غاية الوصول في شرح لب الأصول

الأنصاري، زكريا

مقدمة

مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أظهر بدائع مصنوعاته على أحسن نظام، وخص من بينها من شاء بمزيد الطول والإنعام، ووفقه وهداه إلى دين الإسلام، وأرشده إلى طريق معرفة الاستنباط لقواعد الأحكام، لمباشرة الحلال وتجنب الحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المفضل على جميع الأنام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الغرّ الكرام. وبعد، فهذا شرح لمختصري المسمى بـ (لب الأصول) الذي اختصرت فيه جمع الجوامع يبين حقائقه، ويوضح دقائقه، ويذلل من اللفظ صعابه، ويكشف عن وجه المعاني نقابه، سالكا فيه غالبا عبارة شيخنا العلامة، المحقق الفهامة الجلال المحلي لسلاستها وحسن تأليفها، وروما لحصول بركة مؤلفها، وسميته «غاية الوصول إلى شرح لب الأصول» . والله أسأل أن ينفع به وهو حسبي ونعم الوكيل. (بسم الله الرحمن الرحيم) أي أؤلف أو أبتدىء تأليفي، والباء للمصاحبة ليكون ابتداء التأليف مصاحبا لاسم الله تعالى المتبرّك بذكره، وقيل للاستعانة نحو كتبت بالقلم، والاسم من السموّ وهو العلوّ. وقيل من الوسم وهو العلامة، والله علم للذات الواجب الوجود المستحق لجميع الصفات الجميلة، والرحمن الرحيم صفتان بنيتا للمبالغة من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطع وقطع. (الحمد لله الذي وفقنا) أي خلق فينا قدرة. (للوصول إلى معرفة الأصول) فيه براعة الاستهلال، والحمد لغة الثناء باللسان على الجميل

الاختياري على جهة التبجيل والتعظيم، وعرفا فعل ينبىء عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد أو غيره، وابتدأت بالبسملة والحمدلة اقتداء بالكتاب العزيز وعملاً بخبر أبي داود وغيره «كُلُّ أمرٍ ذي بَالٍ لاَ يبدأ فيه ببسْمِ الله الرَّحمن الرَّحيم» وفي رواية «بالحمد لله فَهُو أجْذَمُ» أي مقطوع البركة، وقدَّمت البسملة عملاً بالكتاب والإجماع، والحمد مختص بالله، كما أفادته الجملة سواء جعلت أل فيه للاستغراق أم للجنس أم للعهد، كما بينت ذلك في شرح البهجة وغيره. (ويسَّر لنا سلوك) أي دخول. (مناهج) جمع منهج أي طرق حسنة. (بـ) سبب (قوّة أودعها في العقول) جمع عقل وهو غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات، وقد بسطت الكلام عليه في شرح لآداب البحث. (والصلاة) وهي من الله رحمة ومن الملائكة استغفار، ومن الآدمي تضرّع ودعاء. (والسلام) بمعنى التسليم. (على محمد) نبينا، ومحمد علم منقول من اسم مفعول المضعف تسمَّى به نبينا بإلهام من الله تعالى تفاؤلاً بأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة صفاته الجميلة. (وآله) هم مؤمنوا بني هاشم وبني المطلب. (وصحبه) هو عند سيبويه إسم جمع لصحابة بمعنى الصحابي، وهو كما سيأتي من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلّم، وعطف الصحب على الآل الشامل لبعضهم لتشمل الصلاة والسلام باقيهم، وجملتا الحمد والصلاة والسلام على من ذكر خبريتان لفظا إنشائيتان معنى، إذ القصد بالأولى الثناء على الله بأنه مالك لجميع الحمد من الخلق، وبالثانية إيجاد الصلاة والسلام لا الاعلام بذلك، وإن كان هو القصد بهما في الأصل. (الفائزين) أي الناجين والظافرين (من الله) متعلق بقولي (بالقبول) قدّم عليه هنا وفيما يأتي رعاية للسجع، ويجوز تعلقه بما قبله. (وبعد) يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر، وأصلها أما بعد بدليل لزوم الفاء في حيزها غالبا لتضمن أما معنى الشرط والأصل مهما يكن من شيء بعد البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر. (فهذا) المؤلف الحاضر ذهنا (مختصر) من الاختصار، وهو تقليل اللفظ وتكثير المعنى. (في الأصلين) عبر به دون الأصولين أي أصول الفقه وأصول الدين، إيثارا للتخفيف والاختصار. (وما معهما) من المقدمات والتقليد وآداب الفتيا وخاتمة التصوّف. (احتضرت فيه جمع الجوامع للعلامة) شيخ الإسلام عبد الوهاب. (التاج)

المقدمات

ابن الإمام شيخ الإسلام تقي الدين. (السبكي رحمه الله) وتغمده بغفرانه، وكساه حُلِي رضوانه. (وأبدلت منه) أي من جمع الجوامع. (غير المعتمد والواضح بهما) أي بالمعتمد والواضح. (مع زيادات حسنة) ستقف عليها إن شاء الله تعالى. (ونبهت على خلاف المعتزلة) ولو مع غيرهم. (بعندنا و) على خلاف (غيرهم) وحده. (بالأصح غالبا) فيهما. (وسميته لب الأصول راجيا) أي مؤملاً. (من الله) تعالى. (القبول وأسأله النفع به) لمؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر المؤمنين. (فإنه خير مأمول) أي مرجوّ. (وينحصر مقصوده) أي لب الأصول. (في مقدمات) بكسر الدال كمقدمة الجيش من قدم اللازم بمعنى تقدم، وبفتحها على قلة كمقدمة الرجل في لغة من قدم المتعدي أي في أمور متقدمة أو مقدمة على المقصود بالذات للانتفاع بها فيه مع توقفه على بعضها، كتعريف الحكم وأقسامه، إذ يثبتها الأصولي تارة وينفيها أخرى كما سيجيء. (وسبعة كتب) في المقصود بالذات، خمسة في مباحث أدلة الفقه الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستدلال. والسادس في التعادل والتراجيح. والسابع في الاجتهاد، وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا وما ضم إليه من علم الكلام المفتتح بمسألة التقليد في أصول الدين المختتم بما يناسبه من خاتمة التصوف، وهذا الحصر من حصر الكلي جزائه لا الكلي في جزئياته. المقدمات أي مبحثها. افتتحهتا كالأصل بتعريف أصول الفقه ليتصوّره طالبه بما يضبط مسائله الكثيرة، ليكون على بصيرة في تطلبها، إذ لو تطلبها قبل بطلها لم يأمن فوات ما يرجيه وصرف الهمة إلى ما لا يعنيه فقلت (أصول الفقه) أي الفنّ المسمى بهذا اللقب المشعر بمدحه بابتغاء الفقه عليه، إذ الأصل ما يبنى عليه غيره. (أدلة الفقه الإجمالية) أي غير المعينة كمطلق الأمر والإجماع من حيث إنه يبحث عن أوّلهما، بأنه الوجوب حقيقة، وعن ثانيهما بأنه حجة. (وطرق استفادة جزئياتها) التي هي أدلة الفقه التفصيلية المستفاد هو منها، والمراد بالطرق المرجحات الآتي أكثرها في الكتاب السادس. (وحال مستفيدها) أي وصفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه الإجمالية، وهو المجتهد لأنه الذي يستفيدها بالمرجحات عند تعارضها دون المقلد، والمراد بصفاته شرائطه الآتية في الكتاب السابع،

ويعبر عنها بشروط الاجتهاد، وخرج بأدلة الفقه غير الأدلة كالفقه، وأدلة غير الفقه كأدلة الكلام وبعض أدلة الفقه وبالإجمالية التفصيلية وإن لم يتغاير إلا بالاعتبار كأقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنا، وصلاته صلى الله عليه وسلّم في الكعبة، فليست أصول الفقه، وإنما يذكر بعضها في كتبه للتمثيل. (وقيل) أصول الفقه (معرفتها) أي عرفة أدلة الفقه وما عطف عليها، ورجح الأول لأن الأدلة وما عطف عليها إذا لم تعرف لم تخرج عن كونها أصولاً، والأصل قال أصول الفقه دلائل الفقه الإجمالية، وقيل معرفتها، ثم قال والأصولي العارف بها وبطرق استفادتها ومستفيدها مخالفا في ذلك الأصوليين باعترافه، وقرره في منع الموانع بما لا يشفي، وقرره شيخنا العلامة الجلال المحلي بما لا مزيد عليه، واستبعده أيضا شيخه العلامة الشمس البرماوي، وقال لا يعرف في المنسوب زيادة قيد من حيث النسبة على المنسوب إليه، وعدلت عن قوله دلائل إلى قولي أدلة، لأن الموجود هنا جمع قلة لا جمع كثرة، ولما قيل إن فعائل لم يأت جمعا لإسم جنس بوزن فعيل، وإن ردّ بأنه أتى نادرا كوصائد جمع وصيد. واعلم أن لكل علم مبادىء وموضوعا ومسائل، فمبادئه ما يتوقف عليه المقصود بالذات من تعريفه وتعريف أقسامه، وفائدته وهي هنا العلم بأحكام لله وما يستمد منه، وهو هنا علم الكلام والعربية والأحكام أي تصوّرها. وموضوعه أي ما يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية كأدلة الفقه هنا. ومسائله ما يطلب نسبة محموله إلى موضوعه في ذلك العلم، كعلمنا هنا بأن الأمر للوجوب حقيقة والنهي للتحريم كذلك. (والفقه علم بحكم) أي نسبة تامة، فالعلم بها تصديق بتعلقها لا تصوّرها، لأنه من مبادىء أصول الفقه، ولا تصديق بثبوتها لأنه من علم الكلام. (شرعي) أي مأخوذ من الشرع المبعوث به النبي الكريم. (عملي) أي متعلق بكيفية عمل قلبي أو غيره، كالعلم بوجوب النية في الوضوء وبندب الوتر. (مكتسب) ذلك العلم لمكتسبه. (من دليل تفصيلي) للحكم. فالعلم كالجنس، وخرج بالحكم العلم بالذات والصفة والفعل كتصوّر الإنسان والبياض والقيام، وبالشرعي العلم بالحكم العقلي والحسي واللغوي والوضعي، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار محرقة، وأن النور الضياء، وأن الفاعل

مرفوع، وبالعملي العلم بالحكم الشرعي العلمي أي الاعتقادي، كالعلم في أصول الفقه بأن الإجماع حجة، والعلم في أصول الدين بأن الله واحد، وبالمكتسب علم الله وجبريل بما ذكر، وكذا علم النبي به الحاصل بوحي، وعلمنا به بالضرورة بأن علم من الدين بالضرورة كإيجاب الصلاة والزكاة والحج وتحريم الزنا والسرقة، وبالدليل التفصيلي العلم بذلك للمقلد، فإنه من المجتهد بواسطة دليل إجمالي، وهو أن هذا الحكم أفتاه به المفتي، وكل ما أفتاه به المفتي، فهو حكم الله في حقه فعلمه مثلاً بوجوب النية في الوضوء كذلك ليس من الفقه، وعبروا عن الفقه هنا بالعلم وإن كان لظنية أدلته ظنا كما عبروا به في كتاب الاجتهاد، لأنه ظن المجتهد الذي هو لقوّته قريب من العلم، ونكرت العلم والحكم وأفردتهما تبعا للعلامة البرماوي، لأن التحديد إنما هو للماهية من غير اعتبار كمية أفرادها، ولأن في تعبيري بحكم لا بالأحكام الذي عبر به الأصل كغيره سلامة من ورود أن العلم بجميع الأحكام ينافي قول كل من أكابر الفقهاء في مسائل سئلوا عنها لا أدري، وإن أجيب عنه بأنهم متهيئون للعلم بأحكامها بمعاودة النظر وإطلاق العلم على مثل هذا التهيوء شائع عرفا. يقال فلان يعلم النحو ولا يراد أن جميع مسائله حاضرة عنده مفصلة، بل إنه متهيىء لذلك. (والحكم خطاب الله) تعالى أي كلامه النفسي الأزلي المسمى في الأزل خطابا على الأصح كما سيأتي. (المتعلق) إما (بفعل المكلف) أي البالغ العاقل الذي لم يمتنع تكليفه تعلقا معنويا قبل وجوده أو بعد وجوده قبل البعثة، وتنجيزيا بعد وجوده بعد البعثة، إذ لا حكم قبلها كما سيأتي ذلك. (اقتضاء) أي طلبا للفعل وجوبا أو ندبا أو حرمة أو كراهة أو خلاف الأولى. (أو تخييرا) بين الفعل وتركه أي إباحة فيشمل ذلك الفعل القلبي الاعتقادي وغيره. والقولي وغيره والكف والمكلف الواحد كالنبي صلى الله عليه وسلّم في خصائصه، والأكثر من الواحد، (و) إما (بأعم) من فعل المكلف (وضعا وهو) الخطاب (الوارد) بكون الشيء (سببا وشرطا ومانعا وصحيحا وفاسدا) وسيأتي بيانها، فيشمل ذلك فعل المكلف كالزنا سببا لوجوب الحد، وغير فعله كالزوال

سببا لوجوب الظهر، وإتلاف غير المكلف كالسكران سببا لوجوب الضمان، وخطاب كالجنس وخرج بإضافته إلى الله خطاب غيره، وإنما وجبت طاعة الرسول والسيد مثلاً بإيجاب الله تعالى أياها، وبفعل المكلف خطاب الله تعالى المتعلق بذاته وصفاته وذوات المكلفين والجمادات، كمدلول الله لا إله إلا هو خالق كل شيء ولقد خلقناكم ويوم نسير الجبال، وبالاقتضاء والتخيير والوضع مدلول وما تعملون من قوله {والله خلقكم وما تعملون} فإنه متعلق بفعل المكلف لا باقتضاء ولا تخيير، ولا وضع بل من حيث الإخبار بأنه مخلوق لله، ولا يتعلق الخطاب التكليفي بفعل غير المكلف ووليه مخاطب بأداء ما وجب في ماله منه، كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته حيث فرط في حفظها لتنزل فعلها حينئذ منزلة فعله، وصحة عبادة الصبيّ كصلاته المثاب عليها ليس لأنه مأمور بها كما في البالغ، بل ليعتادها فلا يتركها، وبما تقرر علم أن خطاب الوضع حكم شرعي متعارف، وهو ما اختاره ابن الحاجب خلافا لما جرى عليه الأصل، وذلك لأنه لا يعلم إلا بوضع الشرع كالخطاب التكليفي، بل قيل إنه لا حاجة لذكره لأنه داخل في الاقتضاء والتخيير، إذ لا معنى لكون الزوال مثلاً سببا لوجوب الظهر إلا إيجابها عنده، ولا لكون الطهارة شرطا للاقدام على البيع إلا إباحة الاقدام عندها وتحريمه عند فقدها. وقيل إنه ليس بحكم حقيقة لأنه ليس بإنشاء بل خبر عن ترتب آثار هذه الأمور عليها. قال البرماوي وليس لهذا الخلاف كبير فائدة، بل هو خلاف لفظي وإذا ثبت أن الحكم خطاب الله. (فلا يدرك حكم إلا من الله) فلا يدرك العقل شيئا مما يأتي عن المعتزلة المعبر عن بعضه بالحسن والقبح بالمعنى الآتي على الأثر. (وعندنا) أيها الأشاعرة (أن الحسن والقبح) لشيء (بمعنى ترتب) المدح و (الذم حالاً) والثواب (والعقاب مآلاً) كحسن الطاعة وقبح المعصية. (شرعيان) أي لا يحكم بهما إلا الشرع المبعوث به الرسل. أي لا يدرك إلا به ولا يؤخذ إلا منه، أما عند المعتزلة فعقليان. أي يحكم بهما العقل بمعنى أنه طريق إلى العلم بهما يمكن إدراكه به من غير ورود سمع لما في الفعل من مصلحة أو مفسدة يتبعها حسنه أو قبحه عند الله. أي يدرك العقل ذلك إما بالضرورة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار، أو بالنظر كحسن الكذب النافع وقبح الصدق الضار، وقيل العكس. والشرع يؤكذ ذلك أو بإعانة الشرع فيما خفي على العقل كحسن صوم آخر يوم من رمضان، وقبح صوم أوّل يوم من شوّال وتركت كالأصل المدح والثواب للعلم بهما من ذكر مقابلهما الأنسب بأصول المعتزلة، إذ العقاب عندهم لا يتخلف ولا يقبل الزيادة والثواب يقبلهما، وإن لم يتخلف أيضا، وخرج بمعنى ترتب ما ذكر الحسن والقبح بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته كحسن الحلو وقبح المر، وبمعنى صفة الكمال والنقص كحسن العلم وقبح الجهل فعقليان، أي يحكم بهما العقل اتفاقا. (و) عندنا (أن شكر المنعم) وهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من السمع وغيره إلى ما خلق له (واجب بالشرع) لا بالعقل فمن لم يبلغه دعوة نبي لا يأثم بتركه خلافا للمعتزلة. (و) عندنا (أنه لا حكم) متعلق بفعل تعلقا تنجيزيا

(قبله) أي الشرع أي بعثة أحد من الرسل لانتفاء لازمه حينئذ من ترتب الثواب والعقاب بقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} ف) أي ولا مثيبين فاغتنى عن ذكر الثواب بذكر مقابله الأظهر في تحقق معنى التكليف، والقول بأن الرسول في الآية العقل وتخصيص العذاب فيها بالدنيوي خلاف الظاهر. (بل) انتقالية لا إبطالية. (الأمر) أي الشأن في وجوب الحكم (موقوف إلى وروده) أي الشرع فلا مخالفة بين من عبر منا في الأفعال قبل البعثة بالوقف، ومن نفى منا الحكم فيها. أما عند المعتزلة فالحكم متعلق به تعلقا تنجيزيا قبل البعثة، فإنهم جعلوا العقل حاكما في الأفعال قبل البعثة فما قضى به في شيء منها ضروري كالتنفس في الهواء أو اختياري لخصوصه بأن أدرك فيه مصلحة أو مفسدة، أو انتفاءهما، فأمر قضائه فيه ظاهر، وهو أن الضروري مقطوع بإباحته، والاختياري لخصوصه ينقسم إلى الأقسام الخمسة الحرام وغيره، لأنه إن اشتمل على مفسدة فعله فحرام كالظلم، أو تركه فواجب كالعدل، وإلا فإن اشتمل على مصلحة فعله فمندوب كالإحسان، أو تركه فمكروه،. وإن لم يشتمل على مفسدة ولا مصلحة فمباح، فإن لم يقض العقل في شيء منها لخصوصه بأن لم يدرك فيه شيئا مما مر كأكل الفاكهة فاختلف في قضائه فيه لعموم دليله على ثلاثة أقوال أحدها أنه محظور لأن الفعل تصرف في ملك الله تعالى بغير إذنه إذ العالم كله ملك له تعالى. وثانيها أنه مباح لأن الله تعالى خلق العبد وما ينتفع به، فلو لم يبح له كان خلقهما عبثا أي خاليا عن الحكمة. وثالثها الوقف عنهما أي لا يدري أنه محظور أو مباح مع أنه لا يخلو عن واحد منهما، إما ممنوع منه فمحظور أو لا فمباح، وذلك لتعارض دليلهما، وقد علم بطلان الثلاثة مما مر من قوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} . تتمة: لو وقع بعد البعثة صورة لا حكم فيها فثلاثة أقوال الحظر لآية {يسألونك ماذا أحلّ لهم} فإنها تدل على سبق التحريم والإباحة لقوله تعالى {خلق لكم ما في الأرض جميعا} والوقف لتعارض الدليلين. (والأصح امتناع تكليف الغافل) وهو من لا يدري كالنائم والساهي، لأن مقتضى التكليف بشيء الإتيان به امتثالاً وذلك يتوقف على العلم بالمكلف به والغافل لا يعلم ذلك، ومنه السكران وإن أجرى عليه حكم المكلف تغليظا عليه كما أوضحته في حاشية شرح الأصل وغيرها. (و) امتناع تكليف (الملجأ) وهو من يدري ولا مندوحة له عما ألجىء إليه كالساقط من شاهق على شخص يقتله لا مندوحة له عن الوقوع عليه القاتل له، فيمتنع تكليفه بالملجأ إليه وبنقيضه لعدم قدرته على ذلك، لأن الأوّل واجب الوقوع، والثاني ممتنعه ولا قدرة له على واحد منهما. وقيل يجوز تكليف الغافل والملجأ بناء على جواز التكليف بما لا يطاق كحمل الواحد الصحرة العظيمة، وردّ بأن الفائدة في التكليف بذلك من الاختبار هل يأخذ في المقدمات منتفية في تكليف من ذكر، وظاهر أن من ذكر يمتنع أن يتعلق به خطاب غير وضعي بغير الواجب والحرام أيضا، وإن أوهم التعبير بالتكليف قصوره عليهما. (لا المكره) وهو من لا مندوحة له عما أكره عليه إلا بالصبر على ما أكره به، فلا يمتنع تكليفه بالمكره عليه، وإن خالف داعي الإكراه داعي الشرع ولا بنقيضه، وإن وافقه على الأصح فيهما لإمكان الفعل، لكن لم يقع الأوّل مع المخالفة لخبر «رُفِعَ عَنْ أمَّتي الخَطَأَ والنِّسيانَ وما اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ» . ولا الثاني مع الموافقة قياسا على الأوّل، وإنما وقعا مع غير ذلك لقدرته على امتثال ذلك بأن يأتي بالمكره عليه لداعي الشرع كمن أكره على أداء الزكاة فنواها عند أخذها منه، أو بنقيضه صابرا على ما أكره

به، وإن لم يكلف الصبر عليه كمن أكره على شرب خمر فامتنع منه صابرا على العقوبة، وقيل يمتنع تكليفه بذلك لعدم قدرته على امتثاله، إذ الفعل للإكراه لا يحصل الامتثال به، ولا يمكن الإتيان معه بنقيضه والقول الأوّل للأشاعرة والثاني للمعتزلة وصححه الأصل ورجع عنه إلى الأوّل آخرا وأدرج فيما صححه امتناع تكليف المكره على القتل، فاحتاج إلى الجواب عن إثم القاتل المجمع عليه بأنه ليس

للإكراه، بل لإيثاره نفسه بالبقاء على قتيله، وعلى ما رجحناه لا يحتاج إلى الجواب، ثم ما ذكر في تكليف المكره هو كلام الأصوليين، أما الفقهاء فاضطربت أجوبتهم فيه بحسب قوة الدليل، فمرة قطعوا بما يوافق عدم تكليفه كعدم صحة عقوده وحلها وكالتلفظ بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ومرة قطعوا بما يوافق تكليفه كإكراه الحربي والمرتد على الإسلام ونحوه مما هو إكراه بحق، ومرة رجحوا ما يوافق الأوّل كإكراه الصائم على الفطر وإكراه من حلف على شيء فإنه لا يفطر ولا يحنث بفعل ذلك على الراجح، ومرة رجحوا ما يوافق الثاني كالاكراه على القتل فإه يأثم بالقتل إجماعا ويلزمه الضمان قودا أو مالاً على الراجح. لا يقال التعبير بالتكليف قاصر على الوجوب والحرمة بناء على أن التكليف إلزام ما فيه كلفة لأنا نمنع ذلك، فإن ما عداهما لازم للتكليف، إذ لولا وجوده لم يوجد ما عداهما ألا ترى إلى انتفائه قبل البعثة كانتفاء التكليف. (ويتعلق الخطاب) من أمر أو غيره فهو أعم من قوله ويتعلق الأمر (عندنا) أيها الأشاعرة (بالمعدوم تعلقا معنويا) بمعنى أنه إذا وجد بصفة التكليف يكون مخاطبا بذلك الخطاب النفسي الأزلي لا تعلقا تنجيزيا بأن يكون حال عدمه مخاطبا، أما المعتزلة فنفوا التعلق المعنوي أيضا لنفيهم الكلام النفسي، (فإن اقتضى) أي طلب الخطاب الذي هو كلام الله النفسي (فعلاً غير كف) من المكلف (اقتضاء جازما) بأن لم يجز تركه (فإيجاب) أي فهذا الخطاب يسمى أيجابا (أو) اقتضاء (غير جازم) بأن جوّز تركه (فندب أو) اقتضى (كفا) اقتضاء (جازما) بأن لم يجز فعله. (فتحريم أو) اقتضاء (غير جازم بنهي مقصود) لشيء كالنهي في خير الصحيحين «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (فكراهة) . أي فالخطاب المدلول عليه بالمقصود يسمى كراهة ولا يخرج عن المقصود دليل المكروه إجماعا أو قياسا، لأنه في الحقيقة مستند الإجماع أو دليل المقيس عليه، وذلك من المقصود وقد يعبرون عن الإيجاب والتحريم بالوجوب والحرمة لأنهما أثرهما، وقد يعبرون عن الخمسة بمتعلقاتها من الأفعال كالعكس تجوُّزا فيقولون في الأول الحكم إما واجب أو مندوب الخ. وفي الثاني الفعل إما إيجاب أو ندب الخ. (أو بغير مقصود) وهو النهي عن ترك المندوبات المستفاد من أوامرها، إذ الأمر بشيء يفيد النهي عن تركه. (فخلاف الأولى) أي فالخطاب المدلول عليه بغير المقصود يسمى خلاف الأولى كما يسماه متعلقه فعلاً غير كف كان كفطر مسافر لا يتضرر بالصوم كما

سيأتي، أو كفا كترك صلاة الضحى، والفرق بين قسمي المقصود وغيره أن الطلب في المقصود أشدّ منه في غيره، والقسم الثاني وهو واسطة بين الكراهة والإباحة زاده جماعة من متأخري الفقهاء منهم إمام الحرمين على الأصوليين، وأما المتقدمون فيطلقون المكروه على القسمين، وقد يقولون في الأول مكروه كراهة شديدة، كما يقال في قسم المندوب سنة مؤكدة، وعلى ما عليه الأصوليون يقال أو غير جازم فكراهة. (أو خير) الخطاب بين الفعل المذكور والكف عنه (فإباحة) وتعبيري بخير سالم مما يرد على تعبيره بالتخيير من أنه يقتضي أن في الإباحة اقتضاء وليس كذلك، وإن كان عن الإيراد جواب وزدت غير كف لأسلم من مقابلة الفعل بالكف الذي عبر عنه الأصل بالترك هو لا يقابل به، إذ الكف فعل والترك فعل هو كف كما سيأتي. (و) بما ذكر (عرفت حدودها) أي حدود المذكورات من أقسام خطاب التكليف، فحد الإيجاب مثلاً الخطاب المقتضي لفعل غير كف اقتضاء جازما، وأما حدود أقسام خطاب الوضع فتعرف من حده المشهور الذي قدمته وهو الخطاب الوارد بكون الشيء سببا الخ. فحدّ السببي منه مثلاً الخطاب الوارد بكون الشيء سببا لحكم شيء، وأما حدود السبب وغيره من أقسام متعلق خطاب الوضع فسيأتي، وكذا حد الحد بالجامع المانع الدافع للاعتراض بأنّ ما عرف رسوم لا حدود، لأن المميز فيها خارج عن الماهية. (والأصح ترادف) لفظي (الفرض والواجب) أي مسماهما واحد وهو كما علم من حدّ الإيجاب الفعل غير الكف المطلوب طلبا جازما، ولا ينافي هذا ما ذكره أئمتنا من الفرق بينهما في مسائل، كما قالوا فيمن قال الطلاق واجب عليّ تطلق أو فرض عليّ لا تطلق، إذ ذاك ليس للفرق بين حقيقتيهما، بل لجريان العرف بذلك أو لاصطلاح آخر كما بينته مع زيادة تحقيق في الحاشية. ونفت الحنفية ترادفهما فقالوا هذا الفعل إن ثبت بدليل قطعي كالقرآن فهو الفرض كقراءة القرآن في الصلاة الثابتة بقوله تعالى {فاقرأوا ما تيسر من القرآن} أو بدليل ظني كخبر الواحد فهو الواجب كقراءة الفاتحة في الصلاة الثابتة بخبر الصحيحين «لا صَلاَةَ لمنْ لَم يقرأ بفاتِحَةِ الكِتابِ» فيأثم بتركها ولا تفسد به صلاته بخلاف ترك القراءة. (كالمندوب) أي كما أن الأصح ترادف ألفاظ المندوب (والمستحب والتطوّع والسنّة) والحسن والنفل والمرغب فيه أي مسماها واحد وهو كما علم من حد الندب الفعل غير الكف المطلوب طلبا غير جازم، ونفى القاضي حسين وغيره ترادفها فقالوا هذا الفعل إن واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلّم فهو السنّة، إلا كأن فعله مرة أو مرتين فهو المستحب، أو لم يفعله وهو ما ينشئه الإنسان باختياره من الأوراد فهو التطوّع، ولم يتعرضوا للبقية لعمومها للأقسام الثلاثة. (والخلف) في المسألتين (لفظي) أي عائد إلى اللفظ والتسمية،

إذ حاصله في الثانية أن كلاًّ من الأقسام الثلاثة كما يسمى باسم من الأسماء الثلاثة كما ذكر هل يسمى بغيره منها. فقال القاضي وغيره لا إذ السنة الطريقة والعادة والمستحب المحبوب والتطوّع الزيادة، والأكثر يعم ويصدق على كل من الأقسام أنه طريقة وعادة في الدين ومحبوب للشارع وزائد على الواجب. وفي الأولى أن ما ثبت بقطعي كما يسمى فرضا هل يسمى واجبا، وما ثبت بظني كما يسمى واجبا هل يسمى فرضا؟ فعند الحنفية لا أخذا للفرض من فرض الشيء حزه أي قطعُ بعضه، وللواجب من وجب الشيء وجبة سقط وما ثبت بظني ساقط من قسم المعلوم، وعندنا نعم أخذا من فرض الشي قدّره ووجب الشيء وجوبا ثبت وكلّ من المقدر والثابت أعم من أن يثبت بقطعي أو ظني ومأخذنا أكثر استعمالاً مع أنهم نقضوا أصلهم في أشياء منها جعلهم مسح ربع الرأس والقعدة في آخر الصلاة والوضوء من الفصد فرضا مع أنها لم تثبت بدليل قطعي، وما مر من أن ترك الفاتحة من الصلاة لا يفسدها عندهم أي دوننا لا يضر في أن الخلف لفظي، لأنه كم فقهي لا دخل له في التسمية. (و) الأصح (أنه) أي المندوب (لا يجب) بالشروع فيه (إتمامه) لأن المندوب يجوز تركه وترك إتمامه المبطل لما فعل منه ترك له. وقالت الحنفية يجب إتمامه لقوله تعالى {ولا تبطلوا أعمالكم} حتى يجب بترك الصلاة والصوم منه إعادتهما وعورض في الصوم بخبر «الصائمُ المتطوِّعُ أميرُ نَفْسِه إن شاءَ صامَ وإنْ شَاءَ أفْطَرَ» رواه الترمذي وغيره، وصحح الحاكم إسناده، ويقاس بالصوم الصلاة فلا تشملهما الآية جمعا بين الأدلة.

(ووجب) إتمامه (في النسك) من حج أو عمرة (لأنه كفرضه نية) فإنها في كل منهما قصد الدخول في النسك أي التلبس به (وغيرها) ككفارة فإنها تجب في كل منهما بالوطء المفسد له وكانتفاء الخروج بالفساد، فإن كلاًّ منهما لا يحصل الخروج منه بفساده، بل يجب المضيّ في فاسده وغير النسك ليس نفله كفرضه فيما ذكر، فالنية في نفل الصلاة والصوم غيرهما في فرضهما، والكفارة في فرض الصوم دون نفله ودون الصلاة مطلقا وبفسادهما يحصل الخروج منهما مطلقا، ففارق النسك المندوب غيره من باقي المندوب في وجوب إتمامه، وتعبيري بالنسك أعم من تعبيره بالحج، ثم أخذت في بيان متعلق خطاب الوضع من سبب وغيره فقلت (والسبب) الشرعي هنا (وصف) وجودي أو عدمي (ظاهر منضبط معرف للحكم) الشرعي لا مؤثر فيه بذاته، أو بإذن الله أو باعث عليه كما قال بكل قائل كما سيأتي بيانها في معنى العلة، وهذا التعريف مبين لمفهوم السبب، وبه عرف المصنف في شرح المختصر كالآمدي وعرفه في الأصل بما يبين خاصته، ولذلك عدلت عنه إلى الأوّل والمعبر عنه هنا بالسبب هو المعبر عنه في القياس بالعلة، كالزنا لوجوب الجلد، والزوال لوجوب الظهر، والإسكار لحرمة الخمر، ومن قال لا يسمى الوقت السببي كالزوال علة نظر إلى اشتراط المناسبة في العلة. وسيأتي أنها لا يشترط فيها بناء على أنها المعرّف وهو الحق وخرج بمعرف الحكم المانع وسيأتي. (والشرط ما يلزم من عدمه العدم) للمشروط (ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم) له خرج القيد الأوّل المانعَ إذ لا يلزم من عدمه شيء، وبالثاني السبب، إذ يلزم من وجوده الوجود وزاد الأصل ككثير في تعريفه لذاته ليدخل الشرط المقارن للسبب، فيلزم الوجود كوجود الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة مع النصاب الذي هو سبب للوجوب، والمقارن للمانع كالدين على القول بأنه مانع من وجوب الزكاة فيلزم العدم فلزوم الوجود والعدم في ذلك لوجود السبب والمانع لا لذات الشرط وحذفه لعدم الاحتياج إليه فيما ذكر، إذ المقتضي للزوم الوجود والعدم إنما هو السبب والمانع لا الشرط، ثم هو عقلي كالحياة للعلم، وشرعي كالطهارة للصلاة، وعادي كنصب السلم لصعود السطح، ولغوي كما في أكرم فلانا إن جاء أي الجائي، وسيأتي في مبحث التخصيص، وتعريفي هنا للشرط بما ذكر وإن شمل اللغوي أنسب من تأخير الأصل له إلى مبحث المخصص (والمانع) المراد عند الاطلاق كما هنا وهو مانع الحكم. (وصف وجودي) لا عدمي (ظاهر) لا خفي (منضبط) لا مضطرب (معرف نقيض الحكم) أي حكم السب (كالقتل في) باب (الإرث) فإنه مانع من وجود الإرث المسبب عن القرابة أو غيرها لحكمة، وهي عدم استعجال الوارث موت مورثه بقتله أما مانع السبب والعلة ولا يذكر إلا مقيدا

بأحدهما، فسيأتي في مبحث العلة (والصحة) الشاملة لصحة العبادة وصحة غيرها من عقد وغيره (موافقة) الفعل (ذي الوجهين) وقوعا (الشرع في الأصح) . والوجهان موافقة الشرع ومخالفته أي الفعل الذي يقع تارة موافقا للشرع، وتارة مخالفا له عبادة كان كصلاة أو غيرها كبيع صحته موافقته الشرع، بخلاف ما لا يقع إلا موافقا له كمعرفة الله تعالى، إذ لو وقعت مخالفة له أيضا لكان الواقع جهلاً لا معرفة فلا يسمى الموافق له صحيحا فصحة العبادة أخذا مما ذكر موافقة العبادة ذات الوجهين وقوعا الشرع، وإن لم يسقط قضاؤها، وهذا منسوب للمتكلمين، وقيل صحتها سقوط قضائها وهذا منسوب للفقهاء فما وافق منها الشرع ولم يسقط القضاء كصلاة من ظن أنه متطهر ثم تبين له حدثه يسمى صحيحا على الأوّل نظرا إلى ظن المكلف دون الثاني نظرا إلى ما في نفس الأمر. قال ابن دقيق العيد

وفي هذا البناء نظر لأنه إن أريد بموافقة الأمر الأمر الأصلي فلم يسقط، أو الأمر بالعمل بالظن، فقد بان فساد الظن، فيلزم أن لا يكون صحيحا بالتقديرين، واستظهره البرماوي ويجاب بأن تبين فساد الظن وإن اقتضى عدم تسمية ذلك صحيحا بالنظر إلى نفس الأمر لا يمنع تسميته صحيحا بالنظر إلى الظنّ، وللسبكي وغيره هنا كلام ذكرته في الحاشية. (وبصحة العبادة) خبر لقولي (إجزاؤها أي

كفايتها في سقوط التعبد) أي الطلب وإن لم يسقط القضاء (في الأصح) وقيل إجزاؤها سقوط قضائها كصحتها على القول المرجوح، فالصحة منشأ الاجزاء على القول الراجح فيهما ومرادفة له على المرجوح فيهما. (و) بصحة (غيرها) التي هي أخذا مما مر موافقته الشرع (ترتب أثره) أي أثر غيرها وهو ما شرع الغير له كحل الانتفاع في البيع والتمتع في النكاح، فالصحة منشأ الترتب لا نفس الترتب، كما زعمه الآمدي وغيره بمعنى أنه حيثما وجدت فهو ناشىء عنها لا بمعنى أنها حيثما وجدت نشأ عنها حتى يرد البيع قبل انقضاء الخيار، فإنه صحيح ولم يترتب عليه أثره وتعبيري بغيرها أعم من تعبيره بالعقد. (ويختصّ الإجزاء بالمطلوب) من واجب ومندوب لا يتجاوزهما إلى غيرهما من عقد وغيره (في الأصحّ) وقيل يختص بالواجب لا يتجاوزه إلى غيره من المندوب وغيره، ومنشأ الخلاف خبر ابن ماجة وغيره أربع لا تجزىء في الأضحى فاستعمل الأجزاء في الأضحية وهي مندوبة عندنا واجبة عند غيرنا كأبي حنيفة. (ويقابلها) أي الصحة (البطلان) فهو مخالفة الفعل ذي الوجهين الشرع. وقيل في العبادة عدم إسقاطها القضاء (وهو) أي البطلان (الفساد في الأصح) فكل منهما مخالفة ما ذكر الشرع وإن اختلفا في بعض أبواب الفقه كالخلع والكتابة لاصطلاح آخر، وقالت الحنفية مخالفته الشرع بأن كان منهيا عنه إن كانت لكون النهي عنه لأصله فهي البطلان كما في الصلاة الفاقدة شرط أو ركنا، وكما في بيع الملاقيح لفقد ركن من البيع أو لوصفه فهي الفساد كما في صوم يوم النحر للاعراض بصومه عن ضيافة الله للناس بلحوم الأضاحي التي شرعها فيه، وكما في بيع الدرهم بدرهمين لاشتماله على الزيادة فيأثم به ويفيد بالقبض ملكا خبيثا أي ضعيفا ولو نذر صوم يوم النحر صح نذره، لأن الإثم في فعله دون نذره ويؤمر بفطره وقضائه ليتخلص عن الإثم ويفي بالنذر، ولو صامه وفي بنذره لأنه أدّى الصوم كما التزمه، فقد اعتدّ بالفاسد، أما الباطل فلا يعتد به وضعف ذلك بأن التفرقة إن كانت شرعية فأين دليلها بل يبطلها قوله تعالى {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} حيث سمى الله تعالى ما لم يثبت أصلاً فاسدا وإن كانت عقلية، فالعقل لا يحتج به في مثل ذلك (والخلف لفظي) من زيادتي أي عائد إلى اللفظ والتسمية، إذ حاصله أن مخالفة ما ذكر الشرع

بالنهي عنه لأصله كما تسمى بطلانا هل تسمى فسادا أو لوصفه. كما يسمى فسادا هل تسمى بطلانا، فعندهم لا وعندنا نعم. (والأصح أن الأداء فعل العبادة) صوما أو صلاة أو غيرهما (أو) فعل (ركعة) من الصلاة (في وقتها) مع فعل البقية بعده واجبة كانت أو مندوبة، وتعبيري بالركعة هنا وبدونها في القضاء أولى ن تعبيره بالبعض لما لا يخفى، ولخبر الصحيحين «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» أي مؤداة، وقيل الأداء فعل العبادة في وقتها ففعل بعضها فيه ولو ركعة وبعضها بعده لا يكون أداء حقيقة كما لا يكون قضاء، كذلك، بل يسمى بأحدهما مجازا بتبعية ما في الوقت لما بعده أو بالعكس، وهذا ما عليه الأصوليون، واعتبار الركعة في الأداء ودونها في القضاء كما سيأتي ذكره الفقهاء، وإنما ذكرته هنا تبعا للأصل، والخبر المذكور قد لا يدل على ما ذكروه لاحتمال أنه فيمن زال عذره كجنون وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة فيجب عليه الصلاة. (وهو) أي وقت العبادات المؤدّاة (زمن مقدر لها شرعا) موسعا كان كزمن الصلوات المكتوبة وسننها أو مضيقا كزمن صوم رمضان أو الأيام البيض، فما لم يقدر له زمن شرعا كنذر ونفل مطلقين وغيرهما وإن كان فوريا كالإيمان لا يسمى فعله أداء ولا قضاء اصطلاحا، وإن كان الزمن ضروريا لفعله، ومن ذلك ما وقته العمر كالحج وتسمية بعضهم لوقته موسعا مجاز، إذ الموسع ما يعلم المكلف آخره وآخر العمر لا يعلمه فلا يسمى فعله أداء ولا قضاء اصطلاحا، بل يسماهما مجازا أو لغة كأداء الدين وقضائه نبه على ذلك العلامة البرماوي. (و) الأصح (أن القضاء فعلها) أي العبادة (أو) فعلها (إلا دون ركعة بعد وقتها) والفرق بين ذي الركعة وما دونها أنها تشتمل على معظم أفعال الصلاة، إذ معظم الباقي كالتكرير لها فجعل ما بعد الوقت تابعا لها، بخلاف ما دونها، وقيل القضاء فعل العبادة أو بعضها ولو دون ركعة بعد وقتها، وبعض الفقهاء حقق فسمى ما في الوقت أداء وما بعده قضاء. (تداركا) بذلك الفعل (لما سبق لفعله مقتض) وجوبا أو ندبا سواء كان المقتضي من المتدارك كما في قضاء الصلاة المتروكة بلا عذر أم من غيره، كما في قضاء النائم الصلاة والحائض الصوم، فإنه سبق لفعلهما مقتض من غير النائم والحائض لا منهما، وإن انعقد سبب الوجوب أو الندب في حقهما وخرج بالتدارك إعادة الصلاة المؤداة في الوقت بعده. (و) الأصح (أن الإعادة فعلها) أي العبادة (وقتها ثانيا مطلقا) سواء

أكان لعذر من خلل في فعلها أولاً أو حصول فضيلة لم تكن في فعلها أولاً لكون الإمام أعلم أو أورع أو الجمع أكثر أو المكان أشرف، أم لغير عذر ظاهر بأن استوت الجماعتان أو زادت الأولى بفضيلة، وقيل الإعادة مختصة بخلل في الأوّل وعليه الأكثر، وقيل بالعذر الشامل للخلل ولحصول فضيلة لم تكن في الأوّل، وذكر الأول أن زيادتي وهو ما اختاره الأصل في شرح المختصر، ويمكن حمل أول كلامه هنا عليه كما بينته في الحاشية، وبما ذكر علم تعريف المؤدي والمقضي والمعاد بأن يقال على الأصح المؤدي مثلاً ما فعل مما مر في الأداء في وقته، وقس به الآخرين وأن الإعادة قسم من الأداء فهي أخص منه وعليه الأكثر، وقيل قسيم له وعليه مشى البيضاوي حيث قال العبادة إن وقعت في وقتها المعين ولم تسبق بأداء مختلّ فأداء، وإلا فإعادة لكن كلامه في المرصاد يخالفه، وقد ذكرته في الحاشية مع زيادة.

(والحكم) أي الشرعي إذ الكلام فيه (إن تغير) من حيث تعلقه من صعوبة له على المكلف (إلى سهولة) كأن تغير من حرمة شيء إلى حله (لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي) المتخلف عنه للعذر، (فرخصة) أي فالحكم السهل المذكور يسمى رخصة وهي بإسكان الخاء أكثر من ضمها لغة السهولة. (واجبة ومندوبة ومباحة. وخلاف الأولى) هذه الصفات اللازمة بيان لأقسام الرخصة الممثل لها على هذا الترتيب بقولي (كأكل ميتة لمضطر (وقصر) من مسافر بقيد زدته بقولي (بشرطه) بأن كره القصر أو شك في جوازه، وكان سفره يبلغ ثلاث مراحل فأكثر ولم يختلف في جواز قصره كما هو معلوم من محله، (وسلم) وهو بيع موصوف في الذمة بلفظ سلم (وفطر مسافر) في زمن صوم واجب أصالة أو بنذر أو قضاء ما فات بلا تعدّ (لا يضره الصوم) فإن ضره فالفطر أولى، والمعنى أن الرخصة كحل المذكورات من وجوب وندب وإباحة وخلاف الأولى وحكمها الأصلي الحرمة وأسبابها الخبث في الميتة، ودخول وقتي الصلاة والصوم في القصر والنظر لأنه سبب لوجوب الصلاة تامة والصوم والغرر في السلم، وهي قائمة حال الحل وأعذار الحل الاضطرار ومشقة السفر، والحاجة إلى ثمن الغلات قبل إدراكها، وسهولة الوجوب في أكل الميتة لموافقته غرض النفس في بقائها، وقيل إنه عزيمة لصعوبته ومن الرخصة المباحة إباحة ترك الجماعة في الصلاة لمرض أو نحوه، وحكمه الأصلي الكراهة وسببها قائم حال الإباحة، وهو الانفراد فيما يطلب فيه الاجتماع من شعائر الإسلام، وقد بينت في الحاشية كمية أقسام الرخصة الحاصلة بالانتقال من حكم إلى آخر، وقضية ما ذكر أن الرخصة لا تكون محرمة ولا مكروهة، وهو كما قال العراقي ظاهره، خبر «إنَّ اللَّهُ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخصه» . وما قيل من أنها تكون كذلك حيث قيل إن الاستنجاء بذهب أو فضة يجزىء مع أنه حرام، وأن القصر لدون ثلاث مراحل جائز مع أنه مكروه كما قاله الماوردي. أجيب عن أولهما بأن الاستنجاء بما ذكر جائز على الصحيح أي في غير ما طبع أو هيىء لذلك، أما فيه فيجاب بأن هذه الحرمة ليست لخصوص الاستنجاء حتى تكون رخصة، بل لعموم الاستعمال. وعن ثانيهما بأن الماوردي أراد أنه مكروه كراهة غير شديدة وهي بمعنى خلاف الأولى، ولك أن تقول الرخصة إنما لم توصف بالحرمة لصعوبتها مطلقا، وهذا منتف في الكراهة كخلاف الأولى لأنهما سهلان بالنسبة إلى الحرمة. (وإلا) أي وإن لم يتغير الحكم كما ذكر بأن لم يتغير كوجوب المكتوبات أو تغير إلى صعوبة كحرمة الاصطياد بالإحرام بعد إباحته قبله، أو إلى سهولة لا لعذر كحل ترك الوضوء لصلاة ثانية مثلاً لمن لم يحدث

بعد حرمته بمعنى أنه خلاف الأولى، أو لعذر لا مع قيام السبب للحكم الأصلي كإباحة ترك ثبات واحد منا لعشرة من الكفار في القتال بعد حرمته، وسببها قلتنا ولم يبق حال الإباحة لكثرتنا حينئذ، وعذر الإباحة مشقة الثبات المذكور لما كثرنا. (فعزيمة) أي فالحكم غر المتغير أو المتغير إليه الصعب أو السهل المذكور آنفا يسمى عزيمة، وهي لغة القصد المصمم من عزمت على الشيء جزمت به وصممت عليه عزما وعزما وعزيما وعزيمة لأنه عزم أمره أي قطع وحتم وصعب على المكلف أو سهل، وظاهر كلام كثير انقسامها إلى الأحكام الستة، وبه صرح الشمس البرماوي، لكن الإمام الرازي خصها بغير الحرمة، والغزالي والآمدي وغيرهما بالوجوب، والقرافي بالوجوب والندب، واعترض تعريفا الرخصة والعزيمة بوجوب ترك الصلاة والصوم على الحائض، فإنه عزيمة ويصدق به تعريف الرخصة. وأجيب بمنع الصدق فإن الحيض وإن كان عذرا في الترك مانع من الفعل، ومن مانعيته نشأ وجوب الترك وتقسيم الحكم إلى الرخصة والعزيمة كما ذكر أقرب إلى اللغة من تقسيم الإمام الرازي وغيره الفعل الذي هو متعلق الحكم إليهما. (والدليل) لغة المرشد وما به الإرشاد واصطلاحا (ما) أي شيء (يمكن التوصل) أي الوصول بكلفة (بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري) بأن يكون النظر فيه من الجهة التي من شأنها أن ينتقل الذهن بها إلى ذلك المطلوب المسماة وجه الدلالة بفتح الدال أفصح من كسرها، والخبري ما يخبر به، ومعنى الوصول إليه بما ذكر علمه أو اعتقاده أو ظنه فالنظر هنا الفكر

لا بقيد المؤدّي إلى علم أو ظن كما سيأتي حذرا من التكرار، والفكر حركة النفس في المعقولات بخلافها في المحسوسات، فإنها تخييل لا فكر، وكأنهم ضمنوا الحركة اعتبار قصدها فيخرج الحدس وما يتوارد على النفس في المعقولات بلا قصد كما في النوم والنسيان، ويطلق الفكر أيضا على حركة النفس من المطالب إلى المبادىء، ثم الرجوع منها إليها، وشمل التعريف الدليل القطعي كالعالم لوجود الصانع والظني كالنار لوجود الدخان، وأقيموا الصلاة لوجوبها بناء على طريقة الأصوليين والفقهاء من أن مطلوبهم العمل وهو لا يتوقف على العلم، بخلاف طريقة المتكلمين والحكماء، فإن مطلوبهم العلم ولهذا زادوا لفظة في التعريف، فقالوا إلى العلم بمطلوب خبري فبالنظر الصحيح في الأدلة المذكورة أي بحركة النفس فيما تعقله منها مما من شأنه أن ينتقل به إلى تلك المطلوبات، كالحدوث في الأول، والإحراق في الثاني، والأمر بالصلاة في الثالث يصل إلى تلك المطلوبات بأن ترتب هكذا العالم حادث وكل حادث له صانع فالعالم له صانع. النار شيء محرق وكل محرق له دخان فالنار لها دخان. أقيموا الصلاة أمر بها وكل أمر بشيء لوجوبه حقيقة فأقيموا الصلاة لوجوبها حقيقة، وقالوا يمكن التوصل دون يتوصل لأن الشيء يكون دليلاً، وإن لم يوجد النظر المتوصل به فالدليل مفرد، ويقال له المادة والإمكان يكون قبل الفكر فيه، أما بعده فلا بد من قضيتين صغرى مشتملة على موضوع المطلوب كما رأيت. وأما الدليل عند المناطقة فقضيتان فأكثر تكون عنهما قضية أخرى فهو عندهم مركب، ويقال له المادة والصورة، وخرج بصحيح النظر فاسده فلا يمكن التوصل به إلى المطلوب لانتفاء وجه الدلالة عنه، وإن أدى إليه بواسطة اعتقاد أو ظن كما إذا نظر في العالم والنار من حيث البساطة، فإنهما ليسا من شأنهما أن ينتقل بهما إلى وجود الصانع والدخان، لكن يؤدّي إلى وجودهما هذان النظران ممن اعتقد أن العالم بسيط وكل بسيط له صانع، وممن ظنّ أن كل مسخن له دخان كذا قيل، وهو ظاهر في المطلوب الاعتقادي والظني لا العلمي لما سيأتي أن العلم لا يقبل النقض، وظاهر أن الحاصل بذلك يقبله إذا تبين فساد النظر. وبالخبري المطلوب التصوري، فيتوصل إليه بالحد بأن يتصور بتصوره كالحيوان الناطق حدا للإنسان، وسيأتي حد الحد الشامل لذلك ولغيره. (والعلم) بالمطلوب الحاصل (عندنا) أيها الأشاعرة (عقبه) أي عقب صحيح النظر عادة عند الأشعري وغيره فلا يتخلف إلا خرقا للعادة كتخلف الإحراق عن مماسة النار، أو لزوما عند الإمام الرازي وغيره، فلا ينفك أصلاً كوجود الجوهر لوجود العرض. (مكتسب) للناظر (في الأصح) لأن حصوله عن نظره المكتسب له، وقيل لا لأن حصوله اضطراري لا قدرة على دفعه فلا خلاف إلا في التسمية وهي بالمكتسب أنسب والتصحيح من زيادتي، وكالعلم فيما ذكر الظن وإن لم يكن بينه وبين أمر ما ارتباط بحيث يمتنع تخلفه عنه عقلاً أو عادة، لأن النتيجة لازمة للقضيتين وإن كانتا ظنيتين، وزواله بعد حصوله لا يمنع حصوله لزوما أو عادة وخرج بعندنا العتزلة فقالوا النظر يولد العلم كتوليد حركة اليد لحركة المفتاح عندهم، وعلى وزانه يقال الظن الحاصل متولد عن النظر عندهم. (والحد) لغة المنع واصطلاحا عند الأصوليين. (ما يميز الشيء عن غيره) ولا يميز كذلك إلا ما لا يخرج عنه شيء من أفراد المحدود، ولا يدخل فيه شيء من غيرها، والأول وهو من زيادتي مبين لمفهوم الحدّ ولهذا زدته، والثاني لخاصته وهو بمعنى قول القاضي أبي بكر الباقلاني المذكور بقولي (ويقال) الحد (الجامع) أي لأفراد المحدود (المانع) أي من دخول غيرها فيه (و) يقال أيضا الحد (المطرد) أي الذي كلما وجد وجد لمحدود فلا يدخل فيه شيء من غير أفراد المحدود فيكون مانعا. (المنعكس) أي الذي كلما وجد المحدود وجد هو فلا

يخرج عنه شيء من أفراد المحدود فيكون جامعا، فمؤدى العبارتين واحد والأولى أوضح فيصدقان بالحيوان الناطق حدا للإنسان بخلاف حدّه بالحيوان الكاتب بالفعل، فإنه غير جامع وغير منعكس، وبالحيوان الماشي فإنه غير مانع وغير مطرد وتفسير المنعكس، بما ذكر الموافق للعرف واللغة حيث يقال كل إنسان ناطق، وبالعكس وكل إنسان حيوان، ولا عكس أظهر في معنى الجامع من تفسير ابن الحاجب وغيره له، بأنه كلما انتفى الحدّ انتفى المحدود اللازم لذلك التفسير، وبما ذكر علم أنه قد يكون للشيء حدّان فأكثر، كقولهم الحركة نقلة وزوال وذهاب في جهة وهو المختار، كما نقله الزركشي عن القاضي عبد الوهاب بعد نقله عن غيره خلافه. (والكلام) النفسي (في الأزل يسمى خطابا) حقيقة في الأصح بتنزيل المعدوم الذي سيوجد منزلة الوجود، وقيل لا يسماه حقيقة لعدم من يخاطب به إذ ذاك، وإنما يسماه حقيقة فيما لا يزال عند وجود من يفهم وإسماعه إياه ما بلفظ كالقرآن، أو بلا لفظ كما وقع لموسى عليه الصلاة والسلام خرقا للعادة، وقيل سمعه بلفظ من جميع الجهات لذلك. (و) الكلام النفسي في الأزل (يتنوّع) إلى أمر ونهي وخبر وغيرها. (في الأصح) بالتنزيل السابق، وقيل لا يتنوّع إليها لعدم من تتعلق به هذه الأشياء إذ ذاك، وإنما يتنوّع إليها فيما لا يزال عند وجود من يتعلق به فتكون الأنواع حادثة مع قدم المشترك بينها، وهذا يلزمه محال وهو وجود الجنس مجردا عن أنواعه إلا أن يراد أنها أنواع اعتبارية أي عوارض له يجوز خلوّه عنها تحدث بحسب التعلقات كما أن تنوّعه إليها على الأول بحسب التعلقات أيضا لكونه صفة واحدة كالعلم وغيره من الصفات، فمن حيث تعلقه في الأزل أو فيما لا يزال بشيء على وجه الاقتضاء لفعله يسمى أمرا أو لتركه يسمى نهيا، وعلى هذا القياس، وأخرت كالأصل هاتين المسألتين عن الدليل لأن موضوعهما مدلوله في الجملة والمدلول متأخر عن الدليل، وإنما قدمتا على النظر المتعلق بالدليل أيضا لأن موضوعهما أشدّ ارتباطا منه بالدليل لأنه مقصود من الدليل والنظر من آلات تحصيله. ((والنظر) لغة يقال لمعان منها الاعتبار والرؤية واصطلاحا (فكر) . وتقدم تفسيره (يؤدّي) أي يوصل (إلى علم أو اعتقاد) والتصريح به من زيادتي، (أو ظنّ) بمطلوب خبري فيها أو تصوّري في العلم والاعتقاد، فخرج الفكر غير المؤدّي إلى ذلك كأكثر حديث النفس فليس بنظر وشمل التعريف النظر الصحيح من قطعي وظني، والفاسد فإنه يؤدّي إلى ذلك بواسطة اعتقاد أو ظن كما مر بيانه، وإن لم يستعمل بعضهم التأدية إلا فيما يؤدّي بنفسه كذا قيل، وظاهر أنه خاص بتأديته إلى الاعتقاد أو الظنّ لا إلى العلم لما مر في تعريف الدليل. (والإدراك) لغة الوصول واصطلاحا وصول النفس إلى تمام المعنى من نسبة أو غيرها (بلا حكم) معه من إدراك وقوع النسبة أو لا وقوعها (تصور) ساذج، ويسمى علما أيضا كما علم مما مر، أما وصول النفس إلى المعنى لا بتمامه فيسمى شعورا. (وبه) أي بالحكم أي والإدراك للنسبة وطرفيها مع الحكم المسبوق بذلك. (تصوّر بتصديق) أي معه كإدراك الإنسان والكاتب وثبوت الكتابة له، وأن النسبة واقعة أولاً في التصديق بأن الإنسان كاتب أو أنه ليس بكاتب الصادقين في الجملة. (وهو) أي التصديق (الحكم) وهذا من زيادتي وهو رأي المحققين، وقيل التصديق التصور مع الحكم، وعليه جرى الأصل، فالتصورات السابقة على الحكم على هذا شطر منه، وعلى الأول شرط له، وتفسيري له بأنه إدراك وقوع النسبة أو لا وقوعها هو رأي متقدمي المناطقة. قال القطب الرازي وغيره من المحققين وهو التحقيق، وأما متأخروهم ففسروه بإيقاع النسبة أو انتزاعها، وقدماؤهم قالوا الإيقاع والانتزاع ونحوهما عبارات وألفاظ أي توهم أن للنفس بعد تصور النسبة وطرفيها فعلاً وليس كذلك، فالحكم عندهم من مقولة الانفعال، وعند متأخريهم من مقولة الفعل.

(وجازمه) أي الحكم أي والحكم الجازم (إن لم يقبل تغيرا) بأن كان لموجب من حس ولو باطنا أو عقل أو عادة، فيكون مطابقا للواقع. (فعلم) كالحكم بأن به جوعا أو عطشا أو بأن زيدا متحرك ممن رآه متحركا أو بأن العالم حادث، أو بأن الجبل من حجر. (وإلا) أي وإن قبل التغير بأن لم يكن لموجب مما ذكر طابق الواقع أو لا. إذ يتغير الأول بالتشكيك والثاني به أو بالاطلاع على ما في نفس الأمر. (فاعتقاد) وهو اعتقاد (صحيح إن طابق) الواقع كاعتقاد المقلد سنية الضحى، (وإلا) أي وإن لم يطابق الواقع (ففاسد) كاعتقاد الفلسفي قدم العالم، (و) الحكم (غير الجازم ظن ووهم وشك لأنه) أي غير الجازم إما (راجح) لرجحان المحكوم به على نقيضه فالظن، أو مرجوح) لمرجوحية المحكوم به لنقيضه فالوهم، أو مساو) لمساواة المحكوم به من كل من النقيضين على البدل للآخر فالشك فهو بخلاف ما قبله حكمان، كما قال إمام الحرمين والغزالي وغيرهما الشك اعتقادان يتقاوم سببهما. وقال بعض المحققين ليس الوهم والشك من التصديق أي بل من التصور، إذ الوهم ملاحظة الطرف المرجوح والشك التردّد في الوقوع واللاوقوع، فما أريد مما مر من أن العقل يحكم بالمرجوح أو المساوي عنده ممنوع على هذا، وقد أوضحت ذلك في الحاشية، وقد يطلق العلم على الظن كعكسه مجازا، فالأول كقوله تعالى {فإن علمتموهنّ مؤمنات} أي ظننتموهن والثاني كقوله تعالى {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم} أي يعلمون ويطلق الشك مجازا كما يطلق لغة على مطلق التردّد الشامل للظن والوهم، ومن ذلك قول الفقهاء من تيقن طهرا أو حدثا وشك في ضدّه عمل بيقينه. (فالعلم) أي القسم المسمى بالعلم التصديقي من حيث تصوره بحقيقته بقرينة السياق (حكم جازم لا يقبل تغيرا فهو نظري يحد في الأصح) . واختار الإمام الرازي أنه ضروري أي يحصل بمجرد التفات النفس إليه من غير نظر واكتساب، لأن علم كل أحد بأنه عالم بأنه موجود مثلاً ضروري بجميع أجزائه، ومنها تصور العلم بأنه موجود بالحقيقة وهو علم تصديقي خاص، فيكون تصور مطلق العلم التصديقي بالحقيقة ضروريا وهو المدعي. وأجيب بمنع أنه يتعين أن يكون من أجزاء ذلك تصور العلم المذكور بالحقيقة، بل يكفي تصوره بوجه، فالضروري تصور مطلق العلم التصديقي بالوجه لا بالحقيقة الذي النزاع فيه، وعلى ما اختاره فلا يحدّ، إذ لا فائدة، في حدّ الضروري لحصوله بغير حدّ قال نعم قد يحدّ الضروري لإفادة العبارة عنه أي فيكون حدّه حينئذ حدّا لفظيا لا حقيقيا. وقال إمام الحرمين هو نظري لكنه عسر أي لا يحصل إلا بنظر دقيق لخفائه ومال إليه الأصل حيث قال فالرأي الإمساك عن تعريفه أي المسبوق بذلك التصور العسر صونا للنفس عن مشقة الخوض في العسر. قال الإمام ويميز عن غيره من أقسام الاعتقاد بأنه اعتقاد جازم مطابق ثابت فليس هذا حقيقته عنده، والترجيح من زيادتي. (قال المحققون ولا يتفاوت) العلم (إلا بكثرة المتعلقات) أي لا يتفاوت في جزئياته فليس بعضها ولو ضروريا أقوى من بعضها ولو نظريا، وإنما يتفاوت بكثرة المتعلقات في بعض جزئياته دون بعض فيتفاوت فيها كما في العلم بثلاثة أشياء والعلم بشيئين، بناء على اتحاد العلم مع تعدّد المعلوم، كما هو قول بعض الأشاعرة قياسا على علم الله تعالى، والأشعري وكثير من المعتزلة على تعدد العلم بتعدد المعلوم، وأجابوا عن القياس بأنه خال عن الجامع، وعلى هذا لا يقال يتفاوت بما ذكر، وقيل يتفاوت العلم في جزئياته، إذ العلم مثلاً بأن الواحد نصف الاثنين أقوى في الجزم من العلم بأن العالم حادث. وأجيب بأن التفاوت في ذلك

مسألة هي إثبات عرض ذاتي للموضوع

ونحوه ليس من حيث الجزم، بل من حيث غيره كإلف النفس بأحد المعلومين دون الآخر. (والجهل انتفاء العلم بالمقصود في الأصح) أي بما من شأنه أن يقصد ليعلم بأن لم يدرك ويسمى الجهل البسيط أو أدرك على خلاف هيئته في الواقع، ويسمى الجهل المركب لتركبه من جهلين جهل المدرك بما في الواقع، وجهله بأنه جاهل به كاعتقاد الفلسفي أن العالم قديم، وقيل الجهل إدراك العلوم على خلاف هيئته، فالجهل البسيط على الأول ليس جهلاً على هذا، واستغنى بانتفاء العلم عن التقييد في قول بعضهم عدم العلم عما من شأنه العلم لإخراج الجماد والبهيمة عن الاتصاف بالجهل لأن انتفاء العلم إنما يقال فيما من شأنه العلم بخلاف عدم العلم، وخرج بالمقصود غيره كأسفل الأرض وما فيه فلا يسمى انتفاء العلم به جهلاً اصطلاحا، والتعبير به أحسن كما قال البرماوي من تعبير بعضهم بالشيء، لأن الشيء لا يطلق على المعدوم بخلاف المقصود، ولأنه يشمل غير المقصود. (والسهو الغفلة عن المعلوم) الحاصل فيتنبه له بأدنى تنبيه بخلاف النسيان، فهو زوال المعلوم فيستأنف تحصيله، وعرّفه الكرماني وغيره بزوال المعلوم عن القوّة الحافظة والمدركة والسهو بزواله عن الحافظة فقط، وذلك قريب مما ذكر، وجعلهما البرماوي من أقسام الجهل البسيط حيث قسمه إليهما وإلى غيرهما، ثم فرق بينهما بأنه إن قصر زمن الزوال سمي سهوا وإلا فنسيانا. قال وهذا أحسن ما فرق بيه بينهما. مسألة هي إثبات عرض ذاتي للموضوع. (الأصح أن الحسن ما) أي فعل (يمدح) أي يؤمر بالمدح (عليه) . وهو الواجب والمندوب وفعل الله تعالى. (والقبيح ما يذم عليه) وهو الحرام. (فما لا) يمدح (ولا) يذم عليه من المكروه الشامل لخلاف الأولى والمباح. (واسطة) بين الحسن والقبيح، وهذا ما قاله

إمام الحرمين في المكروه صريحا وفي المباح، وفعل غير المكلف لزوما، ورجحه الأصل في شرح المختصر في المكروه، وتبعه البرماوي فيه، وألحق به المباح بحثا، وقيل الحسن فعل المكلف المأذون فيه من واجب ومندوب ومباح، والقبيح ما نهى عنه شرعا ولو كان منهيا عنه بعموم النهي المستفاد من أوامر الندب كما مرّ، فيشمل الحرام والمكروه، وخلاف الأولى وهذا ما رجحه الأصل هنا فيهما ولأصحابنا فيهما عبارات أخرى. وللمعتزلة فيهما بناء على تحكيمهم العقل عبارات أيضا منها أن الحسن ما للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله والقبيح بخلافه فيدخل فيه الحرام فقط، وفي الحسن ما سواه. ومنها أن الحسن هو الواقع على صفة توجب المدح والقبيح هو الواقع على صفة توجب الذم، فيدخل فيه الحرام فقط أيضا. وفي الحسن الواجب والمندوب، فالمكروه والمباح واسطة بين الحسن والقبيح. (و) والأصح (أن جائز الترك) سواء كان جائز الفعل أيضا أم لا. (ليس بواجب) وإلا لامتنع تركه والفرض أنه جائز. وقال بعض الفقهاء يجب الصوم على الحائض والمريض والمسافر مع جواز تركهم له لقوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وهم شهدوه ولوجوب القضاء عليهم بقدر ما فاتهم فكان المأتيّ به بدلاً عن الفائت. وأجيب بأن شهود الشهر موجب عند انتفاء العذر لا مطلقا، وبأن وجوب القضاء إنما يتوقف على سبب الوجوب هو هنا شهود الشهر، وقد وجد لا على وجوب الأداء وإلا لما وجب قضاء الظهر مثلاً على من نام جميع وقتها. وقيل يجب الصوم على المسافر دون الحائض والمريض لقدرته عليه دونهما. وقيل يجب عليه دونهما أحد الشهرين الحاضر أو آخر بعده. (والخلف لفظي) أي راجع إلى اللفظ دون المعنى لأن ترك الصوم حال العذر جائز اتفاقا والقضاء بعد زواله واجب اتفاقا. (و) الأصح (أن المندوب مأمور به) أي مسمى به حقيقة كما نص عليه الشافعي وغيره، وقيل لا. والخلاف مبني على أن أم ر حقيقة في الإيجاب كصيغة افعل أو في القدر المشترك بينه وبين الندب أي طلب الفعل، والترجيح من زيادته، وعليه جرى الآمدي، أما إنه مأمور به بمعنى أنه متعلق الأمر أي صيغة افعل فلا نزاع فيه، سواء أقلنا إنها مجاز في الندب أم حقيقة فيه كالإيجاب خلاف يأتي. (و) الأصح (أنه) أي المندوب (ليس مكلفا به كالمكروه) فالأصح أنه ليس مكلفا به، وقيل مكلف بهما كالواجب والحرام ورجحوا الأول. (بناء على أن التكليف) اصطلاحا (إلزام ما فيه كلفة) أي مشقة من فعل أو ترك. (لا طلبه) وبه فسر القاضي أبو بكر الباقلاني أي لا طلب ما فيه كلفة على وجه الإلزام أو لا. فعلى تفسير التكليف بالأوّل يدخل الواجب والحرام فقط، وعلى تفسيره بالثاني يدخل جميع الأحكام إلا المباح، لكن أدخله الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني من حيث وجوب اعتقاد إباحته تتميما للأقسام، وإلا فغيره مثله في ذلك وإلحاقي المكروه بالمندوب هو الوجه لا إلحاق المباح به كما سلكه الأصل، إذ لا إلزام فيه ولا طلب فلا يتأتى فيه القول بأنه مكلف به إلا على ما سلكه الأستاذ. (و) الأصح (أن المباح ليس بجنس للواجب) بل هما نوعان لجنس وهو فعل المكلف الذي تعلق به حكم شرعي، وقيل إنه جنس له لأنه مأذون في فعله وتحته أنواع الواجب والمندوب والمخير فيه والمكروه الشامل لخلاف الأولى، واختص الواجب بفصل المنع من الترك، قلنا واختص المباح أيضا بفصل الإذن في الترك على السواء والخلف لفظي، إذ المباح بالمعنى الأول أي المأذون فيه جنس للواجب اتفاقا وبالمعنى الثاني أي المخير فيه وهو المشهور غير جنس له اتفاقا. (و) الأصح (أنه) أي المباح (في ذاته غير مأمور به) فليس بواجب ولا مندوب. وقال الكعبي إنه مأمور به أي واجب إذ ما من مباح إلا ويتحقق به ترك حرام ما، فيتحقق بالسكوت ترك القذف، وبالسكون ترك القتل، وما يتحقق بالشيء لا يتم إلا به وترك الحرام واجب، وما لا يتم الواجب إلا به واجب كما سيجيء، فالمباح واجب ويأتي ذلك في غيره

مسألة في الواجب الحرام المخيرين

كالمكروه والخلف لفظي، فإن الكعبي قائل بأنه غير مأمور به من حيث ذاته ومأمور به من حيث ما عرض له من تحقق ترك الحرام به وغيره لا يخالفه فيهما، فقولي في ذاته قيد للقول بأن المباح غير مأمور به لا لمحل الخلاف، وسيأتي ماله بذلك تعلق. (و) الأصح (أن الإباحة حكم شرعي) لأنها التخيير بين الفعل والترك المتوقف وجوده كبقية الأحكام على الشرع كما مر. وقال بعض المعتزلة لا لأنها انتفاء الحرج عن الفعل والترك وهو ثابت قبل ورود الشرع مستمر بعده. (والخلف) في المسائل الثلاث (لفظي) أي راجع إلى اللفظ دون المعنى. أما في الأوليين فلما مر، وأما في الثالثة فلأن الدليلين لم يتواردا على محل واحد، فتأخيري لهذا عن الثلاث أولى من تقديم الأصل له على الأخيرة. واعلم أن ما سلكته في مسألة الكعبي تبعت فيه هنا الأكثر، وأولى منه ما ملكته في الحاشية أخذا من كلام بعض المحققين من تحريم الكلام فيها بوجه آخر، ومن رد دليل الكعبي بما يقتضي أن الخلاف معنوي وإن خالف ذلك ظاهر كلام الكعبي. (و) الأصحّ (أن الوجوب) لشيء (إذا نسخ) كأن قال الشارع نسخت وجوبه أو حرمة تركه (بقي الجواز) له الذي كان في ضمن وجوبه من الإذن في الفعل بما يقوّمه من الإذن في الترك. وقال الغزالي لا يبقى لأن نسخ الوجوب يجعله كأن لم يكن ويرجع الأمر إلى ما كان قبله من تحريم أو إباحة أو براءة أصلية فالخلف معنوي. (وهو) أي الجواز المذكور (عدم الحرج) في الفعل والترك من الإباحة أو الندب أو الكراهة بالمعنى الشامل لخلاف الأولى. (في الأصح) إذ لا دليل على تعيين أحدها، وقيل هو الإباحة فقط، إذ بارتفاع الوجوب ينتفي الطلب فيثبت التخيير، وقيل هو الندب فقط، إذ المتحقق بارتفاع الوجوب انتفاء الطلب الجازم فيثبت الطلب غير الجازم. والحاصل أنه يعتبر في الجواز المذكور رفع الحرج عن الفعل والترك في الأقوال الثلاثة، لكنه مطلق في الأول منها ومقيد باستواء الطرفين في الثاني، وبترجح الفعل في الثالث فالخلف معنويّ هكذا أفهم. مسألة في الواجب الحرام المخيرين (الأمر بأحد أشياء) معينة كما في كفارة اليمين. (يوجبه) أي الأحد (مبهما عندنا) وهو القدر المشترك بينها في ضمن أيّ معين منها لأنه المأمور به، وقيل يوجبه معينا عند الله تعالى، فإن فعل المكلف المعين فذاك أو فعل غيره منها سقط بفعله الواجب، وقيل يوجبه كذلك، وهو ما يختاره المكلف بأن علم الله منه أنه لا يختار سواه، وإن اختلف باختيار المكلفين. وقيل يوجب الكل فيثاب بفعلها ثواب واجبات، ويعاقب بتركها عقاب ترك واجبات، ويسقط الكل الواجب بواحد منها، لأن الأمر تعلق بكل منها بخصوصه على وجه الاكتفاء بواحد منها. قلنا إن سلم ذلك لا يلزم منه وجوب الكل المرتب عليه ذلك والقول الأخير والثاني للمعتزلة، فهم متفقون على نفي أيجاب واحد منهم كنفيهم تحريمه كما سيجيء لما قالوا من أن إيجاب الشيء أو تحريمه لما في تركه، أو فعله من المفسدة التي يدركها العقل، وإنما يدركها في المعين، والثالث يسمى قول التراجم، لأن كلاًّ من الأشاعرة والمعتزلة تنسبه إلى الأخرى فاتفق الفريقان على بطلانه. (فـ) ـعلى الأصح (إن فعلها) كلها (فالمختار) أنه (إن فعلها مرتبة فالواجب) أي

المثاب عليه ثواب الواجب الذي هو كثواب سبعين مندوبا (أولها) وإن تفاوتت لتأدّى الواجب به من حيث إنه مبهم. (أو) فعلها كلها (معا فأعلاها) ثوابا الواجب لأنه لو اقتصر لأثيب عليه ثواب الواجب الأكمل فضمّ غيره إليه لا ينقصه عن ذلك. (وإن تركها) كلها (عوقب بأدناها) عقابا إن عوقب، لأنه لو فعله فقط من حيث إنه مبهم لم يعاقب، فإن تساوت وفعلت معا أو تركت فثواب الواجب والعقاب على واحد منها. وقيل الواجب فيما إذا تفاوتت أعلاها ثوابا، وفيما إذا تساوت أحدها وإن فعلت مرتبة فيهما لما مر، فإن تركت فحكمه موافق للمختار ويثاب ثواب المندوب في كل قول على غير ما ذكر لثواب الواجب، وذكر حكم التساوي في المرتبة مع الترجيح في البقية من زيادتي المقتضية من حيث الترجيح لإبدال قوله في المرتبة أعلاها بقولي أولها، وبما قررته علم أن محل ثواب الواجب والعقاب أحدها مبهما لا من حيث خصوصه، حتى إن الواجب ثوابا في المرتبة أولها من حيث إنه مبهم لا من حيث خصوصه، وكذا يقال في كل من الزائد على ما يتأدّى به الواجب، منها أنه يثاب عليه ثواب المندوب من حيث إنه مبهم لا من حيث خصوصه. (ويجوز تحريم واحد مبهم) من أشياء معينة (عندنا) نحو لا تتناول السمك أو اللبن أو البيض، فعلى المكلف تركه في أي معين منها، وله فعله في غيره، إذ لا مانع من ذلك ومنعه المعتزلة كمنعهم إيجابه لما مر عنهم فيهما. وزعمت طائفة منهم أنه لم ترد به اللغة، وهذا (كـ) ـالواجب (المخير) فيما مر فيه فالنهي عن واحد مبهم مما ذكر يحرّمه مبهما. وقيل يحرمه معينا عند الله تعالى ويسقط تركه الواجب بتركه أو ترك غيره منها. فالتارك لبعضها إن صادف المحرم فذاك، وإلا فقد ترك بدله، وقيل يحرمه كذلك وهو ما يختاره المكلف، وقيل يحرمها كلها فيعاقب بفعلها عقاب فعل محرمات ويثاب بتركها امتثالاً ثواب ترك محرمات، ويسقط تركها الواجب بترك واحد منها، فعلى الأول إن تركها كلها امتثالاً وتفاوتت، فالمختار أنه يثاب على ترك أشدها عقابا وإن فعلها مرتبة عوقب على آخرها، وإن تفاوتت لارتكابه المحرم به أو فعلها معا عوقب على أخفها عقابا،

مسألة فرض الكفاية

فإن تساوت وفعلت معا أو تركت فالمعتبر أحدها. وقيل المحرم فيما إذا فعلت ولو مرتبة أخفها عقابا. تنبيه: المندوب كالواجب والمكروه كالحرام فيما ذكر. (مسألة فرض الكفاية) المنقسم إليه وإلى فرض العين مطلق الفرض السابق حده (مهم يقصد) شرعا (جزما) من زيادتي (حصوله من غير نظر بالذات لفاعله) وإنما ينظر إليه بالتبع للفعل ضرورة أنه لا يحصل بدون فاعل وشمل الحد الديني كصلاة الجنازة والأمر بالمعروف والدنيوي كالحرف والصنائع، وخرج عنه السنة إذ لم يجزم بقصد حصولها، وفرض العين فإنه منظور بالذات لفاعله حيث قصد حصوله من كل عين أي واحد من المكلفين أو من عين مخصوصة كالنبي صلى الله عليه وسلّم فيما خص به. (والأصح أنه دون فرض العين) أي فرض العين أفضل منه كما نقله الشهاب ابن العماد عن الشافعي رضي الله عنه. قال ونقله عنه القاضي أبو الطيب، وذلك لشدة اعتناء الشارع به بقصد حصوله من كل مكلف في الأغلب، ويدل له تعليل الأصحاب تبعا للإمام الشافعي كراهة قطع طواف الفرض لصلاة الجنازة بأنه لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية. وقال إمام الحرمين وغيره فرض الكفاية أفضل لأنه يصان بقيام البعض به جميع المكلفين عن إثمهم المترتب على تركهم له، وفرض العين إنما يصان بالقيام به عن الإثم الفاعل فقط وترجيح الأول من زيادتي. (و) الأصح (أنه) أي فرض الكفاية (على الكل) لإثمهم بتركه كما في فرض العين، ولقوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} وهذا ما عليه الجمهور ونص عليه الشافعي في الأم. (ويسقط) الفرض (بفعل البعض) لأن المقصود كما مر حصول الفعل لا ابتلاء كل مكلف به ولا بعد في سقوط الفرض عن الشخص بفعل غيره كسقوط الدّين عنه بأداء غيره عنه، وقيل فرض الكفاية على البعض لا الكل ورجحه الأصل وفاقا بزعمه للإمام الرازي للاكتفاء بحصوله

مسألة

من البعض ولآية ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} وأجيب عن الأول بما مر من أن المقصود حصول الفعل لا ابتلاء كل مكلف به، وعن الثاني بأنه في السقوط بفعل البعض جمعا بين الأدلة، وعلى القول الثاني فالمختار كما في الأصل البعض مبهم فمن قام به سقط الفرض بفعله، وقيل معين عند الله تعالى يسقط الفرض بفعله وبفعل غيره كسقوط الدين فيما مر، وقيل معين كذلك وهو من قام به لسقوطه بفعله ثم مداره على الظن، فعلى قول الكل من ظن أن غيره فعله أو يفعله سقط عنه، ومن لا فلا، وعلى قول البعض من ظن أن غيره لم يفعله ولا يفعله وجب عليه ومن لا فلا. واعلم أن الكل لو فعلوه معا وقع فعل كل منهم فرضا أو مرتبا، فكذلك، وإن سقط الحرج بالأولين. نعم إن حصل المقصود بتمامه كغسل الميت لم يقع غير الأوّل فرضا. (و) الأصح (أنه) أي فرض الكفاية (لا يتعين بالشروع) فيه لأن القصد به حصوله في الجملة فلا يتعين حصوله ممن شرع فيه. (إلا جهادا وصلاة جنازة وحجا وعمرة) فتتعين بالشروع فيها لشدة شبهها بالعيني، ولما في عدم التعيين في الأول من كسر قلوب الجند، وفي الثاني من هتك حرمة الميت، وهذا تبعت فيه الغزالي وغيره، وقيل يتعين فرض الكفاية بالشروع فيه أي يصير به كفرض العين في وجوب إتمامه بجامع الفرضية، وهذا ما صححه الأصل تبعا لابن الرفعة وهو بعيد، إذ أكثر فروض الكفايات لا تتعين بالشروع فيها كالحرف والصنائع وصلاة الجماعة. (وسنتها) أي سنة الكفاية المنقسم إليها وإلى سنة العين مطلق السنة السابق حده. (كفرضها) فيما مر لكن (بإبدال جزما بضده) فيصدق ذلك بأنها مهمّ يقصد بلا جزم حصوله من غير نظر بالذات لفاعله كابتداء السلام والتسمية للأكل من جهة جماعة، وبأنها دون سنة العين، وبأنها مطلوبة من الكل، وبأنها لا تتعين بالشروع فيها أي لا تصير به كسنة العين في تأكد طلب إتمامها على الأصح في الثلاث الأخيرة. (مسألة: الأصح أن وقت) الصلاة (المكتوبة) كالظهر (جوازا وقت لأدائها) ففي أي جزء منه أوقعت، فقد أوقعت في وقت أدائها الذي يسعها وغيرها، ولهذا يعرف بالواجب الموسع، وقولي جوازا راجع إلى الوقت لبيان أن الكلام في وقت الجواز لا في الزائد عليه أيضا من وقتي الضرورة والحرمة، وإن كان الفعل فيهما أداء بشرطه. وقيل وقت أدائها أول الوقت فإن أخرت عنه فقضاء وإن فعل في الوقت حتى يأثم بالتأخير عن أوله، وقيل هو آخر الوقت فإن قدمت عليه فتقديمها تعجيل، وقيل هو الجزء الذي وقعت فيه من الوقت وإن لم تقع فيه فوقت أدائها الجزء الأخير من الوقت، وقيل إن قدمت على آخر الوقت وقعت واجبة بشرط بقاء الفاعل مكلفا إلى آخر الوقت فإن لم يبق كذلك وقعت نفلاً. وهذه الأقوال الأربعة منكرة للواجب الموسع. (و) الأصح (أنه) أي الشأن (يجب على المؤخر) أي مريد التأخير عن أول الوقت الذي هو سبب الوجوب (العزم) فيه على الفعل في الوقت كما صححه النووي في مجموعه، ونقله غيره عن أصحابنا ليتميز به التأخير الجائز عن غيره وتأخير الواجب الموسع عن المندوب في جواز التأخير عن أول الوقت، وقيل لا يجب اكتفاء بالفعل، ورجحه الأصل وزعم أن الأول لا يعرف إلا عن القاضي أبي بكر الباقلاني ومن تبعه، وأنه من هفوات القاضي ومن العظائم في الدين. فإن قلت يلزم على الأول تعدد البدل والمبدل واحد. قلنا ممنوع إذ لا يجب إعادة العزم، بل ينسحب على آخر الوقت كانسحاب النية على أجزاء العبادة

الطويلة كما قاله إمام الحرمين وغيره. فإن قلت العزم لا يصلح بدلاً عن الفعل إذ بدل الشيء يقوم مقامه والعزم ليس كذلك. قلت لا يخفى أن المراد بكونه بدلاً عنه أنه بدل عن إيقاعه في أول وقته لا عن إيقاعه مطلقا والعزم قائم مقامه في ذلك. (ومن أخر) الواجب الموسع بأن لم يشتغل به أول الوقت مثلاً (مع ظن فوته) بموت أو حيض أو نحوهما. وهذا أعم من قوله مع ظن الموت. (عصى) لظنه فوت الواجب بالتأخير (و) الأصح (أنه إن بان خلافه) بأن تبين خلاف ظنه (وفعله) في الوقت (فأداء) فعله لأنه في الوقت المقدر له شرعا وقيل فعله قضاء لأنه بعد الوقت الذي تضيق بظنه وإن بان خطؤه، ويظهر أثر الخلاف في نية الأداء أو القضاء وفي أنه لو فرض ذلك في الجمعة تصلى في الوقت على الأول وتقضى ظهرا لا جمعة على الثاني. (و) الأصح (أن من أخر) الواجب المذكور (مع ظن خلافه) أي عدم فوته فبان خلاف ظنه ومات مثلاً في الوقت قبل الفعل. (لم يعص) لأن التأخير جائز له والفوت ليس باختياره، وقيل يعصى وجواز التأخير مشروط بسلامة العاقبة، هذا إن لم يكن عزم على الفعل، وإن عصى بتركه العزم وإلا فلا يعصى قطعا قاله الآمدي. (بخلاف ما) أي الواجب الذي (وقته العمر كحج) فإن من أخره بعد أن أمكنه فعله مع ظن عدم فوته كأن ظن سلامته من الموت إلى مضيّ وقت يمكنه فعله فيه ومات قبل فعله يعصى على الأصح، وإلا لم يتحقق الوجوب، وقيل لا يعصى لجواز التأخير له وعصيانه في الحج من آخر سني الإمكان على الأصح لجواز التأخير إليها، وقيل من أولها لاستقرار الوجوب حينئذ، وقيل غير مستند إلى سنة بعينها. (مسألة) الفعل (المقدور) للمكلف (الذي لا يتم) أي يوجد عنده (الواجب المطلق إلا به واجب) بوجوب الواجب (في الأصح) سببا كان أو شرطا إذ لو لم يجب لجاز ترك الواجب المتوقف عليه، وقيل لا يجب بوجوبه لأن الدال على الواجب ساكت عنه، وقيل يجب إن كان سببا كالنار للإحراق بخلاف الشرط كالوضوء للصلاة لأن السبب أشد ارتباطا بالمسبب من الشرط بالمشروط، وقيل يجب إن كان شرطا شرعيا كالوضوء للصلاة لا عقليا كترك ضد الواجب ولا عاديا كغسل جزء من الرأس بغسل الوجه ولا إن كان سببا شرعيا كصيغة الاعتاق له أو عقليا كالنظر للعلم عند الإمام وغيره أو عاديا كحز الرقبة للقتل، إذ لا وجود لمشروطه عقلاً أو عادة ولا لمسببه مطلقا بدونه، فلا يقصدهما الشارع بالطلب بخلاف الشرط الشرعي، فإنه لولا اعتبار الشرع لوجد مشروطه بدونه وخرج بالمقدور غيره كقدر الله وإرادته، إذ الإتيان بالفعل يتوقف عليهما وهما غير مقدورين للمكلف، وبالمطلق المقيد وجوبه بما يتوقف عليه كالزكاة وجوبها متوقف على ملك النصاب، فلا يجب تحصيله فالمطلق ما لا يكون مقيدا بما يتوقف عليه وجوده وإن كان مقيدا بغيره كقوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس} فإن وجوبها مقيد بالدلوك لا بالوضوء والتوجه للقبلة ونحوهما. (فلو تعذر ترك محرم إلا بترك غيره) من الجائز قيل كماء قليل وقع فيه بول.

