عيون المسائل للقاضي عبد الوهاب المالكي

القاضي عبد الوهاب

عُيُوْنُ المَسَائِل لِلإِمَامِ القَاضِي أَبِي محمَّد عَبْد الوَهَّاب بْنِ عَلي بْنِ نَصْر البَغْدَادِيِّ المَالِكِيِّ المُتَوَفَّى سنة 422 هـ وَهُوَ اخْتِصَارٌ لِكِتَابِ "عُيُون الأَدِلَّة في مَسَائِل الخِلاف بَيْنَ فُقَهَاء الأُمَّةِ" لِلقَاضِي أَبي الحَسَنْ بْنِ القَصَّارِ البَغْدَادِيِّ المُتَوَفَّى سنة 398 هـ دِرَاسَة وَتَحقِيق علي محمَّد إبراهيم بورويبتة دار ابن حزم

جمَيعُ الحُقوُق محَفُوظَة الطّبُعة الأولى 1430هـ - 2099 م 5 - 754 - 81 - 9953 - 978 ISBN الكتب والدراسات التي تصدرها الدار تعبر عن آراء واجتهادات أصحابها دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان - ص. ب: 6366/ 14 هاتف وفاكس: 701974 - 300227 (009611) بريد الكتروني: [email protected]

عُيُوْنُ المَسَائِل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

[مقدمة التحقيق]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه المقدِّمَة الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أحمده سبحانه على نعمه الوافرة، وأشكره على ما اختصنا به من الشريعة الفاضلة، المتضمّنة سعادة الدنيا والآخرة. وأصلّي وأسلّم على سيد الأنبياء وإمام الأتقياء، ومعلّم النّاس الخير، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وصحبه النجوم المجتهدين، ومن اهتدى بهديهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. أما بعد: فإنّ مذهب الإِمام مالك بن أنس - رحمه الله - من أكثر المذاهب الفقهية ثراءً وتنوّعًا، فقد تعدّدت مدارسه، وتنوعت خصائص كلٍّ منها، ضمن الإطار العام للمذهب؛ فتفنّنت في طردتى التدريس والتعليم، وأنواع التأليف والتصنيف، وهذا ما يتناسب مع مواهب مؤسّسه الأوّل إمام دار الهجرة؛ فهو مفتي أهل المدينة، وفقيه أهل الأثر، ومحدّث أهل السنّة. وأشهر هذه المدارس: مدرسة المدينة المنوّرة، ومدرسة مصر، ومدرسة العراق، ومدرسة المغرب (القيروان وفاس والأندلس). وقد شكّلت هذه المدارس بدورها، طريقتين متمايزتين في التأليف

وهما: الطريقة المغربية (وتضمّ مصر والمغرب)، والطريقة العراقية. أ - فأمّا الطريقة المغربية: فقد عُنيت منذ بداياتها الأولى بتحقيق آراء مالك وأصحابه، وتنقيحها واختصارها وتجريدها، ويرجع ذلك - والله أعلم - إلى الدخول المبكّر للطبقة الأولى من تلامذة مالك الفقهاء، من أمثال: عثمان بن الحكم (163هـ)، وعبد الرّحمن بن خالد (163هـ) وهما أوّل من قدم بمسائل مالك إلى مصر، وعبد الله بن فروخ (176 هـ) بالقيروان، وزياد بن عبد الرّحمن (193 هـ) بالأندلس وغيرهم؛ وانتشار المذهب وهيمنته على تلك الربوع، مع قلّة المنافسين له. ولهذا تركّز التأليف الفقهي عندهم على غرضين رئيسين هما: 1 - كتب السماعات عن مالك وتلاميذه والمدوّنات والفتاوى؛ مجرّدة عن الاستدلال والتعليل. 2 - كتب المختصرات لتلك السماعات والمدوّنات، ومختصرات فقهيّة أخرى هي بمثابة الزّبدة المعتمدة في الإفتاء والقضاء. ب - وأمّا الطريقة العراقية: فقد اهتمّت بالبسط والتّفصيل والتّدليل والتّعليل، ويرجع ذلك - والله أعلم - إلى نوعيّة ناقلي المذهب هناك، فمعظمهم من المحدّثين الذين تلقّوا الموطَّأ عن مالك؛ كسليمان بن بلال (176 هـ) وعبد الله بن مسلمة القعنبيّ (221 هـ). وأمّا فقهاؤهم من الطّبقة الثّانية الذين لم يلقوا مالكًا، كأحمد بن المعذّل (قبل 240 هـ) فقد تتلمذوا على تلامذة الإمام المدنيّين، الذين ورثوا إمامة الحديث مع الفقه كعبد الملك بن الماجشون (212 هـ). ومن الناحية الجغرافية؛ فإن العراق - فرّج الله عن أهله - كان عاصمة الخلافة، ومنبت المذهب الحنفي، وعرين مدرسة الرأي، يعجّ بمختلف المذاهب الفقهية والعقدية، مشحونًا بالتنافس فيما بينها، لا مكان فيه إلّا للحجّة والبرهان، وقوّة الاستدلال وفنون المناظرة. ولهذا تنوّعت أغراض التأليف عندهم، وتوشعت إلى العلوم الّتي تخدم

الفقه وتقويه وتمكنه، فأثمرت بذلك ألوانًا جديدة، منها: 1 - كتب أحكام القرآن. 2 - كتب شرح السماعات والمدونات والمختصرات بالتفصيل والتفريع والتعليل والتدليل. 3 - كتب في معرفة الخلاف. 4 - كتب في فقه الخلاف العالي. 5 - كتب في نصرة المذهب والرد على مخالفيه. 6 - كتب في مناقب إمام المذهب، وأهل المدينة. * ويجدر التنبيه إلى أن هذا التوصيف أغلبي في معظمه، وليس عامًّا لكلّ مؤلّفات تلك المدارس، فقد نجد من كِلا الطريقتين من يحذو حذو الأخرى، وأمثِّل في هذا المقام بمثالين لكلٍّ منهما: 1 - الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البرّ الأندلسي (463 هـ) في كتابه: "الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطَّأ من المعاني والآثار ... "، كما هو واضح من العنوان والحجم (30 مجلدًا). 2 - الإمام أبو عبد الله محمَّد بن علي المازَري (التونسي) (536 هـ) في كتابه: "شرح التلقين"؛ إذ اعتنى فيه بالتدليل والتعليل وذِكر خلاف المذاهب الأخرى، وقد شرحه بطريقة مبتكرة، ليس للمالكية كتاب مثله. 3 - أبو القاسم عبيد الله بن الجلّاب البصري (378 هـ) في كتابه: "التفريع"، وهو مختصر فقهي مجرّد عن الدّليل والتعلّيل، وهو أحد الكتب الّتي عكف عليها المالكيون شرقًا وغربًا. 4 - القاضي عبد الوهّاب بن نصر البغدادي (422 هـ) في كتابه: "التلقين"، وهو من أخصر المختصرات الفقهية، مجرّد عن ذكر الدّليل وأوجه التّعليل، وهو كذلك أحد الكتب الّتي عكف عليها المالكيون شرقًا وغربًا.

وبهذا تكون المدرسة العراقية قد أَثرَت المذهب المالكي، ومنحته أبعادًا جديدة، وجبرت نقائص مدارسه الأخرى. غير أن أمدها لم يدم طويلًا، فبموت شيوخ المذهب وكبرائه، وخروج القاضي عبد الوهّاب إلى مصر بدأ أفولها، ولم يكد ينقضي القرن الخامس، حتّى انتهت كليًا، وقد كان آخرهم وفاة الإمام أبو يعلى أحمد بن محمَّد العبدي البصري (489هـ) (¬1). وللأسف، فإن ذخائر مالكية العراق قد ضلّت طريقها إلينا، من جملة ما ضلّ من إرث هذه الأمّة العزيز، أو ما تزال حبيسة المكتبات والزوايا. ومع تراجع مستوى الاجتهاد الفقهي وانحساره، إلى جانب تزايد التعصّب المذهبي، واكتفاء المفتين بالرّجوع إلى ما عليه العمل عند المتأخرين، واستهجان رأي المخالف، ووصفه بأشنع أوصاف التّضليل والتّفسيق والتّبديع، بات من الواجب على الأحفاد - صونًا لأمانة الأجداد، وإحياءً للنماذج الفقهية واسعة الأُفُقِ، المتحلّية مع المخالف بزينة الحلم والرّفق -، البحثُ عن هذه الدّفائن، وخدمتُها حقّ الخدمة، وإخراجُها إلى عموم الطّلبة والعلّماء. وقد شهدت السّاحة العلّميّة في الآونة الأخيرة - بحمد الله-، إنقاذ كثير من هذا الكنز الضّمار، فطُبعت جملة وافرة من مؤلفات القاضي عبد الوهّاب، وقِطع نادرة لأمثال: إسماعيل القاضي (قطعة من أحكام القرآن)، وأبي بكر الأبهري "شرح كتاب الجامع من مختصر ابن عبد الحكم)، وابن الجلّاب (التفريع)، وابن القصّار (المقدِّمة الأصولية، وقطعتين من عيون الأدلّة) ... ولا تزال الهمم طموحة لإنقاذ الكمّ الأكبر المتبقّي من تركة هذه المدرسة العتيقة. ومحاولة منّي للمشاركة في هذا المسعى العلّمي النّبيل، فإنّي أقدّم ¬

_ (¬1) راجع ما كتب حول المدرسة البغدادية في: اصطلاح المذهب عند المالكية للدكتور محمَّد إبراهيم أحمد علي، ومنهج كتابة الفقه المالكي بين التجريد والتدليل للدكتور بدوي عبد الصمد الطّاهر.

لإخواني القراء، كتاب "عيون المسائل" للقاضي عبد الوهّاب البغدادي، الّذي اختصر فيه كتاب "عيون الأدلّة" لشيخه القاضي أبي الحسن بن القصّار، وهو كتاب نفيس، من أقدم ما وصلنا في فنّه، وهو شاهد على اتّساع الباع وسعة البال. وقد كان الرّجاء متّجهًا إلى خدمة كتاب الأصل "عيون الأدلة"، لكن حال دون ذلك تعذّر إيجاد هذا السَّفر الضخم كاملًا، إذ لم تورد الفهارس إِلَّا أجزاء يسيرة منه، أفاد منها الأستاذ محمَّد الحسين السليماني (الجزائري) في إخراج المقدِّمة الأصولية، وكذا الدكتور عبد الرّحمن الأطرم في تحقيقه للجزء الثّاني منه (كتاب الصّلاة)، وأخيرًا الدّكتور عبد الحميد السعودي في الجزء الأوّل منه (كتاب، الطّهارة). وإذا كان قد تعذّر عليّ تحصيل الأصل، فلم يفتني إدراك المختصر، مع ضرورة التّنبّه إلى أن غرض الكتابين مختلف؛ فقد بيّن ذلك كلّ واحد منهما، فالأصل في فقه الخلاف العالي (المقارن)، وأمّا المختصر ففي معرفة الخلاف العالي. * ويكمن الفرق بينهما في أنّ الأوّل يخوض في أسباب الاختلاف، وأدلة المسائل وطرق الاحتجاج بها ومناقشتها، والتّرجيح فيما بينها. ومن ثمّ فهو خير معين على معرفة طرق الاستدلال وما يردّ عليه، ممّا يسهم في تكوين الملكة الفقهية. ومن أوائل من ألّف في هذا الفن تأليفًا مستقلًا: 1 - القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي (282 هـ) له: كتاب الرَّدِّ على محمَّد بن الحسن الشيباني في مائتي جزء - ولم يكتمل -، والرد على أبي حنيفة، والرد على الشّافعيّ. وهي لا تزال في عالم المخطوطات. 2 - القاضي محمَّد بن بكير البغدادي المالكي (305 هـ) له: كتاب في مسائل الخلاف. خ. 3 - الإمام محمَّد بن جرير الطّبريّ (310 هـ) له: اختلاف الفقهاء. والمطبوع منه: قطعة (في الجهاد والجزية)، وقطعة (متعلّقة بالبيوع).

4 - الإمام أبو سعيد البردعي الحنفي (317 هـ) له: مسائل الخلاف. خ. 5 - الإمام أبو بكر ابن المنذر النيسابوري (318 هـ) له: الإشراف على مذاهب العلماء (والمطبوع منه غير مكتمل)، والأوسط (والمطبوع منه الأجزاء الأولى). 6 - الإمام أبو جعفر الطحاوي الحنفي (321 هـ) له: اختلاف الفقهاء (والمطبوع منه جزء يسير). 7 - الإمام أبو علي الحسن بن القاسم الطّبريّ الشّافعيّ (350هـ) له: المحرر في النظر. خ. قيل عنه: إنّه أول كتاب في الخلاف المجرّد. 8 - الإمام أحمد بن زيد القزويني المالكي (نيف وتسعين وثلاثمائة) له: المعتمد في الخلاف في مائة جزء. خ. قيل عنه: هو من أهذب كتب المالكية. * وأمّا النوع الثّاني: فإنّه يُعنى بذكر المسائل الخلافية، واستقصاء آراء الصّحابة والتابعين ومذاهب الفقهاء فيها، ولا شأن له بالاستدلال والتّرجيح. ومن ثمّ فهو بمثابة مذكّرة في مسائل الخلاف. ومن أهمّ من ألّف في هذا الفن: 1 - الإمام محمَّد بن نصر المروزي الشّافعيّ (294 هـ) له: اختلاف العلماء. (وهو مطبوع). وقد يذكر في النّادر دليل المسألة، دون شرح أو توجيه. 2 - الإمام أبو بكر الجصّاص الرازي الحنفي (370 هـ) له: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي. (وهو مطبوع). وطريقته تقارب الكتاب السابق. 3 - الإمام أبو الحسن القدوري الحنفي (428 هـ) له: التجريد (وهو مطبوع). تناول فيه صاحبه مسائل الخلاف بين الحنفية والشّافعيّة.

* ولا شكّ في أهمية كِلا الفنّين معًا، ولا غنى لطالب العلم عنهما، فضلًا عن الفقيه والمُفتي، وفي هذا يقول العلّامة الشاطبي - رحمه الله -: "ولذلك جعل النَّاس العلم معرفة الاختلاف، فعن قتادة: من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفُه الفقه. وعن هشام بن عبيد الله الرازي: من لم يعرف اختلاف القراءة فليس بقارئ، ومن لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه. وعن عطاء: لا ينبغى لأحد أن يفتى النَّاس حتّى يكون عالمًا باختلاف النَّاس؛ فإنّه إنَّ لم يكن كذلك رَدَّ من العلم ما هو أَوثَق من الّذي في يديه" (¬1). * وإلى جانب معرفة الخلاف العالي، فقد جمع لنا المؤلِّف فوائد أخرى؛ كمعرفة الخلاف داخل المذهب الواحد، وترجيح أقوى الروايات وبيان المفتى به. كما أن صنيعه في تقديم القول المعتمد عند المالكية مطلع كلّ مسألة، يعدّ وثيقة فقهية مهمّة؛ لما جرى به العمل والقضاء، واستقرت عليه الفتوى عند مالكية العراق. كما ضمّ الكتاب بين دفّتيه بعض اختيارات ابن القصّار الفقهية، وتُحَفًا من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السّلفية، الّتي وردت على سبيل النّدرة. وإني لأعتذر إلى القاري الكريم عن كلّ خلل أو زلة أو تقصير، قد يلحق هذا العمل، فللهِ الكمال وحده، وكما جاء في خاتمة هذا الكتاب: إِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الخَلَلا ... جَلَّ مَنْ لاعَيْبَ فِيه وَعَلا ¬

_ (¬1) الموافقات في أصول الشّريعة: 4/ 161.

وفي خاتمة هذه المقدِّمة لا يسعني إِلَّا الاعتراف بقلّة الزّاد، ومشقّة المضمار، غير أنني بذلت غاية وسعي، أسأل الله تعالى أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، موصولًا عنده في ميزان الأجر والثواب. وكتبه: حامدًا مصلّيًا راجيًا رحمة ربه علي محمَّد بن إبراهيم بورويبة الجزائر العاصمة في 19 ذي الحجة 1428 هـ الموافق لـ 28 ديسمبر 2007 م

دراسة تمهيدية

دراسة تمهيدية المبحث الأوّل: ترجمة مؤلِّف الأصل القاضي ابن القصّار. المبحث الثّاني: ترجمة مختصر الأصل القاضي عبد الوهّاب. المبحث الثّالث: تعريف بكتابي "عيون الأدلة" و"عيون المسائل".

المبحث الأول ترجمة مؤلف الأصل أبي الحسن علي بن عصر بن القصار

المبحث الأوّل ترجمة مؤلِّف الأصل أبي الحسن علي بن عصر بن القصّار لم تتوسّع المصادر في ترجمة القاضي أبي الحسن بن القصّار (¬1)،لذا سأقتصر على أهم معالم حياته: اسمه ونسبه ولقبه: هو القاضي أبو الحسن، علي بن عمر بن أحمد البغدادي الأبهري الشيرازي المالكي، المعروف بابن القصّار، الإمام الفقيه الأصولي الحافظ النظّار. وإذا أُطلق عند المالكية لفظ "القاضي أبو الحسن" فهو المقصود، أمّا إذا أطلق لفظ "القاضيان"، فالمقصود بهما: القاضي ابن القضار والقاضي عبد الوهّاب. ¬

_ (¬1) من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد: 12/ 41، طبقات الفقهاء: 168، ترتيب المدارك: 4/ 602، سير أعلام النُّبَلاء: 17/ 107، تاريخ الإسلام للذهبي: 27/ 345، الديباج المذهب: 199، شذرات الذهب: 2/ 149، شجرة النور الزكية؛ 1/ 138، الفكر السامي: 3/ 123.

ولادته ونشأته ورحلاته

ولادته ونشأته ورحلاته: لم تذكر المصادر تاريخ ولادته، ولا فصّلت في مكان نشأته وحلّه وترحاله، لكن الأغلب أنّه نشأ ببغداد، وترعرع فيها. ولا ينافي هذا أن يكون قد تجوّل داخل مدن العراق، فقد ذكر في كتابه، أنّه سمع من القاضي أبي حامد المرّورّذي (362 هـ) مسألتين في الفقه بالبصرة (¬1). شيوخه: إنَّ طول مكث القاضي أبي الحسن ببغداد، كان له الأثر البالغ في تمكّنه من شتّى العلوم النقلية والعقلية، والضلوع فيها والأخذ بأصولها، إذ كانت المدرسة المالكية وقتها في أزهى مراحلها، ومن أشهر أعلامها: أبو الحسن السّتوري (343 هـ)، وأبو الفضل بكر بن العلّاء (344 هـ)، وأبو عبد الله التستري (345 هـ)، وأبو جعفر الأبهري "الصغير" (365 هـ)، وأبو الطّاهر الذهلي (367 هـ)، وأبو عبد الله ابن مجاهد (تقريبًا: 370هـ)، وأبو بكر الأبهري (375 هـ)، وأبو بكر ابن علوية الأبهري (تقريبًا: 376 هـ)، وأبو القاسم ابن الجلّاب (378 هـ)، وأبو سعيد القزويني (تقريبًا: 390هـ)، وأبو بكر الباقلاني (403هـ). غير أن مترجميه لم يصرّحوا بأسماء كلّ شيوخه، وإنّما اقتصروا على اثنين: الأوّل: أبو بكر الأبهري (¬2): ¬

_ (¬1) انظر المسألة الأولى: عيون الأدلة: 1/ 232، والثّانية: عيون المسائل: مسألة [1425]. (¬2) من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد: 5/ 462، طبقات الفقهاء: 167، ترتيب المدارك: 4/ 466، سير أعلام النُّبَلاء: 16/ 332، تاريخ الإسلام للذهبي: 26/ 580، الديباج المذهب: 255، شذرات الذهب: 85/ 2، شجرة النور التركية: 1/ 136، الفكر السامي: 3/ 122.

وهو القاضي الإمام العلّامة الفقيه المُقرئ الصالح النظّار أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن صالح الأبهري التميمي المالكي، شيخ المالكبين في وقته، ولد قبل (290 هـ)، وتوفي في بغداد يوم السبت لسبع خلت من شهر شوال سنة 375 هـ، وصلّي عليه بجامع المنصور. ولقد أمضى أبو بكر الأبهري ستين سنة بجامع المنصور ببغداد، وهو يفتي النَّاس ويعلمهم، وفيها التقى القاضي أبو الحسن به، ولازمه مدّة طويلة، قال الذهبي: "وكان من كبار تلامذة القاضي أبي بكر الأبهري، يُذكر مع أبي القاسم ابن الجلّاب". ولقد ترك القاضي أبو بكر الأبهري مجموعة قيّمة من التآليف، شاهدة على تعدّد مهاراته، وتنوّع علومه، أذكر منها: 1 - شرح المختصر الكبير لابن عبد الحكم (¬1). 2 - شرح المختصر الصغير لابن عبد الحكم. 3 - مسلك الجلالة في مسند الرسالة. (رسالة ابن أبي زيد القيرواني). 4 - كتاب الأمالي. 5 - كتاب إجماع أهل المدينة. 6 - كتاب الرَّدِّ على المزني. 7 - كتاب الأصول. 8 - مسألة إثبات حكم القَافَة. 9 - كتاب فضل المدينة على مكّة. 10 - مسألة الجواب والدلائل والعلل. ¬

_ (¬1) حقّق منه (كتاب الجامع): أ. د حميد لحمر [ط: دار الغرب الإِسلامي: 2004].

الثاني: أبو الحسن الستوري

وقد صرّح ابن القصّار بذكر شيخه في مواضع من كتابه عيون الأدلّة (¬1)، ونقلها القاضي عبد الوهّاب في مختصره عيون المسائل (¬2). الثّاني: أبو الحسن السُّتوري (¬3): وهو أبو الحسن علي بن الفضل بن إدريس بن الحسين بن محمَّد الستوري: من أهل سُرّ من رأى، سكن بغداد، وحدث بها عن الحسن بن عرفة أحاديث يسيرة. قال فيه العتيقي: "ثقة، ما سمعت شيوخنا يذكرونه إِلَّا بجميل". توفي سنة 343 هـ. تلامذته: لقد حظي ابن القصّار بتلامذة نجباء، تفقّهوا به ونقلوا عنه، وخلّدوا ذكره بعد وفاته، ومن أشهرهم: الأوّل: القاضي عبد الوهّاب بن نصر البغدادي. وستأتي ترجمته في المبحث التالي. الثّاني: أبو ذر الهروي (¬4): وهو الإمام الحافظ الحجة الثقة أبو ذر عبد الله بن أحمد بن محمَّد بن عبد الله بن غفير الهروي المالكي، المعروف بابن السّمّاك، ولد سنة 355 هـ، واشتغل بالحديث فبرع فيه وغلب عليه، له مصنّفات كثيرة، أهمّها: ¬

_ (¬1) انظر: 1/ 385 و 441، 2/ 705. (¬2) انظر: 74، 79، 82، 121، 138، 142، 150، 180، 185، 294، 412، 439، 442، 445، 450، 491، 533، 563، 576. (¬3) من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد: 12/ 48، سير أعلام النُّبَلاء: 15/ 442، تاريخ الإسلام: 25/ 282، شذرات الذهب: 1/ 365. (¬4) من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد: 11/ 141، ترتيب المدارك: 4/ 696، سير أعلام النُّبَلاء: 15/ 442، شذرات الذهب: 3/ 245، الديباج المذهب: 217، شجرة النور: 1/ 156.

الثالث: أبو الفضل بن عمروس

1 - كتاب الجامع. 2 - فضائل مالك. 3 - المناسك. جاور الحرم إلى أن مات في ذي القعدة 435 هـ. الثّالث: أبو الفضل بن عمروس (¬1): وهو الإمام العمدة الفاضل الفقيه الأصولي أبو الفضل محمَّد بن عبد الله بن أحمد بن محمَّد بن عمروس البغدادي المالكي، ولد سنة 372 هـ، وإليه انتهت الفتوى في الفقه على مذهب مالك ببغداد، من مصنّفاته: 1 - تعليق حسن كبير مشهور في المذهب والخلاف. 2 - مقدّمة في أصول الفقه. توفي أول محرم سنة 452 هـ. الرّابع: أبو علي بن عبّاس (¬2): وهو الإمام العمدة الفاضل الفقيه أبو علي إسماعيل بن الحسن بن علي بن عبّاس الصيرفي البغدادي المالكي، درس على الأبهري، ثمّ درس على ابن القضار، توفي في رمضان 408 هـ. مكانته وعلمه: اعترف بعلم القاضي ابن القصّار وفضله، كلّ من رآه أو تتلمذ عليه أو قرأ له، فهذا تلميذه أبو ذر الهروي يصفه، فيقول: "هو من أفقه من رأيت من المالكيين" (¬3). ¬

_ (¬1) من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد" 2/ 339، طبقات الفقهاء: 169، ترتيب المدارك: 4/ 762، سير أعلام النُّبَلاء: 18/ 73، الديباج المذهب: 273، شجرة النور: 1/ 156. (¬2) من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد: 6/ 312، ترتيب المدارك: 4/ 602، تاريخ الإسلام: 28/ 172. (¬3) انظر: ترتيب المدارك: 4/ 602، الديباج المذهب: 199.

وقد تعدّى هذا العرفان والتّزكية إلى أعلام المذاهب الأخرى، فهذا أبو حامد الإسفراييني الشّافعيّ (406هـ)، أحد أقران القاضي ومنافسيه، يعترف أمام القاضي عبد الوهّاب ببراعته، فيقول عن كتابه (عيون الأدلة): "ما ترك صاحبكم لقائل ما يقول" (¬1). - وهذا أبو إسحاق الشيرازي الشّافعيّ (476 هـ) على غزارة علمه، وسعة مطالعته، قرأ للقاضي وأعجب به، حتّى قال: "وله كتاب في مسائل الخلاف كبير، لا أعلم لهم كتابًا في الخلاف أحسن منه" (¬2). - ولم يقتصر هذا العرفان على أهل صنعته من الفقهاء والأصوليين فحسب، بل تخطّى تحرّي المحدّثين وشدّة نقدهم، فهذا حافظ المشرق أبو بكر الخطيب البغدادي (463 هـ) يوثّقه في تاريخه (¬3)، ويقول عنه تلميذه أبو ذر الهروي: "كان ثقة قليل الحديث" (¬4). - وقد صاحبت هذه الشّهرة، كتبه وتلاميذه لتصله بالأقطار البعيدة، فهذا القاضي عياض المالكي (544 هـ) يقول فيه: "كان أصوليًا نظّارًا" (¬5). ونختم هذه الشهادات، بمقولة مشهورة عند أهل التراجم، وهي قولهم: "لولا الشيخان (ابن أبي زيد وأبو بكر الأبهري)، والمحمدان (محمَّد بن سحنون ومحمد بن الموّاز)، والقاضيان (القاضي أبو الحسن ابن القصّار والقاضي عبد الوهّاب) لذهب المذهب المالكي" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: ترتيب المدارك: 4/ 602. (¬2) انظر: طبقات الفقهاء: 168. (¬3) انظر: تاريخ بغداد: 12/ 41. (¬4) انظر: ترتيب المدارك: 4/ 602، الديباج المذهب: 199. وقد عثرت في فهرس مركز المخطوطات والتراث والوثائق، بدولة الكويت، تحت رقم: 44 - 49 - 3. على "جزء فيه أحاديث عن أبي الحسن علي بن عمر بن القصّار" في أربع ورقات. (¬5) انظر: ترتيب المدارك: 4/ 602. (¬6) انظر: شجرة النور: 1/ 138.

مؤلفاته

مؤلفاته - أجمع أهل التراجم على نسبة كتاب "عيون الأدلّة" - الآتي ذكره - إلى القاضي ابن القصّار، وأنّه سرّ شهرته ودليل براعته، وتوقّفوا عند هذا الحدّ، مكتفين بذكر مؤلّف واحد، الأمر الّذي لا يتناسب مع ما ذكر آنفًا من الشّهرة الّتي نالها. إِلَّا أن هذا الإشكال قد يزول قليلًا، إذا علمنا أن حجم الكتاب كبير جدًا، فقد ذكر الأدفوي أنّه رآه في ثلاثين مجلدة (¬1)، فهو بمثابة موسوعة متنوّعة، جمع فيها علومًا شتّى - كما سيأتي -. كما أن القضاء الّذي وليه في مدينة كبيرة كبغداد، مشتّت للذِّهن ومستغرق للعمر، وهذا الذكرها دفع بكثير من العلماء قديمًا إلى التبرّم منه واعتزاله. - وقد أفرد بعض العلماء مقدّمة "عيون الأدلة" - الأصولية - بذكرها من جملة مؤلّفاته، ولا ندري إنَّ كان القاضي ابن القصّار قد أفردها بمؤلّف، كما فعل شهاب الدّين القرافي مع مقدّمة كتابه الذّخيرة - حين أفردها عنه وسمّاها: "تنقيح الفصول في اختصار المحصول"؛ ليتولى شرحها فيما بعد في "شرح تنقيح الفصول" -، أو أن الطّلاّب والدّارسين اهتمّوا بها، واستثقلوا نسخ كلّ تلك الأسفار، فاصطلحوا على تسميتها بالمقدّمة في الأصول، لكن ممّا لا شكّ فيه، أنّها احتوت على جلّ مباحث أصول الفقه، متناسقة محرّرة ملخّصة، جديرة بأن تفرد بكتاب مستقل، لتكون مرجعًا معتمدًا للمبتدئين والمجتهدين (¬2). وفاته: وبعد حياة مباركة قضاها القاضي ابن القصّار ما بين رواية للحديث ¬

_ (¬1) انظر: المقفّى الكبير: 6/ 374. (¬2) للاستزادة من حقيقة المقدّمة الأصولية، وقيمتها ومنهج مؤلفها، راجع المدخل الّذي صدّر به الأستاذ محمَّد الحسين السّليماني المقدّمة الأصولية: 15 - 37.

النبوي، وتدريس للطلًاب والمتعلّمين، وقضاء بين النَّاس وحلّ خلافاتهم، والحكم بينهم بشريعة الحق والعدل، وتأبيف للعلّوم النّافعة ونشرها، يتوفّاه الأجل ويلقى ربّه في بلدته المباركة مدينة السّلام "بغداد"، يوم السّبت السابع من ذي القعدة سنة 397 هـ. فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عتا وعن المسلمين خير الجزاء، وجمعنا وايّاه بالنّبيّين والشّهداء والصَّالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

المبحث الثاني ترجمة مختصر الأصل أبي محمد عبد الوهاب بن نصر البغدادي

المبحث الثّاني ترجمة مختصِر الأصل أبي محمدّ عبد الوهّاب بن نصر البغدادي (¬1) لقد حظيت شخصية القاضي عبد الوهّاب - على العكس من شيخه -، بعناية فائقة من كلّ من ترجم لأعلام بغداد، أو للفقهاء عامّة، أو للمالكية خاصّة، أو للأصوليين، أو حتّى للأدباء والشعراء، بدءًا من تلميذه الخطيب البغدادي (463 هـ) وانتهاءً بالمؤتمر العلّمي الأوّل لدار البحوث للدراسات الإِسلامية وإحياء التراث بدولة الإمارات، الّذي أقيم حول: "القاضي عبد الوهّاب البغدادي شيخ المالكية بمدرسة العراق"، في الفترة الممتدة ما بين [16/ 3/ 2003 إلى 22/ 3/ 2003] حيث قُدّمت فيه 84 ورقة علمية، وطُبعت في 7 مجلّدات ضخمة، لنخبة من الباحثين والعلّماء. ولكثرة المصادر الّتي ترجمت لحياة القاضي، وطول الدراسات الّتي تناولت شخصيته، سأقتصر على أهم معالم حياته، لا سيما مع ضيق المقام هنا: ¬

_ (¬1) من أهمّ مصادر ترجمته: تاريخ بغداد: 11/ 31، طبقات الفقهاء: 168، الذّخيرة في محاسن أهل الجزيرة: 8/ 515، ترتيب المدارك: 4/ 691، تاريخ دمشق: 37/ 337، وفيات الأعيان: 3/ 219، سير أعلام النُّبَلاء: 17/ 429، تاريخ الإسلام: 29/ 85، تاريخ قضاة الأندلس: 40، الديباج: 159، وفيات ابن قنفذ: 233، النجوم الزاهرة: 4/ 276، شذرات الذهب: 2/ 223، شجرة النور: 1/ 154.

اسمه ونسبه ولقبه

اسمه ونسبه ولقبه: هو القاضي أبو محمَّد عبد الوهّاب بن علي بن نصر بن أحمد البغدادي المالكي، من ذرية مالك بن طرق التغلبي، الإمام الفقيه الأصولي النظّار الأديب. وإذا أطلق لفظ "القاضي" عند المالكية، فإنّه ينصرف إليه، أمّا إذا أطلق بالتّثنية، فقد سبق أنّه يضاف إليه ابن القصّار. ولادته ونشأته ورحلاته: لقد كفانا القاضي عبد الوهّاب عناء البحث عن تاريخ ولادته، فقد سُئِل عنه، فأجاب: "يوم الخميس السابع من شوال سنة 362 هـ ببغداد" (¬1). وتعرّفنا المصادر ببعض أفراد أسرته، بدءًا بأبيه وهو: * أبو الحسن علي بن نصر (¬2) الفقيه المالكي، كان من أعيان الشهود المعدّلين ببغداد - الذين يعتمد القضاة أقوالهم في تعديل الشهود وتجريحهم -، وقال فيه أبو بكر محمَّد بن عمر القاضي المعروف بابن الأخضر (429 هـ): حدثني الشّيخ أبو الحسن علي بن نصر الفقيه المالكي، وكان ناهيك عدالة وثقة. وإلى جانب روايته للحديث الشريف - كما ذكر عياض -، فقد روى عنه ابنه عبد الوهّاب. توفي يوم السبت الثّاني من شهر رمضان سنة 391 هـ. كما تعرّفنا بأخيه الأصغر وهو: * أبو الحسن محمَّد بن علي (¬3): الكاتب البغدادي، المولود ببغداد في إحدى الجماديين سنة 372 هـ. صاحب ديوان الرسائل في دولة جلال ¬

_ (¬1) انظر: وفيات الأعيان: 3/ 219. (¬2) انظر: ذيل تاريخ بغداد: 4/ 153، شذرات الذهب: 2/ 225. (¬3) انظر: وفيات الأعيان: 3/ 219، تاريخ الإسلام: 29/ 451، الديباج: 160، شذرات الذهب: 2/ 255، شجرة النور: 1/ 155.

الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة بن عضد الدولة. لقي جماعة من كبار الأدباء، وأخذ عن: أبي الفرج الببغاء، وأبي نصر ابن نباتة، وسمع من أبي القاسم عيسى بن الوزير، وروى عنه: أبو منصور محمَّد بن محمَّد العكبري. كان أديبًا بليغًا فصيحًا إخباريًا، صنّف "كتاب المفاوضة" للملك العزيز جلال الدولة أبي منصور ابن أبي طاهر بهاء الدولة ابن عضد الدولة ابن بويه؛ جمع فيه ما شاهده، وهو - كما ذكر من اطّلع عليه - من الكتب الممتعة في ثلاثين كرّاسة، وله رسائل. ترك البصرة راحلًا إلى واسط، وتوفي بها يوم الأحد لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر سنة 437 هـ. - وبهذا، نستشف حالة الأسرة الّتي ترعرع فيها القاضي، فهي أسرة فاضلة محبّة للعلّم والمعرفة، وفّرت له الدّعم المعنوي للاهتمام بتحصيل العلم، وملازمة حِلق العلماء. * وأمّا رحلاته في طلب العلم، فلم تفصل المصادر عن أوقاتها ووجهاتها، ولكن من المحتمل أنّه قام ببعض الجولات ضمن الأقاليم العراقية الأخرى، كالبصرة مثلًا، لما سيأتي من ذكر بعض شيوخه منها. - وأمّا رحلاته خارج العراق، فلم أعثر إِلَّا على رحلتين له، رحلته إلى مصر في آخر حياته سنة 419 هـ - نرجئ الحديث عنها فيما بعد -، ورحلته لأداء مناسك الحجِّ. فأمّا سفره لأداء مناسك الحجِّ، فهو أمر مؤكّد، لما ذكره عبد الحق الصّقلي (466 هـ) عن نفسه أنّه حجّ 3 مرات، أولاها كانت سنة (418 هـ)، وفيها التقى بالقاضي عبد الوهّاب وأبي ذر الهروي (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة تحقيق النكت والفروق: 45: نقلًا عن مخطوط تهذيب الطالب لعبد الحق الصقلي: 2 / أ، والغنية في شيوخ عياض: 229.

شيوخه

كما ذكر القاضي عبد الوهّاب ذهابه لأداء الحجِّ -دون تحديد السَّنة -، في رسالة منسوبة إليه، وجّهها إلى الخليفة الفاطمي "المستنصر بالله ابن الظّاهر لإعزاز دين الله"، وجاء فيها أيضًا تزكيته له، ممّا دعا بعض الباحثين إلى التّشكيك في صحة نسبتها إليه (¬1). شيوخه: لقد تمتّع القاضي عبد الوهّاب بشيوخ متمرّسين، وأساتذة متمكّنين، على غرار شيخه ابن القصّار، ولدنوّ تاريخ ولادته، فقد حُرم من بعض شيوخ شيخه، ولكنّه استعاض عنهم بأقران طبقة شيخه، ممّن عاشوا بعد 375 هـ تقريبًا. وعلى العكس من ترجمة ابن القصّار، فقد أفصحت المصادر عن عدد أكبر من شيوخ عبد الوهّاب، وقد بلغوا العشرين من أشهرهم: 1 - أبو بكر الأبهري (375 هـ) السابق ذكره. 2 - وأبو عبد الله الحسين الدّقّاق (375 هـ). 3 - وعمر بن سنبك البجلي البغدادي (376 هـ). 4 - وأبو القاسم ابن الجلّاب البصري (378 هـ). 5 - وأبو حفص ابن شاهين (385 هـ). 6 - وأبو الفتح يوسف القوّاس البغدادي (385 هـ). 7 - وأبو الحسن ابن القصّار (397 هـ). 8 - وعبد الملك بن مروان قاضي المدينة، "المرواني" (عاش بعد 363 هـ). ¬

_ (¬1) نقل نصّ الرّسالة ابن بسام في الذخيرة: 8/ 520، وانظر نقدها في: مقدّمة تحقيق الإشراف للأستاذ الحبيب بن طاهر: 1/ 14 و 82.

الأول: أبو القاسم ابن الجلاب

9 - وأبو بكر محمَّد بن الطيب، الشهير بالباقلاني (403 هـ). 10 - وأبو الحسن المجبّر البغدادي (405 هـ). 11 - وأبو عمر الهاشمي البصري (414 هـ). 12 - وأبو علي ابن شاذان البغدادي (425 هـ). * وقد لخّص القاضي عبد الوهّاب حصيلة مشواره العلّمي، وذلك لمّا سُئل: "مع من تفقهت؟ " فأجاب: "صحبت الأبهري، وتفقّهت مع أبي الحسن ابن القصّار وأبي القاسم ابن الجلّاب، والذي فتح أفواهنا وجعلنا نتكلّم أبو بكر ابن الطيب" (1). وقد سبق الحديث مفصّلًا عن الأبهري وابن القصّار، إِلَّا أن بعض المؤرخين؛ كالشيرازي نفى صحة تلقّي القاضي عبد الوهّاب عن الأبهري، وقد ردّ عليه القاضي عياض وخطّأه، وأثبت صحة تفقّهه عليه، ولا أدلّ على ذلك ممّا رواه عن القاضي عبد الوهّاب أنّه قال: دخلت في حداثتي على الأبهري، وفي كمّي كتاب "الحاوي" لأبي الفرج، فقال لي: ما الّذي في كفك؛ فقلت: "الحاوي" لأبي الفرج، فقال: "ليس بالحاوي ولكنّه الخاوي" (2). وسنوجز الحديث هنا، عن العلّمين الآخرين: الأوّل: أبو القاسم ابن الجلّاب (¬3): وهو أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن الجلّاب البصري المالكي، ¬

_ انظر: الديباج: 159. انظر: ترتيب المدارك: 5/ 23 أطبعة: المغرب]. (¬3) من مصادر ترجمته: طبقات الفقهاء: 168، ترتيب المدارك: 4/ 605، سير أعلام النُّبَلاء: 16/ 383، تاريخ الإسلام: 26/ 628 و 639، الديباج المذهب: 146، شذرات الذهب: 2/ 93، شجرة النور التركية: 1/ 137، الفكر السامي: 3/ 118، وانظر مقدّمة تحقيق التفريع للدكتور حسين بن سالم الدهماني: 1/ 101 - 170.

الثاني: أبو بكر الباقلاني

الإمام الفقيه الأصولي العالم الحافظ. وقد اختلف في اسمه، فقيل: محمَّد بن الحسين وقيل: عبد الرّحمن، وقيل: القاسم. والأرجح من الأقوال الأوّل. تفقّه بأعلام عصره، ولكن لم تعتن المصادر بذكر شيوخه، عدا الإمام أبا بكر الأبهري، فقد كان من كبار أصحابه وملازميه. من مؤلّفاته: 1 - كتاب التّفريع. سبق الحديث عنه في مطلع المقدّمة. 2 - كتاب في مسائل الخلاف. 3 - شرح المدوّنة. توفّي - رحمه الله - عند منصرفه من الحجِّ في شهر صفر من سنة 378هـ. الثّاني: أبو بكر الباقلاني (¬1): هو القاضي أبو بكر محمَّد بن الطّيّب الباقلاني المالكي، الفقيه الأصولي المتكلّم، انتهت إليه رئاسة المالكبين بالعراق. وكان له التّأثير الكبير في شخصية القاضى عبد الوهّاب، باعتراف هذا الأخير، وكما تدلّ عليه مؤلّفاته، وخصوصًا في الأصلّين (أصول الدِّين وأصول الفقه). ترك مجموعة حافلة من المؤلِّفات، في مجالات مختلفة، منها: 1 - المقنع في أصول الفقه. ¬

_ (¬1) من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد: 5/ 379، ترتيب المدارك: 4/ 585، وفيات الأعيان: 4/ 269، سير أعلام النُّبَلاء: 17/ 190، تاريخ الإسلام: 28/ 88، شذرات الذهب: 2/ 169، شجرة النور: 1/ 137، الفكر السامي: 3/ 126.

