألة لغوية لا يفتي فيها مفت برأيه ولا يقضي قاض. فقلت ومع هذا في بالي أن الكرماتي صرح بأنه لازم. وهو كما لا يخفى فاضل عالم. فعرض من مقتضيات المجلس وأمره. ما طوبنا له البحث على غره.) وأقول الآن (هذه العبارة ذائعة. وبين مستعملي ذلك الكتاب شائعة. وقد كتب عليها علماء أعلام. واشتغلوا فيها بنقض وإبرام. فكتب الشيخ الطرابلسي ما نصه) المراد من الحديث الموافق إذا استيقظ أحدكم من منامه الحديث. ووجه موافقة المستيقظ بفتح القاف أنه يكون حينئذٍ مصدراً ميمياً واللام فيه للوقت فيفيد أن سنة غسل اليدين في وقت الاستيقاظ من النوم كإفادة الحديث لذلك. وقوله ولأن الخ علة آنية لمخالفة المشهور ووجه التعليل أن التصريح أي الإتيان بالاسم الصريح الظاهر بعد الضمير المسمى بالكناية الواقع في يديه ورسغيه. لا يخلو عن شيء أي عن نكتة حاملة له على العدول عن الإضمار إلى الإظهار وتلك النكتة هي إفادة الموافقة وأنها لا تكون على زعمه إلا بفتح القاف المخالف للمشهور. وهذا ما وصل إليه الفهم الموصوف بالفتور. وفي كل من الوجهين نظر إذ الموافقة للحديث حاصلة مع الموافقة للمشهور أما بجعل اللام في المستيقظ للعهد والمعهود هو الأحد المذكور في الحديث وأما بأن المراد أول زمان الاتصاف بهذه الصفة. وما ذكره علة للعدول. يجري فيما ذكرناه من غير نكول. انتهى (وكتب معاف زادة ما نصه) قوله لدلالة الحديث (يعني قوله عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده والموافقة أما باعتبار تعليق الغسل فإن الاستيقاظ في الحديث لكونه مصدراً باذا الدالة على اختصاص الحكم بزمان مدخولها وكون المستيقظ بمعنى الزمان واللام للاختصاص والمعنى اختص سنية البداية بغل اليدين بزمان الاستيقاظ وأما باعتبار العلية في الحديث من حيث التعليق بالمشتق الدال على علية المأخذ وفي المتن لكون المستيقظ على معناه المصدري واللام أجلية والمعنى سن البداية بغسل اليدين لأجل الاستيقاظ. وقوله) ولأن هذا التصريح (تعليل ثانٍ للفتح ووجهه أن ضمير يديه راجع إلى الشخص المتوضئ والمستيقظ بالكسر عبارة عن الشخص المنتبه المتوضئ. ففيه نوع تكرار. بالإظهار بعد الإضمار وبالفتح يسلم منه انتهى. وهو غاية ما يقال. في توجيه ذلك المقال. وهو أولى مما تقدم. فتأمل وافهم. وكتب غيره من كتب. وبما ذكر يحصل إن شاء الله الإرب.

) ومنها (ما جرى في عبارة للعاملي في ديباجة رسالة الحساب. حيث ناولني ورقة كتب فيها ما نصه) لما رجعت من الحجة الرابعة. بعد اقتطافي من أثمار رباعها اليانعة. ووصلت إلى ثغر الإسكندرية. وبي زناد الأن ورية. اجتمعت بصاحبي الألمعي. وصديقي اليلمعي. زهر الروض الأنسي السيد محمد الصفاقسي. كان الله تعالى له. وبلغه غاية ما أمله. فأخبرني أن بعض الأذكياء. الحاكي مني ذكاءه سناء ذكاء. أورد عليه. مختبراً ما لديه. في أول رسالة خلاصة الحساب. عند قول المؤلف عمدة الإنجاب) نحمده يا من لا يحيط بجميع نعمه عدد (أنه قاصر عن إفادة المقصود مدى المدد. لكون الواحد غير عدد عند أهل الحساب حيث أنهم عرفوه بما ساوى نصف مجموع حاشيتيه فيكون أول الأعداد عندهم اثنين. فيبقى احتمال إحاطة الواحد بلامين. فعجز عن إزالته. وألجم بمقالته. فترجى مني كيف الجواب والتجمل في الخطاب. فقلت مسعفاً لمرامه. وكاشفاً لغمامه. أن الشروع في الديباجة أول دخولٍ قبل تعلم الاصطلاح. فيلزم أن تحمل ألفاظ الدبابيج على المعاني اللغوية الفصاح. لأنها هو المتعارف المشهور. كما قرروا في المحلات المناسبة وزينوا به السطور. والواحد عدد عند أهل اللغة. وفي هذا أغنية وبلغه. على أن الواحد عدد أيضاً عند بعض المحاسبين. وإن كان مرجوحاً فاقنع بذلك وكن من الشاكرين. انتهى.) فقلت (يا واحد الإسلام. وثاني الوسادة على منصة الأحكام. لعل الأظهر الأجلى. والأعذب الأحلى. أن يقال في الجواب يعلم عدم إحاطة الواحد من عدم إحاطة العدد من باب الأولى. على أنه قد قيل لا يعقل ولا يكاد. إحاطة واحد بجميع النعم وهي ذات آحاد. وإحاطة الله تعالى بالأياء حفظه لها من جميع جهاتها. واستيلاؤه عز وجل على جزئياتها وكلياتها. وأحاطت به خطيئته الإضافة فيه جنسية. فيجوز أن يدعي في الخطيئة التعدد دون الوحدة الشخصية. وجوز أن تكون الإحاطة فيه بمعنى المنع كما في قوله تعالى) إلا أن يحاط بكم (فأحاطت الشواغل. ومنعت الموانع عن سماع ما أنا قائل. فها كلا الكلامين لديك. فعليك بالإنصاف والله عز وجل رقيب عليك. ) ومنها (ما جرى في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم) لا تنقشوا في خواتيمكم عربياً (وذلك أن حضرة السلطان. رأى منقوشاً على مهر الإيالة لبعض الوزراء بعض آي القرآن. فلم ينشرح بذلك صدراً. وقال القرآن أجل من أن ينقش في الخواتم قدراً. وأمر حضرة شيخ الإسلام. أن ينظم بيتين يكتبان على كل مهر أيالة للحكام. فاتفق أن حكى لي هذه القصة حضرة ولي النعمة. وناولني بيتاً قد نظمه في ذلك وأمرني أن أشفعه بآخر وأتمه. وهذا قوله وقولي: إن الوزارة نعمة من نالها ... فليشكر المولى ببسط عدالته وليتصف بأمانة وبعفة ... وليخدمن سلطانه بصداقته وكان هذا المضمون. مراد ذلك السلطان الأمين المأمون. فقلت على سبيل المفاكهة يا مولاي ما ضر لو كان النقش تركياً. فقد ورد عنه عليه الصلوة والسلام) لا تنقشوا في خواتيمكم عربياً (فاستغرب ما ذكرته. وقال هذا حديث حتى الآن ما سمعته. فقلت يوجد في الإسقاط. ما لا يوجد في الأسفاط. وهذا الهدهد قال لسليمان عليه السلام بين صحبه. كما قص ذلك في الكتاب) أحطت بما لم تحط به (. فقال أين رأيته يا خاتم فضلاء آلوس. فقلت رأيته يا ابن سيد العرب في عدة كتب منها القاموس. فجيء بذاك. وأوقفت القاعدين على ما هناك. فخاضوا في التأويل. وكثر القال والقيل. فقرأت في ذلك النادي. ما ذكره الفيروزآبادي.) ونصه (:

) لا تنقشوا في خواتيمكم عربياً (أي له تنقشوا محمد رسول الله كأنه قال عليه الصلوة والسلام نبياً عربياً. يعني نفسه صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى. فرأيت حضرة شيخ الإسلام على أعراف الرد والقبول. وكذا رأيت من حضر من رجال العلم في إسلامبول. ولا بدع أن ترددوا في القبول والرد. فإنه توجيه لا يخلو عن شيء وإن كان توجيه المجد. وذلك لأن قوله كأنه قال نبياً عربياً يعني نفسه صلى الله تعالى عليه وسلم ظاهر في أن النهي عن نقش اسمه الشريف ولكون محمد أشهر أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم يكون هو المراد فيكون المعنى لا تنقشوا في خواتيمكم اسمي أو لا تنقشوا في خواتيمكم محمداً. وقوله أولاً كابن الأثير في النهاية أي لا تنقشوا) محمد رسول الله (ظاهر في أن النهي عن نقش مجموع هذا المركب أعني لفظ محمد ولفظ رسول الله. ويقتضيه تعليل ابن الأثير النهي بأنه كان نقش خاتمه عليه الصلوة والسلام فإن ما كان باتفاق الروايات محمد رسول الله محمد سطر ورسوله فوقه سطر والله فوقهما سطر. فإن اعتبرنا ما دل عليه كلامه أخيراً أشكل بأن عمل الأمة سلفاً وخلفاً على نقش ذلك الاسم الشريف في الخواتيم. وإن اعتبرنا ما دل عليه كلامه أولاً أشكل عليه تقدير الموصوف المحذوف نبياً وكان اللازم عليه تقديره مركباً أو كلاماً أو نحوهما. وإن اعتبرنا ما دل عليه كلامه أخيراً الظاهر في النهي عن نقش الاسم الشريف وحملنا ما دل عليه كلامه أولاً من اعتبار مجموع المركب على أنه إشارة إلى اعتبار ضم رسول الله إلى الاسم الشريف ليتحقق بذلك كونه اسماً له عليه الصلوة والسلام مقصوراً هو منه جاء عليه أن هذا في غاية البعد. ويرد على الكل أن اللائق بمن مخضت له الفصاحة زبدها. ومجت في ألفاظه نحلة البلاغة شهدها. أن يقول في إفادة ذلك المراد لا تنقشوا في خواتيمكم اسمي. أو لا تنقشوا في خواتيمكم محمد رسول الله وإن حذف ما اعتبر موصوفاً أعني نبياً مما ليس عليه قربنة ظاهرة ولا تتبادر إرادته للشيوع أو اختصاص الصفة به. وأنه يبعد ذلك التقدير حديث عمر رضي الله تعالى عنه لا تنقشوا في خواتيمكم العربية. ولمزيد المناقشة في توجيه المجد قيل في التوجيه أن المراد لا تنقشوا في خواتيمكم كلاماً عربياً ويراد به الفرد الكامل أعني القرآن فكأنه قيل لا تنقشوا في خواتيمكم قرآناً. ولك أن تقدر قرآناً من أول الأمر وهو الأولى أي لا تنقشوا في خواتيمكم قرآناً عربياً. وعلة النهي خشية الامتهان. قيل ومن هنا كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كما في النهاية يكره أن ينقشوا في الخاتم القرآن وفيه ما لا يخفى ومع هذا أظنه أقرب من الأول وقيل الخبر على ظاهره وهو النهي عن نقش الكلام العربي مطلقاً في الخواتيم وكراهة نقش القرآن التي رويت عن ابن عمر لدخول ذلك في العموم إلا أنه نسخ النهي عن نقش غير القرآن بالإجماع على إباحته. ورد بأن الجمهور على أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به. وقيل نسخ بالسنة وهي تقريره عليه الصلوة والسلام من نقش خاتمه عربياً بعد اعلم به أو فعله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث نقش خاتمه) محمد رسول الله (واعترض الشق الأول بأنا لا نسلم أن أحداً في عصره عليه الصلوة والسلام غيره نقش خاتمه عربياً. ولئن سلمنا فلا نسلم علمه به عليه الصلاة والسلام. ولئن سلمنا فلا نسلم تقريره وسكوته صلى الله تعالى عليه وسلم عن النهي. ولئن سلمنا فلعل ترك الإنكار في الحال لعلمه بأنه علم منه ذلك وبأنه لا ينفع في الحال) واعترض الشق الثاني (بما يشعر به تعليل ابن الأثير السابق من أن النهي المذكور بعدما كان منه عليه الصلوة والسلام من اتخاذ الخاتم ونقشه فهو خاص بالمخاطبين فتأمل ولا تغفل. وأنا أختار التأويل. بعد القال والقيل. بأن يراد لا تنقشوا في خواتيمكم نبياً عربياً والمعنى على هذا لا تنقشوا اسم نبي عربي يعني اسم نفسه صلى الله تعالى عليه وسلم واختار عليه الصلوة والسلام هذا الأسلوب على لا تنقشوا اسمي تذكيراً لهم بما يحضهم على امتثال نهيه. ويلتزم القول بوجود قرينة تدل على تعيين المحذوف إذ ذاك وإن لم توجد الآن أو بأن يراد لا تنقشوا في خواتيمكم قرآناً عربياً ويلتزم في القرينة ما سمعت أو أن عربياً كان إذ ذاك شائعاً شيوع قرآناً بحيث إذا أطلق يتبادر منه ذلك. وعلى هذا لا يحتاج العدول عن قرآناً إلى عربياً

إلى نكتة. وعلى ما قبله يحتاج إلها ولعلها إشعار عربياً بما لا يشعر به قرآناً فإنه صفة مدح له كما يرمز إله قوله تعالى) إنا أنزلناه قرآناً عربياً غير ذي عوج (فتأمل فلمسلك الذهن اتساع. وفضل الله تعالى قد ملأ البقاع. بقي أن في الحديث كلاماً لا حاجة بنا إلى ذكره. فلنطوه الآن على غرة. ) ومنها (ما جرى في تناقض المجد في القاموس حيث قال فيه) المرهم دواء مركب نافع للجراحات وذكر الجوهري له في رهم وهم والميم أصلية لقولهم مرهمت الجرح ولو كانت زائدة لقالوا رهمت (وقال قبل ذلك بورقات معدودة) الرهمة بالكسر المطر الضعيف إلى أن قال والمرهم كمقعد طلاء لين يطلى به الجرح مشتق من الرهمة للينة انتهى (. فلم يظهر لي في دفعه شيء. ولم آت فيه بحي ولآلئ. سوى أني أنشدت لما تحيرت: ومن ظن ممن يلاقي الحروب ... أن لا يصاب فقد ظن عجزاً وقلت قد رمى بسهم مصيب. من قال من عاب عيب. ) ومنها (ما جرى في قوله في العم) ويقال هما ابنا عم لا خال وابنا خالة لا عمة (فقال شيخ الإسلام ومولى العلماء. وجه ذلك أنه لم يسمع من العرب العرباء. وكان في المجلس من صيغ من كمال. ومن صدق جده كما صدق في مدحه العم والخال. العارف الذي على وكر فتاويه وقائع مجلس الأحكام تحوم. حضرة عارف أفندي قاضي عسكر الروم. فقال وجه دعواه أنه لا يقال ابنا عمة ولا ابنا خال وابنا عم. ثم تفاوض الحديث العارفان. فاستقر رأيهما على عدم تصور وقوع ذلك في العيان.) وأنا أقول (القول بالوقوع أمر معقول. فالأولى التوجيه بعدم السماع. ثم بيان المقتضي له والداع.) وقد سألت عن ذلك (غير واحد. من الفضلاء الأماجد.) فكتب (نور الذبالة الدرية. ونور شجرة السلالة الحيدرية. ذو الخلق العطر الرندي. صبغة الله أفندي زادة إبراهيم أفندي) ما نصه بعد نقل العبارة (:

وجهه انه لما كان كون أحد ابن عم لآخر مستلزماً لكون الآخر ابن عم له وكذا كان كون أحد ابن خالة لآخر مستلزماً لكون الآخر ابن خالة له صحت الإضافة المذكورة وأغنت عن تثنية المضاف إليه بخلاف ابني الخالة والعمة فإنه لما لم يكن أحدهما مستلزماً للآخر بل وقوعه في بعض المواد كما لا يخفى تصوره لم تصح الإضافة فيهما إلى المفرد بل احتيج إلى تثنية المضاف إليه بأن يقال ابنا عمتين وابنا خالين انتهى) وكتب (الذكي اللوذعي. والفطن الألمعي. خزانة علم آبائه. وتذكرة أقدام حيدر وآبائه. ذو الخلق العطر الندي. حيدري زاده محمد أمين أفندي.) ما نصه بعد نقل عبارة القاموس السابقة (قيل سبب حة إطلاق القولين الأولين دون الأخيرين مجرد الاستعمال وعدمه وهذا لا يسمن ولا يغني من جوع. وقيل تحققهما دونهما. وفيه أنه لا فرق بينهما في التحقق والوقوع بل لا بد عند التحقق من تحقق الأخيرين كليهما جميعاً في صورة واحدة ولا يمكن انفكاك كون الابنين ابني خال عن كونهما ابني عمة وبالعكس بلا مرية وصورة ذلك ما إذا تزوج عمرو بأخت زيد وزيد بأخت عمرو وولد لكل منهما ولد فإنه لا شبهة في أنه يصير عمرو خالاً لابن زيد وزيد خالاً لابن عمرو فيكون الولدان ابني خال وابني عمة جميعاً بغير فرية. فلعل السبب في ذلك هو أن المراد من قولهم هما ابنا عم كون كل منهما ابن عم الآخر فيكونان ابني عمين لا عم مع أنه قيل ابنا عم لكن لما كان للعمين جهة وحدة جامعة هي الأخوة مصححة لأن يجعلا عماً واحداً ويسند الولدان إليه فيقال هما ابنا عم. لم تكن للعمتين جهة وحدة وكذلك مصححة لأن تجعلا واحدة ويسندان إليها صح هناك ولم يصح هنا وكذلك لوجود تلك الجهة المصححة في الخالتين وعدم وجودهما في الخالين صح الجعل المذكور في الإسناد فيهما دونهما. ويمكن أن يكون السبب في صحة إطلاق الأولين دون الأخيرين استلزام كون أحد ابن عم أو ابن خالة لآخر كون الآخر ابن عم أو ابن خالة له وليس هذا الاستلزام موجوداً في الأخيرين لأن كون أحداً ابن خال أو ابن عمة لآخر لا يستلزم كون الآخر ابن خال أو ابن عمة له بالبداهة فلوجود الاستلزام وعدمه في الأخيرين صح إطلاقهما دونهما وهذا ما خطر لفكري الفاتر. وأرجو أن يكون مقبول كل خاطر. انتهى وما عبر عنه يتمكن هو توجيه ابن ابن ابن عم أبيه وكان قد سبقه إليه. وتوارد الخاطر. لا ينكر وقوعه بين الأذكياء الأكابر. ويمكن أن يقال في سبب ذلك أن غالب العرب في كل عصر حتى اليوم لا يميلون إلى الخال ومن هنا العامة يقولون الخال مخلي. وربما يستأنس فس ذلك بأنهم لا يستعملون مخول بمعنى كريم الأخوال إلا مع معم وكذا غالب الأخوال لا يميلون إلى أبناء أخواتهم ومن هنا تسمع العامة أيضاً يقولون اصنع لك ابن أخ تمن طين. واضرب رقبته وربما يقال اقطع منه الوتين. ولعدم الميل الطبيعي إلى الأخوال لا يعدون ابني الخالين ابني خال. أي ابني شخص واحد حكماً فلا يفردون. وهذا بخلاف العم فإنهم يميلون إليه حتى أنهم يطلقون عليه الأب ومنه قوله تعالى) وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر (بناء على ما ذهب إليه غير واحد من أن آزر كان عماً لإبراهيم عليه السلام وأن أباه الحقيقي تأرخ أخو آزر وجاء رجل معم من غير أن يضم إليه مخول ولذلك الميل يعدون ابني العمين ابني شخص واحد حكماً فيفردون ويقولون ابنا عم وهم في الميل إلى الخالة والعمة على العكس فيعدون الخالة كالأم وقد ورد في الحديث الخالة أم. وقيل في قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام) ورفع أبويه على العرش (أن المراد بأبويه أبوه وخالته لأن أمه قد ماتت قبل القصة وإحياؤها غير مسلم والاستدلال عليه بهذه الآية استدلال بمحل النزاع وكذا ميل الخالة إلى ابن أختها أشد من ميل العمة إلى ابن أخيها ومن هنا قدمت الخالة على العمة في الحضانة فيقال في سبب توحيد الخالة في ابنا خالة وعدم توحيد العمة نحو ما قيل في سبب توحيد العم في ابنا عم وعدم توحيد الخال. مما سمعت آنفاً من المقال. ويمكن أن يجعل مجموع ما نقلناه وما قلناه سبباً لما ذكره صاحب القاموس. فتأمل فكم خبايا أودعها الله تعالى في زوايا النفوس.

) ومنها (ما جرى في قوله أيضاً) السرور توقيع جائز وأن التركيب فيه هل هو وصفي أو إضافي أو كلا الأمرين جائز (فإني سألت في المجلس عن ذلك. فقيل نرجع إلى أقيانوس في تحقيق ما هنالك. وقال المولى الصفي. يغلب على الظن أنه تركيب وصفي. فقلت نعم يا شيخ الإسلام. هو كذلك عند جمعٍ من العلماء الأعلام. وقد كتب على ذلك العلامة السري. شيخ مشايخنا السيد صبغة الله أفندي الحيدري) ونصه (بعد نقل العبارة التوقيع خط وعلامة للسلطان في الأحكام والمناشير يدل على أن الحكم من طرفه وهو أوقعه فقولهم) السرور توقيع جائز (كلام ذكر أولاً على ما في سمط النجوم بحضور قتيبة بن مسلم حين قال لوكيع بن الأسود ما السرور قال لواء منشور وجلوس على السرير والسلام عليك أيها الأمير. وقيل لحصين بن المنذر ما السرور قال امرأة حسناء. في دار قوراء. وفرس بالفناء. وقيل لعبد الله بن الأهتم ما السرور قال رفع الأولياء. وخط الأعداء. وقال بعضهم السرور توقيع نافذ وأمر جائز. وقيل لفتاة ما السرور قالت زوج يملأ قلبي جلالاً. وعيني جمالاً. وفنائي جمالاً. فما قيل من أن وزانه وزان قولهم كلامك سيف قاطع يعني إذا ظهر السرور في وجه من أنهى إليه الأمل أو في وجه الممدوح عند الشاد الشعر بحضوره فهو بمنزلة توقيع نافذ لحصول المقصود وإن كان من محتملات اللفظ ليس بمطابق مورده انتهى. ) وأقول (نوقش عليه الرحمة في دعوى أن ذلك المعنى غير مطابق المورد فقيل إنه إنما يتم لو كان قد أورد لبيان السرور على نحو ما أورد كلام وكيع ابن الأسود وذلك غير معلوم. وجميع ما ذكر من قول حصين بن المنذر وعبد الله بن الأهتم ومن معهما لا نسلم أنه كان بحضور الأمير قتيبة بن مسلم جواباً له والنقل السابق ليس بنص في ذلك وكذا لا نسلم أن ذلك مختصر من قول البعض) السرور توقيع نافذ وأمر جائز (نعم ذلك المعنى في نفسه بعيد والمتبادر من الكلام نحو المتبادر مما تقدم. ثم أن كلا المعنيين ظاهر في أن التركيب وصفي وجوز كونه إضافياً على معنى السرور توقيع. أمير أو ملك جائز أي معطى الجائزة أي العطية فكأن قائل ذلك شاعر أدعى لمزيد حبه الجائزة أن السرور توقيع ممدوحه من الأمراء والملوك ليعطيه أمنية الجائزة على شعره فيه. ويتصور أن يكون قائله ممن يحب الكرم وإعطاء الشعراء الجوائز. تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله على أن يكون المعنى السرور هو الأمر بإعطاء الجوائز وإمضاء الأوراق في ذلك والتوقيع عليها فتأمل. ) ومنها (ما جرى في قوله أيضاً) النموذج بفتح النون مثال الشيء مقرب والأنموذج لحن انتهى (فإنه نقل أن العلامة ابن قاسم العبادي أشار في بعض تعليقاته إلى اعتراض عليه وجواب عنه) حيث قال (والفقهاء يعبرون بالأنموذج فيلزم أن يكون لحناً فتأمل انتهى. وقرر حاصل الاعتراض بأن الفقهاء يعبرون بما ادعى أنه لحن وهم أجل من أن يعبروا بما هو لحن وقرر حاصل الجواب المشار إليه بتأمل أنهم يراعون في كلامهم تفهيم العامة فلا بأس عليهم إذا استعملوا في تفهيمهم لفظاً هو لحن في نفس الأمر لكنه شائع الاستعمال فيما بينهم دون ما هو الصحيح بل يجوز أن يخفى عليهم كون اللفظ الفلاني لحناً وليس من شرط الفقيه الوقوف على الصحيح الثابت عند العرب في كل لفظ يستعملونه وجلالتهم تأبى الغلط في استخراج الأحكام لا استعمال لفظ هو لحن عند العرب لكنه شائع عند العوام وقد صح أنه عليه الصلوة والسلام عدل عن لغة قريش الفصحى التي نزل بها الكتاب. إلى لغة دونها رعاية لتفهيم من هي لغته من الأعراب. على أن كون الأنموذج لحناً مما لم يتفق عليه الأجلة فقد ذكره العلامة أحمد الفيومي في مصباحه المنير من غير تنبيه وجعل النموذج لغة فيه. فقلت يا سيدي لقد أبدعت في المقال. وهذا غاية ما يخطر بالبال. ) وكم في القاموس (ما هو من هذا القبيل. وأشياء أخر طال فيها ذيل القال والقيل. كدعواه أغلاطاً تسعة في قول الشاعر. الذي استشهد به الجوهري الماهر: أجاعل أنت بيقوراً مسلعة ... وسيلة لك بين الله والمطر وقد بينها الشيخ عبد الرحمن العمادي ونقلها الفاضل المحبي. في تاريخه فقال بعد ذكر البيت وما قبله وهو: لا در درأ ناس خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر

قد لاح في هذه الألفاظ تسعة أغلاط خطرت بالبال. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.) الأول (إدخال الهمزة على غير محل الإنكار وهو جاعل والواجب إدخالها على المسلعة لأنها محل الإنكار نحو أغير الله أبغي حكما) الثاني (تقديم المسند أعني جاعل على المسند إليه أغني أنت الذي هو خلاف الأصل فلا يرتكب إلا لسبب فكان الواجب تقديم المسلعة وإدخال الهمزة عليها وترك التقديم بأن يقال أمسلعة تجعل ذريعة) الثالث (أن نرتب البيت على ما قبله يقتضي أنه فصد الالتفات من الغيبة إلى الخطاب قطعاً وأنه بعد أن حكى حالهم الشنيعة التفت إلى خطابهم ومواجهتهم بالتوبيخ حتى كأنهم حاضرون يستمعون وحينئذٍ يكون قد أخطأ في إيراد أحد اللفظين بالجميع والآخر بالإفراد ولا شك أن شرط الالتفات الاتحاد) الرابع (إن الجاعلين الذين حكي عنهم في البيت الأول هم العرب في الجاهلية فلا وجه لخصيص واحد منهم بالإنكار عليه دون البقية. لا يقال هذا الوجه داخل في الذين قبله. لأنا نقول هذا وارد مع قطع النظر عن كون الكلام أشتاتاً أو غير التفات من حيث أنه نسب أمراً إلى جماعة ثم خص واحداً منهم بالإنكار من غير التفات إلى الالتفات أصلاً.) الخامس (تنكير المسند إذ لا وجه له مع تقدم العهد حيث علم أن مراده بالجاعل هم الأناس المذكورون في البيت الأول فكان حق الكلام أن يقال أمسلعة أنتم الجاعلون.) السادس (البيقور اسم جمع كما في القاموس واسم الجمع وإن كان يذكر ويؤنث لكن قال الرضى في بحث العدد) ما محصله (أن اسم الجمع إن كان مختصاً بجمع المذكر كالرهط والنفر والقوم فإنها بمعنى الرجال فيعطى حكم المذكر في التذكير فيقال تسعة رهطٍ ولا يقال تسع رهط كما يقال تسعة رجال ولا يقال تسع رجال. وإن كان مختصاً بالمؤنث فيعطى حكم جمع الإناث نحو ثلاث مخاض لأنها بمعنى حوامل النوق وإن احتملهما كالخيل والإبل والغنم لأنها تقع على الذكور والإناث فإن نصصت على أحد المحتملين فإن الاعتبار بذلك النص انتهى (. فقد صرح بأنها إذا استعملت مراداً بها الذكور تعطى حكم الذكور. وقد نص صاحب القاموس وغيره على أنهم كانوا يعلقون السلع على الثيران فبهذا الاعتبار لا يسوغ وصف اليبقور بالمسلعة) السابع (إيراد المسلعة صفة جارية على موصوف مذكر والذي يظهر من عبارة صاحب الصحاح اسم للبقرة التي يعلق عليها السلع للاستمطار لا صفة محضة حيث قال) ومنه المسلعة الخ (ولم يقل ومنه البقرة المسلعة. وقال السيوطي في شرح شواهد المغني نقلاً عن أئمة اللغة أن المسلعة ثيران وحش علق عليها السلع وحينئذٍ فلا يجري على موصوف كما أن لفظ الركب اسم لركبان الإبل مشتق من الركوب ولم يستعمل جارياً على موصوف فلا يقال جاءني رجال ركب بل جاءني ركب) الثامن (إن المنصوص عليه في كتب اللغة أن الذرية بمعنى الوسيلة لا غير وأن الوسيلة مستعملة في التعدية بإلى فاستعمل الذريعة فيها بدون إلى مع لفظ بين مخالف لوضعها واستعمالها المنصوص عليه. وأما اللام في لك فإنها للاختصاص فلا دخل لها في التعدية كما يقال أرسل هذا الكتاب تحفة لك) التاسع (قوله بين الله والمطر لا معنى له والصواب بينك وبين الله لأجل المطر. وذلك لأنهم كانوا يشعلون النيران في السلع والعشر المعلقة على الثيران ليرحمهما الله تعالى وينزل المطر لإطفائها عنها كما تقدم في الكتاب والله تعالى أعلم انتهى) وتعقب ذلك (المحبي بقوله) أقول لا يخفى أن ما استخرجه لا يسمى أغاليط فأجل فكرك فيما هناك تصب المحز انتهى (ولعل الحمادي حمل الغلط على ما يشمل خلاف الأولى بناء على أنه في البليغ غلط فذكر ما ذكر ومع هذا لا يخلو عن بحث) وقد سئل (شيخنا علاء الدين علي أفندي الموصلي عن هذه الأغلاط فأجاب بما وافق بعضه بعض ما ذكر وبما خالف وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية. فارجع إليه إن أردته. وهو أيضاً مبني على حمل الغلط على ما سمعت آنفاً. ولا يكاد يسلم وجود أغلاط تسعة في البيت والغلط بمعناه المتبادر فتأمل وانصف) ومن مشهور العيارات (التي يسأل عنها من عبارات القاموس أيضاً عبارته في الكلام على العسر والأمر فيها أسهل من الأمر في الأغلاط ولعل الرجوع إلى الأقيانوس يتكفل بحلها) وقد كتب (عليها شيخ مشايخنا العلامة السيد صبغة الله أفندي لكنه نوقش فيما كتب ولولا خوف الإطالة لذكرت