مسألة مطلق الأمر

(وجب) ترك ذلك الغير لتوقف ترك المحرم الذي هو واجب عليه. (أو اشتبهت حليلة) لرجل من زوجة أو أمة فتعبيري بذلك أولى وأعم من قوله أو اختلطت منكوحة (بأجنبية) منه (حرمتا) أي حرم قربانهما عليه، أما الأجنبية فأصالة، وأما الحليلة فلأنه لا يعلم الكف عن الأجنبية إلا بالكف عنها (وكما لو طلق معينة) من زوجتيه مثلاً (ثم نسيها) فإنهما يحرمان عليه لما مرّ. وقد يظهر الحال في هذه والتي قبلها فترجع الحليلة وغير المطلقة إلى ما كانتا عليه من الحل فلم يتعذر فيهما ترك المحرم وحده فلم يشملهما ما قبلهما ولو شملهما لكان الأولى إبدال أو بكان ليكونا مثالين له. (مسألة مطلق الأمر) بما بعض جزئياته مكروهة كراهة تحريم أو تنزيه (لا يتناول المكروه) منها الذي له جهة أو جهتان بينهما لزوم (في الأصح) . وقيل يتناوله، وعزى للحنفية لنا لو تناوله لكان الشيء الواحد مطلوب الفعل والترك من جهة واحدة وذلك تناقض (فلا تصح الصلاة في الأوقات المكروهة) أي التي كرهت فيها صلاة النفل المطلق بشرطه كعند طلوع الشمس حتى ترتفع كرمح وعند اصفرارها حتى تغرب. (ولو) قلنا إن كراهتها فيها (كراهة تنزيه في الأصح)

المنطوق والمفهوم

(ومنه) أي القرآن (البسملة أول كل سورة في الأصح) لأنها مكتوبة كذلك بخط السور في مصاحف الصحابة مع مبالغتهم في أن لا يكتب فيها ما ليس منه، وقيل ليست منه مطلقا عند غيرنا وفي غير الفاتحة عندنا، وإنما هي في الفاتحة لابتداء الكتاب على عادة الله تعالى في كتبه، وفي غيرها للفصل بين السور وهي منه في أثناء سورة النمل إجماعا. (غير) أول سورة (براءة) أما أولها فليست البسملة من القرآن فيه جزما لنزولها بالقتال الذي لا تناسبه البسملة المناسبة للرحمة والرفق، وحيث قلنا إنها أول السور من القرآن فهي على الصحيح قرآن حكما لا قطعا بمعنى أن السورة لا تتم إلا بقراءتها أوّلها حتى لا تصح الصلاة بتركها أول الفاتحة، وإنما لم نكفر جاحدها للخلاف فيها. (لا الشاذ) وهو ما نقل قرآنا آحادا ولم يصل إلى رتبة القراءة الصحيحة الآتي بيانها كأيمانهما في قراءة والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما، فإنه ليس من القرآن. (في الأصح) لأنه لم يتواتر ولا هو في معنى المتواتر، وقيل إنه منه حملاً على أنه كان متواترا في العصر الأول لعدالة ناقله. (و) القراءات (السبع) المروية عن القراء السبعة أبي عمرو ونافع وابني كثير وعامر وعاصم وحمزة والكسائي (متواترة) من النبي إلينا نقلها عنه جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب لمثلهم وهلم، والمراد كما قال الإمامان أبو شامة وابن الجزري التواتر فيما اتفقت الطرق على نقله عن السبعة دون ما اختلفت فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق (ولو فيما هو من قبيل الأداء) بأن كان هيئة للفظ يتحقق بدونها (كالمد) الزائد على المدّ الطبيعي المعروف أنواعه في محله، وكالإمالة محضة كانت أو بين بين وكتخفيف الهمزة بنقل أو إبدال أو تسهيل أو إسقاط وكالمشدّد في نحو {إياك نعبد} بزيادة على أقل التشديد من مبالغة أو توسط خلافا لابن الحاجب في إنكاره تواتر ما هو من قبيل الأداء، فقد قال عمدة القراء والمحدثين الشمس ابن الجزري لا نعلم أحدا تقدم ابن الحاجب في ذلك. قال وقد نص أئمة الأصول على تواتر ذلك كله، وكلام الأصل يميل إليه لكنه وافق في منع الموانع ابن الحاجب على عدم تواتر المدّ أي مطلقه، وتردد في تواتر الإمالة وجزم بتواتر تخفيف الهمزة واستظهره في غير ذلك مما هو من قبيل الأداء أيضا كالمشدد في نحو {إياك نعبد} بما مرّ. (وتحرم القراءة بالشاذ) في الصلاة وخارجها لأنه ليس بقرآن على الأصح كما مرّ، وتبطل الصلاة به إن غير معنى أو زاد حرفا أو نقصه وكان عامدا عالما بالتحريم، كما قاله النووي. (والأصح) وفاقا للقراء وجماعة من الفقهاء ومنهم البغوي (أنه) أي الشاذ (ما وراء العشر) أي السبع السابقة وقراءات يعقوب وأبي جعفر وخلف، وقيل ما وراء السبع وهو ما عليه الأصوليون وجماعة من الفقهاء، ومنهم النووي فالثلاثة الزائدة على هذا تحرم القراءة بها، وعلى الأوّل هي كالسبع يجوز القراءة بها لصدق تعريف القراءة الصحيحة الآتي عليها، ولأنها متواترة على ما قاله في منع الموانع ووافقه تلميذه الإمام ابن الجزري في موضع، وقال في آخر المقروء به عن القراء العشرة قسمان متواتر وصحيح مستفيض متلقى بالقبول، والقطع حاصل بهما إذ العدل الضابط إذا انفرد بشيء تحتمله العربية والرسم واستفاض وتلقى بالقبول قطع به وحصل به العلم، وعلى هذا فالقراءة متواترة وصحيحة وشاذة، وقد بينها ابن الجزري بأبسط مما مرّ فقال فالمتواترة ما وافقت العربية ورسم أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا وتواتر نقلها، ومعنى ولو تقديرا ما يحتمله الرسم كمالك يوم الدين فإنه رسم بلا ألف في جميع المصاحف فيحتمل حذف ألفه اختصارا كما فعل في مثله من اسم الفاعل كقادم وصالح، فهو موافق للرسم تقديرا، والصحيحة ما صح سنده بنقل عدل ضابط عن مثله إلى منتهاه، ووافق العربية والرسم واستفاض نقله وتلقته الأئمة بالقبول وإن لم يتواتر، فهذه كالمتواترة في جواز القراءة والصلاة بها والقطع بأن المقروء بها قرآن، وإن لم يبلغ مبلغها والشاذة ما وراء العشرة وهو ما نقل قرآنا ولم تتلقه الأئمة بالقبول ولم يستفض أو لم يوافق الرسم، فهذا لا تجوز القراءة ولا الصلاة به، وإن صحّ سنده عن أبي الدرداء وابن مسعود وغيرهما، وقراءة بعض الصحابة بها فيما صحّ سنده كانت قبل إجماع من يعتدّ به على المنع من القراءة بالشاذ مطلقا انتهى ملخصا وعليه فظاهر أن مراده بالصحيحة قراءة الثلاثة الزائدة على السبع. (و) الأصح (أنه) أي الشاذ (يجري مجرى) الأخبار (الآحاد) في الاحتجاج، لأنه منقول عن النبيّ ولا يلزم من انتفاء خصوص قرآنيته انتفاء عموم خبريته، وقيل لا يحتج به لأنه إنما نقل قرآنا ولم تثبت قرآنيته، وعلى الأول احتجاج كثير من أئمتنا على قطع يمين السارق بقراءة أيمانهما، وإنما لم يوجبوا التتابع في صوم كفارة اليمين بقراءة متتابعات لما صحح الدارقطني إسناده عن عائشة رضي الله عنها نزلت {فصيام ثلاثة أيام} متتابعات فسقطت متتابعات أي نسخت تلاوة وحكما، ولأن الشاذ إنما يحتج به إذا ورد لبيان حكم كما في أيمانهما بخلاف ما إذا ورد لابتداء الحكم لا يحتج به كما في متتابعات على أنه قيل إنها لم تثبت عن ابن مسعود. (و) الأصح (أنه لا يجوز ورود ما) أي لفظ (لا معنى له في الكتاب والسنة) لأنه كالهذيان فلا يليق بعاقل فكيف بالله وبرسوله، وقالت الحشوية يجوز وروده في الكتاب لوجوده فيه كالحروف المقطعة أوائل السور كطه ونون، وفي السنة بالقياس على الكتاب. وأجيب بأن الحروف المذكورة لها معان. منها أنها أسماء للسور والأكثرون على جواز أن يقال في الكتاب والسنة زائد كفوق في قوله تعالى {فإن كنّ نساء فوق اثنتين} وقوله {فاضربوا فوق الأعناق} بناء على تفسير الزائد بما لا يختلّ الكلام بدونه لا بما لا معنى له أصلاً. (و) الأصح أنه (لا) يجوز أن يرد فيهما (ما يعني به غير ظاهره) أي معناه الخفي لأنه بالنسبة إليه كالمهمل (إلا بدليل) يبين المراد منه كما في العام المخصوص، وقالت المرجئة يجوز وروده فيهما من غير دليل حيث قالوا المراد بالآيات والأخبار الظاهرة في عقاب عصاة المؤمنين الترهيب فقط بناء على معتقدهم أن المعصية لا تضرّ مع الإيمان كما أن الكفر لا تنفع معه طاعة (و) الأصح (أنه لا يبقى) فيهما (مجمل كلف بالعمل به) بناء على الأصح الآتي من وقوعه فيهما (غير مبين) أي باقيا على إجماله بأن لم يتضح المراد منه إلى وفاته صلى الله عليه وسلّم للحاجة إلى بيانه حذرا من التكليف بما لا يطاق، بخلاف غير المكلف بالعمل به، وقيل لا يبقى كذلك مطلقا لأن الله أكمل الدين قبل وفاته لقوله {اليوم أكملت لكم دينكم} وقيل يبقى كذلك مطلقا قال تعالى في متشابه الكتاب {وما يعلم تأويله إلا الله} إذ الوقف هنا كما عليه جمهور العلماء، وإذا ثبت في الكتاب ثبت في السنة إذ لا قائل بالفرق. (و) الأصح (أن الأدلة النقلية قد تفيد اليقين بانضمام غيرها) من تواتر ومشاهدة كما في أدلة وجوب الصلاة، فإن الصحابة علموا معانيها المرادة بالقرائن المشاهدة، ونحن علمناها بواسطة نقل القرائن إلينا تواترا، وقيل تفيده مطلقا وعزي للحشوية، وقيل لا تفيده مطلقا لانتفاء العلم بالمراد منها قلنا يعلم بما ذكر آنفا. المنطوق والمفهوم أي هذا مبحثهما. (المنطوق ما) أي معنى (دلّ عليه اللفظ في محل النطق) حكما كان كتحريم التأفيف للوالدين بقوله تعالى {فلا تقل لهما أفّ} أو حكم كزيد في نحو جاء زيد بخلاف المفهوم فإن دلالة اللفظ عليه في محل السكوت لا في محل النطق كما سيأتي. (وهو) أي اللفظ الدال في محل النطق (إن أفاد ما) أي معنى (لا يحتمل) أي اللفظ (غيره) أي غير ذلك المعنى (كزيد) في نحو جاء زيد فإنه مفيد للذات المشخصة من غير احتمال لغيرها. (فنص) أي يسمى به (أو) أفاد (ما يحتمل بدله) معنى (مرجوحا كالأسد) في نحو رأيت اليوم الأسد، فإنه مفيد للحيوان المفترس محتمل للرجل الشجاع وهو معنى مرجوح لأنه معنى مجازى والأول حقيقي. (فظاهر) أي يسمى به أما المحتمل لمعنى مساوٍ للآخر كالجون في نحو ثوب زيد جون فإنه محتمل لمعنييه أي الأسود والأبيض على السواء فيسمى مجملاً وسيأتي. واعلم أن النص يقال لما لا يحتمل تأويلاً كما هنا ولما يحتمله احتمالاً مرجوحا وهو بمعنى الظاهر، ولما دلّ على معنى كيف كان، ولدليل من كتاب أو سنة كما سيأتي في القياس. (ثم) اللفظ ينقسم باعتبار آخر إلى مركب ومفرد لأنه (إن دلّ جزؤه) الذي به تركيبه (على جزء معناه فمركب) تركيبا إسناديا كزيد قائم، أو إضافيا كغلام زيد، أو تقييديا كالحيوان الناطق. (وإلا) أي وإن لم يدل جزؤه على جزء معناه بأن لا يكون له جزء كهمزة الاستفهام أو يكون له جزء غير دال على معنى كزيد أو دال على معنى غير جزء معناه كعبد الله علما. (فمفرد) وقدم على تعريفه تعريف المركب لأن التقابل بينهما تقابل العدم والملكة والاعدام إنما تعرف بملكاتها. (ودلالته) أي اللفظ (على معناه مطابقة) وتسمى دلالة مطابقة لمطابقة أي موافقة الدال للمدلول. (وعلى جزئه) أي جزء معناه (تضمن) وتسمى دلالة تضمن لتضمن المعنى لجزئه المدلول. (و) على (لازمه) أي لازم معناه (الذهني) سواء ألزمه في الخارج أيضا أم لا (التزام) وتسمى دلالة التزام لالتزام المعنى أي استلزامه للمدلول كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق في الأول، وعلى الحيوان أو الناطق في الثاني، وعلى قابل العلم في الثالث اللازم خارجا أيضا، وكدلالة العمى أي عدم البصر عما من شأنه البصر على البصر اللازم للعمى ذهنا المنافي له خارجا لوجود كل منهما فيه بدون الآخر، ودلالة العام على بعض أفراده كجاء عبيدي مطابقة لأنه في قوّة قضايا بعدد أفراده، كما سيأتي ذلك في مبحث العلم فسقط ما قيل إنها خارجة عن الدلالات الثلاث، وقد أوضحت ذلك في شرح إيساغوجي، والدلالة كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بآخر وخرج بإضافتها للفظ الدلالة الفعلية كدلالة الخط والإشارة بزيادتي الوضعية دلالة اللفظ العقلية غير الالتزامية كدلالته على حياة لافظه والطبيعية كدلالة الأنين على الوجع. (والأوليان) أي دلالتا المطابقة والتضمن (لفظيتان) لأنهما بمحض اللفظ ولا تغاير بينهما بالذات بل بالاعتبار، إذ الفهم فيهما واحد إن اعتبر بالنسبة إلى مجموع جزأي المركب سميت الدلالة مطابقة أو إلى كل جزء من الجزأين سميت تضمنا. (والأخيرة) أي دلالة الالتزام (عقلية) لتوقفها على انتقال الذهن من المعنى إلى لازمه وفارقت التضمينية بما مر، وبأن المدلول في التضمني داخل فيما وضع له اللفظ بخلافه في الالتزامية، وهذا ما عليه الآمد ي وابن الحاجب وغيرهما من المحققين، وجرى عليه شيخنا الكمال ابن الهمام، والأصل تبع صاحب المحصول وغيره في أن المطابقة لفظية والأخريان عقليتان وتبعتهم في شرح ايساغوجي، وما هنا أقعدوا أكثر المناطقة على أن الثلاث لفظيات (ثم هي) أي الأخيرة (إن توقف صدق المنطوق أو صحته) عقلاً أو شرعا (على إضمار) أي تقدير فيما دل عليه، (فدلالة اقتضاء) أي فدلالة اللفظ الالتزامية على معنى المضمر المقصود تسمى دلالة اقتضاء في الأحوال الثلاثة، فالأول كما في الحديث الآتي في مبحث المجمل «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» أي المؤاخذة بهما لتوقف صدقه على ذلك لوقوعهما والثاني كما في قوله تعالى {واسأل القرية} أي أهلها إذ القرية وهي الأبنية المجتمعة

مسألة اللفظ والمعنى

إذ لا يلزم من تقدم اللغة على البعثة أن تكون اصطلاحية لجواز أن تكون توقيفية ويتوسط تعليمها بالوحي بين النبوّة والرسالة. (وأن اللغة لا تثبت قياسا) أي به بقيد زدته بقولي (فيما في معناه وصف) فإذا اشتمل معنى اسم على وصف مناسب للتسمية كالخمر أي المسكر من ماء العنب لتخميره أي تغطيته للعقل ووجد ذلك الوصف في معنى اسم آخر كالنبيذ أي المسكر من غير ماء العنب لم يثبت له بالقياس ذلك الاسم لغة، فلا يسمى النبيذ خمرا، إذ ما من شيء إلا وله اسم لغة فلا يثبت له اسم آخر قياسا، كما إذا ثبت لشيء حكم بنص لم يثبت له حكم آخر قياسا، وقيل يثبت به فيسمى النبيذ خمرا فيجب اجتنابه بآية {إنما الخمر والميسر} لا بالقياس على الخمر، فإن قلت ينبغي ترجيحه فقد قال به الشافعي حيث قاس النباش بالسارق فأوجب القطع وقاس النبيذ بالخمر فأوجب الحدّ. قلنا قاس شرعا لا لغة إذ زوال العقل وأخذ مال الغير خفية وصف مناسب للحكم لا أنه قاس وصف النباش ووصف النبيذ بوصف السارق ووصف الخمر، وقيل تثبت به الحقيقة دون المجاز لأنه أخفض رتبة منها، وقيل غير ذلك والترجيح من زيادتي وبما تقرر علم أن محل الخلاف في غير الأعلام، وفيما لم يثبت تعميمه باستقراء، فالأعلام لا قياس فيها اتفاقا، وما ثبت تعميمه باستقراء كرفع الفاعل ونصب المفعول لا حاجة في ثبوت ما لم يسمع منه إلى قياس حتى يختلف في ثبوته، مع أنه لا يتحقق في جزئياته أصل وفرع، لأن بعضها ليس أولى من بعض بذلك، وخرج بما في معناه وصف غيره فلا قياس فيه اتفاقا لا لانتفاء الجامع. (مسألة اللفظ) المفرد (والمعنى إن اتحدا) بأن كان كل منهما واحدا (فإن منع تصوّر معناه) أي معنى اللفظ المذكور (الشركة) فيه من اثنين مثلاً (فجزئي) أي فذلك اللفظ يسمى جزئيا حقيقيا كزيد. (وإلا) أي وإن لم يمنع تصوّر معناه الشركة فيه (فكلي) سواء امتنع وجود معناه كالجمع بين الضدين أم أمكن ولم يوجد منه كبحر زئبيق أو وجد وامتنع غيره كالإله أي المعبود بحق، أو أمكن ولم يوجد كالشمس أي الكوكب النهاري المضيء، أو وجد كالإنسان أي الحيوان الناطق، وما مر من تسمية المدلول جزئيا وكليا هو الحقيقة، وما هنا مجاز من تسمية الدال باسم المدلول. (متواطىء) ذلك الكلي. (إن استوى) معناه في أفراده كالإنسان فإنه متساوي المعنى في أفراده من زيد وعمرو وغيرهما سمي متواطئا من التواطؤ أي التوافق لتوافق أفراد معناه فيه. (وإلا) فإن تفاوت معناه في إفراده بالشدة أو التقدم كالبياض، فإن معناه في الثلج أشد منه في العاج، وكالوجود فإن معناه في الواجب قبله في الممكن، (فمشكك) سمي به لتشكيكه الناظر فيه في أنه متواطىء نظرا إلى جهة اشتراك الأفراد في أصل المعنى أو غير متواطىء نظرا إلى جهة الاختلاف. (وإن تعددا) أي اللفظ والمعنى كالإنسان والفرس. (فمباين) أي كل من اللفظين للآخر مباينا له لمباينة معنى كل منهما لمعنى الآخر. (أو) تعدد (اللفظ فقط) أي دون المعنى كالإنسان والبشر. (فمرادف) كل من اللفظين للآخر سمى مرادفا له لمرادفته له أي موافقته له في معناه. (وعكسه) وهو أن يتعدد المعنى دون اللفظ كأن يكون للفظ معنيان.

(إن كان) أي اللفظ (حقيقة فيهما) أي في المعنيين كالقرء للحيض والطهر. (فمشترك) لاشتراك المعنيين فيه. (وإلا فحقيقة ومجاز) كالأسد للحيوان المفترس وللرجل الشجاع، وإنما لم يقولوا أو مجازان أيضا، مع أنه يجوز أن يتجوّز في اللفظ من غير أن يكون له معنى حقيقي كما هو الأصح الآتي، كأنه، لأن هذا القسم لم يثبت وجوده. (والعلم ما) أي لفظ (عين مسماه) خرج النكرة (بوضع) خرج بقية المعارف فإن كلاً منها لم يعين مسماه بالوضع بل بأمر آخر، فأنت مثلاً إنما يعين مسماه بقرينة الخطاب لا بوضعه، فإنه إنما وضع لما يستعمل فيه من أي جزئي وما ذكرته أولى من قوله ما وضع لمعنى لا يتناول غيره. (فإن كان تعيينه) أي المسمى (خارجيا فعلم شخص) فهو ما عين مسماه في الخارج بوضع، فلا يخرج العلم العارض الاشتراك كزيد سمي به كل من جماعة. (وإلا) بأن كان تعيينه ذهنيا، (فعلم جنس) . فهو ما عين مسماه في الذهن بوضع بأن يلاحظ وجوده فيه كأسامة علم للسبع أي لماهيته الحاضرة في الذهن. وأما اسم الجنس ويسمى المطلق، فهو عند جمع من المحققين ما وضع لشائع في جنسه، وسيأتي إيضاحه في بحث المطلق وعند الأصل تبعا لجمع وهو المختار ما وضع للماهية المطلقة أي من غير أن تعين في الخارج أو في الذهن كأسد اسم لماهية السبع واستعماله فيها كأن يقال أسد أجرأ من ثعلب، كما يقال أسامة أجرأ من ثعالة، ويدل على اعتبار التعيين في علم الجنس إجراء الأحكام اللفظية لعلم الشخص عليه كمنع الصرف مع تاء التأنيث، وإيقاع الحال منه نحو هذا أسامة مقبلاً، واستعمال علم الجنس أو اسم الجنس على القول الثاني معرفا أو منكرا في الفرد المعين أو المبهم من حيث اشتماله على الماهية حقيقي نحو هذا أسامة أو

مسألة الاشتقاق

الأسد أو أسد أو إن رأيت أسامة أو الأسد أو أسدا ففر منه. (مسألة الاشتقاق) هو لغة الاقطاع، واصطلاحا من حيث قيامه بالفاعل. (رد لفظ إلى) لفظ (آخر) . وإن كان الآخر مجازا (لمناسبة بينهما في المعنى) بأن يكون معنى الثاني في الأول. (و) في (الحروف الأصلية) بأن تكون فيهما على ترتيب واحد كما في الناطق من النطق بمعنى التكلم حقيقة، وبمعنى الدلالة مجازا كما في قولك الحال ناطقة بكذا أي دالة عليه، وقد لا يشتق من المجاز كما في الأمر بمعنى الفعل مجازا كما سيأتي، وقضية الرد ما صرح به الأصل أنه لا بد في تحقيق الاشتراك من تغيير بين اللفظين تحقيقا كما في ضرب من الضرب، أو تقديرا كما في طلب من الطلب وحلب من الحلب. فتقدر فتحة اللام في الفعل غيرها في المصدر كما قدروا ضم النون في جنب جمعا غيرها فيه مفردا، ثم ما ذكر تعريف للاشتقاق المراد عند الإطلاق وهو الصغير، أما الكبير فليس فيه الترتيب كما في الجبذ والجذب، والأكبر ليس فيه جميع الأصول كما في الثلم والثلب، ويقال فيها أيضا أصغر وصغير وكبير وأصغر وأوسط وأكبر. (وقد يطرد) المشتق كاسم (الفاعل) نحو ضارب لكل من وقع منه الضرب (وقد يختص) بشيء (كالقارورة) من القرار للزجاجة المعروفة دون غيرها مما هو مقر للمائع ككوز. (ومن لم يقم) أي يتعلق (به) من الأشياء (وصف لم يشتقّ منه) أي من الوصف أي لفظه. (اسم عندنا) خلافا للمعتزلة في تجويزهم ذلك حيث نفوا عن الله تعالى صفاته الذاتية المجموعة في قول القائل حياة وعلم قدرة وإرادة وسمع وأبصار كلام مع البقا ووافقوا على أنه عالم قادر مريد مثلاً، لكن قالوا بذاته لا بصفات زائدة عليها متكلم، لكن بمعنى أنه خالق الكلام في جسم كالشجرة التي سمع منها موسى عليه السلام بناء على أن الكلام عندهم ليس إلا بالحروف والأصوات الممتنع اتصافه تعالى بها، ففي الحقيقة لم يخالفوا فيها هنا، لأن صفة الكلام بمعنى خلقه ثابتة له تعالى، وكذا بقية الصفات الذاتية، وإنما ينفون زيادتها على الذات ويزعمون أنها نفس الذات فرارا بذلك من تعدد القدماء على أن تعددها، إنما هو محذور في ذوات لا في ذات وصفات، وبنوا على تجويزهم المذكور ما ذكره الأصل هنا وغيره في المسألة النسخ قبل الفعل من اتفاقهم على أن إبراهيم ذبح ابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام، حيث أمرّ عندهم آلة الذبح على محله منه، واختلافهم هل إسماعيل مذبوح أو لا؟ فقيل نعم والتأم ما قطع منه، وقيل لا. فالقائل بهذا أطلق الذابح على من لم يقم به الذبح، لكن بمعنى أنه ممر آلته على محله فما خالف في الحقيقة، وعندنا لم يمرها عليه لنسخ الذبح قبل التمكن منه لقوله تعالى {وفديناه بذبح عظيم} . (فإن قام به) أي بالشيء (ما) أي وصف (له اسم جواب) . الاشتقاق لغة من ذلك الاسم لمن قام به الوصف كاشتقاق العالم من العلم لمن قام به معناه. (وإلا) أي وإن لم يقم به ذلك بأن قام به ما ليس له اسم كأنواع الروائح إذ لم يوضع لها أسماء استغناء عنها بالتقييد كرائحة كذا كما مرّ. (لم يجز) أي الاشتقاق لاستحالته وهذا أولى من قوله لم يجب. (والأصح أنه يشترط بقاء) معنى (المشتق منه) في المحل (في كون المشتق) المطلق عليه (حقيقة إن أمكن) بقاء ذلك المعنى كالقيام. (وإلا فآخر جزء)

مسألة الأصح أن المرادف واقع

أي وإن لم يمكن بقاؤه كالتكلم، لأنه بأصوات تنقضي شيئا فشيئا، فالمشترط بقاء آخر جزء منه، فإذا لم يبق المعنى أو جزؤه الأخير في المحل يكون المشتق المطلق عليه مجازا كالمطلق قبل وجود المعنى نحو {إنك ميت وإنهم ميتون} وقيل لا يشترط ما ذكر فيكون المشتق المطلق بعد انقضائه حقيقة استصحابا للإطلاق، وقيل بالوقف عن الاشتراط وعدمه لتعارض دليلهما، وإنما عبرت كالأصل بالبقاء الذي هو استمرار الوجود الكافي في الاشتراط ليتأتى حكاية مقابله، وإنما اعتبر في الشق الني آخر جزء لتمام المعنى به وفي التعبير فيه بالبقاء تسمح احتمل لما مرّ، وقيل ما حاصله محل الخلاف إذا لم يطرأ على المحل وصف يضاد الأول، فإن طرأ عليه ذلك كالسواد بعد البياض والقيام بعد القعود لم يسم المحل بالأول حقيقة إجماعا، وهذا القول مأخوذ من كلام الآمدي في ردّه دليل القول بعدم اشتراط البقاء الذي لا يلتزم الراد فيه مذهبنا، والأصح جريان الخلاف، وقد بينت ما في كلام الآمدي في الحاشية، وعلى اشتراط ما ذكر بل وعلى عدمه أيضا. (فاسم الفاعل) من جملة المشتق (حقيقة في حال التلبس) بالمعنى أو جزئه الأخير مطلقا. (لا) حال (النطق) بالمشتق أيضا فقط خلافا للقرافي حيث قال بالثاني، وبنى عليه سؤاله في آيات {الزانية والزاني فاجلدوا} {والسارق والسارقة فاقطعوا} {فاقتلوا المشركين} ونحوها أنها إنما تتناول من اتصف بالمعنى بعد نزولها الذي هو حال النطق مجازا، والأصل عدم المجاز قال والإجماع على تناولها له حقيقة، وأجاب بأن المسألة محلها في المشتق المحكوم به نحو زيد ضارب، فإن كان محكوما عليه كما في هذه الآيات فحقيقة مطلقا. وقال السبكي وتبعه ابنه في دفع السؤال إن المعنيّ بالحال حال التلبس بالمعنى، وإن تأخر عن النطق بالمشتق لا حال النطق به الذي هو حال التلبس بالمعنى أيضا فقط. أي فالإجماع إنما هو في التناول لمن ذكره حال التلبس لا حال النطق، فاسم الفاعل مثلاً حقيقة في من هو متصف بالمعنى حين قيامه به حاضرا عند النطق أو مستقبلاً ومجاز في من سيتصف به، وكذا فيمن اتصف به فيما مضى على الصحيح. (ولا إشعار للمشتق بخصوصية الذات) التي دل هو عليها من كونها جسما أو غيره، لأن قولك مثلاً الأسود جسم صحيح ولو أشعر الأسود فيه بالجسمية لكان قولك الجسم ذو السواد جسم وهو غير صحيح لعدم إفادته. (مسألة الأصح أن) اللفظ (المرادف) لآخر (واقع) في الكلام جوازا مطلقا كليث وأسد، وقيل لا. وما يظن مرادفا كالإنسان والبشر فمباين بالصفة الأول باعتبار النسيان وأنه يأنس، والثاني باعتبار أنه بادي البشرة أي ظاهر الجلد، وقيل لا في الأسماء الشرعية لأنه ثبت على خلاف الأصل للحاجة إليه في نحو النظم والسجع، وذلك منتف في كلام الشارع. (و) الأصح (أن الحد والمحدود) كالحيوان الناطق والإنسان (ونحو حسن بسن) أي الاسم وتابعه كعطشان نطشان، (ليسا منه) أي من المرادف أما الأول فلأن الحد يدل على أجزاء الماهية تفصيلاً والمحدود يدل عليها إجمالاً فهما متغايران، ولأن الترادف من عوارض المفردات، وقيل منه بقطع النظر عن الإجمال والتفصيل، وأما الثاني فلأن التابع لا يفيد المعنى بدون متبوعه وقيل منه وقائله يمنع ذلك. (والتابع) على الأول (يفيد التقوية) للمتبوع وإلا لم يكن لذكره فائدة (و) الأصح (أن كلاً من المرادفين) ولو من لغتين (يقع) جوازا (مكان الآخر) في الكلام مطلقا، إذ لا مانع من ذلك، وقيل لا، إذ لو أتي بكلمة فارسية مكان كلمة عربية في كلام لم يستقم لغة الكلام، لأن ضم لغة إلى أخرى كضم مهمل ومستعمل، وإذا عقل ذلك في لغتين عقل مثله

مسألة الأصح أن المشترك واقع

في لغة، وقيل لا إن كانا من لغتين لما مرّ، وعلى الأصح إنما امتنع ذلك فيما تعبد بلفظه كتكبيرة الإحرام عندنا للقادر عليها العارض شرعي، والبحث إنما هو لغوي فلا حاجة إلى التقييد بذلك وإن قيد به الأصل. (مسألة الأصح أن المشترك) بين معنيين مثلاً (واقع) في الكلام (جوازا) كالقراء للطهر والحيض وعسعس لأقبل وأدبر والباء للتبعيض والاستعانة وغيرهما. وقيل لا، وما يظنّ مشتركا فهو إما حقيقة أو مجاز أو متواطىء كالعين حقيقة في الباصرة مجاز في غيرها كالذهب لصفائه، وكالقرء موضوع للقدر المشترك بين الطهر والحيض، وهو المع من قرأت الماء في الحوض أي جمعته فيه، والدم يجتمع في زمن الطهر في الجسد وفي زمن الحيض في الرحم، وقيل لا في القرآن والحديث لأنه ولو وقع فيهما لوقع إما مبينا فيطول بلا فائدة أو غير مبين فلا يفيد، والقرآن والحديث ينزهان عن ذلك. وأجيب باختيار الثاني ويفيد إرادة أحد معنييه الذي سيبين وإن لم يبين حمل على معنييه كما سيأتي. وقيل يجب وقوعه لأن المعاني أكثر من الألفاظ الدالة عليها. وأجيب بمنع ذلك إذ ما من مشترك إلا ولكل من معنييه مثلاً لفظ يدل عليه، وقيل هو ممتنع لإخلاله بفهم المراد المقصود من الوضع. وأجيب بأنه يفهم بالقرينة، والمقصود من الوضع الفهم التفصيلي أو الإجمالي المبين بالقرينة. فإن انتفت حمل على المعنيين، وقيل ممتنع من النقيضين فقط إذ لو وضع لهما لفظ لم يفد سماعه غير التردد بينهما وهو حاصل في العقل. وأجيب بأنه قد يعقل عنهما فيستحضرهما بسماعه ثم يبحث عن المراد منهما. (و) الأصح (أنه) أي المشترك. (يصح لغة إطلاقه على معنييه) مثلاً (معا) بأن يراد به من متكلم واحد في وقت واحد كقولك عندي عين وتريد الباصرة والجارية مثلاً. وقرأت هند وتريد طهرت وحاضت. (مجازا) لأنه لم يوضع لهما معا بل لكل منهما منفردا بأن تعدد الواضع أو وضع الواحد نسيانا للأوّل. وعن الشافعي أنه حقيقة نظرا لوضعه لكل منهما وأنه ظاهر فيهما عند التجرد عن القرائن، وعن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه حقيقة، وأنه مجمل لكن يحمل عليهما احتياطا. وقيل يصح أن يراد به المعنيان عقلاً لا لغة، وقيل يصح ذلك في النفي نحو لا عين عندي، ويراد به الباصرة والذهب مثلاً دون الإثبات نحو عندي عين لأن زيادة النفي على الإثبات معهودة، وردّ بأن النفي لا يرفع إلا ما يقتضيه الإثبات والخلاف فيما إذا أمكن الجمع بينهما، فإن امتنع كما في استعمال صيغة أفعل في طلب الفعل والتهديد عليه على القول الآتي إنها مشتركة بينهما فلا يصح قطعا. (و) الأصح (أن جمعه باعتبارهما) أي معنييه بناء على جواز جمعه، وهو ما رجحه ابن مالك كقولك عندي عيون وتريد مثلاً باصرتين وجارية أو باصرة وجارية وذهبا. (مبني عليه) أي على ما ذكر من صحة إطلاق اللفظ المشترك المفرد عليهما معا كما أن المنع مبني على المنع، وقيل لا يبنى عليه فقط بل يأتي على القول بالمنع أيضا، لأن الجمع في قوّة تكرير المفردات بالعطف. (و) الأصح (أن ذلك) أي ما ذكر من صحة إطلاق اللفظ على معنييه معا مجاز إلى آخره. (آت في الحقيقة والمجاز) كما في قولك رأيت الأسد وتريد الحيوان المفترس والرجل الشجاع، فيكون مجازا. وقيل حقيقة ومجازا. ومنع القاضي ذلك على ما نقله عنه الأصل لما فيه من الجمع بين متنافيين حيث أريد باللفظ الموضوع له أو لا وغيره معا. وأجيب بمنع التنافي. (و) آت (في المجازين) كقولك والله لا أشتري وتريد السوم والشراء بالتوكيل فيه، وقيل لا يأتي فيهما لما مرّ، وإذا علم صحة إطلاق اللفظ على حقيقته ومجازه. (فنحو افعلوا الخير يعم الواجب والمندوب) حملاً لصيغة افعل على الحقيقة والمجاز من الوجوب والندب بقرينة كون متعلقهما كالخير شاملاً للواجب والمندوب، وقيل يختص بالواجب بناء على أنه لا يراد المجاز مع الحقيقة. وقيل هو للقدر المشترك بين الواجب والمندوب أي مطلوب الفعل بناء على القول الآتي أن الصيغة

حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب أي طلب الفعل وإطلاق الحقيقة والمجاز على المعنى كما هنا مجازي من إطلاق اسم الدال على المدلول. (الحقيقة لفظ مستعمل) خرج اللفظ المهمل وما وضع ولم يستعمل. (فيما وضع له) خرج الغلط كقولك خذ هذا القوس مشيرا إلى حمار. (أو لا) خرج المجاز. (وهي لغوية) بأن وضعها أهل اللغة بتوقيف أو اصطلاح كالأسد للحيوان المفترس (وعرفية) بأن وضعها أهل العرف العام كالدابة لذات الحوافر كالحمار، وهي لغة لكل ما يدبّ على الأرض أو الخاص كالفاعل للاسم المعروف عند النحاة. (ووقعتا) أي اللغوية والعرفية خلافا لقوم في العامة. (وشرعية) بأن وضعها الشارع كالصلاة للعبادة المخصوصة فالشرعي ما لم يستفد وضعه إلا من الشرع. (والمختار وقوع الفرعية منها) أي من الشرعية كالصلاة. (لا الدينية) أي المتعلقة بأصول الدين فإنها في الشرع مستعملة في معناها اللغوي كالإيمان فإنه كذلك، ومعناه اللغوي تصديق القلب، وإن اعتبر الشارع في الاعتداد به التلفظ بالشهادتين من القادر كما سيأتي. ونفي قوم إمكان الشرعية بناء على أن بين اللفظ والمعنى مناسبة مانعة من نقله إلى غيره، وقوم وقوعها محتجين بأن لفظ الصلاة مثلاً مستعمل في الشرع في معناه اللغوي أي الدعاء بخير، لكن اعتبر الشارع في الاعتداد به أمورا كالركوع وغيره، وقال قوم وقعت مطلقا، وقوم وقعت إلا الإيمان فإنه في الشرع مستعمل في معناه اللغوي كما مر. (والمجاز) في الإفراد وهو المراد عند الإطلاق (لفظ مستعمل) فيما وضع له لغة أو عرفا أو شرعا (بوضع) خرج المهمل وما لم يستعمل والغلط. (ثان) خرج الحقيقة (لعلاقة) بفتح العين وكسرها أي علقة بين ما وضع له أولاً وما وضع له ثانيا بحيث ينتقل إليه الذهن بواسطتها خرج العلم المنقول كالفضل، وفي تقييد الوضع دون الاستعمال بالثاني إشارة إلى وجوب تقدم الوضع دون الاستعمال وهو ما ذكرته مع زيادة بقولي (فيجب سبق الوضع) للمعنى الأول. (جزما لا) سبق (الاستعمال) فيه فلا يجب في تحقيق المجاز. (في الأصح) . إذ لا مانع من أن يتجوز في اللفظ قبل استعماله فيما وضع له أولاً. فلا يستلزم المجاز للحقيقة كعكسه، وقيل يجب سبق الاستعمال في ذلك، وإلا لعري الوضع الأول عن الفائدة. وأجيب بحصولها باستعماله فيما وضع له ثانيا، وصحح الأصل من عندياته أنه لا يجب ذلك إلا في مصدر المجاز بمعنى أنه لا يتحقق في المشتق مجاز إلا إذا سبق استعمال مصدره حقيقة، وإن لم يستعمل المشتق حقيقة كالرحمن لم يستعمل إلا في الله تعالى، وفي صحة ما صححه وقفة بينتها في الحاشية. (وهو) أي المجاز (واقع) في الكلام مطلقا (في الأصح) ونفى قوم وقوعه مطلقا قالوا وما يظنّ مجازا نحو رأيت أسدا يرمى فحقيقة، ونفي قوم وقوعه في الكتاب والسنة قالوا لأنه بحسب الظاهر كذب نحو قولك في البليد هذا حمار، وكلام الله ورسوله منزه عن الكذب. وأجيب بأنه لا كذب مع اعتبار العلاقة وهي في ذلك المشابهة في الصفة الظاهرة أي عدم الفهم. (و) إنما (يعدل إليه) عن الحقيقة التي هي الأصل (لثقل الحقيقة) على اللسان كالخنفقيق للداهية يعدل عنه إلى الموت مثلاً. (أو بشاعتها) كالخرأة بكسر الخاء يعدل عنها إلى الغائط وحقيقته المكان المطمئن (أو جهلها) للمتكلم أو المخاطب دون المجاز. (أو بلاغته) نحو زيد أسد فإنه أبلغ من شجاع. (أو شهرته) دون الحقيقة. (أو غير ذلك) كإخفاء المراد عن غير المتخاطبين الجاهل بالمجاز دون الحقيقة وكإقامة وزن وقافية وسجع به دون الحقيقة. (والأصح أنه) أي المجاز (ليس غالبا على الحقيقة) في اللغات،

وقيل غالب عليها في كل لغة لأنك تقول مثلاً رأيت زيدا والمرئي بعضه، وهذا لا يدل على المدعي كما بينته في الحاشية. (ولا) أي وأنه ليس (معتمدا) عليه (حيث تستحيل) الحقيقة بل لا بد من قرينة تدل له وخالف أبو حينفة حيث قال فيمن قال لعبده الذي لا يولد مثله لمثله هذا ابني أنه يعتق عليه وإن لم ينو العتق اللازم للبنوّة صونا للكلام عن الإلغاء. قلنا لا ضرورة إلى تصحيحه بذلك، وفارق هذا ما مر من أن الحقيقة إذا جهلت يعدل إلى المجاز بأن ذاك في الاستعمال، وهذا في الحمل، وبأن ذلك بالنظر لتعدد اللفظ واتحاد المعنى، وهذا بالعكس أما إذا كان مثله يولد لمثله فيعتق عليه اتفاقا إن لم يكن معروف النسب من غيره، وإلا فكذلك على الأصح مؤاخذة له باللازم وإن لم يثبت اللزوم. (وهو) أي المجاز (والنقل) المعلوم من ذكر كل من الحقيقة الشرعية العرفية. (خلاف الأصل) الراجح فإذا احتمل لفظ معناه الحقيقي والمجازي أو المنقول عنه، وإليه فالأصل حمله على الحقيقي لعدم الحاجة فيه إلى قرينة أو على المنقول عنه استصحابا للموضوع له أوّلاً مثالهما رأيت أسدا وصليت أي حيوانا مفترسا ودعوت بخير أي سلامة منه، ويحتمل الرجل الشجاع والصلاة الشرعية. (و) المجاز والنقل (أولى من الاشتراك) فإذا احتمل لفظ هو حقيقة في معنى أن يكون في آخر حقيقة ومجازا أو حقيقة ومنقولاً فحمله على المجاز أو المنقول أولى من حمله على الحقيقة المؤدي إلى الاشتراك، لأن المجاز أغلب من المشترك والمنقول لا يمتنع العمل به لإفراد مدلوله قبل النقل وبعده، بخلاف المشترك لا يعمل به إلا بقرينة تعين أحد معنييه مثلاً إلا إذا قيل بحمله عليهما، فالأول كالنكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء، وقيل العكس، وقيل مشترك بينهما فهو حقيقة في أحدهما محتمل للحقيقة والمجاز في الآخر، والثاني كالزكاة حقيقة في النماء أي الزيادة محتمل فيما يخرج من المال للحقيقة والنقل. (والتخصيص أولى منهما) أي من المجاز والنقل، فإذا احتمل الكلام تخصيصا ومجازا أو تخصيصا ونقلاً فحمله على التخصيص أولى، أما الأول فلتعين الباقي من العام بعد التخصيص بخلاف المجاز قد لا يتعين بأن يتعدد ولا قرينة تعين، وأما الثاني فلسلامة التخصيص من نسخ المعنى الأول بخلاف النقل، فالأول كقوله تعالى {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} فقال الحنفي أي مما لم يتلفظ بالبسملة عند ذبحه وخص منه ناسيها فتحل ذبيحته وقال غيره أي مما لم يذبح تعبيرا عن الذبح بما يقارنه غالبا من التسمية، فلا تحل ذبيحة المتعمد لتركها على الأول دون الثاني، وفي الآية تأويل آخر ذكرته في الحاشية، والثاني كقوله تعالى {وأحل الله البيع} فقيل هو

المبادلة مطلقا وخص منه الفاسد، وقيل نقل شرعا إلى المستجمع لشروط الصحة، وهما قولان للشافعي، فما شك في استجماعه لها يحل ويصح على الأول، لأن الأصل عدم فساده دون الثاني، لأن الأصل عدم استجماعه لها. ( والأصح أن الاضمار أولى من النقل) لسلامته من نسخ المعنى الأول، وقيل عكسه لعدم احتياج النقل إلى قرينة كقوله تعالى {وحرم الربا} فقال الحنفي أخذه وهو الزيادة في بيع درهم بدرهمين مثلاً، فإذا أسقطت صح البيع وارتفع الإثم، وقال غيره نقل الربا شرعا إلى العقد فهو فاسد، وإن أسقطت الزيادة في ذلك والإثم فيه باق، وترجيح هذا عندنا لا للنقل بل لمرجح خاص هو تنظير الربا بالبيع في قوله تعالى حكاية عن الكفار {إنما البيع مثل الربا} فإنه ظاهر في العقد كما أوضحته في الحاشية، وما ذكرته من الخلاف هو ما في الأصل مع أنه لم يصرح فيه ولا فيما يأتي أثره بترجيح، لكن قال الزركشي والعراقي المعروف تقديم الإضمار. (و) الأصح (أن المجاز مساوٍ للإضمار) وقيل أولى منه لكثرته، وقيل عكسه لأن قرينة الإضمار متصلة كقوله لعبده الذي يولد مثله لمثله أو المشهور النسب من غيره هذا ابني أي عتيق تعبيرا عن اللازم بالملزوم فيعتق، أو مثل ابني في الشفقة عليه فلا يعتق، وتقدّم ترجيح الأول وترجيحه لا للمجاز بل لأمر آخر هنا وهو تشوّف الشارع إلى العتق على أن المختار في الروضة أنه لا بد في العتق من نية ويؤخذ مما مرّ من أن التخصيص أولى من المجاز الأولى من الاشتراك، والمساوي للإضمار الأولى من النقل أن التخصيص أولى من الاشتراك والإضمار، وأن الإضمار أولى من الاشتراك، وأن المجاز أولى من النقل، والكل صحيح، ووجه الأخير سلامة المجاز من نسخ المعنى الأول بخلاف النقل، وقد تقدم بهذه الأربعة العشرة التي ذكروها في تعارض ما يخل بالفهم أي اليقين لا الظنّ، وقد أوضحت ذلك مع زيادة في الحاشية. (ويكون) المجاز من حيث العلاقة (بشكل) كالفرس لصورته المنقوشة (وصفة ظاهرة) كالأسد للرجل الشجاع دون الأبخر لظهور الشجاعة دون البخر للأسد المفترس. (واعتبار ما يكون) في المستقبل (قطعا) نحو {إنك ميت وإنهم ميتون} (أو ظنا) كالخمر للعصير بخلاف ما يكون احتمالاً مرجوحا أو مساويا كالحرّ للعبد لا يجوز أما باعتبار ما كان كالعبد لمن عتق فتقدم في الاشتقاق. (ومضادة) كالمفازة للبرّية

المهلكة (ومجاورة) . كالراوية لظرف الماء المعروف تسمية له باسم ما يحمله من جمل أو نحوه. (وزيادة) قالوا نحو {ليس كمثله شيء} فالكاف زائدة، وإلا فهي بمعنى مثل فيكون له تعالى مثل وهو محال، والقصد بهذا الكلام نفيه، والتحقيق أنها ليست زائدة كما بينته في الحاشية. (ونقص) نحو {واسأل القرية} أي أهلها فقد تجوّز أي توسع بزيادة كلمة أو نقصها وإن لم يصدق على ذلك حد المجاز السابق، وقيل يصدق عليه حيث استعمل مثل المثل في المثل، والقرية في أهلها، وقيد المطرزي كون كل من الزيادة والنقص مجازا بما إذا تغير به حكم وإلا فلا يكون مجازا، فلو قلت زيد منطلق وعمرو لم يكن حذف الخبر مجازا لأن حكم الباقي لم يتغير، وفي تسميته كلاً من الزيادة والنقص مجازا تجوّز لأنه ليس مجازا بل علاقة له. (وسبب لمسبب) نحو للأمير يد أي قدرة فهي بمعنى أثرها مسببة عن اليد لحصولها بها. (وكل لبعض) نحو {يجعلون أصابعهم في آذانهم} أي أناملهم. (ومتعلق) بكسر اللام (لمتعلق) بفتحها نحو هذا خلق الله أي مخلوقه، وهذه تسمى علاقة التعلق. (والعكوس) للثلاثة الأخيرة أي مسبب لسببه كالموت للمرض الشديد، لأنه سبب له عادة وبعض لكل نحو فلان ملك ألف رأس غنم، ومتعلق بفتح اللام لمتعلق بكسرها نحو {أيكم المفتون} أي الفتنة. (وما بالفعل على ما بالقوّة) كالمسكر للخمر في الدنّ وما زيد على هذه العلاقات كإطلاق اللازم على الملزوم، وعكسه يرجع إليها كأن يراد بالمجاورة مثلاً كما قال التفتازاني ما يعم كون أحدهما في الآخر بالجزئية أو الحلول، وكونهما في محل، أو متلازمين في الوجود أو العقل أو الخيال وغير ذلك. (والأصح أنه) أي المجاز أي مطلقه لا المعرف بما مر قد. (يكون في الإسناد) ويسمى مجازا في التركيب ومجازا عقليا ومجازا حكميا ومجازا في الإثبات وإسنادا مجازيا، سواء أكان الطرفان حقيقتين أم لا. وذلك بأن يسند الشيء لغير من هو له لملابسة بينهم كقوله تعالى {وإذا تليت عليهم أياته زادتهم أيمانا} أسندت الزيادة وهي فعل الله تعالى إلى الآيات لكون الآيات المتلوة سببا لها عادة، وقيل لا يكون المجاز في الإسناد بل المجاز فيما يذكر منه إما في المسند أو في المسند إليه، فمعنى زادتهم على الأول ازدادوا بها، وعلى الثاني زادهم الله إطلاقا للآيات عليه تعالى لإسناد فعله إليها. (و) الأصح أنه قد يكون في (المشتق) نحو {ونادى أصحاب الجنة} أي ينادي {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} أي تلته، وقيل لا يكون فيه إلا بالتبع للمصدر أصله فإن كان حقيقة فلا مجاز فيه. قلنا الحصرممنوع (و) الأصح أنه أعني المجاز في الإفراد قد يكون في (الحرف) بالذات نحو فهل ترى لهم من باقية أي ما ترى وبالتبع لمتعلقه، ولا يكون إلا في الاستعارة نحو {فالتقطه آل فرعون} الآية شبه فيها ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب علته الغائية عليه وهي المحبة والتبني، ثم استعمل في المشبه اللام الموضوعة للدلالة على ترتب العلة الغائية التي هي المشبه به فجرت الاستعارة أصالة في العلة، وعلى هذا القول البيانيون، وقيل لا يكون فيه إلا بالتبع في التركيب لا في الإفراد، وعليه الإمام الرازي، وقيل لا يكون فيه لا بالذات ولا بالتبع لأنه لا يفيد إلا بضمه إلى غيره، فإن ضم إلى ما ينبغي ضمه إليه فهو حقيقة أو إلى ما لا ينبغي ضمه إليه فمجاز مركب. قلنا لا نسلم الشق الثاني بل الضم فيه قرينة مجاز الافراد كقوله تعالى {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي عليها. (لا) في (العلم) أي لا يكون المجاز فيه على الأصح لأنه إن كان مرتجلاً أي لم يسبق له وضع كسعاد أو منقولاً لغير مناسبة كفضل فواضح أو لمناسبة كمن سمى ابنه بمبارك لما ظنه فيه من البركة فلصحة الإطلاق عند زوالها، ولأن العلم وضع للفرق بين الذوات فلو تجوّز فيه بطل هذا الغرض، وقيل يكون فيه إن لمح فيه الصفة كالحارث، إذ لا يراد منه الصفة، وقد كان قبل العلمية موضوعا لها وهذا خلاف في التسمية وعدمها أولى، لأن وضع العلم شخصي ووضع المجاز نوعي، ولأن العلم عند الأكثر لا حقيقة ولا مجاز، وفيه كلام ذكرته في الحاشية أوائل مباحث

(مسألة المعرب)

الحقيقة والمجاز. (و) الأصح (أنه يشترط سمع في نوعه) أي المجاز فلا يتجوز في نوع منه كالسبب للمسبب إلا إذا سمع من العرب صورة منه مثلاً، وقيل لا يشترط ذلك بل يكتفي بالعلاقة التي نظروا إليها فيكفي السماع في نوع لصحة التجويز في عكسه مثلاً، وخرج بنوعه شخصه فلا يشترط السماع فيه إجماعا بأن لا يستعمل إلا في الصور التي استعملته العرب فيها. (ويعرف) المجاز أي معناه أو لفظه. (بتبادر غيره) منه إلى الفهم (لولا القرينة) بخلاف الحقيقة فإنها تعرف بالتبادر بلا قرينة. (وصحة النفي) للمعنى الحقيقي في الواقع كما في قولك للبليد هذا حمار فإنه يصح نفي الحمار عنه. (وعدم لزوم الاطراد) فيما يدل عليه بأن لا يطرد كما في {واسأل القرية} أي أهلها ولا يقال واسأل البساط أي أهله أو يطرد لا لزوما كما في الأسد للرجل الشجاع فيصح في جميع جزئياته من غير لزوم لجواز أن يعبر في بعضها بالحقيقة بخلاف المعنى الحقيقي، فيلزم المراد ما يدل عليه من الحقيقة في جميع جزئياته لانتفاء التعبير الحقيقي بغيرها. (وجمعه) أي جمع اللفظ الدال عليه (على خلاف) صيغة (جمع الحقيقة) كالأمر بمعنى الفعل مجازا يجمع على أمور بخلافه بمعنى القول حقيقة، فيجمع على أوامر، كذا في الأصل وغيره، وفيه اعتراض بينته في الحاشية. (والتزام تقييده) أي اللفظ الدال عليه كجناح الذل أي لين الجانب ونار الحرب أي شدّتها بخلاف المشترك من الحقيقة، فإنه يقيد من غير التزام كالعين الجارية، وظاهر ذلك أن إطلاق الجناح على لين الجانب، والنار على الشدة مجاز إفراد، وأن الإضافة فيهما قرينة له، وأن التزامها علامة تميزه عن الحقيقة، والظاهر أنه استعارة تخييلية كأظفار المنية كما بينته في الحاشية. (وتوقفه) في إطلاق اللفظ عليه (على المسمى الآخر) الحقيقي، ويسمى هذا بالمشاكلة وهي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا نحو {ومكروا ومكر الله} أي جازاهم على مكرهم حيث تواطئوا على قتل عيسى عليه الصلاة والسلام أو تقديرا نحو {أفأمنوا مكر الله} فإطلاق المكر على المجازاة على مكرهم متوقف على وجوده تحقيقا أو تقديرا. (والإطلاق) للفظ (على المستحيل) نحو {واسأل القرية} فإطلاق المسؤول عليها مستحيل، لأنها الأبنية المجتمعة، وإنما المسؤول أهلها. (مسألة المعرّب) بتشديد الراء (لفظ غير علم استعملته العرب فيما) أي في معنى (وضع له في غير لغتهم) خرج به الحقيقة والمجاز العربيان، فإن كلاً منهما استعملته العرب فيما وضع له في لغتهم (والأصح أنه) أي المعرب (ليس في القرآن) وإلا لاشتمل على غير عربي، فلا يكون كله عربيا، وقد قال تعالى {إنا أنزلناه قرآنا عربيا} وقيل إنه فيه كاستبرق فارسية للديباج الغليظ وقسطاس رومية للميزان ومشكاة هندية أو حبشية للكوّة التي لا تنفذ. قلنا هذه الألفاظ ونحوها اتفق فيها لغة العرب ولغة غيرهم كالصابون والتنور، وأما العلم الأعجمي الذي استعملته العرب كابراهيم واسماعيل وعزرائيل فلا يسمى معرّبا، بل هو من توافق اللغتين مطلقا أو أعجمي محض إن وقع في غير القرآن فقط، وإنما منع من الصرف على الأوّل لأصالة وضعه في العجمة، وهذا ما مشى عليه الأصل هنا، وكلامه في شرح المختصر يقتضي أنه يسمى معرّبا، وبما قررته علم أن المعرب أعجمي الأصل، وقيل إن المعرب واسطة بين العجمي والعربي، ويشبه أن لا خلاف بأن يقال الأوّل نظر إلى أصله. والثاني إلى حالته الراهنة. (مسألة اللفظ) المستعمل في معنى إما (حقيقة) فقط كالأسد للحيوان المفترس. (أو مجاز) فقط كالأسد للرجل الشجاع (أو هما) أي حقيقة ومجاز (باعتبارين) كأن وضع لغة لمعنى عام، ثم خصه الشرع أو العرف العام أو الخاص بنوع منه كالصوم في اللغة للإمساك خصه الشرع بالإمساك المعروف، والدابة في اللغة لكل ما يدب على الأرض خصها العرف العام بذات الحوافر والخاص كأهل العراق بالفرس، فاستعماله بالعام حقيقة لغوية مجاز شرعي أو عرفي، وفي الخاص بالعكس، ويمتنع

مسألة اللفظ إن استعمل في معناه الحقيقي

كونه حقيقة ومجازا باعتبار واحد للتنافي بين الوضع أوّلاً وثانيا (وهما) أي الحقيقة والمجاز (منتفيان) عن اللفظ (قبل الاستعمال) ، لأنه مأخوذ في أحدهما فإذا انتفى انتفيا (ثم هو) أي اللفظ (محمول على عرف المخاطب) بكسر الطاء الشارع أو أهل العرف أو اللغة. (ففي) خطاب (الشرع) المحمول عليه المعنى (الشرعي) لأنه عرف الشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم بعث لبيان الشرعيات، وإذا لم يكن معنى شرعي، أو كان وصرف عنه صارف (فـ) ـالمحمول عليه المعنى (العرفي) العام أي الذي يتعارفه جميع الناس أو الخاص بقوم لأن الظاهر إرادته لتبادره إلى الأذهان. (فـ) ـإذا لم يكن معنى عرفي أو كان وصرف عنه صارف فالمحمول عليه المعنى (اللغوي في الأصح) لتعينه حينئذ، فعلم أن ماله مع المعنى الشرعي معنى عرفي أو معنى لغوي أو هما يحمل أوّلاً على الشرعي، وأن ماله معنى عرفي ومعنى لغوي يحمل أولاً على العرفي، وقيل فيما له معنى شرعي ومعنى لغوي محمله في الاثبات الشرعي وفق ما مر، وفي النهي قيل اللفظ مجمل، إذ لا يمكن حمله على الشرعي لوجود النهي ولا على اللغوي، لأن النبي بعث لبيان الشرعيات، وقيل محمله اللغوي لتعذر الشرعي بالنهي. قلنا المراد بالشرعي ما يسمى شرعا بذلك الاسم صحيحا كان أو فاسدا. يقال صوم صحيح وصوم فاسد. (والأصح أنه إذا تعارض) في عرف (مجاز راجح وحقيقة مرجوحة) بأن غلب استعماله عليها (تساويا) لرجحان كل منهما من وجه، وقيل الحقيقة أولى بالحمل لأصالتها، وقيل المجاز أولى لغلبته فلو حلف لا يشرب من هذا النهر ولم ينو شيئا، فالحقيقة المتعاهدة الكرع منه بفيه، والمجاز الغالب الشرب مما يغرف به منه كإناء حنث بكل منهما على الأول، كما جزم به في الروضة كأصلها إعمالاً للفظ في حقيقته ومجازه، وبالكرع دون الشرب مما يغترف به على الثاني، وبالعكس على الثالث فتعبيري بالتساوي أولى من تعبيره بالمجمل المقتضي أنه لا يحنث بواحد منهما على الأول، فإن هجرت الحقيقة قدم المجاز اتفاقا كمن حلف لا يأكل من هذه النخلة فيحنث بثمرها دون خشبها حيث لا نية، وإن تساويا قدمت الحقيقة اتفاقا كما لو كانت غالبا. (و) الأصح (أن ثبوت حكم) بدليل كالإجماع (يمكن كونه) أي الحكم (مرادا من خطاب) له حقيقة ومجاز. (لكن) الخطاب في ذلك المراد يكون (مجازا لا يدل) ذلك الثبوت (على أنه) أي الحكم هو (المراد منه) أي من الخطاب (فيبقى الخطاب على حقيقته) لعدم الصارف عنها. وقال جماعة إنه يدل عليه فلا يبقى الخطاب على حقيقته إذ لم يظهر مستند للحكم الثابت غيره مثاله وجوب التيمم على المجامع الفاقد للماء إجماعا يمكن كونه مرادا من آية {أو لامستم النساء} على وجه المجاز في الملامسة لأنها حقيقة في الجس باليد مجاز في الجماع، فقالوا المراد الجماع فتكون الآية مستند الإجماع، إذ لا مستند غيرها، وإلا لذكر فلا تدل على أن اللمس ينقض الوضوء. قلنا يجوز أن يكون المستند غيرها، واستغنى عن ذكره بذكر الإجماع، فاللمس فيها على حقيقته فتدل على نقضه الوضوء، وإن قامت قرينة في الآية على إرادة الجماع أيضا فتدل على مسألة الإجماع أيضا، كما قال به الشافعي فيها بناء على الأصح أنه يصح أن يراد باللفظ حقيقته ومجازه معا. (مسألة اللفظ إن استعمل في معناه الحقيقي) لا لذاته بل (للانتقال) منه (إلى لازمه فـ) ـهو (كناية) نحو زيد طويل النجاد مرادا به طويل القامة، إذ طولها لازم لطول النجاد أي حمائل السيف، قال في التلويح فيصح الكلام وإن لم يكن له نجاد، بل وإن استحال المعنى الحقيقي كما في قوله تعالى {والسموات مطويات بيمينه} وقوله {الرحمن على العرش استوى} وخرج باستعماله في معناه الحقيقي المجاز وبما بعده الحقيقة الصريحة والتعريض. (فهي) أي الكناية (حقيقة) غير صريحة كما أشعر به كلام صاحب التلخيص، وصرح به السكاكي وغيره، ومنهم السعد التفتازاني، والفرق بينها وبين الجمع بين الحقيقة والمجاز أن المعنى الحقيقي فيها لم يرد لذاته كما مر، وفي الجمع المذكور أريد لذاته، نعم قد يراد المعنى الحقيقي لذاته فيها عند السكاكي كقولك آذيتني فستعرف وأنت تريد المخاطب وغيره من المؤذين، لأن ذلك كلام دال على معنى يقصد به تهديد المخاطب بسبب الإيذاء، ويلزم منه تهديد كل مؤذ، وقد أراد به تهديدهما، ففيه أراد المعنى الحقيقي لذاته فيها، فالفرق بينها وبين الجمع بين الحقيقة،

الحروف

والمجاز أن المعنى الحقيقي فيها أريد لذاته وللانتقال في الجمع المذكور لم يرد للانتقال ولا حاجة لقول الأصل، فإن لم يرد المعنى الخ للعلم به من تعريف المجاز فيما مر. (أو) استعمل في معناه (مطلقا) أي الحقيقي والمجازي والكنائي. (للتلويح بغير معناه فـ) ـهو (تعريض) كما في قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه الصلاة والسلام {بل فعله كبيرهم} هذا نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتخذة آلهة كأنه غضب أن تعبد الصغار معه والقصد بذلك التلويح لقومه العابدين لها بأنها لا تصلح أن تكون آلهة لأنهم إذا نظروا بعقولهم علموا عجز كبيرها عن ذلك الفعل أي كسر صغارها فضلاً عن غيره والإله لا يكون عاجزا وسمي ذلك تعريضا لفهم المعنى من عرض اللفظ أي جانبه. (فهو) أي التعريض ثلاثة أقسام (حقيقة ومجاز وكناية) كما صرح بها السكاكي، والأصل جرى على أنه حقيقة أبدا، وما ذكر من أنه حقيقة ومجاز وكناية هو بالنسبة للمعنى الحقيقي أو المجازي أو الكنائي أما بالنسبة للمعنى التعريضي فلم يفده اللفظ، وإنما أفاده سياق الكلام وتعريف الكناية والتعريض بما ذكر مأخوذ من البيانيين، وهما مقابلان للصريح، وأما عند الأصوليين والفقهاء، فالكناية ما احتمل المراد وغيره كأنت خلية في الطلاق والتعريض ما ليس صريحا ولا كناية كقولهم في باب القذف يا ابن الحلال. وفائدة تسمية الكناية حقيقة والتعريض حقيقة ومجازا مع علمهما من تعريفي الحقيقة، والمجاز دفع توهم أنهما لا يسميان بذلك مع أن بعضهم خالف في الكناية. الحروف أي هذا مبحث الحروف التي يحتاج الفقيه إلى معرفة معانيها، وذكر معها أسماء، ففي التعبير بها تغليب للأكثر على المشهور. أحدها (إذن) من نواصب المضارع. (للجواب والجزاء قيل دائما وقيل غالبا) وقد تتمحض للجواب، فإذا قلت لمن قال أزورك إذن أكرمك فقد أجبته وجعلت إكرامك له جزاء لزيارته أي إن زرتني أكرمتك، وإذا قلت لمن قال أحبك إذن أصدّقك فقد أجبته فقط على القول الثاني، ومدخول إذن فيه مرفوع لانتفاء استقباله المشترط في نصبها ويتكلف الأول في جعل هذا مثلاً للجزاء أيضا أي إن كنت قلت ذلك حقيقة صدقتك، وسيأتي عدها من مسالك العلة لأن الشرط علة للجزاء. (و) الثاني (إن) بكسر الهمزة وسكون النون (للشرط) وهو تعليق أمر على آخر نحو إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف (وللنفي) نحو إن الكافرون إلا في غرور إن أردنا إلا الحسنى أي ما. (وللتوكيد) وهي الزائدة نحو ما إن زيد قائم ما إن رأيت زيدا. (و) الثالث (أو) من حروف العطف (للشك) من المتكلم نحو {قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم} ونحو ما أدري أسلم أو ودّع، وقول الحريري إنها فيه للتقريب، ردّه ابن هشام كما بينته في الحاشية. (وللإبهام) على السامع نحو {أتاها أمرنا ليلاً أو نهارا} (وللتخيير) بين المتعاطفين سواء امتنع الجمع بينهما نحو خذ من مالي درهما أو دينارا أم جاز نحو جالس العلماء أو الزهاد، وقصر ابن مالك وغيره التخيير على الأول، وسموا الثاني بالإباحة. وقال الزركشي الظاهرأنهما قسم واحد، لأن حقيقة الإباحة التخيير، وإنما امتنع في خذ درهما أو دينارا للقرينة العرفية لا من مدلول اللفظ، كما أن الجمع بين العلماء والزهاد وصف كمال لا نقص. (ولمطلق الجمع) كالواو نحو وقد زعمت ليلى بأني فاجر لنفسي تقاها أو عليها فجورها

أي وعليها. (وللتقسيم) نحو الكلمة اسم أو فعل أو حرف أي مقسمة إلى الثلاثة تقسيم الكلي إلى جزئياته فتصدق على كل منها ونحو السكنجبين خلّ أو ماء أو عسل تقسيمه إلى الثلاثة تقسيم الكل إلى أجزائه فلا يصدق على كل منها. (وبمعنى إلى) المساوية لإلا فتنصب المضارع بأن مضمرة نحو لألزمنك أو تقضيني حقي، أي إلى أن تقضينيه. (وللإضراب) كبل نحو {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} أي بل يزيدون أخبر عنهم أولاً بأنهم مائة ألف نظرا لغلط الناس، مع علمه تعالى بأنهم يزيدون عليها، ثم أخبر عنهم ثانيا بأنهم يزيدون نظرا للواقع ضاربا عن غلط الناس، وما ذكر من أن أو للمذكورات هو مذهب المتأخرين، وأما مذهب المتقدمين فهي لأحد الشيئين أو الأشياء وغيره إنما يفهم بالقرائن. وقال ابن هشام والسعد التفتازاني إنه التحقيق. (و) الرابع (أي بالفتح) للهمزة (والتخفيف) للياء (للتفسير) إما بمفرد نحو عندي عسجد أي ذهب، وهو بدل أو عطف بيان أو بجملة نحو وترمينني بالطرف أي أنت مذنب وتقلينني لكن إياك لا أقلي فأنت مذنب تفسير لما قبله، إذ معناه تنظرين إليّ نظر مغضب، ولا يكون ذلك إلا عن ذنب واسم، لكن ضمير الشأن وخبرها الجملة بعده، وقدم مفعول أقلي للاختصاص أي لا أتركك بخلاف غيرك. (ولنداء البعيد) حسا أو حكما (في الأصح) . فإن نودي بها القريب فمجاز، وقيل هي لنداء القريب نحو أي رب وهو قريب قال تعالى {فإني قريب} وقيل لنداء المتوسط والترجيح من زيادتي. (و) الخامس أي بالفتح و (بالتشديد) اسم (للشرط) نحو {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ} (وللاستفهام) نحو {أيكم زادته هذه إيمانا} وتأتي (موصولة) نحو {لننزعنّ من كل شيعة أيهم أشدّ} أي الذي هو أشدّ. (ودالة على كمال) بأن تكون صفة لنكرة أو حالاً من معرفة نحو مررت برجل. أي رجل أي كامل في صفات الرجولية، ومررت بزيد أي رجل أي كاملاً في صفات الرجولية. (ووصلة لنداء ما فيه أل) نحو (يا أيها الإنسان) أما إي بالكسر وسكون الياء فحرف جواب بمعنى نعم، ولا يجاب بها إلا مع القسم نحو {ويستنبئونك أحق هو قل} إي وربي وتركت لقلة احتياج الفقيه إليها. (و) السادس (إذ) اسم (للماضي ظرفا) وهو الغالب نحو {فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا} أي وقت إخراجهم له. (ومفعولاً به) على قول الأخفش وغايره إنها تخرج عن الظرفية نحو {اذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم} أي اذكروا حالتكم هذه. (وبدلاً منه) أي من المفعول به نحو {اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء} الآية أي اذكروا النعمة التي هي الجعل المذكور. (ومضافا إليها اسم زمان) نحو {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} ونحو يومئذ. (وكذا للمستقبل) ظرفا في الأصح نحو (فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم} وقيل ليست للمستقبل واستعمالها فيه في هذه الآية لتحقق وقوعه كالماضي مثل {أتى أمر الله} (وللتعليل حرفا) في الأصح كلام التعليل، وقيل ظرفا بمعنى وقت، والتعليل مستفاد من قوّة الكلام نحو ضربت العبد إذ أساء أي لإساءته أو وقت إسائته، وظاهر أن الإساءة علة للضرب. (وللمفاجأة) بأن يكون بعد بينا أو بينما. (كذلك) أي حرفا (في الأصح) . وقيل ظرف مكان وقيل ظرف زمان نحو بينا أو بينما أنا واقف إذ جاء زيد. أي فاجأ مجيئه وقوفي أو مكانه أو زمانه، وقيل ليست للمفاجأة وهي في ذلك، ونحوه زائدة للاغتناء عنها كما تركها منه كثير من العرب، فقولي في الأصح راجع إلى الثلاثة قبله، وتصحيح الحرفية في الثانية مع ذكرها في الأخيرة بقولي كذلك من زيادتي، ومعنى المفاجأة كما قال ابن الحاجب حضور الشيء معك في وصف من أوصافك الفعلية. (و) السابع (إذا للمفاجأة) بأن تكون بين الجملتين ثانيتهما اسمية. (حرفا في الأصح) لأن

المفاجأة معنى من المعاني كالاستفهام والنفي، والأصل فيها أن تؤدّي بالحروف، وقيل ظرف مكان، وقيل ظرف زمان نحو خرجت فإذا زيد واقف أي فاجأ وقوفه خروجي أو مكانه أو زمانه، وهل الفاء فيها زائدة لازمة أو عاطفة أو سببية محضة أقوال. (وللمستقبل ظرفا مضمنة معنى الشرط غالبا) فيجاب بما يجاب به الشرط نحو {إذا جاء نصر الله} الآية، وقد لا تضمن معنى الشرط نحو آتيك إذا احمرّ البسر أي وقت احمراره. (وللماضي والحال نادرا) نحو {وإذا رأوا تجارة} الآية. فإنها نزلت بعد الرؤية والانفضاض ونحو {والليل إذا يغشى} إذ غشيانه أي طمسه آثار النهار مقارن له. (و) الثامن (الباء للإلصاق) وهو أصل معانيها (حقيقة) نحو به داء أي ألصق به. (ومجازا) نحو مررت بزيد أي ألصقت مروري بمكان يقرب منه المرور، إذ المرور لم يلصق بزيد (وللتعدية) كالهمزة في تصيير الفاعل مفعولاً نحو {ذهب الله بنورهم} أي أذهبه، وفرق الزمخشري بينهما بأن الأول أبلع لأنه يفيد أن الفعل أخذ النور وأمسكه، فلم يبق منه شيء بخلاف الثاني. (وللسببية) نحو {فكلاً أخذنا بذنبه} ومنها الاستعانة بأن تدخل الباء على آلة الفعل نحو كتبت القلم، فإدراجي لها في السببية كابن مالك أولى من عدها قسما برأسه كما فعله الأصل. (وللمصاحبة) بأن تكون الباء بمعنى مع أو تغني عنها وعن مصحوبها الحال، ولهذا تسمى بالحال نحو {قد جاءكم الرسول بالحق} أي مع الحق أو محقا. (وللظرفية) المكانية أو الزمانية نحو {ولقد نصركم الله ببدر} و {نجيناهم بسحر} (وللبدلية) بأن يحل محلها لفظ بدل كقول عمر رضي الله عنه ما يسرني أن لي بها الدنيا أي بدلها. قاله حين استأذن النبي صلى الله عليه وسلّم في العمرة فأذن له وقال لا تنسنا يا أخيّ من دعائك وضمير بها راجع، إلى كلمة النبي المذكورة، وأخي مصغر لتقريب المنزلة. (وللمقابلة) وهي الداخلة على الأعواض نحو اشتريت فرسا بدرهم. {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلاً} (وللمجاوزة) كعن نحو {سأل سائل بعذاب واقع} أي عنه. (وللاستعلاء) كعلي نحو (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار) أي عليه. (وللقسم) نحو بالله لأفعلنّ كذا. (وللغاية) كإلى نحو وقد أحسن بي أي إليّ، وبعضهم ضمن أحسن معنى لطف (وللتوكيد) وهي الزائدة مع الفاعل أو المفعول أو المبتدأ أو الخبر {كفى بالله شهيدا} (وهزي إليك بجذع النخلة} وبحسبك درهم، و {أليس الله بكاف عبده} (وكذا للتبعيض) كمن (في الأصح) نحو {عينا يشرب بها عباد الله} أي منها، وقيل ليست له، ويشرب في الآية بمعنى يروى أو يلتذ مجازا والباء سببية. (و) التاسع (بل للعطف بإضراب) أي معه بأن وليها مفرد سواء أوليت موجبا أم غيره، ففي الموجب نحو جاء زيد بل عمرو، واضرب زيدا بل عمرا انتقل حكم المعطوف عليه فيصير كأنه مسكوت عنه إلى المعطوف، وفي غيره نحو ما جاء زيد بل عمرو، ولا تضرب زيدا بل عمرا. تقرر حكم المعطوف عليه وتجعل هذه للمعطوف. (وللإضراب فقط) أي دون العطف بأن وليها جملة، وقولي بإضراب مع فقط من زيادتي وبهما علم أن الإضراب أعم من العطف لا مباين له بخلاف كلام الأصل. والحاصل أن بل للعطف والإضراب إن وليها مفرد وللإضراب فقط إن وليها جملة وهي فيه حرف ابتداء لا عاطفة عند الجمهور والإضراب بهذا المعنى. (إما للإبطال) لما وليته نحو يقولون به جنة بل جاءهم بالحق فالجائي بالحق لا جنون به. (أو للانتقال من غرض إلى آخر) نحو {ولدينا كتاب ينطق بالحق} الآية فما قبل بل فيها على حاله. (و) العاشر (بيد) اسم ملازم للنصب والإضافة إلى أن وصلتها. (بمعنى غير) نحو إنه كثير المال بيد أنه بخيل. (وبمعنى من أجل ومنه) خبر أنا أفصح من نطق بالضاد. (بيد أني من قريش

في الأصح) أي الذين هم أفصح من نطق بها، وأنا أفصحهم، وخصها بالذكر لعسرها على غير العرب، والمعنى أنا أفصح العرب، وقيل أن بيد فيه بمعنى غير، وأنه من تأكيد المدح بما يشبه الذم وقولي في الأصح من زيادتي. (و) الحادي عشر (ثم حرف عطف للتشريك) في الإعراب والحكم (والمهلة والترتيب) المعنوي والذكري. (في الأصح) تقول جاء زيد ثم عمرو إذا شارك زيدا في المجيء وتراخى مجيئه عن مجيئه، وقيل قد تكون زائدة فلا تكون عاطفة فلا تكون لشيء من ذلك كقوله تعالى {حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم} فإنها زائدة لأن مدخولها جواب إذا وقيل لا تفيد المهلة لقول الشاعر كهز الرديني تحت العجا * ج جري في الأنابيب ثم اضطر إذ اضطراب الرمح يعقب جري الهز في الأنابيب، وقيل لا تفيد الترتيب لقوله تعالى {فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون {إذ شهادة الله متقدمّمة على المرجع، وأجيب عن الأوّل بأن إذا فيه لمجرد الظرف وبان جوابها مقدر أي تاب عليهم وثم تاب عليهم تأحمد بن كيد، أو معناه استدام التوبة، ومعنى المقدر أنشأها، وعن الثاني بأنه توسع في ثم بإيقاعها فيه موقع الفاء، وعن الثالث بإنها استعملت فيه لترتيب الاخباري، وبأنه توسع فيها بإيقاعها فيه موقع الواو. (و) الثاني عشر (حتى لانتهاء الغاية غالبا) وهي حينئذ إما جارة لاسم صريح نحو {سلام هي حتى مطلع الفجر} أو مؤوّل من أن والفعل نحو {لن نبرج عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} أي إلى رجوعه وأما عاطفة لرفيع أو دنيء نحو مات الناس حتى الأنبياء، وقدم الحجاج حتى المشاة، وإما ابتدائة بأن يستأنف بعدها جملة إما إسمية نحو فما زالت القتلى تمج دماءها بدجلة حتى ماء دجلة أشكل أو فعلية نحو مرض فلان حتى لا يرجونه. (وللاستثناء نادرا) نحو ليس للعطاء من الفضول سماحة حتى تجود وما لديك قليل أي إلا أن تجود وهو استثناء منقطع. (وللتعليل) نحو أسلم حتى تدخل الجنة أي لتدخلها. (و) الثالث عشر (رب حرف في الأصح) هذا من زيادتي، وقيل اسم وعلى الوجهين ترد. (للتكثير) نحو {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} إذ يكثر منهم تمني ذلك يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين (وللتقليل) كقوله ألا ربّ مولود وليس له أب وذي ولد لم يلده أبوان أراد عيسى وآدم عليهما الصلاة والسلام، واختار ابن مالك أن ورودها للتكثير أكثر. (ولا تختص بأحدهما في الأصح) . وقيل تختص بالتكثير فلم يعتد قائله بهذا البيت ونحوه. وقيل تختص بالتقليل وقرره قائله في الآية بأن الكفار تدهشهم أهوال يوم القيامة فلا يفيقون حتى يتمنوا ذلك إلا في أحيان قليلة. وقيل إنها حرف إثبات لم يوضع لتكثير ولا تقليل، وإنما يستفاد ذلك من القرائن واختاره أبو حيان. (و) الرابع عشر (على الأصح أنها قد ترد) بقلة (اسما بمعنى فوق) بأن تدخل عليها من نحو غدوت من على السطح أي من فوقه. (و) ترد بكثرة (حرفا للعلوّ) حسا نحو {كل من عليها فان} أو معنى نحو {فضلنا بعضهم على بعض} وأما على في نحو توكلت على الله، فجعلها الرضي من العلوّ المجازي (وللمصاحبة) كمع نحو {وأتى المال على حبه} أي مع حبه (وللمجاوزة) كعن نحو رضيت عليه أي عنه. (وللتعليل) نحو {ولتكبروا الله على ما هداكم} أي لهدايته أياكم. (وللظرفية) كفي نحو {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها} أي في وقت غفلتهم ونحو {ما تتلو الشياطين على ملك سليمان} أي في زمن ملكه ونحو اعتكفت على المسجد أي فيه. (وللاستدراك) كلا كن. نحو فلان لا يدخل الجنة

لسوء فعله على أنه لا ييأس من رحمة الله أي لكنه. (وللتوكيد) كخبر لا أحلف على يمين أي يمينا. (وبمعنى الباء) نحو {حقيق علي أن لا أقول} (و) بمعنى (من) نحو {إذا اكتالوا على الناس يستوفون} وهذان من زيادتي. وقيل هي اسم أبدا لدخول حرف الجرّ عليها. وقيل هي حرف أبدا ولا مانع من دخول حرف جرّ على آخر في اللفظ بأن يقدر له مجرور محذوف (أما علا يعلو ففعل) نحو {إنّ فرعون علا في الأرض} ، {ولعلا بعضهم على بعض} فقد استكملت على في الأصح أقسام الكلمة. (و) الخامس عشر (الفاء العاطفة للترتيب) المعنويّ والذكري. (وللتعقيب) في كل شيء بحسبه تقول قام زيد فعمرو إذا أعقب قيامه قيام زيد، ودخلت البصرة فالكوفة إذا لم يقم بالبصرة ولا بينهما، وتزوّج فلان فولد له إذا لم يكن بين التزوّج والولادة إلا مدة الحمل مع لحظة الوطء، ومقدمته والترتيب الذكري أن يكون ما بعد الفاء مرتبا في الذكر دون المعنى على ما قبلها، سواء أكان تفصيلاً له نحو {إنا أنشأناهنّ إنشاء} الآية. لا نحو {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون} ويسمى الترتيب الإخباري. (وللسببية) ويلزمها التعقيب نحو {فوكزه موسى فقضى عليه} فخرج بالعاطفة الرابطة لجواب فقد يتراخى عن الشرط نحو إن يسلم فلان فهو يدخل الجنة وقد لا يتسبب عن الشرط نظرا للظاهر نحو {إن تعذبهم فإنهم عبادك} . (و) السادس عشر (في الظرفية) نحو {واذكروا الله في أيام معدودات} وأنتم عاكفون في المساجد. (وللمصاحبة) نحو {قال ادخلوا في أمم} أي معهم. (وللتعليل) نحو {لمسكم فيما أفضتم فيه} أي لأجل ما. (وللعلوّ) نحو {لأصلبنكم في جذوع النخل} أي عليها قاله الكوفيون وابن مالك، وأنكره غيرهم وجعلها الزمخشري وغيره للظرفية المجازية بجعل الجذع ظرفا للمصلوب لتمكنه عليه تمكن المظروف من الظرف. (وللتوكيد) نحو {وقال اركبوا فيها) وأصله اركبوها. (وللتعويض) عن أخرى محذوفة نحو ضربت فيمن رغبت وأصله ضربت من رغبت فيه. (وبمعنى الباء) نحو {جعل لكم من أنفسكم أزواجا} {ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه} أي يخلقكم بمعنى يكثركم بسبب هذا الجعل بالتولد، وجعلها الزمخشري في هذه الآية للظرفية المجازية مثل {ولكم في القصاص حياة} (و) بمعنى (إلى) نحو {فردّوا أيديهم في أفواههم} أي إليها ليعضوا عليها من شدّة الغيظ. (و) بمعنى (من) نحو هذا ذراع في الثوب. أي منه يعني فلا يعيبه لقلته. (و) السابع عشر (كي للتعليل) فينصب المضارع بأن مضمرة نحو جئت كي أنظرك. أي لأن أنظرك. (وبمعنى أن المصدرية) بأن تدخل عليها اللام نحو جئت لكي تكرمني أي لأن تكرمني. (و) الثامن عشر (كل اسم لاستغراق أفراد) المضاف إليه. (المنكر) نحو {كل نفس ذائقة الموت} {كل حزب بما لديهم فرحون} (و) لاستغراق أفراد المضاف إليه (المعرّف المجموع) نحو كل العبيد جاءوا، كل الدرهم صرف. (و) لاستغراق (أجزاء) المضاف إليه. (المعرف المفرد) نحو كل زيد أو الرجل حسن أي كل أجزائه. (و) التاسع عشر (اللام) بقيد زدته بقولي (الجارة) وهي مكسورة مع كل ظاهر نحو لزيد إلا مع المستغاث فتتفح، نحو يالله، ومفتوحة مع كل مضمر نحو لنا إلا مع ياء المتكلم فمكسورة. (للتعليل) نحو {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس} أي لأجل أن تبين لهم.