تلامذته

2 - التقريب والإرشاد في أصول الفقه. 3 - أمالي إجماع أهل المدينة. 4 - الأصول الكبير، في الفقه. 5 - شرح أدب الجدل. توفي - رحمه الله - في ذي القعدة لسبعٍ بقين منه سنة 403 هـ، وصلّى عليه ابنه الحسن، ودُفن بداره، ثمّ نُقل إلى مقبرة باب حرب. تلامذته: لقد رزق القاضي عبد الوهّاب بتلامذة عقلاء، وطلاّب نبهاء، نقلوا عنه علومه ومعارفه، وقد تنوّعت اختصاصاتهم، وتفرّقت أوطانهم، واتّحدت محبّتهم له واعترافهم بإمامته، فمن أشهرهم: 1 - أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (463 هـ)، حافظ المشرق، وصاحب "تاريخ بغداد"، سمع الحديث منه، وكتب عنه. 2 - أبو إسحاق الشيرازي الشّافعيّ (476 هـ)، صاحب المؤلِّفات الكثيرة المتنوّعة، قال عنه: "أدركته وسمعت كلامه في النظر". 3 - أبو الفضل محمَّد بن عمروس البغدادي المالكي (452 هـ). 4 - أبو محمَّد عبد الحق بن هارون السهمي الصقلي المالكي (466 هـ)، الإمام العلّاّمة الفقيه الأصولي، لقي القاضي في الحجِّ - كما ذكرنا سابقًا -، له كتاب "النكت والفروق على مسائل المدوّنة"، و"تهذيب الطالب". 5 - أبو الفضل مسلم بن علي الدمشقي المالكي (مجهول الوفاة)، الشهير بـ "غلام عبد الوهّاب"؛ لطول صحبته وخدمته له، له كتاب: "الفروق الفقهية". 6 - أبو العباس أحمد بن قيس الغساني الدمشقي (مجهول الوفاة).

مكانته العلمية

7 - أبو المنجّا حيدرة بن علي الأنطاكي الدمشقي المالكي (479 هـ) المعبّر للأحلام. 8 - أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري النحوي (456 هـ)، صاحب التصانيف، كان مضطلعًا بعلوم كثيرة. 9 - القاضي أبو عبد الله محمَّد بن الحبيب بن الشماخ الغافقي الأندلسي (459 هـ)، رحل إلى القاضي عبد الوهّاب بمصر، وحمل عنه جميع تآليفه، وهو أوّل من أدخلها الأندلس والمغرب. 10 - أبو علي الحسن بن أحمد بن محمَّد الهاشمي العبّاسي، المعروف باليازري (مجهول الوفاة)، من فقهاء المالكية بمصر. 11 - أبو القاسم عبد الواحد بن علي الجيزي المصري (مجهول الوفاة)، له كتاب في أصول الفقه. مكانته العلمية: لقد أجمع كلّ من عاصر القاضي عبد الوهّاب، على علمه وورعه وقوّة عارضته، شهد بها أساتذته، وأقرانه وتلامذته، وكل من درس عليه علمًا من العلوم، أو قرأ له كتابًا من الكتب، وسأسوق هنا بعض تلك الشهادات: 1 - قال شيخه القاضي أبو بكر الباقلاني: "لو اجتمعت في مدرستي أنت - يقصد أبا عمران الفاسي - وعبد الوهّاب، لاجتمع علم مالك؛ أبو عمران يحفظه، وعبد الوهّاب ينصره، لو رآكما مالك لسرّ بكما" (¬1). 2 - وقال الخطيب البغدادي: "وحدّث بشيء يسير كتبت عنه، وكان ثقة، ولم نلق من المالكبين أحدًا أفقه منه" (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: ترتيب المدارك: 4/ 702، الديباج: 345، شجرة النور: 1/ 154. (¬2) انظر: تاريخ بغداد: 11/ 31.

3 - وقال الشيرازي: "وكان فقيهًا متأدبًا شاعرًا، وله كتب كثيرة في كلّ فن من الفقه" (¬1). 4 - وقال ابن حزم الظاهري: "لم يكن لأصحاب المذهب المالكي بعد عبد الوهّاب مثل أبي الوليد الباجي" (¬2)، وهي وإن كانت تزكية للباجي، فهي تزكية للقاضي عبد الوهّاب أوّلًا. 5 - وقال أبو الحسن علي بن بسّام الشنتريني: "كان أبو محمَّد في وقته بقية النَّاس، ولسان أصحاب القياس، وهو أحد من صرف وجوه المذهب المالكي، بين لسان الكناني، ونظر اليوناني، فقدّر أصوله، وحرَّر فصوله، وقرّر جمله وتفاصيله، ونهج فيه سبيلًا كانت قبله طامسة المنار، دارسة الآثار ... واستقر بمصر، فحمل لواءها، وملأ أرضها وسماءها، واستتبع سادتها وكبراءها" (¬3). 6 - وقال السيوطيّ: "أحد الأعلام، واحد أئمة المالكية المجتهدين في المذهب، له أقوال وترجيحات" (¬4). * وبهذا كان أهلًا لتولي قضاء عدة أقاليم منها: الدَّينور وبادَرايا وباكُسايا وأسعرد. وولي قضاء المالكية بمصر آخر عمره إلى أن مات بها. * ومن كان بهذا الفضل والإكثار، كان لا بدّ له من العثار، الّذي لا يرديه على مقتله، وإنّما ينفي عنه العصمة والكمال. ومن بعض مآخذ القاضي - رحمه الله - ما نقله أبو عبد الله المقرّي (758 هـ) في قواعده: "وحذّر الناصحون من أحاديث الفقهاء، وتحميلات الشيوخ، وتخريجات المتفقّهين، وإجماعات المحدّثين. وقال بعضهم: احذر أحاديث ¬

_ (¬1) انظر: طبقات الفقهاء: 168. (¬2) انظر: الذّخيرة في محاسن أهل الجزيرة: 3/ 96. (¬3) انظر: الذّخيرة في محاسن أهل الجزيرة: 3/ 96. (¬4) انظر: حسن المحاضرة: 1/ 314.

مؤلفاته

عبد الوهّاب والغزالي، وإجماعات ابن عبد البرّ، واتّفاقات ابن رشد، واحتمالات الباجي، واختلاف اللخمي" ثمّ فضل فقال: "وقال لي العلّامة أبو موسى ابن الإمام: قال لي جلال الدِّين القزويني: ما أحسن فقه قاضيكم لولا ما يحتج به من الحديث الضعيف، فقلت: شيخكم أكثر احتجاجًا به". ويعنيان: أبا محمَّد عبدالوهّاب، وأبا حامد الغزالي (¬1). مؤلفاته: خلّف القاضي كتبًا شاهدة على تمكّنه وبراعته (¬2)، أذكر أهمّها: 1 - "التّلقين". واسمه الكامل: "تلقين المبتدي وتذكرة المنتهي" (¬3). 2 - "المعين على كتاب التلقين". وهو شرح للتلقين، ولم يتمّه. 3 - "شرح المدوّنة". ولم يتمّه أيضًا. 4 - "الممهّد في شرح مختصرًا بي محمَّد ابن أبي زيد". وهو شرح لمختصر ابن أبي زيد القيرواني للمدونة، وقد صنع فيه نحو نصفه. 5 - "المعرفة في شرح الرسالة" شرح فيها رسالة ابن أبي زيد القيرواني، وقد قيل: بأنّه أول شارح لها، وسلك فيه مسلك الإسهاب والإطناب، في نحو ألف ورقة، حتّى بيعت أول نسخة منه بمائة مثقال ذهبًا (¬4). 6 - "النُّصرة لمذهب إمام دار الهجرة" في مائة جزء، وهو من أعظم ما ألّفه القاضي، وقع بخطه في يد بعض قضاة الشّافعيّة، فألقاه في النيل قبل أن ينتشر. ¬

_ (¬1) القواعد للمقري: 1/ 349 - 351. (¬2) انظر: مقدمة تحقيق كتاب "المعونة" للدكتور عبد الحق حميش (الجزائري): فقد أحصى جميع كتبه، وذكر بعض المعلومات حول أماكن تواجد المخطوطات الموجودة منها، (¬3) ذكر العنوان كاملًا ابن خير الإشبيلي في فهرسته: 211، وقد حقق الكتاب في رسالة علمية: محمّد ثالث سعيد الغاني. ثمّ طبع بدار الباز، ثمّ دار الفكر. (¬4) قام بتحقيق مقدمتها العقدية: أ. د. محمّد نور سيف. وطبعت بدار البحوث الإماراتية.

رحلته إلى مصر

7 - "المعونة على مذهب عالم المدينة". 8 - "عيون المسائل أو المجالس" أو"اختصار عيون الأدلة". وهو كتابنا هذا. 9 - "الإشراف على نكت مسائل الخلاف". وهو في فقه الخلاف العالي (¬1). 10 - "الأدلة في مسائل الخلاف". 11 - "أوائل الأدلة في مسائل الخلاف بين الأُمَّة". في الفقه المقارن. 12 - "الردّ على المزني". 13 - "الجوهرة في مذاهب العشرة". 14 - "الفروق في مسائل الفقه". 15 - "الإفادة". في أصول الفقه. 16 - "التلخيص في أصول الفقه"، أو"الملخّص". 17 - "المفاخر". في الأصول. 18 - "المقدّمات في أصول الفقه". 19 - "المروزي في الأصول". رحلته إلى مصر: * سببها: لقد عانى القاضي عبد الوهّاب خلال تواجده في بغداد، وبالرغم من تولّيه لخطط القضاء، قلّة ذات اليد، وحالة من الفقر والخصاصة، إلى حدّ أنّه لم يكن يجد في بعض الأحيان رغيفًا يأكله، ولعلّ الّذي أوصله إلى هذا الحال، انقطاعه التام إلى التدريس والتأليف وهموم القضاء، حيث لم يشركها بشيء من أعمال الدنيا، أضف إلى ذلك سخاءه ¬

_ (¬1) طبع الكتاب بدار ابن حزم: باعتناء الأستاذ الحبيب بن طاهر.

وعطاءه وعطفه على طلاّبه المقترين، وفي هذا يقول يوم توديعه لأهل بغداد، وقد أتوا لتشييعه مع كبرائها طوائف كثيرة: "والله يا أهل بغداد لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كلّ غداة وعشية، ما عدلت ببلدكم بلوغ أمنية، ولقد ترك أبي جملة دنانير ودارًا، أنفقتها كلّها على صعاليك ممّن كان ينهض بالطلب عندي" (¬1). هذا إِذًا السّبب الرئيس والدّافع القوي الجليّ؛ لخروج القاضي من بغداد، باحثًا عن حياة كريمة تعينه على دينه ودنياه، على أن بعض المؤرخين ذكروا أن سبب فراره من بغداد، كلامٌ قاله في الشّافعيّ، فطُلب فخاف على نفسه (¬2). وتضارب المؤرّخون في صحة الخبر، لكن الملفت للنظر أن الذين ساقوا القصّة، بعيدون كلّ البعد زمانًا ومكانًا عن أحداثها، بينما الذين أرّخوا لها من الشّافعية البغداديين، لم يذكروا القصّة إطلاقًا، بل ولم نر أثرًا للتحامل عليه بسببها. وبخروج القاضي عبد الوهّاب من بغداد، أفل نجم المالكية من مدينة السّلام. وأمّا عن وجهة الرحلة: فقد ذكر القاضي عياض أنّها كانت إلى المغرب أوّلًا، غير أنّه لما وصل إلى مصر، ووصفوا له أخبار المغرب زهد فيه، وخاطبه ابنا الشّيخ ابن أبي زيد، ووصلاه بمال بسبب شرحه لتآليف أبيهما فلم يرضه، واستدعياه للمجيء فاعتذر، كما خاطبه فقهاء أهل القيروان في الوصول إليهم، فرغّبه في ذلك أبو عمران، وكسره عنه أبو بكر ابن عبد الرّحمن، وناشده أيضًا مجاهد الموفق صاحب دانية في الوصول إلى الأندلس، ولكن الأجل وافاه قبل الرحيل (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الذّخيرة لابن بسام: 8/ 516، وترتيب المدارك: 4/ 961. (¬2) انظر: ترتيب المدارك: 4/ 692، تاريخ قضاة الأندلس: 41. (¬3) انظر: ترتيب المدارك: 4/ 695.

وفاته

* وأمّا عن تاريخها ومحطّاتها؛ فلم نجد ما يدلُّنا على اليوم الّذي ودّع فيه القاضي أهل بغداد، وتاريخ خروجه منها، وكل ما لدينا أن المحطّة الأولى الّتي قصدها ومكث بها هي دمشق، وفي طريقه إليها اجتاز معرّة النّعمان، فالتقى بالشاعر الشهير، أبي العلّاء أحمد بن عبد الله التنوخي المعري (449 هـ)، ليَخبِر شعر القاضي، ويعطيه وسام الشاعر، فيقول فيه (¬1): والمالكي ابن نصر زار في سفر ... بلادنا فحمدنا النأي والسفرا إذا تففه أحيا مالكًا جدلًا ... وينشر الملك الضّليل إنَّ شعرا وواصل طريقه إلى دمشق فدخلها في شوال من سنة 419 هـ، ودرّس بها وحدّث فيها ونفع خلقًا كثيرًا، وأنجب تلاميذ جددًا، تأثّروا به وساروا على نهجه. ثمّ خرج منها في جمادى الأولى من سنة 420 هـ، ليدخل مستقرّه الأخير، أرض الكنانة. وفاته: استقر المقام أخيرًا بالقاضي عبد الوهّاب بمصر، رغم مناشدات أهل المغرب له بالمجيء إليهم، ولكن كِبَر سنّ الشّيخ حال دون تحمّل وعثاء السَّفر، فآثر البقاء والاستقرار، وواصل مشواره العلّمي؛ تدريسًا وتأليفًا وقضاءً، ووجد ما كان يصبوا إليه. ويصف ابن بسّام محطّته الأخيرة فيقول: "واستقر الفقيه أبو محمَّد بمصر. فحمل لواءها، وملأ أرضها وسماءها، واستتبع سادتها وكبراءها، وتناهت إليه الغرائب، وانثالت في يديه الرغائب" (¬2). ويُذكر أن سبب موته أكلة اشتهاها، فلمّا أكلها وأحسّ بالموت قال: "لا إله إِلَّا الله، عندما عشنا متنا" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: وفيات الأعيان: 3/ 220. والملك الضليل هو امرؤ القيس. (¬2) انظر: الذّخيرة: 8/ 516. (¬3) انظر: الذّخيرة: 8/ 516، ترتيب المدارك: 4/ 695.

كانت وفاته في شهر شعبان من سنة 422 هـ بمصر، ودفن بالقرافة فيما بين قبّة الشّافعيّ وباب القرافة، وقبره قريب من قبر ابن القاسم وأشهب. فاللهم ارحمه رحمة واسعة، وأجزل مثوبته، واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وانفعنا بعلمه. آمين.

المبحث الثالث تعريف بكتابي "عيون الأدلة" و"عيون المسائل"

المبحث الثّالث تعريف بكتابي "عيون الأدلّة" و"عيون المسائل" 1 - كتاب "عيون الأدلة" لابن القصّار: * ذكرت في المبحث الأوّل إجماع المؤرِّخين على نسبة كتاب "عيون المسائل" إلى ابن القصّار، أمّا عنوانه فإنّ الّذي اخترته، هو ما ذهب إليه المحقّقون والأكثرون (¬1). * على أن بعضهم يسمّيه اختصارًا بـ (كتاب مسائل الخلاف)، أو (كتاب في مسائل الخلاف)، أو (كتاب عيون مسائل الخلاف)، أو لمحتواه بـ (كتاب في الحجة لمذهب مالك). * أمّا غرض الكتاب: فهو واضح من الكتاب نفسه، ومن مقدّمته إذ يقول: "سألتموني - أرشدكم الله - أن أجمع لكم ما وقع إليّ من الأدلة في مسائل الخلاف بين مالك بن أنس - رحمه الله -، وبين من خالفه من فقهاء الأمصار - رحمة الله عليهم -، وأن أبيّن ما علمته من الحجج في ذلك". فالكتاب في فقه الخلاف العالي. ¬

_ (¬1) انظر: مقدّمة تحقيق "عيون الأدلة": 1/ 35 - 57.

2 - كتاب "عيون المسائل" لعبد الوهاب

* أمّا الطريقة الّتي سار عليها: - فهي تقسيم أبواب الفقه إلى (الطّهارة، الصّلاة ...)، ثمّ ذِكرُ أهمّ المسائل المختلف فيها غير معنونة في الغالب، وإذا فرّع عليها فرعًا سمّاه (فصلًا). - وبما أن المؤلِّف مالكي المذهب منتصر له، كما بيّنه في ديباجة كتابه؛ إذ قال: "لتعلموا أن مالكًا - رحمه الله - كان موفّقًا في مذهبه ... "، لذا فإنّه يستهلّ المسألة على مذهب الإمام مالك، فإذا كان الخلاف داخل المذهب أشار إليه، وإذا كان في العبارات غموض وضّحه. - ثمّ يذكر أقوال مذهب أبي حنيفة والشّافعيّ المتّبعين في تلك البقاع. - ثمّ يذكر - حسبما أسعفه اطّلاعه - مذاهب الفقهاء الآخرين؛ كأحمد والثوري والليث والأوزاعي، وكذا آراء الصّحابة والتّابعين. - ثمّ يشرع في عرض أدلّة كلّ فريق، مع بيان وجه الاستدلال، وما يردّ عليه من مناقشات. - قد يذكر في بعض الأحيان رأيه واختياره في المسألة، ولو أداه ذلك إلى الخروج عن أقوال المذهب. * لقد وُفّق القاضي أبو الحسن - رحمه الله - إلى إخراج موسوعة في الخلاف العالي؛ حيث استفرغ جهده في البحث والتّنقيب عن آراء الصّحابة - رضي الله عنهم -، والحرص على التحري في النّقل عن المذاهب الأخرى، واستعراض أدئتهم بكلّ أمانة ودقّة، والتّفاني الشّديد في التوجيهَ والاستدلال، حتّى غدت هذه الموسوعة مَفخَرة للمالكية، ومقصدًا للعلّماء من شتى المذاهب، وقِبلة للطلًاب والمتفقّهين، وازدادت بذلك حسرتنا على فقدانه، وأسفنا على ضياعه. 2 - كتاب "عيون المسائل" لعبد الوهّاب: * ذكرنا في المبحث الثّاني أن ممّا نُسِب إلى القاضي عبد الوهّاب من تأليف، اختصاره لكتاب ابن القصّار.

* وقد وقع خلاف في تسمية هذا الكتاب، من ذلك: 1 - "عيون المسائل": وممّن ذكره بهذا الاسم: أ - القاضي عياض في "ترتيب المدارك": 14/ 691. ب - شمس الدِّين الذهبي في "تاريخ الإسلام": 29/ 85. ج - الصلاح الصّفدي في "الوافي بالوفيات": 21/ 2. د - ابن شاكر الكتبي في "فوات الوفيات": 2/ 419 - 420. هـ - ابن فرحون في "الديباج المذهب": 159 و- إسماعيل باشا البغدادي في "إيضاح المكنون":2/ 134، و"هدية العارفين": 1/ 637. ز - خير الدِّين زركلي في "الأعلام": 4/ 184. ح - عمر كحالة في "معجم المؤلِّفين": 6/ 227. ط - وورد بهذا الاسم في "مواهب الجليل": 6/ 414. 2 - "عيون المجالس": وقد ذكر هذا العنوان: أ - في آخر النسخة الأندلسية، حيث جاء فيها: "هذه آخر مسألة في كتاب عيون المجالس، وقد جردتها في هذا الجزء". ب - وفي "مواهب الجليل": 6/ 282. 3 - "مختصر عيون المجالس": وجاء ذكره بهذا العنوان: أ - في "الأعلام": 4/ 184. ب - وفي "مواهب الجليل": 633 و5/ 295. 4 - "رؤوس المسائل": وقد جاء ذكره على غلاف النسخة الأندلسية. * نقد وترجيح: - لقد واجهتني مشكلة في تحديد عنوان هذا الكتاب، وذلك أن

المؤلّف لم يصرح به في كتابه هذا، أو في كتبه الأخرى الّتي وصلتنا، غير أن الّذي أطبق عليه المؤرّخون هو تسميته بـ "عيون المسائل"، وهو ما تميل إليه النّفس. - أمّا تسميته بـ "عيون المجالس"، فلا دليل عليها غير المذكور آنفًا، ولا يغترّ بما جاء في الخاتمة؛ لأنّه لم يزد على قوله: "جرّدتها في هذا الجزء"، ولم يسمّه "عيون المجالس"، وإنّما كان يشير إلى آخر مسألة وردت في الأصل المختصر منه، الّذي كان يسمّيه به في مواطن أخرى منه، كما في قوله عند المسألة (1489): "وقد ذكرها في كتاب عيون المجالس، وذكرها هنا يطول". - وأمّا تسميته بـ "مختصر عيون المجالس"، فهو كما ذكرت من احتمال تسمية الأصل بـ"عيون المجالس". - وأمّا التّسمية الأخيرة فينبغي ألَّا يعوّل عليها؛ لأنَّها كُتبت بخط مغاير لخط المخطوط، ولعلّ هذا من تصرّفات المفهرسين. * هذا، وقد وجدت تسمية أخرى لكتابنا هذا، أوردها أبو عبد الله محمَّد بن عبد الملك المراكشي عند ترجمته للإمام أبي بكر محمَّد بن عبد الله بن الجد الفهري الإشبيلي (586 هـ) حيث قال: "وقال أبو الحسين ابن زرقون: ذكرت يومًا بمحضره مسألة من الفقه، فقال لي: أين رأيتها؟ فقلت: في كتاب عيون الأدلة لابن القصّار، تنقيح أبي محمَّد عبد الوهّاب، فقال: ما رأيته قط، سقه إلى حتّى أراه، فحملته إليه فمكث عنده ليلة أو ليلتين، ثمّ صرفه إليّ، وبقي عمره إذا أورد المسائل وذكر الأقوال ونسبها على عادته، يردّ رأسه إليّ متى حضرت، ويقول لي: وقال صاحب كتابك، هكذا في كلّ الأحيان، ما أُنسي شيئًا منه بعد" (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصحلة: 6/ 324.

والذي يجعلنا نعتقد أن الكتاب المُطالَع هو المختصر لا الأصل، مطالعته إياه في ليلة أو ليلتين، فكتاب الأصل ضخم جدًا يقع في 30 مجلّدة. * أمّا غرض الكتاب: فواضح من الكتاب نفسه، ومن خاتمته عند قوله: "وقد جردتها في هذا الجزء، ليقرب حفظها ويسهل طلبها لمن التمس مسألة منه بعينها، ولمن أراد حفظ المذهب فقط". فهو إِذَا كتاب في معرفة مسائل الخلاف، وأمّا الاستدلال فقد استأثر به الأصل، كما قال - رحمه الله -: "فإن طلب الحجة على المسألة، فليرجع إلى الأصل". * وأمّا الطريقة الّتي اختصر بها القاضي عبد الوهّاب الكتاب: فهي الأخذ بمطالع المسائل الّتي فرّع عليها ابن القصّار، مراعيًا معظم تنسيق أصل الكتاب، فقال مبيّنًا ذلك: "وقد نقلت لفظ القاضي - رحمه الله - حرفًا حرفًا، إِلَّا في بعض المسائل، اختصرت نقلها بعض الاختصار، وقدمت بعضًا وأخرت بعضًا، من غير إخلال بالمعنى وهو قليل، وقد تركت فصولًا لم نعدها مسائل، لدخولها في المسائل، وسميت فصولًا مسائل لوقوع الاختلاف فيها". - إِذًا، فمعظم ما في الكتاب من نقل أو اختيار أو فقه، فهو من كلام ابن القصّار، وخصوصًا ما كان صريحًا بقوله: "قال القاضي" أو"قال القاضي أبو الحسن" ولم يدخل القاضي عبد الوهّاب رأيه أو اختياره في الكتاب، بل حافظ على وحدة كلام شيخه، ولم يتجاوز تصرّفه اختصار العبارة أو ترتيبها أو جعل الفصول مسائل إِلَّا في القليل النادر، على حدّ قوله في الخاتمة. * وبهذا قد وُفّق القاضي عبد الوهّاب - رحمه الله -، إلى الحفاظ على أصل الكتاب، وذلك ظاهر من حسن اختصار، وققة تكرار، وسلامة عبارته، إِلَّا أنّه قد يؤخذ عليه قلّة التزامه بالطريقة الّتي اختطّها لكتابه، وأقصد هنا تجريد الكتاب من الدّليل، فسيجد القاري الكريم في نادر المسائل، كلّ

أنواع الاستدلال: كالقرآن، والسُّنَّة القولية، والسنّة الفعلية، والإجماع، والقياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وقول الصّحابي ... ، وقد كنّا نسعد ونحن نقف عليها، شاهدة على بعض ما اشتملت عليه تلك الموسوعة الضخمة الضّائعة.

النسخ المخطوطه لكتاب "عيون المسائل"

النسخ المخطوطهَ لكتاب "عيون المسائل" * لقد ظهر لي - والله أعلم - بعد الاطّلاع على فهارس المكتبات التّي توفّرت لديّ، أنّه لا يوجد لكتاب "عيون المسائل" للقاضي عبد الوهّاب سوى ثلاث نسخ، وهذه أوصافها: 1 - نسخة جامع القرويين (1) بفاس: أصلها بجامع القرويين بفاس (1166)، ووردت باسم: اختصار عيون الأدلة في الفقه. عدد الأوراق: 135 لوحة. المسطرة: 18. في حالة سيّئة. الخط: أندلسي جيد صحيح. الناسخ: لم يذكر اسم النّاسخ. تاريخ النسخة: شعبان سنة 612 هـ. وتبدأ بكتاب الطّهارة: مسألة غسل اليدين قبل الطّهارة ... ولم أتمكّن من الحصول عليها. 2 - النسخة الأندلسية: وهي النّسخة الخطية الوحيدة الّتي أمكنني الحصولط عليها، والاعتماد عليها لإخراج هذا الكتاب، وأشير إليها بـ"الأصل". وأصلها في مكتبة دير الأسكوريال العامة في مدريد بإسبانيا تحت رقم (1079). عدد الأوراق: 95 لوحة دون صفحة الغلاف، وقد بلغ مجموع

صفحات الكتاب كله: 189 صفحة. وحالته جيّدة وكاملة. المسطرة: 33 من الحجم الكبير، وتضم حوالي 12 إلى 13 كلمة في السَّطر. الخط: نسخ واضح. الناسخ: أحمد المؤذن. تاريخ النسخة: جاء في نهاية المخطوط: كان الفراغ من كتابته، يوم الأربعاء ثالث عشر رمضان المبارك، سنة (959 هـ). وقد امتازت هذه النّسخة بميزتين: 1 - كونها نسخة مقابلة عن نسخة أخرى، جاء في هامش صفحاتها (بلغ)، وفي آخر الكتاب (بلغ مقابله ولله الحمد على ذلك)، وقد تمّ فيها إصلاح بعض الأخطاء، وإدراج بعض العبارات الّتي سقطت من الأصل في هامش الصفحة (¬1). 2 - جاء في آخرها خاتمة الكتاب، وفيها ذكر نسبة الكتاب، وسبب اختصاره، وطريقة الاختصار، هاحصاء المسائل، وتاريخ النسخ، واسم الناسخ. 3 - نسخة جامع القرويين (2): - أصلها من جامع القرويين بفاس تحت رقم (1143). بنفس حجم النسخة الأندلسية، وهي عارية عن المقدِّمة والخاتمة وتاريخ النسخ واسم الناسخ، وبها طمس كثير جدًا، وخطها: مغربي عتيق. وتبدأ بكتاب الطّهارة: مسألة غسل اليدين قبل الطّهارة ... 4 - النسخة المطبوعة: طبع هذا الكتاب تحت عنوان "عيون المجالس"، بمكتبة الرّشد - ¬

_ (¬1) ويدلُّنا هذا على احتمال وجود نسخة أخرى: قوبلت عليها نسختنا الأندلسية. والله أعلم بمكانها.

الرياض - سنة:2000، وأصله رسالة علمية تقدّم بها الطالب: امباي بن كيبا كاه، إلى الجامعة الإِسلامية بالمدينة المنوّرة، لنيل شهادة الماجستير. وقد اعتمد لإخراج الكتاب على نسختين خطيّتين: أولاهما: النسخة الأندلسية السابق ذكرها، والأخرى: نسخة خزانة القرويين (1). - وقد رمزت إليها بحرف "ط". * الأسباب الدّاعية إلى إعادة خدمة الكتاب من جديد: * قد دعاني إلى إعادة خدمة الكتاب - على الرّغم من دراسته علميًا من قبل في أطروحة ماجستير - الأمور التالية: 1 - المنهج الّذي اتّبعه المحقّق في تصحيح نصّ المؤلِّف، وهو: دمج عبارات النسختين، وإثبات ما ظهر له أنّه الصحيح في المتن، مع الإشارة في الهامش إلى العبارة الأخرى (¬1). * وهذا المنهج الّذي ارتضاه هو المعروف بطريقة "النص المنتقى"، وإن كان محلّ خلاف وجدل بين أصحاب هذا الفن، إِلَّا أن أكثرهم على جوازه، مع مراعاة بعض الضوابط: كعدم القدرة على تقديم إحدى النسخ على الأخرى، ومحاولة الالتزام بإحدى النسخ ما أمكن، وأن لا تدمج كلّ النسخ دفعة واحدة، وهذا ما لم يلتزم به المحقّق، ولم ينتبه لميزات النّسخة الأندلسية، وافترض أن النّسخة المغربية قديمة وعتيقة، وموافقة للأصل (عيون الأدلة) في ترتيب الكتاب، فجعل ذلك تكافؤًا في قيمة كلّ نسخة، وكان الأجدر به أن يعتمد النّسخة الأندلسية، لتوفر معلومات النّسخ، والخاتمة الّتي فيها ذكر خطبة المؤلِّف. - كما أنّه قام بدمج النّسختين معًا دفعة واحدة، معتمدًا قبول كلّ الزيادات، ولو كانت تكرارًا أو إطنابًا، وترك بعض الزيادات الغامضة بالنسبة له، وهذا الّذي عقّد النصّ، وفوّت عليه الكثير من الإضافات المفيدة. ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة تحقيق "عيون المجالس": 1/ 85.

- عدم تمييزه بين الفروق المهمّة الّتي تغير المعنى أو تضيف حكمًا جديدًا، والفروق الّتي لا تنبني عليها فائدة، والتي تشمل عادة: حروف العطف والجر وغيرها، وكذا الأخطاء البيّنه الّتي قام بها النّسّاخ؛ من نسيان آخر حرف من الكلمة أو نسيان نقطة أو ألف مدّ، وكذا رسم الكلمة المختلف فيه، بالإضافة إلى نوع آخر لا بدَّ من التنبيه عليه، وهو إختلاف النسختين في أسلوب التعبير، فقد يجيء في النسخة الأولى التعبير بالجملة الاسمية، وفي الأخرى بالجملة الفعلية، فكان الأجدر به أن يختار إحداهما حسب ما يقتضيه السياق، ولكن المحقّق عمد إلى الجمع بينهما ممّا أطال الجمل القصيرة بلا قيد ولا فائدة، أو أوقعه في أخطاء فادحة (¬1)، كما أنّه من المعلوم أن مراد المؤلِّف هو اختصار الكتاب الأصل، وكلّ تطويل في النّص بلا فائدة مناقض لمراده. - وقد ترتّب على إخلال المحقّق بهذه الضوابط، نَسْخُه للمخطوطتين معًا في كتابه، أولاهما ملفّقة ومدمجة في المتن، والأخرى مبعثرة في الهامش، ومشتّتة لذهن القاريء، وهذا وإن كان ضروريًّا في العمل الأكاديمي، إِلَّا أنّه لا بدَّ من تنقيحه ومراجعته، عند إرادة طبعه. 2 - طول الهوامش الّتي استغرقت حوالي 70 % من الكتاب، ما بين إثبات لفروق النسخ، وتعليقات علمية - سيأتي الكلام عليها فيما بعد -، وبهذا بلغ معدّل الهوامش: خمسة عشر تعليقًا في الصفحة الواحدة، ممّا جعل الكتاب في خمسة مجلّدات و 2382 صفحة. 3 - لقد قام الأخ المحقّق بجهد مشكور فيما يخصّ التعليقات العلمية، ولكن الّذي يؤخذ عليه، ما يلي: 1 - عدم توحيد منهج لتوثيق الأقوال: فقد دمج بين المصادر القديمة والحديثة، فحيثما وجد القول عزاه، كما أنّه لم يكن دقيقًا عند العزو ¬

_ (¬1) قارن على سبيل المثال الأخطاء الّتي وقع فيها: 1/ 461، 4/ 1543. 1555، 1857، 1963، 1955، 5/ 2008، 2076، 2079، 2131.

والإحالة، فكثيرًا ما كان يحيل إلى أصل المسألة أو القول، بصرف النّظر عن وجود اسم القائل ونسبته إليه أو لا. وكان الأجدر به أن يفرّق بين المصادر الّتي يُوثّق منها الأقوال، ويحصرها في المصادر المتاحة لابن القصّار في عصره؛ ليسجل الملاحظة عند وجود النّقل أو عدمه، وبين المصادر المتأخرة الّتي استقرت عليها الفتوى عند المذاهب؛ لملاحظة بقاء الخلاف أو تغيّره. ب - كما وقفت على بعض الأوهام الّتي وقع فيها عند تخريج الأحاديث والآثار (¬1)، وترجمة بعض الأعلام (¬2)، لم أشر إليها في مواطنها من هذه الطبعة. 4 - تصرّفه في ترتيب الأبواب والمسائل: ومن نتائج منهج الدّمج الّذي اعتمده المحقق، تغييرُه لأماكن الأبواب والمسائل، كيفما يراه لائقًا أو مناسبًا، بل وصل به الأمر أحيانًا إلى دمج المسائل مع بعضها (¬3)، ولم يتفطّن إلى غرض المؤلّف وفائدة التّفريق. 5 - وجود بعض الأخطاء المطبعية، الّتي لا يسلم منها أيّ عمل بشري، من مثل: (منقّبة) عوض "مقنّعة"، و (أمانة) عوض "إماتة"، و (وضعتها) عوض "وضيعتها" ... وغيرها، وسقوط بعض الكلمات الّتي استدركنا منها ما استطعنا في هذه الطبعة. ¬

_ (¬1) من أوهامه في التخريج: 3/ 1179، 5/ 2054. (¬2) من أوهامه في تراجم الأعلام: أبو يوسف (102)، أبو بكر الأصم (169)، عبد العزيز بن أبي سلمة (219)، المروزي (246)، أحمد بن القطّان (1824)، محمَّد الباقر (1901): عبد الرّحمن بن أبي الغمر (1961)، أبو بكر الصالحين (2060)، القزويني (2060). ومن أوهامه في شرح المصطلحات الغريبة: الوازنة (535): الموميا (549): العذق (1450) .. (¬3) انظر مثلًا: 1/ 223: حيث جمع بين المسألتين: مخالفا للنسختين معًا: ومطبوعة "عيون الأدلة": 1169 و 1219.

منهج العمل

منهج العمل 1 - اعتمدت في إخراج هذا الكتاب المخطوطة الأندلسية ابتداءً، وجعلتها النسخة الأصل، وقمت بنسخها، ونظمت مادتها بما يفيد فهم النص فهمًا جيدًا، ووضعت بداية للفقرات، وراعيت علامات الترقيم اللازمة المؤدية إلى إظهار المعاني، ووضعت أرقامًا بين العلّامة [/] في النص دالة على نهاية الصفحات من المخطوط، ورقّمت المسائل والفصول في أوّلها. 2 - قابلت هذه النّسخة بالنسخة المطبوعة، ثمّ بمطبوعة الأصل (عيون الأدلة) ورمزت إليها بـ (ص)، واستخرجت الفروق الّتي وردت فيهما، وهي نوعان: أ - فروق لا فائدة منها؛ إمّا لظهور خطئها، أو لانعدام الفائدةُ منها، وقد أضربت عن التنبيه عليها. ب - فروق تحوي بعض الفوائد؛ إمّا بإضافة اسم لأحد الأعلام، أو بزيادة حكم فقهي، أو بتوضيح مشتبه، أو ببيان مجمل، فهذه بعد مراجعتها، قد أضيفها إلى المتن بين [...]، أو أرجّحها على الأصل، أو أبيّن خطأها في الهامش. 3 - عزوت الآيات القرانية إلى سورها، وبيّنت أرقامها منها. 4 - خرّجت الأحاديث النبوية؛ فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما، اكتفيت بتخريجه منهما، وإن كان في غيرهما، خرّجته من مظانه في السّنن وغيرها ما أمكنني ذلك، مع ذكر خلاصة أحكام النّقّاد فيها.

5 - عرّفت بالأعلام غير المشهورين - وأقصد بذلك: ما عدا الصّحابة -رضي الله عنهم- والأئمة الأربعة لشهرتهم - الوارد ذكرهم في النص تعريفًا موجزًا. 6 - شرحت المفردات الغريبة، والمصطلحات العلمية الدّقيقة، شرحًا موجزًا يوضح المعنى، كما عرًفت ببعض الكتب غير المشهورة، تعميمًا للفائدة. 7 - تلافيت النقص والأخطاء الواردة في المخطوط باعتماد الفروق الّتي ذكرتها سالفًا، أو عن طريق المصادر الّتي رجع إليها المؤلِّف، أو استئناسًا بنقول المتأخرين. وما قوّمته من العبارات، أو أضفته لاقتضاء السياق له، جعلته بين [...] كذلك، وأشرف إليه في الهامش. 8 - أمّا فيما يخص التعليقات العلمية، فقد سبق الحديث عن الطّريقة الأمثل لتوثيق النّقول ومناقشتها، ولمشقّة هذه المهمّة وعنائها، وقلّة البضاعة وفقرها، أحجمت عن توثيق كلّ الأقوال، واكتفيت بما كان فيها من تضارب أو تناقض في النسخة المخطوطة، أو فيما بينها وبين المطبوعة، أو فيما بينها وبين مطبوعة الأصل، أو في حالات نادرة استوقفني البحث عندها. 9 - وضعت فهارس تفصيلية على النحو التالي: أ - فهرس الآيات القرانية. ب - فهرس الأحاديث والآثار. ج - فهرس الأعلام. د - فهرس المصطلحات. هـ - فهرس الفوائد. و- فهرس المراجع.

ز - فهرس محتويات الكتاب: وقد عنونت المسائل والفصول الواردة في الكتاب، واخترت ألَّا أقحمها في النص، وأن أثبتها في فهرس الموضوعات.

صور المخطوطات

صور المخطوطات

صفحة العنوان من مخطوط "عيون المسائل" - النسخة الأندلسية - ومكتوب عليها "رؤوس لابن القصّار"

الصفحة الأولى من مخطوط "عيون المسائل" - النسخة الأندلسية -

الصفحة الأخيرة من مخطوط "عيون المسائل" - النسخة الأندلسية -

[مقدمة ابن القصار لكتاب عيون الأدلة]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصل الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم [مُقَدِّمَةُ ابن القصّار لكتاب عيون الأدلّة] (¬1) قال القاضي الجليل أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد المالكي البغدادي - رحمه الله -: سألتموني - أرشدكم الله أن أجمع لكم ما وقع إليّ من الأدلة في مسائل الخلاف بين مالك بن أنس - رحمه الله -، وبين من خالفه من فقهاء الأمصار - رحمة الله عليهم - وأن أبيّن ما علمته من الحجج في ذلك. وأنا أذكر لكم جمل من ذلك بمشيئة الله وعونه، لتعلموا أن مالكًا - رحمه الله - كان موفّقًا في مذهبه، متّبعًا لكتاب الله وسنّة نبيّه - صلّى الله عليه وسلم -، وإجماع الأمّة والنّظر الصّحيح، وأنّ الله خصّه بحسن الاختيار، ولطيف الحكمة، وجودة الاعتبار، والله تعالى يوفّقني وإياكم لما يقرّب إليه، ويزلف لديه. وقد رأيت أن أقدّم لكم بين يدي المسائل جملة من الأصول الّتي وقفت عليها من مذهبه، وما يليق به مذهبه، وأن أذكر لكلّ أصل نكتة ليجتمع لكم الأمران جميعًا، أعني: علم أصوله ومسائل الخلاف من فروعه، إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) "المقدِّمة في أصول الفقه": 3 - 4.

القسم الثّاني النّص المحقّق

مسائل الطهارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وسلّم مسائل الطّهارة 1 - مسألة: غسل اليدين قبل الطّهارة مندوب إليه عند مالك وأبي حنيفة والشّافعيّ والأوزاعي (¬1)، سواء كان حدثه من نوم ليل أو نهار أو أي حدث كان. وحكي عن أحمد بن حنبل أنّه كان [يقول: إن كان] من [نوم] ليل وجب. وذهب قوم من أهل الظّاهر إلى وجوبه من أي نوم كان، تعبدًا لا لنجاسة، فإن أدخل يده في الإناء قبل غسلهما لم يفسد الماء. وقال الحسن البصري (¬2): يفسد [الماء]؛ كانت على يديه نجاسة أم لا. ¬

_ (¬1) هو: أبو عمرو عبد الرّحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي الدمشقي: الإمام المجتهد عالم أهل الشّام، ومن فقهاء المحدثين، روى عن الزّهريُّ وابن سيرين ونافع، من مؤلفاته: كتاب السنن في الفقه، والمسائل في الفقه، أخرج له الستة. توفي: 157 هـ. انظر: سير أعلام النُّبَلاء: 7/ 107، تهذيب التهذيب: 6/ 216. (¬2) هو: أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري مولى زيد بن ثابت رضي الله عنه: التابعي الجليل، كان إمام البصرة، وسيد أهل زمانه علمًا وعملًا، رأى عثمان وطلحة وكبار الصّحابة رضي الله عنهم أخرج له الستة. توفي: 110هـ. انظر: السير: 4/ 563، التهذيب: 2/ 231.