ذلك) ومما استشكل من ذلك أيضاً (قوله وكعب الحبر ويكسر ولا تقل الأحبار معروف انتهى. ووجه الإشكال ان كعب الأحبار. مما شاع وذاع وروده في الأخبار. ولا مانع من حيث الصناعة لذلك. كما لا يخفى على من سلك في هاتيك المسالك.) وأجيب (بأن ما ورد من باب التركيب الإضافي وما منعه المجد من باب التركيب الوصفي فإن الظاهر عدم جواز وصف كعب المفرد بالأحبار الجمع وإدخاله في باب نطفة أمشاج وثوب أسمال مما يأباه الذوق السليم. وتعقب بأنه ليس المقصود إلا النهي عن استعمال ما هو المشهور وليس ذلك إلا لتركيب الإضافي فيكون غلطاً وقد نبه على ذلك بعضهم أيضاً بقوله: عوج بن عوق ثم كعب الحبر صح ... فالغلط المشهور فيه ما نضح ووجه كون ذاك غلطاً بأن كعب الحبر بهذا اللفظ صار كالعلم فتغييره إلى كعب الأحبار بالإضافة أو الوصف غلط إذ الأعلام لا تغير فتأمل.) ثم اعلم (أنا لو ذكرنا جميع ما هو من هذا القبيل من عبارات القاموس لطال ذكره. ولوقعنا في بحر عميق لا يدرك ولو أمعن في الغوص قعره. ويكفي ما ذكرناه في الاستطراد. فاحفظ ذلك واسأل الله تعالى من فضله الذي ليس له من نفاد.) ومنها (ما جرى من تذكر قصيدة أمن تذكر وهو أن البوصيري قال فيها مادحاً له عليه الصلوة والسلام: لو ناسبت قدره آياته عظماً ... أحيي اسمه حين يدعى دارس الرمم وهو مشكل. وأمر معضل. فإن مقتضى لو وكون القرآن داخلاً في آياته صلى الله تعالى عليه وسلم أن لا يكون القرآن العظيم. مناسباً قدره عليه أفضل الصلوة وأكمل التسليم. وذلك مما لا يكاد يقال. لما أن القرآن كلام الملك المتعال. فقلت لعل المراد من الآيات غير القرآن. وتخصيص العام بالعقل مما يضيق عنه نطاق البيان. فقال هذا عكاز أعمى لا أرتضيه لك. فاسلك هديت غير هذا المسلك. فقلت لعل الإضافة في آياته للعهد والمراد ما جاء بنحو الرسل عليهم السلام. ولم يجيء أحد منهم بنحو القرآن كما جمع عليه العلماء الأعلام. وكون الجمع المضاف للعموم. ليس على إطلاقه كما هو معلوم. فقال لم تصنع شيئاً سوى أنك غيرت الكلام. إلى عبارات ذات انسجام. فإن لم يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها عذته أمه بلبانها فقلت لعل المراد نفي المناسبة عظماً باعتبار الظهور. وإعجاز القرآن خفي على بعض الناس بالنسبة إلى إحياء واحد من أهل القبور. فقال هل يخطر ببالك. غير ذلك. فقلت نعم. يا ولي النعم. لكنه يتوقف على تحقيق المراد بالقرآن. الذي لا يسوغ أن يفضل عليه النبي إنسان. أهو الكلام النفسي الذي هو من صفاته تعالى الذاتية. أم الكلام الأغلى الذي ذهب إلى أنه مخلوق كالمعتزلة لعظم الأشاعر. والماتريديه. فإن كان كالأول فالقول بأنه غير مناسب غير مناسب قطعاً. بل هو باطل بلا شبهة عقلاً وسمعاً. وإن كان الثاني فالقول بعدم مناسبة عدم المناسبة مما تتردد فيه الأذهان. لقول معظم أهل السنة أنه عليه الصلوة والسلام أفضل المخلوقات ما يكون وما كان. وحيث أن البوصيري عبر بالآيات أي المنجزات أراد بالقرآن المعنى الثاني من المعنيين. إذ الكلام النفسي ليس بمعجزة ولم يتحد به سيد الكونين. صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. والظاهر أنه أشعري يقول بأن الكلام اللفظي مخلوق. ضرورة اشتماله على بداية ونهاية وسابق ومسبوق. وأنه ممن يفضل النبي عليه الصلوة والسلام على جميع المخلوقات. من مضى منهم ومن هو آت. فقد قال. وأحسن في المقال: فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلهم

فقال سلمه الله تعالى مداعباً لقد أبعدت مغزاك. وسأخبر علماء إسلامبول بذاك. فقمت إليه. ووقعت عليه. وقلت يا سيدي وحرمة القرآن. لو كان أحدهم حاضراً ما فهت بما فهت لديه. فضحك وقال مسألة القرآن طويلة الذيل. وظهر لي منه أن له إلى الجواب باعتبار الظهور غاية الميل. ثم قلت يا مولاي يحتمل أن يكون لذلك أجوبة أخر. وقبل الشروع بشيء منها حضر من حضر. فانقطع الكلام. وترك ذلك لذوي الإفهام) وأنا أقول الآن (مستعيناً بالملك المنان. قد ظفرت بنحو ما ذكرته في مختصر شرح المرزوقي للقصيدة المشار إليها) ونصه (بعد كلام في هذا البيت) قال الشارح (لم يزل الناس يعترضون هذا البيت لاقتضائه أن ليس فيما أعطيه صلى الله تعالى عليه وسلم من الآيات ما يناسب قدره لأن لو حرف امتناع لامتناع أي امتنعت الخاصة المذكورة لامتناع أن يناسب قدره العظيم شيء من آياته صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا باطل فإن من آياته صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن العظيم وهو كلام الله تعالى والكلام صفة وشرف الصفة بشرف الموصوف ثم قال وعنه أجوبة) وأقول (السؤال مغالطة فإن القرآن يراد به كلام الله الذي هو صفة الذات وهو المعنى القائم وهذا لم يعطه صلى الله تعالى عليه وسلم لأن الذي أعطيه معجزة والمعجزة فعل الله تعالى خارق للعادة وهو غير صفة الذات. ويراد به أيضاً الحروف الملفوظة والأصوات المسموعة وهذا هو الذي أعطيه صلى الله تعالى عليه وسلم وهو المعجزة وإطلاق القرآن على الحروف والأصوات شائع) وحينئذٍ (لا نسلم أن تكون الحروف والأصوات مناسبة لقدره عليه الصلوة والسلام انتهى بعض كلامه. ثم قال المختصر وما ذكره من كون الحروف والأصوات لا تناسب قدره صلى الله تعالى عليه وسلم قال مثله السبكي فيما قيده على القرآن قال: في قول تعالى) إن الله اصطفى آدم (إلى قوله سبحانه) العالمين () ما نصه (ألفاظ القرآن التي وقع بها الإعجاز من جملة العالم لحدوثها فنبينا عليه الصلوة والسلام أفضل منها يعني لأنه من آل إبراهيم عليه السلام قال وبهذا يتقرر قول صاحب البردة) لو ناسبت قدره آياته البيت (انتهى ما في المختصر. ووالله العظيم لم أره قبل أن أقرر في المجلس ما تحرر. والحمد لله عز وجل. على ما أنعم به علي وتفضل. ومن الأفاضل من أجاب بأن المراد من صدر البيت نفي مناسبة جميع آياته قدره عليه الصلوة والسلام. ولا يلزم من نفي مناسبة الجميع نفي مناسبة القرآن إذ مع مناسبة البعض وعدم مناسبة البعض الآخر يصدق نفي مناسبة الجميع كما يصدق من عدم مناسبة كل واحدة من الآيات.) وحاصله (أن المراد نفي العموم لا عموم النفي ولا يضر في ذلك مناسبة القرآن. ولا يرد عليه أنه مشعر بأنه لو تحققت تلك الخاصة يلزم أن تتحقق مناسبة الجميع لقدره عليه الصلوة والسلام. إذ ليس الكلام مساقاً إلا لدعوى أنه لو ناسب الجميع قدره لتحققت تلك الخاصية دون العكس. نعم في الملازمة التي ادعاها الناظم رحمه الله تعالى خفاء حيث لم يكن السؤال عن ذلك تركنا بيان ذلك للأذكيا. فتأمل وافهم. والله تعالى أعلم. ) ومنها (ما جرى في قول البوصيري أيضاً: إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ... فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم

وذلك إن إلا مركبة من أن الشرطية ولا فيكون مآل المعنى بعد التقدير.) وإن كنت ف معادي آخذاً بيدي فقل يا زلة القدم (ولا يخفى ما فيه على خبير. وكون المآل هذا لأن لا النافية تدخل في التقدير على لم تكن فيدخل النفي على النفي فينفيه ونفي النفي إثبات. فقلت يا مولاي لا يتعين تقدير الشرط لم تكن داخلة عليه لا النافية بل يجوز تقديره تكن داخلة هي عليه فيكون هذا الشرط تكريراً للشط السابق والجواب لهما قوله فقل الخ. والمقام لا يأبى ذلك بل يقتضيه. فسكت سلمه الله تعالى ولم ينقر فيه. ثم رأيت في شرح مختصر الرزوقي) ما نصه (قال المحقق الجلال المحلي في شرح البيت إن لم تكن في معادي أي عودي يوم القيامة للجزاء آخذاً بيدي بأن تشفع في فضلاً ومنةً وإلا أي إن لم تكن كذلك. فهو بمعنى الشرط الأول تأكيد له وجوابه فقل. يخاطب من جرده من نفسه أي فقل لي يا زلة القدم وهذا يكنى به عن سوء الحال انتهى. فشكرت المولى. على ما أولى. ورأيت في مختصر ذلك الشرح توجيهاً آخر قال قوله وإلا شرط حذف فعله وجوابه لدلالة السياق والعقل عليه. أي وإن كان آخذاً فقل يا ثبوت قدمه أو يا سعادته أو يا فوزه أو ما أشبه ذلك. وبعد هذا الشرح لا يبقى لك في كلامه إشكال انتهى. وقال غير واحد إن إلاً هنا بالتنوين اسم معطوف على فضلاً مثلها في قوله تعالى) لا يرقبون فيكم إلاً ولا ذمة (ورجح بأنه أنسب بقوله: فإن لي ذمة منه بتسميتي ... محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم ولا أرى في ذلك من بأس. كما يراه فيه بعض الناس.) بالجملة (وقد ذكرنا لك ما ذكره علماء جلوا. فذق ذلك بفم فكرك واختر لنفسك ما يحلو. ) ومنها ما جرى (في قول الشاعر: حلفت يميناً غير ذي مثنوية ... يمين امرئ إلا بها غير آثم فإني ذكرت أن جملة من الأقوام. زعموا تناقض هذا الكلام. فقال ما منشأ ما زعموه. وما الذي فهموه. فقلت يا مولاي قال بعض الناس اليمين المغايرة ليمين ذي المثنوية. هي اليمين الصادقة التي لا كذب فيها بالكلية. فإن ذا المثنوية فيما يقولون هو المنعطف عن الصواب. إلى الباطل والكذاب. فقد تضمن الشطر الأول أنه حلف يميناً لا كذب فيها. ولا مخالفة للواقع تعتريها. وقوله إلا بها غير آثم. يدل على أن تلك اليمين كاذبة. وإلى حضيض الافتراء ذاهبة. حيث إن بها متعلق بآثم. فكأنه قال يمين امرئ غير آثم إلا بها والاثم باليمين كناية عن الكذب بها. فيكون الشرط الثاني متضمناً نقيض ما تضمنه الأول. فقال هل ذكروا لذلك من جواب. فقلت نعم أجاب عن ذلك بعض الأصحاب. بأن إلا زائدة مثلها في قوله) حر أجيج لا تنفك إلا مناخة (فتوقف في قبول ذلك. ولم أسأله عن علة ما هنالك. واتفق أن أراني بعض الكتب الأدبية. فعندما فتحته وقع نظري على هذا البيت وفيه بدل إلا آلى فعلاً ماضياً. من الآلية فتعجبت من هذا الاتفاق. وانحل من الإشكال محكم النطاق.) ثم إني أقول (إن دلالة غير ذي مثنوية على الصدق إنما هو في العرف وإلا فقد قال الخفاجي في حواشي البيضاوي المثنوية كالمعنوية بمعنى الاستثناء صرح به أهل اللغة وورد في الحديث الشريف وفي كلام الفصحاء كقول النابغة) حلفت يميناً غير ذي مثنوية (ولا أعلم إلا حسن الظن بصاحبي وقال في النبراس أصل معناه الرجوع والانصراف كما في قول حمزة سيد الشهداء: فلما التقينا لم تكن مثنوية ... لنا غير طعن بالمثقفة السمر المثنوية منسوبة إلى المثنى مصدر بمعنى الاستثناء وقيل بمعنى اثنين اثنين وهو كلام من لم يقف على ما ذكر انتهى. فاحفظ. ) ومنها ما جرى (في قول جرير من أبيات رائية منصوبة القافية يرثي بها عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه: فالشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا فإنه سألني عن توجيه نصب نجوم الليل بغير ما ذكره الجوهري واختاره غير واحد من علماء العربية وهو جعل نجوم مفعولاً به لكاسفة وجعل جملة تبكي عليك اعتراضية وهي في معنى التعليل لكون الشمس ليست بكاسفة. وعما على وجه ذلك الحكم من الخفاء كاشفة. فقال هل وقفت على توجيه غير هذا وجيه. فقلت بلى وأحس من هذا التطويل كله ما ذكر في لسان العرب في مادة كيف) ونصه (:

عن أبي زيد كسفت الشمس إذا اسودت بالنهار وكسفت الشمس النجوم إذا غلب ضوءها على النجوم فلم يبد منها شيء فالشمس حينئذ كاسفة النجوم يتعدى ولا يتعدى. قال جرير: فالشمس طالعةً ليس بكاسفةٍ ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا قال ومعناه أنها طالعة تبكي عليك ولم تكسف ضوء النجوم ولا القمر لأنها في طلوعها خاشعةً باكيةً لا نور لها. قال وكذلك كسف القمر إلا أن الأجود فيه أن يقال خسف القمر والعامة تقول انكسفت الشمس. قال وتقول خشعت الشمس وكسفت وخسفت بمعنى واحد. وروى الليث البيت: الشمس كاسفة ليست بطالعةٍ ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا فقال أراد ما طلع نجم وما طلع قمر ثم صرفه فصبه. وهذا كما تقول لا آتيك مطر السماء أي ما مطرت السماء وطلوع الشمس أي ما طلعت الشمس ثم صرفته فنصبته. وقال شمر سمعت ابن الأعرابي يقول) تبكي عليك نجوم الليل والقمرا (أي ما دامت النجوم والقمر. وحكي عن الكسائي مثله. وقال وقلت للفراء أنهم يقولون فيه أنه على معنى المغالبة باكيته فبكيته فالشمس تغلب النجوم بكاءً فقال إن هذا لوجه حسن. فقلت ما هذا بحسن ولا قريب منه. اه. يا شمس المعارف والعلى. وهو جعل نجوم مفعولاً به لتبكي وجعل تبكي من أفعال المغالبة نحو خصمت زيداً أي غلبته في الخصام. فالمعنى تغلب في البكاء عليك نجوم الليل والقمرا. ويتضمن ذلك الأخبار ببكاء النجوم والقمر عليه. وأظن أن صاحب الكشف اختار هذا فليتأمل. وزعم صاحب القاموس أن ما ذكر أولاً تكلف قال وقول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه: فالشمس كاسفة ليست بطالعة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا أي كاسفة لموتك تبكي عليك أبداً. ووهم الجوهري فغير الرواية بقوله) فالشمس طالعة ليست بكاسفة (وتكلف لمعناه انتهى. ومن تتبع الكتب وقف على كثير من الرواة وافقوا الجوهري. ثم أن صاحب القاموس لم يبين وجه نصب النجوم وما عطف عليه على روايته والظاهر تعين ما ذكرناه أخيراً فيه. والله تعالى أعلم. ) ومنها (ما جرى في قول المتنبي: أمن ازديارد في الدجا الرقباء ... إذ حيث أنت من الظلام ضياء قال لي ما توجيه بيت المتنبي وأنشد هذا البيت. فقلت ذكروا له عدة توجيهات أظهرها على ما قيل إن إذ ظرف لا من فيه معنى التعليل وحيث للتعليل بدل منه ومن فيه للبدل وجملة المبتدأ والخبر في موضع المضاف إليه لحيث والمعنى أمن رقباؤك أن تزوري ليلاً لأنك ضياء بدل من الضياء واستظهر بعضهم إن إذ ظرف لا من وأنت مبتدأ خبره محذوف أي موجودة والجملة في موضع الجر بإضافة حيث وهي ظرف لضياء وهو مبتدأ ومن الظلام خبره ومن للبدل أيضاً والمعنى أن من الرقباء أن تزوري ليلاً إذ ضياء كائن بدل الظلام حيث أنت موجودة أي مكان أنت موجودة فيه. أو قيل إذ ظرف لا من وضياء مبتدأ ومن الظلام صفة له قدمت عليه فأعربت حالاً منه وحيث ظرف لكائن أو ثابت أو نحوه خبر له وأنت مبتدأ خبره محذوف أي موجودة والجملة في محل الجر بإضافة حيث أي أمن الرقباء زيارتك ليلاً لما أنه ضياء كائن بدل من الظلام ثابت حيث أنت موجودة. ومما قيل عليه أن فيه جعل الحال من المبتدأ وفي صحته خلاف. وقيل حيث مبتدأ وضياء خبره ومن الظلام حال من ضياء ومن للبدل كما فيما تقدم وأنت مبتدأ خبره محذوف أي موجودة والجملة في موضع المضاف إليه لحيث أي أمن الرقباء ذلك إذ مكان أنت فيه ضياء بدل من الظلام. وفيه ما فيه مع إخراج حيث عن الظرفية وجعلها مبتدأ ولم يسمع. وقد ذهب ابن مالك إلى وقوعها اسماً لأن واستدل عليه بقوله: إن حيث استقر من أنت راعي ... هـ حمىً فيه عزة و

ولم يقبل ذلك منه وقالوا لا دليل له في البيت لجواز تقدير حيث خبراً وحمى اسماً. وجوز على هذا الوجه كون من الظلام بياناً لحيث المراد به نفس المكان والمراد بالظلام المكان المظلم وكونه في موضع الصفة لها أي المكان الموصوف بأنه بعض الظلام. أي بعض الأمكنة المظلمة. وهو كلام صادر عن قريحة مظلمة كما لا يخفى على ذي قريحة مضيئة. ومما يقتضي منه العجب ما قيل ضياء مبتدأ وحيث كانت خبره ومن الظلام صفة للمكان الذي يحضر فيه وحيث متعلق بضياء. وإذ متعلق بأمن هذا. ويروى إذ حيث كنت فقيل عليه ضياء مبتدأ خبره محذوف أي ضياء هناك والجملة خبر كان. وقيل كان تامة فلا تحتاج إلى خبر ومن الظلام في موضع الخبر لضياء ومن للبدل وحيث متعلق بضياء وهو أولى مما قبله) وخلاصة المعنى (أن الرقباء أمنوا زيارة هذه المحبوبة ليلاً لأن نورها ينم عليها لما أنها حيث كانت ضياء بدل الظلام أو لما أن ضاء بدل الظلام حيث كانت وحصلت. وهذا على ما قيل مأخوذ من قول علي بن جبلة: بأبي من زارني مكتتماً ... حذراً من كل واشٍ فزعاً طارق ثم عليه نوره ... كيف يخفي الليل بدراً طالعاً ثم أن مجيء من للبدل مما ارتضاه جمهور علماء العربية نعم أنكره قوم وزعموا أن المفيد للبدلية في نحو قوله تعالى) أرضيتم بالحيوة الدنيا من الآخرة (وقوله سبحانه) جعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون (وقوله عز وجل) لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً (متعلقها المحذوف وقالوا هي في جميع ذلك للابتداء. ولما ذكرت لحضرة المولى قول أنها للبدل في البيت أعجبه في إيضاح المعنى بيد أنه توقف في ورودها لذلك حتى ذكرت بعض الشواهد له. فزال عنه التوقف فيه وقبله. وبعد أن طوى بساط التوجيه. قلنا في شعر المتنبي ما قالوا فيه. ثم ذكرت أبياتاً لغيره. تحكي من وجهٍ دقيق شعره. كقول المعري: ورائي الإمام والأمام وراء ... إذا أنا لم يكبرني الكبراء

وقد اختلف في إيضاح معناه. ومنشأ خفائه الشطر الأول فقيل المعنى إذا أنا لم تكبرني وتجلني الكبراء ماج الناس من عظم ما يحل بهم فأنجدوا واتهموا. وأيمنوا واشأموا. واهتدوا واعرقوا. وغربوا وشرقوا. وغدوا في كل واد هياماً. وصار الأمام وراءً والوراء أماماً. وفيه رمز إلى أنه لا يبقى إذ ذاك في زوايا الخمول. بل يصول ويجول. ولا يخفى أن في إضافة وراء إلى الياء. فيها عن هذا النوع إباء. وقيل المعنى إذا لم يكبرني الكبراء. ويعظمني العظماء. اختلف الناس في الذهاب والمجيء إلي في كل حين. فصار أمامي وراء لقوم وورائي أماماً لآخرين. يسألوني السبب لذلك. أو يستفسرون رأيي في أولئك. أو كانوا عوضاً عنهم. ولم يهملوني تباً لهم. وفيه إشارة إلى أن فيه ما يكفيه. عن إجلال الكبراء ويغنيه. وإن ترك إجلالهم إياه. لا يحط عند العامة شيئاً من علاه. فليس ككثير ممن يزعم نفسه شيئاً. ويحسب أن لكماله الذاتي قد تبوأ مكاناً علياً. وإذا أجلته الكبراء رمقته بالإجلال العيون. وإذا لم تجله انحط إلى حضيض الهون. حيث أن رأس ماله الذي يتجر به بين العامة هو ذلك الإجلال. فمتى فقده صار أفلس من ابن أذل من اعتبارهم إياه بحال من الأحوال. وقيل المعنى إذا أنا لم تكبر في الكبراء استوت عندي الأضداد. ولم يتفاوت لدي ما ورائي وما أمامي من البلاد. فقوله) ورائي أمام والأمام وراء (كناية عن استواء الأضداد من الأشياء وفي ذلك رمز إلى أنه) لا يقيم على ضيم يراد به (وأنه إذا لم يجل في بلد لم يفرق بين شرق البلاد وغربه. وقيل المعنى إذا أنا لم تجلني الكبراء. ولم تعظمني العظماء. أوليهم ظهري. ولا أرى الإقبال إليهم مع إدبارهم عني لائقاً بقدري. ووجه دلالة ورائي إمام الخ على الإدبار عنهم وترك الإقبال إليهم ظاهر. وقيل أراد إذا أنا لم تجلني الكبراء فتكت فتكاً كبيراً. فجعلت الصغير من الناس كبيراً والكبير منهم صغيراً. فالمراد بالأمام والوراء من كان كبيراً مقدماً ومن كان صغيراً مؤخراً. وقيل أراد بأمامه ما يقال أو يفعل بحضوره عادة عند إرادة التعظيم. من المدح ونحوه مما يدل على التكريم. وبالوراء ما يقابل ذلك من الأشياء. يعني إذا أنا لم يجلني الكبراء كان مدحي وتعظيمي في غيبتي. وذمي سواء المعاملة في حضرتي. وفيه رمز إلى أن فيه ما لا يستطاع إنكاره أو كتمه بحال. غاية ما في البال. إنه عند عدم إجلاله يبدي في غيته ويقال. والقولان كما ترى) وكتب (الفاضل الشيخ عبد الله البيتوشي على البيت) ما نصه (علق كون وراءه أماماً وما له وراء بترك الكبراء وإجلاله وإعظامه. ولعله سمع الكبراء قول حاسديه فيه فعد ذلك ترك إكبارهم إياه فيقول إيثارهم حاسدي علي وإصاختهم إلى قولهم دين قولي جعل ورائي وهم الحساد أماماً أي أمام الكبراء وجعل أمامي أي الجهة التي يجب على الكبراء أن يتوجهوا إليها وراءً أي وراء الكبراء انتهى. ولعمري أنه توجيه نازل مستغرب جداً من ذلك الفاضل. وقيل أراد بالوراء الموت. بالأمام الحيوة فالمنى إذا أنا لم تعرف الكبراء فضلي فموتي حياتي وحياتي موت لي. وفيه رمز إلى أنه لعظم نفسه. يختار عند ذلك الحلول في رمسه. أو إلى أنه عند ذاك. يفعل بهم ما يأخذ به إلى الهلاك. وقيل أراد بالوراء القبيح وبالأمام الحسن. والمعنى إذا أنا لم تكبرني الكبراء فيكون عندي القبيح حسناً. والحسن قبيحاً. وفيه رمز إلى أنه يتشبث بكل سبب في نكايتهم. ولا يمنعه ارتكاب القبيح عن مقابلتهم. وقيل وقيل وأكثر الأقوال أماماً ووراء.) كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء (وأقربها انسياقاً للبال. وأخلاها عن التكلف في المقال. ما تضمن إفادة الأدبار عمن لم يجله. ولم يعرف له فضله. وقد ذكرناه فيما سبق. فتأمل فيه تجده الأحق. وكقول بعض الشعراء: وأما عن هوى ليلى وتركي ... زيارتها فإني لا أتوب

فإن فيه إشكالاً من حيث أن الظاهر عطف تركي زيارتها على هوى فيكون كلا الأمرين داخلاً في حيز لا أتوب فيفيد الكلام أنه لا يتوب عن هوى ليلى ولا يتوب أيضا عن ترك زيارتها. واللائق بحال العاشق أن لا يتوب عن زيارة محبوبه لا أن لا يتوب عن ترك زيارته بأن يصر على تركها فكان الظاهر ترك تركي بأن يقال وأما عن هوى ليلى وزيارتها فإني لا أتوب. واشتهر في الجواب أن الترك مراد به هنا الإبقاء أي لا أتوب عن هوى ليلى ومحبتها. ولا أتوب عن إبقاء زيارتها واستدامتها) وحاصل ذلك (أني مصر على هواها وعلى إبقائي زيارتها على ما هي عليه الآن. فلا أغير ما كان من الأمرين عما كان. وأنت تعلم أن هذا وإن لم يكن بالي. لا يخلو في ذيق الأديب عن شيء. وقال العلامة الذي ذكاه لذكاء مساوي. رئيس المدرسين عصرينا محمد أفندي الزهاوي. يجوز أن تكون الواو للقسم والقسم بترك الزيارة المر المذاق. كالقسم بالطلاق. إلا أن المراد بليت بترك الزيارة أن تبت عن هواها وذلك من قبيل: أكلت دماً إن لم أرعك بضرة ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر وقال أيضاً يجوز أن تكون الواو للمعية على معنى لا أتوب عن هوى ليلى مع تركي زيارتها والمراد بقرينة الحال أني أترك زيارتها ولا أترك هواها. وقال أيضاً لولا الرواية لجاز أن يكون وزيارتها بالجر على البدلية من تركي والمراد بتركي هلاكي أي تركي نفسي ومفارقتها وإبدال الزيارة منه بجعلها كتسبها الهلاك. والوقوع في الإشراك. كأنها هو. ثم قال وهذا معنى بديع لا يرشد إليه إلا توفيق. وأنا أختار من أقواله وسطها وإنما نقلت لك كلامه بأسره. لتعلم منه قوة فكره وبعد غوره. وقيل يجوز أن يكون تركي معطوفاً على ليلى على معنى لا أتوب عن هوى ليلى فمرارته تحلو لدي. ولا أتركه ما دمت حياً وإن شق علي. ولا أتوب عن تركي زيارتها. حيث أن ذلك الترك يوافق إرادتها. وقد قيل: أريد وصاله ويريد هجري ... فأترك ما أريد لما يريد انتهى وهو معنى في نفسه صحيح إلا أنه عن اللفظ بمعزل. وبعيد عنه بألف ألف منزل. وقيل يجوز أن يكون ذاك عطفاً بحسب المعنى فالمعطوف عليه متصيد من قوة الكلام كأنه قيل مهما يكن من شيء فتوبتي عن هوى ليلى وتركي زيارتها ما لا يكون أو نحو ذلك. وهو كما ترى. وقيل تركي مبتدأ وخبره محذوف دل عليه سياق الكلام أي متعذر ونحوه. وكثيراً ما يحذف الخبر لدلالة السياق عليه ومنه قوله: وكل عذر من كل ذنب ولكن ... أعوز العذر من بياض العذار فإنه أراد وكل عذر من كل ذنب موجود أو نحوه فحذف ذلك لدلالة ولكن أعوز الخ عليه انتهى. وهذا البيت مما كثر السؤال عنه قديماً وحديثاً وقد سئل عنه ابن بري النحوي فقال إنما يحصل الإشكال لو كانت الرواية وتركي وإنما الرواية وحبي فلا إشكال حينئذ وقال العلامة ابن الحاجب في أماليه قلت وقد قبل أن الرواية وقصدي فيزول الإشكال أيضاً. ثم قال المشهور وتركي ووجهه أن ذكر الترك لبيان ما يطلب منه فبعد أن ذكره قال فإني لا أتوب أي مما يطلب مني تركه ألا ترى أنه لو قال) وأما عن هوى ليلى وتوبتي عن زيارتها فإني لا أتوب (لكان مستقيماً على أن المعنى فإني لا أتوب مما يطلب التوبة منه لا على معنى فإني لا أتوب من توبتي فكذلك هذا إذ لا فرق بين أن يقول وتركي زيارتها وأن يقول وتوبتي من زيارتها انتهى. ما أريد نقله من كلام العلامة ابن الحاجب في أماليه. وكأني بك تختاره. وبقيت أقوال أوهن من بيت العنكبوت لا حاجة لنا بها فليأمل. وكقول بعضهم أيضاً: ما فيه مما يقول الناس واحدة ... لولا الذي فيه أضحى سيد البشر فإنه اختلف في كونه مدحاً او ذماً والأكثرون ذهبوا إلى أنه مدح وجعلوا لولا الذي فيه الخ بدلاً من واحدة أو عطف بيان أي ما فيه مما يقولون قول لولا الذي فيه أضحى سيد البشر) وحاصله (أنه ليس فيه ما يمتنع معه أن يضحي سيد البشر بل هو سيد البشر. وهو في قوة قولك ما فيه لو تنقصه فتدبر. ثم أنه سلمه الله تعالى سأل عن قول المتنبي: أي يومٍ سررتني بوصلٍ ... لم ترعني ثلاثة بصدود

هل هو بنصب أي أو برفعها فقلت كلا الآمرين جائز فالنصب على أن أيا ظرف سررتني وجملة لم ترعني الخ صفة يوم والرابط محذوف أي في أي يوم سررتني بوصال لم ترعني بعده ثلاثة أيام بصدود ومراده لم تصلني يوماً إلا وأعرضت عني بعد ثلاثة أيام. والرفع على أن أياً مبتدأ وجملة سررتني صفة يوم وجملة لم ترعني الخ خبر المبتدأ والرابط في الجملتين محذوف أي أي يوم سررتني فيه بوصال لم ترعني بعده ثلاثة أيام بصدود والمراد نفي تحقيق ذلك اليوم وإثبات أن كل يوم يسره فيه بوصال يريعه بعده بصدود ثلاثة أيام وعلى هذا فمآل المعنى على الوجهين واحد. فقال يلزم التناقض على تقدير الرفع وقرر ذلك بما لم يقر في ذهني ثم قال أنا أختار النصب. فقلت على سبيل المفاكهة يا مولاي إذا اخترت أنت النصب فأنا أولى باختياره. ففطن لما عنيت وتبسم. ثم تكلم بما تكلم) ومنها (ما جرى في قوله: من قصر الليل إذا زرتني ... أشكو وتشكين من الطول عدو عينيك وشانيهما ... أصبح مشغولاً بمشغول فإنه سأل عن معنى البيت الثاني. فقلت هو ظاهر على هذه الرواية وذكرت خلاصته وخفي على رواية) عدو شانيك وشانيهما (وذكرت غيظاً من فيض وأجلت تمام الكلام. على ما ألفه في ذلك من الرسائل العلماء الأعلام.) ومنهم (شيخنا ذو الفضل الجلي. علاء الدين علي أفندي الموصلي.) واتفق (أني قرأت البيت فرفعت مشغولاً فقال هو بالنصب دون الرفع فقلت قد روى الرفع أبو علي الفارسي واستشهد الأشموني في شرح الألفية بها على زيارة أصبح. ثم قال خطر لي على رواية عينيك معنى لطيف وهو أن المراد بعدو عينيك وشانيهما مرض الحفنين فهو مشغول بهما وهما مشغولان برشق السهام. ورمي حبات قلوب ذوي الغرام. فقلت لله تعالى دره من مرض تصح به المرضى. وتختار أن تتصف به الأصحاء وترضى. وقد وقفت على نحو عشرين رسالةً في شرح هذين البيتين. فما رأيت فيها احتمال كون المراد بالعدو مرض الجفنين. ولا بدع فكم ترك الأول للآخر. والشيء قد لا يرى وهو نصب الناظر. ) ومنها (ما بزغ من بدر التحقيق في ظلمة ليل الإشكال الداجي. وبيان المراد مما اعترض به على أبي السعود العمادي الشهاب الخفاجي. في كتابه خبايا الزوايا فيما للرجال من البقايا. حيث تعقب قوله في مطلع مرئية السلطان سليمان خان. عليه رحمة الملك المنان: أصوت صاعقة أم نفخة الصور ... فالأرض قد ملئت من نقر ناقور فقال بعد نقله. إن الشطر الثاني مما لا ينبغي أن يصدر من مثله. ولم يبين سبب ذاك. وأخله إحالة على قوة الإدراك.) فأنني (سلمه الله تعالى عنه. وكان الحري بي طلب الجواب منه. لعل ذلك أنه انحط عن الشطر الأول كما يشهد به الذوق السليم. والذهن القويم. وقد أعابوا بمثل ذلك الشطر الثاني من قول امرئ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل فإنه دون جزلة الشطر الأول. وكذا عيب الشطر الثاني من قول الفاضل البيتوشي عليه الرحمة. ناحت الورقاء في الدوح فناحا ... من حشا أحشاءه الحب جراحا

