غاية السول في خصائص الرسول

ابن الملقن

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اللَّهُمَّ اختم بِخَير يَا كريم {رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا} قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة فريد دهره ووحيد عصره الحازم اليقظ الْأَعَز الفطن الْمُحَقق جَامع أشتات الْفَضَائِل صدر المدرسين رحْلَة الطالبين سراج الدّين أَبُو حَفْص عمر ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة مفتي الْفرق نور الدّين أبي الْحسن عَليّ ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد أبي الْعَبَّاس الشهير بِابْن الملقن الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي - أدام الله النَّفْع بِعُلُومِهِ بِمُحَمد وَآله آمين أَحْمد الله على إفضاله وأشكره عَليّ توالي آلائه وأصلي على أشرف مخلوقاته وَخَاتم أنبيائه وعَلى آله وَأَصْحَابه وَشرف وكرم وَبعد فَهَذَا مُخْتَصر نَافِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِيمَا يتَعَلَّق بخصائص

أشرف المخلوقين وَأفضل السَّابِقين واللاحقين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى سَائِر النَّبِيين وَآل كل وَسَائِر الصَّالِحين والمزني - رَضِي الله عَنهُ - افْتتح كتاب النِّكَاح بهَا وَتَابعه الْأَصْحَاب وَسبب ذَلِك أَن خَصَائِصه فِي النِّكَاح كَثِيرَة ثمَّ ذكرُوا غَيرهَا تبعا لَهَا وَهَذَا الملخص فِيهِ مَا ذَكرُوهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَعَ زَوَائِد مهمة وَقد منع ابْن خيران من الْكَلَام فِيهَا فِي النِّكَاح والإمامة كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَأطلق فِي الرَّوْضَة الْحِكَايَة عَن الصَّيْمَرِيّ عَنهُ لِأَنَّهُ أَمر انْقَضى فَلَا معنى للْكَلَام فِيهِ

وَإِنَّمَا يشرع الِاجْتِهَاد فِي النَّوَازِل الَّتِي تقع أَو تتَوَقَّع وَمَال إِلَيْهِ الْغَزالِيّ وَنسبه إِلَى الْمُحَقِّقين تبعا لإمامه فَإِنَّهُ قَالَ فِي نهايته لَيْسَ يسوغ إِثْبَات خَصَائِص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأقيسة الَّتِي يناط بهَا الْأَحْكَام الْعَامَّة فِي النَّاس وَلَكِن الْوَجْه مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْع من غير ابْتِغَاء مزِيد عَلَيْهِ وَالَّذِي ذكره الْمُحَقِّقُونَ فِي ذَلِك أَن الْمسَائِل الَّتِي اخْتلف الْأَصْحَاب فِي خَصَائِص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الْخلاف فِيهَا خبط غير مُفِيد فَإِنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم ناجز تمس الْحَاجة إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يجْرِي الْخلاف فِيمَا لَا نجد بدا من إِثْبَات حكم فِيهِ فَإِن الأقيسة لَا مجَال لَهَا فِي ذَلِك وَإِنَّمَا المتبع فِيهِ النُّصُوص وَمَا لَا نَص فِيهِ فالاختيار فِي ذَلِك هجوم على غيب بِلَا فَائِدَة وَاسْتَحْسنهُ ابْن الصّلاح أَيْضا وَقَالَ إِنَّه قد انْقَضى وَلَيْسَ فِيهِ من دَقِيق الْعلم مَا يتَعَلَّق بِهِ التدرب وَلَا وَجه لتضييع الزَّمَان برجم الظنون فِيهِ وَأما الْجُمْهُور فَإِنَّهُم جوزوا ذَلِك لما فِيهِ من الْعلم قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَالصَّوَاب الْجَزْم بِهِ بل باستحبابه وَلَو

قيل بِوُجُوبِهِ لم يكن بَعيدا لِأَنَّهُ رُبمَا وجد جَاهِل بعض الخصائص ثَابِتَة فِي الحَدِيث الصَّحِيح فَعمل بِهِ أخذا بِأَصْل التأسي فَوَجَبَ بَيَانهَا لتعرف وَلَا يعْمل بهَا وَأما مَا يَقع فِي ضمن الخصائص مِمَّا لَا فَائِدَة فِيهِ الْيَوْم فقليل لَا يَخْلُو أَبْوَاب الْفِقْه عَن مثله للتدرب وَمَعْرِفَة الْأَدِلَّة وَتَحْقِيق الشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن الرّفْعَة فِي مطلبه قد يُقَال بالتوسط فيتكلم فِيمَا جرى فِي الصَّدْر الأول من ذَلِك دون مَا لم يجر مِنْهُ قَالَ وَسِيَاق كَلَام الْوَسِيط يرشد إِلَيْهِ وَقد جَاءَ فِي السّنة مَا يُبينهُ وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح (إِن الله أذن لرَسُوله وَلم يَأْذَن لكم وَإِنَّمَا أدن لَهُ سَاعَة من نَهَار)

وَنحن نقتدي فِي هَذَا التصنيف بالجمهور ونقيد مَا تيَسّر - بِحَمْد الله - فِيهِ جعله الله نَافِعًا بِمُحَمد وَآله

الواحبات

وَاعْلَم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتصَّ بواجبات ومحرمات ومباحات وفضائل فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول الواحبات وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاصه بهَا زِيَادَة الدَّرَجَات لما ورد عَن الله تَعَالَى (لن يتَقرَّب إِلَيّ المتقربون بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِم) ذكره الرَّافِعِيّ من عِنْده وَلم يسْندهُ - وَهُوَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ - وَعلم الله أَنه أقوم بهَا وأصبر عَلَيْهَا من غَيره

الواحبات

النَّوْع الأول الواحبات وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاصه بهَا زِيَادَة الدَّرَجَات لما ورد عَن الله تَعَالَى (لن يتَقرَّب إِلَيّ المتقربون بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِم) ذكره الرَّافِعِيّ من عِنْده وَلم يسْندهُ - وَهُوَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ - وَعلم الله أَنه أقوم بهَا وأصبر عَلَيْهَا من غَيره

قَالَ الإِمَام قَالَ بعض عُلَمَائِنَا الْفَرِيضَة يزِيد ثَوَابهَا على ثَوَاب النَّافِلَة بسبعين دَرَجَة واستأنس بِمَا رَوَاهُ سلمَان الْفَارِسِي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ فِي رَمَضَان (من تقرب فِيهِ فِيهِ بخصلة من خِصَال الْخَيْر كَانَ كمن أدّى فَرِيضَة فِيمَا سواهُ وَمن أدّى فَرِيضَة فِيهِ كَانَ كمن أدّى سبعين فَرِيضَة فِيمَا سواهُ) وَهُوَ حَدِيث أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب

الْإِيمَان فقابل النَّفْل فِيهِ بِالْفَرْضِ فِي غَيره وقابل الْفَرْض فِيهِ بسبعين فرضا فِي غَيره فأشعر فِي هَذَا بِأَن الْفَرْض يزِيد على النَّفْل بسبعين دَرَجَة من طَرِيق الفحوى وَهَذَا النَّوْع يَنْقَسِم إِلَى مُتَعَلق بِالنِّكَاحِ وَإِلَى غَيره وَفِي الْقسم الثَّانِي مسَائِل الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة صَلَاة الضُّحَى والأضحى وَالْوتر وَاسْتدلَّ أَصْحَابنَا لذَلِك بِحَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ

نقد المصنف لهذا الحديث

(ثَلَاث هن عَليّ فَرَائض وَلكم تطوع النَّحْر وَالْوتر وركعتا الضُّحَى) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه كَذَلِك وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ الْفجْر بدل الضُّحَى وَابْن عدي وَلَفظه (ثَلَاث عَليّ فَرِيضَة وَلكم تطوع الْوتر وَالضُّحَى وركعتا الْفجْر) وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه شَاهدا بِلَفْظ (ثَلَاث هن عَليّ فَرَائض وَلكم تطوع النَّحْر وَالْوتر وركعتا الْفجْر) نقد المُصَنّف لهَذَا الحَدِيث ومدار هَذَا الحَدِيث على أبي جناب الْكَلْبِيّ واسْمه يحيى بن أبي حَيَّة وَاسم أبي حَيَّة حييّ رَوَاهُ عَن عِكْرِمَهْ عَن ابْن عَبَّاس وَأَبُو جناب هَذَا

ضَعِيف مُدَلّس وَقد عنعن وَإِن وَثَّقَهُ بَعضهم وَاخْتلف كَلَام ابْن حبَان فِيهِ فَذكره فِي ثقاته وضعفائه وَقَالَ الإِمَام أَحْمد أَحَادِيثه مَنَاكِير قلت فَكيف أخرجت لَهُ فِي مسندك وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته أَبُو جناب هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقَالَ فِي سنَنه ضَعِيف وَقَالَ ابْن الصّلاح هَذَا حَدِيث غير ثَابت ضعفه الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته قلت وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَان من حَدِيث جَابر الْجعْفِيّ عَن

عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا (أمرت بركعتي الْفجْر وَالْوتر وَلَيْسَ عَلَيْكُم) رَوَاهُ الْبَزَّار وَجَابِر ضَعِيف وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَلم يذكر لَفْظَة (عَلَيْكُم) وَقَالَ بدلهَا (وَلم يكْتب) وَفِي رِوَايَة (أمرت بركعتي الضُّحَى وَلم تؤمروا بهَا وَأمرت بالأضحى وَلم يكْتب) وَطَرِيق ثَالِث من طَرِيق وضاح بن يحيى عَن منْدَل عَن يحيى بن سعيد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا (ثَلَاث عَليّ فَرِيضَة وَهن لكم تطوع الْوتر وركعتا الْفجْر وركعتا الضُّحَى) وَهُوَ ضَعِيف قَالَ ابْن حبَان لَا يحْتَج بِهِ فالوضاح كَانَ يروي عَن الثِّقَات الْأَحَادِيث المقلوبة الَّتِي كَأَنَّهَا معمولة وَقد ضعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله فَقَالَ هَذَا حَدِيث لَا يَصح وَقَالَ فِي الْأَعْلَام أَيْضا إِنَّه حَدِيث لَا يثبت

فتلخص ضعف الحَدِيث من جَمِيع طرقه وَحِينَئِذٍ فَفِي ثُبُوت خُصُوصِيَّة هَذِه الثَّلَاثَة بِهِ نظر فَإِن الَّذِي يَنْبَغِي وَلَا يعدل إِلَى غَيره أَن لَا تثبت خُصُوصِيَّة إِلَّا بِدَلِيل صَحِيح على أَنه قد جَاءَ مَا يُعَارضهُ وَهُوَ مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث قَتَادَة عَن أنس مَرْفُوعا (أمرت بالوتر والأضحى وَلم يعزم عَليّ) وَرَوَاهُ ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه وَقَالَ (وَلم تفرض عَليّ) لكنه حَدِيث ضَعِيف فِيهِ عبد الله بن مُحَرر وَهُوَ ضَعِيف باجماعهم وَذكر ابْن

شاهين فِي نَاسخ ومنسوخة حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمُتَقَدّم من طَرِيق الوضاح وَحَدِيث أنس هَذَا ثمَّ قَالَ الحَدِيث الأول أقرب إِلَى الصَّوَاب من الثَّانِي لِأَن فِيهِ عبد الله بن مُحَرر وَلَيْسَ بمرضي عِنْدهم قَالَ وَلَا أعلم النَّاسِخ مِنْهُمَا لصَاحبه قَالَ وَلَكِن الَّذِي يشبه أَن يكون حَدِيث عبد الله بن مُحَرر - على مَا فِيهِ - نَاسِخا للْأولِ لِأَنَّهُ لَيْسَ يثبت أَن هَذِه الصَّلَوَات فرض وَهَذَا كُله كَلَام عَجِيب فَلَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ لِأَن النّسخ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد تعَارض الْأَدِلَّة الصَّحِيحَة وَلَا مُعَارضَة إِذا ثمَّ هَهُنَا أُمُور تنبه لَهَا أَحدهَا أحسن بعض الْأَصْحَاب فِيمَا حكى عَن أبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ فَقَالَ إِن الْأُضْحِية وَالْوتر لما يجب عَلَيْهِ وَقد يشْهد للوتر فَقَط فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرَّاحِلَة

لَكِن قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فِي كَلَامه عَن الْوتر أَن من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاز فعل هَذَا الْوَاجِب الْخَاص بِهِ عَلَيْهِ على الرَّاحِلَة وَفِي ذهني أَن الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي ادّعى وُجُوبه عَلَيْهِ فِي الْحَضَر دون السّفر وَهُوَ كَمَا ظَنَنْت فَإِنَّهُ قَالَ فعل الْوتر فِي السّفر على الرَّاحِلَة وَالْوتر لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ إِلَّا فِي الْحَضَر صرح بِهِ فِي شرح الْمَحْصُول وَشرح التنقية والحليمي فِي شعب الْإِيمَان وَالشَّيْخ عز الدّين فِي قَوَاعِده ثَانِيهَا روى التِّرْمِذِيّ عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نقُول لَا يَدعهَا

ويدعها حَتَّى نقُول لَا يُصَلِّي ثمَّ قَالَ // حسن غَرِيب // وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي عدم الْوُجُوب وَكَذَا حَدِيث عبد الله بن شَقِيق قلت لعَائِشَة أَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى قَالَت لَا إِلَّا أَن يَجِيء من مغيبه // رَوَاهُ مُسلم // وحديثها أَيْضا مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسبح سبْحَة الضُّحَى وَإِنِّي لأسبحها // رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم // وَلم أر من قَالَ بِهِ وَنَقله النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب عَن الْعلمَاء أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يداوم على صَلَاة الضُّحَى مَخَافَة أَن تفرض على الْأمة فيعجزوا عَنْهَا وَكَانَ يَفْعَلهَا فِي بعض الْأَوْقَات

قلت وَكَيف يجمع بَين هَذَا وَبَين مَا ذكره فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا أَنَّهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ وَلَو قَالَ إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يظهرها فِي وَقت ويخفيها فِي وَقت آخر لَكَانَ أولى وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صلاهَا يَوْم الْفَتْح واظب عَلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ وَفِيه نظر فَفِي سنَن أبي دَاوُد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى

قَالَ مَا أخبرنَا أحد أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الضُّحَى غير أم هَانِئ فَإِنَّهَا أخْبرت بهَا يَوْم فتح مَكَّة وَلم يره أحد صَلَّاهُنَّ بعد وَذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث أنس أَن رجلا صنع طَعَاما ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونضح لَهُ طرف الْحَصِير فصلى فِيهِ رَكْعَتَانِ فَقَالَ فلَان بن فلَان بن الْجَارُود لأنس أَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى قَالَ مَا رَأَيْته صلى غير ذَلِك الْيَوْم لَا جرم ذهبت طَائِفَة من السّلف إِلَى حَدِيث عَائِشَة السَّابِق وَلم يرَوا صَلَاة الضُّحَى حَكَاهُ ابْن بطال وَأبْعد بَعضهم فَقَالَ إِنَّهَا بِدعَة

وَحكى الطَّبَرِيّ عَن جمَاعَة اسْتِحْبَاب فعلهَا غبا وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَذَهَبت طَائِفَة على أَنَّهَا إِنَّمَا تفعل لسَبَب من الْأَسْبَاب وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا فعلهَا لسَبَب فَصلَاته لَهَا يَوْم الْفَتْح كَانَت من أجل الْفَتْح ثَالِثهَا هَل كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قُلْنَا بِهِ - أقل الضُّحَى أَو أَكْثَرهَا أَو أدنى كمالها لم أر فِي ذَلِك نقلا نعم فِي رِوَايَة لِأَحْمَد (أمرت بركعتي الضُّحَى وَلم تؤمروا بهَا) وَقد سلفت رَابِعهَا هَل كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي الْوتر أَقَله أم أَكْثَره أم أدنى كَمَاله لم أر فِيهِ نقلا خَامِسهَا هَل كَانَ الْأَضْحَى فِي الحَدِيث السالف وَكَلَام أَصْحَابنَا المُرَاد بِهِ الضَّحَايَا كَمَا قَالَه ابْن الصّلاح يُقَال أضحى فِي الْوَاحِد وَالْجمع أضحى وَيُقَال ضحية وضحايا وأضحية وأضاحي بِالتَّشْدِيدِ وَهَذَا التَّقْرِير قد يفهم أَنه كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ ضحايا فِي كل سنة وَلَعَلَّ الْإِشَارَة بِهِ إِلَى وجوب ذَلِك فِي الأعوام وَقد ضحى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكبشين كَمَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث

عَائِشَة وَفِي ابْن ماجة وَالْحَاكِم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يُضحي اشْترى كبشين عظيمين ... الحَدِيث سادسها وَقع فِي كَلَام الْآمِدِيّ وَتَبعهُ ابْن الْحَاجِب عد رَكْعَتي الْفجْر من خَصَائِصه وَلم أر لَهما سلفا فِي ذَلِك وَحَدِيث ابْن عَبَّاس السالف يشْهد لَهُ لكنه ضَعِيف كَمَا سلف (وَرَأَيْت صَاحب الْفُصُول من الْحَنَابِلَة عدهما من خَصَائِصه)

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة التَّهَجُّد أَكَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ قَالَ الْقفال وَهُوَ أَن يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَإِن قل قَالَ الله تَعَالَى {وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} الْآيَة أَي زِيَادَة على ثَوَاب الْفَرَائِض بِخِلَاف تهجد غَيره فَإِنَّهُ جَابر للنقصان المتطرق إِلَى الْفَرَائِض وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعْصُوم عَن تطرق الْخلَل إِلَى مفروضاته وَقد غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر حَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَذكر الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيره نَحوه قَالَ الْحسن وَغَيره لَيْسَ لأحد نَافِلَة إِلَّا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن فَرَائِضه كَامِلَة وَأما غَيره فَلَا يَخْلُو عَن نقص فنوافله تكمل فَرَائِضه وَاسْتدلَّ الْبَيْهَقِيّ فِي

دَلَائِل النُّبُوَّة عَن مُجَاهِد وَكَذَا ابْن الْمُنْذر فِي تَفْسِيره وَذكر - أَعنِي ابْن الْمُنْذر - عَن الضَّحَّاك نَحوه وَذكره سُلَيْمَان بن حَيَّان عَن أبي غَالب عَن أبي أُمَامَة ... إِلَخ ثمَّ اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ وَغَيره أَيْضا بِحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (ثَلَاث هن عَليّ فَرَائض وَهن لكم سنة الْوتر والسواك وَقيام اللَّيْل) وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته وَفِي سَنَده مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ قَالَ ابْن عدي مُنكر الحَدِيث وضع على ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس كتابا فِي التَّفْسِير جمعه من كَلَام مقَاتل الْكَلْبِيّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ مُوسَى هَذَا ضَعِيف جدا وَلم يثبت فِي هَذَا إِسْنَاد وَاعْلَم أَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد نقل بعد حِكَايَة ذَلِك عَن الْأَصْحَاب

أَن الشَّافِعِي نَص على أَنه نسخ وُجُوبه فِي حَقه كأمته قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي تشهد لَهُ الْأَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث سعد بن هِشَام عَن عَائِشَة فِي مُسلم وَقد قَالَ لَهَا انبئيني عَن قيام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت أَلَسْت تقْرَأ يَأ يها المزمل فَقَالَت كَانَ الله فرض قيام اللَّيْل من أول هَذِه السُّورَة فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه حولا وَأمْسك الله خاتمتها اثْنَي عشر شهرا حَتَّى أنزل الله فِي آخرهَا التَّخْفِيف فَصَارَ قيام اللَّيْل تَطَوّعا بعد فَرِيضَة وَفِي آخِره فَانْطَلَقت إِلَى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فَحَدَّثته بحديثها فَقَالَ صدقت وأشارت - رَضِي الله عَنْهَا - بِالْآخرِ إِلَى قَوْله

{علم أَن لن تحصوه فَتَابَ عَلَيْكُم} وَبَعْضهمْ قَالَ إِن النَّاسِخ قَوْله تَعَالَى {وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} وَقَوله تَعَالَى {علم أَن لن تحصوه فَتَابَ عَلَيْكُم} نَاسخ لقِيَام اللَّيْل فِي حق أمته وَفِيه نظر لِأَن الْخطاب فِي أول السُّورَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد شركته فِيهِ فالخطاب فِي آخرهَا إِذا يتَوَجَّه لمن يتَوَجَّه إِلَيْهِ الْخطاب فِي أَولهَا وَقد قيل إِن الْمَنْسُوخ من صَلَاة اللَّيْل مَا كَانَ مُقَدرا وَأما أصل الْوُجُوب فَهُوَ بَاقٍ لقَوْله تَعَالَى فاقرؤا مَا تيَسّر مِنْهُ فَتكون الْآيَة كَقَوْلِه تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} إِذْ لَا بُد من الْهَدْي فَكَذَلِك لَا بُد من صَلَاة اللَّيْل

والْحَدِيث الصَّحِيح من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا (أَفلا أكون عبدا شكُورًا) من جملَة مَا يدل على عدم وُجُوبه عَلَيْهِ وَلَا أعلم أحدا قَالَ بِوُجُوبِهِ علينا دونه تَنْبِيهَات الأول ان إِن قلت قَوْله تَعَالَى {نَافِلَة لَك} يَقْتَضِي أَن ذَلِك غير وَاجِب عَلَيْهِ قَالَ الْجَوْهَرِي النَّفْل والنافلة عَطِيَّة التَّطَوُّع حَيْثُ لَا يجب وَمِنْه نَافِلَة الصَّلَاة وَالنَّفْل التَّطَوُّع فَالْجَوَاب أَن النَّافِلَة الزِّيَادَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَيَعْقُوب نَافِلَة} وَلَا يلْزم مِنْهُ كَونهَا غير وَاجِبَة الثَّانِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل - فِي الْحَج - الثَّابِت فِي صَحِيح مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى الْمزْدَلِفَة فصلى بهَا الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ وَلم

يسبح بَينهمَا شَيْئا ثمَّ اضْطجع حَتَّى طلع الْفجْر فصلى الْفجْر حِين تبين لَهُ الصُّبْح بِأَذَان وَإِقَامَة دَال على عدم وجوب الْوتر والتهجد لِأَن الظَّاهِر أَنه لم يفعلهما تِلْكَ اللَّيْلَة وَقد يُجَاب عَن التَّهَجُّد بِأَنَّهُ لَعَلَّه إِذْ ذَاك كَانَ مَنْسُوخا وَفِي هَذَا رد على مَا خرج بِهِ الدَّارمِيّ من أَصْحَابنَا فِي استذكاره من أَن الْجَامِع بِالْمُزْدَلِفَةِ يَأْتِي بالوتر دون سنة الْعشَاء وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَغَيرهَا أَن السّنة ترك النَّفْل بعد الْعشَاء كَمَا يسن تَركه بعد الْمغرب وَصرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْن وَغَيرهمَا وَأبْعد الْعجلِيّ فَقَالَ يَأْتِي فَقَالَ إِنَّه يَأْتِي بِسنة الْمغرب بعد الْعشَاء ثمَّ سنة الْعشَاء بعد الْوتر وَهُوَ مصادم للنَّص الثَّالِث قَالَ الرَّافِعِيّ مُقْتَضى الرَّاوِي عَن عَائِشَة - أَي الَّذِي سلف - وَكَلَام الْأَئِمَّة هُنَا كَون الْوتر غير التَّهَجُّد الْمَأْمُور بِهِ وَذَلِكَ مُخَالف لما مر فِي بَاب صَلَاة التَّطَوُّع أَنه يشبه أَن يكون الْوتر هُوَ التَّهَجُّد ويعتضد بِهِ الْوَجْه الْمَذْكُور هُنَاكَ عَن رِوَايَة القَاضِي الرَّوْيَانِيّ قَالَ وَكَأن التغاير أظهر وَكَذَا قَالَ فِي تذنيبه على الشرحين إِنَّه الْأَظْهر وَتَبعهُ صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير قلت وَحَدِيث عَائِشَة فِي

الصَّحِيحَيْنِ (مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزِيد فِي رَمَضَان وَلَا غَيره على إِحْدَى عشرَة رَكْعَة يُصَلِّي أَرْبعا فَلَا تسْأَل عَن حسنهنَّ وطولهن ثمَّ يُصَلِّي أَرْبعا فَلَا تسْأَل عَن حسنهنَّ وطولهن ثمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا) يدل على أَن التَّهَجُّد هُوَ عين الْوتر نعم حَدِيثهَا الآخر يدل على مُقَابلَة وَهُوَ مَا أخرجه مُسلم عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل ثَلَاث عشرَة رَكْعَة يُوتر من ذَلِك بِخمْس لَا يجلس فِي شَيْء إِلَّا فِي آخرهَا الرَّابِع فَصلَاته عَلَيْهِ السَّلَام بِاللَّيْلِ كَانَت أنواعا أ - سِتّ رَكْعَات مفصولات ويوتر بِثَلَاث رَوَاهُ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ب - إِحْدَى عشرَة مفصولات ويوتر بِوَاحِدَة روته عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ج - ثَلَاث عشرَة كَذَلِك

د - ثَمَان رَكْعَات موصولات ويوتر بِخمْس مُتَوَالِيَة لَا يجلس إِلَّا فِي آخرهَا هـ - تسع تسع رَكْعَات لَا يجلس فِي شَيْء مِنْهُنَّ إِلَّا فِي الثَّامِنَة ثمَّ ينْهض وَلَا يسلم ثمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَة وَيسلم وَيُصلي رَكْعَة بعد مَا يسلم وسبع رَكْعَات كالتسع الْمَذْكُورَة ثمَّ يُصَلِّي بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ جَالِسا مثنى ويوتر بِثَلَاث مَوْصُولَة ز - أَربع رَكْعَات رُوِيَ فَتَأمل ذَلِك

فَائِدَة حكى النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم فِي بَاب صَلَاة اللَّيْل عَن بعض السّلف أَنه يجب على الْأمة من قيام اللَّيْل مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم وَلَو قدر حلب شَاة قَالَ وَهُوَ غلط مَرْدُود بِإِجْمَاع من قبله مَعَ النُّصُوص الصَّحِيحَة أَنه لَا وَاجِب إِلَّا الصَّلَوَات الْخمس الْخَامِس تَعْبِيره فِي الرَّوْضَة فِي التَّهَجُّد بِالصَّحِيحِ لأجل الْوَجْه الآخر أَنه نسخ فِي حَقه فإياك أَن تعترض عَلَيْهِ كَمَا وَقع لبَعْضهِم السَّادِس ذكر فِي (الرَّوْضَة) فِي كتاب السّير أَن الله تَعَالَى فرض من قيام اللَّيْل أَولا مَا ذكر فِي سُورَة المزمل ثمَّ نسخه بِمَا (فِي آخرهَا ثمَّ نسخه بالخمس) السَّابِع السِّوَاك وَكَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّحِيح وَاسْتدلَّ لَهُ بِحَدِيث عَائِشَة السالف وَقد علمت ضعفه

نعم روى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحهمَا من حَدِيث عبد الله بن حَنْظَلَة بن عَامر الغسيل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُؤمر بِالْوضُوءِ لكل صَلَاة طَاهِرا أَو غير طَاهِر فَلَمَّا شقّ ذَلِك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة وَوضع عَنهُ الْوضُوء إِلَّا من حدث وَأخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَقَالَ حَدِيث على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ وَمن أَصْحَابنَا من حكى وَجها فِي حَقه كَمَا فِي حق الْأمة قلت وَاسْتدلَّ بِحَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمرت بِالسِّوَاكِ حَتَّى خشيت أَن يكْتب عَليّ) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من طَرِيقين مدارهما على لَيْث

وروى ابْن ماجة من حَدِيث أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (تسوكوا فَإِن السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب مَا جَاءَنِي جِبْرِيل إِلَّا أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى خشيت أَن يفْرض عَليّ وعَلى أمتِي وَلَوْلَا

خشيت على أمتِي لفرضته عَلَيْهِم وَإِنِّي لأستاك حَتَّى إِنِّي خشيت أَن تدَرْدر مقادم فمي) وَفِي سَنَده من تكلم فِيهِ تَنْبِيهَانِ الأول هَل المُرَاد بِوُجُوبِهِ فِي حَقه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة أَو فِي النَّافِلَة أَيْضا أَو إِلَى الْأَحْوَال الَّتِي أكدها فِي حَقنا أَو مَا هُوَ أَعم من

ذَلِك لم أر فِيهِ نقلا وَسِيَاق حَدِيث عبد الله بن حَنْظَلَة السالف يُقَوي الأول وَادّعى ابْن الرّفْعَة فِي كِفَايَته فِي بَاب السِّوَاك أَنه لم يَصح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل السِّوَاك إِلَّا عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَعند تغير الْفَم ثمَّ قَالَ فَإِن قلت قد روى مُسلم عَن شُرَيْح بن هَانِئ سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن أَي شَيْء كَانَ يبْدَأ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل بَيته قَالَت بِالسِّوَاكِ وَلَفْظَة كَانَ تؤذن بالدوام ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون فعل ذَلِك لأجل تغير حصل فِي فَمه ثمَّ استبعده بِأَن فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ينْصَرف فيستاك الثَّانِي قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح ترددوا فِي وجوب السِّوَاك عَلَيْهِ وَقَطعُوا بِوُجُوب الضُّحَى والأضحى وَالْوتر مَعَ أَن مُسْتَنده الحَدِيث الضَّعِيف وَلَو عكسوا فَقطعُوا بِوُجُوب السِّوَاك للْحَدِيث السالف وترددوا فِي الْأُمُور الثَّلَاثَة لَكَانَ أقرب وَيكون مُسْتَند التَّرَدُّد فيهمَا أَن ضعف الحَدِيث من جِهَة ضعف رِوَايَة أبي جناب الْكَلْبِيّ وَفِي ضعفه خلاف بَين أَئِمَّة الحَدِيث وَقد وَثَّقَهُ بَعضهم قلت قد ترددوا فِي وجوب الْوتر والأضحى أَيْضا كَمَا سلف

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة مُشَاورَة ذَوي الأحلام فِي الْأُمُور وَهِي وَاجِبَة عَلَيْهِ على الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} وَظَاهر الْأَمر الْوُجُوب وَوجه من قَالَ باستحبابها الْقيَاس على غَيره وَالْأَمر للاستبحاب استمالة لقُلُوبِهِمْ وَحَكَاهُ ابْن الْقشيرِي عَن نَص الشَّافِعِي وَأَنه جعله كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (الْبكر تستأمر تطييبا لقلبها لَا أَنه وَاجِب وَهُوَ قَول الْحسن رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} علم الله أَنه مَا بِهِ إِلَيْهِم من حَاجَة وَلَكِن أَرَادَ أَن يستن بِهِ من بعده

قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَاخْتلف فِيمَا يشاور فِيهِ فَقَالَ قوم فِي الحروب ومكايدة الْعَدو خَاصَّة وَقَالَ آخَرُونَ فِي أُمُور الدُّنْيَا وَالدّين تَنْبِيها لَهُم على علل الْأَحْكَام وَطَرِيق الِاجْتِهَاد وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره اخْتلف فِي الْمَعْنى الَّذِي أَمر الله تَعَالَى نبيه بالمشاورة لَهُم فِيهِ مَعَ كَمَال عقله وجزالة رَأْيه وتتابع الْوَحْي عَلَيْهِ وَوُجُوب طَاعَة أمته فِيمَا أَحبُّوا أَو كَرهُوا فَقيل هُوَ خَاص فِي الْمَعْنى وَإِن كَانَ عَاما فِي اللَّفْظ وَمعنى الْآيَة وشاورهم فِيمَا لَيْسَ عنْدك فِيهِ من الله تَعَالَى عهد يدل عَلَيْهِ قِرَاءَة ابْن مَسْعُود وشاورهم فِي بعض الْأَمر قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ يَعْنِي ناظرهم فِي لِقَاء الْعَدو ومكابدة الحروب عِنْد الْغَزْو ثمَّ ذكر قَول الْحسن السالف وَغَيره الْمَسْأَلَة السَّابِعَة كَانَ يجب عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصابرة الْعَدو وَإِن كثر عَددهمْ وَالْأمة إِنَّمَا يلْزمهُم الثَّبَات إِذا لم يزدْ عدد الْكفَّار على

الضعْف وَلم يبوب الْبَيْهَقِيّ على هَذِه الخصوصية فِي سنَنه الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة هَل كَانَ يجب عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رأى مُنْكرا أَن يُنكره ويغيره وَغَيره إِنَّمَا يلْزمه ذَلِك عِنْد الْإِمْكَان وَوَجهه أَن الله تَعَالَى وعده بالعصمة وَالْحِفْظ فَقَالَ {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت (مَا خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَمريْن إِلَّا أَخذ أيسرهما مَا لم يكن إِثْمًا فَإِذا كَانَ إِثْمًا كَانَ أبعد النَّاس مِنْهُ وَمَا انتقم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنَفسِهِ إِلَّا أَن تنتهك حُرْمَة الله فينتقم لله بهَا)

وَأورد النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة سؤالا فَقَالَ قد يُقَال هَذَا لَيْسَ من الخصائص بل كل مُكَلّف تمكن من إِزَالَة الْمُنكر لزمَه تَغْيِيره ثمَّ أجَاب بِأَن المُرَاد لَا يسْقط عَنهُ للخوف فَإِنَّهُ مَعْصُوم بِخِلَاف غَيره وَهَذَا قد ذكرته فِي غُضُون كَلَامي الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة كَانَ يجب عَلَيْهِ قَضَاء دين من مَاتَ من الْمُسلمين مُعسرا عِنْد اتساع المَال فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُؤْتى بِالرجلِ الْمُتَوفَّى عَلَيْهِ الدّين فَيسْأَل (هَل ترك لدينِهِ من قَضَاء) فَإِن حدث أَنه ترك وَفَاء صلى عَلَيْهِ وَإِلَّا قَالَ للْمُسلمين (صلوا على صَاحبكُم) فَلَمَّا فتح الله عَلَيْهِ الْفتُوح قَامَ فَقَالَ أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم فَمن توفّي من الْمُؤمنِينَ فَترك دينا فعلي قَضَاؤُهُ وَمن ترك مَالا فلورثته وَحكى الإِمَام وَجها أَنه لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ بل كَانَ يَفْعَله تكرما وَبِه جزم الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم كَانَ يَقْضِيه من مَال الْمصَالح وَقيل من خَالص مَاله وعَلى الأول هَل يجب ذَلِك على الْأَئِمَّة بعده من مَال الْمصَالح وَجْهَان وَقد

جَاءَ فِي رِوَايَة قيل يَا رَسُول الله وعَلى كل إِمَام بعْدك قَالَ (وعَلى كل إِمَام بعدِي) وَلكنهَا ضَعِيفَة عزيزة الْوُجُود وَقَالَ الإِمَام بعد حكايتها وَفِي الْإِطْلَاق نظر لِأَن من اسْتَدَانَ وَبَقِي مُعسرا حَتَّى مَاتَ لم يقْض دينه من بَيت المَال لِأَنَّهُ يلقى الله وَلَا مظْلمَة عَلَيْهِ قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لِأَن أَمُوت وَعلي مائَة ألف وَأَنا لَا أملك قضاءها أحب إِلَيّ أَن أخلف مثلهَا وَإِن ظلمه بالمطال فاعسر فَمَاتَ فَفِيهِ احْتِمَال وَالْأولَى أَن لَا يقْضى فَإِن أوجبناه فشرطه اتساع المَال وفضله عَن مصَالح الْأَحْيَاء وَوجه الْقَضَاء ترغيب أَرْبَاب الْأَمْوَال فِي مُعَاملَة المعسرين وَفِي زَوَائِد الرَّوْضَة فِي بَاب قسم الصَّدقَات عَن صَاحب الْبَيَان حِكَايَة وَجْهَيْن فِي أَن من مَاتَ وَعَلِيهِ دين وَلَا وَفَاء لَهُ هَل يقْضى من سهم الغارمين

قَالَ وَلم يتَبَيَّن الْأَصَح مِنْهُمَا وَالأَصَح الْأَشْهر لَا يقْضى مِنْهُ قلت وَحكي ذَلِك عَن أبي حنيفَة وَمَالك وَغَيرهمَا وَنقل أَبُو عبيد الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَهِي الدَّعْوَى توجب التَّوَقُّف فِي إِثْبَات الْوَجْهَيْنِ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا افترق الْحَيّ وَالْمَيِّت فِي كَونه يقْضى عَن الْغَارِم فِي حَيَاته دون مَوته أَن الْحَيّ يحْتَاج إِلَى وَفَاء دينه وَالْمَيِّت إِن كَانَ عصى بِهِ أَو بِتَأْخِيرِهِ فَلَا يُنَاسب حَاله الْوَفَاء عَنهُ وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا يُطَالب بِهِ وَلَا حَاجَة لَهُ وَالزَّكَاة إِنَّمَا تُعْطى لمحتاج بِخِلَاف الْأَدَاء من غير الزَّكَاة لبراءة ذمَّته وَالتَّخْفِيف عَنهُ فِي الْآخِرَة

الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة كَانَ يجب عَلَيْهِ إِذا رأى شَيْئا يُعجبهُ أَن يَقُول لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة وَذكر الرَّافِعِيّ بِصِيغَة قيل وَجزم بِهِ ابْن الْقَاص فِي تلخيصه لَفظه فِيهِ وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رأى شَيْئا يُعجبهُ قَالَ (لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة) ثمَّ قَالَ هَذِه كلمة صدرت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أنعم حَاله يَوْم حجه بِعَرَفَة ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ وَفِي أَشد حَاله يَوْم الخَنْدَق ثمَّ ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ كَمَا ذكرته عَنهُ فِي كتابي الْمُسَمّى بالبدر الْمُنِير فِي تَخْرِيج أَحَادِيث

الرَّافِعِيّ الْكَبِير للْإِمَام أبي الْقَاسِم الرَّافِعِيّ وَهُوَ الْكتاب الَّذِي لَا يسْتَغْنى عَنهُ الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة كَانَ عَلَيْهِ أَدَاء فرض الصَّلَاة كَامِلَة لَا خلل فِيهَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَقد تقدم فِي الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة مثله عَن حِكَايَة الإِمَام وَذكره الْعِرَاقِيّ فِي شرح الْمُهَذّب أَيْضا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة كَانَ يلْزمه كل تطوع يَبْتَدِئ بِهِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَن بَعضهم وَسَيَأْتِي منزعه فِي الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من النَّوْع الثَّانِي الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة عد ابْن الْقَاص أمورا أُخْرَى وَمِنْه نقلتها مِنْهَا أَن يدْفع بِالَّتِي هِيَ أحسن وَمِنْهَا أَنه كلف من الْعلم وَحده

مَا كلفه النَّاس بأجمعهم وَمِنْهَا أَنه كَانَ يغان على قلبه فيستغفر الله وَيَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم سبعين مرّة وَمِنْهَا أَنه يُؤْخَذ عَن الدُّنْيَا

الواجب المتعلق بالنكاح

الْقسم الأول الْوَاجِب الْمُتَعَلّق بِالنِّكَاحِ الأول كَانَ يجب عَلَيْهِ تَخْيِير زَوْجَاته بَين اخْتِيَار زِينَة الدُّنْيَا ومفارقته وَبَين اخْتِيَار الْآخِرَة والبقاء فِي عصمته وَلَا يجب ذَلِك على غَيره قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} إِلَى قَوْله {أجرا عَظِيما} وَاخْتلف فِي سَبَب نُزُولهَا على أَقْوَال إِحْدَاهَا أَن نِسَاءَهُ تَغَايَرْنَ عَلَيْهِ فَحلف أَن لَا يكلمهن شهرا وَمكث فِي غرفته شهرا

قَالَ الْغَزالِيّ فَأمر بتخييرهن لِأَن الْغيرَة توغر الصُّدُور وتنفر الْقلب وتوهن الِاعْتِقَاد ثَانِيهَا أَنَّهُنَّ اجْتَمعْنَ وقلن نُرِيد كَمَا يُرِيد النِّسَاء من الْحلِيّ وَالثيَاب فطالبنه بذلك وَلَيْسَ عِنْده فتأذى وإلزامهن الصَّبْر عل الْفقر يؤذيهن ومطالبتهن إِيَّاه بذلك يُؤْذِيه فَأمر بإلقاء زِمَام الْأَمر إلَيْهِنَّ ليفعلن مَا يخترنه ونزه منصبه العالي عَن التاذي والإيذاء وَقيل إِن بعض نِسَائِهِ التمست مِنْهُ خَاتمًا من ذهب فَاتخذ لَهَا خَاتمًا من فضَّة وصفره بالزعفران فَسَخِطَتْ ثَالِثهَا أَن الله تَعَالَى امتحنهن بالتخيير ليَكُون لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير النِّسَاء رَابِعهَا أَن الله تَعَالَى خَيره بَين الْغنى والفقر فَاخْتَارَ الْفقر فَأمره الله بِتَخْيِير نِسَائِهِ لتَكون من اختارته مِنْهُنَّ مُوَافقَة لاختياره

وَعبارَة الرَّافِعِيّ الْمَعْنى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام آثر لنَفسِهِ الْفقر وَالصَّبْر عَلَيْهِ فَأمر بتخييرهن لِئَلَّا يكون مكْرها لَهُنَّ على الْفقر وَالصَّبْر قلت سَيَأْتِي قَرِيبا أَن إيلاءه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ من نسوته سنة تسع وتخييره بعْدهَا وَهَذَا يضعف أَن سَبَب النُّزُول مَا كن فِيهِ من ضيق الْعَيْش لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسع لَهُ فِي آخر عمره وَكَانَ لَهُ سَهْمه من خَيْبَر وَغَيره وَذكر الرَّافِعِيّ مثل هَذَا الْكَلَام على الْكَفَاءَة - أَعنِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتَار الْفقر - وَقد يُعَارضهُ مَا ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه كَانَ يتَعَوَّذ من الْفقر وَقد ذكر ذَلِك فِي بَاب قسم الصَّدقَات خَامِسهَا أَن سَبَب نُزُولهَا قصَّة مَارِيَة فِي بَيت حَفْصَة رَضِي الله

عَنْهُمَا وَقيل بل قصَّة الْعَسَل الَّذِي شربه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت زَيْنَب بنت جحش وتواطأت عَائِشَة وَحَفْصَة على أَن يَقُولَا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّا نجد مِنْك ريح مَغَافِير فحرمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَفسه وَنزل فيهمَا {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا} كَمَا أخرج فِي الصَّحِيح من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا والمغافير بالغين الْمُعْجَمَة صمغ حُلْو كالناطف لَهُ رَائِحَة كريهة وَأبْعد من قَالَ إِن لَهُ رَائِحَة حَسَنَة

وَحكى الحناطي - بِالْحَاء الْمُهْملَة ثمَّ نون - من أَصْحَابنَا وَجها أَن التَّخْيِير لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ مَنْدُوبًا وَالْمَشْهُور الأول فَلَمَّا نزلت الْآيَة بَدَأَ بعائشة فاختارته كَمَا أخرج فِي الصَّحِيح ثمَّ أخبر بِهِ بَاقِي نِسَائِهِ كَمَا هُوَ مخرج فِي الصَّحِيح أَيْضا وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِلَّا فَاطِمَة بنت الضَّحَّاك الْكلابِيَّة وَكَانَ قد دخل بهَا فَاخْتَارَتْ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا فسرحها فَلَمَّا كَانَ فِي زمن عمر رَضِي الله عَنهُ وجدت تلقط البعر وَتقول اخْتَرْت الدُّنْيَا على الْآخِرَة فَلَا دنيا وَلَا آخِرَة وَقَالَ ابْن الطلاع إِنَّهَا كَانَت تلقط البعر وَتقول إِنَّهَا الشقية

وَكَانَت تَحْتَهُ قتيلة بنت قيس وَإنَّهُ أوصى بتخييرها فِي مَرضه فَاخْتَارَتْ فِرَاقه قبل الدُّخُول وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَفِي الْآيَة دَلِيل على أَحْكَام خَمْسَة أ - أَن الزَّوْج إِذا أعْسر بِالنَّفَقَةِ لَهَا خِيَار الْفَسْخ ب - وَأَن الْمُتْعَة تجب للمدخول بهَا إِذا طلقت ج - وَجَوَاز تَعْجِيلهَا قبل الطَّلَاق د - وَأَن السراح الْجَمِيل صَرِيح فِي الطَّلَاق هـ - وَأَن الْمُتْعَة غير مقدرَة شرعا وَرَأَيْت فِي كتاب الْأَقْسَام والخصال لأبي بكر الْخفاف من قدماء أَصْحَابنَا أَن فِي تخييره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوْجَاته تسع دَلَائِل فَذكر الثَّلَاثَة الأول من

كَلَام الْمَاوَرْدِيّ وَأَن التَّخْيِير لَيْسَ بِطَلَاق وَأَنَّهَا مَتى اخْتَارَتْ فِرَاقه وَجب عَلَيْهِ الطَّلَاق وَأَن الْخِيَار عَلَيْهِ دون سَائِر أمته وَأَنه غير جَائِز أَن يتَزَوَّج كَافِرَة وَأَن أَزوَاجه مُحرمَات على التَّأْبِيد إِلَّا أَن تكون مُطلقَة غير مَدْخُول بهَا هَذَا لَفظه إِذا تقرر ذَلِك فَتنبه لأمور أَحدهَا من اخْتَارَتْ مِنْهُنَّ الْحَيَاة الدُّنْيَا هَل كَانَ يحصل الْفِرَاق بِنَفس الِاخْتِيَار فِيهِ وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا أَحدهمَا نعم كَمَا لَو خير غَيره زَوجته وَنوى تَفْوِيض الطَّلَاق إِلَيْهَا واختارت نَفسهَا وأصحهما لَا لقَوْله تَعَالَى {فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} وَلَو جعل الْفِرَاق باختيارها لما كَانَ للتسريح معنى وَلِأَنَّهُ تَخْيِير بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَمَا لَو خير وَاحِد من الْأمة زَوجته فَاخْتَارَتْ الدُّنْيَا وَفِي السراح الْجَمِيل تأويلات أ - أَحدهَا أَن يُطلق دون الثَّلَاث

ب - وَثَانِيها أَن يُوفى فِيهِ الْمهْر والمتعة ج - وَثَالِثهَا أَنه التسريح من الطَّلَاق دون غَيره د - وَيحْتَمل رَابِعا أبداه ابْن الْقشيرِي فِي تَفْسِيره وَهُوَ أَن يكون فِي مُسْتَقْبل الْعدة فِي طهر لم يجر فِيهِ جماع وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ هَل كَانَ التَّخْيِير بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَو بَين الطَّلَاق وَالْمقَام فِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء وأشبههما بقول الشَّافِعِي الثَّانِي ثمَّ قَالَ بعده إِنَّه الصَّحِيح فعلى الأول لَا شَيْء حَتَّى يُطلق وعَلى الثَّانِي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن تخييره كتخيير غَيره يرجع إِلَى نِيَّته ونيتها وَثَانِيهمَا أَنه صَرِيح فِي الطَّلَاق لِخُرُوجِهِ مخرج التَّغْلِيظ وَعَن أبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ حِكَايَة وَجْهَيْن فِي أَن قَوْلهَا اخْتَرْت نَفسِي هَل يكون صَرِيحًا فِي الطَّلَاق حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ عَنهُ وَالظَّاهِر أَنه مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا فَإِن قُلْنَا تحصل الْفرْقَة بِالِاخْتِيَارِ أَو بِوُقُوع الطَّلَاق فَطلقهَا دون الثَّلَاث فَفِي كَونه رَجْعِيًا كَمَا فِي حق غَيره أَو بَائِنا تَغْلِيظًا لِأَن الله عز وَجل غلظ عَلَيْهِ فِي التَّخْيِير فيغلظ عَلَيْهِ الطَّلَاق وَجْهَان حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيّ ثمَّ فِي التَّحْرِيم على التَّأْبِيد وَجْهَان إِحْدَاهمَا لَا ليَكُون سراحا جميلا وَثَانِيهمَا نعم لاختيارها الدُّنْيَا على الْآخِرَة فَلم تكن من أَزوَاجه فِي الْآخِرَة وحكاهما الرَّافِعِيّ عَن أبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ أَيْضا

ثَانِيهَا هَل يعْتَبر أَن يكون جوابهن على الْفَوْر فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا فِي أصل الرَّوْضَة لَا وَيجوز فِيهِ التَّرَاخِي وَبِه قطع القَاضِي ابْن كج لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا (لَا تبادريني بِالْجَوَابِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك) // مُتَّفق عَلَيْهِ // من حَدِيثهَا وَاعْترض الشَّيْخ أَبُو حَامِد على هَذَا الِاسْتِدْلَال فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صرح بتراخي خِيَارهَا إِلَى مُرَاجعَة أَبَوَيْهَا وَالْكَلَام فِي التَّخْيِير الْمُطلق قَالَ الرَّافِعِيّ وَحَكَاهُ الإِمَام عَن الْأَصْحَاب وهما مبنيان على الْوَجْهَيْنِ فِي حُصُول الْفِرَاق بِنَفس الِاخْتِيَار فَإِن قُلْنَا بِهِ وَجب أَن يكون على الْفَوْر وَإِن قُلْنَا لَا فِيهِ التَّرَاخِي وَقَالَ الإِمَام لَا يجوز كَمَا لَو قَالَ الْوَاحِد منا لزوجته طَلِّقِي نَفسك فَفِي كَون جوابها على الْفَوْر أَو على التَّرَاخِي قَولَانِ

قَالَ الإِمَام وَبِنَاء على هَذَا الْخلاف السَّابِق عندنَا فِي غَايَة الضعْف لأجل الْخَبَر وَإِن قَالَ متكلف مَا جرى من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تخير ناجز فِي حَقنا قُلْنَا فَلم اكْتفى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باختيارها الله وَرَسُوله وَرَآهُ جَوَابا عَن التَّخْيِير فَلَا حَاصِل لذكر الْخلاف فِي اعْتِبَار الْفَوْر وَعَدَمه مَعَ جزمه بِحُصُول الْفِرَاق بِالِاخْتِيَارِ لكنه بناه على أَن تِلْكَ فرقة طَلَاق طَلَاق أَو فسخ وَفِيه وَجْهَان فَإِن قُلْنَا فرقة طَلَاق فَهِيَ على الْفَوْر وَإِلَّا فعلى التَّرَاخِي (فرع) إِن جعلنَا على الْفَوْر فيمتد بامتداد الْمجْلس أم يعْتَبر الْفَوْرِيَّة الْمُعْتَبرَة فِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِيهِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ عَن الْهَرَوِيّ ثَالِثهَا هَل كَانَ يحرم عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام طَلَاق من اختارته فِيهِ وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا أَحدهمَا وَبِه قطع الْمَاوَرْدِيّ وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم نعم كَمَا يحرم إِِمْسَاكهَا لَو رغبت عَنهُ ومكافأة لَهُنَّ

على صبرهن وَبِه يشْعر قَوْله تَعَالَى {وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} الْآيَة فَإِن التبدل فراقهن وَتزَوج غَيْرهنَّ فَفِي تَحْرِيمه تَحْرِيم مفارقتهن وأظهرهما عِنْد الإِمَام والرافعي فِي شرح الصَّغِير وَالنَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة لَا كَمَا لَو أَرَادَ وَاحِد من الْأمة طَلَاق زَوجته لَا يمْنَع مِنْهُ وَإِن رغبت فِيهِ وَلِأَن التبدل مَعْنَاهُ مفارقتهن والتزوج بأمثالهن بَدَلا عَنْهُن وَذَلِكَ مَجْمُوع أَمريْن فَلَا يَقْتَضِي الْمَنْع من أَولهمَا قَالَ الإِمَام وادعاء الْحجر على الشَّارِع فِي الطَّلَاق بعيد وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه يحرم عقب اختيارهن وَلَا يحرم إِذا انْفَصل عَنهُ فَإِن قلت هَل يسْتَدلّ للْوَجْه الْأَظْهر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام طلق حَفْصَة وراجعها وعزم على طَلَاق سَوْدَة فَوهبت يَوْمهَا لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قلت لَا فَإِن المارودي قَالَ كَانَ ذَلِك قبل التَّخْيِير وَكَذَا قصَّة الْإِفْك وَقَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ لما استشاره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي فِرَاق أَهله لم يضيق الله عَلَيْك النِّسَاء كثير سواهَا لَعَلَّه قبل نزُول آيَة

التَّخْيِير وَقد صرح بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ كَانَ إيلاؤه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سنة تسع من الْهِجْرَة والتخيير بعْدهَا لَكِن اصْطفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة بنت حييّ من سبي خَيْبَر سنة سبع وَتَزَوجهَا وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ أَن تزَوجه لَهَا كَانَ بعد نزُول آيَة التَّخْيِير رَابِعهَا لما خير عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زَوْجَاته كافأهن الله على حسن صنيعهن بِالْجنَّةِ فَقَالَ {إِن الله أعد للمحسنات} أَي المختارات مِنْكُم أجرا عَظِيما أَي الْجنَّة وَمن للْبَيَان لَا للتَّبْعِيض وَبِأَن حرم على رَسُوله التَّزَوُّج عَلَيْهِنَّ والاستبدال بِهن فَقَالَ تَعَالَى {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} الْآيَة لَكِن نسخ ذَلِك لتَكون الْمِنَّة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بترك التَّزَوُّج عَلَيْهِنَّ بقوله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} الْآيَة قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا (مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى حل لَهُ النِّسَاء) رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَعَائِشَة بِهَذَا الشَّأْن أخبر

قَالَ أَصْحَابنَا وأبيح لَهُ التبدل بِهن وَلكنه لم يفعل وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فَقَالَ دَامَ التَّحْرِيم وَلم ينْسَخ وَاسْتدلَّ بأوجه أ - أَحدهَا أَن قَوْله {من بعد} يدل على التَّأْبِيد وَالْجَوَاب أَنه لَا دلَالَة فِي ذَلِك على عدم النّسخ ب - وَثَانِيها أَنه تَعَالَى جعل جَزَاء لاختيارهن فَلَا يحسن الرُّجُوع فِيهِ قلت لَا تَحْسِين إِلَّا بِالشَّرْعِ لِأَن التَّحْرِيم إِنَّمَا كَانَ بصبرهن على الضّيق وَقد زَالَ بِفَتْح الْفتُوح ج - وَثَالِثهَا أَنه لما كَانَ يحرم طلاقهن وَجب أَن يكون تَحْرِيم النِّكَاح عَلَيْهِنَّ بَاقِيا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا جَزَاء وَالْجَوَاب بِالْفرقِ بَينهمَا بِأَن الطَّلَاق يخرجهن أَن يكن أَزوَاجه فِي الْآخِرَة بِخِلَاف التَّزَوُّج عَلَيْهِنَّ وَاعْترض على هَذَا الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ بِأَنَّهَا مُتَقَدّمَة فِي التِّلَاوَة على آيَة التَّخْيِير والناسخ لَا يكون مُتَقَدما على الْمَنْسُوخ فَوَجَبَ حملهَا على أَن المُرَاد أَنه أحل النِّسَاء اللَّاتِي اخترنه وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَالْجَوَاب أَن الْآيَة وَإِن تقدّمت فِي التِّلَاوَة فَهِيَ

مُتَأَخِّرَة فِي النُّزُول كَمَا وَقع ذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} الْآيَة إِلَى قَوْله {عشرا} فَإِنَّهُ نَاسخ لقَوْله تَعَالَى {مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج} وَإِن كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنهُ فِي التِّلَاوَة وَإِنَّمَا قدمت الْآيَة الناسخة فِي التِّلَاوَة لِأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا نزل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِآيَة قَالَ إجعلها فِي مَوضِع كَذَا من سُورَة كَذَا فَقدمت فِي التِّلَاوَة لسبق التَّالِي إِلَى معرفَة الحكم الَّذِي اسْتَقر حَتَّى لَو لم يعرف الْمَنْسُوخ بعده لم يضرّهُ وَأما حمل الْآيَة على اللَّاتِي اخترنه فَلَا يَصح لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهُنَّ كن حَلَالا قبل نزُول الْآيَة فَلم تفده هَذِه الْآيَة وَلِأَن قَوْله {إِنَّا أَحللنَا لَك} تَقْتَضِي تقدم حظره وَالثَّانِي أَنه قَالَ فِيهَا {وَبَنَات عمك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك} وَلم يكن من المخيرات أحد من هَؤُلَاءِ كَمَا قَالَه الشَّافِعِي فِي الْأُم خَامِسهَا إِذا ثَبت أَنه أخل لَهُ التَّزَوُّج فَهَل ذَلِك عَام فِي جَمِيع النِّسَاء فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيّ أَحدهمَا لَا وَيخْتَص ذَلِك ببنات الْأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات الْمُهَاجِرَات مَعَه لظَاهِر الْآيَة

وَقد روى عَن أم هَانِئ أَنَّهَا قَالَت نزلت هَذِه الْآيَة فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَتَزَوَّجنِي فنهي عني لِأَنِّي لم أُهَاجِر وأظهرهما أَنه عَام فِي جَمِيع النِّسَاء لِأَن الْإِبَاحَة رفعت مَا تقدم من الْحَظْر فاستباح مَا كَانَ يستبيحه قبلهَا وَلِأَنَّهُ فِي اسْتِبَاحَة النِّسَاء أوسع من أمته فَلم يجز أَن ينقص عَنْهُم وَقد تزوج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صَفِيَّة بعد كَمَا سلف عَن الْمَاوَرْدِيّ

وَلَيْسَت من الْمَذْكُورَات فِي الْآيَة وَالْقَاضِي حُسَيْن قَالَ إِن تَحْرِيم النسْوَة عَلَيْهِ هَل بَقِي مُؤَبَّدًا أم ارْتَفع فِيهِ وَجْهَان سادسها قَالَ الْمَاوَرْدِيّ تَحْرِيم طَلَاق من اختارته مِنْهُنَّ أَي إِذا قُلْنَا بِهِ كَمَا سلف لم ينْسَخ بل بَقِي إِلَى الْمَوْت وَبِه اسْتدلَّ أَبُو حنيفَة على بَقَاء تَحْرِيم نِكَاح غَيْرهنَّ أَيْضا وَكَلَام الإِمَام يُشِير إِلَى خِلَافه سابعها هَل كَانَ يجوز لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يَجْعَل الِاخْتِيَار إلَيْهِنَّ قبل الْمُشَاورَة إلَيْهِنَّ فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ عَن الجرجانيات لأبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ وَلم أرهما فِي الرَّوْضَة

الأول المحرمات في غير النكاح

النَّوْع الثَّانِي مَا اخْتصَّ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُحرمَات وَذَلِكَ تكرمة لَهُ فَإِن أجر ترك الْمحرم أَكثر من أجر ترك الْمَكْرُوه وَفعل الْمَنْدُوب إِذْ الْمحرم فِي المنهيات كالواجب فِي المأمورات وَهِي أَيْضا قِسْمَانِ الأول الْمُحرمَات فِي غير النِّكَاح وَفِيه مسَائِل الأولى الزَّكَاة فَإِنَّهَا حرَام عَلَيْهِ وشاركه فِي ذَلِك ذَوُو الْقُرْبَى بِسَبَبِهِ أَيْضا فالخاصية عَائِدَة إِلَيْهِ فَإِنَّهَا أوساخ النَّاس كَمَا أخرجه مُسلم ومنصبه منزه عَن ذَلِك وَهِي أَيْضا تُعْطى على سَبِيل الترحم المنبئ عَن ذل الْآخِذ فأبدلوا عَنْهَا بِالْغَنِيمَةِ الْمَأْخُوذَة بطرِيق الْعِزّ والشرف المنبئ عَن عز الْآخِذ وذل الْمَأْخُوذ مِنْهُ

قد اخْتلف عُلَمَاء السّلف أَن الْأَنْبِيَاء تشاركه فِي ذَلِك أم يخْتَص بِهِ دونهم فَقَالَ بِالْأولِ الْحسن الْبَصْرِيّ وَبِالثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأما صَدَقَة التَّطَوُّع فَفِي تحريهما عَلَيْهِ وعَلى آله أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا نعم وَثَانِيها لَا وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يمْنَع عَنْهَا ترفعا وأصحها تحرم عَلَيْهِ دونهم وَرَابِعهَا يحرم عَلَيْهِم الْخَاصَّة دون الْعَامَّة أَي كالمساجد ومياه الْآبَار وَأبْدى الْمَاوَرْدِيّ وَجها اخْتَارَهُ إِن مَا كَانَ مِنْهَا أَمْوَالًا مُتَقَومَة كَانَت مُحرمَة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون مَا كَانَ مِنْهَا غير مُتَقَوّم فَتخرج صلواته فِي الْمَسَاجِد وشربه مَاء زَمْزَم وبئر رومة وَحكى الرَّافِعِيّ هُنَا الْخلاف من وَجْهَيْن فَقَالَ وَمن الْمُحرمَات