2 - مسألة

2 - مسألة: عند مالك - رحمه الله - وكافة الفقهاء أن التّسمية عند الوضوء غير واجبة. وقال داود (¬1) وأهل الظّاهر: إنها واجبة ولا يجزئ الوضوء بدونها؛ سواء تعمّد تركها أو نسيها. وقال إسحاق (¬2): إنَّ نسيها أجزأته طهارته. 3 - مسألة: لا تجزئ طهارة [من] وضوء ولا غسل ولا تيمم إِلَّا بنية، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور (¬3). وقال الأوزاعي: لا يفتقر شيء من ذلك إلى نيّة. وقال الثّوريّ (¬4) وأبو حنيفة: طهارة الماء لا تفتقر إلى نيّة، والتيمُّم لا بدَّ فيه من النية، و [يقولان]: لو قصد [المحدث] التبرد بالماء والتنظيف أو الاستباحة؛ فأصاب الماء أعضاء الطّهارة أجزأه لفرضه. ¬

_ (¬1) هو: أبو سليمان داود بن علي بن خلف البغدادي الأصبهاني: فقيه مجتهد حافظ؛ رئيس أهل الظّاهر، من مؤلفاته: كتاب الإيضاح، كتاب الإفصاح، وكتاب كبير في الفقه. توفي: 270 هـ. انظر: طبقات الفقهاء: 92، السير: 13/ 97. (¬2) هو: أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، المعروف. بابن راهويه: الإمام الكبير شيخ المشرق سيد الحفاظ، من مؤلفاته: المسند، والتفسير. توفي: 237 ص. انظر: السير: 11/ 358، التهذيب: 1/ 190. (¬3) هو: أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي: الإمام الحافظ المجتهد، له مصنفات كثيرة منها: كتاب ذكر فيه اختلاف مالك والشّافعيّ وذكر مذهبه في ذلك. توفي: 240 هـ. انظر: السير: 12/ 72، التهذيب: 1/ 102. (¬4) هو: أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثّوريّ الكوفي: شيخ الإسلام، إمام الحفاظ سيد العلماء، من مؤلفاته: الجامع الكبير، الجامع الصغير، أخرج حديثه الستة. توفي: 161 هـ. انظر: السير: 7/ 229، التهذيب: 4/ 111.

4 - مسألة

4 - مسألة: [عند مالك] المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء والغسل، وهو قول الحسن والزهري (¬1) وربيعة (¬2) والأوزاعي والليث (¬3) والشّافعيّ. وذهب إسحاق وابن أبي ليلى (¬4) إلى وجوبهما في الطهارتين جميعًا. وذهب أحمد وأبو ثور إلى وجوب الاستنشاق دون المضمضة. وذهب سفيان الثّوريّ وأبو حنيفة وأصحابه إلى وجوبهما في الغسل دون الوضوء. فهي أربعة مذاهب. 5 - مسألة: مسح جميع الرّأس [في الوضوء] واجب عند مالك. وقال محمَّد بن مسلمة (¬5): إن اقتصر على ثلثيه أجزأه. ¬

_ (¬1) هو: أبو بكر محمَّد بن مسلم بن شهاب الزّهريُّ القرشي المدني: التابعي الكبير، الفقيه الحافظ، أحد الأئمة الأعلام بالحجاز والشام، من شيوخ مالك، أخرج له الستة. توفي: 124 هـ. انظر: السير: 5/ 326، التهذيب: 9/ 395. (¬2) هو: أبو عثمان ربيعة بن عبد الرّحمن فروخ مولى المنكدر المدني: المعروف بربيعة الرأي، مفتي المدينة الإمام الجليل الثقة، أدرك جماعة من الصّحابة وأخذ عنهم، وهو أوّل شيخ أخذ عنه مالك. توفي: 136 هـ. انظر: السير: 6/ 89، شجرة النور الزكية: 1/ 70. (¬3) هو: أبو الحارث اللَّيث بن سعد بن عبد الرّحمن الفهمي مولاهم المصري: إمام أهل مصر في عصره فقهًاوحديثًا وزعيمها، له مراسلات مع مالك، منها: عمل أهل المدينة، أخرج له الستة. توفي: 175 هـ. انظر: السير: 21/ 20، التهذيب: 8/ 412. (¬4) هو: القاضي أبو عبد الرّحمن محمَّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي: قاض فقيه مجتهد من أصحاب الرأي، من مؤلفاته: الفرائض، أخرج له الأربعة. توفي: 148 هـ. انظر: طبقات الفقهاء: 84، السير: 6/ 310. (¬5) هو: أبو عبد الله محمَّد بن مسلمة بن هشام المدني: الثقة الجامع بين العلم والعمل، أحد أشهر تلاميذ مالك، وأفقه فقهاء المدينة بعده، له كتب فقه أخذت عنه. توفي: 206 هـ. انظر: الديباج المذهب: 227، شجرة النور: 1/ 85.

ووجدت لأشهب (¬1) أنّه إنَّ اقتصر على الثلث أجزأه، وذلك من مُقَدَّمِه. [والصّحيح: قول مالك]. وقال أبو حنيفة في أحد قوليه: إن مسح ناصيته أجزأه، و [هي] ما بين النزعتين وهو أقل من الربع. والرواية الأخرى: وهي المشهورة أنّه لا بدَّ من مسح ربع الرّأس، وبه قال أبو يوسف (¬2) بثلاثة أصابع، فإن مسح بثلاثة أصابع دون الربع لم يجزه، وإن مسح بأصبعين ربعه أو الرّأس كله لم يجزه، فقدّر أبو يوسف الممسوح والممسوح به. وقال زفر (¬3): الفرض منه الربع، سواء مسح بثلاثة أصابع أو بدونها، فقدّر الممسوح دون ما يمسح به. وقال الشّافعيّ: يجزئه ما يقع عليه اسم المسح، سواء مسح بيده أو بخشبة أو وقف تحت ميزاب فقطر عليه الماء، وبه قال الأوزاعي والنخعي (¬4) وسفيان. ¬

_ (¬1) هو: أبو عمر أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري المصري: الشّيخ الفقيه الثبت العالم، أحد أشهر تلاميذ مالك، إليه انتهت رئاسة المذهب في مصر، جمعت آراءه وفتاواه في المدوّنة وغيرها؛ كالعتبية والموّازية. توفي: 204 هـ. انظر: الدبباج: 98، شجرة النور: 1/ 89. (¬2) هو: القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي: صاحب أبي حنيفة وتلميذه، كان فقيهًا محدثًا، وأوّل من خوطب بقاضي القضاة، من مؤلفاته: كتاب الخراج، الرَّدِّ على سيرة الأوزاعي. توفي: 182 هـ. انظر: الجواهر المضية: 3/ 611، تاج التراجم (81). (¬3) هو: القاضي أبو الهذيل زفر بن الهذيل بن قيس العنبري الأصبهاني البصري: محدث فقيه قاض، أحد أشهر أصحاب أبي حنيفة، جمع آراءه محمَّد بن الحسن في كتبه الّتي تسمى "كتب ظاهر الرِّواية". توفي: 158 هـ. انظر: الجواهر المضية: 2/ 207، تاج التراجم (28). (¬4) هو: أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي: الإمام الحافظ، التابعي الفقيه أخذ عن مسروق والأسود وعلقمة، ورأى عائشة رضي الله عنها وهو صغير، أخرج حديثه الستة. توفي: 92 هـ. انظر: السير: 4/ 520، التهذيب: 1/ 155.

6 - مسألة

6 - مسألة: مباشرة الرّأس بالمسح عند مالك واجب [في الطّهارة]، فإن مسح على حائل من عمامة أو خمار من غير عذر لم يجزه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال الثّوريّ وأحمد وغيرهما: يجوز المسح على العمامة وغيرها، لعذر وغير عذر. 7 - مسألة: المسنون عند مالك في الرّأس مسحه واحدة. وهو عندي: أن يردّ يديه من مؤخر الرّأس إلى مقدّمه؛ لأنّ مسح جميع الرّأس واجب، [وهو: أن] يبدأ من مقدّمه إلى مؤخره، فردّهما بعد ذلك إلى مقدّمه مسنون، ولو بدأ من مؤخّره إلى مقدّمه لكان ردّهما إلى مؤخّره مسنونًا، وهذا مذهب عمر وابن عمر -رضي الله عنهما-، والحسن وأحمد وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة: المسنون مرّة واحدة - على الصِّفَة الّتي ذكرناها من مذهبنا -، لكن الفرض عنده بعض (¬1) الرّأس، وتمامه وردّ اليدين إلى مقدّمه مسنون. وقال بعض [2/ أ] أصحابه: ثلاث مسحات بماء واحد. وقال الشّافعيّ: المسنون ثلاث مسحات يبدأ بمقدم رأسه إلى قفاه، ثمّ يردّ يديه إلى حيث بدأ، في كلّ مرّة كذلك. 8 - مسألة: الأذنان من الرّأس عند مالك [في الطّهارة يمسحان معه]. ويستحب تجديد الماء لهما، وهو مذهب ابن عبّاس وأبي موسى ¬

_ (¬1) في الأصل: "بعد". وهو تحريف: والمثبت من (ط) و (ص).

9 - مسألة

الأشعري -رضي الله عنهم-، وعطاء (¬1) والحسن والأوزاعي وأبي حنيفة وأحمد. وقال الزّهريُّ: هما من الوجه يغسل ظاهرهما وباطنهما مع الوجه. وقال الشّعبيّ (¬2) والحسن بن صالح (¬3) وإسحاق: ما أقبل منهما فمن الوجه يغسل معه، وما أدبر فمن الرّأس يمسح معه. ولا خلاف بين الأُمَّة أن الاقتصار على مسحهما في الغسل لا يجزئ. وقال الشّافعيّ: هما سنة على حيالهما، فيمسحان بماء جديد دون الرّأس. 9 - مسألة: التّرتيب في الطّهارة ليس بواجب عند مالك وأبي حنيفة، وبه قال علي وابن مسعود -رضي الله عنهما-، والزهري والأوزاعي وسفيان. وقال الشّافعيّ: هو واجب وإن نكّس لم يعتد به. وبه قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم (¬4) وأحمد وإسحاق وأبو ثور، ¬

_ (¬1) هو: أبو محمَّد عطاء بن أبي رباح أسلم المكي، مولى بني فهو: الإمام، من أجل فقهاء التابعين، لقي جمعا من الصّحابة، وأخذ عنهم العلم، وانتهت إليه الفتوى بمكة، أخرج حديثه الستة. توفي: 114 هـ. انظر: السير: 5/ 78، التهذيب: 7/ 179. (¬2) هو: أبو عمرو عامر بن شراحيل الشّعبيّ الكوفي: تابعي جليل، رأى عليًا رضي الله عنه وصلَّى خلفه، وسمع من عدة كبراء الصّحابة رضي الله عنهم استقضاه عمر بن عبد العزيز، أخرج له الستة. توفي فجأة بالكوفة: 104 هـ. انظر: طبقات الفقهاء: 81، السير: 4/ 294. (¬3) هو: أبو عبد الله الحسن بن صالح بن حي الهمذاني الثّوريّ الكوفي: الإمام الكبير أحد الأعلام، كان فقيهًا مجتهدًا، قال عنه أحمد: صحيح الرِّواية متفقه صائن لنفسه في الحديث والورع. توفي: 169 هـ. انظر: طبقات الفقهاء: 86، السير: 7/ 361. (¬4) هو: أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي: أحد أئمة الإسلام فقهًا ولغة وأدبًا، أخذ العلم عن الشّافعيّ، وولي قضاء طرسوس، من مؤلفاته: كتاب الأموال، غريب الحديث. توفي بمكة: 224 هـ. انظر: طبقات الفقهاء: 102، طبقات الشّافعيّة الكبرى: 2/ 153.

10 - مسألة

و [حكي] مثله عن قتادة (¬1) 10 - مسألة: تخليل اللحية في الوضوء والغسل غير واجب. وروى ابن وهب (¬2) عن مالك وجوبه في الغسل، غير أن إيصال الماء إلى البشرة الّتي تحت الشعر غير واجب. وقال الشّافعيّ: هو سنة، وإيصال الماء إلى البشرة فرض في الجنابة، مثل: أن يقلقل الماء في شعره أو يبلّه، حتّى يعلم أنّه وصل إلى البشرة. 11 - مسألة: عند مالك وأبي حنيفة والشّافعيّ وجميع الفقهاء: أن المرفقين يدخلان في غسل [اليدين مع] الذراعين في الوضوء. وقال زفر بن الهذيل: إنَّ دخولهما غير واجب. 12 - مسألة: [عند مالك (¬3): أن] البياض الّذي بين شعر اللحية والأذن، [ليس من الوجه، و] لا يجب غسله في الوضوء. ¬

_ (¬1) هو: أبو الخطّاب قتادة بن دعامة السدوسي البصري: من حفاظ أهل زمانه وعلمائهم بالقرآن والفقه، روى عن أنس وأبي سعيد وأبي الطفيل رضي الله عنهم وغيرهم، وروى عنه كبار المحدثين كشعبة وحماد وأيوب وغيرهم، توفي بواسط: 117 هـ. انظر: طبقات الفقهاء: 94، السير: 5/ 269. (¬2) هو: أبو محمَّد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي المصري: الإمام الجامع بين الفقه والحديث، أحد أشهر تلاميذ مالك وأثبتهم فيه، من مؤلفاته: الموطَّأ الكبير والجامع الكبير، وله سماعه من مالك، أخرج له الستة. توفي: 214هـ. انظر: الديباج: 132، شجرة النور: 1/ 89. (¬3) في (ط) بزيادة: "وأبي حنيفة": ولم تثبت في (ص)، وهي غير صحيحة؛ لأنّ ما نقله المؤلِّف عن علماء الحنفية، هو قول أبي حنيفة ومحمد، انظر: المبسوط: 1/ 6، الإشراف: 1/ 118.

13 - مسألة

وذكر الطحاوي (¬1) أنّه من الوجه. وقال الرازي (¬2) في شرحه: إنّه من الوجه، وإنه لمّا وجب غسله قبل نبات الشعر، لم يسقط حكمه بنباته في غير محلّه. وقال الكرخي (¬3) - حكايه عن البردعي (¬4) -: إنَّ حد الوجه من قصاص الشعر إلى أصل الذَّقَن، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن، وكذلك قول الشّافعيّ. وما ذكر من أنّه كان يجب غسله قبل نبات الشعر ليس الأمر كذلك، إنّما كان يجب غسل الموضع الّذي نبت عليه الشعر، وما وراء ذلك لم يجب غسله مع الوجه. 13 - مسألة: غسل القدمين في الوضوء مع القدرة عليه فرض عند مالك وأبي حنيفة والشّافعيّ وجميع الفقهاء، وأنس بن مالك -رضي الله عنه -، وربيعة ¬

_ (¬1) هو: أبو جعفر أحمد بن محمَّد بن سلامة الأزدي الطحاوي - ابن أخت المزني -: الإمام العلّامة، محدث الديار المصرية، وإليه انتهت رياسة المذهب، من مؤلفاته: شرح معاني الآثار، و (المختصر) في الفقه. توفي: 321 هـ. انظر: الجواهر المضية: 1/ 271، تاج التراجم (321). (¬2) هو: أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي، المعروف بالجصّاص: الإمام الكبير الشأن، سكن بغداد وعنه أخذ فقهاؤها، وإليه انتهت رياسة المذهب، من مؤلفاته: أحكام القرآن، شرح مختصر الطحاوي. توفي: 370 هـ. انظر: الجواهر المضية: 1/ 220، الطبقات السنية (267). (¬3) هو: أبو الحسن عبيد الله بن الحسين الكرخي الحنفي: الإمام العلّامة الفقيه، سكن بغداد ودرّس بها فقه أبي حنيفة، حتّى انتهت إليه رئاسة المذهب في زمنه، من مؤلفاته: (مختصر) في فروع الفقه الحنفي. توفي: 340 هـ. انظر: الجواهر المضية: 2/ 493، الطبقات السنية (1365). (¬4) هو: أبو سعيد أحمد بن الحسين البردعي: أحد الفقهاء الكبار، والمتقدمين من مشايخ الحنفية ببغداد، من مؤلفاته: مسائل الخلاف، خرج إلى الحجِّ فقتل في وقعة القرامطة مع الحجيج سنة: 317 هـ. انظر: الجواهر المضية: 1/ 163، الطبقات السنية (185).

14 - مسألة

والأوزاعي وأهل الشّام وعبيد الله بن الحسن البصري (¬1) وأهل البصرة وسفيان وأحمد وأبي ثور. وذهب ابن جرير الطّبريّ (¬2) إلى أن الغسل والمسح جائزان، والمكلّف مخيّر فيهما، بشرط أن يعم جميع القدمين بالمشي. وذهبت الشيعة إلى أن الفرض هو المسح دون الغسل وإن مسح البعض أجزأه. 14 - مسألة: لا يجوز تفرقة الوضوء والغسل إِلَّا الشيء الخفيف، وإن طال بقدر جفاف الماء عن العضو في هواء معتدل لم يجزه، وبه قال الشّافعيّ في القديم. وقال أبو حنيفة: يجوز، وهو الجديد للشافعي، ونحن نوافقهم إذا كان ناسيًا. ومن أصحاب مالك من قال: الموالاة مستحبة. والظاهر من قول مالك وجوبها على ما بيّناه، وبقولنا قال اللَّيث والأوزاعي وربيعة وأحمد، وكذلك روي عن عمر -رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) في الأصل: "عبد الله بن الحسين"، والمثبت من (ط) و (ص). وانظر: الأوسط: 1/ 413. وهو: القاضي عبيد الله بن الحسن بن حصين بن أبي الحر مالك العنبري البصري: قاضي البصرة، ومن سادات أهلها علمًا وفقهًا، ذو قدر وشرف، وله فقه كبير مأثور، ثقة محمود، أخرج له مسلم. توفي: 168 هـ. انظر: السير: 5/ 6، التهذيب: 7/ 7. (¬2) هو: أبو جعفر محمَّد بن جرير الطّبريّ، من أهل طبرستان: الإمام المجتهد العلّامة، كان شافعي المذهب عشر سنين، فلما اتسع أداه اجتهاده إلى ما اختاره في كتبه، من مؤلفاته: جامع البيان في التفسير، اختلاف العلماء. توفي: 310 هـ. انظر: تاريخ بغداد: 2/ 162، السير: 14/ 267.

15 - مسألة

وقول المخالف قول سعيد بن المسيَّب (¬1) وعطاء والحسن وسفيان. 15 - مسألة: لا يمس المصحف ولا يحمله إِلَّا طاهر غير محدث ولا جنب، وهو قول [مالك و] الأوزاعي وسفيان وأبي حنيفة وأصحابه والشّافعيّ. وقال حماد (¬2) والحكم (¬3): يجوز مسّه للجنب والمحدث [2/ ب]، وبه قال داود. 16 - مسألة: [عند مالك] الجنب ممنوع من [قراءة] القرآن، إِلَّا الآية والآيتين. وعند أبي حنيفة: [إِلَّا من] بعض آية. وعند الشّافعيّ ممنوع من قليله وكثيره. وقال داود: يجوز له قراءة القرآن كله كيف شاء. وأمّا قولنا: في الآية ونحوها جائز؛ لأنّ الامتناع منه يشقّ، [و] لأنّ النَّاس محتاجون لذكر الله والتعوّذ؛ فخفّف عنهم ذلك. ¬

_ (¬1) هو: أبو محمَّد سعيد بن المسيَّب بن حزن القرشي المدني: سيد التابعين، واحد فقهاء المدينة السبعة، رأى عمر رضي الله عنه، وسمع عثمان وعليأوغيرهم رضي الله ص عنهم جمع بين الحديث والفقه والزهد والعبادة والورع، أخرج له الستة. توفي: 94هـ. انظر: السير: 4/ 217، التهذيب: 4/ 74. (¬2) هو: أبو إسماعيل حماد بن أبي سليمان مسلم الكوفي- مولى الأشعربين-: العلّامة الإمام فقيه العراق، هو في عداد صغار التابعين، تفقه بإبراهيم النخعي، وهو أنبل أصحابه وأفقههم، وأخرج له مسلم. توفي: 120هـ. انظر: السير: 5/ 231، التهذيب: 3/ 14. (¬3) هو: أبو محمَّد الحكم بن عتيبة الكندي، مولاهم الكوفي: الإمام الكبير عالم الكوفة، صغار التابعين، روى عن أبي جحيفة وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: كان ثقة ثبتًا أخرج له الستة، وفقيهًا من كبار أصحاب إبراهيم النخعي. توفي: 115هـ. انظر: السير: 5/ 208، التهذيب: 2/ 372.

17 - مسألة

17 - مسألة: اختلف عن مالك في قراءة الحائض القرآن: فروى أكثر أصحابه جواز قراءتها ما شاءت. وروي عنه منعها كالجنب، وهو قول أبي حنيفة والشّافعيّ. 18 - مسألة: لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها لبول أو غائط في الصحراء والصكوات على السطوح، ويجوز في الأبنية، واختلف النَّاس في ذلك على ثلاثة مذاهب: فقال النخعي وسفيان وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأحمد: إنّه لا يجوز مطلقًا في الأبنية وغيرها، وروي ذلك عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -. وقال عروة بن الزبير (¬1) وربيعة: إنّه يجوز الاستقبال والاستدبار مطلقًا في الأبنية وغيرها، وهو مذهب داود. [وذهب مالك والشّافعيّ إلى أنّه يجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان جميعًا]، [ولا يجوز في الصحاري والفلوات] (¬2). وروي عن أبي حنيفة أنّه يجوز الاستدبار مطلقًا في الأبنية وغيرها ومنع من الاستقبال في الجميع مطلقًا. فحصل الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في الرِّواية الأولى في الاستقبال والاستدبار جميعًا في الأبنية. فهي ثلاثة مذاهب. ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله عروة بن حواري رسول الله، الزبير بن العوام رضي الله عنه، القرشي الأسدي المدني: من أئمة التابعين، وأحد فقهاء المدينة السبعة، حدث عن أبيه بشيء يسير، وأمه أسماء وخالته عائشة وغيرهم من الصّحابة رضي الله عنهم توفي: 94 هـ. انظر: السير: 4/ 423، التهذيب: 7/ 163. (¬2) مثبت من (ص): 1/ 338.

19 - مسألة

19 - مسألة: الاستنجاء ليس بفرض عندنا، وهي كسائر النجاسات الواقعة على الثّوب والجسد، لا يجب إزالتها إِلَّا من طريق السُّنَّة. وقال بعض أصحابنا: إنَّ إزالة النجاسات فرض، وعلى هذا الاستنجاء فرض. وقال أبو حنيفة مثل قول مالك، فإن صلَّى ولم يستنج صحّت صلاته، و [لكنه جعل] محلّ الاستنجاء عنده مقدارًا، يعتبر به سائر النجاسات في كلّ المواضع، وهو قدر الدرهم الأسود البغلي (¬1). وقال الشّافعيّ: الاستنجاء فرض، وإن صلَّى ولم يستنج بطلت صلاته، وهو وأبو حنيفة يقولان: إنَّ إزالة النّجاسة من غير المخرج فرض. 1 - فصل: فأمّا إزالة سائر النّجاسة من البدن والثياب وغير ذلك، فليس بفرض على ظاهر المذهب. وقال بعض أصحابنا: إزالتها فرض، وبه قال أبو حنيفة في غير الاستنجاء، إذا زاد على قدر الدرهم البغلي. وقال الشّافعيّ: إزالتها فرض مطلقًا، ولم يعتبر قدر الدرهم. 20 - مسألة: عدد الأحجار في الاستنجاء غير مستحق عندنا وعند أبي حنيفة وداود، [فإن اقتصر على دون ثلاثة أحجار] مع الإنقاء [جاز]. وقال الشّافعيّ: لا يجوز الاقتصار على ما دون الثّلاثة وإن أنقى، وبه ¬

_ (¬1) هو: الدائرة الّتي تكون بباطن الذراع من البغل. قاله ابن راشد في غريب ابن الجلّاب، ورجحه خليل. وقيل: سكة قديمة لملك يسمى رأس البغل. قاله النووي ورجحه ابن فرحون. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه: 133، مواهب الجليل: 1/ 147، حاشية العدوي: 2/ 117.

21 - مسألة

قال أبو الفرج (¬1)، ونحا إلى أن الاستنجاء وإزالة النّجاسة فرض. 2 - فصل: [الاستنجاء بغير الماء]، وكذلك كلّ ما يقوم مقام الحجارة؛ من الآجر والخزف والتراب والخشب جائز، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال داود: لا يجوز بغير الأحجار. 21 - مسألة: [قال مالك]: لا يستنجى بعظم ولا روث، والمستحب الحجارة. وذكر بعض أصحابنا أنّه إنَّ فعل يجزئه، وهو مكروه. [وليس ذلك كذلك. وعند أبي حنيفة أن الاستنجاء بذلك يجزئ، ولكنه مكروه]. وقال الشّافعيّ: لا يجزئه. وهو اختياري، وإن كنا معه نختلف في أصل الإزالة. 22 - مسألة: الخارج من (¬2) السبيلين نادرًا غير معتاد؛ لا ينقض الوضوء مثل: سلس البول، والمذي، ودم الاستحاضة، والحصا الخارج من الذكر والدود، وبه قال داود. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ فيه بالطهارة، كلّ ذلك كالمعتاد. ووافق أبو حنيفة في المني إذا خرج لغير لذة، أنّه لا يوجب الغسل. ¬

_ (¬1) هو: القاضي أبو الفرج عمر بن محمَّد الليثي البغدادي المالكي: صحب إسماعيل القاضي وتفقه معه، كان فصيحا لغويا فقيهًا متقدمًا، من مؤلفاته: الحاوي في مذهب مالك، واللمع في أصول الفقه، توفي عطشا في البرية سنة 331 هـ. انظر: الديباج: 215، شجرة النور: 1/ 118. (¬2) في الأصل بزيادة: "غير". وهو مخالف لـ (ط) و (ص): والسياق يأباه.

23 - مسألة

23 - مسألة: اختلف عن مالك في مسِّ الذكر، والعمل على أنّه: إنَّ مسّه بشهوة بباطن الكف، أو ظاهره من فوق ثوب أو تحته، أو بسائر أعضائه انتقضت طهارته. وقال الأبهري (¬1) [3/ أ]: على هذا كان يعوّل شيوخنا كلهم. ووافقه أحمد بن حنبل على ذلك بباطن يده أو بظاهرها، وهو قول عطاء والأوزاعي. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا ينتقض الوضوء على أي وجه كان، وبه قال (¬2) سفيان. وقال الشّافعيّ: إذا مسّه بباطن يده من غير حائل انتقض وضوءه على كلّ حال لشهوة أو غيرها، وهو أحد قولى مالك وليس عليه العمل، وبه قال إسحاق وأبو ثور والأوزاعي. وقال أحمد: اليد وغيرها من الأعضاء سواء أنّه ينقض. وقال الأوزاعي: إنَّ مسّه بأعضاء الطّهارة انتقض، وأمّا غيرها من الأعضاء فلا. وقال داود: ينتقض وضوءه بمس ذكر نفسه دون غيره. ولا فرق عندنا بين ذكر نفسه أو غيره، إذا كان على وجه الشهوة. ولا وضوء [عندنا] من مسِّ الدبر، وبه قال داود. ¬

_ (¬1) هو: أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن صالح الأبهري البغدادي المالكي: الفقيه الحافظ الأصولي، تفقّه بأبي عمر محمَّد بن يوسف القاضي، من مؤلفاته: شرح المختصر الكبير والصغير لابن عبد الحكم، وكتاب الأصول. توفي: 375 هـ ـ. انظر الديباج: 255، وشجرة النور: 1/ 136. (¬2) في جميع النسخ بزيادة: "داود"، وهو مناقض لما سيأتي من النقل عنه. وانظر: المحلى: 1/ 235.

24 - مسألة

خلافًا للشافعي، فإنّه قال: ينتقض الوضوء بمس الدبر. 24 - مسألة: اختلف النَّاس في لمس [الرَّجل] المرأة على خمسة مذاهب: فذهب مالك والشعبي والنخعي وسفيان إلى أن تقبيلها أو مسها لشهوة ينقض الوضوء، وإن كان لغير شهوة لم ينقض، وبه قال أحمد. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا ينقض مجرد اللمس إِلَّا أن ينعظ (¬1)، فيكون انتقاضه باللمس مع الإنعاظ. وقال الشّافعيّ: ينتقض بكل حال بكل عضو مسها به إذا كان بغير حائل، وحكى أنّه مذهب زيد بن أسلم (¬2) والأوزاعي. وحكي عن الحسن ومحمد بن الحسن (¬3) أنّه لا ينقض وإن أنعظ. وحكي عن عطاء أنّه ينتقض بمس أجنبية - الّتي لا تحلّ له -، فإن كانت زوجته أو أمته لم ينتقض. واختلف الصّحابة في لفظ الملامسة على وجهين: فقال علي وابن عبّاس وأبو موسى رضي الله عنهم: إنَّ المراد بالملامسة الجماع. ¬

_ (¬1) الإنعاظ: الانتشار والانتصاب. انظر: المصباح المنير: 614. (¬2) هو: أبو أسامة زيد بن أسلم العدوي العمري مولاهم المدني: الإمام التابعي الحجة الفقيه، حدّث عن أبيه أسلم - مولى عمر رضي الله عنه -: وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم وأخرج حديثه الستة. توفي: 136 هـ. انظر: السير: 5/ 316، والتهذيب: 3/ 341. (¬3) هو: أبو عبد الله محمَّد بن الحسن الشيباني الكوفي: الإمام العلّامة، صاحب أبي حنيفة، أخذ عنه وعن أبي يوسف، وصنف كتب ظاهر الرِّواية: المبسوط والجامع الصغير والكبير والسير الصغير والكبير والزيادات. توفي: 189 هـ. انظر: الجواهر المضية: 3/ 122، الطبقات السنية (1951).

25 - مسألة

وقال عمر - رضي الله عنه - وعمّار بن ياسر - رضي الله عنه -: المراد به لمس اليد. ولم يقل أحد: إنَّ المراد به اللّمس والجماع جميعًا. 25 - مسألة: من نام مضطجعًا أو قاعدًا أو راكعًا أو ساجدًا فعليه الوضوء، وبه قال أبو حنيفة في المضطجع. وللشافعي قولان: قول: يفرّق فيه بين كونه في الصّلاة وغيرها، فلا ينقض في الصّلاة كنوم القاعد. و [القول] الآخر مثل قولنا. وعند المزني (¬1) أن النوم حدث ينقض الوضوء؛ قليله وكثيره على كلّ حال، وإن كان قاعدًا. وعند أبي حنيفة وأصحابه لا ينقض إِلَّا في المضطجع وحسب. واتفق فقهاء الأمصار على أن نوم المضطجع ينقض [الوضوء]. وروي عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - وأبي مجلز (¬2) وعمرو بن دينار (¬3) ......................... ¬

_ (¬1) هو: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المصري: الفقيه الإمام، أخذ عن الشّافعيّ، وقال فيه، المزني ناصر مذهبي، من مؤلفاته: المختصر - من الكتب المعتمدة في الفتوى -، والمبسوط. توفي: 264 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 2/ 93، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 58. (¬2) هو: أبو مجلز لاحق بن حميد السدوسي البصري: الإمام الثقة، من التابعين المشهورين، روى عن ابن عبّاس وأنس وأبي موسى وغيرهم رضي الله عنهم أخرج حديثه الستة. توفي: 106 هـ. انظر: تهذيب الكمال: 31/ 176، تهذيب التهذيب: 11/ 151. (¬3) هو: أبو محمَّد عمرو بن دينار المكي الأثرم الجمحي مولاهم: التابعي الجليل والإمام الكبير الحافظ، أحد الأعلام ومفتي الحرم في زمانه، سمع من ابن عبّاس، وجابر، وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهم. توفي: 125هـ. انظر: السير: 5/ 300، التهذيب: 8/ 26.

26 - مسألة

وحميد الأعرج (¬1) أنّهم قالوا: لا وضوء من النوم أصلًا على أي حال كان، وإنّما ينقض [الوضوء] ما يخرج [منه وتيقنه] في نومه. 3 - فصل: إذا طال نوم الجالس ورأى المنام فعليه الوضوء، وإليه ذهب الأوزاعي وأحمد. ولم يفرّق أبو حنيفة والشّافعيّ بين نوم الجالس والقائم، وقالا: لا ينتقض الوضوء وإن طال. 26 - مسألة: الخارج من [بدن الإنسان من] غير السبيلين مثل: القيء والرَّعاف و [دم] الفصاد والدمل، فلا وضوء فيه كما لا وضوء في الجشاء المتغير والقهقهة وما أشبه ذلك، وبه قال ربيعة والحسن والشّافعيّ وداود وجماعة من الصّحابة -رضي الله عنهم-. وقال أبو حنيفة: الخارج النجس على ثلاث مراتب: فما كان من السبيلين فظهوره ينقض الوضوء، والخارج من سائر البدن غير القيء، [فإنّه] إذا سال نقض الوضوء، وإن ظهر ولم يسل فلا ينقض. وأمّا القيء إذا ملأ الفم نقض الوضوء، وإن كان دون ذلك لم ينقض، وفرّق بين اليسير منه والكثير. [فحصل الخلاف معه في الخارج من غير السبيلين، فعنده ينقض الوضوء، وعندنا وعند الشّافعيّ لا ينقضه]. 27 - مسألة: القهقهة في الصّلاة لا تنقض الوضوء [3/ب]، وهي عندنا كالكلام ¬

_ (¬1) هو: أبو صفوان حميد بن قيس الأعرج المكي الأسدي مولاهم: الإمام قارئ أهل مكّة، كان ثقة كثير الحديث روى عن مجاهد والزهري وغيرهما، أخرج له الستة. توفي: 130هـ. انظر: تهذيب الكمال: 7/ 384، تهذيب التهذيب: 3/ 41.

28 - مسألة

لغير إصلاح الصّلاة يبطلها، ولا تنقض الطّهارة، وبه قال من الصّحابة: أبو موسى وجابر -رضي الله عنهما-، ومن التابعين: عطاء والزهري، ومن الفقهاء: الشّافعيّ وأحمد وإسحاق وداود. وقال الحسن والنخعي والأوزاعي وسفيان الثّوريّ وأبو حنيفة وأصحابه: إنها تنقض الوضوء والصلاة. وحصل الإجماع على أنّها لا تبطل الوضوء في غير الصّلاة. 28 - مسألة: وما مسّته النّار مثل: الخبز وغيره، فإنّه لا وضوء على آكله، وهو مذهب أبي بكر وعمر [وعثمان وعلي] وابن عبّاس وابن مسعود -رضي الله عنهم-، والفقهاء عليه أجمعون. وذهب جماعة من الصّحابة إلى وجوب الوضوء بأكله، وذهب إليه فيما حكي: ابن عمر وأبو طلحة - عمّ أنس - وأنس وأبو موسى وزيد بن ثابت وأبو هريرة -رضي الله عنهم-. 29 - مسألة: إذا أكل لحم الإبل فلا وضوء عليه [عندنا]، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال أحمد: عليه الوضوء نيئًا كان أو مطبوخًا. 30 - مسألة: إذا تيقّن الطّهارة وشك في الحدث [بعد ذلك] فعليه الوضوء، هذا ظاهر [قول مالك] (¬1). وروى عنه ابن وهب [أنّه قال: أحب إلى أن يتوضأ] (¬2). ¬

_ (¬1) في الأصل: "المذهب"، والمثبت من (ط). (¬2) في الأصل: "عن ابن وهب استحباب الوضوء". والمثبت من (ط) و (ص): 2/ 639.

31 - مسألة

واختلف أصحابه، فقال بعضهم: هو مستحب. وقال بعضهم: هو واجب، وإلى هذا كان يذهب شيخنا أبو بكر الأبهري. وهو اختياري. وقال الحسن: إنَّ شك وهو في الصّلاة بني على يقينه، ولم يقطع صلاته، وإن كان خارجًا عن الصّلاة أخذ بالشك، وروي هذا عن مالك. وروي: أنّه يقطع [الصّلاة] ويتوضأ. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ وغيرهما: يبني على يقينه وطهارته صحيحة. 31 - مسألة: إذا جامع الرَّجل المرأة والتقى الختانان، وجب عليهما (¬1) الغسل وإن لم ينزلا، وإليه ذهب جميع الفقهاء إِلَّا داود، وهو مذهب أكثر الصّحابة - رضي الله عنهم-. وذهب بعضهم إلى أن الغسل لا يجب إِلَّا بالإنزال منهم: أبيّ بن كعب وسعد [بن أبي وقّاص وأبو سعيد الخدري، وغيرهم]-رضي الله عنهم-. 32 - مسألة: إذا أُدخل ماء الرَّجل في قبل المرأة، فلا غسل عليها إِلَّا أن تنزل. وقال عطاء: عليها الغسل. واختلف إذا خرج ماء الرَّجل من فرج المرأة بعد البول، فقال قتادة وغيره: تتوضأ لا غير. وقال الحسن البصري: تغتسل. ¬

_ (¬1) في الأصل: "عليه". والمثبت من (ط) و (ص): 2/ 650.

33 - مسألة

33 - مسألة: [خروج المني] من غير مقارنة اللَّذَّة لا يوجب الغسل عندنا، وعند أبي حنيفة سواء كان قبل البول أو بعده، فإن اغتسل ثمّ خرج منه مني، لم يجب عليه الغسل. وقال الأوزاعي: إذا خرج منه المني قبل البول أعاد الغسل، وإن خرج بعده لم يعد الغسل، وحكي عن أبي حنيفة مثل ذلك. وقال الشّافعيّ: عليه إعادة الغسل؛ سواء خرج منه قبل البول أو بعده. 34 - مسألة: إمرار اليد على البدن في غسل الجنابة واجب عند مالك. وقال بعض أصحابه: هو مستحب، مثل: أبي الفرج المالكي وغيره، وإلى مثل هذا ذهب أبو حنيفة والشّافعيّ. وأنا أقول بظاهر قول مالك في وجوبه. 35 - مسألة: ولا بأس بالوضوء من فضل الحائض والجنب في الإناء بعد فراغهما من غسلهما، [فيجوز للرجل أن يتوضأ بفضل وضوء المرأة وغسلها]، وهو مذهب الفقهاء كافة. وقال أحمد بن حنبل: لا يجوز للرجل الوضوء بفضل المرأة من الوضوء والغسل إذا كانت منفردة، ووافقنا على (¬1) أنّه يجوز للمرأة أن تتوضأ بفضل ماء الرَّجل وماء المرأة، ويتوضأ الرَّجل بفضل الرَّجل خاصّة، وكذلك إذا استعمله الرَّجل والمرأة معًا جميعًا، جاز أن يتوضأ الرَّجل من فضله. 36 - مسألة: [عند مالك أن] المياه كلها قليلها وكثيرها؛ عذبًا كان أو أجاجًا؛ ماء ¬

_ (¬1) في الأصل: "عليه". والمثبت من (ط) و (ص): 2/ 686.

37 - مسألة

بحر أو غيره، لا يخرجه عن طهارته وتطهيره شيء يخالطه من غير قراره؛ إِلَّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه [4/ أ]. فإن خالطه شيء طاهر من غير قراره، وغلب عليه فهو طاهر غير مطهر. وإن خالطته نجاسة فغلبت عليه بلون أو طعم أو ريح، فهو غير طاهر ولا مطهّر، قليلًا كان أو كثيرًا. وأجمع فقهاء الأمصار على أن مياه البحار عذبها وأجاجها بمنزلة واحدة في الطّهارة والتطهير، إِلَّا ما كان يحكى عن قوم أنّهم لا يجيزون التوضؤ بماء البحر. وروي عن أبي بكر وعمر وابن عبّاس وغيرهم -رضي الله عنهم- أنّهم قالوا: لا فرق بين مياه البحار وغيرها. وحكي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- استعمال التَّيمُّم مع وجود ماء البحر. [وقال عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: التَّيمُّم أحب إلى منه]. وحكى بعض النَّاس جواز التوضؤ به عند الضّرورة. 37 - مسألة: المستعمل من الماء مكروه عند مالك، مثل: أن يجمع وضوءه [من الحدث] أو غسله من الجنابة (¬1) في إناء، فيتوضأ به كرة أخرى أو يغتسل به [من الجنابة]. وقال ابن القاسم (¬2) في موضع آخر: إنّه لا يستعمل، وإن لم يجد غيره يتيمم. ¬

_ (¬1) في الأصل: "الحدث". والمثبت من (ط) و (ص): 2/ 705. (¬2) هو: أبو عبد الله عبد الرّحمن بن القاسم العتقي المصري: الحافظ الحجة الفقيه، أثبت النَّاس في مالك، وأعلمهم بأقواله، صحبه عشرين سنة، وتفقه به وبنظرائه، روى عنه الموطَّأ، وله في مدونة سحنون الحظ الأكبر من مسائل الفقه، والرواية عن مالك، وعليها مدار الفتوى. توفي: 191 هـ. انظر: الديباج: 146، شجرة النور: 1/ 88.