إلى غير ذلك. فقال غير هذا أريد. فقلت لعله في رأي الشهاب أنه فزع أو علل جازماً. مع سبق التردد فيما فرع عليه أو علله ولا يفعل ذاك من كان حازماً. ولو جعلت أم منقطعة بمعنى بل بتقدير جعل ما بعدها جملة أو بدونه على رأي ابن مالك الزاعم أنها قد تعطف المفردات كبل لاختل من جهة اتحاد نفخة الصور. ونقر النافور. فقال غير هذا أريد. فقلت لعله إن امتلأ الأرض من نقر الناقور على تقدير أن يراد بالنقر المعنى المصاري يشعر بتعدده ووقوعه في مواضع كثيرة من الأرض وما عناه مما يكون يوم القيامة لا يتعدد كذلك بل لا يكون في الأرض وإنما يكون من إسرافيل عليه السلام في السماء. وأن أريد بالنقر الحاصل بالصدر أعني الصوت فهو مما لا يحسن أن يقال ملئت الأرض منه كما يحسن أن يقال ملئت الدنيا منه أو ملئ الجو منه ونحو ذلك مما فيه اشتمال وتخلل للصوت في أجزائه فكان عليه أن يبدل الأرض بالدنيا أو بالجو أو بما يشبه ذلك. فقال غير هذا أريد. فقلت لعله أن تنكير نافور. يشعر بأنه أراد به غير الصور. ولا يدل نقر ذلك ولا امتلاء الأرض من نقره. على عظم الأمر إذ قد يكون لحادث سرور. أو لأمر آخر من الأمور. فقال غير هذا أريد. فقلت ليس عندي على ما عرضته مزيد. وأن ذهني بأوحال الهموم مغمور. فلا يكاد يأتي بغير ذلك إلى أن ينقر في الناقور. أو يلد البغل العاقور الباقور. فقال لقد جاوز الشهاب في أبعاد المرمى الجوزاء. وأسر عفا الله تعالى عنه حسواً بارتقاء. وذلك أنه عنى يوم نقر الناقور. يوم عسير على الكافرين غير يسير. وأن أبا السعود أشار في البيت إلى هول يوم موت ذلك السلطان. ومزيد ما عرا الناس فيه من الحيرة والأحزان. ويتضمن ذلك نسبة الكفر إلى الخليقة. إذ لا يعسر ذلك اليوم إلا على الكافرين في الحقيقة. ولا أقل من أنه يتضمن نسبة ذلك إلى سكنة القسطنطينية. ولا يليق بشيخ الإسلام أن يلوث بالكفر من ارتدى بالشريعة الحنيفية المحمدية. وجعل مقصود الشهاب من هذا الكلام. التهكم بأهالي إسلامبول وشيخ الإسلام. فقلت يا مولانا هذا من أين يعلم. فقال من الوقوف على سوء معاملته مع أولئك الأهالي وشيخهم الأعظم. وإذا تصفحت كتبه ترى أنه قد أشم أنوفهم من ريحانته عطر منشم. وتركت ما يتعلق بالجواب. وتعلقت بأسباب نصرة الشهاب. فقلت يا مولاي إنه لم يشم أنوفهم ذلك العطر. إلا بعد أن أذاقوه من سوء معاملتهم كل مر. حتى أنهم أحطوا قدره. وكادوا يخمدون ذكره. وقد رأيت فيما ينسب إليه. رحمة الله تعالى عليه. هذين البيتين: قالوا تراك سقطت من رتب ... أترى الزمان بمثل ذا غلطا قلت الشياطين اللئام علوا ... ولذا الشهاب من العلى سقطا فقال أو ما يكفيه أنه جاء إسلامبول وكر قاضياً إلى مصر القاهرة. فقلت لا وتلك لعمري بالنسبة إلى بضايع فضله كرة خاسرة. فجاء بعض الرجال. وانقطع ما نحن فيه من المقال. هذا) واعلم (أن ليس القصد فيما ذكرناه سوى بيان مراد الشهاب. ولا يلزمنا البحث في أنه مجاب عنه أو غير مجاب. بل ذلك مفوض إليك. فتأمل في ذاك والسلام عليك. ) ومنها (ما جرى في قول البوصيري عليه الرحمة: فكأن الغمامة استودعته ... من أظلت من ظله الدففاء

وذلك أنه سلمه الله تعالى ذكر أنه من الأبيات المشكلة. فقلت نعم ولم أزد على ذكر اختلاف النقلة.) وأنا الآن (أنقل لك بعض ما قاله العلماء الأعيان.) فأقول (قد شرح ذلك العلامة ابن حجر. بما لا يكاد يقله ذهن بشر. وشرحه أيضاً الشيخ حسن البوريني بما زعم أنه التحقيق. وادعى الشهاب الخفاجي أنه تلزيق. وشرحه أيضاً من شرحه. وما كل من عالج مقفلاً فتحه. وهاك فيه ثلاثة أقوال. لا أظن الحق يتعداها بحال من الأحوال.) الأول (قول شيخنا العلي. علاء الدين أفندي الموصلي. قال قوله فكأن الغمامة الخ. جواب سؤال نشأ من البيت الذي قبله وهو فإذا ما ضحى الخ. كأن قائلاً يقول أين يذهب ظله وهو عليه الصلوة والسلام جسم يستتبع ظلاً في العادة. فأجاب بما هو من المقدمات الشعرية التي يقصد بها التخييل ولا تصديق فيها وإنما تذكر للقبض أو البسط. فقال كأن الغمامة التي أظلته إرهاصاً أخذت ظله يومئذ واستودعته أي جعلته وديعة عند الجيوش التي أظلت العالمين بظله فالجيوش أظلت العالمين بظله المستودع عندها من الغمامة والدففاء خبر مبتدأ محذوف هو ضمير راجع إلى من أي هي. وعلى هذا فلا قلاقة في البيت. وفي هذا البيت توجيهات غير وجيهة وهذا الوجه مثل الصبح ظاهر انتهى. فاختار غاية الرحمة كون الرواية استودعته بأبناء للفاعل وكون الضمير المنصوب للظل وكون من بميم ونون عبارة عن الجيوش أي جيوش المجاهدين وكون أظلت بالظاء المشالة مبنياً للفاعل وكون الدففاء بفائين لا بقاف وعين والكل مختلف فيه) والثاني (قول العلامة ذي الفضل الجليل الجلي. مولانا صالح أفندي الموصلي. وروي البيت هكذا: فكأن الغمامة استودعته ... ما أضلت من ظله الدقعاء ) ونصه (قوله أضلت بالضاد المعجمة من الإضلال أي ضيعت والدقعاء بدال مهملة فقاف فاعل أضلت والمراد بها الأرض. ولما ذكر الناظم رحمه الله تعالى إظلال الغمامة له صلى الله عليه وسلم وأنه لا ظل له أراد بيان سبب ذلك فقال كأن الغمامة السوداء استودعته الخ. أي سألته أن يودعها ما ضيعته الأرض من ظله فظله الكريم قد جعل وديعة عند الغمام فلذا لم يقل على الأرض هذا حاصل ما أراده الناظم بهذا البيت على ما ظهر لي والله سبحانه أعلم انتهى. وهو ظاهر في أن الضمير المنصوب في استودعته للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم دون الظل بل ما الواقعة مفعولاً ثانياً عبارة عنه فلا تغفل.) والثالث (قول الخفاجي بعد أن ذكر أن حسن البوريني استنبط الشطر الثاني هكذا) ما أضلت من ظله الدففاء (وبعد أن نقل ما قاله في معناه) ونصه (لم يصب فيما ذكره فإن البيت تحرف عليهم كلهم. وإنما هو هكذا: فكأن الغمامة استودعته ... مذ أظلت من ظله الدقعاء بمذ الجارة وبالظاء المشالة مجهول والدقعاء بدال مهملة وقاف وعين مهملة وهي الأرض. والمعنى أن الغمامة أعطيت ظلة الشريف أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أظل الأرض. من التراب حفظته صيانة له. وهذا معنى بديع وهو مرادة بلا شبهة لأن ما ذكره تلزيق لا يرضاه من له طبيعة شعرية. وقد قلت في هذا رباعية: ما جر لظل أحمد أذيال ... في الأرض كرامةً كما قد قالوا هذا عجب وكم به من عجب ... والناس بظله جميعاً قالوا ثم ذكر أنه أنشد ذلك لشيخ الإسلام وأظنه ابن الكمال فأعجبه وأعجب من توارده معه في قوله بالتركية: كرجه بي سايه درار سرو روان ... خوش كجر سايه سنده لبكي جهان ) ثم قال (ومثل هذا التحريف في هذه القصيدة ما أورده في المواهب اللدنية في قصة الغار: أخرجوه منها وآواه غار ... وحمته حمامة ورقاء وكفته بنسجها عنكبوت ... ما كفته الحمامة الحصداء فظن الحمامة واحدة الحمام وقال الحصداء شجرة كثيرة الورق استعارها للحمامة لكثرة ريشها وليس كما توهمه. وإنما هو الجنانة بالجيم ونون مشددة أي الحافظة والجنة المراد بها الدرع أيضاً كما ذكره أهل اللغة. وهذا كقوله في البردة: رقابة الله أغنت عن مضاعفة ... من الدروع وعن عال من ألاطم

ثم قال معتذراً عن الإطالة في المقال. وإنما أطلنا في هذا لأنه وقع في هذه القصيدة تحريف كثير للشراح وسببه أن أكثرهم لم يعتن بالأدب وناظمها كان ساكن الريح في عصره لم يرو عنه شعره. ومن طالع ديوانه عرف علو كعبه في هذه الصناعة انتهى كلامه. وكونه رحمه الله تعالى أكثر اطلاعاً في فن الأدب وأوفر ممارسة له من الشيخين عليهما الرحمة يأخذ بقلبي إلى اعتقاد أن الأمر كما ذكره. وقد يقال متى لم تصح روايته فالكل محتمل وإن كان قد اطلع رحمه الله تعالى على ما يثبت بها ما رواه فعليه المعول. فافهم والله تعالى أعلم. وكثيراً ما يسأل عن قوله: لو أريدوا في حال سبت بخير ... كان سبتاً لديهم الأربعاء وقد كتب عليه من كتب. وذهب في توجيهه إلى ما ذهب.) ومنهم (علامة عصره. وعلامة الفضل في مصره. صالح أفندي محضر باشي زاده. أكرمه الله تعالى بالحسنى والزيادة. كما أكرمه بالشهادة.) وقد قال (الظاهر أن مراد الناظم رحمه الله تعالى أن اليهود لو أريدوا في مشروعية السبت بخير كان سبتهم الأربعاء أي كان اليوم الذي منعوا فيه من التصرف والبيع والشراء هو الأربعاء لما اشتهر على الألسنة وورد في بعض الأحاديث وإن كان ضعيفاً من نحوسته فترك التصرف فيه أوفق بالمصلحة. وأما يوم السبت فهو يوم مبارك على ما دلت عليه الأحاديث ويؤيد ما ذكرناه قول الناظم بعد هذا البيت: هو يوم مبارك كان للقص ... ريف فيه من اليهود اعتداء والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى. ولا أقول ليس هذا مراده بل أقول إن هذا المراد لا يخلو عن شيء لما أن الملازمة في الشرطية عليه مبنية على ما اشتهر ولم يصح. وإن اعتبر مجرد الشهرة والورود مبني فقد ورد أن الله تعالى خلق النور يوم الأربعاء واشتهر في الجملة أنه ما بدى فيه أمر إلا وتم. فتأمل ذاك وافهم. ولا تستعظم. الاعتراض على الناظم. فإن الجواد قد يكبو. والصارم قد ينبو. كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. ) ومنها (ما جرى في قول بعضهم: أو ما تراني في مجال زلة العلى ... ملقي المديح متيماً بالمتعب كهلال أول ليلة في مشرق ... وكشمس آخر ساعة في مغرب فإنه سلمه الله تعالى سألني عن معناه. فذكرت له ما قبله وارتضاه. وأفادني أنه إلى نحوه ذاهب. وذكر له قصة جرت بين جملة من بني الأدب. قال كنت في البلد الأمين. سنة الألف والمائتين والثامنة والثلاثين. فاتفق في مجلسي جماعة من الأدباء. وجملة من أفراد فحول الشعراء. فنجم نجم السؤال عن معنى قول من قال. أو ما تراني الخ. فتحيرت سيارات سماء أفكارهم النيرة. وعرض لها نحو ما يعرض مما سوى الاستقالة للخمسة المتحيرة. فقلت أنا أوضح لكم المعنى بتشطير. وأغنيكم فيما يعنيكم بمنظومه عن منثور التقرير. فصدعت مشطراً وصدحت مفسراً وقلت: أو ما تراني في محاولة العلى ... أطأ الثريا فوق صهوة أشهب أمسي وأصبح في العذيب وبارق ... ملقي المريح متيماً بالمتعب كهلال أول ليلة في مشرق ... سئم الخفا فبدا بأفق تغرب أو مثل صبح جاء يخترق الدجا ... وكشمس آخر ساعة في مغرب ففطنوا لمعنى كلامي. وكادوا يقبلون أقدامي. اه) وحاصل ذاك (أن الشاعر فيما قال. يشبه الهلال. من حيث أنه لم يسترح خفياً في المشرق. بل جهد بحسب ما يرى في السير نحو المغرب ليشرق. وكذا يشبه الشمس في المغرب آخر ساعة من النهار. من حيث أنها لم تبق كاسفة اللون حسبما تشاهدها الأبصار. بل جهدت في سراها. لتطلع فترتفع فيبهر ضياها. والذي يغلب على المشاعر. أن هذا هو ما أراد الشاعر. وهو زهرة ربيع لا تتحمل الفرك. وخصر أهيف لا يعاب إذا رك. وكثيراً ما يستشهد بالهلال. في أمر الحل والارتحال. وما ألطف ما قيل من أبيات. هي لعمري على كثير من الطباع أبيات: وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... في بلدة فالرأي أن يتحولا كالبدر لما أن تضأل جسد في ... طلب الكمال فحازه متنقلا ومثله كثير. ولعلك بذاك خبير. ) ومنها (ما جرى في مسألة سأل عنها بقوله: أيا كعبة الأفضال لا زال فضله ... مطاف الورى في دفع أعظم شبهة أتعلم أرض أربع من جهاتها ... غدت قبلة العباد من دون كعبة

وما ثم عذر أو تحرٍ ولا ولا ... وفيها صلوة الفرض والنفل صحت وإن علق الزواج الطلاق بكونها ... فما الحكم شرعاً بين زوج وزوجة أفيدوا جزيتم خير من جل بره ... وفي حلها حارت عقول البرية وذكر لي أنه عام ذهب إلى الحجاز سأل عن ذلك بعض علمائه الأعلام. الذين اصطادوا شوارد العلوم في المسجد الحرام. فطافوا حول كعبة الجواب. فمنهم من فتح له ومنهم من لم يفتح له الباب. فأجبته بقولي: ) أيا كعبة الأفضال لا زال فضله ( ... يجر رداء الفخر فوق المجرة ولا برح البيت الذي شدته على ... ) مطاف الورى في دفع أعظم أشبهة ( ويا شيخ كل المسلمين وركنهم ... ومهرعهم في حل كل عويصة ومن منه تحقيق الحقائق حيث لا ... سواه بهذا العصر عارف حكمة أتيتم ورب الراقصات إلى منى ... بنظم دعا كل القلوب فلبت وقال لأنواع البلاغة أقبلي ... فحثت مطايا وجاءت بسرعة سألتم به كي تشحذوا ذهن سامع ... وذاك لعمري هدي خير الخليقة فقلتم على وجه التلطف بالذي ... تريدونه بالقول من ذي روية ) أتعلم أرض أربع من جهاتها ( ... ) غدت قبلة العباد من دون كعبة ( ) وما ثم عذر أو تحر ولا ولا ( ... ) وفيها صلوة الفرض والنفل صحت ( ) وإن علق الزوج الطلاق بكونها ( ... ) فما الحكم شرعاً بين زوج وزوجة ( فيا سيدي قد جبت كل تنوفة ... وحثحثت فيها مشمعلة فكرتي وأوغلت كي ألقي جواباً محققاً ... وأنى لمثلي أن يفوز ببغية وغاية ما في البال أن تلك تربة ... لكعبتنا أنعم بها خير تربة من الجهة السفلى فكل جهاتها ... غدت قبلة في كل فرض وسنة وكل طباق هكذا ذاك صادق ... عليه بلا أمر يديب وكلفة ) فإن علق الزوج الطلاق بكونها ( ... على ما ذكرناه حكمنا بفرقة وإن رام كوناً آخراً فليفه به ... لنعلم منه كيف حكم القضية وهذا جواب العبد والفكر قاصر ... فديتك يا مولاي من طول غربة وتحقيق نفس الأمر من حضرة غدت ... مطافاً لأهل العلم من كل بلدة لها الله في كل الأمور ولم تزل ... تفوق الثريا رفعة أي رفعة ) أفيدوا جزيتم خير من جل بره ( ... وحل على راجيه أعظم منة فتحقيق هاتيك العويصة مشكل ... ) وفي حلها حارت عقول البرية ( وعرضت ذلك عليه بطوله. فجبر قلبي لمزيد طوله بقبوله) وملخص الجواب (أن تلك الأرض ما كانت مسامتة للداخل في الكعبة من الجهة السفلى وبينها وبين الكعبة من جميع الجهات تسعون درجة وتصدق على أرض سرداب مثلاً حفر تحت الكعبة وعلى أرض آخر حفر تحته وهكذا كما تصدق على السطح الظاهر للأرض المسامتة من تلك الجهة والقبلة في الحقيقة ليست هذا البناء المعروف والبقعة المعروفة زادها الله تعالى شرفاً فقط بل ما يشتمل ذلك وجميع ما فوقه إلى العرش. وما تحته إلى الأرض السفلى. والعرش المحيط الأعلى. فهي كعمود طرفاه محدد الجهات. فمن علق الطلاق بكونها بأن قال إن كانت هذه الأرض موجودة فامرأته طالقة طلقت امرأته. وربما يقال المراد بتعليق الطلاق بكونها الحلف بالطلاق على كونها ووجودها وحينئذ يكون الحكم عدم الوقوع فيقال بدل ما ذكرناه في النظم. فإن علق الزوج الطلاق بكونها ... على ما ذكرنا لم يؤاخذ بفرقة وكنت قلته فعدلت عنه لخفاء مبناه. والأمر بعد ما سمعت أولاً من أمر تلك الأرض سهل. كما لا يخفى على من له ذرة من فضل. وقد راجعت الكرة الأرضية فلاح منها أن سطح الأرض المسامتة للبيت المكرم مغمور بالبحر فلو قيل: أيعلم ماء أربع من جهاته ... غدا قبلة العباد من دون كعبة صار السؤال أغرب. والجواب أعجب. هذا) واتفق (أني اجتمعت بأعجوبة الزمان. ومن يدعي المشيخة لفضلاء الإنس والجان. القائل بلسان حاله من الجرجاني ومن السكاكي. السيد عمر أفندي فيضي البياسي ثم الأنطاكي. فنقلت له ما كان. فأتاني بعد أيام بنظم في ذلك الشأن. ومنه بعد حكاية السؤال. وتصديره بما يقصر عنه المقال: أقول نعم ذي الأرض ما تحت كعبة ... بخط إليها مستقيم مسامت فإن شبيه البيت كان مسامت ... له في العلى أركان أسفل صخرة

وتلك لفرض الصلوة ونفلها ... وليست ترى للطائفين ككعبة إلى أن قال: ) فإن علق الزوج الطلاق بكونها ( ... فذا واقع للكون من غير شبهة وليس له دعوى الجهالة نافع ... لإثبات تلك الأرض بين الخليقة إلى آخر ما نظم. مما هو مذكور في كتابنا شهي النغم. وإنما لم أنقله هنا بأسره. اكتفاء بنقلي له هناك وذكره. ولم أنقل لك ما نقلته. إلا بعد أن هذبته وصححته. وإذا رأيت الأصل في شهي النغم. بان لصحيح نظرك ما فيه من السقم. وقد أجاب أيضاً نظماً ذو الفضل البادي. الشيخ أحمد بن سليمان الأروادي. وهو نظم يحاكي نظم شيخه البباسي الأنطاكي. وذكر لي شيخ الإسلام. أنه جمع كتاباً في أجوبة هذا السؤال وغيره من أسئلة للعلماء الأعلام. وما كل زهر ينبت الأرض طيب ... ولا كل كحل للنواظر أثمد ومن الله تعالى التوفيق. وبيده سبحانه أزمة التحقيق. ) ومنها (ما جرى في مسألة سأل عنها أيضاً بقوله: يا بدر مغربه بمشرق فضله ... في الخافقين ذكاه مثل ذكاء كروية للأرض من طرف الحجا ... ثبتت ببرهان لدى الحكماء فإذا سئلت فكيف رد جوابه ... أي المواضع أرفع الأجزاء بين أيا رأس الحجاحج في النهى ... لا زلت ممتطياً ذرى العلياء وذلك أنه أنشدني في هذه الأبيات. التي هي على كثير من علماء الروم أبيات. وذكر لي أن كثيراً من العلماء نظموا ما نظموا في الجوابات. ومنهم من تعذر عليه ذلك وبالجوى بات. فقلت على سبيل الاختصار. إذ كانت كرة ذهني دائرة على محور الأكسار. مولاي إن كروية صحت فلا ... جزء هنالك أرفع الأجزاء بل كلها رفعاً وخفضاً مستو ... في نفسه يا أرفع العلماء هذا الذي حكمت به كروية ال ... أجسام عند القادة الحكماء ثم أنه أراني جواباً للمعني بالسؤال. الشيخ أحمد المالكي الشنقبيطي المغربي عليه رحمة الملك المتعال. وهو قوله: يا من تداول في الصبا تحقيقه ... كرة الفنون تداول الأبناء وعلى الدوام تديرها أفكاره ... بمضارب الإصغاء والإملاء حتى تساوت في مراكز حفظه ... أجزاؤها المبسوطة الأضواء أضواء علم للزمان وأهله ... أجدى وأهدى من نجوم سماء من كانت مثلك حكمة ألقابه ... يسم الورى بالعي والإعياء أني وقد ألفيت ما ألقيته ... مما ينوء بأكثر الفطناء ما جال في كروية فكري ولا ... دانت مجالاً من مدى إصغائي لكن أقول مجارياً لهواكم ... في رده خبطاً على عشواء أم القرى من تحتها دحي الثرى ... فلذاك كانت أرفع الأجزاء وكذاك أنت محدث ممن قضى ... أعلى القضاة وأعظم الأحياء هذا ولا رد المسائل محكم ... إلا ابن عصمة أعرف العرفاء ذاك الذي إن ردها بمقاله ... فمقاله من معجز البلغاء أوردها بفعاله فهباته ... عنها يقصر هاطل الأنواء

إلى آخر ما قال. ونسجه على هذا المنوال. فقلت يا سيدي إن الرجل عالم منقول. لا فارس ميدان معقول. فقال غالب علماء الحجاز. ليس لهم إلى حقيقة الفلسفة مجاز. وسكت عن التقتير في ذلك الكلام. لعلمي بأن قائله أحد شيوخه الفخام.) وإني أقول الآن (وعلى الله تعالى التكلان. أنهم اختلفوا في أمر الأرض اختلافاً كثيراً والذي ذهب إليه محققو المتقدمين استعارة السطح الظاهر أي المرئي من الأرض والماء عند الحس قالوا لو كانت الأرض مقعرة في طولها أي فيما بين المشرق والمغرب لكان من الطلوع إلى نصف النهار للمغربي أكثر منه للمشرق وبالعكس ولكان طلوع الكوكب على المغربي قبل طلوعه على المشرقي إذا اتفقا في عرض المسكن. ولو كانت مقعرة في العرض أي فيما بين الجنوب والشمال لكان التوغل في الشمال يوجب اختفاء القطب والكواكب القريبة منه ولو كانت مسطحة لكان الطلوع على الجميع معاً ولو كانت كثيرة الأضلاع لكان على ساكني كل سطح منها معاً. ولو كانت اسطوانة قاعدتاها نحو القطبين كما ظن قوم لم يكن لساكني الاستدارة كوكب أبدى الظهور بل أما الجميع طالعة غاربة أو كانت كواكب تكون من كل واحد من القطبين على بعد يستره القاعدتان أبدية الخفاء والباقية طالعة غاربة ولو كانت قاعدتاها نحو الخافقين لكان الطلوع والغروب على أهلهما معاً. ولو كانت كمخروطين رأساهما نحو الخافقين لكان الطلوع والغروب على من في نصف الطول أي على من في سطح أحد المخروطين معاً. ولو كان رأساهما نحو القطبين لما كان التوغل يوجب ظهور الكواكب وارتفاع القطر ولو كانت كمخروطين قاعدتاهما نحو القطبين أو الخافقين لزم منهما ما لزم من التقعير. والتوالي بأسرها كاذبة وذلك لتساوي ما بين الطلوع إلى نصف النهار ومنه إلى الغروب للمغربي والمشرقي المتفقين في عرض المسكنين ولتقدم طلوع الكواكب وغروبها للمشرقيين على طلوعها وغروبها للمغربيين وزيادة ذلك ونقصانه بحسب بعد المسافة وقربها في مساكن متفقة العرض وازدياد ارتفاع القطب الشمالي والكواكب الشمالية وانحطاط الجنوبي الكواكب الجنوبية للواغلين في الشمال وبالعكس للواغلين في الجنوب بحسب وغولهما وتركب الاختلافين للسائرين على ما سمت بين سمتين فأن السائر على خط بين المشرق والشمال مثلاً يتقدم له الطلوع ويزداد ارتفاع القطب على ما كان عنده في الموضع الذي فارقه بقدر ما يقتضيه تباعده عنه إلى المشرق والشمال وإذا بطل كون السطح الظاهر من الأرض مقعراً أو مسطحاً وغير ذلك مما ينافي الانحداب تعين كونه محدباً على شكل الكرة لأنا نجد التفاوت في أوقات الخسوفات وفي عروض البلدان على حسب تفاوت أجزاء الدائرة وذلك لأن نسبة ما بين الابتداء والانتهاء في المسير على خط نصف النهار إلى مسافة ما بين الابتداء والانتهاء في المسير على خط الاستواء وما يوازيه كنسبة ارتفاع أو انحطاط القلب أعني فضل ما بين الارتفاعين في المسكنين إلى تقدم أو تأخر الطلوع في المسكنين فإذاً السطح الظاهر من الأرض مستدير انتهى. وحيث كان المدعي استدارة السطح الظاهر لم يتوجه القدح في هذا الدليل المقام عليه بأنه إنما يدل على استدارة الربع المسكون لا على استدارة جميع الأرض كما لا يخفى. وإذا ثبت ذلك المدعى) فاعلم (أن التضاريس التي تلزم الأرض من جهة الجبال والأغوار لا تخرجها عن أصل الاستدارة إذ لا نسبة لها محسوسة بالنسبة إليها فإن نسبة أعظم جبل على الأرض وهو ما ارتفاعه فرسخان وثلث على ما ذكره بعض المهندسين إلى الأرض كنسبة سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع بالتقريب. ثم أن ستر سطح مياه البحار أسافل الجبال الطالعة منها دون أعاليها المرتفعة وظهورها قليلاً قليلا للتقارب إليها على ما دل عليه إيقاد نيران بعضها أرفع من بعض على الجبال المذكورة مضافاً إلى ما مر في الأرض يدل على استدارة السطح العالي من الماء وأنه مع الأرض ككرة واحدة وذلك لأن ما يدل على استدارة سطح كل واحد منهما وحده يدل على استدارة السطح المركب من الأرض والماء فإذاً يحيط بهما سطح واحد كل الخطوط الخارجة من مركزها أما إلى سطح الماء فمتساوية تحقيقاً وأما إلى سطح الأرض تقريباً لما فيها من التضاريس وأما غير السطح العالي من الماء فنابع لمكانه الحاوي له) وبالجملة (هم اعتبروا الأرض والماء كالكرة الواحدة واستدلوا على الاستدارة بما

سمعت. ومنهم من استدل على استدارة الأرض باستدارة ظلها لما يشاهد من دائرة الظل التي يدخل فيها القمر وكون المقاطرة الموجبة للخسوف تتفق في جميع أجزاء الفلك واستلزام ذلك كون الظل من جميع النواحي بل الأرض مستديرة. وأنت تعلم أن هذا مع ما فيه لا يدل على استدارة الأرض بل على استدارة مجموع الأرض والماء لأن الظل لذلك.) ومنهم (من استدل على ذلك بأن الأرض متباعدة من جميع جوانب الفلك إلى المركز وطباعها وطباع جملة أجزائها كذلك وذلك يوجب أن تكون كرة وإلا لكان بعض أجزائها أبعد عن المركز من البعض الآخر ولزم منه الاتحاد في الماهية مع الاختلاف في الأحكام وهو محال. وفيه أن الاتحاد في الماهية ممنوع وسنده ظاهر.) ومنهم (من استدل بالبساطة وفيه ما فيه. وقدح بعض الناس في كروية الأرض بأن مركز ثقلها إن كان مركز حجمها أو قريباً منه وجب أن يكون غوصها في الماء من جميع الجوانب على السواء وكان يجب أن لا يكون شيء منها بارزاً لأن البارز هو ربع فقط والبواقي في الماء. وإن لم يكن كذلك وجب أن يكون بعض جوانبها أثقل من بعض لكن الأرض جسم بسيط فيكون جانبه الأزيد ثقلاً أزيد مقداراً فالأرض لا بد أن يكون بعض جوانبها أزيد طولاً من بعض والجانب الآخر أزيد عرضاً من الأول حتى تعتدل الجوانب في الثقل وذلك يقدح في كونها كرة وهو خطأ. لأنا لا نسلم كون الأرباع الثلاثة مغمورة في الماء. وظهور أمريقا يرد على من حصر المعمور في الربع. سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون التفاوت في جوانب الأرض لا يسبب التفاوت في الشكل بل بسبب التفاوت في الخاصة من كون بعضها أكثر اكتنازاً وتحجراً فكان أثقل والجانب الآخر أكثر رخاوة فكان أخف. وقدح بعض المتشرعين في كرويتها بقوله تعالى) والأرض بعد ذلك دحاها (وبقوله سبحانه) ألم نجعل الأرض مهاداً (وبقوله عز وجل) والأرض فرشناها (إلى غير ذلك مما تضمن الدحو أو المهد أو الفرش. فإن كل ذلك ينافي الكروية. وفيه منح ظاهر فإن كلاً مما ذكر يجامع كروية الجسم العظيم بلا شبهة أصلاً. وقد نص على ذلك الإمام الرازي وغيره من الأجلة الذين تدور كرة كلامهم على محور التحقيق. وليس في الأحاديث الصحيحة أيضاً ما يأبى ذلك. فالإنصاف عدم التحاشي من القول باستدارة السطح الظاهر منها في الحس والجزم بكون مجموع الأرض والماء مستديراً) إذا علمت ذلك (فاعلم أنه ليس شيء من أجزائها الظاهرة أرفع من بعض وإلا لم يكن السطح الظاهر مستديراً هذا خلف. وإن اعتبر مع الأرفعية عدم الإخلال بالاستدارة الحسية قيل إن أرفع الأجزاء ذروة أرفع الجبال وهو ما أشير إليه سابقاً أو غيره مما هو أرفع منه. فقد حكي والعهدة على الحاكي أن الجغرافيين اليوم وجدوا ذلك. ثم أن الجواب بما ذكر مبني على عرف الناس من عدد الجبال من الأرض فيكون جزءها جزءها. وإلا فالكتاب المجيد والسنة الجليلة ظاهران في أن الجبال ليست من الأرض قال تعالى) ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً (إلى آيات كثيرة قوبل فيها الأرض وقال عليه الصلوة والسلام) لما خلق الله الأرض جعلت تميد فوضع عليها الجبال فاستقرت (الحديث وحكمهم بالحنث على من حلف لا يقعد على الأرض فقعد على الجبل ليس إلا لأن الإيمان مبنية على العرف والأرض فيه تعم السهل والجبل. ولكون مبنى الإيمان ذلك لم يحكموا بحنث من حلف لا يأكل لحماً فأكل سمكاً مع أن الله سبحانه وتعالى سماه في كتابه الكريم لحماً. وعلى ما دل عليه الكتاب والسنة من كون الجبال ليست من الأرض. يقال في الجواب ليس شيء من أجزاء الأرض أرفع أجزائها على تقدير كرويتها وربما يتخيل أن الأرفع الجزء المسامت لنقطة تقاطع الدائرة المارة بالأقطاب الأربعة ودائرة المعدل وهو توهم محض من المتخيل. ويرشد إلى هذا أن ذلك التقاطع في جهتين مختلفتين سمت الرأس وسمت القدم فكيف يعقل كون الجزء المسامت لتلك النقطة أرفع الأجزاء في نفس الأمر) نعم (من عند تحت تلك النقطة يرى أن كل جزء دونه وأعظم الأجزاء في هذا الجزء المسامت لنقطة التقاطع من جهة سمت قدمه. ومثله في هذه الرؤية من عند كل نقطة وعلى كل جزء من الأرض فما تحت قدم كل شخص أرفع من غيره بالنسبة إليه مع أنه تحت قدم غيره حقيقةً أو حكماً. وكثيراً ما يتفق الواقعان على طرفي خطٍ واحدٍ كما لا يخفى على العارف بالأطوال والعروض) وإذا (اعتبر هذا الأمر