الصَّدَقَة فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ على مَا سبق فِي قسم الصَّدقَات وَتبع فِي حِكَايَة الْخلاف كَذَلِك الإِمَام هُنَا والطبري صَاحب الْعدة وَكَذَا حَكَاهُ الْعجلِيّ فِي شرح الْوَسِيط والجرجاني فِي الشافي لَكِن الَّذِي سبق من كَلَام الرَّافِعِيّ فِي قسم الصَّدقَات أَن الْخلاف قَولَانِ وَهُوَ الصَّوَاب الْمَذْكُور فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ هُنَا وَفِي الرَّوْضَة أَيْضا فقد قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الْوَقْف إنَّهُمَا منصوصان فِي الْأُم (فرع) حكى ابْن الصّلاح عَن أمالي أبي الْفرج السَّرخسِيّ أَن فِي صرف الْكَفَّارَة وَالنّذر إِلَى الْهَاشِمِي قَوْلَيْنِ وَالظَّاهِر جريانهما فِي المطلبي أَيْضا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ

الثَّانِيَة كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْكُل البصل والثوم والكراث وَمَا لَهُ رَائِحَة كريهة من الْبُقُول وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جَابر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بِقدر فِيهِ خضروات من الْبُقُول فَوجدَ لَهَا ريحًا فَسَأَلَ فَأخْبر من الْبُقُول فَقَالَ قربوها إِلَى بعض أَصْحَابه فَلَمَّا رَآهُ كره أكلهَا فَقَالَ (كل فَإِنِّي أُنَاجِي من لَا تناجي) وَهل كَانَ ذَلِك حَرَامًا عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَبِه جزم الْمَاوَرْدِيّ نعم كَيْلا يتَأَذَّى بِهِ الْملك وأشبههما لَا وَإِنَّمَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمْتَنع مِنْهُ ترفعا وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي أَيُّوب أحرام هُوَ قَالَ (لَا

وَلَكِنِّي أكرهه من أجل رِيحه) قَالَ فَإِنِّي أكره مَا كرهت قَالَ وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى - يَعْنِي يَأْتِيهِ جِبْرِيل بِالْوَحْي - وَهَذَا صَرِيح فِي نفي التَّحْرِيم وَإِثْبَات الْكَرَاهَة وَفِي مُسْند أَحْمد وَسنَن أبي دَاوُد بِسَنَد صَالح من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلت عَن أكل البصل فَقَالَت آخر طَعَام أكله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ بصل وَلما ذكر ابْن الصّلاح حَدِيث أبي أَيُّوب قَالَ إِنَّه يبطل وَجه التَّحْرِيم اعْترض عَلَيْهِ صَاحب الْمطلب وَقَالَ فِيهِ نظر من جِهَة أَن حَدِيث أبي أَيُّوب كَانَ فِي ابْتِدَاء الْهِجْرَة وَالنَّهْي عَن أكل الثوم كَانَ عَام خَيْبَر كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه قلت لَكِن فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي قصَّة خَيْبَر أَيْضا لكنه لما نهى عَن أكل الشَّجَرَة الخبيثة قَالَ النَّاس حرمت حرمت فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (يَا أَيهَا النَّاس إِنَّه لَيْسَ بِي تَحْرِيم مَا أحل الله لي وَلكم وَلكنهَا شَجَرَة أكره رِيحهَا)

الثَّالِثَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ لَا يَأْكُل مُتكئا فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أبي جُحَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لرجل عِنْده (أَنا لَا آكل وَأَنا متكئ) وَفِي شعب الْإِيمَان للبيهقي عَن يحيى بن أبي كثير أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ آكل كَمَا يَأْكُل العَبْد وأجلس كَمَا يجلس العَبْد فَإِنَّمَا أَنا عبد وأسنده فِي دلائله وسننه من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَلَفظه (بل أكون عبدا نَبيا) قَالَ فَمَا أكل بعد تِلْكَ الْكَلِمَة طَعَاما مُتكئا حَتَّى لَقِي الله وَله طرق أوضحتها فِي تخريجي لأحاديث الرَّافِعِيّ فَرَاجعهَا مِنْهُ وَهل كَانَ ذَلِك حَرَامًا عَلَيْهِ أَو مَكْرُوها كَمَا فِي حق الْأمة فِيهِ وَجْهَان أشبههَا - كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ - الثَّانِي وَجزم بِالْأولِ صَاحب التَّلْخِيص أَي لما فِيهِ من الْكبر وَالْعجب وَعلل الأول بِأَنَّهُ لم يثبت فِيهِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيم وَاجْتنَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّيْء واختياره غَيره لَا يدل على كَونه محرما عِنْده

إِذا تقرر ذَلِك فَمَا المُرَاد بالمتكئ فِيهِ خلاف قَالَ الْخطابِيّ المُرَاد بِهِ هُنَا الْجَالِس الْمُعْتَمد على وطاء تَحْتَهُ وَأقرهُ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَأنْكرهُ عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ وَقَالَ المُرَاد بِهِ المائل على جنب وَأما صَاحب الشِّفَاء ففسره بِمَا قَالَه الْخطابِيّ ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ هُوَ الْميل على شقّ عِنْد الْمُحَقِّقين وَكَذَا قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْمُسْتَوْفى فِي أَسمَاء الْمُصْطَفى إِن الاتكاء فِي اللُّغَة هُوَ التَّمَكُّن فِي الْأكل

الرَّابِعَة الْخط وَالشعر قَالَ تَعَالَى {وَلَا تخطه بيمينك} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} الْآيَة وهما حرامان عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيّ وَإِنَّمَا يتَّجه القَوْل بتحريمهما مِمَّن يَقُول إِنَّه كَانَ يحسنهما وَقد اخْتلف فِيهِ فَقيل كَانَ يحسنهما وَيمْتَنع مِنْهُمَا وَالأَصَح أَنه كَانَ لَا يحسنهما قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَلَا يمْتَنع تحريمهما وَإِن لم يحسنهما وَيكون المُرَاد تَحْرِيم التَّوَصُّل إِلَيْهِمَا وَتمسك الْقَائِل بِأَنَّهُ كَانَ يحسن الْكِتَابَة بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كتب هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله وَيُجَاب بِأَنَّهُ أَمر بهَا وَوَقع فِي أَطْرَاف ابي مَسْعُود الدِّمَشْقِي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ الْكتاب وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب فَكتب مَكَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّدًا وَكتب هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي

كتاب التَّنْوِير بعد أَن عزاها إِلَيْهِ وَهِي زِيَادَة مُنكرَة لَيست فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ وَذكر عمر بن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كتب يَوْم الْحُدَيْبِيَة بِيَدِهِ ومحى فِي قَوْله إِلَى أَنه قصد الْكتاب عَالما بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت وَلم يُعلمهُ قبله وَأَن ذَلِك من معجزاته أَن يعلم الْكِتَابَة فِي وقته لِأَن ذَلِك خرق للْعَادَة وَقَالَ بِهَذَا القَوْل بعض الْمُحدثين مِنْهُم أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو الْفَتْح النَّيْسَابُورِي وَالْقَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وصنف فِي ذَلِك كتابا

وَقيل إِنَّه كتب فِي ذَلِك الْيَوْم غير عَالم بِالْكِتَابَةِ وَلَا مُمَيّز لحروفها لكنه أَخذ الْقَلَم بِيَدِهِ فَخط بِهِ مَا لم يميزه هُوَ فَإِذا هُوَ كتاب ظَاهر بَين على حسب المُرَاد قَالَ وَذهب إِلَى ذَلِك القَاضِي أَبُو جَعْفَر السمناني الأصولي قَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد كَانَ من أوكد معجزاته أَن يكْتب من غير تعلم قَالَ ابْن دحْيَة وَهَذَا كُله لَيْسَ بِشَيْء وَقد رد على القَاضِي أبي الْوَلِيد وَخَطأَهُ فِي جُزْء كَبِير ابْن مفوز الْعَالم ثمَّ حكى حِكَايَة عَظِيمَة فِي ذَلِك رُؤْيا قلت وَحَدِيث مجَالد حَدثنِي عون بن عبد الله عَن أَبِيه قَالَ (مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كتب وَقَرَأَ) وهاه الْبَيْهَقِيّ أَنه حَدِيث مُنْقَطع وَفِي رُوَاته جمَاعَة من الضُّعَفَاء والمجهولين

قلت وَقد وَقع مثله فِي قَوْله تَعَالَى {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا} الْآيَة وَمَا رُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرجز كَقَوْلِه (هَل أَنْت إِلَّا أصْبع دميت ... ) قَالَ الْأَخْفَش إِنَّه لَيْسَ بِشعر وَقيل إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يَقْصِدهُ وَإِنَّمَا وَقع مرجزا وَلَا يُسمى شعرًا وَلَا قَائِله شَاعِرًا

قَالَ الْحَرْبِيّ وَلم يبلغنِي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أنْشد بَيْتا كَامِلا على رويه بل الصَّدْر كَقَوْل لبيد (أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل ... ) أَو الْعَجز كَقَوْل طرفَة (ويأتيك بالأخبار من لم تزَود ... ) فَإِن أنْشد بَيْتا كَامِلا غَيره قَالَ يَوْمًا (أَتجْعَلُ نَهْبي وَنهب العبيد ... بَين الْأَقْرَع والعيينة) فَقيل لَهُ إِنَّمَا هُوَ بَين العيينة والأقرع قَالَ (إِنَّمَا هُوَ بَين الْأَقْرَع والعيينة) فَقَالَ أَبُو بكر أشهد أَنَّك رَسُول الله ثمَّ قَرَأَ {وَمَا علمناه الشّعْر} الْآيَة وَلَا فرق فِي الْخط بَين الْعَرَبِيّ وَغَيره وَألْحق الْمَاوَرْدِيّ بقول الشّعْر

رِوَايَته وبالكتابة الْقِرَاءَة أَي فِي الْكتاب لقَوْله تَعَالَى {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب} الْآيَة وَعبارَة الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف إِن من خَصَائِصه أَنه لم يكن لَهُ أَن يَقُول شعرًا وَلَا أَن يتعلمه (فَائِدَة) جَمِيع كتابات الْأُمَم اثْنَا عشرَة كِتَابَة الْعَرَبيَّة والحميرية واليونانية والفارسية والسريانية والعبرانية والرومية والقبطية والبربرية والأندلسية والهندية والصينية ذهب مِنْهَا خمس فَلَا تعرف الْيَوْم الحميرية واليونانية

والقبطية والبربرية والأندلسية وَثَلَاث بقيت فِي بلادها وَلَا تعرف فِي بِلَاد الْإِسْلَام الرومية والهندية والصينية وَبقيت أَربع تسْتَعْمل فِي بِلَاد الْإِسْلَام العبرانية والفارسية والسريانية والعربية كَذَا قيل وَلَا يَخْلُو بعضه من نزاع وَاخْتلف فِي أول من خطّ بِالْعَرَبِيَّةِ قيل إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَالصَّحِيح مرامر بن مرّة من أهل الأنبار وَقيل إِنَّه من بني مرّة وَمن الأنبار ثمَّ انتشرت كِتَابَة الْعَرَبيَّة فِي النَّاس الْخَامِسَة كَانَ يحرم عَلَيْهِ إِذا لبس لأمته أَن يَنْزِعهَا حَتَّى يلقى

الْعَدو وَيُقَاتل فَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ مُرْسلا (لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ إِذا أَخذ لأمة الْحَرْب وَأذن فِي النَّاس بِالْخرُوجِ إِلَى الْعَدو أَن يرجع حَتَّى يُقَاتل) ثمَّ قَالَ وَقد كتبناه مَوْصُولا بِإِسْنَاد حسن فَذكره من رِوَايَة ابْن عَبَّاس وَأخرج الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر وَذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي بَاب الْمُشَاورَة بِغَيْر إِسْنَاد وَقَوله فِي الحَدِيث (لأمته) بِالْهَمْزَةِ كَمَا قَيده صَاحب الْمَشَارِق وَغَيره وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه (نِهَايَة السول فِي خَصَائِص الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا سمعته وأرويه

قَالَ ابْن فَارس اللأمة مَهْمُوزَة الدرْع قَالَ كَذَا قيدتها بِالْهَمْز فِي كتاب فقه اللُّغَة إِلَّا أَنه جعله الدرْع التَّامَّة وَكَذَا قيدته أَيْضا فِي كِفَايَة المتحفظ للأجدابي بِالْهَمْز وَجَمعهَا لأم لأم كتمرة وتمر وَيجمع أَيْضا على لؤم بِوَزْن نفر على غير قِيَاس كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِي كَأَنَّهُ جمع لؤمة بِضَم اللَّام واستلأم الرجل لبس اللأمة ثمَّ مَا جزمنا بِهِ من تَحْرِيم النزع عَلَيْهِ حَتَّى يُقَاتل هُوَ الْمَشْهُور وَعَن رِوَايَة الشَّيْخ أبي عَليّ أَن ذَلِك كَانَ مَكْرُوها لَا محرما قَالَ الإِمَام وَهَذَا بعيد غير موثوق قَالَ الْبَغَوِيّ وَقد قيل بِنَاء عَلَيْهِ إِنَّه كَانَ لَا يَبْتَدِئ تَطَوّعا إِلَّا لزمَه إِتْمَامه السَّادِسَة كَانَ يحرم عَلَيْهِ مد الْعين إِلَى مَا متع بِهِ النَّاس لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك} الْآيَة نَقله الرَّافِعِيّ عَن صَاحب

الإفصاح وَرِوَايَة فِي التَّلْخِيص مَجْزُومًا وَلذَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة السَّابِعَة كَانَ يحرم عَلَيْهِ خَائِنَة الْأَعْين لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كَانَ يَوْم فتح مَكَّة آمن النَّاس إِلَّا سِتَّة مِنْهُم عبد الله بن أبي سرح فَاخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان

رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَى الْبيعَة جَاءَ بِهِ حَتَّى أوقفهُ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا نَبِي الله بَايع عبد الله فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى فَبَايعهُ بعد ذَلِك ثمَّ أقبل إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ (أما كَانَ فِيكُم رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حِين رَآنِي كَفَفْت عَن مبايعته فيقتله) فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا نَدْرِي مَا فِي نَفسك أَلا أَوْمَأت إِلَيْنَا بِعَيْنِك قَالَ (إِنَّه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن يكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين) // رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ // من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص وَقَالَ الْحَاكِم حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم

وَاخْتلف فِي المُرَاد بخائنة الْأَعْين كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي مشكله فَقيل هِيَ الْإِيمَاء بِالْعينِ وَقيل مسارقة النّظر وَعبارَة الرَّافِعِيّ هِيَ الْإِيمَاء إِلَى مُبَاح من ضرب أَو قتل على خلاف مَا يظْهر ويشعر بِهِ الْحَال وَإِنَّمَا قيل لَهَا خَائِنَة الْأَعْين تَشْبِيها بالخيانة من حَيْثُ إِنَّه يخفى خلاف مَا يظْهر وَلَا يحرم ذَلِك على غَيره إِلَّا فِي مَحْظُور وَاسْتدلَّ بِهِ صَاحب التَّلْخِيص على أَنه لم يكن لَهُ أَن يخدع فِي الْحَرْب وَخَالفهُ الْمُعظم كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ مُعَللا بِأَنَّهُ اشْتهر أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا ورى بِغَيْرِهِ وَهُوَ فِي الصَّحِيح من حَدِيث كَعْب بن مَالك وَصَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْحَرْب خدعة) وَهُوَ بِفَتْح الْخَاء لُغَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْفرق أَن الرَّمْز يزري برامزه بِخِلَاف الْإِبْهَام فِي الْأُمُور الْعِظَام الثَّامِنَة اخْتلف أَصْحَابنَا هَل كَانَ يحرم عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي على من عَلَيْهِ دين على وَجْهَيْن وَفِي جَوَازه مَعَ وجود الضَّامِن على طَرِيقين حَكَاهُمَا

أَبُو الْعَبَّاس فِي الجرجانيات فِيمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَنهُ قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة بعد أَن حكى الْخلاف فِي الثَّانِيَة وَجْهَيْن على خلاف من كَونه طَرِيقين وَالصَّوَاب الْجَزْم بِجَوَازِهِ مَعَ الضَّامِن ثمَّ نسخ التَّحْرِيم فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على من عَلَيْهِ دين وَلَا ضَامِن لَهُ ويوفيه من عِنْده وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مصرحة بذلك

التَّاسِعَة كَانَ يحرم عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمن ليستكثر وَمَعْنَاهُ أَن يُعْطي شَيْئا ليَأْخُذ أَكثر مِنْهُ قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ ذَلِك خَاص بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ

المحرمات المتعلقة بالنكاح

الْقسم الثَّانِي الْمُحرمَات الْمُتَعَلّقَة بِالنِّكَاحِ وَفِيه مسَائِل الأولى إمْسَاك من كرحت كرهت نِكَاحه ورغبت عَنهُ وَاسْتشْهدَ لَهُ بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن ابْنة الجون لما دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودنا مِنْهَا فَقَالَت أعوذ بِاللَّه مِنْك فَقَالَ (لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك) وَفِي رِوَايَة ابْن سعد علمهَا نساؤه ذَلِك وَلَكِن إسنادها ضَعِيف

وَفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم أَن الْمعلم لَهَا ذَلِك إِمَّا عَائِشَة وَإِمَّا حَفْصَة وَقد أوضحت طرق هَذَا الحَدِيث أحسن إِيضَاح فِي تخريجي لأحاديث الرَّافِعِيّ وَذكرت فِي اسْم هَذِه المستعيذة سَبْعَة أَقْوَال فاستفد ذَلِك مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُوجد لَك ذَلِك فِي غَيره وَفهم مِمَّا ذَكرْنَاهُ أَنه حرم عَلَيْهِ نِكَاح نِكَاح كل امْرَأَة كرهت صحبته وجدير أَن يكون الْأَمر كَذَلِك لما فِيهِ من الْإِيذَاء وَيشْهد لذَلِك إِيجَاب التَّخْيِير الْمُتَقَدّم وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّمَا كَانَ يفارقها تكرما وَهُوَ غَرِيب كَمَا فِي الرَّافِعِيّ الثَّانِيَة نِكَاح الْحرَّة الْكِتَابِيَّة حرَام عَلَيْهِ قَالَ الله تَعَالَى {وأزواجه أمهاتهم} الْآيَة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سَأَلت رَبِّي عز وَجل أَن لَا أزوج أحدا من أمتى وَلَا أَتزوّج إِلَّا كَانَ معي فِي الْجنَّة فَأَعْطَانِي) رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من

حَدِيث ابْن أبي أوفى وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة أَنه قَالَ لامْرَأَته إِن سرك أَن تَكُونِي زَوْجَتي فِي الْجنَّة فَلَا تزوجين بعدِي فَإِن الْمَرْأَة فِي الْجنَّة لآخر أزواجها فِي الدُّنْيَا فَلذَلِك حرم على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينكحن بعده لِأَنَّهُنَّ أَزوَاجه فِي الْجنَّة وَلما تكلم القَاضِي حُسَيْن فِي فضل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا على فضل فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَ إِن فَاطِمَة قَالَت لَهَا أَنا أفضل مِنْك لِأَنِّي بضعَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أما فِي أُمُور الدُّنْيَا فَالْأَمْر كَمَا تَقُولِينَ لَكِن الْفَخر فِي الْآخِرَة فَأَنا أكون مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَرَجَته فِي الْجنَّة وَأَنت تكونين مَعَ عَليّ فِي دَرَجَته فِي الْجنَّة فانظري الْفضل بَين الدرجتين فَبَكَتْ فَاطِمَة حِين عجزت عَن الْجَواب فَقَامَتْ عَائِشَة وَقبلت رَأسهَا وَقَالَت لَيْتَني شَعْرَة فِي رَأسك اذا تقرر ذَلِك فالجنة حرَام على الْكَافرين وَلِأَنَّهَا تكره صحبته وَلِأَنَّهُ أشرف من أَن يضع مَاءَهُ فِي رحم كَافِرَة وَعبارَة القَاضِي حُسَيْن إِنَّه لَا يجوز لَهُ أَن يفرغ مَاءَهُ فِي رَحمهَا وَلِأَن الله تَعَالَى شَرط فِي إِبَاحَة النِّسَاء الْهِجْرَة فَقَالَ (اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك) فَإِذا حظر عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام غير المهاجرة فَأولى أَن يحرم عَلَيْهِ من لم تسلم وَلم تهَاجر

وَخَالف أَبُو إِسْحَاق من أَصْحَابنَا فَقَالَ لَا يحرم عَلَيْهِ نِكَاحهَا كَمَا فِي حق الْأمة وَحكمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي النِّكَاح أوسع من حكم أمته وَهِي حَلَال لَهُم فَلهُ أولى وَهَذَا الْقَائِل يَقُول لَو نكحت كِتَابِيَّة لهديت إِلَى الْإِسْلَام كَرَامَة لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي الْحَاوِي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام استمتع بأمته رَيْحَانَة بنت عَمْرو الْيَهُودِيَّة بِملك الْيَمين - وَهِي من سبي بني قُرَيْظَة - بعد أَن عرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام فَأَبت ثمَّ أسلمت بعد ذَلِك وَهَذَا دَلِيل للقائل بِجَوَاز التَّسَرِّي بالأمة الْكِتَابِيَّة كَمَا سَيَأْتِي وعَلى هَذَا الْوَجْه فَهَل عَلَيْهِ تخييرها بَين أَن تسلم فيمسكها أَو تقيم على دينهَا فيفارقها فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا

الْمَاوَرْدِيّ أَحدهمَا نعم لتَكون من زَوْجَاته فِي الْآخِرَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لما عرض على رَيْحَانَة الْإِسْلَام فَأَبت لم يزلها عَن ملكه وَأقَام على الِاسْتِمْتَاع الثَّالِثَة فِي تسريه بالأمة الْكِتَابِيَّة الْخلاف الْمَذْكُور قبله لَكِن الْأَظْهر هُنَا الْحل كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي الْكَبِير وَبِه أجَاب الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَمَا ذَكرْنَاهُ عَن الْمَاوَرْدِيّ فِي رَيْحَانَة يقويه الرَّابِعَة اخْتلف أَصْحَابنَا فِي تَحْرِيم الْأمة الْمسلمَة على وَجْهَيْن

أَحدهمَا عَن ابْن أبي هُرَيْرَة لَا تحرم عَلَيْهِ كَمَا فِي حق أمته وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أوسع نِكَاحا من أمته وأصحهما يحرم لِأَن جَوَازه مَشْرُوط بخوف الْعَنَت وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعْصُوم وبفقدان طول الْحرَّة ونكاحه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام غير مفتقر إِلَى الْمهْر ابْتِدَاء وانتهاء وَلِأَن من نكح أمة كَانَ وَلَده رَقِيقا ومنصبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام منزه عَن عَن ذَلِك وَبِهَذَا قطع جمَاعَة وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ أَنه لَا خلاف فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيّ لَكِن من جوز ذَلِك قَالَ خوف الْعَنَت إِنَّمَا يشْتَرط فِي حق الْأمة وَفِي اشْتِرَاط فقدان الطول تردد عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَغَيره على وَجه الْجَوَاز قَالَ الإِمَام فَإِن شرطناه لم تجز الزِّيَادَة على أمة وَاحِدَة وَإِلَّا جَازَت الْخَامِسَة إِذا قُلْنَا بِنِكَاح الْأمة فَأَتَت بِولد لم يكن رَقِيقا على الصَّحِيح وَإِن قُلْنَا بجريان الرّقّ على الْعَرَب على قَول وَفِي لُزُوم قيمَة هَذَا الْوَلَد لسَيِّدهَا وَجْهَان

قَالَ أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ نعم رِعَايَة لحقه وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن لَا بِخِلَاف ولد الْمَغْرُور لِأَن هُنَاكَ فَاتَ الرّقّ بظنه وَهنا الرّقّ مُتَعَذر قَالَ صَاحب الْمطلب وَفِيه نظر مَعَ القَوْل بانعقاده حرا

قَالَ الرَّافِعِيّ ويوافق مَا ذكره القَاضِي وَمَا حَكَاهُ الإِمَام أَنه لَو قدر نِكَاح غرور فِي حَقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم تلْزمهُ قيمَة الْوَلِيد لِأَنَّهُ - مَعَ الْعلم بِالْحَال - لَا ينْعَقد رَقِيقا كَمَا فِي حق غَيره قَالَ الإِمَام وَهَذَا هذيان لَا يحل اعْتِقَاده وطرد الحناطي الْوَجْهَيْنِ فِي أَنه هَل يحل لَهُ نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة قَالَ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة وَالْمذهب التَّحْرِيم يَعْنِي الْقطع بِهِ قَالَ صَاحب الْمطلب وَفِي إِمْكَان تصور نِكَاح الْغرُور وَوَطْء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ نظر إِذا قُلْنَا إِن وَطْء الشُّبْهَة حرَام مَعَ كَونه لَا إِثْم فِيهِ فَيجوز أَن يصان جَانِبه الْعلي عَن ذَلِك وَيجوز أَن يُقَال الْإِثْم مَفْقُود بِالْإِجْمَاع وَعند الله يصير كَفعل الشَّيْء على النسْيَان وَنَحْوه قلت والإمساك عَن الْخَوْض فِي هَذَا أسلم وَلَو حذفته لَكَانَ أولى لَكِن تتبعت الْأَصْحَاب فِيهِ

ما اختص به من المباحات والتخفيفات

النَّوْع الثَّالِث مَا اخْتصَّ بِهِ من الْمُبَاحَات والتخفيفات توسعة عَلَيْهِ وتنبيها على أَنه مَا خص بِهِ من الْإِبَاحَة لَا تلهيه عَن طَاعَة الله وَإِن ألهى غَيره وَهُوَ قِسْمَانِ أَيْضا مُتَعَلق بِغَيْر النِّكَاح ومتعلق بِهِ وَاعْلَم أَن معظمها لم يَفْعَلهَا مَعَ إباحتها لَهُ وَلَيْسَ المُرَاد بالمباح هُنَا مَا اسْتَوَى طرفاه بل مَا لَا حرج فِي فعله وَلَا فِي تَركه فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَاصل وَسَيَأْتِي أَن الإِمَام قَالَ إِنَّه قربَة فِي حَقه وَكَذَا صفى الْمغنم والاستبداد بالخمس كَمَا سَيَأْتِي قد يكون رَاجِح الْفِعْل لصرفه فِي أهم الْمصَالح وَقد يكون رَاجِح التّرْك لفقد هَذَا الْمَعْنى وَدخُول مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام قد يتَرَجَّح فعله وَقد يتَرَجَّح تَركه - وَكَذَا الزِّيَادَة على الْأَرْبَع فِي الْقسم الثَّانِي لَا يساوى فِيهِ - فَإِن أَفعاله وأقواله كلهَا راجحة مثاب عَلَيْهَا فِيمَا نظنه حَتَّى فِي أكله وشربه لِأَن الْوَاحِد منا ينْدب لَهُ أَن يقْصد وَجه الله بذلك وَهُوَ بذلك أولى وَالله أعلم

المباحات له في غير النكاح

الْقسم الأول الْمُبَاحَات لَهُ فِي غير النِّكَاح وَفِيه مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى الْوِصَال فِي الصَّوْم أُبِيح لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْقُضَاعِي دون غَيره من الْأَنْبِيَاء وَاخْتلف فِيهِ فِي حَقنا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قيل لَهُ إِنَّك تواصل قَالَ (إِنِّي لست مثلكُمْ إِنِّي أطْعم وأسقى) // مُتَّفق على صِحَّته //

كَذَا قَالَه الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور أَنه من الْمُبَاحَات وَقَالَ الإِمَام هُوَ قربَة فِي حَقه قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن الْأَخْبَار الَّتِي فِيهَا ذكر وضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحجر على بَطْنه كلهَا أباطيل

وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْحجر لَا الْحجر والحجز طرف الْإِزَار إِذْ الله عز وَجل كَانَ يطعم نبيه ويسقيه إِذا وَاصل فَكيف يتْرك جائعا مَعَ عدم الْوِصَال حَتَّى يحْتَاج على شدّ حجر على بَطْنه وَمَا يُغني الْحجر عَن الْجُوع قلت قد ذكر هُوَ فِي صَحِيحه حَدِيث ابْن عَبَّاس خرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بالهاجرة إِلَى الْمَسْجِد فَسمع بذلك عمر - يَعْنِي فَخرج - فَقَالَ يَا أَبَا بكر مَا أخرج هَذِه هَذِه السَّاعَة قَالَ مَا أخرجني إِلَّا مَا أجد من حاق الْجُوع قَالَ (أَنا وَالله مَا أخرجني غَيره فقوما) ثمَّ ذكر مَا فِي الحَدِيث (تَنْبِيه) قد اشْتهر عَن كثير من الْعلمَاء الْوِصَال فَلَعَلَّ وصالهم جَاءَ من غير قصد إِلَيْهِ بل اتّفق ترك تنَاول الْمُفطر لغفلة عَنهُ أَو الِاشْتِغَال بالاستغراق فِي المعارف وَنحن نشاهد التّرْك عِنْد اشْتِغَال الْقلب بِمَا يسر أَو يحزن فَكيف بذلك على هَذَا تكون الخصوصية لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كل أمته لَا على أحد أفرادها وَالنَّهْي توجه بِحَسب الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ مشرع نبه عَلَيْهِ صَاحب الْمطلب الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة اصطفاء مَا يختاره من الْغَنِيمَة قبل قسمتهَا من جَارِيَة أَو غَيرهَا وَيُسمى الْمُخْتَار الصفي والصفية وَالْجمع الصفايا وَمن صفاياه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة بنت حييّ اصطفاها وأعتقها وَتَزَوجهَا كَمَا أخرج

البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا من الصفي وَأخرجه عَن قَتَادَة أَيْضا قَالَ أَبُو عمر سهم الصفي مَشْهُور فِي صَحِيح الْآثَار مَعْرُوف

عِنْد أهل الْعلم وَلَا يخْتَلف أهل السّير فِي أَن صَفِيَّة مِنْهُ وَأجْمع الْعلمَاء على أَنَّهَا خَاص بِهِ قلت حكى الْقُرْطُبِيّ عَن بعض الْعلمَاء أَنه قَالَ هُوَ للأئمة بعده وَاعْلَم أَن فِي الصَّحِيح أَيْضا أَنَّهَا صَارَت لدحية الْكَلْبِيّ فاشتراها بسبعة رُؤُوس فَيحْتَاج إِلَى تَأْوِيل مَا قَالَه أهل السّير أَو إِلَى تَأْوِيلهَا وَقد يُجَاب أَن الشِّرَاء لَيْسَ على حَقِيقَته وَذكر الرَّافِعِيّ أَن ذَا الفقار كَانَ من الصفي