38 - مسألة

وقال الأبهري: [معناه] يتوضأ به ويتيمم [ويصلّي]. وبعض أصحابنا ذكر أنّها رواية أخرى في أنّه لا يجوز التوضؤ به. وحكى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنّه نجس، سواء كان من جنابة أو وضوء حدث أو مجدد. وقال محمَّد بن الحسن: هو طاهر غير مطهّر، وحكى هذا عن أبي حنيفة بعض أصحابنا وأن أبا يوسف يقول: هو نجس، والصّحيح أنّهما يقولان بنجاسته ومحمد يقول: إنّه طاهر غير مطهّر. والظاهر من قول الشّافعيّ أنّه طاهر غير مطهّر، واختلف أصحابه في النقل عنه: فقال بعضهم عنه: [ليس له إِلَّا قول واحد: إنّه] (¬1) طاهر غير مطهّر. وقال بعضهم: [إنَّ له قولًا آخر في أنّه] (¬2) طاهر مطهّر مثل قولنا، وبه قال النخعي والحسن والزهري وداود. 38 - مسألة: الماء الّذي ولغ فيه الكلب [عندنا] طاهر؛ لأنّ الكلب [عندنا] طاهر، وغسل الإناء منه تعبّد، وبه قال الزّهريُّ والأوزاعي وداود. وقال الثّوريّ: يتوضأ به ويتيمم [معه]. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ وأحمد وإسحاق: الكلب نجس، وولوغه فى الماء ينجسه، ويغسل الإناء لنجاسته. 39 - مسألة: لا يجوز الوضوء بماء الورد، والشجر، وعرق الدواب، وماء ¬

_ (¬1) في الأصل: "إنّه". والمثبت من (ط) و (ص): 2/ 707. (¬2) في الأصل: "إنّه". والمثبت من (ط) و (ص): 2/ 706.

40 - مسألة

العصفر، والكرش (¬1)، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ، وكذلك ماء الزعفران. والخلاف بيننا وبين أبي حنيفة: إنّما هو فيما إذا خالطت هذه الأشياء الطاهرة الماء، وغلب عليها الماء وتغير اللون والطعم والريح، فلا يجوز عندنا ولا عند الشّافعيّ التطهير به، ويجوز عند أبي حنيفة. وإذا كانت هذه الأشياء غالبة على الماء لم يجز الوضوء به عندنا [وعنده] (¬2) ولا عند الشّافعيّ. وقال الأصم (¬3): يجوز الوضوء [بهذه المياه كلها] (¬4) على كلّ وجه. 40 - مسألة: لا يجوز الوضوء بالنبيذ نيئًا كان أو مطبوخًا مع وجود الماء، ولا مع عدمه؛ تمريًّا كان أو غيره، وإن كان مشتدًّا فهو نجس [لا يجوز شربه ولا الوضوء به]، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وأبو يوسف، وهو الّذي يعرف من مذهب عمر وابنه -رضي الله عنهما-. وقال الأوزاعي: يجوز الوضوء بسائر الأنبذة، وروي مثله عن علي -رضي الله عنه -. وبه قال أبو حنيفة عند عدم الماء في مطبوخ التّمر وإن أسكر، بخلاف النيء والنقيع لا يتوضأ به عنده. ¬

_ (¬1) في الأصل و (ط): "الكرفس". والمثبت من (ص): 2/ 764. وقد بينه المؤلِّف بأنّه: "الماء الّذي يخرج من كرش الجزور إذا نحر". انظر: عيون الأدلة: 2/ 765. (¬2) مثبت من (ص): 2/ 764. (¬3) هو: أبو بكر عبد الرّحمن بن كيسان الأصم المعتزلي: صاحب المقالات في الأصول، كان من أفصح النَّاس وأورعهم وأفقههم، من مؤلفاته: كتاب في التفسير، وكتاب الحجة والرسل، وكتاب الأسماء الحسنى. توفي: 201 هـ. انظر: السير: 9/ 402، لسان الميزان: 3/ 427. (¬4) في الأصل: "به". والمثبت من (ط) و (ص): 2/ 765.

41 - مسألة

وروي أنّه رجع عنه. فأمّا مع وجود الماء فلا يتوضأ به عنده في حضر ولا سفر. وقال محمَّد: يتوضأ به ويتيمم. 41 - مسألة: لا تجوز إزالة النّجاسة من الثّوب والبدن وغيرهما بمائع سوى الماء الّذي يجوز التوضؤ به، وبه قال الشّافعيّ ومحمد وزفر. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجوز [4/ب] بكل مائع مزبد طاهر. فأمّا الدهن والمرق فروي عنه أنّه لا يجوز به إزالة. وأصحابه يقولون: إذا زالت النّجاسة به. وكذلك للنار والشمس مدخل في الإزالة عنده، وجلد الميِّتة إذا جف بالشمس (¬1) عنده طهر بغير دبغ، وكذلك إذا كانت على الأرض نجاسة فإنها إذا جفّت بالشمس تطهير، وتجوز الصّلاة عليها، ولا يصح التَّيمُّم بذلك التراب، وكذلك يقول في النّار: إنها تزيل النّجاسة. 42 - مسألة: الماء المتغير بالنّجاسة نجس إذا تغيّر (¬2) أحد أوصافه: طعمه أو لونه أو ريحه قليلًا كان أو كان كثيرًا، من غير أن يقدر الماء بمقدار. وإن لم يتغير فهو طاهر قليلًا كان أو كثيرًا، ولا خلاف في المتغير، وبه قال الحسن والنخعي وداود. وقال محمَّد بن مسلمة: الماء القليل إذا وقعت نجاسة فيه نجس، وإن لم يتغير بخلاف الكثير. ¬

_ (¬1) في الأصل: "بالشخض". وهو تحريف بيّن والمثبت من (ط) و (ص): 2/ 825. (¬2) في الأصل بزيادة: "فهو طاهر". وهو تكرار؛ سببه انتقال العين إلى السَّطر الّذي يليه. والتصحيح موافق لـ (ط) و (ص): 2/ 849.

43 - مسألة

وقال أبو حنيفة: الاعتبار بالاختلاط فمتى اختلطت النّجاسة بالماء نجس، إِلَّا أن يكون كثيرًا. وحد الكثرة عنده: ما إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الجانب الآخر، فإذا وقعت النّجاسة فيه فتحرك أحد جانبيه ففيه روايتان: إحداهما: أنّه نجس، أعني: الجانب الّذي تحرك خاصّة، دون الجانب الّذي لم يتحرك، إلى حد يعلم التحرك منه، وانتشار النّجاسة فيه. والرواية الأخرى: إنَّ الكل طاهر ولا يعتبر التغير أصلًا. وقال الشّافعيّ: إنَّ كان الماء قلتين لم ينجس إِلَّا بالتغير، وإن كان دونها نجس وإن لم يتغير، وبه قال أحمد وإسحاق. 43 - مسألة: اختلف عن مالك في جلود الميِّتة من جميع الحيوانات بعد الدباغ، فالظاهر من مذهبه أنّها لا تطهر، ولكنها تستعمل في الجامدات، و [في] الماء خاصّة من سائر المائعات، [فإنّه قال في الماء: أتقيه في نفسي خاصّة، ولا أضيقه على النَّاس]. والرواية الأخرى: أنّها طاهرة كلها إِلَّا جلد الخنزير؛ لأنّ الذّكاة لا تعمل فيه فالدباغ أولى، [وسائر الحيوان غيره تتأتى فيه الذّكاة]. وبالقول الأوّل أخذ أحمد، إِلَّا أنّه لا يبيح الانتفاع منها في شيء ما؛ [لأنّها كلحم الميِّتة]. وبالثّاني أخذ أبو حنيفة، [إِلَّا في الخنزير كقولنا]، وكذلك الشّافعيّ إِلَّا [في الخنزير و] الكلب خاصّة. وقال أبو يوسف وداود: يطهر جلد جميع الحيوانات بالدباغ والخنزير. وقال الأوزاعي وأبو ثور: يطهر جلد كلّ ما يؤكل لحمه دون غيره.

44 - مسألة

[و] الزّهريُّ قال: يجوز الانتفاع بجلد الميِّتة قبل أن تدبغ، مع كونها نجسة لا (¬1) أنّها طاهرة. هكذا وجدته في النسخة. 44 - مسألة: الذّكاة تعمل في جلود السِّباع كلها إِلَّا الخنزير، ويجوز بيعها والتوضؤ فيها وإن لم تدبغ، والكلب من جملتها، وبه قال أبو حنيفة، وأن جميع أجزائه من جلد ولحم طاهر، إِلَّا أن أكله مكروه عندنا، وعنده محرّم. وقال الشّافعيّ: لا تعمل الذّكاة فيها شيئًا، ولا فرق بين موتها وذكاتها. 45 - مسألة: شعر الميِّتة وصوفها ووبرها طاهر [عندنا] لا تحلّه الموت؛ كان ممّا يؤكل لحمه أم لا، وشعر ابن آدم والكلب والخنزير طاهر في الحياة والموت، وبه قال أبو حنيفة. و (¬2) [لكن] زاد [علينا فقال]: القرن والسن والعظم، وقال: فإنها لا تحلّها الحياة مثل الشعر، فلا ينجس بالموت عنده. وقال الحسن والليث والأوزاعي: الشعور كلها نجسة [بالموت، و] لكنها تطهر بالغسل. وعن الشّافعيّ ثلاثة أقوال: أحدها: نجاسة الشعر كله بالموت. والثّاني: أنّه طاهر كقولنا. والثّالث: أن شعر ابن آدم [وحده] طاهر، وما عداه نجس. ¬

_ (¬1) في الأصل: "إِلَّا"، وفي (ط): "لأنّها". وهو سر تعجب الناسخ والله أعلم. والمثبت من (ص): 2/ 886. (¬2) في الأصل بزيادة: "أن جميع أجزائه". وهي غير ثابتة في (ط) و (ص): 2/ 915. والعبارة هكذا غير مستقيمة، إِلَّا إذا افترضنا سقطا، وقدّرناه هكذا: "وبه قال أبو حنيفة وأن جميع أجزائه الّتي لا حياة فيها طاهرة فزاد ... ". والله أعلم بالصواب.

46 - مسألة

4 - فصل: فأمّا عظم الميِّتة، وقرنها، وسنها، وريشها، وعظم الفيل ونابه إذا كان ميتة، فهو نجس عندنا، [فإن ذكي فهو طاهر]. وقال أبو حنيفة: جميعها طاهرة. وقال الشّافعيّ مثلنا. 46 - مسألة: يغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا، لا يجزئ [5/أ] دونها إنَّ أريد استعماله، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إنّه يغسل مثل غيره من النجاسات، لا يجزئ دونها حتّى يغلب على ظنه زوال النّجاسة، ولو بالمرة الواحدة يجزئ إذا غلب على ظنه، وإن لم يغلب على ظنه أعاد ولو عشرين مرّة؛ لأنّه عنده نجس. وقال بعض أصحابه: الواجب مرّة واحدة، وما زاد مستحب. وقال بعضهم: يغسل ثلاثًا. وقال أحمد: يغسل ثمان مرات، إِلَّا أن الثامنة بالتراب عنده. ومن حكم بنجاسته أوجب غسله، ومن قال: هو طاهر فغسل الإناء عنده عبادة مسنونة. 5 - [فصل] (¬1): وغسل الإناء من ولوغ الخنزير غير واجب عندنا. وروى [عنه]، مطرف (¬2) أنّه يغسل سبعًا كالكلب، وبه قال الشّافعيّ. ¬

_ (¬1) مثبت من (ص): 2/ 951. (¬2) هو: أبو مُصْعَب مُطَرِّف بن عبد الله بن مطرف اليساري الهلالي المدني: الثقة الفقيه المقدّم، ابن أخت مالك، صحبه سبع عشرة سنة، وروى عنه الموطَّأ، قال أحمد: كانوا يقدمونه على أصحاب مالك، وأخرج له البخاريّ. توفي: 220 هـ. انظر: الديباج: 345، شجرة النور: 1/ 86.

47 - مسألة

وحكى عنه أبو العباس ابن القاص (¬1) في القديم غسله مرّة واحدة. وقول أبي حنيفة فيه كقوله في الكلب. وأمّا غسل الإناء من سائر النجاسات؛ فليس له عندنا عدد موقت محصور، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال أحمد: يغسل ثمان مرات الثامنة بالتراب، كقوله في الكلب والخنزير. وسؤر جميع ذلك طاهر لا يفسد الماء إذا وقع فيه. 47 - مسألة (¬2): [غسل الإناء من ولوغ الكلب مسنون إذا أريد استعماله، فإن لم يردّ استعماله لم يجب غسله، هذا مذهب الفقهاء، إِلَّا قومًا من المتأخرين، فإنّه حكي عنهم: [أنّه يجب غسله] (¬3) سبعًا، سواء أريد استعماله أم لا. والأصل: أنّه لا يخلو أن يكون غسله؛ إمّا لنجس أو لطهارة حدث أو لتعبد على ما نقول]. 48 - مسألة: ما ليس له نفس سائلة؛ كالعنكبوت، والزنبور، والعقرب، والخنفساء، والجعل، والبرغوث، وما تولّد من دود الخل والباقلاء والجبن والفواكه وغير ذلك لا يفسد شيئًا من المائعات ماءً أو غيره، [في ذلك سواء عندنا] وعند أبي حنيفة]. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "ابن القاضي". والمثبت هو الأصح. انظر: الحاوي الكبير: 1/ 316، المهذب: 1/ 49، المجموع: 2/ 603. وهو: أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطّبريّ بن القاص الشّافعيّ: أحد أئمة المذهب، أخذ الفقه عن ابن سريج، كان إمام طبرستان في وقته، من مؤلفاته: التخليص، المفتاح، أدب القاضي. توفي: 335 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 3/ 59، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 106. (¬2) لم ترد هذه المسألة في الأصل، وثبتت في (ط): 1/ 192، و (ص): 2/ 967. (¬3) لم ترد في الأصل و (ط)، وثبتت في (ص): 2/ 967.

49 - مسألة

وقال الشّافعيّ (¬1): كلّ ما تولد في شيء من جميع ما ذكرناه من الدود وغيره، إذا مات في [ذلك الشيء] تنجّس هو في نفسه، ولم ينجّس ما مات فيه، ولو أخرج الدود وطرح في شيء نجّسه إذا كان ميّتًا. وما لم يتولّد من شيء، مثل: الذباب، والعقرب، والزنبور، والبرغوث، إذا وقع في شيء من المائعات فمات فيها، فإنّه على قولين: أحدهما: أنّه ينجّسه، والآخر: أنّه لا ينجّسه، وإن كان هو في نفسه نجسًا. 49 - مسألة: جميع النجاسات عند مالك سواء؛ قليلها وكثيرها في حكم الإزالة سوى الدّم، فإن قليله معفو عنه من سائر الدماء كلها. وروى عنه ابن وهب: أنّه فرّق بين دم الحيض وغيره من الدماء، فجعل قليله ككثيره بخلاف غيره كالمني. واعتبر أبو حنيفة قدر الدرهم البغلي في سائر النجاسات؛ فما كان قدر الدرهم أو دونه عفي عنه، وما زاد عليه لم يعف عنه. وقال الشّافعيّ: النّجاسة كلها قليلها وكثيرها سواء، وكذلك الدماء إِلَّا في الموضع الّذي لا يمكن التحرّز منه كدم البراغيث. 50 - مسألة: يغسل بول الصبي والصبية [عندنا، وهو سواء في الحكم، و] سواء أكلا الطّعام أم لا. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يرش على بول الصبي، ويغسل بول الصبية. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "وأبي حنيفة". وهي مخالفة لـ (ط) و (ص): 2/ 972، وغير صحيحة؛ لأنّها مناقضة للمنقول عنه سابقًا.

51 - مسألة

51 - مسألة: إذا توضأ ونوى بوضوئه [أن يصلّي] صلاة بعينها؛ فرضًا أو نافلة أو مس مصحف أو صلاة على جنازة، [فإن حدثه يرتفع، و] جاز له أن يصلّي به سائر الصلوات، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وحكي عن داود قال: لا يصلّي به إِلَّا ما نواه من الصلوات بوضوئه ذلك. وإن قصد استباحة صلاة بعينها دون غيرها، فروي عن أصحاب الشّافعيّ: فيه ثلاث أوجه: أجودها: أن حدثه يرتفع ويستبيح به غيرها من الصلوات؛ لأنّ الحدث قد ارتفع، وإذا ارتفع لصلاة ارتفع لغيرها. والثّاني: لا يرتفع حدثه، ولا تصح به صلاة المعيّنة ولا غيرها؛ لأنّه نفى استباحة غيرها، والحدث إذا لم يرتفع لصلاة لم يرتفع لجميع الصلوات، فلا يتبعّض. والثّالث: قول بعضهم: تصح به الصّلاة المعيّنة دون غيرها؛ لأنّه لو لم ينو رفع الحدث لم يجز له أن يصلّي، ولو نوى رفع حدث مطلقًا جاز له، فإذا نوى صلاة بعينها فتصح [5/ ب] هي دون غيرها؛ لأنّه نواها، وهذا أضعف الوجوه. قال القاضي: هذا عندي يتخرج على القولين لمالك فيمن اعتقد رفع النية بعد الطّهارة، فروي عنه أن الطّهارة باقية، وروي عنه أنّها ترتفع. فإن قلنا: لا ترتفع بالرفع، فيصلّي ما نواه والصلاة الثّانية الّتي اعتقد رفع النية الوضوء عنها؛ إذ لا ترتفع. وإن قلنا: إنها ترتفع صلَّى الصّلاة الّتي نواها، ويبطل ما سواها (¬1)؛ ¬

_ (¬1) في الأصل: "نواها". وهو تحريف؛ لأنّه يناقض الجملة الّتي قبلها والتي بعدها. وفي (ط): "عداها"، وفي (ص) (2/ 998): "وبطلت بعد ذلك: فلا يصلّي بها صلاة أخرى".

52 - مسألة

لأنّه قد اعتقد رفع النية فيما عداها، فلا يصح غيرها. 52 - مسألة: لا يجوز للجنب أن يدخل المسجد ولا عابر سبيل، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يمر فيه عابر سبيل. 53 - مسألة: بول ما يؤكل لحمه طاهر عندنا، وبه قال محمَّد بن الحسن. وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة: إنّه نجس. 54 - مسألة: المني عندنا نجس، لا يزيل حكمه إِلَّا الغسل بالماء رطبًا كان أو يابسًا، وبه قال أبو حنيفة. إِلَّا أنّه يقول يفرك يابسه ويغسل رطبه. وعند الشّافعيّ: طاهر كالبصاق. 55 - مسألة: حكى ابن وهب عن مالك: أن من قبّل، أو جسّ، أو فعل فعلًا [التذ به وأكسل و] (¬1) لحقته فترة، ولم يخرج منه ماء حتّى توضأ وصلَّى، ثمّ يدفق منه الماء وجب عليه الغسل وإعادة الصّلاة. والظاهر من مذهب مالك: أن المني إذا لم تقارنه لذة لا غسل فيه، ولا إعادة صلاة صلّيت قبل خروجه. ومن أصحابنا من قال: يغتسل ولا يعيد ما صلَّى. 56 - مسألة: إذا حاضت امرأة جنب، [فلا غسل عليها للجنابة حتّى تطهر، ثمّ] ¬

_ (¬1) في الأصل: "ليذ به وكسل أو". والمثبت من (ط) و (ص): 2/ 1037.

57 - مسألة

أجزأها غسل واحد للجميع، وهو قول جميع الفقهاء. إِلَّا أهل الظّاهر، فإنهم يرون عليها غسلين. 57 - مسألة: إذا كان معه إناءان أحدهما نجس، واختلطا ولم يميز له الطّاهر من النجس، ولم يقدر على غيرهما، وحضر وقت الصّلاة، فظاهر قول أهل المدينة: إنَّ الماء لا ينجس، إِلَّا إن تغير أحد أوصافه على ما بيَّنَّا. وقال ابن الماجشون (¬1): إنّه يتوضّأ [من أحدهما ويصلّي، ثمّ يتوضأ من الآخر ويعيد الصّلاة] (¬2). وقال [محمّد] بن مسلمة: يتوضّأ من أحدهما ويصلّي، ثمّ يغسل أعضاءه من الآخر، ويتوضّأ منه ويصلّي أخرى. وقال أبو حنيفة: لا يتحرى في الإناءين، لكن يتيمم ويتركهما، ويتحرى في الثلاث أواني فأكثر، وبه قال المزني. وقال الشّافعيّ: يتحرّى ويتوضّأ بما غلب على ظنه منهما، ويريق الآخر. ¬

_ (¬1) هو: أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون التميمي مولاهم المدني المالكي: الفقيه ابن الفقيه، تفقه بمالك وبأبيه، ودارت عليه الفتوى في أيامه، وكان ابن حبيب يرفعه في الفهم على أكثر أصحاب مالك، من مؤلفاته: كتاب سماعاته، وكتاب في الفقه. توفي: 212 هـ. انظر: الديباج: 153، شجرة النور: 1/ 85. (¬2) في الأصل: "بكل واحد وضوءًا ويصلّي صلاتين". والمثبت من (ط) و (ص): 2/ 1047.

مسائل التيمم

مسائل التيمّم 58 - مسألة: الصّعيد [عند مالك] هو: الأرض وما صعد عليها، فيجوز التَّيمُّم على كلّ أرض طاهرة؛ كان عليها تراب أم لا، أو كان حجرًا، أو رملًا، أو زِرنيخًا (¬1)، أو نُوَرَة (¬2)، أو ما سواه، وبه قال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف، إِلَّا على صخر لا تراب فيه لا يجيزه أبو يوسف. وقال الشّافعيّ: لا يصح التَّيمُّم إِلَّا على تراب، ولا بد من شيء يمسح به وجهه ويديه. 59 - مسألة: من كان جنبًا وبه حدث أصغر، فيتيمم وينوي رفع الحدث الأصغر لم يجزه، وسواء كان ناسيًا لجنابته أو ذاكرًا. وذكر ابن عبد الحكم (¬3) عن مالك أنّه إنَّ صلَّى بهذا التَّيمُّم أعاد في الوقت. ¬

_ (¬1) الزِّرنيخ: حجر له ألوان كثيرة: يوناني من ارسنيكون. انظر: معجم لغة الفقهاء: 19. (¬2) النُّوَرة: حجر يحرق ويُسوّى منه الكِلْس، ويحلق به الشعر. انظر: لسان العرب: 5/ 244. (¬3) هو: أبو محمَّد عبد الله بن عبد الحكم المصري: الفقيه الحافظ الحجة النظار، من أجلّ تلاميذ مالك، متحقق بمذهبه، وإليه أفضت الرياسة بمصر بعد أشهب، من مؤلفاته: المختصر الكبير، والأوسط، والصغير. توفي: 214 هـ. انظر: الديباج: 134، شجرة النور: 1/ 89 - 90.

60 - مسألة

وهذا يدلُّ على أن الإعادة مستحبة، وأن التَّيمُّم مجزِ. وروى ابن وهب والمدنيون عنه أن التَّيمُّم يجزئ ولا إعادة عليه، وبه قال محمَّد بن مسلمة وأبو حنيفة والشّافعيّ، وأظنهما يخصانه بالنِّسيان دون العمد. 60 - مسألة: اختلف عن مالك في مسح اليدين في التَّيمُّم: فروى ابن وهب أنّه إلى المرافق، وكذلك ابن عبد الحكم، ويقول: إنَّ تيمم إلى الكوعين أعاد في الوقت. [وهذا يدلُّ على أن الإعادة على وجه الاستحباب]، والمسح إلى المرافق مستحب. وقال الشّافعيّ في القديم: يمسح إلى الكوعين. وقال أبو حنيفة: إلى المرافق [6/أ]، وهو الجديد للشافعي. وبمثل قولنا إلى الكوعين قال سعيد بن المسيَّب والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن جرير الطّبريّ. وقال الزّهريُّ: يمسح إلى الآباط. وعن علي -رضي الله عنه - أنّه يمسح إلى الكوعين. وقال ابن عمر وجابر -رضي الله عنهم-: يمسح إلى المرفقين. 61 - مسألة: لأبي تمام (¬1) قال مالك: لا يجوز التَّيمُّم خوفًا من فوت الجنازة، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وأبو يوسف. وأجازه أبو حنيفة. ¬

_ (¬1) هو: أبو تمام علي بن محمَّد بن أحمد البصري المالكي: من أصحاب الأبهري، كان جيد النظر حسن الكلام، من مؤلفاته: كتاب مختصر في الخلاف يسمى: "نكت الأدلة"، وله كتاب آخر في الخلاف كبير، وفي أصول الفقه. لم أجد سنة وفاته. انظر: الديباج: 199.

62 - مسألة

62 - مسألة: من تيمم ثمّ دخل في الصّلاة، فاطلع عليه الماء مضى في صلاته ولم يقطع، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وأبو ثور. وقال الثّوريّ وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: يقطع ويبطل تيممه، وبه قال المزني. وناقض قوله أبو حنيفة في صلاة العيدين والجنازة، فقال: لا يلزمه ذلك فيهما، ولا فيما إذا توضأ بسؤر الحمار، ثمّ اطلع عليه بالماء وهو عنده مشكوك فيه. وقال الأوزاعي: يخرج فيتطهّر ويبني، فإن كان صلَّى ركعة أضاف إليها أخرى وجعلها نافلة، ثمّ استأنف الفرض من بعد. 63 - مسألة: لا يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد؛ سواء كان من وقت واحد، أو كانت إحداهما فائتة والأخرى في وقتها. واختلف عنه في الفوائت، والظاهر عنه [من المعمول عليه] أنّه يتمم لكل صلاة، وروي عنه: [أنّه] يكتفى بتيمم واحد، وبه قال أبو ثور. وبالقول الأوّل قال الشّافعيّ سواء [كانتا لوقتهما، أو فائتتين] (¬1)، أو إحداهما فائتة والأخرى حاضرة، وبه قال اللَّيث والأوزاعي وأحمد، وهو مذهب علي وابن عبّاس وابن عمر -رضي الله عنهم-، وسعيد بن المسيَّب وعطاء بن أبي رباح] والنخعي والشعبي وربيعة وابن أبي سلمة (¬2). ¬

_ (¬1) في الأصل: "كن في وقت واحد". والمثبت من (ط) و (ص): 1/ 1127. (¬2) هو: أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون التميمي مولاهم المدني، والد عبد الملك بن الماجشون - تلميذ مالك -: الإمام الفقيه أحد الأعلام، حدّث عن الزّهريُّ وابن المنكدر، كان فصيحًا كبير الشأن، متابعًا لمذاهب أهل الحرمين، أخرج له الستة. توفي: 164 هـ ـ. انظر: السير: 7/ 309، التهذيب: 6/ 306.

64 - مسألة

وقال أبو حنيفة: التَّيمُّم كالوضوء بالماء، يصلّي به من الحدث إلى الحدث، وبه قال الحسن والثوري وأبو ثور. 64 - مسألة: يجوز للمتيمم أن يصلّي بالمتيمم والمتوضئ، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وحكي عن محمَّد بن الحسن وربيعة: أنّه لا يجوز أن يؤم بالمتوضئ ويؤم بالمتيمم. [قال محمَّد: بلغنا ذلك عن علي -رضي الله عنه -]. 65 - مسألة: لا يجوز التَّيمُّم قبل وقت الصّلاة؛ لأنّ من شرطه دخول الوقت، وبه قال الشّافعيّ. [وقال أبو حنيفة: يجوز التَّيمُّم قبل دخول الوقت. 66 - مسألة: طلب الماء من شرط صحة التَّيمُّم عندنا وعند الشّافعيّ]. وقال أبو حنيفة وصاحباه: ليس بشرط. 67 - مسألة: يجوز للحاضر إذا تعذّر عليه الماء، وخاف فوات الوقت أن يتيمم ويصلّي، مثل [أن يبعد منه الماء أو] أن يكون في بئر، بحيث لا يصل إليه إِلَّا بعد طلوع الشّمس، [وإن لم يكن صلَّى الصُّبح، فإنّه يتيمم ويصلّي] ولا يعيد، وبه قال الأوزاعي. وروي عن مالك أنّه يحصل الماء وإن طلعت الشّمس. وروي عنه أنّه يصلّي [بالتيمُّم] ويعيد. وقال أبو حنيفة وداود: لا يصلّي أصلًا، والفرض متعلّق بذمته إلى حال القدرة [على الماء].

68 - مسألة

وقال الشّافعيّ: يتيمم ويصلّي، وإذا وجد الماء أعاد، وهو موافق لأحد الروايات (¬1) لنا. 68 - مسألة: ولا تجوز الصّلاة على الجنائز بالتيمُّم في الحضر إذا خاف فوتها مع وجود الماء، وبه قال الشّافعيّ وأحمد. وقال أبو حنيفة والثوري: يجوز. وقال الشعبى وابن جرير: يصلَّى عليها بلا طهارة؛ لأنّها ليست بصلاة، وإنّما هي دعاء، ولا تفتقر إلى تيمم ولا وضوء، وهي كالصلاة على النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -؛ لأنّها لا ركوع فيها ولا سجود. 69 - مسألة: وكل من خاف التلف من استعمال الماء، جاز له التَّيمُّم بلا خلاف بين الفقهاء. وإن خاف زيادة المرض أو تأخير برئه أو حدوث مرض، ولم يخف منه التلف، جاز له عندنا التَّيمُّم، وبه قال أبو حنيفة وداود. وقال أبو يوسف ومحمد: يتيمم ويصلّي، وعليه الإعادة إنَّ كان مقيمًا، وإن كان مسافرًا فلا إعادة عليه. واختلف قول الشّافعيّ: فقال مرّة مثل قولنا، وقال أيضًا: لا يترك الماء إِلَّا عند خوف التلف، وروي عن مالك مثل هذا. وقال عطاء والحسن: لا يحيى المرض التَّيمُّم أصلًا مع وجود الماء. 70 - مسألة: [عند مالك - رحمه الله -: أن من] (¬2) كان معه ماء [6/ب] لا يكفيه ¬

_ (¬1) في الأصل: "القولين". والمثبت من (ط) و (ص): 3/ 1151. وهو الموافق للسياق. (¬2) في الأصل: "إذ". والمثبت من (ط): و (ص): 3/ 1189.

71 - مسألة

لطهارته من الجنابة، فإنّه يتيمم ويتركه، وكذلك في الوضوء، وبه قال أبو حنيفة، و [الشّافعيّ والمزني وهو] القديم من قول الشّافعيّ. وقال في الجديد: يستعمله في بعض الأعضاء، ويتيمم للباقي. 71 - مسألة: إذا كان أكثر بدنه جريحًا، لا يقدر على استعمال الماء عليه، ولم يبق له إِلَّا يد أو رجل سقط عنه استعمال الماء [ويتيمم]، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يغسل ما صح ويتيمم. 72 - مسألة: ومن به قروح أو كسر، قد ألصق عليه خرقًا ويخاف نزعها، جاز له المسح عليها، وله شدها على غير وضوء. وقال الشّافعيّ: لا يجوز له المسح، إِلَّا على طهارة كالمسح على الخفَّين، وإن مسح وهو على طهارة ثمّ برأ من مرضه، ففي الإعادة قولان. 73 - مسألة: ومن نسي الماء في رحله، وتيمم وصلَّى أعاد في الوقت، وروي عن [مالك] أن لا إعادة، وإن أعاد فحسن. وروى المدنيون عنه أنّه يعيد أبدًا، وبه قال الشّافعيّ في الجديد، وبه قال أبو يوسف. وبالأول قال أبو حنيفة ومحمد والشّافعيّ في القديم. 74 - مسألة: اختلف كبار أصحاب مالك في المشدود كتافًا، والهدم، والمصلوب تحضرهم الصّلاة، فقال ابن القاسم: عليهم الإعادة. وهذا يدلُّ على أنّهم يصلون إيماءً في الوقت، ويعيدون إذا قدروا؛

لأنّه لم يقل يقضون، وإنّما قال يعيدون، وإنّما يعيد من قد صلّى، وظاهره أنّهم يعيدون واجبًا. وقال أشهب: لا إعادة عليهم. وظاهر هذا أنّهم يصلون في الوقت واجبًا، ويحتمل أن يصلوا استحبابًا. وقال القاضي أبو الحسن: إن كانوا على طهارة قادرين على الصّلاة إيماءً، وجب عليهم أن يصلوا على حسب قدرتهم، كالمريض والمسايف، وإن لم يقدروا على استعمال الماء ولا التَّيمُّم لم يصلوا، ولا إعادة عليهم. وقال أبو حنيفة: لا يصلون ولا إعادة عليهم، وهو اختياري. واختلف قول الشّافعيّ في أمرهم بالصلاة في الوقت واجبًا أو ندبًا، ولم يختلف قوله أن عليهم الإعادة. وقال المزني: يصلون واجبًا ولا إعادة عليهم.

مسائل المسح على الخفين

مسائل المسح على الخُفَّين 75 - [مسألة]: اتفق العلماء [ومالك منهم] على جواز المسح على الخفَّين. ورويت عن مالك فيه روايات، والذي استقر عليه مذهبه [ومذهب أصحابه]: جواز المسح. ومذهب الخوارج أنّه لا يجوز أصلًا؛ لعدم ورود القرآن به. وقالت الشيعة: لا يجوز؛ لأنّ عليًّا -رضي الله عنه - امتنع منه. 76 - مسألة: وليس للمسح على الخفَّين عندنا حد لمقيم ولا لمسافر، ويمسح ما بدا له، ما لم ينزعهما أو تصيبه جنابة، وبه قال اللَّيث والأوزاعي وبه قال الشّافعيّ في القديم. واختلف عن مالك فيه، والصّحيح ما تقدّم. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ في الجديد: هو مؤقت محدود للمسافر ثلاثة أيّام بلياليها، وللمقيم يوم وليلة [من وقت ما أحدثا]، وبه قال الثّوريّ وأحمد وإسحاق. 77 - مسألة: التَّيمُّم لا يرفع الحدث، وهو قول سائر الفقهاء.

78 - مسألة

وقال داود: إنّه يرفع الحدث. 78 - مسألة: إذا غسل إحدى رجليه وأدخلها الخفّ ثمّ أحدث، ثمّ غسل الأخرى وأدخلها لم يجز له المسح، حتّى يكون كامل الطّهارة في الرجلين، ولكنه إنَّ أراد المسح نزع الرجل الأولى ثمَّ أدخلها، وهذا ما دام على طهارته تلك لم يحدث، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة و [الثّوريّ و] (¬1) المزني: يجوز له المسح، وهو قول مطرت من أصحابنا. ويقول أبو حنيفة أيضًا: يعتبر في جواز المسح ورود الحدث على الوضوء، سواء لبس الخفَّين محدثًا أو غيرث محدث؛ لأنّه يقول: إذا لبس المحدث خفيه ثمّ غسل باقي أعضائه، ثمّ أدخل الماء في خفيه حتّى اغتسلت، أو خاض بها الماء، ثمّ أحدث بعد ذلك جاز له المسح. 79 - مسألة: إذا كان في الخفّ خرق يسير دون الكعبين، يظهر من الرجل منه شيء يسير جاز المسح، وإن تفاحش لم يجز له المسح ووجب الغسل، وبه قال الشّافعيّ في القديم. وقال [7/أ] في الجديد: لا يجوز [المسح] سواء كان الخرق يسيرًا أو كثيرًا، وبه قال أحمد. وقال الثّوريّ وأبو ثور وإسحاق: يجوز له المسح ما دام يمكنه المشي فيه. وقال الأوزاعي: يجوز المسح على ما ظهر من الرجل وباقي الخفّ. وقال أبو حنيفة: إنَّ كان الخفّ مقدار ثلاث أصابع لم يمسح، وإن ¬

_ (¬1) مثبت من (ص): 3/ 1283.

80 - مسألة

كان دونها مسح، وذهب إلى التلفيق إن كان في فرد خف لفّق، وإن كان فيهما جميعًا لم يلفق. فالخلاف في المسح على خمسة مذاهب. 80 - مسألة: لا يجوز المسح على الجوربين غير مجلدين، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال الثّوريّ وأبو يوسف ومحمد وأحمد: يجوز. 81 - مسألة: ولا يمسح على جرموقين. والجرموق: هو الخفّ فوق الخفّ، وبه قال الشّافعيّ في الجديد. وروي عن مالك جوازه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ في القديم. قال القاضي: وعلى هذا ينبغى أن يكون الخفّ الأسفل ممّا إذا انفرد جاز المسح عليه والأعلى كذلك. فأمّا إذا كان الأسفل ممّا لا يجوز المسح عليه لو انفرد، مثل: أن يكون ضيقًا أو مخروقًا خرقًا فاحشًا لا يمكن متابعة المشي فيه، فلا يختلف القول في جواز المسح على الأعلى إن كان صحيحًا. و [كذلك] إنَّ كان [الأعلى] بهذه الصِّفَة والأسفل صحيحًا، لم يجز المسح على الأعلى بلا خلاف. 82 - مسألة: إذا نزع خفيه أو أحدهما بعد أن مسح عليهما، غسل رجليه مكانه، وإن أخّر استأنف الوضوء، وبه قال اللَّيث.

83 - مسألة

وقال أبو حنيفة والثوري والشّافعيّ في أحد قوليه والمزنى: إنّه يغسل رجليه سواء طال ذلك أو لم يطل، وليس عليه استئناف الطّهارة. ومن قال من أصحابنا: إنَّ الموالاة مستحبة كذلك يقول. وقال الشّافعيّ في القديم: يستأنف الطّهارة على كلّ حال، وبه قال الأوزاعي وابن أبي ليلى والنخعي والحسن. وقال داود: إذا نزع خفيه لم يحتج إلى غسل ولا وضوء، ويصلّي كما هو حتّى يحدث حدثًا جديدًا. 83 - مسألة: [عندنا أن الأكمل و] السُّنَّة مسح أسفل الخفّ وأعلاه، وبه قال الشّافعيّ، وهو مذهب ابن عمر وسعد ابن أبي وقّاص -رضي الله عنه - والزّهريُّ. وقالت طائفة: إن باطن الخفّ ليس بمحل للمسح لا مسنونًا ولا جائزًا، وقيل إنّه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه -، وبه قال الشّعبيّ والنخعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه. 84 - مسألة: ويمسح على الجبائر والعصائب إذا خيف نزعها؛ سواء جعلت على طهارة أم لا, ولا إعادة عليه إذا صلَّى بتلك الحال. وقال الشّافعيّ: إن وضعها بعد طهارته تامة، [ثمّ برأ من مرضه] وصلَّى، ففي إعادة الصّلاة بعد برئه قولان، فإن شدّها على مواضع الطّهارة وهو محدث ومسح، وجبت عليه الإعادة عنده قولًا واحدًا. 85 - مسألة: إن مسح أسفل الخفّ دون أعلاه لم يجزه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ، وعليه عامة أصحابه، وعندنا هو إجماع.

86 - مسألة

وقال المروزي (¬1) في شرحه: يجوز الاقتصار على أسفله، وهو خلاف المنصوص من الشّافعيّ. 86 - مسألة: غسل الجمعة سنة، وبه قال جميع الفقهاء. إِلَّا ما روي عن كعب الأحبار أنّه قال: لو وجدت الماء بدينار لاشتريته. وهذا يدلُّ على أنّه يذهب إلى وجوبه، وبه قال داود. 87 - مسألة: وينبغي أن يكون غسل الجمعة متصلًا بالسعي، هذا مستحب مسنون، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال قوم: إنَّ اغتسل قبل الفجر أجزأه، وهو قول ابن وهب عنه. ¬

_ (¬1) في الأصل و (ط): "الثّوريّ". والمثبت من (ص): 3/ 1337 وهو الأصح. انظر: الحاوي الكبير: 1/ 370، المجموع: 1/ 548. وهو: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي الشّافعيّ: أحد الأئمة، تفقه بابن سريج، وانتهت إليه الرئاسة بالعراق بعده، من مؤلفاته: شرح مختصر المزني، وكتاب التوسط بين الشّافعيّ والمزني. توفي: 340 هـ. انظر: طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 105، طبقات الإسنوي: 2/ 197.

مسائل الحيض

مسائل الحيض 88 - مسألة: أقل الحيض عند مالك الّذي تترك له الصّلاة والصوم [وهو] أقل الدِّم، مثل: لمعة أو دفعة، [وهو قول أبي سليمان]. وقال أبو حنيفة: أقله ثلاثة أيّام بلياليها [7/ب]، وهو قول محمَّد بن مسلمة في العدة، ومثله عن مالك في العدة والاستبراء (¬1) لا في ترك الصّلاة. وقال الشّافعيّ: أقله يوم وليلة. 89 - مسألة: [قال مالك]: ويستمتع من الحائض بما فوق الإزار، ولا يقرب أسفلها - وهو: ما دون السرة إلى الركبة إلى الفرج -، فظاهر قوله أنّه محرّم، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف، وهو ظاهر قول الشّافعيّ. وقال محمَّد بن الحسن: يجوز فيما دون الفرج، وبه قال بعض أصحاب الشّافعيّ، وقيل: إنَّ الشّافعيّ أشار إليه. 90 - مسألة: إذا انقطع دم الحائض لم يجز وطؤها حتّى تغتسل بالماء، سواء انقطع ¬

_ (¬1) في الأصل: "الاستدبار". والمثبت من (ط) و (ص): 3/ 1363، وهو الصّحيح.

91 - مسألة

بعد تمام مدة الحيض أو قبل، وهو قول الشّافعيّ وأكثر الفقهاء. وقال أبو حنيفة: إنَّ انقطع بعد مدة الحيض [الّذي هو عنده عشرة أيّام]، جاز وطؤها بغير غسل، وإن كان لدون أكثر حيضها [في دون العشرة]، لم يجز وطؤها حتّى تغتسل، أو يمر عليها وقت صلاة. وقال الأوزاعي: إنَّ غسلت فرجها جاز وطؤها، وإن لم تغسله لم يجز، وبه قال طائفة من أهل الحديث. 91 - مسألة: أكثر الحيض عندنا خمسة عشر يومًا، وبه قال الشّافعيّ. [وقال] أبو حنيفة: عشرة أيّام. 92 - مسألة: الحامل [عند مالك] تحيض، وإذا رأت الدِّم تركت الصّلاة كالحائل، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا حكم لدمها، وهي مستحاضة. 93 - مسألة: أكثر النفاس ستون يومًا عند مالك. وقد حكي عنه أنّه يرجع إلى العادة من غالب أحوال النِّساء. وعند الشّافعيّ: ستون. وقال أبو حنيفة: أربعون، وما زاد عليه استحاضة. 94 - مسألة: عند مالك إذا ميزت بين الدمين عملت على إقبال الدِّم وإدباره، فتركت الصّلاة عند إقبال الدِّم، وتغتسل وتصلّي إذا أدبر، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: تعمل على عدد الأيَّام.