النسبي صح للمجيب أن يقول أرفع الأجزاء ما تحت قدمي كما لا يخفى. ثم أنه لا ينافي تساوي أجزاء الأرض في نفسها كون الدحو من تحت جزءٍ مخصوص منها أعني أم القرى كما قال الناظم الشنقيطي أو البيت كما جاء في بعض الآثار. إذ بعد تسليم كون التحتية حقيقة وفي نفس الأمر يجوز أن يكون مبدأ دحو الأرض ذلك. ثم سويت وعدلت بحيث لم يبق فيها اختلاف مضر في كرويتها. وحينئذ لا يخفى ما في قوله) فلذاك (كانت أرفع الأجزاء. ويمنع الذهن أن يطوف حول دعوى أنها أرفع الأجزاء حساً جارها الطائف ونحوه. وكذا انتفاء لوازم ذلك العادية المتحققة في المواضع المرتفعة حساً من البرد ونحوه. وزعم بعضهم أن أرفع الأجزاء صخرة بيت المقدس وهي قطعة من الجبل كانت يوضع عليها تابوت التوراة وهي متصلة به لا منفصلة عنه ساكنة في الهواء كما هو الشائع عند العامة وروى فيه البرقي خبراً هو كالبرق الخلب) واستدل (على ذلك بقوله تعالى) يوم يسمعون الصيحة من مكان قريب (بناءً على أنها المرادة بالمكان القريب كما نطقت به بعض الآثار وأن المراد بالقرب القرب من السماء قال ولذا كان العروج منها. وكلا المبنيين في حيز المنع ودون صحة النقل نقل الصخور من الأوحال. إلى قلل الجبال. والإنصاف أن الحس يأبى ذلك وأنه لا يكاد يصيح خبر فيه. وأنه لو صح ينبغي تأويله صيانة للشريعة عن طعن الطاعنين. وقدح القادحين. وقد قالوا أن الخبر الصحيح متى صادم دليلاً قطعياً يجب تأويله. ومثله قولهم يؤل الدليل النقلي الصحيح. للدليل العقلي الصريح. ولذا أول من أول الآيات والأحاديث المتشابهة. وذكر غير واحد من علماء الحديث أن من جملة ما يستدل به على وضع الحديث كونه مصادماً لبداهةٍ أو حسٍ صحيح ولا يمكن تأويله. ومثل ما قيل في الأرفع قيل في الأخفض وهو بزعم بعض الناس أرض الأبلة. واستدل بما ذكره ابن جرير الطبري في تفسيره من أن أبعد الأرض من السماء أرض الأبلة التي هي عند بعض القرية المذكورة في قوله تعالى) حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها (وفيه أن الخبر المأمول أو موضوع. والحق أن كثيراً مما يذكره القصاص في أمر الأرض وكذا أمر السماء لا يعول عليه. ومنه بعض ما ذكره الجلال السيوطي في كتابة الهيئة السنية وهو في جمعه ذلك على جلالته كالواقدي حاطب ليل. وخابط سيل. لم يشمر عن ذيل. فلا تكسل عن طلب الحق وسلوك سننه. وعليك باستماع القول واتباع أحسنه.

) ومنها (ما جرى في قولهم) ما وراء محدد الجهات وهو الفلك الأطلس وفلك الأفلاك بلسان الفلسفة والعرش بلسان الشرع على ما يزعمه بعض الخلفيين لا خلاء ولا ملاء (وذلك أنه أورد عليه أن لو فرض ثاقب للمحدد فأما أن لا يصادف مانعاً فيخرج. وأما أن يصادف ذلك فلا يخرج وعلى الأول يلزم الخلاء وعلى الثاني يلزم الملاء. فقال سلمه الله تعالى أنهم اختاروا في الجواب الشق الأول ومنعوا لزوم الملاء بجواز كون المانع في المحدب نفسه وهو السطح الأعلى المحدد. فقلت ونحو هذا ما قيل في الاعتراض أنه لو فرض شخص عند منتهى العالم فأراد أن يمد يده مثلاً فيلزم الخلاء وأما أن لا تمتد لمانع يصادمها فيلزم الملاء. وما قيل في الجواب من اختيار عدم الامتداد والتزام أن النقد الشرط لا لوجود المانع الصادم. وأن من الناس من اعترض على قولهم ذلك بأنه يلزم عليه عجزه سبحانه وتعالى عن توسيع هذا العالم أو خلق عالم مثله مع بقائه وهو باطل. فلا بد من القول بأن وراء هذا العالم بعداً غير متناهٍ يصلح لأن يوسع العالم فيه أو يخلق عز وجل فيه ما لا يتناهى من العوالم. لكن على نحو عدم تناهي مراتب الأعداد الذي لا يأباه برهان التطبيق وغيره من البراهين المقامة على امتناع وجود ما لا يتناهى بالفعل. وهذا الخلاء من حيث الصلاحية للخلق فيه نحو الخلاء والبعد الذي خلق فيه هذا العالم) وأجيب (بأنه قد قام الدليل على امتناع الخلاء وذلك على تقدير عدم الخلاء محال. وهو لا يصلح متعلقاً للقدرة ليلزم العجز. ومثل ذلك خلق عالم فيما شغله هذا العالم بل خلق بعوضة في هذا العالم مع بقاء جميع أجزائه على حالها. فإنه أيضاً محال للزوم تداخل الجواهر المبرهن على محاليته فلا تتعلق به قدرته عز وجل. ولا يلزم من ذلك عجزه تعالى عن ذلك علواً كبيراً) والحاصل (أن ما ذكره المعترض من لزوم عجزه تعالى ممنوع. ثم قلت يا مولاي أنا بعد هذا كله لا أرى محذوراً في القول بأن وراء العالم مثل ما العالم فيه. إلا أنه خالفه في سعته وعدم تناهيه. وأدلة استحالة الخلاء. مدخولة عند محققي العلماء. بل لا يبدو وقوعه في هذا العالم إذا وضع جسم ذو سطح صقيل مستوٍ استواءً حقيقياً على آخر مثله بحيث لا يتخللهما هواء ثم رفع الفوقاني دفعةً. فإن الوسط يبقى خالياً إلى أن يصل إليه الهواء من الجوانب تدريجياً حسب ما تقتضيه الحركة. وكلما كان الجسمان المذكوران متسعين كانت مدة بقاء الخلاء أطول لطول زمن الوصول إلى الوسط. وبلغني أن بعض الطبيعيين من الفلاسفة المحدثين يخرجون الهواء من بعض الظروف كقارورة كبيرة ببعض الآلات بحيث إذا ألقوا فيه رصاصة وريشة مثلاً معاً يصلان إلى المقر في آن واحد. وهو ظاهر في الخلاء دون بقاء هواء تلطف وانتشر حتى ملأ الظرف وإلا لعاق الريشة عوقاً ما فلم يتحد آن الوصول. وإن لم يسلم شيء من ذلك كفانا إن أدلة استحالة الخلاء. أوهن من بيت عنكبوت في خلاء. ويفهم من كلام بعض الأجلة السلفيين إن الله تعالى شأنه لم يخلق العالم يوم خلقه في ذاته بأن جعل ذاته محلاً له ولا أنه سبحانه كان فيه ككون الصورة في الهيولي ولا أنه خلقه عليه جل وعلا بأن جعل نسبته إليه نسبة خيمة الملك إلى الملك. وتعالى الله أن يكون كدودة القز تبني على نفسها ما يحيط بها من القز بل كأن عز شأنه لا في مكان وخلق العالم دونه وبقي هو على ما كان فما وراء العالم لا العالم) الرحمن على العرش استوى (.) أأمنتم من في السماء (.) إليه يصعد الكلم الطيب (.) ذو المعارج تعرج الملائكة والروح إليه (فهو جل شأنه. وعز سلطانه. في جهة العلو على الوجه اللائق به مع نفي اللوازم المستحيلة عليه سبحانه وتعالى. وأدلة كونه تعالى كذلك من الآيات والأحاديث والآثار أكثر من أن تحصى. وأوفر من أن تستقصى. وفيما يجده كل أحد في نفسه من الميل الطبيعي الضروري إلى جهة العلو في الاستمداد حالتي الرغبة والرهبة شاهد قوي لذلك. حتى قيل أن الفخر الرازي لما أورد عليه ذلك الهمداني بعد أن فرغ من تقرير الأدلة العقلية على نفي الجهة قام من مجلسه وهو يقول حيرني الهمداني حيرني الهمداني. ولم يزل يقولها حتى دخل بيته. فعلى هذا يصح أن يقال ما وراء العالم لا خلاء ولا ملاء. لكن بغير المعنى الذي أراده الحكماء. ويجامع ذلك القدرة على توسعة هذا العالم وعلى خلق عوالم مثله أما عظم منه

مع بقاءه. وسبحان من ليس كمثله شيء. فافهم وتأمل. سائلاً منه تعالى العصمة عن الخطأ والخطل.

) ومنها (ما جرى في أمر نور الفجر. فأنى ذكرت له لا زال شيخ العصر. إن الفخر الرازي ادعى في تفسيره عند الكلام على قوله تعالى) فالق الإصباح (أن نور الفجر ليس من ضياء الشمس وإنما هو نور يخلقه الله تعالى ابتداءً وأنه رد ما قاله أهل الهيئة من أنه من ضيائها حين تقرب من الأفق الشرقي نحو سبع عشرة أو ثماني عشرة درجة) بما حاصله (على ما يخطر لي أنه لو كان ذلك من ضياء الشمس لزم أن يظهر بعيد نصف الليل لكل الناس وليس فليس) وبيان ذلك (أن كرة الأرض في كل وقت مستضيئ من الشمس أكثر من نصفها على ما اقتضاه برهانهم فيما إذا استضاءت كرة صغيرة من كرة كبيرة. وإن دائرة أفق كل قوم يجوز أن تكون دائرة نصف النهار لآخرين فمتى زالت الشمس عن دائرة نصف نهار قوم من جهة سمت القدم ويكون ذلك بعيد نصف ليلهم لزم بمقتضى ما قالوا من لزوم استضاءة النصف وأكثر أن يظهر الضوء من جهة الشرق ولا أقل من أن يستضيء من الأرض في تلك الجهة ما يتم به مع ما تحت الأفق النصف منها وحيث لم يكن كذلك علمنا أن الأمر في الفجر ليس على ما زعموه. فاستغرب ذلك سلمه الله تعالى جداً حيث أن كون نور الفجر من ضياء الشمس أظهر من الشمس في رابعة النهار وإنكار ذلك كإنكارها. فأحضر التفسير الكبير. فأخرجت البحث وقرأته في مجلسه الخطير. وقبل أن يتجلى نور فجره. عرضت عمائم الغوائل فطوينا البحث على غره.) وأنا أقول الآن (ليرتاح من يرتاح. مستعيناً بالله عز وجل فالق الإصباح. أنه لا يلزم من وجوب استضاءة نصف الأرض وزوال الشمس عن دائرة نصف نهار قوم. من جهة سمت القدم رؤية أولئك القوم ضوء الشمس. لأنهم لا يرون نصف الأرض وكذا لا يرون نصف ما غشاهم وخيم عليهم من ظلمة ظل الأرض وطي المنتهى إلى فلك الزهرة وإنما يرونه لو كانوا عند نقطة مركز حجم الأرض. على أنه لو فرض رؤيتهم نصف الأرض وهم على سطحها لا يلزم رؤيتهم الضوء أيضاً بناءاً على ما قيل أن كثافة الهواء المظلم في البين مانعة عنها فالضوء الذي يظهر بمقتضى ما قرره بعيد نصف الليل إنما يرى في بلد يزيد طوله على طول بلد أولئك القوم بكثير. وهذا مما لا دليل على نفيه. بل لا يبعد أن يكون واقعاً لاختلاف أوقات الفجر في البلدان حسب اختلاف الأطوال والأوضاع. ففجر البلد الشرقي. قبل فجر البلد الغربي كما أن مغرب البلد الغربي بعد مغرب البلد الشرقي. ومثل اختلاف الفجر والمغرب اختلاف الزوال ونحوه. والكل ظاهر ظهور اختلاف عدد ساعات النهار الأطول وعدد ساعات الليل الأطول في البلدان. ولحلول الشمس في البروج الشمالية والبروج الجنوبية مدخل في بعض الاختلافات. وإنكار اختلاف المطالع أظهر مكابرة من إنكار اختلاف الأصابع. وفي الحديث أن الشمس لتغرب عن قوم وتطلع على آخرين) نعم (اختلف في اعتبار ذلك الاختلاف شرعاً في نحو الصوم فذهب كثير من الحنفية مع إقرارهم بوجوده إلى عدم اعتباره. فيلزم عندهم أهل المغرب الصوم برؤية أهل المشرق هلال شهر رمضان. والحق اعتباره) والحاصل (أنه إن أراد أنه يلزم حسب ما ذكره أهل الهيئة على تقدير كون الفجر من الشمس طلوع الفجر بعيد نصف الليل في كل بلد بحيث يراه أهله فهو ممنوع. وإنما يلزم ذلك لو كان كل بلد بحيث يرى فيه نصف كرة الأرض والحال ليس كذلك. وإن أراد أنه يلزم طلوع الفجر في كل بلدٍ بعيد نصف الليل في بلد آخر فسيكون وقت واحد فجراً لقوم ونصف ليل لآخرين فهو مسلم ولا محذور في هذا اللازم بل لا يبعد أن يكون واقعاً. وقد صح أن في بعض العروض ما قوس ليله في بعض الأوقات أقل من ثلاث أو ست وثلاثين درجة. فهنالك يطلع الفجر قبل أن يغيب الشفق ولا شك أن وقت طلوع الفجر هناك ليل في أكثر المعمورة وأغرب من هذا حال عرض تسعين حيث تتحد دائرة المعدل مع دائرة الأفق فتكون هي الأفق فإن السنة هناك نصفها ليل ونصفها نهار إذ لا طلوع ولا غروب للشمس في ذلك العرض إلا بحركتها الخاصة) ومن هنا (يقال للرازي كما لا يلزم من طلوع الشمس. وجود النهار في موضع طلوعها ووجوده في كل موضع كذلك لا يلزم من طلوع الفجر في موضع طلوعه في كل موضع فمتى كانت الشمس طالعة ومرئية في بعض المواضع وهي غير طالعة ومرئية في بعض آخر. فليكن أثرها وهو الفجر كذلك. ولكون هذا في عرض تسعين ظاهراً جداً بنينا الأمر عليه فلا تغفل. واعجب من إنكار الرازي كون نور الفجر من ضياء

الشمس إنكار الجلال السيوطي كون هذا الضياء المشاهد في النهار من طلوع الشمس إلى غروبها من الشمس. وكم له عفا الله تعالى عنه من هذه العجائب التي أطلقت ألسنة الملحدين. بالطعن والعياذ بالله في الدين. وفي تفسيرنا روح المعاني ما يتعلق بأمر الفجر والجواب عن الشبهة التي سمعتها عن الفخر بكنه جواب غير واضح وضوح ما ذكرناه الآن. فإنه فيما أرى أوضح من نور الفجر الصادق للعيان. وما هو إلا من شمس التوفيق. لا زالت مشرقة علينا بأنوار التحقيق والتدقيق. فافهم وتأمل. فلعل الله تعالى يوفق لك ما هو أجلى وأجل.

) ومنها (ما جرى من محكم الكلام في أمر المتشابه. فأحسست أن له ميلاً إلى مذهب السلف الذي تمذهب أكثر المحققين به. فشكرت ربي. وكاد يطير من مزيد الفرح قلبي. فقلت يا مولاي يشهد لحقية مذهب السلف في المتشابهات وهو إجراؤها على ظواهرها مع التنزيه) ليس كمثله شيء (إجماع القرون الثلاثة الذين شهد بخيرتهم خير البشر صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يدل على أن الشارع أراد بها ذلك. والجزم بصدقه دليل على عدم المعارض العقلي في نفس الأمر وأن توهمه العاقل في طور النظر والفكر وكذا خلوه عن القول في الله تعالى بحسب الظن اللازم بحسب الظاهر لمذهب المؤولين) وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً (ولجلالة شأن ذلك المذهب ذهب إليه غير واحد عن أجلة الخلف.) منهم (إمام الحرمين قال في الرسالة النظامية) اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن. وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجلاء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله عز وجل. والذي نرتضيه رأياً وندين الله تعالى به عقيدة اتباع سلف الأمة. للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة. فلو كان تأويل هذه الظواهر حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة. وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المنيع انتهى (. والاقتصار على الصحابة والتابعين بناءً على المشهور. وإلا فقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة على ذلك أيضاً.) ومنهم (الإمام أبو الحسن الأشعري فإن آخر أمره الرجوع إلى ذلك المذهب الجليل بل الرجوع إلى ما عليه السلف في جميع المعتقدات. قال في كتابه الإبانة الذي هو آخر مؤلفاته بعد كلام طويل) الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون. وبما كان عليه أحمد بن حنبل نصر الله تعالى وجهه قائلون. ولمن خالف قوله مجانبون. انتهى (وهو ظاهر في أنه سلفي العقيدة. وكيف لا والإمام أحمد علم في ذلك ولهذا نغص لميه من بين أئمة الحديث. ويعلم من هذا أن ما عليه الأشاعرة غير ما رجع إليه أمامهم في آخر أمره من اتباع السلف الصالح فليتهم رجعوا كما رجع. واتبعوا ما اتبع. وإلى ذلك أيضاً ذهب السادة الصوفية. كما لا يخفى على من تتبع آثارهم. واستقرأ أخبارهم.) ومن ذلك (ما حكاه عن الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره تلميذه الشرف إسماعيل بن سودكين في شرح التجليات) ونصه (لا يجوز للعبد أن يتأول ما جاء من أخبار السمع لكونها لا تطابق دليله العقلي كأخبار النزول وغيره لأنه لو خرج الخطاب عما وضع له لكان بالخطاب فائدة. وقد علمنا أنه عليه الصلوة والسلام أرسل ليبين للناس ما أنزل إليهم. ثم رأينا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع فصاحته وسعة علمه وكشفه لم يقل لنا أنه ينزل رحمته ومن قال ينزل رحمته فقد حمل الخطاب على الأدلة العقلية والحق تعالى ذاته مجهولة فلا يصح الحكم عليه بوصف مقيد معين والعرب تفهم نسبة النزول مطلقاً فلا تقيده بحكم دون حكم خصوصاً وقد تقرر عندها أنه) ليس كمثله شيء (فيحصل لها المعنى مطلقاً منزهاً. وربما يقال لك هذا يحيله العقل فقل الشأن هذا إذا صح أن يكون الحق من مدركات العقول حتى تمضي عليه سبحانه أحكامها انتهى.) وفي الغنية (للقطب الرباني. والهيكل الصمداني. سيد الشيخ عبد القادر الكيلاني. قدس سره. غنية في هذا المقام. عن سرد لصوص أولئك السادة الفخام.) ثم قلت (يا مولاي قد تلخص لي من تتبع كلام المحققين كالعلامة ابن حجر الهيتمي في كتابه التعرف. في الأصلين والتصوف. أن في المتشابهات ثلاثة مذاهب) الأول (التأويل أي الصرف عن الظاهر وتعيين المراد فيقال في الاستواء مثلاً ليس المراد به ظاهره بل المراد به الاستيلاء.) الثاني (ترك التأويل بمعنى ترك تعيين المراد وتفويضه إلى الله تعالى مع الجزم بأن الظاهر غير مراد. فيقال في ذاك مثلاً ليس المراد به معناه الظاهر والله تعالى أعلم بمراده منه. ومع هذا فالظاهر على ما قيل أنهم يجزمون بأن ذلك المعنى الذي فوضوا تعيينه إليه سبحانه

معنى مجازي أو كنائي لائق به جل شأنه.) وكان (شيخنا علاء الدين علي أفندي يقول أن في هذا تأويلاً لكنه دون التأويل في الأول. وفيه بحث لأنا لا نسلم أن التأويل إخراج الكلام عن ظاهره مطلقاً بل إخراجه إلى معنى معين معلوم كما يقال الاستواء مثلاً بمعنى الاستيلاء.) الثالث (الإبقاء على الظاهر مع نفي اللوازم وهو معنى قول بعضهم القول بالظاهر مع اعتقاد التنزيه وأن ليس كمثله عز وجل شيء فيقال في ذاك المراد ظاهره مع نفي لوازمه الدالة على الجسمية ويرجع ذلك إلى دعوى أنها لوازم لاستواء الخلق لا لاستواء الخالق أيضاً وهو نظير قول الأشاعرة والماتريدية في رؤية الله تعالى في الآخرة فأنها تكون مع نفي لوازمها من المقالة والجسمية ونحوهما مما هو من لوازم الرؤية في الشاهد. قيل هو مراد مالك وغيره من قولهم الاستواء معلوم والكيف مجهول. أي الاستواء معلوم المعنى ووجه نسبته إلى الحق تعالى المجامع للتنزيه مجهول لأن الصفات تنسب إلى كل ذات بما يليق بتلك الذات وذات الحق ليس كمثله شيء فنسبة الصفات المتشابهة إليه تعالى ليست كنسبتها إلى غيره عز وجل لأن كنه ذات الحق ليس من مدركات العقول لتكون صفته من مدركاتها. والصوفية على هذا المذهب كما يدل عليه كلام الكوراني في تنبيه العقول. على تنزيه الصوفية عن اعتقاد التجسيم والعينية والاتحاد والحلول. وجعلوا من ذلك ظهوره تعالى شأنه في المظاهر وقالوا إنه طور ما وراء طور العقل وغيرهم من القائلين بهذا المذهب يقولون كل ما سمع عن الصادق المعصوم فعلى العين والرأس. وليس المقام مقام الاجتهاد والقياس. ثم إن كلا المذهبين أحسن من مذهب الخلف النافين للظاهر المعينين للمراد لما فيه من اتباع الظن ظاهراً. ولا أقول كما قال ابن القيم) لام الأشعرية كنون اليهودية (فأولئك قيل لهم قولوا حطة فزادوا نوناً وقالوا حنطة وهؤلاء قيل لهم الرحمن على العرش استوى فزادوا لاماً. وقالوا استولى. نعم أقول ليتهم فوضوا وتركوا التأويل ولم يتعرضوا. وليتهم إذ أولوا ذكروا المراد على سبيل الاحتمال. ولم يجزموا بأن ما ذكروه هو مراد الملك المتعال. ثم أنه أبخر الكلام إلى ابن تيمية. فقال إنه قائل بالجسمية. فقلت حاشاه ومذهبه في المجسم. إنه مطلقاً غير مسلم. فقال إنه يقول العرش قديم نوعاً. فقلت لم نجد لنسبته إليه من غير الدواني نقلاً يليق أن يمنح سمعاً. فقال له مخالفة للأئمة الأربعة في بعض المسائل الفقهية. فقلت شبهته في تلك المخالفة بحسب الظاهر قوية. وله في بعض ذلك سلف. كما يعرفه من تتبع المذاهب ووقف. وقد مدحه غير واحد من العلماء الأعلام. وقد سمعت من شيخي أنه رأى كتاباً في ترجمة من لقبه بشيخ الإسلام. فقال قد ذمه العلامة السبكي. فقلت كم من جليل غدا من ذم عصريه يبكي. فآه من أكثر المعاصرين. فيهم بأيدي ظلعهم لحبات القلوب عاصرين. ثم استطردنا أبحاثاً أخر. إلى أن حضر من حضر.) ثم إني أقول الآن (مستعيناً بمن لا يدخل تحت حيطة الأذهان. إنهم يطلقون المتشابه على ألم وحم وكهيعص وحمعسق ونحوها من أوائل السور المعروفة كما يطلقونه على الاستواء والنزول والوجه والعين واليد ونحوها مما يسمونه بالصفات السمعية وفينا ما يشاركه في إطلاق اللفظ) وهذا الثاني (هو الذي افترق السلف فيه إلى فرقتين فرقة تفوض أصل معناه إلى علم الله عز وجل. وأخرى تقول بمعناه الظاهر مجرداً عن لوازمه التي لا تنفك عنه فيناً مجامعاً للتنزيه الصادع به قوله تعالى) ليس كمثله شيء (وأما الأول فلم أقف على افتراقهم فيه كذلك. بل هم فيه فرقة واحدة قائلة الله تعالى أعلم بمراده منه. ويقابلها فرقة الخلف التي تزعم العلم بمراده عز وجل منه مع اختلافها في تعيينه. إلى ما شاء تعالى من الأقوال. فمن أطاق القول بأن الناس في المتشابه ثلاث فرق كمن أطلق القول بأنهم فيه فرقتان لم يصب المحز. بل هم في بعضٍ ثلاث وفي بعضٍ آخر اثنتان بل من تتبع كتب السلفيين كالحنابلة وقف على أن منهم من يؤول على حد تأويل الخلف بعض المتشابهات من الصفات السمعية كالفراغ في قوله تعالى) سنفرغ لكم أيها الثقلان (إن فسر بمعنى التخلي عن الشاغل. أو فسر بالقصد إلى الشيء وقلنا إن القصد لا ينسب إليه تعالى. وبكلا المعنيين فسر في حديث أبي بكر افرغ إلى أضيافك. وكالحسرة في قوله تعالى) يا حسرتا على العباد (بناءً

على أن الألف منقلبة عن ياء المتكلم. وكاليمين في قوله عليه الصلوة والسلام) الحجر الأسود يمين الله في الأرض (وفي نهاية ابن الأثير هذا كلام تمثيل وتخييل وأصله أن الملك إذا صافح رجلاً قبل الرجل يده فكان الحجر الأسود لله تعالى بمنزلة اليمين للملك حيث يستلم ويلثم انتهى.

بل ووقف أيضاً على أن منهم من يؤول مع ذلك ما حف بالقرائن الدالة على المراد منه كالمعية في بعض الآيات المبتدأة بالعلم المختتمة به. والصوفية قدست أسرارهم لا يؤولون شيئاً من ذلك. وقالوا إن كل ذلك من باب التجلي في المظاهر مع بقاء التنزيه الذاتي والغناء المطلق. وبذلك يتم لهم القول بوحدة الوجود التي هي وراء طور العقل من طريق الفكر) وأنا أختار (فيما شاع بين العرب في معنى غير معناه اللغوي حمله عليه دون إبقاءه على معناه اللغوي مع نفي اللوازم أو تفويض العلم بالمراد على علام الغيوب جل جلاله. وهو عندي نظراً إلى ذلك المعنى الشائع في حكم المحكم. فإن القرآن نزل بلغة العرب وعلى استعمالهم وهم أول من خوطب به فلا يعدل في معناه عما تعارفوه فيه بينهم. ومثل ذلك المتشابه في الحديث. وكذا اختار التأويل كالخلف في نحو قوله عليه الصلوة والسلام) الحجر الأسود يمين الله تعالى في الأرض (وإن أعدل عنه قلت كإحدى فرقتي السلف ليس المراد معناه اللغوي بل معنى آخر يليق به سبحانه الله تعالى أعلم به. ولا أكاد أقول المعنى المراد اللغوي مجرداً عن لوازمه. ولا أظن الصوفي القائل بوحدة الوجود يقول ذلك أيضاً. وقد سمعت شيخي علاء الدين علي أفندي عليه الرحمة أن المتشابه عند السلف لا يراد منه معناه اللغوي جزماً لما يلزمه من المحال عليه تعالى) بل المراد معنى لائق به تعالى هو سبحانه يعلمه ولا جزم له بكون ذلك المعنى مجازياً أو كنائياً بل يحتمل عنده أن يكون أمراً آخر ليس بينه وبين المعنى الحقيقي مناسبة ما أصلاً. حتى أنه يجوز أن يكون المراد بالوجه في قوله تعالى) ويبقى وجه ربك (وقوله سبحانه) كل شيء هالك إلا وجهه (من لا يصعق عند النفخ المستثنى في قوله تعالى) فصعق من في السماوات ومن في الأرض (الآية وإن يكون المراد باليمين في الحديث المذكور آنفاً الدرة مثلاً والإضافة للتشريف كما في بيت الله وناقة الله. وهذا من الغرابة بمكان. ولم أر أحداً ذكره. وقد اعترضته يوم سمعته بأن المعنى معين في علم الله تعالى ولا بد ومتى كان ذلك المعنى ليس بينه وبين المعنى الظاهر مناسبة ما كان إرادته منه دون إرادة آخر مثله في عدم المناسبة ترجيحاً بلا مرجح. ويلزم ذلك أيضاً في إرادته من اللفظ المعين دون إرادته من آخر ليس بينه وبينه مناسبة أيضاً. فقال رحمه الله تعالى يلزم مثل ذلك في وضع لفظٍ لمعنى ليس مناسباً له. بناءً على الصحيح من أنه لا يشترط مناسبة اللفظ للمعنى في وضعه له. فوضع الحجر لمسماه ليس بأولى من وضع الذهب أو الشجر أو الفرس أو السرج لذلك المسمى) والجواب عن كل ذلك (بأنه كفي بالإرادة مرجحةً أو بأن هناك مرجحاً غيرها استأثر الله تعالى بعلمه. ويحتمل أن تكون المناسبة بوجه لا نعلمه ونفي المناسبة إنما هو بحسب علمنا. فقلت ماذا يقال للفظ بالنظر إلى ذلك المراد أحقيقة أم مجاز. فقال لا ولا. إن كان الاستعمال المأخوذ في تعريفي الحقيقة والمجاز بالنسبة إلينا وحقيقة إن كان أعم من ذلك مما هو بالنسبة إليه عز وجل. وكان استعماله تعالى اللفظ فيه ابتداء. ومجاز إن كان الاستعمال أعم وكان استعماله تعالى بوضع ثان لعلاقة لكن استأثر الله تعالى بعلمها ويجوز أن يقال له منقول إن كان الاستعمال كما ذكر إلا أنه لا علاقة في نفس الأمر) ثم قلت (على احتمال كون مراده تعالى معنىً مجازياً يلزم القرينة فحيث لا قرينة لا مكان لذلك الاحتمال. فقال اشتراط القرينة غير مجمع عليه فالأصوليون من الشافعية يقولون المجاز اللفظ المستعمل بوضع ثان. لعلاقةٍ ولا يزيدون مع قرينة. ومن هنا صح لهم القول بجواز أن يراد باللفظ الواحد حقيقته ومجازه معاً في وقت واحد. على أن من أزاد في تعريفه كالبيانين القرينة قيدها بالمانعة عن إرادة المعنى الموضوع له اللفظ أولاً. ولم يطلقها بحيث تعم القرينة المانعة عن إرادة ذلك والقرينة المعينة للمراد. والقرينة المانعة ليست منحصرة عندهم في اللفظية بل تعم العقلية وهي متحققة في المتشابه فقلت بناءً على ما ذكرت من مذهبهم فيه يحتمل أن يكون اللفظ مشتركاً بين معنى حقيقي. عندنا وآخر حقيقي عنده عز وجل. وقد قالوا باحتياج استعمال المشترك في أحد معنييه إلى قرينة تعينه. فقال لأبدية القرينة في ذلك ممنوعة فقد يذكر المشترك مراداً منه معنى معين في نفس الأمر خالياً عن