وروى أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تنفله يَوْم بدر قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن غَرِيب وَأخرجه الْحَاكِم وَقَالَ إِنَّه صَحِيح الْإِسْنَاد قَالَ وَالْأَخْبَار أَنه من خَيْبَر واهية وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد ضَعِيف أَن الْحجَّاج بن علاط أهداه لَهُ والفقار مَفْتُوح الْفَاء قَالَ الْخطابِيّ والعامة تكسرها وأصل الفقار عِظَام الظّهْر ومفرده فقارة بِالْفَتْح وفقرة قَالَ ابْن الْأَثِير فِي نهايته هِيَ خَرَزَات الظّهْر قَالَ وَفِي حَدِيث زيد بن ثَابت (مَا بَين عجب الذَّنب إِلَى فقاره وَاحِد وَثَلَاثُونَ دِينَارا) (فَائِدَة) هَذَا السَّيْف كَانَ للعاص بن مُنَبّه أَولا فَقتل وَأَخذه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَعْطَاهُ لعَلي رَضِي الله عَنهُ وانتقل فِي أَوْلَاده وَرَآهُ

الْأَصْمَعِي عِنْد الرشيد مُتَقَلِّدًا وَبِه ثَمَان عشرَة فقارة وَحكى الإِمَام قبل كتاب قسم الصَّدقَات وَجْهَيْن فِي أَن الصفي كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَارِجا من سَهْمه أَو كَانَ محسوبا عَلَيْهِ من سَهْمه الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الاستبداد بِخمْس من خمس الْفَيْء وَالْغنيمَة وبأربعة أَخْمَاس الْفَيْء مُنْفَرد بذلك وَله مَعَ خمس الْغَنِيمَة سهم كسهام الْغَانِمين قَالَ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه ... الْآيَة وَعَن عَمْرو بن عَنْبَسَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يحل لي من غنائمكم مثل هَذَا إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود فِيكُم) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَهُوَ على شَرط البُخَارِيّ

وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ أَنه كَانَ لَهُ أَولا جَمِيع الْفَيْء كَمَا كَانَ لَهُ جَمِيع الْغَنِيمَة وَلم يزل الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن أنزل الله تَعَالَى {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} الْآيَة وَفِي الْغَنِيمَة وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء ... الْآيَة ووراء ذَلِك (وَجه) يُشِير إِلَيْهِ كَلَام الفوراني إِن الْخمس من الْخمس يصرف بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَليفَة الزَّمَان قَالَ الإِمَام وَلم يَصح عِنْدِي نسبته إِلَى أحد من الْأَصْحَاب وعَلى هَذَا الْوَجْه - إِن صَحَّ - لَا خُصُوصِيَّة وأفاده صَاحب الْمُغنِي من الْحَنَابِلَة أَن لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خمس الْخمس وَإِن لم يحضر

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة دُخُول مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام نَقله صَاحب التَّلْخِيص وَغَيره وَفِي جَوَازه لغيره من غير عذر خلاف وَدَلِيل مَا ذَكرْنَاهُ مَا أخرجه مُسلم من حَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء من غير إِحْرَام) وَعبر الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف بِالْحرم بدل مَكَّة وَهُوَ المُرَاد هُنَا وَذكر أَن ذَلِك مِمَّا خص بِهِ دون من قبله من الْأَنْبِيَاء وَذكر ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة فِي أَوَائِل الْحَج وَغَيره أَن من دخل مَكَّة مُقَاتِلًا لباغ أَو قَاطع طَرِيق أَو خَائفًا من ظَالِم لَا يلْزمه الْإِحْرَام وَاسْتدلَّ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دخل مَكَّة عَام الْفَتْح وعَلى رَأسه المغفر وَلَو كَانَ محرما لم يلْبسهُ وَقد كَانَ خَائفًا من غدر الْكفَّار وَعدم قبولهم الصُّلْح الْوَاقِع بَينه وَبَين أبي سُفْيَان

وَقد علمت أَن الِاسْتِدْلَال بذلك لَيْسَ بجيد لأجل هَذِه الخصوصية الْوَاقِعَة فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَوْله وَلَو كَانَ محرما لم يلْبسهُ وَقد كَانَ خَائفًا من غدرهم كَلَام لَا يلتئم فَإِن الْمحرم الْخَائِف يُبَاح لَهُ اللّبْس قطعا وَحَدِيث جَابر الَّذِي سقناه صَرِيح فِي الدّلَالَة ثمَّ تَعْلِيله ترك الْإِحْرَام واللبس بالخوف كَيفَ يلتئم مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} الْآيَة وَفِي الحَدِيث لما نزلت هَذِه الْآيَة ترك الحرس الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة الْقَتْل فِي الْحرم فَإِنَّهُ قتل ابْن خطل وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة كَذَا رَأَيْت فِي التَّلْخِيص لِابْنِ الْقَاص وَتَبعهُ الْقُضَاعِي وَقَالَ إِنَّه خص بِهِ من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء وَفِي الخصوصية نظر لِأَن ابْن خطل صَاحب جرم وَالْحرم لَا يعيذ عَاصِيا وَلَا فَارًّا بِدَم وَلَا فَارًّا

بخربة كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح وَقد قيل إِن ابْن خطل كَانَ قد بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجه مَعَ رجل من الْأَنْصَار أَمر عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق وثب على أميره الْأنْصَارِيّ فَقتله الْمَسْأَلَة السَّادِسَة أَن مَاله لَا يُورث عَنهُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة) // مُتَّفق على صِحَّته من حَدِيث جمَاعَة // ثمَّ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه صَدَقَة للْحَدِيث الْمَذْكُور وَبِه قطع أَبُو الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير إِنَّه الْمَشْهُور وعَلى هَذَا هَل يكون وَقفا على ورثته فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا أَبُو الْعَبَّاس أَيْضا فَإِن جَعَلْنَاهُ وَقفا فَهَل هُوَ الْوَاقِف فِيهِ وَجْهَان لقَوْله فِي الحَدِيث (مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة) وأصحهما عِنْد الإِمَام أَنه بَاقٍ على ملكه ينْفق مِنْهُ على أَهله كَمَا كَانَ عَلَيْهِ

الصَّلَاة وَالسَّلَام يُنْفِقهُ فِي حَيَاته وَوَجهه الإِمَام بِأَن الْأَنْبِيَاء أَحيَاء قَالَ وَكَذَلِكَ كَانَ الصّديق رَضِي الله عَنهُ ينْفق مِنْهُ على أَهله وخدمه ويصرفه فِيمَا كَانَ يصرفهُ فِيهِ فِي حَيَاته قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وكل هَذَا ضَعِيف وَالصَّوَاب الْجَزْم بِأَنَّهُ زَالَ ملكه عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَن مَا تَركه فَهُوَ صَدَقَة على الْمُسلمين لَا يخْتَص بِهِ الْوَرَثَة وَكَيف يَصح غير ذَلِك مَعَ الحَدِيث الصَّحِيح فَإِنَّهُ نَص على زَوَال الْملك ثمَّ اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ ذكر فِي الْبَاب الأول من قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة أَن خمس الْفَيْء كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ينْفق مِنْهُ على نَفسه وَأَهله

وَفِي مَصَالِحه وَلم يكن يملكهُ وَلم ينْتَقل مِنْهُ إِلَى غَيره إِرْثا وَهَذَا حكم مِنْهُ بِأَن جِهَة الْإِنْفَاق غير مَمْلُوكَة خلاف مَا ذكره هُنَا وَمن غَرِيب مَا ذكره صَاحب الْبَيَان فِي آخر إحْيَاء الْموَات عَن الشَّيْخ أبي حَامِد أَن بَعضهم قَالَ إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا كَانَ يملك شَيْئا وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْملك وَإِنَّمَا أُبِيح لَهُ مَا يَأْكُلهُ وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَغلط الشَّيْخ أَبُو حَامِد لقَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} الْآيَة وَقد أعتق صَفِيَّة واستولد مَارِيَة ثمَّ هَهُنَا أُمُور أَحدهَا عد الْغَزالِيّ وَالْإِمَام هَذِه الْخصْلَة من جملَة التخفيفات قَالَ الرَّافِعِيّ كَأَن الْمَعْنى فِيهِ أَن جعلهَا صَدَقَة تورث زِيَادَة الْقرْبَة وَرفع الدَّرَجَات وَالْأَكْثَرُونَ عدوها من الكرامات هوالرابع من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتوجه مَا ذكره الإِمَام وَالْغَزالِيّ بِأَنَّهُ

يجوز أَن يكون لَهُ التَّصَدُّق يجميع مَاله بعد مَوته بِخِلَاف أمته كَمَا أبداه بَعضهم بحثا ثَانِيهَا هَذَا لَيْسَ خَاصّا بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَفِي السّنَن الْكُبْرَى للنسائي من حَدِيث الزبير وَغَيره (إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَة) نعم يمتاز بِهِ من بَين أمته وَأما الْقُضَاعِي فَلَمَّا ذكر خَصَائِصه من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء قَالَ وَمِنْهَا أَن مَاله كَانَ بعد مَوته قَائِما على نَفَقَته وَملكه ثَالِثهَا مَا الْحِكْمَة فِي كَون الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يورثون فِيهِ أوجه أَحدهَا لِئَلَّا يتَمَنَّى قريبهم مَوْتهمْ فَيهْلك بذلك ثَانِيهَا لِئَلَّا ينفر النَّاس عَنْهُم ويظنوا فيهم الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَجَمعهَا لوراثهم بهم ثَالِثهَا لِئَلَّا يفتن بعض الَّذين أَسْلمُوا وتابعوهم بظنهم فيهم الرَّغْبَة وَالْجمع لوراثهم رَابِعهَا مَا الْجَواب عَن قَوْله تَعَالَى فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي

وَيَرِث من آل يَعْقُوب) الْآيَة وَقَوله تَعَالَى {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} الْآيَة قلت المُرَاد الوراثة فِي النُّبُوَّة وَالْعلم وَالدّين لَا فِي المَال وَفِي هَذَا رد على مَا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ عدم الْإِرْث مِنْهُم يخْتَص بنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْتدلَّ بِالْآيَةِ الأولى وَزعم أَن المُرَاد وراثة المَال قَالُوا وَلَو أَرَادَ وراثة النُّبُوَّة لم يقل {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} إِذْ لَا يخَاف الموَالِي على النُّبُوَّة ثمَّ اسْتدلَّ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى وَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ جَمِيع الْعلمَاء أَن جَمِيع الْأَنْبِيَاء لَا يورثون ويؤول ذَلِك بِمَا سبق خَامِسهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صَدَقَة) هُوَ مَرْفُوع خلافًا للإمامية حَيْثُ نصبوه قَالُوا وَيُورث - بمثناة تَحت - أَي مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة فَلَا يُورث

(تَنْبِيه) هَل يَرث لم أر فِيهِ نقلا لَكِن فِي كتاب مُشكل الحَدِيث فِي أواخره قَالُوا حَدِيث ينْقضه الْقُرْآن قَالُوا رويتم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَمن الدَّلِيل أَيْضا على أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُورث أَنه كَانَ لَا يَرث بعد أَن أوحى الله إِلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَت وراثته أَبَوَيْهِ قبل الْوَحْي قلت وَآيَة الْمَوَارِيث لم تشهد للسياق قبلهَا وَبعدهَا وَالْخطاب فِيهَا للموروث وَالْوَارِث وَفِي عُيُون الْمسَائِل من لَا وَارِث بِمَالِه فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (أَنا وَارِث من لَا وَارِث لَهُ أَعقل عَنهُ وَأَرِثهُ) أَنه خبر مَتْرُوك الظَّاهِر لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يَرث وَلَا يعقل بِالْإِجْمَاع قلت إِن مَعْنَاهُ أَنه لَا يَأْخُذ المَال أَخذ الْوَارِث إِذا خلا المَال عَن الِاسْتِحْقَاق وَالْمُوصى لَهُ مُسْتَحقّ المَال إِذا إِذا خلا

الْمَسْأَلَة السَّابِعَة كَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ وَفِي غَيره خلاف وَاسْتدلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيّ بِقصَّة هِنْد فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ) وَهَذَا بِنَاء على أَنه قَضَاء لَا فتيا وَفِي ذَلِك اضْطِرَاب أوضحته فِي شرح الْعُمْدَة الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة كَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحكم لنَفسِهِ ولولده على الْأَصَح

لِأَنَّهُ مَعْصُوم وَفِي غَيره وَجه فِي حكمه لوَلَده حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَحكى مَعَه وَجها آخر أَنه يجوز بِالْإِقْرَارِ دون الْبَيِّنَة للتُّهمَةِ فِي تسامحه بتعديلها وَجعل الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية والآتية بعْدهَا مِمَّا خص بهما من دون سَائِر الْأَنْبِيَاء (فرع) كَانَ لَا يكره فِي حَقه الْفَتْوَى وَالْحكم فِي حَال الْغَضَب لِأَنَّهُ لَا يخَاف عَلَيْهِ مَا يخَاف علينا ذكره النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم فِي كتاب اللّقطَة الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة كَانَ يقبل شَهَادَة من يشْهد لَهُ كَمَا قبل شَهَادَة خُزَيْمَة لنَفسِهِ وقصته فِي أبي دَاوُد وَالْحَاكِم وصححهما وَخَالف ابْن حزم

فأعلها وَادّعى صَاحب الْمطلب أَنَّهَا فِي الصَّحِيح مَشْهُورَة وَمُقْتَضى إِطْلَاق الْحَاوِي الصَّغِير أَن من خَصَائِصه أَيْضا قبُول شَهَادَة من يشْهد لوَلَده أَيْضا وَبِه صرح الْبَارِزِيّ فِي تَوْضِيحه الْكَبِير (فرع) لَهُ أَيْضا أَن يشْهد لنَفسِهِ ولولده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فرع) لَو قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لفُلَان على فلَان كَذَا هَل للسامع أَن يشْهد لفُلَان على كَذَا فِيهِ وَجْهَان عَن رَوْضَة الْحُكَّام للْقَاضِي شُرَيْح

الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة كَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحمي لنَفسِهِ وَلم يَقع ذَلِك مِنْهُ وَلَو وَقع لَكَانَ ذَلِك أَيْضا لمصْلحَة الْمُسلمين لِأَن مَا كَانَ مصلحَة لَهُ فَهُوَ مصلحَة لَهُم وَلَيْسَ للأئمة بعده وَلَا لغَيرهم أَن يحموا لأَنْفُسِهِمْ كَمَا هُوَ مُقَرر فِي مَوْضِعه من كتب الْفِقْه وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة فِيمَا خص بِهِ دون من قبله من الْأَنْبِيَاء (فرع) مَا حماه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمُسلمين لَا ينْقض بِحَال لِأَنَّهُ نَص وَقيل إِن بقيت الْحَاجة الَّتِي حمى لَهَا لم ينْقض وَإِن زَالَت فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الْمَنْع أَيْضا لِأَنَّهُ تَغْيِير الْمَقْطُوع بِصِحَّتِهِ بِاجْتِهَاد أما الإِمَام بعده فَلهُ نقض حماه للْحَاجة على الْأَصَح الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يَأْخُذ الطَّعَام وَالشرَاب من مالكهما الْمُحْتَاج إِلَيْهِمَا إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِمَا وَإِن كَانَ مالكهما مُحْتَاجا وَعَلِيهِ الْبَذْل ويفدي مهجته بمهجته عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ تَعَالَى {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم} وَمثله مَا ذكره الفوراني وَإِبْرَاهِيم الْمَرْوذِيّ وَغَيرهمَا أَنه لَو قَصده ظَالِم وَجب على من حَضَره أَن يبْذل نَفسه دونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي كَمَا وَقَاه

طَلْحَة بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ بِنَفسِهِ يَوْم أحد وعد الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية مِمَّا خص بهَا دون غَيره من الْأَنْبِيَاء الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة أَنه يجب على أمته أَن يحبوه أَعلَى دَرَجَات الْمحبَّة كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ (لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من أَهله وَمَاله ووالده وَولده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ) وَأَسْبَاب الْمحبَّة الإجلال والإعظام والكمال فِي الصِّفَات

المعنوية وَالْحسن والإشفاق وَهِي كلهَا مَوْجُودَة فِي حَقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَوَجَبت لَهُ الْمحبَّة الْكَامِلَة (فرع) قَالَ القَاضِي حُسَيْن يجب على الْمَرْء أَن يكون جزعه وحزنه وقلقه على فِرَاق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الدُّنْيَا أَكثر من حزنه على فِرَاق أَبَوَيْهِ كَمَا يجب عَلَيْهِ أَن يكون عِنْده أحب إِلَيْهِ من نَفسه وَأَهله وَمَاله الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة كَانَ لَا ينْتَقض وضوءه بِالنَّوْمِ بِخِلَاف غَيره لِأَن كَانَت تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه كَمَا ورد فِي الصَّحِيح وَفِيه إِشَارَة

على أَن نوم الْعين الْمُجَرَّدَة لَا ينْقض الْوضُوء وَفِيه (وَجه غَرِيب أَنه ينْقض كأمته) (فَائِدَة) عد الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية وَهِي نوم عَيْنَيْهِ دون قلبه مِمَّا خص بِهِ دون الْأَنْبِيَاء قبله وَوهم فِيهِ فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أنس فِي قصَّة الْإِسْرَاء (وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء تنام أَعينهم وَلَا تنام قُلُوبهم) (فَائِدَة) ذكر القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء فِي أَوَائِل الْبَاب الثَّالِث فِي الْكَلَام على شقّ الْبَطن أَن فِي رِوَايَة إِن جِبْرِيل قَالَ قلب وَكِيع - أَي شَدِيد - فِيهِ عينان تبصران وأذنان سميعتان الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة فِي انْتِقَاض وضوئِهِ باللمس وَجْهَان قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَالْمذهب الْجَزْم بانتقاضه قلت لَكِن فِي النَّسَائِيّ الْكَبِير من حَدِيث الْقَاسِم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ليُصَلِّي وَإِنِّي لمعترضة بَين يَدَيْهِ إعتراض الْجِنَازَة حَتَّى إِذا أَرَادَ أَن يُوتر مسني بِرجلِهِ وَإِسْنَاده صَحِيح جليل وَظَاهره يُؤَيّد عدم النَّقْض وَفِي مُسْند الْبَزَّار من حَدِيث عبد الْكَرِيم الْجَزرِي الْجَزرِي عَن عَطاء عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل بعض نِسَائِهِ ثمَّ يخرج إِلَى

الصَّلَاة وَلَا يتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ لَا نعلمهُ يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من رِوَايَة عَائِشَة وَلَا نعلمهُ يرْوى عَنْهَا إِلَّا من حَدِيث حبيب عَن عُرْوَة وَمن حَدِيث عبد الْكَرِيم عَن عَطاء قَالَ عبد الْحق وَلَا أعلم لهَذَا الحَدِيث عِلّة توجب تَركه وَلَا أعلم فِيهِ أَكثر من قَول يحيى بن معِين حَدِيث عبد الْكَرِيم عَن عَطاء حَدِيث فردي لِأَنَّهُ غير مَحْفُوظ وانفراد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ لَا يضر فإمَّا أَن يكون قبل أَن تنزل الْآيَة أَو يكون أَن الْمُلَامسَة الْجِمَاع كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله

عَنْهُمَا وَاحْتج الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِحَدِيث لمس عَائِشَة أَخْمص قَدَمَيْهِ على أَن طهر الملموس لَا ينْتَقض وَهَذَا يُؤذن بِانْتِفَاء الخصوصية وَإِلَّا لما حسن الِاحْتِجَاج بِهِ الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة كَانَ يجوز لَهُ أَن يدْخل الْمَسْجِد جنبا قَالَه صَاحب التَّلْخِيص وَفِيه حَدِيث فِي التِّرْمِذِيّ حسنه مَعَ الغرابة من طَرِيق أبي سعيد (يَا عَليّ لَا يحل لأحد أَن يجنب فِي هَذَا الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيْرك) قلت وَفِي حسنه نظر فَفِيهِ سَالم بن أبي حَفْصَة وعطية الْعَوْفِيّ وهما ضعيفان جدا شيعيان متهمان وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث

سعد بن أبي وَقاص وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث أم سَلمَة قلت وَمُقْتَضى الحَدِيث اشْتِرَاك عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَعَه فِي ذَلِك وَلم يقل بِهِ أحد من الْعلمَاء وَذكر التِّرْمِذِيّ عقب إِيرَاده الحَدِيث عَن ضرار بن صرد أَن معنى الحَدِيث لَا يحل لأحد يَسْتَطْرِقهُ جنبا غَيْرِي وَغَيْرك وَهَذَا التَّفْسِير فِيهِ نظر لِأَن هَذَا الحكم لَا يخْتَص بِهِ بل أمته كَذَلِك وَأما الْقفال فَإِنَّهُ لَا يسلم ذَلِك لصَاحب التَّلْخِيص بل قَالَ لَا أَظُنهُ صَحِيحا

وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قَالَه صَاحب التَّلْخِيص هوس لَا نَدْرِي من أَيْن قَالَه وَلَا إِلَى أَي أصل أسْندهُ فَالْوَجْه القَوْل بتخطئته قلت إِسْنَاده إِلَى رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وتحسينه لَهُ وَذَلِكَ هُوَ غَايَة الْفَقِيه فَلَا وَجه لتخطئته وَقد قوى النووى مقَالَته وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية فِيمَا خص بهَا من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء وَعبر باللبث دون الدُّخُول فَقَالَ وَمِنْهَا أَنه أُبِيح لَهُ اللّّبْث فِي الْمَسْجِد فِي حَال جنابته الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة قَالَ ابْن الْقَاص كَانَ يجوز لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يلعن شَيْئا من غير سَبَب يَقْتَضِيهِ لِأَن لعنته رَحْمَة واستبعده الْأَئِمَّة لَكِن فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخذت عنْدك عهدا لن تخلفنيه فَإِنَّمَا أَنا بشر فَأَي الْمُؤمنِينَ آذيته أَو شتمته أَو لعنته فاجعلها لَهُ زَكَاة وَصَلَاة وقربة تقربه بهَا إِلَيْك يَوْم الْقِيَامَة) وَفِي رِوَايَة لَهما (إِنَّمَا أَنا بشر أغضب كَمَا يغْضب الْبشر فأيما

رجل من الْمُسلمين سببته أَو لعنته أَو جلدته فاجعلها لَهُ صَلَاة وَزَكَاة وقربة تقربه بهَا إِلَيْك يَوْم الْقِيَامَة وَاجعَل ذَلِك كَفَّارَة لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا قريب من جعل الْحُدُود كَفَّارَات لأَهْلهَا قَالَ الْعلمَاء وَذَلِكَ فِي حق الْمُسلمين كَمَا نطق بِهِ الْخَبَر فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَعَا على الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَلم يكن لَهُم رَحْمَة فَإِن قيل إِن كَانَ

يسْتَحق الدُّعَاء فَكيف يَجْعَل رَحْمَة لَهُم وَإِن كَانَ لَا يسْتَحقّهُ فَكيف يَدْعُو عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من لَا يسْتَحق الدُّعَاء فَالْجَوَاب من أوجه أَحدهَا أَنه يجوز أَن يكون مُسْتَحقّا للدُّعَاء عَلَيْهِ شرعا وَلَكِن رأفته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وشفقته تَقْتَضِي أَن يَدْعُو لَهُ لارتكاب مَا نهى عَنهُ والعاصي أولى وأحق أَن يدعى لَهُ وَقد يكون الدُّعَاء عَلَيْهِ سَببا لزِيَادَة عصيانه وَثَانِيها يجوز أَن لَا يكون مُسْتَحقّا للدُّعَاء فِي الْبَاطِن وَهُوَ مُسْتَحقّ لَهُ فِي الظَّاهِر وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا يحكم بِالظَّاهِرِ وَثَالِثهَا يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ مَا صدر مِنْهُ على صِيغَة الدُّعَاء واللعن والسب وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ حَقِيقَته كَمَا جرت بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي كَلَامهَا كَقَوْلِه تربت يَمِينك وعقري حلقي فخشي عَلَيْهِ الصَّلَاة

وَالسَّلَام أَن يُصَادف شَيْء من ذَلِك إِجَابَة فَسَأَلَ الله أَن يَجْعَل ذَلِك رَحْمَة وَكَفَّارَة فَإِن قيل معنى الحَدِيث السالف (إِنَّمَا أَنا بشر أغضب كَمَا يغْضب الْبشر) وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن السب واللعن للغضب قلت قَالَ

الْمَاوَرْدِيّ يحْتَمل أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَرَادَ أَن دعاءه وسبه وَجلده كَانَ مِمَّا خير فِيهِ بَين أَمريْن أَحدهمَا هَذَا وَالثَّانِي زَجره بِأَمْر آخر يحملهُ الْغَضَب لله تَعَالَى على أحد الْأَمريْنِ الْمُخَير فيهمَا وَهُوَ السب واللعن وَالْجَلد فَلَيْسَ ذَلِك خَارِجا عَن حكم الشَّرْع وَمعنى اجْعَلْهَا صَلَاة أَي رَحْمَة كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وعد الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة مِمَّا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء قبله الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة قَالَ ابْن الْقَاص وَكَانَ يجوز لَهُ الْقَتْل بعد الْأمان قَالَ الرَّافِعِيّ وخطؤوه فِيهِ وَقَالُوا من يحرم عَلَيْهِ خَائِنَة الْأَعْين كَيفَ يجوز لَهُ قتل من أَمنه قلت لَا جرم حذفهَا من الرَّوْضَة وقصة ابْن خطل لَا يُنَافِيهِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ (من دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَكَانَ أراق دَمه فَقيل لَهُ ابْن خطل مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَقَالَ (اقْتُلُوهُ)

التخفيفات المتعلقة بالنكاح

الْقسم الثَّانِي التخفيفات الْمُتَعَلّقَة بِالنِّكَاحِ وَفِيه مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى أُبِيح لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجمع بَين أَكثر من أَربع نسْوَة وَهُوَ إِجْمَاع وَقد مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تسع زَوْجَات كَمَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّهُ لما كَانَ الْحر - لفضله على العَبْد - يستبيح من النسْوَة أَكثر مِمَّا يستبيحه العَبْد وَجب أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لفضله على جَمِيع الْأمة يستبيح من النِّسَاء أَكثر مِمَّا تستبيحه الْأمة قيل فِي قَوْله تَعَالَى {أم يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله} الْآيَة إِن المُرَاد بِالنَّاسِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنَّهُمْ حسدوه فِي نِكَاح تسع نسْوَة وَقَالُوا هلا شغلته النُّبُوَّة عَن النِّسَاء فأكذبهم الله تَعَالَى وَقَالَ كَانَ لِسُلَيْمَان الْملك الْعَظِيم وَلم يشْغلهُ عَن النُّبُوَّة وَكَانَ لَهُ ألف حرَّة ومملوكة

وَكَانَ لداود عَلَيْهِ السَّلَام تسع وَتسْعُونَ زَوْجَة حَكَاهُ الإِمَام أَبُو نصر عبد الرَّحِيم الْقشيرِي فِي تَفْسِيره الْمُسَمّى بالتيسير فِي التَّفْسِير وَحكى الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة أَنه أحل لنبينا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تسعا وَتِسْعين امْرَأَة قيل خص صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك لِأَنَّهُ حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا الطّيب وَالنِّسَاء وَجعلت قُرَّة عينه فِي الصَّلَاة كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أنس وَصَححهُ الْحَاكِم على شَرط مُسلم وَوَقع فِي مطلب ابْن الرّفْعَة أَنه فِي الصَّحِيح وَالظَّاهِر وهمه وَفِي إِسْنَاد الحَدِيث مقَال أوضحته فِي تَخْرِيج

أَحَادِيث الرَّافِعِيّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَاخْتلف أهل الْعلم فِي تحبيب النِّسَاء إِلَيْهِ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه زِيَادَة فِي الِابْتِلَاء والتكليف حَتَّى لَا يلهو بِمَا حبب إِلَيْهِ من النِّسَاء عَمَّا كلف بِهِ من أَدَاء الرسَالَة وَلَا يعجز عَن تحمل أثقال النُّبُوَّة فَيكون تِلْكَ أَكثر لمشاقه وَأعظم لأجره وَالثَّانِي ليَكُون مَعَ من يشاهدها من نِسَائِهِ فيزول عَنهُ مَا يرميه الْمُشْركُونَ من أَنه سَاحر أَو شَاعِر فَيكون تحبيبه لَهُنَّ على هَذَا القَوْل للطف بِهِ وَيحْتَمل قولا ثَالِثا وَهُوَ الْحَث لأمته عَلَيْهِ لما فِيهِ من النَّسْل الَّذِي تحصل بِهِ المباهاة يَوْم الْقِيَامَة

ورابعا هُوَ أَن قبائل الْعَرَب تتشرف بِهِ وَقد قيل إِنَّه لَهُ بِكُل قَبيلَة مِنْهَا اتِّصَالًا بمصاهرة وَغَيرهَا سوى تيم وتغلب وخامسا هُوَ كَثْرَة العشائر من جِهَة نِسَائِهِ رجَالًا وَنسَاء فيكونون عونا على أعدائه إِذا تقرر ذَلِك فَهَل يجوز لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزِّيَادَة على التسع فِيهِ وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا أَحدهمَا لَا لِأَن الأَصْل استواؤه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأمته فِي الْأَحْكَام لَكِن ثَبت لَهُ جَوَاز الزِّيَادَة إِلَى تسع فَيقْتَصر عَلَيْهِ وأصحهما - وَبِه قطع الْمَاوَرْدِيّ - الْجَوَاز لِأَنَّهُ مَأْمُون الْجور ولظاهر قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك اللَّاتِي آتيت أُجُورهنَّ} الْآيَة وَقد قيل إِنَّه كَانَ عِنْده حِين التَّخْيِير عشر نسْوَة الْعَاشِرَة بنت الضَّحَّاك الَّتِي اخْتَارَتْ الدُّنْيَا وروى الْحَافِظ ضِيَاء الدّين فِي الْأَحَادِيث المختارة من حَدِيث أنس تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس عشرَة امْرَأَة وَدخل مِنْهُنَّ بِإِحْدَى عشرَة وَمَات عَن تسع فَيكون قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك} ناسخة وَفِي رِعَايَة الْحَنَابِلَة إِلَى أَن نزل {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} فَتكون ناسخة (تَنْبِيه) ذكر الْقُضَاعِي فِي كِتَابه (عُيُون المعارف) هَذِه الخصيصة وَهِي أَنه أُبِيح لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَكثر من أَربع نسْوَة فِيمَا خص بِهِ دون الْأَنْبِيَاء من قبله وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ وَقد أسلفت لَك مَا يُخَالِفهُ