{وللاستحقاق} نحو النار للمكافرين أي عذابها مستحق لهم (وللاختصاص) نحو الجنة للمؤمنين أي نعيمها مختص بهم. (وللملك) نحو {لله ما في السموات وما في الأرض} والمال لزيد. (وللصيرورة) أي العاقبة نحو {فالتقطة آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وخرنا} فهذا عاقبة التقاطهم له لا علته إذ هي تبنيه. (وللتمليك) نحو وهبت له ثوابا أي ملكته إياه. (وشبهه) أي التمليك نحو {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} (ولتوكيد النفي) نحو؛ {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} فهي في هذا، ونحوه لتوكيد نفي الخبر الداخلة عليه المنصوب فيه المضارع بأن مضمرة. (وللتعدية) نحو ما أضرب زيدا لعمرو فضرب صار بقصد التعجب به لازما يتعدّى إلى فاعله بالهمزة وإلى مفعوله باللام. و (وللتوكيد) وهي الزائدة كإن تأتي لتقوية عامل ضعف بالتأخير نحو {إن كنتم للرؤيا تعبرون} ولكونه فرعا في العمل نحو {إن ربك فعال لما يريد} وأصله فعال ما. (وبمعنى إلى) نحو {فسقناه لبلد ميت} أي إليه. (و) بمعنى (على) نحو {يخرون للأذقان سجدا} أي عليها. (و) بمعنى (في) نحو) {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} أي فيه. (و) بمعنى (عند) نحو؛ {يا ليتني قدّمت لحياتي} أي عندها (و) بمعنى (بعد) نحو {أقم الصلاة لدلوك الشمس} أي بعده. وجعل الزمخشري اللام في هذه الآية للتوقيت، فتكون بمعنى عند. (و) بمعنى (من) نحو سمعت له صراخا أي منه. (و) بمعنى (عن) نحو {وقال الذين كفروا للذين آمنوا} أي عنهم {لو كان} أي الإيمان {خيرا ما سبقونا إليه} ولو كانت اللام في هذه الآية للتبليغ لقيل ما سبقتمونا. وخرج بالجارة الجازمة نحو {لينفق ذو سعة من سعته} وغير العاملة كلام الابتداء نحو {لأنتم أشدّ رهبة} . واعلم أنّ دلالة حرف على معنى حرف آخر مذهب الكوفيين، أما البصريون فذلك عندهم على تضمين الفعل المتعلق به ذلك الحرف ما يصح معه معنى ذلك الحرف على الحقيقة، لأن التصرف عندهم في الفعل أسهل منه في الحرف. (و) العشرون (لولا) ومثلها لو ما. (حرف معناه في) دخوله على (الجملة الاسمية امتناع جوابه لوجود شرطه) نحو لولا زيد، أي موجود لأهنتك امتنعت الإهانة لوجود زيد، فزيد الشرط وهو مبتدأ محذوف الخبر لزوما. (وفي) دخوله على الجملة (المضارعية التحضيض) أي الطلب بحثّ نحو {لولا تستغفرون الله} أي استغفروه ولا بد. (والعرض) من زيادتي وهو طلب بلين نحو {لولا أخرتني} أي تؤخرني {إلى أجل قريب} (و) في دخوله على الجملة (الماضية التوبيخ) نحو {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} وبخهم الله على عدم المجيء بالشهداء بما قالوه من الإفك، وهو في الحقيقة

محل التوبيخ. (ولا ترد للنفي ولا للاستفهام في الأصح) وقيل ترد للنفي كآية {فلولا كانت قرية آمنت} أي فما آمنت قرية أي أهلها عند مجيء العذاب فنفعها إيمانها إلا قوم يونس، وردّ بأنها في الآية للتوبيخ على ترك الإيمان قبل مجيء العذاب، وكأنه قيل فلولا آمنت قرية قبل فنفعها إيمانها والاستثناء حينئذ منقطع، وقيل ترد للاستفهام كقوله تعالى {لولا أنزل عليه ملك} وردّ بأنها فيه للتحضيض أي هلا أنزل بمعنى ينزل، وقولي ولا للاستفهام من زيادتي. (و) الحادي والعشرون (لو شرط) أي حرفه (للماضي كثيرا) نحو لو جاء زيد لأكرمته، وللمستقبل قليلاً نحو {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم} أي إذ تركوا ونحو أحسن لزيد ولو أساء أي وإن أساء. (ثم قيل) في معناها على الأوّل (هي لمجرد الربط) للجواب بالشرط كان واستفادة ما يأتي من انتفائهما، أو انتفاء الشرط فقط من خارج، وقيل لامتناع تاليها واستلزامه ما يليه وهو ما صححه الأصل. (والأصح أنها) في الأصل (لانتفاء جوابها بانتفاء شرطها خارجا) أي في الخارج مثبتين أو منفيين أو مختلفين، فالأقسام أربعة، كلو جئتني أكرمتك، لو لم تجئني ما أكرمتك، لو جئتني ما أهنتك، لو لم تجئني أهنتك، فينتفي الإكرام مثلاً في الأوّل لانتفاء المجيء. (وقد ترد لعكسه) أي لانتفاء شرطها بانتفاء جوابها (علما) كان ونحوها نحو {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} فيعلم انتفاء تعدّد الآلهة بالعلم بانتفاء الفساد، وهذا عليه أرباب العقول أيضا، وهو من زيادتي، والمثال الواحد يصلح له وللأول، ويختلف بالقصد إن قصد به الدلالة على أنّ انتفاء الجواب في الخارج بانتفاء الشرط كان من الأوّل أو الاستدل على العلم بانتفاء الشرط بالعلم بانتفاء الجواب كان من الثاني، وفي الأول يستثنى نقيض الشرط، وفي الثاني نقيض الجواب لينتج المراد، ففي المثال إن قصد الأوّل قيل لكن لا إله فيهما غيره فلم تفسد، أو الثاني قيل

لكنهما لم تفسدا فليس فيهما إله غيره. (و) ترد (لا ثبات جوابها) بقسميه مع انتفاء شرطها بقسميه (إن ناسب انتفاء شرطها) إما (بالأولى كلو لم يخف لم يعص) المأخوذ مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم، أو عن عمر رضي الله عنه «نِعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» . رتب عدم العصيان على عدم الخوف وهو بالخوف المفاد بلو أنسب، فيترتب عليه أيضا في قصده، والمعنى أنه لا يعصي الله أصلاً لا مع الخوف وهو ظاهر، ولا مع انتفائه إجلالاً له تعالى عن أن يعصيه وقد اجتمع فيه الخوف والإجلال رضي الله عنه. (أو المساوي كلو لم تكن ربيبة ما حلت للرضاع) المأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلّم في درة بضم المهملة بنت أم سلمة أي هند لما بلغه تحدث النساء أنه يريد أن ينكحها بناء على تجويزهنّ أن ذلك من خصائصه، إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، رواه الشيخان، رتب عدم حلها على عدم كونها ربيبته المبين بكونها ابنة أخي الرضاع المناسب هو له شرعا كمناسبته للأول، سواء لمساواة حرمة المصاهرة لحرمة الرضاع، والمعنى أنها لا تحل لي أصلاً لأن بها وصفين لو انفرد كل منهما حرمت به كونها ربيبته، ووها ابنة أخي الرضاع، وقوله في حجري على وفق الآية. وتقدم الكلام فيه. (أو الأدون كـ) ـقولك فيمن عرض عليك نكاحها (لو انتفت أخوة الرضاع) بيني وبينها (ما حلت) لي (للنسب) بيني وبينها بالأخوة رتب عدم حلها على عدم أخوتها من الرضاع المبين بأخوّتها من النسب المناسب هو لها شرعا، فيترتب أيضا في قصده على أخوتها من الرضاع المفادة بلو المناسب هو لها شرعا، لكن دون مناسبته للأول لأن حرمة الرضاع أدون من حرمة النسب، والمعنى أنها لا تحلّ لي أصلاً لأن بها وصفين لو انفرد كل منهما حرمت به أخوّتها من النسب وأخوتها من الرضاع، وقد تجردت لو فيما ذكر من الأمثلة عن الزمان على خلاف الأصل فيها، أما أمثلة بقية أقسام هذا القسم في الشق الأول منه فنحو لو أهنت زيدا لأثنى عليك فيثني مع عدم الإهانة بالأولى، لو ترك العبد سؤال ربه لأعطاه فيعطيه مع السؤال بالأولى {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} إلى قوله {ما نفدت كلمات الله} أي فلا تنفد مع انتفاء ما ذكر بالأولى، وقد استشكل قوله تعالى} ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} الآية. بأن الاستدلال به على هيئة قياس اقتراني وهو لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا ينتج لو علم الله فيهم خيرا لتولوا، وهذا محال لأن الذي يحصل منهم بتقدير أن يعلم الله فيهم خيرا هو الانقياد لا التولي. وأجيب بجوابين أحدهما أن الوسط مختلف تقديره لأسمعهم إسماعا نافعا، ولو أسمعهم إسماعا غير نافع لتولوا، وفيه نظر لاستلزامه انتفاء الاسماع عنهم مطلقا، لأن الجملة الأولى أفادت انتفاء الاسماع النافع، والثانية انتفاء غير النافع واللازم باطل لثبوت إسماعهم في الجملة قطعا وإلا فلا تكليف. ثانيهما ليس المراد من الآية الاستدلال بل بيان السببية على الأصل في «لو» أي أن سبب انتفاء إسماعهم خيرا هو انتفاء العلم بالخير فيهم، وحينئذ فالكلام قد تمّ عند قوله لأسمعهم، ويكون قوله ولو أسمعهم كلاما مستأنفا أي أن التولي لازم بتقدير الاسماع، فكيف بتقدير عدمه فهو من قبيل لو لم يخف الله لم يعصه. فإن قلت التولي هو الإعراض عن الشيء فكيف يتصوّر وجوده منهم عند عدم إسماعهم الشيء؟ قلت بل أسمعهم الشيء وإلا

فلا تكليف، والنفي إنما هو إسماعهم الشيء للتفهيم، وقد ذكرت في الحاشية ما يؤخذ منه سبب عدولي عن تصحيح ما صححه الأصل مضمنا به قول الجمهور إلى تصحيحي لما قالوه من أن فيما صنعته بيان الأكثر والأقل في استعمال لو. (و) ترد (للتمني وللتحضيض وللعرض) فينصب المضارع بعد فاء جوابها لذلك بأن مضمرة نحو لو تأتيني فتحدّثني لو تأمر فتطاع لو تنزل عندي فتصيب خيرا. ومن الأول {فلو أنّ لنا كرّة فنكون من المؤمنين} أي ليت لنا والثلاثة للطلب لكنه في الأول لما لا طمع في وقوعه، وفي الثاني بحثّ، وفي الثالث بلين كما مرّ. (وللتعليل نحو) خبر النسائي وغيره «ردُّوا السائل» أي بالإعطاء. ( «ولو بظلف محرق» ) أي تصدّقوا بما تيسر من كثير أو قليل ولو بلغ في القلة إلى الظلف مثلاً، فإنه خير من العدم وهو بكسر المعجمة للبقر والغنم كالحافر للفرس والخف للجمل، وقيد بالإحراق أي الشيّ كما هو عادتهم فيه لأن النبيء قد لا يؤخذ وقد يرميه آخذه فلا ينتفع به بخلاف المشوي. قال الزركشي والحق أن التقليل مستفاد مما بعدها لا منها. قلت بل الحق أنه كغيره مما ذكر مستفاد منها بواسطة ما بعدها. (و) ترد (مصدرية) نحو {يودُّ أحدهم لو يعمر} وهذا من زيادتي) . (و) الثاني والعشرون (لن حرف نفي ونصب واستقبال) للمضارع. (والأصح أنها لا تفيد) مع ذلك (توكيد النفي ولا تأييده) لقوله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام) {لن تراني} ومعلوم أنه كغيره من المؤمنين يراه في الآخرة، وقيل يفيدهما كما في قوله تعالى {لن يخلقوا ذبابا} وقوله {ولن يخلف الله وعده} . وأجيب بأن استفادة ذلك في هذين ونحوهما من خارج كما في قوله {ولن يتمنوه أبدا} وكون أبدا فيه للتوكيد خلاف الظاهر ولا تأبيد قطعا فيما إذا قيد النفي نحو {فلن أكلم اليوم إنسيا} و {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} (و) الأصح (أنها) ترد بواسطة الفعل بعدها (للدعاء) وفاقا لابن عصفور وغيره كقوله لن تزالوا كذلك ثم لا زلـ ـت لكم خالدا خلود الجبال وابن مالك وغيره نفوا ذلك وقالوا لا حجة في البيت لاحتمال أنه خبر، وفيه بعد لأن السياق ينافيه. (و) الثالث والعشرون (ما ترد اسما) إما (موصولة) نحو {ما عندكم ينفد وما عند الله باق} أي الذي (أو نكرة موصوفة) نحو مررت بما معجب لك أي بشيء. (وتامة تعجبية) نحو ما أحسن زيدا فما نكرة تعجبية. مبتدأ وما بعدها خبره وسوّغ الابتداء بها التعجب. (وتمييزية) وهي اللاحقة لنعم وبئس نحو {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} فما نكرة منصوبة على التمييز أي نعم شيئا هي أي إبداؤها. (ومبالغية) بفتح اللام وهي للمبالغة في الإخبار عن أحد بإكثار فعل كالكتابة نحو إن زيدا مما

أن يكتب أي إنه من أمر كتابة أي مخلوق من أمر هو الكتابة فما نكرة بمعنى شيء للمبالغة، وأن وصلتها في موضع جر بدلاً من ما فجعل لكثرة كتابته كأنه خلق منها كما في قوله {خلق الإنسان من عجل} (واستفهامية) نحو {فما خطبكم} أي شأنكم. (وشرطية زمانية) نحو {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم. (وغير زمانية) نحو {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} وقولي وتمييزية ومبالغية من زيادتي تبعا للأكثر، وقولي تامة أولى من قوله للتعجب لإفادته أن الموصوفة ناقصة، وأن التعجبية والمعطوفات عليها تامة، وإنما صرحوا به في التعجبية وتاليتها فقط لظهور تمامها لتجردها عن معنى الحرف. (و) ترد (حرفا مصدرية لذلك) أي زمانية نحو {فاتقوا الله ما استطعتم} أي مدة استطاعتكم وغير زمانية نحو {فذوقوا بما نسيتم} أي بنسيانكم. (ونافية) عاملة نحو ما هذا بشرا وغير عاملة نحو {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله} (وزائدة كافة) عن عمل الرفع نحو قلما يدوم الوصال أو الرفع والنصب نحو إنما الله إله واحد، والجرّ نحو ربما دام الوصل. (وغير كافة) عوضا نحو افعل هذا. إما لا أي إن كنت لا تفعل غيره فما عوض عن كنت أدغم فيها النون للتقارب وحذف المنفي للعلم به وغير عوض للتأكيد نحو {فبما رحمة من الله لنت لهم} وأصله فبرحمة. (و) الرابع والعشرون (من) بكسر الميم (لابتداء الغاية) بمعنى المسافة من مكان نحو من المسجد الحرام، وزمان نحو من أول يوم وغيرهما. نحو {إنه من سليمان} (غالبا) أي ورودها لهذا المعنى أكثر منه لغيره. (ولانتهائها) أي الغاية نحو قربت منه أي إليه. (وللتبعيض) نحو {حتى تنفقوا مما تحبون} أي بعضه. (وللتبيين) بأن يصح حمل مدخولها على المبهم قبلها نحو {ما ننسخ من آية} {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} كأن يقال في الأول ما ننسخه آية. وفي الثاني الرجس الأوثان. (وللتعليل) نحو {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق} أي لأجلها والصاعقة الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه. (وللبدل) نحو {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} أي بدلها. (ولتنصيص العموم) وهي الداخلة على نكرة لا تختص بالنفي نحو ما في الدار من رجل، فهو بدون من ظاهر في العموم محتمل لنفي الواحد فقط وبها يتعين النفي للجنس. (ولتوكيده) أي تنصيص العموم وهي الداخلة على نكرة تختص بالنفي نحو ما في الدار من أحد، وهذا من زيادتي. (وللفصل) بالمهملة أي للتمييز بأن تدخل على ثاني المتضادّين نحو {والله يعلم المفسد من المصلح} {حتى يميز الخبيث من الطيب} ولابن هشام فيه نظر ذكرته في الحاشية مع جوابه. (وبمعنى الباء) نحو {ينظرون من طرف خفي} أي به (و) بمعنى (عن) نحو {قد كنا في غفلة من هذا} أي عنه. (و) بمعنى (في) نحو {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} أي فيه ونحو {أروني ماذا خلقوا من الأرض} أي فيها (و) بمعنى (عند) نحو {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا} أي عنده (و) بمعنى (على) نحو ونصرناه من القوم} أي عليهم وقيل ضمن نصرناه معنى منعناه. (و) الخامس والعشرون من بفتح الميم إما (موصولة) نحو {ولله يسجد من في السموات والأرض} (أو نكرة موصوفة) كمررت بمن معجب لك أي بإنسان (وتامة

شرطية) نحو {من يعمل سوءا يجز به} (واستفهامية) نحو {فمن ربكما يا موسى} (وتمييزية) كقول الشاعر ونعم من هو في سرّ وإعلان† ففاعل نعم مستتر ومن تمييز بمعنى رجلاً. وقوله هو مخصوص بالمدح وهو راجع إلى بشر بن مروان في البيت قبله، وفي سر متعلق بنعم، وهذا مذهب أبي علي الفارسي وأما غيره فنفى ذلك وقال من موصولة فاعل. نعم، وقوله هو راجع إليها مبتدأ خبره هو محذوف راجع إلى بشر يتعلق به في سر لتضمنه معنى الفعل كما سيظهر، والجملة صلة من والمخصوص بالمدح محذوف أي هو وهو راجع إلى بشر أيضا، والتقدير نعم الذي هو المشهور في السر والعلانية بشر، وفيه تكلف وتعبيري بما ذكر في الأقسام المذكورة أولى مما عبر به لإفادته أن الشرطية والاستفهامية نكرتان تامتان. (و) السادس والعشرون (هل لطلب التصديق كثيرا) إيجابا أو سلبا خلافا للأصل في تقييده تبعا لابن هشام بالإيجاب سرى إليهما ذلك من أن هل لا تدخل على منفيّ فيقال في جواب هل قام زيد مثلاً؟ نعم أو لا، وإن لم تدخل على منفي أذ لا يقال هل لم يقم زيد. (و) لطلب (التصوّر قليلاً) خلافا للأصل في منع مجيئها له بخلاف الهمزة تأتي لكل منهما كثيرا، وتدخل على المنفي فتخرج عن الاستفهام إلى التقرير وهو حمل المخاطب على الإقرار بما بعد النفي نحو {ألم نشرح لك صدرك} فيجاب ببلى، وقد تبقى على الاستفهام كقولك لمن قال لم أفعل كذا ألم تفعله؟ أي أحق انتفاء فعلك له. فيجاب بنعم أو لا. ومنه قوله ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد إذاً ألاقي الذي لاقاه أمثالي فيجاب بمعين منهما. (و) السابع والعشرون (الواو) بقيد زدته بقولي (العاطفة لمطلق الجمع) بين المعطوفين في الحكم (في الأصح) لأنها تستعمل في الجمع بمعية وبغيرها نحو جاء زيد وعمرو إذا جاء معه أو بعده أو قبله، فتكون حقيقة في القدر المشترك بين الثلاثة وهو مطلق الجمع حذرا من الاشتراك والمجاز واستعمالها في كل منها من حيث إنه جمع استعمال حقيقي، وقيل هي للترتيب لكثرة استعمالها فيه فهي في غيره مجاز، وقيل للمعية لأنها للجمع والأصل فيه المعية، فهي في غيرها مجاز وخرج بالعاطفة غيرها كواوي القسم والحال، وقد بينت في الحاشية وغيرها أنه لا فرق هنا بين

الأمر

مطلق الجمع والجمع المطلق، خلافا لمن زعم خلافه أخذا من الفرق بين مطلق الماء والماء غافلاً عن اختلاف اصطلاحي الفقيه واللغوي. الأمر أي هذا مبحثه (أم ر) أي اللفظ المنتظم من هذه الأحرف المسماة بألف ميم راء وتقرأ بصيغة الماضي مفككا (حقيقة في القول المخصوص) أي الدالّ بوضعه على اقتضاء فعل إلى آخر ما يأتي نحو {وأمر أهلك بالصلاة} أي قل لهم صلوا. (مجاز في الفعل في الأصح) نحو {وشاورهم في الأمر} أي الفعل الذي تعزم عليه لتبادر القول دون الفعل من لفظ الأمر إلى الذهن، وقيل هو للقدر المشترك بينهما وهو مفهوم أحدهما حذرا من الاشتراك والمجاز، وقيل هو مشترك بينهما لاستعماله فيهما، وقيل مشترك بينهما وبين الشأن والصفة والشيء لاستعماله فيها أيضا نحو إنما أمرنا لشيء أي شأننا لأمر ما يسوّد من يسوّد أي لصفة من صفات الكمال لأمر ما جدع قصير أنفه أي لشيء، والأصل في الاستعمال الحقيقة. وأجيب بأنه فيها مجاز لأنه خير من الاشتراك كما مرّ، وإنما عبرت كغيري بالفعل القاصر عن تناولها لأنه المقابل للقول من حيث إنهما قسمان للمقصود، وهو الدال على الحكم والأمر لفظي ونفسي وهو الأصل، فاللفظي عرف من قولي حقيقة في كذا. (والنفسي اقتضاء) أي طلب (فعل غير كف مدلول عليه) أي الكفّ (بغير نحو كفّ) فدخل فيه الطلب الجازم وغيره لما ليس بكف، ولما هو كف مدلول عليه بكف أو نحوها. كاترك وذر ودع المفادة بزيادتي نحو وخرج منه الإباحة والمدلول عليه بغير ذلك أي لا تفعل فليس كل منهما بأمر وسمي مدلول كفّ أمرا لا نهيا موافقة للدال في اسمه، ويحدّ النفسي أيضا بالقول المقتضى لفعل إلى آخره، والقول مشترك بين اللفظي والنفسي أيضا. (ولا يعتبر في الأمر) بقسميه حتى يعتبر في حدّه أيضا. (علوّ) بأن يكون الطالب عالي الرتبة على المطلوب منه. (ولا استعلاء) بأن يكون الطلب بعظمة لإطلاق الأمر بدونهما. قال تعالى حكاية عن فرعون {فماذا تأمرون} (ولا إرادة الطلب) باللفظ لإطلاق الأمر بدونها. (في الأصح) وقيل يعتبر الأوّلان وإطلاق الأمر بدونهما مجازي، وقيل يعتبر العلوّ دون الاستعلاء، وقيل عكسه، وقيل يعتبر العلوّ وإرادة الطلب باللفظ فإذا لم يرده به لم يكن أمرا لأنه يستعمل في غير الطلب كالتهديد ولا مميز غير الإرادة. قلنا استعماله في غير الطلب مجازي بخلاف الطلب، فلا حاجة إلى اعتبار إرادته، ولأن الأمر لو كان هو الإرادة لوقعت المأمورات واللازم باطل. (والطلب بديهي) أي متصوّر بمجرد التفات النفس إليه بلا نظر، إذ كل عاقل يفرق بالبديهة بينه وبين غيره كالإخبار وما ذاك إلا لبداهته فاندفع ما قيل إن تعريف الأمر بما يشتمل عليه تعريف بالأخفى بناء على أنه نظري. (و) الأمر

مسألة الأصح أن صيغة افعل مختصة بالأمر النفسي

(النفسي) المعرف باقتضاء فعل إلى آخره (غير الإرادة) لذلك الفعل. (عندنا) فإنه تعالى أمر من علم أنه لا يؤمن كأبي لهب بالإيمان ولم يرده منه لامتناعه والممتنع غير مراد، أما عند المعتزلة فهو عينها لأنهم لما أنكروا الكلام النفسي ولم يمكنهم إنكار الاقتضاء المعرف به الأمر قالوا إنه الإرادة. (مسألة الأصح) على القول بإثبات الكلام النفسي. (أن صيغة أفعل) . والمراد بها كل ما يدل ولو بواسطة على الأمر من صيغه المحتملة لغير الوجوب، كاضرب وصلّ وصه ولينفق. (مختصة بالأمر النفسي) بأن تدل عليه وضعا دون غيره، وقيل لا فلا تدل عليه إلا بقرينة كصل لزوما، وعليه فقيل هو للوقف بمعنى عدم الدراية بما وضعت له حقيقة مما وردت له من أمر وتهديد وغيرهما، وقيل للاشتراك بين المعاني الآتية المشتركة، أما صحة التعبير عن الأمر بما يدل عليه فلا يختص بها صيغة فعل قطعا، بل تأتي في غيرها كألزمتك وأوجبت عليك، أما المنكرون للنفسي فلا حقيقة للأمر وسائر أقسام الكلام عندهم إلا العبارات. (وترد) صيغة افعل بالمعنى السابق لستة وعشرين معنى على ما في الأصل، وإلا فقد أوصلها بعضهم لنيف وثلاثين وليميز بعضها عن بعض بالقرائن. (للوجوب) نحو أقيموا الصلاة (وللندب) نحو {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} (وللإباحة) نحو {كلوا من طيبات} أي مما يستلذ من المباحات (وللتهديد) نحو {اعملوا ما شئتم} قيل ويصدق مع التحريم والكراهة. (وللإرشاد) نحو {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} والمصلحة فيه دنيوية بخلافها في الندب (ولإرادة الامتثال) كقولك لغير رقيقك عند العطش اسقني ماء. (وللإذن) كقولك لمن طرق الباب ادخل وبعضهم أدرج هذا في الإباحة. (وللتأديب) كقولك لغير مكلف كل مما يليك وبعضهم أدرج هذا في الندب، والأوّل فرق بأن الأدب متعلق بمحاسن الأخلاق وإصلاح العادات والندب بثواب الآخرة أما أكل المكلف مما يليه فمندوب، ومما يلي غيره مكروه حيث لا إيذاء وإلا فحرام (وللإنذار) نحو {قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار} ويفارق التهديد بوجوب اقترانه بالوعيد كما في الآية، وبأن التهديد التخويف والإنذار إبلاغ المخوف منه. (وللامتنان) نحو؛ {كلوا مما رزقكم الله} ويفارق الإباحة باقترانه بذكر ما يحتاج إليه (وللإكرام) نحو {ادخلوها بسلام آمنين} (وللتسخير) أي التذليل والامتهان نحو {كونوا قردة خاسئين} (وللتكوين) أي الإيجاد عن العدم بسرعة نحو {كن فيكون} (وللتعجيز) أي إظهار العجز نحو {فأتوا بسورة من مثله} (وللإهانة) ويعبر عنها بالتهكم نحو {ذق إنك أنت العزيز الكريم} (وللتسوية) بين الفعل والترك نحو {فاصبروا أو لا تصبروا} وللدعاء) نحو {ربنا افتح بيننا وبين قومنا} (وللتمني) كقولك لآخركن فلانا. (وللاحتقار) نحو {ألقوا ما أنتم ملقون} إذ ما يلقونه من السحر وإن عظم محتقر بالنظر إلى معجزة موسى عليه الصلاة والسلام، وفرق بينه وبين الإهانة بأن محله القلب ومحلها الظاهر. (وللخبر) كخبر «إذا لَم تَستحِ فاصْنَعْ ما شئتَ» أي صنعت (وللإنعام) بمعنى تذكر النعمة نحو {كلوا من طيبات ما رزقناكم} (وللتفويض) وهو ردّ الأمر إلى غيرك ويسمى التحكيم والتسليم نحو {فاقض ما أنت قاض} (وللتعجب) نحو؛ {انظر كيف ضربوا لك الأمثال} وتعبيري به أنسب بسابقه ولاحقه من تعبيره بالتعجب (وللتكذيب) . نحو {قل فأتوا بالتوراة قاتلوها إن كنتم صادقين} (وللمشورة) نحو {فانظر ماذا ترى} (وللاعتبار) نحو {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} (والأصح أنها) أي صيغة افعل بالمعنى السابق. (حقيقة في الوجوب) فقط كما عليه الشافعي والجمهور، لأن الأئمة كانوا يستدلون بها مجردة عن القرائن على الوجوب، وقد شاع من غير إنكار في الندب فقط لأنه المتيقن من قسمي الطلب، وقيل حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب حذرا من الاشتراك والمجاز، وقيل مشتركة بينهما، وقيل بالوقف، وقيل مشتركة

مسألة الأصح أنها لطلب الماهية

فيهما، وفي الإباحة، وقيل في الثلاثة والتهديد، وقيل أمر الله للوجوب وأمر نبيه المبتدأ منه للندب بخلاف الموافق لأمر الله أو المبين له فللوجوب أيضا، وقيل مشتركة بين الخمسة الأول الوجوب والندب والإباحة والتهديد والإرشاد، وقيل بين الأحكام الخمسة الثلاثة الأول والتحريم والكراهة، وعلى الأصح هي حقيقة في الوجوب (لغة على الأصح) وهو المنقول عن الشافعي وغيره، لأن أهل اللغة يحكمون باستحقاق مخالف أمر سيده مثلاً بها للعقاب، وقيل شرعا لأنها لغة لمجرد الطلب وجزمه المحقق للوجوب بأن ترتب العقاب على الترك إنما يستفاد من أمره أو أمر من أوجب طاعته، وقيل عقلاً لأن ما يفيد الأمر لغة من الطلب يتعين أن يكون الوجوب لأن حمله على الندب يصير المعنى افعل إن شئت، وليس هذا القدر مذكورا، وقوبل بمثله في الحمل على الوجوب فإنه يصير المعنى افعل من غير تجويز ترك، وقيل في الطلب الجازم لغة وفي التوعد على الترك شرعا فالوجوب مركب مهما، وهذا ما اختاره الأصل، وقيل لإسقاط الحظر ورجوع الأمر إلى ما كان قبله من وجوب أو غيره (و) الأصح (أنه يجب اعتقاد الوجوب) في المطلوب (بها قبل البحث) عما يصرفها عنه إن كان كما يجب على الأصح اعتقاد عموم العام حتى يتمسك به قبل البحث عن المخصص، كما سيأتي، وقيل لا يجب كما في تلك. (و) الأصح (أنها إن وردت بعد حظر) لمتعلقها نحو {وإذا حللتم فاصطادوا} (أو) بعد (استئذان) فيه كأن يقال لمن قال أفعل لك كذا افعل. (فللإباحة) الشرعية حقيقة لتبادرها إلى الذهن في ذلك لغلبة استعمالها فيها حينئذ، وقيل للوجوب كما في غير ذلك نحو {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} وقيل بالوقف فلا نحكم بشيء منها. (و) الأصح (أن صيغة النهي) أي لا تفعل الواردة. (بعد وجوب للتحريم) كما في غير ذلك ومن القائل به بعض القائل بأن الأمر بعد الحظر للإباحة، وفرق بأن مقتضى النهي وهو الترك موافق للأصل، وبأن النهي لدفع المفسدة والأمر لتحصيل المصلحة واعتناء الشارع بالأول أشدّ، وقيل للكراهة على قياس أن الأمر للإباحة، وقيل للإباحة نظرا إلى أن النهي عن الشيء بعد وجوبه يرفع طلبه فيثبت التخيير فيه، وقيل لإسقاط الوجوب ويرجع الأمر إلى ما كان قبله من تحريم أو إباحة، وقيل بالوقف، وتعبيري بصيغة افعل وبصيغة النهي أولى من تعبيره بالأمر والنهي ليوافق القول بالإباحة، إذ لا أمر ولا نهي فيها إلا على قول الكعبي، وظاهر أن صيغة النهي بعد الاستئذان كهي بعد الوجوب. ا. (مسألة الأصح أنها) أي صيغة افعل (لطلب الماهية) لا لتكرار ولا مرة ولا لفور ولا تراخ فهي للقدر المشترك بينها حذرا من الاشتراك المجاز. (والمرة ضرورية) إذ لا توجد الماهية بأقل منها فيحمل عليها، وقيل المرة لأنها المتيقن وتحمل على التكرار على القولين بقرينة وقيل للتكرار مطلقا لأنه الغالب، وتحمل على المرة بقرينة، وقيل للتكرار إن علقت بشرط أو صفة بحسب تكرار المعلق به نحو {وإن كنتم جنبا فاطهروا} {والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وإن لم تعلق بذلك فللمرة، وقيل بالوقف عن المرة والتكرار بمعنى أنها مشتركة بينهما أو لأحدهما ولا نعرفه قولان. فلا تحمل على أحد منهما إلا بقرينة، وقيل إنها للفور أي للمبادرة بالفعل عقب ورودها لأنه أحوط، وقيل للتراخي أي التأخير لأنه يسدّ عن الفور بخلاف العكس، وقيل مشتركة بينهما لأنها مستعملة فيهما، والأصل في الاستعمال الحقيقة، وقيل للفور أو العزم في الحال على الفعل بعد، وقيل بالوقف عن الفور والتراخي بمعنى أنها لأحدهما ولا نعرفه. (و) الأصح (أن المبادر) بالفعل (ممتثل) لحصول الغرض، وقيل لا بناء على أن الأمر للتراخي وجوبا. (مسألة الأصح أن الأمر) بشيء مؤقت (لا يستلزم القضاء) له إذا لم

مسألة المختار أنم الأمر النفسي بمعين ليس نهيا عن ضده

يفعل في وقته، (بل) إنما (يجب بأمر جديد) كالأمر في خبر الصحيحين «من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها» . والقصد من الأمر الأول الفعل في الوقت، وقيل يستلزمه لإشعار الأمر بطلب استدراكه لأن القصد منه الفعل. (و) الأصح (أن الإتيان بالمأمور به) على الوجه الذي أمر به. (يستلزم الاجزاء) للمأتي به، بناء على أن الاجزاء الكفاية في سقوط الطلب، وهو الأصح كما مر، ولأنه لو لم يستلزمه لكان الأمر بعد الامتثال مقتضيا إما للمأتي به، فيلزم تحصيل الحاصل أو بغيره فيلزم عدم الإتيان بتمام المأمور بل ببعضه، والفرض خلافه، وقيل لا يستلزمه بناء على أنه إسقاط القضاء لجواز أن لا يسقط المأتي به القضاء بأن يحتاج إلى الفعل ثانيا كما في صلاة من ظنّ طهره ثم تبين له حدثه. (و) الأصح (أن الأمر) للمخاطب (بالأمر) لغيره (بشيء) نحو {وأمر أهلك بالصلاة} (ليس أمرا) لذلك الغير (به) أي بالشيء وقيل هو أمر به، وإلا فلا فائدة فيه لغير المخاطب وقد تقوم قرينة على أن غير المخاطب مأمور بذلك الشيء كما في خبر الصحيحين «أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلّم فقال مُرْه فَلْيُرَاجِعْها» . (و) الأصح أن الآمر) بالمد بلفظ يصلح له) هو أولى من قوله يتناوله نحو «مَنْ قامَ فَلْيَتَوَضَّأَ» . (غير داخل فيه) أي في ذلك اللفظ لبعد أن يريد الآمر نفسه، وهذا ما صححه في بحث العام عكس مقابله وهو ما صححه هنا، والأوّل هو المشهور وممن صححه الإمام الرازي والآمدي. وفي الروضة لو قال نساء المسلمين طوالق لم تطلق زوجته على الأصح، لأن الأصح عند أصحابنا في الأصول أنه لا يدخل في خطابه، وخرج بالآمر ومثله الناهي المخبر فيدخل في خطابه على الأصح كما صرح به في بحث العام، إذ لا يبعد أن يريد المخبر نفسه نحو {والله بكل شيء عليم} وهو تعالى عليم بذاته وصفاته، فعلم أن في مجموع المسألتين ثلاثة أقوال، ومحلها إذا لم تقم قرينة على دخوله أو عدم دخوله فإن قامت عمل بمقتضاها قطعا. (ويجوز عندنا عقلاً النيابة في العبادة البدنية) إذ لا مانع ومنعه المعتزلة لأن الأمر بها إنما هو لقهر النفس وكسرها بفعلها والنيابة تنافي ذلك. قلنا لا تنافيه لما فيها من بذل المؤنة أو تحمل المنة، وخرج بزيادتي عقلاً الجواز الشرعي فلا تجوز شرعا النيابة في البدنية إلا في الحج والعمرة، وفي الصوم بعد الموت وبالبدنية المالية كالزكاة فلا خلاف في جواز النيابة فيها، وإن اقتضى كلام الأصل أن فيها خلافا، وتعبيري بما ذكر أولى من تعبيره بأن الأصح أن النيابة تدخل المأمور إلا لمانع لاقتضائه أن في العبادة المالية خلافا وليس كذلك، مع أن قوله إلا لمانع إنما يناسب الفقيه لا الأصولي لأن كلامه في الجواز العقلي لا الشرعي. (مسألة المختار) تبعا لإمام الحرمين والغزالي والنووي في روضته في كتاب الطلاق وغيرهم (أن الأمر النفسي بـ) ـشيء (معين) إيجابا أو ندبا (ليس نهيا عن ضده ولا يستلزمه) لجواز أن لا يخطر الضد بالبال حال الأمر تحريما كان النهي أو كراهة، واحدا كان الضد كضد السكون أي التحرك أو أكثر كضد القيام أي القعود وغيره، وقيل نهي عن ضده، وقيل يستلزمه فالأمر بالسكون مثلاً أي طلبه ليس نهيا عن التحرّك أي طلب الكف عنه ولا مستلزما له على الأول ومستلزما له على الثالث، وعينه على الثاني بمعنى أن الطلب واحد هو بالنسبة إلى السكون أمر وإلى التحرّك نهي، واحتج لهذين القولين بأنه لما لم يتحقق المأمور به بدون الكف عن ضده كان طلبه طلبا للكف أو مستلزما له. وأجيب بمنع الملازمة لجواز أن لا يخطر الضد بالبال حال الأمر كما مر، فلا يكون مطلوب الكف به، وقيل القولان في الوجوب دون أمر الندب، لأن الضد فيه لا يخرج به عن أصله من الجواز بخلافه في أمر الوجوب لاقتضائه الذم على الترك وخرج بالنفسي الأمر اللفظي فليس عين النهي اللفظي قطعا ولا يستلزمه في الأصح وبالمعين المبهم من أشياء فليس الأمر به بالنظر إلى ما صدقه نهيا عن ضدّه منها ولا مستلزما له قطعا.

مسألة الأمران إن لم يتعاقبا

(و) المختار (أن النهي) النفسي عن شيء معين تحريما أو كراهة (كالأمر) فيما ذكر فيه، فالنهي ليس أمرا بالضد ولا يستلزمه، وقيل عينه، وقيل يستلزمه، وقيل هذان القولان في نهي التحريم دون نهي الكراهة، والضد إن كان واحدا فواضح أو أكثر فالأمر بواحد منه، وقيل النهي أمر بضده قطعا بناء على أن المطلوب في النهي فعل الضد، وقيل لا قطعا بناء على أن المطلوب في النهي انتفاء الفعل، والترجيح في هذه والتي قبلها من زيادتي والنهي اللفظي يقاس بالأمر اللفظي. (مسألة الأمران إن لم يتعاقبا) بأن يتراخى ورود أحدهما عن الآخر بمتماثلين ولم يمنع من التكرار مانع أو بمتخالفين. (أو تعاقبا) لكن (بغير متماثلين) بعطف كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، أو بدونه كاضرب زيدا أعطه درهما (فغيران) فيعمل بهما جزما. (وكذا) إن تعاقبا (بمتماثلين ولا مانع من التكرار) في متعلقهما من عادة أو غيرها فإنهما غيران (في الأصح) مع عطف كصلِّ ركعتين وصل ركعتين أو بدونه كصل ركعتين صل ركعتين لظهور العطف في التأسيس وأصالة التأسيس في غير العطف، وهذا ما نقله الأصل في شرح المختصر كالصفي الهندي عن الأكثرين، وقيل الثاني تأكيد فيهما لتماثل المتعلقين، وقيل بالوقف عن التأسيس والتأكيد في غير العطف لاحتمالهما، والترجيح من زيادتي في غير العطف، وما ذكرته من الخلاف مع العطف حكاه الأصل. قال الزركشي وفيه نظر فقد صرح الصفي الهندي وغيره بأنه لا خلاف في أنه للتأسيس، لأن الشيء لا يعطف على نفسه، ويجاب بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. (فإن كان) ثمَّ (مانع) من التكرار (عادي وعارضه عطف) نحو صل ركعتين وصل الركعتين. (فالوقف) عن التأسيس والتأكيد لاحتمالهما، وظاهر أنه إن وجد مرجح عمل به. (وإلا) بأن كان ثمَّ مانع عقلي نحو اقتل زيدا اقتل زيدا، أو شرعي نحو أعتق عبدك أعتق عبدك، أو لم يعارضه عطف نحو اسقني ماء اسقني ماء، صل ركعتين صل ركعتين. (فالثاني تأكيد) . وإن كان بعطف في الأولين أما كونه تأكيدا في الأولين فظاهر، وأما في الأخيرتين فلأن العادة باندفاع الحاجة بمرة في أولها، وبالتعريف في ثانيهما ترجح التأكيد، وقولي وإلا أعم من قوله فإن رجح التأكيد بعادي قدم. (مسألة النهي) النفسي (اقتضاء كف عن فعل لا بنحو كف) كذر ودع المفادين كنحوهما بزيادتي نحو فدخل فيه الاقتضاء الجازم وغيره وخرج منه الإباحة، واقتضاء فعل غير كف أو كف بنحو كف فإنه أمر كما مر، ويحد أيضا بالقول المقتضي للكف المذكور كما يحد اللفظي بالقول الدال على الاقتضاء المذكور، ولا يعتبر في مسمى النهي علو ولا استعلاء على الأصح كالأمر (وقضيته الدوام) على الكف، لأن العلماء لم يزالوا يستدلون به على الترك مع اختلاف بالأوقات لا يخصونه بشيء منها. (ما لم يقيد بغيره في الأصح) فإن قيد به نحو لا تسافر اليوم كان الغير قضيته فيحمل عليه، وقيل قضيته الدوام مطلقا وتقييده بغير الدوام يصرفه عن قضيته، وقولي بغيره أولى من قوله بالمرة. (وترد صيغته) أي النهي وهي لا تفعل. (للتحريم) نحو {ولا تقربوا الزنا} (وللكراهة) نحو {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} والخبيث فيه الرديء لا الحرام عكس ما في قوله تعالى {ويحرم عليهم الخبائث} {وللإرشاد) نحو {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} (وللدعاء) نحو {ربنا لا تزغ قلوبنا} {ولبيان العاقبة} نحو {ولا تحسين الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت (وللتقليل) بأن يتعلق بالمنهى عنه نحو {ولا تمدّنّ عينيك إلى ما متعنا به {أي فهو قليل بخلاف ما عند الله. (وللاحتقار) بأن يتعلق بالمنهي نحو {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} {ولليأس) نحو {لا تعذروا اليوم} وهذا تركه البرماوي من ألفيته، وذكره في شرحها مع زيادة ومثل له بالآية ثم قال وقد يقال إنه راجع للاحتقار أي لاتحاد آيتيهما. قلت

والأوجه الفرق إذ ذكر اليوم في الآية الثانية قرينة لليأس، وتركه في الأولى قرينة للاحتقار. (وفي الإرادة والتحريم ما) مرّ (في الأمر) من الخلاف، فقيل لا تدل الصيغة على الطلب إلا إذا أريد الطلب بها، والأصح أنها تدل عليه بلا إرادة وأنها حقيقة في التحريم لغة، وقيل شرعا، وقيل عقلاً، وقيل في الطلب الجازم لغة، وفي التوعد على الفعل شرعا وهو مقتضى ما اختاره الأصل في الأمر، وقيل حقيقة في الكراهة، وقيل فيها وفي التحريم، وقيل في أحدهما ولا نعرفه، وقيل غير ذلك. (وقد يكون) النهي (عن) شيء (واحد) وهو ظاهر. (و) عن (متعدد جمعا كالحرام المخير) نحو لا تفعل هذا أو ذاك، فعليه ترك أحدهما فقط فلا مخالفة إلا بفعلهما. فالمحرّم فعلهما لا فعل أحدهما فقط. (وفرقا كالنعلين تلبسان أو تنزعان ولا يفرّق بينهما) بلبس أو نزع إحداهما فقط، فإنه منهيّ عنه أخذا من خبر الصحيحين «لا يمشينّ أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا» فهما منهي عنهما لبسا أو نزعا من جهة الفرق بينهما في ذلك لا الجمع فيه. (وجميعا كالزنا والسرقة) فكل منهما منهي عنه فبالنظر إليهما يصدق أن النهي عن متعدد، وإن صدق بالنظر إلى كل منهما أنه عن واحد. (والأصح أن مطلق النهي ولو تنزيها) مقتض (للفساد) في المنهي عنه بأن لا يعتدّ به (شرعا) إذ لا يفهم ذلك من غيره، وقيل لغة لفهم أهلها ذلك من مجرد اللفظ، وقيل عقلاً وهو أن الشيء إنما ينهى عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده. (في المنهي عنه) من عبادة وغيرها كصلاة نفل مطلق في وقت مكروه وبيع بشرط. (إن رجع النهي) فيما ذكر (إليه) أي إلى عينه كالنهي عن صلاة الحائض أو صومها وكالنهي عن الزنا حفظا للنسب. (أو إلى جزئه) كالنهي عن بيع الملاقيح لانعدام المبيع وهو ركن في البيع. (أو) إلى (لازمه) كالنهي عن بيع درهم بدرهمين لاشتماله على الزيادة اللازمة بالشرط، وكالنهي عن الصلاة في الوقت المكروه لفساد الوقت اللازم لها بفعلها فيه بخلافها في المكان المكروه، لأنه ليس بلازم لها بفعلها فيه لجواز ارتفاع النهي عن الصلاة فيه مع بقائه بحاله كجعل الحمام مسجدا فبذلك افترقا وفرق البرماوي بأن الفعل في الزمان يذهبه، فالنهي منصرف لإذهابه في المنهي عنه، فهو وصف لازم، إذ لا يمكن وجود فعل إلا بذهاب زمان بخلاف الفعل في المكان، وتعبيري بما ذكر هو مراد الأصل بما عبر به كما بينته في الحاشية. (أو جهل مرجعه) من واحد مما ذكر، كما قاله ابن عبد السلام تغليبا لما يقتضي الفساد على ما لا يقتضيه كالنهي عن بيع الطعام حتى تجري فيه

العام

الصيعان، وإنما اقتضى النهي الفساد لما مر أن المكروه مطلوب الترك والمأمور به مطلوب الفعل فيتنافيان واستدلال الأولين على فساد المنهي عنه بالنهي عنه، وقيل مطلق النهي للفساد في العبادات فقط وفساد غيرها إنما هو لأمر خارج عن النهي كترك ركن أو شرط عرف من خارج عنه، وخرج برجوع النهي إلى ما ذكر مع ما بعده النهي الراجع إلى أمر خارج عنه غير لازم، فلا يقتضي الفساد كالوضوء بمغصوب والبيع وقت نداء الجمعة لرجوع النهي في الأول لإتلاف حال الغير تعديا، وفي الثاني بتفويت الجمعة وذلك يحصل لغير الوضوء والبيع، كما أنهما يحصلان بدونه فالمنهي عنه في الحقيقة ذلك الخارج وكالصلاة في المكان المكروه أو المغصوب كما مرّ، وقيل مطلق النهي للفساد وإن كان الخارج، وقيل لا مطلقا ولقائله تفاريع لا حاجة بنا إلى ذكرها وخرج بمطلق النهي المقيد بما يدل للفساد أو لعدمه فيعمل به في ذلك اتفاقا. (أما نفي القبول) عن شيء كقوله تعالى {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا} لن تقبل منهم نفقاتهم. (فقيل دليل الصحة) له لظهور النفي في عدم الثواب دون الاعتداد كما حمل عليه نحو خبر مسلم «من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما» . (وقيل) دليل (الفساد) لظهور النفي في عدم الاعتداد، ولأن القبول والصحة متلازمان فإذا نفى أحدهما نفى الآخر. (ومثله) أي نفي القبول (نفي الإجزاء) في أنه دليل الصحة أو الفساد قولان. بناء للأول على أن الاجزاء إسقاط القضاء، فإن ما لا يسقطه قد يصح كصلاة فاقد الطهورين، وللثاني على أنه الكفاية في سقوط الطلب وهو الأصح. (وقيل) هو (أولى بالفساد) من نفي القبول لتبادر عدم الاعتداد منه إلى الذهن، وعلى الفساد في نفي القبول خبر الصحيحين «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضا» . وفي نفي الاجزاء خبر الدارقطني وغيره «لا تجزىء صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأم القرآن» . العام بناء على الراجح الآتي أن العموم من عوارض الألفاظ. (لفظ) ولو مستعملاً في حقيقته أو حقيقته ومجازه أو مجازه. (يستغرق الصالح له) أي يتناوله دفعة خرج به ما ليس كذلك كالنكرة في الاثبات مفردة أو مثناة أو مجموعة أو اسم جمع كقوم أو اسم عدد لا من حيث الآحاد، فإنها تتناول ما يصلح لها بدلاً لا استغراقا نحو أكرم رجلاً وتصدق بخمسة دراهم. (بلا حصر) خرج به اسم العدد والنكرة المثناة من حيث الآحاد كعشرة ورجلين، فإنهما يستغرقانها بحصر ويصدق الحدّ على المشترك المستعمل في أفراد معنى واحد لأنه مع قرينة الواحد لا يصلح لغيره، فلا حاجة إلى زيادة بوضع واحد، بل هي مضرة لإخراجها المشترك المستعمل في حقيقة مثلاً. (والأصح دخول) الصورة (النادرة وغير المقصودة) من صور العام. (فيه) فيشملهما حكمه نظرا للعموم، وقيل لا نظرا للمقصود عادة في مثل ذلك والنادرة كالفيل في خبر أبي داود وغيره «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل» . فإنه ذو خف والمسابقة عليه نادرة والأصح جوازها عليه وغير المقصودة، كما لو وكله بشراء عبيد فلان وفيهم من يعتق عليه ولم يعلم به

الأصح صحة شرائه أخذا من مسألة ما لو وكله بشراء عبد فاشترى من يعتق عليه، وفرق في منع الموانع بين النادرة وغير المقصودة بأن النادرة هي التي لا تخطر ببال المتكلم غالبا، وغير المقصودة قد تكون مما يخطر به. ولو غالبا، فبينهما عموم من وجه لأن النادرة قد تقصد وقد لا تقصد، وغير المقصودة قد تكون نادرة، وقد لا تكون ثم إن قامت قرينة على قصد النادرة دخلت قطعا أو على قصد انتفاء صورة لم تدخل قطعا. (و) الأصح (أنه) أي العام (قد يكون مجازا) بأن يستعمل في مجازه فيصدق على العام أنه قد يكون مجازا كما يصدق على المجاز أنه قد يكون عاما نحو جاءني الأسود الرماة إلا زيدا، وقيل لا يكون العام مجازا فلا يكون المجاز عاما لأن المجاز ثبت على خلاف الأصل للحاجة إليه، وهي تندفع في المستعمل في مجازه ببعض الأفراد، فلا يراد به جميعها إلا بقرينة كما في المثال السابق من الاستثناء. (و) الأصح (أنه) أي العموم (من عوارض الألفاظ فقط) أي دون المعاني، وقيل من عوارضهما معا. وصححه ابن الحاجب حقيقة فيكون موضوعا للقدر المشترك بينهما، وقييل مشتركا لفظيا فكما يصدق لفظ عام يصدق معنى عام حقيقة ذهنيا كان كمعنى الإنسان أو خارجيا كمعنى المطر والخصب لما يقال الإنسان يعم الرجل والمرأة، وعم المطر والخصب، فالعموم شمول أمر لمتعدد، وقيل بعروض العموم في المعنى الذهني حقيقة دون الخارجي لوجود الشمول لمتعدد فيه، بخلاف الخارجي والمطر والخصب مثلاً في محل غيرهما في آخر، فاستعمال العموم فيه مجازي وعلى الأول استعماله في الذهني مجازي أيضا. (ويقال) اصطلاحا (للمعنى أعم) وأخص (وللفظ عام) . وخاص تفرقة بين الدال والمدلول وخصّ المعنى بأفعل التفضيل لأنه أهم من اللفظ، وبعضهم يقول في المعنى عام كما علم مما مرّ وخاص فيقال لمعنى المشتركين عام وأعم، وللفظه عام ولمعنى زيد خاص وأخص وللفظه خاص. (تنبيهان أحدهما) الأخص يندرج في الأعم. وعبر بعضهم بالعكس وجمع بينهما بأن الأوّل في اللفظ، إذ الحيوان يصدق بالإنسان وغيره بخلاف العكس، والثاني في المعنى إذ الإنسان لا بد فيه من الحيوانية فصار الأعم مندرجا في الأخص بمعنى الاستلزام. ثانيهما ليس المراد بوصف اللفظ بالعموم وصفه به مجردا عن معناه، فإنه لا وجه له بل المراد وصفه به باعتبار معناه، فمعنى كونه عاما أنه يشترك في معناه كثيرون، لا أنه يكون مشتركا لفظيا فمدلوله معنى واحد مشترك بين الجزئيات. (ومدلوله) أي العام في التركيب من حيث الحكم عليه. (كلية أي محكوم فيه على كل فرد) فرد (مطابقة إثباتا) خبرا أو أمرا (أو سلبا) نفيا أو نهيا نحو جاء عبيدي وما خالفوا فأكرمهم ولا تهنهم، لأنه في قوّة قضايا بعدد أفراده أي جاء فلان وجاء فلان وهكذا فيما مرّ إلى آخره، وكل منها محكوم فيه على فرده دال عليه مطابقة فما هو في قوتها محكوم فيه على كل فرد فرد دالّ عليه مطابقة، فقول القرافي إن دلالة العام على كل فرد فرد من أفراده خارجة عن الدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام مردود، كما أوضحته في الحاشية مع زيادة وخرج بالكلية الكل والكليّ، فليس مدلول العام كلاً أي محكوما فيه على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع نحو كل رجل في البلد يحمل الصخرة العظيمة أي مجموعهم، وإلا لتعذر الاحتجاج به في النهي على كل فرد ولم يزل العلماء يحتجون به عليه كما في نحو {ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله} ولا كليا أي محكوما فيه على الماهية من حيث هي أي من غير نظر إلى الأفراد نحو الرجل خير من المرأة، وكثيرا ما يفضل بعض أفرادها بعض أفراده، وذلك لأن النظر في العام إلى الأفراد لا إلى القدر المشترك بينها فانحصر مدلوله في الكلية وهي مقابلة للجزئية، والكل مقابل للجزء، والكلي مقابل للجزئي. (ودلالته) أي العام (على أصل المعنى) من الواحد في المفرد والاثنين في المثنى والثلاثة أو الاثنين في الجمع على ما يأتي فيه من الخلاف. (قطعية) اتفاقا (و) دلالته (على كل فرد) منه بخصوصه

(ظنية في الأصح) لاحتماله التخصيص، وإن لم يظهر مخصص لكثرة التخصيص في العمومات، وقيل قطعية للزوم معنى اللفظ له قطعا حتى يظهر خلافه من قرينة كتخصيص فيمتنع تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد، وبالقياس على هذا دون الأول فإن قام دليل على انتفاء التخصيص كالعقل في نحو {والله بكل شيء عليم} فدلالته قطعية اتفاقا والتصريح بالترجيح من زيادتي. (وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والأمكنة على المختار) لأنه لا غنى للأشخاص عنها فقوله تعالى {فاقتلوا المشركين} أي كل مشرك على أي حال كان في أيّ زمان ومكان كان، وخص منه البعض كالذمي، وقيل العام في الأشخاص مطلق في المذكورات لانتفاء صيغة العموم فيها فما خص به العام على الأوّل مبين للمراد بما أطلق فيه على هذا ورد هذا القول بأن التعميم هنا بالاستلزام كما عرف لا بالوضع فلا يحتاج إلى صيغة. (مسألة) في صيغ العموم. (كل) وتقدمت في مبحث الحروف (والذي والتي) نحو أكرم الذي يأتيك والتي تأتيك أي كل آت وآتية لك. (وأي وما) الشرطيتان والاستفهاميتان والموصولتان وتقدمتا، ثم أطلقتا للعلم بانتفاء العموم في غير ذلك كأيّ الواقعة صفة لنكرة أو حالاً وما الواقعة نكرة موصوفة أو تعجبية. (ومتى) للزمان المبهم استفهامية أو شرطية نحو متى تجئني متى جئتني أكرمتك. (وأين وحيثما) للمكان شرطيتين نو أين أو حيثما كنت آتك، وتزيد أين بالاستفهام نحو أين كنت. (ونحوها) مما يدل على العموم لغة كجميع، ولا يضاف إلا إلى معرفة وكجمع الذي والتي وكمن الاستفهامية والشرطية والموصولة وتقدمت، وأما عدم عمومها وعموم أيّ الموصولة في نحو مررت بمن أو بأيهم قام فلقيام قرينة الخصوص، واستشكل عموم من وما بقول الفقهاء لو قال من دخل داري فله درهم، فدخلها مرة بعد أخرى لا يتكرر الاستحقاق. وأجيب بأن العموم في الأشخاص لا في الأفعال إلا أن تقتضي الصيغة التكرار نحو كلما أو يحكم به قياسا لكون الشرط علة نحو من عمل صالحا فلنفسه. فإن قلت فلم تكرر الجزاء على المحرم بقتله صيدا بعد قتله آخر مع أن الصيغة من في قوله تعالى {ومن قتله منكم متعمدا} الآية؟ قلنا لتعدّد المحل بخلافه في مثالنا حتى لو قال من دخل داري فله درهم وله عدة دور استحق كلما دخل دارا له درهما لاختلاف المحل، ولهذا لو قال طلق من نسائي من شئت لا يطلق إلا واحدة. ولو قال من شاءت طلق كل من شاءت وكل من المذكورات. (للعموم حقيقة في الأصح) لتبادره إلى الذهن، وقيل للخصوص حقيقة أي للواحد في المفرد، وللاثنين في المثنى، وللثلاثة أو الاثنين في الجمع، لأنه المتيقن والعموم مجاز، وقيل مشتركة بينهما لأنها تستعمل لكل منهما، والأصل في الاستعمال الحقيقة، وقيل بالوقف أي لا يدري أهي حقيقة في العموم أم في الخصوص أم فيهما (كالجمع المعرف باللام) نحو {قد أفلح المؤمنون} (أو الإضافة) نحو {يوصيكم الله في أولادكم} فإنه للعموم حقيقة في الأصح. (ما لم يتحقق عهد) لتبادره إلى الذهن، وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق ببعض الأفراد كما في تزوجت النساء لأنه المتيقن ما لم تقم قرينة على العموم كما في الآيتين، وقيل ليس للعموم إن احتمل عهد فهو باحتماله متردد بين العهد والعموم حتى تقوم قرينة، وعلى عمومه قيل أفراده جموع والأكثر آحاد في الإثبات وغيره، وعليه أئمة التفسير في استعمال القرآن نحو {والله يحب المحسنين} أي يثيب كلاً منهم إن الله لا يحب الكافرين

أي يعاقب كلاً منهم وأيد بصحة استثناء الواحد منه نحو جاء الرجال إلا زيدا، ولو كان معناه جاء كل جمع من الرجال لم يصح إلاأن يكون منقطعا، نعم قد تقوم قرينة على إرادة المجموع نحو رجال البلد يحملون الصخرة العظيمة أي مجموعهم والأول يقول قامت قرينة الآحاد في نحو الآيتين المذكورتين. (و) كـ (ـالمفرد كذلك) أي المعرف باللام أو الإضافة ما لم يتحقق عهد، فإنه للعموم حقيقة في الأصح لما مر قبله سواء تحقق استغراق أم احتمله والعهد حملاً له في الثاني على الاستغراق لأنه الأصل لعموم فائدته نحو {وأحل الله البيع} أي كل بيع وخص منه الفاسد كالربا ونحو. {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} أي كل أمر لله وخص منه أمر الندب، وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق بالبعض كما في لبست الثوب ولبست ثوب الناس لأنه المتيقن ما لم تقم قرينة على العموم كما في {إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا} وقيل المعرف باللام ليس للعموم إن لم يكن واحدة بالتاء وتميز بالوحدة كالماء والرجل، إذ يقال فيهما ماء واحد ورجل واحد فهو في ذلك للجنس الصادق بالبعض نحو شربت الماء، ورأيت الرجل ما لم تقم قرينة على العموم نحو الدينار خير من الدرهم أي كل دينار خير من كل درهم، بخلاف ما إذا كان واحده بالتاء كالتمر أو لم يكن بها ولم يتميز بالوحدة كالذهب فيعم كما في خبر الصحيحين «الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء» . وقولي كذلك أولى من اقتصاره على المحلى أي باللام فإن تحقق عهد صرف إليه جزما وكأل المعرّفة أل الموصولة هنا وفيما قبله (والنكرة في سياق النفي) وفي معناه النهي (للعموم وضعا في الأصح) بأن تدل عليه بالمطابقة كما مر من أن الحكم في العام على كل فرد مطابقة، وقيل للعموم لزوما نظرا إلى أن النفي أوّلاً للماهية، ويلزمه نفي كل فرد فيؤثر التخصيص بالنية على الأول دون الثاني في نحو والله لا أكلت ناويا غير التمر فيحنث بأكل التمر على الثاني دون الأول وعموم النكرة يكون (نصا إن بنيت على الفتح) نحو لا رجل في الدار. (وظاهرا إن لم تبن) نحو ما في الدار رجل. لاحتماله نفي الواحد فقط فإن زيد فيها من كانت نصا أيضا كما مر في الحروف والنكرة في سياق الامتنان للعموم نحو {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} قاله القاضي أبو الطيب وفي سياق الشرط للعموم نحو {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} أي كل واحد منهم وقد تكون للعموم البدلي لا الشمولي بقرينة نحو من يأتني بمال أجازه. (وقد يعم اللفظ) إما (عرفا كـ) ـاللفظ الدال على مفهوم (الموافقة) بقسميه الأولى والمساوي (على قول مرّ) في المبحث المفهوم نحو {فلا تقل لهما أف} {إن الذين يأكلون أموال اليتامى} الآية قيل نقلهما العرف إلى تحريم جميع ازيذاءات والإتلافات (و) نحو {حرمت عليكم أمهاتكم} نقله العرف من تحريم العين إلى تحريم جميع التمتعات المقصودة من النساء، وسيأت قول إنه مجمل، وقيل العموم فيه من باب الاقتضاء لاستحالة تحريم الأعيان فيضمر ما يصح به الكلام. قال الزركشي وغيره وقد يترجح هذا بقولهم الاضمار خير من النقل كما في قوله {وحرم الربا} وقد أجبت عنه في الحاشية. (أو معنى) وعبر عنه الأصل هنا كغيره بعقلاً (كترتيب حكم على وصف) فإنه يفيد علية الوصف للحكم كما يأتي في القياس، فيفيد العموم بالمعنى بمعنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول نحو أكرم العالم إذا لم تجعل اللام فيه للعموم ولا عهد، و (كـ) ـاللفظ الدال على مفهوم (المخالفة على

قول مر) أن دلالة اللفظ بالمعنى على ما عدا المذكور بخلاف حكمه، وهو أنه لو لم ينف المذكور والحكم عما عداه لم يكن لذكره فائدة كما في خبر الصحيحين «مطل الغني ظلم» أي بخلاف مطل غيره. (والخلاف في أن المفهوم) مطلقا {لا عموم له لفظي} أي عائد إلى اللفظ والتسمية أي هل يسمى عاما أو لا. بناء على أن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني أو الألفاظ فقط، وأما من جهة المعنى فهو شامل لجميع صور ما عدا المذكور بما مر من عرف وإن صار به منطوقا أو معنى. (ومعيار العموم) أي ضابطه (الاستثناء) فكل ما صح الاستثناء منه مما لا حصر فيه فهو عام كالجمع المعرف للزوم تناوله المستثنى نحو جاء الرجال إلا زيدا، ولا يصح الاستثناء من الجمع المنكر إلا أن يخصص فيعم ما يخصص به نحو قام رجال كانوا في دارك إلا زيدا منهم، ويصح جاء رجل إلا زيد بالرفع على أن إلا صفة بمعنى غير كما في {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} (والأصح أن الجمع المنكر) في الإثبات نحو جاء رجال أو عبيد. (ليس بعام) إن لم يتخصص فيحمل على أقل الجمع ثلاثة أو اثنين لأنه المحقق، وقيل إنه عام لأنه كما يصدق بذلك يصدق بجميع الأفراد وبما بينهما، فيحمل على جميع الأفراد احتياطا إلا أن يمنع منه مانع كما في رأيت رجالاً فعلى أقل الجمع قطعا، والخلاف كما قال جماعة جار في جمع القلة والكثرة. وقال الصفي الهندي محله في جمع الكثرة. (و) الأصح (أن أقل) مسمى (الجمع) كرجال ومسلمين (ثلاثة) لتبادرها إلى الذهن، وقيل اثنان، لقوله تعالى {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} أي عائشة وحفصة وليس لهما إلا قلبان. قلنا مثل ذلك مجاز والداعي له في الآية الكريمة كراهة الجمع بين التثنيتين في المضاف ومتضمنة وهما كالشيء الواحد بخلاف نحو جاء عبداكما، وينبني على الخلاف ما لو أقر أو أوصى بدراهم لزيد، والأصح أنه يستحق ثلاثة، لكن ما مثلوا به من جمع الكثرة مخالف لاطباق النحاة على أن أقله أحد عشر. ويجاب بأن أصل وضعه ذلك لكن غلب استعماله عند الأصوليين في أقل جمع القلة، وقد أشار إلى ذلك في منع الموانع كما بينته في الحاشية. (و) الأصح (أنه) أي الجمع (يصدق بالواحد مجازا) لاستعماله فيه كقول الرجل لامرأته وقد برزت لرجل أتتبرجين للرجال؟ لاستواء الواحد والجمع في كراهة التبرج له، وقيل لا يصدق به ولم يستعمل فيه والجمع في هذا المثال عل بابه لأن من برزت لرجل تبرز لغيره عادة. (و) الأصح (تعميم عام سيق لغرض) كمدح وذم وبيان مقدار. (ولم يعارضه عام آخر) لم يسق لذلك إذ ما سيق له لا ينافي تعميمه، فإن عارضه العام المذكور لم يعم فيما عورض فيه جمعا بينهما كما لو عارضه خاص، وقيل لا يعم مطلقا لأنه لم يسق للتعميم، وقيل يعمه مطلقا كغيره وينظر عند المعارضة إلى مرجح مثاله ولا معارض {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} ومع المعارض {والذين هم لفروجن حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} فإنه وقد سيق للمدح يعم بظاهره إباحة الجمع بين الأختين بملك اليمين وعارضه في ذلك {وأن تجمعوا بين الأختين} فإنه وإن لم يسق للمدح بل لبيان الحكم شامل لحرمة جمعهما بملك اليمين، فحمل الأول على غير ذلك بأن لم يرد تناوله، وقولي تبعا للبرماوي لغرض أولى من قول الأصل بمعنى المدح والذم، أما إذا سيق العام المعارض لغرض أيضا فكل منهما عام فيتعارضان فيحتاج إلى مرجح. (و) الأصح (تعميم نحو لا يستوون) من قوله تعالى {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} ، {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} فهو لنفي جميع وجوه الاستواء الممكن نفيها لتضمن الفعل المنفي لمصدر منكر، وقيل لا يعم نظرا إلى أن الاستواء المنفي هو الاشتراك من بعض الوجوه، فهو على هذا من سلب العموم، وعلى الأول من عموم السلب وعليه يستفاد من الآيتين بأن يراد بالفاسق في الأولى الكافر بقرينة مقابلته بالمؤمن أن الكافر لا يلي أمر ولده المسلم، وأن المسلم لا يقتل بالذمي، وخالف في المسألتين الحنفية، والمراد بنحو

لا يستوون كل ما دل على نفي الاستواء أو نحوه كالمساواة والتماثل والمماثلة. (و) الأصح تعميم نحو (لا أكلت) من قولك والله لا أكلت فهو لنفي جميع المأكول بنفي جميع أفراد الأكل. (وإن أكلت) فزوجتي طالق مثلاً فهو للمنع من جميع المأكولات فيصح تخصيص بعضها في المسألتين بالنية ويصدّق في إرادته. وقال أبو حنيفة لا تعميم فيها فلا يصح التخصيص بالنية لأن النفي والمنع لحقيقة الأكل، ويلزمهما النفي والمنع لجميع المأكولات حتى يحنث بواحد منها اتفاقا، وعبر الأصل في الثانية بقيل على خلاف تسويتي تبعا لابن الحاجب وغيره بينهما، لما فهم من أن عموم النكرة في سياق الشرط بدلي، وليس كما فهم بل عمومها فيه شمولي، وإنما يكون بدليا بقرينة كما مرّ. (لا المقتضي) بالكسر وهو ما لا يستقيم من الكلام إلا بتقدير أحد أمور، ويسمى مقتضى بالفتح فلا يعم جميعها لاندفاع الضرورة بأحدها، ويكون مجملاً بينها يتعين بالقرينة، وقيل يعمها حذرا من الاجمال قالوا مثاله الخبر الآتي في مبحث المجمل «رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان» . فلوقوعهما من الأمة لا يستقيم بدون تقدير المؤاخذة أو الضمان أو نحو ذلك، فقدرنا المؤاخذة لفهمها عرفا من مثله وقيل يقدر جميعها فيكون المقتضى عاما. (والمعطوف على العام) فلا يعم، وقيل يعم لوجوب مشاركة المتعاطفين في الحكم والصفة. قلنا في الصفة ممنوع مثاله خبر أبي داود وغيره «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» . قيل يعني بكافر وخص منه غير الحربي بالإجماع. قلنا لا حاجة إلى ذلك بل تقدر بحربي، وبعضهم جعل الجملة الثانية تامة لا تحتاج إلى تقدير ومعناها ولا يقتل ذو عهد ما دام عهده، وبعضهم جعل في الحديث تقديما وتأخيرا والأصل ولا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر. (والفعل المثبت ولو مع كان) كخبر بلال «صلى النبي صلى الله عليه وسلّم داخل الكعبة» . وخبر أنس «كان النبي صلى الله عليه وسلّم يجمع بين الصلاتين في السفر» . فلا يعم أقسامه، وقيل يعمها فلا يعم المثال الأول الفرض والنفل، ولا الثاني جمع التقديم والتأخير، إذ لا يشهد اللفظ بأكثر من صلاة واحدة وجمع واحد، ويستحيل وقوع الصلاة الواحدة فرضا ونفلاً، والجمع الواحد في الوقتين، وقل يعمان ما ذكر حكما لصدقهما بكل من قسمي الصلاة والجمع، وقد تستعمل كان مع المضارع للتكرار كما في قوله تعالى في قصة إسماعيل {وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة} وعليه جرى العرف وتحقيقه مذكور في الحاشية. (و) الحكم (المعلق لعلة) فلا يعم كل محل وجدت فيه العلة. (لفظا لكن) يعمه (معنى) كما مرّ. وقيل يعمه لفظا كأن يقول الشارع حرّمت الخمر لإسكارها فلا يعم كل مسكر لفظا، وقيل يعمه لذكر العلة فكأنه قال حرمت المسكر. (و) الأصح أن (ترك الاستفصال) في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال. (ينزل منزلة العموم) في المقال كما في خبر الشافعي وغيره أنه صلى الله عليه وسلّم قال لغيلان بن سلمة الثقفي، وقد أسلم على عشر نسوة «أمسك أربعا وفارق سائرهن» فإنه صلى الله عليه وسلّم لم يستفصله هل تزوجهنّ معا أو مرتبا، فلولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق لامتناع الإطلاق في محل التفصيل، وقيل لا ينزل منزلة العموم بل يكون الكلام مجملاً والعبارة المذكورة للشافعي وله عبارة أخرى وهي قوله وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال، وظاهرهما التعارض وقد بينته مع الجواب عنه في الحاشية. (و) الأصح (أن نحو

التخصيص

يا أيها النبي) اتق الله. يا أيها المزمل (لا يشمل الأمة) من حيث الحكم لاختصاص الصيغة به، وقيل يشملهم لأن الأمر للمتبوع أمر لتابعه عرفا كما في أمر السلطان الأمير بفتح بلد. قلنا هذا فيما يتوقف المأمور به على المشاركة وما نحن فيه ليس كذلك، ومحل الخلاف ما يمكن فيه إرادة الأمة معه ولم تقم قرينة على إرادتهم معه، بخلاف ما لا يمكن فيه ذلك نحو {يا أيها الرسول بلغ} الآية. أو قامت قرينة على إرادتهم معه نحو {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} الآية. ( و) الأصح (أن نحو يا أيها الناس يشمل الرسول) عليه الصلاة والسلام. (وإن اقترن بقل) لمساواتهم له في الحكم، وقيل لا يشمله مطلقا لأنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره، وقيل إن اقترن بقل لم يشمله لظهوره في التبليغ وإلا شمله. (و) الأصح (أنه) أي نحو يا أيها الناس. (يعم العبد) . وقيل لا لصرف منافعه لسيده شرعا قلنا في غير أوقات ضيق العبادة. (و) الأصح أنه (يشمل الموجودين) وقت وروده (فقط) أي لا من بعدهم وقيل يشملهم أيضا لمساواتهم للموجودين في حكمه إجماعا قلنا بدليل آخر وهو مستند الإجماع لا منه. (و) الأصح (أن من) شرطية كانت أو استفهامية أو موصولة أو موصوفة أو تامة فهو أعم من قوله إن من الشرطية. (تشمل النساء) لقوله تعالى {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى} وقيس بالشرطية البقية، لكن عموم الأخيرتين في الاثبات عموم بدلي لا شمولي، وقيل تختص بالذكور فلو نظرت امرأة في بيت أجنبي جاز رميها على الأول لخبر مسلم «من تطلع على بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينيه» . ولا يجوز على الثاني قيل ولا على الأول أيضا لأن المرأة لا يستتر منها. (و) الأصح (أن جمع المذكر السالم لا يشملهنّ) أي النساء (ظاهرا) وإنما يشملهنّ بقرينة تغليبا للذكور، وقيل يشملهنّ ظاهرا لأنه لما كثر في الشرع مشاركتهنّ للذكور في الأحكام أشعر بأن الشارع لا يقصد بخطاب الذكور قصر الأحكام عليهم وخرج بما ذكر اسم الجمع كقوم، وجمع المذكر المكسر الدالّ بمادته كرجال وما يدل على جمعيته بغير ما ذكر كالناس فلا يشمل الأولان النساء قطعا ويشملهنّ الثالث قطعا، وأما الدال لا بمادته كالزيود فملحق بجمع المذكر السالم. (و) الأصح (أن خطاب الواحد) مثلاً بحكم (لا يتعداه) إلى غيره، وقيل يعم غيره لجريان عادة الناس بخطاب الواحد وإرادة الجميع فيما يشاركون فيه. قلنا مجاز يحتاج إلى قرينة. (و) الأصح (أن الخطاب بيا أهل الكتاب) وهم اليهود والنصارى نحو قوله تعالى {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} (لا يشمل الأمة) أي أمة محمد صلى الله عليه وسلّم الخاصة، وقيل يشملهم فيما يتشاركون فيه، وتقدم في مبحث الأمر الكلام على أن الآمر بالمدّ هل يدخل في لفظه أو لا. (و) الأصح أن (نحو خذ من أموالهم) من كل اسم جنس مأمور بنحو الأخذ منه مجموع مجرور بمن. (يقتضي الأخذ) مثلاً (من كل نوع) من أنواع المجرور ما لم يخص بدليل، وقيل لا بل يمتثل بالأخذ من نوع واحد. وتوقف الآمدي عن ترجيح واحد من القولين، والأول نظرا إلى أن المعنى من جميع الأنواع، والثاني إلى أنه من مجموعهما. التخصيص وهو مصدر خصص بمعنى خص (قصر العام) أي قصر حكمه. (على بعض أفراده) أي يخص بدليل فيخرج العام المراد به الخصوص. (وقابله) أي التخصيص (حكم ثبت لمتعدّد) لفظا نحو {فاقتلوا المشركين} وخص منه الذمي ونحوه، وعلى القول بأن العموم يجري في المعنى كاللفظ مثلوا له بمفهوم {فلا تقل لهما أف} من سائر أنواع الإيذاء وخص منه حبس الوالد بدين الولد فإنه جائز على ما صححه الغزالي وغيره، والأصح أنه لا يجوز كما صححه البغوي وغيره. (والأصح جوازه) أي التخصيص (إلى واحد إن لم يكن العام جمعا) كمن والمفرد المعرف. (و) إلى (أقل الجمع) ثلاثة أو اثنين (إن كان) جمعا كالمسلمين والمسلمات، وقيل يجوز إلى واحد مطلقا، وقيل لا يجوز إلى واحد مطلقا وهو شاذ، وقيل لا يجوز إلا أن يبقى غير محصور. (والعام المخصوص عمومه مراد تناولاً لا حكما) لأن بعض الأفراد لا يشمله الحكم نظرا للمخصص. (و) العام (المراد به الخصوص ليس) عمومه (مرادا) تناولاً ولا حكما، (بل) هو (كلي) من حيث إن له أفرادا بحسب أصله. (استعمل في جزئي) أي فرد منها، (فهو مجاز قطعا) . نظرا للجزئية كقوله تعالى {الذين قال لهم الناس} ، أي نعيم ابن مسعود الأشجعي لقيامه مقام كثير في تثبيطه المؤمنين عن ملاقاة

أبي سفيان وأصحابه أم يحسدون الناس، أي رسول الله صلى الله عليه وسلّم لجمعه ما في الناس من الخصال الجميلة، ولا يخفى أن عموم العام غير مدلوله فلا ينافي التعبير في عمومه هنا بالكلي التعبير في مدلوله فيما مرّ بالكلية، مع أن الكلام هنا في عموم العام المراد به الخصوص، وثم في العام مطلقا. (والأصح أن الأول) أي العام المخصوص (حقيقة) في الباقي بعد التخصيص، لأن تناوله له مع التخصيص كتناوله به بدونه، وذلك التناول حقيقي فكذا هذا، وقيل حقيقة إن كان الباقي غير منحصر لبقاء خاصة العموم وإلا فمجاز، وقيل حقيقة إن خص بما لا يستقل كصفة أو شرط أو استثناء لأن ما لا يستقل جزء من المقيد به فالعموم بالنظر إليه فقط، بخلاف ما إذا خصّ بمستقل كعقل أو سمع، وقيل حقيقة ومجاز باعتبارين باعتبار تناول البعض حقيقة وباعتبار الاقتصار عليه مجاز، وقيل مجاز مطلقا لاستعماله في بعض ما وضع له أوّلاً، وقيل مجاز إن استثنى منه لأنه يتبين بالاستثناء أنه أريد بالمستثنى منه ما عدا المستثنى، بخلاف غير الاستثناء من صفة وغيرها، فإنه يفهم ابتداء أن العموم بالنظر إليه فقط، وقيل مجاز إن خص بغير لفظ كالعقل بخلاف اللفظ أما الثاني فمجاز قطعا كما مرّ. (فهو) أي الأول وهو العام المخصوص على القول بأنه حقيقة (حجة) جزما أخذا من منع الموانع لاستدلال الصحابة به من غير نكير، وعلى القول بأنه مجاز الأصح أنه حجة مطلقا لذلك، وقيل غير حجة مطلقا لأنه لاحتمال أن يكون قد خصّ بغير ما ظهر يشك فيما يراد منه، فلا يتبين إلا بقرينة، وقيل حجة إن خص بمعين كأن يقال اقتلوا المشركين إلا الذمي بخلاف المبهم نحو إلا بعضهم، إذ ما من فرد إلا، ويجوز أن يكون هو المخرج قلنا يعمل به إلى أن يبقى فرد، وقيل حجة إن خص بمتصل كالصفة لما مرّ من أن العموم بالنظر إليه فقط بخلاف المنفصل، فيجوز أن يكون قد خص منه غير ما ظهر فيشك في الباقي، وقيل حجة في الباقي إن أنبأ عن الباقي العموم نحو {فاقتلوا المشركين} فإنه ينبىء عن الحربي لتبادر الذهن إليه كالذمي المخرج بخلاف ما لا ينبىء عنه العموم نحو {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فإنه لا ينبىء عن السارق بقدر ربع دينار فأكثر من حرز كما لا ينبىء عن السارق لغير ذلك المخرج، فالباقي منه يشك فيه باحتمال اعتبار قيد آخر، وقيل حجة في أقل الجمع لأنه المتيقن بناء على القول بأنه لا يجوز مطلقا وبذلك علم أن ما ذكره الأصل من هذا الخلاف إنما هو مفرّع على ضعيف، أما الثاني فلا يحتج به، كذا قاله الشيخ أبو حامد. (ويعمل بالعام ولو بعد وفاة النبي) صلى الله عليه وسلّم. (قبل البحث عن المخصص) ، لأن الأصل عدمه ولأن احتماله مرجوح وظاهر العموم راجح والعمل بالراجح واجب، وقيل لا يعمل به بعد وفاته قبل البحث لاحتمال التخصيص، وعليه يكفي في البحث عن ذلك الظن بأن لا مخصص على الأصح. (وهو) أي المخصص للعام. (قسمان) أحدهما (متصل) أي ما لا يستقل بنفسه من اللفظ بأن يقارن العام. (وهو خمسة) أحدها (الاستثناء) بمعنى صيغته (وهو) أي الاستثناء نفسه (إخراج) من متعدّد (بنحو إلا) من أدوات الإخراج وضعا كخلاً وعدا وسوى واقعا ذلك الإخراج مع المخرج منه. (من متكلم واحد في الأصح) ، وقيل لا يشترط وقوعه من واحد فقول القائل إلا زيدا عقب قول غيره جاء الرجال استثناء على الثاني لغو على الأول، ولهذا لو قال لي عليك مائة فقال له إلا درهما لا يكون مقرا بشيء في الأصح، نعم لو قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلا الذميّ عقب نزول قوله تعالى {فاقتلوا المشركين} كان استثناء قطعا لأنه مبلغ عن الله وإن لم يكن ذلك قرآنا. (ويجب) أي يشترط (اتصاله) أي الاستثناء بمعنى صيغته بالمستثنى منه. (عادة في الأصح) فلا يضر انفصاله بنحو تنفس أو سعال فإن انفصل بغير ذلك كان لغوا، وقيل يجوز انفصاله إلى شهر، وقيل إلى سنة، وقيل أبدا، وقيل غير ذلك ولا بد من نية الاستثناء قبل الفراغ من المستثنى منه.

(أما) الاستثناء بمعنى صيغته (في المنقطع) وهو ما لا يكون المستثنى فيه بعض المستثنى منه عكس المتصل السابق المنصرف إليه الاسم عند الإطلاق نحو ما في الدار إنسان إلا الحمار. (فمجاز) فيه (في الأصح) . لتبادره في المتصل إلى الذهن، وقيل حقيقة فيه كالمتصل فيكون مشتركا لفظيا بينهما ويحدّ بالمخالفة بنحو إلا بغير إخراج، وقيل متواطىء أي موضوع للقدر المشترك بينهما أي المخالفة بنحو إلا حذرا من الاشتراك والمجاز، وقيل بالوقف أي لا ندري أهو حقيقة فيهما أم في أحدهما، أم في القدر المشترك بينهما، ولا يعدّ المنقطع من المخصصات والترجيح من زيادتي، ولما كان في الكلام الاستثنائي شبه التناقض حيث يدخل المستثنى في المستثنى منه، ثم ينفى وكان ذلك أظهر في العدد لنصوصيته في آحاده دفعوا ذلك فيه بما ذكرته بقولي (والأصح أن المراد بعشرة في) قولك لزيد (عليّ عشرة إلا ثلاثة العشرة باعتبار الآحاد) جميعها. (ثم أخرجت ثلاثة) بقولك إلا ثلاثة (ثم أسند إلى الباقي) وهو سبعة (تقديرا وإن كان) الإسناد (قبله) أي قبل إخراج الثلاثة. (ذكرا) أي لفظا فكأنه قال له عليّ الباقي من عشرة أخرج منها ثلاثة، وليس في هذا إلا إثبات ولا نفي أصلاً فلا تناقض، وقيل المراد بعشرة في ذلك سبعة، وقوله إلا ثلاثة قرينة لذلك بينت إرادة الجزء باسم الكل مجازا، وقيل معنى عشرة إلا ثلاثة بإزاء اسمين مفرد هو سبعة ومركب هو عشرة إلا ثلاثة ولا نفي أيضا على القولين فلا تناقض، ووجه تصحيح الأوّل أن فيه توفية بما مرّ من أن الاستثناء إخراج بخلاف الثاني والثالث. ولا يصح) استثناء (مستغرق) بأن يستغرق المستثنى المستثنى منه فلو قال له عليّ عشرة إلا عشرة لزمه عشرة. (والأصح صحة استثناء الأكثر) من الباقي نحو له عليّ عشرة إلا تسعة (و) استثناء (المساوي) نحو له عشرة إلا خمسة (و) استثناء (العقد الصحيح) نحو له مائة إلا عشرة، وقيل لا يصح في الأكثر، وقيل لا يصح فيه إن كان العدد في المستثنى والمستثنى منه صريحا نحو ما مر، بخلاف غيره نحو خذ الدراهم إلا الزيوف وهي أكثر، وقيل لا يصح في المساوي أيضا، وقيل لا يصح في العقد الصحيح. (و) الأصح (أن الاستثناء من النفي إثبات وبالعكس) . وقيل لا بل المستثنى من حيث الحكم مسكوت عنه وهو منقول عن الحنفية فنحو ما قام أحد إلا زيد وقام القوم إلا زيدا يدل الأول على إثبات القيام لزيد، والثاني على نفيه عنه من حيث القيام وعدمه، وينبني على الخلاف أن المستثنى من حيث الحكم مخرج من المحكوم به فيدخل في نقيضه من قيام أو عدمه مثلاً أو مخرج من الحكم فيدخل في نقيضه أي لا حكم إذ القاعدة أن ما خرج من شيء دخل في نقيضه وجعلوا الاثبات في كلمة التوحيد بعرف الشرع، وفي الاستثناء المفرغ نحو ما جاء القوم إلا زيد بالعرف العام. (و) الاستثناءات (المتعددة إن تعاطفت فـ) ـهي عائدة (للمستثنى منه) لتعذر عود كل منها إلى ما يليه بوجود العاطف نحو له عليّ عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة وإلا اثنين، فيلزمه واحد فقط ونحو له علي عشرة إلا عشرة وإلا ثلاثة وإلا اثنين فيلزمه العشرة للاستغراق. (وإلا) أي وإن لم يتعاطف (فكل) من آخرها وباقي كل من باقيها عائد (لما يليه ما لم يستغرقه) . نحو له عشرة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة فيلزمه ستة، فإن استغرق كل ما يليه بطل الكل أو استغرق غير الأول نحو له علي عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة عاد الكل للمستثنى منه فيلزمه واحد فقط أو الأول فقط نحو له عشرة إلا عشرة إلا أربعة فقيل يلزمه عشرة لبطلان الأول لاستغراقه، والثاني تبعا، وقيل أربعة اعتبار الاستثناء الثاني من الأول، وهو الموافق للأصح في الطلاق. وقال ابن الصباغ وغيره إنه الأقيس وقيل ستة اعتبارا للثاني دون الأول. (والأصح أنه) أي الاستثناء (يعود للمتعاطفات) أي لكل منها حيث يصلح له لأنه الظاهر بقيد زدته بقولي (بـ) ـحرف (مشرك) كالواو والفاء جملاً

كانت المتعاطفات أو مفردات كأكرم العلماء وحبس ديارك وأعتق عبيدك وكتصدق على الفقراء والمساكين والعلماء سواء أسيقت لغرض واحد أم لا، وسواء تقدم الاستثناء عليها أم تأخر أم توسط، فتعبيري بذلك أولى من اقتصاره على ما إذا تأخر، وقيل للأخير فقط لأنه المتيقن، وقيل إن سيق الكل لغرض واحد عاد للكل كحبست داري على أعمامي، ووقفت بستاني على أخوالي، وسبلت سقايتي لجيراني إلا أن يسافروا وإلا عاد للأخير فقط، كأكرم العلماء وحبس ديارك على أقاربك، وأعتق عبيدك إلا الفسقة منهم، وقيل إن عطف بالواو عاد للكل، وإلا فللأخير. وقيل مشترك بين عوده للكل وعوده للأخير، وقيل بالوقف لا ندري ما الحقيقة منهما، ويتبين المراد على الأخيرين بالقرينة وحيث وجدت فلا خلاف كما في قوله تعالى {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى قوله {إلا من تاب} فإنه عائد للكل بلا خلاف، وقوله تعالى {ومن قتل مؤمنا خطأ} إلى قوله {إلا أن يصدقوا} فإنه عائد إلى الأخير أي الدية دون الكفارة بلا خلاف أما قوله {والذين يرمون المحصنات} إلى قوله {إلا الذين تابوا} فإنه عائد للأخير لا للأول أي الجلد قطعا لأنه حق آدمي فلا يسقط بالتوبة، وفي عوده للثاني أي عدم قبول الشهادة الخلاف، فعلى الأصح تقبل، وعلى الثاني لا تقبل وخرج بالمشترك غيره كبل ولكن وأو فلا يعود ذلك إلا للأخير. (و) الأصح (أن القران بين جملتين لفظا) بأن تعطف إحداهما على الأخرى (لا يقتضي التسوية) بينهما. (في حكم لم يذكر) وهو معلوم لإحداهما من خارج فيعطف واجب على مندوب أو مباح وعكسه. وقيل يقتضيها فيه مثاله خبر أبي داود «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة» فالبول فيه ينجسه بشرطه كما هو معلوم وذلك حكمة النهي. قال بعض القائل بالثاني، فكذا الاغتسال فيه للقران بينهما، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى {فكاتبوهم} الآية. (و) ثاني المخصصات المتصلة (الشرط) . والمراد اللغوي كما مر. (وهو) ما زدته بقولي (تعليق أمر بأمر كل منهما في المستقبل أو ما يدل عليه) من صيغة نحو أكرم بني تميم إن جاءوا أي الجائين منهم. (وهو) أي الشرط المخصص (كالاستثناء) اتصالاً وعودا لكل المتعاطفات وصحة لإخراج الأكثر به نحو أكرم بني تميم إن كانوا علماء، ويكون جهالهم أكثر، فيجب مع نية الشرط اتصاله وعوده للكل، ولو تقدم أو توسط. ويصح إخراج الأكثر به في الأصح، وقيل وفاقا. وعليه جرى الأصل في الثالث لكن أجيب عنه بأنه أراد به وفاق من خالف في الاستثناء فقط. (و) ثالثها (الصفة) المعتبر مفهومها كأكرم بني تميم الفقهاء خرج بالفقهاء غيرهم. (و) رابعها (الغاية) كأكرم بني تميم إلى أن يعصوا خرج حال عصيانهم فلا يكرمون فيه. (وهما) أي الصفة والغاية (كالاستثناء) اتصالاً وعودا، وصحة إخراج الأكثر بهما فيجب مع نيتهما اتصالهما وعودهما للكل، ولو تقدمتا أو توسطتا، ويصح إخراج الأكثر بهما في الأصح خلافا لما اختاره، وتبعه عليه البرماوي من اختصاص الصفة المتوسطة بما وليته، وذلك كوقفت على أولادي وأولادهم المحتاجين، ووقفت على محتاجي أولادي وأولادهم، ووقفت على أولادي المحتاجين وأولادهم، فيعود الوصف للكل على الأصل في اشتراك المتعاطفات، ولأن المتوسطة بالنسبة لما وليته متأخرة ولما وليها متقدمة، بل قيل إن عودها إليهما أولى مما إذا تقدمتهما، وقد أوضحت ذلك في الحاشية واقتصاري على كالاستثناء أولى من قوله كالاستثناء في العود. (والمراد) بالغاية (غاية صحبها عموم يشملها) ظاهرا لو لم تأت بقيد زدته بقولي (ولم يرد بها تحقيقه مثل) ما مرّ، ومثل قوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون} إلى قوله {حتى يعطوا الجزية} فإنها لو لم تأت لقاتلناهم أعطوا الجزية أم لا. (وأما مثل) قوله تعالى {سلام هي حتى مطلع الفجر} من غاية لم يشملها عموم صحبها، إذ طلوع الفجر ليس من الليلة حتى تشمله.