95 - مسألة

95 - مسألة: عند الشّافعيّ أن المستحاضة إذا فاتها التمييز، عملت على عدد الأيَّام. وعندنا لا اعتبار بالأيام؛ لما تقدّم مع أبي حنيفة في أن الحيض ينتقل من زمان إلى زمان، ويقل ويكثر ويختلف، فإذا لم توجد علامة؛ لم تترك الصّلاة الّتي هي عليها بيقين بدم مشكوك فيه، حتّى تتيقن أنّه دم حيض. 96 - مسألة: [عند مالك أن] المبتدأة إذا رأت الدِّم وتمادى إلى مقدار أمثالها من النِّساء وزاد عليها، استظهرت بثلاثة أيّام، وكذلك من كانت لها أيّام معروفة فزاد دمها، تستظهر [بثلاثة أيّام] وتغتسل وتصلّي. وهذا إذا لم يزد الاستظهار على خمسة عشر يومًا الّتي هي آخر الحيض. وقد روي عنه: أنّهما تقعدان إلى تمام خمسة عشر يومًا، وهو القياس. 97 - مسألة: [عندنا] إذا تطاول الدِّم بالحائض قعدت خمسة عشر يومًا وهو حيض، فإن زاد على ذلك يومًا اغتسلت وصلت. وقال أبو حنيفة: إذا تطاول الدِّم بالمبتدأة، حتّى زاد على آخر الحيض الّذي هو عنده عشرة أيّام، فإن العشرة حيض، كقولنا في الخمسة عشر. وعند الشّافعيّ إذا تطاول دم المبتدأة تركت الصّلاة، فإن زاد على خمسة عشر يومًا، أعادت صلاة ما زاد على يوم وليلة في أحد قوليه، وفي الآخر تعيد ما زاد على ست أو سبع، والزائد عنده استحاضة. 98 - مسألة: إذا حاضت يومًا [أو يومين]، وطهرت يومًا أو يومين (¬1)؛ مبتدأة ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "ويومين". وهي مخالفة لـ (ط) و (ص): 3/ 1459.

كانت، أو كانت لها عادة معروفة فزاد عليها [الدِّم]، فإنها تلفق أيّام الدِّم، وتصلّي في أيّام الطهر. فإن اجتمع معها من أيّام الدِّم وهي مبتدأة مقدار ما يجلس النِّساء، استظهرت بثلاثة أيّام تضيفها إلى ما أقامته من أيّام الدِّم، ثمّ تغتسل وتصلّي في أيّام الدِّم وأيام الطهر وهي مستحاضة، وكذلك الّتي لها أيّام معروفة مثلها. وقال أيضًا -وهو القياس-: إنهما تلفقان حتّى يجتمع لها خمسة عشر يومًا من أيّام الدِّم، ثمّ يكونان مستحاضتين [8 / أ] على ما ذكرنا تصلّيان أبدًا حتّى يأتي دم لا شك فيه أنّه دم حيض، فتعملان (¬1) على إقباله وإدباره، وهو قول محمَّد بن مسلمة وأحمد بن المعذّل (¬2). وقال ابن الماجشون: إذا كان دمها موازيًا لطهرها، مثل: أن ترى الطهر يومًا والدم يومًا، أو [الطهر] يومين و [الدِّم] يومين، فإنها تغتسل وتصلّي في يوم الطهر، وتترك الصّلاة يوم الحيض، تعمل على هذا أبدًا. ¬

_ (¬1) في الأصل: "فتقولان". والمثبت من (ط) و (ص): 3/ 1459. وهو الأصح. (¬2) هو: أبو الفضل أحمد بن المعذل بن غيلان البصري المالكي: الفقيه المتكلم الزاهد النظار، صاحب الفضل في انتشار المذهب في العراق، صحب عبد الملك بن الماجشون ومحمد بن مسلمة، وكان يسمى الراهب لفقهه ونسكه، من مؤلفاته: كتاب في الحجة، كتاب الرسالة. توفي قبل المائتين والأربعين تقريبًا. انظر: الديباج: 30، شجرة النور: 1/ 96.

كتاب الصلاة

كتاب الصّلاة 99 - مسألة: [قال مالك- رحمة الله عليه-]: التكبير في أول الأذان مرتان. وقال غيره من الفقهاء: أربع، إِلَّا أن أبا يوسف - في رواية الحسن (¬1) عنه - مثل قولنا. 100 - مسألة: ومن سنة الأذان الترجيح [عند مالك] وبه قال الشّافعيّ، خلافًا لأبي حنيفة. 101 - مسألة: الإقامة فرادى، وبه قال الشّافعيّ إِلَّا "قد قامت الصّلاة"، فإنها مثنى. وقال أبو حنيفة: الإقامة كلها مثنى مثنى. 102 - مسألة: يجوز أن يؤذن للصلاة في الصُّبح قبل وقتها، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف. ¬

_ (¬1) هو: أبو علي الحسن بن زياد اللؤلؤي مولى الأنصار: أحد أصحاب أبي حنيفة، الفقيه المحدث، ولي القضاء بالكوفة ثمّ استعفى عنه، وصفه السرخسي بالمقدم في السؤال والتفريع، من مؤلفاته: المقالات. توفي: 204 هـ. انظر: الجواهر المضية: 2/ 56، الطبقات السنية برقم (676).

103 - مسألة

وقال أبو حنيفة ومحمد والثوري: لا يجوز ذلك. 103 - مسألة: ويزاد في أذان الصُّبح بعد "حي على الفلاح" "الصّلاة خير من النوم": مرتين، وبه قال الشّافعيّ في القديم، وكرهه في الجديد. وقال أبو حنيفة: يقول المؤذن ذلك بعد فراغه من الأذان. 104 - مسألة: الأذان سنة، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال أهل الظّاهر: إنّه فرض. 105 - مسألة: يجوز للمؤذن أخذ الرزق على الأذان والإقامة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يلزم هذا العقد، ولا يملك. 106 - مسألة: ويستحب أن يؤذن على طهارة، فإن كان محدثًا أجزأه، وكذلك الجنب. وقيل: لا يؤذن إِلَّا طاهرًا ولا يجزئ محدثًا. 107 - مسألة: صلاة [الظهر] تجب بأول الوقت [بزوال الشّمس] وجوبًا موسّعًا، إلى أن يصير ظل كلّ شيء مثله، وهو آخر وقتها المختار عندنا، وبه قال الشّافعيّ وأصحابه غير المزني، فإنّه قال: إذا صار ظل كلّ شيء مثله، فهو الوقت المضيق، ولو صلَّى بعده بقليل كان قاضيًا للظهر عنده. ومذهب أبي حنيفة أن وجوب صلاة [الظهر] متعلّق بآخر وقتها، وإن صلَّى في أوله كان نفلًا، ولو بقي على حال سليمة يصح معها أن يكون مخاطبًا بها، ناب ذلك الفعل عن الواجب، ولو مات أو جن أو أغمي

108 - مسألة

عليه، أو حاضت المرأة قبل بلوغ آخر الوقت، كانت صلاته في أول الوقت نفلًا وليس بفرض. وقيل عنه: إنَّ صلاته في أول الوقت نفل على كلّ حال. وقيل: إنّه واجب موقوف على ما يظهر من حاله آخر الوقت من السلامة وغيرها كما بيَّنا. والفقهاء بأسرهم على خلاف ذلك. 108 - مسألة: آخر وقت الظهر المختار إذا صار ظل الشيء مثله، بعد القدر الّذي زالت عليه الشّمس، وبه قال الشّافعيّ. غير أنّه يقول: هو الوقت المضيق للمقيم. وقال المزني مثل قولنا. وهو قول أبي حنيفة، [فيما روى الحسن بن زياد في رواية] أبي يوسف [عنه] وبه قال، وكذلك محمَّد. 109 - مسألة: الوقت المختص بالظهر: من زوال الشّمس إلى أن يمضي مقدار ما يصلَّى فيه أربع ركعات، لا مدخل للعصر فيه. ووقت العصر المختص به: قبل مغيب الشّمس بمقدار أربع ركعات لا مدخل للظهر فيه. وما بين ذلك: وقت مشترك للظهر والعصر في باب الإجزاء (¬1). والذي نقوله: [من] أن آخر وقت الظهر إذا صار ظل الشيء مثله، وهو أول وقت العصر، فهذا وقت الاختيار. وخالفنا أبو حنيفة والشّافعيّ في الفصل الأوّل والثّاني. ¬

_ (¬1) في الأصل: "الأجر". والمثبت من (ط). وهو الأصح.

110 - مسألة

110 - مسألة: آخر وقت الظهر: هو أول وقت العصر على سبيل الاشتراك، فمن أخر الظهر [8 /ب] حتّى صار ظل كلّ شيء مثله، كان له أن يبتدئها وليس بمسيء، وغيره يصلّي العصر في ذلك الوقت. وقال الشّافعيّ: من دخل في الصّلاة فكان فراغه منها حين صار الظل مثله، فهو مصلٍّ لها في وقتها، و [أمّا]، ما بعدها من الوقت المستأنف بعد زيادة [ما] على المثل، فهو وقت العصر، على الرِّواية المشهورة. وقال أصحاب أبي حنيفة: أول وقت العصر: إذا صار الظل مثليه (¬1)، وآخر وقتها غروب الشّمس. 111 - مسألة: وقت صلاة المغرب: غروب الشّمس، وقت واحد لا تؤخر عنه في الاختيار، وهو قول الأوزاعي والشّافعيّ في أظهر أقواله. وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق: لها وقتان، وبه قال ابن عبد الحكم، أن لها وقتين. 112 - مسألة: الشفق: الحمرة الّتي تكون في المغرب بعد غروب الشّمس، وهو أول وقت العشاء المختار، وبه قال الشّافعيّ ومحمد وأبو يوسف وابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة والمزني: الشفق: البياض الّذي بعده العمرة، فإذا غاب وجبت صلاة العشاء الآخرة. 113 - مسألة: يستحب تأخير الظهر عن الزَّوال، قليلًا حتّى يكون الفيء ذراعًا، وكذلك تأخير العصر قليلًا عن كون الظل قامة. ¬

_ (¬1) في الأصل: "مثله". والمثبت من (ط). وهو الأصح.

114 - مسألة

وقال الشّافعيّ: الأفضل تقديمها عند الزَّوال. 114 - مسألة: الاختيار في صلاة الصُّبح التغليس، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: الاختيار الجمع بين التغليس والإسفار، فإن فاته ذلك فالإسفار أولى به من التغليس. 115 - مسألة: [قال مالك: و] المغمى عليه يفيق، والحائض تطهر، والكافر يسلم، والصبي يحتلم، والمجنون يفيق، كلّ هؤلاء يصلون الصّلاة الّتي يدركونها بإدراك ركعة بسجدتيها من آخر وقتها، فإن لم يدركوا منها مقدار ركعة بسجدتيها بعد الفراغ [ممّا يلزمهم] من الطّهارة، لم يجب عليهم [أن يصلوها]، وتبيّن أنّهم غير مخاطبين بها ولا يقضونها، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه. واختلف قوله إذا أدركوا مقدار ركعة من العصر، فقال: يصلون الظهر والعصر، وكذلك إذا أدركوا مقدار تكبيرة الإحرام منها. وقال أبو حنيفة في المغمى عليه خاصّة: يقضي ما فات وقته إذا كان خمس صلوات فما دون، ولا يقضي ما زاد، وذكر عنه أن القياس لا يقضي، وقال فيمن عدا المغمى عليه: إنَّ أدركوا العصر في وقتها لم يقضوا الظهر؛ لأنّ ما بينها وبين صلاة العصر وقت يفوت فيه. واتفق أبو حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه: أنّهم إنَّ أدركوا من وقت صلاة مقدار تكبيرة الإحرام، فقد أدركوها. 116 - مسألة: صلاة الجماعة في غير الجمعة سنة، وبه قال جماعة الفقهاء. وقال داود: إنها فرض على الأعيان مثل الجمعة.

117 - مسألة

117 - مسألة: [قال مالك]: من أخطأ القبلة فاستدبرها أو شرّق أو غرّب باجتهاده، أعاد في الوقت استحبابًا. وقال أبو حنيفة: لا يعيد. وقال الشّافعيّ: إنَّ صلَّى [إلى] الشرق، ثمّ بأن له بعد فراغه أنّه صلَّى إلى الغرب، استأنف الصّلاة. وفصّل أصحابه هذا، فقالوا: إنَّ تبين له ذلك بيقين، فالمسألة على قولين: أحدهما: يعيد، والآخر: لا يعيد. فإن صلَّى باجتهاد ثمّ بأن له باجتهاد، فقولًا واحدًا: لا إعادة عليه. وبقول الشّافعيّ قال المغيرة (¬1)، ومحمد بن مسلمة. 118 - مسألة: إن بلغ الصبي في صلاته، وقد أدرك من وقتها مقدار ما يصلّي فيه ركعة من العصر- مثلًا - قبل غروب الشّمس وهو في أثنائها، فإنّه يقطع الصّلاة ويستأنفها بعد البلوغ بنية الفرض. وقال أبو حنيفة: يتمها ويعيد العصر. وكذلك عندنا لو صلَّى في أول الوقت، ثمّ بلغ في آخره فإنّه يعيد، خلافًا للشافعي، وسواء أدرك [9/ أ] مقدار ركعة، أو مقدار تكبيرة الإحرام، على خلاف بينهم في مقدار التكبيرة. وقال الشّافعيّ: يسقط فرضه بالصلاة الّتي هو فيها، وتنوب عن فرضه الّذي لزمه بعد البلوغ. ¬

_ (¬1) هو: أبو هاشم المغيرة بن عبد الرّحمن المخزومي: الإمام الفقيه المحدث، من أجلّ تلاميذ مالك، وأحد من دارت عليهم الفتوى بالمدينة بعد مالك، أخرج له البخاريّ، وله كتب فقه قليلة في أيدي النَّاس. توفي: 188 هـ. انظر: الديباج: 347، شجرة النور: 1/ 84.

119 - مسألة

119 - مسألة: إذا كبّر المصلّي، فليقل: "الله أكبر"، لا يجوز غيره. وقال الشّافعيّ: يجوز [بعد ذلك] "الله الأكبر". وقال أبو حنيفة ومحمد: يجوز له أن يدخل في الصّلاة بكل ذكر يقصد به تعظيم الله تعالى، مثل: ["الله أكبر"، و] "الله أجلّ"، "الله أعظم"، وما أشبه ذلك. وقال أبو يوسف: لا يجزئ إِلَّا بلفظ التكبير. 120 - مسألة: تكبيرة الإحرام من الصّلاة [عندنا]، وبه قال الشّافعيّ. وقال الكرخي - من أصحاب أبي حنيفة -: إنها ليست من الصّلاة، وإن الصّلاة تقع بعدها. 121 - مسألة: لا يرفع المصلّي يديه إِلَّا في تكبيرة الإحرام. وروي عن أشهب: أن الإمام إذا ركع يرفع يديه، ويرفع من خلفه، وليس بلازم، وفيه سعة. وروى ابن وهب: إذا ركع وإذا رفع. وقال أبو حنيفة: لا يرفع فيما عدا تكبيرة الإحرام. وقال الشّافعيّ: يرفع عند كلّ خفض ورفع. 122 - مسألة: يرفع يديه حذو منكبيه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يرفع يديه إلى أذنيه. وذلك كله عندنا واسع، والاختيار حذو منكبيه.

123 - مسألة

123 - مسألة: اختلفت الرِّواية عن مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصّلاة: فروى عنه ابن عبد الحكم أنّه قال: لا بأس بذلك. وروى عنه ابن القاسم: المنع منه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ مثل قول مالك الأوّل. 124 - مسألة: التوجيه ليس بواجب ولا مسنون، والواجب: التكبير والقراءة عقيبه. وقال أبو حنيفة: المسنون التسبيح بعد التكبير، وبه قال محمَّد. وقال أبو يوسف: يجمع بين التسبيح والتوجيه، وهو مخير يبدأ بأيهما شاء. وقال الشّافعيّ: يقرأ بعد قوله: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79]. 125 - مسألة: ولا يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} سرًّا ولا جهرًا [في مكتوبة ولا نافلة، وليست عنده من فاتحة الكتاب، ولا من أول كلّ سورة]، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: هي آية من فاتحة الكتاب، وله قول: إنها [آية] من أول كلّ سورة. 126 - مسألة: عندنا وعند الشّافعيّ أن الإمام والمنفرد لا تجزئه صلاته بدون فاتحة الكتاب.

127 - مسألة

وقال أبو حنيفة: الواجب [من القراءة] ما تناوله اسم (¬1) القرآن، في أحد قوليه وهي صحيحة. وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجزئه إِلَّا ثلاث [آيات] قصار، أو آية طويلة مثل آية الدِّين. 127 - مسألة: قال أبو حنيفة: القراءة واجبة في ركعتين في الصّلاة الرباعية والثلاثية، وليست بواجبة في باقيها. وقال مالك والشّافعيّ: إنها واجبة في الجميع على المنفرد والإمام [في كلّ ركعة]. ويقول الشّافعيّ: إنها تجب على المأموم أيضًا. 128 - مسألة: قال مالك: ويقرأ مع الإمام فيما يسر فيه دون الجهر. وعند أبي حنيفة: لا يقرأ المأموم [خلف الإمام] أصلًا. وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: مثل قولنا. والآخر: مثل أبي حنيفة. والئالث: إنها واجبة على الإمام والمأموم في كلّ حال. 129 - مسألة: الصّلاة الوسطى [عندنا]: صلاة الصُّبح، وبه قال الشّافعيّ، وهو قول: ابن عبّاس وابن عمر وجابر -رضي الله عنهم-، وعطاء وعكرمة (¬2) ¬

_ (¬1) في الأصل: "الاسم من". والمثبت من (ط): وهو الأصح. (¬2) هو: أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله القرشي مولاهم المدني البربري الأصل: التابعي الثقة الثبت العالم بالتفسير، مولى عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما، روى عنه وعن ابن عمر وابن عمرو رضي الله عنهم وغيرهم، أخرج له الستة. توفي: 107 هـ. انظر: السير: 5/ 13، التهذيب: 7/ 234.

130 - مسألة

وطاووس (¬1) ومجاهد (¬2). وذهب قوم إلى أنّها: الظهر، وهو قول: عائشة وأبي سعيد وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- روايتان. وذهب قوم إلى أنّها العصر، وهو مذهب علي -رضي الله عنه -. وحكى مالك أنّه بلغه عن علي -رضي الله عنه - أنّها صلاة الصُّبح، و [إليه ذهب] أبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة -رضي الله عنهما-، وعبيدة السلماني (¬3). وذهب قبيصة بن ذؤيب (¬4) إلى أنّها المغرب. وقال معاذ بن جبل -رضي الله عنه -: إنها الصلوات الخمس؛ لأنّها وسط الدِّين [9/ ب]. 130 - مسألة: عند مالك أن الإمام إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] لا يقل: "آمين". ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الرّحمن طاووس بن كيسان اليماني الحميري الجندي: التابعي الفقيه عالم اليمن، سمع من زيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم وغيرهم، ولازم ابن عبّاس بمدة وهو معدود في كبراء أصحابه، أخرج له الستة. توفي: 106 هـ. انظر: السير: 5/ 38، التهذيب: 5/ 8. (¬2) هو: أبو الحجاج مجاهد بن جبر المخزومي مولاهم المكي، مولى السائب بن أبي السائب؛ التابعي الثقة شيخ القراء والمفسرين، تفقه على يد ابن عبّاس رضي الله عنهما، وروى عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم، أخرج له الستة. توفي: 101 هـ. انظر: السير: 4/ 449، التهذيب: 10/ 38. (¬3) هو: أبو عمرو عبيدة بن عمرو السلمإني المرادي الكوفي: تابعي كبير مخضرم فقيه: أسلم قبل وفاة النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ولم يلقه، روى عن علي وابن مسعود وابن الزبير رضي الله عنهم وغيرهم، أخرج له الستة. توفي: 72 هـ. انظر: السير: 4/ 40، التهذيب: 7/ 78. (¬4) هو: أبو سعيد قبيصة بن ذؤيب الخزاعي المدني: التابعي الكبير الإمام الفقيه، روى عن عمر وعثمان وبلال رضي الله عنهم وغيرهم، كان من فقهاء أهل المدينة وصالحيهم. أخرج له الستة: توفي: 86 هـ. انظر: السير: 4/ 282، التهذيب: 8/ 311.

131 - مسألة

وروي عنه أنّه يقولها فيما يسر فيه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يقولها في السر والجهر. واختلفا في الجهر بها: فقال الشّافعيّ: سنتها الجهر. وقال أبو حنيفة: السر. 131 - مسألة: [اختلف النَّاس في الإمام والمأموم]، قال مالك (¬1) يقول الإمام: "سمع الله لمن حمده"، [ويقول المأموم]: "رَبَّنَا لك الحمد"، [لا يجمعها واحد منهما] (¬2). وقال أبو حنيفة: المأموم يقول: "سمع الله لمن حمده" حسب. وقال الشّافعيّ: يجمعهما جميعًا كالإمام، وهو قول محمَّد وأبي يوسف في الإمام. والظاهر من قول أبي حنيفة مثل قولنا لا يجمعهما الإمام ولا المأموم. وعنه (¬3) في المنفرد روايتان أنّه يجمعهما. 132 - مسالة: قال أبو حنيفة: الاعتدال من الركوع [و] في الركوع غير واجب، وأدناه يجزئ. وقال الشّافعيّ: هو واجب. ولم أجد لمالك في وجوبه نصًّا، ولا عدم وجوبه، [بل الظّاهر أنّه يفعل ذلك، ولم يتبين في أنّه واجب أو غير واجب]. و [رأيت] بعض أصحابنا يقول: الواجب ما كان أقرب إلى الاعتدال. ¬

_ (¬1) في الأصل: "أبو حنيفة والشّافعيّ". والمثبت من (ط): وهو الأصح. (¬2) في الأصل: "جميعًا". والمثبت من (ط): وهو الأصح. (¬3) في الأصل: "عن مالك". والمثبت من (ط): وهو الأصح.

133 - مسألة

ويقوى في نفسي وجوبه، على ظاهر المذهب في فعله. 133 - مسألة: قال مالك: والجلوس في الصّلاة كلها بين السجدتين والجلستين سواء؛ يفضي بوركه الأيسر إلى الأرض، وينصب قدمه اليمنى. وعند أبي حنيفة كله يضع رجله اليسرى مبسوطة تحته، وينصب قدمه اليمنى، ووافقه الشّافعيّ في ذلك. إِلَّا في الجلسة الأخيرة، فإنّه يوافق مالكًا فيما ذهب إليه. 134 - مسألة: [عند مالك]: التشهد الأخير ليس بفرض، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: إنّه فرض. 135 - مسألة: الصّلاة على النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عند مالك ليس بفرض. وقال ابن الموّاز (¬1) إنها واجبة. والمشهور عن أصحابنا أنّها واجبة في الجملة على الإنسان أن يأتي بها مع الشهادتين، ولو مرّة واحدة في الدهر مع القدرة على ذلك. 136 - مسألة: السّلام من الصّلاة، فرض عند مالك والشّافعيّ، لا يخرج من الصّلاة بدونه، كما لا يصح الدخول في الصّلاة بدون التكبير. ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله محمَّد بن إبراهيم الإسكندري المعروف بابن الموّاز: الإمام الفقيه الحافظ، تفقه بابن الماجثون وابن عبد الحكم، من مؤلفاته: الكتاب الكبير المعروف بالموّازية، وهو من أجل أمهات كتب المالكية. توفي: 281 هـ. انظر: الديباج: 232، شجرة النور: 1/ 102.

137 - مسألة

وقال أبو حنيفة: يصح الخروج من الصّلاة بكل مضاد لها من قول أو فعل، ولا يتعين السّلام. 137 - مسألة: ستر العورة عندنا على وجهين: فبعض أصحابنا يقول: إنها من سنن الصّلاة، وإليه ذهب القاضي إسماعيل (¬1) وأبو الفرج، بعد أن ذكر أنّه يجيء على المذهب أن يكون فرضًا؛ لقول مالك في الكفارة: إن كسا فيها نساء؛ فدرع وخمار، وإن كانوا رجالًا؛ فثوب ثوب، وذلك أدنى ما تجزئ فيه الصّلاة. وقال أبو بكر الأبهري: ستر العورة فرض على الإنسان في الجملة عن [أعين] الخلق في الصّلاة وغيرها، وفي الصّلاة آكد. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: إنها من فروض الصّلاة. 138 - مسألة: [عندنا أن] حد العورة: ما بين السرة والركبة، وليست السرة و [لا] الركبة منها، هذا في الرَّجل، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ، غير أن أبا حنيفة يقول: إنَّ انكشف ربع ساق المرأة أو يدها (¬2) صحت صلاتها، وكذلك إنَّ انكشف ربع فخذ الرَّجل صحت صلاته، وإن كان أكثر بطلت، وليس لها حد عندنا، ولا عند الشّافعيّ. وقال قوم: حد العورة السوأتان حسب. ¬

_ (¬1) هو: القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق الجهضمي البغدادي المالكي: الإمام الفقيه الحافظ، تفقه بابن المعذّل، وبه تفقّه المالكية من أهل العراق، وانتشر هناك المذهب، من مؤلّفاته: أحكام القرآن، والمبسوط في الفقه. توفي: 284 هـ. انظر: الديباج: 92، شجرة النور: الم 97. (¬2) في الأصل: "بدنها". والمثبت من (ط): وهو الأصح.

139 - مسألة

139 - مسألة: [عند مالك أن] المرأة كلها عورة، وبه قال الشّافعيّ، ولا يجوز لها أن تكشف غير وجهها وكفيها. وقال أبو حنيفة ومحمد: إنَّ انكشف ربع قدمها، أو ربع فخذ الرَّجل، فذلك جائز، وكذلك إنَّ انكشف من السوأتان مقدار الدرهم، ولا يجوز بأكثر منه. وقال أبو يوسف: يعتبر النّصف من ذلك. 140 - مسألة [10/أ]: [عند مالك]: التسبيح في الركوع والسعير واجب، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال قوم: "سُبحان ربّي العظيم" في عينه واجب في الركوع، وفي السجود: "سُبحان ربّي الأعلى" - خرّجه التّرمذيّ وغيره- (¬1). ولو قال غيره من الأذكار لم يجزِه. وقال قوم من أهل الظّاهر: إنّه واجب على الإطلاق، وإن تركه ساهيًا أو عامدًا لم يجزِهِ. 141 - مسألة: المستحب للمصلّي [عند مالك] أن يضع يديه في الأرض إذا هوى للسجود قبل ركبتيه، وبه قال الأوزاعي. ¬

_ (¬1) عنده حديثان: الأوّل: عن ابن مسعود رضي الله عنه (261) وقال فيه: ليس إسناده بمتصل. وأخرجه: أبو داود (886)، وابن ماجه (890). ومطلعه: "إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه ... ". والثّاني: عن حذيفة رضي الله عنه (262) وقال: وهذا حديث حسن صحيح. كما أخرجه: مسلم (772) وأبو داود (871) والنسائي (1046) وابن ماجة (897). وفيه: "فكان يقول في ركوعه ... ".

142 - مسألة

وقال مالك أيضًا: يضع أيهما شاء قبل [صاحبه، وأنّه واسع]. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يقدم ركبتيه. 142 - مسألة: [عند مالك] إذا قام من السجود في الركعة الأولى، نهض من غير جلوس، وكذلك في الثّالثة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يجلس جلسة خفيفة، ثمّ ينهض. 143 - مسألة: إذا سجد على أنفه دون جبهته لم يجزِهِ مع القدرة عليه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يجزئه، وهو أصح قوليه. وروي عنه: أنّه لا يجوز، وهو قول أبي يوسف ومحمد. وأوجب قوم من أصحاب الحديث السجود على الجبهة والأنف جميعًا. 144 - مسألة: إذا عجز عن السجود على الجبهة، أومأ إيماءً. وقال أبو حنيفة: يجزئه على الأنف، وبه قال أشهب. 145 - مسألة: يجوز السجود على كور العمامة عند مالك. وقال ابن حبيب (¬1) يجوز على ما خف من طاقاتها، وبه قال أبو حنيفة. ¬

_ (¬1) هو: أبو مروان عبد الملك بن حبيب السلمي القرطبي المالكي: الإمام في الحديث والفقه واللُّغة، تفقه بابن الماجشون ومطرف، من مؤلفاته: الواضحة في الفقه والسنن، كتاب في فضل الصّحابة، وشرح غريب الموطَّأ. توفي: 238 هـ. انظر: الديباج: 154، شجرة النور: 1/ 111.

146 - مسألة

وقال الشّافعيّ: لا يجوز. 146 - مسألة: [عند مالك] التشهد الأوّل ليس بفرض، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ والثوري. وقال اللَّيث بن سعد وأبو ثور وإسحاق وأحمد: إنّه واجب. 147 - مسألة: [عند مالك: أن] قراءة الفارسية وغيرها من اللغات لا تصح بها الصّلاة، وبه قال الشّافعيّ وغيره. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: لا تجزئه إن كان يحسن العربيّة، وإن لم يحسن أجزأته. وقد سئل أبو حنيفة عن القراءة بالفارسية؟ فقال: إنَّ كان يسمى قرآنًا أجزأه، ولم يبيّن هل يسمّى قرآنًا أم لا؟ 148 - مسألة: [عند مالك] يدعو المصلّي في صلاته بما شاء وأحب (¬1)، وبه قال الشّافعيّ، وسواء كان ممّا يوجد في القرآن أم لا، حتّى لو قال في صلاته: اللَّهُمَّ ارزقني ألف دينار صح. وقال أبو حنيفة: لا يدعو إِلَّا بما في القرآن من الأدعية. 149 - مسألة: تجوز [عند مالك] صلاة الرَّجل إلى جنب المرأة وهما في صلاة واحدة، والاختيار: أن لا يقف إلى جانبها، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: تبطل صلاة الرَّجل والمرأة جميعًا. ¬

_ (¬1) في الأصل: "واجب". والمثبت أصح.

150 - مسألة

150 - مسألة: [عند مالك: أنّه] لا يقطع صلاة المصلّي مرور الحائض والحمار والكلب الأسود [بين يديه]، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وزعم قوم أن ذلك يبطل الصّلاة، وهو قول ابن عبّاس والحسن وأنس -رضي الله عنهم-. 151 - مسألة: [قال مالك]: ومن غلبه الحدث في الصّلاة بطلت صلاته، ولا يبني بعد الوضوء، وبه قال الشّافعيّ في الجديد. وعند أبي حنيفة: أنّه [يتطهر و] يبني، وهو قول الشّافعيّ في القديم. 152 - مسألة: [قال مالك: و] من تكلم في صلاته ناسيًا لم تفسد، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إنها تفسد. 153 - مسألة: [عند مالك: أن] الكلام لإصلاح الصّلاة عمدًا لا يفسدها، مثل قوله للإمام: "بقيت عليك ركعة أو نحوها"، أو يسأله الإمام عن شيء تركه فيجيبه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: كلّ ذلك يبطل الصّلاة. وقال الأوزاعي: إن تكلّم لفرض وجب عليه لم تبطل، وإن كان غيره بطلت، والفرض الّذي لا تبطل به الصّلاة عنده، مثل: الّذي يردّ (¬1) [10 / ب] السّلام، أو يرى شخصًا يقع في بئر فينهاه. ¬

_ (¬1) في الأصل: "ترك". والمثبت من (ط): وهو الأصح.

154 - مسألة

154 - مسألة: [قال مالك]: ومن فاته شيء من صلاة الإمام، قضى مثل ما فاته. و [هذا يدلُّ على: أن] الّذي أدركه آخر صلاته، و [أنّه] يقضي أولها. وروي عنه: أن الّذي أدرك أول صلاته، وبه قال الشّافعيّ. وبالأول قال أبو حنيفة وأبو يوسف. و [قال] محمَّد: [الّذي يقضيه آخر صلاته، والذي أدرك أولها]. 155 - مسألة: [عند مالك: أن] سجود القرآن سنة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إنّه واجب. 156 - مسألة: عزائم السجود: إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصّل منها شيء، والإنسان غير في سجود المفصّل، إن شاء سجد أو ترك. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: في المفصّل ثلاث سجدات: في النجم والانشقاق والعلّق. 157 - مسألة: [عند مالك: أن] السجدة الأخيرة من سورة الحجِّ ليست بسجدة، وبه قال أبو حنيفة، وروي ذلك عن ابن عبّاس وابن عمر -رضي الله عنهم- في إحدى الروايتين عنه. وروي عن عمر وأبي موسى وأبي الدرداء -رضي الله عنهم- أنّهم سجدوا فيها، وهو قول الشّافعيّ. 158 - مسألة: [عند مالك]: سجود الشكر مكروه منفردًا عن الصّلاة، ومثله عن أبي حنيفة. وقيل عنه: إنّه ليس مسنونًا، ولا بأس به، وهو الصّحيح.

159 - مسألة

وقال محمَّد [والحسن] والشّافعيّ: إنّه مستحب. 159 - مسألة: [عند مالك: أنّه] لا يصلَّى على ظهر الكعبة ولا داخلها فريضة، ولا ركعتي طواف، ولا ما جرى مجراها من السنن المؤكدة. وإن صلَّى على ظهر الكعبة أو في جوفها أعاد في الوقت. وقال أصبغ (¬1) يعيد أبدًا. ويصلَّى فيها النوافل. وقال ابن جرير الطّبريّ: لا يصلَّى فيها فرض ولا نفل. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يصلَّى فيها الفرض والنافلة. 160 - مسألة: [عند مالك: أنّه] لا قضاء على المرتد فيما ترك من الصّلاة في حال ردته، وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي. وقال الشّافعيّ: مقضي. 161 - مسألة: إذا أسلم المرتد، وكان قد حج قبل ردته وجب عليه الحجِّ، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يجب عليه. 162 - مسألة: [عند مالك: أنّه] من شك في صلاته، فلم يدر أثلاثًا صلَّى أم أربعًا، بني على يقينه، وبه قال الشّافعيّ. ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله أصبغ بن الفرج المصري المالكي: الإمام الفقيه المحدث، سمع من تلاميذ مالك، كابن القاسم وأشهب وابن وهب، وتفمْه معهم وكان كاتبًا لابن وهب، من مؤلفاته: تفسير حديث الموطَّأ، وآداب القضاء. توفي: 225 هـ. انظر: الدبباج: 97، شجرة النور: 1/ 99.

163 - مسألة

وقال أبو حنيفة: إن كان ذلك أول ما وقع له، فسدت صلاته واستأنفها. 163 - مسألة: سجود السّهو [عند مالك] على وجهين: إن كان لنقص كان قبل السّلام، وإن كان لزيادة كان بعد السّلام، وهو قول الشّافعيّ في القديم. وقال في الجديد: الجميع قبل (¬1) السّلام. وقيل: [إنّه] ليس [له إِلَّا قولى واحد] (¬2)، وهو قبل السّلام. وقال أبو حنيفة: كله بعد السّلام. 164 - مسألة: [عند مالك] إذا [سها المصلّي] فقام إلى خامسة، وذكر ذلك في أثنائها جلس ولم يتمها، وتشهد وسلم، فإن لم يذكر إِلَّا بعد فراغه، فإنّه يسلم ويسجد، وبه قال الشّافعيّ وعطاء والحسن والليث والأوزاعي وأبو ثور وإسحاق. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنَّ صلَّى خمسًا ساهيًا نظر: فإن لم يقعد في الرّابعة قدر التشهد بطلت صلاته، وأضاف إلى الخامسة سادسة وكانت نافلة، وأعاد فرضه. وإن جلس فيها مقدار التشهد، فصلاته مجزئة، وأضاف إلى الخامسة ركعة أخرى تكونان نافلة. وإن ذكر وهو في الخامسة قبل أن يسجد، ولم يكن جلس في الرّابعة، رجع إليها وأتمها كما قلنا، ويسجد بعد السّلام. ¬

_ (¬1) في الأصل: "بعد". والمثبت من (ط). (¬2) في الأصل: "الأقوال". والمثبت من (ط): وهو الأصح.

165 - مسألة

165 - مسألة: اختلفنا مع أبي حنيفة في تكبير الركوع والسجود، فقال: إذا سها عنه لم يسجد، ووافقنا في [تكبيرات] العيدين، وفي السورة مع فاتحة الكتاب، والسر في موضع الجهر، والجهر في موضع السر. والفرض عنده قراءة غير معيّنة، وقراءة أم القرآن سنة، فإن تركها [11/أ] ناسيًا سجد، والركعتين الآخرتين من الرباعية لا قراءة فيهما، وإن أخر فاتحة الكتاب من الأوليين ناسيًا، وقرأها فيهما سجد. وعندنا فاتحة الكتاب فرض، [والفرض لا ينجبر بالسجود]. 166 - مسألة: سجود السّهو [عندنا]، في ترك الأفعال المسنونة. وفي إحدى الروايتين: في الأقوال واجب، إن تركه بطلت صلاته. ورأيت لابن الموّاز عن ابن القاسم: أن سجود النقصان إذا تركه أو طال أو انتقض وضوءه، أعاد الصّلاة احتياطًا في الفعل والقول. وهذا محتمل موافقة أبي حنيفة في أنّه واجب، ولا يتعلّق به صحة الصّلاة، ويحتمل وفاق الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: هو واجب ولا يتعلّق به صحة الصّلاة، ويحتمل صحة الصّلاة. وقال الشّافعيّ: هو مستحب. 167 - مسألة: ما تركه من المسنون عامدًا فلا سجود [عليه]، في قول ابن القاسم، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يسجد [كما سجد] للسهو، وهو قول أشهب.

168 - مسألة

168 - مسألة: إنَّ سها لسهوين أو أكثر، لم يكن عليه إِلَّا سجدتان، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وربيعة والثوري وأبو ثور. وقالت طائفة: لكل سهو سجدتان. وحكي عن الأوزاعي: إنَّ كان [السّهو] من جنس واحد أجزأته سجدتان، وإن كان من جنسين سجد لكل سهو سجدتين. 169 - مسألة: إذا سها الإمام سهوًا يوجب السجود فلم يسجد، وكان يوجب السجود قبل السّلام، سجد من خلفه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال عطاء وجماعة منهم المزني: لا يسجد من خلفه. 170 - مسألة: إذا صلَّى الجنب بقوم بطلت صلاته بلا خلاف؛ كان ناسيًا أو عامدًا، وكذلك المأموم إذا كان عالمًا يحدث الإمام بلا خلاف، وإن لم يكن [عالمًا و] الإمام [غير عالم]، صحت صلاة المأموم عند مالك والشّافعيّ. وقال الشّافعيّ أيضًا: تصح صلاة المأموم، إذا كان الإمام قاصدًا للحديث. وقال أبو حنيفة: هي باطلة [على الّذي بطلت به صلاة الإمام]. 171 - مسألة: اختلف النَّاس فيمن صلَّى أربع ركعات؛ ترك من كلّ ركعة منها سجدة، حتّى تشهد ذكر ذلك: فذهب مالك في الصّحيح عنه: إلى أنّه يسجد سجدة يكمل بها الركعة الأخيرة، ثمّ يبني على واحدة. وحكي عنه: إعادة الصّلاة. وقال أبو حنيفة: يقضي أربع سجدات متواليات.

172 - مسألة

وقال الشّافعيّ: إنّه يسجد [للركعتين الآخرتين]؛ فتصح له ركعتان، ويأتي بركعتين. 172 - مسألة: العادم للسترة يصلّي قائمًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يصلّي جالسًا إن اختار أو قائمًا. 173 - مسألة: القنوت في الصح عند مالك مستحب. وهو مسنون فيه عند الشّافعيّ. وعند أبي حنيفة: أنّه في الوتر. ومالك يقول: مستحب، والشّافعيّ يقول: مسنون. وقال أحمد: لا يجوز القنوت أصلًا. 174 - مسألة: [عند مالك: أن] من نام أو نسي صلوات مقدارها خمس فدون، وذكرها في وقت الصّلاة ابتدأ بما نسي، وإن فات وقت الحاضرة، وإن كن أكثر من خمس، وخاف ذوات الحاضرة بدأ بها، ووافق في ذلك أبو حنيفة. واختلف أصحابه: فمنهم من يعتبر ستًّا. وقال الشّافعيّ: الاختيار البداية بالحاضرة، وإن بدأ بالفائتة فهو أولى منها. 175 - مسألة: [عند مالك]: إذا سبّح في صلاته لشيء ينوبه، أو أشار إلى إنسان، لم تفسد صلاته. وقال أبو حنيفة: إنَّ أراد إنسانًا بطلت صلاته، وإن لم يقصد به خطابًا لغيره لم تبطل. وبقولنا قال الشّافعيّ.

176 - مسألة

176 - مسألة: أوقات النّهي عن الصّلاة عندنا أربعة، وقتان: نهي عن الصّلاة فيهما لأجل الفعل، ووقتان: لأجل الوقت. فأمّا ما نهي عنه؛ لأجل الفعل: فبعد العصر حتّى تغرب الشّمس، وبعد الصُّبح حتّى [11 /ب] تطلع، وهذا النّهي؛ لأجل [فعل الصّلاة] (¬1) العصر والصبح؛ لأنّه ما لم يصلهما وإن دخل وقتهما، يجوز له أن يصلّي ما شاء بلا خلاف، فإذا صلاهما لم يجز له أن يصلّي، إِلَّا الفرض إلى أن تغرب أو تطلع. فعلم أن النّهي؛ لأجل فعل الصّلاة، هذا موضع اتفاق. فأمّا ما نهي عنه؛ لأجل الوقلت: فعند بروز الشّمس قبل الارتفاع، وإذا تدلت للغروب قبل أن تغرب، فالنهي ها هنا؛ لأجل الوقت. وعند أبي حنيفة والشّافعيّ: وقت آخر وهو عند استواء الشّمس للزوال. فقولنا وقول الشّافعيّ وأبي حنيفة: إنَّ الفرض يقضى في الوقتين المنهي عنهما؛ لأجل الفعل. وزاد أبو حنيفة: صلاة الجنازة. وزاد الشّافعيّ: نافلة لها سبب. ووافقنا الشّافعيّ في أن الوقتين المنهي عنهما لأجل الوقت، أنّه تقضى فيهما الفرائض. وزاد الشّافعيّ: النوافل الّتي لها أسباب. وقال أبو حنيفة: لا يقضى فيهما فرض ولا نفل، وقال: من فاته عصر يومه، [لم يصلها] (¬2) عند تدلي الشّمس للغروب [ولا يجزئه]، وإن ¬

_ (¬1) في الأصل: "فضل" في الموضعين. والمثبت من (ط). (¬2) في الأصل: "صلاها". والمثبت من (ط).