(فَائِدَتَانِ) الأولى قَالَ مُجَاهِد أعطي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا كل رجل من رجال أهل الْجنَّة وَسَيَأْتِي عَن أنس أَنه قَالَ كُنَّا نتحدث أَنه أعطي قُوَّة ثَلَاثِينَ الثَّانِيَة النِّكَاح فِي حَقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عبَادَة بِلَا شكّ وَمن جملَة فَوَائده فِي حَقه فَائِدَتَانِ عظيمتان الأولى نقل الشَّرِيعَة الَّتِي لم يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال الثَّانِيَة نقل محاسنه الْبَاطِنَة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكمل الظَّاهِر وَالْبَاطِن وَتزَوج من الْقَبَائِل أم حَبِيبَة وأبوها ذَلِك الْوَقْت عدوه وَصفِيَّة وَقد قتل أَبَاهَا وَغَيرهمَا فَلَو لم يطلعن من بَاطِن أَحْوَاله على أَنه أكمل الْخلق لكَانَتْ الطباع البشرية تَقْتَضِي ميلهن إِلَى آبائهن وقرابتهن وَكَانَ فِي كَثْرَة النِّسَاء عِنْده بَيَان لمعجزاته وكماله بَاطِنا كَمَا عرفه الرِّجَال مِنْهُ ظَاهرا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فرع) فِي انحصار طَلَاقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّلَاث طَرِيقَانِ أَحدهمَا فِيهِ وَجْهَان كالوجهين فِي عدد زَوْجَاته لَكِن صحّح الْبَغَوِيّ الْحصْر فِيهَا

كَغَيْرِهِ وَصحح فِي أصل الرَّوْضَة والرافعي ذكر الطَّرِيقَة الأولى ثمَّ قَالَ وروى صَاحب التَّتِمَّة الانحصار وَلم يزدْ على ذَلِك فِي شرحيه وَالثَّانيَِة الْقطع بانحصاره فِيهِ بِخِلَاف عدد الزَّوْجَات لِأَن الْمَأْخُوذ عَلَيْهِ من أَسبَاب التَّحْرِيم أغْلظ كَذَا علله الْمَاوَرْدِيّ وَهُوَ جازم بِعَدَمِ انحصار النسْوَة وحاك لوَجْهَيْنِ فِي انحصار طَلَاقه وَمِنْه خرجت هَذِه الطَّرِيقَة قَالَ وعَلى الْحصْر إِذا طلق وَاحِدَة ثَلَاثًا هَل تحل لَهُ من غير أَن تنْكح غَيره فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لما خص من تَحْرِيم نِسَائِهِ على غَيره وَالثَّانِي لَا يحل لَهُ أبدا لما عَلَيْهِ من التَّغْلِيظ فِي أَسبَاب التَّحْرِيم الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي انْعِقَاد نِكَاحه بِلَفْظ الْهِبَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَغَيْرِهِ وأصحهما نعم وَهُوَ مَا قطع بِهِ الإِمَام وَالْغَزالِيّ لقَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ} وعَلى هَذَا لَا يجب الْمهْر بِالْعقدِ وَلَا بِالدُّخُولِ كَمَا هُوَ مُقْتَضى الْهِبَة وَهل يشْتَرط لفظ النِّكَاح من جِهَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو يَكْفِي لفظ الاتهاب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يشْتَرط كَمَا فِي حق الْمَرْأَة وأصحهما فِي أصل الرَّوْضَة والرافعي قَالَ إِنَّه أرجح وَعند الشَّيْخ أبي حَامِد يشْتَرط لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {أَن يستنكحها} الْآيَة فَاعْتبر فِي جَانِبه النِّكَاح

قَالَ الْأَصْحَاب وَينْعَقد نِكَاحه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَعْنى الْهِبَة حَتَّى لَا يجوز مهر ابْتِدَاء وَلَا انْتِهَاء وَفِي وَجه غَرِيب أَنه يجب الْمهْر الَّذِي خص بِهِ لانعقاد نِكَاحه بِلَفْظ الْهِبَة دون مَعْنَاهَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ مرّة بِسُقُوط الْمهْر وَقَالَ مرّة اخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَن لم يسم لَهَا مهْرا فِي العقد هَل يلْزمه لَهَا مهر الْمثل على وَجْهَيْن وَجه الْمَنْع أَن الْمَقْصُود مِنْهُ التَّوَصُّل إِلَى ثَوَاب الله تَعَالَى قَالَ وَاخْتلف الْعلمَاء هَل كَانَت عِنْده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام امْرَأَة موهوبة أم لَا من أجل اخْتِلَاف الْقُرَّاء فِي فتح إِن وَكسرهَا من قَوْله {إِن وهبت نَفسهَا} فعلى الثَّانِي يكون شرطا مُسْتَقْبلا وعَلى الأول يكون خَبرا عَن مَاض وعَلى هَذَا اخْتلفُوا فِي من هِيَ فَقيل أم شريك قَالَه

عُرْوَة وَأخرجه النَّسَائِيّ عَنْهَا وَقيل مَيْمُونَة بنت الْحَارِث قَالَه ابْن عَبَّاس وَقَالَ الشّعبِيّ هِيَ زَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْأَنْصَارِيَّة أم الْمَسَاكِين قلت اسْم أم شريك غزيَّة بنت جَابر بن حَكِيم وَقيل بنت ذروان بن عَوْف وَقيل غزيلة وَقيل ليلى بنت الخطيم وَقيل فَاطِمَة بنت شُرَيْح وَقيل خَوْلَة بنت حَكِيم قالته عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَالَت كَانَت خَوْلَة بنت حَكِيم من اللائي وهبْنَ

أَنْفسهنَّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أما تَسْتَحي الْمَرْأَة تهب نَفسهَا للرجل فَلَمَّا نزلت ترجئ من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء قلت يَا رَسُول الله مَا أرى رَبك إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك وَهَذَا يدل على أَن معنى قَوْله تَعَالَى ترجئ أَي تُؤخر من تشَاء من الواهبات {وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء} أَي بِقبُول هبتها وَقيل خِلَافه وَعبارَة الْقُضَاعِي ابي عبد الله مُحَمَّد بن سَلام فِي كِتَابه عُيُون المعارف (أَن مِمَّا خص بِهِ لَهُ إِبَاحَة الْمَوْهُوب لَهُ خَاصَّة وَهُوَ أَن يَتَزَوَّجهَا بِلَفْظ الْهِبَة وَإِبَاحَة النِّكَاح بِغَيْر مهر وَلَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ إِلَّا بِالدُّخُولِ) وَلَيْسَ ذَلِك بجيد مِنْهُ وَذكر هَذِه الخصوصية فِي قسم مَا خص بِهِ دون الْأَنْبِيَاء من قبله وَدون أمته تَشْرِيفًا لَهُ وتعظيما لشأنه الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا رغب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نِكَاح امْرَأَة فَإِن كَانَت خلية فعلَيْهَا الْإِجَابَة على الصَّحِيح وَتحرم على غَيره خطبتها وَإِن كَانَت ذَات زوج وَجب على زَوجهَا طَلاقهَا لينكحها على الصَّحِيح لقَوْله تَعَالَى يأيها الَّذين آمنُوا اسْتجِيبُوا لله وَالرَّسُول ... الْآيَة كَذَا اسْتدلَّ بهَا الْمَاوَرْدِيّ وَاسْتدلَّ الْغَزالِيّ فِي وسيطه لوُجُوب التَّطْلِيق بِقصَّة زيد رَضِي الله عَنهُ وَهِي مَشْهُورَة وَقد أوضحتها بطرقها فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ فسارع إِلَيْهِ

ثمَّ قَالَ - أَعنِي الْغَزالِيّ - لَعَلَّ السِّرّ من جَانب الزَّوْج امتحان إيمَانه بتكليفه النُّزُول عَن أَهله فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من أَهله وَمَاله وَولده ووالده وَالنَّاس أجميعين) وَقد تقدم وَقَالَ أَيْضا (لَا يكمل إِيمَان أحدكُم حَتَّى يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا) رَوَاهُ مُسلم ويحققه قَوْله تَعَالَى {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم} وَمن جَانِبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتلاؤه بالبلية البشرية وَمنعه من خَائِنَة الْأَعْين وَمن الْإِضْمَار الَّذِي يُخَالف الْإِظْهَار وَلَا شَيْء أدعى - إِلَى غض الْبَصَر وَحفظه من لمحاته الاتفاقية - من هَذَا التَّكْلِيف قَالَ وَهُوَ مَا يُورِدهُ الْفُقَهَاء فِي صنف التَّخْفِيف وَعِنْدِي أَن ذَلِك فِي غَايَة التَّشْدِيد إِذْ لَو كلف بذلك آحَاد النَّاس لما فتحُوا أَعينهم فِي الشوارع والطرقات خوفًا من ذَلِك وَلذَلِك قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لَو كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخفي شَيْئا لأخفى هَذِه الْآيَة

وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الصّلاح وَقَالَ لم يُوَافق فِي مُخَالفَة الْأَصْحَاب فِي ذَلِك قَالَ وَحَاصِل مَا ذكره أَنه لم يكتف فِي حَقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالنَّهْي وَالتَّحْرِيم زاجرا عَن مسارقة النّظر وحاملا لَهُ على غض الْبَصَر من نسَاء غَيره حَتَّى شدد عَلَيْهِ بتكليف لَو كلف بِهِ غَيره لما فتحُوا أَعينهم فِي الطرقات وَهَذَا غير لَائِق بِمَنْزِلَتِهِ الرفيعة وَزعم أَن هَذَا الحكم فِي غَايَة التَّشْدِيد الله تَعَالَى يَقُول فِي ذَلِك {مَا كَانَ على النَّبِي من حرج فِيمَا فرض الله لَهُ} الْآيَة وَأما قَول عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - فَذَلِك لأمر آخر وَهُوَ إِظْهَار مَا دَار بَينه وَبَين مَوْلَاهُ وعتابه عَلَيْهِ

فَأُجِيب عَنهُ بِأَن الْغَزالِيّ لم يقل إِن النَّهْي فِي حَقه لَيْسَ كَافِيا فِي الِانْتِهَاء وَإِنَّمَا جعل ذَلِك كفا وحافظا عَن وُقُوع النّظر الاتفاقي الَّذِي لَا يتَعَلَّق بِهِ نهي فَإِذا علم أَنه إِذا وَقع ذَلِك وَوَقعت مِنْهُ الْمَرْأَة موقعا وَجب على زَوجهَا مفارقتها احْتَاجَ إِلَى زِيَادَة التحفظ فِي ذَلِك وَالَّذِي كلف أخف مَا فِي النَّفس مَعَ إبداء الله لَهُ فَإِن كثيرا من الْمُبَاحَات الشَّرْعِيَّة يستحيي الْإِنْسَان من فعلهَا وَيمْتَنع مِنْهَا وَقَوله تَعَالَى {مَا كَانَ على النَّبِي من حرج} الْآيَة فِيهِ رفع الْإِثْم لَا نفي الْحيَاء من الشَّيْء فَإِن قلت مَا الْجَواب عَن حَدِيث عَائِشَة الْمُتَّفق على صِحَّته (أَن رجلا اسْتَأْذن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ (بئس أَخُو الْعَشِيرَة) أَو (بئس ابْن الْعَشِيرَة) فَلَمَّا جلس تطلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجهه وانبسط فَلَمَّا انْطلق قَالَت لَهُ عَائِشَة يَا رَسُول الله حِين رَأَيْت الرجل فَقلت كَذَا وَكَذَا ثمَّ تطلقت فِي وَجهه وانبسطت لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَائِشَة مَتى عهدتيني فحاشا إِن شَرّ النَّاس عِنْد الله منزلَة يَوْم الْقِيَامَة من تَركه النَّاس اتقاء شَره) وَفِي لفظ اسْتَأْذن رجل فَقَالَ (ائذنوا لَهُ بئس أَخُو الْعَشِيرَة) فَلَمَّا دخل ألان لَهُ فِي الْكَلَام ثمَّ ذكره نَحوه

فَالْجَوَاب أَنه يجوز أَن يُقَال الَّذِي منع مِنْهُ أَن يظْهر - بِلَفْظ لمن يخاطبه - شَيْئا يُرِيد خِلَافه ولين الْكَلَام لم يرد بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا حَقِيقَته لأجل شَره وَمَا قَالَه فِي غيبته تَنْبِيها على صفته ليحذر مِنْهُ أَو يُعَامل بِمثل مَا عَامله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا أَمْثَاله وَهُوَ من قبيل الدّفع بِالَّتِي هِيَ أحسن وَبِهَذَا يَقع الْجَواب أَيْضا عَن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأبي بَصِير مسعر حَرْب لَو وجد أعوانا (تَنْبِيه) مَا قَدمته أَولا أَنه يحرم على غير خطبتها هُوَ مَبْنِيّ على أَنه يجب عَلَيْهَا الْإِجَابَة أما إِذا قُلْنَا لَا فَلَا يظْهر ذَلِك لما فِيهِ من الْإِضْرَار بهَا

المسالة الرَّابِعَة فِي انْعِقَاد نِكَاحه بِلَا ولي وَلَا شُهُود وَجْهَان أَحدهمَا لَا لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل) وأصحهما نعم لِأَن اعْتِبَار الْوَلِيّ الْمُحَافظَة على الْكَفَاءَة وَلَا شكّ فِيهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوق الْأَكفاء وَاعْتِبَار الشُّهُود لأمن الْجُحُود وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة

وَالسَّلَام لَا يجْحَد وَإِن جحدت هِيَ لم يرجع إِلَى قَوْلهَا على خلاف قَوْله بل قَالَ الْعِرَاقِيّ فِي شرح الْمُهَذّب تكون كَافِرَة بتكذيبه

وَيدل على الِانْعِقَاد أَيْضا أَن الصَّحَابَة كلهم أشكل عَلَيْهِم هَل تزوج صَفِيَّة وأحالوا ذَلِك على حجبها وقصة زَيْنَب فِي تَزْوِيجه بهَا وَهَذَا الْخلاف فِي غير زَيْنَب أما زَيْنَب فمنصوص عَلَيْهَا وَقد نبه عَلَيْهِ أَيْضا النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم فِي بَاب زواج زَيْنَب بنت جحش وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة فِيمَا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء من قبله

(تَنْبِيه) قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة مَبْنِيّ على أَن الْمُتَكَلّم هَل يدْخل فِي عُمُوم خطابه أم لَا فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَ (لَا نِكَاح إِلَّا بولِي مرشد وشاهدي عدل) وَفِيمَا ذكره نظر لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ هُنَا إِنَّمَا هُوَ نفي مَاهِيَّة النِّكَاح عِنْد انْتِفَاء ذَلِك فتنتفي تِلْكَ الْمَاهِيّة أَيْضا فِي حَقه عملا بِهَذَا الحَدِيث وَلم يَأْتِ لفظ عَام للأشخاص حَتَّى نقُول هَل دخل فيهم أم لَا الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة فِي انْعِقَاد نِكَاحه فِي حَال الْإِحْرَام وَجْهَان أَحدهمَا نعم لما روى البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عَبَّاس أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم وَهَذَا مَا نسبه الْمَاوَرْدِيّ إِلَى أبي الطّيب ابْن سَلمَة وَقَالَ الرَّافِعِيّ إِن كَلَام النقلَة بترجيحه أشبه وَصَححهُ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة

وَثَانِيهمَا لَا كَغَيْرِهِ وكما لَا يحل لَهُ الْوَطْء فِي الْإِحْرَام وَهُوَ مَا نَقله الْمَاوَرْدِيّ عَن سَائِر الْأَصْحَاب وَنِكَاح مَيْمُونَة فِي أَكثر الرِّوَايَات جرى وَهُوَ حَلَال كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَغَيره قَالَ القَاضِي عِيَاض وَغَيره وَلم يرو أَنه تزَوجهَا محرما إِلَّا ابْن عَبَّاس وَحده قلت فِي صَحِيح ابْن حبَان عَن عَائِشَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تزوج بعض نِسَائِهِ وَهُوَ محرم وروت

مَيْمُونَة وَأَبُو رَافع وَغَيرهمَا أَنه تزَوجهَا حَلَالا وهم أعرف بالقصة من ابْن عَبَّاس لتعلقهم بهَا وَلِأَنَّهُم أضبط من ابْن عَبَّاس وأكبر قَالَ ابْن الْمسيب وَوهم ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك كَذَا رَوَاهُ عَنهُ أَبُو دَاوُد وَابْن عدي قلت وَيُؤَيِّدهُ أَن الدَّارَقُطْنِيّ روى من حَدِيث ابْن عَبَّاس تزَوجهَا وَهُوَ حَلَال رَوَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مخلد عَن أَبِيه عَن سَلام أبي الْمُنْذر وَعَن مطر الْوراق عَن عِكْرِمَة عَنهُ ثمَّ قَالَ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن عُثْمَان عَن أَبِيه عَن سَلام وَهُوَ غَرِيب عَن مطر وَرَوَاهُ أَبُو الْأسود عَن عِكْرِمَة أَيْضا قلت وترجح رِوَايَة أبي رَافع أَيْضا لِأَنَّهُ كَانَ بَالغا إِذْ ذَاك بِخِلَاف ابْن عَبَّاس وَبِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تزَوجهَا فِي عمْرَة الْقَضَاء كَمَا ذكره البُخَارِيّ وَغَيره وَلم يكن ابْن عَبَّاس مَعَه وتؤول رِوَايَة ابْن عَبَّاس الْمَشْهُورَة بِأَن المُرَاد تزَوجهَا فِي الشَّهْر الْحَرَام أَو فِي الْبَلَد الْحَرَام كَمَا قَالَ الشَّاعِر (قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما ... ) لِأَنَّهُ قتل فِي أَيَّام التَّشْرِيق من الشَّهْر الْحَرَام

(تَنْبِيه) عد الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة مِمَّا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء من قبله عَلَيْهِم السَّلَام الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي وجوب الْقسم عَلَيْهِ فِي زَوْجَاته وَجْهَان أَحدهمَا وَبِه قطع الْإِصْطَخْرِي قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَطَائِفَة وَصَححهُ الْغَزالِيّ فِي الْخُلَاصَة وَعَلِيهِ اقْتصر فِي الْوَجِيز لَا يجب وَإِنَّمَا كَانَ يتَطَوَّع بِهِ لِأَن فِي وُجُوبه عَلَيْهِ شغلا عَن لَوَازِم الرسَالَة وَلقَوْله تَعَالَى ترجئ من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء أَي تبعد من تشَاء فَلَا تقسم لَهَا وتقرب من تشَاء فتقسم لَهَا وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ عَن أَكثر الْعلمَاء أَن الْآيَة نزلت مبيحة ترك ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يطوف على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة كَمَا أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس وَذَلِكَ يُنَافِي وُجُوبه عَلَيْهِ وأصحهما عِنْد الشَّيْخ أبي حَامِد والعراقيين وتابعهم الْبَغَوِيّ وَهُوَ ظَاهر نَصه فِي الْأُم أَنه يجب لِأَنَّهُ كَانَ يُطَاف بِهِ فِي مَرضه على نِسَائِهِ حَتَّى

حللنه كَمَا ذكره الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر بلاغا وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي كتاب الْهِبَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لما ثقل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاشْتَدَّ وَجَعه وَاسْتَأْذَنَ أَزوَاجه فِي أَن يمرض فِي بَيْتِي فَأذن لَهُ وَصَحَّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُول (اللَّهُمَّ هَذَا قسمي فِيمَا أملك فَلَا تلمني فِيمَا تملك وَلَا أملك) كَمَا أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَع وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَلما هم بِطَلَاق سَوْدَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة فَجعل لَهَا يَوْمَيْنِ

وَأما الْآيَة فَهِيَ مَحْمُولَة على إِبَاحَة التبدل بِهن بعد التَّحْرِيم وَقَالَ ابْن الْقشيرِي فِي تَفْسِيره إِنَّه كَانَ وَاجِبا ثمَّ نسخ بِهَذِهِ الْآيَة وَذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي الْآيَة تأويلين أَحدهمَا مَعْنَاهُ تعزل من شِئْت من أَزوَاجك فَلَا تأتيها وَتَأْتِي من شِئْت مِنْهُنَّ وَهُوَ قَول قَتَادَة وَمُجاهد وَنَقله البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَاخْتلفُوا هَل أرجأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد نزُول هَذِه الْآيَة من نِسَائِهِ أحدا أم لَا فَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ الثَّانِي وانه مَاتَ عَن تسع وَكَانَ يقسم لثمان مِنْهُنَّ لِأَن سَوْدَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة وَرُوِيَ أَنه بلغ نسْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد أَن يخلي سبيلهن فأتينه فَقُلْنَ لَا تخل سبيلنا وَأَنت فِي حل مِمَّا بَيْننَا وَبَيْنك فأرجأ مِنْهُنَّ نسْوَة وآوى نسْوَة وَكَانَت مِمَّن أرجأ مَيْمُونَة وَجُوَيْرِية وَأم حَبِيبَة وَصفِيَّة وَسَوْدَة وَكَانَ

يقسم بَينهُنَّ من نَفسه وَمَاله وَكَانَ مِمَّن آوى عَائِشَة وَحَفْصَة وَأم سَلمَة وَزَيْنَب فَكَانَ قسْمَة من نَفسه وَمَاله فِيهِنَّ سَوَاء قَالَ ابْن الْقشيرِي وَقيل كَانَ أَرَادَ أَن يُفَارِقهُنَّ فَقُلْنَ اقْسمْ لنا من نَفسك مَا شِئْت وَدعنَا على حَالنَا قلت وطوافه على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة يُجيب - الْقَائِل بِالْوُجُوب - عَنهُ بِأَن ذَلِك كَانَ برضاهن وَاعْلَم أَن مَأْخَذ الْخلاف فِي هَذِه الْمسَائِل وَأَخَوَاتهَا أَن الزَّوْجَات فِي حَقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كالسراري فِي حق غَيره أَو كالزوجات وَفِيه وَجْهَان إِن جعلناهن كالسراري لم يشْتَرط الْوَلِيّ وَلَا الشُّهُود وانعقد نِكَاحه فِي الْإِحْرَام وبلفظ الْهِبَة وَلم يحصر عدد منكوحاته وَلَا طَلَاقه وَلَا يجب عَلَيْهِ الْقسم وَإِن جعلناهن كالزوجات انعكس الحكم وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِي أَن الله تَعَالَى خص نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأَشْيَاء فِي النِّكَاح مِنْهَا أَنه أعطَاهُ سَاعَة لَا يكون لأزواجه فِيهَا حق يدْخل فِيهَا على

جَمِيع أَزوَاجه فيفعل مَا يُرِيد بِهن ثمَّ يدْخل عِنْد الَّتِي يكون الدّور لَهَا وَفِي كتاب مُسلم أَن تِلْكَ السَّاعَة كَانَت بعد الْعَصْر فَلَو اشْتغل عَنْهَا لكَانَتْ بعد الْمغرب أَو غَيره فالذلك قَالَ أنس (كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَدُور على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار) الْمَسْأَلَة السَّابِعَة فِي وجوب نَفَقَة زَوْجَاته عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ السابقان فِي الْمهْر وَالأَصَح الْوُجُوب كَمَا ذكره النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تَزْوِيج الْمَرْأَة مِمَّن شَاءَ بِغَيْر إِذْنهَا وَإِذن وَليهَا الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وتزويجها من نَفسه الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة وتولي الطَّرفَيْنِ بِغَيْر إِذْنهَا وَإِذن وَليهَا إِذْ جعله الله أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم قَالَ الحناطي وَيحْتَمل أَن يُقَال كَانَ لَا يجوز إِلَّا بِإِذْنِهَا قلت وَيُؤَيِّدهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

اسْتَأْذن جوَيْرِية وَطلب رِضَاهَا بنكاحه وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ فعل ذَلِك تطييبا لقلبها كَقَوْلِه (وَالْبكْر تستأمر) وَوَقع فِي الْمطلب للشَّيْخ نجم الدّين بن الرّفْعَة أَن الرَّافِعِيّ حكى عَن الحناطي أَنه قَالَ يحْتَمل أَن يُقَال كَانَ لايجوز لَهُ إِلَّا بِإِذن وَليهَا قَالَ وَلم أر لذَلِك ذكرا فِي الرَّوْضَة بل ذكر الْخلاف الْمَذْكُور فِي توليه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الطَّرفَيْنِ هَذَا سَهْو مِنْهُ فَمَا ذكره عَن الحناطي لم يحكه الرَّافِعِيّ وَإِنَّمَا الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيّ مَا قَدمته وَلم يحك فِي الرَّوْضَة الْخلاف فِي تَوْلِيَة الطَّرفَيْنِ وَإِنَّمَا فِيهَا حكايته فِي إِذْنهَا وَإِذن وَليهَا كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ فَتنبه لَهَا

الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة أَن الْمَرْأَة تحل لَهُ بتزويج الله عز وَجل قَالَ الله تَعَالَى {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} الْآيَة أَي أَحللنَا لَك نِكَاحهَا وَكَانَت تفتخر على صواحباتها بذلك وَتقول زوجكن أهلوكن وزوجني الله من فَوق سبع سموات // رَوَاهُ البُخَارِيّ // من قَول أنس رَضِي الله عَنهُ وَمنع ذَلِك بعض أَصْحَابنَا وَقَالَ إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أنشأ عقدا على زَيْنَب وَمعنى الْآيَة أبحنا لَك نِكَاحهَا (فَائِدَة) لم يذكر الله أحدا من الصَّحَابَة فِي الْقُرْآن باسمه غير زيد بن حَارِثَة (تَنْبِيه) عد الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة مِمَّا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام من قبله

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة كَانَ يحل لَهُ نِكَاح الْمُعْتَدَّة من غَيره على وَجه حَكَاهُ الْبَغَوِيّ والرافعي وَهُوَ غلط لم يذكرهُ الْجُمْهُور وغلطوا من ذكره وَالصَّوَاب كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة الْقطع بِالْمَنْعِ قَالَ ابْن الصّلاح قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْخُلَاصَة وَهُوَ غلط مُنكر وددت محوه مِنْهُ وَتَبعهُ فِيهِ صَاحب مُخْتَصر الجوينى ومنشئوه فِي تَصْحِيف كَلَام أَتَى بِهِ الْمُزنِيّ الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة هَل كَانَ يحل لَهُ الْجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها أَو خَالَتهَا وَجْهَان فِي الرَّافِعِيّ عَن ابْن الْقطَّان بِنَاء على أَن الْمُخَاطب هَل يدْخل فِي الْخطاب لِأَنَّهُ قَالَ (لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا) فَالْمَعْنى لَا ينْكح أحد

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة لم يكن يحل لَهُ الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ لِأَن خطاب الله تَعَالَى يدْخل فِيهِ نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه وَجه حَكَاهُ الحناطي وَهُوَ بَاطِل قطعا فقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن أم حَبِيبَة أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل لَك فِي أُخْتِي بنت أبي سُفْيَان فَقَالَ (أفعل مَاذَا) قلت تنكحها قَالَ أَو تحبين ذَلِك قلت لست لَك بمخلية وَأحب من شركني فِي خير أُخْتِي قَالَ (فَإِنَّهَا لَا تحل لي)

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة لم يكن يحل لَهُ الْجمع بَين الْأُم وبنتها وَفِيه وَجه بعيد حَكَاهُ الحناطي الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة أعتق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس نعم هُوَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ من حَدِيث أبي مُوسَى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْتقهَا ثمَّ أصدقهَا وَذَلِكَ يدل على تَجْدِيد العقد بِصَدَاق غير الْعتْق وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ رُوِيَ من حَدِيث ضَعِيف أَنه أمهرها فَذكره وَفِي

رِوَايَة من حَدِيث ابْن عمر أَن جوَيْرِية وَقع لَهَا مثل ذَلِك وَلَكِن أعلها ابْن حزم بِيَعْقُوب بن حميد بن كاسب وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ لَا كَمَا جزم بتضعيفه وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي معنى أعْتقهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا على أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه أعْتقهَا بِشَرْط أَن ينْكِحهَا فلزمها الْوَفَاء بِخِلَاف غَيره وَهَذَا يَقْتَضِي إنْشَاء عقد بعد ذَلِك ثَانِيهَا أَنه جعل نفس الْعتْق صَدَاقهَا وَجَاز لَهُ ذَلِك بِخِلَاف غَيره وَهَذَا مَا أوردهُ الْمَاوَرْدِيّ وَثَالِثهَا أَنه أعْتقهَا بِلَا عوض وَتَزَوجهَا بِلَا مهر لَا فِي الْحَال وَلَا فِيمَا بعد قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا أصح وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن الصّلاح فَإِنَّهُ قَالَ فِي مشكله إِنَّه أصح وَأقرب إِلَى الحَدِيث وَحكي عَن أبي

إِسْحَاق وَقطع بِهِ الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ أعْتقهَا مُطلقًا قَالَ ابْن الصّلاح فَيكون معنى قَوْله وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا أَنه لم يَجْعَل لَهَا شَيْئا غير الْعتْق فَحل مَحل الصَدَاق وَإِن لم يكن صَدَاقا وَهُوَ من قبيل قَوْلهم الْجُوع زَاد من لَا زَاد لَهُ رَابِعهَا أَنه أعْتقهَا على شَرط أَن يَتَزَوَّجهَا فَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا قيمتهَا فَتَزَوجهَا بِهِ وَهِي مَجْهُولَة وَلَيْسَ لغيره أَن يتَزَوَّج بِصَدَاق مَجْهُول حَكَاهُ الْغَزالِيّ فِي وسيطه نعم لنا وَجه فِي صِحَة إصداق قيمَة الْأمة الْمُعتقَة المجهولة إِذا أعْتقهَا عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا وَهُوَ يرد قَول الْغَزالِيّ فِي وسيطه فِيهِ خاصية بالِاتِّفَاقِ إِلَّا أَن يكون الْقَائِل بِالصِّحَّةِ فِي حق غَيره غير الْقَائِل بِالصِّحَّةِ هُنَا قَالَ ابْن حزم مَا وَقع فِي الحَدِيث سنة جَائِزَة صَحِيحَة لكل من أَرَادَ أَن يفعل مثل ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ لما أخرج الحَدِيث الْمُتَقَدّم قَالَ حسن صَحِيح وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد بعض أهل