(و) مثل قولهم (قطعت أصابعه من الخنصر) بكسر أوله مع كسر ثالثه أو فتحه (إلى الإبهام) من غاية شملها عموم لو لم تذكر وأريد بها تحقيقه. (فلتحقيق) أي فالغاية فيه لتحقيق (العموم) . فيما قبلها لا لتخصيصه فتحقيق العموم في الأول أن الليلة سلام في جميع أجزائها، وفي الثاني أن الأصابع قطعت كلها، والغاية في الثاني من المغيا بخلافها في الأول، وقولي إلى الإبهام أوضح من قوله إلى البنصر. (و) خامسها (بدل بعض) من كل كما ذكره ابن الحاجب كـ {ـلَّله على الناس حج البيت من استطاع} (أو) بدل (اشتمال) كما نقله مع ما قبله البرماوي عن أبي حيان عن الشافعي كأعجبني زيد علمه وهو من زيادتي إلا أن يقال إنه يرجع إلى ما قبله تجوّزا. (ولم يذكره) أي البدل بشقيه (الأكثر) ، بل أنكره جماعة منهم الشمس الأصفهاني، وصوّب عدم ذكره السبكي كما نقله عنه ابنه في الأصل لأن المبدل منه في نية الطرح، فلا محل يخرج منه فلا تخصيص به. وأجاب عنه البرماوي بأن كونه في نية الطرح قول والأكثر على خلافه، قال السيرافي والنحويون لم يريدوا إلغاءه وإنما أرادوا أن البدل قائم بنفسه وليس مبينا للأول كتبيين النعت للمنعوت. (و) القسم الثاني من المخصص (منفصل) أي ما يستقل بنفسه من لفظ أو غيره (فيجوز في الأصح التخصيص بالعقل) سواء أكان بواسطة الحس من مشاهدة وغيرها من الحواس الظاهرة أم بدونها فالأول كقوله تعالى في الريح المرسلة على عاد تدمر كل شيء أي تهلكه، فإن العقل يدرك بواسطة الحس أي المشاهدة ما لا تدمير فيه كالسماء، والثاني كقوله تعالى {خالق كل شيء} فإن العقل يدرك بالضرورة أنه تعالى ليس خالقا لنفسه ولا لصفاته الذاتية، وكقوله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} فإن العقل يدرك بالنظر أن الطفل والمجنون لا يدخلان لعدم الخطاب، وقيل لا يجوز ذلك لأن ما نفي العقل حكم العام عنه لم يشمله العام إذ لا تصح إرادته، وذكر الأصل أن الخلف لفظي، وفيه بحث ذكرته في الحاشية، ولهذا تركته هنا، وبما تقرر علم أن التخصيص بالعقل شامل للحس كما سلكه ابن الحاجب، لأن الحاكم فيه إنما هو العقل فلا حاجة إلى إفراده بالذكر خلافا لما سلكه الأصل. (و) يجوز في الأصح (تخصيص الكتاب به) أي بالكتاب وهو من تخصيص قطعي المتن بقطعيه كتخصيص قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء} الشامل للحوامل ولغير المدخول بهنّ بقوله {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} وبقوله {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ فما لكم عليهنّ من عدة تعتدونها} وقيل لا يجوز ذلك لقوله تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} فوّض البيان إلى رسوله والتخصيص بيان فلا يحصل إلا بقوله قلنا وقع ذلك كما رأيت. فإن قلت يحتمل التخصيص بغير ذلك من السنة. قلنا الأصل عدمه وبيان الرسول يصدق ببيان ما نزل عليه من الكتاب، وقد قال تعالى {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} . (و) يجوز في الأصح تخصيص (السنة) المتواترة وغيرها (بها) أي بالسنة كذلك كتخصيص خبر الصحيحين فيما سقت السماء العشر، بخبرهما ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة. وقيل لا يجوز لآية {وأنزلنا إليك الذكر} قصر بيانه على الكتاب. قلنا وقع ذلك كما رأيت مع أنه لا مانع منه لأنهما من عند الله قال تعالى {وما ينطق عن الهوى} (و) يجوز في الأصح تخصيص (كل) من الكتاب والسنة (بالآخر) فالأول كتخصيص آية المواريث الشاملة للولد الكافر بخبر الصحيحين «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» . فهذا تخصيص بخبر الواحد فبالمتواترة أولى، وقيل لا يجوز بالمتواترة الفعلية بناء على قول يأتي وأن فعل الرسول لا يخصص، وقيل لا يجوز بخبر الواحد مطلقا، وإلا لترك القطعي بالظني. قلنا محل التخصيص دلالة العام وهي ظنية والعمل بالظنيين أولى من إلغاء أحدهما. وقيل يجوز إن خص بمنفصل لضعف دلالته

حينئذ، وقيل غير ذلك. والثاني كتخصيص خبر مسلم البكر بالبكر جلد مائة الشامل للأمة بقوله تعالى {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} وقيل لا يجوز ذلك لقوله تعالى {لتبين للناس ما نزل إليهم} جعله مبينا للكتاب فلا يكون الكتاب مبينا للسنة. قلنا وقع ذلك كما رأيت مع أنه لا مانع منه لما مر ومن السنة فعل النبي وتقريره، فيجوز في الأصح التخصيص بهما، وإن لم يتأت تخصيصهمالانتفاء عمومهما كما علم مما مر. وذلك كأن يقول الوصال حرام على كل مسلم، ثم يفعله أو يقر من فعله، وقيل لا يخصصان بل ينسخان حكم العام، لأن الأصل تساوي الناس في الحكم. قلنا التخصيص أولى من النسخ لما فيه من إعمال الدليلين وسواء أكان مع التقرير عادة بترك بعض المأمور به أو بفعل بعض المنهى عنه أم لا. والأصل كغيره جعلها المخصصة إن أقرّ بها النبي أو الإجماع مع أن المخصص في الحقيقة إنما هو التقرير أو دليل الإجماع. (و) يجوز في الأصح تخصيص كل من الكتاب والسنة. (بالقياس) المستند إلى نص خاص ولو خبر واحد كتخصيص آية الزانية والزاني الشاملة للأمة بقوله تعالى {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} وقيس بالأمة العبد، وقيل لا يجوز ذلك مطلقآ حذرا من تقديم القياس على النص الذي هو أصله في الجملة، وقيل لا يجوز إن كان القياس خفيا لضعفه وقيل غير ذلك. قلنا إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما. والخلاف في القياس الظني، أما القطعي فيجوز التخصيص به قطعا. (وبدليل الخطاب) أي مفهوم المخالفة كتخصيص خبر ابن ماجة الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه. بمفهوم خبره «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» . وقيل لا يخصص لأن دلالة العام على ما دل عليه المفهوم بالمنطوق وهو مقدم على المفهوم. وأجيب بأن المقدم عليه منطوق خاص لا ما هو من أفراد العام فالمفهوم مقدم عليه لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما. (ويجوز) التخصيص (بالفحوى) أي مفهوم الموافقة، وإن قلنا الدلالة عليه قياسية كتخصيص خبر أبي داود وغيره «ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته» . أي حبسه بمفهوم {فلا تقل لهما أف} فيحرم حبسهما للوالد وهو ما نقل عن المعظم وصححه النووي. (والأصح أن عطف العام على الخاص) وعكسه المشهور لا يخصص العام. وقال الحنفي يخصصه أي يقصره على الخاص لوجوب اشتراك المتعاطفين في الحكم وصفته. قلنا في الصفة ممنوع كما مر مثال العكس خبر أبي داود وغيره «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» . يعني بكافر حربي للاجماع على قتله بغير حربي، فقال الحنفي يقدر الحربي في المعطوف عليه لوجوب الاشتراك المذكور فلا ينافي ما قال به من قتل المسلم بالذمي، ومثال الأول أن يقال لا يقتل الذمي بكافر ولا المسلم بكافر، فالمراد بالكافر الأول الحربي فيقول الحنفي والمراد بالكافر الثاني الحربي أيضا لوجود الاشتراك المذكور، وقد مر التمثيل بالخبر لمسألة أن المعطوف على العام لا يعم، وما قيل من أنه لا حاجة لذكر هذه المسألة لعلمها من مسألة القران يردّ بمنعه لأن ما هنا في تخصيص الحكم المذكور في عام، وما هناك في التسوية بين جملتين فيما لم يذكر من الحكم المعلوم لإحداهما من خارج. . (و) الأصح أن (رجوع ضمير إلى بعض) من العام لا يخصصه حذرا من مخالفة الضمير لمرجعه قلنا لا محذور فيها لقرينة مثاله قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} مع قوله بعده {وبعولتهن أحق بردهن} فضمير وبعولتهن للرجعيات ويشمل قوله والمطلقات معهن البوائن، وقيل لا يشملهن ويؤخذ حكمهن من دليل آخر، وقد يعبر في هذه المسألة بأعم مما ذكر بأن يقال وأن يعقب العام بما يختص ببعضه ولا يخصصه، سواء أكان ضميرا كما مر أم الشامل غيره كالمحلى بأل واسم الإشارة كأن يقال بدل وبعولتهن الخ. وبعولة المطلقات أو هؤلاء أحق بردهن. (و) الأصح أن (مذهب الراوي) للعام بخلافه لا يخصصه ولو كان صحابيا، وقيل يخصصه مطلقا، وقيل يخصصه إن كان صحابيا لأن المخالفة إنما تصدر

مسألة جواب السؤال غير المستقل دونه تابع له في عمومه

عن دليل. قلنا في ظن المخالف لا في نفس الأمر وليس لغيره اتباعه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا وذلك كخبر البخاري من رواية ابن عباس «من بدل دينه فاقتلوه» مع قوله إن صح عنه أن المرتدة لا تقتل، أما مذهب غير الراوي للعام بخلافه فلا يخصصه أيضا كما فهم بالأولى، وقيل يخصصه إن كان صحابيا. (و) الأصح أن (ذكر بعض أفراد العام) بحكم العام (لا يخصص) العام. وقيل يخصصه بمفهومه، إذ لا فائدة لذكره إلا ذلك. قلنا مفهوم اللقب ليس بحجة، وفائدة ذكر البعض نفي احتمال تخصيصه من العام مثاله خبر الترمذي «أيما إهاب دبغ فقد طهر» مع خبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلّم مر بشاة ميتة فقال «هلا أخذتم إهابها فدبتغموه فانتفعتم به» فقالوا إنها ميتة. فقال «إنما حرم أكلها» . (و) الأصح (أن العام لا يقصر على المعتاد) السابق ورود العام. (ولا على ما وراءه) أي المعتاد بل يجري العام على عمومه فيهما، وقيل يقصر على ذلك فالأول كأن كانت عادتهم تناول البر، ثم نهي عن لبيع الطعام بجنسه متفاضلاً فقيل يقصر الطعام على البر المعتاد، والثاني كأن كانت عادتهم بيع البر بالبر متفاضلاً، ثم نهى عن بيع الطعام بجنسه متفاضلاً فقيل يقصر الطعام على غير البر المعتاد والأصح لا فيهما. (و) الأصح (أن نحو) قول الصحابي إنه صلى الله عليه وسلّم (نهى عن بيع الغرر) كما رواه مسلم من رواية أبي هريرة. (لا يعم) كل غرر وقيل يعمه لأن قائله عدل عارف باللغة والمعنى، فلولا ظهور عموم الحكم مما قاله النبي صلى الله عليه وسلّم لم يأت هو في الحكاية له بلفظ عام كالغرر. قلنا ظهور عموم الحكم بحسب ظنه ولا يلزمنا اتباعه في ذلك، إذ يحتمل أن يكون النهي عن بيع الغرر بصفة يختص بها فتوهمه الراوي عاما وعدلت إلى نهي عن بيع الغرر عن قوله قضى بالشفعة للجار لقوله كغيره من المحدّثين هو لفظ لا يعرف. (مسألة جواب السؤال غير المستقل دونه) أي دون السؤال كنعم وبلى وغيرهما مما لو ابتدىء به لم يفد (تابع له) أي للسؤال (في عمومه) وخصوصه، لأن السؤال معاد في الجواب، فالأول كخبر الترمذي وغيره أنهصلى الله عليه وسلّم سئل عن بيع الرطب بالتمر؟ فقال «أينقص الرطب إذا يبس» قالوا نعم. قال «فلا إذا» . فيعم كل بيع للرطب بالتمر صدر من السائل أو من غيره، والثاني كقوله تعالى {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم} (والمستقل) دون السؤال ثلاثة أقسام أخص من السؤال ومساوٍ له وأعم. فـ (ـالأخص) منه (جائز إن أمكنت معرفة) الحكم (المسكوت عنه) منه كأن يقول النبي صلى الله عليه وسلّم «من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة» . كالمظاهر في جواب من أفطر في نهار رمضان ماذا عليه فيفهم من قوله جامع أن الإفطار بغير جماع لا كفارة فيه، فإن لم يمكن معرفة المسكوت عنه من الجواب لم يجز لتأخير البيان عن وقت الحاجة. (والمساوي) له في العموم والخصوص (واضح) كأن يقال لمن قال ما على من جامع في نهار رمضان؟ من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة كالظهار، وكأن يقال لمن قال جامعت في نهار رمضان ماذا عليّ؟ عليك إن جامعت في نهار رمضان كفارة كالظهار. والأعم منه مذكور في قولي (والأصح أن العام) الوارد (على سبب خاص) في سؤال أو غيره (معتبر عمومه) نظرا لظاهر اللفظ، وقيل مقصور على السبب لوروده فيه سواء أوجدت قرينة التعميم أم لا. فالأول كقوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ، إذ سبب نزوله على ما قيل أن رجلاً سرق رداء صفوان بن أمية، فذكر السارقة قرينة على أنه لم يرد بالسارق ذلك الرجل فقط، والثاني كخبر الترمذي وغيره عن أبي سعيد الخدريّ قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» . أي مما ذكر وغيره، وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره وقد تقوم قرينة على الاختصاص بالسبب كالنهي عن قتل النساء، فإن سببه أنه عليه الصلاة والسلام رأى امرأة حربية في بعض مغازيه مقتولة، وذلك يدل على اختصاصه

مسألة الأصح إن لم يتأخر الخاص عن العمل خصص العام

بالحربيات فلا يتناول المرتدة. (و) الأصح (أن صورة السبب) التي ورد عليها العام. (قطعية الدخول) فيه لوروده فيها (فلا تخص) منه (بالاجتهاد) . وقيل ظنية كغيرها فيجوز إخراجها منه بالاجتهاد. قال السبكي (ويقرب منها) أي من صورة السبب حتى يكون قطعي الدخول أو ظنية. (خاص في القرآن تلاه في الرسم) أي رسم القرآن بمعنى وضعه مواضعه، وإن لم يتله في النزول. (عام لمناسبة) بين التالي والمتلوّ كما في آية {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت} فإنها إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر حرّضوا المشركين على الأخذ بثأرهم، ومحاربة النبيّ صلى الله عليه وسلّم فسألوهم من أهدى سبيلاً محمد وأصحابه أم نحن فقالوا أنتم مع علمهم بما في كتابهم من نعت النبيّ صلى الله عليه وسلّم المنطبق عليه، وأخذ المواثيق عليهم أن لا يكتموه فكان ذلك أمانة لازمة لهم ولم يؤدّوها حيث قالوا للمشركين ما ذكر حسدا للنبيّ صلى الله عليه وسلّم، وقد تضمنت الآية هذا القول والتوعد عليه المقيد للأمر بمقابله المشتمل على أداء الأمانة التي هي بيان صفة النبيّ صلى الله عليه وسلّم وذلك مناسب لقوله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدُّوا الأمانات إلى أهلها} ، فهذا عام في كل أمانة وذاك خاص بأمانة هي بيان صفة النبيّ صلى الله عليه وسلّم بما ذكر والعام تال للخاص في الرسم متراخ عنه في النزول لست سنين مدة ما بين بدر وفتح مكة، وإنما قال السبكي ويقرب منه كذا لأنه لم يرد العام بسببه بخلافها. (مسألة الأصح) أنه (إن لم يتأخر الخاص عن) وقت (العمل) بالعام المعارض له بأن تأخر الخاص عن ورود العام قبل دخول وقت العمل أو تأخر العام عن الخاص مطلقا أو تقارنا بأن عقب أحدهما الآخر أو جهل تاريخهما. (خصص) الخاص. (العام) . وقيل إن تقارنا تعارضا في قدر الخاص، فيحتاج العمل بالخاص إلى مرجح له قلنا الخاص أقوى من العام في الدلالة على ذلك البعض، لأنه يجوز أن لا يراد من العام بخلاف الخاص فلا حاجة إلى مرجح له. وقالت الحنفية وإمام الحرمين العام المتأخر عن الخاص ناسخ له كعكسه. قلنا الفرق أن العمل بالخاص المتأخر لا يلغي العام بخلاف العكس والخاص أقوى من العام في الدلالة فوجب تقديمه عليه. قالوا فإن جهل التاريخ بينهما فالوقف عن العمل بواحد منهما لاحتمال كل منهما عندهم، لأن يكون منسوخا باحتمال تقدمه على الآخر مثال العام (فاقتلوا المشركين) والخاص أن يقال لا تقتلوا الذمي. (وإلا) بأن تأخر الخاص عما ذكر (نسخه) أي نسخ الخاص العام بالنسبة لما تعارضا فيه، وإنما لم يجعل ذلك تخصيصا، لأن التخصيص بيان للمراد بالعام وتأخير البيان عن وقت العمل ممتنع. (و) الأصح أنه (إن كان كل) من المتعارضين (عاما من وجه) خاصا من وجه، (فالترجيح) بينهما من خارج واجب لتعادلهما تقارنا أو تأخر أحدهما أو جهل تاريخهما. وقالت الحنفية المتأخر ناسخ للمتقدم مثال ذلك خبر البخاري «من بدّل دينه فاقتلوه» . وخبر الصحيحين «أنه صلى الله عليه وسلّم نهى عن قتل النساء» . فالأوّل عام في الرجال والنساء خاص بأهل الردّة، والثاني خاص بالنساء عام في الحربيات والمرتدات، وقد ترجح الأوّل بقيام القرينة على اختصاص الثاني بسببه وهو الحربيات. المطلق والمقيد أي هذا مبحثهما، والمراد اللفظي المسمى بهما. (المختار أن المطلق) ويسمى اسم جنس كما مرّ. (ما) أي لفظ (دلّ على الماهية بلا قيد) من وحدة وغيرها فهو كلي، وقيل ما دل على شائع في جنسه وقائله توهم النكرة غير العامة، واحتج لذلك بأن الأمر بالماهية كالضرب من غير قيد أمر بجزئي من جزئياتها كالضرب بسوط أو عصا أو غير ذلك، لأن الأحكام الشرعية إنما تبنى غالبا على الجزئيات لا على الماهيات المعقولة لاستحالة وجودها في الخارج، ويردّ بأنها إنما يستحيل وجودها كذلك مجردة لا مطلقا

لأنها توجد بوجود جزئي لها لأنها جزؤه وجزء الموجود موجود، فالأمر بالماهية أمر بإيجادها في ضمن جزئي لها لا أمر بجزئي لها، وقيل الأمر بها أمر بكل جزئي منها لإشعار عدم التقييد بالتعميم، وقيل هو أذن في كل جزئي أن يفعل ويخرج عن العهدة بواحد وعلى المختار اللفظ في المطلق والنكرة واحد، والفرق بينهما بالاعتبار إن اعتبر في اللفظ دلالته على الماهية بلا قيد يسمى مطلقا واسم جنس أيضا كما مرّ أو مع قيد الشيوع يسمى نكرة، والقائل بالثاني ينكر اعتبار الأوّل في مسمى المطلق. (والمطلق والمقيد كالعام والخاص) فيما مرّ فما يخص به العام يقيد به المطلق وما لا فلا. لأن المطلق عام من حيث المعنى فيجوز تقييد الكتاب به وبالسنة والسنة بها وبالكتاب، وتقييدهما بالقياس والمفهومين، وفعل النبي وتقريره بخلاف مذهب الراوي، وذكر بعض جزئيات المطلق على الأصح في غير مفهوم الموافقة. . (و) يزيد المطلق والمقيد (أنهما في الأصح إن اتحد حكمهما وسببه) أي سبب حكمهما. (وكانا مثبتين) أمرين كانا كأن يقال في كفارة الظهار في محل أعتق رقبة، وفي آخر أعتق رقبة مؤمنة أو غيرهما نحو تجزىء رقبة مؤمنة تجزىء رقبة أو أحدهما أمر، والآخر خبر نحو تجزىء رقبة مؤمنة أعتق رقبة. (فإن تأخر المقيد) بأن علم تأخره (عن) وقت (العمل بالمطلق نسخه) أي المطلق بالنسبة إلى صدقه بغير المقيد. (وإلا) بأن تأخر المقيد عن وقت الخطاب بالمطلق دون العمل أو تأخر المطلق عن المقيد مطلقا أو تقارنا أو جهل تاريخهما. (قيده) أي المطلق جمعا بين لدليلين، وقيل المقيد ينسخ المطلق إذا تأخر عن وقت الخطاب به كما لو تأخر عن وقت العمل به بجامع التأخر وقيل يحمل المقيد على المطلق بأن يلغى القيد، لأن ذكر المقيد ذكر لجزئي من المطلق فلا يقيده كما أن ذكر فرد من العام لا يخصصه. قلنا الفرق بينهما أن مفهوم القيد حجة بخلاف مفهوم اللقب الذي ذكر فرد من العام منه كما مرّ. (وإن كان أحدهما مثبتا) أمرا أو خبرا (والآخر خلافه) نهيا أو نفيا نحو أعتق رقبة لا تعتق رقبة كافرة أعتق رقبة لا تجزىء رقبة كافرة أعتق رقبة مؤمنة لا تعتق رقبة تجزىء رقبة مؤمنة لا تجزىء رقبة. (قيد المطلق بضد الصفة) في المقيد ليجتمعا فيقيد في المثالين الأولين بالإيمان، وفي الأخيرين بالكفر. (وإلا) بأن كانا منفيين أو منهيين أو أحدهما منفيا والآخر منهيا نحو لا يجزىء عتق مكاتب لا يجزىء عتق مكاتب كافر لا تعتق مكاتبا لا تعتق مكاتبا كافرا. (قيد) المطلق (بها) أي بالصفة (في الأصح) من الخلاف في حجية مفهوم المخالفة، وقيل يعمل بالمطلق بناء على عدم حجية المفهوم (وهي) أي المسألة حينئذ (خاص وعام) لعموم المطلق في سياق النفي الشامل للنهي ويكون المقيد مخصصا لا مقيدا. وقولي إن كان إلى قولي في الأصح أعم مما عبر به. (وإن اختلف حكمهما) مع اتحاد سببهما كما في قوله تعالى في التيمم {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} وفي الوضوء {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} ، وسببهما الحدث مع القيام إلى الصلاة أو نحوها واختلاف الحكم من مسح المطلق وغسل المقيد بالمرفق ظاهر، إذ المسح خلاف الغسل. (أو) اختلف (سببهما) مع اتحاد حكمهما (ولم يكن ثم مقيد) في محلين (بمتنافيين) كما في قوله تعالى في كفارة الظهار {فتحرير رقبة} وفي كفارة القتل {فتحرير رقبة مؤمنة} (أو) كان ثم مقيد كذلك. و (كان) المطلق (أولى) بالتقييد (بأحدهما) من الآخر من حيث القياس كما في قوله تعالى في كفارة اليمين {فصيام ثلاثة أيام} وفي كفارة الظهار {فصيام شهرين متتابعين} وفي صوم التمتع {فصيام ثلاثة أيام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم} (قيد) المطلق بالقيد أي حمل عليه (قياسا في الأصح) فلا بد من جامع بينهما وهو في المثال الأول موجب الطهر، وفي الثاني حرمة

الظاهر والمؤول

سببهما من الظهار والقتل، وفي الثالث النهي عن اليمين والظهار، فحمل المطلق فيه على كفارة الظهار في التتابع أولى من حمله على صوم المتمتع في التفريق لاتحادهما في الجامع، والتمثيل به إنما هو على قول قديم، وقيل يحمل عليه في الأوليين لفظا أي بمجرد وجود اللفظ المقيد من غير حاجة إلى جامع، وقيل لا يحمل عليه في الثالثة بناء على أن الحمل لفظي. وقال الحنفي لا يحمل عليه لاختلاف الحكم أو السبب فيبقى المطلق على خلافه. أما إذا كان ثم مقيد في محلين بمتنافيين ولم يكن المطلق في ثالث أولى بالتقييد بأحدهما من حيث القياس كما في قوله تعالى في قضاء رمضان {فعدة من أيام أخر} وفي كفارة الظهار {فصيام شهرين متتابعين} وفي صوم التمتع ما مرّ. فيبقى المطلق على إطلاقه لامتناع تقييده بهما لتنافيهما وبواحد منهما لانتفاء مرجحه، فلا يجب في قضاء رمضان تتابع ولا تفريق والترجيح من زيادتي، ولو اختلف سببهما وحكمهما كتقييد الشاهد بالعدالة وإطلاق الرقبة في الكفارة لم يحمل المطلق على المقيد اتفاقا، وقيل على الراجح. الظاهر والمؤوّل أي هذا مبحثهما. (الظاهر) لغة الواضح واصطلاحا. (ما دل) على المعنى (دلالة ظنية) أي راجحة بوضع اللغة أو الشرع أو العرف، يحتمل غير ذلك المعنى مرجوحا كما مر أوائل الكتاب الأول كالأسد راجح في الحيوان المفترس لغة مرجوح في الرجل الشجاع والصلاة راجحة في ذات الركوع والسجود شرعا مرجوحة في الدعاء الموضوعة له لغة، والغائط راجح في الخارج المستقذر عرفا مرجوح في المكان المطمئن الموضوع له لغة، وخرج المجمل لتساوي الدلالة فيه، والمؤول لأنه مرجوح، والنص كزيد لأن دلالته قطعية. (والتأويل حمل الظاهر على المحتمل المرجوح فإن حمل) عليه (دليل فصحيح) الحمل. (أو لما يظنّ دليلاً) وليس دليلاً في الواقع (ففاسد أو لا لشيء فلعب) لا تأويل. (والأول) أي التأويل قسمان (قريب) يترجح على الظاهر بأدنى دليل نحو {إذا قمتم إلى الصلاة} أي عزمتم على القيام إليها و {إذا قرأت القرآن} أي أردت قراءته. (وبعيد) لا يترجح على الظاهر إلا بأقوى منه. (كتأويل) الحنفية (أمسك) من قوله صلى الله عليه وسلّم لغيلان لما أسلم على عشر نسوة «أمسك أربعا وفارق سائرهن» . (بابتدىء) نكاح أربع منهن بقيد زدته بقولي (في المعية) أي فيما إذا نكحهن معا لبطلانه كالمسلم بخلاف نكاحهن مرتبا فيمسك الأربع الأوائل، ووجه بعده أن المخاطب بمحله وهو أمسك قريب عهد بالإسلام لم يسبق له بيان شروط النكاح مع حاجته إلى ذلك، ولم ينقل تجديد نكاح منه ولا من غيره ممن أسلم مع كثرتهم وتوفر دواعي حملة الشرع على نقله لو وقع. (و) كتأويلهم (ستين مسكينا} من قوله تعالى {فإطعام ستين مسكينا} (بستين مدا) بتقدير مضاف أي طعام ستين مسكينا وهو ستون مدا فيجوز إعطاؤه لمسكين واحد في ستين يوما كما يجوز إعطاؤه لستين مسكينا في يوم واحد، لأن القصد بإعطائه دفع الحاجة ودفع حاجة الواحد في ستين يوما كدفع حاجة الستين في يوم واحد، ووجه بعده أنه اعتبر فيه ما لم يذكر من المضاف وألغى فيه ما ذكر من عدد المساكين الظاهر قصده لفضل الجماعة وبركتهم وتظافر قلوبهم على الدعاء

المجمل ما لم تتضح دلالته

للمحسن. (و) كتأويلهم خبر أبي داود وغيره (لا صيام لمن لم يبيت) أي الصيام من الليل. (بالقضاء والنذر) لصحة غيرهما بنية من النهار عندهم ووجه بعده أنه قصر للعام النص في العموم على نادر لندرة القضاء والنذر. (و) كتأويل أبي حنيفة خبر ابن حبان وغيره (ذكاة الجنين ذكاة أمه) بالرفع والنصب (بالتشبيه) أي مثل ذكاتها أو كذكاتها، فالمراد بالجنين الحي لحرمة الميت عنده وأحله صاحباه كالشافعي، ووجه بعده ما فيه من التقدير المستغنى عنه ووجه استغنائه عنه على رواية الرفع وهي المحفوظة أن يعرب ذكاة الجنين خبرا لما بعده أي ذكاة أم الجنين ذكاة له، وعلى رواية النصب إن ثبتت أن يجعل على الظرفية أي ذكاة الجنين حاصلة وقت ذكاة أمه التي أحلتها، فالمراد الجنين الميت وأن ذكاة أمه أحلته تبعا لها. المجمل ما لم تتضح دلالته من قول أو فعل كقيامه صلى الله عليه وسلّم من الركعة الثانية بلا تشهد لاحتماله العمد والسهو، وخرج المهمل إذ لا دلالة له والمبين لإيضاح دلالته. (فلا إجمال في الأصحّ في آية السرقة) وهي {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} لا في اليد ولا في القطع، وقيل مجملة فيهما لأن اليد تطلق على العضو إلى الكوع وإلى المرفق وإلى المنكب، والقطع يطلق على الإبانة وعلى الجرح، ولا ظهور لواحد من ذلك وإبانة الشارع من الكوع مبينة، لذلك قلنا لا نسلم عدم ظهور واحد، لأن اليد ظاهرة في العضو إلى المنكب والقطع ظاهر في الإبانة، وإبانة الشارع من الكوع دليل على أن المراد من الكل البعض. (و) لا في نحو {حرمت عليكم الميتة} كحرمت عليكم أمهاتكم، وقيل مجمل. إذ لا يصح إسناد التحريم إلى العين لأنه إنما يتعلق بالفعل فلا بد من تقديره، وهو محتمل لأمور لا حاجة إلى جميعها ولا مرجح لبعضها فكان مجملاً. قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه قاض، بأن المراد في الأول تحريم الأكل ونحوه، وفي الثاني تحريم التمتع بوطء ونحوه (و) لا في قوله تعالى {وامسحوا برؤوسكم} وقيل مجمل لتردده بين مسح الكل والبعض ومسح الشارع الناصية مبين لذلك. قلنا لا نسلم تردده بين ذلك، وإنما هو لمطلق المسح الصادق بأقلّ ما ينطلق عليه الاسم وبغيره ومسح الشارع الناصية من ذلك. (و) لا في خبر البيهقي وغيره «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . وقيل مجمل، إذ لا يصح رفعها مع وجودها حسا فلا بد من تقدير شيء وهو متردد بين أمور لا حاجة إلى جميعها ولا مرجح لبعضها فكان مجملاً. قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه قاض بأن المراد منه رفع المؤاخذة. (و) لا في خبر الترمذي وغيره «لا نكاح إلا بولي» . وقيل مجمل، إذ لا يصح النفي لنكاح بلا ولي مع وجوده حسا فلا بد من تقدير شيء وهو متردد بين الصحة والكمال ولا مرجح لواحد منهما، فكان مجملاً. قلنا بتقدير تسليم ذلك المرجح لنفي الصحة موجود وهو قربه من نفي الذات إذ ما انتفت صحته لا يعتد به، فيكون كالمعدوم بخلاف ما انتفى كماله (لوضوح دلالة الكلّ) كما مرّ بيانه فلا إجمال في شيء منه (بل) الإجمال (وفي مثل القرء) لتردده بين الطهر والحيض لاشتراكه بينهما، وحمله الشافعي على الطهر، والحنفي على الحيض لما قام عندهما. (و) مثل (النور) لأنه صالح للعقل ونور الشمس مثلاً لتشابههما في الاهتداء بكل منهما. (و) مثل (الجسم) لأنه صالح للسماء والأرض مثلاً لتماثلهما سعة وعددا. (و) مثل (المختار)

البيان

كمنقاد لتردده بين اسم الفاعل والمفعول بإعلاله بقلب يائه المسكورة أو المفتوحة ألفا. (و) مثل قوله تعالى (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) لتردده بين الزوج والولي وحمله الشافعي على الزوج ومالك على الولي لما قام عندهما (و) مثل قوله تعالى (إلا ما يتلى عليكم) للجهل بمعناه قبل نزول مبينه وهو {حرمت عليكم الميتة} الخ ويسري الإجمال إلى المستثنى منه وهو {أحلت لكم بهيمة الأنعام} (و) مثل قوله تعالى (الراسخون) من قوله {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به} لتردده بين العطف والابتداء وحمله الجمهور على الابتداء لما قام عندهم. (و) مثل (قوله عليه الصلاة والسلام) في خبر الصحيحين وغيرهما (لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه في جداره) لتردد ضمير جداره بين عوده إلى الجار أو إلى الأحد. وتردد الشافعي في المنع لذلك والجديد المنع لخبر الحاكم بإسناد صحيح في خطبة حجة الوداع «لا يحل لامرىء من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس. وخشبه بلفظ الجمع والإضافة للضمير وروى خشبة بالإفراد والتنوين. (و) مثل (قولك زيد طبيب ماهر) لتردد ماهر بين رجوعه إلى طبيب وإلى زيد (و) مثل قولك (الثلاثة زوج وفرد) لتردد الثلاثة فيه بين اتصافها بصفتيها واتصاف أجزائها بهما، وإن تعين الثاني نظرا إلى صدق المتكلم به، إذ حمله على الأول يوجب كذبه. ( والأصح وقوعه) أي المجمل (في الكتاب والسنة) للأمثلة السابقة منهما ومنعه داود الظاهري، قيل ويمكن أن ينفصل عنها بأن الأول ظاهر في الزوج لأنه المالك للنكاح. والثاني مقترن بمفسره، والثالث ظاهر في الابتداء، والرابع ظاهر في عوده إلى الأحد لأنه محط الكلام. (و) الأصح (أن المسمى الشرعي) للفظ (أوضح من) المسمى (اللغوي) له في عرف الشرع لأن النبي بعث لبيان الشرعيات، فيحمل على الشرعي، وقيل لا في النهي فقيل هو مجمل، وقيل يحمل على اللغوي، والمراد بالشرعي ما أخذت تسميته من الشرع صحيحا كان أو فاسدا لا ما يكون صحيحا فقط. (وقد مرّ) ذلك في مسألة اللفظ إما حقيقة أو مجاز وذكر هنا توطئة لقولي (و) الأصح (أنه إن تعذر) أي المسمى الشرعي للفظ. (حقيقة رد إليه بتجوز) محافظة على الشرع ما أمكن، وقيل هو مجمل لتردده بين المجاز الشرعي والمسمى اللغوي، وقيل يحمل على اللغوي تقديما للحقيقة على المجاز، والترجيح من زيادتي، وهو ما اختاره في شرح المختصر كغيره مثاله خبر الترمذي وغيره «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام» تعذر فيه مسمى الصلاة شرعا فيرد إليه بتجوّز بأن يقال كالصلاة في اعتبار الطهر والنية ونحوهما، وقيل يحمل على المسمى اللغوي وهو الدعاء بخير لاشتمال الطواف عليه فلا يعتبر فيه ما ذكر، وقيل مجمل لتردّده بين الأمرين. (و) الأصح (أن اللفظ المستعمل لمعنى تارة ولمعنيين ليس ذلك المعنى أحدهما) تارة أخرى على السواء وقد أطلق (مجمل) لتردده بين المعنى والمعنيين، وقيل يترجح المعنيان لأنه أكثر فائدة. (فإن كان) ذلك المعنى (أحدهما عمل به) جزما لوجوده في الاستعمالين (ووقف الآخر) للتردد فيه، وقيل يعمل به أيضا لأنه أكثر فائدة مثال الأول خبر مسلم «لا ينكح المحرم ولا ينكح» بناء على أن النكاح مشترك بين العقد والوطء، فإنه إن حمل على الوطء استفيد منه معنى واحد، وهو أن المحرم لا يطء ولا يوطىء أي لا يمكن غيره من وطئه أو على العقد استفيد منه معنيان بينهما قدر مشترك، وهما أن المحرم لا يعقد لنفسه ولا يعقد لغيره، ومثال الثاني خبر مسلم «الثيب أحق بنفسها من وليها» أي بأن تعقد لنفسها أو بأن تعقد كذلك أو تأذن لوليها فيعقد لها ولا يجبرها، وقد قال تعقد لنفسها أبو حنيفة، وكذا بعض أصحابنا، لكن إذا كان في مكان لا وليّ فيه ولا حاكم. البيان بمعنى التبيين لغة الإظهار أو الفصل واصطلاحا. (إخراج الشيء من حيز الاشكال إلى حيز التجلي)

مسألة تأخير البيان عن وقت الفعل غير واقع

أي الإيضاح، فالإتيان بالظاهر من غير سبق إشكال لا يسمى بيانا اصطلاحا. (وإنما يجب) البيان (لمن أريد فهمه) المشكل لحاجته إليه بأن يعمل به أو يفتى به بخلاف غيره. (والأصح أنه) أي البيان قد (يكون بالفعل) كالقول بل أولى، لأنه أدل بيانا لمشاهدته، وإن كان القول أدلّ حكما لما يأتي، وقيل لا لطول زمنه فيتأخر البيان به مع إمكان تعجيله بالقول وذلك ممتنع. قلنا لا نسلم امتناعه والبيان بالقول كقوله تعالى {صفراء فاقع لونها} بيان لقوله بقرة وبالفعل كخبر «صلوا كما رأيتموني أصلي» . ففعله بيان لقوله تعالى {أقيموا الصلاة} وقوله صلوا الخ. ليس بيانا، وإنما دل على أن الفعل بيان ومن الفعل التقرير والإشارة والكتابة، وقد قال صاحب الواضح من الحنفية في الأخيرين لا أعلم خلافا في أن البيان يقع بهما. (و) الأصح أن (المظنون يبين المعلوم) . وقيل لا لأنه دونه فكيف يبينه. قلنا لوضوحه. (و) الأصح أن (المتقدم) وإن جهلنا عينه. (من القول والفعل هو البيان) أي المبين والآخر تأكيد له وإن كان دونه قوّة، وقيل إن كان كذلك فهو البيان، لأن الشيء لا يؤكد بما هو دونه. قلنا هذا في التأكيد بغير المستقل أما بالمستقل فلا، ألا ترى أن الجملة تؤكد بجملة دونها. (هذا إن اتفقا) أي القول والفعل في البيان كأن طاف صلى الله عليه وسلّم بعد نزول آية الحج المشتملة على الطواف طوافا واحدا أو أمر بطواف واحد. (وإلا) بأن زاد الفعل على مقتضى القول، كأن طاف صلى الله عليه وسلّم بعد نزول آية الحج طوافين، وأمر بواحد، أو بأن نقص الفعل عن مقتضى القول كأن طاف واحدا وأمر باثنين. (فالقول) أي فالبيان القول لأنه يدل عليه بنفسه والفعل يدل عليه بواسطة القول (وفعله مندوب أو واجب) في حقه دون أمته وإن زاد على مقتضى قوله (أو تخفيف) في حقه أن نقص عنه سواء أكان القول متقدما على الفعل أو متأخرا عنه جمعا بين الدليلين، وقيل البيان المتقدم منهما كما لو اتفقا، فإن كان المتقدم القول فحكم الفعل ما مر أو الفعل، فالقول ناسخ للزائد منه وطالب لما زاده عليه. قلت عدم النسخ بما قلناه أولى، والقول أقوى دلالة وذكر التخفيف من زيادتي. (مسألة تأخير البيان) لمجمل أو ظاهر لم يرد ظاهره بقرينة ما يأتي. (عن وقت الفعل غير واقع وإن جاز) وقوعه عند أئمتنا المجوّزين تكليف ما لا يطاق. (و) تأخيره عن وقت الخطاب (إلى وقته) أي الفعل جائز (واقع في الأصحّ سواء أكان للمبين) ببنائه للمفعول. (ظاهر) وهو غير المجمل كعام يبين تخصيصه ومطلق يبين مقيده ودالّ على حكم يبين نسخه أم لا. وهو المجمل المشترك يبين أحد معنييه مثلاً ومتواطىء يبين أحد ما صدقاته مثلاً، وقيل يمتنع تأخيره مطلقا لإخلاله بفهم المراد عند الخطاب، وقيل يمتنع فيما له ظاهر لإيقاعه المخاطب في فهم غير المراد بخلافه في المجمل، وقيل يمتنع تأخير البيان الإجمالي دون التفصيلي فيما هو ظاهر مثل هذا العام مخصوص، وهذا المطلق مقيد، وهذا الحكم منسوخ لوجود المحذور قبله بخلاف المجمل، فيجوز تأخير بيانه الإجمالي كالتفصيلي، وقيل غير ذلك. ومما يدل على الوقوع آية {واعلموا أنما غنمتم من شيء} فإنها عامة فيما يغنم مخصوصة عموما بخبر الصحيحين «من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه» . وبلا عموم بخبرهما أنه صلى الله عليه وسلّم قضى بسلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وآية {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فإنها مطلقة ثم بين تقييدها بما في أجوبة أسئلتهم. (و) يجوز (للرسول) صلى الله عليه وسلّم (تأخير التبليغ) لما أوحي إليه من قرآن أو غيره. (إلى الوقت) أي وقت العمل ولو على القول بامتناع تأخير البيان عن وقت الخطاب لانتفاء المحذور السابق عنه، ولأن وجوب معرفته إنما هو للعمل ولا حاجة له قبل العمل، وقيل لا يجوز على القول بذلك لقوله تعالى {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} أي فورا لأن وجوب التبليغ معلوم بالعقل فلا فائدة للأمر به إلى إلا الفور. قلنا لا نسلم أن وجوبه معلوم بالعقل بل بالشرع ولو سلم.

النسخ

قلنا ففائدته تأيد العقل بالنقل. (ويجوز أن لا يعلم) المكلف (الموجود) عند وجود المخصص (بالمخصص) بكسر الصاد. (ولا بأنه مخصص) أي يجوز أن لا يعلم قبل وقت العمل بذات المخصص ولا بوصف أنه مخصص مع علمه بذاته كأن يكون المخصص العقل بأن لا يسبب الله العلم بذلك. (ولو على المنع) أي على القول بامتناع تأخير البيان، وقيل لا يجوز على القول بذلك في المخصص السمعي لما فيه من تأخير إعلامه بالبيان. قلنا المحذور إنما هو تأخير البيان وهو منتف هنا وعدم علم المكلف بالمخصص بأن لم يبحث عنه تقصير منه، أما العقلي فاتفقوا على جواز أن يسمع الله المكلف العام من غير أن يعلمه بذات العقل بأن فقد ما يخصصه وكولا إلى نظره، وقد وقع أن بعض الصحابة لم يسمع المخصص السمعي إلا بعد حين منهم فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وسلّم طلبت ميراثها مما تركه أبوها لعموم قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} فاحتج عليها أبو بكر رضي الله عنه بما رواه لها من خبر الصحيحين «لا نورث ما تركناه صدقة» . وبما تقرر علم أن قولي ولو على المنع راجع إلى المسألتين. النسخ لغة الإزالة كنسخت الشمس الظلّ أي أزالته والنقل مع بقاء الأول كنسخت الكتاب أي نقلته واصطلاحا. (رفع) تعلق (حكم شرعي) بفعل (بدليل شرعي) ، والقول بأنه بيان لانتهاء أمد حكم شرعي يرجع إلى ذلك فلا خلاف في المعنى، وإن فرق بينهما بأنه في الأول زال به، وفي الثاني زال عنده وما فرق به من أن الأول يشمل النسخ قبل التمكن دون الثاني مردود كما بينته مع زيادة في الحاشية. قال البرماوي فإن قلت سيأتي أن من أقسام النسخ ما ينسخ لفظه دون حكمه ولا رفع فيه لحكم. قلت رفع اللفظ يتضمن رفع أحكام كثيرة كتعبد بتلاوته وإجراء حكم القرآن عليه من منع الجنب ونحوه من قراءته، ومسّ المحدث وحمله له وغير ذلك، وخرج بالشرعي أي المأخوذ من الشرع رفع البراءة الأصلية أي المأخوذة من العقل، وبدليل شرعي الرفع بالموت والجنون والغفلة والعقل والإجماع، لأنه إنما ينعقد بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلّم كما سيأتي. ومخالفة المجمعين للنص تتضمن ناسخا له وهو مستند إجماعهم، وأما جعل الإمام الرازي رفع غسل الرجلين بالعقل عن قطعهما نسخا فتسمح وتعبيري بذلك يشمل الكتاب والسنة قولاً وفعلاً، وبه صرّح التفتازاني فهو أولى من قول الأصل بخطاب لقصوره على القول، وشمل التعريف الإباحة الأصلية، فإنها عندنا ثابتة بالشرع فرفعها يكون نسخا كما ذكره التفتازاني. (ويجوز في الأصح نسخ بعض القرآن) تلاوة وحكما أو أحدهما دون الآخر والثلاثة واقعة. روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها «كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات» . فهذا منسوخ التلاوة والحكم. وروى الشافعي وغيره عن عمر رضي الله عنه «لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها الشيخ والشيخة» . أي المحصنان. «إذا زنيا فارجموهما ألبتة فإنا قد قرأناها» . فهذا منسوخ التلاوة دون الحكم لأمره صلى الله عليه وسلّم برجم المحصن رواه الشيخان. وعكسه كثير كقوله تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية} إلى آخره نسخ قوله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن} إلى آخره لتأخره في النزول عن الأول وإن تقدمه في التلاوة، وقيل لا يجوز نسخ بعضه كما لا يجوز نسخ كله وقيل لا يجوز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه، لأن الحكم مدلول اللفظ، فإذا قدّر انتفاء أحدهما لزم انتفاء الآخر، قلنا إنما يلزم إذا روعي وصف الدلالة وما نحن فيه لم يراع فيه ذلك. (و) يجوز في الأصح نسخ (الفعل قبل التمكن) منه بأن لم يدخل وقته أو دخل ولم يمض منه ما يسعه، وقيل لا لعدم استقرار التكليف، قلنا يكفي للنسخ وجود أصل التكليف فينقطع به، وقد وقع ذلك في قصة الذبيح فإن الخليل أمر بذبح ابنه عليهما الصلاة والسلام لقوله تعالى حكاية عنه {يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك} إلى آخره ثم نسخ

ذبحه قبل التمكن منه بقوله {وفديناه بذبح عظيم} واحتمال كونه بعد التمكن خلاف الظاهر من حال الأنبياء في امتثال الأمر من مبادرتهم إلى فعل المأمور به. (و) يجوز في الأصح (نسخ السنة بالقرآن) كنسخ تخريم مباشرة الصائم أهله ليلاً بالسنة بقوله تعالى {أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} وقيل لا يجوز نسخها به لقوله تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} جعله مبينا للقرآن فلا يكون القرآن مبينا لسنته. قلنا لا مانع لأنهما من عند الله قال تعالى {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} ويدل للجواز قوله تعالى {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} (كهو) أي كما يجوز نسخ القرآن (به) جزما كما مرّ التمثيل له بايتي عدّة الوفاة وتعبيري بذلك أولى مما عبر به لإيهامه أن الخلاف جار في النسخ بالقرآن لقرآن، وليس كذلك عند من جوّز نسخ بعضه. (و) يجوز في الأصح (نسخه) أي القرآن (بها) أي بالسنة متواترة أو آحادا قال تعالى {لتبين للناس ما نزل إليهم} وقيل لا يجوز لقوله تعالى {قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي} والنسخ بالسنة تبديل من تلقاء نفسه قلنا ممنوع. وما ينطق عن الهوى، وقيل لا يجوز نسخ القرآن بالآحاد لأن القرآن مقطوع والآحاد مظنون. قلنا محل النسخ الحكم ودلالة للقرآن عليه ظنية. (و) لكن نسخ القرآن بالسنة (لم يقع إلا بالمتواترة في الأصح) . وقيل وقع بالآحاد كنسخ خبر الترمذي وغيره «لا وصية لوارث» لآية {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية} . قلنا لا نسلم عدم تواتر ذلك ونحوه للمجتهدين الحاكمين بالنسخ لقربهم من زمن الوحي وسكت كالأصل عن نسخ السنة بها للعلم به من نسخ القرآن به، فيجوز نسخ المتواترة بمثلها والآحاد بمثلها وبالمتواترة، وكذا المتواترة بالآحاد على الأصح كما مرّ من نسخ القرآن بالآحاد. (وحيث وقع) نسخ القرآن (بالسنة فمعها قرآن عاضد لها) على النسخ يبين توافقهما لتقوم الحجة على الناس بهما معا، ولئلا يتوهم انفراد أحدهما عن الآخر، إذ كل منهما من عند الله. (أو نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة) ب1>عاضدة له تبين توافقهما لما مرّ، كما في نسخ التوجه في الصلاة إلى بيت المقدس الثابت بفعله صلى الله عليه وسلّم بقوله تعالى {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} وقد فعله صلى الله عليه وسلّم. (و) يجوز في الأصح (نسخ القياس) الموجود (في زمن النبي) صلى الله عليه وسلّم (بنص أو قياس أجلي) من القياس المنسوخ به، فالأول كأن يقول صلى الله عليه وسلّم «الفاضلة في البرّ حرام لأنه مطعوم» . فيقاس به الأرز، ثم يقول «بيعوا الأرز بالأرز متفاضلاً» . والثاني كأن يأتي بعد القياس المذكور نص بجواز بيع الذرة بالذرة متفاضلاً فيقاس به بيع الأرز بالأرز متفاضلاً، وقيل لا يجوز نسخه لأنه مستند إلى نص فيدوم بدوامه. قلنا لا نسلم لزوم دوامه كما لا يلزم دوام حكم النص بأن ينسخ وخرج بالأجلي غيره، فلا يكفي الأدون لانتفاء المقاومة ولا الساري لانتفاء المرجح، وقيل يكفيان كالأجلي. (و) يجوز في الأصح (نسخ الفحوى) أي مفهوم الموافقة بقسميه الأولى والمساوي (دون أصله) أي المنطوق بقيد زدته بقولي (إن تعرض لبقائه) أي بقاء أصله (وعكسه) أي أصل الفحوى دونه إن تعرض لبقائه لأنهما مدلولان متغايران فجاز فيهما ذلك كنسخ تحريم الضرب دون تحريم التأفيف والعكس، وقيل لا فيهما لأن الفحوى لازم لأصله فلا ينسخ أحدهما دون الآخر لمنافاة ذلك اللزوم بينهما، وقيل يمتنع الأول لامتناع بقاء الملزوم مع نفي اللازم بخلاف الثاني لجواز بقاء اللازم مع نفي الملزوم، أما نسخهما معا فيجوز اتفاقا، فإن لم يتعرض للبقاء فعن الأكثر الامتناع بناء على أن نسخ كل منهما يستلزم نسخ الآخر، لأن الفحوى لازم لأصله وتابع له، ورفع اللازم يستلزم رفع الملزوم، ورفع المتبوع يستلزم رفع التابع، وقيل لا يستلزم نسخ كل منهما ذلك، لأن رفع التابع لا يستلزم رفع الملزوم، ورفع المتبوع لا يستلزم رفع

مسألة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز

اللازم، وقيل نسخ الفحوى لا يستلزم بخلاف عكسه، وقيل عكسه لما عرف مما قبلهما وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به لإيهامه التنافي، وقد أوضحت لك مع الجواب عنه في الحاشية. (و) يجوز في الأصح (النسخ به) أي بالفحوى كأصله، وقيل لا بناء على أنه قياس وأن القياس لا يكون ناسخا، وذكر الخلاف في هذه من زيادتي. (لا نسخ النص بالقياس) فلا يجوز في الأصح حذرا من تقديم القياس على النص الذي هو أصل له في الجملة، وعلى هذا جمهور أصحابنا. ونقله أبو إسحاق المروزي عن النصّ. وقال القاضي حسين إنه المذهب، وقيل وصححه الأصل يجوز لاستناده إلى النص، فكأنه الناسخ، وقيل يجوز بالقياس الجليّ دون الخفي، وقيل غير ذلك. (ويجوز نسخ) مفهوم (المخالفة دون أصلها) كنسخ مفهوم خبر «إنما الماء من الماء» بخبر «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» (لا عكسه) أي لا نسخ الأصل دونها، فلا يجوز في الأصح لأنها تابعة له فترتفع بارتفاعه ولا يرتفع هو بارتفاعها، وقيل يجوز وتبعيتها له من حيث دلالة اللفظ عليها معه لا من حيث ذاته أما نسخهما معا فجائز اتفاقا، كنسخ وجوب الزكاة في السائمة ونفيه في المعلوفة، ويرجع الأمر فيها إلى ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام بعد الشرع من تحريم الفعل إن كان مضرة، أو إباحته إن كان منفعة، ويرجع في السائمة إلى ما مرّ في مسألة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز. (ولا) يجوز (النسخ بها) أي بالمخالفة (في الأصح) لضعفها عن مقاومة النص، وقيل يجوز كالمنطوق وذكر الخلاف في هذه من زيادتي. (ويجوز نسخ الإنشاء) الذي الكلام فيه. (ولو) كان (بلفظ قضاء) . وقيل لا بناء على أن القضاء إنما يستعمل فيما لا يتغير نحو {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} أي أمر. (أو بصيغة خبر) نحو {والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء} أي ليتربصن نظرا للمعنى وقيل لا يجوز نظرا للفظ. (أو قيد بتأبيد أو نحوه) كصوموا أبدا صوموا حتما صوموا دائما، الصوم واجب مستمر أبدا إذا قاله إنشاء، وقيل لا لمنافاة النسخ التقييد بذلك. قلنا لا نسلم ويتبين بورود الناسخ أن المراد افعلوا إلى وجوده كما يقال لازم غريمك أبدا أي إلى أن يعطي الحق. (و) يجوز نسخ إيجاب (الاخبار بشيء ولو مما لا يتغير بإيجاب الاخبار بنقيضه) كأن يوجب الاخبار بقيام زيد ثم بعدم قيامه قبل الاخبار بقيامه لجواز أن يتغير حاله من القيام إلى عدمه، ومنعت المعتزلة ذلك فيما لا يتغير كحدوث العالم لأنه تكليف بالكذب فينزه الباري عنه لقولهم بالتقبيح العقلي. قلنا لا نقول به وقد يدعو إلى الكذب غرض صحيح فلا يكون التكليف به قبيحا بل حسنا، كما لو طالبه ظالم بوديعة عنده أو بمظلوم خبأه عنده فيجب عليه إنكاره، ويجوز له الحلف عنه ويكفر عن يمينه، ولو أكره على الكذب وجب، والإشارة إلى هذا الخلاف بقولي ولو مما لا يتغير من زيادتي. (لا) نسخ (الخبر) أي مدلوله فلا يجوز (وإن كان مما يتغير) لأنه يوهم الكذب حيث يخبر بالشيء ثم بنقيضه، وذلك محال على الله تعالى، وقيل يجوز في المتغير إن كان خبرا عن مستقبل بناء على القول بأن الكذب لا يكون في المستقبل لجواز المحو لله فيما يقدّره. قال الله تعالى {يمحو الله ما يشاء ويثبت} والاخبار يتبعه بخلاف الخبر عن ماض، وقيل يجوز فيه عن الماضي أيضا لجواز أن يقول الله لبث نوح في قومه ألف سنة، ثم يقول لبث ألف سنة إلا خمسين عاما، وإلى الخلاف أشرت بقولي وإن إلى آخره. (ويجوز عندنا النسخ ببدل أثقل) كما يجوز بمساوٍ وبأخف. وقال بعض المعتزلة لا إذ لا مصلحة في الانتقال من سهل إلى عسر. قلنا لا نسلم ذلك بعد تسليم رعاية المصلحة وقد وقع كنسخ وجوب الكف عن الكفار الثابت بقوله تعالى {ودع أذاهم} بقوله اقتلوا المشركين. (و) يجوز عندنا النسخ (بلا بدل) وقال بعض المعتزلة لا إذ لا مصلحة في ذلك. قلنا لا نسلم ذلك بعدما ذكر. (و) لكنه (لم يقع في الأصح) وقيل وقع كنسخ وجوب تقديم الصدقة على مناجاة النبي الثابت

مسألة النسخ واقع عند كل المسلمين

بقوله {إذا ناجيتم الرسول} الآية. إذ لا بدل لوجوبه فيرجع الأمر إلى ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام من تحريم الفعل إن كان مضرة أو إباحته إن كان منفعة. قلنا لا نسلم أنه لا بدل للوجوب بل بدله الجواز الصادق هنا بالإباحة أو الندب وقولي عندنا من زيادتي. (مسألة النسخ) جائز. (واقع عند كل المسلمين) . وخالفت اليهود غير العيسوية بعضهم في الجواز، وبعضهم في الوقوع، واعترف بهما العيسوية وهم أصحاب أبي عيسى الأصفهاني المعترفون ببعثة نبينا عليه الصلاة والسلام إلى بني إسماعيل خاصة وهم العرب. (وسماه أبو مسلم) الأصفهاني من المعتزلة (تخصيصا) وإن كان في الواقع نسخا لأنه قصر للحكم على بعض الأزمان فهو تخصيص في الأزمان، كالتخصيص في الأشخاص حتى قيل إن هذا منه خلاف في وقوع النسخ. (فالخلف) في نفيه النسخ (لفظي) لأن تسميته له تخصيصا يتضمن اعترافه به إذ لا يليق به إنكاره كيف وشريعة نبينا مخالفة في كثير لشريعة من قبله فعنده ما كان مغبا في علم الله تعالى، فهو كالمغيا في اللفظ، ويسمى الكل تخصيصا فيسوّي بين قوله تعالى {وأتموا الصيام إلى الليل} وبين صوموا مطلقا مع علمه تعالى بأنه سينزل لا تصوموا ليلاً وعند غيره يسمى الأول تخصيصا والثاني نسخا. (والمختار أن نسخ حكم أصل لا يبقى معه حكم فرعه) لانتفاء العلة التي ثبت بها بانتفاء حكم الأصل، وقالت الحنفية يبقى لأن القياس مظهر له لا مثبت. (و) المختار (أن كل شرعي يقبل النسخ) فيجوز نسخ كل التكاليف وبعضها حتى وجوب معرفة الله تعالى، ومنعت المعتزلة والغزالي نسخ كل التكاليف لتوقف العلم به المقصود منه على معرفة النسخ والناسخ، وهي من التكاليف لا يتأتى نسخها. قلنا مسلم ذلك لكن بحصولها ينتهي التكليف بها فيصدق أنه لم يبق تكليف فلا خلاف في المعنى، ومنعت المعتزلة أيضا نسخ وجوب معرفة الله تعالى، لأنها عندهم حسنة لذاتها لا تتغير بتغير الزمان فلا يقبل حكمها النسخ. قلنا الحسن الذاتي باطل كما مر. (ولم يقع نسخ كل التكاليف ووجوب المعرفة) أي معرفة الله تعالى. (إجماعا) فعلم أن الخلاف السابق إنما هو في الجواز أي العقلي (و) المختار (أن الناسخ قبل تبليغ النبي) صلى الله عليه وسلّم. (الأمة) له وبعد بلوغه لجبريل (لا يثبت) حكمه (في حقهم) لعدم علمهم به، وقيل يثبت بمعنى استقراره في الذمة لا بمعنى الامتثال كما في النائم، أما بعد التبليغ فيثبت في حق من بلغه وكذا من لم يبلغه إن تمكن من علمه، وإلا فعلى الخلاف. (و) المختار وهو ما عليه الجمهور (أن زيادة جزء أو شرط أو صفة على النص) كزيادة ركعة أو ركوع أو غسل ساق أو عضد في الوضوء أو إيمان في رقبة الكفارة أو جلدات في جلد حدّ. (ليست بنسخ) للمزيد عليه، وقالت الحنفية إنها نسخ ومثار الخلاف أنها هل رفعت حكما شرعيا، فعندنا لا، وعندهم نعم. نظرا إلى أن الأمر بما دونها اقتضى تركها فهي رافعة لذلك المقتضى. قلنا لا نسلم اقتضاء تركها بل المقتضى له غيره، وبنوا على ذلك أنه لا يعمل بأخبار الآحاد في زيادتها على القرآن كزيادة التغريب على الجلد الثابتة بخبر الصحيحين «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» بناء على أن المتواتر لا ينسخ بالآحاد. (وكذا نقصه) أي نقص جزء أو شرط أو صفة من مقتضى النص كنقص ركعة أو وضوء أو الإيمان في رقبة الكفارة، فقيل إنه نسخ لها إلى الناقص لجوازه أو وجوبه بعد تحريمه. وقال الجمهور لا. والنسخ إنما هو للجزء أو الشرط أو الصفة فقط، لأنه الذي يترك وقبل نقص الجزء نسخ بخلاف نقص الشرط والصفة والتصريح بذكرها من زيادتي، وبما تقرر علم أنه لا فرق في ذلك بين العبادة وغيرها، وخرج بزيادتي أولاً الجزء والشرط والصفة غيرها كعبادة مستقلة، سواء أكانت مجانسة كصلاة سادسة أملا. كزيادة الزكاة على الصلاة فليست نسخا في الثانية إجماعا ولا في الأولى عند الجمهور. (خاتمة) للنسخ يعلم بها الناسخ من المنسوخ

الكتاب الثاني في السنة

(يتعين الناسخ) لشيء (بتأخره) عنه (ويعلم) تأخره (بالإجماع) على أنه متأخر عنه أو أنه ناسخ له (وقول النبي) صلى الله عليه وسلّم (هذا ناسخ) لذاك (أو) هذا (بعد ذاك) أو سابق عليه (أو كنت نهيتـ) ـكم (عن كذا فافعلوه أو نصه على خلاف النص الأول) أي أن يذكر الشيء على خلاف ما ذكره فيه أوّلاً (أو قول الراوي هذا متأخر) عن ذاك أو سابق عليه، وهو الذي ذكره الأصل، فيكون ذاك فيه متأخرا (لا بموافقة أحد النصين للأصل) أي البراءة الأصلية فلا يعلم التأخر بها في الأصح، وقيل يعلم لأن الأصل مخالفة الشرع لها، فيكون المخالف سابقا على الموافق. قلنا مسلم لكنه ليس بلازم لجواز العكس (و) لا (ثبوت إحدى آيتين في المصحف) بعد الأخرى، فلا يعلم التأخرية في الأصح، وقيل يعلم لأن الأصل موافقة الوضع للنزول. قلنا لكنه غير لازم لجواز المخالفة كما مر في آيتي عدة الوفاة. (و) لا (تأخر إسلام الراوي) لمرويه عن إسلام الراوي للآخر فلا يعلم التأخر به في الأصح، لجواز أن يسمع متقدّم الإسلام بعد متأخره، وقيل يعلم لأنه الظاهر. قلنا لكنه بتقدير تسليمه غير لازم لجواز العكس كما مر. (و) لا (قوله) أي الراوي (هذا ناسخ) فلا يكون ناسخا (في الأصح) . وقيل يكون وعليه المحدّثون لأنه لعدالته لا يقول ذلك إلا إذا ثبت عنده. قلنا ثبوته عنده يجوز أن يكون باجتهاد لا يوافق عليه. (لا) بقوله هذا (الناسخ) لما علم أنه منسوخ وجهل ناسخه فيعلم به أنه ناسخ له لضعف احتمال كونه حينئذ عن اجتهاد. الكتاب الثاني في السنة (وهي أقوال النبي) صلى الله عليه وسلّم (وأفعاله) ومنها تقريره لأنه كف عن الإنكار والكف فعل كما مر، وتقدمت مباحث الأقوال التي تشرك فيها السنة الكتاب، من الأمر والنهي وغيرهما، والكلام هنا في غير ذلك ولتوقف حجية السنة على عصمة النبي بدأت كالأصل بها مع عصمة سائر الأنبياء زيادة للفائدة فقلت (الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام (معصومون حتى عن صغيرة سهوا) فلا يصدر عنهم ذنب لا كبيرة ولا صغيرة لا عمدا ولا سهوا. فإن قلت يشكل بأنه صلى الله عليه وسلّم سها في صلاته حيث نسي فصلى الظهر خمسا وسلم في الظهر أو العصر عن ركعتين وتكلم. قلت لا إشكال على قول الأكثر الآتي، ويدل له خبر البخاري «إني أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني» وأما على القول المذكور، فيجاب عنه بأن المنع من السهو معناه المنع من استدامته لا من ابتدائه، وبأن محله

في القول مطلقا. وفي الفعل إذا لم يترتب عليه حكم شرعي بدليل الخبر المذكور، لأنه صلى الله عليه وسلّم بعث لبيان الشرعيات، ثم رأيت القاضي عياضا ذكر حاصل ذلك، ثم قال إن السهو في الفعل في حقه صلى الله عليه وسلّم غير مضادّ للمعجزة ولا قادح في التصديق، والأكثر على جواز صدور الصغيرة عنهم سهوا، إلا الدالة على الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بتمرة، وينبهون عليها لو صدرت، وإذا تقرر أن نبينا معصوم كغيره من الأنبياء. (فلا يقر نبينا) محمد صلى الله عليه وسلّم (أحدا على باطن فسكوته ولو غير مستبشر على الفعل مطلقا) بأن علم به في الأصح وقيل إلا فعل من يغريه الإنكار بناء على سقوط الإنكار عليه، وقيل إلا الكافر بناء على أنه غير مكلف بالفروع، وقيل إلا الكافر غير المنافق. (دليل الجواز للفاعل) بمعنى الإذن له فيه، لأن سكوته صلى الله عليه وسلّم على الفعل تقرير له. (ولغيره في الأصح) . وقيل لا لأن السكوت ليس بخطاب حتى يعمّ. قلنا هو كالخطاب فيعم. (وفعله) صلى الله عليه وسلّم (غير مكروه) بالمعنى الشامل للمحرم ولخلاف الأولى لعصمته، ولقلة وقوع المكروه وخلاف الأولى من التقى من أمته، فكيف يقع منه ولا ينافيه وقوع المكروه لنا منه بيانا لجوازه، لأنه ليس مكروها حينئذ، بل واجب. (وما كان) من أفعاله (جبليا) أي واقعا بجهة جبلة البشر أي خلقتهم كقيامه وقعوده وأكله وشربه. (أو مترددا) بين الجبلي والشرعي كحجه راكبا وجلسته للاستراحة. (أو بيانا) كقطعة السارق من الكوع بيانا لمحل القطع في آية السرقة (أو مخصصا به) كزيادته في النكاح على أربع نسوة (فواضح) أن الرابع لسنا متعبدين به على الوجه الذي تعبد هو به وأن غيره دليل في حقنا، لأنه صلى الله عليه وسلّم بعث لبيان الشرعيات فيباح لنا في الأول، وقيل يندب ويندب في الثاني، وقيل يباح ويندب أو يجب أو يباح بحسب المبين في الثالث. (وما سواه) أي سوى ما ذكر في فعله. (إن علمت صفته) من وجوب أو ندب أو إباحة (فأمته مثله) في ذلك. (في الأصح) عبادة كان أولا. وقيل مثله في العبادة فقط، وقيل لا مطلقا بل كمجهول الصفة وسيأتي. (وتعلم) صفة فعله أي من حيث هو لا بقيد كونه سوى ما ذكر، فلا يشكل بذكر البيان هنا مع ذكره قبل. (بنص) عليها كقوله هذا واجب مثلاً. (وتسوية بمعلوم الجهة) كقوله هذا الفعل مساوٍ لكذا في حكمه وقد علمت جهته. (ووقوعه بيانا أو امتثالاً لدال على وجوب أو ندب أو إباحة) فيكون حكمه حكم المبين أو الممتثل. (ويخص الوجوب) عن غيره (أمارته كالصلاة بأذان) لأنه ثبت باستقراء الشريعة أن ما يؤذن لها واجبة بخلاف غيرها، كصلاة العيد والخسوف. (وكونه) أي الفعل (ممنوعا) منه، (لو لم يجب كالحدّ) ، والختان إذ كل منهما عقوبة وقد يتخلف الوجوب عن هذه الأمارة لدليل كما في سجودي السهو والتلاوة في الصلاة (و) يخص (الندب) عن غيره (مجرد قصد القربة) بأن تدل قرينة على قصدها بذلك الفعل مجردا عن قيد الوجوب، والفعل المجرد قصدها كما صرح به الأصل كثير من صلاة وصوم وقراءة ونحوها من التطوعات (وإن جهلت) صفته، (فللوجوب في الأصح) في حقه وحقنا، لأنه الأحوط، وقيل للندب لأنه المتحقق بعد الطلب، وقيل للإباحة لأن الأصل عدم الطلب،

الكلام في الأخبار

وقيل بالوقف في الكل لتعارض الأدلة، وقيل في الأولين فقط مطلقا، لأنهما الغالب من فعل النبي، وقيل فيهما إن ظهر قصد القربة، وإلا فللإباحة. وسواء على غير هذا القول أظهر قصد القربة أم لا. ومجامعة القربة للإباحة بأن يقصد بفعل المباح بيان الجواز للأمة فيثاب على هذا القصد. (وإذا تعارض الفعل والقول) أي تخالفا بتخالف مقتضيهما (ودل دليل على تكرر مقتضاه) أي القول. (فإن اختص) القول (به) صلى الله عليه وسلّم، كأن قال يجب عليّ صوم عاشوراء في كل سنة، وأفطر في سنة بعد القول أو قبله. (فالمتأخر) من الفعل، والقول بأن علم (ناسخ) للمتقدم منهما في حقه، فإن لم يدل دليل على تكرر ما ذكر في هذا القسم وقسيميه الاثنين، فلا نسخ لكن في تأخر الفعل لا في تقدمه لدلالته على الجواز المستمرّ. (فإن جهل) المتأخر منهما. (فالوقف) عن ترجيح أحدهما على الآخر في حقه إلى تبين التاريخ (في الأصح) لاستوائهما في احتمال تقدم كل منهما على الآخر، وقيل يرجح القول، وعزى إلى الجمهور لأنه أقوى دلالة من الفعل لوضعه لها. والفعل إنما يدل بقرينة لأن له محامل، وقيل يرجح الفعل لأنه أقوى بيانا بدليل أنه يبين به القول. قلنا البيان بالقول أكثر، ولو سلم تساويهما، لكن البيان بالقول أقوى دلالة كما مر، ولأنه لا يختص بالموجود المحسوس، ولأن دلالته متفق عليها بخلاف الفعل في ذلك. (ولا تعارض) في حقنا حيث دل دليل على تأسينا به في الفعل لعدم تناول القول لنا. (وإن اختصّ) القول (بنا) كأن قال يجب عليكم صوم عاشوراء إلى آخر ما مرّ. (فلا تعارض فيه) أي في حقه صلى الله عليه وسلّم بين الفعل والقول لعدم تناوله له. (وفينا المتأخر) منهما بأن علم (ناسخ) للمتقدم. (إن دلّ دليل على تأسينا) به في الفعل (فإن جهل) المتأخر (عمل بالقول في الأصح) وقيل بالفعل، وقيل الوقف لما مرّ، وإنما اختلف التصحيح في المسألتين لأنا متعبدون فيما يتعلق بنا بالعلم بحكمه لنعمل به بخلاف ما يتعلق به، إذ لا ضرورة إلى الترجيح فيه، فإن لم يدل دليل على تأسينا به في الفعل فلا تعارض في حقنا لعدم ثبوت حكم الفعل في حقنا. (وإن عمنا وعمه) القول كأن قال يجب عليّ وعليكم صوم عاشوراء إلى آخر ما مرّ. (فحكمهما) أي الفعل والقول. (كما مرّ) من أن المتأخر منهما إن علم ناسخ للمتقدم في حقه، وكذا في حقنا إن دلّ دليل على تأسينا به في الفعل، وإلا فلا تعارض في حقنا، وإن جهل المتأخر فالأصح في حقه الوقف، وفي حقنا تقدم القول. (إلا أن يكون) القول (العام ظاهرا فيه) صلى الله عليه وسلّم لا نصا، كأن قال يجب على كل مكلف صوم عاشوراء إلى آخر ما مرّ. (فالفعل مخصص) للقول في حقه تقدم عليه أو تأخر عنه أو جهل ذلك، ولا نسخ لأن التخصيص أهون منه لما فيه من إعمال الدليلين بخلاف النسخ، نعم لو تأخر الفعل عن العمل بمقتضى القول فهو ناسخ كما مرّ آخر التخصيص، ولو لم يكن القول ظاهرا في الخصوص ولا في العموم، كأن قال صوم عاشوراء واجب في كل سنة، فالظاهر أنه كالعام لأن الأصل عدم الخصوص، أما تعارض القولين فسيأتي في التعادل والترجيح، وأما الفعلان فلا يتعارضان كما جزم به ابن الحاجب وغيره لجاز أن يكون الفعل في ووقت واجبا وفي آخر بخلافه، لأن الأفعال لا عموم لها. الكلام في الأخبار بفتح الهمزة جمع خبر وهو يطلق على صيغته وعلى معناها، وهو المعنى القائم بالنفس، ولما كان الخبر مما يصدق به المركب بدأت كالأصل به تكثيرا للفائدة فقلت (المركب) من اللفظ (إما مهمل) بأن لا يكون له معنى. (وليس موضوعا) اتفاقا، (وهو موجود في الأصح) ، كمدلول لفظ الهذيان فإنه لفظ مركب مهمل كضرب من الهوس أو غيره مما لا يقصد به الدلالة على شيء، ونفاه الإمام الرازي

قائلاً إن التركيب إنما يصار إليه للإفادة، فحيث انتفت انتفى فمرجع خلافه إلى أن مثل ما ذكر لا يسمى مركبا. (أو مستعمل) ، بأن يكون له معنى (والمختار أنه موضوع) أي بالنوع، وقيل لا. والموضوع مفرداته والمركب المستعمل المفيد يعبر عنه بالكلام. (والكلام اللساني لفظ تضمن إسنادا مفيدا مقصودا لذاته) فخرج الخط والرمز والعقد والإشارة والنصب والمفرد كزيد وغير المفيد كالنار حارّة، وتكلم رجل ورجل يتكلم، وغير المقصود كالصادر من نائم، والمقصود لغيره كصلة الموصول نحو جاء الذي قام أبوه، فإنها مفيدة بالضم إليه مع ما معه مقصودة لإيضاح معناه (و) الكلام (النفساني معنى في النفس) أي قام بها. (يعبر عنه باللساني) أي بما صدقاته، وهذا من زيادتي. (والأصح عندنا أنه) أي الكلام (مشترك) بين اللساني والنفساني، لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة. قال الإمام الرازي وعليه المحققون منا. وقيل إنه حقيقة في النفساني مجاز في اللساني، واختاره الأصل قال الأخطل إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقالت المعتزلة إنه حقيقة في اللساني لتبادره إلى الأذهان دون النفساني الذي أثبته الأشاعرة دون المعتزلة. ويجاب عما قاله الأخطل بأن مراده الكلام الأصلي، فالكلام اللساني ليس أصليا، وإن كان حقيقة، ودليلاً على الأصل، وعما قاله المعتزلة بأن تبادر الشيء وإن كان علامة للحقيقة لا بمنع كون ما انتفى فيه التبادر حقيقة أيضا، لأن العلامة لا يشترط فيها الانعكاس، والنفساني منسوب إلى النفس بزيادة ألف ونون للدلالة على العظمة، كما في قولهم شعراني لعظيم الشعر. (والأصولي إنما يتكلم فيه) أي في اللساني لأن بحثه فيه لا في المعنى النفسي. (فإن أفاد) أي ما صدق اللساني (بالوضع طلبا فطلب ذكر الماهية) أي فاللفظ المفيد لطلب ذكرها أي ذاتا أو صفة. (استفهام) نحو ما هذا ومن ذا أزيد أم عمرو. (و) طلب (تحصيلها أو تحصيل الكف عنها) أي اللفظ المفيد لذلك. (أمر ونهي) نحو قم ولا تقم (ولو) كان تحصيل ذلك طلب (من ملتمس) أي مساوٍ لمطلوب منه رتبة. (وسائل) أي دون المطلوب منه رتبة فإن اللفظ المفيد لذلك منهما يسمى أمرا ونهيا، وقيل لا بل يسمى من الأول التماسا، ومن الثاني سؤالاً وإلى الخلاف أشرت بقولي ولو إلى آخره. (وإلا) أي وإن لم يفد بالوضع طلبا. (فما لا يحتمل) منه (صدقا وكذبا) في مدلوله (تنبيه وإنشاء) أي يسمى بكل منهما سواء أفاد طلبا باللازم كالتمني والترجي نحو ليت الشباب يعود لعلّ الله يعفو عني أم لم يفد طلبا نحو أنت طالق. (ومحتملهما) أي الصدق والكذب من حيث هو (خبر) . وقد يقطع بصدقه أو كذبه لأمور خارجة عنه كما سيأتي، وأبى قوم كما قاله الأصل تعريف الخبر كما أبوا تعريف العلم والوجود والعدم. قيل لأن كلاً منها ضروري فلا حاجة إلى تعريفه، وقيل لعسر تعريفه. (وقد يقال) هو للبيانيين. (الإنشاء ما) أي كلام (يحصل به مدلوله في الخارج) كأنت طالق. وقم ولا تقم، فإن مدلولها من إيقاع الطلاق وطلب القيام وعدمه يحصل به لا بغيره، فالإنشاء بهذا المعنى أعم منه بالمعنى الأول لشموله الطلب بأقسامه السابقة بخلافه بالمعنى الأول، فإنه قسيم للطلب بالوضع وللخبر فلا يشمل الاستفهام والأمر والنهي. (والخبر خلافه) أي ما يحصل بغيره مدلوله في الخارج بأن يكون له خارج صدق أو كذب نحو قام زيد فإن مدلوله أي مضمونه من قيام زيد يحصل بغيره، وهو محتمل لأن يكون واقعا في الخارج فيكون هو صدقا وغير واقع فيكون هو كذبا. (ولا مخرج له) أي للخبر من حيث مضمونه (عن الصدق والكذب لأنه إما مطابق للخارج) . فالصدق (أولاً) فالكذب (فلا واسطة) بينهما (في الأصح) وقيل بها. وفي القول بها أقوال منها قول عمرو بن بحر الجاحظ

مسألة الخبر إما مقطوع بكذبه

الخبر إن طابق الخارج مع اعتقاد المخبر المطابقة فصدق أو لم يطابقه مع اعتقاد عدمها فكذب، وما سواهما واسطة بينهما وهو أربعة أن ينتفي اعتقاده المطابقة في المطابق بأن يعتقد عدمها أو لم يعتقد شيئا، وأن ينتفي اعتقاده عدمها في غير المطابق بأن يعتقدها أو لم يعتقد شيئا. (ومدلول الخبر) في الإثبات أي مدلول ما صدقه (ثبوت النسبة) في الخارج كقيام زيد في قام زيد، وهذا ما رجحه السعد التفتازاني وردّ ما عداه. (إلا الحكم بها) . وقيل هو الحكم بها ورجحه الأصل وفاقا للإمام الرازي مع مخالفته له في الكتاب الأول، حيث جعل ثم مدلول اللفظ المعنى الخارجي دون المعنى الذهني خلافا للإمام، إلا أن يقال ما ذكر ثمّ في غير لفظ الخبر ونحوه ويقاس بالخبر في الإثبات الخبر في النفي، فيقال مدلوله انتفاء النسبة لا الحكم به، ثم ما ذكر لا ينافي ما حققه المحققون من أن مدلول الخبر أي ما صدقه هو الصدق والكذب إنما هو احتمال عقلي. (ومورد الصدق والكذب) في الخبر (النسبة التي تضمنها فقط) أي دون غيرها. (كقيام زيد في قام زيد بن عمرو لا بنوّته) لعمرو أيضا، فمورد الصدق والكذب في الخبر المذكور النسبة، وهي قيام زيد لا بنوّته لعمرو فيه أيضا إذ لم يقصد به الاخبار بها. فالشهادة بتوكيل فلان بن فلان فلانا شهادة بالتوكيل فقط) أي دون نسب الموكل كما هو قول عندنا وقال به الإمام مالك. (و) لكن (الراجح) عندنا أنها شهادة (بالنسب) للموكل (ضمنا وبالتوكيل أصلاً) لتضمن ثبوت التوكيل المقصود لثبوت نسب الموكل لغيبته عن مجلس الحكم. (مسألة الخبر) بالنظر لأمور خارجة عنه. (إما مقطوع بكذبه) إما (قطعا كالمعلوم خلافه) إما (ضرورة) نحو النقيضان يجتمعان أو يرتفعان. (أو استدلالاً) كقول الفلسفي العالم قديم وكبعض المنسوب للنبيّ صلى الله عليه وسلّم لأنه روى عنه أنه قال سيكذب عليّ فإن كان قاله فلا بدّ من وقوعه، وإلا وهو الواقع فإنه غير معروف فقد كذب به عليه، وهذا المثال جعل فيه الأصل خلافا وليس بمعروف، بل صرح الأسنوي فيه بالقطع. (وكل خبر) عنه صلى الله عليه وسلّم (أوهم باطلاً) أي أوقعه في الوهم أي الذهن. (ولم يقبل تويلاً فـ) ـهو إما (موضوع) أي مكذوب عليه صلى الله عليه وسلّم لعصمته كما روي أنه تعالى خلق نفسه فهو كذب لإيهامه باطلاً وهو حدوثه، وقد دل العقل القاطع على أنه تعالى منزه عن الحدوث. (أو نقص منه) من جهة راويه (ما يزيل الوهم) الحاصل بالنقصان منه كما في خبر الصحيحين عن ابن عمر قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلّم صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال «أرأيتكم ليلتكم هذه على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» . قال ابن عمر فوهل الناس في مقالته أي غلطوا في فهم المراد منها حيث لم يسمعوا لفظة اليوم، ويوافقه فيها خبر مسلم عن أبي سعيد لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم» . وقوله منفوسة أي موثوقة احترز به عن الملائكة (وسبب وضعه) أي الخبر (نسيان) من الراوي لمرويه، فيذكر غيره ظانا أنه مرويه. (أو تنفير) كوضع الزنادقة أخبارا تخالف العقول تنفيرا لعقلاء عن شريعته المطهرة، وقولي أو تنفير أولى من قوله أو افتراء، لأن الافتراء قسم من الوضع لا سبب له. (أو غلط) من الراوي بأن يسبق لسانه إلى غير مرويه، أو يضع مكانه ما يظنّ أنه يؤدّي معناه أو يروي ما يظنه حديثا. (أو غيرها) كما في وضع بعضهم أخبارا في الترغيب في الطاعة والترهيب عن المعصية. (أو) مقطوع بكذبه (في الأصح كخبر مدّعي الرسالة) أي أنه رسول عن الله إلى الناس. (بلا معجزة) تبين صدقه (و) لا (تصديق الصادق) له، لأن الرسالة عن الله على خلاف العادة والعادة تقضي بكذب من يدّعي ما يخالفها بلا دليل، وقيل لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه، أما مدّعي النبوة أي الإيحاء إليه فقط فلا يقطع بكذبه، كما قاله إمام الحرمين، وظاهر أن محله قبل نزول أنه صلى الله عليه وسلّم خاتم النبيين،