177 - مسألة

فأتت صبح يومه، لم يصلها عند طلوع الشّمس، ولو صلَّى من الصُّبح ركعة ثمّ طلعت الشّمس بطلت صلاته. 177 - مسألة: النوافل الّتي لها أسباب لا تقضى عندنا في كلّ وقت، وأنّها تقضى في وقت يجوز التَّنَفّل فيه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: تقضى [ولو] بعد العصر وبعد الصُّبح، كالفرائض المنسية. 178 - مسألة: صلاة النفل مثنى مثنى في اللّيل والنهار، وبه قال الشّافعيّ والأوزاعي ومحمد وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة: إن شاء صلَّى ركعتين أو أربعًا أو ستًّا أو ثمانية بتسليمة واحدة لا يزيد عليها، وإن زاد لم تكن صلاة. وقيل عنه: أربع ركعات أفضل في صلاة اللّيل، فأمّا صلاة النهار: فلا يزيد على أربع بتسليمة. 179 - مسألة: [قال مالك]: التشهد في الصّلاة تشهد عمر -رضي الله عنه - أحب إلينا. والاختيار عند أبي حنيفة تشهد ابن مسعود -رضي الله عنه -. وقال الشّافعيّ: تشهد ابن عبّاس رضي الله عنهما أولى، وهو: "التَّحِيَّاتُ المُبارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّباتُ لله" (¬1). وأبو حنيفة: "التَّحِيَّاتُ لله الطَّيِّباتُ لله" (¬2). ¬

_ (¬1) حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه (403). (¬2) حديث صحيح متفق عليه؛ البخاريّ (1202)، ومسلم (402).

180 - مسألة

وقول مالك: "التَّحِيَّاتُ لله، الزَّاكِياتُ لله، الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لله" (¬1). 180 - مسألة: [عند مالك] الوتر مسنون، وبه قال الشّافعيّ ومحمد وأبو يوسف، وجميع الفقهاء. وعند أبي حنيفة: إنّه واجب، وليس بفرض، وله رواية (¬2): أنّه فرض. 181 - مسألة: [عند مالك] الوتر ركعة واحدة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: ثلاث ركعات يسلم في أخراهن. 182 - مسألة: [عند مالك] إذا أقيمت صلاة الصُّبح أو غيرها، ولم يكن ركع الفجر وهو في المسجد، لم يركع ودخل مع الإمام، ويترك ركعتي الفجر، وهو اتفاق. وقال أبو حنيفة: إنَّ كان خارج المسجد، فليركع عند باب المسجد الفجر، إذا علم أنّه يدرك مع الإمام ركعة من صلاته. وقال مالك: إن خاف فوات الركعة الأولى مع الإمام فلا يفعل، وبه قال الشّافعيّ. وقال مالك فيمن لم يوتر: إنّه يقطع صلاة الصُّبح في الجماعة، ويخرج فيوتر. وقال أيضًا: لا يقطع. وفرّق بين الوتر وركعتي الفجر. ¬

_ (¬1) حديث صحيح أخرجه مالك في الموطَّأ (240). (¬2) في الأصل: "أقوال". والمثبت من (ط).

مسائل الإمامة

مسائل الإمامة 183 - مسألة: [قال مالك]: القادر على القيام لا يأتم بمن لا يقدر على القيام قاعدًا، فإن صلَّى خلفه أعاد في الوقت. وقال مطرف وابن الماجشون: يعيد أبدًا. وروى الصمادحي (¬1) عن ابن القاسم في المرضى والمقاعد: لا بأس أن يؤم بهم أحدهم قاعدًا. وقال سحنون (¬2): لا يجوز لأحد أن يؤم قاعدًا، وإن أمَّ قاعدًا أجزته، وأعاد من خلفه. ¬

_ (¬1) في الأصل: "الصنانجي". والمثبت من (ط). وهو: أبو جعفر موسى بن معاوية الصمادحي: الإمام الثقة الأمين العالم بالحديث والفقه، سمع من ابن القاسم وغيره، وعنه أخذ فرات، وعامة فقهاء إفريقية، وابن وضاح. توفي: 225 هـ. انظر: طبقات علماء إفريقية: 106، شجرة النور: 1/ 103. (¬2) هو: أبو سعيد عبد السّلام بن سعيد التنوخي القيرواني المالكي، الملقب بسحنون (وهو الطائر الصغير): الإمام الجليل الفقيه، سمع من كبار أصحاب مالك كابن القاسم وابن وهب وأشهب، انتهت إليه الرياسة في العلم والفتوى بالقيروان، من مؤلفاته: المدوّنة، وعليها الاعتماد في المذهب. توفي: 240 هـ. انظر: الديباج: 160، شجرة النور: 1/ 103.

184 - مسألة

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشّافعيّ [12/أ]: تصح إمامة الجالس بهم، ولا إعادة عليهم. 184 - مسألة: حكي عن أحمد بن حنبل: أن الإمام إذا لم يمكنه القيام، جاز لمن خلفه أن يصلّوا جلوسًا مثله مع قدرتهم على القيام، وبه قال الأوزاعي، وجابر وأبو هريرة وأسيد بن حصين وقيس بن فهد -رضي الله عنهم-. وجميع الفقهاء [بالأمصار] على خلافهم. 185 - مسألة: [قال مالك]: لا يأتم مفترض بمتنفل، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يأتم به. 186 - مسألة: إمامة الصبي لا تجوز [عند مالك]، وبه قال أبو حنيفة، خلافًا للشافعي. 187 - مسألة: لا يأتم القاري بالأمي ولا تصح صلاته، ويحتمل أن تبطل صلاة الأمي، إذا علم أن المؤتم قارئ، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان: أحدهما: أن الأمي يجوز أن يكون إمامًا للقارئ. والقول الآخر: لا تصح صلاة المؤتم، وصلاة الأمي [في نفسه] صحيحه. 188 - مسألة: وإن صلَّى مسلم خلف كافر عالمًا بكفره، فلا خلاف في بطلان صلاته.

189 - مسألة

وإن لم يعلم بكفره، فقال المزني: هي صحيحة، كما لو صلَّى خلف جنب. وقال باقي الفقهاء: باطلة علم أو لم يعلم. 189 - مسألة: إذا أمّ الكافر بالمسلمين، فإنّه يكون بذلك مسلمًا عند أبي حنيفة. وقال مالك في نصراني صحب قومًا مسلمين، فصلّى بهم إمامًا، ثمّ تبين لهم حاله، قال: يعيدون أبدًا، قيل له: أفيقتل بما أظهر من الإسلام؟ قال: لا أرى ذلك. وقال ابن القاسم: يكون مسلمًا بذلك، [إذا صلَّى صلاتنا]. وسئل مالك عن الأعجمي، يقال له: صلّ، فيصلّي ثمّ يموت، هل يصلَّى عليه؟ قال: نعم. وقال الشّافعيّ: لا يكون مسلمًا. 190 - مسألة: إذا صلَّى [المريض] إيماءً عاجزًا، ثمّ قدر على القيام، [قام و] بني على صلاته، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: [يقوم و] يبتدئ [ولا يبني]. ويقول: القادر إذا صلَّى ركعة ثمّ عجز، بطلت صلاته ولم يبن عليها. 191 - مسألة: لا يأتم رجل بامرأة، وبه قال سائر الفقهاء. إِلَّا أبا ثور والطّبريّ، فإنهما أجازا ذلك للرجال والنساء. وأجازه الشّافعيّ للنساء خاصّة.

192 - مسألة

وقال ابن أيمن (¬1): ومثله عندنا. 192 - مسألة: لا تجوز إمامة الفاسق. وتوقف مالك في الإعادة على من ائتم به، وقال: يعيد في الوقت. وقال أبو بكر الأبهري: هو على قسمين: فما كان فسقًا بتأويل، أعيدت الصّلاة في الوقت. وإن كان مجمعًا عليه أعيدت أبدًا، كمن ترك الطّهارة عامدًا، أو كمن زنى وشرب الخّمْرِ. وكذلك وجدته مسطورًا. 193 - مسألة: إذا كبّر المؤتم قبل الإمام تكبيرة الإحرام، لم تجزه وأعاد بعد الإمام وأجزأه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: تجزيه - في أحد قوليه - إذا كبّر قبله. 194 - مسألة: ومن وقف خلف الصف وحده أجزأته صلاته، ولا يجذب إليه أحدًا إذا لم يجد مدخلًا في الصف. ولو وجد مدخلًا في الصف، ولم يدخل وصلَّى وحده، أساء وصحت صلاته، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وغيرهما. وقال أحمد وإسحاق: يجب عليه الدخول في الصف، فإن وقف وحده، انعقدت صلاته، وإن ركع مع الإمام وقد انضم إليه آخر قبل الركوع أو فيه، فصلاته صحيحة، وإن ركع وحده بطلت صلاته بعد ركوعه، ولو ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله محمَّد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي المالكي: الإمام الحافظ الفقيه، سمع من ابن وضاح والقاضي إسماعيل، كان بصيرًا بمذهب مالك، صنف كتابًا على سنن أبي داود، جمع فيه بين الفقه والحديث. توفي: 330 هـ. انظر: الديباج: 320، شجرة النور: 1/ 131.

195 - مسألة

دخل آخر خلف الصف معه بعد ركوعه، بطلت صلاته أيضًا؛ لأنّ صلاة الأوّل باطلة؛ لأنّه ركع وراء الصف وحده، وكذلك الثّالث والرّابع. وقال النخعي: لا صلاة لمن صلَّى خلف الصف وحده، ولم يفصّل كأحمد. 195 - مسألة: لا يجوز دخول المشرك المسجد، ولا الكون فيه بإذن، ولا بغير إذن. وجوّزه الشّافعيّ في غير المسجد الحرام. وقال المزني مثل قولنا. وجوّزه أبو حنيفة افي المسجد الحرام وغيره. 196 - مسألة: [قال مالك]: من رعف في صلاته، فإن عقد ركعة [12/ ب] بسجدتيها، فإنّه يخرج ويزيل عنه الدِّم، ويبني إن كان قريبًا. وإن لم يعقد ركعة، فإنّه يخرج ويبتدئ. قال: والقياس أن يبتدئ وإن عقد ركعة. وخالفه غيره، فقال: يبتدئ الصّلاة على كلّ حال. 197 - مسألة: عند مالك الّذي يصلّي في دار محجورة [عليها، يصلّي] بصلاة الإمام في المسجد، وهو يسمع التكبير أن ذلك جائز، إِلَّا في الجمعة، فإنها لا تصح إِلَّا في الجامع ورحابه المتصلة به، ولا تصح في موضع مملوك، يتأتى فيه المنع في سائر الأوقات. وقال أبو حنيفة وعطاء بقولنا في سائر الصلوات وصلاة الجمعة. وقال الشّافعيّ: لا تجزئه، إِلَّا أن تتصل الصفوف، ويشاهدها في الجمعة وغيرها.

198 - مسألة

198 - مسألة: يصلّي المأموم بين يدي إمامه، وإن كان في دار بين يدي الإمام؛ [صحت صلاتهم بصلاة الإمام] على كراهية، وكذلك عند أبي حنيفة. وللشافعي قولان: أحدهما: مثل قولنا، والآخر: لا يجوز. 199 - مسألة: قال الشّافعيّ: يجوز لمن دخل مع الإمام في صلاة، فصلّى معه بعضها، أن يخرج ويتم بقية صلاته منفردًا، [لعذر و] لغير عذر. وخالفه أبو حنيفة. 200 - مسألة: والفقيه أولى بالإمامة من القاري، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: القاري أولى. 201 - مسألة: ينبغي للإمام أن يقف بعد الإقامة حتّى تعتدل الصفوف؛ [يريد بعد الإقامة كلها]، وبه قال الشّافعيّ ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا قال المؤذن: "حي على الصّلاة"، قام الإمام ومن معه، وإذا قال: "قد قامت الصّلاة"، كبّر وكبّر النَّاس بعده. 202 - مسألة: إذا أحدث الإمام استخلف، فإن لم يفعل استخلفوا هم، فإن لم يفعلوا وصلوا وحدانًا أجزأتهم صلاتهم، وإن افترقوا واستخلف كلّ طائفة منهم إمامًا بطلت صلاتهم. وقال الشّافعيّ: يجوز ذلك على كراهة. ووافقنا أبو حنيفة.

مسائل القصر

مسائل القصر 203 - مسألة: يجوز القصر في السَّفر المباح كما يجوز في الواجب. وقال ابن مسعود -رضي الله عنه -: لا تقصر الصّلاة إِلَّا في واجب؛ من حج وعمرة وجهاد، وبه قال داود. وسائر الفقهاء [يقولون] مثل قولنا. 204 - مسألة: قال داود: يجوز القصر في قليل السَّفر الواجب وكثيره بعد مجاوزة البنيان، ولو قصد إلى بستانه، وحكي ذلك عن علي -رضي الله عنه -. والجماعة على خلافه. 205 - مسألة: المدة الّتي تترخص فيها من السَّفر [عند مالك]: ثمانية وأربعون ميلًا (¬1)، وهي: ستة عشر فرسخًا (¬2)، وهي: أربعة برد، وكل بريد: أربعة ¬

_ (¬1) الميل: مقداره عند الحنفية (4000) ذراع = 1855 م، وعند المالكية (3500) ذراع = 1855 م، وعند الشّافعيّة والحنابلة (6000) ذراع = 3710 م. انظر؛ المكاييل والموازين الشرعية: 53. (¬2) الفرسخ: ثلاثة أميال، فعند الحنفية والمالكبة (5565) م، وعند الشّافعيّة والحنابلة (11130) م. انظر: المرجع السابق: 54.

206 - مسألة

فراسخ، ويقال: إنَّ الفرسخ: اثنا عشر ألف خطوة، وكل خطوة: ثلاثة أقدام، وكل ميل: اثني عشر ألف قدم يوضع بعضها عقيب بعض. وقال أيضًا: مسيرة يوم وليلة، ثمّ رجع إلى اعتبار الأميال، [غير أن مسيرة يوم وليلة تعتبر في الماشي. واعتبر أبو حنيفة مسيرة ثلاثة أيّام]. وقال الشّافعيّ - فيما حكي عنه -: يومين، أو يوم وليلة، وفسّره بمرحلتين. وقال أيضًا: ثلاثة مراحل. وقال: ستة وأربعون ميلًا. والصّحيح عنه مثل قولنا أربعة برد. قالوا: وقوله في القديم: لأكثر من أربعين ميلًا ولم يبين. وبمثل قولنا قال اللَّيث وأحمد وإسحاق، وابن عبّاس وابن عمر - رضي الله عنهم -. وقيل: إنَّ ابن مسعود -رضي الله عنه - حدده بثلاثة مراحل، وبه قال أبو حنيفة والثوري. وقال الأوزاعي: من النَّاس من يقول: يجوز في سفر مرحلتين، ومنهم من قال: ثلاث، وأنا أجوّزه على مرحلة واحدة. 206 - مسألة: اختلف أصحاب مالك في قصر الصّلاة في السَّفر: فقال إسماعيل وغيره: فرضه ركعتان، وبه قال أبو حنيفة. وقال باقي أصحاب مالك: هو غير بين الإتمام والقصر والمستحب القصر، و [إليه] ذهب الأبهري. وهو اختياري. وحكى أبو مُصْعَب عن مالك: أن من سنة [13/ أ] المسافر قصر الصّلاة.

207 - مسألة

وقال الشّافعيّ: هو مخير، والإتمام أفضل. وبالتخيير قال أبو ثور (¬1) وأبو قلابة (¬2)، وعائشة وسعد ابن أبي وقّاص وأنس بن مالك -رضي الله عنهم-. وروي عن عمر وابن عبّاس [وابن عمر]-رضي الله عنهم-: أن القصر واجب. وقال أبو حنيفة: إن جلس للتشهد في الركعة الثّانية ثمّ قام إلى الثّالثة، صحت صلاته ركعتين وكان الباقي نافلة، وإن لم يجلس في الثّانية قدر التشهد حتّى قام إلى ثالثة، بطلت صلاته، وهو مبني على أصله: أن السّلام ليس بفرض. 207 - مسألة: اختلف النَّاس في [قصر] المسافر، هل يحتاج إلى نيّة في القصر أم لا؟ فقال ابن القاسم: إن أحرم مسافر ينوي أربعًا فسلّم من اثنتين، لم يجزه. وقال بعض أصحابنا: يجزئه. وقال الشّافعيّ: لا بدَّ من نيّة القصر. ويجيء على مذهب أبي حنيفة أنّه لا يحتاج إلى نيّة [القصر]. 208 - مسألة: [عند مالك]: من عزم على مقام أربعة أيّام بلياليها عزيمة استقرار أتمّ الصّلاة، وبه قال الشّافعيّ، ولا يتم بدون ذلك. ¬

_ (¬1) في الأصل: "بو يوسف". والمثبت من (ط). انظر: المجموع: 4/ 230. (¬2) هو: أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري: الإمام التابعي أحد الأعلام، روى عن ثابت الضحاك وابن عبّاس وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهم، كان ثقة كثير الحديث، أخرج له الستة. توفي: 104 هـ. انظر: السير: 4/ 468، التهذيب: 5/ 197.

209 - مسألة

وذهب أبو حنيفة إلى أنّه لا بدَّ من نيّة الإقامة خمسة عشر يومًا، وما دونها في حكم السَّفر عنده، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- مثله. وقال الأوزاعي: اثنا عشر يومًا، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أيضًا مثله. وعن علي وابن عبّاس -رضي الله عنهم-: عشرة أيّام. وقال ربيعة: إنَّ نوى إقامة يوم وليلة أتمّ الصّلاة. 209 - مسألة: [قال مالك]: ومن كان في أرض العدو من سرايا المسلمين خائفًا، إِلَّا أنّه يقيم بعزيمة أكثر من أربعة أيّام، فإنّه يقصر صلاته؛ لأنّه لا يدري متى يقلع، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: إن كانوا ينتظرون إلى أن يعودوا اليوم، أو يعودوا غدًا، وكل يوم وكل غد ينتظرون فلا عزيمة مستقرة، جاز لهم أن يقصروا إلى ثمانية عشر يومًا أو سبعة عشر، وإذا جاز هذا القدر، فهل له أن يقصّر أم لا؟ على قولين: أحدهما: أن يقصر أبدًا، والآخر: لا يزيد على ثمانية عشر يومًا. 210 - مسألة: ومن نسي صلاة في سفره فذكرها في حضر فليصلها سفرية، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان: أحدهما: مثل قولنا، والآخر: حضرية. وحكي عن داود فيمن نسي صلاة حضر فذكرها في سفر، أنّه يصلّيها صلاة سفر إن اختار؛ لأنّه يراعي وقت الأداء. 211 - مسألة: عندنا وعند أبي حنيفة والشّافعيّ: أن من لم يصلّ العصر مثلًا، وهو حاضر وقد دخل وقتها الموسّع، ثمّ سافر وقد بقي من وقتها قدر ركعة، أن يصلّيها صلاة سفر.

212 - مسألة

وحكي عن داود: أنّه إذا سافر بعد دخول وقتها الموسع، صلّاها صلاة حضر، ولم يعتبر حكمه عليها بالسفر؛ لدخول وقتها قبله. 212 - مسألة: من كان في سفينة قادرًا على القيام، وأراد صلاة فرض ففرضه القيام عندنا، وعند الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إذا كانت السفينة تجري، صلَّى فيها قاعدًا إن شاء، وإن كانت مربوطة صلَّى قائمًا. وقال أبو يوسف ومحمد مثل قولنا. 213 - مسألة: إنَّ دخل مسافر مع مقيمين فأدرك ركعة بسجدتيها, صلَّى صلاة مقيم، وإن أدرك دون ذلك، صلَّى صلاة سفر. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: إن أدرك التشهد صلَّى صلاة حضر. 214 - مسألة: ولا يتنفل المسافر على الدابة، إِلَّا في سفر يقصر في مثله الصّلاة، حيث ما توجّهت به. وقال الشّافعيّ: يجوز ذلك في كلّ سفر. 215 - مسألة: الصوم في السَّفر في رمضان أحب إلينا. وقال فقهاء الأمصار: صومه صحيح. وقال قوم من أهل الظّاهر: لا يصح صومه، وروي عن عمر وابن عبّاس وأبي هريرة -رضي الله عنهم- هذا المذهب.

216 - مسألة

216 - مسألة: العاصي بسفره لا يترخص برخص المسافر [13/ب]، وبه قال الشّافعيّ، وزاد علينا: أنّه إن اضطر لم يأكل الميِّتة. ولا أعرف فيه نصًا عن مالك. وأصحابه يقولون: إنّه يأكل الميِّتة. والأمر عندي محتمل. وعند أبي حنيفة: يترخص الرخص كلها. 217 - مسألة: [وعندنا]: يجمع بين صلاتي الفرض في وقت أحدهما: في المرض والسفر وباللّيل في المطر، وبه قال الشّافعيّ، وزاد: الجمع بين الظهر والعصر في المطر (¬1). وقال أبو حنيفة: لا يجمع بين صلاتي فرض، إِلَّا بعرفة والمزدلفة. ¬

_ (¬1) في الأصل: "الحضر". والمثبت من (ط): وهو الأصح.

مسائل الجمعة

مسائل الجمعة 218 - مسألة: [عند مالك: أن] الجمعة فرض على الأعيان، وبه قال أبو حنيفة وظاهر مذهب الشّافعيّ. وقال قوم: هي فرض على الكفاية، [وبه قال أصحاب الشّافعيّ]. 219 - مسألة: [ولا جمعة على عبد]، وبه قال الفقهاء. وقال داود: عليه الجمعة واجبة. 220 - مسألة: [عند جميع الفقهاء أن المسافر لا جمعة عليه. وقال داود: هي واجبة عليه]. 221 - مسألة: [عند مالك]: إذا كانت القرى فيها بيوت متصلة وسوق ومسجد، وجبت الجمعة عليهم بوال وبغير وال، وبه قال الشّافعيّ، [إِلَّا أنّه يعتبر أربعين رجلًا أحرارًا بالغين عقلاء أصحاء]. وقال أبو حنيفة: لا تنعقد إِلَّا في مصر جامع ولهم سلطان، أو رجل أذن له السلطان، أو شرطي له إذن، وبه قال الحسن البصري والأوزاعي.

222 - مسألة

وقال محمَّد: إن مات السلطان، ولم يكن هناك من يستأذن وجمّع النَّاس الجمعة، صحت جمعتهم. 222 - مسألة: تجب الجمعة على من كان خارج المصر، إذا سمع النِّداء وإن كان على ثلاثة أميال، وبه قال الشافعي إذا سمع النِّداء. وقال أبو حنيفة: لا جمعة على من كان خارج المصر وإن سمع النِّداء. 223 - [مسألة]: وقت الجمعة، إذا زالت الشّمس وبعده قليلًا، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال بعض النَّاس: تجوز إنَّ صلَّى قبل الزَّوال، وبه قال أحمد. 224 - مسألة: ليس [عند مالك] للجماعة الّتي تنعقد بهم الجمعة حد محصور. ورأيت له منصوصًا: إنها لا تجب على الثّلاثة والأربعة، ولكنها تنعقد بما دون الأربعين، وبه قال أبو حنيفة. وحكي عنه: أنّها تنعقد بإمام وثلاثة أنفس. وقال أبو يوسف: نفسين وإمام. وقال الشّافعيّ: لا تنعقد بدون الأربعين أحرارًا مستوطنين. وحكي عن بعض أصحاب أبي حنيفة: أن الإمام يخطب وحده. 225 - مسألة: إذا انفضوا من حول الإمام في الجمعة بعد أن صلَّى ركعة بسجدتيها، ولم يبق خلفه أحد، ولم يجد من يجمعها معه، بني عليها أخرى وصحت صلاته جمعة، وبه قال أبو حنيفة.

226 - مسألة

وإن انفضوا قبل أن يتم الأولى، أتمّ ظهرًا أربعًا. وقال أبو يوسف ومحمد: إذا انفضوا عنه بعد تكبيرة الافتتاح، أتمّ عليها جمعة. وقال زفر: إن تفرقوا قبل أن يجلس للتشهد من الثّانية بطلت صلاته، وهو أحد قولي الشّافعيّ، والآخر مثل قول أبي يوسف ومحمد. وبقولنا قال المزني. 226 - مسألة: وإذا زوحم المأمؤم بعد الركوع على السجود، وقد كان ركع، فقام الإمام إلى الثّانية، فليتبعه بالسجود ما لم يطمئن الإمام راكعًا في الثّانية، هذه رواية ابن عبد الحكم [عن مالك]. وروى [عنه] ابن القاسم: ما لم يرفع رأسه من الركوع في الثّانية، فإن خاف فوات الركوع، ألغى الّتي هو فيها وتبعه في الثّانية وتكون أولته، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه. وقال أبو حنيفة: يشتغل بما فاته من الأولى، وإن فاتته الثّانية اتبعه. 227 - مسألة: إذا صلَّى من تجب عليه الجمعة في بيته أربعًا، قبل صلاة الإمام لم تجزه، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه، وزفر. وقال أبو حنيفة: تجزئه صلاته، ما لم يحضر الجمعة، وهو الثّاني للشافعي. 228 - مسألة: ويخطب الإمام خطبتين يجلس بينهما، فإن سبّح وهلّل [وكبّر] وصلّى أجزأه، في رواية ابن عبد الحكم. وروى [عنه] ابن القاسم: أنّه لا يجزئه إِلَّا ما يسمى خطبة من كلام مؤلف [14/أ]، وبه قال الشّافعيّ ومحمد وأبو يوسف.

229 - مسألة

وبالأول قال أبو حنيفة، وروي عنه: أنّها خطبة واحدة. 229 - مسألة: ويجلس بين خطبتيه، ويخطب قائمًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة. ليست الجلسة واجبة وكذلك القيام؛ يخطب جالسًا أو قائمًا. 230 - مسألة: ولو أن إمامًا لم يصلّ بالناس الجمعة، حتّى دخل وقت العصر، فليصلّ الجمعة ما لم تغرب الشّمس، وإن كان لا يفرغ إِلَّا بعد الغروب. وكان قول الأبهري وقولي اتفق على أنّه يراعى مقدار ثلاث ركعات قبل الغروب؛ ركعتان للجمعة ويدرك العصر بركعة، فيصلّي الجمعة ثمّ يدرك العصر. وقال أبو حنيفة: إذا كان في صلاة الجمعة، ودخل عليه وقت العصر، وبقي منها ولو سجدة أو جلسة أو شيئًا من فروضها، بطلت الجمعة وصلَّى ظهرًا مبتدأ. وقال الشّافعيّ: لا تبطل، وبنى على ما صلَّى ظهرًا. وبقولنا قال عطاء وأحمد. 231 - مسألة: إذا أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام، بنى عليها وكانت جمعة. وإن كان أقل من ركعة بسجدتيها, صلَّى ظهرًا أربعًا، وبه قال الشّافعيّ. وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأنس -رضي الله عنهم-، والزهري والأوزاعي والثوري [ومحمد] وأحمد وزفر وإسحاق. وقالت طائفة: لا يكون مدركًا للجمعة إِلَّا بإدراك الخطبة أو سماعها.

232 - مسألة

وروي ذلك عن عمر -رضي الله عنه -، ومن التابعين: عطاء وطاووس. وقال أبو حنيفة: أي جزء أدرك من الجمعة، ولو في التشهد كانت جمعة، وبه قال النخعي وحماد ابن [أبي سليمان] (¬1) وأبو يوسف. وزاد أبو حنيفة: أنّه إن أدرك الإمام في سجود السّهو بعد السّلام، فقد أدرك الجمعة، وقوله: إن سجود السّهو بعد السّلام إذا سلّم خرج من الصّلاة. وإذا اشتغل بسجود السّهو عاد إليها حكمًا، وإن لم يكن عليه سجود فسلّم التسليمة الأولى، وأدركه بعدها صلَّى ظهرًا. 232 - مسألة: وإذا أصاب الإمام حدث قبل الصّلاة أو في الصّلاة، استخلف من يصلّي بالقوم، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان: أحدهما مثل قولنا، والآخر: أنّه لا يستخلف إذا كان حدثه في الصّلاة. 233 - مسألة: لا يجمع في مصر، إِلَّا [في] جامع واحد وهو الأقدم منها، وبه قال الشّافعيّ. وقال محمّد بن الحسن: تصح في موضعين. وقال داود وأصحابه: تصلَّى الجمعة في مساجد العشائر كلها. وقال أبو يوسف: إذا كان المصر جانبين، مثل: بغداد، جاز أن تقام الجمعة في كلّ جانب، وإن لم يكن كذلك لم يجز. ¬

_ (¬1) في الأصل: "سلمة" وعليه سار في (ط). والمثبت من الاستذكار: 1/ 262.

234 - مسألة

234 - مسألة: إذا جلس الإمام على المنبر، فلا تبتدأ صلاة نافلة، وبه قال أبو حنيفة والليث والثوري. وقال الشّافعيّ: إذا دخل والإمام يخطب، صلَّى تحية المسجد. و [به] قال أحمد وإسحاق والحسن. 235 - مسألة: يجوز السَّفر يوم الجمعة قبل الزَّوال، والمستحب أن لا يفعل حتّى يصلّي [الجمعة]، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان: أحدهما مثل قولنا، والآخر: لا يسافر بعد طلوع الفجر حتّى يجمع. 236 - مسألة: [ليس عند مالك نصّ في الإمام يخطب وحده، ودون من تنعقد بهم الجمعة. والذي يوجبه النظر عندي: أن لا تصح إِلَّا بحضرة الجماعة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أصحاب أبي حنيفة: إن ذلك يجوز]. 237 - مسألة: إذا أصاب الإمام حدث في الخطبة استخلف، وإن تمادى محدثًا أجزأه وقد ترك الأحسن، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان: أحدهما: مثل قولنا، والآخر: لا يجزئه. 238 - مسألة: [قال مالك]: ولا يشمِّت عاطس، ولا يردّ سلام والإمام يخطب، وبه

239 - مسألة

قال أبو حنيفة، وإن فعل لم تبطل صلاته، وبه قال الشّافعيّ [في أحد قوليه]. وله قول: إنّه يتكلم، ويرد السّلام. 239 - مسألة: والتنفل جائز [يوم الجمعة] قبل جلوس الإمام، فإذا جلس فلا صلاة، ولا بأس بالكلام ما لم يتكلم، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يقطع الكلام عند قطع الركوع، قبل أن يتكلّم الإمام. 240 - مسألة: لا تجوز إمامة العبد في الجمعة. وأجازه أشهب وأبو حنيفة والشّافعيّ.

صلاة الخوف

صلاة الخوف 241 - مسألة: حكي عن أبي يوسف والمزني: أن صلاة الخوف منسوخة، ولا تصلَّى [14/ب] بعد النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. وقال جميع الفقهاء: إنها تصلّى. وحكي عن أبي يوسف: أنّه كان يقول بقول ابن أبي ليلى: تصلَّى إذا كان العدو في القبلة، ولا تصلَّى إذا كان في غيرها. 242 - مسألة: عدد الركعات في الخوف أربع في الحضر، وركعتان في السَّفر للإمام والمأمومين، وإنّما الخلاف في هيئتها، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ، وجميع الفقهاء والصحابة -رضي الله عنهم-. وروي عن جابر -رضي الله عنه - أنّه قال: هي ركعة للمأموم، وركعتان للإمام يصلّي بطائفة ركعة، وبالأخرى ركعة، وحكي ذلك أيضًا عن طاووس والحسن. 243 - مسألة: قال أحمد ومالك: إذا كان الخوف يمنع من اجتماع النَّاس للصلاة، صلَّى الإمام بأذان وإقامة بطائفة ممّن معه وطائفة تجاه العدو، ويكبر ويقرأ قراءة تلك الصّلاة، إن سرًّا فسر وإن جهرًا فجهر؛ فيصلّي بهم ركعة، ثمّ

يقوم قائمًا فيتمون ركعة أخرى لأنفسهم، ويسلمون ويقفون مكان الطائفة الأخرى، ثمّ تلحق الطائفة الّتي لم تصل بالإمام، فيصلّي بهم الركعة الّتي بقيت بسجدتين وبتشهد ويسلم، ثمّ يقومون فيتمون لأنفسهم الركعة الباقية. وكان مالك يقولى: لا يسلم بهم حتّى يتموا الركعة الّتي بقيت عليهم، ثمّ يسلم بهم، وبه قال الشّافعيّ. ثمّ رجع مالك عن هذا. ووافقنا الشّافعيّ في جميع ذلك، غير أنّه يقولى: ينتظر الإمام بسلامه فراغهم ثمّ يسلم بهم، وهو الّذي رجع عنه مالك. وقال أبو حنيفة: تقوم طائفة مع الإمام؛ فيصلّي بهم ركعة وسجدتين وتنصرف، ثمّ تأتي الطائفة الأخرى؛ فيصلّي بها الركعة الثّانية ويسلم هو وينصرفون، ثمّ تأتي الطائفة الأولى؛ فتصلّي ركعة بسجدتيها وحدانا بغير قراءة، ثمّ يسلم وتنصرف، ثمّ تأتي الطائفة الأخرى؛ فيقضون الركعة بقراءة، وتمت صلاتهم بعد سلام الإمام. ففرق بين الطائفة الأولى والثّانية في القراءة، فأوجبها على الثّانية دون الأولى؛ لأنّ الأولى في حكم الإمام حتّى يصلّي بالثّانية.

صلاة العيدين

صلاة العيدين 244 - مسألة: [قال مالك]: ويكبر [في] العيدين سبعًا في الأولى بتكبيرة الإحرام، وستًا في الثّانية بتكبيرة القيام، وكل ذلك قبل القراءة. وقال الشّافعيّ: [يكبّر] سبعًا في الأولى سوى تكبيرة الإحرام، والثّانية مثل قولنا. وأبو حنيفة يقول: الزائد من التكبير ستًا في ركعتين، سواء ثلاث في الأولى سوى تكبيرة الإحرام قبل القراءة، وثلاث في الثّانية بعد القراءة، فإنّه يوالي بين القراءتين. 245 - مسألة: ويبدأ بالتكبير عقيب الصلوات، من الظهر يوم النَّحر، وبه قال الشّافعيّ، وهو الصّحيح. وقال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف: يبدأ به من صلاة الصُّبح يوم عرفة. وقال مالك والشّافعيّ في أحد قوليه: يقطع التكبير عقيب صلاة الصُّبح من آخر أيّام التّشريق، فمجموعها: خمس عشرة صلاة. وقال أبو حنيفة: يبدأ بعد الصُّبح من يوم عرفة، ويقطع عقيب صلاة العصر من يوم النَّحر، فتكون: ثمان صلوات.

246 - مسألة

وقال محمّد وأبو يوسف: يكبّر إلى عقيب الصّلاة من العصر من آخر أيّام التّشريق ثمّ يقطع، فتكون: ثلاثًا وعشرين صلاة. وللشافعي: قولان آخران: أحدهما مثل قول محمّد وأبي ويوسف، والآخر: أنّه يبتدئ بالتكبير بعد المغرب ليلة النَّحر ويقطع بعد صلاة الصُّبح من آخر أيّام التّشريق، فله: ثلاثة أقوال في التبدئة، وقولان في القطع. 246 - مسألة: ويكبّر دبر الصلوات من صلَّى وحده، وإن كان مسافرًا، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: لا تكبير على المنفرد والمسافر والمرأة [15/أ]. 247 - مسألة: لا تصلَّى صلاة العيدين في غير يوم العيد، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان: قول مثل قولنا، والآخر: إنها تقضى من الغد، وقاله أحمد.

مسائل الخسوف

مسائل الخسوف 248 - مسألة: صلاة كسوف الشّمس ركعتان، في كلّ ركعة ركوعان، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: تصلَّى ركعتان كسائر النوافل من غير زيادة ولا إطالة، ولكنها تصلَّى في جماعة ويسر فيها. وقال محمّد وأبو يوسف: يجهر فيهما بالقراءة. 249 - مسألة: وليس لخسوف القمر جماعة، ويصلّي كلّ إنسان لنفسه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال الشّافعيّ: سنتها الجماعة. 250 - مسألة: صلاة الاستسقاء سنة في جماعة، ويخطب فيها ويحوّل رداءه، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: ليس فيها صلاة مسنونة، ولكن الإمام يخرج ويدعو. 251 - مسألة: وتصلّى ركعتين من غير زيادة تكبير كالنافلة.

252 - مسألة

وقال الشّافعيّ: يكبر فيها كالعيد. 252 - مسألة: ومن صلَّى في بيته وحده، فليعد في جماعة إِلَّا المغرب. وقال الشّافعيّ: يعيد الجميع. وقال أبو حنيفة: يعيد إِلَّا الصُّبح والعصر. 253 - مسألة: قال الشّافعيّ إذا أحرم الرَّجل بالصلاة منفردًا، فأراد قوم الائتمام به لم يجز، حتّى ينوي الدخول إمامًا؛ لأنّه يتحمل عنهم القراءة والسهو وأشياء، متى لم ينو لم تحصل له الإمامة. وقال بعض أصحابه: لا يحتاج إلى نيّة، وهو قولنا. وحكي عن أبي حنيفة: إذا نوى الإمامة صلَّى الرجال خلفه من غير نيّة لهم، ولا يجوز للنساء إِلَّا أن ينوي الإمامة بهن. 254 - مسألة: اختلف عن مالك فيما إذا أخبر الإمام من خلفه أنّه ترك ركعة، هل يرجع إلى قولهم، أو يعوّل على يقينه؟ فقال: يرجع إليهم، وقال: يعوّل على يقينه. وقال الشّافعيّ: لا يرجع إليهم، ويعمل بيقينه. 255 - مسألة: تجوز الصّلاة في المقبرة على كراهية، إذا كانت نبشًا طريًا، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال داود: لا تجوز في المقبرة. 256 - مسألة: عند داود من حضر طعامه فتركه وصلَّى، أو صلَّى وهو يدافع الأخبثين، فصلاته باطلة.

257 - مسألة

والفقهاء على خلاف ذلك. 257 - مسألة: ولا بأس بالسّدل في الصّلاة، وهو أن يسدل رداءه على صدره، إذا كان عليه ما يستر عورته. وكرهه الشّافعيّ. 258 - مسألة: قيام رمضان في بيته لمن قوي عليه أحب إلينا. وقال قوم: في المسجد أفضل. واختلف فيه أصحاب الشّافعيّ. 259 - مسألة: عدد التراويح عند أهل المدينة تسع [ترويحات]، وهي ست وثلاثون ركعة، ثمّ يوترون بثلاث [ركعات]، فذلك: تسع وثلاثون. وقال الشّافعيّ: أحب إلى أن تكون خمسًا، وهي عشرون ركعة، وهو قول أهل العراق. 260 - مسألة: ومن ترك صلاة الفرض عمدًا وجب عليه قضاؤها وإن كان عاصيًا، وبه قال الفقهاء، إِلَّا داود وأبا عبد الرّحمن الأشعري الشّافعيّ (¬1). ¬

_ (¬1) لعلّه: أبو عبد الرّحمن أحمد بن يحيى بن عبد العزيز البغدادي، أو المعروف بأبي عبد الرّحمن الشّافعيّ المتكلم: كان من كبار أصحاب الشّافعيّ الملازمين له ببغداد، وحدّث عنه وعن الوليد بن مسلم، ثمّ صار من أصحاب ابن أبي دُؤاد (القائلين بخلق القرآن). لم يؤرخ لوفاته. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 2/ 64، طبقات الأسنوي: 1/ 32.

261 - مسالة

261 - مسالة: اختلف الناس في تارك الصلاة عمدًا لغير عذر. فذهب الجماعة: أنه إن كان جحدًا لها فهو كافر، وحكمه حكم المرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. واختلف إذا تركها غير جاحد وامتنع من فعلها تكاسلًا أو غير ذلك، فمذهب مالك أنه يقال له: صلّ ما دام الوقت باقيًا من وقت ظهر عليه، فإن فعل ترك، وإن أبى وامتنع حتى خرج الوقت قتل. واختلف أصحابنا [15/ب] هل يستتاب؟ فقيل: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وقيل: لا يستتاب، فإنه حد يقام عليه، ولا تسقطه التوبة وهو فاسق كالزاني والسارق، وليس كافرًا، وبه قال الشافعي. واختلف أصحابه في الاستتابة. وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: لا يقتل بوجه. وحكي عن أبي حنيفة: أنه يخلى بينه وبين الله، وظاهر مذهبه: أنه يعزّر. وحكى أصحابنا عنه: أنه يحبس حتى يموت، وليس بمذهبهم. وقال أحمد: هو كافر مرتد، وماله فيء لا يورث، ويدفن مع المشركين، إذا تركها متهاونًا كتركه جاحدًا لها. ووافق في سائر العبادات أنه لا يكفّر بتركها، وبه قال جماعة من أهل الحديث. وقالت الخوارج: إذا ترك شيئًا من العبادات كفر؛ لأن من أصولهم: تكفير أهل الكبائر.

واختلف المتكلمون على ثلاثة مذاهب: فقال أهل الحديث منهم المرجئة: إنّه يفسق كقولنا. وقالت الخوارج: يكفر. وقالت المعتزلة: ليس بكافر ولا فاسق، وله رتبة بين رتبتين.

صلاة الجنائز

صلاة الجنائز 262 - مسألة: تنزع ثياب الميِّت عند الغسل وتستر عورته، وبه قال أبو حنيفة والمزني. وقال الشّافعيّ: يغسل في قميصه. 263 - مسألة: [قال مالك]: وإن وضئ فحسن، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يوضأ. 264 - مسألة: [قال مالك]: يغسل الميِّت ثلاثًا أو خمسًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: الزيادة على الثلاث تسقط الوتر. 265 - مسألة: لا يؤخذ من شعره ولا ظفره، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، وقال: يؤخذ. وبالأول أخذ المزني.