قرينة تعينه كما في المجمل فتركت السؤال. حين طال) وأنت تعلم (أن القول بالظواهر مع التنزيه خال عن ذلك إلا أن تفويض العلم بالمراد فيه إلى الله تعالى لا يخلو عن خفاءٍ لما أن فيه الجزم بأن المراد هو الظاهر. غاية ما في الباب أنه مجرد عن اللوازم كرؤيته تعالى مصدر المبني للفاعل ومصدر المبني للمفعول فإن لوازمها بالمعنيين في المشاهد منفية فيه سبحانه) وحيث أني من المفوضين أقول فيما عدا ما سمعت بالتفويض على حد ما عليه جمهور السلف إلا أني أعد الظاهر الذي جزموا كما أشار إليه الجلال المحلي وغيره بأنه غير مراد هو المعنى المستدعى للوازم. فأقول في الاستواء مثلاً ليس المراد به المعنى الحقيقي بلوازمه قطعاً لأباء قوله تعالى) ليس كمثله شيء (مع الدليل العقلي عنه. بل المراد معنى لائق به عز وجل لا أعلمه وهو سبحانه وتعالى يعلمه وأقطع بذلك من غير تعيين) نعم أقول (هو محتمل لأن يكون المعنى المجرد عن اللوازم ومحتمل لأن يكون غيره مما يليق به جل شأنه. وعز سلطانه. وربما أرجح الأول من الاحتمالين بأن عليه جملة من السلف الصالح. وطائفة عظيمة من الصوفية الذين لا يؤثر بعلو شأنهم قدح قادح. لكن لا أجزم بأنه مراد الله تعالى كما أجزم بأن الظاهر بلوازمه غير مراد له تعالى فأنا والحمد لله تعالى مؤمن بما ورد في الله تعالى على المعنى الذي أراده جل جلاله. ومن أين لعنكبوت العقل العروج بلعابه. إلى رفيع قدس العرش وما هواه أدنى من ذرةْ بالنسبة إلى جنابه. وأقول بالوقف على إلا الله فقد حكاه محيي السنة البغوي ف المعالم وغيره في غيره عن أكثر الصحابة والتابعين والنحويين. رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وقال الأستاذ أبو منصور أنه الأصح. وبالغ ابن السمعاني وغيره من الأجلة في نصرته. ولا يثنيني عن ذلك حكاية إمام الحرمين في البرهان الوقف على العلم عن أكثر القراء والنحاة ولا نقله ذلك فيه عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أولاً مبالغة في تأييده في التخليص حتى قال إن مقابله قول باطل لما أنه خلاف مقتضى ما دان الله تعالى به في الرسالة النظامية كما قدمناه لك. وهي بعد البرهان تأليفاً وخلاف مقتضى ما نقله الألوف عن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين. وقد أخرج عبد الرزاق في تفسيره والحاكم في المستدرك عن ابن عباس أنه كان يقرأ) وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم.. آمنا به (وحكى الفراء مثله عن أبي بن كعب. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش عن ابن مسعود أنه كان يقرأ) وإن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به (وكذا لا يثنيني قول النووي عليه الرحمة في شرح مسلم أنه الأصح لأنه يبعد أن يخاطب الله تعالى عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته فإنه خلاف مقتضى ما ذهب إليه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه مما أخرجه ابن أبي حاتم في مناقبه عن يونس بن عبد الأعلى عنه ونقله العلامة الكوراني في تنبيه العقول. والبعد الذي ذكره ممنوع حيث كان الخطاب بذلك للابتلاء. وقد ابتلى سبحانه عباده بتكاليف كثيرة. وعبادات وفيرة. لم يعرف أحد السر فيها. والسر في هذا الابتلاء قص جناح العقل وكسر سورة الفكر وإذهاب عجب طاووس النفس. ليتوجه القلب بشراشره تجاه كعبة العبودية. ويخضع تحت سرادقات الربوبية. ويعترف بالقصور. ويقر بالعجز عن الوصول إلى الحور القصورات في هاتيك القصور. وفي ذلك غاية التربية. ونهاية المصلحة. وكذا لا ينبغي وجوه ذكرها الخلف في ترجيح الوقف على العلم. فقد رددتها والحمد لله تعالى في تفسيري روح المعاني. وذكرت مما يرجح الوقف على إلا الله. ما فيه مقنع لمن أوتي قلباً سليماً. وفهماً مستقيماً) بقي شيء (وهو أن ابن السبكي قال في جمع الجوامع) ما نصه (ولا يجوز ورود ما لا معنى له في الكتاب والسنة خلافاً للحشوية انتهى. وكتب عليه شيخ الإسلام) ما نصه (والمراد بما لا معنى له ما يتعذر التوصل إلى معناه ليصبح محلاً للنزاع إذا لم يقل أحد بظاهر ذلك انتهى. فيلزم من ذلك وكون السلف قائلين أن المتشابه ما يتعذر الوصول إلى معناه. كما أفصح به تعريف الحنفية إياه. بما ستأثر الله تعالى بعلمه. دون ما لم يتضح معناه كما عرفه به معظم الشافعية. مخالفين لمقتضى ما روي عنه من قوله إن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الروية والفكر

كون أولئك الأجلة. الذين هم سادات الملة. كالحشوية الذين قال الحسن البصري لما وجد قولهم ساقطاً. وكانوا يجلسون في حلقته أمامه) ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة (أي جانبها. أو الطعن في الحسن البصري الذي هو أفضل التابعين عند أهل البصرة حيث رأى سقوط قولٍ هو عين قول السلف. ولم يرض أن يقعد قائله تجاهه مع أنه هو نفسه قائلاً به. فقد صح أنه من السلف القائلين بقولهم. وقد أخرج كما قال الحافظ ابن حجر في شرح صحيح البخاري أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريقه عن أمه. عن أم سلمة أنها قالت الاستواء غير مجهول. والكيف غير معقول. والإقرار به إيمان. والجحود به كفر.) وقد كنت (سألت الشيخ رحمه الله تعالى عن ذلك أثناء الدرس فقال الفرق بين مذهب السلف ومذهب الحشوية أن مذهب الحشوية ورود ما يتعذر التوصل إلى معناه مطلقاً سواءً كان مراد اً أو غير مراد. ومذهب السلف ورود ما يتعذر التوصل إلى معناه المراد. فالاستواء مثلاً عندهم له معنى يتوصل إليه بمجرد سماعه كل من يعرف المدلولات اللغوية إلا أنه غير مراد لأنه خلاف ما يقتضيه دليل العقل والنقل. ومعنى آخر يليق به تعالى لا يعلمه إلا هو عز وجل. وقد يقال الأولى في الجواب إبقاء كلام ابن السبكي على ظاهره وعدم الالتفات إلى كلام شيخ الإسلام. وقوله) إنه لم يقل به أحد (فالمثبت لا سيما إذا كان كابن السبكي الإمام بن الإمام. مقدم على النافي ولو كان كشيخ الإسلام. فتأمل جميع ما تلوناه عليك. وهو يغنيك عن مراجعة كثير من الكتب إن أخذت العناية بيديك. وبقيت في هذا المقام أبحاث كثيرة يضيق عنها نطاق الكلام. وفي كتب الحنابلة من ذاك ما يجلو غياهب الأوهام. ويروي الغلل ويبري العلل والأسقام. فمتى أشكل عليك أمر. فارجع إليها ينشرح بإذن الله تعالى منك الصدر.

) ومنها (ما جرى في اعتراض الحموي على قول الرضي الأسترابادي. الذي لم يزل علم الهدى للنحويين في كل نادي.) إن العلم قد يقصد تنكيره. وذلك إذا أضيف إليه كل نحو زيد عالم فإن كلاً لا تدخل إلا على نكرة (.) وحاصل الاعتراض (أنهم صرحوا بأن كلاً اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو) كل نفسٍ ذائقة الموت (والمعروف أن المجموع نحو) كلهم آتية (وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن. وهو نص في أنها تضاف إلى المعرفة والنكرة. فكيف قال الرضى أن كلا لا تدخل إلا على نكرة.) ثم قال (وقد عرضت ذلك على شيخنا الخفاجي فنظر فيه كثيراً. ولم يتكلم بشيء جليلاً كان أو حقيراً.) فقلت (يا مولاي لعل مراده بكلٍ كل التي يراد بها استغراق الأفراد بقرينة المثال. وظهور الحال حتى على الأطفال. وكيف يتصور من الرضى. وهو العالم المرتضى أن يريد بها الأعم مع ظهور الأمر) ظهور نار القرى ليلاً على علم (. فقال قد أجاب بنحو ذلك شيخ الإسلام عطاء الله أفندي. وها تحريره في ذلك عندي. فأراني الجواب. مكتوباً بخطه في حاشية الكتاب.) ثم قال وأنا أقول (إن كلا مطلقاً داخله على نكرة. ومن أمعن نظراً لا يجد سبيلاً لأن ينكره. لأن نحو وكلهم آتية في تقدير وكل فرد آتية ونحو كل زيد حسن في تقدير كل جزء من أجزاء زيد حسن. فقلت يا مولاي هذا تقدير معنى لا تقدير إعراب. وفرق ظاهر بينهما عند ذوي الألباب. ومتى اعتبر ذلك كانت لاستغراق الأفراد. كما لا يخفى على المحققين الأمجاد. فإن اعتبر لزم الاعتراض على كل نحوي. وإذا لم يعتبر وقلنا بتعيينه في الجواب. بقي الاعتراض على الفاضل الرضي. وكدت يا مولاي أجيب بما ذكرتم من الجواب. لكن خطر لي هذا الاعتراض فوكأت فم الجراب. فقال هذا جواب لا تصل إليه أذهان علماء بغداد. فقلت) نعم (ولا علماء سائر البلاد. وكان في المجلس فاضل الروم اليوم يحيى أفندي. فوافقني في الجواب أولاً ثم عاد لا يعيد ولا يبدي. فلزمت الأدب. ورأيت السكوت أصوب.

) ومنها (ما جرى في جواب لخاتمة المتأخرين. الشيخ محمد أمين بن عابدين. عن إشكال للدماميني أورده في أول شرحه الكبير على المغني عند قول ابن هشام) وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة (وذلك أن الدماميني قال عند ذلك) ما نصه (كثيراً ما يقع هذا التركيب وهو مشكل وذلك أن المراد من قولك وقع كذا في عام أربعين مثلاً هو العام الواقع بعد تسعة وثلاثين. وتقدير الإضافة فيه باعتبار هذا المعنى غير ظاهر إذ ليست فيه إلا بمعنى اللام ضرورة أن المضاف إليه ليس جنساً للمضاف ولا ظرفاً له فيكون معنى نسبة العام إلى أربعين كونه جزءاً منها كما في يد زيد وهذا لا يؤدي المعنى المقصود إذ يصدق بعامٍ ما منها سواء كان الأخير أو غيره وهو خلاف الغرض. ويمكن أن يقال قرينة الحال معينة لأن المراد الجزء الأخير وذلك لأن فائدة التاريخ ضبط الحادثة المؤرخة بتعيين زمانها ولو كان المراد ما يعطيه ظاهر اللفظ من كون العام المؤرخ واحداً من أربعين بحيث يصدق على أي عام فرض لم يكن لتخصيص الأربعين مثلاً معنى يحصل به كمال التمييز للمقصود ولكن قرينة إرادة الضبط بتعيين الوقت تقتضي أن يكون هذا العام هو مكمل عدة الأربعين. أو يقال حذف مضاف لهذه القرينة والتقدير في عام آخر أربعين والإضافة بيانية أي في عام هو آخر أربعين فتأمله انتهى. ثم تعقبه ذلك الفاضل فقال) وأقول يظهر لي أنه لا حاجة إلى تقدير المضاف بعد جعل الإضافة بيانية فإن الأربعين كما تطلق على مجموعها. تطلق على الجزء الأخير منها. وهكذا غيرها من الأعداد بدليل أنك تقول هذا واحد هذا اثنان الخ. فتطلق الاثنين على الثاني والثلاثة على الثالث وعلى مجموع الاثنين ومجموع الثلاثة فتأمل انتهى (. فذكر لي حضرة المولى أنه اعترض هذا الجواب بما أرسله إلى المجيب. وأنه أجاب بما تحقق عنده أنه فيه غير مصيب. فقلت الإنصاف أنه لا يخلو عن شيءٍ. ويخطر لي أن ظاهر قوله) فإن الأربعين كما تطلق على مجموعها تطلق على الجزء الأخير منها الخ (. إن كلا الإطلاقين حقيقة. وفيه منع ظاهر. على أن في نفس تحقق هذين الإطلاقين عن العرب كلاماً. وورود ما ذكره في الدليل من هذا واحد هذا اثنان الخ عنهم. متعيناً فيه كون المشار إليه الثاني والثالث والرابع الخ. دون المعدود المشاهد مما لا يكاد يسلم. وإثباته أصعب من خرط القتاد. وورود الاثنين اسماً لثاني أيام الأسبوع بناءً على ما اختاره غير واحدٍ من أن أولها الأحد. لا ينفع في هذا الباب. كما لا يخفى على ذوي الألباب. وإن أراد فإن الأربعين كما تطلق على مجموعها حقيقةً تطلق على الجزء الأخير منها مجازاً فهو وجه أشار إليه البدر الدماميني بقوله ويمكن أن يقال الخ. وزاد عليه وجهاً آخر في قوله أو يقال الخ.) وحاصل ما ذكره (أن هناك مجازاً أما في الذكر وهو المجاز المشهور أو في الحذف. وعلى هذا لا يظهر حسن التعقيب بقوله أقول يظهر الخ. وكأنه أشار إلى ما في كلامه من النظر بالأمر بالتأمل. وربما يقال أن الأولى في توجيه ذلك ونحوه أن يدعي أن الأربعين في نحو قولك كتبته عام أربعين مراد بها متم وهو في معنى الجزء الأخير منها وكذا الاثنان والثلاثة والأربعة الخ. في قولك هذا واحد هذا اثنان هذا ثلاثة الخ. يراد به المتم وهو الجزء الأخير مجازاً. وإرادة الجزء من الكل طريق مهيع فلا ينبغي التوقف في قبولها لا سيما إذا كان ذلك الجزء مما يتم به الكل ويكون به موجوداً بالفعل. وقرائن إرادة ذلك متفاوتة وكثيراً ما تكون حاليةً والقرائن الحالية للمجاز أكثر من أن تحصى. وربما يدعي فيما نحن فيه البلوغ في الشهرة فيما أريد به مبلغ الحقيقة حتى كاد يستغني عن القرينة التي يحتاج إليها المجاز فافهم. والله تعالى أعلم.

) ومنها (ما جرى في الكلام على قوله تعالى) ذواتا أفنان (حيث يتوهم أن ذواتا فيه تثنية ذوات جمعاً وقد ذكرت ذلك لحضرة المولى فأحضر أبقاه الله تعالى إعراب القرآن لأبي البقاء. وإعراب القرآن لمكي وغيره. فاقتطفنا من أفنان هاتيك الكتب ثمار الصواب. ولم يبق لنا في تحقيق الحق ارتياب) وفي تفسيرنا روح المعاني (ذواتا أفنان صفة لجنان وما بينهما اعتراض وسط بينهما تنبيهاً على أن تكذيب كل من الموصوف والصفة موجب للإنكار والتوبيخ. وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هما ذواتا. وأياً ما كان فهو تثنية ذات بمعنى صاحبة فإنه إذا أثنى فيه لغتان ذاتاً على لفظه وهو الأقيس كما يثنى مذكره ذو. والأخرى ذواتا برده إلى أصله فإن التثنية ترد الأشياء إلى أصولها وقد قالوا أصل ذات ذوات لكن حذفت الواو تخفيفاً وفرقاً بين الواحد والجمع ودلت التثنية ورجوع الواو فيها على أصل الواحد وليس هو تثنية الجمع كما يتوهم. وتفصيله في باب التثنية من شرح التسهيل انتهى.) وأقول (ربما يقال ما السر في العدول عن الأقيس. فيقال في الجواب لعله الرمز إلى أن الموصوف خارج عن دائرة القياس. وغراس تينك الجنتين ليس على سياق ما تعورف من الغراس. ومع ذا إيهام الجمع لا يخلو عن مدح فتأمل ما به. والله تعالى أعلم بأسرار كتابه. ) ومنها (ما جرى في قول الناس) رب يسر ولا تعسر (حيث قال حضرة المولى أن التيسير. يوجب ترك التعسير. كعكسه فكان على القائل أن يكتفي بطلب أحدهما فقلت يا مولاي ومولى العلماء. لا بأس بالجمع بين المتلازمات في مقام الدعاء. وفي الأدعية المأثورة من ذاك ما لا يحصى. ولا يكاد يستقصى. على أن صيغة أفعل لا تقتضي التكرار بخلاف صيغة لا تفعل على ما حقق في كتب الأصول. ويمكن أن يقال على بعدٍ لعل القائل يعتبر مفعول الأول المحذوف غير مفعول الثاني بحيث لا يتوهم تلازم مع ذلك أصلاً فليتأمل. ) ومنها (ما جرى في أمر الابتداء بالساكن هل هو التعذر أم التعسر وذكر ما في المواقف وشرحه في ذلك.) فقلت (يا مولاي الذي يتحرك إليه ذهني الساكن اختيار التفصيل في هذا المقام. وهو أنه إن أريد بالساكن العاري عن الحركات الثلاث المعروفة في اللغة العربية. فالابتداء به متعسر لا متعذر. وإن أريد به العاري عن تلك الحركات وعن الحركات التي في غير العربية المشابهة لما عند الفرس من حرف بين حرفين فالابتداء متعذر. ولعل الوجدان شاهد بذلك. فقال لم يزل طائر فكري على وكر هذا التفصيل يحوم. والله تعالى أعلم.

) ومنها (ما جرى في مسألة الجبر والتفويض. وما في ذلك من الكلام الطويل العريض. وذلك أني حضرت يوماً من الأيام. حلقة بعض المدرسين في علم الكلام. فرأيته يقرر هاتيك المسئلة المشكلة. ويحاول أن يحل ببنان بيانه تلك العويصة المعضلة. فتوجهت إليه بشراشري. وأقبلت نحوه بباطني وظاهري. رجاء أن ينفلق لي صدف تقريره عن دره. وينهل سحاب بيانه بوابل سره. فانفلق الصدف. عن سرف. وانهل السحاب. بكذاب. واستقر كلامه في الآخر. على أن من قال أن إرادة العبد مخلوقة لله تعالى فهو كافر. فإنها مخلوقة للعباد. وللعبد أن يصرفها حيث أراد. وبذلك ختم الكلام. فقمت أجر ذيل التعجب مع من قام. فأسررت في أثناء عدوي لبعض طلبته. أن الشيخ قد أعظم الفرية في آخر كلمته. فإن الإرادة إذا كانت مما الخارج ظرف لوجوده فلا ينتطح كبشان. في أنها مخلوقة لله تعالى كسائر الأعيان. وإن كانت مما الخارج ظرف له فأي ضرر إذا قيل أنها مخلوقة لله عز وجل بمعنى أنه سبحانه أخرجها من العدم إلى أن كان الخارج ظرفاً لها. وقد نص العلامة الكوراني على مخلوقية ما الخارج ظرف له ولم يفرق بينه وبين ما الخارج ظرف لوجوده في رسالته الرادة على المقدمات الأربع في توضيح الأصول وأطال الكلام في ذلك المقام. وأيضاً كيف يتسنى للعبد إخراجها من العدم المحض ولا يتسنى للمعبود ذلك وقد قال سبحانه) وما تشاؤون إلا أن يشاء الله (قال غير واحد من المفسرين أي إلا أن يشاء الله مشيئتكم فمشيئة العبد وهي الإرادة خلافاً لبعض غلاة الشيعة الموسومين في زماننا بالكشفية مشاءةً لله عز وجل. وقد ذهب إلى ما أنكره شيخكم أجلة أخيار. فكيف يسوغ له ما سمعت من الأكفار. فقال يا مولانا أنا من ضعفاء الطلاب. وأين أنا من أن أقابلك بالجواب. وكأنه بعد أن ذهبت إلى رحلي. عرض على شيخه قولي. فلم أشعر في اليوم الثاني. إلا وحجرتي قد امتلأت إلى حنجرتها بعلماء وطلبة تلك المغاني. فتقدم إلي كبيرهم فقال أأنت القائل بالأمس كيت وكيت. فأبت نفسي الإنكار مع أنه ليس من يدفع عني لو أرادوا بي سوءاً في البيت. فقلت نعم قلت ذاك نقلاً عن الشيخ إبراهيم الكوراني. فقالوا نحن لا نقبل إلا كلام إسماعيل أفندي الكلبنوي في هذه المطالب والمعاني. وهو الذي قال ما سمعته بالأمس. فقلت هو أجل من أن يقول ما بطلانه أظهر من الشمس. فلما رأيت كثرة القال والقيل. قلت دعوا بحث إبراهيم وإسماعيل. وتعالوا نترافع إلى كتاب الله تعالى الجليل. فقالوا من يجاريك في التفسير في هذه الديار. وأنت الذي فسر القرآن العظيم بعدة أسفار. فقلت نترافع إذاً إلى السنة. فقالوا بحث التركي مع العربي في ذاك محنة. ثم كثر اللغط. وتصالحنا على أن الشيخ في الإكفار غلط. ثم خرجوا من الدار. واستولت علي من خوف مكرهم جنود الأفكار. فهرولت إلى حضرة شيخ الإسلام. وعرضت له ما كان من البدء إلى الختام. فقال لا تتعرض القوم بعد باعتراض. وعليك بالإغماض في كلامهم والإعراض. فهم قوم يتعصبون على الغريب. وينسبون إليه الخطأ ولو كان هو المصيب. وربما يفترون عليه ما يحل دمه. ويعظم ندمه. فقلت يا مولاي تبت على يديك. ولا عدت أذهب إلى أحدٍ من العلماء إلا إليك. ثم أخذنا بأهداب هاتيك المسألة. وقرر هو خلاصة ما ذكره لتحقيقها الكوراني في رسائله المختصرة والمطولة. فقلت يا مولاي أظن أن الرجل قد عرف. ورمى عن قسي التوفيق فأصاب الهدف. فأنشد سلمه الله تعالى: وكل يدعي وصلاً بليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا

ثم قال ما تسلك أنت في أفعال العباد. فقلت أسلك والحمد لله تعالى فيها مسلك السداد. وأختار واضعاً له على الرأس والعين. ما قاله في رسالته النظامية العلامة إمام الحرمين. فقد لصق من الصغر بقلبي. وغاص إذ كبرت في أعماق لبي. ومع ذا فأنا أسأل الله تعالى التوفيق لما يعلم سبحانه أنه أحرى. وأقوي سبباً للنجاة في الأخرى. هذا ولعلك تحب الاطلاع على مذهب ذلك الإمام. فاستمع لما نتلوه عليك من جليل الكلام.) فأقول (الناس في إثبات القدرة في العبد وتأثيرها ونفي ذلك مختلفون. فالجبرية. على نفي القدرة بالكلية. فلا فرق عندهم بين حركة الساقط من علو وحركة الماشي لقضاء أمر مهم مثلاً. وفي ذلك إنكار للوجدان. والأشاعرة على إثباتها مقارنةً للفعل ونفي تأثيرها ومدخليتها في إيجاد الفعل. وسمى معظمهم تلك المقارنة كسباً وهو في معنى نفيها إذ هي عندهم كاليد الشلاء فلا فرق بين مذهبهم ومذهب الجبرية معنى. ولذا سماهم بعض الخصوم مجبرة. والمعتزلة على إثبات القدرة في العبد مؤثرة بالاستقلال. فالعبد يفعل بها ما يشاء. وإن لم يشأ رب الأرض والسماء. والمحققون من أهل السنة كما قال الكوراني على إثبات قدرةٍ فيه خلافاً للجبرية مؤثرة خلافاً للأشاعرة بإذن الله تعالى لا استقلالاً ولا حول ولا قوة إلا بالله. وإمام الحرمين في مبدأ أمره كان يرى رأي الأشاعرة الذي سمعت آنفاً. قال في الإرشاد واتفق أئمة السلف قبل ظهور البدع والأهواء على أن الخالق هو الله تعالى ولا خالق سواه. وأن الحوادث كلها حدثت بقدرة الله تعالى من غير فرقٍ بين ما يتعلق قدرة العباد وبين ما لا يتعلق. فإن تعلق الصفة بشيءٍ لا يستلزم تأثيرها فيه كالعلم بالمعلوم والإرادة بفعل الغير. فالقدرة الحادثة لا تؤثر في مقدورها أصلاً انتهى. ثم أنه رجع في النظامية إلى ما عليه المحققون وقد نقل ابن القيم كلامه في شفاء العليل. وقال إنه أقرب إلى الحق مما قاله الأشعري وابن الباقلاني ومن تابعهما إلى أن قال. ونحن نذكر كلامه بلفظه.) قال (قد تقرر عند كل حاظٍ بمقله مترقٍ عن مراتب التقليد. في قواعد التوحيد. إن الرب سبحانه وتعالى مطالب عباده بأعمالهم في حياتهم. وداعيهم إليها ومثيبهم ومعاقبهم عليها في مآلهم. وتبين بالنصوص التي لا تتعرض للتأويلات أنه أقدرهم على الوفاء بما طلبهم به ومكنهم من التوصل إلى امتثال الأمر. والانكفاف عن مواقع الزجر. ولو ذهبت أتلو الآي المتضمنة لهذه المعاني لطال المرام. ولا حاجة إلى ذلك مع قطع اللبيب المنصف به. ومن نظر في كليات الشرائع وما فيها من الاستمحاث والزواجر عن الفواحش الموبقات. وما نيط ببعضها من الحدود والعقوبات. ثم تلفت على الوعد والوعيد وما يجب عقده من تصديق المرسلين في الأنباء عما يتوجه على المردة العتاة. من الحساب والعقاب. وسوء المنقلب والمآب. وقول الله تعالى لهم لم تعديتم. وعصيتم وأبيتم. وقد أرخيت لكم الطول. وفسحت لكم المهل. وأرسلت الرسل. وأوضحت الحجة. لئلا يكون للناس على الله حجة. وأحاط بذلك كله. ثم استراب في أن أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم. واختيارهم واقتدارهم. فهو مصاب في عقله. أو مستقر على تقليده مصمم على جهله. ففي المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله قطع طلبات الشرائع والتكذيب بما جاء به المرسلون. فإن زعم من لم يوفق لمنهج الرشاد أنه لا أثر لقدرة العبد في مقدره أصلاً. وإذا طولب بمتعلق طلب الله تعالى بفعل العبد تحريماً وفرضاً. ذهب في الجواب طولاً وعرضاً. وقال الله تعالى أن يفعل ما يشاء ولا يتعرض للاعتراض عليه المعترضون.) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (. قيل له ليس لما جئت به حاصل. كلمة حق أريد بها باطل. نعم يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ولكن يتقدس عن الخلف ونقيض الصدق. وقد فهمنا بضرورات المعقول. من الشرع المنقول. أنه عزت قدرته طالب عباده بما أخبر أنهم متمكنون من الوفاء به فلم يكلفهم إلا على مبلغ الطاقة والوسع. في موارد الشرع. ومن زعم أنه لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها كما لا أثر للعلم في معلومه فوجه مطالبة العبد بأفعاله عنده كوجه مطالبته بأن يثبت في نفسه ألواناً وإدراكات وهذا خروج عن حد الاعتدال. إلى التزام الباطل والمحال. وفيه إبطال الشرائع ورد ما جاء به النبيون عليهم الصلوة والسلام. فإذا لزم الصبر إلى القول بأن

القدرة الحادثة تؤثر في مقدورها واستحال إطلاق القول بأن العبد خالق أعماله فإن فيه الخروج عما درج عليه سلف الأمة واقتحام ورطات الضلال. ولا سبيل إلى وقوع فعل العبد بقدرته الحادثة والقدرة القديمة. فإن الفعل الواحد يستحيل حدوثه بقادرين إذ الواحد لا ينقسم. فإن وقع بقدرة الله تعالى استقل بها وسقط أثر القدرة الحادثة ويستحيل أن يقع بعضه بقدرة الله تعالى فإن الفعل الواحد لا بعض له. وهذه مهواة لا يسلم من غوائلها إلا مرشد موفق. إذ المرء بين أن يدعي الاستبداد وبين أن يخرج نفسه عن كونه مطالباً بالشرائع. وفيه إبطال دعوة المرسلين. وبين أن يثبت نقسه شريكاً لله تعالى في إيجاد الفعل الواحد. وهذه الأقسام بجملتها باطلة ولا ينجى من هذا الملتطم ذكر اسمٍ محضٍ ولقبٍ مجردٍ من غير تحصيل معنى. وذلك أن قائلاً لو قال العبد مكتسب وأثر قدرته الاكتساب والرب تعالى مخترع خالق لما العبد مكتسب له. قيل ما الكسب وما معناه. وأديرت الأقسام المتقدمة على هذا القائل فلا يجد عنه مهرباً. ثم قال فتقول قدرة العبد مخلوقة لله تعالى باتفاق القائلين بالصانع والفعل المقدور بالقدرة الحادثة واقع بها قطعاً ولكنه يضاف إلى الله تعالى تقديراً وخلقاً فإنه وقع بفعل الله تعالى وهو القدرة وليست القدرة فعلاً للعبد وإنما هي صفته وهي ملك لله تعالى وخلق له. فإذا كان يوقع الفعل خلقاً لله تعالى فالواقع به مضاف خلقاً إلى الله تعالى وتقديراً. وقد ملك الله تعالى العبد اختياراً يصرف به القدرة. فإذا أوقع بالقدرة شيئاً آل الواقع إلى حكم الله تعالى من حيث أنه وقع بفعل الله تعالى ولو اهتدت إلى هذا الفرقة الضالة لم يكن بيننا وبينهم خلاف ولكنهم ادعوا استبداداً بالاختراع. وانفراداً بالخلق والابتداع. فضلوا وأضلوا. وتبين تميزنا عنهم بتفريغ المذهبين. فإنا لما أضفنا فعل العبد إلى تقدير الله تعالى قلنا أحدث الله تعالى القدرة في العبد على أقدار أحاط بها علمه وهيأ أسباب الفعل وسلب العبد العلم بالتفاصيل وأراد من العبد أن يفعل فأحدث فيه دواع مستحثةً وخيرةً وإرادةً. وعلم أن الأفعال ستقع على قدرٍ معلوم فوقعت القدرة التي اخترعها للعبد على ما علم وأراد فاختيارهم واتصافهم بالاقتدار والقدرة خلق الله تعالى ابتداءً ومقدورها مضاف إليه مشيئةً وعلماً وقضاءاً وخلفاً وفعلاً من حيث أنه نتيجة ما انفرد بخلقه وهو القدرة ولو لم يرد وقوع مقدورها لما أقدره عليه ولما هيأ أسباب وقوعه ومن هدي لهذا استمد له الحق المبين فالعبد فاعل مختار مطالب مأمور منهي وفعله تقدير لله تعالى مراد له خلق مقضي) ونحن (نضرب في ذلك مثلاً شرعياً يستروح إليه الناظر في ذلك) فنقول (العبد لا يملك أن يتصرف في مال سيده ولو استبد بالتصرف فيه لم ينفذ تصرفه فإذا أذن له في بيع ما له فباعه نفذ والبيع في التحقيق معزو إلى السيد من حيث أن سببه أذنه ولولا أذنه لم ينفذ التصرف ولكن العبد يؤمر بالتصرف وينهى ويوبخ على المخالفة ويعاقب. فهذا والله الحق الذي لا غطاء دونه ولا مراء فيه لمن وعاه حق وعيه. وأما الفرقة الضالة فإنهم اعتقدوا انفراد العبد بالخلق ثم صاروا إلى أنه إذا عصى فقد انفرد بخلق فعله ولرب كاره له فكان العبد على هذا الرأي الفاسد مزاحماً لربه عز وجل في التدبير موقعاً ما أراد إيقاعه شاء الرب أو كره. ثم قال بعد ورقةٍ أو أكثر قد أطلت أنفاسي ولكن لو وجدت في اقتباس هذا العلم من يسرد لي هذا الفصل لكان وحق القائم على كل نفسٍ بما كسبت أحب إلى من ملك الدنيا بحذافيرها طول أمدها قال ابن القيم انتهى كلامه بلفظه. وهذا توسط حسن بين الفريقين وقد أنكره عليه عامة أصحابه. منهم الأنصاري شارح الإرشاد وغيره وقالوا هو قريب من مذهب المعتزلة ولا يرجع الخلاف بينه وبينهم إلا إلى الاسم انتهى.) وقال (الشيخ السنوسي وما نقل عن إمام الحرمين من أن القدرة الحادثة تؤثر في الأفعال. لكن لا على سبيل الاستقلال. بل على أقدارٍ قدرها الله تعالى. فهو قول مرغوب عنه لا يصلح القول به ولا تقليده في ذلك لفساده قطعاً. وعدم جريه على السنة عقلاً ونقلاً. لأن القدرة الحادثة على مقتضى هذا القول أما أن يكون من صفة نفسها إيجاد الفعل الذي تتعلق به أولاً. فإن كان الأول لزم عند تعلقها بالفعل. أما سلب صفتها النفسية إن لم تؤثر في الفعل