أما بعده فيقطع بكذبه لقيام الدليل القاطع على أنه خاتم النبيين، وقولي وتصديق أولى من قوله أو تصديق لإيهامه أنه لا بد مع المعجزة من تصديق نبي له وليس كذلك. (وخبر نقب) بضم أوّله وتشديد ثانيه وكسره أي فتش (عنه) في كتب الحديث (ولم يوجد عند أهله) من الرواة لقضاء العادة بكذب ناقله، وقيل لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدق ناقله، وهذا بعد استقرار الأخبار، أما قبله كما في عصر الصحابة فلأحدهم أن يروي ما ليس عند غيره كما قاله الإمام الرازي. (وما نقل آحادا فيما تتوفر الدواعي على نقله) تواترا، إما لغرابته كسقوط الخطيب عن المنبر وقت الخطبة، أو لتعلقه بأصل ديني كالنص على إمامة علي رضي الله عنه في قوله صلى الله عليه وسلّم له «أنت الخليفة من بعدي» فعدم تواتره دليل على عدم صحته. وقالت الرافضة لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه. (وإما) مقطوع (بصدقه كخبر الصادق) أي الله تعالى لتنزهه عن الكذب ورسوله لعصمته عنه. (وبعض المنسوب للنبي) صلى الله عليه وسلّم وإن لم نعلم عينه (والمتواتر) معنى أو لفظا. (وهو) أي المتواتر (خبر جمع يمتنع) عادة (تواطؤهم) أي توافقهم (على الكذب عن محسوس) لا عن معقول لجواز الغلط فيه كخبر الفلاسفة بقدم العالم، فإن اتفق الجمع المذكور في اللفظ، والمعنى فهو لفظي، وإن اختلفوا فيهما مع وجود معنى كلي فهو معنوي، كما لو أخبر واحد عن حاتم بأنه أعطى دينارا وآخر بأنه أعطى فرسا وآخر بأنه أعطى بعيرا وهكذا. فقد اتفقوا على معنى كلي وهو الإعطاء. وعن محسوس متعلق بخبر (وحصول العلم) من خبر بمضمونه (آية) أي علامة (اجتماع شرائطه) أي المتواتر في ذلك الخبر. أي الأمور المحققة له، وهي كما يؤخذ من تعريفه كونه خبر جمع، وكونهم بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب وكونه عن محسوس. (ولا تكفي الأربعة) في عدد الجمع المذكور لاحتياجهم إلى التزكية فيما لو شهدوا بالزنا فلا يفيد قولهم العلم. (والأصح أن ما زاد عليها) (أن العلم فيه) أي في المتواتر (ضروري) أي يحصل عند سماعه من غير احتياج إلى نظر لحصوله لمن لا يتأتى منه النظر كالبله والصبيان، وقيل نظري بمعنى أنه متوقف على مقدّمات حاصلة عند السامع، وهي ما مر من الأمور المحققة لكون الخبر متواترا لا بمعنى الاحتياج إلى النظر عقب السماع، فلا خلاف في المعنى في أنه ضروري، إذ توقفه على تلك المقدّمات لا ينافي كونه ضروريا. (ثم إن أخبروا) أي أهل الخبر المتواتر كلهم (عن محسوس لهم) بأن كانوا طبقة واحدة (فذاك) أي إخبارهم عن محسوس لهم واضح في حصول التواتر (وإلا) أي وإن لم يخبروا كلهم عن محسوس لهم

بأن كانوا طبقات فلم يخبر عن محسوس إلا الطبقة الأولى منهم (كفى) في حصول التواتر (ذلك) أي إخبار الأولى عن محسوس لها مع كون كل طبقة من غيرهاجمعا يؤمن تواطؤهم على الكذب كما علم مما مر، بخلاف ما لو لم يكونوا كذلك فلا يفيد خبرهم التواتر، وبهذا بان أن المتواتر في الطبقة الأولى قد يكون آحادا فيما بعدها كما في القراءات الشاذة، وتعبيري بثم إلى آخره أولى من تعبيره بما ذكره، كما لا يخفى على المتأمل، وقد أوضحت ذلك في الحاشية. (و) الأصح (أن علمه) أي المتواتر أي العلم الحاصل منه (لكثرة العدد) في راويه (متفق) للسامعين له فيجب حصوله لكل منهم. (وللقرائن) الزائدة على أقل العدد الصالح له بأن تكون لازمة له من أحواله المتعلقة به أو بالمخبر به أو بالمخبر عنه. (قد يختلف) فيحصل لزيد دون غيره من السامعين لأن القرائن قد تقوم عند شخص دون آخر، أما الخبر المفيد للعلم بالقرائن المنفصلة عنه فليس بمتواتر، وقيل يجب حصول العلم من المتواتر مطلقا، لأن القرائن في مثل ذلك ظاهرة لا تخفى على السامع، وقيل لا يجب ذلك مطلقا بل قد يحصل لكل منهم ولبعضهم فقط لجواز أن لا يحصل لبعض بكثرة العدد كالقرائن. (و) الأصح (أن الإجماع على وفق خبر) لا يدل على صدقه في نفس الأمر مطلقا لاحتمال أن يكون للإجماع مستند آخر، وقيل يدل عليه مطلقا لأن الظاهر استناد المجمعين إليه لعدم ظهور مستند غيره، وقيل يدل إن تلقوه بالقبول بأن تعرضوا للاستناد إليه، وإلا فلا يدل لجواز استنادهم إلى غيره. (و) الأصح أن (بقاء خبر تتتوفر الدواعي على إبطاله) بأن لم يبطله ذوو الدواعي مع سماعهم له آحادا لا يدل على صدقه، وقل يدل عليه للاتفاق على قبوله حينئذ. قلنا الاتفاق على قبوله إنما يدل على ظنهم صدقه، ولا يلزم منه صدقه في نفس الأمر مثاله قوله صلى الله عليه وسلّم لعلي رضي الله عنه «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» رواه الشيخان. فإن دواعي بني أمية وقد سمعوه متوفرة على إبطاله لدلالته على خلافة علي رضي الله عنه كما قيل كخلافة هارون عن موسى بقوله اخلفني في قومي وإن مات قبله، ولم يبطلوه وأجوبة ذلك مذكورة في كتب أصول الدين. (و) الأصح أن (افتراق العلماء) في خبر (بين مؤول) له (ومحتج) به (لا يدل على صدقه) . وقيل يدلّ عليه للاتفاق على قبوله حينئذ. قلنا جوابه ما مر آنفا. (و) الأصح (أن المخبر) عن محسوس (بحضرة عدد التواتر ولم يكذبوه ولا حامل) لهم (على سكوتهم) عن تكذيبه من نحو خوف أو طمع في شيء منه أو عدم علم بخبره صادق فيما أخبر به، لأن سكوتهم تصديق له عادة فيكون الخبر صدقا. وقيل لا إذ لا يلزم من سكوتهم تصديقه لجواز سكوتهم عن تكذيبه لا لشيء والتصريح بعدد التواتر من زيادتي. (أو) أي والأصحّ أن المخبر عن محسوس (بمسمع من النبي صلى الله عليه وسلّم) أي بمكان يسمعه منه النبيّ. (ولا حامل) له (على سكوته) عن تكذيبه (صادق) فيما أخبر به دينيا كان أو دنيويا، لأن النبي لا يقر أحدا على كذب، وقيل لا إذ لا يدل سكوته على صدق المخبر أما في الدين، فلجواز أن يكون النبي بينه أو أخر بيانه بما يخالف ما أخبر به المخبر. وأما في الدنيوي، فلجواز أن لا يكون النبي يعلم حاله كما في إلقاح النخل، روى مسلم عن أنس أنه صلى الله عليه وسلّم مرّ بقوم يلقحون فقال «لو لم تفعلوا لصلح» . قال فخرج شيصا فمرّ بهم فقال «ما لنخلكم» ؟ قالوا قلت كذا وكذا. قال «أنتم أعلم بأمر دنياكم» . وقيل صادق في الدنيوي بخلاف الديني،

مسألة الأصح أن خبر الواحد يفيد العلم بقرينة

وقيل عكسه وتوجيههما يعلم مما مرّ. وأجيب في الديني بأن سبق البيان أو تأخيره لا يبيح السكوت عند وقوع المنكر لما فيه من إيهام تغير الحكم في الأول، وتأخير البيان عن وقت الحاجة في الثاني، وفي الدنيوي أنه إذا كان كذبا ولم يعلم به النبي يعلمه الله به عصمة له عن أن يقر أحدا على كذب، أما إذا وجد حامل على ما ذكر كأن كان المخبر ممن يعاند ولا ينفع فيه الإنكار فلا يكون صادقا قطعا. (وأما مظنون الصدق فخبر الواحد وهو ما لم ينته إلى التواتر) سواء أكان راويه واحدا أم أكثر أفاد العلم بالقرائن المنفصلة أو لا. (ومنه) أي خبر الواحد (المستفيض وهو الشائع) بين الناس (عن أصل) بخلاف الشائع لا عن أصل (قد يسمى) المستفيض (مشهورا) فهما بمعنى، وقيل المشهور بمعنى المتواتر، وقيل قسم ثالث غير المتواتر والآحاد، وعند المحدّثين هو أعم من المتواتر. (وأقله) أي المستفيض أي أقلّ عدد راويه (اثنان) وهو قول الفقهاء. (وقيل ما زاد على ثلاثة) وهو قول الأصوليين، وقيل ثلاثة وهو قول المحدثين. (مسألة الأصح أن خبر الواحد يفيد العلم بقرينة) كما في إخبار رجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش، ولا يشترط في الواحدة العدالة تعويلاً على القرينة، وقيل لا يفيد العلم مطلقا، وعليه الأكثر. واختاره صاحب الأصل في شرح المختصر، وقيل يفيده مطلقا بشرط العدالة لأنه حينئذ يجب العمل به كما سيأتي، وإنما يجب العمل بما يفيد العلم لقوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} ، {إن يتبعون إلا الظن} نهى عن اتباع غير العلم وذم على اتباع الظن. قلنا ذاك فيما المطلوب فيه العلم من أصول الدين كوحدانية الله تعالى لما ثبت من وجود العمل بالظن في الفروع، وقيل يفيد علما نظريا إن كان مستفيضا جعله قائله واسطة بين المتواتر المفيد للعلم الضروري والآحاد المفيد للظن. (ويجب العمل به) أي بخبر الواحد (في الفتوى والشهادة) أي ما يفتي به المفتي ويشهد به الشاهد بشرطه، وفي معنى الفتوى الحكم (إجماعا. وفي باقي الأمور الدينية والدنيوية في الأصحّ) وإن عارضه قياس كالإخبار بدخول وقت الصلاة أو بتنجس الماء وكإخبار طبيب أو غيره بمضرة شيء أو نفعه، وقيل يمتنع العمل به مطلقا لأنه إنما يفيد الظن، وقد نهى عن اتباعه كما مر. قلنا تقدم جوابه آنفا. وقيل يمتنع العمل به في الحدود لأنها تدرأ بالشبهة واحتمال الكذب في الآحاد شبهة. قلنا لا نسلم أنه شبهة على أنه موجود في الشهادة أيضا، وقيل يمتنع فيما تعم به البلوى أو خالفه راويه أو عارضه قياس، ولم يكن راويه فقيها وقيل غير ذلك، وإذا قلنا بأنه يجب العمل به فيجب. (سمعا) لأنه صلى الله عليه وسلّم كان يبعث الآحاد إلى القبائل والنواحي لتبليغ الأحكام، فلولا أنه يجب العمل بخبرهم لم يكن لبعثهم فائدة. (قيل وعقلاً) أيضا. وهو أنه لو لم يجب العمل به لتعطلت وقائع الأحكام المروية بالآحاد ولا سبيل إلى القول بذلك وترجيح الأول من زيادتي. (مسألة المختار أن تكذيب الأصل الفرع) فيما رواه عنه. (وهو جازم) به. كأن قال رويت هذا عنه. فقال ما رويته له. (لا يسقط مرويه) عن القبول وقيل يسقطه، لأن أحدهما كاذب، ويحتمل أن يكون هو الفرع فلا يثبت مرويه، قلنا يحتمل نسيان الأصل له بعد روايته للفرع فلا يكون واحد منهما بتكذيب الآخر له مجروحا. (لأنهما لو اجتمعا في شهادة لم تردّ) لأن كلاً منهما يظن أنه صادق والكذب على النبي في ذلك بتقدير إنما يسقط العدالة إذا كان عمدا، وإذا لم يسقط مروي الفرع بتكذيب الأصل له فبشكه في أنه رواه له أو ظنه أنه ما رواه له أولى، وعليه الأكثر كما صرح به الأصل، وقيل يسقط به قياسا على نظيره في شهادة الفرع على شهادة الأصل. قلنا باب الشهادة أضيق

إذ يعتبر فيه الحرية والذكورة وغيرهما ودخل بقيد وهو جازم ما لو جزم الأصل بنفي الرواية أو ظنه أو شك فيه، وخرج به ما لو شك الفرع في الرواية أو ظنها فيسقط مرويه إلا إن ظنها الفرع مع ظنّ الأصل نفيها أو شك فيه. وبما تقرر علم أن صور الجزم والظن والشك من الأصل والفرع تسع، وأن المروي يسقط في أربع منها دون البقية. (وزيادة العدل) فيما رواه على غيره من العدول (مقبولة إن لم يعلم اتحاد المجلس بأن علم تعدده) لجواز أن يكون النبي ذكرها في مجلس وسكت عنها في آخر، أو لم يعلم تعدده ولا اتحاده، لأن الغالب في مثل ذلك التعدد. (وإلا) أي وإن علم اتحاده (فالمختار المنع) أي منع قبولها. (إن كان غيره) أي غير من زاد (لا يغفل) بضمّ الفاء أشهر من فتحها. (مثلهم عن مثلها عادة أو كانت الدواعي تتوفر على نقلها) وإلا قبلت، وقيل لا تقبل مطلقا لجواز خطأ من زاد فيها. وقيل تقبل مطلقا، وهو ما اشتهر عن الشافعي، ونقل عن جمهور الفقهاء والمحدثين لجواز غفلة من لم يزد عنها، وقيل إن كان غير من زاد لا يغفل مثلهم عن مثلها عادة لم تقبل وإلا قبلت، وقيل بالوقف عن قبولها وعدمه. (فإن كان الساكت) عنها فيما إذا علم اتحاد المجلس. (أضبط) ممن ذكرها. (أو سرّح بنفيها على وجه يقبل) . كأن قال ما سمعتها (تعارضا) أي خبر الزيادة وخبر عدمها بخلاف ما إذا نفاها على وجه لا يقبل بأن محض النفي فقال لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلّم.، فإنه لا أثر لذلك. (والأصح أنه لو رواها) الراوي (مرة وتركـ) ـها (أخرى أو انفرد) بها (واحد عن واحد) فيما روياه (قبلت) . وإن علم اتحاد المجلس لجواز السهو في الترك في الأولى، ولأن مع راويها زيادة علم في الثانية، وقيل لا يقبل لجواز الخطأ فيها في الأولى ولمخالفة رفيقه في الثانية، وقيل بالوقف في الأولى وقياسه يأتي في الثانية. (و) الأصح (أنه إن غيرت) زيادة العدل (إعراب الباقي تعارضا) أي الخبران لاختلاف المعنى حينئذ كما لو روي في خبر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من تمر نصف صاع، وقيل تقبل الزيادة كما إذا لم يتغير الإعراب. (و) الأصح (أن حذف بعض الخبر جائز إلا أن يتعلق به الباقي) . فلا يجوز حذفه اتفاقا لإخلاله بالمعنى المقصود كأن يكون غاية أو مستثنى بخلاف ما لا يتعلق به الباقي فيجوز حذفه، لأنه كخبر مستقلّ، وقيل لاحتمال أن يكون للضمّ فائدة تفوت بالتفريق مثاله. قوله صلى الله عليه وسلّم في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» . إذ قوله الحل ميتته لا تعلق له بما قبله. (ولو أسند وأرسلوا) أي أسند الخبر إلى النبي واحد ووقف الباقون على الصحابي أو من دونه (فكالزيادة) أي فالإسناد أو الرفع كالزيادة فيما مرّ من التفصيل والخلاف وغيرهما. ومعلوم أن التفصيل بين ما تتوفر الدواعي على نقله، ولا تتوفر لا يمكن مجيئه هنا وتعدد مجلس السماع من الشيخ هنا كتعدد مجلس السماع من النبي ثمّ (وإذا حمل صحابي مرويه على أحد محمليه حمل عليه إن تنافيا) كالقرء يحمله على الطهر أو الحيض، لأن الظاهر أنه إنما حمله عليه لقرينة، وتوقف الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فقال فيه نظر أي لاحتمال أن يكون حمله لموافقة رأيه لا لقرينة وخرج بالصحابي غيره، وقيل مثله التابعي، والفرق على الأصح أن ظهور القرينة للصحابي أقرب. (وإلا) أي وإن لم يتنافيا (فكالمشترك في حمله على معنييه) وهو الأصح كما مرّ فيحمل المروي على محمليه ولا يختص بحمل الصحابي إلا على القول بمنع حمل المشترك على معنييه. (فإن حمله) أي حمل الصحابي مرويه فيما لو تنافى المحملان (على غير ظاهره) كأن حمل اللفظ على معناه المجازى دون الحقيقي (حمل على ظاهره في الأصح) اعتبارا بالظاهر، وفيه وفي أمثاله قال الشافعي كيف أترك الحديث بقول من لو عاصرته لحججته، وقيل يحمل على حمله مطلقا لأنه لم يفعله إلا لدليل. قلنا في ظنه وليس لغيره اتباعه فيه، وقيل يحمل عليه إن فعله لظنه أنه قصد النبي صلى الله عليه وسلّم من قرينة شاهدها. قلنا ظنه ذلك ليس لغيره

مسألة لا يقبل مختل ولا كافر ولا صبي في الأصح

اتباعه فيه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا فإن ذكر دليلاً عمل به، أما إذا لم يتنافيا فظاهر حمله على حقيقته ومجازه بناء على الراجح من استعمال اللفظ فيهما. (مسألة لا يقبل) في الرواية (مختل) في عقله كجنون وإن تقطع جنونه وكمفيق من جنونه وأثر في زمن إفاقته إذ لا يمكنه التحرز عن الخلل، وتعبيري بمختل أعم من تعبيره بمجنون. (و) لا (كافر) وإن علم منه التدين والتحرز عن الكذب، إذ لا وثوق به في الجملة مع شرف منصب الرواية عنه. (وكذا صبيّ) يميزه (في الأصح) . إذ لا وثوق به لأنه لعلمه بعدم تكليفه قد لا يحترز عن الكذب، وقيل يقبل إن علم منه التحرز عنه، أما غير المميز فلا يقبل قطعا كالمجنون. (والأصح أنه يقبل صبي) مميز (تحمل فبلغ فأدى) ما تحمله لانتفاء المحذور السابق، وقيل لا. إذ الصغر مظنة عدم الضبط ويستمر المحفوظ بحاله، ولو تحمل كافر فسلم فأدّى أو فاسق فتاب فأدى قبل. (و) الأصح أنه يقبل (مبتدع يحرم الكذب وليس بداعية ولا يكفر ببدعته) لأمنه من الكذب مع تأويله في الابتداع بخلاف من لا يحرم الكذب أو يكون داعية بأن يدعو الناس إلى بدعته أو يكفر ببدعته كمنكر حدوث العالم والبعث، وعلم الله بالمعدوم وبالجزئيات فلا يقبل واحد من الثلاثة، وممن رجحه في الثاني ابن الصلاح والنووي. وقال ابن حبان لا أعلم فيه اختلافا وقيل. يقبل ممن يحرم الكذب، وإن كان داعية لما مر وهو الذي رجحه الأصل، ومراده إذا لم يكفر ببدعته، وقيل يقبل ممن يحرم الكذب وإن كفر ببدعته، وقيل لا يقبل مطلقا لابتداعه المفسق له. (و) الأصح أنه يقبل (من ليس فقيها وإن خالف القياس) خلافا للحنفية فيما يخالفه، لأن مخالفته ترجح احتمال الكذب. قلنا لا نسلم. (و) الأصح أنه يقبل (متساهل في غير الحديث) بأن يتساهل في حديث الناس، ويتحرز في الحديث النبوي لأمن الخلل فيه بخلاف المتساهل فيه فيرد، وقيل لا يقبل المتساهل مطلقا لأن التساهل في غير الحديث النبوي يجرّ إلى التساهل فيه. (ويقبل مكثر) من الرواية (وإن ندرت مخالطته للمحدثين إن أمكن تحصيل ذلك القدر) الكثير الذي رواه (في ذلك الزمن) الذي خالطهم فيه فإن لم يمكن لم يقبل في شيء مما رواه لظهور كذبه في بعض لا نعلم عينه. (وشرط الراوي العدالة وهي) لغة التوسط وشرعا بالمعنى الشامل للمروءة (ملكة) أي هيئة راسخة في النفس. (تمنع اقتراف) أي ارتكاب (الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة) وتطفيف تمرة (والرذائل المباحة) أي الجائزة بالمعنى الأعم أي المأذون في فعلها لا بمعنى مستوية الطرفين. (كبول بطريق) وهو مكروه والأكل في السوق لغير سوقي وغيرهما. مما يخلّ بالمروءة. والمعنى يمنع اقتراف كل فرد من أفراد ما ذكر فباقتراف فرد منه تنتفي العدالة، أما صغائر غير الخسة ككذبة لا يتعلق بها ضرر ونظرة إلى أجنبية، فلا يشترط المنع من اقتراف كل فرد منها. فلا تنتفي العدالة باقتراف شيء منها إلا أن يصرّ عليه ولم تغلب طاعاته، وإذا تقرر أن العدالة شرط في الرواية. (فلا يقبل في الأصح مجهول باطنا وهو المستور، و) لا (مجهول مطلقا) أي باطنا وظاهرا (و) لا (مجهول العين) كأن يقال عن رجل لانتفاء تحقق العدالة وقيل يقبلون اكتفاء بظنّ حصولها في الأول وتحسينا للظنّ بالأخيرين وحكاية الأصل الإجماع على عدم قبولهما مردودة بنقل ابن الصلاح وغيره الخلاف فيهما. (فإن وصفه) أي الأخير (نحو الشافعي) من أئمة الحديث الراوي عنه (بالثقة أو بنفي التهمة) كقوله أخبرني الثقة أو من لا أتهمه. (قبل في الأصح) . وإن كان الثاني دون الأوّل رتبة وذلك لأن واصفه من أئمة الحديث لا يصفه بذلك إلا وهو كذلك، وقيل لا يقبل لجواز أن أن يكون فيه جارح ولم يطلع عليه الواصف. قلنا يبعد ذلك جدا مع كون الواصف مثل الشافعي محتجا به على حكم في دين الله. (كمن أقدم معذورا) بنحو تأويل أو جهل خلا عن التدين بالكذب

أو إكراه. (على) فعل (مفسق مظنون) كشرب نبيذ (أو مقطوع) كشرب خمر فيقبل في الأصح سواء اعتقد الإباحة أم لم يعتقد شيئا لعذره، وقيل لا يقبل لارتكابه المفسق، وإن اعتقد الإباحة، وقيل يقبل في المظنون دون المقطوع وخرج بالمعذور من أقدم عالما بالتحريم باختياره أو متدينا بالكذب فلا يقبل قطعا، وبما تقرر علم أن قولي معذورا أولى من قوله جاهلاً. ( والمختار أن الكبيرة ما توعد عليه) بنحو غضب أو لعن (بخصوصه) في الكتاب أو السنة. (غالبا) . وقيل هي ما فيه حدّ. قال الرافعي وهم إلى ترجيح هذا أميل ولأول ما يوجد لأكثرهم وهو الأوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر. أي لعدّهم منها أكل مال اليتيم والعقوق وغيرهما مما لا حدّ فيه، وذكر لأصل أن المختار قول إمام الحرمين إنها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة، وإنما لم أختره لأنه يتناول صغائر الخسة مع أن الإمام إنما ضبط به ما يبطل العدالة من المعاصي مطلقا، لا الكبيرة التي الكلام فيها والكبائر بعد أكبرها وهو الكفر كما هو معلوم. (كقتل) عمدا أو شبهه ظلما (وزنا) بالزاي لآية {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} (ولواط) لأنه مضيع لماء النسل بوطئه في فرج كالزنا. (وشرب خمر) وإن لم يسكر لقلتها وهي المشتد من ماء العنب. (ومسكر) ولو غير خمر كالمشتد من نقيع الزبيب المسمى بالنبيذ لخبر صحيح ورد فيه، أما شرب ما لا يسكر لقلته من غير الخمر فصغيرة حكما في حق من شربه معتقدا حله لقبول شهادته، وإلا فهو كبيرة حقيقة لإيجابه الحد وللتوعد عليه. وفي معنى ذلك ما اختلف في تحريمه من مطبوخ عصير العنب. (وسرقة) لربع مثقال أو ما قيمته ذلك لآية {والسارق والسارقة} ، أما سرقة ما دون ذلك فصغيرة. قال الحليمي إلا إن كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عن ذلك فيكون كبيرة. (وغصب) لمال أو نحوه لخبر الصحيحين «مَنْ ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين» . وقده العبادي وغيره بما يبلغ قيمته ربع مثقال كما يقطع به في السرقة. (وقذف) محرّم بزنا أو لواط لآية {إن الذين يرمون المحصنات} ، نعم قال الحليمي قذف صغيرة ومملوكة وحرة متهتكة صغيرة لأن الإيذاء فيه دونه في الحرة الكبيرة المستترة، أما القذف المباح كقذف الرجل زوجته إذا علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا فليس بكبيرة ولا صغيرة، وكذا جرح الراوي والشاهد بالزنا إذا علم بل هو واجب. (ونميمة) وهي نقل كلام بعض الناس إلى بعض على وجه الإفساد بينهم لخبر الصحيحين «لا يدخل الجنة نمام» . بخلاف نقل الكلام نصيحة للمنقول إليه كما في قوله تعالى حكاية {يا موسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} فإنه واجب، أما الغيبة وهي ذكرك لإنسان بما تكرهه وإن كان فيه فصغيرة قاله صاحب العدة، وأقرّه الرافعي ومن تبعه لعموم البلوى بها. نعم قال القرطبي في تفسيره إنها كبيرة بلا خلاف، ويشملها تعريف الأكثر الكبيرة بما توعد عليه بخصوصه قال تعالى {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} قال الزركشي وقد ظفرت بنص الشافعي في ذلك، فالقول بأنها صغيرة ضعيف أو باطل. قلت ليس كذلك لإمكان الجمع بحمل النص، وما ذكر على ما إذا أصر على الغيبة أو قرنت بما يصيرها كبيرة أو اغتاب عدلاً وقد أخرجتها بزيادتي غالبا وتباح الغيبة في ستة مواضع مذكورة في محلها، وقد نظمتها في بيتين فقلت

تباح غيبة لمستفت ومن رام إعانة لرفع منكر ومعرّف متظلم متكلم في معلن فسقا مع المحذر (وشهادة زور) ولو بما قلّ لأنه صلى الله عليه وسلّم عدها في خبر من الكبائر. وفي آخر من أكبر الكبائر رواهما الشيخان. (ويمين فاجرة) لخبر الصحيحين «من حلف على مال امرىء مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان» . وخص المسلم جريا على الغالب وإلا فالكافر المعصوم كذلك. (وقطيعة رحم) لخبر الصحيحين «لا يدخل الجنة قاطع» . قال سفيان أي ابن عيينة في رواية يعني قاطع رحم، والقطيعة فعيلة من القطع ضد الوصل والرحم القرابة. (وعقوق) للوالدين أو أحدهما، لأنه صلى الله عليه وسلّم عدّه في خبر من الكبائر وفي آخر من أكبر الكبائر رواهما الشيخان. وأما خبرهما «الخالة بمنزلة الأم» . وخبر البخاري «عم الرجل صنو أبيه» . أي مثله فلا يدلاّن على أنهما كالولدين في العقوق. (وفرار) من الزحف لآية {ومن يولهم يومئذ دبره} ولأنه صلى الله عليه وسلّم عدّه من السبع الموبقات أي المهلكات. رواه الشيخان. نعم يجب إذا علم أنه إذا ثبت يقتل من غير نكاية في العدو لانتفاء إعزاز الدين بثباته. (ومال يتيم) أي أخذه بلا حق وإن كان دون ربع مثقال لآية {إن الذين يأكلون أموال اليتامى} وقد عد أكلها صلى الله عليه وسلّم من السبع الموبقات في الخبر السابق، وقيس بالأكل غيره وإنما عبر به في الآية، والخبر، لأنه أعم وجوه الانتفاع. (وخيانة) في غير الشيء التافه بكيل أو غيره كوزن وغلول لآية {ويل للمطففين} ولقوله تعالى {إن الله لا يحب الخائنين} والغلول الخيانة من الغنيمة أو بيت المال أو الزكاة قاله الأزهري وغيره، وإن قصره أبو عبيد على الخيانة من الغنيمة أما في التافه فصغيرة كما مر. (وتقديم صلاة) على وقتها (وتأخيرها) عنه بلا عذر كسفر قال صلى الله عليه وسلّم «من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر» . رواه الترمذي وتركها أولى بذلك. (وكذب) عمدا (على نبي) . قال صلى الله عليه وسلّم «من كذب عليَّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار» . رواه الشيخان وغيره من الأنبياء مثله في ذلك كما هو ظاهر قياسا عليه، وقد شمله تعبيري بنبي بخلاف تعبيره كغيره برسول الله صلى الله عليه وسلّم. وقد بسطت الكلام على ذلك في الحاشية، أما الكذب على غير نبي فصغيرة إلا أن يقترن به ما يصيره كبيرة كأن يعلم أنه يقتل به قاله ابن عبد السلام، وعليه يحمل خبر الصحيحين «إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا» . (وضرب مسلم) بلا حق لخبر مسلم «صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» . وخرج بالمسلم الكافر فليس ضربه كبيرة بل صغيرة، وزعم الزركشي أنه كبيرة. (وسب صحابي) لخبر الصحيحين «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» . وروى مسلم «لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق» الخ. والخطاب للصحابة السابين نزلهم لسبهم الذي لا يليق بهم منزلة غيرهم حيث علله بما ذكره، واستثنى من ذلك سبّ الصدّيق بنفي الصحبة فهو كفر لتكذيب القرآن، أما سب واحد من غير الصحابة فصغيرة، وخبر الصحيحين «سباب المسلم فسوق» . معناه تكرار السب فهو إصرار على صغيرة فيكون كبيرة. (وكتم شهادة) . قال تعالى {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} أي ممسوخ وخص بالذكر لأنه محل الإيمان، ولأنه

إذا أثم تبعه الباقي. (ورشوة) بتثليث الراء وهي أن يبذل مالاً ليحق باطلاً أو يبطل حقا لخبر الترمذي «لعنة الله على الراشي والمرتشي» زاد الحاكم «والرائش الذي يسعى بينهما» . أما بذله للمتكلم في جائز مع سلطان مثلاً فجعلة جائزة فيجوز البذل والأخذ وبذله للمتكلم في واجب كتخليص من حبس ظلما وتولية قضاء طلبه من تعين عليه أو سن له جائز والأخذ فيه حرام. (ودياثة) بمثلثة قبل الهاء، وهي استحسان الرجل على أهله لخبر ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق والديه والديوث ورجلة النساء. قال الذهبي إسناده صالح. (وقيادة) قياسا على الدياثة، والمراد بها استحسان الرجل على غير أهله. وقد بسطت الكلام عليه في الحاشية. (وسعاية) وهي أن يذهب بشخص إلى ظالم ليؤذيه بما يقوله في حقه لخبر الساعي مثلث أي مهلك بسعايته نفسه والمسعى به، وإليه. (ومنع زكاة) . لخبر الصحيحين «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليه في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره» . إلى آخره. (ويأس رحمة) لخبر الدارقطني. لكنه صوّب وقفه «من الكبائر الإشراك بالله والاياس من روح الله» . والمراد باليأس من رحمة الله استبعاد العفو عن الذنوب لاستعظامها لا إنكار سعة رحمته للذنوب، فإنه كفر لظاهر قوله تعالى {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} إلا أن يحمل اليأس فيه على الاستبعاد والكفر على معناه اللغوي وهو الستر. (وأمن مكر) بالاسترسال في المعاصي والاتكال على العفو. قال تعالى {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} (وظهار) كقوله لزوجته أنت عليّ كظهر أمي قال تعالى فيه {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} أي كذبا حيث شبهوا الزوجة بالأم في التحريم. (ولحم ميتة وخنزير) أي تناوله بلا ضرورة لآية {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمّا} وبمعنى الخنزير الكلب وفرع كل منهما مع غيره. (وفطر في رمضان) ولو يوما بلا عذر لخبر من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صيام الدهر، وهو وإن تكلم فيه فله شواهد تجبره، ولأن صومه من أركان الإسلام ففطره يؤذن بقلة اكتراث مرتكبه بالدين، وتعبيري بذلك أولى

مسألة الاخبار بعام رواية والخاص عند حاكم شهادة

من قوله وفطر رمضان. (وحرابة) وهي قطع الطريق على المارّين بإخافتهم لآية {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} (وسحر وربا) بموحدة لأنه صلى الله عليه وسلّم عدهما من السبع الموبقات في الخبر السابق. (وإدمان صغيرة) أي إصرار عليها من نوع أو أنواع بحيث لم تغلب طاعاته معاصيه وليست الكبائر منحصرة في المذكورات، كما أفهمه ذكر الكاف في أولها، وأما نحو خبر البخاري «الكبائر الإشراك بالله والسحر وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس» . فمحمول على بيان المحتاج إليه منها وقت ذكره، وقد قال ابن عباس هي إلى السبعين أقرب. وسعيد بن جبير هي إلى السبعمائة أقرب يعني باعتبار أصناف أنواعها. (مسألة الاخبار بعام) أي بشيء عام (رواية) كخصائص النبي صلى الله عليه وسلّم وغيره، إذ القصد منها اعتقاد خصوصيتها بمن اختصت به، وهو يعم الناس، وما في المروي من أمر ونهي ونحوهما يرجع إلى الخبر بتأويل. فتأويل أقيموا الصلاة، ولا تقربوا الزنا مثلاً الصلاة واجبة والزنا حرام. (و) الاخبار (بخاصّ عند حاكم شهادة) بقيد زدته بقولي (إن كان حقا لغير المخبر على غيره) فإن كان للمخبر على غيره فدعوى أو لغيره عليه وإن لم يكن عند حاكم فإقرار. (والمختار أن أشهد إنشاء تضمن إخبارا) بالمشهود به نظرا إلى وجود مضمونه في الخارج به، وإلى متعلقه. وقيل محض إخبار نظر إلى متعلقه فقط، وقيل محض إنشاء نظرا إلى اللفظ فقط. قال شيخنا العلامة المحلي وهو التحقيق فلم تتوارد الثلاثة على محل واحد، ولا منافاة بين كون أشهد إنشاء وكون معنى الشهادة إخبارا لأنه صيغة مؤدية لذلك المعنى بمتعلقه انتهى. (و) المختار (أن صيغ العقود والحلو كبعت) واشتريت (وأعتقت إنشاء) لوجود مضمونها في الخارج بها. وقال أبو حنيفة إنها إخبار على أصلها بأن يقدر وجود مضمونها في الخارج قبيل التلفظ بها، وذكر صيغ الحلول مع مثالها من زيادتي. (و) المختار (أنه يثبت الجرح والتعديل بواحد في الرواية فقط) أي بخلاف الشهادة لا يثبتان فيها إلا بعدد رعاية للتناسب فيهما، فإن قال الواحد يقبل في الرواية دون الشهادة، وقيل يثبتان إلا بعدد فيهما نظرا إلى أن ذلك شهادة، وقيل يكفي في ثبوتهما فيهما واحد نظرا إلى أن ذلك خبر، والترجيح من زيادتي. (و) المختار (أنه يشترط ذكر سبب الجرح فيهما) أي في الرواية والشهادة للاختلاف فيه بخلاف سبب التعديل. (و) لكن (يكفي إطلاقه) أي الجرح (في الرواية) كالتعديل كأن يقول الجارح فلان ضعيف أو ليس بشيء (إن عرف مذهب الجارح) من أنه لا يجرح إلا بقادح، فعلم أنه لا يكفي الإطلاق في الرواية إذا لم يعرف مذهب الجارح، ولا في الشهادة مطلقا لتعلق الحق فيها بالمشهود له، نعم يكفي ذلك فيهما لإفادة التوقف عن القبول إلى أن يبحث عن ذلك كما ذكره في الرواية، وظاهر أنه لا فرق بينها وبين الشهادة. وقيل يشترط ذكر سببهما في الرواية والشهادة ولو من العالم به، فلا يكفي إطلاقهما فيهما لاحتمال أن يجرح بما ليس بجارح، وأن يبادر إلى التعديل عملاً بالظاهر، وقيل يكفي ذلك اكتفاء بعلم الجارح والمعدل بسببهما، وقيل يشترط ذكر سبب التعديل دون سبب الجرح لأن مطلق الجرح يبطل الثقة ومطلق التعديل لا يحصلها لجواز الاعتماد فيه على الظاهر. (والجرح مقدم) عند التعارض على التعديل. (إن زاد عدد الجارح على) عدد (المعدل) إجماعا. (وكذا إن لم يزد عليه) بأن ساواه أو نقص عنه. (في الأصح) لاطلاع الجارح على ما لم يطلع عليه المعدل، وقضيته أنه لو اطلع المعدل على السبب وعلم توبته منه قدم على الجارح وهو كذلك، وقيل يطلب الترجيح في صورة عدم الزائد كما هو حاصل في صورة الزائد بالزيادة وعلى وزانه قيل إن التعديل في صورة الناقص مقدم. (ومن التعديل) لشخص (حكم مشترط العدالة) في الشاهد. (بالشهادة) من ذلك الشخص،

مسألة الصحابي من اجتمع مؤمنا بالنبي

إذ لو لم يكن عدلاً عنده لما حكم بشهادته. (وكذا عمل العالم) المشترط للعدالة في الراوي برواية شخص تعديل له في الأصح، وإلا لما عمل بروايته وقيل ليس تعديلاً، والعمل بروايته يجوز أن يكون احتياطا. (و) كذا (رواية من لا يروي إلا عن عدل) بأن صرح بذلك أو عرف من عادته عن شخص تعديل له. (في الأصح) كما لو قال هو عدل، وقيل يجوز أن يترك عادته وتأخيري في الأصح عن المسألتين قبله أولى من توسيط الأصل له بينهما. (وليس من الجرح) لشخص (ترك عمل بمرويه و) لا ترك (حكم بمشهوده) . لجواز أن يكون الترك لمعارض. (ولا حدّ) له (في شهادة زنا) بأن لم يكمل نصابها لأنه لانتفاء النصاب لا لمعنى في الشاهد. (و) لا في (نحو شرب نبيذ) من المسائل الاجتهادية المختلف فيها كنكاح المتعة لجواز أن يعتقد إباحة ذلك. (ولا تدليس) فيمن روى عنه (بتسمية غير مشهورة) له حتى لا يعرف، إذ لا خلل في ذلك. (قيل) أي قال ابن السمعاني (إلا أن يكون بحيث لو سئل) عنه (لم يبينه) فإن صنيعه حينئذ جرح له لظهور الكذب فيه. وأجيب بمنع ذلك. (ولا) تدليس (بإعطاء شخص اسم آخر تشبيها كقول) صاحب (الأصل) أخبرنا (أبو عبد الله الحافظ يعني) به (الذهبي تشبيها بالبيهقي) في قوله أخبرنا أبو عبد الله الحافظ (يعني) به (الحاكم) لظهور المقصود وذلك صدق في نفس الأمر (ولا) تدليس (بإيهام اللقى والرحلة) الأول، ويسمى تدليس الإسناد كأن يقول من عاصر الزهري مثلاً ولم يلقه. قال الزهري أو عن الزهري موهما أنه سمعه، والثاني كأن يقول حدّثنا فلان وراء النهر موهما جيحون، والمراد نهر مصر كأن يكون بالجيزة لأن ذلك من المعاريض لا كذب فيه. (أما مدلس المتون) وهو من يدرج كلامه معها بحيث لا يتميزان. (فمجروح) لإيقاعه غيره في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلّم. (مسألة الصحابي) أي صاحب النبي صلى الله عليه وسلّم. (من اجتمع مؤمنا) مميزا (بالنبي) في حياته (وإن لم يرو) عنه شيئا (ولم يطل) أي اجتماعه به أو كان أنثى أو أعمى كابن أم مكتوم، فخرج من اجتمع به كافرا أو غير مميز أو بعد وفاة النبي، لكن قال البرماوي في غير المميز إنه صحابي وإن اختار جماعة خلاف ذلك، وقيل يشترط في صدق اسم الصحابي الرواية ولو لحديث وإطالة الاجتماع نظرا في الإطالة إلى العرف، وفي الرواية إلى أنها المقصود الاعظم من صحبة النبي صلى الله عليه وسلّم لتبليغ الأحكام، وقيل يشترط الغزو معه ومضى على الاجتماع به لأن لصحبته شرفا عظيما فلا ينال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب، والعام المشتمل على الفصول الأربعة التي تختلف فيها الأمزجة، واعترض التعريف بأنه يصدق على من مات مرتدًّا كعبد الله بن خطل، ولا يسمى صحابيا بخلاف من مات بعد ردته مسلما كعبد الله بن سرح. وأجيب بأنه كان يسماه قبل الردة، ويكفي ذلك في صحة التعريف إذ لا يشترط فيه الاحتراز عن المنافي العارض. (كالتابعي معه) أي مع الصحابي فيكفي في صدق اسم التابعي على الشخص اجتماعه مؤمنا بالصحابي في حياته، وهذا ما رجحه ابن الصلاح والنووي وغيرهما. وقيل لا يكفي ذلك من غير إطالة للاجتماع به وبه جزم الأصل تبعا للخطيب البغدادي، وفرق بأن الاجتماع بالنبي يؤثر من النور القلبي أضعاف ما يؤثره الاجتماع الطويل بالصحابي وغيره من الأخيار. (والأصح أنه لو ادّعى معاصر) للنبي صلى الله عليه وسلّم (عدل صحبة قبل) لأن عدالته تمنعه من الكذب في ذلك، وقيل لا يقبل لادّعائه لنفسه رتبة هو فيها متهم كما لو قال أنا عدل. (و) الأصح (أن الصحابة عدول) فلا يبحث عن عدالتهم في رواية ولا شهادة لأنهم خير الأمة لقوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وقوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} فإن المراد بهم الصحابة،

مسألة المرسل

ولخبر الصحيحين «خير أمتي قرني» وقيل هم كغيرهم فيبحث عن عدالتهم في ذلك إلا من كان ظاهر العدالة أو مقطوعها كالشيخين رضي الله عنهما، وقيل هم عدول إلى حين قتل عثمان رضي الله عنه فيبحث عن عدالتهم بعده لوقوع الفتن بينهم من حينئذ مع إمساك بعضهم عن خوضها. وقيل هم عدول إلا من قاتل عليا رضي الله عنه فهم فسقة لخروجهم على الإمام الحق وردّ بأنهم مجتهدون في قتالهم له فلا يأثمون وإن أخطأوا بل يؤجرون كما سيأتي على كل قول من طرأ له منهم قادح كسرقة أو زنا عمل بمقتضاه، لأنهم وإن كانوا عدولاً غير معصومين. (مسألة المرسل) المشهور عند الأصوليين والفقهاء وبعض المحدثين. (مرفوع غير صحابي) تابعيا كان أو من بعده (إلى النبي) صلى الله عليه وسلّم مسقطا لواسطة بينه وبين النبي، وعند أكثر المحدّثين مرفوع تابعي إلى النبي، وعندهم المعضل ما سقط منه راويان فأكثر، والمنقطع ما سقط منه من غير الصحابة راوٍ وقيل ما سقط منه راوٍ فأكثر. (والأصح أنه لا يقبل) أي لا يحتج به للجهل بعدالة الساقط وإن كان صحابيا لاحتمال أن يكون ممن طرأ له قادح. (إلا إن كان مرسله من كبار التابعين) كقيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي (وعضده كون مرسله لا يروي إلا عن عدل) كأن عرف ذلك من عادته كأبي سلمة بن عبد الرحمن يروي عن أبي هريرة (وهو) حينئذ (مسند) حكما لأن إسقاط العدل كذكره. (أو عضده قول صحابي أو فعله أو قول الأكثر) من العلماء لأصحابي فيهم. (أو مسند) سواء أسنده المرسل أم غيره (أو مرسل) أن يرسله آخر يروي عن غير شوخ الأوّل. (أو انتشار) له من غير نكير (أو قياس أو عمل) أهل (العصر) على وفقه (أو نحوها) ككون مرسله إذا شارك الحفاظ في أحاديث وافقهم فيها ولم يخالفهم إلا بنقص لفظ من ألفاظهم بحيث لا يختل به المعنى، فإن المرسل حينئذ يقبل لانتقاء المحذور، وقيل يقبل مطلقا لأن العدل لا يسقط الواسطة إلا وهو عدل عنده، وإلا كان ذلك تلبيسا قادحا فيه، وقيل لا مطلقا لما مر، وقيل يقبل إن كان المرسل من أئمة النقل كسعيد بن المسيب والشعبي، بخلاف من لم يكن منهم فقد يظن من ليس بعدل عدلاً فيسقطه لظنه. (والمجموع) من المرسل وعاضده (حجة) لا مجرد المرسل ولا مجرد عاضده لضعف كل منهما منفردا، ولا يلزم من ذلك ضعف المجموع، لأنه يحصل من اجتماع الضعيفين قوة مفيدة للظن هذا (إن لم يحتجّ بالعاضد) وحده، (وإلا) بأن كان يحتج به كمسند صحيح (فـ) ـهما (دليلان) ، إذ العاضد حينئذ دليل برأسه والمرسل لما اعتضد به صار دليلاً آخر فيرجح بهما عند معارضة حديث واحد لهما والتقييد بكبار التابعين من زيادتي. (و) الأصح (أنه) أي المرسل بقيد زدته بقولي (باعتضاده) أي مع اعتضاده (بضعيف أضعف من المسند) المحتج به، وقيل أقوى منه لأن العدل لا يسقط إلا من يجزم بعدالته، بخلاف من يذكره فيحيل الأمر فيه على غيره. قلنا لا نسلم ذلك أما إذا اعتضد بصحيح، فلا يكون أضعف من مسند يعارضه بل هو أقوى منه، كما علم مما مر أما مرسل صغار التابعين كالزهري فباق على عدم قبوله مع عاضده لشدة ضعفه، وقيد القبول بكبار التابعين، لأن غالب رواياتهم عن الصحابة فيغلب على الظن أن الساقط صحابي، فإذا انضم إليه عاضد كان أقرب إلى القبول وعليه ينبغي ضبط الكبير بمن أكثر رواياته عن الصحابة والصغير بمن أكثر رواياته عن التابعين على أن ابن الصلاح والنووي لم يقيدا بالكبار وهو قوي، وهذا كله في مرسل غير صحابي كما عرفت، أما مرسله فمحكوم بصحته على المذهب لأن أكثر رواية الصحابة عن الصحابة وكلهم عدول كما مرّ. (فإن تجرد) هذا المرسل عن عاضد (ولا دليل) في الباب (سواه) ومدلوله المنع من شيء، (فالأصح) أنه يجب (الانكفاف) عن ذلك الشيء (لأجله) أي المرسل

مسألة الأصح جواز نقل الحديث بالمعنى لعارف

احتياطا لأن ذلك يحدث شبهة توجب التوقف، وقيل لا يجب لأنه ليس بحجة حينئذ، أما إذا كان ثم دليل سواه فيجب الانكفاف قطعا إن وافقه وإلا عمل بمقتضى الدليل. (مسألة الأصح جواز نقل الحديث بالمعنى لعارف) بمعاني الألفاظ ومواقع الكلام الذي أريد به إنشاء أو خبر بأن يأتي بلفظ بدل آخر مساو له في المراد والفهم، وإن لم ينس اللفظ الآخر أو لم يرادفه، لأن المقصود المعنى واللفظ آلة، وقيل لا يجوز إن لم ينس لفوت الفصاحة في كلام النبي، وقيل إنما يجوز بلفظ مرادف بخلاف غير المرادف، لأنه قد لا يوفي بالمقصود، وقيل لا يجوز مطلقا حذرا من التفاوت، وإن ظن الناقل عدمه فإن العلماء كثيرا ما يختلفون في معنى الحديث المراد. قلنا الكلام في المعنى الظاهر لا فيما يختلف فيه كما أنه ليس الكلام فيما نعبد بألفاظ كالأذان والتشهد والسلام والتكبير، وقيل غير ذلك أما غير العارف فلا يجوز له تغيير اللفظ قطعا. (و) الأصح (أنه يحتج بقول الصحابي قال النبي) صلى الله عليه وسلّم، لأنه ظاهر في سماعه منه، وقيل لا. لاحتمال أن يكون بينهما واسطة من تابعي أو صحابي، وقلنا نبحث عن عدالة الصحابة (فـ) ـبقوله (عنه) أي عن النبي لما مر، وقيل لا لظهوره في الواسطة. (فـ) ـبقوله (سمعته أمر ونهى) لظهوره في صدور أمر ونهي منه، وقيل لا لجواز أن يطلقهما الراوي على ما ليس بأمر ولا نهي تسمحا (أو) بقوله (أمرنا أو نحوه) مما بني للمفعول كنهينا أو أوجب أو حرّم علينا أو رخص لنا لظهور أن فاعلها النبي، وقيل لا. لاحتمال أن يكون الآمر والناهي بعض الولاة والإيجاب والتحريم والترخيص استنباط من قائله. (و) بقوله (من السنة) كذا لظهوره في سنة النبي، وقيل لا لجواز إرادة سنة البلد (فكنا معاشر الناس) نفعل في عهده صلى الله عليه وسلّم (وكان الناس يفعلون) في عهده صلى الله عليه وسلّم. (فكنا نفعل في عهده صلى الله عليه وسلّم) لظهوره في تقرير النبي عليه، وقيل لا لجواز ىن لا يعلم به. (فكان الناس يفعلون فكانوا لا يقطعون في) الشيء (التافه) . قالته عائشة رضي الله عنها لظهور ذلك في جميع الناس الذي هو إجماع، وقيل لا لجواز إرادة ناس مخصوصين وعطف الصور بالفاء إشارة إلى أن كل صورة دون ما قبلها رتبة، ولهذا كان تعبيري في عنه، وسمعته بالفاء أولى من تعبيره فيهما بالواو، ووجه كون الأخيرتين دون ما قبلهما عدم التصريح بكون ذلك في عهده صلى الله عليه وسلّم، ووجه كون الأخيرة دون ما قبلها عدم التصريح بما يعود عليه ضمير كانوا. (خاتمة) في مراتب التحمل. (مستند غير الصحابي) في الرواية إحدى عشرة (قراءة الشيخ) عليه (إملاء) من حفظه أو من كتابه. (فتحديثا) بلا إملاء. (فقراءته عليه) أي على الشيخ (فسماعه) بقراءة غيره على الشيخ ويسمى هذا والذي قبله بالعرض. (فمناولة أو مكاتبة مع إجازة) كأن يدفع له الشيخ أصل سماعه أو فرعا مقابلاً به أو يكتب شيئا من حديثه لحاضر عنده أو غائب عنه، ويقول له أجزت لك روايته عني. (فإجازة) بلا مناولة ولا مكاتبة (لخاص في خاص) كأجزت لك رواية البخاري. (فخاص في عام) كأجزت لك رواية جيع مسموعاتي. (فعام في خاص) كأجزت لمن أدركني رواية مسلم. (فـ) ـعام (في عام) كأجزت لمن عاصرني رواية جميع مروياتي. (فلفلان ومن يوجد من نسله) تبعا له (فمناولة أو مكاتبة) بلا إجازة إن قال معها هذا من سماعي (فإعلام) بلا إجازة كأن يقول هذا الكتاب من مسموعاتي على فلان. (فوصية) كأن يوصي بكتاب إلى غيره ليرويه عنه عند سفره أو موته. (فوجادة) كأن يجد حديثا أو كتابا بخط شيخ معروف. (والمختار جواز الرواية بالمذكورات) التصريح بهذا من زيادتي والقول بامتناع الرواية بالأربعة التي قبل الوجادة مردود بأنها أرفع من الوجادة والرواية

الكتاب الثالث في الإجماع

بها جائزة عند الشافعي وغيره، فالأربعة أولى. (لا إجازة من يوجد من نسل فلان) فلا يجوز، وقيل تجوز، وقيل لا تجوز الرواية بالإجازة بأقسامها، وقيل لا تجوز في العامة، أما إجازة من توجد من غير قيد فممنوعة كما فهم بالأولى وصرح به الأصل، ونقل في الإجماع. (وألفاظ الأداء من صناعة المحدثين) فلتطلب منهم ومنها على ترتيب ما مر أملى عليّ حدثني قرأت عليه قرىء عليه، وأنا أسمع أخبرني إجازة ومناولة أو مكاتبة أخبرني إجازة أنبأني مناولة أو مكاتبة، أخبرني إعلاما أوصى إليّ وجدت بخطه وقد أوضحت الكلام على ذلك مع مراتب التحمل في شرح ألفية العراقي، وقولي أو مكاتبة في الموضعين مع إفادة تأخر الحديث عن الإملاء من زيادتي. الكتاب الثالث في الإجماع: وهو اتفاق مجتهدي الأمة بالقول أو الفعل أو التقرير. (بعد وفاة محمد) صلى الله عليه وسلّم (في عصر على أي أمر) كان من ديني ودنيوي وعقلي ولغوي كما سيأتي بيانه. (ولو بلا إمام معصوم) . وقالت الروافض لا بد منه ولا يخلو الزمان عنه وإن لم تعلم عينه والحجة في قوله فقط وغيره تبع له. (أو) بلا (بلوغ عدد تواتر) لصدق مجتهد الأمة بدونه، وقيل يشترط نظرا للعادة. (أو) بلا (عدول) بناء على أن العدالة ليست ركنا في المجتهد وهو الأصح، وقيل يعتبرون بناء على أنها ركن فيه فعليه لا يعتبر وفاق الفاسق، وقيل يعتبر في حق نفسه دون غيره، وقيل يعتبر إن بين مأخذه في مخالفته، بخلاف ما إذا لم يبينه إذ ليس عنده ما يمنعه أن يقول شيئا من غير دليل. (أو) كان المجتهد (غير صحابي) فلا يختصّ الإجماع بالصحابة لصدق مجتهدي الأمة في عصر بغيرهم. وقالت الظاهرية يختص بهم لكثرة غيرهم كثرة لا تنضبط فيبعد اتفاقهم على شيء. (أو قصر الزمن) كأن مات المجمعون عقب إجماعهم بخرور سقف عليهم، وقيل يشترط طوله في الإجماع الظني بخلاف القطعي. (فعلم) من الحد زيادة على ما مر. (اختصاصه) أي الإجماع (بالمجتهدين) بأن لا يتجاوزهم إلى غيرهم. (فلا عبرة باتفاق غيرهم قطعا ولا بوفاقه لهم في الأصح) . وقيل يعتبر مطلقا، وقيل يعتبر في المشهور دون الخفيّ كدقائق الفقه، وقيل يعتبر وفاق الأصولي لهم في الفروع لتوقف استنباطها على الأصول. قلنا هو غير مجتهد بالنسبة إليها. (و) علم اختصاصه (بالمسلمين) لأن الإسلام شرط في المجتهد المأخوذ في حده فلا عبرة بوفاق الكافر ولو ببدعة ولا بخلافه. (و) علم (أنه لا بد من الكل) أي وفاقهم لأن إضافة مجتهد إلى الأمة تفيد العموم (وهو الأصح) فيضر مخالفة الواحد ولو تابعيا بأن كان مجتهدا وقت اتفاق الصحابة، وقيل يضر مخالفة الاثنين دون الواحد، وقيل مخالفة الثلاثة دون الأقل منهم، وقيل من بلغ عدد التواتر دون من لم يبلغه إذا كان غيرهم أكثر منه، وقيل يكفي اتفاق كل من أهل مكة وأهل المدينة وأهل الحرمين، وقيل غير ذلك. فعلم أن اتفاق كل من هؤلاء ليس بحجة في الأصح وهو ما صرح به الأصل، لأنه اتفاق بعض مجتهدي الأمة لا كلهم. (و) علم (عدم انعقاده في حياة محمد) صلى الله عليه وسلّم، لأنه إن وافقهم فالحجة في قوله وإلا فلا اعتبار بقولهم دونه. (و) علم (أنه لو لم يكن) في العصر (إلا) مجتهد (واحد لم يكن قوله إجماعا) إذ أقل ما يصدق به اتفاق مجتهد الأمة اثنان. (وليس) قوله (حجة على المختار) لانتفاء الإجماع عن الواحد، وقيل حجة وإن لم يكن إجماعا لانحصار الاجتهاد فيه. (و) علم (أن انقراض) أهل (العصر) بموتهم (لا يشترط) في انعقاد الإجماع لصدق حده مع بقاء المجمعين ومعاصريهم وهو الأصح كما سيأتي، وقيل يشترط انقراضهم، وقيل غالبهم، وقيل علماؤهم، وقيل غير ذلك. (و) علم (أنه) أي الإجماع (قد يكون عن قياس) لأن الاجتهاد المأخوذ

في حد لا بدّ له من مستند كما سيأتي، والقياس من جملته. (وهو الأصح) . وقيل لا يجوز أن يكون عن قياس، وقيل يجوز في الجلي دون الخفي، وقيل يجوز لكنه لم يقع، وذلك لأن القياس لكونه ظنيا في الأغلب يجوز مخالفته لأرجح منه، فلو جاز الإجماع عنه لجاز مخالفة الإجماع. قلنا إنما يجوز مخالفة القياس إذا لم يجمع على ما ثبت به، وقد أجمع على تحريم أكل شحم الخنزير قياسا على لحمه. (فيهما) أي ما ذكر هو الأصح في المسألتين كما تقرر. (و) علم (أن اتفاق) الأمم (السابقين) على أمة محمد صلى الله عليه وسلّم (غير إجماع وليس حجة) في ملته (في الأصح) لاختصاص دليل حجية الإجماع بأمته لخبر ابن ماجة وغيره «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة» . وقيل إنه حجة بناء على أن شرعهم شرع لنا وسيأتي بيانه. (و) علم (أن اتفاقهم) أي المجتهدين في عصر. (على أحد قولين) لهم (قبل استقرار الخلاف) بينهم بأن قصر الزمن بين الاختلاف والاتفاق (جائز ولو) كان الاتفاق (من الحادث بعد ذوي القولين) بأن ماتوا ونشأ غيرهم لصدق حد الإجماع بكل من الاتفاقين، ولجواز أن يظهر مستند جلى يجتمعون عليه، وقد أجمعت الصحابة على دفنه صلى الله عليه وسلّم في بيت عائشة بعد اختلافهم الذي لم يستقر. ( وكذا اتفاق هؤلاء) أي ذوي القولين (لا من بعدهم بعده) أي بعد استقرار الخلاف بأن طال زمنه فإنه جائز لا اتفاق من بعدهم. (في الأصح) أما الأول فلصدق حد الإجماع به وهذا ما صححه النووي في شرح مسلم، وقيل لا لأن استقرار الخلاف بينهم يتضمن اتفاقهم على جاز الأخذ بكل من شقي الخلاف باجتهاد أو تقليد، فيمتنع اتفاقهم على أحدهما. قلنا تضمن ما ذكر مشروط بعدم الاتفاق على أحدهما فإذا وجد فلا اتفاق قبله، وقيل يجوز إلا أن يكون مستندهم في الاختلاف قاطعا، فلا يجوز حذرا من إلغاء القاطع والخلاف مبني على أنه لا يشترط انقراض العصر، فإن اشترط جاز الاتفاق مطلقا قطعا والترجيح من زيادتي، وأما الثاني فلأنه لو انقدح وجه في سقوط الخلاف لظهر للمختلفين لطول زمنه، وقيل يجوز لجواز ظهور سقوطه لغير المختلفين دونهم. (و) علم (أن التمسك بأقل ما قيل) من أقوال العلماء حيث لا دليل سواه (حق) لأنه تمسك بما أجمع عليه مع كون الأصل عدم وجوب ما زاد عليه كاختلاف العلماء في دية الذمي الكتابي، فقيل كدية المسلم، وقيل كنصفها، وقيل كثلثها فأخذ به الشافعي لذلك، فإن دل دليل على وجوب الأكثر أخذ به كغسلات ولوغ الكلب قيل إنها ثلاث، وقيل سبع ودل عليه خير الصحيحين فأخذ به. (و) علم (أنه) أي الإجماع قد (يكون في ديني) كصلاة وزكاة (ودنيوي) كتدبير الجيوش وأمور الرعية. (وعقلي لا تتوقف صحته) أي الإجماع (عليه) كحدوث العالم ووحدة الصانع، فإن توقفت صحة الإجماع عليه كثبوت الباري والنبوة لم يحتج فيه بالاجماع وإلا لزم الدور. (ولغوي) من زيادتي ككون الفاء للتعقيب. (و) علم (أنه) أي الإجماع (لا بد له من مستند) أي دليل، وإلا لم يكن لقيد الاجتهاد المأخوذ في حده معنى. (وهو الأصح) لأن القول في الأحكام بلا مستند خطأ، وقيل يجوز حصوله بغير مستند بأن يلهموا الاتفاق على صواب هذا كله في الاجماع القولي. (أما السكوتي بأن يأتي بعضهم) أي بعض المجتهدين. (بحكم ويسكت الباقون عنه وقد علموا به وكان السكوت مجردا عن أمارة رضا وسخط) بضم السين وإسكان الخاء وبتفحهما خلاف الرضا. (والحكم اجتهادي تكليفي ومضى مهلة النظر عادة فإجماع وحجة في الأصح) لأن سكوت العلماء في مثل ذلك يظن منه الموافقة عادة، وقيل ليس بإجماع ولا حجة لاحتمال السكوت لغير الموافقة كالخوف والمهابة والتردد في الحكم، وعزى هذا للشافعي، وقيل

مسألة الأصح إمكانه

ليس بإجماع بل حجة لاختصاص مطلق اسم الاجماع عند هذا القائل بالقطعي، أي المقطوع فيه بالموافقة وإن كان هو عنده إجماعا حقيقة كما يفيده كونه حجة عنده، وقيل حجة بشرط الانقراض، وقيل حجة إن كان فتيا لا حكما لأن الفتيا يبحث فيها عادة فالسكوت عنها رضا بخلاف الحكم، وقيل عكسه لصدور الحكم عادة بعد البحث مع العلماء واتفاقهم بخلاف الفتيا، وقيل حجة إن كان الساكتون أقل من القائلين، وقيل غير ذلك وخرج بما ذكر ما لو لم يعلم الساكتون بالحكم، فليس من محل الإجماع السكوتي وليس بحجة لاحتمال أن لا يكون خاضوا في الخلاف، وقيل حجة لعدم ظهور خلاف فيه، وقيل غير ذلك وترجيح عدم حجيته من زيادتي وهو ما عليه الأكثر، وإن اقتضى كلام الأصل ترجيح حجته، وخرج أيضا ما لو اقترن السكوت بأمارة الرضا فإجماع قطعا أو بأمارة السخط فليس بإجماع قطعا، وما لو كان الحكم قطعيا لا اجتهاديا أو لم يكن تكليفيا نحو عمار أفضل من حذيفة أو عكسه فالسكوت على القول، بخلاف المعلوم في الأولى وعلى ما قيل في الثانية لا يدل على شيء وما لم يمض زمن مهلة النظر عادة فلا يكون ذلك إجماعا. (مسألة الأصح إمكانه) أي الإجماع، وقيل لا يمكن عادة كالإجماع على أكل طعام واحد، وقول كلمة واحدة في وقت واحد. قلنا هذا لا جامع لهم عليه لاختلاف شهواتهم ودواعيهم، بخلاف الحكم الشرعي، إذ يجمعهم عليه الدليل الذي يتفقون على مقتضاه. (و) الأصح (أنه) بعد إمكانه (حجة) شرعية (وإن نقل آحادا) قال تعالى {ومن يشاقق الرسول) الآية، توعد فيها على اتباع غير سبيل المؤمنين فيجب اتباع سبيلهم وهو قولهم أو فعلهم فيكون حجة وقيل لا لقوله تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} اقتصر على الرد إلى الكتاب والسنة. قلنا وقد دل الكتاب على حجيته كما مر آنفا، وقيل لا إلا إن نقل آحادا لأنه قطعي فلا يثبت بخبر الواحد. (و) الأصح (أنه) بعد حجيته (قطعي) فيها (إن اتفق المعتبرون) على أنه إجماع (لا إن اختلفوا) في ذلك (كالسكوتي) فإنه ظني، وقيل ظني مطلقا، إذ المجمعون عن ظن لا يمتنع خطؤهم والإجماع عن قطع غير محقق (وخرقه) أي إجماع القطعي وكذا الظني عند من اعتبره بالمخالفة (حرام) للتوعد عليه بالتوعد على اتباع غير سبيل المؤمنين في الآية السابقة. (فعلم) من حرمة خرقه (تحريم إحداث) قول (ثالث) في مسألة اختلف أهل عصر فيها على قولين (و) إحداث (تفصيل) بين مسألتين لم يفصل بينهما أهل عصر. (إن خرقاه) أي إن خرق الثالث والتفصيل الإجماع بأن خالفا ما اتفق عليه أهل عصر، بخلاف ما إذا لم يخرقاه، وقيل هما خارقان مطلقا، لأن الاختلاف على قولين يستلزم الاتفاق على امتناع العدول عنهما وعدم التفصيل بين مسألتين يستلزم الاتفاق على امتناعه. قلنا الاستلزام ممنوع فيهما مثال الثالث خارقا ما قيل إن الأخ يسقط الجد، وقد اختلفت الصحابة فيه على قولين قيل يسقط بالجد، وقيل يشاركه كأخ فإسقاط الجدّ به خارق لما اتفق عليه القولان من أن له نصيبا، ومثاله غير خارق ما قيل إنه يحل متروك التسمية سهوآ لا عمدا، وعليه الحنفي، وقيل يحل مطلقا، وعليه الشافعي، وقيل يحرم مطلقا، فالفارق موافق لمن لم يفرق في بعض ما قاله، ومثال التفصيل خارقا ما لو قيل بتوريث العمة دون الخالة أو عكسه، وقد اختلفوا في توريثهما مع اتفاقهم على أن العلة فيه أو في عدمه كونهما من ذوي الأرحام، فتوريث إحداهما دون الأخرى خارق للاتفاق، ومثاله غير خارق ما. قلنا إنه تجب الزكاة في مال الصبي دون الحليّ المباح، وقيل تجب فيهما وقيل لا تجب فيهما فالمفصل موافق لمن لم يفصل في بعض ما قاله. (و) علم (أنه يجوز إحداث) أي إظهار (دليل) لحكم (أو

خاتمة

تأويل) لدليل ليوافق غيره (أو علة) لحكم غير ما ذكروه من الدليل والتأويل، والعلة لجواز تعدد المذكورات (إن لم يخرق) ما ذكروه بخلاف ما إذا خرقه بأن قالوا لا دليل ولا تأويل ولا علة غير ما ذكرناه، وقيل لا يجوز إحداث ذلك مطلقا لأنه من غير سبيل المؤمنين المتوعد على اتباعه في الآية. قلنا المتوعد عليه ما خالف سبيلهم لا ما لم يتعرضوا له كما نحن فيه (و) علم (أنه يمتنع ارتداد الأمة) في عصر (سمعا) لخرقه إجماع من قبلهم على وجوب استمرار الإيمان. وقيل لا يمتنع سمعا لا يمتنع عقلاً قطعا (لا اتفاقها) أي الأمة في عصر (على جهل ما) أي شيء (لم تكلف به) بأن لم تعلمه كالتفضيل بين عمار وحذيفة فلا يمتنع إذ لا خطأ فيه لعدم التكليف به، وقيل يمتنع وإلا لكان الجهل سبيلاً لها فيجب اتباعها فيه وهو باطل. قلنا يمنع أنه سبيل لها إذ سبيل الشخص ما يختاره من قول أو فعل لا ما لا يعلمه أما اتفاقها على جهل ما كلفت به فممتنع قطعا (ولا انقسامها) أي الأمة (فرقتين) في كل من مسألتين متشابهتين (كل) من الفرقتين (يخطىء في مسألة) من المسألتين كاتفاق إحدى الفرقتين على وجوب الترتيب في الوضوء وعلى عدم وجوبه في الصلاة الفائتة، والأخرى على العكس، فلا يمتنع نظرا في ذلك إلى أنه لم يخطىء إلا بعضها بالنظر إلى كل مسألة على حدتها، وقيل يمتنع نظرا إلى أنها أخطأت في مجموع المسألتين والخطأ منفي عنها بالخبر السابق، والتصحيح في هذه العلوم مما يأتي من زيادتي (و) علم (أن الإجماع لا يضاد إجماعا) أي لا يجوز انعقاده على ما يضاد ما انعقد عليه إجماع. (قبله) لاستلزامه تعارض قاطعين، وقيل يجوز إذ لا مانع من كون الأوّل مغيا بالثاني. (وهو الأصح في الكل) أي كل من المسائل الست كما تقرر. (ولا يعارضه) أي الإجماع بناء على الأصح أنه قطعيّ. (دليل) قطعي ولا ظني، إذ لا تعارض بين قاطعين لاستحالته، إذ التعارض بين شيئين يقتضي خطأ أحدهما، ولا بين قاطع ومظنون لإلغاء المظنون في مقابلة القاطع، أما الإجماع الظني فيجوز معارضته بظني آخر. (وموافقته) أي الإجماع (خبرا لا تدل على أنه عنه) لجواز أن يكون عن غيره ولم ينقل لنا استغناء بنقل الإجماع عنه (لكنه) أي كونه عنه هو (الظاهر إن لم يوجد غيره) بمعناه، إذ لا بد له من مستند كما مر، فإن وجد فلا لجواز أن يكون الإجماع عن ذلك الغير، وقيل موافقته له تدل على أنه عنه قال بعضهم ومحل الخلاف في خبر الواحد أما المتواتر فهو عنه بلا خلاف وفيه نظر. خاتمة. (جاحد مجمع عليه معلوم من الدين ضرورة) وهو ما يعرفه منه الخواص والعوام من غير قبول تشكيك كوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزنا والخمر. (كافر) قطعا (إن كان فيه نص) لأن جحده يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلّم فيه وما أوهمه كلام الآمدي، ومن تبعه من أن فيه خلافا ليس بمراد لهم. (وكذا إن لم يكن) فيه نصّ جادحه كافر. (في الأصح) لما مر، وقيل لا لعدم النص وخرج بالمجمع عليه غيره، وإن كان فيه نص، وبالمعلوم ضرورة غيره كفساد الحج بالوطء قبل الوقوف، وإن كان فيه نص كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت لقضاء النبي صلى الله عليه وسلّم به، كما رواه البخاري وبالدين المجمع عليه المعلوم من غيره ضرورة كوجود بغداد، فلا يكفر جاحدها ولا جاحد شيء منها، وإن اشتهر بين الناس هذا حاصل ما في الروضة كأصلها في باب الردة وهو المعتمد، وإن خالفه ما في الأصل كما أوضحته في الحاشية. الكتاب الرابع في القياس من الأدلة الشرعية. (وهو) لغة التقدير والمساواة. واصطلاحا. (حمل معلوم على معلوم) بمعنى متصوّر أي إلحاقه به في حكمه. (لمساواته) له (في علة حكمه) بأن توجد بتمامها في المحمول

(الأول) وهو المقيس عليه (الأصل)

(عند الحامل) وهو المجتهد مطلقا أو مقيدا وافق ما في نفس الأمر أو لا، بأن ظهر غلطه، فتناول الحد القياس الفاسد كالصحيح. (وإن خص) المحدود (بالصحيح حذف) من الحدّ (الأخير) وهو عند الحامل فلا يتناول حينئذ إلا الصحيح لانصراف المساواة المطلقة إلى ما في نفس الأمر والفاسد قبل ظهور فساده معمول به كالصحيح. وحدّ شيخنا الكمال ابن الهمام القياس بأنه مساواة محل لآخر في علة حكم شرعي له، وهو لا يشمل غير الشرعي، لكنه أخصر من الحدّ الأوّل وأقرب إلى مدلول القياس اللغوي الذي مرّ بيانه وسالم مما أورد على الأوّل من أن الحمل فعل المجتهد فيكون القياس فعله مع أنه دليل نصبه الشرع نظر فيه المجتهد أو لا، كالنص لكن جواب الإيراد أنه لا تنافي بين كونه فعل المجتهد ونصب الشارع إياه دليلاً. (وهو) أي القياس (حجة في الأمور الدنيوية) كالأغذية. (وكذا في غيرها) كالشرعية (في الأصح) لعمل كثير من الصحابة به متكررا شائعا مع سكوت الباقين الذي هو في مثل ذلك من الأصول العامة وفاق عادة، ولقوله تعالى {فاعتبروا} والاعتبار قياس الشيء بالشيء فيجوز القياس في ذلك، وقيل يمتنع فيه عقلاً، وقيل شرعا، وقيل يمتنع فيه إن كان غير جليّ، وقيل يمتنع في الحدود والكفارات والرخص والتقديرات، وقيل غير ذلك. والأصح الأوّل فو جائز فيما ذكر. (إلا في العادية والخلقية) أي التي ترجع إلى العادة والخلقة كأقل الحيض أو النفاس أو الحمل وأكثره فيمتنع ثبوتها بالقياس في الأصح، لأنها لا يدرك المعنى فيها، بل يرجع فيها إلى قول من يوثق به، وقيل يجوز لأنه قد يدرك المعنى فيها. (وإلا في كل الأحكام) فيمتنع ثبوتها بالقياس في الأصح، لأن منها ما لا يدرك معناه كوجوب الدية على العاقلة، وقيل يجوز حتى إن كلاً من الأحكام صالح لأن يثبت بالقياس بأن يدرك معناه ووجوب الدية على العاقلة له معنى يدرك، وهو إعانة الجاني فيما هو معذور فيه، كما يعان الغارم لأصلاح ذات البين بما يصرف إليه من الزكاة. (وإلا القياس على منسوخ فيمتنع) فيه. (في الأصح) لاكتفاء اعتبار الجامع بالنسخ وقيل يجوز فيه، لأن القياس مظهر لحكم الفرع الكمين ونسخ الأصل ليس نسخا للفرع، وقولي من زيادتي فيمتنع تنبيه على أن الخلاف، إنما هو في امتناع القياس لا في عدم حجيته. (وليس النص عل العلة) لحكم ولو في جانب الكف. (أمرا بالقياس) أي ليس أمرا به (في الأصح) لا في جانب الفعل غير الكف كأكرم زيدا لعلمه، ولا في جانب الكف نحو الخمر حرام لإسكارها، وقيل إنه أمر به في الجانبين، إذ لا فائدة لذكر العلة إلا ذلك. قلنا لا نسلم الحصر لجواز كون الفائدة بيان مدرك الحكم ليكون أوقع في النفس، وقيل إنه أمر به في جانب الكف دون غيره لأن العلة في الكف المفسدة، وإنما يحصل الغرض من انعدامها بالكف عن كل فرد مما تصدق عليه العلة والعلة في غيره المصلحة، ويحصل الغرض من حصولها بفرد. قلنا قوله عن كل فرد إلى آخره ممنوع، بل يكفي الكف عن كل فرد مما يصدق عليه محل المعلل. (وأركانه) أي القياس (أربعة) مقيس عليه ومقيس ومعنى مشترك بينهما وحكم للمقيس عليه يتعدّى بواسطة المشترك إلى المقيس. (الأول) وهو المقيس عليه (الأصل) أي يسمى به كما يسمى المقيس بالفرع كما سيأتي، ولكون حكم الأصل غير حكم الفرع باعتبار المحل، وإن كان عينه بالحقيقة صح تفرع الثاني على الأول باعتبار دليلهما وعلم المجتهد بهما لا باعتبار ما في نقس الأمر، إذ الأحكام قديمة ولا تفرع في القديم. (والأصح أنه) أي الأصل المقيس عليه (محل الحكم المشبه به) بالرفع صفة المحل أي المقيس عليه، وقيل هو حكم المحل، وقيل دليل الحكم (و) الأصح (أنه لا يشترط) في الأصل المذكور (دال) أي دليل (على جواز القياس عليه بنوعه أو شخصه ولا الاتفاق على وجود العلة فيه) وقيل يشترطان فعلى اشتراط الأول لا يقاس في مسائل البيع مثلاً

(الثاني) من أركان القياس (حكم الأصل وشرطه ثبوته بغير قياس ولو إجماعا)

إلا إذا قام دليل على جواز القياس فيه بنوعه أو شخصه وعلى اشتراط الثاني لا يقاس فيما اختلف في وجود العلة فيه، بل لا بدّ من الاتفاق على ذلك بعد الاتفاق على أن حكم الأصل معلل، وكل منهما مردود بأنه لا دليل عليه. (الثاني) من أركان القياس (حكم الأصل وشرطه ثبوته بغير قياس ولو إجماعا) إذ لو ثبت بقياس كان القياس الثاني عند اتحاد العلة لغو للاستغناء عنه بقياس الفرع فيه على الأصل في الأول، وعند اختلافها غير منعقد لعدم اشتراك الأصل، والفرع فيه في علة الحكم، فالاتحاد كقياس التفاح على البرّ في الربوية بجامع الطعم ثم قياس السفرجل على التفاح، فيما ذكر. وهو لغو للاستغناء عنه بقياس السفرجل على البر والاختلاف كقياس الرتق، وهو انسداد محل الوطء على جب الذكر في فسخ النكاح بجامع فوات التمتع، ثم قياس الجذام على الرتق فيما ذكر وهو غير منعقد، لأن فوات التمتع غير موجود فيه، وقيل لا يثبت بإجماع أيضا لا أن يعلم أن مستنده نص ليستند القياس إليه، وردّ بأنه لا دليل عليه ولا يضر احتمال أن يكون الإجماع عن قياس، لأن كون حكم الأصل حينئذ عن قياس مانع من القياس، والأصل عدم المانع. (وكونه غير متعبد به بالقطع) أي اليقين (في قول) لأن ما تعبد فيه باليقين إنما يقاس على محله ما يطلب فيه اليقين كالعقائد والقياس لا يفيد اليقين، وردّ بأنه يفيده إذا علم حكم الأصل وما هو العلة فيه ووجودها في الفرع، وزدت في قول ليوافق ما رجحته كالأصل قبل من جواز القياس في العقليات. (وكونه من جنس الحكم الفرع) فيشترط كونه شرعيا إن كان المطلوب إثباته حكما شرعيا وكونه عقليا إن كان المطلوب إثباته حكما عقليا وكونه لغويا إن كان المطلوب إثباته حكما لغويا (وأن لا يعدل) أي حكم الأصل (عن سنن القياس) فما عدل عن سننه أي خرج عن طريقه لا يقاس على محله لتعذر التعدية حينئذ كشهادة خزيمة بن ثابت وحده، فلا يقاس به غيره، وإن فاته رتبة كالصديق رضي الله عنه وقصة شهادته رواها ابن خزيمة، وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلّم ابتاع فرسا من أعرابي فجحده البيع، وقال هلم شهيدا يشهد عليّ فشهد عليه خزيمة أي وحده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم ما حملك على هذا ولم تكن حاضرا؟ فقال صدقتك بما جئت به وعلمت أنك لا تقول إلا حقا، فقال صلى الله عليه وسلّم «من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه» . ورواها أبو داود أيضا وقال فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلين. (و) أن (لا يكون دليله) أي دليل حكم الأصل (شاملاً لحكم الفرع) للاستغناء به حينئذ عن القياس، مع أنه ليس جعل بعض الصور المشمولة أصلاً لبعضها أولى من العكس، كما لو استدل على ربوية البر بخبر مسلم «الطعام بالطعام مثلاً بمثل» ثم قيس عليه الذرة بجامع الطعم فإن الطعام يشمل الذرة كالبر سواء، وسيأتي أنه لا يشترط في العلة أن لا يشمل دليلها حكم الفرع بعمومه أو خصوصه في الأصح، وفارق ما هنا بما فهم من المعية السابقة. (وكونه) أي حكم الأصل (متفقا عليه جزما) ، وإلا احتيج عند منعه إلى إثباته فينتقل إلى مسألة أخرى، وينتشر الكلام ويفوت المقصود، وذلك ممنوع منه إلا أن يروم المستدل إثباته فليس ممنوعا كما يعلم مما يأتي (بين الخصمين فقط في الأصح) لأن البحث لا يعدوهما وقيل بين كل الأمة حتى لا يتأتى المنع أصلاً. ( والأصح أنه لا يشترط) مع اشتراط اتفاق الخصمين فقط (اختلاف الأمة) غيرهما في الحكم، بل يجوز اتفاقهم عليه كهما، وقيل يشترط اختلافهم فيه ليتأتى للخصم منعه، إذ لا يتأتى له منع المتفق عليه، ويجاب بأنه يتأتى له منعه من حيث العلة كما هو المراد، وإن لم يتأت له منعه من حيث هو (فإن اتفقا عليه مع منع الخصم أن علته كذا) كما في قياس حلى البالغة على حلى الصبية في عدم وجوب الزكاة، فإن عدمه في الأصل متفق عليه بيننا وبين الحنفي، والعلة فيه عندنا كونه حليا مباحا وعنده كونه مال صبية. (و) القياس المشتمل على

(الثالث) من أركان القياس. (الفرع

الحكم المذكور (مركب الأصل) . سمي به لتركيب الحكم فيه أي بنائه على علتي الأصل بالنظر للخصمين. (أو) اتفقا عليه مع منع الخصم (وجودها في الأصل) كما في قياس إن نكحت فلانة فهي طالق على فلانة التي أنكحها طالق في عدم وقوع الطلاق بعد النكاح، فإن عدمه في الأصل متفق عليه بيننا وبين الحنفي والعلة تعليق الطلاق قبل تملكه، والحنفي يمنع وجودها في الأصل ويقول هو تنجيز. (فـ) القياس المشتمل على الحكم المذكور (مركب الوصف) سمي به لتركيب الحكم فيه أي بنائه على الوصف الذي منع الخصم وجوده في الأصل، وقول الأصل في الأوّل فإن كان متفقا بينهما، ولكن لعلتين، وفي الثاني لعلة يوهم أن الاتفاق لأجل العلتين أو العلة، وليس مرادا فتعبيري بما ذكر سالم من ذلك. (ولا يقبلان) أي القياسان المذكوران (في الأصح) لمنع الخصم وجود العلة في الفرع في الأوّل، وفي الأصل في الثاني، وقيل يقبلان نظر الاتفاق الخصمين على حكم الأصل. (ولو سلم) الخصم (العلة) للمستدل أي سلم أنها ما ذكره) فأثبت المستدل وجودها) حيث اختلفا فيه (أو سلمه) أي سلم وجودها. (الخصم انتهض الدليل) عليه لاعترافه بوجودها في الثاني، وقيام الدليل عليه في الأول. (وإن لم يتفقا) أي الخصمان (عليه و) لا (على علته ورام المستدل إثباته) بدليل. (ثم) إثبات (العلة) بطريق، (فالأصح قبوله) في ذلك لأن إثباته كاعتراف الخصم به، وقيل لا يقبل بل لا بد من اتفاقهما عليهما صونا للكلام عن الانتشار (والأصح) أنه (لا يشترط) في القياس (الاتفاق) أي الاجماع (على أن حكم الأصل معلل أو النص على العلة) المستلزم لتعليله، إذ لا دليل على اشتراط ذلك بل يكفي إثبات التعليل بدليل، وقيل يشترط ذلك، وقد مر أنه لا يشترط الاتفاق على أن علة حكم الأصل كذا على الأصح، وإنما فرقت كالأصل بين المسألتين لمناسبة المحلين، وإنما لم أستغن بهذه عن تلك مع أنها تستلزمها لبيان المقابل للأصح فيهما لأنها لا تستلزم المقابل في تلك. (الثالث) من أركان القياس. (الفرع وهو المحل المشبه) بالأصل (في الأصح) . وقيل حكمه ولا يأتي قول كالأصل بأنه دليل الحكم لأن دليله القياس. (والمختار قبول المعارضة فيه) أي في الفرع (بمقتضى نقيض الحكم أو ضده) . وقيل لا يقبل، وإلا لانقلب منصب المناظرة، إذ يصير المعترض مستدلاً وبالعكس، وذلك خروج عما قصد من معرفة صحة نظر المستدل في دليله إلى غيره. قلنا القصد من المعارضة هدم دليل المستدل لا إثبات مقتضاها المؤدي إلى ما مرّ. وصورتها في الفرع أن يقول المعترض للمستدل ما ذكرت من الوصف، وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع فعندي وصف آخر يقتضي نقيضه أو ضده، فالنقيض نحو المسح ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالوجه فيقول المعارض مسح في الوضوء، فلا يسنّ تثليثه كمسح الخف والضد نحو الوتر واظب عليه النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فجب كالتشهد فيقول المعارض مؤقت بوقت صلاة من الخمس فيسن كالفجر، وخرج بالمقتضى لنقيض الحكم أو ضده المعارضة بالمقتضى لخلاف الحكم، فلا يقدح لعدم منافاتها لدليل المستدل كما يقال اليمين الغموس قول يأثم قائله فلا يوجب الكفارة، كشهادة الزور، فيقول المعارض قول مؤكد للباطل يظن به حقيقته فيوجب التعزير كشهادة الزور. (و) المختار في دفع المعارضة المذكورة زيادة على دفعها بكل ما يعترض به على المستدل ابتداء (دفعها بالترجيح) لوصف المستدل على وصف المعارض بمرجح مما يأتي في محله لتعين العمل بالراجح. وقيل لا تدفع به لأن المعتبر فيها حصول أصل الظن لا مساواته لظن الأصل، وأصل الظن لا يندفع بالترجيح. وردّ بأنه لو صح ذلك لاقتضى منع قبول الترجيح مطلقا وهو خلاف الاجماع. (و) المختار بناء على الأول