266 - مسألة

266 - مسألة: ويفعل بالميِّت محرمًا ما يفعل بالحلال، وبه قال الحسن وعكرمة والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه. وقال الشّافعيّ: لا يغطي رأسه ولا يمس طيبًا. 267 - مسألة: ويغسل الرَّجل امرأته إذا ماتت، وبه قال الشّافعيّ والأوزاعي. وقال أبو حنيفة والثوري: لا يغسل. 268 - مسألة: لا تبنى القبور ولا تجصص، وبه قال الشّافعيّ. وجوّزه أبو حنيفة. 269 - مسألة: ولا يصلَّى على سقط حتّى يستهل صارخًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يصلَّى عليه، وهو أحد قولي الشّافعيّ، إذا كان له أربعة أشهر فأكثر، [في بطن أمه ثمّ سقط]. 270 - مسألة: والمقتول في سبيل الله في المعركة لا يغسل ولا يصلَّى عليه، وبه قال الشّافعيّ والليث. وقال الحسن وسعيد بن المسيَّب: يغسل ويصلّى عليه. وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي: يصلَّى عليه ولا يغسل. 271 - مسألة: البغاة من المسلمين إذا قتلوا في المعركة غسلوا وصلّي عليهم، وبه قال الشّافعيّ.

272 - مسألة

وقال أبو حنيفة: لا يغسل ولا يصلَّى عليهم. 272 - مسألة: لسنا نعرف نصًا عن مالك في المقتول في المعركة، إذا عرف أنّه كان جنبًا قبل القتل، هل يغسل أم لا؟ والقياس: ألَّا يغسل، وبه قال بعض أصحاب الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: يغسل، وهو قول أبعض، أصحاب الشّافعيّ. 273 - مسألة: والشهيد الّذي يموت في المعترك، أو يجرح فيه ويعيش فيه يومًا أو يومين أو أكثر، يطعم ويشرب ثمّ يموت، أو يقتل ظلمًا أو يغرق أو يجرح، فيموت سواء قتل بحديدة أو بخشبة أو بحجر، كلهم يغسلون ويصلّى عليهم، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إذا قتل ظلمًا بحديدة لم يغسل، وإن قتل بغيره ممّا لا قصاص فيه عنده غسل. 274 - مسألة [16/أ]: الصغير إذا قتل في المعترك، لم يغسل ولم يصلّ عليه، هذا القياس، وبه قال أصبغ والشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يغسل. وقال أبو يوسف ومحمد مثل قولنا. 275 - مسألة: ليس من السُّنَّة أن يكفن في القميص، وبه قال الشّافعيّ [وأحمد وإسحاق]. وقال أبو حنيفة: لا بأس به.

276 - مسألة

276 - مسألة: والمشي أمام الجنازة أفضل، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: وراءها أفضل، وروي ذلك عن علي -رضي الله عنه - وليس بصحيح. وقالت طائفة: إن كان راكبًا فخلف الجنازة، وإن كان ماشيًا فحيث شاء، وهو قول سفيان، وأنس -رضي الله عنه -. وروي عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "الرَّاكِبُ خَلْفَ الجَنَازَةِ وَالمَاشِي حَيْثُ شَاءَ" (¬1). 277 - مسألة: إذا اجتمع الوالي والولي، فالوالي أحق بالصلاة على الميِّت، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان قول مثل قولنا، وقول. إن الولي [حق] وهو قول أبي يوسف. 278 - مسألة: وتكبيرات (¬2) الجنازة أربع، وبه قال الفقهاء أجمع. وقال ابن أبي ليلى، وجابر وزيد (¬3) -رضي الله عنه -: إنها خمس، وقال به قوم. ¬

_ (¬1) أخرجه أصحاب السنن وغيرهم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. انظر: سنن أبي داود: (3180)، والنسائي: (1942، 1943، 1948)، والترمذي: (1031)، وابن ماجه: (1481). وقال عنه التّرمذيّ: هذا حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبّان: 5/ 22، والحاكم: 1/ 355، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاريّ، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. (¬2) في الأصل: "تكبير". والمثبت من (ط). وهو الأنسب. (¬3) وفي (ط): "جابر بن زيد". وهو تحريف؛ لأنّ جابر بن زيد قال بثلاث تكبيرات. انظر: مصنف ابن أبي شيبة: 2/ 496، المجموع: 5/ 189. والمقصود يزيد هنا - والله أعلم -: زيد بن أرقم رضي الله عنه، كما جاء في المصادر السابقة وصحيح مسلم (957)، أمّا جابر: فلم أجد النقل عنه في المسألة.

279 - مسألة

وقال ابن سيرين (¬1): ثلاث. وقال بعض النَّاس: سبع. 279 - مسألة: لا يقرأ فيها شيء من القرآن، وبه قال أبو حنيفة والثوري. وقال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق: يقرأ فاتحة الكتاب، وروي عن علي وابن عبّاس وأبي أمامة -رضي الله عنهم-. 280 - مسألة: لايصلَّى على قبر بعد أن صلّي على الميِّت. وروى ابن وهب عنه جوازه، وبه قال أبو حنيفة والثوري. وقال الشّافعيّ: يصلَّى على العضو. 281 - مسألة: ومن فاته بعض التكبير والإمام قائم يدعو، دخل معه بغير تكبير، وانتظره حتّى يكبر فيكبّر (¬2) معه، أحب إلينا، ويقضي بعد السّلام ما فاته نسقًا متواليًا. وروي عنه أنّه يكبر ويدخل معه ويعتد بها. وبالأول قال أبو حنيفة ومحمد. وبالثّاني قال الشّافعيّ وأبو يوسف. وقال الحسن: يدخل بتكبير ولا يقضي ما فاته. ¬

_ (¬1) هو: أبو بكر محمّد بن سيرين الأنصاري - مولى أنس بن مالك رضي الله عنه - البصري: الفقيه المحدث المفسر إمام وقته، روى عن أنس وزيد بن ثابت وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم أخرج له الستة، وينسب إليه كتاب: تعبير الرؤيا. توفي: 110ص. انظر: السير: 4/ 606، التهذيب: 9/ 190. (¬2) في الأصل: "كبر". والمثبت من (ط): وهو الأنسب.

282 - مسألة

282 - مسألة: ولا يصلَّى على جنازة في المسجد، إِلَّا أن يضيق الطريق. وكرهه أبو حنيفة. وجوّزه الشّافعيّ. 283 - مسألة: اختلف قول مالك في الرجعية، هل يغسّلها زوجها؟ فروى ابن القاسم: أنّه لا يغسلها. وروى ابن نافع (¬1): أنّه يغسلها. 284 - مسألة: لأبي تمام: إذا اختلط المسلمون والمشركون، ولم يميزوا صلّي عليهم ونوي بها المسلمون، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يصلَّى عليهم، إِلَّا أن يكون المسلمون أكثر. 285 - مسألة: اختلف النَّاس في ابن آدم إذا مات: فقال قوم: ينجس. وقال قوم: لا ينجس. وليس لمالك فيه نصّ. ¬

_ (¬1) هو: أبو محمّد عبد الله بن نافع مولى بني مخزوم، المعروف بالصائغ: الفقيه الجليل، من أجلّ تلاميذ مالك صحبه أربعين سنة، واحد أئمة الفتوى بالمدينة بعده، وهو الّذي يسمى مع أشهب بالقرينين؛ لأنّ سماعه مقرون بسماع أشهب في العتبية، من مؤلفاته: تفسير الموطَّأ، رواه عنه يحيى بن يحيى. توفي: 186ص. انظر: الديباج: 131، شجرة النور: 1/ 84.

286 - مسألة

وقد مرّ لي في العتبية (¬1) لبعض أصحابه: أنّه طاهر، وهو رأيي. واختلف قول الشّافعيّ [أيضًا فيه]. 286 - مسألة: ليست منصوصة [لنا]، ولا هذا موضعها، وأحببت أن لا أجلى منها، [وهي]: الصّلاة خلف من يلحن في القراءة في فاتحة الكتاب. فأقول: اللّحن على ضربين: فما كان منه لا يغيّر المعنى، فعندي أن الصّلاة خلفه صحيحة، إِلَّا أن يتعمّد ذلك. ولحن يغيّر المعنى، مثل: من يكسر الكاف من: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] ويضم تاء {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]، فهذا لا ينبغي أن يصلَّى خلفه. ¬

_ (¬1) العتبية أو المستخرجة من الأسمعة: لمؤلفها: أبو عبد الله محمّد بن أحمد العتبي القرطبي المالكي (254 هـ): أحد الأمهات الأربعة في المذهب، جمع فيها سماعات أحد عشر فقيهًا هم: ابن القاسم، وأشهب، وابن نافع المدني، ويحيى بن يحيى، وسحنون، وأصبغ، وعيسى بن دينار، وموسى بن معاوية، وزونان عبد الملك بن الحسن، ومحمد بن خالد، وعبد الرّحمن بن أبي الغمر، وهي مطبوعة ضمن شرحها "البيان والتحصيل" لابن رشد القرطبي (520 هـ). انظر: مواهب الجليل: 1/ 41، مقدمة تحقيق البيان والتحصيل: 1/ 5 - 25.

كتاب الزكاة

كتاب الزَّكاة 287 - مسألة: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين واحدة، فقد اختلف قول مالك: فروى [عنه] ابن القاسم وابن عبد الحكم: أن الساعي مخيّر بين أن يأخذ حقتين، أو ثلاث بنات لبون، على ما هو أصلح للفقراء. واختار [16/ب] ابن القاسم ثلاث بنات لبون، وقال: وهو مذهب الزّهريُّ. وروى عبد الملك وغيره [عن مالك]: أن الفريضة لا تتغير عن الحقتين بواحدة، حتّى تصل عشرًا، فإذا كانت مائة وثلاثين، كان فيها بنتا لبون وحقة، وهو مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة: إذا زادت على مائة وعشرين، استؤنفت الفريضة في كلّ خمس (¬1) شاة، وفي العشر شاتان، فإذا صارت مائة وأربعين، ففيها حقتان وأربع شياه، فإذا بلغت مائة وخمسًا وأربعين، ففيها حقتان وبنت مخاض، كما كان في ابتداء الإبل، فإذا بلغت مائة وخمسين، ففيها ثلاث حقاق، ثمّ يستأنف الغنم كلّ خمس شياه. وقال الشّافعيّ: إذا زادت الإبل واحدة على مائة وعشرين، ففيها ثلاث ¬

_ (¬1) في الأصل: "خمسين". والمثبت من (ط).

288 - مسألة

بنات لبون بلا خيار، وهو قول ابن القاسم وأبي عبيد وأبي ثور. وقالت طائفة: إذا بلغت مائة وخمسة وعشرين، ففيها حقتان وبنت مخاض، وإليه ذهب حماد ابن [أبي] سليمان (¬1) والحكم بن عتيبة (¬2). وحكي عن ابن جرير: أنّه اختلفت الأخبار، وروي ما يوافق كلّ طائفة، فمن شاء أخذ بقول من شاء منهم. 288 - مسألة: في خمس وعشرين بنت مخاض، فإن لم توجد فابن لبون ذكر، إذا كان في المالى، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يجوز أخذ ابن لبون مع وجود بنت مخاض، إذا كانت قيمتهما واحدة؛ لجواز أخذ القيم عندهم فيها. 289 - مسألة: إذا كان عنده خمس وعشرون من الإبل، وليس فيها بنت مخاض ولا ابن لبون، فلا يجزئه إلا بنت مخاض بالشراء. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: هو مخير في شراء أيهما شاء. 290 - مسألة: اختلف قولى مالك في الأوقاص (¬3) الّتي بين النِّصَب: فالظاهر من مذهبه: أن الزَّكاة لا تتعلّق بها. ¬

_ (¬1) في الأصل و (ط): "سلمة". والمثبت أصح. انظر: الحاوي الكبير: 3/ 80، المجموع: 5/ 366. (¬2) في الأصل: "الحكم بن عيينة". وانظر: الحاوي الكبير: 3/ 80. وهما اسمان لرجل واحد اختلفوا في ضبطه. قال ابن حجر: بالمثناة ثمّ الموحدة مصغرًا. القريب: 175. (¬3) الأوقاص: جمع وقَص بفتح القاف وإسكأنّها، والمشهور في كتب اللُّغة فتحها، والمشهور عند الفقهاء إسكأنّها: وهو ما بين الفريضتين. انظر: الزاهر: 141، تحرير ألفاظ التنبيه: 104.

291 - مسألة

وروي عنه: أن الزَّكاة تتعلّق بالنصاب والوقص جميعًا، ومثل هذا حكي عن محمّد بن الحسن، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة واحد قولي الشّافعيّ: لا زكاة في الوقص. وعند أبي حنيفة فيما زاد على أربعين من البقر روايتان: إحداهما: أنّه بحساب الأربعين، والأخرى: لا شيء حتّى تبلغ خمسين، فيكون فيها مسنة وربع مسنة، ورواية ثالثة: مثل قولنا. 291 - مسألة: إذا كان عنده نصاب من الماشية، فاستفاد إليها من جنسها نصابًا أو دونه، زكى الفائدةُ مع ما كان عنده لحول الأصل، سواء كانت بولادة أو هبة أو شراء أو ميراث، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يستقبل بها حولًا، إِلَّا أن تكون من ولادة. فتوافق [أنّها إذا كانت بولادة، فإنها تزكى لحول الأمهات]، إذا كانت الأمهات نصابًا. 292 - مسألة: إذا كان له خمس من الإبل كلها مرضى أو جرباء، فعليه أن يأتي بشاة، وكذلك خمس وعشرون من الإبل مرضى، وفيها بنت مخاض وابن لبون مراض، كلّف أن يشتري صحيحًا، وكذلك إذا كانت الغنم سِخالًا (¬1) [كلّفناه أن يأتي بالسن المجعول]، وكذلك إذا كانت الإبل والبقر صغارًا كلها أو مرضى، كفف شراء الواجب من غيرها. وقال محمّد بن مسلمة: إذا جربت مواشي النَّاس كلها، لم يكلّف صاحبها الإتيان بصحيحة (¬2)، ولم يجز الأخذ منها، وبه قال داود، إِلَّا في السخال تترك ولا تزكى [17/أ]. ¬

_ (¬1) جمع السَّخلة: ولد الشاة من المعز والضان، ذكرًا كان أو أنثى. انظر: لسان العرب: 11/ 332. (¬2) في الأصل: "بصحيحين". والمثبت من (ط).

293 - مسألة

وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يؤخذ منها. 293 - مسألة: يؤخذ في صدقة الغنم الجذعة، والثنية من الضأن والمعز. واختلف أصحاب أبي حنيفة؛ فقالوا في المشهور عنه: لا يؤخذ إِلَّا الثني من الضأن والمعز جميعًا. وروي عنهم: الثني من الضأن والمعز، والجذع من الضأن وحده. وقال الشّافعيّ: لا يؤخذ من المعز [إِلَّا الثني]، و [من] الضأن إِلَّا الجذع. وردوه إلى الضَّحايا. 294 - مسألة: إذا كان في الغنم ذكور وإناث جذاع وثنايا، فالواجب أعندنا، الإناث من الجذعة والثنية، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يجوز أخذ الذكر والأنثى. 295 - مسألة: حكي عن بعض التابعين أنّه قال: في خمس من البقر شاة كالإبل، وهو خلاف الفقهاء، وهو فاسد. 296 - مسألة: إذا ماتت الأمهات وبقيت السخال وهي نصاب، ففيها الزَّكاة شاة كبيرة، وكذلك فصلان الإبل، وعجاجيل البقر فيها الزَّكاة مثل الكبار. وحكي عن أبي حنيفة ومحمد أنّه: لا زكاة فيها. وقال أبو يوسف: يؤخذ منها، وهو أحد قولي الشّافعيّ، ولو حال الحول عليها منفردة، وجبت الزَّكاة فيها قولًا واحدًا وأخذ منها. وقول زفر مثل قولنا.

297 - مسألة

وقال داود: لا تعد السخال أصلًا، كانت مع الأمهات أو منفردة. 297 - مسألة: إذا كان له دون نصاب من الأمهات فتوالدت قبل مجيء الساعي وقبل الحول، فجاء الساعي وهي نصاب؛ زكّاها عندنا وعند أبي حنيفة. وقال الشّافعيّ: يستقبل بالجميع حولًا من يوم كملت بالسخال نصابًا، ولا يكون حول أمهاتها حولًا لها. 298 - مسألة: والخليطان في الماشية كلها يزكيان زكاة المالك الواحد، إذا كان في ملك كلّ واحد نصاب. وبه قال الشّافعيّ، إِلَّا أنّه لا يعتبر النصاب في ملك كلّ واحد منهما، ولو اختلطا أو اشتركا في نصاب، أو كان عشرة في نصاب وأكثر من عشرة، كانت عليهم الزَّكاة. وأبو حنيفة لا يرى للخلطة تأثيرًا، ويجب على كلّ واحد ما كان يجب عليه في الانفراد. 299 - مسألة: عند أبي حنيفة الزَّكاة تتعلّق بالعين دون الذِّمَّة، ويجب بحول الحول وإمكان الأداء للإمام، فإن لم يمكنه إيصالها إليه عشرين سنة، ثمّ تلفت بغير فعله لم يضمن، وبه قال مالك. غير أن مالكًا يقول: إن تلفت بفعله أو بغير فعله، لم يضمن لماضي السنين، ولو جاء الساعي ولم يجد عنده شيئًا، لم يلزمه شيء، إِلَّا أن يكون باعها أو أكلها فرارًا [من الصَّدقة]، فإنّه يأخذ منه لما مضى إلى حين أتلفها. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا في الساعي، وقال: إن تلفت

300 - مسألة

من الله عز وجلَّ قبل مجيء الساعي لم يضمن، وإن استهلكها ضمن إذا كان بعد الحولى، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قوله في تعلّقها بالعين أو الذِّمَّة، فقال: لا يشترط إيصالها [إلى] الإمام، وإن فرّط في إخراجها تعلّقت بذمته. واختلف قوله إذا تلفت بعد الحول قبل إمكان الأداء؛ فقال: يضمن، وقال: لا يضمن إِلَّا بالإمكان. 300 - مسألة: إذا لم تزك الأموال الباطنة العين سنين مع وجود النصاب والحول، ولم يخرج زكاتها حتّى تلف المالى، ضمن الزَّكاة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا ضمان عليه؛ لأنّه أمين، ولا يكون متعديًا بالتأخير. وقال الشّافعيّ [17/ب]: لو أخرج الزَّكاة ومضى يطلب الفقراء، فتلفت في يده ضمن. وعندنا: لا يضمن، إِلَّا أن يخرجها قبل محلها فلا يبرأ. وقال أبو حنيفة: لا يضمن، والموطَّألبه الإمام ومنعه منها، ثمّ تلف المالى فإنّه يبرأ. 301 - مسألة: حكي عن بعض نفاة القياس، منهم داود: أن من وجبت عليه جذعة، فأعطى ماخضًا لم تجزه. والفقهاء على خلاف ذلك. 302 - مسألة: ولا يجوز أخذ القيم في الزَّكاة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يجوز، سواء وجد المنصوص أو عدمه.

303 - مسألة

ووافقنا في أنّه لا يجوز أن يخرج بدل [الزَّكاة] السكنى، مثل أن يجب عليه خمسة دراهم، فأسكن فقيرًا في داره شهرًا أو أجرها خمسة، فإنّه لا يجوز، وما سوى ذلك جائز. وخالفنا الشّافعيّ في جواز إخراج الذهب عن الفضة والفضة عن الذهب. ووافقنا فيه أبو حنيفة. 303 - مسألة: تجب الزَّكاة في المعلوفة والعوامل، كوجوبها في السائمة، وبه قال داود، إِلَّا في معلوفة الغنم خاصّة دون البقر والإبل. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا زكاة في الجميع. 304 - مسألة: إذا هرب رب الماشية بها من الساعي بعد مجيئه، ومضى الحول فتلفت، ضمن الزَّكاة. وكذلك لو أقام [على هذا] سنين، ضمنها على ما كانت تجب عليه في جملة السنين، سواء تلفت أو بقيت، فإن الزَّكاة تجب عليه في كلّ سنة كانت فيها ماشيته موجودة، على ما كانت تجب عليه قبل ذلك. ومثله: لو باع ماشيته أو ذبح أو وهب فرارًا من الزَّكاة، [فإن الساعي يلزمه الزَّكاة الّتي تجب عليه]. ويجيء على هذا إذا كان معه نصاب من الرقة، فإنّه إن قرب الحول بيوم أو يومين، فأتلف بعضه فرارًا من الزَّكاة وجبت عليه، فإنها موكولة إليه، وبه قال قوم من التابعين. وأمّا في هرب رب الماشية، فينبغي أن يكون وفاقًا بيننا وبين أبي حنيفة والشّافعيّ؛ لأنّهما يقولان: تجب بالنصاب والحولى وإمكان الأداء، عند أبي حنيفة واحد قولي الشّافعيّ.

305 - مسألة

305 - مسألة: لا زكاة في الخيل، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد والليث والأوزاعي. وقال أبو حنيفة: إن كانت سائمة، ففي كلّ فرس دينار، وإن شاء قوّمها وأعطى عن كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، كانت إناثًا [كلها] أو ذكورًا [وإناثًا]. 306 - مسألة: تجب الزَّكاة في أموال اليتامى والمجانين، وبه قال كافة الفقهاء. إِلَّا أبا حنيفة، فإنّه يعتبر في مالك الزَّكاة أربع شرائط، ونحن نعتبر شرطين: الحرية والإسلام، ويزيد أبو حنيفة: البلوغ والعقل، فعنده أربع شرائط. 307 - مسألة: من كان عنده نصاب من الغنم، فباعه قبل الحول بنصاب من الغنم، بني على حول الأولى، وكذلك في الإبل بالإبل، والبقر بالبقر، ولا يعتبر أن يكون الأولى نصابًا إذا باعها بنصاب، وإن كانت الثّانية دون النصاب فلا زكاة. وكذلك دراهم بدراهم، ودنانير بدنانير، ودنانير بدراهم، أو دراهم بدنانير ودراهم سواء. وإذا باع صنفا من الماشية بغيره من الماشية، فقولان: أظهرهما الاستئناف، ووافق أبو حنيفة في الدنانير والدراهم، وخالفنا في الماشية. وخالفنا الشّافعيّ في الجميع، فقال: يستأنف حول الثّانية في العين والحرث والماشية، سواء كان بصنفه أو بغيره.

308 - مسألة

308 - مسألة: عن ابن المنذر (¬1): إذا كان عند العبد مال [18/أ]، فزكاته على مولاه، وبه قال الشّافعيّ والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي. وقال مالك وأحمد وأبو عبيد: لا زكاة فيه عليه، ولا على السَّيِّد عنه، وبه قال ابن عمر وجابر -رضي الله عنهم-، والزهري وقتادة. وقال عطاء وأبو ثور: على العبد نفسه الزَّكاة، وروي ذلك أيضًا عن ابن عمر -رضي الله عنه -. 309 - مسألة: لا زكاة في مالى المكاتب، عينًا أو ورقًا أو ماشيةً أو حرثًا، وبه قال أبو حنيفة، إِلَّا في العشر في الحرث وما فيه تجب العشر. وقال أبو ثور: تجب في جميع ماله. وبقولنا قال الشّافعيّ وجميع الفقهاء. 310 - مسألة: تعتبر النية في إخراج الزَّكاة؛ أخرجها بنفسه أو نائبه، وهو قول الفقهاء. إِلَّا الأوزاعي: تصح عنه بغير نيّة. 311 - مسألة: من غصب ماله فأقام سنين ثمّ عاد إليه، زكى لسنة واحدة، وكذلك اللقطة إذا عادت بعد سنين، وكذلك الدِّين إذا قبضه، والعرض إذا باعه بعد ¬

_ (¬1) هو: أبو بكر محمّد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري نزيل مكّة: أحد الأئمة الأعلام، على نهاية من معرفة الحديث والاختلاف، وعده ابن السبكي من الشّافعيّين المخرّجين على أصول الشّافعيّ المتمذهبين بمذهبه، رغم بلوغه درجة الاجتهاد المطلق، من مؤلفاته: الإشراف على مذاهب العلماء، والإجماع. توفي: 318 هـ. انظر: السير: 14/ 490، طبقات الشّافعيّة الكبرى: 3/ 102.

312 - مسألة

سنين، وكان للتجارة ولم يكن صاحبه مديرًا، وكذلك الماشية إذا غصبت سنين عند مالك. وقال ابن القاسم وغيره: يزكي لماضي السنين، كما لو غصبت نخلة سنين، ثمّ ردت مع تمرها. وهذا ينبغي أن يكون إذا ردت عليه الماشية بنمائها. وقال أبو حنيفة: يزكي في الغصب واللقطة لما مضى. واختلف قول الشّافعيّ، فقال تارة مثل قول أبي حنيفة، وتارة: لا زكاة عليه أصلًا، ويستأنف الحول. 312 - مسألة: ومن غل الزَّكاة أو كتم بعض ماله، وكان الإمام عدلًا، لم تؤخذ منه زيادة على زكاته الواجبة عليه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال أحمد وغيره: تؤخذ منه الزَّكاة وشطر (¬1) ماله عقوبة. وما أعلم هل يأخذ شطر المال الّذي كتمه، أو شطر الكل؟ 313 - مسألة: إذا ضربت فحول الظباء إناث الغنم فتوالدت، وجبت في سخالها الزَّكاة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: إذا توالدت من جنسين أحدهما لا تجب فيه الزَّكاة، لم تجب في الأولاد، كما لو ضربت فحول الغنم إناث الظباء، فإنّه لا زكاة. 314 - مسألة: إذا كان الراعي والفحل والمَراح واحدًا، فهم خلطاء مع الافتراق في المَبيت والحِلاب. وكذلك القوم يجمعون الأغنام عند راع واحد يدفع هذا ¬

_ (¬1) في الأصل: "شرط". وهو تحريف.

315 - مسألة

غنمه وهذا غنمه، وتنقلب غنم كلّ واحد في اللّيل إلى صاحبه تبيت عنده، فهم خلطاء. فعند مالك ثلاثة أوصاف. وكان شيخنا أبو بكر يعتبر وصفين، أيَّ وصفين كانا من الأوصاف. وحكي عن بعض شيوخنا: أنّه كان يراعي وصفًا واحدًا، وهو الراعي، قال: لأنّه كالإمام الّذي يتغير به حكم الجماعة عن حكم الانفراد، ومرّ به عن ابن القاسم اعتبار وصف واحد، ولكن لم يعينه. وأبو حنيفة لا يعتبر الخلطة عنده حكم الانفراد، فلم يراع أوصافها. وقال الشّافعيّ: [لا يكونان خليطين]، حتّى يريحا ويسرحا ويحلبا ويسقيا وتكون الغنم مختلطة معًا. والمراح عنده: الموضع الّذي تأوي إليه الغنم. [والمسرح: الموضع الّذي ترسل الأغنام فيه. والسقي: هو الحوض الّذي يشرب منه الماء، والبئر والنهر، فلا بد أن تجتمع على شرب واحد]. ويكون الفحل واحدًا يضرب الجميع. ومتى عدم وصف من هذه الصفات لم تكن عنده خلطة، وزكى كلّ واحد لنفسه. 315 - مسألة: إذا اختلطا فيما دون السنة قبل الحولى شهرًا أو اثنين، فهم خلطاء. واختلف قول الشّافعيّ، فله مثل قولنا، وقال: حتّى يمضي لها حول مختلطين. 316 - مسألة: لا يجزئ إخراج الزَّكاة قبل محلها، وبه قال أهل الظّاهر وأبو عبيد ابن حربويه (¬1) من أصحاب الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يجوز. ¬

_ (¬1) هو: القاضي أبو عبيد علي بن الحسين بن حربويه البغدادي الشّافعيّ: قاضي مصر وأحد أركان المذهب، وهو من تلامذة أبي ثور وداود. توفي: 319 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 3/ 446، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 96.

317 - مسألة

317 - مسألة: [اختلف العلماء]: إذا أخذ الإمام الزَّكاة ممّن يعلم أنّه لا يخرجها بغير اختياره، فقال مالك والشّافعيّ: تجز عنه، ورأيت مثله لأبي حنيفة [18/ب]. وروي عنه أن الإمام يحبسه ويلجئه إلى الإخراج، ولا يأخذها هو منه. وحكي عن قوم: أنّها لا تجزئه؛ لأنّه لم ينوها كالصلاة. 318 - مسألة: إذا لم يوص الميِّت بإخراج الزَّكاة، وقد علم ورثته بها، استحب لهم الإخراج عنه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يخرج من أصل ماله. 319 - مسألة: إذا أوصى بزكاة ووصايا، فقال مالك: تبدأ الزَّكاة إذا ضاق الثلث. وقال أبو حنيفة: هي والوصايا سواء. 320 - مسألة: [لأبي تمام]: وتوسم ماشية الزَّكاة؛ لتتميز عن غيرها، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: لا توسم.

زكاة الحبوب والثمار

زكاة الحبوب والثمار 321 - [مسألة]: لا يجب في الحبوب والثمار زكاة حتّى تبلغ خمسة أوسُق (¬1)، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: يجب العشر أو نصف العشر، من قليله وكثيره. وقيل: إنّه خالف الإجماع. 322 - مسألة: لا زكاة في الفواكه، مثل: الرمان والتفاح والخوخ، وما أشبه ذلك كله، ولا البقول كلها، وبه قال الأوزاعي والشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد وداود. وقال أبو حنيفة: في قليل ذلك وكثيره الزَّكاة، ووافقه أبو يوسف ومحمد في الثمار دون الخضراوات. 323 - مسألة: ويؤخذ من زيت الزيتون الزَّكاة، إذا بلغ حبه خمسة أوسق، وبه قال أبو حنيفة، ويقول: يؤخذ من قليله وكثيره. ¬

_ (¬1) الأوسق: جمع الوَسق بفتح الواو وكسرها: وهو ستون صاعًا: ومقداره عند الحنفية = 195 كغ: وعند الجمهور = 4.122 كغ. انظر: المطلع: 129، المكاييل والموازين الشرعية: 41.

324 - مسألة

وبقولنا قال أبو يوسف ومحمد [في المقدار]. وقال الشّافعيّ في أحد قوليه: لا زكاة فيه. 324 - مسألة: يخرص (¬1) النخل والكرم حين يطيب، وبه قال الشّافعيّ. وحكى [أصحابنا وأصحاب الشّافعيّ] عن أبي حنيفة: أنّه منع منه. ورأيت لبعض [شيوخنا: لأبي حنيفة] (¬2) - ممّن أثق بقوله - أنّه يقول: إن رأى الإمام الحظ في خرص ذلك حفظًا للمساكين عن أرباب المال، جاز ذلك. 325 - مسألة: لا زكاة في العسل، وهو أصح قولي الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: فيه العشر. 326 - مسألة: يجمع البرّ والشعير في الزَّكاة، إذا أخرجت أرضه وسقين قمحًا، وثلاثة شعيرًا وجبت الزَّكاة. وقال الشّافعيّ: لا يجمع، وبه قال أبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: تجب في قليله وكثيره. وهما عندهم جنسان يجوز بيعهما متفاضلة بعضها ببعض، وهي عند مالك جنس واحد. ¬

_ (¬1) الخرص: الحزر والتقدير لمْرتها. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه: 112، المطلع: 132. (¬2) في الأصل و (ط): "شيوخ أبي حنيفة". وهذا بعيد، ولعلّ الأصح ما أثبت.

327 - مسألة

327 - مسألة: يجمع العشر والخراج على رجل واحد في أرض واحدة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجتمعان. 328 - مسألة: ومن اكترى أرضًا فزرعها، فزكاة ما تخرجه على المستأجر، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: على المؤاجر.

زكاة العين

زكاة العين 329 - مسألة: [لأبي تمام]: إذا نقصت مائتا درهم (¬1) يسيرًا تجوز به جواز الوازِنة (¬2) ففيها الزّكاة. وحكى لنا الشّيخ [الأبهري] عن شيوخه أن معنى هذا: أنّها تنقص في ميزان وتصح في آخر، لم يضر اختلاف الموازين. وحكي عن عمر بن عبد العزيز: إن نقصت ثلاثة دراهم، أو ثلاث دنانير في الدّينار (¬3)، ففيها الزَّكاة، وهو قول محمّد بن مسلمة. وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة وأصحابهما: لا زكاة فيها. وقال بعض الشّافعيّة: لو نقصت في ميزان واحد من موازين في درب عون كله حبة أو حبتين، فلا زكاة فيها. ¬

_ (¬1) الدّرهم عند الحنفية (125.3) غ ومقدار نصاب الفضة = 625غ: وعند الجمهور (975.2) غ ومقدار نصاب الفضة = 595 غ. انظر: المكاييل والموازين الشرعية: 19. (¬2) الوازِنة: كاملة الوزن: كلّ واحد وزنه وزن درهم. انظر: تسهيل منح الجليل: 2/ 533. (¬3) الدّينار بالاتفاق (25.4) غ ونصاب الذهب = 85 غ. انظر: المكاييل والموازين الشرعية: 19.

330 - مسألة

330 - مسألة: وما زاد فبحسابه في الذهب والورق، فيخرج من الزيادة قليلًا كان أو كثيرًا الزَّكاة، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: لا شيء في الزيادة حتّى تبلغ أربعين درهمًا أو أربعة دنانير. 331 - مسألة: ويضم [19/أ] الذهب إلى الورق في الزَّكاة، [فما كان له مائة درهم وعشرة دراهم، فعليه الزَّكاة]، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال الشّافعيّ وأصحابه: لا يضم. 332 - مسألة: قال داود: يجب على الإمام إذا أخذ الزَّكاة أن يدعو لربها. وقال جميع الفقهاء: لا تجب. 333 - مسألة: إذا نقص نصاب الذهب أو الورق في خلال الحول، ثمّ أفاد إلى الباقي فائدة فتم بها نصابًا، وليس من ربحه، فلا زكاة فيه حتّى يحول الحول من يوم الفائدةُ، وبه قال الشّافعيّ وزفر. وقال أبو حنيفة وباقي أصحابه غير زفر: يعتبر طرفا الحول مع بقاء شيء من النصاب في وسطه. 334 - مسألة: لا زكاة في العلّي المتخذ للبس على الوجه المباح، وهو قول عمر وجابر وأنس وعائشة وأسماء وابن عبّاس -رضي الله عنهم-، والشّافعيّ في أحد قوليه. وقال أبو حنيفة وأصحابه: فيه الزَّكاة.

335 - مسألة

335 - مسألة: تجب الزَّكاة في العروض إذا كان لها حول وبيعت بنصاب وهي للتجارة، وإن لم تبع قوّمت على وجه ما، وبه قال سائر الفقهاء. وقال داود: لا تجب [الزَّكاة] في عروض التجارة؛ كعروض القنية. 336 - مسألة: إذا كانت العروض للتجارة مرصدة بها للنماء، لا تقوّم في كلّ عام للزكاة وإذا قامت سنين، حتّى تباع بعين، فتزكّى لحول واحد، إِلَّا أن يكون صاحبها مديرًا ولا يعرف حول ما يشتري فيه ويبيع، فيجعل لنفسه شهرًا في السنة يقوّم فيه ما عنده، ويزكّيه مع ناض (¬1) إن كان عنده. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يقوّم في كلّ سنة، ويزكّي على القيمة مديرًا كان أو غيره. 337 - مسألة: إذا اشترى سلعة للتجارة، فنض ثمنها مع ربحه قبل الحول، زكّى الربح والأصل لحول الأصل، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان: أحدهما مثل قولنا، والآخر: يستأنف بالربح حولًا. 338 - مسألة: إِذَا أقام عنده نصاب من الدراهم أحد عشر شهرًا، فاشترى به عشرين دينارًا، أو تمّ الحول، أو كان عنده نصاب دنانير أحد عشر شهرًا، فاشترى به دراهم تجب في مثلها الزَّكاة، فإنّه يزكي لحول الأصل ولا يستأنف للثاني حولًا، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يستأنف بالثّاني حولًا. ¬

_ (¬1) النّاض: ما تحوّل ورقًا أو عينًا بعد ما كان متاعًا. انظر: لسان العرب: 7/ 237.

339 - مسألة

339 - مسألة: إذا نصّ ثمن العروض عند الحول، وكان نصابًا أو حال الحول، وهو مدير والسلعة باقية، فالزكاة واجبة وإن لم يكن في أول الحول وقت الشراء نصابًا، وبه قال الشّافعيّ، واختلف أصحابه على وجوه. وقال أبو حنيفة: لا تجب الزَّكاة، إِلَّا أن يكون في أول الحول وآخره نصابًا، فاعتبر الطرفين جميعًا. 340 - مسألة: لا تصير العروض للتجارة لمجرد النية، حتّى تنقل من ملكه إلى ملك غيره بعوض، ينوي به التجارة حين ينتقل العرض الأوّل. فلو اشترى عرضًا لا ينوي به التجارة، ثمّ نوى للتجارة وأعده للتصرف، لم تجب الزَّكاة بهذه النية، حتّى يبيعه ويشتري عرضًا آخر ينوي به التجارة، فتجب الزَّكاة في ثمنه إذا باعه، ويقومه إن كان مديرًا، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وأحمد وإسحاق والحسين الكرابيسي (¬1). وحكي عن أبي ثور أنّه يصير للتجارة بمجرد النية، قال: لأنّه إذا كان للتجارة ونوى به القنية وترك التصرف فيه سقطت الزَّكاة، فتجب إذا كان للقنية ونوى به التجارة أن يكون كذلك ولا فرق. قالوا: ولأن النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "وإنّما لكُلّ أمرىءٍ ما نَوَى" (¬2). ¬

_ (¬1) في الأصل: "الحسن الكراسي". وهو تحريف. انظر: الحاوي الكبير: 3/ 296، المجموع: 5/ 6. وهو: أبو علي الحسين بن علي بن يزيد البغدادي الكرابيسي - نسبة إلى بيع الكرابيس: وهي الثِّياب الغليظة -: أخذ الفقه عن الشّافعيّ، ولم يتخرج على يديه بالعراق مثله، من مؤلفاته: كتاب القديم عن الشّافعيّ، وكتب مصنفة ذكر فيها اختلاف النَّاس في المسائل، توفي: 245 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 2/ 117، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 63. (¬2) حديث صحيح متفق عليه عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؛ البخاريّ (1)، ومسلم: (1907).

341 - مسألة

وروى ابن عبد الحكم عن مالك أنّه قال: لا ينقل مال التجارة بمجرد النية للقنية، فإن باعه بنصاب زكاه مكانه، أو أضافه إلى ما تجب معه فيه الزَّكاة. وروى [19/ب] ابن القاسم عنه أنّه يعود للقنية بمجرد النية، فيقول: إنّه لا يعود قنية بالنية دون الإمساك وترك تقليبه، وكذلك لا يصير للتجارة بالنية حتّى يحصل الشراء للتجارة وهو عمل يقارنه، وكذلك الآخر الإمساك وترك التقليب عملان يقارنه مع نيّة، والأمران سواء. 341 - مسألة: لا تمنع زكاة التجارة في الرّقيق زكاة الفطر إذا كان مسلمًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إذا كانوا مسلمين للتجارة والمالك مسلم، لم تجب فيهم زكاة الفطر. واحتج بأن زكاة الفطر زكاة، وكذلك [زكاة] التجارة، ولا تجتمع زكاتان على مسلم في ملك واحد وهما من جنس واحد، كما أن زكاة التجارة في الماشية لا تجتمع مع زكاة الماشية في جنس واحد من الماشية. وهذا غلط؛ لما رواه [مالك عن نافع (¬1) عن] ابن عمر - رضي الله عنهما -[قال]: فَرَضَ النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - صَدَقَةَ الفِطرِ صاعًا مِن تمرٍ أو صاعًا مِن شَعِير عَلَى كُلّ مُسلِم حُرّ وعَبد ... كذا الحديث (¬2). وهو عام لم يخص بعبد تجارة أو قنية. ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله نافع المدني، مولى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: التابعي الجليل المفتي المثّبت عالم المدينة، روى عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما وغيرهما، وأكثر عن ابن عمر ورواها عنه مالك، وهي المسمّاة بسلسلة الذّهب، أخرج له الستة. توفي: 117 ص. انظر: السير: 5/ 95، التهذيب: 10/ 368. (¬2) حديث صحيح متفق عليه؛ الموطَّأ (773)، والبخاري (1503)، ومسلم (984).

342 - مسألة

342 - مسألة: إذا اشترى ماشية للتجارة فحال عليها الحول وهي نصاب، زكاها زكاة الماشية لا زكاة القيمة، وسواء كان مديرًا أو غير مدير. وكذلك إذا اشترى نخلًا للتجارة فأثمرت، فإنّه يزكي الثمرة العشر أو نصف العشر من عين الثمرة، لا على قيمة الشجرة ولا قيمة الثمرة. وكذلك كلّ ما يشتريه ممّا لو لم يكن للتجارة، لوجب فيه الزَّكاة في عينه إِذَا كان نصابًا، فإنّه يزكيه زكاة العين. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه -وهو الأضعف-: إنّه يزكي زكاة القيمة، لا زكاة عين. والآخر مثل قولنا، وهو الصّحيح عندهم. 343 - مسألة: ومن أخذ مالًا قراضًا فأقام بيده حولًا فربح فيه، فلا يزكيه حتّى يرده إلى ربه، فيتقرر له ربحه. [وصورة المسألة: أن رجلًا دفع إلى رجل ألف درهم قراضًا، على أن يعمل فيها، فما كان من ربح فهو بينهما نصفين، ثمّ حالي الحول والمال ألفان؛ ألف منها رأس المال وألف ربح، فإنّه لا يخرج زكاة عن رب المال، ولا عن نفسه حتّى يدفعه إلى ربه]؛ لجواز أن يكون على ربه دين يغترقه على أصولنا في الدِّين. ولا يزكي العامل نصيبه حتّى يقتسما، فإذا صار لرب المال من رأس ماله وربحه ما تجب فيه الزَّكاة، زكى ذلك وزكى العامل ما صار إليه من الربح، قليلًا كان أو كثيرًا للعام الّذي تفاصلا فيه، وما كان قبل ذلك من السنين، زكى رب المال على ما كان يزكي كلّ سنة. وهذا يدلُّ على أن الزَّكاة في الأصل، والربح على رب المال إذا كان العامل قد أدى (¬1) المالى [والربح، ما تجب فيه الزَّكاة، زكى الجميع]. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "رب".