وكان الموجد هو الله تعالى أو غلبتها لقدرته تعالى إن كانت هي التي أثرت في الفعل وفرضت أن الله تعالى أراد أن يوجد ذلك الفعل بقدرته وكلا الأمرين محال. ولا يدفع محذور ما لزم من العجز والغلبة في الثاني. قوله إن تأثيرها إنما هو على وفق إرادته تعالى لأن التأثير إذا قدرنا أنه صفة نفسية للقدرة الحادثة لم يمكن أن يتوقف ثبوته لها على شيء أصلاً. وإن كان الثاني وهو أن التأثير ليس صفة نفسية للقدرة الحادثة لزم أن تفتقر إلى معنىً يقوم بها ويوجب لها التأثير. وحينئذ ننقل الكلام إلى ذلك المعنى الذي أوجب لها التأثير هل ذلك أيضاً من صفة نفسية أو لمعنىً قام به ويلزم التسلسل أو قيام المعنى بالمعنى انتهى.) وأقول (كلام شارح الإرشاد. خارج عن مسلك السداد. فكلام الإمام في التصريح بأن القدرة الحادثة تؤثر في مقدورها وأن فعل العبد تقدير لله تعالى مراد له) وحاصله (إن قدرة العبد تؤثر فيما تعلقت به مشيئته إذا شاء الله تعالى لا على الاستقلال. وفيه أيضاً التصريح بأن المعتزلة قائلون بانفراد العبد بخلق فعله وأن فعله ليس بتقدير الله تعالى. وإن العبد إذا عصا بترك مأمور أو فعل منهي فقد انفرد بخلق فعله والله تعالى لا يريد ذلك. فعندهم يشاء الله تعالى ما لا يكون من المأمور ويكون ما لا يشاء من المنهي. وهذا فرق واضح مظهر لكون قول الإمام جارياً على السنة بخلاف قول المعتزلة فإنه مصادم لنص) لا قوة إلا بالله (ونص) وما تشاءون إلا أن يشاء الله () وأما ما أورده السنوسي (فجوابه أن تقول إن أردتم بأن القدرة الحادثة من صفة إيجاد الفعل أنها تؤثر على غير وفق إرادة العبد التابعة لإرادة الله تعالى فنختار أنها ليست من صفة نفسها إيجاد الفعل كذلك.) قولكم (فيلزم أن تفتقر إلى معنى يقوم بها ويوجب لها التأثير الخ قلنا لا يلزم ذلك لأنها عندنا صفة تؤثر وفق الإرادة فلا تحتاج لا إلى تعلق إرادة العبد التابعة لإرادة الله تعالى بالفعل وتعلق الإرادة بالفعل نسبة بين الإرادة والفعل المقدور لا معنى قائم بالقدرة فلا تسلسل ولا قيام المعنى بالمعنى. وإن أردتم أنها من صفة نفسها أن تؤثر في إيجاد الفعل الذي تعلقت به مشيئته التابعة لمشيئة الله تعالى فنختار أنها كذلك.) قولكم (يلزم سلب صفتها النفسية إن لم تؤثر وكان الموجد هو الله تعالى أو غلبتها لقدرته تعالى إن أثرت وأراد الله تعالى أن يوجده بقدرته وكلا الأمرين محال. قلنا لا يلزم شيء من المحالين لأن الفعل الذي تعلقت به مشيئة العبد إن تعلقت به مشيئة الحق تعالى أيضاً فلا يمكن أن لا تؤثر لأن القدرة صفة تؤثر على وفق مشيئة العبد التابعة لمشيئة الله تعالى فلا يتخلف تأثيرها عن تعلق المشيئة الإلهية فلا يلزم سلب الصفة النفسية ولا غلبتها لقدرة الله تعالى لأن الله تعالى قد شاء ذلك أي أن يقع ذلك الفعل بواسطة قدرة العبد فلا بد من وقوعه بقدرته بمشيئة الله تعالى فلم يقع إلا ما شاء الله تعالى أن يقع لكن بواسطة قدرة العبد التي هي من آثار قدرته عز وجل لحكمة مع الغنى عن ذلك. فما شاء تعالى كان بواسطة أو بلا واسطة. وما لم يشأ لم يكن. فلا غلبة ولا سلب للصفة النفسية. وإن كان الفعل الذي تعلقت به مشيئة العبد لم تتعلق به مشيئة الله تعالى فلا يمكن أن تؤثر قدرة العبد فيه أصلاً إذ لا تؤثر على وفق مشيئته إلا إذا كانت تابعة لمشيئة الله تعالى فإذا انفردت فلا تأثير إذ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فلا يتصور الغلبة إلا على فرض أن تتعلق مشيئة الحق تعالى بغير ما تعلقت به مشيئة العبد. والإمام لا يقول بتأثير قدرة العبد فيما لم تتعلق به مشيئة الحق تعالى لتصريحه بأن فعل العبد مقدور مراد الله تعالى فعند اختلاف الإرادتين لا إيجاد لقدرة العبد فلا غلبة لها) والحاصل (أن ما أورده السنوسي من المحذورين لا يلزم شيء منه إلا على تقدير الاستقلال واختلاف تعلق الإرادتين كما هو مذهب المعتزلة القائلين بأن الله تعالى يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء. وأما على تقدير عدم الاستقلال واتفاق المشيئتين. فلا لزوم أصلاً لشيء من المحذرين. وهو ظاهر لمن يرى. والحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى. ولله تعالى در من قال:

تنكب من طريق الجبر واحذر ... وقوعك في مهاوي الاعتزال وسر وسطاً طريقاً مستقيماً ... كما سار الإمام أبو المعالي

واعترض بأنه يفهم مما ذكر صريحاً إن قدرة العبد واسطة في وقوع ما أراده الله تعالى من فعل العبد. والمشهور عن الأشعري نسبة جميع الكائنات إليه تعالى ابتداءاً حتى قال بعض الأشاعرة من قال أن الأسباب تؤثر بقوة أودعها الله تعالى فيها فهو فاسق مبتدع. وفي كفره قولان. وأجيب بأنه كيف يتأتى إنكار الواسطة بعد نحو قوله تعالى) قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم (وقوله تعالى) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض (وقوله عليه الصلوة والسلام) أنا الماحي يمحو الله بي الكفر (وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم) ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي (إلى غير ذلك) وفي شفاء العليل لابن القيم (إن الله تعالى ربط الأسباب بمسبباتها شرعاً وقدراً وجعل الأسباب محل حكمته في أمره الديني الشرعي وأمره الكوني القدري ومحل ملكه وتصرفه فإنكار الأسباب والقوى جحد للضروريات وقدح في المعقول والفطر ومكابرة للحس وجحد للشرع والجزاء فقد جعل الله تعالى مصالح العباد في معاشهم ومعادهم والثواب والعقاب والحدود والكفارات والأوامر والنواهي والحل والحرمة كل ذلك مرتبطاً بالأسباب قائماً بها بل العبد نفسه وصفاته وأفعاله سبب لما يصدر عنه والقرآن مملوء من إثبات الأسباب. وساق الكلام في ذلك. إلى أن قال ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع ولم نقل ذلك مبالغةً بل حقيقةً. ثم قال ويا لله تعالى العجب إذا كان الله تعالى خالق السبب والمسبب. وهو الذي جعل هذا سبباً لهذا والأسباب والمسببات طوع مشيئته وقدرته منقادة لحكمه فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد وأي شرك يترتب على ذلك بوجهٍ من الوجوه إلى آخر ما قال. وذكر العلامة البيضاوي عند الكلام على قوله تعالى) وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات (إنه تعالى قادر أن يوجد الأشياء كلها بلا أسباب ومواد كما أبدع نفوس الأسباب والمواد ولكن له تعالى في إنشاءها مدرجاً من حال إلى حال صنائع وحكماً يجدد فيها لأولي الأبصار عبراً وسكوناً إلى عظيم قدرته ليس في إيجادها دفعة انتهى. وفيه إشارة إلى دفع شبهة الاستكمال بالغير ولزوم التسلسل فتأمل. ومن أقوى ما يستدل به على أن الله تعالى أودع في بعض الأشياء ما أودع كالنار أودع فيها قوة الإحراق لكنها لا تحرق إلا بإذنه قوله تعالى) يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم (فإن النار إذا لم يكن بينها وبين الماء فرق كما زعمت الأشاعرة سوى أنه جرت عادة الله تعالى بالإحراق عندها لأنها ولم تجر عادته سبحانه بالإحراق عند الماء بل جرت بالري أو الإغراق عنده لا به فهما سيان في الخلو عن قوة مودعة فيهما. لكان لها أن تقول يا رب أي شيء أودعت في حتى تقول لي كوني برداً وسلاماً ويدل على التأثير بالأذن قوله تعالى) وما هم بضارين به من أحدٍ إلا بإذن الله (بناءاً على أحد المذهبين في الاستثناء. وكذا يدل عليه غير ذلك مما يطول ذكره. وتأويل جميع ما ظاهره إثبات الواسطة خروج عن دائرة الإنصاف) ثم اعلم (أنه كثيراً ما يسأل في هذا المقام ويقال إن تأثير قدرة العبد إذا كان تابعاً لإذن الله تعالى ومشيئته الفعل تابعة لمشيئة الله تعالى فلم يشاء الله تعالى من العبد الكفر مثلاً ليشاءه العبد فتتعلق بها قدرته وتؤثر على وفق إرادته التابعة ثم يعذبه عليه يوم القيامة وهو سبحانه الذي سبقت رحمته غضبه أن لا تكون بذلك للعبد حجة على ربه عز وجل بأن يقول له سبحانه يا رب أنت الذي شئت كفري مثلاً وما لي بعد مشيئتك متأخر ومتقدم) فيقال (لا بد في الجواب من مقدمة وهو أن للأشياء المعدومة الممكنة ثبوتاً في نفس الأمر ومعنى كونها ثابتة في نفس الأمر أنها ثابتة في نفسها أي أن ثبوتها لا يتوقف على فرض فارض بل ثبوتها في نفسها متحقق من غير فرض وثبوتها في نفسها بهذا المعنى هو ثبوتها في علم الله تعالى باعتبار عدم مغايرته للذات وهذا أحد اعتباري العلم.) وثانيهما (أنه اعتبار ليس عين الذات وبهذا الاعتبار يقال العلم نابع للمعلوم دون الاعتبار الأول لأن التبعية نسبة تقتضي طرفين متمايزين ولو بالاعتبار ولا تمايز عند فرض عدم المغايرة اعتباراً بخلافه على الاعتبار الآخر لتحقق التمايز النسبي عليه المصحح للتبعية والمعلوم الذي يتبعه العلم هو ذات الحق تعالى بجميع شؤونه ونسبه واعتباراته. ومن هنا يقول المحققون علمه

تعالى بالأشياء أزلاً عين علمه بنفسه. ثم أن ماهيتها غير مجعولة أي أنها بذواتها ليست أثر الفاعل لأن ذواتها هي المعدومات الثابتة في نفس الأمر والثبوت في نفس الأمر لها أزلي لتوقف تعلق العلم الأزلي بها على تمايزها المتوقف على ثبوتها وما توقف عليه التعلق الأزلي فهو أزلي بالضرورة ولا شيء من الأزلي بمجعول. لأن الجعل تابع للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم الثابت. فالثبوت متقدم على الجعل بمراتب فلا تكون الماهيات من حيث الثبوت أثراً للجعل والإكثار وإنما تكون مجعولة في وجودها لأن وجود العالم حادث وكل حادث مجعول. والحاصل لا مجعول إلا الصور الوجودية للأشياء وأما حقائقها فلا صور لها في الأزل وجودية ولا خارجية ولا مثالية مرتسمة في ذات الحق تعالى حادثة بالحدوث الذاتي كما ثيل بل هي نسب واعتبارات أزلية أعني أنها أعيان النسب والاعتبارات الأزلية التي هي أمور عدمية ثبوتية لا صور وجودية مثالية. ثم أن ثبوتها النفس الأمري كافٍ لتعلق العلم الأزلي بها وانكشافها للحق تعالى فهي بذواتها منكشفة له تعالى من غير حاجة إلى صور مثالية مرتسمة فيه أو في العقل الأول على ما يزعمه بعض جهلة الفلاسفة. ثم أن الصور الوجودية الخارجية للأشياء إنما تجعل لها على وفق ما هي عليه في نفس الأمر فهي في الأزل طالبة لها بلسان استعدادها فيما لا يزال وحيث أنه سبحانه كريم. وجواد حكيم. يفيض عليها ما طلبته ويعطيها ما هي عليه في نفس الأمر كما يشعر بذلك قوله تعالى) أعطى كل شيء خلقه (حيث أضاف سبحانه الخلق إلى ضمير الشيء ولم يقل سبحانه خلقاً والحكمة تأبى أن يعطى الشيء ويفيض عليه خلاف ما هو عليه في نفس الأمر) إذا علمت ذلك (فمشيئة الله تعالى كفر الكافر مثلاً لأن استعداده الأزلي طلبه والحكمة اقتضته فما كان الله تعالى ليمنعه إياه وإن أضر به ولذا قال سبحانه) وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (وقال عليه الصلوة والسلام) فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه (ويظهر حقيقة ذلك للعصاة يوم القيامة. ومن هنا يقول الكفار) غلبت علينا شقوتنا (ويقول إبليس لأهل النار) لا تلوموني ولوموا أنفسكم (فالكافر مثلاً لا بد أن يعصي ويكفر وإلا لزم انقلاب العلم جهلاً وهو محال ولذا قال سبحانه في حق الكفرة المعذبين) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه (لكنهم لا يعصون إلا باختيارهم وهم مجبورون في عين الاختيار) لا يقال (إذاً يلزم التكليف بالمحال ضرورة إن كل فعل للعبد اقتضى استعداده الأزلي أنه لا يقع ممتنع الوقوع تحقيقاً لكون العلم تابعاً للمعلوم كاشفاً له كشفاً إحاطياً دفعاً للانقلاب) لأنا نقول (مدار التكليف على الإمكان العقلي والإيمان من الممكنات العقلية وإنما كلف الله سبحانه الكفار وأرسل إليهم الرسل وهو عز وجل يعلم سوء اختيارهم الذي اقتضاه سوء استعدادهم الأزلي الغير المجعول وكذا سائر المكلفين لاستخراج سر ما سبق به العلم التابع للمعلوم من الطوع والآباء في المكلفين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فإن الله تعالى لو أدخل كلاً داره التي سبق العلم بأنها داره لربما كتموا ما ينكشف من حقيقة الحال أو غفلوا عنه أو تشبثوا بالاعتراض قبل الانكشاف فكان شأنهم ما وصفه الله تعالى بقوله) ولو إنا أهلكناهم بعذابٍ من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى (فأرسل عز وجل رسله مبشرين ومنذرين ليستخرج ما في استعدادهم من الطوع والإباء.) ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (وتقوم به الحجة على الآخرين إذ بعد الذكرى وتبليغ الرسل تتحرك الدواعي للطوع والأباء بحسب الاستعداد الأزلي فيترتب عليه الفعل أو الترك بالمشيئة التابعة للعلم التابع للمعلوم الثابت الأزلي. فيترتب عليه الضر والنفع من الثواب والعقاب. فمتى قال الكافر مثلاً يا رب لم شئت كفري حتى شئته أنا وفعلته فعذبتني قال الله تعالى له لم أشأ ذلك إلا لسبق علمي بك كافراً في حد ذاتك فما أنت والكفر إلا كالأربعة مثلاً والزوجية من وجهٍ فأبرزتك حسبما علمتك وعلمنك حسبما أنت عليه ومع ذا لم أمنعك فضلي فأرسلن إليك رسلي مبشرين ومنذرين. مرغبين ومرهبين. فأبيت إلا الكفر فأي قصور مني في رعايتك. وأي بخل يروى عني بأسباب هدايتك. ومتى قال

يا رب كان عليك أن لا تخلقني وتدعني جليساً في زوايا العدم وتتركني. يقول الرب يا عبدي شأني الجود. وإفاضة الوجود. لا سيما وقد طلبته مني بجميع شراشرك. واقترحته علي بباطنك وظاهرك. وأنا الملك الحكيم. والرب الكريم. والإيجاد في نفسه رحمة. ولا يضر في ذلك أنه قد يترتب عليه نقمة. لا سيما إن كان ذلك مما تقتضيه الحكمة) قال الشيخ محيي الدين قدس سره (هذا يعني طلب الاستعداد الأزلي الغير المجعول لما يكون عليه العبد في الخارج هو حجة الله تعالى البالغة المذكورة في قوله تعالى) ولله الحجة البالغة (وإلى ذلك الطلب يشير ما حكي من أن علياً كرم الله تعالى وجهه دخل يوماً على عمر رضي الله تعالى عنه فرآه مغموماً فقال له ما عراك يا أمير المؤمنين فقال خوف سوء الخاتمة. فقال أما أنا فخوفي من سوء الفاتحة. فافهم ذاك. والله تعالى يتولى هداك.) لا يقال (يترائى من خلال الكلام أن للعلم التابع للمعلوم مدخلاً في وجود الفعل وامتناعه وسلب القدرة والاختيار ويلزم ذلك أن لا يكون الله عز وجل فاعلاً مختاراً لكونه سبحانه عالماً بأفعاله وجوداً وعدماً وهو خلاف مذهب المسلمين) لأنا نقول (ذاك غير لازم لأن الله تعالى غني بالذات عن العالمين ومقتضى غناه عنهم أن لا يكون صدور شيء من أجزاء العالم لازماً لذاته وكلما كان كذلك جاز أن يرجح ما شاء منها لداع أو غير داع لأن الله تعالى غني حميد وكلما. كان له سبحانه الترجيح لما شاء من طرفي الممكن بالنظر إلى ذاته الغني عن العالمين كان فاعلاً مختاراً في الترجيح لا يتعين عليه ترجيح أحد الطرفين بخصوصه. وهذا هو الاستقلال في الاختيار لكن الله تبارك وتعالى مع استقلاله في الاختيار لا يرجح إلا ما اقتضته الحكمة. لما يقتضيه الجود والرحمة. من مراعاة مقتضى الحكمة. فهو تعالى بالنظر إلى غناه الذاتي مستقل في الاختيار يرجح أي طرف شاء وبالنظر إلى ما سبق به العلم من ترجيح ما اقتضته الحكمة بمقتضى الجود والرحمة لا للوجوب عليه سبحانه لا يرجح إلا أحد الطرفين على التعيين. ولا مناقاة بين الاعتبارين لأن الاستقلال في الاختيار بالنظر إلى الغنى الذاتي والتعيين بالنظر إلى مراعاة الحكمة فلا يلزم من تعيين أحد الطرفين بالترجيح نظراً إلى سبق العلم لمراعاة الحكمة أن لا يكون مستقلاً بالاختيار في الترجيح من غير تعيين نظراً إلى غناه الذاتي وأما العبد فليس له جهة الغنى الذاتي حتى يصح له الاستقلال بالاختيار بوجهٍ ما فإنه فقير بالذات إلى الله تعالى الغني بالذات في أصل وجوده وكمالاته النابعة لوجوده التي منها قدرته وإرادته إذ لا فعل إلا بقوة بالضرورة ولا قوة إلا بالله بالنص المتواتر. ثم أنه لا يفعل إلا ما يشاء بالضرورة ولا يشاء إلا ما يشاء الله فلا يفعل إلا ما يشاء الله تعالى ولا يشاء الله سبحانه إلا ما سبق به العلم لأن الإرادة نابعة للعلم ولا سبق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه لمكان التبعية فلا يفعل العبد إلا ما يقتضيه استعداده الأزلي وليس في استطاعته ترجيح غير ذلك فإنه لا ترجيح له بالنظر إلى ذاته إذ لا ترجيح له إلا بالله وإلا جاز الانقلاب وكلما كان كذلك بطل استقلال العبد بوجهٍ ما في الاختيار في الطوع والإباء. واتضح الفرق بين الحق عز وجل والخلق وانكشف الغطاء. والحمد لله تعالى الذي نور الأرض والسماء. قاله العلامة الكوراني) وبالجملة (ما أبرز سبحانه ولا يبرز شيئاً من خزائن علمه إلا موافقاً لما هو عليه في نفسه وذلك عين الحكمة فهو عز وجل لا يسأل عما يفعل لأنه لا يفعل ما يسأل عنه لحكمته جل شأنه. وعز سلطانه. وليس نفي سؤاله تعالى عما يفعله لمجرد عظمته وجبروته أي أنه لا يجبر أحد أن يسأله الرهبة منه إذ ذاك شأن كثير من الملوك الظلمة فأي تمدح فيه ولو شاء سبحانه لهدى الناس جميعاً لكنه جل وعلا لم يشأ ذلك لأنه خلاف ما سبق به العلم التابع للمعلوم فقول الذين أشركوا) لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء (كلمة حق أرادوا بها باطلاً ولا يصح أن يكون حجة لهم على الله تعالى لما أشرنا إليه من أن مشيئته تعالى تابعة لعلمه التابع للمعلوم على ما هو عليه فانتقاء مشيئة عدم إشراكهم وتحريمهم ليس إلا من قبلهم وذلك سوء استعدادهم الأزلي الغير المجعول. وقد أشار سبحانه إلى ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع

وهو شهيد بقوله عز من قائل) كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين (أي دون الهداية والإيصال إلى الحق فإن ذلك مربوط بالاستعداد الأزلي الغير المجعول. وبعلم من إمعان النظر في جميع ما ذكرنا السر في قوله تعالى) ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس (وقوله تعالى) وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون (وقوله سبحانه) وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً (إلى غير ذلك. بل تنحل بذلك وتندفع اعتراضات إبليس عليه اللعنة المذكورة في كتاب الملل والنحل للشهرستاني وغيره على الله تعالى حين أبى واستكبر وطرده من حضرته. ويتضح كون قوله تعالى عقبها) يا إبليس ما عرفتني ولو عرفتني ما اعترضت علي (جواباً شافياً. ورداً وافياً. ثم أن هذه المسألة أعني مسألة خلق الأفعال من أعظم المسائل. وكم للعلماء فيها من كتب ورسائل. وأكثر من ألف فيها تذكرة العلامة الثاني. شيخ مشايخنا الشيخ إبراهيم الكوراني. وقد رأيت له فيها سبع رسائل. وقد رد في معظمها سهام المناضل. وأظن أن النزاع فيها الوالخصام قائم بين العلماء إلى يوم القيام. وما ذكرته قل من جل. وغيض من فيض. وفيه مناقشات كثيرة للخصوم. ومما يناقش فيه منه شيئية المعدوم. وقد كفانا أمرها الكوراني في كتابه جلاء الفهوم. هذا وأسأل الله تعالى التوفيق. إلى أقوم طريق. ) ومنها (ما جرى في قوله تعالى) عاليهم ثياب سندسٍ خضر (حيث سأل عن نصب عاليهم بقوله: أيا علامة بين الن ... حات حوى معاليهم ابن لا زلت مرفوعاً ... على ما نصب عاليهم فأجبت في الحال. إنه كثير على الحال. وفي ذلك اختلاف كثير. ذكرته في التفسير.) ثم أني (سألت سيبويه أقرانه. وكسائي زمانه. المعول عليه في المسائل الفقهية والنحوية. السيد محمد أفندي واعظ الحضرة القادرية. فأجاب بقوله: سألت إمام أهل الفض ... ل دانيهم وقاصيهم وشيخ الكل في كل العلو ... م على ما نصب عاليهم على حالية نصبوه من ... هم في عليهم نلت نائلهم ومن رفعوا لذاك أرى ... عني الأخبار تاليهم

وفي تفسيرنا روح المعاني) قيل (عاليهم ظرف بمعنى فوقهم. وهو خبر مقدم لثياب. والجملة حال من الضمير المجرور في عليهم. فهي شرح لحال الأبرار المطوف عليهم. وقال أبو حيان أن عالي نفسه حال من ذلك الضمير وهو اسم فاعل وثياب مرفوع على الفاعلية به ومثله في ذلك عالية ويحتاج في إثبات كونه ظرفاً إلى أن يكون منقولاً من كلام العرب عاليك ثوب مثلاً وقيل حال من ضمير لقاهم أو من ضمير جزاهم وقيل حال من الضمير المستكن في متكئين والكل بعيد. وجوز كون الحال من مضاف مقدر قبل نعيماً وقبل ملكاً أي رأيت أهل نعيم وأهل ملك عاليهم الخ. وهو تكلف غير محتاج إليه. وقيل صاحب الحال الضمير المنصوب في حسبتهم فهي شرح لحال الطائفين. ولا يخفى بعده لما فيه من لزوم التفكيك ضرورة أم ضمير سقاهم فيما بعد كالمتعين عوده على الأبرار. وكونه من التفكيك مع القرينة المعينة وهو مما لا بأس به ممنوع) واعترض (أيضاً بأن مضمون الجملة يصير داخلاً تحت الحسبان وكيف يكون ذلك وهم لابسون الثياب حقيقة بخلاف كونهم لؤلؤاً فإنه على طريق التشبيه المقتضي لقرب شبههم باللؤلؤ أن يحسبوا لؤلؤاً) وأجيب (بأن الحسبان في حال من الأحوال لا يقتضي دخول الحال تحت الحسبان.) إلى أن قلت (وعلى كل حال هذه الثياب لباس لهم وربما تشعر الآية بأن تحتها ثياباً أخرى. وقيل على وجه الحالية من متكئين. إن المراد فوق حجالهم المضروبة عليهم ثياب سندس. وحاصله أن حجالهم مكللة بالسندس والاستبرق. وقرأ ابن عباس بخلافٍ عنه. والأعرج وأبو جعفر وشبيبة وابن محيصن ونافع وحمزة عاليهم بسكون الياء وكسر الهاء وهي رواية إبان عن عاصم فهو مرفوع بضمة مقدرة على الياء على أنه مبتدأ وثياب خبره وعند الأخفش فاعل سد مسد الخبر. وقيل على أنه خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر وأخبر به عن النكرة لأنه نكرة وإضافته لفظية وهو في معنى الجماعة كما في) سامراً تهجرون (على ما صرح به مكي ولا حاجة إلى التزامه على رأي الأخفش. وقيل هو باقٍ على النصب والفتحة مقدرة على الياء. وأنت تعلم أن مثله شاذ أو ضرورة. فلا ينبغي أن يخر عليه القراءة المتواترة. وقرأ ابن مسعود والأعمش وطلحة وزيد بن علي. عاليتهم بالياء وبالتاء المضمومة وعن الأعمش أيضاً وأبان عن عاصم فتح التاء الفوقية وتخريجهما كتخريج عاليهم بالسكون والنصب. وقرأ ابن سيرين ومجاهد في رواية وقتادة وأبو حيوة وابن أبي عبلة والزعفراني وأبان. عليهم جاراً ومجروراً فهو خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر. وقرأت عائشة علتهم بتاء التأنيث فعلاً ماضياً فثياب فاعل. انتهى مكا تعلق الغرض بنقله في هذا المقام.) وأنا الآن (أميل إلى أن عالي بالنصب ظرف بمعنى فوق. وهو خبر مقدم لثياب. وأن الجملة صفة ثالثة لولدان أو حال من ضمير هم في حسبتهم. ومتى ظهر المعنى. لا بأس بالتفكيك. ومع ذلك مكابرةً فهو أكثر من أن يحصى ولزوم دخول الحال في حيز الحسبان قد سمعت جوابه. وإذا جعل على هذا ضمير وخلوا أساور من فضة وفسر مخلدون بمقر طون بخلدة. تكون الآية متضمنة لوصف الخدم على أتم وجه. ويعلم منه بالأولى حسن حال المخدومين وأنه مما لا تفي عبارة بتفصيله. وما أورد على القول بالظرفية من أنه يحتاج في إثبات ذلك إلى أن يكون منقولاً من كلام العرب عليك ثوب ممنوع بل يكفي في ذلك ورود عالٍ بمعنى فوق. وقد ورد ذلك. قال في القاموس) أتيته من عل بكسر اللام وضمها ومن علا ومن أعالٍ أي من فوق انتهى (. على أنه لا يبعد أن يكون القائل بذلك القول قد وقف على ورود عاليك ثوب عن العرب فتجاسر على حمل ما في الآية على حمل ما عليه. فليتأمل. ) ومنها (ما جرى في سؤاله سأله بقوله: أيا من سار برق الفكر منه ... مسير الشمس في شرق وغرب لنا رجل له رجل تقوى ... بها في مشيه بطريق غصب أيفرض غسلها عند التوضي ... أفيدونا جزيتم خير ربي فقلت ارتجالاً وإن لم يكن على وزن كلامه: أمولاي تلك الرجل يفرض غسلها ... عداك الردي عند الوضوء أو الغسل ) فقال (ما صورة الغصب) فقلت (صورته فيما إذا استحقت القطع شرعاً ولم يمكن صاحبها منه. وسألت بعد الواعظ السابق ذكره فأجاب بقوله: أيا شمس المعارف ما اعتراها ... كسوف قط في شرقٍ وغرب سألت أسيدي عن رجل شخص ... غدا ماشٍ بها بطريق غصب

أيفرض غسلها عند التوضي ... نعم فرض بلا شك وريب بإجماع وإن الخلف فيمن ... له خف تخففها بنهب فعند أبي حنيفة جاز مسح ... عليها كالتي ملكت بكسب وأحمد لا يجيز المسح فيها ... كذا عن كتبه نقلوه صحبي وصورة غصب رجل إن شخصاً ... تعمد ضرب إنسانٍ بغضب فقد الرجل منه فاستحقت ... لقطع رجله في حكم ربي ففر ولم يمكنه قصاصاً ... وباء بخيبة وعظيم ذنب وفي إطلاق مغصوبٍ عليها ... مساهلة يراها كل ندب ودم مولاي أعلى من ذويك ال ... كرام الغر كعباً أي كعب فتسعى نحو كعبتك المعالي ... كما يسعى إلى الحرم الملبي تنادي لا على قدمي أسعى ... إليها بل على رأسي ولبي ومن الغريب ما رأيته في بعض كتب الحنابلة من الخلاف في صحة صلوة من وجب عليه قطع اليد للسرقة أو نحوها ولم يمكن منه.) نعم (الصحيح عندهم الصحة واتفقوا على عدم صحة الصلوة في الثوب المغصوب أو الأرض المغصوبة. والمسألة مفصلة في كتب الأصول والفروع والله تعالى أعلم. ) ومنها (ما جرى في سؤال سأله بقوله: يا أيها المفتي الذي ... علم الفروع له انتسب أي احتلام يعتري ... والغسل منه ما وجب فقلت: مولاي ذا الفضل الذي ... منه الورى نالوا الأدب ذاك احتلام أول ... به البلوغ قد وجب وذاك في قولٍ لهم ... ما سامه ذوو الرتب وفيه إشارة إلى أن القول بعدم وجوب الغسل بأول مني خارج تحقق به البلوغ لا يعول عليه. والأصح) كما في إمداد الفتاح وغيره (وجوب الغسل منه. ومن الناس من أجاب بأن ذاك احتلام انتبه صاحبه فمسك ذكره حتى هدأت شهوته ثم أطلقه فسأل المنى بلا شهوة. وأنت تعلم أن في عدم وجوب الغسل في هذه الصورة خلافاً أيضاً فلا تغفل. ) ومنها (ما جرى في سؤال سأله بقوله: يا أيها المفتي الذي ... بعلمه له العمل للمرء هل شكر إذا ... طعام ظالم أكل فأجبت على غير ذلك البحر: أمولاي إن الشكر للمرء قد أتى ... على الرزق نصاً وهو للسحت قد شمل وخالف في ذاك الشمول جماعة ... وقولهم قد رده السادة الول فلا بأس في شكر امرئٍ ربه على ... طعام لذي ظلم دعاه إذا أكل وسألت الواعظ أيضاً فأطال في الجواب ومنه قوله: يا أيها المولى الذي ... بفضله فاق الأول سألت عن شكر امرئٍ ... طعام ظالم أكل نعم يجوز شكره ... وإن يكن ذا غير حل ذكره في قنيةٍ ... ورد محتار نقل ذلك عنها وهي لا ... تخفى على من قد سأل انتهى المراد منه. ثم أنه قد خاض في أمر التسمية على الحرام وذكر أنه كفر ثم أبدى الفرق بين التسمية على الحرام والشكر عليه بأن التسمية قد شرعت في أول الأمر ذي البال والمحرم ليس منه مع أنه قد حظرها الشارع فيه والشكر قد شرع على الرزق والحرام منه عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة. وأنا أقول في أمر التسمية على الحرام أنه قد شاع الإكفار بالتسمية غليه والذي اطلعت عليه من تتبع كتب الحنفية والشافعية أن المسألة خلافية فيها عدة أقوال) أحدها (ما سمعت) وثانيها (أن الحرمة إن كانت أصلية كحرمة لحم الخنزير وحرمة الخمر فالتسمية على الذي فيه الحرمة كذلك كفر وإن كانت غير أصلية كحرمة الخبز واللحم المغصوب فالتسمية على المحرم بها ليست بكفر وإنما هي مكروهة) نعم (يكفر بالتسمية إذا قصد الاستخفاف لكن هذا أمر آخر) وثالثها (إن التسمية على الحرام مطلقاً وعلى المكروه مكروهة ولا يلزم من كون المحرم غير ذي بال كون التسمية عليه كفراً. فحمل تبنة مثلاً من الأرض كذلك. مع أن التسمية عليه ليست بكفرٍ إجماعاً. ويخطر لي أني رأيت في بعض الكتب أن هذا هو القول المصحح عند الشافعية وإلى هذا القول أميل. وإياه أختار. ولا شيء عندي أخطر من الإكفار. وساداتنا الحنفية قد تساهلوا في أمره حتى أن منهم من أكفر القائل لمن في الباب أو لمن حظر طعاماً مثلاً باسم الله كما اعتاده كثير من الناس والحق أن ذلك ليس من الكفر في شيءٍ ومثل ذلك عندهم كثير. مع تصريحهم بأن أمر الإكفار خطير. والله تعالى أعلم. ) ومنها (ما جرى في سؤال سأله بقوله:

يا بحر جود ما له ساحل ... يقذف بالدر علينا الثمين ما القول فيما يأخذ حكامنا ... لدى القضا من حجيج المسلمين وصار محصول القضا عندهم ... أطيب من كسب بكد اليمين منوا بما يدفع إشكالنا ... لا زلتم خادمي شرعٍ مبين ) فأجبت (: مولاي ما يؤخذ في عصرنا ... محرم في شرعة المسلمين فليس للقاضي سوى أجرة آل ... مثل ولكن من سوى القاصرين ومعظم الحكام يشكوهم ... من خبثهم دين النبي الأمين غاروا على مال اليتامى ضحىً ... فانتهبوا كل نفيس ثمين إلى أمورٍ عارها ظاهر ... أقلها تحريف شرع مبين قد أوجبت والله أفعالهم ... في ديننا طعناً من الملحدين فما يريح الدين منهم سوى ... صاعقة تصعقهم أجمعين وسألت الواعظ أيضاً فأجاب. وأطال في الجواب. ولعلنا نذكر ذلك في ترجمة شيخ الإسلام والله تعالى الموفق.