(أنه لا يجب الإيماء إليه) أي إلى الترجيح (في الدليل) . ابتداء لأن ترجيح وصف المستدل على وصف معارضه خارج عن الدليل، وقيل يجب لأن الدليل لا يتم بدونه دفع المعارض. قلنا لا معارض حينئذ فلا حاجة إلى دفعه قبل وجوده. (وشرطه) أي الفرع (وجود تمام العلة) التي في الأصل (فيه) بلا زيادة أو بها كالإسكار في قياس النبيذ بالخمر، والإيذاء في قياس الضرب بالتأفيف فيتعدّى الحكم إلى الفرع. (فإن كانت) أي العلة (قطعية) بأن قطع بكونها علة في الأصل وبوجودها في الفرع كالإسكار والإيذاء فيما مر. (فقطعي) قياسها حتى كأن الفرع فيه شمله دليل الأصل، فإن كان دليله ظنيا فحكم الفرع كذلك. (أو) كانت (ظنية) بأن ظن كونها علة في الأصل، وإن قطع بوجودها في الفرع (فظني وأدون) أي فقياسها ظني وهو قياس الأدون والتصريح بأنه ظني من زيادتي (كتفاح) أي كقياسه (ببرّ) في باب الربا (بجامع الطعم) فإنه العلة عندنا في الأصل مع احتمال ما قيل إنها الفوت أو الكيل، وليس في التفاح إلا الطعم فثبوت الحكم فيه أدون من ثبوته في البر المشتمل على الأوصاف الثلاثة، والأول الذي هو القطعي يشمل قياس الأولى والمساوي. (وأن) أي وشرط الفرع ما ذكر وأن (لا يعارض) أي معارضة لا يتأتى دفعها كما مرّ التلويح به، والتصريح بهذا من زيادتي. (و) أن (لا يقوم القاطع على خلافه) أي خلاف الفرع في الحكم، إذ لا صحة للقياس في شيء مع قيام دليل قاطع على خلافه. (وكذا خبر الواحد) أي وأن لا يقوم خبر الواحد على خلافه (في الأصح) لأنه مقدم على القياس في الأصح كما مرّ في بحث الخبر. (إلا لتجربة) أي تمرين (النظر) من المستدل، فيجوز القياس المخالف لأنه صحيح في نفسه ولم يعمل به لمعارضة ما ذكر له، ويدل لصحته قولهم إذا تعارض النص والقياس قدم النص. (و) أن (يتحد حكمه) أي الفرع (بحكم الأصل) في المعنى، كما أنه يشترط في الفرع وجود تمام العلة فيه كما مرّ، فإن لم يتحد به لم يصح القياس لانتفاء حكم الأصل عن الفرع، وجواب عدم الاتحاد فيما ذكر يكون ببيان الاتحاد فيه كما يعلم مما يأتي في محله كأن يقيس الشافعي ظهار الذمي بظهار المسلم في حرمة وطء الزوجة، فيقول الحنفي الحرمة في المسلم تنتهي بالكفارة، والكافر ليس من أهلها إذ لا يمكنه الصوم منها لفساد نيته فلا تنتهي الحرمة في حقه، فاختلف الحكم، فلا يصح القياس فيقول الشافعي يمكنه الصوم بأن يسلم ثم يصوم ويصح إعتاقه وإطعامه مع الكفر اتفاقا، فهو من أهل الكفارة، فالحكم متحد، والقياس صحيح. ( و) أن (لا يتقدم) حكم الفرع (على حكم الأصل) في الظهور للمكلف. (حيث لا دليل له) غير القياس على المختار، كقياس الوضوء بالتيمم في وجوب النية بتقدير أن لا دليل للوضوء غير القياس فإنه تعبد به قبل الهجرة، والتيمم إنما تعبد به بعدها إذ لو جاز تقدم حكم الفرع للزم ثبوته حال تقدمه بلا دليل، وهو ممتنع لأنه تكليف بما لا يعلم، نعم إن ذكر إلزاما للخصم جاز لقول الشافعي للحنفي القائل بوجوب النية في التيمم دون الوضوء طهارتان أنى يفترقان لاتحاد الأصل والفرع في المعنى، فإن كان له دليل آخر جاز تقدمه لانتفاء المحذور السابق، وبناء على جواز تعدّد الدليل، وقيل لا يجوز تقدمه. (لا ثبوته) أي حكم الفرع (بالنص جملة) فلا يشترط على المختار وقيل يشترط ويطلب بالقياس تفصيله، فلولا العلم بورود ميراث الجدّ جملة لما جاز القياس في توريثه مع الإخوة والأخوات، وردّ اشتراط ذلك بأن العلماء قاسوا أنت عليّ حرام بالطلق والظهار والإيلاء بحسب اختلافهم فيه، ولم يوجد فيه نص لا جملة ولا تفصيلاً. (ولا انتفاء نص أو إجماع يوافق) القياس في الحكم، فلا يشترط، بل يجوز القياس مع موافقتهما أو أحدهما له. (على المختار) بناء على جواز تعدّد الدليل، وقيل يشترط انتفاؤهما وإن جاز تعدّد الدليل نظرا إلى أن الحاجة إلى القياس، إنما تدعو جواز تعدّد الدليل، وقيل يشترط انتفاؤهما وإن جاز تعدّد الدليل نظرا إلى أن الحاجة إلى القياس، إنما تدعو عند فقد النص والإجماع،

(الرابع) من أركان القياس (العلة)

قلنا أدلة القياس مطلقة عن اشتراط ذلك، وعلى الأول جرى الأصل، لكنه خالفه قبل في النص فجرى فيه على الثاني. (الرابع) من أركان القياس (العلة) ويعبر عنها بالوصف الجامع بين الأصل والفرع، وفي معناها شرعا أقوال ينبني عليها مسائل تأتي. (الأصح أنها) أي العلة (المعرف) للحكم. فمعنى كون الإسكار مثلاً علة أنه معرف، أي علامة على حرمة المسكر. وقالت المعتزلة هي المؤثر بذاته في الحكم بناء على قاعدتهم من أنه يتبع المصلحة أو المفسدة، وقيل هي المؤثر فيه بجعله تعالى لا بالذات، وقيل هي الباعث عليه، وردّ بأنه تعالى لا يبعثه شيء ومن عبر من الفقهاء عنها بالباعث أراد كما قال السبكي أنها باعثة للمكلف على الامتثال. (و) الأصح (أن حكم الأصل) على القول بأنها المعرف (ثابت بها) لا بالنص. وقالت الحنفية ثابت بالنص، لأنه المفيد للحكم قلنا لم يفده بقيد كون محله أصلاً يقاس به الذي الكلام فيه، والمفيد له العلة لأنها منشأ التعدية المحققة للقياس، فالمراد بثبوت الحكم بها معرفته لأنها معرفة له. (وقد تكون) العلة (دافعة للحكم) أي لتعلقه كالعدة فإنها تدفع حل النكاح من غير صاحبها ولا ترفعه كأن كانت عن شبهة. (أو رافعة) له كالطلاق فإنه يرفع حل التمتع ولا يدفعه لجواز النكاح بعده. (أو فاعلة لهما) أي الدفع والرفع كالرضاع فإنه يدفع حل النكاح ويرفعه وتكون العلة. (وصفا حقيقيا) وهو ما يتعقل في نفسه من غير توقف على عرف أو غيره. (ظاهرا منضبطا) لا خفيا أو مضطربا كالطعم في الربوي. (أو) وصفا (عرفيا مطردا) أي لا يختلف باختلاف الأوقات كالشرف والخسة في الكفاءة. (وكذا) تكون (في الأصح) وصفا (لغويا) كتعليل حرمة النبيذ بتسميته خمرا بناء على ثبوت اللغة بالقياس، وقيل لا يعلل الحكم الشرعي بالأمر اللغوي (أو حكما شرعيا) سواء أكان المعلول كذلك كتعليل جواز رهن المشاع بجواز بيعه أم أمرا حقيقيا كتعليل حياة الشعر بحرمته بالطلاق وحله بالنكاح كاليد، وقيل لا تكون حكما لأن شأن الحكم أن يكون معلولاً لا علة، وردّ بأن العلة بمعنى المعرف، ولا يمتنع أن يعرف حكم حكما أو غيره، وقيل لا تكون حكما شرعيا إن كان المعلول أمرا حقيقيا. (أو) وصفا (مركبا) كتعليل وجود القود بالقتل العمد العدوان لمكافىء، وقيل لا يكون علة لأن التعليل بالمركب يؤدي إلى محال إذ بانتفاء جزء منه تنتفي عليته فبانتفاء آخر يلزم تحصيل الحاصل، لأن انتفاء الجزء علة لعدم العلية. قلنا إنما يؤدي إلى ذلك في العلل العقلية لا المعرفات، وكل من الانتفاءات هنا معرف لعدم العلية ولا استحالة في اجتماع معرفات على شيء واحد، وقيل يكون علة ما لم يزد على خمسة أجزاء. (وشرط للالحاق) بحكم الأصل (بها) أي بسبب العلة (أن تشتمل على حكمة) أي مصلحة مقصودة من شرع الحكم (تبعث) أي تحمل المكلف حيث يطلع عليها (على الامتثال وتصلح شاهدا لإناطة الحكم) بالعلة كحفظ النفوس فإنه حكمة ترتب وجود القود على علته السابقة، فإن من علم أن من قتل اقتص منه انكفّ عن القتل، وقد لا ينكف عنه توطينا لنفسه على تلفها، وهذه الحكمة تبعث المكلف من القاتل وولي الأمر على امتثال الأمر الذي هو إيجاب القود بأن يمكن كل منهما وارث القتيل من القود، ويصلح شاهدا لإناطة وجوب القود بعلته، فيلحق حينئذ القتل بمثقل بالقتل بمحدد في وجوب القود لاشتراكهما في العلة المشتملة على الحكمة المذكورة، فمعنى اشتمالها عليها كونها ضابطا لها كالسفر في حل القصر مثلاً. (ومانعها) أي العلة (وصف وجودي يخل بحكمتها) كالدين على القول بأنه مانع من وجوب الزكاة على المدين، فإنه وصف وجودي يخل بحكمة العلة لوجوب الزكاة المعلل بملك النصاب وهي الاستغناء بملكه، إذ المدين لا يستغني بملكه لاحتياجه إلى وفاء دينه به، ولا يضر خلو المثال عن الإلحاق الذي الكلام فيه، وتعبيري بما ذكر أولى

مما عبر به لما بينته في الحاشية. (ولا يجوز في الأصح كونها الحكمة إن لم تنضبط) كالمشقة في السفر لعدم انضباطها، فإن انضبطت جاز كما رجحه الآمدي وابن الحاجب وغيرهما لانتفاء المحذور، وقيل يجوز مطلقا لأنها المشروع لها الحكم، وقيل لا يجوز مطلقا. وقضية كلام الأصل ترجيحه، ومحل الخلاف إذا لم تحصل الحكمة من ترتيب الحكم على الوصف يقينا أو ظنا كما سيأتي إيضاحه في مبحث المناسبة. (و) لا يجوز في الأصح وفاقا لابن الحاجب وغيره. (كونها عدمية) ولو بعدمية جزئها أو بإضافتها بأن يتوقف تعقلها على تعقل غيرها كالأبوة (في) الحكم (الثبوتي) ، فلا يجوز حكمت بكذا لعدم كذا أو للأبوة بناء على أن الاضافي عدمي كما سيأتي تصحيحه أواخر الكتاب، وذلك لأن العلة بمعنى العلامة يجب أن تكون أجلى من المعلل، والعدمي أخفى من الثبوتي، وقيل يجوز لصحة أن يقال ضرب فلان عبده لعدم امتثاله أمره. وأجيب بمنع صحة التعليل بذلك، وإنما يصح بالكف عن امتثاله وهو أمر ثبوتي، والخلاف في العدم المضاف بخلاف العدم المطلق لا يجوز التعليل به قطعا، لأن نسبته إلى جميع المحال على السواء، فلا يعقل كونه علة ويجوز وفاقا تعليل الثبوتي بمثله كتعليل حرمة الخمر بالاسكار والعدمي بمثله، كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل والعدمي بمثله، كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل والعدمي بالثبوتي كتعليل ذلك بالإسراف. (ويجوز التعليل بما لا يطلع على حكمته) كتعليل الربوي بالطعم أو غيره. (ويثبت الحكم فيما يقطع بانتفائها فيه للمظنة في الأصح) لجواز القصر بالسفر لمن ركب سفينة قطعت به مسافة القصر في لحظة بلا مشقة، وقيل لا يثبت، وعليه الجدليون إذ لا عبرة بالمظنة عند تحقق انتفاء المئنة، وعلى الأوّل يجوز الإلحاق للمظنة كإلحاق الفطر بالقصر، فيما ذكر فما مر من أنه يشترط في الإلحاق بالعلة اشتمالها على حكمة شرط في الجملة أو للقطع بجواز الإلحاق، ثم ثبوت الحكم فيما ذكر غير مطرد، بل قد ينتفي كمن قام من النوم متيقنا طهارة يده فلا تثبت كراهة غمسها في ماء قليل قبل غسلها ثلاثا، بل تنتفي خلافا لإمام الحرمين والترجيح من زيادتي. (والأصح جواز التعليل بـ (ـالعلة (القاصرة) وهي التي لا تتعدى محل النص (لكونها محل الحكم أو جزءه) الخاص بأن لا توجد في غيره (أو وصفه الخاص) بأن لا يتصف به غيره، فالأوّل كتعليل حرمة الربا في الذهب بكونه ذهبا وفي الفضة كذلك، والثاني كتعليل نقض الوضوء في الخارج من السبيلين بالخروج منهما، والثالث كتعليل حرمة الربا في النقدين بكونهما قيم الأشياء. وخرج بالخاص في الصورتين غيره فلا قصور فيه، كتعليل الحنفية النقض فيما ذكر بخروج النجس من البدن الشامل لما ينقض عندهم من الفصد ونحوه، وكتعليل ربوية البر بالطعم، وقيل يمتنع التعليل بالقاصرة مطلقا لعدم فائدتها، وقيل يمتنع إن لم تكن ثابتة بنص أو إجماع لذلك. (و) نحن لا نسلم ذلك بل (من فوائدها معرفة المناسبة) بين الحكم ومحله فيكون أدعى للقبول. (وتقوية النص) الدال على معلولها بأن يكون ظاهرا لا قطعيا. (و) الأصح جواز التعليل (باسم لقب) كتعليل الشافعي نجاسة بول ما يؤكل لحمه بأنه بول كبول الآدمي، وقيل لا يجوز لأنا نعلم بالضرورة أنه لا أثر في حرمة الخمر لتسميته خمرا، بخلاف مسماه من كونه مخامرا للعقل فإنه تعليل بالوصف. (و) الأصح جواز التعليل (بالمشتق) المأخوذ من فعل كالسارق في قوله تعالى {والسارق والسارقة} الآية أو من صفة كأبيض فإنه مأخوذ من البياض، وقيل يمتنع فيهما. وزعم الأصل الاتفاق على الجواز في الأوّل، والتعليل بالثاني من باب الشبه الصوري كقياس الخيل على البغال في عدم وجوب الزكاة وسيأتي الخلاف فيه. (و) الأصح جواز التعليل شرعا وعقلاً للحكم الواحد الشخصي (بعلل شرعية) اثنتين فأكثر مطلقا، لأنها علامات ولا مانع من اجتماع علامات على شيء واحد. (وهو واقع) كما في اللمس والمس والبول الموجب كل منها للحدث، وقيل

يجوز ذلك في العلل المنصوصة دون المستنبطة لأن الأوصاف المستنبطة الصالح كل منها للعلية يجوز أن يكون مجموعها العلة عند الشارع، فلا يتعين استقلال كل منها بالعلية بخلاف ما نص على استقلاله بها. وأجيب بأنه يتيعن الاستقلال بالاستنباط أيضا وقيل يمتنع شرعا مطلقا، إذ لو جاز شرعا لوقع لكنه لم يقع. قلنا بتقدير تسليم اللزوم لا نسلم عدم وقوعه لما مر من علل الحدث، وقيل يمتنع عقلاً وهو الذي صححه الأصل، وقيل يجوز في التعاقب دون المعية للزوم المحال الآتي لها بخلاف التعاقب، لأن الذي يوجد فيه بالثانية مثلاً مثل الأوّل لا عينه، وعلى منع التعدّد فما يذكره المجيز من التعدّد، إما أن يقال فيه العلة مجمع الأمور أو أحدها لا بعينه، أو يقال فيه الحكم متعدد بمعنى أن الحكم المستند إلى واحد منها غير المستند إلى آخر، وإن اتفقا نوعا كما قيل بكل من ذلك، أما العلل العقلية فيمتنع تعدّدها مطلقا للزوم المحال منه كالجمع بين النقيضين، فإن الشيء باستناده إلى كل منها يستغني عن الباقي، فيلزم أن يكون مستغنيا عن كل منها وغير مستغن عنه، وذلك جمع بين النيقيضين، ويلزم في التعاقب محال آخر، وهو تحصيل الحاصل حيث يوجد بما عدا الأولى عين ما وجد بها. وفارقت العلل العقلية الشرعية على الأصح بأن المحال المذكور إنما يلزم فيها لإفادتها، وجود المعلول بخلاف الشرعية التي هي معرفات، فإنها إنما تفيد العلم به سواء أفسر المعرف بما يحصل به التعريف، أم بما من شأنه التعريف. (وعكسه) وهو تعليل أحكام بعلة (جائز وواقع)) جزما بناء على الأصح من تفسير العلة بالمعرف (إثباتا كالسرقة) فإنها علة لوجوب القطع ولوجوب الغرم إن تلف المسروق. (ونفيا كالحيض) ، فإنه علة لعدم جواز الصوم والصلاة وغيرهما، أما على تفسير العلة بالباعث فكذلك على الأصح، وقيل يمتنع تعليلها بعلة بناء على اشتراط المناسبة فيها، لأن مناسبتها لحكم يحصل المقصود منها بترتيب الحكم عليها، فلو ناسبت آخر لزم تحصيل الحاصل. قلنا لا نسلم ذلك لجواز تعدد المقصود كما في السرقة المرتب عليها القطع زجرا عنها والغرم جبرا لما تلف من المال، وقيل يمتنع ذلك إن تضادت الأحكام كالتأبيد لصحة البيع وبطلان الإجارة، لأن الشيء الواحد لا يناسب المتضادات. (و) شرط (للإلحاق) بالعلة (أن لا يكون ثبوتها متأخرا عن ثبوت حكم الأصل في الأصح) سواء أفسرت بالباعث أم بالمعرف، لأن الباعث على الشيء أو المعرف له لا يتأخر عنه، وقيل يجوز تأخر ثبوتها بناء على تفسيرها بالمعرف كما يقال عرق الكلب نجس كلعابه، لأنه مستقذر لأن استقذاره إنما يثبت بعد ثبوت نجاسته. قلنا قوله بناء على تفسيرها بالمعرف إنما يتم بتفسير المعرف بما من شأنه التعريف لا بتفسيره بما يحصل به التعريف الذي هو المراد، لئلا يلزم عليه تعريف المعرف، وعلى تفسيره بالأوّل فتعريف المتأخر للمتقدّم جائز، وواقع إذ الحادث يعرف القديم كالعالم لوجود الصانع تعالى. (و) شرط الإلحاق بالعلة (أن لا تعود على الأصل) الذي استنبطت منه (بالإبطال) لحكمه لأنه منشؤها فإبطالها له إبطال لها كتعليل الحنفية وجوب الشاة في الزكاة بدفع حاجة الفقير، فإنه مجوز لإخراج قيمة الشاة مفض إلى عدم وجوبها عينا بالتخيير بينها وبين قيمتها. (ويجوز عودها) على الأصل (بالتخصيص) له (في الأصح غالبا) . فلا يشترط عدمه كتعليل الحكم في آية {أو لامستم النساء} بأن اللمس مظنة التمتع أي التلذذ، فإنه يخرج من النساء المحارم فلا ينقض لمسهن الوضوء، وقيل لا يجوز ذلك فيشترط عدم التخصيص، فينقض لمس المحارم الوضوء عملاً بالعموم والتصحيح من زيادتي، وخرج بالتخصيص التعميم فيجوز العود به قطعا كتعليل الحكم في خبر الصحيحين لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان، بتشويش الفكر فإنه يشمل غير الغضب أيضا وبزيادتي غالبا تعليل نحو الحكم في خبر النهي عن بيع اللحم بالحيوان بأنه بيع ربوي بأصله، فإنه يقتضي جواز البيع بغير الجنس من مأكول وغيره كما هو أحد قولي الشافعي،

لكن أظهرهما المنع نظرا للعموم. (و) شرط للإلحاق بالعلة (أن لا تكون) العلة (المستنبطة معارضة بمناف) لمقتضاها (موجود في الأصل) إذ لا عمل لها مع وجوده إلا بمرجح، ومثل له بقول الحنفي في نفي وجوب التبييت في صوم رمضان صوم عين فيتأدى بالنية قبل الزوال كالنفل فيعارضه الشافعي بأنه صوم فرض فيحتاط فيه بخلاف النفل، وهو مثال للمعارض في الجملة وليس منافيا ولا موجودا في الأصل، وخرج بالأصل الفرع فلا يشترط انتفاء وجود ذلك فيه لصحة العلة، وقيل يشترط أيضا ومثل له بقولنا في مسح الرأس ركن في الوضوء، فيسن تثليثه كغسل الوجه فيعارضه الخصم بقوله مسح فلا يسن تثليثه كالمسح على الخفين، وهو مثال للمعارض في الجملة وليس منافيا، وإنما ضعف هذا الشرط، وإن لم يثبت الحكم في الفرع عند انتفائه لأن الكلام في شروط العلة، وهذا شرط لثبوت الحكم في الفرع لا للعلة التي الكلام فيها، وإنما قيد المعارض بالمنافي لأنه قد لا ينافى كما سيأتي فلا يشترط انفاؤه، ويجوز أن يكون هو علة أيضا بناء على جواز التعليل بعلل. (و) شرط للالحاق بالعلة (أن لا تخالف نصا أو إجماعا) لتقدمهما على القياس فمخالفة النص كقول الحنفي المرأة مالكة لبضعها فيصح نكاحها بغير إذن وليها قياسا على بيع سلعتها فإنه مخالف لخبر أبي داود وغيره «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل» . ومخالفة الإجماع كقياس صلاة المسافر على صومه في عدم الوجوب بجامع السفر الشاق فإنه مخالف للإجماع على وجوب أدائها عليه. (و) أن (لا تتضمن) العلة (المستنبطة زيادة عليه) أي على النص أو الإجماع. (منافية مقتضاه) ، بأن يدل النص مثلاً على علية وصف ويزيد الاستنباط قيدا فيه منافيا للنص فلا يعمل بالاستنباط لتقدّم النص عليه والتقييد بالمستنبطة من زيادتي. (و) شرط للإلحاق بالعلة (أن تتعين) في الأصح، فلا تكفي المبهمة لأن العلة منشأ التعدية المحققة للقياس الذي هو الدليل ومن شأن الدليل أن يكون معينا، فكذا منشأ المحقق له، وقيل يكفي المبهمة من أمرين فأكثر المشتركة بين المقيس والمقيس عليه. (لا أن لا تكون) العلة (وصفا مقدرا) فلا يشترط في الأصح كتعليل جواز التصرف بالملك الذي هو معنى مقدر شرعي في محل التصرف. وقيل يشترط ذلك ورجحه الأصل تبعا للإمام الرازي. (ولا أن لا يشمل دليلها حكم الفرع لعمومه أو خصوصه) فلا يشترط في الأصحّ لجواز تعدد الأدلة، وقيل يشترط ذلك للاستغناء حينئذ عن القياس بذلك الدليل، ورجحه الأصل مثال الدليل في العموم خبر مسلم «الطّعامُ بالطّعامِ مثلاً بمثل» . فإنه دال على علية الطعم، فلا حاجة على هذا اقول في إثبات ربوية التفاح مثلاً إلى قياسه على البر بجامع الطعم للاستغناء عنه بعموم الخبر، ومثاله في الخصوص خبر «من قاء أو رعف فليتوضأ» فإنه دال على علية الخارج النجس في نقض الوضوء فلا حاجة للحنفي إلى قياس القيء أو الرعاف على الخارج من السبيلين في نقض الوضوء بجامع الخارج النجس للاستغناء عنه بخصوص الخبر. (ولا القطع في) صورة العلة (المستنبطة بحكم الأصل) بأن يكون دليله قطعيا من كتاب أو سنة متواترة أو إجماع قطعي. (ولا القطع بوجودها في الفرع ولا انتفاء مخالفتها مذهب الصحابي) فلا تشترط في الأصحّ بل يكفي الظن بذينك لأنه غاية الاجتهاد فيما يقصد به العمل، وقيل يشترط القطع بهما لأن الظن يضعف بكثرة المقدمات فربما يزول، وأما مذهب الصحابي فليس بحجة فلا يشترط انتفاء مخالفة العلة له، وقيل يشترط لأن الظاهر استناده إلى النص الذي استنبطت منه العلة. (ولا انتفاء المعارض لها) في الأصل فلا يشترط. (في الأصح) بناء على جواز تعدد العلل كما هو رأي الجمهور، وقيل يشترط بناء على منع ذلك ولأنه لا عمل للعلة حينئذ إلا بمرجح والتقييد بالمستنبطة في الأربع

من زيادتي. ( والمعارض هنا) بخلافه فيما مر حيث وصف بالمنافي. (وصف صالح للعلية كصلاحية المعارض) بفتح الراء لها (ومفض للاختلاف) . بين المتناظرين (في الفرع كالطعم مع الكيل في البر) ، فكل منهما صالح للعلية فيه مفض للاختلاف بين المتناظرين (في التفاح) مثلاً فعندنا ربوي كالبر بعلة الطعم وعند الخصم المعارض بأن العلة الكيل ليس بربوي لانتفاء الكيل فيه، وكل منهما يحتاج إلى ترجيح وصفه على وصف الآخر. (والأصح) أنه (لا يلزم المعترض نفي وصفه) أي بيان انتفائه (عن الفرع) مطلقا لحصول مقصوده من هدم ما جعله المستدل العلة بمجرد المعارضة، وقيل يلزمه ذلك مطلقا ليفيد انتفاء الحكم عن الفرع الذي هو المقصود، وقيل يلزمه إن صرح بالفرق بن الأصل والفرع في الحكم فقال مثلاً لا ربا في التفاح بخلاف البر وعارض علية الطعم فيه لأنه بتصريحه بالفرق التزمه. (و) أنه (لا) يلزمه (إبداء أصل) يشهد لوصفه بالاعتبار لما مر، وقيل يلزمه ذلك حتى تقبل معارضته كأن يقول العلة في البرّ الطعم دون القوت بدليل الملح فالتفاح مثلاً ربوي. (وللمستدل الدفع) أي دفع المعارضة بأوجه ثلاثة وإن عدها الأصل أربعة. (بالمنع) أي منع وجوب الوصف المعارض به في الأصل ولو بالقدح، كأن يقول في دفع معارضة الطعم بالكيل في الجوز مثلاً لا نسلم أنه مكيل لأن العبرة بعادة زمن النبي صلى الله عليه وسلّم، وكان إذ ذاك موزونا أو معدودا وكأن يقدح في علية الوصف ببيان خفائه أو عدم انضباطه أو غير ذلك من مفسدات العلة. (وببيان استقلال وصفه) أي المستدل (في صورة ولو) كان البيان (بظاهر عام) ، كما يكون بالإجماع أو بالنص القاطع أو بالظاهر الخاص (إن لم يتعرض) أي المستدل (للتعميم) كأن يبين استقلال الطعم المعارض بالكيل في صورة بخبر مسلم الطعام بالطعام مثلاً بمثل والمستقل مقدم على غيره، فإن تعرض للتعميم كقوله فتثبت ربوية كل مطعوم خرج عن إثبات الحكم بالقياس الذي هو بصدد الدفع عنه إلى إثباته بالنص وتبقى المعارضة سالمة من القدح فلا يتم القياس. (وبالمطالبة) للمعترض (بالتأثير) لوصفه إن كان مناسبا (أو الشبه) إن كان غير مناسب، هذا. (إن لم يكن) دليل المستدل على العلية (سبرا) بأن كان مناسبا أو شبها لتحصل معارضته بمثله، فإن كان سبرا فلا مطالبة له بذلك إذ مجرد الاحتمال قادح فيه. (ولو قال) المستدل للمعترض (ثبت الحكم) في هذه الصورة (مع انتفاء وصفك) الذي عارضت به وصفي عنها، (لم يكف) في الدفع (وإن وجد) ، ولو بفرض المتناظرين (معه) أي مع انتفاء وصف المعترض عنها (وصفه) أي وصف المستدل فيها لاستوائهما في انتفاء وصفيهما إن لم يوجد مع ما ذكر وصف المستدل، وبناء على جواز تعدد العلل مطلقا. وقيل يكفي في الشق الثاني بناء على امتناع تعدد العلل بخلافه في الأول، لا يكفي لاستوائها فيما مرّ، وهذا رجحه الأصل، ثم ذكر في انتفاء وصف المستدلّ زيادة على عدم الاكتفاء مبنية على ما صححه من امتناع التعليل بعلتين. وحاصلها مع الإيضاح أن المستدل ينقطع بما قاله لاعترافه فيه بإلغاء وصفه حيث ساوى وصف المعترض فيما قدح هو به فيه. (ولو أبدى المعترض) في الصورة التي ألغى وصفه فيها المستدلّ. (ما) أي وصفا (يخلف الملغى سمى) ما أبداه (تعدد الوضع) لتعدد ما وضع أي بنى عليه الحكم عنده من وصف بعد أخر. (وزالت) بما أبداه (فائدة الإلغاء) وهي سلامة وصف المستدل عن القدح فيه. (ما لم يلغ المستدل الخلف بغير دعوى قصوره أو) دعوى (ضعف معنى المظنة) المعلل بها أي ضعف المعنى الذي اعتبرت المظنة له. (وسلم) المستدل (أن الخلف مظنة) وذلك بأن لم يتعرض المستدل لإلغاء الخلف أو تعرض له بدعوى قصوره أو بدعوى

مسالك العلة

ضعف معنى المظنة فيه وسلم ما ذكر، بخلاف ما إذا ألغاه بغير الدعوتين أو بالثانية ولم يسلم ما ذكر فلا تزول فائدة إلغائه. (وقيل دعواهما) أي القصور وضعف معنى المظنة مع التسليم (إلغاء) للخلف أيضا ينافي الأولى على امتناع التعليل بالقاصرة، وفي الثانية على تأثير ضعف المعنى في المظنة فلا تزول فيهما فائدة الإلغاء الأول، مثال تعدد الوضع ما يأتي فيما يقال يصح أمان العبد للحربي كالحرّ بجامع الإسلام والتكليف، فإنهما مظنتا إظهار مصلحة الإيمان من بذل الأمان فيعترض الحنفي باعتبار الحرّية معهما فإنها مظنة فراغ القلب للنظر بخلاف الرقبة لاشتغال الرقيق بخدمة سيده فيلغي الشافعي الحرّية بثبوت الأمان بدونها في العبد المأذون له في القتال اتفاقا فيجيب الحنفي بأن الإذن له خلف الحرّية لأنه مظنة بذل وسعه في النظر في مصلحة القتال والإيمان (ولا يكفي) في دفع المعارضة (رجحان وصف المستدل) على وصفها بمرجح، ككونه أنسب أو أشبه من وصفها بناء على جواز تعدد العلل، فيجوز أن يكون كل من الوصفين علة، وقيل يكفي بناء على منع التعدد ورجحه الأصل. (وقد يعترض) على المستدل (باختلاف جنس الحكمة) في الفرع والأصل. (وإن اتحد الجامع) بين الفرع والأصل كما يأتي فيما يقال يحدّ اللائط كالزاني بجامع إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا، فيعترض بأن الحكمة في حرمة اللواط الصيانة عن رذيلته، وفي حرمة الزنا دفع اختلاط الأنساب المؤدي هو إليه وهما مختلفتان، فيجوز أن يختلف حكمهما بأن يقصر الحد على الزنا فيكون خصوصه معتبرا في علة الحد. (فيجاب) عن الاعتراض (بحذف خصوص الأصل عن الاعتبار) في العلة بطريق من طرق إبطالها، فيسلم أن العلة هي القدر المشترك فقط كما مرّ في المثال لا مع خصوص الزنا فيه. (والعلة إذا كانت وجود مانع) من الحكم كأبوّة القاتل المانعة من وجوب قتله بولده، (أو انتفاء شرط) كعدم إحصان الزاني المشترط لوجوب رجمه (لا تستلزم وجود المقتضي في الأصح) . وقيل تستلزمه، وإلا كان انتفاء الحكم لانتفاء المقتضي لا لما فرض من وجود مانع أو انتفاء شرط، قلنا يجوز أن يكون انتفاؤه لما فرض أيضا لجواز تعدد العلل. مسالك العلة أي هذا مبحث الطرق الدالة على علية الشيء. (الأول الإجماع) كالإجماع على أن العلة في خبر الصحيحين «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» . تشويش الغضب للفكر فيقاس بالغضب غيره مما يشوّش الفكر نحو جوع وشبع مفرطين، وكالإجماع على أن العلة في تقديم الأخ الشقيق في الإرث على الأخ للأب اختلاط النسبين فيه فيقاس به تقديمه عليه في ولاية النكاح، وصلاة الجنازة ونحوهما. (الثاني) من مسالك العلة (النص الصريح) بأن لا يحتمل غير العلة (كلعلة كذا فلسبب) كذا (فمن أجل) كذا (فنحو كي) التعليلية (وإذن) كقوله تعالى {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل} ، {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} ، {إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} وفيما عطف بالفاء هنا وفيما يأتي إشارة إلى أنه دون ما قبله رتبة بخلاف ما عطف بالواو. (و) النص (الظاهر) بأن يحتمل غير العلية احتمالاً مرجوحا (كاللام ظاهرة) نحو {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور} (فمقدرة) نحو؛ {ولا تطع كل حلاف} إلى قوله {أن كان ذا مال وبنين} أي لأن (فالباء) نحو {فبما رحمة من الله} أي لأجلها لنت لهم. (فالفاء في كلام الشارع) وتكون فيه في الحكم كقوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وفي الوصف كخبر الصحيحين في المحرم الذي وقصته ناقته «لا تمسوه

(الثالث) من مسالك العلة (الإيماء

طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» . (فـ) ـفي كلام (الراوي الفقيه فـ) ـفي كلام الراوي (غيره) أي غير الفقيه، وتكون فيهما في الحكم فقط، وقال بعض المحققين في الوصف فقط، لأن الراوي يحكي ما في الوجود، وذلك كقول عمران بن حصين «سها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسجد» . رواه أبو داود وغيره وكل من القولين صحيح، وإن كان الأوّل أظهر معنى، والثاني أدق كما بينته في الحاشية. (فإن) المكسورة المشددة كقوله تعالى {رب لا تذر على الأرض من الكافرين} الآية. وتعبيري بالفاء في الأخيرة من زيادتي. (وإذ) نحو ضربت العبد إذا أساء أي لإساءته. (وما مرّ في) مبحث (الحروف) ، ما يرد للتعليل غير المذكور هنا وهو بيد وحتى وعلى وفي ومن فلتراجع، وإنما لم تكن المذكورات من الصريح لمجيئها لغير التعليل كالعاقبة في اللام والتعدية في الباء، ومجرد العطف في الفاء ومجرد التأكيد في إنّ والبدل في إذ كما مرّ في مبحث الحروف. (الثالث) من مسالك العلة (الإيماء وهو) لغة الإشارة الخفية واصطلاحا (اقتران وصف ملفوظ بحكم ولو) كان الحكم (مستنبطا) كما يكون ملفوظا (لو لم يكن للتعليل هو) أي الوصف (أو نظيره) لنظير الحكم حيث يشار بالوصف والحكم إلى نظيرهما أي لو لم يكن ذلك من حيث اقترانه بالحكم لتعليل الحكم به (كان) ذلك الاقتران (بعيدا) من الشارع لا يليق بفصاحته وإتيانه بالألفاظ في محالها والإيماء (كحكمه) أي الشارع (بعد سماع وصف) كما في خبر الأعرابيّ «واقعت أهلي في نهار رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم «أعتق رقبة» . إلى آخره. رواه ابن ماجة بمعناه، وأصله في الصحيحين فأمره بالإعتاق عند ذكر الوقاع يدل على أنه علة له، وإلا لخلا السؤال عن الجواب وذلك بعيد فيقدر السؤال في الجواب فكأنه قال واقعت فأعتق. (وذكره في حكم وصفا لو لم يكن علة) له (لم يفد) ذكره كقوله صلى الله عليه وسلّم «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» . فتقييده المنع من الحكم بحالة الغضب المشوش للفكر يدل على أنه علة له، وإلا لخلا ذكره عن الفائدة وذلك بعيد. (وتفريقه بين حكمين بصفة) إما (مع ذكرهما) كخبر الصحيحين «أنه صلى الله عليه وسلّم جعل للفرس سهمين وللرجل» . أي صاحبه «سهما» ، فتفريقه بين هذين الحكمين بهاتين الصفتين لو لم يكن لعلية كل منهما لكان بعيدا. (أو) مع (ذكر أحدهما) فقط كخبر الترمذي «القاتل لا يرث» أي بخلاف غيره المعلوم إرثه فالتفريق بين عدم الإرث المذكور والإرث المعلوم بصفة القتل في الأول لو لم يكن لعليته له لكان بعيدا. (أو) تفريقه بين حكمين، إما (بشرط) كخبر مسلم «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبرّ بابرّ والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» . فالتفريق بين منع البيع في هذه الأشياء متفاضلاً وجوازه عند اختلاف الجنس لو لم يكن لعلية الاختلاف للجواز لكان بعيدا. (أو غاية) كقوله تعالى {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} أي فإذا تطهرن فلا منع من قربانهنّ كما صرّح به عقبه بقوله {فإذا تطهرن فأتوهن} فتفريقه بين المنع من قربانهنّ في الحيض وجوازه في الطهر لو لم يكن لعلية الطهر للجواز لكان بعيدا. (أو استثناء) كقوله تعالى {فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون} أي الزوجات عن النصف فلا شيء لهن فتفريقه بين ثبوت النصف لهنّ وانتفائه عند عفوهنّ عنه لو لم يكن لعلية العفو للانتفاء لكان بعيدا. (أو استدراك) كقوله تعالى؛ {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} إلى آخره فتفريقه بين عدم المؤاخذة بالإيمان والمؤاخذة بها عند تعقيدها لو لم يكن لعلية التعقيد للمؤاخذة

(الرابع) من مسالك العلة (السبر)

لكان بعيدا. (وترتيب حكم على وصف) كأكرم العلماء فترتيب الإكرام على العلم لو لم يكن لعلية العلم له لكان بعيدا (ومنعه) أي الشارع (مما قد يفوّت المطلوب) كقوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} فالمنع من البيع وقت نداء الجمعة الذي قد يفوّتها لو لم يكن لمظنة تفويتها لكان بعيدا. وهذه الأمثلة أسلم ما اتفق على أنه إيماء وهو أن يكون الوصف والحكم ملفوظين وخرج بالملفوظ أي فعلاً أو قوّة الوصف المستنبط فليس اقترانه بالحكم إيماء قطعا إن كان الحكم مستنبطا أيضا، وإلا فليس بإيماء في الأصح بخلاف عكسه وهو الوصف الملفوظ والحكم المستنبط له فإنه كما علم إيماء في الأصحّ تنزيلاً للمستنبط منزلة الملفوظ، وفارق ما قبله باستلزام الوصف الحكم فيه بخلاف ما قبله لجواز كون الوصف أعم مثاله قوله تعالى {وأحلّ الله البيع} فحله مستلزم لصحته. ومثال ما قبله تعليل حكم الربويات بالطعم أو غيره والنزاع كما قال العضد لفظي مبني على تفسير الإيماء، وأما مثال النظير فكخبر الصحيحين أن امرأة قالت يا رسول الله. إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ فقال «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدّى ذلك عنها» ؟ قالت نعم. قال «فصومي عن أمك» أي فإنه يؤدّى عنها سألته عن دين الله على الميت وجواز قضائه عنه فذكر لها دين الآدمي عليه، وأقرها على جواز قضائه عنه وهما نظيران، فلو لم يكن جواز القضاء فيهما لعلية الدين له لكان بعيدا. (ولا تشترط) في الإيماء (مناسبة) الوصف (المومي إليه) للحكم (في الأصحّ) بناء على أن العلة بمعنى المعرف، وقيل تشترط بناء على أنها بمعنى الباعث، وقيل وهو مختار ابن الحاجب تشترط إن فهم التعليل منها كقوله صلى الله عليه وسلّم «لا يقضي القاضي وهو غضبان» . لأن عدم المناسبة فيما شرط فيه لمناسبة تناقض، بخلاف ما إذا لم يفهم منها لأن التعليل يفهم من غيرها. قال المصنف في شرح المختصر تبعا للعضد والمراد من المناسبة ظهورها، وأما نفسها فلا بد منها في العلة الباعثة دون الأمارة المجردة ومرادهما بالعلة الباعثة العلة المشتملة على حكمه تبعث على الامتثال. (الرابع) من مسالك العلة (السبر) وهو لغة الاختبار (والتقسيم) وهو إظهار الشيء الواحد على وجوه مختلفة. (وهو) أي ما ذكر من السبر والتقسيم اصطلاحا (حصر أوصاف الأصل) المقيس عليه (وإبطال ما لا يصلح) منها للعلية (فيتعين الباقي) لها كأن يحصر أوصاف البرّ في قياس الذرة عليه في الطعم وغيره ويبطل ما عدا الطعم بطريقة فيتعين الطعم للعلية (ويكفي) في دفع منع المعترض حصر الأوصاف التي ذكرها المستدل. (قول المستدل) في المناظرة في حصرها (بحثت فلم أجد) غيرها لعدالته مع أهلية النظر. (والأصل عدم غيرها) فيندفع عنه بذلك منع الحصر وتعبيري بأو كما في مختصر ابن الحاجب وبعض نسخ الأصل أولى من تعبيره في أكثرها بالواو. (والناظر) لنفسه (يرجع) في حصر الأوصاف (إلى ظنه) ، فيأخذ به ولا يكابر نفسه. (فإن كان الحصر والإبطال) أي كل منهما (قطعيا فـ) ـهذا المسلك (قطعي وإلا) بأن كان كل منهما ظنيا أو أحدهما قطعيا والآخر ظنيا. (فظني وهو) أي الظني (حجة) للناظر لنفسه والمناظر غيره (في الأصحّ) لوجوب العمل بالظن، وقيل ليس بحجة مطلقا لجواز بطلان الباقي، وقيل حجة لهما إن أجمع على تعليل ذلك الحكم في الأصل حذرا من أداء بطلان الباقي إلى خطأ المجمعين، وقيل حجة للناظر دون المناظر لأن ظنه لا يقوم حجة على خصمه، (فإن أبدى المعترض) على الحصر الظني (وصفا زائدا) على الأوصاف (لم يكلف ببيان صلاحيته للتعليل) لأن بطلان الحصر بإبدائه كاف في الاعتراض فعلى المستدل دفعه بإبطال التعليل به. (ولا ينقطع المستدل) بإبدائه (حتى يعجز عن إبطاله

(الخامس) من مسالك العلة (المناسبة)

في الأصح) لأنه لم يدّع القطع في الحصر فغاية إبداء الوصف منع المقدمة من الدليل والمستدل لا ينقطع بالمنع لكن يلزمه دفعه ليتم دليله فيلزمه إبطال الوصف المبدى عن أن يكون علة، فإن عجز عن إبطاله انقطع، وقيل ينقطع بإبدائه لأنه ادعى حصرا، وقد أظهر المعترض بطلانه. قلنا لا يظهر إلا بالعجز عن دفعه وذكر الخلاف من زيادتي. (فإن اتفقا) أي المتناظران (على إبطال غير وصفين) من أوصاف لأصل واختلفا في أيهما العلة. (كفاه) أي المستدل (الترديد بينهما) من غير احتياج إلى ضم غيرهما إليهما في الترديد لاتفاقهما على إبطاله فيقول العلة إما هذا أو ذاك لا جائز أن تكون ذاك لكذا فتعين أن تكون هذا. (ومن طرق الإبطال) لعلية الوصف. (بيان أن الوصف طردي) أي من جنس ما علم من الشارع إلغاؤه إما مطلقا (كالطول) والقصر في الأشخاص، فإنهما لم يعتبرا في شيء من الأحكام فلا يعلل بهما حكم. (و) إما مقيدا بذلك الحكم (كالذكورة) والأنوثة (في العتق) ، فإنهما لم يعتبرا فيه فلا يعلل بهما شيء من أحكامه الدنيوية، وإن اعتبرا في الشهادة والقضاء والإرث وغهرها. وفي العتق بالنظر لأحكامه الأخروية فقد روى الترمذي «من أعتق عبدا مسلما أعتقه الله من النار، ومن أعتق أمتين مسلمتين أعتقه الله من النار» . وتعبيري هنا وفيما يأتي في السادس بالطردي أولى من تعبيره فيهما بالطرد، لأن الطرد من مسالك العلة على رأي كما سيأتي. (و) من طرق الإبطال (أن لا تظهر مناسبة) الوصف (المحذوف) أي الذي حذفه المستدلّ عن الاعتبار للحكم بعد بحثه عنها لانتفاء مثبت العلية بخلافه في الإيماء. (ويكفي) في عدم ظهور مناسبته. (قول المستدل بحثت فلم أجد) فيه (موهم مناسبة) أي ما يوهم مناسبته لعدالته مع أهلية النظر، (فإن ادّعى المعترض أن) الوصف (المبقى) أي الذي بقاه المستدل (كذلك) أي لم تظهر مناسبته. (فليس للمستدل بيان مناسبته) لأنه انتقال من طريق السبر إلى طريق المناسبة، وذلك يؤدّي إلى الانتشار المحذور. (لكن له ترجيح سبره) على سبر المعترض النافي لعلية المبقي كغيره. (بموافقة التعدية) لسبره حيث يكون المبقى متعديا إذ تعدية الحكم محله أفيد من قصوره عليه. (الخامس) من مسالك العلة (المناسبة) . وهي لغة الملايمة واصطلاحا ملاءمة الوصف المعين للحكم أو ما يعلم من تعريف المناسب الآتي، ويسمى هذا المسلك بالإحالة أيضا، كما ذكره الأصل سمي بها ذلك لأن بمناسبته الوصف يخال أي يظن أن الوصف علة ويسمى بالمصلحة وبالاستدلال وبرعاية المقاصد أيضا. (ويسمى استخراجها) أي العلة المناسبة (تخريج المناط) لأنه إبداء ما نيط به الحكم، فالمناط من النوط وهو التعليق أما تنقيح المناط وتحقيقه فسيأتيان. (وهو) أي تخريج المناط (تعيين العلة بإبداء) أي إظهار

(مناسبة) بين العلة المعينة والحكم (مع الاقتران بينهما كالاسكار) في خبر مسلم «كل مسكر حرام» ، فهو لإزالته العقل المطلوب حفظه مناسب للحرمة، وقد اقترن بها وخرج بإبداء المناسبة ترتيب الحكم على الوصف الذي هو من أقسام الإيماء وغير ذلك كالمطرد والشبه وبالاقتران إبداء المناسبة في المستبقي في السبر. (ويحقق) بالبناء للمفعول (استقلال الوصف) المناسب في العلية (بعدم غيره) من الأوصاف (بالسبر) لا بقول المستدل بحثت فلم أجد غيره، والأصل عدمه بخلافه في السبر لأنه لا طريق له ثم سواه، ولأن المقصود هنا إثبات استقلال وصف صالح للعلية وثم نفي ما لا يصلح لها. (والمناسب) المأخوذ من المناسبة المتقدمة (وصف) ولو حكمة (ظاهر منضبط يحصل عقلاً من ترتيب الحكم عليه ما يصلح كونه مقصودا للشارع) في شرعية ذلك الحكم. (من حصول مصلحة أو دفع مفسدة) . والوصف فيه شامل للعلة إذا كانت حكما شرعيا لأنه وصف للفعل القائم هو به وشامل للحكمة، فيكون للحكمة إذا علل بها حكمة كحفظ النفس، فإنه حكمة للانزجار الذي هو حكمة لترتب وجوب القصاص على القتل عدوانا، وإن جاز أن يكونا حكمتين له وخرج بيحصل الخ، الوصف المبقي في السير، والمدار في الدوران وغيرهما من الأوصاف التي تصلح للعلية ولا يحصل عقلاً من ترتيب الحكم عليها ما ذكر، وقيل هو الملائم لأفعال العقلاء عادة، واختاره الأصل، وقيل هو ما يجلب نفعا أو يدفع ضررا، وقيل هو ما لو عرض على العقول لتلقته بالقبول. وهذه الأقوال مقاربة للأوّل، وإنما اخترته على ما اختاره الأصل لأنه قول المحققين، ولأنه أنسب بقولي كغيري. (فإن كان الوصف خفيا أو غير منضبط اعتبر ملازمه) الذي هو ظاهر منضبط، (وهو المظنة) له فيكون هو العلة كالوطء مظنة لشغل الرحم المرتب عليه وجوب العدّة في الأصل حفظا للنسب، لكنه لما خفي نيط وجوبها بمظنته وكالسفر مظنة للمشقة المرتب عليها الترخص في الأصل، لكنها لما لم تنضبط نيط الترخص بمظنتها. (وحصول المقصود من شرع الحكم قد يكون يقينا كالملك في البيع) لأنه المقصود من شرع البيع ويحصل منه يقينا. (و) قد يكون (ظنا كالانزجار في القصاص) لأنه المقصود من شرع القصاص ويحصل منه ظنا، فإن الممتنعين عنه أكثر من المقدمين عليه. (و) قد يكون (محتملاً) كاحتمال انتفائه إما (سواء كالانزجار في حد الخمر) على تناولها لأنه المقصود من شرع الحد عليه وحصول الانزجار منه وانتفاؤه متساويان بتساوي الممتنعين عن تناولها والمقدمين عليه فيما يظهر لنا. (أو مرجوحا) لأرجحية انتفائه. (كالتوالد في نكاح الأمة) لأنه هو المقصود من شرع النكاح وانتفاؤه في نكاحها أرجح من حصوله. (والأصح جواز التعليل بالأخيرين) من الأربعة أي بالمقصود المتساوي الحصول والانتفاء والمقصود المرجوح الحصول نظرا إلى حصولهما في الجملة وقياسا على السفر في جواز القصر للمترفه في سفره المنتفي فيه المشقة التي هي حكمة الترخص نظرا إلى حصولها في الجملة، وقيل لا يجوز التعليل بهما، لأن أولهما مشكوك الحصول، وثانيهما مرجوحه. أما أوّل الأربعة، وثانيها فيجوز التعليل بهما قطعا. (فإن فات) المقصود من شرع الحكم (قطعا) في بعض الصور (فالأصح) أنه (لا يعتبر) فيه المقصود للقطع بانتفائه. وقالت الحنفية يعتبر حتى يثبت فيه الحكم وما يترتب عليه كما سيظهر. (سواء) في الاعتبار وعدمه (ما) أي الحكم الذي (فيه تعبد كاستبراء أمة اشتراها بائعها) لرجل منه (في المجلس) أي مجلس البيع فالمقصود من استبراء الأمة المشتراة من رجل وهو معرفة براءة رحمها منه المسبوقة بالجهل بها ثابت قطعا في هذه الصورة لانتفاء الجهل فيها قطعا، وقد اعتبره الحنفية فيها تقديرا حتى يثبت فيها الاستبراء وغيرهم لم يعتبره. وقال بالاستبراء

فيها تعبدا كما في المشتراة من امرأة، لأن الاستبراء فيه نوع تعبد كما علم في محله. (وما) أي والحكم الذي (لا) تعبد فيه (كلحوق نسب ولد المغربية بالمشرقي) عند الحنفية حيث قالوا من تزوج بالمشرق امرأة وهي بالمغرب، فأتت بولد يلحقه فالمقصود من التزويج وهو حصول النطفة في الرحم ليحصل العلوق فيلحق النسب فائت قطعا في هذه الصورة للقطع عادة بعدم تلاقي الزوجين، وقد اعتبره الحنفية فيها لوجود مظنته وهو التزويج حتى يثبت اللحوق وغيرهم لم يعتبره. وقال لا عبرة بمظنته مع القطع بانتفائه وعدم التعبد فيه فلا لحوق. (والمناسب) من حيث شرع الحكم له ثلاثة أقسام (ضروري فحاجي فتحسيني) قطعا مع ما يأتي في أقسام الضروري بالفاء ليفيد أن كلاً منها دون ما قبله في الرتبة. (والضروري) وهو ما تصل الحاجة إليه إلى حد الضرورة. (حفظ الدين) المشروع له قتل الكفار. (فالنفس) أي حفظها المشروع له القود، (فالعقل) أي حفظه المشروع له حد السكر، (فالنسب) أي حفظه المشروع له حد الزنا. (فالمال) أي حفظه المشروع له حد السرقة وحد قطع الطريق. (فالعرض) أي حفظه المشروع له عقوبة القذف والسب، وهذا زاده الأصل كالطوفي على الخمسة السابقة المسماة بالمقاصد والكليات التي قالوا فيها إنها لم تبح في ملة من الملل، والمراد مجموعها، وإلا فالخمر أبيحت في صدر الإسلام، وعطفي للعرض بالفاء أولى من عطف الأصل كالطوفي له بالواو. (ومثله) أي الضروري (مكمله) ، فيكون في رتبته (كالحدّ بـ) ـتناول (قليل المسكر) ، إذ قليله يدعو إلى كثيره المفوّت لحفظ العقل فبولغ في حفظه بالمنع من القليل والحدّ عليه كالكثير، وكعقوبة الداعين إلى البدع لأنها تدعو إلى الكفر المفوت لحفظ الدين، وكالقود في الأطراف، لأن أزالتها تدعو إلى القتل المفوت لحفظ النفس. (والحاجي) وهو ما يحتاج إليه ولا يصل إلى حد الضرورة. (كالبيع فالاجارة) المشروعين للملك المحتاج إليه ولا يفوت بفواته لو لم يشرعا شيء من الضروريات السابقة، وعطفت الاجارة بالفاء لأن الحاجة إليها دون الحاجة إلى البيع. (وقد يكون) الحاجي (ضروريا) في بعض صوره (كالاجارة لتربية الطفل) ، فإن ملك المنفعة فيها وهي تربيته يفوت بفواته لو لم تشرع الاجارة حفظ نفس الطفل. (و) مثل الحاجي (مكمله كخيار البيع) المشروع للتروي كمل به البيع ليسلم عن الغبن. (والتحسيني) وهو ما استحسن عادة من غير احتياج إليه قسمان (معارض للقواعد) الشرعية. أي لشيء منها (كالكتابة) فإنها غير محتاج إليها إذ لو منعت ما ضر لكنها مستحسنة عادة للتوسل بها إلى فك الرقبة من الرق، وهي خارمة لقاعدة امتناع بيع الشخص بعض ماله ببعض آخر إذ ما يحصله المكاتب في قوة ملك السيد له بتعجيزه نفسه. (وغيره) أي وغير المعارض لشيء من القواعد. (كسلب العبد أهلية الشهادة) ، فإنه غير محتاج إليه إذ لو ثبت للعبد الأهلية ما ضر لكنه مستحسن عادة لنقص الرقيق عن هذا المنصب الشريف الملزم للحقوق بخلاف الرواية. (ثم المناسب) من حيث اعتباره وجودا وعدما أربعة أقسام مؤثر وملائم وغريب ومرسل، لأنه (إن اعتبر عينه في عين الحكم بنص أو إجماع فالمؤثر) . لظهور تأثيره بما اعتبر به، والمراد بالعين النوع لا الشخص منه فالاعتبار بالنص كتعليل نقض الوضوء بمس الذكر، فإنه مستفاد من خبر الترمذي وغيره «من مس ذكره فليتوضأ» . والاعتبار بالاجماع كتعليل ولاية المال على الصغير بالصغر فإنه مجمع عليه. (أو) اعتبر عينه في عين الحكم (بترتيب الحكم على وقفه) حيث ثبت الحكم معه بأن أورده الشرع على وقفه، لا بأن نص على العلة أو أومىء إليها وإلا لم تكن العلة مستفادة من المناسبة. (فإن اعتبر) بنص أو إجماع (العين في الجنس أو عكسه أو الجنس في الجنس) وكل منهما أعلى مما بعده. (فالملائم) لملايمته للحكم

السادس) من مسالك العلة، (الشبه وهو مشابهة وصف للمناسب والطردي)

(وإلا) أي وإن لم يعتبر بما ذكر شيء من ذلك. (فالغريب) . وهذا من زيادتي تبعا لابن الحاجب، ومثل له بتعليل توريث المبتوتة في مرض الموت بالفعل المحرم لغرض فاسد وهو الطلاق البائن لغرض عدم الإرث قياسا على قاتل مورثه حيث لم يرثه بجامع ارتكاب فعل محرم، وفي ترتيب الحكم عليه تحصيل مصلحة وهو نهيهما عن الفعل الحرام، لكن لم يشهد له أصل بالاعتبار بنص أو إجماع، ومثال الأول من أقسام الملائم تعليل ولاية النكاح بالصغر حيث تثبت معه، وإن اختلف في أنها له أو للبكارة أو لهما، وقد اعتبر في جنس الولاية حيث اعتبر في ولاية المال بالإجماع كما مر، ومثال الثاني تعليل جواز الجمع حالة المطر في الحضر بالحرج حيث اعتبر معه، وقد اعتبر جنسه في جوازه في السفر بالنص إذ الحرج جامع لحرج السفر والمطر، ومثال الثالث تعليل القود في القتل بمثقل بالقتل العمد العدوان حيث ثبت معه، وقد اعتبر جنسه في جنس القود حيث اعتبر في القتل بمحدد بالإجماع إذ القتل العمد العدوان جامع للقتل بمثقل، وبمحدد والقود جامع للقود بالمثقل وبالمحدد، (وإن لم يعتبر) أي المناسب (فإن دل دليل على إلغائه) ، فهو ملغى (فلا يعلل به) قطعا كما في جماع ملك نهار رمضان، فإن حاله يناسب التكفير ابتداء بالصوم ليرتدع به دون الإعتاق، إذ يسهل عليه بذل المال في شهوة الفرج، وقد أفتى يحيى بن يحيى بن كثير الليثي المغربي المالكي ملكا بالمغرب جامع في نهار رمضان بصوم شهرين متتابعين نظرا إلى ذلك لكن الشارع ألغاه بإيجابه الإعتاق ابتداء من غير تفرقة بين ملك وغيره، وفي الحاشية زيادة على ذلك، ويسمى هذا القسم بالغريب لبعده عن الاعتبار. (وإلا) أي وإن لم يدل دليل على إلغائه كما لم يدل على اعتباره (فالمرسل) لإرساله أي إطلاقه عما يدل على اعتباره أو إلغائه، ويعبر عنه بالمصالح المرسلة وبالاستصلاح وبالمناسب المرسل (وردّه الأكثر) من العلماء مطلقا لعدم ما يدل على اعتباره وقبله الإمام مالك مطلقا رعاية للمصلحة حتى جوّز ضرب المتهم بالسرقة ليقرّ، وعورض بأنه قد يكون بريئا وترك الضرب لمذنب أهون من ضرب بريء، وردّه قوم في العبادات إذ لا نظر فيها للمصلحة، بخلاف غيرها كالبيع والنكاح والحد، ومحل الخلاف المذكور إذا علم اعتبار العين في الجنس أو عكسه أو الجنس في الجنس، وإلا فهو مردود قطعا كما ذكره العضد تبعا لابن الحاجب. (وليس منه) أي من المناسب الرسل. (مصلحة ضرورية كلية) أي متعلقة بكل الأمة (قطعية أو ظنية قريبة منها) لدلالة الدليل على اعتبارها، (فهي حق كلي قطعا) واشترطها الغزالي للقطع بالقول بالمناسب المرسل، لا لأصل القول به فجعلها منه مع القطع بقبولها مثالها رمي الكفار المتترسين بأسرانا في الحرب المؤدي إلى قتل الترس معهم إذا قطع أو ظن ظنا قريبا من القطع بأنهم إن لم يرموا استأصلونا بالقتل الترس وغيره، وبأنهم إن رموا سلم غير الترس فيجوز رميهم لحفظ باقي الأمة بخلاف رمي أهل قلعة تترسوا بمسلمين، لأن فتحها ليس ضروريا ورمى بعضنا من سفينة في بحر لنجاة الباقين، لأن نجاتهم ليست كليا ورمى المتترسين في الحرب إذا لم يقطع أو لم يظن ظنا قريبا من القطع باستئصالهم لنا، فلا يجوز الرمي في شيء من الثلاث، وإن أقرع في الثانية لأن القرعة لا أصل لها شرعا في ذلك. (والمناسبة تنخرم) أي تبطل (بمفسدة تلزم) الحكم (راجحة) على مصلحته (أو مساوية لها في الأصح) ، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وقال الإمام الرازي ومتابعوه لا تنخرم بها مع موافقتهم على انتفاء الحكم فهو عندهم لوجود المانع وعلى الأول لانتفاء المقتضى فالخلف لفظي. ( السادس) من مسالك العلة، (الشبه وهو مشابهة وصف للمناسب والطردي) وهذا التفسير من زيادتي. (ويسمى الوصف بالشبه أيضا وهو منزلة) أي ذو منزلة (بين منزلتيهما) أي منزلتي المناسب والطردي.

(السابع) من مسالك العلة (الدوران بأن يوجد الحكم)

(في الأصح) لأنه يشبه الطردي من حيث إنه غير مناسب بالذات، ويشبه المناسب بالذات من حيث التفات الشرع إليه في الجملة كالذكورة والأنوثة في القضاء والشهادة، وقيل هو المناسب بالتبع كالطهارة لاشتراط النية، فإنها إنما تناسبه بواسطة أنها عبادة بخلاف المناسب بالذات كالإسكار لحرمة الخمر. (ولا يصار إليه) بأن يصار إلى قياسه، (إن أمكن قياس العلة) المشتمل على المناسب بالذات. (وإلا) بأن تعذرت العلة بتعذر المناسب بالذات بأن لم يوجد غير قياس الشبه. (فهو حجة في غير) الشبه (الصوري في الأصح) ، نظرا لشبهه بالمناسب وقد احتج به الشافعي في مواضع منها. قوله في إيجاب النية في الوضوء كالتيمم طهارتان أنى تفترقان، وقيل مردود نظرا لشبهه بالطردي. (وأعلاه) أي قياس الشبه (قياس ما) أي شبه (له أصل واحد) كأن يقول في إزالة الخبث هي طهارة للصلاة فيتعين الماء كطهارة الحدث، فطهارة الخبث تشبه الطردي من حيث ظهور المناسبة بينها وبين تعين الماء، وتشبه المناسب بالذات من حيث إن الشرع اعتبر طهارة الحدث بالماء في الصلاة وغيرها. (فـ) ـقياس (غلبة الأشباه في الحكم والصفة) وهو إلحاق فرع متردد بين أصلين بأحدهما الغالب شبهه به في الحكم والصفة على شبهه بالآخر فيهما، كإلحاق العبد بالماء في إيجاب القيمة بقتله بالغة ما بلغت، لأن شبهه بالمال في الحكم والصفة أكثر من شبهه بالحرّ فيهما، أما الحكم فلكونه يباع ويؤجر ويعار ويودع ويثبت عليه اليد. وأما الصفة فلتفاوت قيمته بحسب تفاوت أوصافه جودة ورادءة وتعلق الزكاة بقيمته إذا اتجر فيه. (فـ) ـقياس غلبة الأشباه في (الحكم فـ) ـقياس غلبتها في (الصفة) . وهذان مع الأول ومع الترجيح والتقييد بغير الصوري من زيادتي، أما الصوري كقياس الخيل على البغال والحمير في عدم وجوب الزكاة للشبه الصوري بينهما، فليس بحجة في الأصح. (السابع) من مسالك العلة (الدوران بأن يوجد الحكم) أي تعلقه. (عند وجود وصف ويعدم) هو أولى من قوله وينعدم. (عند عدمه) والوصف يسمى مدارا والحكم دائرا. (وهو) أي الدوران (يفيد) العلية (ظنا في الأصح) . وقيل لا يفيدها لجواز أن يكون الوصف ملازما لها لا نفسها كرائحة المسكر المخصوصة، فإنها دائرة مع الإسكار وجودا وعدما بأن يصير المسكر خلاً وليست علة، وقيل يفيدها قطعا وكأن قائل ذلك قاله عند مناسبة الوصف كالإسكار لحرمة الخمر. (ولا يلزم المستدل به بيان انتفاء ما هو أولى منه) بإفادة العلية بل يصح الاستدلال به مع إمكان الاستدلال بما هو أولى منه بخلاف ما مرّ في الشبه. (ويترجح جانبه) أي المستدل (بالتعدية) لوصفه على جانب المعترض حيث يكون وصفه قاصرا (إن أبدى المعترض وصفا آخر) أي غير المدار. (والأصح) أنه (إن تعدّى وصفه) أي المعترض (إلى الفرع) المتنازع فيه بقيد زدته بقولي (واتحد مقتضى وصفيهما) أي المستدل والمعترض، (أو إلى فرع آخر لم يطلب ترجيح) بناء على جواز تعدد العلل، وقيل يطلب الترجيح بناء على منعه، وبه جزم الأصل في الثاني بناء على ما رجحه من منع تعدد العلل، أما إذا اختلف مقتضى وصفيهما كأن اقتضى أحدهما الحل والآخر الحرمة فيطلب الترجيح. (الثامن) من مسلك العلة (الطرد بأن يقارن الحكم الوصف بلا مناسبة) لا بالذات ولا بالتبع كقول بعضهم في الخل مائع لا تبنى القنطرة على جنسه فلا تزال به النجاسة كالدهن أي بخلاف الماء فبناء القنطرة وعدمه لا مناسبة فيهما للحكم، وإن كان مطردا لا نقض عليه، وقولي بلا مناسبة من زيادتي وخرج به بقية المسالك (وردّه الأكثر) من العلماء لانتفاء المناسبة عنه. قال علماؤنا قياس المعنى مناسب لاشتماله على الوصف المناسب، وقياس الشبه تقريب، وقياس الطرد تحكم فلا يفيد، وقيل يفيد المناظر دون الناظر لنفسه

(التاسع) من مسالك العلة (تنقيح المناط بأن يدل نص ظاهر على التعليل)

لأن الأول دافع، والثاني مثبت. وقيل إن قارنه فيما عدا صورة النزاع أفاد العلية فيفيد الحكم في صورة النزاع، وقيل تكفي مقارنته له في صورة واحدة غير صورة النزاع. (التاسع) من مسالك العلة (تنقيح المناط بأن يدل نص ظاهر على التعليل) لحكم (بوصف فيحذف خصوصه عن الاعتبار بالاجتهاد ويناط) الحكم (بالأعم) ، كما حذف أبو حنيفة ومالك من خبر الأعرابيّ الذي واقع زوجته في نهار رمضان خصوص الوقاع عن الاعتبار، وأناطا الكفارة بمطلق الإفطار. (أو) بأن (تكون) في محل الحكم (أوصاف فيحذف بعضها) عن الاعتبار بالاجتهاد (ويناط) الحكم (بباقيها) ، كما حذف الشافعي في الخبر المذكور غير الوقاع من أوصاف المحل ككون الواطىء أعرابيا، وكون الموطوءة زوجة، وكون الوطء في القبل عن الاعتبار، وأناط الكفارة بالوقاع، ولا ينافي التمثيل بالخبر لما هنا التمثيل به فيما مرّ للإيماء، لاختلاف الجهة، إذ التمثيل للإيماء بالنظر لاقتران الوصف بالحكم، ولما هنا بالنظر للاجتهاد في الحذف. (وتحقيق المناط إثبات العلة في صورة) خفى وجودها فيها. (كإثبات أن النباش) وهو من ينبش القبور ويأخذ الأكفان. (سارق) بأنه وجد منه أخذ المال خفية من حرز مثله وهو السرقة فيقطع خلافا للحنفية. (وتخريجه) أي المناط (مرّ) بيانه في مبحث المناسبة وقرنت كالأصل بين الثلاثة كعادة الجدليين ويعرف من تعاريفها الفرق بينها. (العاشر) من مسالك العلة (إلغاء الفارق) بأن يبين عدم تأثيره في الفرق بين الأصل والفرع، فيثبت الحكم لما اشتركا فيه سواء أكان الإلغاء قطعيا كإلحاق صبّ البول في الماء الراكد بالبول فيه في الكراهة الثابتة بخبر «لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد» . أم ظنيا (كإلحاق الأمة بالعبد في السراية) الثابتة بخبر «من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوّم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق» . فالفارق في الأول الصب من غير فرج، وفي الثاني الأنوثة، ولا تأثير لهما في منع الكراهة والسراية فتثبتان لما يشارك فيه الأصل والفرع، وإنما كان الثاني ظنيا لأنه قد يتخيل فيه احتمال اعتبار الشارع في عتق العبد استقلاله في جهاد وجمعة وغيرهما مما لا دخل للأنثى فيه، وقوله في الخبر ثمن العبد أي ثمن ما لا يملكه العتق منه. (وهو) أي إلغاء الفارق (والدوران والطرد) على القول به (ترجع) ثلاثتها (إلى ضرب شبه) للعلة لا علة حقيقة لأنها تحصل الظنّ في الجملة. ولا تعين جهة المصلحة المقصودة من شرع الحكم، لأنها لا تدرك بواحد منها بخلاف بقية المسالك. (خاتمة) في نفي مسلكين ضعيفين. (ليس تأتي القياس بعلية وصف ولا العجز عن إفساده دليلها في الأصحّ) فيهما. وقيل نعم فيهما، أما الأول فلأن القياس مأمور به بقوله تعالى {فاعتبروا} وبتقدير علية الوصف يخرج بقياسه عن عهدة الأمر فيكون الوصف علة. قلنا إنما يتعين عليته لو لم يخرج عن عهدة الأمر إلا بقياسه وليس كذلك، وأما الثاني فكما في المعجزة فإنها إنما دلت على صدق الرسول للعجز عن معارضتها. قلنا الفرق أن العجز ثم من الخلق وهنا من الخصم. القوادح أي هذا مبحثها وهي ما يقدح في الدليل علة كان الدليل أو غيرها. (منها تخلف الحكم عن العلة المستنبطة) إن كان التخلف (بلا مانع أو فقد شرط في الأصح) ، بأن وجدت في بعض صور بدون الحكم لأنها لو كانت علة للحكم لثبت حينئذ بخلاف المنصوصة، إذ لا نقض معها كما بينته في الحاشية، وبخلاف ما إذا كان التخلف لمانع أو فقد شرط، لأن العلة عند التخلف تجامع كلاً منهما. وهذا ما اختاره ابن الحاجب وغيره من المحققين، وعليه يحمل إطلاق الشافعي القدح بالتخلف، وقيل يقدح مطلقا، ورجحه الأصل إذ لو صحت العلية مع التخلف للزم الحكم في صورة التخلف ضرورة استلزام العلة لمعلولها، وقيل لا يقدح مطلقا. وقال به أكثر الحنفية وسموه

تخصيص العلة، وقيل يقدح في العلة المستنبطة دون المنصوصة، وقيل عكسه، وقيل يقدح إلا أن يكون لمانع أو فقد شرط وعليه أكثر فقهائنا وقيل غير ذلك. (والخلف) في القدح (معنوي) خلافا لابن الحاجب ومن تبعه في قولهم إنه لفظي مبني على تفسير العلة إن فسرت بالمؤثر وهو ما يستلزم وجوده وجود الحكم، فالتخلف قادح أو بالباعث أو بالمعرف فلا. (ومن فروعه) أي فروع أن الخلف معنوي (الانقطاع) للمستدل فيحصل إن قدح التخلف، وإلا فلا يحصل ويسمع قوله أردت العلية في غير ما حصل فيه التخلف، (وانخرام المناسبة بمفسدة) فيحصل إن قدح التخلف وإلا فلا، لكن ينتفي الحكم لوجود المانع (وغيرهما) بالرفع أي غير المذكورين كتخصيص العلة فيمتنع إن قدح التخلف وإلا فلا. (وجوابه) أي التخلف على القول بأنه قادح (منع وجود العلة) فيما اعترض به. (أو) منع (انتفاء الحكم) في ذلك (إن لم يكن انتفاؤه مذهب المستدل) . وإلا فلا يتأتى الجواب، (أو بيان المانع أو) بيان (فقد الشرط) مثال ذلك يجب القود بالقتل بمثقل كالقتل بمحدد، فإن نقض بقتل الأصل فرعه حيث تخلف الحكم فيه عن العلة فجوابه منع وجود العلة في ذلك، إذ يعتبر فيها عدم أصلية القاتل أو أن التخلف لمانع، وهو أن الأصل كان سببا لإيجاد فرعه، فلا يكون هو سببا لإعدام أصله. (وليس للمعترض) بالتخلف (استدلال على وجود العلة) فيما اعترض به. (عند الأكثر) من النظار، ولو بعد منع المستدل وجودها. (لانتقاله) من الاعتراض إلى الاستدلال المؤدي إلى الانتشار، وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة. وقيل له ذلك إن لم يكن ثم دليل أولى من التخلف بالقدح، وإلا فلا. وقيل له ذلك ما لم تكن العلة حكما شرعيا. (ولو دل) المستدل (على وجودها) أي العلة فيما علل حكمه بها (بـ) ـدليل (موجود في محل النقض ثم منع وجودها) في ذلك المحل، (فقال) له المعترض (ينتقض دليلك) الذي أقمته على وجودها حيث وجد في محل النقض دونها على مقتضى منعك وجودها فيه. (لم يسمع) قول المعترض (لانتقاله من نقضها إلى ناقض دليلها) ، والانتقال ممتنع، قال ابن الحاجب وفيه نظر لأن القدح في الدليل قدح في المدلول بمعنى أن القدح فيه يحوج إلى الانتقال إلى إثبات المدلول بدليل آخر، وإلا كان قولاً بلا دليل فلا يمتنع الانتقال إليه، فإن ردّد بين الأمرين فقال يلزمك انتقاض العلة أو انتقاض دليلها الدال على وجودها في الفرع فلا تثبت علتك سمع قوله اتفاقا، إذ لا انتقال (وليس له) أي للمعترض (استدلال على تخلف الحكم) فيما اعترض به ولو بعد منع المستدل تخلفه (في الأصح) ، لما مر من الانتقال من الاعتراض إلى الاستدلال المؤدي إلى الانتشار، وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة، وقيل له ذلك إن لم يكن ثم طريق أولى من التخلف بالقدح وإلا فلا. (ويجب الاحتراز منه) أي من التخلف بأن يذكر في الدليل ما يخرج محله ليسلم من الاعتراض، (على المناظر مطلقا) عن الاستثناء الآتي، (وعلى الناظر) لنفسه (إلا فيما اشتهر من المستثنيات) ، كالعرايا لأنه لشهرته كالمذكور، فلا يجب الاحتراز منه، وقيل يجب عليه ذلك مطلقا وغير المذكور ليس كالمذكور، وقيل يجب عليه ذلك إلا في المستثنيات ولو كانت غير مشهورة، فلا يجب ذلك للعلم بأنها غير مرادة، وقيل لا يجب مطلقا. واختاره ابن الحاجب وغيره (وإثبات صورة) معينة أو مبهمة (أو نفيها ينتقض بالنفي أو الإثبات العامين) يعني السالبة والموجبة الكليتين. (وبالعكس) أي النفي العام أو الإثبات العام ينتقض بإثبات صورة معينة أو مبهمة أو بنفيها فنحو زيد كاتب أو إنسان ما كاتب يناقضه لا شيء من الإنسان بكاتب ونحو زيد ليس بكاتب، أو إنسان ما ليس بكاتب يناقضه كل إنسان كاتب، أما الأولى بشقيها فلتحقق المناقضة بين الموجبة الجزئية والسالبة الكلية، وأما الثانية كذلك فلتحقق المناقضة بين السالبة الجزئية

الكسر

والموجبة الكلية. ( ومنها) أي من القوادح (الكسر) فإنه قادح (في الأصحّ) لما يعلم من تعريفه الآتي، وقيل ليس بقادح، (وهو) أي الكسر ويسمى بنقض المعنى أي المعلل به. (إلغاء بعض العلة) بوجود الحكم عند انتفائه إما (مع إبداله) أي البعض بغيره (أو لا) مع إبداله (ونقض باقيها) أي العلة والتصريح بأو لا الخ من زيادتي (كما يقال في) إثبات صلاة (الخوف) هي (صلاة يجب قضاؤها) لو لم تفعل. (فيجب أداؤها كالأمن) فإن الصلاة فيه كما يجب قضاؤها لو لم تفعل يجب أداؤها. (فيعترض) بأن خصوص الصلاة ملغى بأن يقال الحج يجب أداؤه لقضائه. (فليبدل) خصوص الصلاة (بالعبادة) ليندفع الاعتراض، وكأنه قيل عبادة الخ. (ثم ينقض) هذا القول (بصوم الحائض) فإنه عبادة يجب قضاؤها ولا يجب أداؤها بل يحرم (أو لا يبدل) خصوص الصلاة. (فلا يبقى) للمستدل علة (إلا) قوله (يجب قضاؤها) فيجب أداؤها كالأمن. (ثم ينقض بما مر) ، بأن يقال ليس كل ما يجب قضاؤه يؤدي بدليل صوم الحائض، فإنه يجب عليها قضاؤه دون أدائه. وعبر ابن الحاجب عن هذا القادح بالنقض المكسور وعرف الكسر قبيله بما لزم منه أن الراجح أنه لا يقدح، وفي محل آخر بما يقتضي أنه تخلف الحكم عن العلة، فعنده أن الكسر مشترك لفظي، وبما تقرر أوّلاً علم أن الكسر لا يكون إلا في العلة المركبة، وأن مفاده تخلف الحكم عن العلة فهو قسم من أقسام القادح السابق. (ومنها) أي من القوادح (عدم العكس) بأن يوجد الحكم بدون العلة وإنما يقدح. (عند مانع تعدد العلل) بخلاف مجوّزه لجواز أن يكون وجود الحكم لعلة أخرى ومثاله يعلم من القادح الآتي. (والعكس انتفاء الحكم) لا بمعنى انتفائه نفسه، بل (بمعنى انتفاء العلم أو الظن به لانتفاء العلة) ، وإنما عنى ذلك لأنه لا يلزم من عدم الدليل الذي من جملته العلة عدم المدلول للقطع بأن الله تعالى لو لم يخلق العالم الدال على وجوده لم ينتف وجوده، وإنما ينتفي العلم به. (فإن ثبت مقابله) أي مقابل العكس وهو الطرد أي ثبوت الحكم لثبوت العلة أبدا، (فأبلغ) في العكسية مما لم يثبت مقابله بأن يثبت الحكم مع انتفاء العلة في بعض الصور، لأنه في الأوّل عكس لجميع الصور وفي الثاني لبعضها. (وشاهده) أي العكس في صحة الاستدلال بانتفاء العلة فيه على انتفاء الحكم (قوله صلى الله عليه وسلّم) لبعض أصحابه في خبر مسلم لما عدد وجوه البر بقوله وفي بضع أحدكم صدقة الخ. (أرأيتم لو وضعها) أي الشهوة (في حرام أكان عليه وزر) فكأنهم قالوا نعم، فقال (فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر في جواب) قولهم (أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر) استنتج من ثبوت الحكم أي الوزر في الوطء الحرام انتفاءه في الوطء الحلال الصادق بحصول الأجر حيث عدل بوضع الشهوة عن الحرام إلى الحلال لتعاكس حكميهما في العلة، وهو كون هذا مباحا وذاك حراما، وهذا الاستنتاج يسمى قياس العكس الآتي في الكتاب الخامس، وإنما ذكر هنا مع العكس، وإن كان المبحث في القدح بعدمه أما العكس فلتوقف معرفة عدمه على معرفته، وأما قياسه فلكونه شاهدا له. (ومنها) أي من القوادح (عدم التأثير أي نفي مناسبة الوصف) الذاتية للحكم (فيختص) القدح به (بقياس معنى علته مستنبطة مختلف فيها) لاشتماله على المناسب بخلاف غيره كالشبه، وقياس المعنى الذي علته منصوصة أو مستنبطة مجمع عليها فلا يأتي فيه ذلك، (وهو) أقسام (أربعة) القسم الأوّل عدم التأثير (في الوصف بكونه طرديا أو شبها) . والمعنى عدم تأثيره أصلاً كقول الحنفية في الصبح صلاة لا تقصر فلا يقدم أذانها كالمغرب فعدم القصر بالنسبة لعدم تقديم الأذان طردي لا مناسبة فيه ولا شبه، وعدم التقييد موجود فيما يقصر، وكقول المستدل بقياس المعنى في الوضوء طهارة تفتقر إلى النية

كالتيمم فالطهارة بالنسبة لافتقار الوضوء إلى النية شبه المناسبة فيه بالذات، إذ المناسبة الذاتية له كون الوضوء عبادة. وحاصل هذا القسم طلب مناسبة علية الوصف وقولي أو شبهه من زيادتي (و) الثاني عدم التأثير (في الأصل) بإبداء علة لحكمه (على مرجوح) وهو منع تعدد العلل (مثل) أن يقال في بيع الغائب (مبيع غير مرئيّ فلا يصح كالطير في الهواء فيقول) المعترض (لا أثر لكونه غير مرئيّ) في الأصل. (إذ العجز عن التسليم) فيه (كاف) في عدم الصحة وعدمها موجود مع الرؤية. وحاصله معارضته في الأصل بإبداء غير ما علل به وزدت على مرجوح ليوافق ما اعتمدته من جواز تعدّد العلل. (و) الثالث عدم التأثير (في الحكم وهو أضرب) ثلاثة أحدها (ما) أي وصف اشتملت عليه العلة (لا فائدة لذكره كقولهم) أي الخصوم الحنفية (في المرتدين) المتلفين مالنا بدار الحرب حيث استدلوا على نفي الضمان عنهم في ذلك (مشركون أتلفوا مالاً بدار الحرب فلا ضمان) عليهم (كالحربيّ) المتلف مالنا (فدار الحرب عندهم) أي الخصوم كما هو عندنا وصف (طرديّ فلا فائدة لذكره) لأن من نفي الضمان في إتلاف المرتد مال المسلم كالحنفية نفاه، وإن لم يكن الإتلاف بدار الحرب ومن أثبته كالشافعية أثبته، وإن لم يكن الإتلاف بدار الحرب (فيرجع) الاعتراض في ذلك (للأوّل) من الأقسام لأن المعترض يطالب المستدل بتأثير كون الإتلاف بدار الحرب لا بغيرها. (و) الضرب الثاني (ما) أي وصف اشتملت عليه العلة (له) أي لذكره (على الأصح فائدة ضرورية كقول معتبر العدد في الاستجمار) بالأحجار (عبادة متعلقة بالأحجار لم يتقدمها معصية فاعتبر فيها العدد كالجمار) أي كرميها (فقوله لم يتقدمها معصية عديم التأثير) في حكم الأصل والفرع (لكنه) أي معتبر العدد (مضطر لذكره لئلا ينتقض ما علل به) لو لم يذكر فيه (بالرجم) للمحصن فإنه عبادة متعلقة بالأحجار ولم يعتبر فيها العدد والضرب الثالث ما ذكرته بقولي (أو غير ضرورية) أي أو ماله على الأصح فائدة غير ضرورية (مثل) أن يقال (الجمعة صلاة مفروضة فلم تفتقر) في إقامتها (إلى أذن الإمام) الأعظم (كالظهر، فإن) قولهم (مفروضة حشو إذ لو حذف) مما علل به (لم ينتقض) أي الباقي منه بشيء إذ النفل كالفرض في ذلك. (لكنه ذكر لتقريب الفرع) وهو الجمعة (من الأصل) وهو الظهر (بتقوية الشبهة بينهما إذ الفرض بالفرض أشبه) به من غيره، وقيل عدم التأثير لا يكون قادحا فيما له فائدة بقسميها، وقيل يكون قادحا في ثانيهما دون أولهما. (و) القسم الرابع عدم التأثير (في الفرع) على مرجوح يعلم من قولي بعد في الفرض والأصح جوازه، (مثل) أن يقال في تزويج المرأة نفسها (زوجت نفسها غير كفء فلا يصح) التزويج (كما لو زوجت) بالبناء للمفعول أي زوّجها وليها له. (وهو) أي الرابع (كالثاني) في أنه إبداء علة وهي في هذا المثال تزويج المرأة نفسها لا تزويجها من غير كفء، (إذ لا أثر فيه للتقييد بغير الكفء) فإنه وإن ناسب البطلان لكنه غير مطرد في جميع صور المدعي وهو أن تزويجها نفسها لا يصح مطلقا كما لا أثر للتقييد في مثال الثاني بكونه غير مرئي، وإن كان نفي الأثر هنا بالنسبة إلى الفرع وثم بالنسبة إلى الأصل. (ويرجع) هذا القسم (إلى المناقشة في الفرض وهو) أي الفرض (تخصيص بعض صور النزاع بالحجاج) كما فعل في المثال، إذ المدعى فيه منع تزويجها نفسها مطلقا والاحتجاج على منعه من غير كفء. (والأصح جوازه) أي الفرض مطلقا فقد لا يساعده الدليل في كل الصور أو لا يقدر على دفع الاعتراض في بعضها فيستفيد بالفرض غرضا صحيحا،

القلب

وقيل لا يجوز لأن جوازه لا يدفع اعتراض الخصم، وقيل يجوز بشرط بناء غير محل الفرض على محله كأن يقاس عليه بجامع بينهما، أو يقال ثبت الحكم في بعض الصور فليثبت في باقيها، إذ لا قائل بالفرق، وقد قال به الحنفية في المثال حيث جوّزوا تزويجها نفسها من غير كفء. ( ومنها) أي من القوادح (القلب) وهو نوعان خاص بالقياس وعرفوه بأن يربط المعترض خلاف قول المستدل على علته إلحاقا بالأصل الذي جعله مقيسا عليه وعام يعترض به على القياس وغيره من الأدلة، (وهو في الأصح دعوى) المعترض (أن ما استدلّ به) المستدل، (وصح) دليل (عليه) أي على المستدل وإن دل له باعتبار آخر فتعبيري بذلك أولى من قوله عليه لا له. (في المسألة) المتنازع فيها لا في مسألة أخرى، وقول الأصل على ذلك الوجه لا حاجة إليه كما بينته في الحاشية، وتقديمي عليه على ما بعده أولى من تأخير الأصل له عنه، (فـ) ـبسبب التقييد بصحة ما استدل به (يمكن معه) أي مع القلب (تسليم صحته) ، وقيل القلب تسليم صحته مطلقا سواء أكان ما استدل به صحيحا أم لا. وقيل هو إفساد له مطلقا لأن الغالب من حيث جعله على المستدل مسلم لصحته، وإن لم يكن صحيحا ومن حيث لم يجعله له مفسد له، وإن كان صحيحا، وعلى كلا القولين لا يذكر في الحد قيد للصحة، وإنما ذكر في الأول لأن عدم ذكره فيه يخل بموضوعه إما مصححا لمذهب المعترض أو مبطلاً لمذهب المستدل كما سيأتي، فهو قيد للاحتراز عن الفاسد، إذ لا يحصل به شيء من ذلك، وعلى الأصح من إمكان التسليم مع القلب. (فهو) أي القلب (مقبول في الأصح) وهو إما (معارضة عند التسليم) لصحة دليل المستدل، فلا يكون القلب حينئذ قادحا، بل يجاب عنه بالترجيح وإما اعتراض. (قادح عند عدمه) أي عدم تسليم الصحة، وقيل هو شاهد زور يشهد على الغالب وله حيث سلم فيه الدليل، واستدل به على خلاف دعوى المستدل فلا يقبل. (وهو) أي القلب باعتبار آخر (قسمان) . القسم (الأول) القلب (لتصحيح مذهب المعترض) في المسألة (وإبطال مذهب المستدل) فيها سواء أكان مذهب المستدل مصرحا به في الاستدلال أم لا، فالأول (كما يقال) من جانب المستدل كالشافعي في بيع الفضولي (عقد بلا ولاية) عليه. (فلا يصح كالشراء) أي كشراء الفضولي فلا يصح لمن سماه. (فيقال) من جانب المعترض كالحنفي (عقد فيصح كالشراء) أي كشراء الفضولي فيصح له ويلغو تسميته لغيره وهو أحد وجهين عندنا، إذا لم يشتر بعين مال من عقد له ولم يضف العقد إلى ذمته. (و) الثاني (مثل) أن يقول الحنفي المشترط للصوم في الاعتكاف (لبث فلا يكون بنفسه قربة كوقوف عرفة) ، فإنه قربة بضميمة الإحرام فكذا الاعتكاف يكون قربة بضميمة عبادة إليه وهي الصوم لأنه المتنازع فيه. (فيقال) من جانب المعترض كالشافعي الاعتكاف. (لبث فلا يشترط فيه الصوم كعرفة) لا يشترط الصوم في وقوفها، ففي هذا إبطال لمذهب الخصم الذي هو اشتراط الصوم ولم يصرح به في الدليل. القسم (الثاني) القلب (لإبطال مذهب المستدل) وإبطاله إما (بصراحة) كأن يقول الحنفي في مسح الرأس، (عضو وضوء فلا يكفي) في مسحه (أقل ما ينطلق عليه الاسم كالوجه) لا يكفي في غسله ذلك. (فيقال) من جانب المعترض كالشافعي عضو ضوء. (فلا يقدر بالربع كالوجه) لا يقدر غسله بالربع (أو بالتزام) ، كأن يقول النفي في بيع الغائب (عقد معاوضة فيصح مع الجهل بالمعوّض كالنكاح) يصح مع الجهل بالزوجة أي عدم رؤيتها. (فيقال) من جانب المعترض كالشافعي، (فلا يثبت) فيه (خيار الرؤية كالنكاح) فنفي الثبوت يلزمه نفي الصحة إذ القائل بها قائل بالثبوت، وقولي فلا يثبت أولى من قوله فلا يشترط لأن اللازم

القول بالموجب

للصحة عند القائل بها ثبوت ما ذكر لا اشتراطه، (ومنه) أي من القلب لإبطال مذهب المستدل بالالتزام. (قلب المساواة فيقبل في الأصح) وهو أن يكون في جهة الأصل حكمان أحدهما منتف عن جهة الفرع باتفاق الخصمين، والآخر متنازع فيه بينهما فإذا أثبته المستدل في الفرع قياسا على الأصل يقول المعترض فيجب التسوية بين الحكمين في جهة الفرع كما في جهة الأصل (مثل) قول الحنفي في الوضوء والغسل كل منهما (طهر بمائع فلا تجب فيه النية كالنجاسة) أي إزالتها لا يجب فيها النية بخلاف التيمم يجب فيه النية. (فيقال) من جانب المعترض كالشافعي (يستوي جامده ومائعه) أي الطهر (كالنجاسة) يستوي جامد طهرها ومائعه في جميع أحكامها. وقد وجبت النية في التيمم، فتجب في الوضوء والغسل، وقيل لا يقبل قلب المساواة، لأن التسوية في جهة الفرع غيرها، في جهة الأصل، وأجاب الأكثر بأن هذا الاختلاف لا يضر في القياس، لأنه غير مناف لأصل الاستواء في الوصف الذي جعل جامعا وهو الطهارة. (ومنها) أي من القوادح (القول بالموجب) بفتح الجيم أي بما اقتضاه الدليل ولا يختص بالقياس وشاهده قوله تعالى {ولله العزة ولرسوله} في جواب ليخرجنّ الأعز منها الأذل، المحكي عن المنافقين أي صحيح ذلك لكنهم الأذل والله ورسوله الأعز وقد أخرجهم الله ورسوله. (وهو تسليم) مقتضي (الدليل مع بقاء النزاع) ، بأن يظهر عدم استلزام الدليل لمحل النزاع وورد ذلك على ثلاثة أنواع. أحدها أن يستنتج المستدل من دليله ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازم له ولا يكون كذلك. والثاني أن يستنتج منه إبطال أمر يتوهم أنه مأخذ مذهب الخصم والخصم يمنع أنه مأخذه. والثالث أن يسكت عن مقدمة صغرى غير مشهورة. فالأول (ما يقال في) القود بقتل (المثقل) من جانب المستدل كالشافعي (قتل بما يقتل غالبا فلا ينافي القود كالإحراق) بالنار لا ينافي القود، (فيقال) من جانب المعترض كالحنفي (سلمنا عدم المنافاة) بين القتل بالمثقل وبين القود، (لكن لم قلت) إن القتل بالمثقل (يقتضيه) أي القود وذلك محل النزاع ولم يستلزمه الدليل. (و) الثاني (كما يقال) في القود بالقتل بالمثقل أيضا (التفاوت في الوسيلة) من آلات القتل وغيره (لا يمنع القود كالتوسل إليه) من قتل وقطع وغيرهما لا يمنع تفاوته القود (فيقال) من جانب المعترض (مسلم) أن التفاوت في الوسيلة لا يمنع القود فلا يكون مانعا منه، (لكن لا يلزم من إبطال مانع انتفاء الموانع ووجود الشرائط والمقتضي) وثبوت القود متوقف عل جميعها، (والمختار تصديق المعترض في قوله) للمستدل (ليس هذا) الذي عنيته باستدلالك تعريضا بي من منع التفاوت في الوسيلة للقود (مأخذي) في نفي القود، لأن عدالته تمنعه من الكذب في ذلك لأنه أعلم بمذهبه، وقيل لا يصدق إلا ببيان مأخذ آخر لأنه قد يعاند بما قاله. والثالث ما ذكرته بقولي (وربما سكت المستدل عن مقدمة غير مشهورة مخافة المنع) لها لو صرح بها (فيرد) بسكوته عنها (القول بالموجب) كما يقال في اشتراط النية في الوضوء والغسل ما هو قربة يشترط فيه النية كالصلاة ويسكت عن الصغرى وهي الوضوء والغسل قربة، فيقول المعترض مسلم أن ما هو قربة يشترط فيه النية، لكن لا يلزم اشتراطها في الوضوء والغسل، فإن صرح المستدل بأنهما قربة ورد عليه منع ذلك وخرج عن القول بالموجب أما المشهورة فكالمذكورة فلا يتأتى فيها القول بالموجب. (ومنها) أي من القوادح (القدح في المناسبة) الوصف المعلل به الحكم. (وفي صلاحية إفضاء الحكم إلى المقصود) من شرعه (وفي الانضباط) للوصف المذكور، (وفي الظهور) له بأن ينفي كلاً من الأربعة بأن يبدي في أوّلها مفسدة راجحة أو مساوية لما مر من أنها تنخرم بذلك، ويبين في ثانيها عدم الصلاحية للافضاء، وفي ثالثها عدم الانضباط، وفي رابعها عدم الظهور.