الْعلم من الصَّحَابَة وَغَيرهم قَالَ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَكره بعض أهل الْعلم أَن يَجْعَل عتقهَا صَدَاقهَا حَتَّى يَجْعَل لَهَا مهْرا سوى الْعتْق قَالَ وَالْقَوْل الأول أصح وَقَالَ ابْن حبَان - من أَصْحَابنَا - فِي صَحِيحه فعل فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تقم الدّلَالَة على أَنه خص بِاسْتِعْمَالِهِ دون أمته مُبَاح لَهُم اسْتِعْمَال ذَلِك الْفِعْل لعدم وجود تَخْصِيصه فِيهِ ثمَّ سَاق حَدِيث أنس السالف (خَاتِمَة) ثَبت فِي الصَّحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يدْخل على أم حرَام بنت ملْحَان فتطعمه وتفلي رَأسه وينام عِنْدهَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم فِي بَاب فضل الْغَزْو فِي الْبَحْر اتّفق الْعلمَاء على أَنَّهَا كَانَت محرما لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ذَلِك فَقَالَ ابْن عبد الْبر وَغَيره كَانَت إِحْدَى خالاته من

الرضَاعَة وَقَالَ آخَرُونَ بل كَانَت خَالَته لِأَبِيهِ أَو لجده لِأَن عبد الْمطلب كَانَت أمه من بني بني النجار هَذَا كَلَامه وَمَا ذكره من الِاتِّفَاق على أَنَّهَا

كَانَت محرما لَهُ فِيهِ نظر وَمن أحَاط علما بِنسَب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنسب أم حرَام علم أَنه لَا محرمية بَينهمَا وَقد بَين ذَلِك الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي فِي جُزْء مُفْرد وَقَالَ خَاص بِأم حرَام وَأُخْتهَا أم سليم وَقد ذكرت ذَلِك عَنهُ فِي كتابي الْمُسَمّى (الْعدة فِي معرفَة رجال الْعُمْدَة) وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعْصُوم - فَيُقَال كَانَ من خَصَائِصه الْخلْوَة بالأجنبية وَقد ادَّعَاهُ بعض شُيُوخنَا

(تَنْبِيه) صَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لست سِنِين أَو سبع فَذهب ابْن شبْرمَة فِيمَا حَكَاهُ ابْن حزم إِلَى أَن ذَلِك خَاص بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه لَا يجوز للْأَب إنكاح ابْنَته حَتَّى تبلغ وَهُوَ غَرِيب لَا نعلمهُ عَن غَيره وَقد خَالف الْجُمْهُور فَإِنَّهُم قَالُوا إِن ذَلِك يجوز لكل وَاحِد وَإنَّهُ لَيْسَ من الخصائص بل نقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَقد خطب عمر أم كُلْثُوم إِلَى عَليّ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِنَّهَا تصغر عَن ذَلِك ثمَّ زوجه وَقَالَ الشَّافِعِي زوج ابْن الزبير ابْنَته صَفِيَّة وَزوج غير وَاحِد من الصَّحَابَة ابْنَته صَغِيرَة

القسم الأول

النَّوْع الرَّابِع مَا اخْتصَّ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْفَضَائِل والكرامات وَهِي أَيْضا قِسْمَانِ مُتَعَلق بِالنِّكَاحِ وَغير مُتَعَلق بِهِ الْقسم الأول الْمُتَعَلّق بِهِ وَفِيه مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى أَن أَزوَاجه اللَّاتِي توفّي عَنْهُن مُحرمَات على غَيره أبدا قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله وَلَا أَن تنْكِحُوا أَزوَاجه من بعده أبدا} قيل نزلت فِي طَلْحَة بن عبيد الله فَإِنَّهُ قَالَ إِن مَاتَ لأَتَزَوَّجَن عَائِشَة

ولأنهن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ قَالَ تَعَالَى {وأزواجه أمهاتهم} أَي مثل أمهاتهم فِي وجوب احترامهن وطاعتهن - كَمَا سَيَأْتِي - وَتَحْرِيم نِكَاحهنَّ لما فِي إحلالهن لغيره من النَّقْص لمنصبه ولأنهن أَزوَاجه فِي الْجنَّة كَمَا رَأَيْته فِي الْخِصَال للخصاف من أَصْحَابنَا وعيون المعارف للقضاعي ذكره فِيمَا خص بِهِ دون الْأَنْبِيَاء وَأمته فَإِن الْمَرْأَة فِي الْجنَّة لآخر أزواجها كَمَا قَالَ ابْن الْقشيرِي وَلِأَنَّهُ حَيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِهَذَا حكى الْمَاوَرْدِيّ وَجها أَنه لَا يجب عَلَيْهِنَّ عدَّة والوفاة وفيمن فَارقهَا فِي الْحَيَاة كالمستعيذة وَالَّتِي وجد بكشحها بَيَاضًا ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا يحرمن أَيْضا وَهُوَ الْمَنْصُوص فِي أَحْكَام الْقُرْآن لشمُول الْآيَة السالفة والبعدية فِي قَوْله تَعَالَى {من بعده} عِنْد هَذَا الْقَائِل لَا تخْتَص بِمَا بعد الْمَوْت بل بِمَا هُوَ أَعم مِنْهُ فَيكون التَّقْدِير من بعد نِكَاحه قَالَ بَعضهم وحرمن لوُجُوب محبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الْعَادة أَن زوج الْمَرْأَة يكره زَوجهَا الأول قَالَ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا أرجح وَقَالَ ابْن الصّلاح إِنَّه أشبه بِظَاهِر نَص الشَّافِعِي وَقيل إِن وَجه التَّفْصِيل - يَعْنِي الثَّلَاثَة - أصح وَعبارَة الْقُضَاعِي تقضي هَذَا الْوَجْه أَيْضا فَإِنَّهُ أطلق أَن نِسَاءَهُ حرمن على غَيره وَجعل ذَلِك من خَصَائِصه دون غَيره من الْأَنْبِيَاء وَثَانِيها لَا يحرمن لإعراض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا وَانْقِطَاع الاعتناء بهَا وَلِأَن فِي ذَلِك إِضْرَارًا والبعدية على هَذَا مَخْصُوصَة بِمَا بعد الْمَوْت وَثَالِثهَا وَبِه قَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه الصَّحِيح وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير إِنَّه الْأَظْهر وَصَححهُ الْمَاوَرْدِيّ وَالْغَزالِيّ أَيْضا وَقَالَ الإِمَام إِنَّه الأعدل وَجزم بِهِ صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير يحرم الْمَدْخُول بهَا فَقَط لما رُوِيَ أَن الْأَشْعَث بن قيس نكح المستعيذة فِي زمن عمر رضى الله عَنهُ فهم عمر برجمها فَأخْبر أَنه لم

يكن مَدْخُولا بهَا فَكف عَنْهُمَا كَذَا أوردهُ الإِمَام وَالْغَزالِيّ وَالْقَاضِي قَالَ هم بجلد الْأَشْعَث بدل رجمه وَالْمَاوَرْدِيّ ذكره كَالْأولِ وَذكر أَنه رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تزوج فِي ربيع الأول من سنة عشر - الَّتِي مَاتَ فِيهَا - قتيلة أُخْت الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ وَلم يدْخل بهَا فأوصى فِي مرض مَوته أَن تخير إِن شَاءَت أَن يضْرب عَلَيْهَا الْحجاب وَتحرم على الْمُؤمنِينَ (وتجري عَلَيْهَا مَا يجْرِي على أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ) وَإِن شَاءَت أَن تنْكح من شَاءَت فَاخْتَارَتْ النِّكَاح فَتَزَوجهَا عِكْرِمَة بن أبي جهل بحضرموت فَبلغ أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لقد هَمَمْت أَن أحرق عَلَيْهِمَا فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ مَا هِيَ من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ مَا دخل بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا ضرب عَلَيْهَا حِجَابا فَكف عَنْهُمَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ

قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فَصَارَ كالإجماع فَإِن حرمنا فَفِي أمة يفارقها بِالْمَوْتِ أَو غَيره بعد وَطئهَا وَجْهَان فِي الرَّافِعِيّ وهما فِي التَّهْذِيب أَحدهمَا لَا يحل كالمنكوحة الَّتِي فَارقهَا وَالثَّانِي لَا لِأَن مَارِيَة غير مَعْدُودَة فِي أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِن مَاتَ عَنْهَا كمارية أم وَلَده إِبْرَاهِيم حرم نِكَاحهَا وَإِن لم تصر أما للْمُؤْمِنين كالزوجات لنقصها بِالرّقِّ وَإِن بَاعهَا فَفِي تَحْرِيمهَا على مشتريها وعَلى سَائِر الْمُسلمين وَجْهَان كالمطلقة وَجزم فِي بَاب اسْتِبْرَاء أم الْوَلَد بِالتَّحْرِيمِ وينتظم من ذَلِك ثلَاثه أوجه ثمَّ الْأَوْجه السالفة فِي غير المخيرات أما المخيرات فَمن اخْتَارَتْ مِنْهُنَّ الدُّنْيَا فَفِي حلهَا للأزواج طَرِيقَانِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ بطرد الْأَوْجه وَقطع أَبُو يَعْقُوب الأبيوردي وَآخَرُونَ بِالْحلِّ لتحصل فَائِدَة

التَّخْيِير وَهُوَ التَّمَكُّن من زِينَة الدُّنْيَا وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الإِمَام وَنقل الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَمنعه الْغَزالِيّ فَإِن قُلْنَا لَا تحل فَفِي وجوب نَفَقَتهَا من خمس الْخمس وَجْهَان أَحدهَا تجب كَمَا تجب نَفَقَة اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن لتحريمهن وَثَانِيها لَا لِأَنَّهَا لم تجب فِي حَيَاته فَأولى أَن لَا تجب بعد مَوته وَلِأَنَّهَا مَقْطُوعَة الْعِصْمَة بِالطَّلَاق (فَائِدَة) فِي عدد أَزوَاجه وَمن مَاتَ مِنْهُنَّ فِي حَيَاته وَمن فارقهن وَمن مَاتَ عَنْهُن فِي عصمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مَعَهم وَقد تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا قيل أَربع عشرَة وَقيل خمس عشرَة حَكَاهُ ابْن الصّباغ وَأَنه دخل مِنْهُنَّ بِثَلَاث عشرَة وَقيل سبع عشرَة وَقيل ثَمَانِي عشرَة حَكَاهُ القَاضِي حُسَيْن وَابْن الصّباغ أَيْضا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ ثَلَاثًا وَعشْرين سِتّ متن قبله وتسع مَاتَ قبلهن

وثمان فارقهن واللاتي متن قبله خَدِيجَة بنت خويلد رَضِي الله عَنْهَا وَهِي أول نِسَائِهِ تزَوجهَا قبل النُّبُوَّة عِنْد مرجعه من الشَّام وعمره خمس وَعِشْرُونَ سنة وَهِي أم أَوْلَاده خلا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة من كورة انصنا من الديار المصرية كَانَ الْمُقَوْقس أهداها لَهُ وَلم يتَزَوَّج على خَدِيجَة حَتَّى مَاتَت كَمَا هُوَ مخرج فِي الصَّحِيح وَكَانَ مَوتهَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وَهِي أول من آمن من النِّسَاء قطعا

وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَقّهَا خير نسائها مَرْيَم بنت عمرَان وَخير نسائها خَدِيجَة وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا غرت على امْرَأَة مَا غرت عَلَيْهَا من كَثْرَة ذكر رَسُول الله إِيَّاهَا قَالَت تزَوجنِي بعْدهَا بِثَلَاث سِنِين وَأمره ربه أَو جِبْرِيل أَن يبشرها بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب // رَوَاهُ البُخَارِيّ // وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن عَائِشَة ناظرت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَت تزَوجنِي بكرا وَتزَوج أمك ثَيِّبًا فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (قولي لَهَا إِن كَانَ قد أخذك بكرا فقد أخذت هِيَ رَسُول الله بكرا) وَلأَجل هَذَا قَالَ فريق من أَصْحَابنَا - كَمَا قَالَ القَاضِي وَالْمُتوَلِّيّ - إِن خَدِيجَة

أفضل من عَائِشَة وَقَالَ فريق بل عَائِشَة أفضل لدوام صحبتهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد النُّبُوَّة وَطول مدَّتهَا إِلَى مَوته وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ (أريتك فِي الْمَنَام ثَلَاث لَيَال جَاءَنِي بك الْملك فِي سَرقَة من حَرِير فَيَقُول هَذِه امْرَأَتك فأكشف عَن وَجهك فَإِذا أَنْت هِيَ فَأَقُول (إِن يكن من عِنْد الله يمضه) // أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ // وَجه الدّلَالَة قَوْله (هَذِه امْرَأَتك) وَالسَّرِقَة وَاحِدَة السرق وَهُوَ الشقق الْبيض من الْحَرِير خَاصَّة وَلِأَنَّهَا كَانَت حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام) وَسَأَلَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ أَي النَّاس أحب إِلَيْك قَالَ (عَائِشَة) // أخرجه البُخَارِيّ // وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا أَيْضا فِي أَن عَائِشَة أفضل من فَاطِمَة أم فَاطِمَة أفضل مِنْهَا وَقد تقدم مناظرتها لَهَا فِيمَا حكيناه عَن القَاضِي حُسَيْن فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قبل النَّوْع الثَّالِث نعم هِيَ لَا توجب التَّفْضِيل قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب مرج الْبَحْرين ذكر بعض الجهلة أَن عَائِشَة أفضل من فَاطِمَة وَاسْتدلَّ على ذَلِك أَنَّهَا عِنْد عَليّ فِي الْجنَّة وَعَائِشَة عِنْد

رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهَذَا لَا يُوجب التَّفْضِيل ثمَّ أَطَالَ فِي الرَّد عَلَيْهِ قَالَ وَسُئِلَ الْعَالم الْكَبِير أَبُو بكر بن دَاوُد بن عَليّ أعائشة أفضل أم خَدِيجَة فَقَالَ عَائِشَة أقرأها السَّلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جِبْرِيل وَخَدِيجَة أقرأها جِبْرِيل

السَّلَام من رَبهَا على لِسَان نبيه فَهِيَ أفضل فَقيل لَهُ فَمن أفضل أخديجة أم فَاطِمَة فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن فَاطِمَة بضعَة مني) وَلَا أعدل ببضعة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدا قلت وَلَقَد قَالَ لَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين بَكت بَعْدَمَا سَارهَا ثَانِيًا عِنْد مَوته (أما ترْضينَ أَن تَكُونِي سيدة نسَاء الْمُؤمنِينَ) أَو (سيدة نسَاء هَذِه الْأمة) فَضَحكت وَلَيْسَ لَهَا فِي الصَّحِيح سواهُ وَقَوْلها لما دفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أنس أطابت أَنفسكُم أَن تحثوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التُّرَاب وَادّعى ابْن دحْيَة فِي تنويره أَنه لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ سوى الأول قَالَ الْعلمَاء وَفَاطِمَة أفضل من أخواتها لِأَنَّهُنَّ فِي ميزَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي ميزانها أما مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لزيد بن حَارِثَة أَلا تَنْطَلِق فتجيء بِزَيْنَب - يَعْنِي ابْنَته لما خرجت

من مَكَّة وأدركها هَبَّار بن الْأسود حَتَّى أَلْقَت مَا فِي بَطنهَا وَأَعْطَاهُ خَاتمه وَجَاء إِلَى راعي غنم لَهَا فَأعْطَاهُ الْخَاتم واستكتمه فَأَعْطَاهَا الْخَاتم فعرفته حَتَّى إِذا كَانَ اللَّيْل خرجت إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا ارْكَبِي بَين يَدي قَالَت لَا لَكِن اركب أَنْت فَركب وَركبت وَرَاءه حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - هِيَ أفضل بَنَاتِي أُصِيبَت فِي فَجَوَابه - إِن صَحَّ - أَنه يحْتَمل كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت ثمَّ وهب الله لفاطمة من الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَالْأَحْوَال السّنيَّة والكمال مَا لم يشركها فِيهِ أحد من بَنَاته سواهَا وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن مَجِيء زيد بِزَيْنَب بِأَن زيدا كَانَ فِي حكم التبني أَخا لِزَيْنَب محرما لَهَا جَائِزا لَهُ السّفر بهَا كَمَا يجوز للْأَخ لَو كَانَ لَهَا الثَّانِيَة زَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْهِلَالِيَّة أم الْمَسَاكِين دخل بهَا وأقامت عِنْده شهورا ثمَّ مَاتَت وَهِي أُخْت مَيْمُونَة بنت الْحَارِث من أمهَا وَجزم ابْن الْأَثِير فِي معرفَة الصَّحَابَة بِأَنَّهُ لم يمت من أَزوَاجه قبله غَيرهَا وَغير خَدِيجَة

الثَّالِثَة سبا بنت الصَّلْت مَاتَت قبل أَن يصل إِلَيْهَا الرَّابِعَة أساف أُخْت دحْيَة الْكَلْبِيّ مَاتَت قبل أَن تصل إِلَيْهِ الْخَامِسَة خَوْلَة بنت الْهُذيْل مَاتَت قبل أَن يدْخل بهَا وَقيل هِيَ الَّتِي وهبت نَفسهَا السَّادِسَة خَوْلَة بنت حَكِيم السلمِيَّة مَاتَت قبل أَن يدْخل بهَا وَقيل أَيْضا الَّتِي وهبت نَفسهَا

وَأما التسع اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن فَالْأولى عَائِشَة بنت الصّديق تزَوجهَا بعد موت خَدِيجَة بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث كَمَا سلف عَن رِوَايَة البُخَارِيّ وَالْأولَى فِي البُخَارِيّ أَيْضا بِمَكَّة وَهِي بنت سبع أَو سِتّ وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيح وَبنى بهَا بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّال فِي السّنة الثَّانِيَة وَقَالَ الْوَاقِدِيّ فِي الأولى وَقَالَ ابْن دحْيَة الأول هُوَ

الصَّحِيح والواقدي كَذَّاب وَقَالَ الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي بل الصَّحِيح مَا قَالَه الْوَاقِدِيّ فأوضحه وَهِي بنت تسع وَلم يتَزَوَّج بكرا غَيرهَا وَمَات عَنْهَا وَهِي بنت ثَمَانِي عشرَة سنة وَهِي أول أمْرَأَة تزَوجهَا بعد خَدِيجَة وَقيل بل تزوج قبلهَا سَوْدَة بنت زَمعَة وَكَانَت عَائِشَة أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ

الثَّانِيَة سَوْدَة بنت زَمعَة تزَوجهَا بعد عَائِشَة كَمَا أخْبرت بذلك فِي الصَّحِيحَيْنِ فَلَمَّا عرف أَخُوهَا عبد بن زَمعَة حثا التُّرَاب على رَأسه ثمَّ سفه نَفسه فِي ذَلِك لما أسلم الثَّالِثَة حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي عَنْهُمَا تزَوجهَا بِالْمَدِينَةِ بعد سَوْدَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ كَانَ عُثْمَان خطبهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة

وَالسَّلَام (أَلا أدلك على من هُوَ خير لَهَا من عُثْمَان وأدل عُثْمَان على من هُوَ خير لَهُ مِنْهَا) وَتَزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَزوج بنته أم كُلْثُوم بعثمان وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا فَقيل لَهُ رَاجعهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وفيهَا وَفِي عَائِشَة نزل قَوْله تَعَالَى (إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا) الرَّابِعَة أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان - رَملَة - كَانَت تَحت عبيد الله بن

جحش مَاتَ عَنْهَا بِأَرْض الْحَبَشَة وَزوجهَا مِنْهُ عُثْمَان بن عَفَّان وَقيل خَالِد بن سعيد بن العَاصِي وَقيل الْوَلِيد وهم أَوْلَاد عَم أَبِيهَا بِإِذْنِهَا وَقيل النَّجَاشِيّ وَقبل لَهُ وَكيله عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي وَأَمْهَرهَا النَّجَاشِيّ عَنهُ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَقيل تزوج بِالْمَدِينَةِ بعد مجيئها من الْحَبَشَة وَمَا وَقع فِي مُسلم أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفَتْح أزَوجك أجمل الْعَرَب وَأَحْسبهُ أم حَبِيبَة قَالَ (نعم) فطعن ابْن حزم فِي شريك رَاوِيه فَأجَاب غَيره بِأَن المُرَاد تَجْدِيد العقد أَو غير ذَلِك مِمَّا أوضحته فِي كتاب الْوكَالَة من تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ ونقلته إِلَى شرح الْعُمْدَة فسارع إِلَيْهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَقيل إِن فِي تَزْوِيجهَا نزل قَوْله تَعَالَى {عَسى الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة} وَلما تنَازع أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي حضَانَة ابْنه إِبْرَاهِيم قَالَ ادفعوه إِلَى أم حَبِيبَة فَإِنَّهَا أقربهن مِنْهُ رحما

الْخَامِسَة مِنْهُنَّ أم سَلمَة هِنْد بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة المخزومية تزَوجهَا بعد وَفَاة أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد السَّادِسَة مَيْمُونَة بنت الْحَارِث خَالَة ابْن عَبَّاس وكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا رَافع فِي قبُول نِكَاحهَا وَهِي بِمَكَّة وَهل كَانَ حَلَالا أَو محرما فَفِيهِ خلاف قَدمته وَدخل بهَا عَام الْفَتْح سنة ثَمَان بسرف وَبِه مَاتَت وَبَدَأَ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَرَض فِي بَيتهَا وَرُوِيَ أَنه تزَوجهَا عمْرَة الْقَضَاء وَكَانَت سنة سبع قَالَ عَطاء وَكَانَ لَا يقسم لَهَا فَلَعَلَّهُ كَانَ يرضاها وَهُوَ مَا حَكَاهُ

الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره الْمَعْرُوف أَن الَّتِي لَا يقسم لَهَا سَوْدَة قَالَ عَطاء وَكَانَت آخِرهنَّ موتا مَاتَت بِالْمَدِينَةِ السَّابِعَة صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب من سبي بني النَّضِير من ولد هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام اصطفاها عَلَيْهِ السَّلَام وأعتقها وَتَزَوجهَا فِي سنة سبع وَهِي الَّتِي أَهْدَت إِلَيْهَا زَيْنَب بنت سَلام الْيَهُودِيَّة الشَّاة المسمومة فَأكل مِنْهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسميت صَفِيَّة لاصطفائها من الْمغنم وَقيل بل كَانَ اسْمهَا من قبل الثَّامِنَة جوَيْرِية بنت الْحَارِث من بني المصطلق من خُزَاعَة سبيت

فِي غَزْوَة الْمُريْسِيع وَقد تقدم فِي رِوَايَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جعل عتقهَا صَدَاقهَا وَفِي أبي دَاوُد أَنَّهَا جَاءَت تستعينه فِي كتَابَتهَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أؤدي عَنْك كتابتك وأتزوجك) قَالَت قد فعلت فَلَمَّا تسامع النَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا أرْسلُوا بِمَا فِي أَيْديهم من السَّبي فأعتقوهم وَقَالُوا أَصْهَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَت أبرك امْرَأَة على قَومهَا عتق بِسَبَبِهَا أَكثر من مائَة أهل بَيت من بني المصطلق التَّاسِعَة زَيْنَب بنت جحش وَكَانَ اسْم أَبِيهَا مرّة فَسَماهُ

رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جحشا وَقَالَ (لَو كَانَ مُسلما سميناه اسْما من أسمائنا) وَكَانَت ابْنة عمته لِأَن أمهَا أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب وَبَدَأَ ابْن الْأَثِير فِي جَامعه بعائشة ثمَّ بحفصة ثمَّ أم سَلمَة ثمَّ بِزَيْنَب ثمَّ بِأم حَبِيبَة ثمَّ بصفية ثمَّ بجويرية ثمَّ بسودة ثمَّ بميمونة وَهَذَا التَّرْتِيب بِحَسب فضلهن كَمَا ادَّعَاهُ صَاحب الْمطلب لَا بِحَسب التَّقْدِيم فِي النِّكَاح قَالَ فَإِن أول من تزوج بعد خَدِيجَة على الْمَشْهُور عَائِشَة ثمَّ سَوْدَة ثمَّ حَفْصَة ثمَّ أم سَلمَة ثمَّ أم حَبِيبَة ثمَّ زَيْنَب بنت جحش ثمَّ مَيْمُونَة ثمَّ جوَيْرِية ثمَّ صَفِيَّة كَذَا قَالَ وَقَالَ أَعنِي ابْن الْأَثِير - فِي معرفَة الصَّحَابَة أول نِسَائِهِ خَدِيجَة ثمَّ بعْدهَا سَوْدَة وَقيل عَائِشَة وَتزَوج حَفْصَة سنة ثَلَاث وَزَيْنَب بنت جحش سنة خمس وَقيل غير ذَلِك وَأم حَبِيبَة سنة سِتّ وَبنى بهَا سنة سبع وَجُوَيْرِية سنة سِتّ وَقيل خمس ومَيْمُونَة سنة سبع وَصفِيَّة سنة تسع وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْهِلَالِيَّة سنة ثَلَاث وَأم سَلمَة سنة أَربع وَأما الثمان اللَّاتِي فارقهن فِي حَيَاته أ - فأسماء بنت النُّعْمَان الكندية المستعيذة على أحد الْأَقْوَال

ب - وليلى بنت الخطيم الأوسية أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غافل فَضربت ظَهره فَقَالَ (من هَذَا أكله الْأسد) فَقَالَت أَنا ليلى جِئْت أعرض عَلَيْك نَفسِي فَقَالَ (قد قبلت) ثمَّ علمت كَثْرَة ضرائرها فاستقالته فأقالها فَدخلت حَائِطا بِالْمَدِينَةِ فَأكلهَا الذِّئْب ج - وَعمرَة بنت يزِيد الْكلابِيَّة دخل بهَا ثمَّ رَآهَا تتطلع فَطلقهَا د - الْعَالِيَة بنت ظبْيَان دخل بهَا وَمَكَثت عِنْده مَا شَاءَ الله ثمَّ طَلقهَا هـ - وَفَاطِمَة بنت الضَّحَّاك اخْتَارَتْ فِرَاقه عِنْد التَّخْيِير ففارقها بعد الدُّخُول ووَقتيلَة بنت قيس أُخْت الْأَشْعَث بن قيس تزَوجهَا فِي مَرضه فَاخْتَارَتْ فِرَاقه وَلم يدْخل بهَا ز - ومليكة بنت كَعْب الليثية كَانَت مَذْكُورَة بالجمال فَقيل إِن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا دست إِلَيْهَا أَلا تستحين تزوجي قَاتل أَبِيك يَوْم الْفَتْح فاستعيذي مِنْهُ فَإِنَّهُ يعيذك فَفعلت فَطلقهَا

ح - وَامْرَأَة من غفار رأى بكشحها وضحا فَقَالَ (ضمي إِلَيْك ثِيَابك والحقي بأهلك) فَهَؤُلَاءِ ثَمَان دخل مِنْهُنَّ بِثَلَاث تذنيب أخرج فِي الصَّحِيح أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَدُور على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار وَهن إِحْدَى عشرَة قيل لأنس وَكَانَ

يطيقه قَالَ كُنَّا نتحدث أَنه أعطي قُوَّة ثَلَاثِينَ وَهُوَ صَرِيح فِي الْجمع بَين إِحْدَى عشرَة فِي وَقت وَاحِد التسع اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن وَاثْنَتَانِ غَيْرهنَّ وَلَا يجوز أَحدهمَا زَيْنَب بنت خُزَيْمَة لِأَنَّهُ لَا يجمع بَينهَا وَبَين أُخْتهَا مَيْمُونَة نعم يجوز ان يَكُونَا من الثَّلَاثَة الْمُتَقَدّمَة اللَّاتِي دخل بِهن إِمَّا أَسمَاء أَو فَاطِمَة أَو عمْرَة (فَائِدَة) تسرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمارية الْقبْطِيَّة أم وَلَده إِبْرَاهِيم وَرَيْحَانَة بنت عَمْرو وَهِي من بني قُرَيْظَة ثمَّ أعْتقهَا فلحقت بِأَهْلِهَا وَقيل إِنَّه تزَوجهَا ثمَّ طَلقهَا وَقيل مَاتَ عَنْهَا وَهِي زوجه وَفِي الشَّامِل لِابْنِ الصّباغ أَنه اتخذ من الْإِمَاء ثَلَاثًا

وَقد قدمت عَن الْمَاوَرْدِيّ أَن رَيْحَانَة أسلمت ذكرته فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قبل النَّوْع الثَّالِث وَقد آن لنا أَن نعود إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول المسالة الثَّانِيَة من هَذَا النَّوْع فأزواجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ قَالَ تَعَالَى {وأزواجه أمهاتهم} وَقَرَأَ مُجَاهِد وَهُوَ أَب لَهُم وَقيل إِنَّهَا قِرَاءَة أبي بن كَعْب قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر أمهاتهم فِي معنى دون معنى وَذَلِكَ أَنه لَا يحل نِكَاحهنَّ بِحَال وَلَا يحرم بَنَات لَو كن لَهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زوج بَنَاته وَهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ وَذكر نَحوه فِي الْأُم وَجعل الْقُضَاعِي ذَلِك لَهُ دون غَيره من الْأَنْبِيَاء وَقد خُولِفَ فِي ذَلِك كَمَا سَيَأْتِي فأزواجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ سَوَاء من مَاتَ تَحْتَهُ وَمن مَاتَ عَنْهَا وَهِي تَحْتَهُ وَذَلِكَ فِي تَحْرِيم نِكَاحهنَّ وَوُجُوب احترامهن وطاعتهن وَفِي تعدِي ذَلِك إِلَى جَوَاز النّظر وَجْهَان فِي الْحَاوِي وَالْمَشْهُور الْمَنْع وَبِه جزم الرَّافِعِيّ وَلَا يثبت لَهُنَّ حكم الأمومة فِي جَوَاز الْخلْوَة والمسافرة وَلَا فِي النَّفَقَة وَالْمِيرَاث وَلَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَى غَيْرهنَّ فَلَا يُقَال بناتهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ بِدَلِيل أَنه لَا يحرم على الْمُؤمنِينَ التَّزَوُّج ببناتهن وأخواتهن وَلَا على