) ومنها (ما جرى في حل العويصة الشهيرة بالجذر الأصم ولها تقريرات أربع) أحدها (أنه إذا قال أحد) كل كلامي في هذه الساعة كاذب (ولم يتكلم في تلك الساعة بغير هذا الكلام أو تكلم بغيره ولم يتكلم إلا بالكاذب لزم من ذلك الكلام اجتماع الصدق والكذب أو اجتماع الكذب مع ارتفاعه أو ارتفاعهما معاً مع ثبوت الكذب له. لأنه لا يخلو أما أن يكون صادقاً أو كاذباً أو لا صادقاً ولا كاذباً. ولا خفاء في أن صدقه مستلزم لكذبه وكذبه مستلزم لسلب الكذب عنه أو ثبوت الصدق له وعدم صدقه مع عدم كذبه مستلزم لكذبه) وثانيها (أنه إذا قال أحد يوماً أن الكلام الذي أتكلم به غداً كاذب ولم يتكلم في ذلك اليوم بغير هذا الكلام أو تكلم بكلام صادق ثم اقتصر في الغد على قوله أن ذلك الكلام الذي تكلمت به أمس صادق أو تكلم بكلام كاذب معه لزم من صدق كلٍ من هذين الكلامين أي الأمسي والغدي كذب الآخر وبالعكس فيلزم اجتماع الصدق والكذب في كل منهما) وثالثها (أنه إذا قال أحد) بعض كلامي كاذب (ولم يصدر منه كذب أصلاً لزم من صدق هذا القول كذبه ومن كذبه صدقه فلزم اجتماع الصدق والكذب فيه) ورابعها (أنه إذا قال أحد) أنا كاذب (ولم يصدر عنه كذب أصلاً لزم من صدق هذا القول كذبه ومن كذبه صدقه فلزم اجتماع الصدق والكذب فيه) فإنه قال لي يوماً (ما تقول في المعظلة الشهيرة بالجذر الأصم. فقلت لم أسمع فيها جواباً واضحاً والمولى أعلم. وذكرت بعض ما كنت اعتمدته في الأجوبة العراقية. مع أنه لاح لي فيه بعد مناقشات قوية. فقال لا إشكال في البين. فقد يتصف الشيء بالضدين باعتبارين مختلفين. فقلت قد حير هذا الجذر الأصم الفحول. وكم أخرس كل منطيق قؤول. وقد قال العلامة التفتازاني هذه معضلة تحير في حلها عقول العقلاء. وفحول الأذكياء. ولقد تصفحت الأقاويل. فلم أظفر بما يروي الغليل. وتأملت كثيراً فلم يظهر لي إلا أقل قليل. ثم قال. بعد أن ذكر ما ظهر له من المقال. لكن الصواب. عندي في هذه القضية ترك الجواب. والاعتراف بالعجز عن حل هذا الإشكال) وأقول الآن (قد أجاب صاحب القسطاس بجوابين. فقال حل الشبهة بوجهين.) أحدهما (إنا نختار كذب القضية ولا يلزم من كذبها إلا صدق بعض الكلام المعدوم) وثانيهما (أن المخبر عنه في القضية إنما يتعين بإرادة المخبر فإن أراد بقوله كل كلامي غير هذا فلا يلزم اجتماع الصدق والكذب فيه. وإن أراد هذا الكلام فكأنه تكلم بهذا الكلام أولاً وقال ثانياً أنه كاذب. فقد جمع في هذا الكلام خبرين أحدهما صادق. والآخر كاذب.) واعترض الأول (بأنه إنما يصح لو أن كانت القضية حقيقية وأما إذا حملت على الخارجية كما هو مراد المشكك فلا حاجة إلى بيان هذا الجواب.) واعترض الثاني (وهو حاصل جواب العلامة التفتازاني على ما قال الخفري بأن المتكلم إنما تكلم بكلام واحد فيلزم فيه اجتماع الصدق والكذب. ونقل أن ابن كمونة كتب في جواب الكاتبي حين استفسره عن هذا الإشكال) أقول (لا نسلم أنه إما أن يكون كلامه في هذه الساعة كاذباً أو صادقاً فإن الحصر ممنوع. فإن قيل هذا خبر وكل خبر لا يخلو منهما إذ بذلك يمتاز التركيب الخبري عن سائر المركبات) أقول (لا نسلم أن امتيازه عن غيره بذلك بل بأن يكون محتملاً للصدق والكذب. واحتمال الصدق والكذب لا ينافي أن لا يكون في نفسه أحدهما. هذا ما سنح لي. وأسأل أن ينظر فيه مولانا حرسه الله تعالى انتهى.) وأورد عليه (أنه لما سلم أنه خبر لزمه تسليم حصره في الصادق والكاذب وذلك لأن هذا الخبر فرد لموضوعه فلا يخلو أما أن يتحد بالكاذب أولاً. وعلى الأول لزم الصدق وعلى الثاني لزم الكذب. وعلى التقديرين لزم ما لزم في تقرير الإشكال) وأجاب الكاتبي نفسه (بأن صدق تلك القضية باجتماع الصدق والكذب فيكون كذبها بانتفاء هذا المجموع ولا من انتفاء هذا المجموع صدقها لجواز أن يكون انتفاؤه بثبوت الكذب وانتفاء الصدق. وأورد عليه إن صدق القضية إنما هو بمثبوت المحمول الذي هو الكذب لفرد موضوعها الذي هو نفسها فيكون مستلزماً لصدقها لا محالة. ونقل عن العلامة الجرجاني أنه قال في حلها لا شبهة في أن الإشارة إلى الشيء لا يمكن أن يدخل فيها نفسها فلا يكون هذا الكلام من أفراد موضوعه المحكوم عليها بالكذب وبذلك تنحل الشبهة. وأورد عليه أنه لا خفاء في أنه يمكن أن تكون الإشارة إلى إفراد موضوع

قضية بحيث يدخل فيها نفس تلك القضية نحو كل كلامي في هذه الساعة كلام فإنه لا شبهة في اندراج هذه القضية في إفراد موضوعها ولا في صدقها وذلك لأن الحاكم بالخبر لا يشير إلى خصوص فرد الموضوع بل إفراده المتصفة بالعنوان فكل ما له صفة العنوان اندرج فيها سواء كان نفس القضية أو غيرها. وأيضاً الحكم في القضايا إنما يكون على المعلوم بالذات بحيث يسري إلى إفراد الموضوع الموجود في نفس الأمر إن كان لها وجود في نفس الأمر فجار أن يندرج فيها نفس القضية كما في المثال المذكور ونحوه) وقال بعض المحققين في حلها (إن قول القائل كل كلامي في هذه الساعة كاذب إنما يكون صادقاً أو كاذباً إن لو كان خبراً وليس كذلك إذ حقيقة الخبر هو الحكاية عن النسبة الخارجية أما على الوجه المطابقي وحينئذ يكون صادقاً. وأما على الوجه المخالف وحينئذ يكون كاذباً فحيث تنتفي الحكاية عن النسبة الخارجية لا يتحقق الخبر. وقول القائل كل كلامي في هذه الساعة كاذب إذا جعل إشارةً إلى نفس الكلام لا تكون تلك النسبة الذهنية التي هي مدلول حكايةً عن نسبة خارجية أصلاً. وإذا لم يشر بها إلى خارج فلا يكون خبراً حقيقة.) وتعقبه الخفري (بأنه لا خفاء في أن اللفظ كلامي معنىً محصلاً وكذا للكاذب وبين كل معنيين من المعاني نسبة في الخارج فالكلام المشتمل على النسبة الخبرية المعتبر بين ذينك المعنيين سواء كانت إيجابية أو سلبية لم يخل عن الصدق والكذب لأنه إن اعتبر فيه مثلاً النسبة الإيجابية فبينهما أما إيجاب فلزم الصدق أو سلب فلزم الكذب. فيكون لكل كلامي في هذه الساعة واقع. فمدلوله الحقيقي حكاية عن ذلك الواقع لكونه مشتملاً على النسبة الإيجابية التي من شأنها تلك الحكاية فيكون خبراً لا محالة وكيف وقد حكم فيه بالاتحاد بين معنيي كل كلامي وكاذب. وليس معنى الخبر إلا ذاك. وليس من شرط الخبر أن مطابقته تحصل بدون اعتباره في نفسه كما إذا قال أحد كل ما يكون كلامي اليوم فهو مشعر بنطقي ولا يقول في اليوم إلا هذا فإنه لا شك في صدقه. وصدقه لا يكون إلا بمطابقته للواقع الذي هو حاصل اعتباره. فخلاصة دفع هذا الجواب أنه لا شبهة في أن هذا الكلام مشتمل على نسبة ولا في أن هذه النسبة إيجابية لكونها مدلولة للتركيب الخبري المستعمل في الحقيقة ولا في أن لتلك النسبة الخارجية التي هي واقعها الحاصل باعتبار نفسها على نحو حكاية التركيبات الخبرية فيكون هذا الكلام خبراً ومخبراً عن حال نفسه على نحو الإخبار في قولنا كلامي في هذه الساعة مؤلف. أو غير مؤلف ولا يخرج عن الصدق والكذب على ما عرفت. فاندفع ما قاله المجيب مما حاصله أن مراد من قال أنه إنشاء أنه لا يحتمل الصدق الكذب باعتبار خصوص محموله الذي هو الكذب. ولا يخفى عليك أن هذا الجواب إذا جعل جواباً عن هذا الإشكال على ثاني احتمالي التقرير الأول مثلاً. لزم أن يلتزم قائله أن هذا الكلام خبر بالنسبة إلى الأقوال الكاذبة غيره. فيلزم أن يكون هذا الكلام الذي هو أمر واحد بالشخص إنشاءً على تقدير أول احتمالي التقرير الأول وخبراً على تقدير ثاني احتماليه ولا يخفى فساده انتهى. وللبحث فيه مجال) وأجاب المحقق (صدر الدين الشيرازي بما طول ذكره. وتعقبه الخفري أيضاً بما تعقبه) وبالجملة (إن هذا الفاضل نقل في حل تلك المغلطة تسعة أوجه وأرجعها إلى خمسة وردها كلها ثم ذكر أوجهاً ارتضاها. وكف كف الفساد عن أن ينال جناها. منها أنه يختار كذب القضية فيكون هناك أمران متغابران بالاعتبار) أحدهما (معروض الكذب وهو قضية أحد طرفيها كاذب والآخر أمر محكوم عليه بالكذب وهو في الخارج عين تلك القضية) وثانيهما (ما هو مسلوب عنه الكذب المحمول في تلك القضية من حيث هو داخل فيها وهو وإن كان نفس تلك القضية لكن لا من حيث هي مشتملة على نفسها وعلى الكذب بل من حيث هي مشمولة لنفسها فلا يلزم اجتماع الكذب وسلب الكذب في شيء واحد بحيث يتنافيان فتأمل) ومنها (إن لهذه القضية حيثيتان) إحداهما (أنها قضية قد حكم بالكذب فيها على فرد موضوعها الذي هو نفسها بالسراية فهي بهذه الحيثية نازلة منزلة مجموع زيد قائم) وثانيهما (أنها هي محكوم عليه بالعرض فهي بهذه الحيثية نازلة منزلة زيد في زيد قائم ولا يصح أن تتصف بهذه الحيثية بشيءٍ من الصدق والكذب. إذا تقرر هذا فنقول نختار كذبها وكذبها إنما

يكون ثابتاً لها من حيث هي محيثة بالحيثية الأولى. وقولك كذبها مستلزم لسلب الكذب عنها من حيث هي متحيثة بالحيثية الثانية. على أن من حيث متأخر عن السلب على نحو ما قال الحكماء من أن العوارض مسلوبة عن الماهية من حيث هي فلا يلزم محذور. ثم ذكر ما ذكر وأردفه بعباراتٍ ثلاثٍ لإزالة الريب) ثالثتها (التي زعم أن المدار في حل الشبهة عليها أن الحكم في هذه القضية على فرد موضوعها الذي هو نفسها في نفس الأمر أي بدون اعتبار الحكم عليها بخصوص الكذب. ولا خفاء في أن هذه القضية بدون اعتبار الحكم عليها بخصوص الكذب لا يصح اتصافها بالكذب فهذه القضية باعتبار الحكم عليها بخصوص الكذب يثبت لها الكذب وبدون ذلك الاعتبار لم يثبت لها الكذب وقد حكم في تلك القضية بأن لها بدون اعتبار الحكم عليها بالكذب الكذب أي حكم منشأ كذبها ليس الحكم عليها بالكذب. والحال أن منشأ كذبها ليس إلا الحكم عليها بالكذب. فكذب هذه القضية باعتبار الحكم عليها بخصوص الكذب لا ينافي عدم اتصافها بدون اعتبار الحكم عليها بخصوص الكذب.) ثم قال (وتلخيص هذا الجواب أن يقال الحكم بكذب قضيةٍ ما إنما هو عبارة عن الحكم بأن لها بدون اعتبار الحكم عليها بالكذب كذباً أي لها واقع لم تطابقه ومن شأنها أن تطابقه فالحكم في المغلطة المذكورة بالكذب على فرد موضوعها الذي هو نفسها أن لها واقعاً بدون اعتبار الحكم فيها عليها بالكذب ومن شأنها أن تطابقه مع أنها لا تطابقه فكذبها باعتبار خصوص الحكم المذكور بأن لم يكن لها واقع بحيث لم تطابقه ومن شأنها أن تطابقه بدون اعتبار الحكم المذكور إنما يستلزم أن لا يكون الكذب ثابتاً بدون اعتبار خصوص الحكم المذكور أي لا يستلزم أن يكون الكذب مسلوباً عنها فتكون كاذبةً باعتبار الحكم عليها بالكذب أي ثبوت الكذب نشأ من الحكم عليها بالكذب وبكذب أن ثبوت الكذب لم يكن ناشئاً من الحكم عليها بالكذب. فلم يلزم من كذبها اجتماع النقيضين. ولا اجتماع المتنافيين. بل تعين اتصافها بالكذب أي نسبتها غير مطابقة للواقع. ومن شأنها أن تكون مطابقة باعتبار حقيقة القضية كما هو شأن جميع القضايا الكاذبة.) وقد تلخص (من تقرير هذا الجواب عبارتان) إحداهما (أن يقال أن الحكم في هذه المغلطة بالسراية بالكذب بدون اعتبار الحكم فيها عليها بخصوص الكذب فكذبها باعتبار الحكم فيها عليها بالكذب لا ينافي أن لا تكون كاذبة بدون اعتبار الحكم فيها عليها بالكذب. فلا يلزم من كذبها سلب الكذب ولا الاتصاف بالصدق.) وثانيتهما (أن يقال أن الحكم في هذه القضية على نفسها بالكذب لا باعتبار الحكم عليها بالكذب أي الكذب ثابت لها لا باعتبار الحكم عليها بالكذب. فثبوت الكذب لها باعتبار الحكم عليها بالكذب لا ينافي أن لا يكون كذب لها لا باعتبار الحكم.) وخلاصة هذه العبارة (أنه قد حكم في هذه القضية أن منشأ عروض الكذب لها ليس اعتبار الحكم عليها بالكذب فكذب هذا بأن يكون المنشأ لعروضه ذلك الاعتبار لا ينافي سلب أن لا يكون منشأ عروض الكذب ذلك الاعتبار. واللازم لكذبها ليس إلا هذا السلب. فاللازم غير منافٍ. والمنافي غير لازم. فلم يلزم اجتماع النقيضين. ولا اجتماع الصدق والكذب. ويجري هذا في جميع التقريرات. فإذا أريد إجراؤه على التقرير الرابع. قيل أن قول المتكلم أنا كاذب كاذب لأن معنى هذا القول أن المتكلم بدون اعتبار الحكم على نفسه بأنه كاذب كاذب. وليس كذلك فإن كذبه ليس إلا باعتبار هذا الحكم فلم يلزم من كذبه التنافي كما لا يخفى. وإذا أريد إجراؤه على التقرير الثاني. قيل إن كلاً من الكلامين الأمسي والغدي كاذب باعتبار كلا الحكمين اللذين فيهما. ومن ذلك لا يلزم اجتماع الكذب وعدمه. ولا اجتماع الصدق والكذب في شيء منهما لأنه قد حكم في كل منهما بأن للآخر أحداً من الصدق والكذب إلا باعتبار الحكم عليهما معاً بأحدهما لدوران كل منهما على الآخر في الاتصاف بشيء من الصدق والكذب. فثبوت الكذب لهما باعتبار الحكمين لا ينافي أن يكون لهما أحد من الصدق والكذب دون اعتبار أحدهما فلا يلزم اجتماع النقيضين. ولا اجتماع الصدق والكذب فيهما. ولا يخفى عليك الإجراء في باقي التقريرات انتهى. وللمدقق الخيالي في شرحه لنونية خضر بك كلام أيضاً في حل هذه المعضلة وكذا لغيره من المتقدمين والمتأخرين. حتى أنه نقل أن علي الرضا

رضي الله تعالى عنه سأل عنها وأجاب. وقد رأيت الجواب. فوجدته في غاية الغموض على ذوي الألباب. والأجوبة التي رأيتها للمتقدمين والمتأخرين. تزيد على خمسة وعشرين. والقلب يميل إلى حديث الإنشاء. إلا أنه يحتاج ما قيل عليه إلى إمعان نظر وذكاء. وكان ما ذكره الخفري أخيراً كثيراً ما يلوح لي من وراء حجاب الأجمال. وكم أردت ولم أستطع إبرازه إلى ساحة التفصيل بالمقال. فتأمل فيما ذكرته كله. فإن لم يقنعك شيء منه فأسأل الله تعالى من فضله. ) ومنها (ما جرى في عبارة العلامة البيضاوي في تفسير قوله تعالى) يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً (وعبارته يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها كالمحتضر إذا صار الأمر عياناً والإيمان برهاني. وقرئ تنفع بالتاء لإضافة الإيمان إلى ضمير المؤنث لم تكن آمنت من قبل صفة نفساً أو كسبت في إيمانها خيراً عطف على آمنت والمعنى أنه حينئذ لا ينفع الإيمان نفساً غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيراً وهو دليل لمن يعتبر الإيمان نفساً غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيراً وهو دليل لمن يعتبر الإيمان المجرد عن العمل وللمعتبر تخصيص هذا الحكم بذلك اليوم وحمل الترديد على اشتراك النفع بأحد الأمرين على معنى لا ينفع نفساً خلت عنهما إيمانها والعطف على لم تكن بمعنى لا ينفع نفساً إيمانها الذي أحدثته حينئذ وإن كسبت فيه خيراً انتهت. وذلك أنه سلمه الله تعالى قال يوماً أن مما يسأل عنه عبارة البيضاوي في الكلام على قوله تعالى) يوم يأتي بعض آيات ربك (الآية فقلت) نعم (يا ولي النعم. وهي من مزالق الأقدام. ومداحض ذوي الأفهام. وقد كتب عليها الفاضل. أحمد القزويني والكامل مير باد شاه البخاري. والعلامة الولي صدر الدين زاده. والفهامة حسن أفندي الكساري. والحبر يحيى جلبي المدرس. والمولى محمد السمرقندي. والعلامة الملا خسرو. والفاضل قره جلبي قاضي أدرنه. والفاضل طاشكبري زاده. والفاضل سعيد زاده. وسنان أفندي. وغيره من محثي البيضاوي. وقد أثبت جميع ما كتب هؤلاء الأجلة في مجموعة لي سميتها دقائق التفسير. ومن أفضل من كتب. وجاء بأعجب العجب. أستاذ الأستاذين. وعلم العلماء المحققين. المشهور فضله في كل نادي. صبغة الله أفندي الحيدري الحسين آبادي. وقد أثبت ما كتبه أيضاً في هاتيك المجموعة الفريدة. وأتممت به محاسن تلك الغادة الخريدة. فلما سمع مني هذا المقال. طوى بساط السؤال. وأنت إذا أجبت الوقوف على شيء من ذاك. فاستمع لما نتلوه عليك والله تعالى يتولى هداك. قوله كالمحتضر قيل فيه إشارة إلى حمل بعض الآيات على ما يلوح للمتحضر من مشاهدة مقامه ونحوه. ويوم كلام الكشاف حمله على أشراط الساعة. ولعل الحق أن أشراط الساعة هناك تفسير للآيات لا للبعض لأن الإيمان نافع بلا خلاف بعد إتيان البعض كنزول عيسى عليه السلام كيف لا وهو إنما ينزل لدعوة الخلق إلى الحق. وأقول الموافق لبعض الأحاديث حمل البعض على طلوع الشمس من مغربها وعليه فيحتمل أن يكون مراد المصنف التنظير لا التمثيل. قوله وقرئ الخ القارئ أبو العالية وابن سيرين قوله لإضافة الخ علة مصححة لتأنيث الفعل مأخوذة من كلام ابن جني واعترض بأنهم صرحوا بأن شرط اكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث وكذا التذكير صحة قيام المضاف إليه مقام المضاف كما في قوله) كما شرقت صدر القناة من الدم (وقوله: إنارة العقل مكسوف بطوع هوى ... وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا

فإنه لو قيل فيهما كما شرقت القناة والعقل مكسوف لصح ولا يصح هنا أن يقال لا تنفع نفساً هي لم تكن آمنت من قبل. وأجيب بأنه يصح ذلك على معنى لا تنتفع نفساً هي بإيمانها. وحاصله لا تنفع نفس نفسها بالإيمان الخ) نعم (ما ذكره لتوجيه التأنيث غير متعين فقد قال أبو حيان أن التأنيث لتأويل الإيمان بالمعرفة أو العقيدة مثل التأنيث في جائته كتابي فاحتقرها فإنه على معنى الصحيفة أو الألوكة انتهى. قوله صفة نفساً جاز ذلك مع الفصل بالفاعل لعدم كون الفاعل أجنبياً عن الموصوف الذي هو المفعول لاشتراكهما في العامل وعليه فيصح أن يقال ضرب هنداً غلامها القريشية فليحفظ. قوله وهو دليل الخ إذ الآية على هذا المعنى الذي ذكره مصرحة بعدم الفرق بين ما إذا لم تقدم النفس إيمانها على ذلك اليوم وقدمته عليه. لكن لم تكسب فيه خيراً في عدم نفع الإيمان إياها. وهذا صريح في أن الإيمان المجرد عن العمل لا يعتبر ولا ينفع صاحبه كما هو رأي المعتزلة. هذا توجيه كلامه. لكن قيل أن المعتزلة يقولون بدخول جميع الأعمال المفروضة في الإيمان فمتى أخل المكلف ببعضها بأن ترك إحدى الصلوات الخمس مثلاً لم يكن مؤمناً وكان في منزلة بين المنزلتين الإيمان والكفر وخيراً في الآية نكرة في سياق النفي. وهي تعم فتفيد الآية التسوية بين عدم تقديم الإيمان على ذلك اليوم وتقديمه عليه لكن مع عدم كسب جميع الخيور فيه. ويتضمن ذلك التسوية بين عدم الإيمان والإيمان المجرد عن بعض الخيور. بل لعل المفهوم يشعر بأن هذا الإيمان نافع كما يظهر بأدنى تأمل. مع أن المعتزلة لا يقولون بنفعه إذ ترك بعض الفرائض عندهم مخل بالإيمان كترك الجميع فالآية لا تصلح دليلاً لتمام مدعاهم. ولا تضر القائلين من أهل السنة بأنه لا بد من النطق بكلمة التوحيد مع التصديق لأن ذلك النطق خير فالإيمان المجرد عن جميع الخيور التي منها هذا النطق عندهم أيضاً في حكم عدم الإيمان.) نعم (تضر المرجئة القائلين بأن انتفاء الأعمال طرأ لا يضر بالإيمان فتدبر. ثم أن الظاهر أن ضمير هو راجع لمجموع ما ذكر معناه من الآية. ومن زعم أن المرجع هو قوله تعالى) أو كسبت في إيمانها خيراً (وأن طريق الاستدلال أن يقال الإيمان المجرد عن العمل لو كان من قبل ذلك اليوم لكان نافعاً فيه أيضاً فقد بعد عن الحق بمراحل. كما لا يخفى على فاضل. قوله وللمعتبر الخ. إشارة إلى ثلاثة أجوبة عن الاستدلال) الأول (التخصيص أي ولمن اعتبر الإيمان المجرد عن العمل وقال إنه ينفع صاحبه حيث يخلصه عن الخلود في النار كما هو رأي أهل الحق تخصيص هذا الحكم بذلك اليوم. ومعنى هذا التخصيص هو أن عدم نفع الإيمان المجرد صاحبه مخصوص بذلك اليوم بمعنى أنه لا ينفعه فيه ولا يدرأ عنه القتل ونحوه. لا أن معناه أن المحكوم عليه بعدم النفع هو ما حدث في ذلك اليوم من الإيمان والعمال الصالح. ولا يلزم من عدم نفع ما حدث فيه عدم نفع الإيمان السابق عليه وإن كان مجرداً عن العمل كما قاله بعض الناظرين. لأن هذا ليس من تخصيص الحكم في شيء بل هو تخصيص للمحكوم عليه. يرجع حاصله إلى الجواب باشتمال الآية على اللف كما يأتي منا إن شاء الله تعالى الإشارة إليه. ومستند هذا التخصيص قبل تقديم الظرف وقيل السياق) واعترض (هذا الجواب بأنه متى اعتبر التخصيص لزم منه تخصيص الحكم بعدم نفع الإيمان الحادث في ذلك اليوم به أيضاً. ولا قائل بذلك إذ هو لا ينفع صاحبه في شيء من الأوقات بالاتفاق. قيل ويمكن دفعه بأن التخصيص في حكم عدم النفع إنما يلاحظ بالنظر إلى الإيمان المجرد فقط على أن يكون معنى الآية يوم يأتي بعض الآيات لا ينفع الإيمان الغير السابق عليه صاحبه فيه ولا الإيمان الغير المكتسب فيه الخير. وإن نفع هو في الآخرة. وفيه أن فيه تخصيص الحكم وتخصيص المحكوم عليه. كما في كلام ذلك البعض من الناظرين) ولعل (الذي شجع على هذا التخصيص الثاني العلم بأن الفريقين متفقان على عدم نفع الإيمان الحادث في شيء من الأوقات فليس هو محل النزاع فما بقي إلا مجرد الإيمان المجرد. مع أن جل المقصود إبطال حجة الخصم. ولاحتمال يبطل الاستدلال. فليتأمل.) والثاني (ما أشار إليه بقوله. وحمل الترديد الخ. وليس هو مع ما تقدم جواباً واحداً. كما توهمه من توهمه. بل ذاك جواب مستقل فيه تسليم عطف مسبت على آمنت بعد النفي. وهذا