الفرق

(وجوابه) أي القدح بشيء منها (بالبيان) له. الأول بيان رجحان المصلحة على المفسدة، كأن يقال التخلي للعبادة أفضل من النكاح لما فيه من تزكية النفس فيعترض بأن تلك المصلحة تفوّت أضعافها كإيجاد الولد وكف النظر وكسر الشهوة، فيجاب بأن تلك المصلحة أرجح مما ذكر لأنها لحفظ الدين وما ذكر لحفظ النسل، والثاني ببيان إفضاء الحكم إلى المقصود كأن يقال تحريم المحرم بالمصاهرة مؤبدا صالح، لأن يفضي إلى عدم الفجور بها المقصود من شرع التحريم فيعترض بأنه ليس صالحا لذلك، بل للافضاء إلى الفجور لأن النفس مائلة إلى الممنوع. فيجاب بأن تحريمها المؤبد لسد باب الطمع فيها بحيث تصير غير مشتهاة كالأم، والثالث ببيان انضباط الوصف بنفسه أو بوصف معه يضبطه كالسفر للمشقة، والرابع ببيان ظهوره بأن يبينه بصفة ظاهرة كأن يعلل في القود بالرضا فيعترض بأن الرضا أمر خفي فلا يعلل به، فيجاب ببيان ظهوره بصفة ظاهرة تدل عليه وهي الصيغة. (ومنها) أي من القوادح (الفرق) بين الأصل والفرع (والأصح أنه معارضة بإبداء قيد في علية) حكم (الأصل أو) إبداء (مانع في الفرع) يمنع من ثبوت حكم الأصل فيه (أو بهما) أي بالابداءين معا. وقيل هو الثالث فقط مثاله على الشق الأول أن يقول الشافعي تجب النية في الوضوء كالتيمم بجامع الطهارة عن حدث، فيعترض الحنفي بأن العلة في الأصل الطهارة بالتراب، وعلى الثاني أن يقول الحنفي يقاد المسلم بالذميّ كغير المسلم بجامع القتل العمد العدوان فيعترض الشافعي بأن الإسلام في الفرع مانع من القود، وعلى الثالث أن يعارض بالابداءين وما عرفت به الفرق أولى من تعريف الأصل له بأنه راجع إلى المعارضة في الأصل، أو الفرع وقيل إليهما لأنه أحاله على ما لم يذكره مع إيهام أن المعارضة بالابداءين ليست فرقا مطلقا وليس كذلك. (و) الأصح (أنه) أي الفرق (قادح) وإن قيل إنه بالثالث أو بالضعيف سؤالان. أو قلنا بجواز تعدّد العلل لأنه يؤثر في جميع المستدل، ولأنه لو لم يقدح لم يمتنع التحكم واللازم باطل وقيل ليس بقادح، وقيل كذلك على القول بأنه بالثالث سؤالان لا سؤال واحد، إذ جمع الأسئلة المختلفة غير مقبول ومعنى كونه سؤالاً واحدا اتحاد المقصود منه وهو قطع الجمع، ومعنى كونه سؤالين اشتماله على معارضة علة الأصل بعلة وعلى معارضة الفرع بأخرى مستنبطة. (وجوابه) أي الفرق (بالمنع) كأن يمنع كون المبدى في الأصل جزءا من العلة وفي الفرع مانعا من الحكم وهذا من زيادتي (و) الأصح (أنه يجوز تعدد الأصول) لفرع واحد بأن يقاس عليها لقوّة الظن به، وصححه ابن الحاجب وغيره وهو الموافق لجواز تعدد العلل وقيل يمتنع تعددها، وإن جوز تعدد العلل لانتشار البحث في ذلك مع إمكان حصول المقصود بواحد منها وصححه الأصل. (فلو فرق بين الفرع وأصل منها كفى) في القدح فيها (في الأصح) لأنه يبطل جمعها المقصود، وقيل لا يكفي لاستقلال كل منها وقيل يكفي إن قصد الإلحاق بمجموعها، لأنه يبطله بخلاف ما إذا قصد بكل منها (في اقتصار المستدل على جواب أصل) واحد منها، وقد فرق المعترض بين جميعها. (قولان) أحدهما يكفي لحصول المقصود بالدفع عن واحد منها، والثاني لا يكفي لأنه التزم الجميع فلزمه الدفع عنه، وهذا هو الأوجه الموافق للأصح قبله. (ومنها) أي من القوادح، (فساد الوضع بأن لا يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم) عليه كأن يكون صالحا لضد ذلك الحكم أو نقيضه (كتلقي) أي استنتاج (التخفيف من التغليظ والتوسيع من التضييق والإثبات من النفي) . وعكسه (وثبوت اعتبار الجامع) في قياس المستدل (بنص أو إجماع في نقيض الحكم) ، أو ضده في ذلك القياس، فالأول كقول الحنفية القتل عمدا جناية عظيمة لا يجب له كفارة كالردة فعظم الجناية يناسب تغليظ الحكم لا تخفيفه بعدم وجوب الكفارة، والثاني كقولهم الزكاة وجبت على وجه الارتفاق لدفع الحاجة، فكانت على التراخي كالدية

فساد الاعتبار بأن يخالف

على العاقلة، فالتراخي الموسع لا يناسب دفع الحاجة المضيق، والثالث كأن يقال في المعاطاة في غير المحقر لم يوجد فيها مع الرضا صيغة، فينعقد بها البيع كما في المحقر على القول بانعقاده بها فيه، فعدم الصيغة يناسب عدم الانعقاد لا الانعقاد، والرابع كأن يقال في المعاطاة في المحقر وجد فيها الرضا فقط، فلا ينعقد بها بيع كغير المحقر، فالرضا الذي هو مناط البيع يناسب الانعقاد لا عدمه. والخامس في الجامع ذي النص قول الحنفية الهرة سبع ذو ناب فسؤره نجس كالكلب، فيقال السبعية اعتبرها الشارع علة للطهارة حيث دعي إلى دار فيها كلب فامتنع وإلى أخرى فيها سنور فأجاب فقيل له فقال السنور سبع. رواه الإمام أحمد وغيره، وفي الجامع ذي الاجماع قول الشافعية في مسح الرأس في الوضوء مسح فيسن تكراره كالاستجمار حيث يسن الإيتار فيه فيقال المسح في الخف لا يسن تكراره إجماعا فيما قيل. (وجوابه) أي فساد الوضع (بتقرير نفيه) عن الدليل بأن يقرر كونه صالحا لترتيب الحكم عليه كأن يكون له جهتان يناسب بإحداهما التوسيع وبالأخرى التضييق فينظر المستدل فيه من إحداهما، والمعترض من الأخرى كالارتفاق ودفع الحاجة في مسألة الزكاة، ويجاب على الكفارة في القتل بأنه غلظ فيه بالقود فلا يغلظ فيه بالكفارة، وعن المعاطاة في الثالث بأن الانعقاد بها مرتب على الرضا لا على عدم الصيغة، وعن المعاطاة في الرابع بأن عدم الانعقاد بها مرتب على عدم الصيغة لا على الرضا، وعن ثبوت اعتبار الجامع بقسميه في نقيض الحكم بثبوت اعتباره في ذلك الحكم، ويكون تخلفه عنه بأن وجد مع نقيضه لمانع في أصل المعترض كما في مسح الخف فإن تكراره يفسده كغسله. (ومنها) أي من القوادح (فساد الاعتبار بأن يخالف) الدليل (نصا) من كتاب أو سنة، (أو إجماعا) كأن يقال في أداء الصوم الواجب صوم واجب، فلا يصح نيته من النهار كقضائه، فيعترض بأنه مخالف لقوله تعالى {والصائمين والصائمات} الخ فإنه رتب فيه الأجر العظيم على الصوم كغيره من غير تعرض للتبييت فيه، وذلك مستلزم لصحته بدونه، وكأن يقال لا يصح قرض الحيوان لعدم انضباطه كالمختلطات، فيعترض بأنه مخالف لخبر مسلم عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلّم استسلف بكرا وردّ رباعيا. وقال «إن خيار الناس أحسنهم قضاء» والبكر بفتح الباء الصغير من الإبل، والرباعي بفتح الراء ما دخل في السنة السابعة، وكأن يقال لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته الميتة لحرمة النظر إليها كالأجنبية، فيعترض بأنه مخالف للإجماع السكوتي في تغسيل عليّ فاطمة رضي الله عنهما، (وهو) أي فساد الاعتبار (أعم من فساد الوضع) من وجه لصدقه فقط بأن يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم عليه وصدق فساد الوضع فقط بأن لا يكون الدليل كذلك، ولا يعارضه نص ولا إجماع وصدقهما معا بأن لا يكون الدليل كذلك مع معارضة نص أو إجماع له (وله) أي للمعترض بفساد الاعتبار (تقديمه على المنوعات) في المقدمات (وتأخيره عنها) لمجامعته لها من غير مانع من تقديمه وتأخيره (وجوابه كالطعن في سنده) أي سند النص أو الإجماع بإرسال أو غيره (والمعارضة) للنص بنص آخر فيتساقطان ويسلم دليل المستدل. (ومنع اظهور) له في مقصد المعترض (والتأويل) له بدليل وزدت الكاف لدفع توهم حصر الجواب فيما ذكر، فإنه لا ينحصر فيه إذ منه غيره كالقول بالموجب كما بينته في الحاشية. (ومنها) أي من القوادح (منع علية الوصف) أي منع كونه العلة (وتسمى المطالبة) أي بتصحيح العلة المتبادر عند إطلاق المطالبة. (والأصح قبوله) وإلا لأدى الحال إلى تمسك المستدل بما شاء من الأوصاف لأمنه المنع، وقيل لا يقبل لأدائه إلى الانتشار بمنع كل ما يدعي عليته. (وجوابه بإثباتها) أي العلية بمسلك من مسالك العلة المتقدمة. (ومن المنع) المطلق (منع وصف العلة) أي منع اعتباره فيها وهو مقبول جزما. (كقولنا في

اختلاف ضابطي الأصل والفرع

إفساد الصوم بغير جماع) كأكل من غير كفارة (الكفارة) شرعت (للزجر عن الجماع المحذور في الصوم فوجب اختصاصها به كالحد) . فإنه شرع للزجر عن الجماع زنا وهو مختص بذلك. (فيقال) لا نسلم أنها شرعت للزجر عن الجماع بخصوصه، (بل عن الإفطار المحذور فيه) أي في الصوم بجماع أو غيره. (وجوابه ببيان اعتبار الخصوصية) أي خصوصية الوصف في العلة كأن يبين اعتبار الجماع في الكفارة بأن الشارع رتبها عليه حيث أجاب بها من سأله عن جماعه كما مرّ. (كأن المعترض) بهذا الاعتراض (ينقح المناط) بحذف خصوص الوصف عن اعتباره في العلة (والمستدل يحققه) ببيان اعتبار خصوصية الوصف فيقدم لرجحان تحقيق المناط فإنه يرفع النزاع. (و) من المنع المطلق (منع حكم الأصل، والأصح أنه مسموع) كمنع وصل العلة كأن يقول الحنفي الإجارة عقد على منفعة، فتبطل بالموت كالنكاح فيقال له لا نسلم حكم الأصل، إذ النكاح لا يبطل بالموت بل ينتهي به، وقيل غير مسموع لأن لم يعترض المقصود (و) الأصح (أن المستدل لا ينقطع به) أي بمنع الحكم لأنه منع مقدمة من مقدمات القياس، فله إثباته كسائر المقدمات. وقيل ينقطع للانتقال عن إثبات حكم الفرع الذي هو بصدده إلى غيره، وقيل ينقطع به إن كان ظاهرا يعرفه أكثر الفقهاء، ولم يقل المستدل في استدلاله إن سلمت حكم الأصل وإلا نقلت الكلام إليه بخلاف ما لا يعرفه إلا خواصهم، أو قال المستدل ذلك، وقيل غير ذلك. (و) الأصح (أنه) أي المستدل (إن دل) أي استدل (عليه) أي على حكم الأصل بدليل (لم ينقطع المعترض) بمجرد ذلك، (بل له أن يعترض) ثانيا الدليل، لأنه قد لا يكون صحيحا، وقيل ينقطع فليس له أن يعترض لخروجه باعتراضه عن المقصود، (وقد يقال) من طرف المعترض في الاتيان بمنوع مترتبة (لا نسلم حكم الأصل سلمنا) . (ولا نسلم أنه مما يقاس فيه) لجواز كونه مما اختلف في جواز القياس فيه والمستدل لا يراه. (سلمنا) ذلك (ولا نسلم أنه معلل) لجواز كونه تعبديا. (سلمنا) ذلك، (ولا نسلم أن هذا الوصف علته) لجواز كونها غيره. (سلمنا) ذلك، (ولا نسلم وجود فيه) أي وجود الوصف في الأصل. (سلمنا) ذلك (ولا نسلم أنه) أي الوصف (متعد) لجاز كونه قاصرا. (سلمنا) ذلك، (ولا نسلم وجوده بالفرع) ؛ فهذه سبعة منوع تتعلق الثلاثة الأولى منها بحكم الأصل، والأربعة الباقية بالعلة مع الأصل، والفرع في بعضها. وقد بينت ذلك في الحاشية. (فيجاب) عنها (بالدفع) لها على ترتيبها السابق (بما عرف من الطرق) المذكورة في دفعها إن أريد ذلك، وإلا فيكفي الاقتصار على دفع الأخير منها، (فـ) ـبسبب جواز تعدد المنوع (يجوز إيراد اعتراضات) هو أولى من قوله معارضات (من نوع) ، كالنقوض أو المعارضات في الأصل أو الفرع لأنها كسؤال واحد مترتبة كانت أو لا، (وكذا) يجوز إيراد اعتراضات (من أنواع في الأصح) ، كالنقض وعدم التأثير والمعارضة، (وإن كانت مترتبة) أي يستدعي تاليها تسليم متلوه، وذلك لأن تسليمه تقديري لا تحقيقي، وقيل لا يجوز من أنواع للانتشار، وقيل يجوز في غير المترتبة دون المترتبة، لأن ما قبل الأخير في المترتبة مسلم فذكره ضائع، وردّ بأن تسليمه تقديريّ لا تحقيقي كما مرّ، مثال النوع في الاعتراضات المترتبة أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا، ولئن سلم فهو منقوض بكذا، ومثاله في غير المترتبة أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا ومثال الأنواع مترتبة أن يقال ما ذكر من الوصف غير موجود في الأصل، ولئن سلم فهو معارض بكذا، ومثالها غير مترتبة أن يقال هذا الوصف منقوض بكذا أو غير مؤثر لكذا. ( ومنها) أي من القوادح (اختلاف ضابطي الأصل والفرع) ؛ أي اختلاف علتي حكمهما بدعوى المعترض، وإنما

التقسيم

كان اختلافهما قادحا لعدم الثقة فيه بالجامع وجودا ومساواة، كأن يقال في شهود الزور بالقتل تسببوا في القتل، فعليهم القود كالمكره غيره على القتل، فيعترض بأن الضابط في الأصل الإكراه، وفي الفرع الشهادة، فأين الجامع بينهما وإن اشتركا في الإفضاء إلى المقصود. فأين مساواة ضابط الفرع لضابط الأصل في ذلك؟ (وجوابه) أي جواب الاعتراض باختلاف الضابط (بأنه) أي الجامع بينهما. (القدر المشترك) بين الضابطين كالتسبب في القتل فيما مر، وهو منضبط عرفا. (أو بأن الإفضاء) أي إفضاء الضابط في الفرع إلى المقصود (سواء) أي مساوٍ لإفضاء الضابط في الأصل إلى المقصود، كحفظ النفس فيما مر، وكالمساوي لذلك الأرجح منه كما فهم بالأولى. (لا بإلغاء التفاوت) بين الضابطين بأن يقال التفاوت بينهما ملغى في الحكم، فلا يحل الجواب به لأن التفاوت قد يلغى كما في العالم يقتل بالجاهل، وقد لا يلغى كما في الحرّ لا يقتل بالعبد. (ومنها) أي من القوادح (التقسيم) هو راجع للاستفسار مع منع المعترض أن أحد احتمالي اللفظ العلة، (وهو ترديد اللفظ) المورد في الدليل (بين أمرين) مثلاً على السواء. (أحدهما ممنوع) دون الآخر المراد مثاله أن يقال في مثال الاستفسار للإجمال فيما يأتي الوضوء النظافة أو الأفعال المخصوصة الأول ممنوع أنه قربة، والثاني مسلم أنه قربة، لكنه لا يفيد الغرض من وجوب النية. (والمختار قبوله) لعدم تمام الدليل معه وقيل لا لأنه لم يعترض المراد. (وجوابه أن اللفظ موضوع) في المراد (ولو عرفا) كما يكون لغة. (أو) أنه (ظاهر) ولو بقرينة (في المراد) ، كما يكون ظاهرا بغيرها ويبين الوضع والظهور. (والاعتراضات) كلها (راجعة إلى المنع) قال كثير أو المعارضة، لأن غرض المستدل من إثبات مدعاه بدليله صحة مقدّماته ليصلح للشهادة له وسلامته من المعارض لتنفذ شهادته وغرض المعترض من هدم ذلك القدح في صحة الدليل بمنع مقدمة منه أو معارضته بما يقاومه، والأصل كبعضهم رأى أن المعارضة منع للعلة عن الجريان فاقتصر عليه وتبعته فيه. (ومقدمها) بكسر الدال، ويجوز فتحها كما مر أي المتقدم أو المقدم على الاعتراضات. (الاستفسار) فهو طليعة لها كطليعة الجيش. (وهو طلب ذكر معنى اللفظ لغرابة أو إجمال) فيه (وبيانهما) أي الغرابة والاجمال (على المعترض في الأصح) لأن الأصل عدمهما وقيل على المستدل بيان عدمهما ليظهر دليله. (ولا يكلف) المعترض بالإجمال (بيان تساوي المحامل) المحقق للإجمال لعسر ذلك عليه. (ويكفيه) في بيان ذلك إن أراد التبرع به أن يقول (الأصل) بمعنى الراجح (عدم تفاوتها) أي المحامل وإن عارضه المستدل بأن الأصل عدم الاجمال. (فيبين المستدل عدمهما) أي عدم الغرابة والاجمال حيث تمّ الاعتراض عليه بهما بأن يبين ظهور اللفظ في مقصوده بنقل عن لغة أو عرف شرعي أو غيره أو بقرينة، كما إذا اعترض عليه في قوله الوضوء قربة، فلتجب فيه النية بأن الوضوء يطلق على النظافة، وعلى الأفعال المخصوصة فيقول حقيقته الشرعية الثاني. (أو يفسر اللفظ بمحتمل) منه بفتح الميم الثانية. (قيل وبغيره) أي بغير محتمل منه، إذ غاية الأمر أنه ناطق بلغة جديدة ولا محذور في ذلك بناء على أن اللغة اصطلاحية، وردّ بأن فيه فتح باب لا يستد. (والمختار) أنه (لا يقبل) من المستدل إذا وفق المعترض بإجمال اللفظ على عدم ظهوره في غير مقصده، (دعواه الظهور) له (في مقصده) بكسر الصاد

خاتمة) الكتاب

(بلا نقل) عن لغة أو عرف، (أو قرينة) كأن يقول يلزم ظهوره في مقصدي لأنه غير ظاهر في الآخر اتفاقا، فلو لم يكن ظاهرا في مقصدي لزم الاجمال، وإنما لم تقبل لأنه لا أثر لها بعد بيان المعترض الإجمال، وقيل تقبل دفعا للاجمال الذي هو خلاف الأصل، ومحله إذا لم يشتهر اللفظ بالاجمال، فإن اشتهر به كالعين والقرء لم يقبل ذلك جزما، وترجيح عدم القبول من زيادتي، وهو ما اعتمده شيخنا الكمال ابن الهمام وغيره، وقولي بلا نقل أو قرينة أظهر في المراد من قوله دفعا للإجمال. (ثم المنع) أي الاعتراض بمنع أو غيره (لا يأتي في الحكاية) أي حكاية المستدل للأقوال في السمألة المبحوث فيها حتى يختار منها قولاً ويستدل عليه. (بل) يأتي (في الدليل) إما (قبل تمامه) ، وإنما يأتي في مقدمة معينة منه. (أو بعده) أي بعد تمامه. (والأول) وهو المنع قبل التمام (إما) منع (مجرد أو) منع (مع السند) ، وهو ما يبنى عليه المنع والمنع مع السند. (كلا نسلم كذا ولم لا يكون) الأمر (كذا أو) لا يسلم كذا و (إنما يلزم كذا لو كان) الأمر (كذا وهو) أي الأول بقسميه من المنع المجرد والمنع مع السند. (المناقضة) أي يسمى بها ويسمى بالنقض التفصيلي (فإن احتج) المانع (لانتفاء المقدمة) التي منعها (فغصب) أي فاحتجاجه لذلك يسمى غصبا لأنه غصب لمنصب المستدل (لا يسمعه المحققون) من النظار لاستلزامه الخبط فلا يستحق جوابا، وقيل يسمع فيستحقه. (والثاني) وهو المنع بعد تمام الدليل (إما بمنع الدليل) بمنع مقدمة معينة أو مبهمة (لتخلف حكمه فالنقض التفصيلي) أي يسمى به إن كان المنع لمعينة كما يسمى مناقضة. (أو) النقض (الإجمالي) أن يسمى به إن كان لمبهمة أو لجملة الدليل كأن يقال في صورته ما ذكر من الدليل غير صحيح لتخلف الحكم عنه في كذا، ووصف بالإجمالي لأن جهة المنع فيه غير معينة بخلاف التفصيلي، وذكر التفصيلي في الثاني من زيادتي. (أو بتسليمه) أي الدليل (مع) منع المدلول و (الاستدلال بما ينافي ثبوت المدلول فالمعارضة) أي يسمى بها (فيقول) في صورتها المعترض للمستدل. (ما ذكرت) من الدليل (وإن دل) على ما ذكرته (فعندي ما ينفيه) أي ما ذكرته ويذكره (وينقل) المعترض بها (مستدلاً) والمستدل معترضا، أما لو منع الدليل لا للتخلف أو المدلول، ولم يستدل بما ينافي ثبوته فالمنع مكابرة. (وعلى المستدل الدفع) لما اعترض به عليه. (بدليل) ليسلم دليله الأصلي ولا يكفيه المنع (فإن منع) أي الدليل الثاني بأن منعه المعترض (فكما مرّ) من المنع قبل تمام الدليل، وبعد تمامه الخ. (وهكذا) أي المنع ثالثا ورابعا مع الدفع وهلم، (إلى إفحامه) أي المستدل بأن انقطع بالمنوع. (أو إلزام المانع) بأن انتهى إلى ضروري أو يقيني مشهور من جانب المستدل. ( خاتمة) الكتاب القياس (الأصح أن القياس من الدين) لأنه مأمور به لقوله تعالى {فاعتبروا يا أولي الأبصار} وقيل ليس منه لأن اسم الدين إنما يقع على ما هو ثابت مستمر، والقياس ليس كذلك، لأنه قد لا يحتاج إليه، وقيل منه إن تعين بأن لم يكن للمسألة دليل غيره، بخلاف ما إذا لم يتعين لعدم الحاجة إليه. (و) الأصح (أنه) أي القياس (من أصول الفقه) ، كما عرف من حده وقيل ليس منه وإنما يبين في كتبه لتوقف غرض الأصولي من إثبات حجيته المتوقف عليها الفقه على بيانه. (وحكم المقيس يقال) فيه (إنه دين الله) وشرعه (لا) يقال فيه (قاله الله ولا نبيه) لأنه مستنبط لا منصوص وقولي ولا نبيه من زيادتي، (ثم القياس فرض كفاية) على المجتهدين. (ويتعين) أي يصير فرض عين (على مجتهد احتاج إليه) بأن لم يجد غيره في واقعة. (وهو) أي القياس بالنظر إلى قوّته وضعفه قسمان (جلي) وهو (ما قطع فيه بنفي الفارق) أي بإلغائه (أو) ما (قرب

الكتاب الخامس في الاستدلال

منه) بإن كان ثبوت الفارق أي تأثيره فيه ضعيفا بعيدا كل البعد كقياس الأمة على العبد في تقويم حصة الشريك على شريكه المعتق الموسر وعتقها عليه كما مرّ، وكقياس العمياء على العوراء في المنع من التضحية الثابت بخبرّ «أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها الخ. (وخفي) وهو (بخلافه) أي بخلاف الجلي فهو ما كان احتمال تأثير الفارق فيه إما قويا واحتمال نفي الفارق أقوى منه، وإما ضعيفا وليس بعيدا كل البعد كقياس القتل بمثقل على القتل بمحدد في وجوب القود، وقد قال أبو حنيفة بعدم وجوبه في المثقل. (وقيل فيهما) أي الجلي والخفي (غير ذلك) قيل الجلي ما ذكر في تعريفه، والخفي بالشبه، والواضح بينهما. وقيل الجلي القياس الأولى كقياس الضرب على التأفيف في التحريم والواضح المساوي كقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم، والخفي الأدون كقياس التفاح علي البر في الربا ثم الجلي على الأولين يصدق بالأولى كالمساوي. (و) ينقسم القياس باعتبار علته ثلاثة أقسام (قياس العلة) وهو (ما صرح فيه بها) بأن كان الجامع فيه نفسها كأن يقال يحرم النبيذ كالخمر للاسكار. (وقياس الدلالة) وهو (ما جمع فيه بلازمها فأثرها فحكمها) الضمائر للعلة، وكل من الثلاثة يدل عليها، وكل من الأخيرين منها دون ما قبله بدلالة الفاء فالأول كأن يقال النبيذ حرام كالخمر بجامع الرائحة المشتدة وهي لازمة للاسكار. والثاني كأن يقال القتل بمثقل يوجب القود كالقتل بمحدد بجامع الإثم وهو أثر العلة وهي القتل العمد العدوان. والثالث كأن يقال يقطع الجماعة بالواحد كما يقتلون به بجامع وجوب الدية عليهم بذلك حيث كان غير عمد، وهو حكم العلة التي هي القطع منهم في المقيس والقتل منهم في المقيس عليه. وحاصل ذلك استدلال بأحد موجبي الجناية من القود والدية الفارق بينهما العمد على الآخر. (والقياس في معنى الأصل) . وهو (الجمع بنفي الفارق) ، ويسمى بالجلي كما مر، وبإلغاء الفارق وبتنقيح المناط كقياس البول في إناء وصبه في الماء الراكد على البول فيه في المنع بجامع أن لا فارق بينهما في مقصود المنع الثابت بخبر مسلم عن جابر «نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن أن يبال في الماء الراكد. الكتاب الخامس في الاستدلال (وهو دليل ليس بنص) من كتاب أو سنة. (ولا إجماع ولا قياس شرعي) . وقد تقدمت فلا يقال التعريف المشتمل عليها تعريف بالمجهول. (فدخل) فيه (قطعا) القياس (الاقتراني و) القياس (الاستثنائي) وهما نوعا القياس المنطقي وهو قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنه لذاته قول آخر وهو النتيجة فإن كان اللازم أو نقيضه مذكورا فيه بالفعل فهو الاستثنائي وإلا فالاقتراني فالاستثنائي نحو إن كان النبيذ مسكرا فهو حرام، لكنه مسكر ينتج فهو حرام، أو إن كان النبيذ مباحا فهو ليس بمسكر لكنه مسكر ينتج فهو ليس بمباح، والافتراني نحو كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام، ينتج كل نبيذ حرام وهو مذكور فيه بالقوة لا بالفعل وسمي القياس استثنائيا لاشتماله على حرف الاستثناء لغة وهو لكن واقترانيا لاقتران أجزائه. (و) دخل فيه قطعا (قولهم) أي العلماء (الدليل يقتضي أن لا يكون) الأمر (كذا خولف) الدليل (في كذا) أي في صورة مثلاً، (لمعنى مفقود في صورة النزاع فتبقى) هي (على الأصل) الذي اقتضاه الدليل كأن يقال الدليل يقتضي امتناع تزويج المرأة مطلقا وهو ما فيه من إذلالها بالوطء وغيره الذي تأباه الإنسانية لشرفها، خولف هذا الدليل في تزويج الولي لها فجاز لكمال عقله وهذا المعنى مفقود فيها، فيبقى تزويجها نفسها الذي هو محل النزاع على ما اقتضاه الدليل من الامتناع. (و) دخل فيه (في الأصح قياس العكس) وهو إثبات عكس حكم شيء لمثله لتعاكسهما في العلة كما مر في خبر أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان

مسألة الاستقراء بالجزئي على الكلي

عليه وزر» وقيل ليس بدليل كما حكي عن أصحابنا، وذكر الخلاف في هذا من زيادتي. (و) دخل فيه في الأصح (عدم وجدان دليل الحكم) هو أولى من قوله انتفاء الحكم لانتفاء مدركه، وذلك بأن لم يجد الدليل المجتهد بعد الفحص الشديد، فهو دليل على انتفاء الحكم، وقيل ليس بدليل، إذ لا يلزم من عدم وجدان الدليل عدمه، وذلك (كقولنا) للخصم في إبطال الحكم الذي ذكره في مسألة (الحكم يستدعي دليلاً وإلا لزم تكليف الغافل) حيث وجد الحكم بدون دليل مفيد له، (ولا دليل) على حكمك (بالسبر) فإنا سبرنا الأدلة فلم نجد ما يدل عليه. (أو الأصل) فإن الأصل المستصحب عدم الدليل عليه فينتفي هو أيضا، ودخل فيه الاستقراء والاستصحاب والاستحسان، وقول الصحابي والالهام الآتية، وإنما أفرد كل منها بالترجمة بمسألة لما فيه من التفصيل وقوة الخلاف مع طول بعضه. (لا لقولهم) أي الفقهاء (وجد المقتضي أو المانع أو فقد الشرط) ، فلا يدخل في الاستدلال حالة كونه (مجملاً) في الأصح، ولا يكون دليلاً بل دعوى دليل، وإنما يكون دليلاً إذا عين المقتضى والمانع والشرط. وبين وجود الأولين ولا حاجة إلى بيان فقد الثالث لأنه على وفق الأصل، وقيل يدخل في الاستدلال، ورجحه الأصل فيكون دليلاً على وجود الحكم بالنسبة إلى المقتضي وعلى انتفائه بالنسبة إلى الآخرين، وقيل دليل وليس باستدلال إن ثبت بنص أو إجماع أو قياس، وإلا فهو استدلال. وقد بينت ما فيه في الحاشية. وخرج بزيادتي مجملاً ما لو كان معينا فيكون استدلالاً ودليلاً كما علم مما مر. (مسألة الاستقراء بالجزئي على الكلي) بأن يتتبع جزئيات كلي ليثبت حكمها له (إن كان تاما) بأن كان بكل الجزئيات إلا صورة النزاع (فـ) ـهو دليل (قطعي) في إثبات الحكم في صورة النزاع. (عند الأكثر) من العلماء، وقال الأقل منهم ليس بقطعي لاحتمال مخالفة تلك الصورة لغيرها على بعد. قلنا هو منزل منزلة العدم، (أو) كان (ناقصا) بأن كان بأكثر الجزئيات الخالي عن صورة النزاع (فظني) فيها لا قطعي لاحتمال مخالفتها للمستقرإ. (ويسمى) هذا عند الفقهاء (إلحاق الفرد) النادر (بالأغلب) الأعم، ويختلف فيه الظنّ باختلاف الجزئيات، فكلما كان الاستقراء فيها أكثر كان أقوى ظنا. (مسألة) في الاستصحاب وقد اشتهر أنه حجة عندنا دون الحنفية بأقسامه الآتية على خلاف عندنا في الأخير منها، وعند غيرنا في الأولين أيضا. (الأصح أن استصحاب العدم الأصلي) وهو نفي ما نفاه العقل ولم يثبته الشرع كوجوب صوم رجب. (و) استصحاب (العموم أو النص و) استصحاب (ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه) ، كثبوت الملك بالشراء (إلى ورود المغير) لها من إثبات الشرع ما نفاه العقل، ومن مخصص أو ناسخ أو سبب عدم ما دل الشرع على ثبوته أي كل من المذكورات (حجة) مطلقا فيعمل به إلى ورود المغير، وقل ليس بحجة مطلقا، وقيل الأخير منها حجة في الدفع به عما ثبت دون الرفع به لما ثبت كاستصحاب حياة المفقود قبل الحكم بموته، فإنه دافع للإرث منه وليس برافع لعدم الإرث من غيره للشك في حياته فلا يثبت استصحابها له ملكا جديدا، إذ الأصل عدمه، وقيل هو حجة إن يعارضه ظاهر وإلا قدم الظاهر، وقيل فيه غير ذلك. والأصح الأول فيقدم الأصل على الظاهر. (إلا إن عارضه ظاهر غالب ذو سبب ظن أنه أقوى) من الأصل، (فيقدم) عليه (كبول وقع في ماء كثير فوجد متغيرا، واحتمل تغيره به) وتغيره بغيره مما لا يضر كطول المكث. (وقرب العهد) بعدم تغيره فإن استصحاب طهارته التي هي الأصل عارضته نجاسته الظاهرة الغالبة ذات السبب التي ظنّ أنها أقوى، فقدمت على الطهارة عملاً بالظاهر، بخلاف ما لم يظن أنه أقوى بأن بعد العهد في المثال بعدم التغير قبل وقوع البول أو لم يكن عهد، وتأخيري الغاية عن المذكورات أولى من تقديمه لها على الأخير، وذكر الخلاف في الأوّلين مع التصريح بقولي ظنّ أنه أقوى من زيادتي.

مسألة النافي يطالب بدليل

(و) الأصح أنه (لا يحتج باستصحاب حال الاجماع في محل الخلاف) أي إذا أجمع على حكم في حال ثم اختلف فيه في حال آخر، ففلا يحتج باستصحاب ذلك الحال في هذا الحال، وقيل يحتج مثاله الخارج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء عندنا استحصابا لما قبل الخروج من بقائه المجمع عليه. (فالاستصحاب) الشامل للأنواع السابقة وينصرف الاسم إليه، (ثبوت أمر في) الزمن (الثاني لثبوته في الأول لفقد ما يصلح للتغيير) من الأول إلى الثاني، فلا زكاة عندنا فيما حال عليه الحول من عشرين دينارا ناقصة تروج رواج الكاملة بالاستصحاب (أما ثبوته) أي الأمر (في الأول) لثبوته في الثاني (فـ) ـاستصحاب (مقلوب) كأن يقال في المكيال الموجود الآن كان على عهده صلى الله عليه وسلّم باستصحاب الحال في الماضي، إذ الأصل موافقة الماضي للحال والاستدلال به خفيّ حتى قال السبكي إنه لم يقل به الأصحاب إلا فيمن اشترى شيئا فادعاه غيره وأخذه بحجة مطلقة فيثبت له الرجوع بالثمن على البائع عملاً باستصحاب الملك الذي ثبت الآن فيما قبل ذلك، لأن البينة لا توجد الملك، بل تظهره، فيجب أن يكون سابقا على إقامتها ويقدر له لحظة لطيفة، ومن المحتمل انتقال الملك من المشتري إلى المدعي، ولكنهم استصحبوا مقلوبا وهو عدم الانتقال منه على أن في هذه الصورة وجها مشهورا بعدم الرجوع، واعتمده البلقيني وقال إنه الصواب المتعين، والمذهب الذي لا يجوز غيره. (وقد يقال فيه) أي في الاستصحاب المقلوب ليظهر الاستدلال به لرجوعه في المعنى إلى الاستصحاب المستقيم (لو لم يكن الثابت اليوم ثابتا أمس لكان غير ثابت) أمس، إذ لا واسطة بين الثبوت وعدمه (فيقضي استصحاب أمس) الخالي عن الثبوت فيه، (بأنه اليوم غير ثابت وليس كذلك) ، لأنه مفروض الثبوت اليوم (فدل) ذلك (علىأنه ثابت) أمس أيضا. ( مسألة المختار أن النافي) لشيء (يطالب بدليل) على انتفاء (إن لم يعلم النفي) أي انتفاء الشيء (ضرورة) بأن علم نظرا أو ظن لأن غير الضروري قد يشتبه فيطلب دليله لينظر فيه، وقيل لا يطالب به، وقيل يطالب به في العقليات لا الشرعيات. (وإلا) أي وإن علم انتفاؤه ضرورة، (فلا) يطالب بدليل على انتفائه لأن الضروريّ لا يشتبه حتى يطلب دليله لينظر فيه، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به كما بينته في الحاشية. (و) المختار (أنه لا يجب الأخذ بالأخف ولا بالأثقل) في شيء، بل يجوز كل منهما لأن الأصل عدم الوجوب، وقيل يجب الأخذ بالأخف لقوله تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقيل يجب الأخذ بالأثقل لأنه أكثر ثوابا وأحوط، والترجيح من زيادتي، وتقدم في الإجماع ما يؤخذ منه أنه يجب الأخذ بأقل ما قيل. (مسألة المختار) كماقال ابن الحاجب وغيره (أنه صلى الله عليه وسلّم كان متعبدا) بفتح الباء وكسرها أي مكلفا ومكلفا نفسه بالعبادة. (قبل البعثة بشرع) ، لما في الأخبار من أنه كان يتعبد كان يصلي كان يطوف. وتلك أعمال شرعية يعلم ممن مارسها قصد موافقة أمر الشرع، ولا يتصوّر من غير تعبد فإن العقل بمجرده لا يحسنه، وقيل لم يكن متعبدا وقيل بالوقف وهو ما اختاره الأصل، (و) المختار (الوقف عن تعيينه) أي تعيين الشرع بتعيين من نسب إليه، وقيل هو آدم، وقيل نوح، وقيل إبراهيم، وقيل موسى، وقيل عيسى، وقيل ما ثبت أنه شرع من غير تعيين لنبيّ. (و) المختار (بعدها) أي بعد البعثة (المنع) من تعبده بشرع من قبله، لأن له شرعا يخصه، وقيل تعبد بما لم ينسخ من شرع من قبله أي ولم يرد فيه وحي له استصحابا لتعبده به قبل البعثة. (و) المختار بعد البعثة (أن أصل المنافع الحل المضارّ التحريم) قال تعالى {خلق لكم ما في الأرض جميعا} ذكره في معرض الامتنان ولا يمتنّ إلا بالجائر. وقال صلى الله عليه وسلّم «لا ضَرَرَ ولا ضِرَار» . رواه ابن ماجة وغيره، وزاد الطبراني «في الإسلام» وقيل الأصل في الأشياء الحل، وقيل الأصل فيها التحريم، أما حكم المنافع والمضارّ قبل البعثة فتقدم أوائل

مسألة المختار أن الاستحسان ليس دليلا

الكتاب حيث قيل لا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده. (مسألة المختار أن الاستحسان ليس دليلاً) إذ لا دليل يدل عليه وقيل هو دليل لقوله تعالى {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم} قلنا المراد بالأحسن الأظهر والأولى لا الاستحسان. (وفسر بدليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر عنه عبارته وردّ بأنه) أي هذا الدليل (إن تحقق) بفتح التاء عند المجتهد (فمعتبر) ، ولا يضرّ قصور عبارته عنه قطعا، وإن لم يتحقق عنده فمردود قطعا. (و) فسر أيضا (بعدول عن قياس إلى) قياس (أقوى) منه، (ولا خلاف فيه) بهذا المعنى، إذ أقوى القياسين مقدم على الآخر قطعا. (أو) بعدول (عن الدليل إلى العادة) لمصلحة، كدخول الحمام بلا تعيين أجرة وزمن مكث فيه وقدر ماء وكشرب الماء من السقاء بلا تعيين قدره مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء. (وردّ بأنه إن ثبت أنها) أي العادة (حق) لجريانها في زمنه صلى الله عليه وسلّم، أو بعده بلا إنكار ولا من الأئمة. (فقد قام دليلها) من السنة أو الإجماع فيعمل بها قطعا. (وإلا) أي وإن لم يثبت حقيتها (ردّت) قطعا فلم يتحقق بما ذكر استحسان مختلف فيه. (فإن تحقق استحسان مختلف فيه فمن قال به فقد شرع) ، بالتخفيف. وقيل بالتشديد أي وضع شرعا من قتل نفسه وليس له ذلك لأنه كفر أو كبيرة. (وليس منه) أي من الاستحسان المختلف فيه أن تحقق (استحسان الشافعي التحليف بالمصحف والخط في الكتابة) لشيء من نجومها. (ونحوهما) كاستحسانه في المتعة ثلاثين درهما، وإنما قال ذلك لأدلة فقهية مبينة في محالها، ولا ينكر التعبير به عن حكم ثبت بدليل. (مسألة قول الصحابي) المجتهد (غير حجة على) صحابي (آخر وفاقا و) على (غيره) وكتابعي (في الأصح) ، لأن قول الصحابي ليس حجة في نفسه، والاحتجاج به في الحكم التعبدي من حيث إنه من قبيل المرفوع لظهور أن مستنده فيه التوقيف لا من حيث إنه قول صحابي، وقيل قوله على غير الصحابي حجة فوق القياس حتى يقدم عليه عند التعارض، وقيل حجة دون القياس فيقدم القياس عليه، وقيل حجة إن انتشر من غير ظهور مخالف له، لكنه حينئذ إجماع سكوتي، فاحتجاج الفقهاء به من حيث إنه إجماع سكوتي لا من حيث إنه قول صحابي، كما لو وقع من مجتهد غير صحابي قول باجتهاد وسكت عليه الباقون، وقيل حجة إن خالف القياس، وقيل قول الشيخين أبي بكر وعمر حجة بخلاف غيرهما، وقيل غير ذلك. وعلى القول بأنه حجة لو اختلف صحابيان في مسألة فقولاهما كدليلين فيرجح أحدهما بمرجح. (والأصح) ما عليه المحققون (أنه) أي الصحابي (لا يقلد) بفتح اللام أي ليس لغيره أن يقلده لأنه لا يوثق بمذهبه، إذ لم يدوّن بخلاف مذهب غيره من الأئمة الأربعة وقيل يقلد بناء على جواز الانتقال في المذاهب والتصريح بالترجيح من زيادتي. (أما وفاق الشافعي زيدا في الفرائض) حتى تردد حيث تردّد (فلدليل لا تقليدا) لزيد بأن وافق اجتهاده اجتهاده. (مسألة الأصح أن الإلهام وهو) لغة إيقاع شيء في القلب (يطمئن له الصدر يخص به الله) تعالى (بعض أصفيائه غير حجة) إن ظهر (من غير معصوم) ، لعدم الثقة بخواطره لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان فيها. وقيل هو حجة في حقه فقط وقيل لأدلة لا تجدي، أما من المعصوم كالنبيّ صلى الله عليه وسلّم فهو حجة في حقه وحق غيره إذا تعلق بهم كالوحي. خاتمة للاستدلال (مبنى الفقه على) أربعة أمور، وإن لم يرجع أكثره إليها إلا بتكلف. (أن اليقين لا يرفع) من حيث استصحاب حكمه (بالشك) ، بمعنى مطلق التردد، ومن مسائله من تيقن الطهر وشك في الحدث يأخذ بالطهر، (و) أن (الضرر يزال) وجوبا، ومن مسائله وجوب ردّ المغصوب وضمانه بالتلف. (و) أن (المشقة تجلب التيسير) ، ومن مسائله جواز القصر والجمع والفطر في السفر بشرطه. (و) أن (العادة محكمة) بفتح الكاف المشددة، أي المعمول بها

الكتاب السادس في التعادل والتراجيح

شرعا، ومن مسائله أقل الحيض وأكثره، وزاد بعضهم على الأربعة أن الأمور بمقاصدها، ومن مسائله وجوب النية في الطهر، ورجعه صاحب الأصل في قواعده إلى الأول، فإن الشيء إذا لم يقصد اليقين عدم حصوله. الكتاب السادس في التعادل والتراجيح بين الأدلة عند تعارضها وسيأتي بيانهما، (يمتنع تعادل قاطعين) أي تقابلهما بأن يدل كل منهما على منافي ما يدل عليه الآخر إذ لو جاز ذلك لثبت مدلولهما، فيجتمع المتنافيات فلا وجود لقاطعين متنافيين عقليين أو نقليين أو عقلي ونقلي، والكلام في النقليين حيث لا نسخ كما يعلم مما سيأتي. (لا) تعادل (قطعي وظني نقليين) . فلا يمتنع لبقاء دلالتيهما، وإن انتفى الظن عند القطع بالنقيض لتقدم القطعي حينئذ، وخرج بالنقليين غيرهما، كأن ظن أن زيدا في الدار لكون مركبه وخدمه ببابها ثم شوهد خارجها، فيمتنع تعادلهما لانتفاء دلالة الظني حينئذ، وعليه يحمل قول ابن الحاجب لا تعارض بين قطعي وظني. (وكذا أمارتان) لا يمتنع تعادلهما ولو بلا مرجح لإحداهما. (في الواقع في الأصح) إذ لو امتنع لكان لدليل والأصل عدمه، وهذا ما عليه ابن الحاجب تبعا للجمهور، وإن لم يصرحوا بقيد الواقع، وقيل يمتنع بلا مرجح ورجحه الأصل حذرا من التعارض في كلام الشارع، وأجاب الأول بأنه لا محذور في ذلك، أما تعارضهما في ذهن المجتهد فواقع قطعا وهو منشأ تردّده، وعلى الأول (فإن تعادلتا) ولا مرجح (فالمختار التساقط) ، كما في تعارض البينتين، وقيل يخير بينهما في العمل، وقيل يوقف عن العمل بواحدة منهما، وقيل يخير بينهما في الواجبات ويتساقطان في غيرها، والترجيح من زيادتي. (وإن نقل عن مجتهد قولان فإن تعاقبا فالمتأخر) منهما (قوله) المستمر والمتقدم مرجوع عنه. (وإلا) أي وإن لم يتعاقبا بأن قالهما معا، (فما) أي فقوله المستمر منهما ما (ذكر فيه) المجتهد (مشعرا بترجيحه) على الآخر كقوله هذا أشبه وكتفريعه عليه، (وإلا) أي وإن لم يذكر ذلك (فهو متردّد) بينهما فلا ينسب إليه ترجيح أحدهما، وفي معنى ذلك ما لو جهل تعاقبهما أو علم وجهل المتأخر أو نسي. (ووقع) هذا التردد (للشافعي) رضي الله عنه (في بضعة عشر مكانا) ستة عشر أو سبعة عشر، كما تردد فيه القاضي أبو حامد المروروذي. (ثم قيل) أي قال الشيخ أبو حامد الاسفرايني في ترجيح أحد قولي الشافعي المتردد بينهما. (مخالف أبي حنيفة) منهما (أرجح من موافقة) ، فإن الشافعي إما خالفه لدليل. (وقيل عكسه) أي موافقه أرجح وهو قول القفال، وصححه النووي لقوّته بتعدد قائله، وردّ بأن القوة إنما تنشأ من الدليل فلذلك قلت كالأصل. (والأصح الترجيح بالنظر) فما اقتضى ترجيحه منهما فهو الراجح، (فإن وقف) عن الترجيح (فالوقف) عن الحكم برجحان واحد منهما، (وإن لم يعرف للمجتهد قول في مسألة لكن) يعرف له قول (في نظيرها فهو) أي قوله في نظيرها. (قوله المخرج فيها في الأصحّ) أي خرجه الأصحاب فيها إلحاقا لها بنظيرها، وقيل ليس قولاً له فيها لاحتمال أن يذكر فرقا بين المسألتين لو روجع في ذلك. (والأصح) على الأول (لا ينسب) القول فيها (إليه مطلقا بل) ينسب إليه (مقيدا) بأنه مخرج حتى لا يلتبس بالمنصوص، وقيل لا حاجة إلى تقييده لأنه جعل قوله (ومن معارضة نصّ آخر للنظير) أي لنصّ في نظير المسألة (تنشأ الطرق) وهي اختلاف

الأصحاب في نقل المذهب في المسألتين، فمنهم من يقرّر النصين فيهما، ويفرق بينهما، ومنهم من يخرج نص كل منهما في الأخرى فيحكي في كل قولين منصوصا ومخرجا، وعلى هذا فتارة يرجح في كل منهما نصها ويفرق بينهما، وتارة يرجح في أحدهما نصها، وفي الأخرى المخرج، ويذكر ما يرجحه على نصها. (والترجيح تقوية أحد الدليلين) بوجه من وجه الترجيح الآتي بعضها، فيكون راجحا وتعبيري بالدليلين أولى من تعبيره بالطريقين. (والعمل بالراجح واجب) . وبالمرجوح ممتنع سواء أكان الرجحان قطعيا أم ظنيا (في الأصح) . وقيل لا يجب إن كان الرجحان ظنيا فلا يعمل بواحد منهما لفقد المرجح القطعي، وقيل يخير بينهما في العمل إن كان الرجحان ظنيا. (ولا ترجيح في القطعيات) . إذ لا تعارض بينها، وإلا لاجتمع المتنافيان كما مر، وكذا لا ترجيح في القطعي مع الظني غير النقليين أخذا مما مر (والمتأخر) من النصين المتعارضين (ناسخ) للمتقدم منهما إن قبلا النسخ آيتين كانا أو خبرين أو آية وخبرا. (وإن نقل) المتأخر (بالآحاد) ، فإنه ناسخ فيعمل به لأن دوامه بأن لا يعارض مظنون، ولبعضهم احتمال بالمنع، لأن الجواز يؤدي إلى إسقاط المتواتر بالآحاد في بعض الصور. (والأصحّ أن العمل بالمتعارضين ولو من وجه) أو كان أحدهما سنة والآخر كتابا. (أولى من إلغاء أحدهما) بترجيح الآخر عليه، وقيل لا فيصار إلى الترجيح مثاله خبر «أيما إهاب دبغ فقد طهر» مع خبر «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» الشامل للإهاب المدبوغ وغيره، فحملناه على غير المدبوغ الخاص به عند كثير جمعا بين الدليلين، وتقدم بيان بسط الحمل في آخر مبحث التخصيص (و) الأصح (أنه لا يقدم) في ذلك (الكتاب على السنة ولا عكسه) أي ولا السنة على الكتاب، وقيل يقدم الكتاب لخبر معاذ المشتمل على أنه يقضي كتاب الله، فإن لم يجد فبسنة رسول الله ورضى رسول الله بذلك، وقيل يقدم السنة لقوله تعالى {لتبين للناس} مثاله قوله صلى الله عليه وسلّم في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» مع قوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرما} إلى قوله {أو لحم خنزير} وكل منهما يشمل خنزير البحر، فحملنا الآية على خنزير البر المتبادر إلى الأذهان جمعا بين الدليلين. (فإن تعذر العمل) بالمتعارضين بأن لم يمكن بينهما جمع، (فإن علم المتأخر) منهما في الواقع ولم ينس (فناسخ) للمتقدم منهما، (وإلا) أي وإن لم يعلم ذلك بأن تقارنا أو جهل التأخر أو المتأخر أو علم ونسي. (رجع إلى مرجح فإن تعذر فإن لم يتقارنا وقبلا النسخ طلب) الناظر (غيرهما) لتعذر العمل بواحد منهما، فإن لم يجد غيرهما توقف، (وإلا) بأن تقارنا ولم يقبلا النسخ (يخير) الناظر بينهما في العمل (إن تعذر الترجيح) ، فإن لم يتعذر طلب مرجحا والتقييد بقبول النسخ في صورتي جهل المتأخر ونسيانه من زيادتي. (مسألة يرجح

بكثرة الأدلة و) بكثرة (الرواة في الأصح) ، لأن كثرة كل منهما تفيد القوة، وقيل لا كالبينتين، وفرق بأن مقصود الشهادة فصل الخصومة لئلا تطول فضبطت بنصاب خاص بخلاف الدليل، فإن مقصوده ظن الحكم والمجتهد في مهلة النظر، وكلما كان الظن أقوى كان اعتباره أولى. (وبعلو الإسناد) في الاخبار أي قلة الوسائط بين الراوي للمجتهد، وبين النبيّ صلى الله عليه وسلّم (وفقه الراوي ولغته ونحوه) لقلة احتمال الخطأ مع واحد من الأربعة بالنسبة إلى مقابلاتها. (وورعه وضبطه وفطنته وإن روى) الخبر (المرجوح باللفظ) والراجح بواحد مما ذكر بالمعنى (ويقظته وعدم بدعته وشهرة عدالته) لشدة الوثوق به مع واحد من الستة بالنسبة إلى مقابلاتها. (وكونه مزكى بالاختبار) من المجتهد، فيرجح على المزكى عنده بالاخبار لأن العيان أقوى من الخبر. (أو) كونه (أكثر مزكين ومعروف النسب قيل ومشهوره) لشدة الوثوق به والشهرة زيادة في المعرفة. والأصح لا ترجيح بها. وقال الزركشي الأقوى الأول لأن من ليس مشهور النسب قد يشاركه ضعيف في الاسم، (وصريح التزكية على الحكم بشهادته والعمل بروايته) ، فيرجح خبر من صرّح بتزكيته على خبر من حكم بشهادته، وخبر من عمل بروايته في الجملة، لأن الحكم والعمل قد يبنيان على الظاهر بلا تزكية. (وحفظ المروي) فيرحجح مروي الحافظ له على مروي غيره الراوي له بنحو تلقين لاعتناء الأول بمرويه. (وذكر السبب) فيرجح الخبر المشتمل على سببه على ما لم يشتمل عليه لاهتمام راوي الأول به، ومحله في الخاصين بقرينة ما يأتي في العامين. (والتعويل على الحفظ دون الكتابة) ، فيرجح خبر المعوّل على الحفظ فيما يرويه على خبر المعوّل على الكتابة لاحتمال أن يزاد في كتابه أو ينص منه، واحتمال النسيان والاشتباه في الحافظ كالعدم. (وظهور طريق روايته) ، كالسماع بالنسبة إلى الإجازة، فيرجح المسموع على المجاز، وقد مرّ بيان طرق الرواية ومراتبها آخر الكتاب الثاني. (وسماعه بلا حجاب) ويرجح المسموع بلا حجاب على المسموع من وراء حجاب لأمن الأول من تطرق الخلل في الثاني. (وكونه ذكرا وحرا في الأصح) فيهما فيرجح خبر كل منهما على خبر غيره، لأن الذكر أضبط من غيره في الجملة والحر لشرف منصبه يحترز عما لا يحترز عنه غيره، وقيل يرجح خبر الذكر في غير أحكام النساء بخلاف أحكامهنّ، لأنهنّ أضبط فيها، وقيل لا ترجيح بالذكورية ولا بالحرية، وصوّبه الزركشي في الأولى والبرماوي فيهما. ونقلاه عن ابن السمعاني فيهما، ونقلا عن غيره الاتفاق عليه في الأولى وذكر الخلاف في الثانية من زيادتي. (و) كونه (من أكابر الصحابة) أي رؤسائهم فيرجح خبر أحدهم على خبر غيره لشدة ديانتهم وقربهم مجلسا من النبيّصلى الله عليه وسلّم، (و) كونه (متأخر الإسلام) فيرجح خبره على خبر متقدم الإسلام، (في الأصح) لظهور تأخر خبره، وقيل عكسه لأن متقدم الإسلام لأصالته فيه أشد تحرزا من متأخره. (و) كونه (متحملاً بعد التكليف) . ولو حال الكفر لأنه أضبط من المتحمل قبل التكليف. (وغير مدلس) ، لأن الوثوق به أقوى منه بالمدلس المقبول، وتقدم بيانه في الكتاب الثاني. (وغير ذي اسمين) لأن صاحبهما يتطرق إليه الخلل بأن يشاركه ضعيف في أحدهما. (ومباشرا) لمرويه (وصاحب الواقعة) المروية، لأن كلاً منهما أعرف بالحال من غيره، فالأوّل كخبر الترمذي عن أبي رافع «أنه صلى الله عليه وسلّم تزوج ميمونة حلالاً قال وكنت الرسول بينهما» مع خبر الصحيحين عن ابن عباس «أنه صلى الله عليه وسلّم تزوّج ميمونة وهو محرم» . والثاني كخبر أبي داود «عن ميمونة تزوّجني النبيّ صلى الله عليه وسلّم ونحن حلالان بسرف» مع خبر ابن عباس المذكور. (وراويا باللفظ) لسلامة المروي باللفظ من

تطرق الخلل في المروي بالمعنى، (و) كون الخبر (لم ينكره) الراوي (الأصل) ، فيرجح خبر الفرع الذي لم ينكره أصله بأن قال ما رويته لأن الظن الحاصل من الأول أقوى، وتعبيري بما ذكر أوضح من قوله ولم ينكره راوي الأصل. ( و) كونه (في الصحيحين) أو في أحدهما، لأنه أقوى من الصحيح في غيرهما، وإن كان على شرطهما لتلقي الأمة لهما بالقبول. (والقول فالفعل فالتقرير) فيرجح الخبر الناقل، لقول النبي على الناقل لفعله والناقل لفعله على الناقل لتقريره، لأن القول أقوى في الدلالة على التشريع من الفعل لأن الفعل محتمل للتخصيص به صلى الله عليه وسلّم، وهو أقوى من التقرير لأنه وجودي محض، والتقرير محتمل لما لا يحتمله الفعل. (ويرجح الفصيح) على غيره لتطرق الخلل إلى غيره باحتمال أن يكون مرويا بالمعنى، (وكذا زائد الفصاحة) على الفصيح (في قول) مرجوح، لأنه صلى الله عليه وسلّم أفصح العرب فيبعد نطقه بغير الأفصح فيكون مرويا بالمعنى فيتطرق إليه الخلل، والأصح لا لأنه صلى الله عليه وسلّم ينطق بالأفصح والفصيح، لا سيما إذا خاطب به من لا يعرف غيره، وقد كان يخاطب العرب بلغاتهم. (و) يرجح (المشتمل على زيادة) على غيره (في الأصح) لما فيه من زيادة العلم، وقيل يرجح الأقل، وبه أخذ الحنفية لاتفاق الدليلين عليه كخبر التكبير في العيد سبعا مع خبر التكبير فيه أربعا رواهما أبو داود. والأولىمنه عندهم للافتتاح وذكر الخلاف في هذه من زيادتي. (والوارد بلغة قريش) لأن الوارد بغيرها يحتمل أن يكون مرويا بالمعنى فيتطرق إليه الخلل. (والمدني) على المكي لتأخره عنه، والمدني ما ورد بعد الهجرة والمكي قبلها، وهذا أولى من القول بأن المدني ما نزل بالمدينة، والمكي ما نزل بمكة. (والمشعر بعلوّ شأن النبي صلى الله عليه وسلّم) لتأخره عما لم يشعر بذلك. (وما) ذكر (فيه الحكم مع العلة) على ما فيه الحكم فقط، لأن الأول أقوى في الاهتمام بالحكم من الثاني كخبر البخاري «من بدّل دينه فاقتلوه» مع خبر الصحيحين «أنه صلى الله عليه وسلّم نهى عن قتل النساء والصبيان» . نيط الحكم في الأول بوصف الردّة المناسب ولا وصف في الثاني، لحملنا النساء فيه على الحربيات. (وما قدم فيه ذكرها عليه) أي ذكر العلة على الحكم على عكسه (في الأصح) ، لأنه أدل على ارتباط الحكم بالعلة من عكسه، وقيل عكسه لأن الحكم إذا تقدم تطلب نفس السامع العلة، فإذا سمعتها ركنت ولم تطلب غيرها، والوصف إذا تقدم تطلب النفس الحكم فإذا سمعته قد تكتفي في علته بالوصف المتقدم إذا كان شديد المناسبة كما في {والسارق} الآية. وقد لا تكتفي به بل تطلب علة غيره كما في {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} الآية. فيقال تعظيما للمعبود. (وما فيه تهديد أو تأكيد) على الخالي عن ذلك، فالأول كخبر البخاري عن عمار «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلّم» . فيرجح على الأخبار المرغبة في صوم النفل والثاني كخبر أبي داود «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل» مع خبر مسلم «الأيم أحق بنفسها من وليها» . (والعام) عموما (مطلقا على) العام (ذي السبب إلا في السبب) ، لأن الثاني باحتمال إرادة قصره على السبب كما قيل بذلك دون المطلق في القوّة إلا في صورة السبب فهو فيها أقوى لأنها قطعية الدخول على الأصح كما مر. (والعام الشرطيّ) كمن وما الشرطيتين (على النكرة المنفية في الأصح) ، لإفادته التعليل دونها، وقيل العكس لبعد التخصيص فيها بقوّة عمومها دونه، ويؤخذ من ذلك ترجيح النكرة الواقعة في سياق الشرط على الواقعة في سياق النفي. (وهي على الباقي) من صيغ العموم كالمعرّف باللام أو الإضافة لأنها أقوى

منه في العموم، لأنها تدل عليه بالوضع في الأصح كما مرّ، وهو إنما يدل عليه بالقرينة اتفاقا. (والجمع المعرّف) باللام أو الإضافة. (على من وما) غير الشرطيتين كالاستفهاميتين، لأنه أقوى منهما في العموم لامتناع أن يخص إلى الواحد دونهما على الأصح في كل منهما كما مرّ. (وكلها) أي الجمع المعرف ومن وما (على الجنس المعرف) باللام أو الإضافة لاحتماله العهد بخلاف من وما فلا يحتملانه، وبخلاف الجمع المعرّف فيبعد احتماله له. (وما لم يخص) على ما خص لضعف الثاني بالخلاف في حجيته بخلاف الأول، ولأن الثاني مجاز، والأول حقيقة وهي مقدمة عليه قطعا. وقال الأصل كالصفيّ الهندي، وعندي عكسه لأن ما خص من العام هو الغالب والغالب أولى من غيره. (والأقل تخصيصا) على الأكثر تخصيصا لأن الضعف في الأقل دونه في الأكثر. (والاقتضاء فالإيماء فالإشارة) ، لأن المدلول عليه بالأول مقصود يتوقف عليه الصدق أو الصحة، وبالثاني مقصود لا يتوقف عليه ذلك، وبالثالث غير مقصود كما علم ذلك من محله، فيكون كل منها أقوى دلالة مما بعده، وترجيح الثاني على الثالث من زيادتي. (ويرجحان) أي الإيماء والإشارة (على المفهومين) أي الموافقة والمخالفة، لأن دلالة الأولين في محل النطق بخلاف المفهومين، (وكذا الموافقة على المخالفة) في الأصح لضعف الثاني بالخلاف في حجيته بخلاف الأول، وقيل عكسه لأن الثاني يفيد تأسيسا بخلاف الأول، (و) كذا (الناقل عن الأصل) أي البراءة الأصلية على المقرر له في الأصح، لأن الأول فيه زيادة على الأصل بخلاف الثاني، وقيل عكسه بأن يقدّر تأخر المقرر للأصل ليفيد تأسيسا كما أفاده الناقل فيكون ناسخا له مثال ذلك خبر الترمذي «مَنْ مسّ ذَكَرَهُ فليتوضأ» مع خبره «أنه صلى الله عليه وسلّم سأله رجل مس ذكره أعليه وضوء قال لا إنما هو بضعة منك» . (و) كذا (المثبت) على النافي (في الأصح) ، لما مرّ، وقيل عكسه، وقيل هما سواء وقيل غير ذلك، (والخبر) المتضمن للتكليف على الإنشاء لأن الطلب به لتحقق وقوع معناه أقوى من الإنشاء، فإن اتفق الدليلان خبرا أو إنشاء (فالحظر) على الإيجاب لأنه لدفع المفسدة والإيجاب لجلب المصلحة والاعتناء بدفع المفسدة أشد، (فالإيجاب) على الكراهة للاحتياط، (فالكراهة) على الندب لدفع اللوم (فالندب) على الإباحة للاحتياط بالطلب (فالإباحة في الأصح في بعضها) وهو تقديم كل من الحظر والإيجاب والندب على الإباحة، وقيل العكس في الثلاث لاعتضاد الإباحة بالأصل، وقيل هما سواء في الأولى والقياس مجيئه في الباقيتين، ويحتمل خلافه، وذكر الخلاف في الثانية مع تقديم الإيجاب على الكراهة من زيادتي. (و) الخبر (المعقول معناه) على ما لم يعقل معناه لأن الأول أدعى للانقياد وأفيد بالقياس عليه. (وكذا نافي العقوبة) هو أعم من قوله ونافي الحد على الموجب لها في الأصح لما في الأول من اليسر وعدم الحرج الموافق لقوله تعالى {يريد الله بكم اليسر} ، {ما جعل عليكم في الدين من حرج} وقيل عكسه لإفادة الموجب التأسيس بخلاف النافي. (و) كذا الحكم (الوضعي) أي مثبته (على) مثبت (التكليفي في الأصح) ، لأن الأول لا يتوقف على الفهم والتمكن من الفعل بخلاف الثاني وقيل عكسه لترتب الثواب على التكليفي دون الوضعي. (و) الدليل (الموافق دليلاً آخر) على ما لم يوافقه، لأن الظن في الموافق أقوى. (وكذا)

الموافق (مرسلاً أو صحابيا أو أهل المدينة أو الأكثر) من العلماء على ما لم يوافق واحد مما ذكر (في الأصح) لذلك. وقيل لا يرجح بواحد من ذلك لأنه ليس بحجة، وقيل إنما يرجح بموافق الصحابي إن كان الصحابي قد ميزه نص فيما فيه الموافقة من أبواب الفقه كزيد في الفرائض، وقيل غير ذلك. (ويرجح) كما قال الشافعي فيما إذا وافق كل من الدليلين صحابيا، وقد ميز النص أحد الصحابيين فيما ذكر. (موافق زيد في الفرائض فمعاذ) فيها (فعليّ) فيها (ومعاذ في أحكام غير الفرائض فعليّ) في تلك الأحكام، فالمتعارضان في مسألة في الفرائض يرجح منهما الموافق لزيد، فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لمعاذ، فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لعليّ، والمتعارضان في مسألة في غير الفرائض يرجح منهما الموافق لمعاذ، فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لعليّ، وذلك لخبر «أفرضكم زيد، وعلمكم بالحلال والحرام معاذ، وأقضاكم عليّ» فقوله أفرضكم زيد على عمومه. وقوله وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ يعني في غير الفرائض وكذا قوله وأقضاكم عليّ واللفظ في معاذ أصرح منه في علي فقدم عليه مطلقا. (والإجماع على النص) لأنه يؤمن فيه النسخ بخلاف النص. (وإجماع السابقين) على إجماع غيرهم فيرجح إجماع الصحابة على إجماع من بعدهم من التابعين وغيرهم، وإجماع التابعين على إجماع من بعدهم، وهكذا لشرف السابقين لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلّم ولخبر «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم» . وتعبيري كالبرماوي بالسابقين أعم من تعبير الأصل بالصحابة. (وإجماع الكل) الشامل للعوام) على ما خالف فيه العوام) ، لضعف الثاني بالخلاف في حجيته على ما حكاه الآمدي. (و) الإجماع (المنقرض عصره على غيره) لضعف الثاني بالخلاف في حجتيه. (وكذا ما) أي الإجماع الذي (لم يسبق بخلاف) على غيره (في الأصح) لذلك، وقيل عكسه لزيادة اطلاع المجمعين في الثاني على المآخذ، وقيل هما سواء. (والأصح تساوي المتواترين من كتاب وسنة) . وقيل يرجح الكتاب عليها لأنه أشرف منها، وقيل ترجح السنة عليه لقوله تعالى {لتبين للناس ما نزل إليهم} أما المتواتران من السنة فمتساويان قطعا كالآيتين. (ويرجح القياس) على قياس آخر (بقوّة دليل حكم الأصل) ، كأن يدل في أحد القياسين بالمنطوق، وفي الآخر بالمفهوم، أو يكون في أحدهما قطعيا، وفي الآخر ظنيا لقوة الظن بقوة الدليل. (وكونه) أي القياس (على سنن القياس أي فرعه من جنس أصله) فيرجح على قياس ليس كذلك، لأن الجنس بالجنس أشبه فقياسنا ما دون أرش الموضحة على أرشها حتى تحمله العاقلة مقدم على قياس الحنفية له على غرامات الأموال حتى لا تتحمله. (وكذا) ترجح علة (ذات أصلين) مثلاً بأن عللا بها. (على ذات أصل) في الأصح، وقيل لا كالخلاف في الترجيح بكثرة الأدلة مثاله وجوب الضمان بيد المستام عللناه بأنه أخذ العين لغرضه بلا استحقاق، كما علل به وجوب الضمان بيد الغاصب ويد المستعير، وعلله الحنفية بأنه أخذها ليتملكها ولم يعلل به نظير ذلك. (و) كذا ترجح علة (ذاتية) للمحل كالطعم والإسكار. (علي) علة (حكمية) ، كالحرمة والنجاسة في الأصح، لأن الذاتية ألزم، وقيل عكسه لأن الحكم بالحكم أشبه. (و) كذا (كونها

أقل أوصافا في الأصح) ، لأن القليلة أسلم وقيل عكسه لأن الكثيرة أكثر شبها. (و) ترجح (المقتضية احتياطا في فرض) ، لأنها أنسب به مما لا تقتضيه، وذكر الفرض لأنه محل الاحتياط، إذ لا يحتاط في الندب وإن احتيط به كما مرّ، هذا مع أن الاحتياط قد يجري في غير الفرض، كما إذا شك هل غسل وجهه في الوضوء ثلاثا أو اثنتين فإنه يسنّ له غسلة أخرى وإن احتمل كونها رابعة احتياطا. (وعامة الأصل) بأن يوجد في جميع جزئياته، لأنها أكثر فائدة مما لا يعم كالطعم الذي هو علة عندنا في باب الربا، فإنه موجود في البر مثلاً قليله وكثيره، بخلاف القوت الذي هو علة عند الحنفية فلا يوجد في قليله، فجوزوا بيع الحفنة منه بالحفنتين. (و) ترجح العلة (المتفق على تعليل أصلها) المأخوذة منه لضعف مقابلها بالخلاف فيه. (و) العلة (الموافقة لأصول) شرعية (على الموافقة لواحد) ، لأن الأولى أقوى بكثرة ما يشهد لها. (وكذا) ترجح العلة (الموافقة لعلة أخرى) في الأصح، وقيل لا كالخلاف في الترجيح بكثرة الأدلة والترجيح من زيادتي (وما) أي وكذا القياس الذي (ثبتت علته بإجماع فنص قطعيين فظنيين) أي بإجماع قطعي فنص قطعي فإجماع ظني فنص ظني (في الأصح) ، لأن النص يقبل النسخ بخلاف الإجماع وقيل عكسه، لأن النص أصل للإجماع لأن حجيته إنما ثبتت به. (فإيماء فسبر فمناسبة فشبه فدوران وقيل دوران فمناسبة) ، وما قبلها وما بعدها كما مر، فكل من المعطوفات دون ما قبله، ورجحان كل من الإيماء، والمناسبة على ما يليه ظاهر من تعاريفها السابقة، ورجحان السير على المناسبة بما فيه من إبطال ما لا يصلح للعلية والشبه على الدوران بقربه من المناسبة، ومن رجح الدوران عليها قال لأنه يفيد اطراد العلة وانعكاسها بخلاف المناسبة، ورجحان الدوران أو الشبه على بقية المسالك يؤخذ من تعاريفها، وما ذكر هنا يغني عما صرح به الأصل من الترجيح بالقطع بالعلة أو الظن الأغلب، ويكون مسلكها أقوى (و) يرجح (قياس المعنى على) قياس (الدلالة) لاشتمال الأول على المعنى المناسب، والثاني على لازمه أو أثره أو حكمه كما علم ذلك في مبحث الطرد، وفي خاتمة القياس. (وكذا) يرجح (غير المركب عليه) أي على المركب (في الأصح إن قبل) أي المركب لضعفه بالخلاف في قبوله المذكور في مبحث حكم الأصل، وقيل عكسه لقوة المركب باتفاق الخصمين على حكم الأصل فيه. (و) يرجح (الوصف الحقيقي فالعرفي فالشرعي) لأن الحقيقي لا يتوقف على شيء بخلاف العرفي والعرفي متفق عليه بخلاف الشرعي كما مر. (الوجودي) مما ذكر. (فالعدمي قطعا البسيط) منه (فالمركب في الأصح) لضعف العدمي والمركب بالخلاف فيهما، وقيل المركب فالبسيط، وقيل هما سواء وذكر الخلاف من زيادتي. ( والباعثة على الأمارة) لظهور مناسبة الباعثة و (المطردة المنعكسة) على المطردة فقط لضعف الثانية بالخلاف فيها. (فالمطردة) فقط (على المنعكسة) فقط، لأن ضعف الثانية بعدم الاطراد أشدّ من ضعف الأولى بعدم الانعكاس. (وكذا) ترجح (المتعدية) على القاصرة في الأصح لأنها أفيد بالالحاق بها، وقيل عكسه، لأن الخطأ في القاصرة أقل، وقيل هما سواء لتساويهما فيما ينفردان به من الالحاق في المتعدية وعدمه في القاصرة. (و) كذا يرجح

الكتاب السابع في الاجتهاد

(الأكثر فروعا) من المتعديتين على الأقل فروعا (في الأصح) . وقيل عكسه كما في المتعدية والقاصرة ولا يأتي التساوي هنا لانتفاء علته، والترجيح في المسألتين من زيادتي. (و) يرجح (من الحدود السمعية) أي الشرعية (الأعرف على الأخفى) منها، لأن الأول أفضى إلى مقصود التعريف من الثاني. (والذاتي على العرضي) ، لأن التعريف بالأول يفيد كنه الحقيقة بخلاف الثاني. (والصريح) من اللفظ على غيره بتجوّز أو اشتراك لتطرق الخلل إلى التعريف بالثاني. (وكذا) يرجح (الأَعم) على الأخصّ مطلقا (في الأصح) ، لأن التعريف بالأعم أفيد لكثرة المسمى فيه، وقيل عكسه أخذا بالمحقق في المحدود، وذكر لخلاف من زيادتي، أما الأعم والأخص من وجه فالظاهر فيهما التساوي. (و) يرجح (موافق نقل السمع واللغة) ، لأن التعريف بما يخالفهما إنما يكون لنق عنهما والأصل عدمه. (و) يرجح (ما) أي الحد الذي (طريق اكتسابه أرجح) من طريق اكتساب حدّ آخر، لأن الظن بصحته أقوى منه بصحة الآخر، إذ الحدود السمعية مأخوذة من النقل وطرق النقل تقبل القوّة والضعف. (والمرجحات لا تنحصر) فيما ذكر هنا (ومثارها غلبة الظنّ) أي قوّته وسبق كثير منها منه تقديم بعض مفاهيم المخالفة على بعض وبعض ما يخل بالفهم على بعض كالمجاز على الاشتراك، وتقديم المعنى الشرعي على العرفي، والعرفي على اللغوي في خطاب الشارع، ومن غيره أرجحية ما يرجح به من التقديم بالتزكية بالحكم بشهادة الراوي على التزكية بالعمل بروايته، وتقديم من علم أنه عمل برواية نفسه على من علم أنه لم يعمل أو لم يعلم أنه عمل. الكتاب السابع في الاجتهاد المراد عند الإطلاق أعني الاجتهاد في الفروع. (وما معه) من التقليد وأدب الفتيا وعلم الكلام المفتتح بمسألة التقليد في أصول الدين المختتم بما يناسبه من خاتمة التصوّف، (الاجتهاد) لغة افتعال من الجهد بالفتح والضم وهو الطاقة والمشقة واصطلاحا. (استفراغ الفقيه الوسع) ، بأن يبذل تمام طاقته في نظره في الأدلة. (لتحصيل الظنّ بالحكم) أي من حيث إنه فقيه فلا حاجة إلى قول ابن الحاجب شرعي، فخرج استفراغ غير الفقيه واستفراغ الفقيه لتحصيل قطع بحكم عقلي، والفقيه في الحد بمعنى المتهيىء للفقه مجازا شائعا، ويكون بما يحصله فقيها حقيقة، ولذا قلت كالأصل. (والمجتهد الفقيه) ، كما قالوا الفقيه المجتهد لأن ما صدقهما واحد (وهو) أي المجتهد أو الفقيه الصادق به (البالغ) د لأن غيره لم يكمل عقله حتى يعتبر قوله (العاقل) ، لأن غيره لا تمييز له يهتدى به لما يقوله حتى يعتبر (أي ذو ملكة) أي هيئة راسخة في النفس. (يدرك بها المعلوم) أي ما من شأنه أن يعلم. (فالعقل) هو هذه (الملكة في الأصح) . وقيل هو نفس العلم أي الإدراك ضروريا كان أو نطريا، وقيل هو العلم الضروري فقط، وبعضهم عبر ببعض العلوم الضرورية وهو الأولى، لئلا يلزم أن من فقد العلم بمدرك لعدم الإدراك غير عاقل. (فقيه النفس) أي شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام، لأن غيره لا يتأتى منه الاستنباط المقصود بالاجتهاد. (وإن أنكر القياس) ، فلا يخرج بإنكاره عن فقاهة النفس، وقيل يخرج فلا يعتبر قوله، وقيل لا يخرج إلا الجليّ فيخرج بإنكاره لظهور جموده. (العارف بالدليل العقلي) أي البراءة الأصلية والتكليف به في الحجية، كما مر أن استصحاب العدم الأصلي حجة فيتمسك به إلى أن يصرف عنه دليل شرعي (ذو الدرجة الوسطى عربية) من لغة ونحو وصرف ومعان وبيان، وإن كان أقسام العربية أكثر

من ذلك كما بينتها في حاشية المطوّل أعانني الله على إكمالها. (وأصولاً) للفقه. (ومتعلقا للأحكام) ، بفتح اللام أي ما تتعلق هي به بدلالته عليها. (من كتاب وسنة وإن لم يحفظ) أي المتوسط في هذه العلوم. (متنا لها) . وذلك ليتأتى له الاستنباط المقصود بالاجتهاد، أما علمه بآيات الأحكام وأخبارها أي مواقعها وإن لم يحفظها فلأنها المستنبط منه، وأما علمه بالأصل فلأنه يعرف به كيفية الاستنباط وغيرها مما يحتاج إليه فيه، وأما علمه بالباقي فلأنه لا يفهم المراد من المستنبط منه إلا به، لأنه عربي بليغ، وبالغ التقي السبكي فلم يكتف بالتوسط في تلك العلوم حيث قال كما نقله الأصل عنه المجتهد من هذه العلوم ملكة له، وأحاط بمعظم قواعد الشرع ومارسها بحيث اكتسب قوّة يفهم بها مقصود الشارع. (ويعتبر للاجتهاد) لا ليكون صفة للمجتهد، (كونه خبيرا بمواقع الإجماع) ، وإلا فقد يخرقه بمخالفته وخرقه حرام كما مرّ لا عبرة به، ولا يشترط حفظ مواقعه، بل يكفي أن يعرف أن ما استنبطه ليس مخالفا للإجماع بأن يعلم موافقته لعالم أو يظن أن واقعته حادثة لم يسبق فيها لأحد من العلماء كلام. (والناسخ والمنسوخ) لتقدم الأول على الثاني لأنه إذا لم يكن خبيرا بهما قد يعكس. (وأسباب النزول) ، إذ الخبرة بها ترشد إلى فهم المراد (والمتواتر والآحاد) ، لتقدم الأول على الثاني، لأنه إذا لم يكن خبيرا بهما قد يعكس، وتعبيري بذلك أولى من قوله وشرط المتواتر والآحاد كما بينته في الحاشية. (والصحيح وغيره) من حسن وضعيف ليقدم كلاً من الأولين على ما بعده، لأنه إذا لم يكن خبيرا بذلك قد يعكس. (وحال الرواة) في القبول، والرد ليقدم كلاً من الأولين على ما بعده، لأنه ءذا لم يكن خبيرا بذلك قد يعكس. (وحال الرواة) في اقبلو، والرد ليقدم المقبول على المردود مطلقا، والأكبر والأعلم من الصحابة على غيرهما في متعارضين، لأنه إذا لم يكن خبيرا بذلك قد يعكس. (ويكفي) في الخبرة بحال الرواة (في زمننا الرجوع لأئمة ذلك) من المحدثين كالإمام أحمد والبخاري ومسلم، فيعتمد عليهم في التعديل والتجريح لتعذرهما في زمننا إلا بواسطة، وهم أولى من غيرهم، والمراد بخبرته بالمذكورات خبرته بها في الواقعة المجتهد فيها لا في جميع الوقائع. ( ولا يعتبر) لا في الاجتهاد ولا في المجتهد (علم الكلام) لإمكان استنباط من يجزم بعقيدة الإسلام تقليدا كما يعلم مما سيأتي. (و) لا (تفاريع الفقه) ، لأنها إنما تمكن بعد الاجتهاد فكيف تعتبر فيه. (و) لا (الذكورة والحرّية) لجواز أن يكون للنساء قوّة الاجتهاد وإن كنّ ناقصات عقل، وكذا العبيد بأن ينظروا حال التفرغ من خدمة السادة. (وكذا العدالة) لا تعتبر فيه (في الأصح) ، لجواز أن يكون للفاسق قوّة الاجتهاد، وقيل يعتبر ليعتمد على قوله وتعقب بأنه لا تخالف بين القولين إذ اعتبار العدالة لاعتماد. قوله لا ينافي عدم اعتبارها لاجتهاده، إذ الفاسق يعمل باجتهاد نفسه، وإن لم يعتمد قوله اتفاقا، ويجاب بأنها اعتبرت بالنسبة لغيره، أما المفتي فيعتبر فيه العدالة لأنه أخص فشرطه أغلظ. (وليبحث عن المعارض) كالمخصص والمقيد والناسخ، والقرينة الصارفة للفظ عن ظاهره ليسلم ما يستنبطه من تطرق الخدش إليه لو لم يبحث، وهذا أولى لا واجب ليوافق ما مر من أنه يتمسك بالعام قبل البحث عن المخصص على الأصح، ومن أنه يجب اعتقاد الوجوب بصيغة افعل قبل البحث عما يصرفها عنه. وزعم الزركشي ومن تبعه أنه واجب، وأنه لا يخالف ما مر، لأن ذاك في جواز التمسك بالظاهر المجرد عن القرائن، والكلام هنا في اشتراط معرفة المعارض بعد ثبوته عنده بقرينه. (ودونه) أي دون المجتهد المتقدم وهو المجتهد المطلق، (مجتهد المذهب وهو المتمكن من تخريج الوجوه) التي يبديها (على نصوص إمامه) في المسائل، (ودونه) أي دون مجتهد المذهب (مجتهد الفتيا وهو المتبحر) في مذهب إمامه. (المتمكن من ترجيح قول) له (على آخر) ، أطلقهما. (والأصح جواز تجزى الاجتهاد) بأن يحصل لبعض الناس قوة الاجتهاد (في بعض