إخوانهن التَّزْوِيج بالمؤمنات وَقد زوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَنَاته من الْمُؤمنِينَ عَليّ وَعُثْمَان ونكح الزبير أُخْت عَائِشَة وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف حمْنَة أُخْت زَيْنَب وَكَذَا لَا يُقَال آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات الْمُؤمنِينَ بل يقْتَصر على مَا ورد من ثُبُوت حكم الأمومة لَهُنَّ فِي بعض الْأَحْكَام وَحكى الرَّافِعِيّ وَجها أَن اسْم الْأُخوة يُطلق على بناتهن وَاسم الخؤولة ينْطَلق على إخوتهن وأخواتهن لثُبُوت اسْم الأمومة لَهُنَّ وَإِن لم توجب ذَلِك تَحْرِيم النِّكَاح كَمَا أَن المسلمات كُلهنَّ أَخَوَات الْمُسلمين فِي الْإِسْلَام وَلَا يُوجب ذَلِك تَحْرِيم النِّكَاح قَالَ وَهَذَا ظَاهر لفظ الْمُخْتَصر يُشِير إِلَى قَوْله زوج بَنَاته وَهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ لَكِن أَكثر الْأَصْحَاب - كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ - غلطوا فِيهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَقد تزوج بَنَاته وَهن غير أَخَوَات الْمُؤمنِينَ وَقيل إِن الْكَاتِب حذف لَفْظَة غير وَقيل مَا قَالَه صَحِيح وَتَقْدِيره قد زوج بَنَاته أَي يزوجهن وَهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ وَالْقَاضِي حُسَيْن حكى الْخلاف فِي جَوَاز تَسْمِيَة مُعَاوِيَة خَال الْمُؤمنِينَ مَعَ جزمه بتخطئة الْمُزنِيّ

(فرع) قَالَ الْبَغَوِيّ وَكن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ من الرِّجَال دون النِّسَاء رُوِيَ ذَلِك عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا يَا أُمَّاهُ فَقَالَت لست لَك بِأم إِنَّمَا أَنا أم رجالكم وَهَذَا جَار على الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا أَصْحَابنَا وَغَيرهم من أهل الْأُصُول أَن النِّسَاء لَا يدخلن فِي خطاب الرِّجَال وَحكى الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره خلافًا فِي كونهن أُمَّهَات الْمُؤْمِنَات وَهُوَ خَارج على مَذْهَب من أدْخلهُنَّ فِي الْخطاب تَعْظِيمًا لحقهن وَوجه مُقَابِله أَن فَائِدَة أمومتهن فِي حق الرِّجَال مفقودة فِي حق النِّسَاء قَالَ أَصْحَابنَا فالأمومة ثَلَاث وأحكامها مُخْتَلفَة. أ - أمومة الْولادَة وَيثبت فِيهَا جَمِيع أَحْكَام الأمومة ب - وأمومة أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا يثبت إِلَّا تَحْرِيم النِّكَاح ج - وأمومة الرَّضَاع متوسطة بَينهمَا (فرع) قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا

وَقَالَ الواحدي قَالَ بعض أَصْحَابنَا لَا يجوز أَن يُقَال هُوَ أَب المؤمين لقَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم} قَالَ وَنَصّ الشَّافِعِي أَن يُقَال هُوَ أَب الْمُؤمنِينَ فِي الْحُرْمَة وَمعنى الْآيَة لَيْسَ أحد من رجالكم ولد صلبه قَالَ صَاحب الْمطلب وَفِيه نظر لِأَن ذَلِك مَعْلُوم ببداهة الْعُقُول وَالشَّرْع لَا يرد بِمثلِهِ إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ التَّنْبِيه على أَن تَحْرِيم نِكَاح زَوْجَة الابْن يخْتَص بِابْن الصلب وَلَا يتَعَدَّى إِلَى ابْن التبني فَإِن سَبَب نزُول الْآيَة زواجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِزَيْنَب زَوْجَة زيد فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون غَرضا مَقْصُودا وَعَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق أَنه لَا يُقَال أَبونَا وأنما يُقَال هُوَ كأبينا لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنَّمَا أَنا لكم كالوالد) وَنقل صَاحب الْمُحكم عَن الزّجاج فِي معنى قَوْله تَعَالَى قَالَ يَا قوم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم الْآيَة كنى بنسائه عَن نِسَائِهِم وَنسَاء أمة كل نَبِي بِمَنْزِلَة نِسَائِهِ وأزواجه بِمَنْزِلَة أمهاتهم وَحكى جمَاعَة من الْمُفَسّرين فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه أَرَادَ بَنَاته حَقِيقَة لِأَن الْجمع يَقع على الْإِثْنَيْنِ وَالثَّانِي أَنه أَرَادَ نسَاء أمته لِأَنَّهُ ولي أمته وَالله أعلم الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة تَفْضِيل زَوْجَاته على سَائِر النِّسَاء هَذَا لفظ الرَّافِعِيّ وَسبق الْخلاف فِي تَفْضِيل فَاطِمَة على خَدِيجَة وَالْخلاف شهير فِي مَرْيَم هَل هِيَ نبية أَو لَا

قَالَ الْقُرْطُبِيّ روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (إِن فِي النِّسَاء أَربع نبيات حَوَّاء وآسية وَأم مُوسَى وَمَرْيَم) ثمَّ قَالَ وَالصَّحِيح أَن مَرْيَم كَانَت نبية لِأَن الله تَعَالَى أوحى إِلَيْهَا بِوَاسِطَة الْملك كَمَا أوحى إِلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهل فضلهن - يَعْنِي زَوْجَاته - على نسَاء زمانهن أَو على النِّسَاء كُلهنَّ فِيهِ قَولَانِ وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم فِي حَدِيث فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام فضل عَائِشَة على النِّسَاء زَائِد كزيادة فضل الثَّرِيد على غَيره من الْأَطْعِمَة وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيح لتفضيلها على مَرْيَم وآسية لاحْتِمَال أَن المُرَاد بفضلها بفضلها على نسَاء الْأمة (فرع) وَجعل ثوابهن وعقابهن مضاعفا قَالَ الله تَعَالَى {يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة} الْآيَتَيْنِ قَالَ الشَّافِعِي قَالَ الله تَعَالَى {يَا نسَاء النَّبِي لستن كَأحد من النِّسَاء إِن اتقيتن} الْآيَة فأبانهن بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نسَاء الْعَالمين أَي

جَعلهنَّ مباينات لأجل صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِنسَاء سَائِر الْعَالمين فِي الثَّوَاب عِنْد الاتقاء وَفعل الْخَيْر وَكَذَا فِي جَزَاء الجريمة لَو اتّفقت مِنْهُنَّ وَالْعِيَاذ بِاللَّه والفاحشة المبينة الزِّنَا قَالَه السّديّ وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا النُّشُوز وَسُوء الْخلق والقنوت الطَّاعَة وَالْأَجْر مرَّتَيْنِ فِي الْآخِرَة وَقيل أَحدهمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخر فِي الْآخِرَة وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مضاعفة الْعَذَاب فَقيل عَذَاب فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب فِي الْآخِرَة وغيرهن إِذا عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا لم يُعَاقب فِي الْآخِرَة لِأَن الْحُدُود كَفَّارَات

وَقَالَ مقَاتل حدان فِي الدُّنْيَا قَالَ وَلَا يُضَاعف عَلَيْهِنَّ فِي السّرقَة لَو قدرت قَالَ سعيد بن جُبَير وَكَذَا عَذَاب من قذفهن يُضَاعف فِي الدُّنْيَا فيجلد مائَة وَسِتِّينَ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَلم أر للشَّافِعِيّ نصا فِي ذَلِك من الْقَوْلَيْنِ غير أَن الأشبة بِكَلَامِهِ أَنَّهُمَا حدان فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا ضوعف الْحَد بفضلهن كَمَا أَن حد الْحر ضعف حد العَبْد لكماله وفضله قَالَ صَاحب التَّلْخِيص قَالَ الله تَعَالَى {لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك} وَعمل غَيره إِنَّمَا يحبط بِالْمَوْتِ على الْكفْر قَالَ وَقَالَ تَعَالَى فِيهِ {لقد كدت تركن إِلَيْهِم} الْآيَة (فرع) لَا يحل لأحد أَن يسألهن إِلَّا من وَرَاء حجاب قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا} الْآيَة وَأما غَيْرهنَّ فَيجوز أَن

يسألهن مشافهة جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة والرافعي نَقله عَن التَّهْذِيب لِلْبَغوِيِّ وَأقرهُ وَقَالَ القَاضِي عِيَاض الْمَالِكِي خصصن بِفَرْض الْحجاب عَلَيْهِنَّ بِلَا خلاف فِي الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يجوز لَهُنَّ كشف ذَلِك لشهادة وَلَا غَيرهَا وَلَا إِظْهَار شخوصهن وَإِن كن مستترات إِلَّا لضَرُورَة خروجهن للبراز قَالَ وَكن إِذا قعدن للنَّاس جلسن من وَرَاء الْحجاب وَإِذا خرجن حجبن وسترن أشخاصهن كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث حَفْصَة يَوْم وَفَاة عمر وَلما توفيت زَيْنَب جعلُوا لَهَا قبَّة فَوق نعشها يستر شخصها وَأقرهُ على ذَلِك النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم ذكره فِي بَاب إِبَاحَة الْخُرُوج للنِّسَاء لقَضَاء حَاجَة الْإِنْسَان (فَائِدَة) ذكر الْبَغَوِيّ عَن الْخطابِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ كَانَ نسَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي معنى المعتدات وللمعتدة السُّكْنَى فَجعل لَهُنَّ سكن الْبيُوت مَا عشن وَلَا يملكن رقابها

كراماته في غير النكاح

الْقسم الثَّانِي كراماته فِي غير النِّكَاح وَفِيه مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى أَنه خَاتم النَّبِيين وَلَا يُعَارضهُ مَا ورد من نزُول عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام آخر الزَّمَان فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بشريعة ناسخة بل مقررا لَهَا عَاملا بهَا

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن أمته خير الْأُمَم معصومة لَا تَجْتَمِع على ضلال ابدا

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة أَن إجماعها حجَّة على الصَّحِيح وَإِجْمَاع غَيرهَا من الْأُمَم لَيْسَ بِحجَّة عِنْد الْأَكْثَرين خلافًا للأستاذ أبي إِسْحَاق وَآخَرين وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ التَّوَقُّف فِي ذَلِك الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة أَن شَرِيعَته مُؤَبّدَة وناسخة لجَمِيع الشَّرَائِع الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة أَن كِتَابَة معجز بِخِلَاف سَائِر كتب الْأَنْبِيَاء مَحْفُوظ عَن التحريف والتبديل وأقيم بعده حجَّة على النَّاس ومعجزات سَائِر الْأَنْبِيَاء انقرضت بانقراضهم الْمَسْأَلَة السَّادِسَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر) كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح وروينا من حَدِيث السَّائِب ابْن أُخْت نمر (فضلت على الْأَنْبِيَاء بِخمْس) فَذكر مِنْهَا (نصرت بِالرُّعْبِ شهرا أَمَامِي وشهرا خَلْفي)

الْمَسْأَلَة السَّابِعَة أَن رسَالَته عَامَّة إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ وكل نَبِي بعث إِلَى قومه خَاصَّة وَأما نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَصَارَت رسَالَته عَامَّة بعد الطوفان لانحصار البَاقِينَ فِيمَن كَانَ مَعَه فِي السَّفِينَة وَأما قبله فَاخْتَلَفُوا فِي عمومها فَقيل كَانَت عَامَّة لعُمُوم الْعقَاب بالطوفان لمُخَالفَته وَقيل كَانَت خَاصَّة لِقَوْمِهِ (تَنْبِيه) عبر الرَّافِعِيّ بقوله وَبعث إِلَى النَّاس كَافَّة وَتبع فِي ذَلِك الْقُرْآن والْحَدِيث وَهُوَ معنى قولي أَولا إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ فَإِن النَّاس قد يكون من الْجِنّ وَمن الْإِنْس وأصلة أنَاس مخفف نبه عَلَيْهِ الْجَوْهَرِي

الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة جعلت لَهُ ولأمته الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة أحلّت لَهُ ولأمته الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبله بل كَانُوا يجمعونها ثمَّ تَأتي نَار من السَّمَاء فتأكلها كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي الصَّحِيح من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي حَدِيث النَّبِي الَّذِي غزا وَحبس الله تَعَالَى لَهُ الشَّمْس قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي يحْتَمل أَن يُرَاد بحلها لَهُ أَن

يتَصَرَّف فِيهَا كَيفَ يَشَاء ويقسمها كَمَا أَرَادَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال قل الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول} الْآيَة وَيحْتَمل أَن يُرَاد لم يحل شَيْء مِنْهَا لغيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته وَفِي بعض الْأَحَادِيث (أحل لنا الْخمس) أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه قلت قد يُجَاب عَن هَذَا بِأَن الْخمس خص مِنْهَا لشرفه الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة جعلت أمته شُهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة على الْأُمَم بتبليغ الرُّسُل إِلَيْهِم رسالاتهم قَالَ الله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس} الْآيَة ومستندهم فِي الشَّهَادَة وَإِن لم يرَوا ذَلِك إِخْبَار الله تَعَالَى لَهُم بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {كذبت قوم نوح الْمُرْسلين} {كذبت عَاد} كَذبك ثَمُود {فكذبوا رُسُلِي} وَنَحْوهَا من الْآيَات

الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة أَصْحَابه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير الْأمة فَكل مِنْهُم أفضل من كل من بعده وَإِن رقي فِي الْعلم وَالْعَمَل وَخَالف ابْن عبد الْبر وَقَالَ قد يَأْتِي بعدهمْ من هُوَ أفضل من بَعضهم وأفضلهم عِنْد أهل السّنة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة على ترتيبهم فِي الْخلَافَة ثمَّ بَقِيَّة الْعشْرَة وَفضل بَعضهم عليا على عُثْمَان وَفضل بَعضهم من مَاتَ فِي حَيَاته على من بَقِي بعده

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة جعلت صُفُوف أمته كَصُفُوف الْمَلَائِكَة المسالة الثَّالِثَة عشرَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شفاعات أ - أولَاهُنَّ الشَّفَاعَة الْعُظْمَى فِي الْفَصْل بَين أهل الْموقف حِين يفزعون إِلَيْهِ بعد الْأَنْبِيَاء كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح فِي حَدِيث الشَّفَاعَة ب - وَالثَّانيَِة فِي جمَاعَة يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب ج - وَالثَّالِثَة فِي نَاس استحقوا دُخُول النَّار

د - وَالرَّابِعَة فِي نَاس دخلُوا النَّار فَيخْرجُونَ هـ - وَالْخَامِسَة فِي رفع دَرَجَات نَاس فِي الْجنَّة وَالْأولَى مُخْتَصَّة بِهِ وَكَذَا الثَّانِيَة قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَيجوز أَن تكون الثَّالِثَة وَالْخَامِسَة أَيْضا أَي وَالرَّابِعَة يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره من الْأَنْبِيَاء وَالْعُلَمَاء والأولياء وَقَالَ القَاضِي عِيَاض إِن شَفَاعَته لإِخْرَاج من فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من إِيمَان مُخْتَصَّة بِهِ إِذا لم يَأْتِ شَفَاعَة لغيره إِلَّا قبل هَذِه

و - وأهمل النَّوَوِيّ شَفَاعَة سادسة وَهِي تَخْفيف الْعَذَاب على من اسْتحق الخلود فِيهَا كَمَا فِي حق أبي طَالب فِي إِخْرَاجه من غَمَرَات النَّار إِلَى ضحضاحها ز - وَالسَّابِعَة وَهِي الشَّفَاعَة لمن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ لما روى التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من اسْتَطَاعَ أَن يَمُوت بِالْمَدِينَةِ فليمت بهَا فَإِنِّي أشفع لمن مَاتَ بهَا) نبه - على هَذِه وَالَّتِي قبلهَا - القَاضِي عِيَاض فِي الأكمال وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص رَفعه (لَا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إِلَّا كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة) فَهَذِهِ شَفَاعَة أُخْرَى خَاصَّة بِأَهْل الْمَدِينَة وَكَذَلِكَ الشَّهَادَة زَائِدَة على شَهَادَته للْأمة وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي شُهَدَاء أحد (أَنا شَهِيد على هَؤُلَاءِ)

وَفِي العروة الوثقى للقزويني أَن من شفاعاته شَفَاعَته لجَماعَة من صلحاء الْمُؤمنِينَ فيتجاوز عَنْهُم فِي تقصيرهم فِي الطَّاعَات وَأطلق الرَّافِعِيّ أَن من خَصَائِصه شَفَاعَته فِي أهل الْكَبَائِر وَفِي ذَلِك نظر فَإِن المختصة بِهِ لَيست فِي مُطلق أهل الْكَبَائِر الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة أَنه أول شَافِع وَأول مُشَفع أَي أول من تجاب شَفَاعَته فقد يشفع اثْنَان وَيُجَاب الثَّانِي قبل الأول الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة أَنه أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَحَدِيث (فَإِذا مُوسَى باطش بِجَانِب الْعَرْش فَلَا أَدْرِي أَكَانَ مِمَّن صعق فأفاق قبلي أم كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله) يحْتَمل كَمَا قَالَ القَاضِي عِيَاض أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَه قبل أَن يعلم أَنه أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض على الْإِطْلَاق قَالَ وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ أَنه من الزمرة الَّذين أول من تَنْشَق عَنْهُم الأَرْض فَيكون مُوسَى من تِلْكَ الزمرة وهم - وَالله أعلم - زمرة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة أَنه أول من يقرع بَاب الْجنَّة الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة أَنه سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة كَذَا عبر بِهِ الرَّافِعِيّ وَهُوَ لفظ رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَفِي رِوَايَة لَهُ وللبخاري (أَنا سيد النَّاس يَوْم الْقِيَامَة) عزاها إِلَيْهِمَا الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ أَيْضا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور بِزِيَادَة (وَلَا فَخر) ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ (أَلا وَإِنِّي سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر) وَهُوَ سيد ولد آدم مُطلقًا كَمَا عبر بِهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَالسَّيِّد الَّذِي يفوق قومه وَإِنَّمَا خص يَوْم الْقِيَامَة بذلك لظُهُور ذَلِك الْيَوْم لكل أحد من غير مُنَازعَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لمن الْملك الْيَوْم} وَإِنَّمَا أخبر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بذلك لأمرين أَحدهمَا امتثالا لقَوْله تَعَالَى وَأما بنعمت رَبك فَحدث

وَالثَّانِي بِأَنَّهُ من الْبَيَان الَّذِي عَلَيْهِ تبليغه على أمته ليعرفوه ويعملوا بِمُقْتَضَاهُ وَيلْزم من ذَلِك تفضيله على جَمِيع الْخلق لِأَن مَذْهَب أهل السّنة أَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أفضل من الْمَلَائِكَة وَأما حَدِيث (لَا تفضلوا بَين الْأَنْبِيَاء) فَجَوَابه من أوجه ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج والتنبيه وَاقْتصر الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة على أَنه مَحْمُول على مجادلة أهل الْكتاب فِي تَفْضِيل نَبينَا على أَنْبِيَائهمْ لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى الإزراء وَنَقله على الْحَلِيمِيّ ثمَّ نقل عَن الْخطابِيّ أَيْضا أَن النَّهْي عَن ذَلِك خوف الإزراء قَالَ الْخطابِيّ وَالْجمع بَين حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ (أَنا سيد ولد آدم) وَحَدِيث ابْن عَبَّاس (مَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول أَنا) وَفِي رِوَايَة (إِنِّي خير من يُونُس بن مَتى) ظَاهر لِأَن الأول إِخْبَار عَمَّا أكْرمه الله تَعَالَى بِهِ من التَّفْضِيل والسؤدد وَالثَّانِي مؤول بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن المُرَاد بِالْعَبدِ من سواهُ دون نَفسه

ثَانِيهمَا - وَهُوَ أولاهما - أَنه قَالَه إِظْهَارًا للتواضع وَيَقُول لَا يَنْبَغِي لي أَن أَقُول أَنا خير مِنْهُ لِأَن الْفَضِيلَة الَّتِي نلتها كَرَامَة من الله لَا من قبل نَفسِي فَلَيْسَ لي أَن أفتخر بهَا وَإِنَّمَا خص يُونُس بِالذكر فِيمَا نرى - وَالله أعلم - لما قد قصّ الله علينا من شَأْنه وَمَا كَانَ من قلَّة صبره على أَذَى قومه وَخرج مغاضبا فَلم يصبر كَمَا صَبر أولو الْعَزْم من الرُّسُل وَقَالَ الْخطابِيّ فِي مَوضِع آخر وَجه الْجمع بَينهمَا أَن هَذِه السِّيَادَة فِي الْقِيَامَة إِذا قدم فِي الشَّفَاعَة على جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَإِنَّمَا منع أَن يفضل على غَيره مِنْهُم فِي الدُّنْيَا وَإِن كَانَ مفضلا فِي الدَّاريْنِ من قبل الله وَمعنى (لَا فَخر) أَي لَا أَقُول هَذَا القَوْل على سَبِيل الْفَخر الَّذِي يدْخلهُ الْكبر وَأما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - لما قَالَ لَهُ ذَلِك الرجل يَا خير الْبَريَّة (ذَاك إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام) // رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أنس // فَفِيهِ جوابان أَحدهمَا أَنه قَالَه تواضعا واحتراما لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لخلته وأبوته وَذكره الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة وَثَانِيهمَا أَنه قَالَه قبل أَن يعلم أَنه سيد ولد آدم

وَجَوَاب ثَالِث ذكره ابْن الْعَرَبِيّ أَن قَوْله ذَاك إِبْرَاهِيم يَعْنِي بعده وَضَعفه ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْمُسْتَوْفى فِي أَسمَاء الْمُصْطَفى قَالَ وَالصَّحِيح الْجَواب الثَّانِي فَإِن قلت هَذَا خبر لَا يدْخلهُ خلف وَلَا نسخ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن المُرَاد خير الْبَريَّة الْمَوْجُودين فِي عصره وَأطلق الْعبارَة الموهمة للْعُمُوم لِأَنَّهُ أبلغ فِي التَّوَاضُع ثَانِيهمَا أَنه إِن كَانَ خَبرا فالنسخ يدْخلهُ لِأَن التَّفْضِيل يمنحه الله لمن يَشَاء الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة أَنه أَكثر أَكثر الْأَنْبِيَاء أتباعا المسالة التَّاسِعَة عشرَة صُفُوف أمته كَصُفُوف الْمَلَائِكَة

الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ كَانَ لَا ينَام قلبه وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام كَمَا أخرجه البُخَارِيّ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء المسالة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ يرى من وَرَاء ظَهره كَمَا ينظر أَمَامه قَالَ فِي الشَّامِل وَمعنى ذَلِك الْحس والتحفظ وَمن الْغَرِيب الْمُسْتَفَاد مَا ذكره الزَّاهدِيّ مُخْتَار بن مَحْمُود الْحَنَفِيّ شَارِح الْقَدُورِيّ ومصنف الْقنية فِي رسَالَته الناصرية أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

كَانَ بَين كَتفيهِ عينان مثل سم الْخياط وَكَانَ يبصر بهما وَلَا يحجبهما الثِّيَاب وَذكر فِي هَذِه الرسَالَة أَنه قيل ظهر على يَد نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف معْجزَة وَقيل ثَلَاثَة آلَاف وَذكر فِي هَذِه الرسَالَة أَيْضا أَن من معجزاته إنبات النَّخْلَة فِي سَنَام الْبَعِير وَإِدْرَاك ثَمَرهَا فِي الْحَال ثمَّ تنَاولهَا الْحَاضِرُونَ فَمن علم الله مِنْهُ أَنه يُؤمن كَانَت الثَّمَرَة حلوة فِي فَمه وَمن علم أَنه لَا يُؤمن عَاد حجرا فِي فَمه الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ تطوعه بِالصَّلَاةِ قَاعِدا كتطوعه قَائِما وَإِن لم يكن عذر وتطوع غَيره على النّصْف قَالَه صَاحب التَّلْخِيص وَالْبَغوِيّ والرافعي وَأنْكرهُ الْقفال وَقَالَ لَا يعرف هَذَا بل هُوَ كَغَيْرِهِ وَهُوَ غَرِيب فَهُوَ ذُهُول عَمَّا فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي جَالِسا فَقلت حدثت يَا رَسُول الله أَنَّك قلت (صَلَاة الرجل قَاعِدا على نصف الصَّلَاة) وَأَنت تصلي قَاعِدا قَالَ (أجل وَلَكِنِّي لست كَأحد مِنْكُم) لَا جرم قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة الْمُخْتَار الأول وَقَالَ فِي شرح مُسلم فِي بَاب صَلَاة اللَّيْل إِنَّه الصَّوَاب الَّذِي قَالَه أَصْحَابنَا وَذكر هَذِه الخصيصة الْقُضَاعِي فِيمَا خص بِهِ الْأَنْبِيَاء قبله

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ يخاطبه الْمُصَلِّي بقوله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَلَا يُخَاطب سَائِر النَّاس الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ لَا يجوز لأحد رفع صَوته فَوق صَوته قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} الْآيَة وَلَا أَن يُنَادِيه من وَرَاء الحجرات قَالَ الله تَعَالَى إِن الَّذِي يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات ... الْآيَة فَإِن قيل قد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ اسْتَأْذن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده نسْوَة من قُرَيْش يكلمنه عالية أصواتهن فَالْجَوَاب يحْتَمل أَن يكون ذَلِك قبل النَّهْي وَيحْتَمل أَن يكون علو الصَّوْت كَانَ بالهيئة الاجتماعية لَا بانفراد كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ذكره القَاضِي عِيَاض قَالَ الْقُرْطُبِيّ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل} الْآيَة

أَي لَا تخاطبوه يَا أَحْمد يَا مُحَمَّد وَلَكِن يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله توقيرا لَهُ وَقيل لَا تَجْهَرُوا أَي عَلَيْهِ كجهر بَعْضكُم بَعْضًا الْكَاف كَاف التَّشْبِيه أَي لَا تَجْهَرُوا لَهُ جَهرا مثل جهر بَعْضكُم لبَعض وَفِي هَذَا دَلِيل على أَنهم لم ينهوا عَن الْجَهْر مُطلقًا حَتَّى لَا يسوغ لَهُم أَن يكلموه إِلَّا بالهمس والمخافتة وَإِنَّمَا نهوا عَن جهر مَخْصُوص مُقَيّد بِصفة قَالَ وَكره بَعضهم رفع الصَّوْت عِنْد قَبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكره بَعضهم رفع الصَّوْت فِي مجَالِس الْعلمَاء تَشْرِيفًا لَهُم إِذْ هم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة السَّلَام الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ لَا يجوز أَن يُنَادِيه باسمه فَيَقُول يَا مُحَمَّد يَا أَحْمد وَلَكِن يَقُول يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله لما تقدم من حَدِيث أنس أَن رجلا من أهل الْبَادِيَة جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُول الله أَتَانَا رَسُولك فَزعم لنا أَنَّك تزْعم أَن الله أرسلك ... الحَدِيث لَعَلَّه كَانَ قبل النَّهْي أَو لم يبلغهُ النَّهْي وروى يَعْقُوب بن أبي اسحاق بن أبي إِسْرَائِيل عَن ابْن حميد

قَالَ نَاظر أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور - ثَانِي خلفاء بني الْعَبَّاس - الإِمَام مَالِكًا فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ بَين يَدي الْخَلِيفَة فِي ذَلِك الْيَوْم خَمْسمِائَة سيف فَقَالَ لَهُ مَالك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا ترفع صَوْتك فِي هَذَا الْمَسْجِد فَإِن الله عز وَجل أدب قوما فَقَالَ {لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم} الْآيَة ومدح قوما فَقَالَ {إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم} الْآيَة وذم قوما فَقَالَ {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} الْآيَة وَإِن حُرْمَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيتا كحرمته حَيا قَالَ فاستكان لَهَا الْخَلِيفَة أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور وَقَالَ يَا أَبَا عبد الله أستقبل الْقبْلَة وأدعو أم أستقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ وَلم تصرف وَجهك عَنهُ وَهُوَ وسيلتك ووسيلة أَبِيك آدم عَلَيْهِ السَّلَام بل استقبله واستشفع بِهِ قَالَ تَعَالَى وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاؤك ... الْآيَة

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ شعره طَاهِر وَإِن نجسنا شعر غَيره من النَّاس وَكَذَلِكَ بَوْله وَدَمه وَسَائِر فضلاته على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا

وَيَنْبَغِي اخْتِيَاره وَقد صَححهُ القَاضِي حُسَيْن من أَصْحَابنَا وَكَانَ يستشفى ويتبرك ببوله وَدَمه كَذَا عبارَة النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَعبارَة الرَّافِعِيّ وَكَانَ يستشفى ويتبرك ببوله وَدَمه قَالَ السُّهيْلي وَفِي شرب بَوْله وَدَمه من الْفِقْه أَنَّهُمَا يخالفان بَوْل غَيره وَدَمه فِي التَّحْرِيم وَلم يُنكر - وَالله أعلم - ذَلِك للْحَدِيث الَّذِي بَيناهُ فِي نزُول الْملكَيْنِ عَلَيْهِ حِين غسلا جَوْفه بالثلج فِي طشت الذَّهَب الذَّهَب فَصَارَ بذلك من المطهرين

وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ نقل عَن أبي جَعْفَر التِّرْمِذِيّ الطَّهَارَة فِي الْكل وَهُوَ خلاف مَا فِي الْمَاوَرْدِيّ حَيْثُ قَالَ فِي حاويه فِي بَاب الْأَوَانِي وَكَانَ أَبُو جَعْفَر من أَصْحَابنَا يزْعم أَن شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده طَاهِر وَأَن شعر غَيره من النَّاس نجس لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين حلق شعره بمنى قسمه بَين أَصْحَابه وَلَو كَانَ نجسا لمنعهم مِنْهُ قيل لَهُ فقد حجمه أَبُو طيبَة وَشرب دَمه بِحَضْرَتِهِ أفتقول أَن دَمه طَاهِر فَركب الْبَاب وَقَالَ أَقُول بِطَهَارَتِهِ قيل لَهُ فقد رُوِيَ أَن امْرَأَة شربت بَوْله فَقَالَ لَهَا (إِذا لَا ييجع بَطْنك) أفتقول بِطَهَارَتِهِ قَالَ لَا لِأَن الْبَوْل مُنْقَلب من الطَّعَام وَالشرَاب وَلَيْسَ كَذَلِك الدَّم وَالشعر لِأَنَّهُمَا من أصل الْخلقَة وَحَاصِل ذَلِك أَنا لَا نقُول بِطَهَارَة الْبَوْل وَالْغَائِط والقيء على خلاف مَا ذكره الرَّافِعِيّ نعم الْخلاف ثَابت عَن غير أبي جَعْفَر حَكَاهُ الْقفال فِي شرح التَّلْخِيص فِي الخصائص وتلقاه مِنْهُ جمَاعَة الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ من زنا بِحَضْرَتِهِ أَو استهان بِهِ كفر جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة فِي الزِّنَا نظر الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ يجب على الْمُصَلِّي إِذا دَعَاهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يجِيبه لقصة أبي سعيد بن الْمُعَلَّى فِي صَحِيح البُخَارِيّ وأتى فِي التِّرْمِذِيّ

وَلَا تبطل صلَاته وَفِيهِمَا وَجه بعيد وأبداهما الرَّوْيَانِيّ فِي إِجَابَة الْوَالِد فِي الصَّلَاة وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة فِيمَا خص بِهِ من دون سَائِر الْأَنْبِيَاء الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ أَوْلَاد بَنَاته ينسبون إِلَيْهِ وَأَوْلَاد بَنَات غَيره لَا ينسبون إِلَيْهِ فِي الكفاءه وَغَيرهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سببي ونسبي) رَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عمر وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَمن حَدِيث الْمسور بن مخرمَة بِزِيَادَة (وصهرتي) ثمَّ قَالَ صَحِيح وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد لَا أعلم بِهِ بَأْسا وَقد وَقع لنا من حَدِيث عمر بطرِيق آخر غير مَا سلف فلنذكره

بِالْإِسْنَادِ على عَادَة الْحفاظ الثِّقَات أَنبأَنَا بِهِ الذَّهَبِيّ أَنا أَحْمد بن سَلام إجَازَة عَن مَسْعُود بن أبي مَنْصُور أَنا أَبُو عَليّ الْمُقْرِئ أَنا أَبُو نعيم أَنا أَبُو جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ أَنا عباد بن زِيَاد أَنا يُونُس بن أبي يَعْفُور عَن أَبِيه سَمِعت ابْن عمر قَالَ سَمِعت عمر يَقُول

سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (كل سَبَب وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سببي ونسبي) وَيدل لما ذَكرْنَاهُ أَيْضا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ بيد الْحُسَيْن حِين أَرَادَ الْحُضُور للمباهلة لما نزل قَوْله تَعَالَى {قل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم} وَقَوله لِلْحسنِ (إِن ابْني هَذَا سيد) وَقَوله حِين بَال عَلَيْهِ وَهُوَ صَغِير (لَا تزرموا ابْني) وَهَذِه الخصيصة الَّتِي ذكرتها قَالَهَا صَاحب التَّلْخِيص وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ فِي معنى الحَدِيث السالف فَقيل مَعْنَاهُ أَن أمته ينسبون إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة وأمم سَائِر الْأَنْبِيَاء لَا ينسبون وَقيل لَا ينْتَفع يَوْمئِذٍ بِسَائِر الْأَنْسَاب وَينْتَفع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة فِيمَا خص بِهِ دون غَيره من الْأَنْبِيَاء الْمَسْأَلَة الثَّلَاثُونَ صَحَّ عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (تسموا باسمي وَلَا تكنوا يكنيتي) كَمَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم جَابر وَأَبُو هُرَيْرَة وَغَيرهمَا

قَالَ الشَّافِعِي وَلَيْسَ لأحد أَن يكتني بِأبي الْقَاسِم سَوَاء كَانَ اسْمه مُحَمَّدًا أم لَا قَالَ الرَّافِعِيّ وَمِنْهُم من حمله على كَرَاهِيَة الْجمع بَين الِاسْم والكنية وَجوز الْإِفْرَاد قَالَ وَيُشبه أَن يكون هَذَا أظهر لِأَن النَّاس مَا زَالُوا يكتنون بِهِ فِي سَائِر الْأَعْصَار من غير إِنْكَار قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا التَّأْوِيل وَالِاسْتِدْلَال ضَعِيف وَالْأَقْرَب مَذْهَب مَالك وَهُوَ جَوَاز التكني بِأبي الْقَاسِم مُطلقًا لمن اسْمه مُحَمَّد وَلغيره وَالنَّهْي مُخْتَصّ بحياته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن سَبَب النَّهْي أَن الْيَهُود تكنوا بِهِ وَكَانُوا ينادون يَا أَبَا الْقَاسِم فَإِذا الْتفت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا لم نعنك إِظْهَارًا للإيذاء وَقد زَالَ ذَلِك الْمَعْنى

وَهَذَا نَقله الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء عَن الْعلمَاء وَقَول النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة كَمَا سلف مَا ذكره الرَّافِعِيّ أَنه ضَعِيف وَكَذَا قَوْله فِي الْأَذْكَار أَن فِيهِ مُخَالفَة لأصل الحَدِيث فِيهِ نظر بل فِيهِ مُوَافقَة لحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر رَفعه (من تسمى باسمى فَلَا يتكنى بكنيتي وَمن تكنى بكنيتي فَلَا يتسمى بإسمي) قَالَ التِّرْمِذِيّ // حسن غَرِيب //

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان بعد أَن أخرجه هَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَصَححهُ أَيْضا ابْن حبَان وَابْن السكن وَهُوَ مَذْهَب أبي حَاتِم بن حبَان من جلة أَصْحَابنَا كَمَا أوضحه فِي صَحِيحه وشذ آخَرُونَ فمنعوا التَّسْمِيَة باسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جملَة كَيفَ مَا يكنى حَكَاهُ الشَّيْخ زكي الدّين الْمُنْذِرِيّ قَالَ وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن النَّهْي فِي ذَلِك مَنْسُوخ قلت وَفِي آخر كتاب الصَّبْر - يَعْنِي الْحَافِظ بِخَطِّهِ - مَا نَصه ظئر مُحَمَّد بن طَلْحَة روى عَنْهَا عِيسَى بن طَلْحَة قَالَت لما ولد مُحَمَّد بن طَلْحَة أَتَيْنَا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (ماسميتموه) فَقُلْنَا مُحَمَّدًا فَقَالَ (هَذَا اسْمِي وكنيته أَبُو الْقَاسِم) فَإِن صَحَّ فَيحمل أَن هَذَا كَانَ قبل النّسخ وَاعْلَم أَن جمَاعَة تسموا بِهَذَا الِاسْم وكنوا بِهَذِهِ بِهَذِهِ الكنية وَبَعْضهمْ أدْرك زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فِي جَامع التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن ولد لي من بعْدك ولد أُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وأكنيه بكنيتك قَالَ (نعم)

قَالَ وَكَانَت رخصَة لي قَالَ التِّرْمِذِيّ // حَدِيث صَحِيح // قلت ويروى أَنه قَالَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ (سيولد لَك بعدِي غُلَام وَقد نحلته اسْمِي وكنيتي وَلَا يحل لأحد من أمتِي بعده وَمِنْهُم أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَمُحَمّد بن طَلْحَة بن عبيد الله وَمُحَمّد بن سعد بن أبي

وَقاص وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَمُحَمّد بن حَاطِب بن أبي بلتعة وَمُحَمّد بن الْأَشْعَث بن قيس وَكلهمْ كَانُوا يكتنون بِهَذِهِ الكنية (تَنْبِيه) لما حكى فِي الرَّوْضَة من زَوَائِد الْمَذْهَب الثَّالِث فِي التكني بِأبي الْقَاسِم قَالَ وَالثَّالِث يجوز لمن اسْمه مُحَمَّد دون غَيره كَذَا هُوَ فِي بعض النّسخ وَهُوَ سَهْو مِنْهُ فِي التَّعْبِير وَالصَّوَاب أَنه يجوز لمن لَيْسَ اسْمه مُحَمَّدًا دون غَيره فَتنبه لَهُ وَالله أعلم (فَائِدَة غَرِيبَة) حكى ابْن الصّلاح فِي فَوَائده عَن كتاب الْأَعْدَاد لِابْنِ سراقَة الْفَقِيه نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَربع كنى أبي عِيسَى وَأبي الحكم وَأبي مَالك وَأبي الْقَاسِم لمن تسمى مُحَمَّدًا الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ كَانَت الْهَدِيَّة لَهُ حَلَالا بِخِلَاف غَيره من الْحُكَّام وولاة الْأَمر من رعاياهم ذكره النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَذكر

الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف أَن من خَصَائِصه أَنه لايقبل هَدِيَّة مُشْرك وَلَا يَسْتَعِين بِهِ وَفِيمَا ذكره نظر الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ أعطي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَامِع الْكَلم وأوتي الْآيَات الْأَرْبَع من آخر سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش لم يُعْطهنَّ أحد قبله وَلَا بعده

قَالَ الْهَرَوِيّ نعني بجوامع الْكَلم الْقُرْآن جمع الله فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة مِنْهُ الْمعَانِي الْكَثِيرَة وَكَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بالجوامع قَلِيل اللَّفْظ كثير الْمعَانِي وَقَالَ ابْن شهَاب بَلغنِي أَن جَوَامِع الْكَلم أَن الله تَعَالَى يجمع لَهُ الْأُمُور الْكَثِيرَة الَّتِي كَانَت تكْتب قبله فِي الْأَمر الْوَاحِد والأمرين وَنَحْو ذَلِك ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة فِي إِثْر حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (بعثت بجوامع الْكَلم) الحَدِيث وَعَزاهُ إِلَى البُخَارِيّ وَمُسلم الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ عرض عَلَيْهِ الْخلق كلهم من آدم إِلَى من بعده كَمَا علم آدم أَسمَاء كل شَيْء ذكره الْعِرَاقِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ فَاتَتْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام - رَكْعَتَانِ بعد الظّهْر فقضاهما بعد الْعَصْر ثمَّ داوم عَلَيْهِمَا بعده وَالأَصَح أَن هَذِه

المداومة خَاصَّة بِهِ ذكره النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة لَكِن ذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد حَدِيثا عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَنه كَانَ يُصَلِّيهمَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَرِيق يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة عَنهُ فَإِن صَحَّ خدش فِي ذَلِك لما ذكره ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أم سَلمَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا - وَقد سَأَلته عَن فعله لهاتين الرَّكْعَتَيْنِ - (كنت أصليهما قبل الْعَصْر فصليتهما الْآن) قَالَت يَا رَسُول الله أنصليهما إِذا فاتتنا قَالَ (لَا) قَالَ فِيهِ الْبَيَان بِأَن من فَاتَتْهُ رَكعَتَا الظّهْر إِلَى أَن صلى

الْعَصْر لَيْسَ عَلَيْهِ إعادتهما وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لَهُ خَاصَّة دون أمته اه وَيَنْبَغِي أَن تحمل الْإِعَادَة فِي كَلَامه على الدَّوَام وَإِلَّا فَظَاهر كَلَامه لَيْسَ بجيد الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ لَا يجوز الْجُنُون على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام بِخِلَاف الْإِغْمَاء كَمَا أطلقهُ الرَّافِعِيّ وَغَيره وَعَن القَاضِي حُسَيْن أَنه حكى فِي كتاب الصَّوْم عَن الدَّارمِيّ أَن الْإِغْمَاء إِنَّمَا يجوز عَلَيْهِم سَاعَة أَو ساعتين فَأَما الشَّهْر والشهران فَلَا كالجنون وَالْأَشْهر امْتنَاع الِاحْتِلَام عَلَيْهِم كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة قلت وَفِي الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَفعه (مَا احْتَلَمَ نَبِي قطّ إِنَّمَا الِاحْتِلَام من الشَّيْطَان) وَضَعفه ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْمُسَمّى بِالْآيَاتِ الْبَينَات الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ من رَآهُ فِي الْمَنَام فقد رَآهُ حَقًا فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صورته كَمَا صَحَّ فِي الحَدِيث قَالَ القَاضِي أَبُو

بكر مَعْنَاهُ أَن رُؤْيَاهُ صَحِيحَة لَيست بأضغاث وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ رَآهُ حَقِيقَة قَالَ القَاضِي عِيَاض وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مَا إِذا رَآهُ على صفته الْمَعْرُوفَة لَهُ فِي حَيَاته فَإِن رَآهُ على خلَافهَا كَانَت رُؤْيا تَأْوِيل لَا رُؤْيا حَقِيقَة قَالَ بعض الْعلمَاء خص عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَن رُؤْيَته فِي الْمَنَام صَحِيحَة وَمنع الشَّيْطَان أَن يتَصَوَّر فِي خلقته لِئَلَّا يكذب على لِسَانه فِي النّوم كَمَا منع أَن يتَصَوَّر فِي صورته فِي الْيَقَظَة إِكْرَاما لَهُ إِذا تقرر ذَلِك فَمَا سَمعه الرَّائِي فِي الْمَنَام مِمَّا تتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَام لَا يعْمل بِهِ لعدم ضبط الرَّائِي لَا للشَّكّ فِي الرُّؤْيَا فَإِن الْخَبَر لَا يقبل إِلَّا من ضَابِط مُكَلّف والنائم بِخِلَافِهِ هَذَا مَا ذكره القَاضِي حُسَيْن فِي فَتَاوِيهِ فِي مَسْأَلَة صِيَام رَمَضَان وَآخَرُونَ من الْأَصْحَاب وَجزم بِهِ فِي الرَّوْضَة من زوائده فِي أَوَائِل النِّكَاح فِي الْكَلَام على الخصائص

وَنقل القَاضِي عِيَاض الاجماع عَلَيْهِ وَنقل النَّوَوِيّ أَيْضا فِي شرح مُسلم - فِي بَاب بَيَان أَن الْإِسْنَاد من الدّين - عَن أَصْحَابنَا وَغَيرهم أَنهم نقلوا الِاتِّفَاق على أَنه لَا يُغير بِسَبَب مَا يرَاهُ النَّائِم مَا تقرر فِي الشَّرْع ثمَّ قَالَ وَهَذَا فِي مَنَام يتَعَلَّق بِإِثْبَات حكم على خلاف مَا يحكم بِهِ لولاه وَأما إِذا رَآهُ وَأمره بِفعل مَا هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ أَو ينهاه عَن مَنْهِيّ عَنهُ أَو يرشده إِلَى فعل مصلحَة فَلَا خلاف فِي اسْتِحْبَاب الْعَمَل على وَفقه لِأَن ذَلِك لَيْسَ حكما بِمُجَرَّد الْمَنَام بل بِمَا تقرر من أصل ذَلِك الشَّيْء نعم عَن فتاوي الحناطي - من جلة أَصْحَابنَا - أَن إنْسَانا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامه على الصّفة المنقولة عَنهُ فَسَأَلَهُ عَن الحكم فأفتاه بِخِلَاف مذْهبه وَلَيْسَ مُخَالفا لنَصّ وَلَا أجماع فَقَالَ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُؤْخَذ بقوله لِأَنَّهُ مقدم على الْقيَاس وَثَانِيهمَا لَا لِأَن الْقيَاس دَلِيل والأحلام لَا تعويل عَلَيْهَا فَلَا يتْرك من أجلهَا الدَّلِيل وَعَن كتاب الجدل للأستاذ أبي إِسْحَاق الإسفرائيني حِكَايَة وَجْهَيْن فِي أَن الرجل لَو رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَأمره بِأَمْر هَل يجب عَلَيْهِ امتثاله إِذا

اسْتَيْقَظَ كَذَا هُوَ فِي مَجْمُوع عَتيق مَنْسُوب لِابْنِ الصّلاح عَنهُ وَفِيه أَيْضا حِكَايَة وَجْهَيْن فِي وجوب التَّمَسُّك من حَيْثُ هُوَ فِي الْحَالة الْمَذْكُورَة وَعَن رَوْضَة الْحُكَّام للْقَاضِي شُرَيْح من أَصْحَابنَا لَو كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفُلَان على فلَان كَذَا هَل للسامع أَن يشْهد لفُلَان على فلَان كَذَا وَجْهَان وَقد سلفا (فَائِدَة) روى الطَّبَرَانِيّ - أَظُنهُ فِي أَوسط معاجمه - من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي وَلَا بِالْكَعْبَةِ) ثمَّ قَالَ لَا تحفظ هَذِه اللَّفْظَة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث (تَنْبِيه) جعل الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية مِمَّا خص بهَا دون غَيره من الْأَنْبِيَاء الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ أَن الأَرْض لَا تَأْكُل لُحُوم الْأَنْبِيَاء للْحَدِيث الصَّحِيح فِي ذَلِك

ذكره فِي الرَّوْضَة الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ أَن الْكَذِب عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمدا من الْكَبَائِر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح (إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحد) نعم لَا يكفر فَاعله على الصَّحِيح وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَقَالَ

الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هُوَ كفر فَإِن تَابَ قبلت تَوْبَته إِذا حسنت حَالَته قَالَ جمَاعَة مِنْهُم الصَّيْرَفِي من أَصْحَابنَا لَا تقبل رِوَايَته بعْدهَا بِخِلَاف الْفسق وَبِخِلَاف الشَّهَادَة وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالثَّلَاثُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ وَيجوز على غَيره من الْأَنْبِيَاء لِأَنَّهُ خَاتم النَّبِيين فَلَيْسَ بعده من يسْتَدرك خطأه بخلافهم فَلذَلِك عصمه الله تَعَالَى مِنْهُ وَقَالَ الإِمَام الْحق أَنه لَا يخطأ اجْتِهَاده وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب أَنه يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ بِشَرْط أَن لَا يقر عَلَيْهِ وَنَقله الْآمِدِيّ عَن أَكثر أَصْحَابنَا والحنابلة وَأَصْحَاب الحَدِيث وَاحْتج الْآمِدِيّ بأَشْيَاء مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} الْآيَة وَقَوله تَعَالَى {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} الْآيَة فَإِن عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ قد أَشَارَ بِقَتْلِهِم فَلم يقتلهُمْ

والْحَدِيث (إِنَّمَا أحكم بِالظَّاهِرِ) وَالله أعلم الْمَسْأَلَة الْأَرْبَعُونَ يبلغهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلام النَّاس عَلَيْهِ بعد مَوته

وَيشْهد لجَمِيع النَّبِيين بِالْأَدَاءِ يَوْم الْقِيَامَة قَالَه الْمَاوَرْدِيّ الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْأَرْبَعُونَ جعل ابْن سبع من خَصَائِصه أَنه كَانَ نورا وَكَانَ إِذا مَشى فِي الشَّمْس أَو الْقَمَر لَا يظْهر لَهُ ظلّ وَيشْهد لَهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سَأَلَ الله تَعَالَى أَن يَجْعَل فِي جَمِيع أعقابه وجهاته نورا وَختم ذَلِك بقوله (واجعلني نورا) الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْأَرْبَعُونَ قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه علم بعض النَّاس الدُّعَاء فَقَالَ (قل اللَّهُمَّ إِنِّي أقسم عَلَيْك بنبيك مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة) فَإِن صَحَّ فَيَنْبَغِي أَن يكون مَخْصُوصًا بِهِ فَإِنَّهُ سيد ولد آدم وَأَن لَا يقسم على الله بِغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة والأولياء فَإِنَّهُم لَيْسُوا فِي دَرَجَته قلت الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عُثْمَان بن

حنيف بِلَفْظ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك وأتوجه إِلَيْك بنبيك مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة) الحَدِيث ثمَّ قَالَ // حسن صَحِيح غَرِيب // قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة ورويناه فِي كتاب الدَّعْوَات بِإِسْنَاد صَحِيح وَرَوَاهُ من طَرِيق لَيْسَ فِيهَا (أقسم) بل (أَسأَلك)

فَوَائِد نختم بهَا الْكتاب رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرى فِي الظلمَة كَمَا يرى فِي النُّور لكنه ضعفه ابْن بشكوال كَمَا حَكَاهُ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْآيَات الْبَينَات لَهُ وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من حَدِيثهَا بِلَفْظ كَانَ يرى فِي الظلماء كَمَا يرى فِي الضَّوْء ثمَّ قَالَ هَذَا إِسْنَاد فِيهِ ضعف ثمَّ أخرجه من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ كَانَ يرى بِاللَّيْلِ فِي الظلمَة كَمَا يرى بِالنَّهَارِ من الضَّوْء ثمَّ قَالَ لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ وَرُوِيَ أَن الأَرْض تبتلع بَوْله وغائطه ويفوح لذَلِك رَائِحَة طيبَة رَوَت عَائِشَة أَيْضا أَنَّهَا قَالَت يَا

رَسُول الله إِنِّي أَرَاك تدخل الْخَلَاء ثمَّ يَجِيء الَّذِي يدْخل بعْدك فَلَا يرى لما يخرج مِنْك أثرا فَقَالَ (يَا عَائِشَة أما علمت أَن الله تَعَالَى أَمر الأَرْض أَن تبتلع مَا خرج من الْأَنْبِيَاء) قَالَ ابْن دحْيَة فِي الْكتاب الْمَذْكُور سَنَده ثَابت وَأما الْبَيْهَقِيّ فَأخْرجهُ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من حَدِيثهَا أَيْضا بِلَفْظ كَانَ إِذا دخل الْغَائِط دخلت فِي أَثَره فَلَا أرى شَيْئا إِلَّا أَنِّي كنت أَشمّ رَائِحَة الطّيب فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ يَا عَائِشَة أما علمت أَن أَجْسَادنَا تنْبت أَرْوَاح أهل الْجنَّة وَمَا خرج مِنْهَا من شَيْء ابتلعته الأَرْض ثمَّ قَالَ هَذَا من مَوْضُوعَات الْحُسَيْن بن علوان لَا يَنْبَغِي ذكره فَفِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة والمشهورة كِفَايَة عَن كذب ابْن علوان وَفِي الشِّفَاء لِابْنِ سبع عَن بعض أَصْحَابه أَنه قَالَ (صَحبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَلَمَّا أَرَادَ قَضَاء حَاجته تأملته وَقد دخل مَكَانا فَقضى حَاجته فَدخلت

فِي الْموضع الَّذِي خرج مِنْهُ فَلم أر لَهُ أثر غَائِط وَلَا بَوْل وَرَأَيْت فِي ذَلِك الْموضع ثَلَاثَة أَحْجَار فأخذتهن فِي كفي فتعلقت رائحتهن رَائِحَة طيب وعطر وروى أنس مَوْضُوعا (من كَرَامَتِي أَنِّي ولدت مختونا وَلم ير أحد سوأتي) ذكر أبن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الْوَفَاء لَهُ قَالَ ابْن دحْيَة وَلم تعرف علته واعتقد صِحَّته وَهُوَ حَدِيث مَصْنُوع الْإِسْنَاد يُحَاسب عَلَيْهِ الْمُحدث إِن لم يبين علته يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ ذكرهَا وَمن الْفَوَائِد الجليلة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ لَا يتثاءب أخرجه البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير وَأخرجه فِي كتاب الْأَدَب تَعْلِيقا وَقَالَ مسلمة بن عبد الْملك مَا تثاءب نَبِي قطّ وَإِنَّهَا عَلامَة النُّبُوَّة

وَقيل كَانَ لَا يتمطى أَيْضا لِأَنَّهُ من عمل الشَّيْطَان ذكره ابْن سبع فِي الشِّفَاء قَالَ أهل اللُّغَة مِنْهُم ثَابت فِي دلائله صَوَاب هَذِه اللَّفْظَة تثأب مشدد الْهمزَة وَلَا يُقَال تثاوب نَقله ابْن دحْيَة فِي خَصَائِص أَعْضَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الْمثل فِي الصِّحَاح أعدى من الثوباء تَقول مِنْهُ تثأبت وَلَا يُقَال تثاوبت وَمِمَّا عد من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أقرّ بِهِ جمَاعَة قبل بعثته كورقة بن نَوْفَل بل قيل وجوده فقد أقرّ بِهِ حبيب النجار الْمَوْجُود فِي عصر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَغَيره كَمَا ورد وَكَذَا تبع الْأَكْبَر وَرَأَيْت فِي (أعذب الْمَوَارِد

وَأطيب الموالد) للعزفي الشيبي أَن من خَصَائِص سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ لَا ينزل عَلَيْهِ الذُّبَاب وَحَكَاهُ أَيْضا غَيره كَمَا يَأْتِي وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير عَن الْحسن بن جرير الصُّورِي ثَنَا صَفْوَان بن صَالح ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم ثَنَا عبد الْعَزِيز بن حُصَيْن عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} قَالَ إِذا نسيت الِاسْتِثْنَاء فَاسْتَثْنِ إِذا ذكرت وَهِي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة وَلَيْسَ لنا أَن نستثني إِلَّا فِي صلَة الْيَمين

وَذكر ابْن شاهين أَن من جملَة شعب الْإِيمَان الِاسْتِثْنَاء فِي كل كَلَام وروى بِإِسْنَاد ضَعِيف من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (لَا يتم إِيمَان العَبْد حَتَّى يَسْتَثْنِي فِي كل حَدِيثه) أَو قَالَ (فِي كل كَلَامه) وَذكر ابْن الْقَاص فِي تلخيصه من خَصَائِصه أَنه كَانَ لَا ينْطق عَن الْهوى وَأَنه نهى عَن طَعَام الْفُجَاءَة فاجأه أَبُو الدَّرْدَاء على طَعَام لَهُ فَأمره بِأَكْلِهِ وتبعهما عَلَيْهِمَا الْقُضَاعِي فِي عيونه وَذكر أَن هَذِه مِمَّا خص بهَا دون سَائِر الْأَنْبِيَاء وَذكر - أَعنِي الْقُضَاعِي - من هَذَا الْقسم أَنه خص بعصمته من النَّاس وَمن الأعلال الْمُوجبَة وَأَن الْمَلَائِكَة قَاتَلت مَعَه يَوْم بدر وَلم تقَاتل مَعَ أحد قبله

قلت وَيَوْم أحد كَمَا فِي مُسلم وَذكر أَن من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا يشْهد على جور وَفِيه نظر بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره وَذكر القَاضِي عِيَاض فِي الشفا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يرى فِي الثريا أحد عشر نجما وَذكر السُّهيْلي أَنه كَانَ يرى فِيهَا اثْنَي عشر نجما كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي كتاب أَسمَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصِفَاته أَنه لَا تزيد على تِسْعَة أنجم فِيمَا يذكرُونَ ونظم ذَلِك فِي رجزه فَقَالَ (وَهُوَ الَّذِي يرى النُّجُوم الخافية ... مبينات فِي السَّمَاء الْعَالِيَة) (إِحْدَى عشر عد فِي الثريا ... لناظر سواهُ مَا تهيا)

وَمن خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيَاض إبطه فَإِنَّهُ أسود لأجل الشّعْر نَص على ذَلِك أَبُو نعيم فِي دلائله فَقَالَ بَيَاض إبطه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَلامَة نبوته وَادّعى الْمُهلب بن أبي صفرَة الْمَالِكِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يتَجَنَّب الطّيب فِي الْإِحْرَام ونهانا عَنهُ لضعفنا عَن ملك الشَّهَوَات إِذْ الطّيب من أَسْبَاع الْجِمَاع ودواعيه وَفِي الشِّفَاء لِابْنِ سبع أَنه لم تقع على ثِيَابه ذُبَاب قطّ وَلم يكن الْقمل تؤذيه تَعْظِيمًا لَهُ وتكريما وَأَن كل دَابَّة ركب عَلَيْهَا بقيت على الْقدر الَّذِي كَانَ يركب عَلَيْهَا فَلم تهرم لبركته وَقَالَ غَرِيب قَالَ وَكَانَ إِذا جلس أَعلَى من جَمِيع الْجُلُوس وَإِذا مَشى بَين النَّاس ينْسب إِلَى الطول وَلم يكن أحد من النَّاس يماشيه إِلَّا طاله

وَفِي الزَّمَخْشَرِيّ فِي سُورَة التَّحْرِيم فِي قَوْله {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} إِن قلت هَل كفر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لذَلِك قلت عَن الْحسن أَنه لم يكفر لِأَنَّهُ كَانَ مغفورا لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيم للْمُؤْمِنين وَعَن مقَاتل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعتق رَقَبَة فِي تَحْرِيم مَارِيَة اه قَالَ مُؤَلفه غفر الله لَهُ قَرَأت على الشَّيْخ الإِمَام صَلَاح الدّين أبي المحاسن يُوسُف بن أَحْمد بن عبيد الله بن جِبْرِيل الْموقع أَنا أَبُو الْفرج الْحَرَّانِي قِرَاءَة عَلَيْهِ أَنا أَبُو حَامِد عبد الله بن مُسلم بن حوالي قِرَاءَة عَلَيْهِ أَنا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أَنا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب ... ...

أَنا الْحسن بن أبي بكر بن شَاذان ثَنَا أَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن بن نصر الشَّاعِر ثَنَا أَبُو عمر الآسي بِمصْر ثَنَا دِينَار مولى أنس قَالَ صنع أنس لأَصْحَابه طَعَاما فَلَمَّا طعموا قَالَ يَا جَارِيَة هَاتِي المنديل فَجَاءَت بمندل درم فَقَالَ اسجري التَّنور واطرحيه فِيهِ فَفعلت فابيض فَسَأَلْنَاهُ عَنهُ فَقَالَ إِن كَانَ هَذَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن النَّار لَا تحرق شَيْئا مسته أَيدي الْأَنْبِيَاء وَهَذَا حَدِيث عَال وَقع عالي الْإِسْنَاد ودينار هَذَا ضَعَّفُوهُ هَذَا آخر مَا تيَسّر جمعه - بِحَمْد الله وَمِنْه - وَأَنا ساع فِي الزِّيَادَة عَلَيْهِ أعاننا الله على ذَلِك فخصائصه فِي الْحَقِيقَة لَا تحصى ومآثره أَكثر من أَن يجاء بهَا فتستقصى قَالَ الْمُؤلف تغمده الله برحمته وَوَقع الْفَرَاغ مِنْهُ عِنْد زَوَال ظهر يَوْم الثُّلَاثَاء نصف شهر الله الْأَصَم رَجَب من سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة أحسن الله بَعْضهَا وَمَا بعْدهَا فِي خير وعافية وَذَلِكَ بِالْقَاهِرَةِ المعزية من الديار المصرية حماها الله وَسَائِر بِلَاد الْإِسْلَام وَأَهله

§1/1