جواب مستقل مبني على اعتبار كون كسبت معطوفاً على آمنت. ثم اعتبار دخول النفي حتى يكون النفي داخلاً على المردد فيفيد عموماً له نحو قوله تعالى) ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً (نعم قيل عليه أن فيه بناءً على ما لا يصح إذ لو عطف كسبت على آمنت واعتبر عموم النفي لما ذكر اشتراط عدم النفع بالخلو عن كسب الخير في الإيمان ضرورة أنه إذا انتفى الإيمان قبل ذلك اليوم انتفى كسب الخير فيه قطعاً. وفي المثل) أثبت العرش. ثم النقش (فلا بد أن يقال الكلام في تقدير أو لم تكن كسبت في إيمانها خيراً. فالترديد بين النفيين والكلام محمول على نفي العموم لا على عموم النفي فيفيد أن الإيمان مع انتفاء كل من الوصفين لا ينفع. وذلك قول من يعتبر. فالآية معه وهو كلام متين إلا أن فيه غفلة عن كلام المصنف. فإنه إنما يتجه إذا حمل الكلام على أن المقصود به هو ما يستفاد من ظاهر لفظه من بيان اشتراط عدم النفع بالخلو عنهما. وأما إذا حمل على ما أشار إليه المصنف من أن المقصود بيان اشتراط النفع بأحد الأمرين فلا. إذ يكون الكلام حينئذ كما لو قيل الإيمان ينفع صاحبه إذا كان على أحد الوصفين كونه مكسوباً فيه الخير. وكونه مقدماً على ذلك اليوم وإن كان مجرداً.) واعترض (هذا بأنه يلزم عليه أن يكون ذكر كون الإيمان المكسوب فيه الخير نافعاً لغواً لأنه بعد ما ذكر أن الإيمان المجرد نافع يعلم نفع الإيمان المكسوب فيه الخير بالطريق الأولى) وأجيب (بأن جهات النفع مختلفة. وقد دلت الأخبار على أن نفع الإيمان المجرد في عدم الخلود في النار والخروج منها ولو بعد أحقاب ونفع الإيمان المكسوب فيه الخير في رفع الدرجات. ونيل الأماني العاليات. فلا يعلم هذا النفع من ذلك النفع بالطريق الأولى. ثم وجه دلالة الآية على المقصود الذي أشار إليه المصنف أنه لما حملت على عموم النفي أفادت أن انتفاء الأمرين جميعاً مانع عن نفع الإيمان. ومعلوم أن ارتفاع المانع يشترط لوجود المعلول فلزم أن يكون وجود أحد الأمرين شرطاً لنفع الإيمان ضرورة أن ارتفاع المانع المذكور يحصل بوجود واحد منهما) ومن الناس (من أجاب عن حديث اللغوية السابق وإن حمل الكلام على ظاهره. بان في ذكر كسب الخير إشارة إلى تفويت نفعين لمن لم يؤمن نفع نفس الإيمان ونفع كسب الخير فيه.) وتعقب (بأنه لا يدفع تفويته بالنظر إلى اشتراط عدم النفع بالخلو عنه وهل نحن إلا بصدده.) ومنهم (من أجاب أنه يجوز أن لا يكون عند الحكم بعدم النفع استلزام أحد الانتفائين الآخر ملحوظاً حتى يكون مغنياً عنه فيلغو ذكره معه وهو كما ترى.) والثالث (ما أشار إليه بقوله والعطف على ما لم تكن أي وللمعتبر صرف قوله تعالى كسبت. عن أن يكون معطوفاً على آمنت مطلقاً إلى عطفه على لم تكن فيكون صفة نفساً مثله لكن بعد جعل أو بمعنى الواو وحمل الإيمان في قوله سبحانه) لا ينفع نفساً إيمانها (على الإيمان الحادث ذلك اليوم وكذا في قوله تعالى) في إيمانها خيراً (وكأنه إنما لم يقل أو كسبت فيه خيراً أي في إيمانها الحادث. بل جيء بالظاهر بدل الضمير لئلا يتوهم ولو على بعدٍ عود الضمير على الإيمان المفهوم من آمنت على حد) اعدلوا هو أقرب للتقوى (. وتفهم الآية على هذا للوجه أنه لا ينفع يوم إتيان بعض الآيات الإيمان الحادث فيه نفساً صفتها لم تكن آمنت قبل ذلك وصفتها أنها كسبت في إيمانها الحادث ذلك اليوم خيراً. وحاصل ذلك أنه لا ينفع ذلك نفساً إيمانها الذي أحدثته ولا يفيد كسب الخير فيه. فقوله بمعنى لا ينفع نفساً إيمانها الذي أحدثته حينئذ وإن كسبت فيه خيراً. بيان لحاصل المعنى ومآله. فإن في ةإن كسبت فيه خيراً بكسر الهمزة وصلية. وفي بعض النسخ المصححة. وإن بفتح الهمزة أي لا ينفع نفساً إيمانها الذي أحدثته حينئذ وكسبها فيه خيراً وهو أوضح إشارة إلى أن أو بمعنى الواو) ومحصل (هذا الجواب أنه لا تعرض في الآية إذا كان العطف على لم تكن لحكم الإيمان السابق على ذلك اليوم مجرداً كان أو مكسوباً فيه الخير. بل ربما يدعي أنها تشعر بأن حكمه مطلقاً النفع. فالآية إن لم تكن لنا فلا أقل من أنها ليست علينا. وقد تفطن بعض المحققين لوجهٍ آخر في الآية لطيف. فقال إنها مشتملة على ما سمي في علم البلاغة باللف التقديري. كأنه قيل لا ينفع نفساً إيمانها ولا كسبها في إيمانها خيراً لم تكن آمنت من قبل

أو لم تكن كسبت خيراً قبل فاختصر للعلم به واقتضاء النصوص له. وفي كلام ابن الحاجب إيماء إلى هذا أيضاً) وتفطن بعض آخر لآخر (وهو أن معنى الآية أنه لا ينفع الإيمان باعتبار ذاته إذا لم يحصل قبل. ولا باعتبار العمل إذا يعمل قبل. ونفع الإيمان باعتبار العمل أن يصير سبباً لقبول العمل فيتم الكلام من غير لفٍ ولا اعتبار اقتصار. وهو لعمري نعم الوجه لو احتملت له العبارة. وفهم منها من غير اعتبار تقدير في نظم الكلام.) وقال المولى الفاضل معيد زاده (. لاح ببالي جواب لو كنت ممن رخص له في الاندفاع في أمثال هذه المواضع لأجبت به. وهو أن تكون كلمة أو في أو كسبت بمعنى إلا أن داخلةً على الماضي كما في قول الحريري في أوائل المقامة التاسعة عشرة) فو الله ما تمضمضت مقلتي بنومها. ولا تمخضت ليلتي عن يومها. أو ألفيت أبا زيد السروجي (أو داخلة على المضارع تقديراً على أن يكون الأصل لم تكن آمنت من قبل أو تكون كسبت. أي إلا أن تكون. والمراد من الاستثناء الدالة عليه كلمة أو المبالغة في نفي النفع بتعليقه بالمحال كما في قوله تعالى) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف (وقوله سبحانه) وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف (وقول الشاعر: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب وقول الآخر: وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس فيكون المعنى فيما نحن فيه إذا جاء ذلك اليوم لا ينفع الإيمان نفساً لم تكن آمنت من قبل ذلك اليوم إلا أن تكون تلك النفس التي لم تكن آمنت من قبل ذلك اليوم كسبت في الإيمان خيراً قبل ذلك اليوم وكسب الخير في الإيمان قبل ذلك اليوم للنفس التي لم تكن آمنت قبل ذلك اليوم ممتنع فالنفع المطلوب أولى بأن يكون ممتنعاً انتهى. وفيه من البعد ما فيه هذا) وبقيت (من رؤوس المسائل أذناب. الأولى بنا عدم التعرض لها في هذا الكتاب. ثم أن ما مر لم يقع أكثره على الوجه الذي ذكرناه. وإنما وقع على وجه الإجمال ونحن فيما بعد فصلناه) وبالجملة (كان مجلسنا مع حضرة المشار إليه. روض علم طواويس اللطائف عاكفة عليه. وكثيراً ما كان يبقيني عنده نحو خمس ساعات. يبرز على فيها من حمس أفكاره ما يهرب منه خميس الجهالات. وقد رأيت له اطلاعاً تاماً على اللطائف الشعرية. والنكات الأدبية. لم أجد في هاتيك الممالك. نظيراً له في ذلك. وقد تطأطأت له المسائل رؤوسها. وأقبلت إليه تسعى فقبلت أياديه شفاها شفاهاً كؤوسها. وما ذلك إلا لكثرة مجالسته لأبناء العرب. ومزيد ما عنده من كتب الأدب. فقد ذكر لي أن عنده من الشعر الجاهلي والإسلامي نحو سبعمائة ديوان. ولا أظن أن هذا المقدار قد اجتمع عند أحد في زمان. وإن من الكتب سواها ما يزيد على عشرة آلاف. ومعظمها خزنوي حاز من الحسن أحسن الأوصاف. ولو أني ملكت عشر ذلك لرأيتني أنفجر علماً. وأنهال نثراً ونظماً. ويأبى الملك اللطيف الخبير. أن أكون مع ذلك كالدجاجة لها ريش ولكن لا تطير. وسبحان من قسم عطاياه بين العباد. وخص كلاً بما خص حسبما أراد.

ذيل الخاتمة

ذيل الخاتمة اعلم أني لم يكن همي في القسطنطينية. إلا قضاء ما جئتها له من الأمنية. وقد انعطفت على قلوب أكثر رجال الدولة ووكلائها. إلا أني كنت لذلك بلاء منزلاً على أكثر علمائها. حيث إن حسك الحسد. قد علق منهم بكل جسد. ومن مزيد حب الرجال إياي. اقترحوا أن تكون بينهم سكناي. وأن أترك مسقط رأسي. ومنبت غراسي. وألحوا علي في ذلك غاية الإلحاح. وأكثروا الترغيب في الغدو والرواح. وأبي إلا الوطن. ناسياً ما كان لي فيه من المحن. ذاهلاً عما صح لي عندي لتواتر الأخبار. من أنه صار بعدي جوف حمار. كل ذلك) ليقضي الله أمراً كان مفعولا (ومتى أراد سبحانه بعبده شراً جعل عقله معقولا. يقضى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

ثم أنهم لما رأوا إبائي وإصراري على العود إلى ديار آبائي. صمموا أن يعرضوا ذلك لحضرة السلطان عبد المجيد خان. بن السلطان الغازي محمود خان. ويطلبوا منه الأمر بالبقاء. في ذلك الفناء. فجعلت أرجو منهم فسخ هذا التصميم. وأتوسل إليهم بحرمة القرآن العظيم. والرسول الرؤوف الرحيم. عليه من الله تعالى أفضل الصلوة وأكمل التسليم. فأظهروا الفسخ. وله في قلوبهم رسخ. فبقيت على وجل. أتضرع إلى الله عز وجل. ولذلك لم أطلب مواجهة السلطان. دام ملكه ما دام الدوران. واتفق يوماً أن جاءتني حسب القانون المقرر تذكرة من الباب العالي. أدعى فيها لاجتلاء طلعة البدر المتلألئ. والتشرف بالحضور. لدى حضرة السلطان المؤيد المنصور. وكان قد شرف الباب وأهله. عملاً بعادة أسلافه السلاطين قبله. فذهبت ووردي يا ملك الملوك وعلى الشأن. حل بيني وبين. مواجهة السلطان. كل ذلك خوفاً من أن يأمر بإقامتي. فتقوم علي بذلك قيامتي. فعندما وصلت إلى الباب أخذ بي إلى حجرة التشريفات. فقال اقعد يا مولانا حتى يأتي إليك من حضرة الصدر الأعظم آتي. فقعدت مشغولاً بالدعاء. مبتهلاً إلى باسط الأرض ورافع السماء. فلم يكن إلا مقدار غلوة سهم. فإذاً برسول الصدر الأعظم. فدخل علي الحجرة. وقبل يدي جهرة. فقال يا مولانا غفراً لما كان. فقد عاد إلى محله حضرة السلطان. فعادت إلي من هذا الخبر روحي. وكدت أطير بجناحي فرحي وروحي. فقلت ما أعجل ما طوى البساط. فقال إنه لم يكن لحضرة السلطان انبساط. حتى أنه لم يكلم أحداً من الرجال. ولم يكلمه أحد منهم لما علاه من الجلال. ولم يعرف لذلك سبب. ولم يدر ما أوجب ما وجب. ثم أن حضرة الصدر الأعظم. وسنام المجد الأكرم. استأذن الحضرة السلطانية في مواجهتي في المآبين. فإذن أيده الله تعالى إلا أنه لم يعين وقتاً تجتلي فيه طلعته العين. وكان ذلك بعيد أن قضيت بفضل الله تعالى ما جئت له من الوطر. وقيل أن أحكم عرى التصميم على ترحيل مشمعلة الرحيل والسفر. فلما أحكمت العرى. ذهبت إلى وداع حضرة ذلك الصدر الذي وسع الورى. فقال ما هذا السفر في هذا الزمان. وغداً أو بعد غدٍ يطلبك للحضور حضرة السلطان. فقلت يا مولاي عراني عوفيتم داء. ليس له عند. غير رياضة السفر دواء. وأنا حيثما كنت داعٍ للدولة العلية. لا سيما لشمس سمائها الطلعة المجيدية. فنفس عني بقبول عذري إلا أنه تنفس الصعداء. وأسر شيئاً إلى حضرة مفتي المجلس عارف أفندي كان منه كالنقطة من الباء. فرأيته تنفس كما تنفس. وأردف ذلك بالاستعاذة بالله تبارك وتقدس. وقد وقفت على تفصيل ذلك السر نقلاً. وكنت وعلام الغيوب أعرفه من قبل عقلاً. بيد أني كنت أخاف أن أحدث به نفسي. فضلاً عن أن أخبر به أحداً من أبناء جنسي. وأنا الآن لا أستطيع إظهاره. ولا يجوز ديني وعقلي إلا إضماره. لكني أقول وذلك نفثة مصدور وآلة مجهود. تعساً لمن يدعي الربوبية على مثلي ويسجد لتوهم ضررٍ ما لقرودٍ رقود. ثم أنه بعد أن وادعت الصدر الأعظم. ذهبت فوادعت حضرة شيخ الإسلام وولي النعم. فشق عليه وداعي. ورق علي حتى سرحني من حسن توجهه في خير المراعي. وبشرني بحصول المأمول بعبارات ترفعت عن المجاز. ووعدني بكل مسؤول وعداً تخيل لي أنه يتعثر بالإنجاز. وأعطاني ساعة. وقال اخترتها لدقيقة هي أن تذكرني كل ساعة. وأبدى لي من الشفقة ما ظننت أني أقتاد بها الجوزاء. وأصطاد بحبائلها العنقاء. لكن الدهر أبو العجب. والزمان عدو لأبناء الأدب.) وفي اليوم الثاني (ركبت سفينة الدخان. وتوجهت متوكلاً على الله عز وجل إلى الأوطان. حتى إذا حللت في آمد السوداء. تحقق عندي عزل وزير الزوراء. وأنه قد نصب بدله حضرة رشيد باشا الكوزكلي. أحد موالي حضرة خسرو باشا ذي الصيت الجليل الجلي. فأصر علي حضرة عبدي باشا بانتظاره. لا ذهب في معيته إلى إيالته وغاية أوطاره. وساعده على سوء الطالع. ونحوسة نجمي الراجع. فبقيت في آمدانا وبرذوني بحالٍ عجيب. وأنى وقياربها لغريب. حتى إذا أشرف ذلك الكوزلكلي المشير. الذي ما رأى له بدرابين الأخبار وإرصاد التواريخ نظير. خرجت في معيته من آمد السوداء. وقد غلبت على عوفيت مرة الصفراء. وفي أثناء الطريق جعلت تعركني الحمى عرك الأديم. وتحركني ولكن في مهد السقم كما تحرك الأم في المهد الفطيم. فدخلت بغداد أنا والحمى قاتلها الله تعالى في جلود لا دباغ

خاتمة الطبع

لها. ولعن غبها وشطرها وربعها وسائر أصنافها آخرها وأولها. وكان ذلك خامس شهر ربيع الأول ثالث شهور سنة تسع وستين. بعد الألف والمائتين من هجرة قرة عين الخلائق أجمعين. صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه. ما فرح مسلم بعروجه وأوبه. ولما رأتني عين الزوراء شرقت بخمر المسرة أفواه طرقها. وكانت عودتي إليها غاية أمنيتها كما كانت لنفسي نهاية بغيتها لولا الملعونة في عنقها. وهذه نبذة مما كان في سفرنا إلى دار قسطنطين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ) ثم اعلم (أني والله ما كتبت لما حررت مسوده. وما هيأت له إلا اليسير عده. وغالبه قد حررته وأنا في حجر أم ملدم. والقلم يلتوي بين أصابعي ولا التواء الأرقم إلا أنه أظن أني صادفت في بعض الأحيان غفلة من تلك الملعونة فأبدعت. ووجدت فرصةً فأودعت في حقائق العبارات من درر الإشارات ما أودعت. على أنها على العلات لا تخلو عن نقع لأطفال الأدب. ومن يريد من الأتراك أن يذوق بطرف لسانه طعم كلام العرب. وكرامةً لبعض محاسن فيها. أرجو من حديد البصر الإغماض عن رصاص مساويها. وإن كان قد سبق مني مدح لها إشارةً ومقالاً. فأنا فيه جبان خلا له الجو وصالاً. وإذا ما خلا الجبان بأرضٍ ... طلب الطعن وحده والنزالا وقد شجعني على تأجيج هذا الضرام. بأضغاث ما حوته هذه الأرقام. اطلاعي على رحلة واقدي زمانه ابن كبريت وشرارة صاحب سقط الزند في أوانه الفحام. فلعمري إن النكات الأدبية قد رميت من كلٍ منهما بثالثة الأثافي. والمباحث العلمية قد أحرقت بنارهما منها القدامي والخوافي. والأعمش إذا قيس بالأعمى فهو زرقاء اليمامة. وبيضة العصفور إذا قيست ببيضة النملة فهي بيضة النعامة. ومثل رحلتي ذينك الشيخين عندي. رحلتا سيدي النابلسي وشيخ مشايخي السويدي. فإنهما أيضاً لم يلتزم فيهما ما التزمت. ولم يلكا نحو ما سلكت فيما ابتدأت وختمت. فلله تعالى الحمد باطناً وظاهراً. وله سبحانه الشكر أولاً وآخراً. وهنا ألقت الغطاء على أسود شعرها المحابر. وتضاءلت في مسجد الراحة من الأصابع المنابر. وألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر وصادف ذلك مستهل السنة المتمة للسبعين. من القرن الثالث عشر من هجرة خاتم المرسلين. لا زالت ترفع إليه وإلى آله وأصحابه من تحف الصلوة والسلام. أضعاف أنفاس الخلائق منذ خرج آدم إلى أن يعود إلى دار السلام. ولما تم الكتاب قلت مؤرخاً: مذ تم ما قد رمته ... نثراً وراق نظامه بالخير قد أرخته ... ) مسك يفوح ختامه ( سنة 1270 في غرة م. خاتمة الطبع

تقاريظ على كتاب " غرائب الاغتراب "

يقول المصحح الفقير. أمده الله تعالى بفيض لطفه الغزير. إن كتاب) غرائب الاغتراب. ونزهة الألباب. في الذهاب والإقامة والإياب (. من مصنفات علامة عصره. وأستاذ العلوم العقلية والنقلية في مصره. ذي التصانيف الشهيرة. والتآليف الكثيرة. فرع الدوحة العلوية. وزهرة الريحانة الحسينية. المفسر الشهير. والحافظ الخبير. الإمام أبي الثناء شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي) صنفه (بعد عوده من سفره. ووصوله إلى وطنه ومقره. وذلك سنة تسع وستين ومائتين وألف. من هجرة من تقصر دون الإحاطة بمزاياه بردة الوصف) وقد ضمنه (فرائد وفوائد تتحلى بها المسامع والأفواه. ونظم في عقود مبانيه من درر المسائل ما ينال به الأديب غاية مناه. وقد شمر ذيل الهمة لطبعه الشهم الهمام. والحر المقدام. ذو المساعي المشكورة. والأعمال المبرورة. جناب الأفخم) محمود الشابندر (أعلى الله تعالى بدر مجده الأنور. وذلك في مطبعته الكائنة في جانب الرصافة من دار السلام. وقد صححه حفيد المصنف بكمال التدقيق والاهتمام.) وقد نجز (والحمد لله تعالى على مزيد فضله في أواخر ذي القعدة الحرام. سنة سبع وعشرين بعد الثلاثمائة والألف من هجرة الرسول الأكرم عليه أفضل الصلوة وأكمل السلام. ونسأله تعالى أن ينفع به مطالبه. ويوفق للخير مبتغيه وطالبيه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. قيوم السموات والأرضين. سنة 1327. تقاريظ على كتاب " غرائب الاغتراب " لبعض أهل الفضل والآداب تقريظ عين أعيان العراق. ومن وقع على غيرته وشهامته الاتفاق. واحد الآحاد. وفخر العلماء الأمجاد. جامع المآثر. والكاسر بهمته ناب الليث الكاشر. ابن الجميل وأبيه. والجابر بمرهم فضله كسر قلب راجيه. رفيع العماد. عبد الغني أفندي المفتي الأسبق ببغداد. وهو قوله: لله من رحلة حارت بها الفكر ... فلم نكن في سواها اليوم نفتكر جاءت من الروم تقرب البيد ساحبةً ... على العواصم أذيالاً وتفتخر فما تلاها امرؤ إلا وكأن له ... بكل لفظٍ لطيفٍ وعجبٍ سكر كم أرشدت حائراً فينا بلاغتها ... فإن جحدت فهذي العين والأثر جلت عن الوصف لا شيء يشابهها ... إني وكل معانيها لنا غرر إبكارها من زوايا الفكر قد برزت ... فيا لها من خبايا كلها درر أضاء في العالم العلوي أشعتها ... فلاح للعالم السفلي بها قمر هذي هي الشمس إن تمعن بها نظراً ... يوماً ويغشى عينك الضرر لكنها في سماء القلب مشرقها ... يجلي بإشراقها الأحزان والكدر كما تجلت على الآفاق ساطعةً ... علوم) محمود (إذ تتلى وتذكر هو الشهاب شهاب الذين لا حرج ... فإنه آية الرحمن فاعتبروا وقد ضربنا به الأمثال حيث له ... فينا فضائل لا تحصى وتنحصر إن المعالي لديه جسمت درراً ... تسعى لعلياه إجلالاً وتعتذر تأتي القوافي لديه وهي صاغرة ... وللقوافي بنو الآداب تفتقر كم حاولوا فضله قوم فما وصلوا ... وكم أثاروا له حرباً فما ظفروا يا ابن الكرام ومن سادت أوائلهم ... على الأواخر والقوم الألي غبروا قد فزت بالشرف الأعلى الذي شرفت ... به قريش وسادت في الورى مضر صفاتك الغر جلت أن نحيط بها ... كالماء لا يهتدي وصفاً له النظر أتيتنا بكلامٍ كله حكم ... وجئتنا بكتابٍ ما به نكر فكيف يحييك في علم وفي أدب ... قوم رذال بغير المكر ما ذكروا فإن أراع الجهل سحرهم ... فأمر يراعك يلقف كل ما سحروا وانشر من الفضل ما أوتيته علماً ... ) وما عليك إذا لم تفهم البقر ( ) وقرظها (بعد وفاة المصنف بهذا التقريظ الغريب البديع النظام. والتوقيع العجيب البليغ الكلام. واحد الدنيا وفاضلها. ومأوى يتيمة الأدب وكافلها. الفاضل السري. عبد الباقي أفندي الموصلي العمري. وهو قوله: كلل تاج ابنة العنقود ... في حبب اللؤلؤ المنضود فختمت في عقود الدر ... أنمل أيدي العقول العشر بها أشارت لمرمى فكري ... ومن معاني غواني شعري توشحت في وشاح السرود منها المعاني انبرت أرواحا ... لها بياني غدا أشباحا

ومذ أدارت لنا أقداحا ... بنا نهار التصابي صاحا فامتلأ الكون بالتغريد أبدت لنا من خلال الكأس ... ما هو أسنى من النبراس فخلتها في يد الشماس ... شمس نهارٍ بدت للناس فكبرت ملة التوحيد مفقودها إذ حكى المنقودا ... جعلت وهمي لها راقودا لم أدر كيفاً لها محدودا ... معدومها علم الموجودا من عدمٍ علة الموجود فمن رأى الرق والصهباء ... كمن رأى الغول والعنقاء قد قلدت حليها الجوزاء ... وعلمت غنجها أشماء فأثرت في فوى الجلمود قد يتراءى لعين الرائي ... من فوقها زيبق الأبراء حلت بودي وفي إروائي ... جذوة نارٍ ثوت في ماء فألقت الوهم في أخدود في العدم المحض كانت قبلاً ... والآن بالزعم أبدت شكلا إن جمع الدن منها شملاً ... فلبة الكأس منها عطلا تروى وكم عاطلٍ من جيد كم ذقت منها زلالاً صافي ... يحكي برقراقه أوصافي أما ترى أعين الإنصاف ... تسلسل المجد من إعطافي في حوض أسلافي المورود تبدو بأحداقها للساقي ... كالنور في بؤبؤ الأحداق نظن من شدة الإحراق ... معصورة من لظى أشواقي لرشف راح اللمى المبرود لما انجلت من فم الإبريق ... تحكي بقرطاسه تنميقي شقت قميص الدجى للزيق ... فهي على راحة البطريق ووجنة الكأس كالتوريد فما حلت قط إلا مرت ... تلك الليالي قد مرت بنا خيول التصابي فرت ... بأثرها ما إلينا كرت وهذه عادة المطرود في الحي كم أنعشت من ميت ... ولا انتعاش الضيا بالزيت دعني من قول كيت كيت ... من دم أعداء أهل البيت ترشف لا من دم العنقود مواسم للهوى في نجد ... كانت طرازاً لبرد المجد لقد طوته النوى في أيدي ... وانهال من سلكه كالعقد إذا سلته إلى التبديد نجد وهل نجد إلا مغنى ... تقضي اللبانات فيه لبنى كم قد حوت ذات عين وسنا ... كانت بأم الدواهي تكنى وتنتمي لليالي السود ترويك عن) نزهة الألباب ( ... رحلة علامة الأحقاب أبي الثنا رحلة الطلاب ... أغناه عن كثرة الألقاب ما شاع من سعيه المحمود فيا له من شهاب ثاقب ... للرشد يهدي بليلٍ حاطب كجده إذ أتانا عاقب ... راح لبكر المعالي خاطب فأسعدت منه في سعود روح معاني الهدى تفسيره ... روح جنان العلى تقريره دوح مغاني البها تحبيره ... قلد أوراقه تحريره ما جل في الحسن عن تقليد أودع فيها فصولاً جمة ... منها استفدنا علو الهمة وللمعاني وفي بالذمة ... في كشفها عن ذويها الغمة بمسحة من أكف الجود أطلع فيها شموس الفضل ... بازغةً من سماء العقل محابها واجبات الجهل ... والشمس كم قد محا من ظل إشراقها عن صياصي البيد كم من سمينٍ لنا إن غث ... قد مازه عارياً من ريث وكم عويصٍ غداة البحث ... غادر منه الحبي في نكث وكان في غاية التعقيد بدر سماء العز والإجلال ... شهابها المستنير العالي كر الجدي معدن الأفضال ... جدد رسم العلوم البالي فراح يرتاح في التجديد منه التآليف في الآفاق ... قد باهت الشمس في الإشراق فهو بها للمعالي راقي ... أصبح لا شك باستحقاق من غير ريبٍ ولا تفنيد كم من فنون لنا أبداها ... لدى أولي الفضل ما أجداها ومن علوم لهم أسداها ... وكم وكم تحفةٍ أهداها جلت لدى الحصر عن تعديد وكم وكم درةٍ مكنونةٍ ... فيها وكم تحفةٍ مخزونة أفكارنا قد غدت مفتونة ... بها وأبصارنا مرهونة تنفك هيهات عن تقييد فيها إجازات علم تحكى ... لآلئاً قد وهت من سلك ليس بها عندنا من شك ... محبوكة بالتقى والنسك منضودة أيما تنضيد طالعت فيها مع الإمعان ... فزاد مني لها إذعاني وشمت من شكلها الروحاني ... ما هو كالفرقد النوراني

يضيء في نوره الموقود ترجم فيها من الأعلام ... من فاق مجداً على الأعلام كشيخ إسلامها الطمطام ... وصدرها الباسل القمقام وغير هذا وذا من صيد وكم عويص بها قد حلا ... عن خلد كل ذكرٍ مثلا جزاه مولاه عنا فضلا ... ومن رضاه سقاه وبلا يغشاه في المضجع المبرود نحباً قضى بعدما أفتى ... حياه مولاه محيي الموتى وكم علومٍ حواها شتى ... أخلص لله فيها حتى قد فاز في غاية المقصود وله أيضاً. لا زال نظمه يخجل روضا. إن هذا الكتاب خير كتاب ... دونت فيه رحلة للشهاب بعلوم همي كوبل سحاب ... وفهوم طمي كفيض عباب فيه قد حث أينقاً لذهاب ... وبه ساق سيفاً لإياب فحري بأن يسمى كما قد ... كان سماه) نزهة الألباب ( كم وقفنا منه على خير مسعى ... للمعالي من غير حث ركاب ما وعت قط مثله من تليدٍ ... وطريف حقائب الأحقاب فتنزه منه بروضة أنس ... وتسل عن وحشة واكتئاب واجتن من أوراقها ثمراتٍ ... وتفكه منها بلب اللباب واجتل من حاناتها خندرياً ... رصعتها فرايد من حباب وإذا رمت للمعالي طريقاً ... فاهتد في كواكب الأكواب وأجل بعملات فكرك فيها ... واغترب في) غرائب الاغتراب ( وتأسف على مؤلفها الطو ... د المنيع الذري الرفيع الجناب وترحم إن استطعت عليه عدد الرمل والحصى والتراب ) تقريظ آخر له أيضاً ( لله رحلة مولانا الشهاب فكم ... طوت مفاوز أعيت كل خربت وأفحمت كل منطيق شقاشقها ... أنى وقد أسكتت مثلي أين سكبت فلو رآها ابن كبريت لقال سرت ... ) أوائل النار في أطراف كبريت ( ) وتقريظ آخر (للكامل الذي رتق بكماله فتق نقص الزمان. والفاضل الذي سحب فاضل ذيل فضله على سحبان. الأمين السري.) محمد أمين أفندي العمري (. وهو هذا: سافر إنسان عيني في مفاوز هذه الرحلة الغرباء مسافرة القوافل السائرة. وقطعها مرحلة فمرحلة. وسرى بريد فكري في منازلها الفسيحة الأرجاء مسرى البدور السافرة. وتعداها منزلة فمنزلة. فشاهد فيها عجائب وغرائب لم يفصح عنها معجم البلدان. وعاين في ألوان مزاياها صوراً وهياكل لم تطبع في مرآة الزمان وليس الخبر كالعيان. وجلى نظرة الكليل بما انطبع فيها من غرائب الأشكال الجالية لكل ناظر. ورجع قرير العين لا بخفي حنين كما قر عيناً بالإياب المسافر. وظهر له من سيره فيها بالطول والعرض. سر قوله تعالى) أولم يسيروا في الأرض (. ورأى كل رحلة طالت قبلها بلا طائل. بل دونها في الظرافة واللطافة بمراحل. وعاد من سفره نشوان من نشوة المدام. ولا عود الشهاب أبي الثنا إلى مدينة السلام. لا زال نشوان من مدام ألطاف ربه. مع جميع ندمائه وصحبه. وللأديب الحاج جواد الشهير ببذكت الكربلائي وهو قوله: لا ريب في هذا الكتاب لما به ... من وصل طلاب بفضل خطاب ماذا أفوه من الثنا وأبو الثنا ... قد فاه فيه بحكمة وصواب في كل حرفٍ للأنام هداية ... فكأن لفظ شهاب ضوء شهاب بهداه لزم لب كل موحد ... ودليل ذلك نزهة الألباب ) تقريظ آخر (للفاضل الأديب. والكامل الأريب. ذي الفضل المزيد. الوافر المديد. السيد محمد سعيد. وذلك قوله: قد طالعت كتاب غرائب الاغتراب. ونزهة الألباب. رحلة مولانا الشهاب. ومن أوتي الحكمة وفصل الخطاب. فرأيته كتاباً يبهر ذوي الألباب. بما أودع فيه من الحكم والآداب. كيف لا ومصنفه الإمام الذي أتى في مصنفاته بالعجب العجاب. ومن نظر في كتابه هذا وجده مرآةً لما كانت عليه عاصمة البلاد الإسلامية يومئذٍ بلا ارتياب. فقد وصف فيه ما شاهده من مبانٍ ومغانٍ وقصور ومصانع ومن تحلى فيه من الفضل بأبهى جلباب. فسبحان من خص عباده يقصر عن بيانها الإيجاز والإطناب. وهكذا سلك فيما شاهده من البلاد التي مر عليها منذ مفارقة الوطن إلى والمآب. فدونكم يا بني الأدب. فهذه رياضكم قد أزهرت وسموا سوام أنظاركم لترتع في أخصب المراتع من رياض الآداب. وهذه حميا الفصاحة قد طافت بكؤوسها أبكار الأفكار فما شراب كسراب. ذلك بعض فضل الله على مصنفه نعم العبد إنه أواب.

§1/1