مسألة المصيب في العقليات واحد

الأبواب) ، كالفرائض بأن يعلم أدلته وينظر فيها، وقيل يمتنع لاحتمال أن يكون فيما لم يعلمه من الأدلة معارض لما علمه بخلاف من أحاط بالكل ونظر فيه وردّ بأن هذا الاحتمال فيه بعيد. (و) الأصح (جواز الاجتهاد للنبيّ صلى الله عليه وسلّم ووقوعه) لقوله تعالى {ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} ، {عفا الله عنك لم أذنت لهم} عوتب على استبقاء أسرى بدر بالفداء، وعلى الإذن لمن ظهر نفاقهم في التخالف عن غزوة تبوك، والعتاب لا يكون فيما صدر عن وحي، فيكون عن اجتهاد، وقيل غير جائز له لقدرته على اليقين بالتلقي من الوحي بأن ينتظره، وردّ بأن إنزال الوحي ليس في قدرته، وقيل جائز له وواقع في الآراء والحروب دون غيرهما جمعا بين الأدلة السابقة (و) الأصح (أن اجتهاده) لله (لا يخطىء) تنزيها لمنصب النبوّة عن الخطأ في الاجتهاد، وقيل قد يخطىء لكن ينبه عليه سريعا لما مرّ في الآيتين، ويجاب بأن التنبيه فيهما ليس على خطأ بل على ترك الأولى إذ ذاك. (و) الأصح (أن الاجتهاد جائز في عصره) صلى الله عليه وسلّم، وقيل لا للقدرة على اليقين في الحكم بتلقيه منه صلى الله عليه وسلّم، وردّ بأنه لو كان عنده وحي في ذلك لبلغه للناس، وقيل جائز بإذنه، وقيل جائز للبعيد عنه دون القريب لسهولة مراجعته، وقيل جائز للولاة حفظا لمنصبهم عن استنقاص الرعية لهم لو لم يجز لهم بأن يراجعوا النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فيما وقع لهم بخلاف غيرهم (و) الأصح على الجواز (أنه وقع) ، لأنه صلى الله عليه وسلّم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فقال تقتل مقاتلتهم وتسبي ذريتهم، فقال صلى الله عليه وسلّم «لقد حكمت بحكم الله» . رواه الشيخان. وقيل لم يقع للحاضر في قطره صلى الله عليه وسلّم بخلاف غيره، وقيل بالوقف عن القول بالوقوع وعدمه. (مسألة المصيب) من المختلفين (في العقليات واحد) ، وهو من صادف الحق فيها لتعينه في الواقع كحدوث العالم ووجود الباري وصفاته وبعثة الرسل (والمخطىء) فيها (آثم) إجماعا، ولأنه لم يصادف الحق فيها، (بل كافر) أيضا. (إن نفى الإسلام) كله أو بعضه كنافي بعثة محمد صلى الله عليه وسلّم، فالقول بأن كل مجتهد في العقليات مصيب أو أن المخطىء غير آثم خارق للإجماع، والتصريرح باعتماد تأثيم المخطىء في غير نفي الإسلام من زيادتي. (والمصيب في نقليات فيها قاطع) من نص أو إجماع، واختلف فيها لعدم الوقوف عليه. (واحد قطعا، وقيل على الخلاف الآتي) فيما لا قاطع فيها (والأصح أنه) أي المصيب في النقليات. (ولا قاطع) فيها (واحد) وقيل كل مجتهد فيها مصيب. (و) الأصح (أن لله فيها حكما معينا قيل الاجتهاد) . وقيل حكم الله تعالى تابع لظن المجتهد فيما ظنه فيها من الحكم، فهو حكم الله في حقه وحق مقلده، وقيل فيها شيء لو حكم الله فيها لم يحكم إلا بذلك الشيء، قيل وهذا حكم على الغيب وربما عبر عن هذا إذا لم يصادف المجتهد ذلك الشيء بأنه أصاب فيه اجتهادا وابتداء وأخطأ فيه حكما وانتهاء. (و) الأصح (أن عليه) أي الحكم (أمارة) أي دليلاً ظنيا، وقيل عليه دليل قطعي، وقيل لا ولا بل هو كدفين يصادفه من شاءه الله. (و) الأصح (أنه) أي المجتهد (مكلف بإصابته) أي الحكم لإمكانها وقيل لا لغموضه (وأن المخطىء) في النقليات بقسميها (لا يأثم بل يؤجر) ، لبذله وسعه في طلبه، وقيل يأثم لعدم إصابته المكلف بها، وذكر الأجر في القسم الأول من زيادتي ويدل لذلك في القسمين خبر «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد» ، (ومتى قصر مجتهد) في اجتهاده (أثم) لتقصيره بتركه الواجب عليه من بذله وسعه فيه. (مسألة لا ينقض الحكم في الاجتهاديات) لا من الحاكم به ولا من غيره، إذ لو جاز نقضه لجاز نقض النقض وهلم، فيفوت مصلحة نصب الحاكم من فصل الخصومات. (فإن خالف) الحكم (نصا أو إجماعا أو قياسا جليا) نقض لمخالفته الدليل المذكور. (أو حكم) حاكم (بخلاف اجتهاده) ، بأن قلد غيره نقض لمخالفته

مسألة المختار أنه يجوز أن يقال لنبي أو عالم احكم بما تشاء فهو حق

اجتهاده وامتناع تقليده فيما اجتهد فيه، (أو) حكم حاكم (بخلاف نص إمامه ولم يقلد غيره) من الأئمة. (أو) قلده و (لم يجز) لمقلد إمام تقليد غيره، وسيأتي بيان ذلك (نقض) حكمه لمخالفته نص إمامه الذي هو في حقه لالتزامه تقليده كالدليل في حق المجتهد، فإن قلد في حكمه غير إمامه وجاز له تقليده لم ينقض حكمه، لأنه لعدالته إنما حكم به لرجحانه عنده ونقض الحكم مجاز عن إظهار بطلانه، إذ لا حكم في الحقيقة حتى ينقض. (ولو نكح) امرأة (بغير وليّ) باجتهاد منه أو من مقلده يصحح نكاحه (ثم تغير اجتهاده أو اجتهاد مقلده) إلى بطلانه. (فالأصح تحريمها) عليه لظنه أو ظن إمامه حينئذ البطلان، وقيل لا تحرم إذا حكم حاكم بالصحة لئلا يؤدّي إلى نقض الحكم بالاجتهاد وهو ممتنع، ويردّ بأنه يمتنع إذا نقض من أصله وليس مرادا هنا. (ومن تغير في اجتهاده) بعد إفتائه (أعلم) وجوبا (المستفتى) بتغيره (ليكفّ) عن العمل إن لم يكن عمل (ولا ينقض معموله) إن عمل لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد لما مرّ، (ولا يضمن) المجتهد (المتلف) بإفتائه بإتلافه (إن تغير) اجتهاده إلى عدم إتلافه (لا لقاطع) ، لأنه معذور بخلاف ماذا تغير لقاطع كنص قاطع فإنه ينقض معموله ويضمن متلفه المفتي لتقصيره. (مسألة المختار أنه يجوز أن يقال) من قبل الله تعالى (لنبيّ أو عالم) على لسان نبيّ. (احكم بما تشاء) في الوقائع من غير دليل، (فهو حق) أي موافق لحكمي بأن يلهمه إياه، إذ لا مانع من هذا الجواز. (ويكون) أي هذا القول (مدركا شرعيا ويسمى التفويض) لدلالته عليه، وقيل لا يجوز ذلك مطلقا. وقيل يجوز للنبيّ دون العالم لأن رتبته لا تبلغ أن يقال له ذلك والمختار بعد جوازه. (أنه لم يقع) . وقيل وقع لخبر الصحيحين «لولا أن أشقّ على أمتي لأمَرْتُهم بالسّواك عند كلا صلاةٍ» . أي لأوجبته عليهم قلنا هذا لا يدل على المدعى لجواز أن يكون خير فيه أي خير في إيجاب السواك وعدمه أو يكون ذلك المقول بوحي لا من تلقاء نفسه. (وأنه يجوز تعليق الأمر باختيار المأمور) . نحو افعل كذا إن شئت أي فعله، وقيل لا يجوز لما بين طلب الفعل والتخيير فيه من التنافي. قلنا لا تنافي إذ التخيير قرينة على أن الطلب غير جازم والترجيح في هذا من زيادتي. (مسألة التقليد أخذ قول الغير) بمعنى الرأي والاعتقاد الدال عليهما القول اللفظي أو الفعل أو التقرير (من غير معرفة دليله) فخرج أخذ قول لا يختص بالغير كالمعلوم من الدين بالضرورة، وأخذ قول الغير مع معرفة دليله، فليس بتقليد بل هو اجتهاد وافق اجتهاد القائل، لأن معرفة الدليل من الوجه الذي باعتباره يفيد الحكم لا يكون إلا للمجتهد، وعرف ابن الحاجب وغيره التقليد بالعمل بقول الغير من غير حجة، وقد بينت التفاوت بين التعريفين في الحاشية، ومع ذلك فلا مشاحة في الاصطلاح. (ويلزم غير المجتهد) المطلق عاميا كان أو غيره، أي يلزمه بقيد زدته بقولي (في غير العقائد) التقليد للمجتهد (في الأصح) لآية {فاسألوا أهل الذكر} ، وقيل يلزمه بشرط أن يتبين له صحة اجتهاد المجتهد بأن يتبين له مستنده ليسلم من لزوم اتباعه في الخطأ الجائز عليه، وقيل لا يجوز في القواطع، وقيل لا يجوز للعالم أن يقلد لأن له صلاحية أخذ الحكم من الدليل بخلاف العامي، أما التقليد في العقائد فيمتنع على المختار، وإن صح مع الجزم كما سيأتي، وقضية كلام الأصل هنا لزومه فيها أيضا. (ويحرم) أي التقليد (على ظانّ الحكم باجتهاده) لمخالفته به وجوب اتباع اجتهاده (وكذا) يحرم (على المجتهد) أي من هو بصفات الاجتهاد التقليد فيما يقع له. (في الأصح) لتمكنه من الاجتهاد فيه الذي هو أصل للتقليد، ولا يجوز العدول عن الأصل الممكن إلى بدله كما في الوضوء والتيمم، وقيل يجوز له التقليد فيه لعدم علمه به الآن، وقيل يجوز للقاضي لحاجته إلى فصل الخصومة المطلوب نجازه بخلاف غيره، وقيل يجوز تقليد

مسألة الأصح أنه لو تكررت واقعة لمجتهد لم يذكر الدليل وجب تجديد النظر

من هو أعلم منه، وقيل يجوز عند ضيق الوقت لما يسأل عنه، وقيل يجوز له فيما يخصه دون ما يفتي به غيره. (مسألة الأصح أنه لو تكررت واقعة لمجتهد لم يذكر الدليل) الأول (وجب تجديد النظر) ، سواء أتجدد له ما يقتضي الرجوع عما ظنه فيها أم لا، إذ لو أخذ بالأوّل من غير نظر لكان أخذا بشيء من غير دليل يدل له والدليل الأول لعدم تذكره لا ثقة ببقاء الظن منه، وقيل لا يجب تجديده بناء على قوة الظن السابق، فيعمل به لأن الأصل عدم رجحان غيره أما إذا كان ذاكرا للدليل، فلا يجب تجديد النظر، إذ لا حاجة إليه، (أو) أي والأصح أنه لو تكررت واقعة (لعامي استفتى عالما) فيها (وجب إعادة الاستفتاء) ، لمن أفاد (ولو كان) العالم (مقلد ميت) بناء على جواز تقليد الميت وإفتاء المقلد كما سيأتي، إذ لو أخد بجواب السؤال الأول من غير إعادة لكان أخذا بشيء من غير دليل، وهو في حقه قول المفتي، وقوله الأول لا ثقة ببقائه عليه لاحتمال مخالفته له باطلاعه على ما يخالفه من دليل إن كان مجتهدا، ونص لإمامه إن كان مقلدا، وقيل لا يجب وذكر الخلاف في الصورتين من زيادتي، وقول الأصل في الشق الأول من الأولى قطعا أي عند أصحابنا لا عند الأصوليين، ومحل الخلاف في الثانية إذا عرف أن الجواب عن رأي أو قياس أو شك، والمفتي حي، فإن عرف أنه عن نص أو إجماع، أو مات المفتي فلا حاجة للسؤال ثانيا كما جزم به الرافعي والنووي. (مسألة المختار جواز تقليد المفضول) من المجتهدين (لمعتقده غير مفضول) ، بأن اعتقده أفضل من غيره أو مساويا له، بخلاف من اعتقده مفضولاً عملاً باعتقاده وجمعا بين الدليلين الآتيين، وقيل يجوز مطلقا. ورجحه ابن الحاجب لوقوعه في زمن الصحابة وغيرهم مشتهرا متكررا من غير إنكار، وقيل لا يجوز مطلقا، لأن أقوال المجتهدين في حق المقلد كالأدلة في حق المجتهد، فكما يجب الأخذ بالراجح من الأدلة يجب الأخذ بالراجح من الأقوال، والراجح منها قول الفاضل، وإذا جاز تقليد المفضول لمن ذكر. (فلا يجب البحث عن الأرجح) من المجتهدين لعدم تعينه بخلاف من لم يجوز مطلقا وبما ذكر علم ما صرح به الأصل من أن العامي إذا اعتقد رجحان واحد منهم تعين لأن يقلده وإن كان مرجوحا في الواقع عملاً باعتقاده (و) المختار (أن الراجح علما) في الاعتقاد (فوق الراجح ورعا) فيه، لأن لزيادة العلم تأثيرا في الاجتهاد بخلاف زيادة الورع، وقيل العكس، لأن لزيادة الورع تأثيرا في التثبت في الاجتهاد وغيره بخلاف زيادة العلم، ويحتمل التساوي لأن لكل مرجحا. (و) المختار جواز (تقليد الميت) لبقاء قوله، كما قال الشافعي رضي الله عنه المذاهب لا تموت بموت أربابها، وقيل لا يجوز لأنه لا بقاء لقول الميت بدليل انعقاد الإجماع بعد موت المخالف، وعورض بحجية الإجماع بعد موت المجمعين، وقيل يجوز أن فقد الحي للحاجة بخلاف ما إذا لم يفقد. (و) المختار جواز (استفتاء من عرفت أهليته) للافتاء باشتهاره بالعلم والعدالة (أو ظنت) بانتصابه والناس مستفتون له. (ولو) كان (قاضيا) ، وقيل القاضي لا يفتي في المعاملات للاستغناء بقضائه فيها عن الافتاء. (فإن جهلت) أهليته علما أو عدالة. (فالمختار الاكتفاء باستفاضة علمه وبظهور عدالته) . وقيل يجب البحث عنهما بأن يسأل الناس عنهما وعليه، فالأصح الاكتفاء بخبر الواحد عنهما، وقيل لا بد من اثنين وما اخترته من الاكتفاء باستفاضة علمه هو ما نقله في الروضة عن الأصحاب خلاف ما صححه الأصل من وجوب البحث عنه. (وللعامي سؤاله) أي المفتي (عن مأخذه) ، فيما أفتاه به (استرشادا) أي طلبا لإرشاد نفسه بأن يذعن للقبول ببيان المأخذ لا تعنتا. (ثم عليه) أي المفتي ندبا لا وجوبا (بيانه) أي المأخذ لسائله المذكور تحصيلاً لإرشاده (إن لم يخف) عليه، فإن خفي عليه بحيث يقصر فهمه عنه، فلا يبينه له صونا لنفسه عن التعب فيما لا يفيد ويعتذر له بخفاء ذلك عليه. مسألة

الأصح أنه يجوز لمقلد قادر على الترجيح الإفتاء بمذهب إمامه (مسألة الأصح أنه يجوز لمقلد قادر على الترجيح) وهو مجتهد الفتوى. (الإفتاء بمذهب إمامه) مطلقا لوقوع ذلك في الأعصار متكررا شائعا من غير إنكار بخلاف غيره فقد أنكر عليه، وقيل لا يجوز له لانتفاء وصف الاجتهاد المطلق والتمكن من تخريج الوجوه على نصوص إمامه عنه، وقيل يجوز له عند عدم المجتهد المطلق والمتمكن مما ذكر للحاجة إليه، بخلاف ما إذا وجدا أو أحدهما، وقيل يجوز للمقلد، وإن لم يكن قادرا على الترجيح لأنه ناقل لما يفتى به عن إمامه، وإن لم يصرح بنقله عنه وهذا هو الواقع في الأعصار المتأخرة، أما القادر على التخريج وهو مجتهد المذهب فيجوز له الإفتاء قطعا، كما ذكره الزركشي والبرماوي وغيرهما تبعا للمصنف في شرح المختصر وهو المتجه خلافا لما اقتضاه كلام الآمدي، من أن الخلاف في مجتهد المذهب، إذ قضية ذلك عدم جواز الافتاء لمجتهد الفتوى وهو بعيد جدا مخالف لما أفاده النووي في مجموعه. (و) الأصح (أنه يجوز خلوّ الزمان عن مجتهد) ، بأن لا يبقى فيه مجتهد وقيل لا يجوز مطلقا، وقيل يجوز أن تداعى الزمان بتزلزل القواعد بأن أتت أشراط الساعة الكبرى كطلوع الشمس من مغربها. (و) الأصح بعد جوازه (أنه يقع) لخبر الصحيحين «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» . وفي خبر مسلم «إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل» ونحوه، خبر البخاري إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم أي يقبض أهله ويثبت الجهل، وقيل لا يقع لخبر الصحيحين أيضا بطرق «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله أي الساعة كما صرح بها في بعض الطرق قال البخاري وهم أهل العلم. وأجيب بأن المراد بالساعة في هذا ما قرب منها جمعا بين الأدلة، والترجيح من زيادتي، وعبارة الأصل والمختار لم يثبت وقوعه وهو متردّد بين الوقوع وعدمه. (و) الأصح (أنه لو أفتى مجتهد عاميا في حادثة فله الرجوع عنه فيها إن لم يعمل) بقوله يها. (وثم مقت آخر) ، وقيل يلزمه العمل به بمجرد الافتاء فليه له الرجوع إلى غيره، وقيل يلزمه العمل به بالشروع في العمل به، بخلاف ما إذا لم يشرع، وقيل يلزمه العمل به إن التزمه، وقيل يلزمه العمل به إن وقع في نفسه صحته وخرج بقولي فيها غيرها فله الرجوع عنه فيه مطلقا، وقيل لا، لأنه بسؤال المجتهد وقبول قوله التزم مذهبه، وقيل يجوز في عصر الصحابة والتابعين لا في العصر الذي استقرت فيه المذاهب، وبقولي إن لم يعمل ما إذا عمل فليس له الرجوع جزما، وبقولي وثم مفت آخر ما لو لم يكن ثم مفت آخر فليس له الرجوع والتصريح في هذه بالترجيح بقيده الأخير من زيادتي. (و) الأصح (أنه يلزم المقلد) عاميا كان أو غيره. (التزام مذهب معين) من مذاهب المجتهدين. (ويعتقده أرجح) من غيره (أو مساويا) له، وإن كان في الواقع مرجوحا على المختار السابق. (و) لكن (الأولى) في المساوي (السعي في اعتقاده أرجح) ليحسن اختياره على غيره، وقيل لا يلزمه التزامه فله أن يأخذ فيما يقع له بما شاء من المذاهب، قال النووي هذا كلام الأصحاب والذي يقتضيه الدليل القول بالثاني. (و) الأصح بعد لزوم التزام مذهب معين للمقلد (أن له الخروج عنه) ، فيما لم يعمل به لأن التزام ما لا يلزم غير ملزم. وقيل لا يجوز لأنه التزمه وإن لم يلزم التزامه، وقيل لا يجوز في بعض المسائل، ويجوز في بعض توسطا بين القولين، والترجيح في هذه من زيادتي. (و) الأصح (أنه يمتنع تتبع الرخص) في المذاهب، بأن يأخذ من كل منها الأهون فيما يقع من المسائل سواء الملتزم

(مسألة) المختار إنه يمنع التقليد في أصول الدين

وغيره، ويؤخذ منه تقييد الجواز السابق فيهما بما لم يؤد إلى تتبع الرخص، وقيل يجوز بناء على أنه لا يلزم التزام مذهب معين. (مسألة) تتعلق بأصول الدين (المختار) قول الكثير (إنه يمتنع التقليد في أصول الدين) أي مسائل الاعتقاد كحدوث العالم ووجود الباري، وما يجب له ويمتنع عليه وغير ذلك مما سيأتي، فيجب النظر فيه لأن المطلوب فيه اليقين. قال تعالى لنبيه {فاعلم أنه لا إله إلا الله} وقد علم ذلك. وقال للناس {واتبعوه لعلكم تهتدون} ويقاس بالوحدانية غيرها، وقيل يجوز ولا يجب النظر اكتفاء بالعقد الجازم لأنه صلى الله عليه وسلّم كان يكتفي في الإيمان من الأعراب وليسوا أهلاً للنظر بالتلفظ بكلمتي الشهادة المنبىء عن العقد الجازم ويقاس بالإيمان غيره، وقيل لا يجوز فيحرم النظر فيه، لأنه مظنة الوقوع في الشبه والضلال لاختلاف الأذهان والأنظار، ودليلا الثاني والثالث مدفوعان بأنا لا نسلم أن الأعراب ليسوا أهلاً للنظر، ولا أن النظر مظنة للوقوع في الشبه والضلال، إذ المعتبر النظر على طريق العامة كما أجاب الأعرابي الأصمعي عن سؤاله بم عرفت ربك؟ فقال البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحر ذو أمواج ألا تدل على اللطيف الخبير؟ ولا يذعن أحد منهم أو من غيرهم للإيمان إلا بعد أن ينظر فيهتدى له. أما النظر على طريق المتكلمين من تحرير الأدلة وتدقيقها ودفع الشكوك والشبه عنها، ففرض كفاية في حق المتأهلين له يكفي قيام بعضهم بها أما غيرهم ممن يخشى عليه من الخوض فيه الوقوع في الشبه والضلال فليس له الخوض فيه، وهذا محمل نهي الشافعي وغيره من السلف عن الاشتغال بعلم الكلام، وهو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية، والترجيح من زيادتي، بل قضية كلامه في مسألة التقليد ترجيح لزومه هنا، ثم محل الخلاف في وجوب النظر في غير معرفة الله تعالى أما النظر فيها فواجب إجماعا. (و) المختار أنه (يصح) التقليد في ذلك (بجزم) أي معه على كلّ من الأقوال، وإن أثم بترك النظر على الأول فيصحّ إيمان المقلد، وقيل لا يصحّ بل لا بدّ لصحة الإيمان من النظر أما التقليد بلا جزم بأن كان مع احتمال شك أو وهم، فلا يصح قطعا إذ لا إيمان مع أدنى تردد فيه وعلى صحة التقليد الجازم فيما ذكر (فليجزم) أي المكلف (عقده بأن العالم) وهو ما سوى الله تعالى. (حادث) ، لأنه متغير أي يعرض له التغير كما يشاهد وكل متغير حادث (وله محدث) ضرورة أن الحادث لا بدّ له من محدث (وهو الله) أي الذات الواجب الوجود لأن مبدىء الممكنات لا بدّ أن يكون واجبا، إذ لو كان ممكنا لكان من جملة الممكنات فلم يكن مبدئا لها. (الواحد) ، إذ لو جاز كونه اثنين لجاز أن يريد أحدهما شيئا، والآخر ضدّه الذي لا ضدّ له غيره كحركة زيد وسكوته فيمتنع وقوع المرادين وعدم وقوعهما لامتناع ارتفاع الضدّين المذكورين واجتماعهما، فتعين وقوع أحدهما فيكون مريده هو الإله دون الآخر لعجزه، فلا يكون الإله إلا واحدا. (والواحد) الشيء (الذي لا ينقسم) بوجه (أو لا يشبه) بفتح الباء المشدّدة أي به ولا بغيره أي لا يكون بينه وبين غير شبه. (بوجه) وهذان التفسيران معناهما موجود فيه تعالى فتعبيري بأو أولى من تعبيره بالواو لإيهامه أنهما تفسير واحد، وموافق لقول إمام الحرمين في الإرشاد الواحد معناه المتوحد المتعالي عن الانقسام، وقيل معناه الذي لا مثل له فأفاد كلامه أنهما تفسيران لا تفسير واحد وإن تلازم معناهما هنا. (والله تعالى قديم) أي لا ابتداء لوجوده، إذ لو كان حادثا لاحتاج إلى محدث واحتاج محدثه إلى محدث وتسلسل والتسلسل محال، فالحدوث المستلزم له محال. (حقيقته) تعالى (مخالفة لسائر الحقائق. قال المحققون ليست معلومة الآن) أي في الدنيا للناس وقال كثير إنها معلومة لهم الآن لأنهم مكلفون بالعلم بوحدانيته وهو متوقف

على العلم بحقيقته. قلنا لا نسلم أنه متوقف على العلم به بالحقيقة، وإنما يتوقف على العلم به بوجه وهو بصفاته، كما أجاب موسى عليه الصلاة والسلام فرعون السائل عنه تعالى كما قص علينا ذلك بقوله تعالى {قال فرعون وما رب العالمين} الخ. (والمختار ولا ممكنة) علما (في الآخرة) لأن علمها يقتضي الإحاطة به تعالى وهي ممتنعة، وقيل ممكنة العلم فيها لحصول الرؤية فيها كما سيأتي. قلنا الرؤية لا تفيد الحقيقة والترجيح من زيادتي. (ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض) ، لأنه تعالى منزه عن الحدوث وهذه الثلاثة حادثة لأنها أقسام العالم لأنه إما قائم بنفسه أو بغيره، والثاني العرض الأول ويسمى بالعين، وهو محل الثاني المقوم له إما مركب وهو الجسم أو غير مركب وهو الجوهر وقد يقيد بالفرد. (لم يزل وحده ولا مكان ولا زمان) أي موجود قبلهما فهو منزّه عنهما (ثم أحدث هذا العالم) . المشاهد من السموات والأرض بما فيها (بلا احتياج) إليه (ولو شاء ما أحدثه) فهو فاعل بالاختيار لا بالذات (لم يحدث به) أي بإحداثه (في ذاته حادث) ، فليس كغيره محلاً للحوادث وهو كما قال في كتابه العزيز (فعال لما يريد، ليس كمثله شيء) وهو السميع البصير. (القدر) وهو هنا ما يقع من العبد مما قدّر في الأزل (خيره وشره) كائن (منه) تعالى بخلقه وإرادته، (علمه شامل لكل معلوم) أي ما من شأنه أن يعلم ممكنا كان أو ممتنعا جزئيا أو كليا. قال تعالى {أحاط بكل شيء علما} (وقدرته) شاملة (لكلّ مقدور) أي ما من شأنه أن يقدر عليه، وهو الممكن بخلاف الممتنع والواجب (ما علم أنه يوجد أراده) أي أراد وجوده (وما لا) أي وما علم أنه لا يوجد، (فلا) يريد وجوده فالإرادة تابعة للعلم (بقاؤه) تعالى (غير متناه) أي لا آخر له (لم يزل) تعالى موجودا (بأسمائه) أي بمعانيها، وهي هنا ما دل على الذات باعتبار صفة كالعالم والخالق. (وصفات ذاته) وهي (ما دل عليها فعله) . لتوقفه عليها (من قدرة) وهي صفة تؤثر في الشيء عند تعلقها به. (وعلم) وهو صفة أزلية تتعلق بالشيء على وجه الإحاطة به على ما هو عليه. (وحياة) وهي صفة تقتضي صحة العلم لموصوفها، (وإرادة) وهي صفة تخصص أحد طرفي الشيء من الفعل والترك بالوقوع. (أو) ما دل عليها (تنزيهه) تعالى (عن النقص من سمع وبصر) وهما صفتان أزليتان قائمتان بذاته تعالى زائدتان على العلم ليستا كسمع الخلق وبصرهم، (وكلام) وهو صفة يعبر عنها بالنظم المعروف المسمى بكلام الله أيضا، ويسميان بالقرآن أيضا. (وبقاء) وهو استمرار الوجود أما صفات الأفعال كالخلق والرزق والإحياء والإماتة، فليست أزلية خلافا لمتأخري الحنفية، بل هي حادثة لأنها إضافات تعرض للقدرة وهي تعلقاتها بوجودات المقدورات لأوقات وجوداتها، ولا محذور في اتصاف الباري تعالى بالإضافات، ككونه قبل العالم ومعه وبعده وأزلية أسمائه الراجعة إلى صفات الأفعال كما مر في جملة الأسماء من حيث رجوعتها إلى القدرة لا الفعل، فالخالق مثلاً من شأنه الخلق أي هو الذي بالصفة التي بها يصح الخلق وهو القدرة كما يقال السيف في الغمد قاطع أي هو بالصفة التي بها يحصل القطع عند ملاقاته المحل، فإن أريد بالخالق من صدر منه الخلق فليس صدوره أزليا. ( وما صح في الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهر معناه وننزه الله عند سماع مشكله) كما في قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى} ، {ويبقى وجه ربك} . {يد الله فوق أيديهم} . وقوله صلى الله عليه وسلّم «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف شاء» . رواه مسلم. (ثم اختلف أئمتنا

أنؤوّل) المشكل (أم نفوّض) معناه المراد إليه تعالى. (منزّهين له) عن ظاهره، (مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله لا يقدح) في اعتقادنا المراد منه مجملاً، والتفويض مذهب السلف وهو أسلم، والتأويل مذهب الخلف وهو أعلم أي أحوج إلى مزيد علم، وكثيرا ما يقال بدل أعلم أحكم أي أكثر إحكاما أي إتقانا فيؤوّل في الآيات الاستواء بالاستيلاء والوجه بالذات واليد بالقدرة، والحديث من باب التمثيل المذكور في علم البيان نحو أراك تقدّم رجلاً وتؤخر أخرى، يقال للمتردّد في أمر تشبيها له بمن يفعل ذلك لإقدامه وإحجامه، فالمراد منه والظرف فبه خير كالجار والمجرور أن قلوب العباد كلها بالنسبة إلى قدرته تعالى شيء يسير يصرفه كيف شاء، كما يقلب الواحد من عباده اليسير بين أصبعين من أصابعه. (القرآن النفسي) أي القائم بالنفس (غير مخلوق) وهو مع ذلك أيضا (مكتوب في مصاحفنا) ، بأشكال الكتابة وصور الحروف الدالة عليه (محفوظ في صدورنا) بألفاظه المخيلة. (مقروء بألسنتنا) بحروفه الملفوظة المسموعة (على الحقيقة) لا المجاز في الأوصاف الثلاثة أي يصحّ أن يطلق على القرآن حقيقة أنه مكتوب محفوظ مقروء واتصافه بهذه الثلاثة، وبأنه غير مخلوق أي موجود أزلاً وأبدا اتصاف له باعتبار وجودات الموجود الأربعة، فإن لكلّ موجود وجودا في الخارج، ووجودا في الذهن، ووجودا في العبارة، ووجودا في الكتابة فهي تدل على العبارة وهي على ما في الذهن وهو على ما في الخارج، وخرج بالنفسي اللساني فتعبيري به أولى من تعبيره بالكلام، لأنه كالقرآن مشترك بين النفسي واللساني، فلا يخرج اللساني. (يثيب) الله تعالى عباده المكلفين (على الطاعة) فضلاً (ويعاقبـ) ـهم (إلا أن يعفو يغفر غير الشرك على المعصية) عدلاً لاخباره بذلك قال تعالى {فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوي* وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوي} . {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (وله) تعالى (إثابة العاصي وتعذيب المطيع وإيلام الدواب والأطفال) لأنهم ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء لكن لا يقع منه ذلك لإخباره بإثابة المطيع وتعذيب العاصي كما مرّ ولم يرد إيلام الأخيرين في غير قود والأصل عدمه أما في القود فقال صلى الله عليه وسلّم «لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» . رواه مسلم. وقال «يقتصّ للخلق بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء وحتى للذرّة من الذرّة» . رواه الإمام أحمد بسند صحيح، وقضية الخبرين أن لا يتوقف القود يوم القيامة على التكليف، فيقع الإيلام بالقود في الأخيرين. (ويستحيل وصفه) تعالى (بالظلم) لأنه مالك الأمور على الإطلاق يفعل ما يشاء فلا ظلم في التعذيب، والإيلام المذكورين لو فرض وقوعهما (يراه) تعالى (المؤمنون في الآخرة) قبل دخول الجنة وبعده، كما ثبت في أخبار الصحيحين الموافقة لقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} والمخصصة لقوله تعالى {لا تدركه الأبصار} أي لا تراه منها خبر أبي هريرة «أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم هل تضارّون في القمر ليلة البدر. قالوا لا يا رسول الله. قال فإنكم ترونه كذلك الخ» . وفيه أن ذلك قبل دخول الجنة، وقوله تضارُّون بتشديد الراء من الضرار وتخفيفها من الضير أي الضرر، وخبر صهيب في مسلم أنه صلى الله عليه وسلّم قال «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار، فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم» . وفي رواية ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} أي فالحسنى الجنة

والزيادة النظر إليه تعالى، بأن ينكشف لنا انكشافا تاما بأن يرى بنور الأعين زائدا على نور العلم، أو بأن يخلق لنا علما به عند توجه الحاسة له عادة منزها عن المقابلة والجهة والمكان، أما الكفار فلا يرونه لقوله تعالى {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} الموافق لقوله {لا تدرحه الأبصار} (والمختار جواز رؤيته) تعالى (في الدنيا) في اليقظة بالعين، وفي المنام بالقلب أما في اليقظة، فلأن موسى عليه الصلاة والسلام طلبها بقوله {رب أرني أنظر إليك} وهو لا يجهل ما يجوز ويمتنع على ربه تعالى، وقيل لا يجوز لأن قومه طلبوها فعوقبوا قال تعالى {فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم} قلنا عقابهم لعنادهم وتعنتهم في طلبها لا لامتناعها، وأما في المنام فنقل القاضي عياض الاتفاق عليه، وقيل لا يجوز إذ المرئي فيه خيال ومثال وذلك على القديم محال. قلنا لا استحالة لذلك في المنام والترجيح من زيادتي، وأما وقوع الرؤية فيها فالجمهور على عدمه في اليقظة لقوله تعالى {لا تدركه الأبصار} وقوله لموسى {لن تراني} أي في الدنيا بقرينة السياق، وقوله صلى الله عليه وسلّم «لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت» . رواه مسلم، نعم الصحيح وقوعها للنبي صلى الله عليه وسلّم ليلة المعراج، وإليه استند القائل بوقوعها لغيره، وأما وقوعها في المنام فهو المختار، فقد ذكر وقوعها فيه لكثير من السلف منهم الإمام أحمد، وعليه المعبرون للرؤيا، وقيل لا لما مرّ في المنع من جوازها. (السعيد من كتب الله) أي علم (في الأزل موته مؤمنا والشقيّ عكسه) أي من كتب الله في الأزل موته كافرا وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به لاشتماله على الدور ظاهرا. (ثم لا يتبدّلان) أي المكتوبان في الأزل، بخلاف المكتوب في غيره كاللوح المحفوظ قال تعالى {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب} أي أصله الذي لا يغير منه شيء كما قاله ابن عباس وغيره، وإطلاق بعضهم أنهما يتبدّلان محمول على هذا التفصيل. (وأبو بكر) رضي الله عنه (ما زال بعين الرضا منه) تعالى، وإن لم يتصف بالإيمان قبل تصديقه النبي صلى الله عليه وسلّم، إذ لم يثبت عنه حالة كفر كما ثبت عن غيره ممن آمن. (والمختار أن الرضا والمحبة) من الله (غير المشيئة والإرادة) منه، إذ معنى الأوّلين المترادفين أخص من معنى الثانيين المترادفين، إذ الرضا الإرادة بلا اعتراض والأخص غير الأعم بدليل قوله تعالى {ولا يرضى لعباده الكفر} مع وقوعه من بعضهم بمشيئته لقوله {ولو شاء ربك ما فعلوه} وقالت المعتزلة وقوم من الأشاعرة منهم الشيخ أبو إسحاق الرضا والمحبة نفس المشيئة والإرادة وأجابوا عن قوله (ولا يرضى لعباده الكفر) بأنه لا يرضاه دينا وشرعا بل يعاقب عليه وبأن المراد من وفق للإيمان، ولهذا شرفهم بإضافتهم إليه في قوله {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} وقوله {عينا يشرب بها عباد الله} وذكر الخلاف من زيادتي، (هو الرزاق) كما قال تعالى {إن الله هو الرزاق} بمعنى الرازق أي فلا رازق غيره. وقالت المعتزلة من حصل له الرزق بتعب فهو الرازق نفسه أو بغير تعب فالله هو الرازق له. (والرزق) بمعنى المرزوق عندنا. (ما ينتفع به) في التغذي وغيره. (ولو) كان (حراما) ، وقالت المعتزلة لا يكون إلا حلالاً لاستناده إلى الله في الجملة والمسند إليه لانتفاع عباده يقبح أن يكون حراما يعاقبون عليه قلنا لا يقبح بالنسبة إليه تعالى، فإن له أن يفعل ما يشاء وعقابهم على الحرام لسوء مباشرتهم أسبابه ويلزم المعتزلة أن المتعذي بالحرام فقط طول عمره لم يرزقه الله وهو مخالف لقوله تعالى {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ، لأنه تعالى لا يترك

ما أخبر بأنه عليه. (بيده) تعالى (الهداية والإضلال) وهما (خلق الاهتداء) ، وهو الإيمان (و) خلق (الضلال) وهو الكفر قال تعالى {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء} . {من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} وزعمت المعتزلة أنهما بيد العبد يهدي نفسه ويضلها بناء على قولهم إنه يخلق أفعاله. ( والمختار أن اللطف خلق قدرة الطاعة) أي قدرة العبد على الطاعة، وقال الأصل إنه ما يقع عنده صلاح العبد آخرة أي في آخر عمره. (و) أن (التوفيق كذلك) أي خلق قدرة الطاعة وقيل خلق الطاعة. (والخذلان ضده) وهو خلق قدرة المعصية وقيل خلق المعصية. (والختم والطبع والأكنة والأقفال) الواردة في القرآن نحو {ختم الله على قلوبهم} . {طبع الله عليها بكفرهم} {جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه} . {أم على قلوب أقفالها} عبارات عن معنى واحد وهو (خلق الضلالة في القلب) كالإضلال، وأوّل المعتزلة هذه الألفاظ بما لا يلائم الآيات المشتملة عليها كما بين في المطولات، وذكر الاقفال من زيادتي. (والماهيات) الممكنات أي حقائقها (مجعولة) مطلقا (في الأصح) أي كل ماهية بجعل الجاعل، وقيل لا مطلقا بل كل ماهية متقررة بذاتها، وقيل مجعولة إن كانت مركبة بخلاف البسيطة. (والخلف لفظي) من زيادتي، لأن الأول أراد جعلها متصفة بالوجود لا جعلها ذوات، والثاني أراد أنها في حدّ ذاتها لا يتعلق بها جعل جاعل وتأثير مؤثر، والثالث أراد بالجعل التأليف والمركبة مؤلفة بخلاف البسيطة. (أرسل) الرب (تعالى رسله) مؤيدين منه (بالمعجزات) الباهرات (وخصّ محمدا صلى الله عليه وسلّم) منهم (بأنه خاتم النبيين) كما قال تعالى {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} (المبعوث إلى الخلق كافة) ، كما في خبر مسلم «وأرسلت إلى الخلق كافة» ، وفسر بالإنس والجنّ كما فسر بهما من بلغ في قوله تعالى {وأوحى إليّ هذا القرآن لأنذركم به} ومن بلغ أي بلغه القرآن والعالمين في قوله {نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} ، وصرح الحليمي والبيهقي بأنه صلى الله عليه وسلّم لم يرسل إلى الملائكة، وفي تفسيري الإمام الرازي والنسفي حكاية الإجماع على ذلك، لكن نقل بعضهم عن تفسير الرازي أنه أرسل إليهم أيضا، وكأنه أخذه من بعض نسخه فإن نسخه مختلفة. (المفضل عليهم) أي على الخلق كافة من الأنبياء والملائكة وغيرهم فلا يشركة غيره من الأنبياء فيما ذكر. (ثم) يفضل بعده (الأنبياء ثم خواص الملائكة) عليهم الصلاة والسلام، فخواص الملائكة أفضل من البشر غير الأنبياء، وقولي خواص من زيادتي. (والمعجزة) المؤيد بها الرسل، (أمر خارق للعادة) بأن يظهر على خلافها كإحياء ميت وإعدام جيل وانفجار المياه من بين الأصابع، (مقرون بالتحدّي) منهم أي بطلبهم الاتيان بمثل ما أتوا به ولو بالإشارة كدعواهم الرسالة، (مع عدم المعارضة) من المرسل إليهم بأن لا يظهر منهم مثل ذلك الخارق فخرج غير الخارق كطلوع الشمس كل يوم والخارق بلا تحدّ والخارق المتقدّم على التحدّي والمتأخر عنه بما يخرجه عن المقارنة العرفية والسحر والشعبذة، فلا شيء منها بمعجزة كما أوضحته مع زيادة في الحاشية. (والإيمان تصديق القلب) بما علم مجيء الرسول به من عند الله ضرورة أي الإذعان والقبول له والتكليف بذلك مع أنه من الكيفيات النفسانية دون الأفعال الاختيارية بالتكليف بأسبابه كإلقاء الذهن وصرف النظر وتوجيه الحواس. (ويعتبر فيه) أي في التصديق المذكور أي في الخروج به عندنا عن عهدة التكليف بالإيمان، (تلفظ القادر) على الشهادتين (بالشهادتين) ، لأنه علامة لنا على التصديق الخفي عنا حتى يكون المنافق مؤمنا عندنا كافرا عند الله تعالى. قال الله تعالى {إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} حالة كون التلفظ بذلك (شرطا) للإيمان كما عليه جمهور المحققين يعني أنه شرط لإجراء أحكام المؤمنين في الدنيا من توارث ومناكحة

وغيرهما. (لا شطرا) منه كما قيل به فمن صدّق بقلبه ولم يتلفظ بالشهادتين مع تمكنه من التلفظ بهما ومع عدم مطالبته به كان مؤمنا عند الله على الأول دون الثاني، كما ذكره السعد التفتازاني في شرح المقاصد، وهو ظاهر كلام الغزالي تبعا لظاهر كلام شيخه إمام الحرمين، وما نقل عن الجمهور من أنه كافر عند الله كما هو كافر عندنا مفرع على الثاني، وترجيح الشرطية من زيادتي. (والإسلام) هو (التلفظ بذلك) وجرى الأصل على أنه أعمال الجوارح من الطاعات كالتلفظ بذلك والصلاة والزكاة أخذا بظاهر الخبر الآتي المحمول فيه الإسلام عند المحققين على أحكامه المشروعة أو على الإسلام الكامل. (ويعتبر فيه) أي في الإسلام أي في الخروج به عن عهدة التكليف به. (الإيمان) أي التصديق المذكور ولم يحك أحد خلافا في أن الإيمان شرط في الإسلام أو شطر، (والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ، كذا في خبر الصحيحين المشتمل على بيان الإيمان، بأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره وبيان الإسلام بالمعنى السابق بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. (والفسق) بأن يرتكب الكبيرة (لا يزيل الإيمان) خلافا للمعتزلة في زعمهم أنه يزيله بمعنى أنه واسطة بين الإيمان والكفر لزعمهم أن الأعمال جزء من الإيمان لقوله تعالى {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} إلى قوله {حقا} ولخبر «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» . وأجيب جمعا بين الأدلة بأن المراد بالإيمان في الآية كماله وبالخبر التغليظ والمبالغة في الوعيد وبأنه معارض بخبر «وإن زنى وإن سرق» . (والميت مؤمنا فاسقا) بأن لم يتب (تحت المشيئة) إما (يعاقب) بإدخاله النار لفسقه (ثم يدخل الجنة) لموته مؤمنا (أو يسامح) بأن لا يدخل النار بفضله فقط أو بفضله مع الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلّم أو ممن يشاؤه الله وزعمت المعتزلة أنه يخلد في النار ولا يجوز العفو عنه ولا الشفاعة فيه لقوله تعالى {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} . قلنا هذا مخصوص بالكفار جمعا بين الأدلة. (وأول شافع وأولاه) يوم القيامة (نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم) ، قال صلى الله عليه وسلّم «أنا أول شافع وأول مشفع» رواه الشيخان، ولأنه أكرم عند الله من جميع العالمين، وله شفاعات أعظمها في تعجيل الحساب والإراحة من طول الوقوف وهي مختصة به الثانية في إدخال قوم الجنة بغير حساب قال النووي وهي مختصة به وتردّد بعضهم في ذلك، الثالثة فيمن استحق النار، كما مر. الرابعة في إخراج من أدخل النار من الموحدين ويشاركه فيهما الأنبياء والملائكة والمؤمنون. الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها، وجوز النووي اختصاصها به والكلام في العامة يوم القيامة، فلا يرد نحو الشفاعة في تخفيف عذاب القبر ولا الشفاعة في تخفيف العذاب عن أبي طالب. (ولا يموت أحد إلا بأجله) وهو الوقت الذي كتب الله في الأزل انتهاء حياته فيه بقتل أو غيره وذلك بأن الله قد حكم بآجال العباد بلا تردّد، وبأنه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وزعم كثير من المعتزلة أن القاتل قطع بقتله أجل المقتول، وأنه لو لم يقتله لعاش أكثر من ذلك لخبر «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ أي يزاد له «في أثره فليصل رحمه» . قلنا لا نسلم أن الأثر هو الأجل ولو سلم، فالخبر ظني لأنه من الآحاد وهو لا يعارض القطعي، وأيضا الزيادة فيه مؤولة بالبركة في الأوقات بأن يصرف في الطاعات. (والروح) وهي النفس (باقية بعد موت البدن) منعمة أو معذبة. (والأصح أنها لا تفنى أبدا) ، لأن الأصل في بقائها بعد الموت استمراره وقيل تفنى عند النفخة الأولى كغيرها. (كعجب الذنب) بفتح العين وسكون الجيم وموحدة على الأشهر، وهو في أسفل الصلب يشبه في المحل محل أصل الذنب من ذوات الأربع، فلا يفنى في الأصح لخبر الصحيحين «ليس شيء من الإنسان إلا يبلى إلا عظما واحدا

وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة» . وفي رواية لمسلم «كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب» وقيل يفنى كغيره. وصححه المزني وتأول الخبر المذكور بأنه لا يبلى بالتراب بل بلا تراب كما يميت الله ملك الموت بلا ملك الموت والترجيح من زيادتي، (وحقيقتها) ؛ أي الروح (لم يتكلم عليها نبينا) محمد صلى الله عليه وسلّم. وقد سئل عنها لعدم نزول الأمر ببيانها قال تعالى {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} (فنمسك) نحن (عنها) ، ولا يعبر عنها بأكثر من موجود كما قال الجنيد وغيره والخائضون فيها اختلفوا فقال جمهور المتكلمين، ونقله النووي في شرح مسلم عن تصحيح أصحابنا إنها جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر. وقال كثير منهم إنها عرض وهي الحياة التي صار البدن بوجودها حيا. وقال الفلاسفة وكثير من الصوفية إنها ليست بجسم ولا عرض بل جوهر مجرد قائم بنفسه غير متحيز متعلق بالبدن للتدبير والتحريك غير داخل فيه ولا خارج عنه، واحتج للأول بوصفها في الأخبار بالهبوط والعروج والتردُّد في البرزخ. ( وكرامات الأولياء) وهم العارفون بالله تعالى المواظبون على الطاعات المجتنبون للمعاصي المعرضون عن الانهماك في اللذات والشهوات (حق) أي جائزة وواقعة له ولو باختيارهم وطلبهم كجريان النيل بكتاب عمر، ورؤيته وهو على المنبر بالمدينة جيشه بنهاوند حتى قال لأمير الجيش يا سارية الجبل الجبل محذرا له من وراء الجبل لمكر العدوّ ثم، وسماع سارية كلامه مع بعد المسافة وكالمشي على الماء وفي الهواء وغير ذلك مما وقع للصحابة وغيرهم، (ولا تختص) الكرامات (بغير نحو ولد بلا والد) مما شمله قولهم ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي. (خلافا للقشيري) وإن تبعه الأصل وغيره، فالجمهور على خلافه، وأنكروا على قائله حتى ولده أبو النصر في كتابه المرشد، بل قال النووي إنه غلط من قائله وإنكار للحس، بل الصواب جريانها بقلب الأعيان ونحوه، وقد بسطت الكلام على ذلك في الحاشية، وقيل تختص بغير الخوارق كإجابة دعاء وموافاة ماء بمحل لا تتوقع فيه المياه، (ولا نكفر أحدا من أهل القبلة) ببدعته كمنكري صفات الله وخلقه أفعال عباده وجواز رؤيته يوم القيامة، (على المختار) وكفرهم بعض، وردّ بأن إنكار الصفة ليس إنكارا للموصوف أما من خرج ببدعته عن أهل القبلة كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر للأجسام والعلم بالجزئيات، فلا نزاع في كفرهم لإنكارهم بعض ما علم مجيء الرسول به ضرورة وذكر الخلاف من زيادتي. (ونرى) أي نعتقد (أن عذاب القبر) وهو للكافر والفاسق المراد تعذيبه بأن يردّ الروح إلى الجسد أو ما بقي منه حق لخبري الصحيحين «عذاب القبر حق» ، وأنه صلى الله عليه وسلّم مرّ على قبرين فقال «إنهما ليعذبان» . (و) أن (سؤال الملكين) منكر ونكير للمقبور بعد ردّ روحه إليه عن ربه ودينه ونبيه، فيجيبهما بما يوافق ما مات عليه من إيمان أو كفر حق لخبر الصحيحين «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا النبي محمد؟ فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله، وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري الخ. وفي رواية لأبي داود وغيره فيقولان له من ربك وما دينك وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول المؤمن ربي الله وديني الإسلام والرجل المبعوث رسول الله، ويقول الكافر في الثلاث لا أدري. وفي رواية البيهقي فيأتيه منكر ونكير. (و) أن (المعاد الجسماني) حق قال تعالى (وهو الذي يبدأ الخلق

ثم يعيده) ، {كما بدأنا أول خلق نعيده} وأنكرت الفلاسفة إعادة الأجسام قالوا وإنما تعاد الأرواح بمعنى أنها بعد موت البدن تعاد إلى ما كانت عليه من التجرّد متلذذة بالكمال أو متألمة بالنقصان. (وهو) أي المعاد الجسماني (إيجاد) لأجزاء الجسم الأصلية ولعوارضه (بعد فناء) لها (أو جمع بعد تفرّق) لها مع إعادة الأرواح إليها فهما قولان. (والحق التوقف) إذ لم يدل قاطع سمعي على تعين أحدهما، وإن كان كلام الأصل يميل إلى تصحيح الأول، وصرّح به شارحه الجلال المحلي، وقد بسطت الكلام على ذلك في الحاشية. (و) أن (الحشر) للخلق بأن يجمعهم الله للعرض والحساب بعد إحيائهم المسبوق بفنائهم حق ففي الصحيحين أخبار «يحشر الناس حفاة مشاة عراة غرلاً» أي غير مختتنين. (و) أن (الصراط) وهو جسر ممدود على ظهر جهنم أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف يمرّ عليه جيع الخلائق فيجوزه أهل الجنة وتزلّ به أقدام أهل النار حق ففي الصحيحين أخبار «يضرب الصراط بين ظهري جهنم ومرور المؤمنين عليه متفاوتين وأنه مزلة» . أي تزلّ به أقدام أهل النار فيها. (و) أن (الميزان) وهو جسم محسوس ذو لسان وكفتين يعرف به مقادير الأعمال بأن توزن به صحفها أو هي بعد تجسمها. (حق) لخبر البيهقي «يؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان الخ» . (والجنة والنار مخلوقتان الآن) . يعني قبل يوم الجزاء للنصوص الواردة في ذلك نحو (أعدّت للمتقين) (أعدت للكافرين) وقصة آدم وحوّاء في إسكانهما الجنة وإخراجهما منها، وزعم أكثر المعتزلة أنهما يخلقان يوم الجزاء لقوله تعالى {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادا} قلنا نجعلها بمعنى نعطيها لا بمعنى تخلقها مع أنه يحتمل الحال والاستمرار. (ويجب على الناس نصب إمام) يقوم بمصالحهم كسدّ الثغور وتجهيز الجيوش وقهر المتغلبة والمتلصصة لإجماع الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم على نصبه حتى جعلوه أهم الواجبات، وقدّموه على دفنه صلى الله عليه وسلّم ولم يزل الناس في كل عصر على ذلك. (ولو) كان من ينصب (مفضولاً) ، فإن نصبه يكفي في الخروج عن عهدة النصب، وقيل لا بل يتعين نصب الفاضل وزعمت الخوارج أنه لا يجب نصب إمام وبعضهم وجوبه عند ظهور الفتن دون وقت الأمن وبعضهم عكسه والإمامية وجوبه على الله تعالى. (ولا نجوّز) نحن أيها الأشاعرة. (الخروج عليه) أي على الإمام وجوّزت المعتزلة الخروج على الجائر لانعزاله بالجور عندهم. (ولا يجب على الله) تعالى (شيء) لأنه خالق الخلق، فكيف يجب لهم عليه شيء، ولأنه لو وجب عليه شيء لكان لموجب ولا موجب غير الله، ولا يجوز أن يكون بإيجابه على نفسه لأنه غير معقول وأما نحو {كتب ربكم على نفسه الرحمة} فليس من باب الإيجاب والإلزام بل من باب التفضل والإحسان. وقالت المعتزلة يجب عليه أشياء منها الجزاء على الطاعة والعقاب على المعصية ومنها اللطف بأن يفعل في عباده ما يقرّبهم إلى الطاعة ويبعدهم عن المعصية بحيث لا ينتهون إلى حدّ الإلجاء، ومنها الأصلح لهم في الدنيا من حيث الحكمة والتدبير. ( ونرى) أن نعتقد (أن خير البشر بعد الأنبياء صلى الله عليهم وسلم أبو بكر) خليفة نبينا (فعمر فعثمان فعليّ) أمراء المؤمنين (رضي الله عنهم) لإطباق السلف على خيرتهم عند الله بهذا الترتيب، وقالت الشيعة، وكثير من المعتزلة الأفضل بعد الأنبياء عليّ، وذكر خيرية الأربعة على أمم غير نبينا من زيادتي. (و) نرى (براءة عائشة) رضي الله عنها من كل ما قذفت به لنزول القرآن ببراءتها قال تعالى {إن الذين جاءوا بالإفك}

الآيات. (ونمسك عما جرى بين الصحابة) من المنازعات والمحاربات التي قتل بسببها كثير منهم، فتلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا، ولأنه صلى الله عليه وسلّم مدحهم وحذر عن التكلم فيما جرى بينهم فقال «إياكم وما شجر بين أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» . (ونراهم مأجورين) في ذلك، لأنه مبني على الاجتهاد في مسألة ظنية للمصيب فيها أجران على اجتهاده وإصابته وللمخطىء أجر على اجتهاده كما في خبر الصحيحين «إن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» . (و) نرى (أن أئمة المذاهب) الأربعة (وسائر أئمة المسلمين) أي باقيهم (كالسفيانين) الثوري وابن عيينة والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وداود الظاهري. (على هدى من ربهم) ، في العقائد وغيرها ولا التفات لمن تكلم فيهم بما هو بريئون منه. (و) نرى (أن) أبا الحسن (الأشعري) وهو من ذرّية أب موسى الأشعري الصحابي (إمام في السة) أي الطريقة المعتقدة (مقدّم) فيها على غيره ولا النفات لمن تكلم فيه بما هو برءي منه. (و) نرى (أن طريق) الشيخ أبي القاسم (الجنيد) سيد الصوفية علما وعملاً (طريق مقوّم) أي مسدّد لأنه خال من البدع دائر على التسليم والتفويض والتبرّي من النفس، ومن كلامه الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه لا على المقتفين، آثار رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكان يتستر بالفقه، ويفتي على مذهب شيخه أبي ثور ولا التفات لمن رماه وأتباعه بالزندقة عند الخليفة السلطان أبي الفضل جعفر المقتدر. (ومما لا يضرّ جهله) في العقيدة بخلاف ما قبله في الجملة، (وتنفع معرفته) فيها ما يذكر إلى الخاتمة، وهو (الأصح أن وجود الشيء) في الخارج واجبا كان أو ممكنا. (عينه) أي ليس زائدا عليه وقيل غيره أي زائدا عليه بأن يقوم به من حيث هو أي من غير اعتبار الوجود والعدم وإن لم يخل عنهما وقيل عينه في الواجب وغيره في الممكن، وعلى الأصح. (فالمعدوم) الممكن الوجود (ليس) في الخارج (بشيء ولا ذات ولا ثابت) أي لا حقيقة له في الخارج، وإنما يتحقق بوجوده فيه (و) الأصح (أنه) أي المعدوم المذكور (كذلك) أي ليس في الخارج بشيء ولا ذات ولا ثابت (على المرجوح) . وقالت طائفة من المعتزلة إنه شيء أي حقيقة متقرّرة. (و) الأصح (أن الاسم) هو (المسمى) ، وقيل غيره كما هو المتبادر فلفظ النار مثلاً غيرها، والمراد بالأول المنقول عن الأشعري في اسم الله وعن غيره مطلقا أن الاسم المدلول والمسمى في الجامد الذات من حيث هي، وفي المشتق عند الأشعري الذات باعتبار الصفة وعند غيره هما معا، فالإسلام في الجامد عند الأشعري وغيره هو المسمى، فلا يفهم من اسم الله مثلاً سواه، وفي المشتق عنده غيره إن كان صفة فعل كالخالق ولا عينه ولا غيره إن كان صفة ذات كالعالم وعند غيره هو المسمى كما في الجامد، ولا يخفى أن الخلاف فيما ذكر لفظي. (و) الأصح (أن أسماء الله توقيفية)

أي لا يطلق عليه اسم إلا بتوقيف من المشرّع. وقالت المعتزلة ومن وافقهم يجوز أن يطلق عليه الأسماء الائق معناها به، وإن لم يرد بها الشرع. (و) الأصح (أن للمرء أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله) وإن اشتمل على التعليق خوفا من سوء الخاتمة المجهولة وهو الموت على الكفر والعياذ بالله تعالى، ودفعا لتزكية النفس أو تبركا بذكر الله تعالى، أو تأدّبا وإحالة للأمور على مشيئة الله تعالى، فهو أعم من قوله يقول أنا مؤمن إن شاء الله خوفا من سوء الخاتمة. (لا شكا في الحال) في الإيمان، فإنه في الحال متحقق له جازم باستمراره عليه إلى الخاتمة التي يرجو حسنها ومنع أبو حنيفة وغيره أن يقول ذلك لإيهامه الشك المذكور، ويردّ بأن إيهام الشك لا يقتضي منع ذلك وإنما يقتضي أنه خلاف الأولى وهو كذلك، إذ الأولى الجزم كما جزم به السعد التفتازاني كغايره أما إذا قاله شكا في إيمانه فهو كافر. (و) الأصح (أن تمتيع الكافر) أي تمتيع الله له بمتاع الدنيا. (استدراج) من الله له حيث يمتعه مع علمه بإصراره على الكفر إلى الموت فهو نقمة عليه يزداد بها عذابه كالعسل المسموم. وقالت المعتزلة إنه نعمة يترتب عليها الشكر وتعبيري بتمتيع أولى من تعبيره بملاذ لسلامته من التجوز في إطلاق الاستدراج على الملاذ لأنه معنى وهي أعيان، (و) الأصح (أن المشار إليه بأنا الهيكل المخصوص) المشتمل على النفس، لأن كل عاقل إذا قيل له ما الإنسان يشير إلى هذه البنية المخصوصة، ولأن الخطاب متوجه إليها. وقال أكثر المعتزلة وغيرهم هو النفس لأنها المدبرة، وقيل مجموع الهيكل والنفس كما أن الكلام اسم لمجموع اللفظ والمعنى، (و) الأصح (أن الجوهر الفرد وهو الجزء الذي لا يتجزأ ثابت) في الخارج، وإن لم ير عادة إلا بانضمامه إلى غيره ونفاه الحكماء (و) الأصح (أنه لا حال أي لا واسطة بين الموجود والمعدوم) ، وقيل إنها ثابتة كالعالمية واللونية للسواد مثلاً، وعلى الأول ذلك ونحوه من المعدوم، لأنه أمر اعتباري والقائل بالثاني عرفها بأنها صفة لموجود لا توصف بوجود ولا عدم، أي أنها غير موجودة في الأعيان ولا معدومة في الأذهان. (و) الأصح (أن النسب والإضافات أمور اعتبارية) يعتبرها العقل لا وجود لها في الخارج كما هو عند أكثر المتكلمين قالوا إلا الأين فموجود وسموه كونا وجعلوا أنواعه أربعة الحركة والسكون والاجتماع والافتراق، وقال أقلهم والحكماء الأعراض النسبية موجودة في الخارج وهي سبعة الأين وهو حصول الجسم في المكان والمتى وهو حصول الجسم في الزمان، والوضع وهو هيئة تعرض للجسم باعتبار نسبة أجزائه بعضها إلى بعض ونسبتها إلى الأمور الخارجة عنه كالقيام والانتكاس والملك وهو هيئة تعرض للجسم باعتبار ما يحيط به، وينتقل بانتقاله كالتقمص والتعمم، وأن انفعل وهو تأثير الشيء في غيره ما دام يؤثر، وأن ينفعل وهو تأثر الشيء عن غيره ما دام يتأثر كحال المسخن ما دام يسخن والمتسخن ما دام يتسخن، والإضافة وهي نسبة تعرض للشيء بالقياس إلى نسبة أخرى كالأبوة والبنوة وهذه السبعة من جملة المقولات العشرة والثلاثة الباقية الجوهر والكم والكيف وهي معروفة في الكتب الكلامية، وبما تقرر علم أن قولي كغيري والإضافات من عطف الخاص على العام، وإنما لم أعبر عنها بالنسب لأن فيها كلاما مر. وأحيل على ذكرها هنا. (و) الأصح (أن العرض لا يقوم بعرض)

وإنما يقوم بالجوهر الفرد أو المركب. أي الجسم كما مر وجوز الحكماء قيامه بالعرض، إلا أنه بالآخرة تنتهي سلسلة الأعراض إلى جوهر أي جوزوا اختصاص العرض بالعرض اختصاص النعت بالمنعوت كالسرعة والبطء للحركة، وعلى الأول هما عارضان للجسم وليسا بعرضين زائدين على الحركة، لأنها أمر ممتد يتخلله سكنات أقل أو أكثر باعتبارها تسمى الحركة سريعة وبطيئة. (و) الأصح أن العرض (لا يبقى زمانين) بل ينقضي ويتجدّد مثله بإرادته تعالى في الزمان الثاني، وهكذا على التوالي حتى يتوهم من حيث المشاهدة أنه مستمر باق. وقال الحكماء إنه يبقى إلا الحركة والزمان والأصوات. (و) الأصح أن العرض (لا يحل محلين) وإلا لأمكن حلول الجسم الواحد في مكانين في حالة واحدة وهو محال، وقال قدماء الفلاسفة القرب ونحوه مما يتعلق بطرفين يحل محلين، وعلى الأول قرب أحد الطرفين مخالف لقرب الآخر بالشخص وإن تشاركا في الحقيقة. (و) الأصح (أن) العرضين (المثلين) بأن يكونا من نوع (لا يجتمعان) في محل واحد إذ لو قبلهما المحل لقبل الضدين، إذ القابل لشيء لا يخلو عنه أو عن مثله أو عن ضده واللازم باطل وجوزت المعتزلة اجتماعهما محتجين بأن الجسم المغموس في الصبغ ليسودّ يعرض له سواد، ثم آخر فآخر إلى أن يبلغ غاية السواد بالمكث. قلنا عروض السواد آت له ليس على وجه الاجتماع بل على وجه البدل فيزول الأول ويخلفه الثاني، وهكذا بناء على أن العرض لا يبقى زمانين كما مر، (كالضدين) . فإنهما لا يجتمعان كالسواد والبياض لا كالبياض والخضرة لأنهما ليسا في غاية الخلاف (بخلاف الخلافين) ، وهما أعم من الضدين فإنهما يجتمعان كالسواد والحلاوة، وفي كل من الأقسام يجوز ارتفاع الشيئين نعم يمتنع في ضدّين لا ثالث لهما. (والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان) كالقيام وعدمه، ودليل الحصر فيما ذكر أن المعلومين إن أمكن اجتماعهما فالخلافان والافان لم يمكن ارتفاعهما فالنقيضان أو الضدان اللذان لا ثالث لهما، وإلا فإن اختلفت حقيقتهما فالضدان اللذان لهما ثالث وإلا فالمثلان، وفائدته أنه لا يخرج عن الأربعة شيء إلا ما تفرد الله به لأنه تعالى ليس ضدًّا لشيء ولا نقيضا ولا خلافا ولا مثلاً. (و) الأصح (أن أحد طرفي الممكن) وهما الوجود والعدم (ليس أولى به) من الآخر، بل هما بالنظر إلى ذاته جوهرا كان أو عرضا على السواء، وقيل العدم أولى به مطلقا لأنه أسهل وقوعا في الوجود لتحققه بانتفاء شيء من أجزاء العلة التامة للوجود المفتقر في تحققه إلى تحقق جميعها، وقيل أولى به في الأعراض السيالة كالحركة والزمان والصوت دون غيرها وقيل الوجود أولى به عند وجود العلة وانتفاء الشرط لوجود العلة وإن لم يوجد هو لانتفاء الشرط. (و) الأصح (أن) الممكن (الباقي محتاج) في بقائه، (إلى مؤثر) ، كما يحتاج إليه في ابتداء وجوده، وقيل لا كما لا يحتاج بقاء البناء بعد بنائه إلى فاعل. (سواء) على الأول (قلنا إن علة احتياج الأثر) أي الممكن في وجوده (إلى المؤثر) أي العلة التي لاحظها العقل في ذلك، (الإمكان) أي استواء الطرفين بالنظر إلى الذات) (أو الحدوث) أي الخروج من العدم إلى الوجود، (أو هما) على أنهما (جزآ علة أو الإمكان بشرط الحدوث) وهي (أقوال) فيحتاج الممكن في بقائه إلى مؤثر على الأول، لأن الإمكان لا ينفك عنه، وعلى جميع بقيتها، لأن شرط بقاء الجوهر العرض والعرض لا يبقى زمانين فيحتاج في كل زمان إلى المؤثر. (و) الأصح (أن المكان) الذي لا خفاء في أن الجسم ينتقل عنه، وإليه ويسكن فيه فيلاقيه بالمماسة أو النفوذ كما سيأتي معناه اصطلاحا. (بعد مفروض) أي مقدر (ينفذ فيه بعد الجسم وهو) أي هذا البعد. (الخلاء والخلاء جائز عندنا والمراد به كون الجسمين لا يتماسان ولا) يكون (بينهما ما يماسهما) ، فهذا الكون الجائز هو الخلاء الذي هو معنى

البعد المفروض الذي هو معنى المكان فيكون خاليا عن الشاغل، وقيل المكان السطح الباطن للحاوي المماس للسطح الظاهر من المحوى كالسطح الباطن للكوز المماس للسطح الظاهر من الماء الكائن فيه، وقيل هو بعد موجود ينفذ فيه بعد الجسم بحيث ينطبق عليه، وخرج بقيد النفوذ فيه بعد الجسم، والترجيح من زيادتي، وعلى ما رجحته جمهور المتكلمين والقولان بعده للحكماء أوّلهما لأرسطو وأتباعه، وعليه بعض المتكلمين، وثانيهما لشيخه أفلاطون وأتباعه، وخرج بزيادتي عند الحكماء فمنعوا الخلاء أي خلوّ المكان بمعناه عندهم عن الشاغل إلا بعض قائلي الثاني فجوزوه، واحتج مجوزه بأنه لو لم يكن في العالم خلاء، بل كان العالم كله ملأ لزم من تحرك بقة تدافع العالم بأسره وهو باطل، واحتج مانعه بأن الماء إذا صبّ في إناء مشبك أعلاه، فإن الهواء يخرج عند صبّ الماء لمزاحمة الهواء له حتى يسمع لهما صوت عند تزاحمهما، أما معنى المكان لغة، فقال ابن جني ما حاصله ما وجد فيه سكون أو حركة. (و) الأصح (أن الزمان) معناه اصطلاحا (مقارنة متجدّد موهوم لمتجدد معلوم) إزالة للإبهام من الأول بمقارنته للثاني كما في آتيك عند طلوع الشمس، وقيل هو جوهر ليس بجسم ولا جسماني.، أي داخل في الجسم فهو قائم بنفسه مجرد عن المادة، وقيل فلك معدّل النهار وهو جسم سميت دائرته أي منطقة البروج منه بمعدل النهار لتعادل الليل والنهار في جميع البقاع عند كون الشمس عليها، وقيل عرض فقيل حركة معدل النهار، وقيل مقدارها، والقول الأصح قول المتكلمين والأقوال بعده للحكماء، أما معناه لغة فالمدة من ليل أو نهار. (ويمتنع تداخل الجواهر) هو أعم من قوله تداخل الأجسام أي دخول بعضها في بعض على وجه النفوذ فيه من غير زيادة في الحجم لما فيه من مساواة الكل للجزء في العظم. (و) يمتنع (خلوّ الجوهر) مفردا كان أو مركبا (عن كل الأعراض) بأن لا يقوم به واحد منها بل يجب أن يقوم به عند وجوده شيء منها لأنه لا يوجد بدون التشخص والتشخص، إنما هو بالأعراض (والجسم غير مركب منها) لأنه يقوم بنفسه بخلافها. (وأبعاده) أي الجسم من طول وعرض وعمق (متناهية) أي لها حدود تنتهي إليها وزعم بعضهم أن لها حدودا لا نهاية لها، وتعبيري بالجسم أولى من تعبيره بالجوهر، (والمعلول يعقب علته رتبة) اتفاقا. (والأصح) ما قاله الأكثر وصححه النووي في أصل الروضة (أنه يقارنها زمانا) عقلية كانت كحركة المفتاح بحركة اليد أو وضعية بوضع الشارع أو غيره كقولك لعبدك إن دخلت الدار فأنت حرّ، وكقول النحاة الفاعلية علة للرفع، وقيل يعقبها مطلقا، واختاره الأصل تبعا لوالده، لأنه لو قال لغير موطوءة إذا طلقتك فأنت طالق، ثم قال لها أنت طالق وقعت المنجزة دون المعلقة فلو قارن المعلول علته لوقعت المعلقة أيضا، وقد يردّ بأن عدم وقوعها لتقدم المنجزة رتبة فلم يكن المحل قابلاً للطلاق، وقيل يعقبها إن كانت وضعية لا عقلية. (و) الأصح (أن اللذة) الدنيوية من حيث تعيين مسماها، وإن كانت في نفسها بديهية. (ارتياح) أي نشاط للنفس. (عند إدراك) لما يلائم الارتياح. (فالإدراك ملزومها) أي ملزم اللذة لا نفسها، وقيل هي الخلاص من الألم بأن تدفعه، وردّ بأنه قد يلتذ بشيء من غير سبق ألم بضده كمن وقف على مسألة علم أو كنز مال فجأة ومن غير خطورهما بالبال وألم الشوق إليهما، وقيل هي إدراك الملائم فإدراك الحلاوة لذة تدرك بالذائقة، وإدراك الجمال لذة تدرك بالباصرة، وإدراك حسن الصوت لذة تدرك بالسامعة. وقال الإمام الرازي هي في الحقيقة ما يحصل بإدراك المعارف العقلية. قال وما يتوهم من لذة حسية كقضاء شهوتي البطن والفرج أو خيالية كحب الاستعلاء والرياسة فهو في الحقيقة دفع آلام بلذة الأكل والشرب والجماع دفع ألم الجوع والعطش ودغدغة المنيّ لأوعيته، ولذة الاستعلاء والرياسة دفع ألم القهر والغلبة. (ويقابلها) أي اللذة (الألم) فهو

خاتمة فيما يذكر من مبادىء التصوف

على الأول انقباض عند إدراك ما لا يلائم، وعلى الثاني ما يحصل ما يؤلم، وعلى الثالث إدراك غير الملائم، وعلى الرابع ما يحصل عند عدم إدراك المعارف. (وما تصوّره العقل إما واجب أو ممتنع أو ممكن) لأن ذات المتصوّر إما أن تقتضي وجوده في الخارج أو عدمه أو لا تقتضي شيئا منهما بأن يوجد تارة، ويعدم أخرى. والأول الواجب، والثاني الممتنع، والثالث الممكن، وكل منهما لا ينقلب إلى غيره لأن مقتضى الذات لازم لها لا يعقل انفكاكه عنها. خاتمة فيما يذكر من مبادىء التصوّف وهو تجريد القلب لله واحتقار ما سواه أي بالنسبة إلى عظمته تعالى، ويقال ترك الاختيار، ويقال الجد في السلوك إلى ملك الملوك، ويقال غير ذلك كما هو مذكور في شرحي لرسالة الإمام العارف بالله تعالى أبي القاسم القشيري، وكل منها ناظر إلى مقام قائله بحسب ما غلب عليه، فرآه الركن الأعظم فاقتصر عليه كما في خبر «الحج عرفة» . ولما كان مرجح التصوّف عمل القلب والجوارح افتتحت كالأصل بأسّ العمل فقلت (أوّل الواجبات المعرفة) أي معرفة الله تعالى. (في الأصح) ، لأنها مبنى سائر الواجبات، إذ لا يصح بدونها واجب، بل ولا مندوب، وقيل أوّلهاالنظر المؤدي إلى المعرفة لأنه مقدمتها، وقيل أوّلها أول النظر لتوقف النظر على أوّل أجزائه، وقيل أولها القصد إلى النظر لتوقف النظر على قصده، والكل صحيح، ورجح الأول لأن المعرفة أول مقصود وما سواها مما ذكر أول وسيلة. (ومن عرف ربه) بما يعرف به من صفاته (تصوّر تبعيده) لعبده بإضلاله (وتقريبه) له بهدايته، (فخاف) من تبعيده عقابه (ورجا) بتقريبه ثوابه، (فأصغى) حينئذ (إلى الأمر والنهي) منه تعالى، (فارتكب) مأموره. (واجتنب) منهيه (فأحبه) حينئذ (مولاه فكان) ، مولاه (سمعه وبصره ويده واتخذه وليا إن سأله أعطاه وإن استعاذ به أعاذه) هذا مأخوذ من خبر البخاري «وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، وإن استعاذ بي لأعيذنه» . والمراد أنه تعالى يتولى محبوبه في جميع أحواله فحركاته وسكناته به تعالى، كما أن أبوي الطفل لمحبتهما له يتوليان جيع أحواله، فلا يأكل إلا بيد أحدهما ولا يمشي إلا برجله إلى غير ذلك. (وعليّ الهمة) بطلبه العلوّ الأُخروي (يرفع نفسه) بالمجاهدة (عن سفساف الأمور) أي دنيئها من الأخلاق المذمومة كالكبر والغضب والحقد والحسد وسوء الخلق وقلة الاحتمال. (إلى معاليها) من الأخلاق المحمودة كالتواضع والصبر وسلامة الباطن والزهد وحسن الخلق وكثرة الاحتمال، وهذا مأخوذ من خبر البيهقي والطبراني «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها» . (ودنيء الهمة) بأن لا يرفع نفسه بالمجاهدة عن سفساف الأمور، (لا يبالي) بما تدعوه نفسه إليه من المهلكات، (فيجهل) أمر دينه (ويمرق من الدين فدونك) أيها المخاطب بعد أن عرفت حال عليّ الهمة ودنيئها، (صلاحا) لك بعملك الصالح (أو فسادا) لك بعملك السيىء. أو سعادة) لك برضا اصلى الله عليه وسلّم عليك بإخلاصك.

(واعرض) على نفسك (التوبة) حيث ذكرت الموت وخفت مقت ربك وذكرت سعة رحمته لتتوب عما فعلت فتقبل ويعفى عنك فضلاً منه تعالى. (وهي الندم) على الذنب من حيث إنه ذنب، فالندم على شرب الخمر لإضراره بالبدن ليس بتوبة، ولا يجب استدامة الندم كل وقت، بل يكفي استصحابه حكما بأن لا يقع ما ينافيه. (وتتحقق) التوبة (بالإقلاع) عن الذنب (وعزم أن لا يعود) إليه (وتدارك ما يمكن تداركه) من حق نشأ عن الذنب كحق القذف فيتداركه بتمكين مستحقه من المقذوف أو وارثه ليستوفيه أو يبرئه منه، فإن لم يمكن تداركه كأن لم يكن مستحقه موجودا سقط هذا الشرط كما يسقط في توبة ذنب لا ينشأ عنه حق الآدمي، وكذا يسقط الإقلاع في توبة ذنب بعد الفراغ منه كشرب خمر، فالمراد بتحقق التوبة بهذه الشروط أنها لا تخرج فيما تتحقق به عنها لا أنه لا بد منها في كل توبة. (والأصح صحتها) أي التوبة (عن ذنب ولو نقضت) بأن عاود التائب ذنبا تاب منه فهذه المعاودة لا تبطل التوبة السابقة، بل هي ذنب آخر يوجب التوبة، وقيل لا تصح التوبة السابقة (أو) كانت التوبة (مع الإصرار على) ذنب (كبير) ، وقيل لا تصح (و) الأصح (وجوبها عن) ذنب (صغير) ، وقيل لا تجب لتكفيره باجتناب الكبائر، قال تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} . (وإن شككت في الخاطر أمأمور) به (أم منهي) عنه (فأمسك) عنه حذرا من الوقوع في المنهى عنه. (ففي متوضىء يشك) في (أن ما يغسله) غسلة (ثالثة) فتكون مأمورا بها. (أو رابعة) فتكون منهيا عنها. (قيل) أي قال الشيخ أبو محمد الجويني. (لا يغسل) خوف الوقوع في المنهي عنه، والأصح أنه يغسل لأن التثليث مأمور به ولم يتحقق قبل هذه الغسلة ويأتى بها. (وكل واقع) في الوجود ومنه الخاطر وفعله وتركه كائن. (بقدرة الله وإرادته فهو) تعالى (خالق كسب العبد) أي فعله الذي هو كاسبه لا خالقه بأن (قدّر) الله (له قدرة) هي استطاعته (تصلح للكسب لا للإيجاد) ، بخلاف قدرة الله فإنها للإيجاد لا للكسب، (فالله) تعالى (خالق لا مكتسب والعبد بعكسه) أي مكتسب لا خالق فيثاب ويعاقب على مكتسبه الذي يخلقه الله عقب قصده له، وهذا أي كون فعل العبد مكتسبا له مخلوقا لله توسط بين قول المعتزلة إن العبد خالق لفعله لأنه يثاب ويعاقب عليه، وقول الجبرية إنه لا فعل للعبد أصلاً، وهو آلة محضة كالسكين بيد القاطع، وقد يقع في كلام بعض العارفين ما يوهم الخبر من نفيهم الاختيار، والفعل عن أنفسهم، ومرادهم عدم الملاحظة لذلك لاستغراقهم في النظر إلى ما منه تعالى لا إلى ما منهم. (والأصح أن قدرته) أي العبد وهي صفة يخلقها الله عقب قصد الفعل بعد سلامة الأسباب والآلات. (مع الفعل) ، لأنها عرض فلا تتقدم عليه وإلا لزم وقوعه بلا قدرة لامتناع بقاء الأعراض، وقيل قبله لأن التكليف قبله فلو لم تكن القدرة قبله لزم تكليف العاجز، وردّ بأن صحة التكليف تعتمد القدرة بمعنى سلامة الأسباب والآلات لا بالمعنى السابق، وهذا من زيادتي. وإذا كان العبد مكتسبا لا خالقا لكون قدرته للكسب لا للإيجاد وكانت قدرته مع الفعل، (فـ) ـنقول (هي) أي القدرة من العبد. (لا تصلح للضدين) أي التعلق بهما، وإنما تصلح للتعلق بأحدهما وهو ما يقصده العبد، إذ لو صلحت للتعلق بهما لزم اجتماعهما لوجوب مقارنتهما للقدرة المتعلقة، بل قالوا إن القدرة الواحدة لا تتعلق بمقدورين مطلقا سواء أكانا متضادين أم متماثلين

أم مختلفين لا معا ولا على البدل، والقول بأنها تصلح للتعلق بالضدين على البدل فتتعلق بهذا بدلاً عن تعلقها بالآخر، وبالعكس إنما يستقيم تفريعه على أنها قبل الفعل لا معه الذي الكلام فيه، أما على القول بأن العبد خالق لفعله فقدرته كقدرة الله تعالى، فتوجد قبل الفعل وتصلح للتعلق بالضدين على البدل لا على الجمع لأن القدرة إنما تتعلق بالممكن واجتماع الضدين ممتنع. (و) الأصح (أن العجز) من العبد (صفة وجودية تقابل القدرة تقابل الضدين) . وقيل هو عدم القدرة عما من شأنه القدرة فالتقابل بينهما تقابل العدم والملكة كما أن الأمر كذلك على القول، بأن العبد خالق لفعله، فعلى الأول في الزمن معنى لا يوجد في الممنوع من الفعل مع اشتراكهما في عدم التمكن من الفعل، وعلى الثاني لا بل الزمن ليس بقادر والممنوع قادر أي من شأنه القدرة بطريق جري العادة. (و) الأصح (أن التفضيل بين التوكل والاكتساب يختلف باختلاف الناس) فمن يكون في توكله لا يتسخط عند ضيق الرزق عليه، ولا يتطلع لسؤال أحد من الخلق، فالتوكل في حقه أفضل لما فيه من الصبر والمجاهدة للنفس، ومن يكون في توكله بخلاف ما ذكر، فالاكتساب في حقه أفضل حذرا من التسخط والتطلع، وقيل الأفضل التوكل، وهو هنا الكف عن الاكتساب والإعراض عن الأسباب اعتمادا للقلب على الله تعالى، وقيل الأفضل الاكتساب وإذا اختلف التفضيل بينهما باختلاف الناس، (فإرادة التجريد) عما يشغل عن الله تعالى. (مع داعية الأسباب) من الله في مريد ذلك (شهوة خفية) من المريد، (وسلوك الأسباب) الشاغلة عن الله (مع داعية التجريد) من الله في سالك ذلك. (انحطاط) له (عن الرتبة العلية) إلى الرتبة الدنية، فالأصلح لمن قدر الله فيه داعية الأسباب سلوكها دون التجريد ولمن قدر الله فيه داعية التجريد سلوكه دون الأسباب. (وقد يأتي الشيطان) للإنسان (باطراح جانب الله تعالى في صورة الأسباب أو بالكسل في صورة التوكل) ، كيدا منه، كأن يقول لسالك التجريد الذي سلوكه له أصلح من تركه له إلى متى تترك الأسباب، ألم تعلم أن تركها يطمع القلوب لما في أيدي الناس، فاسلكها لتسلم من ذلك، وينتظر غيرك منك ما كنت تنتظره من غيرك ويقول لسالك الأسباب الذي سلوكه لها أصلح من تركه لها لو تركتها وسلكت التجريد، فتوكلت على الله لصفا قلبك، وأتاك ما يكفيك من عند الله فاتركها ليحصل لك ذلك. فيؤدّي تركها الذي هو غير أصلح له إلى الطلب من الخلق والاهتمام بالرزق. (والموفق يبحث عنهما) أي عن هذين الأمرين اللذين يأتي بهما الشيطان في صورة غيرهما لعله أن يسلم منهما، (ويعلم) مع بحثه عنهما، (أنه لا يكون إلا ما يريد) الله كونه أي وجوده منهما أو من غيرهما. (وقد تمّ الكتاب) أي لبّ الأصول، (بحمد الله وعونه جعلنا الله به) ، لما أملناه من كثرة الانتفاع به، (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين} أي أفاضل أصحاب النبيين لمبالغتهم في الصدق والتصديق، (والشهداء) أي القتلى في سبيل الله، (والصالحين) غير من ذكر، (وحسن أولئك رفيقا) أي رفقاء في الجنة بأن نستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان مقرهم في درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم، ومن فضل الله تعالى على غيرهم أنه قد رزق الرضا بحاله، وذهب عنه اعتقاد أنه مفضول انتفاء للحسرة في الجنة التي تختلف المراتب فيها على قدر الأعمال، وعلى قدر فضل الله على من يشاء من عباده، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.

§1/1