344 - مسألة

وقد روي عن مالك أنّه يراعي الجميع، فإذا كان رأس المال [والربح] ما تجب فيه الزَّكاة، زكى الجميع ثمّ اقتسما الربح بعد ذلك، فهذا إذا لم يكن في الماضي نصاب، وإنّما هو في وقت المفاصلة. واختلف قول الشّافعيّ في نصيب العامل، فقال: يزكي رب المال عن رأس ماله، وعن نصيبه من الربح؛ لأنّ ذلك ملكه. وهل يزكي على العامل؟ فيه قولان أحدهما: يلزمه، وهو اختيار المزني. والآخر: لا يلزمه، ويلزم العامل زكاة نصيبه من الربح، وهو قول أهل العراق. وهذا على أصولهم أنّه يزكي في كلّ سنة، ولا يؤخر إلى المفاصلة. غير أن مذهبنا ومذهب المزني سواء، وهو أن الزَّكاة في ماضي السنين على رأس المال، والربح على رب المال. وهذه المسألة عندنا على أن العامل لا يملك الربح حتّى تقسم، فإذا قسم ملك، والزكاة في الماضي على رب المال؛ لأنّه مالك. 344 - مسألة: من معه مائتا درهم، وعليه مثلها دين، ولا عرض له يفي بما عليه، فلا زكاة عليه في العين والورق خاصّة. وبه قال أبو حنيفة، والدين يمنع الزَّكاة في المال؛ عينًا كان أو عرضًا أو ماشية [20/أ]، بخلاف الثمار والحبوب. وبمثل هذا قال الشّافعيّ في القديم، وجعل الحبوب والثمار بمنزلة الماشية، وهو قول سليمان بن يسار (¬1) والحسن والليث والثوري وأحمد وإسحاق. ¬

_ (¬1) هو: أبو أيوب سليمان بن يسار الهلالي المدني مولى ميمونة رضي الله عنها. الإمام الفقيه التابعي الجليل، أحد فقهاء المدينة السبعة، روى عن ميمونة وأم سلمة وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم أخرج حديثه الستة. توفي: 107هـ. انظر: السير: 4/ 444، التهذيب: 4/ 199.

345 - مسألة

وقال الشّافعيّ في الجديد: لا يمنع الدّين الزَّكاة، وقال: لو كانت له مائتا درهم، وعليه دين عشرة آلاف، لم تسقط عنه الزَّكاة، وذهب إليه حماد ابن أبي سليمان وربيعة وابن أبي ليلى. وبقول مالك قال الأوزاعي. 345 - مسألة: ومن له على إنسان دين، فلا زكاة عليه فيه وإن أقام سنين حتّى يقبضه، فيزكيه لسنة واحدة، هذا إذا كان أصله في يده ثمّ صار دينًا، وهو قول عطاء بن أبي رباح وعطاء الخراساني (¬1) وابن المسيَّب. وقال قوم: ليس في الدِّين زكاة حتّى يقبض فيزكي لماضي السنين، إِلَّا قدر الزَّكاة في كلّ سنة، وهو قول الثّوريّ وأبي حنيفة وأصحابه. وقال قوم: ليس في الدِّين زكاة، ويستأنف به الحول بعد قبضه، وحكي هذا عن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهم-، وعكرمة وعمرو بن دينار، وقال به الشّافعيّ في القديم. وقال بعض أصحابه: معناه: إذا كان على غير مليء. والصّحيح من قوله: إنّه يزكيه في كلّ سنة، وإن لم يقبضه إذا كان على مليء، وبه قال سحنون. 346 - مسألة: يكره أن يشتري الرَّجل صدقته ولا يفسخ إن وقع، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال قوم: لا يجوز ويفسخ، واحتجوا بقول النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لعمر- ¬

_ (¬1) هو: أبو أيوب عطاء بن أبي مسلم الخراساني: المحدث الواعظ، نزيل الشّام مولى المهلب الأزدي، روى عن ابن المسيَّب ونافع وعطاء بن أبي رباح، وروى عنه: مالك وسفيان وشعبة وغيرهم، أخرج له مسلم والأربعة. توفي: 135 هـ. انظر: السير: 6/ 140، التهذيب: 7/ 190.

347 - مسألة

رضي الله عنه - لما تصدق بفرس [في سبيل الله، فوجده يباع]، وأراد شراءه: "لا تَفعَلْ، ولا تَعُد في صَدَقتِك" (¬1). قالوا: وهو قياس الأضحية، لا يجوز بيع اللّحم؛ لعلّة أنّه أخرجها قربة إلى الله. 347 - مسألة: لا زكاة فيما يخرج من المعادن إِلَّا أن يكون ذهبًا أو فضة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: كلّ ما ينطبع؛ كالنحاس، والرّصاص، والحديد، والذّهب، والفضّة، ففيه الخمس، و [أمّا] ما لا ينطبع؛ كالفَيْروزَج (¬2)، والموميا (¬3)، والعقيق (¬4) وغيره، فلا شيء فيه. 348 - مسألة: وما خرج منها من الذهب والفضة بتعب ومؤنة، ففيه ربع العشر إذا كان نصابًا، وما خرج من النَّدرة (¬5) والكلية (¬6) بغير تعب، ففيه الخمس، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه. وفي قول آخر: ربع العشر على كلّ حال، في قليله وكثيره، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: فيه الخمس على كلّ حال، وحكي مثله عن الزّهريُّ. وقد حكي عن المروزي وغيره من أصحاب الشّافعيّ: أن له قولًا آخر كقول أبي حنيفة أنّه ركاز. ¬

_ (¬1) حديث صحيح متفق عليه. انظر: صحيح البخاريّ: (1489)، ومسلم: (1621). (¬2) الفيروزج: ضرب من الأصباغ. انظر: لسان العرب: 2/ 345. (¬3) الموميا: لفظة يونانية، والأصل: مومياي، وهو: دواء يستعمل شربًا ومروخًا وضمادًا. انظر: المصباح المنير: 587. وقد ذكره الشّافعيّ فيما لا تجب فيه الزَّكاة من المعادن في الأم: 2/ 110. (¬4) العقيق: خرز أحمر يتخذ منه المنصوص. انظر: 10/ 260. (¬5) النَّدرة: القطعة من الذهب والفضة توجد في المعدن. انظر: لسان العرب: 5/ 200. (¬6) في (ط): "الكبلة". ولعلّها: الحلية. والله أعلم بالصواب.

349 - مسألة

349 - مسألة: وما خرج من البحر؛ مثل: اللؤلؤ والياقوت والعنبر والمسك والطير (¬1)، فلا زكاة فيه، إِلَّا أن يكون ذهبًا أو ورقًا غير مصوغ، ففيه الزَّكاة، وإن كان مصوغًا فهو ركاز، [فيه الخمس]. وقال أبو حنيفة: لا شيء فيما يخرج من البحر من الذهب والفضة. وبما قلنا قال سائر الفقهاء فيما يخرج منه سوى الذهب والفضة. وقال أبو يوسف: في اللؤلؤ [والجوهر] والياقوت والعنبر الخمس؛ لأنّه نماء معجّل فأشبه الركاز. [وهذا غلط]. 350 - مسألة: [ولا تجب الزَّكاة فيما يجب فيه من المعدن، حتّى يبلغ نصابًا، وبه قال الشّافعيّ في كتبه كلّها. وغلط عليه بعض أصحابه، فقال: يجب في قليله وكثيره. وقد بيّنا أن الخمس لا يجب إِلَّا في الندرة منه، ومضى الكلام عليه]. ويزكي النصاب ممّا يخرج من المعدن في الحال، وبه قال أبو حنيفة وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي. وللشافعي قولان: أحدهما: مثل قولنا، والآخر: يستقبل به الحول، وبه قال المزني. 351 - مسألة: الزَّكاة تجب في المعدن تصرف مصرف [20/ب] الزَّكاة. وقد تقدّم القول في أنّها زكاة، وبه قال الشّافعيّ. [وقال أبو حنيفة]: تصرف مصرف خمس الغنيمة. ¬

_ (¬1) هكذا في النسختين: ولعلّها الطيب والله أعلم.

مسائل زكاة الفطر

مسائل زكاة الفطر 352 - مسألة: الأصل في زكاة الفطر قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} [الأعلى: 14، 15]. قال عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيَّب: هي صدقة الفطر، وقال عطاء: هي الصدقات كلها. وقال عكرمة: معناه: قد أفلح من قالة لا إله إِلَّا الله، وقال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: قد أفلح من تزكى من الشرك، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه -: من إذا خرج من الصّلاة تصدق بشيء إن استطاع (¬1). وقال مالك: هي داخلة في قولهْ {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]. وروي عنه وعن أكابر الصّحابة: أنّها ممّا بيّن الرسول - صلّى الله عليه وسلم - وفرض، على ما جاء في الحديث (¬2). ومعنى هذا: أنّه - صلّى الله عليه وسلم - فرض مقدارها أي قدّره، وإلا فهي فرض، وبه قال الشّافعيّ، وكل فرض واجب. وقال أبو حنيفة: هي واجبة وليست بفرض [وكل فرض عنده واجب، وليس كلّ واجب فرضًا، بل الفرض آكد من الواجب،، وكذلك الوتر، وكأنّه وافق في المعنى وخالف في الاسم، وقال: هي تجري مجرى المؤنة وليست بزكاة. ¬

_ (¬1) أخرج هذه الآثار: عبد الرزّاق في مصنفه: 3/ 321، والبيهقي في الكبرى: 4/ 159. (¬2) يقصد حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق ذكره في المسألة [341].

353 - مسألة

353 - مسألة: لم يختلف علماء الأمصار في أن السَّيِّد عليه أن يخرج عن عبيده المسلمين. وحكى قوم من أهل الظّاهر: أن زكاة الفطر على العبد في نفسه، وعلى السَّيِّد أن يمكنه من اكتساب ذلك وإخراجه عن نفسه. واستدل من صار إلى هذا بقوله - صلّى الله عليه وسلم - في الحديث: "صَاعًا مِنْ كَذا أَو صَاعًا مِنْ كَذا، عَلى كُلِّ حُرِّ أو عَبْدٍ"، وهذا يقتضي أن تكون على العبد في نفسه؛ لأنّها حقيقة الكلام كالحر؛ لأنّه لا يصلح أن يخاطب مثله. 354 - مسألة: إذا كان الولد صغيرًا موسرًا، فنفقته وزكاة فطره في ماله، وبه قال الشّافعيّ وأبو حنيفة. وقال محمّد: نفقته في ماله، وزكاة الفطر على أبيه. وهذا غلط. 6 - فصل: [وأمّا الولد]؛ فإن كان بالغًا زَمِنًا فقيرًا، فلا خلاف عندنا وعند الشّافعيّ أن النفقة وزكاة الفطر تلزم الأب. وقال أبو حنيفة: لا تلزم الأب زكاة عنه؛ لأنّه لا ولاية له عليه وهو كالأجنبي، فاعتبر الولاية. وهذا غلط. 355 - مسألة: وإذ لزمته نفقة زوجته المسلمة؛ لزمته زكاة الفطر عنها، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وأبو ثور. وقال أبو حنيفة والثوري: زكاة فطرها عليها، وإن أخرج الزوج عنها بغير إذنها لم تجزها. 356 - مسألة: إذا كان له عبد آبق أو غائب قد أيس منه ولا يرجوه، لم تلزمه زكاة

357 - مسألة

الفطر عنه، وبه قال عطاء والثوري وأصحاب الرأي. وقال الأوزاعي: يزكي عنه إذا كان في دار الإسلام. وفي أحد قولي الشّافعيّ: يزكي عنه، وبه قال أبو ثور. وقوله الآخر: لا يزكي عنه، وإذا وجده زكى عنه لما مضى. 357 - مسألة: لا يزكي عن عبده الكافر، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يزكي عنه. 358 - مسألة: اختلف قول مالك في وقت وجوبها، فقال: تجب برؤية الهلال أو كمال عدة رمضان، فإذا دخل اللّيل وجبت. وقال: تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر، وبه قال أبو حنيفة. وبالأول قال الشّافعيّ. 359 - مسألة: إذا كان عبد بين نفسين، زكى كلّ واحد عنه بقدر ملكه منه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا زكاة عليهما فيه. 360 - مسألة: المُدّ: رطل (¬1) وثلث (¬2)، والصاع: أربعة أمداد (¬3)، فذلك [21/أ] ¬

_ (¬1) الرّطل البغدادي عند الحنفية (130) درهمًا، ومقداره = 25.406 غ، وعند الجمهور (128) درهمًا، ومقداره = 5.382 غ. انظر. المكاليل والموازين الشرعية: 30. (¬2) المدّ عند الحنفية (5.812) غ، وعند الجمهور (510) غ. المرجع السابق: 36. (¬3) الصّاع عند الحنفية (25.3) كغ، وعند الجمهور (04.2) كغ. المرجع السابق: 37.

361 - مسألة

خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، وهو صاع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وصاع المدينة، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة ومحمد: المُدّ: رطلان، والصاع: ثمانية أرطال. 361 - مسألة: من ملك فضلًا عن قوت يومه أخرج زكاة الفطر، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يخرج حتّى يملك مائتي درهم. 362 - مسألة: لا يجزئ في صدقة الفطر أقل من صاع حنطة؛ مثل: التّمر والشعير، وبه قال الشّافعيّ وأبو حنيفة في أحد روايتيه. والأظهر من قوله: نصف صاع حنطة، ومن التّمر والشعير صاع. 363 - مسألة: إذا كان قوته وقوت بلده في الغالب حنطة، لم يجزه أن يخرج غيرها، إِلَّا ألَّا يمكنه فيخرج ممّا يأكل منه، وبه قال الشّافعيّ وأبو حنيفة. وقال أصحابه: [لأنّ جميعه قوت يجوز في صدقة الفطر]، فأي جنس أخرج أجزأه؛ لأنّه إذا جاز أن يخرج البرّ مكان الشعير، جاز أن يخرج الشعير مكانه، ولأن النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - خيّر في الجميع ولم يرتب وقال: "أَغنوهُم في هَذا اليَومِ" (¬1) ولم يفرّق. ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني: 3/ 89، والبيهقي: 4/ 175. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وفي سنده أبو معشر. قال البيهقي: أبو معشر هذا نجيح السندي المديني، وغيره أوثق منه. قال ابن الملقن معقّبًا عليه: بل هو واه، وقد ضعّفه في "سننه"، وقال البخاريّ في حقه: منكر الحديث، ورواه ابن عساكر في تخريجه لأحاديث المهذب، بلفظ: "أغنوهم عن السؤال " ثمّ قال: حديث غريب جدا من هذا الوجه بهذا اللفط، وليس إسناده بالقوي. انظر: البدر المنير: 5/ 620. وقال عنه ابن حجر: "ولابن عدي والدارقطني بإسناد ضعيف"، انظر: بلوغ المرام: 145.

قسم الصدقات

قسم الصدقات 364 - مسألة: إذا كان الإمام عدلًا، فله أخذ الزكوات في الأموال الباطنة والظاهرة. والباطنة إن زكاها ربها أجزأه. وقيل: لا يجزئه، وبه قال أبو حنيفة، إن أخذ الجميع إلى الإمام، وأرباب الأموال الباطنة كالوكلاء للإمام في تفريقها. وهذا عندي يوافق قولنا؛ لأنّ مالكًا شدّد في أن الأموال الباطنة لا يسع أربابها أن لا يدفعوها إلى الإمام، أإذا كان الإمام عدلًا]. واحتج بأن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه - كان يسأل أهل العطاء، هل عندهم شيء يؤدّون (¬1) زكاته ليحاسبهم به من أعطياتهم. وقال الشّافعيّ: زكاة الأموال الباطنة إلى أربابها دون الإمام. واختلف قوله في الظاهرة، فقال في القديم مثل قولنا: لا يفرّقها ربها، وبدفعها إلى الإمام، وإن تولى هو ذلك ضمن. وقال في الجديد: له أن يفرّقها، والأحسن أن يدفعها إلى الإمام، وهو قول الحسن والنخعي. ¬

_ (¬1) في الأصل: "دون". والمثبت من (ط).

365 - مسألة

365 - مسألة: إذا رأى الإمام صرف الزَّكاة إلى صنف واحد باجتهاده لشدة الحاجة، أجزأ ذلك ولم يضمن، وبه قال الحسن والثوري والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه. وقال الشّافعيّ: إن أخلّ بصنف من الثمانية المذكورة في الكتاب، ضمن إن كانوا موجودين، والعامل إن كان قد عمل، وذكر أنّه قول عكرمة وعمر بن عبد العزيز، وكذلك قال في صدقة الفطر. 366 - مسألة: الصَّدقة والزكاة بمعنى واحد وهما اسمان لمسمى، وبه قال الشّافعيّ فيما يؤخذ من الماشية والذهب والفضة والثمار والزرع. وقال: وإن كان الغالب على أفراد النَّاس أنّه: العشر في الزّرع والثمار، والمأخوذ من الماشية زكاة، والمأخوذ من الرقة صدقة، غير أن الجميع زكاة وصدقة. وقال أبو حنيفة: المأخوذ من الزّرع والمْار لا يسمى صدقة ولا زكاة، وإنّما هو العشر، فخالف في التّسمية. 367 - مسألة: وإذا وجد المستحقون للزكاة في البلد الّذي أخذت فيه، لم تنتقل إلى غيره، وإن فضلت فضلة، صرفت في أقرب المواضع إلى تلك البلد، وإن بلَغ الإمامَ عن بلد ما حاجةٌ، بعثت إليهم منها. ولم يَبن لي من مذهبه أنّها إذا نقلت إلى بلد آخر وفرّقت فيه، أنّها لا تجزئ. وقال القاضي -رضي الله عنه -: تجزئ. والاختيار غير ذلك.

368 - مسألة

ورأيت في كتاب ابن الموّاز (¬1) عن مالك: لو أن رجلًا رأى أن ينفذ زكاته للمدينة، كان ذلك صوابًا، ولو نفذها إلى العراق، لم أر به بأسًا [21/ب]، وإن كنت أحب أن يؤثر أهل بلده. وقال أبو حنيفة: يجوز نقلها مع وجود الفقراء في البلد الّتي أخذت منه على كراهة. وقال الشّافعيّ: لا يجوز نقلها لبلد آخر، فإن فعل ذلك، فهل يجزئ أم لا؟ على قولين. أحدهما: سقوط الفرض، والثّاني: لا وهو الصّحيح، وبه قال طاووس وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير (¬2) وسفيان الثّوريّ. وحكي أنّه قول مالك، ولم أجده منصوصًا. 368 - مسألة: [عند أصحابنا: أن] المسكين أشد حاجة من الفقير، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: الفقير أشد. واختلف أهل اللُّغة في ذلك. 369 - مسألة: ومن كان قويًّا على الكسب جلدًا على القوت له ولعياله كلّ يوم، لم ¬

_ (¬1) هو: "كتاب محمَّد" أو"الموّازية"، لمؤلفه محمَّد بن الموّاز: أحد أمهات الكتب الأربعة في المذهب المالكي، وأجلها وأصحها مسائل وأبسطها كلامًا، قصد صاحبها إلى بناء فروع المذهب على أصوله، لذا رجحها بعضهم كأبي الحسن القابسي على سائر الأمهات. انظر: الديباج: 233. (¬2) هو: أبو محمَّد سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم الكوفي: الإمام التابعي الحافظ المفسر الشهيد، روى عن ابن عبّاس وابن الزبير وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهم، أخرج له الستة. قتل بين يد الحجاج سنة 95 هـ. انظر: السير: 4/ 321، التهذيب: 4/ 11.

370 - مسألة

أعرف لمالك - رحمه الله - فيه نصًا، هل يجوز له أخذ الزَّكاة أم لا؟ [غير أنّه لا إشكال] عندي أن الزَّكاة تحل له؛ لقول مالك: ويعطى منها من له أربعون درهمًا. وهو أحسن حالًا ممّن يقدر على الكسب؛ لأنّه قبل العمل ليس معه أربعون فهو فقير [في الحال]، فيجوز له أخذها، وبه قال أبو حنيفة ومحمد. وقال الشّافعيّ: لا يحل له أخذها، وبه قال أبو ثور وإسحاق، ومن الصّحابة: عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-. وقال أبو يوسف: قبيح دفع الزَّكاة إليه، ويجوز إن دفعت له ووقعت موقعها. ونحن والجماعة: نكره له أخذها. والشّافعيّ جوّزها للغني بماله، ومعناها من الغني بكسبه. 370 - مسألة: اختلف في قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] فقال مالك: يشتري بالمال رقابًا فيعتقهم، ولا يعطي المكاتبين. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يشتري عبدًا ويعتقه ابتداءً. وقال الشّافعيّ: إذا أراد الرَّجل أن يفرق صدقته، أعطى منها ثلاثًا من المكاتبين أقله. وأبو حنيفة يقول: يجوز أن يعطيها لمكاتب واحد، ولا يجوز في ابتداءً عتق عبد عندهما جميعًا. وروي عن مالك أنّه يجوز أن يعطي منها ما يتم به كتابة مكاتب فيعتق وقد روي مثل قولنا عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، والحسن.

371 - مسألة

ومثل قول أبي حنيفة والشّافعيّ عن- علي رضي الله عنه -، وسعيد بن جبير والنخعي. وحكي عن الزّهريُّ [أن نصفه] (¬1) في المكاتبين، و [نصفه] شراء عبد للعتق. 371 - مسألة: وكذلك قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] هم الغزاة، لا الحاج، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وحكي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: هم الحاج، وبه قال أحمد وإسحاق. واستدلوا بما روي أن رجلًا أوقف ناقته في سبيل الله، فأرادت امرأة أن تحج، فقال لها النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "اِرْكَبِيها، فَإِنَّ الحَج مِن سَبيلِ الله -عَزَّ وَجَلَّ -" (¬2). 372 - مسألة: لم يحدّ مالك - رحمه الله - للغني الّذي يمنع أخذ الزَّكاة حدًّا، غير أنّه قال: يعطى (¬3) منها من له المسكن والخادم والدابة الّذي لا غنى له عنه، ويعطى من له أربعون درهمًا. ¬

_ (¬1) في الأصل: "وضعه ". والمثبت من (ط). (¬2) لم أجده بهذا اللّفظ في كتب السُّنَّة المطبوعة، إِلَّا ما أورده ابن بطّال في شرحه على البخاريّ:3/ 497، ولم يعزه لأحد. أمّا أصله فقد أخرجه: أبو داود (1989): ولفظه: "عَن أُمِّ مَعْقِلِ قَالت لَمَّا حَجّ رَسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - حَجةَ الوَداع وكانَ لَنا جَمَلٌ فجَعَلَهُ أبو مَعْقِلٍ في سَبِيلِ الله وأَصابَنا مَرَضٌ وَهَلَكَ أبو مَعْقِلِ وَخرَجَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: فَلَمَّا فرغَ مِن حَجَّهِ جِئْته، فقالَ: " يَا أمْ مَعْقِلٍ مَا مَنَعَكِ أَنْ تَخْرُجِي مَعَنا" قالَت: لَقَد تَهَيَّأنَا فَهلكَ أبو مَعْقِل وكانَ لَنا جَمَلٌ هو الَّذِي نَحُجُّ عليْهِ فَأَوصَى به أبو مَعْقِلٍ في سَبيلِ الله. قالَ: "فَهَلا خَرَجتِ عَليهِ فَإِنْ الحَجَّ في سَبيلِ الله". وأحمد (27286)، وابن خزيمة (2376)، والحاكم: 1/ 482، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (¬3) في الأصل: "لا يعطى". والمثبت من (ط). انظر: المدوّنة: 3/ 120.

فأمّا مقدار ما يعطى، فقال: يعطى كفايته وعياله، ولم يبيّن مقداره بمدّة معيّنة. وعندي أنّه يعطيه ما يغنيه حتّى تجب عليه الزَّكاة؛ لأنّه في حال من أخذ الزَّكاة الكثيرة فقير، وإنّما يستغني بأخذها، فلا فرق بين أن يستغني بما يأخذه من المدة اليسيرة أو الطويلة. وقال أبو حنيفة: من ملك مائتي درهم أو قيمة ذلك سوى ثياب بدنه، وما يختص بمنفعته، مثل: داره، لم يحل له أخذ الزَّكاة. وقال الشّافعيّ: يعطى ما يبلغ به أدنى الغنى. وأدنى الغنى عنده: ما يغنيه عن النَّاس، وليس له حد محدود؛ لأنّه يختلف باختلاف أحوال النَّاس في قلة الكفاية وكثرتها [22/أ]. وبيان ذلك عنده: أن الرَّجل إذا كان عنده ألف درهم يتّجر بها، ويدخل عليه من ربحها كلّ يوم درهم ويكفيه وعياله، لم يحل له أخذ الصَّدقة؛ لأنّه مكفي، وإن كان يحتاج كلّ يوم إلى درهمين في الكفاية، زيدت له ألف درهم إلى ما عنده، حتّى يربح كلّ يوم درهمين كفايته وعياله. وكذلك لو كانت مائة ألف درهم تجارة يربح فيها كلّ يوم خمسين درهمًا وكفايته كلّ يوم مائة درهم، أعطاه مائة ألف درهم أخرى، حتّى يربح كلّ يوم كفايته. وعلى هذا يكون أبدًا من عنده مائة ألف، فقير يحل له أخذ الصَّدقة. وقال سفيان الثّوريّ وأحمد وإسحاق: الغنى خمسون درهمًا، فإن لم يكن معه شيء أعطي خمسين، وإن كانت معه لم يعط شيئًا، وهو قول علي وابن مسعود -رضي الله عنهما-، وينبغي إذا كانت معه أربعون، أن يعطى عشرة. وقول مالك يوافقهم في أنّه إن كان عنده خمسون درهمًا، لم يعط؛ لأنّه قال: ويعطي من مَالُه أربعون درهمًا.

373 - مسألة

وقد ذكرت أنّه يعطى من يستحق، إلى أن يصير ممّن تجب عليه الزَّكاة. 373 - مسألة: [قال مالك]: ولا تعطي المرأة زوجها [شيئًا من] زكاتها. وذكر شيوخنا أنّه على وجه الكراهة، ويجزئها إن فعلت، ويسقط به الفرض. وجوّزه الشّافعيّ. وحكي عن أبي حنيفة أنّه منع من ذلك. وينبغي عندي أن يفصّل: فإن كان زوجها فقيرًا أعطته ما يكفيه دونها، إذا رضيت بالمقام معه. ولا يجوز لها أن تدفع له ما يكفيه ويكفيها، وهو ذريعة إلى أن ترجع إليها زكاتها، وقد قال - صلّى الله عليه وسلم - لامرأة ابن مسعود -رضي الله عنهما-: "لكِ أجْرانِ" (¬1). 374 - مسألة: إذا اجتمع في شخص واحد الفقر والمسكنة والغرم، لم يستحق بكل سبب، وإنّما يعطيه الإمام باجتهاده، وكذلك صاحب المال إذا تولاها، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ مثله في أحد قوليه، وفي الآخر: يعطى بكل سبب فيه من الأسباب الّتي ذكرها الله. وهذه فرع للمسألة الّتي يقول فيها: إن أدى الإمام اجتهاده إلى صرفه الصَّدقة إلى نوع واحد من الأصناف المذكورة، جاز وإلى فقير واحد، ¬

_ (¬1) حديث صحيح متفق عليه؟ البخاريّ (1466)، مسلم (1000). وامرأة ابن مسعود رضي الله عنه، اسمها: زينب بنت معاوية رضي الله عنها.

375 - سألة

كذلك هاهنا إذا رأى الإمام أن يغنيه بوصف واحد فيه ففعل، جاز أن يغنيه إذا كانت فيه أوصاف كثيرة. فإذا سلمت تلك المسألة، فلا معنى للكلام في هذه؛ لأنّها فرع عنها. ويجوز أن يغير الكلام في هذه المسألة، فيقول: من أصلنا أن استحقاق الزَّكاة بالمعنى دون الاسم، والمعنى الّذي يستحق به الحاجة والفقر، وأيضًا لم ينقل عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه أعطى شخصًا واحدًا سهمين، ولا سأله عن اجتماع سنين فيه، مع علمنا بجواز وجود ذلك في الأصناف، فلو كان ذلك معتبرًا لنقل، وكانت الصّحابة تعتبره وتسأل عنه. وأيضًا فإن المقصود من الآية: سد الخلة ودفع الحاجة، فإذا حصل من وجه، لم يعتبر غيره، واعتبارًا بنفقة الزوجة لمّا حصلت من وجه، لم تعتبر من وجه آخر. 375 - سألة: لا يجوز صرف زكاة الفطر إلى ذمي، وبه قال الشّافعيّ والليث وأبو ثور وأحمد بن حنبل. وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك، واستدل بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ .....} الآية [التوبة: 60]. 376 - مسألة: إن اجتهد فدفع لغني، قال ابن القاسم: يجزئه. وقال أيضًا: لا يجزئه، وقول مالك يدلُّى على هذا؛ لأنّه قال في كفارة اليمين بالله: إن أطعم غنيًّا، لم يجزئه وإن اجتهد، فالزكاة أولى. وقال أبو حنيفة ومحمد: يجزيه، وهو [22/ب] أحد قولي الشّافعيّ، وروى الحسن مثل ذلك. وقولى الشّافعيّ الآخر: إنّه لا يجزئ مثل ذلك، وبه قال سفيان وأبو يوسف.

377 - مسألة

واتفقوا على أنّه لو اجتهد، فأعطى كافرًا على أنّه مسلم لم يجزه، إِلَّا في صدقة الفطر على مذهب أبي حنيفة. 377 - مسألة: [لأبي تمام و] للعامل أن يأخذ من الصَّدقة وإن كان غنيًّا، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: لا يجوز. 378 - مسألة: يجوز أن يكون العامل من ذوي القربى، وحكي عن المروزي مثله. وقال بعض أصحاب الشّافعيّ: لا يجوز. 379 - مسألة: وتعطى المؤلفة إذا وجدوا في زماننا، وهو أحد قولي الشّافعيّ. والآخر: لا يجوز. 380 - مسألة: ابن السبيل يدخل فيه المجتاز والمنقطع ومن أراد سفرًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: لا يتناول إِلَّا المجتاز.

من كتاب الصيام

من كتاب الصِّيام 381 - مسألة: لا يجوز صوم رمضان وغيره [عندنا] إِلَّا بنية، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشّافعيّ وأصحابه. وقال زفر وأصحابه: لا يفتقر صوم رمضان إلى نيّة، بخلاف غيره، اللَّهُمَّ إِلَّا أن يدركه صوم رمضان مسافرًا أو مريضًا، فلا يصح إِلَّا بنية، فأمّا الصّحيح المقيم لا يفتقر إلى نيّة، وبه قال مجاهد وعطاء. وروي عن زفر: أنّه ينوي في أول رمضان، فلا يكرر النية في بقيته. فإن أراد أنّه ينوي في أول صيامه، فهو موافق لمذهبنا. 382 - مسألة: من لم ينو الصِّيام قبل الفجر، لم يجزه فرضًا أو نفلًا معينًا أو مطلقًا، وبه قال الشّافعيّ في الفرض، وأحمد. وقال أبو حنيفة: كلّ صوم يتعلّق بالذِّمَّة، لا يتعلّق بوقت معين، فلا بد فيه من النية من اللّيل، وكل صوم له وقت معين يسن في الذِّمَّة، يصح بنية من النهار، مثل: الفرض والنذر المعين، وبه قال إسحاق. 383 - مسألة: إذا نوى أول ليلة من رمضان صومه كله، أجزأه من غير تجديد في كلّ ليلة.

384 - مسألة

وقال أبو حنيفة و (¬1) الشّافعيّ: يجدد في كلّ ليلة نيّة. 384 - مسألة: تعيين النية واجب، ولو نوى الصوم فحسب أو التطوع في الفرض، لم يجزه حتّى يتعين، كان حاضرًا أو مسافرًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: رمضان لا يحتاج لتعيين نيّة، فإن كان حاضرًا فنوى النفل أو الكفارة أو أطلق، كانت نيته لرمضان وأجزأه، وإن كان مسافرًا فنوى النفل أو رمضان أجزأه، وإن نوى النَّذْر أو الكفارة، كان عنهما ولا يكون عن رمضان. وقال أبو يوسف ومحمد: يكون عن رمضان. فسوّيا بين الحضر والسفر. 385 - مسألة: لا يصح التطوع إِلَّا بنية من اللّيل، وبه قال المزني. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يصح بنية من النهار، وبه قال اللَّيث وابن أبي ذئب (¬2) وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وروى حرملة (¬3) عن الشّافعيّ: لو نوى بعد الزَّوال أجزأه، وبه قال ابن جرير الطّبريّ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "وبه قال أبو حنيفة، وقال الشّافعيّ". والمثبت من (ط). وهو الأصح. انظر: الإشراف: ا /424، المغني: 4/ 337، المجموع: 6/ 319. (¬2) هو: أبو الحارث محمَّد بن عبد الرّحمن بن أبي ذئب القرشي المدني: الإمام الفقيه الحافظ، سمع عكرمة مولى ابن عبّاس ونافعًا العمري والزهري وغيرهم، وكان من أوعية العلم، ثقة فاضلًا، قولًابالحق، أخرج له الستة. توفي: 159 هـ. انظر: السير: 7/ 139، التهذيب: 9/ 270. (¬3) هو: أبو حفص حرملة بن يحيي بن عبد الله التجيبي المصري: أحد الحفاظ المشاهير من أصحاب الشّافعيّ، وكبار رواة مذهبه الجديد، من مؤلفاته: المبسوط، والمختصر، أخرج له مسلم. توفي: 243 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّ الكبرى: 2/ 127، طبقات ابن قاضي شهبة:2/ 61.

386 - مسألة

386 - مسألة: لا يجب صوم رمضان إِلَّا برؤية الهلال، أو كمال عدد شعبان ثلاثين يومًا، هذا مذهب كافة [أهل] العلم. وقال قوم: يجب بهذا وشرط آخر: وهو أن يكون الإنسان منجمًا، فيعرف بالنجامة أن شعبان قد فرغ، أو يخبره رجلان من أهل التنجيم بذلك فيجب عليه أن يصوم، قالوا: لقوله: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} [النحل: 16] فأخبر أن النجم يهتدى به، ولم يفرّق بين أن يهتدى به الصوم أو غيره. 387 - مسألة: يجوز أن يصوم أَخر يوم من شعبان تطوعًا، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ ومحمد بن عبد (¬1) لا يجوز أن يصام يوم الشك تطوعًا إِلَّا أن يوافق صومًا كان يصومه من نذر، أو غيره من صوم [33/أ] الدهر، أو صوم شعبان، أو صوم عوّد نفسه، وإن صامه خوفًا أن يكون من رمضان فلا مثل قولنا. ولكن الشّافعىِّ يكره صومه تطوعًا أصلًا، إِلَّا على ما ذكرناه، وهو قول عمر وعلي وعثمان [وعمّار، وابن مسعود -رضي الله عنهم-، والشعبي والنخعي والأوزاعي. وذهبت عائشة وأختها أسماء -رضي الله عنهما-، إلى جواز صومه. وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: إن لم يكن في السَّماء غيم، فلا يصام، وإن كان غير جاز، وبه قال أحمد بن حنبل. ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري المالكي: العالم الحجة النظار، الفقيه ابن الفقيه، ورابع المحمدين، سمع من أبيه وابن وهب وابن القاسم وغيرهم، وإليه انتهت الرئاسة بمصر، له تآليف كثيرة، منها: كتاب أحكام القرآن، والشروط والوثائق، والرد على الشّافعيّ. توفي: 268 هـ. انظر: الديباج: 231، شجرة النور: 1/ 101.

388 - مسألة

وقال الحسن وابن سيرين: الاعتبار بالإمام، فإن صام صام النَّاس، وإن لم يصم، فلا يصوموا. 388 - مسألة: إذا رئي الهلال يوم الشك أو يوم الثلاثين، فهو لليلة المستقبلة، ولا فرق بين أن يرى قبل الزَّوال أو بعده، وبه قال أبو حنيفة ومحمد والشّافعيّ. وقال أبو يوسف: إن رئي قبل الزَّوال فهو للماضية، وإن كان بعده فهي للمستقبلة. وقد حكي عنه مثل قول الجماعة. وقال أحمد بن حنبل: إن كان في يوم الشك، فهو للماضية، وإن كان يوم الثلاثين من رمضان، فهو للمستقبلة احتياطًا. 389 - مسألة: لا يصام رمضان، ولا يفطر منه إِلَّا بشهادة عدلين. واختلف قول الشّافعيّ: فوافقنا في أحد قوليه، وقال في الآخر: تقبل واحد، وبه قال أحمد بن حنبل. وبقولنا قال الأوزاعي والليث. وقال أبو حنيفة: ينظر في السَّماء، فإن كانت مصحية، لم يقبل فيها إِلَّا الإستفاضة والتواتر، وإن كان فيها غير قبل ذلك واحد. واتفقوا على أنّه لا يقبل في الفطر واحد، إِلَّا أبا ثور، فإنّه يقبل في الصوم والفطر. 390 - مسألة: إذا أكل وعنده أن الفجر لم يطلع، ثمّ بأن له أن قد طلع، فعليه القضاء، وكذلك إذا كان عنده أن الشّمس قد غربت في يوم غير، [فأكل] عليه القضاء، وبه قال كافة الفقهاء.

391 - مسألة

وحكي عن جماعة أنّهم قالوا: لا قضاء عليه، وبه قال الحسن وعطاء وغيرهما. وحكي عن أصحاب الظّاهر ذلك، ومنهم من فرق بين غروب الشّمس وطلوع الفجر. 391 - مسألة: [لأبي تمام]: إذا أكل في رمضان عامدًا، فعليه القضاء والكفارة [قاله مالك]، وبه قال أبو ثور وأبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا كفارة عليه. 392 - مسألة: إذا قبّل امرأته في رمضان، فلا شيء عليه، إِلَّا أن ينزل. وقال ابن شبرمة (¬1): عليه القضاء. 393 - مسألة: يجوز أن يكتحل الصائم. وكرهه الحسن وقتادة وابن أبي ليلى. 394 - مسألة: [قال مالك]: المسافر مخيّر؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وقال إسحاق وداود: لا يجوز إِلَّا الإفطار. ¬

_ (¬1) هو: القاضي: أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة بن حسان الضبي الكوفي: الإمام العلّامة فقيه العراق، حدث عن أنس وأبي الطفيل وأبي وائل رضي الله عنهم وغيرهم، وكان من أئمة الفروع، وأمّا الحديث فهو من المقلين، أخرج له مسلم. توفي: 144هـ. انظر: السير: 6/ 347، التهذيب:5/ 220.

395 - مسألة

395 - مسألة: إذا تلذذ بالنظر فأنزل، أفطر. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يفطر. 396 - مسألة: [قال مالك]: من استقاء في رمضان [عامدًا فقاء]، فعليه القضاء، وإن ذرعه فلا قضاء، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال طاووس: لاقضاء فيهما. وقال ربيعة: عليه القضاء فيهما. 397 - مسألة: قال مالك: ليلة القدر لا تنقطع إلى يوم القيامة. خلافًا لمن قال ارتفعت بموت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. وليس فيها تعبين ثابت، خلافًا لمن عيّن يومها. 398 - مسألة: إذا نوى يوم الشك أنّه إن كان من رمضان، فهو عن فرضه، وإن لم يكن (¬1) كان تطوعًا، فصادف رمضان لم يجزه؛ [لأنّ ابن القاسم ذكر عن مالك، قال: ومن صام يوم الشك حوطة، ثمّ تبين أنّه من رمضان، فليقضه]، وبه قال الشّافعيّ. وحكي عن أبي حنيفة جوازه على أصله؛ لأنّه [لو] نوى مطلقًا، أو نوى التطوع، أجزأه عن رمضان. وذكر عن المزني في مسألة الشك: أنّه يجزئه. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "وإلا". وهو مخل بالمعنى.

399 - مسألة

399 - مسألة: إذا عمل عمل قوم لوط في [يوم الصوم من] رمضان غير مكره، فعليه القضاء والكفارة، إذا أولج أنزل أم لا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا كفارة عليه، أولج في دبر امرأة أو ذكر [33/ب]. 400 - مسألة: لا أعرف نصًا لأصحابنا فيمن طلع عليه الفجر مولجًا، فلبث قليلًا متعمدًا ثمّ أخرج. وعندي: أن عليه الكفارة مع القضاء، وبه قال الشّافعيّ، وسواء حرّك أم لا. وقال أبو حنيفة والمزني: عليه القضاء لا الكفارة. 401 - مسألة: إذا جامع في رمضان طائعان [وهما صائمان] بغير عذر، فعلى كلّ واحد منهما الكفارة، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه، إِلَّا أن الزوج عنده يتحملها عنها. وقال أيضًا: كفارة واحدة عنهما. وعلى القولين: المرأة لا تخرج شيئًا. وينبني الكلام في المسألة على وجوب الكفارة على المرأة. 402 - مسألة: إذا رأى هلال رمضان وحده فردّت شهادته، فعليه الصوم، وإن أفطر فعليه القضاء والكفارة. أمّا الصوم فيه قاله مالك والشّافعيّ وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم.

403 - مسألة

وقال الحسن البصري وعطاء وشريك (¬1) وإسحاق: لا يلزمه الصوم ولا الفطر برؤية نفسه [أصلًا، وإنّما يلزمه إذا صام الإمام والناس، ويلزمه الفطر إذا أفطروا]. 403 - مسألة: من أفطر يومًا في قضاء رمضان، فلا كفارة عليه عند جميع الفقهاء. وحكي عن قتادة: أن عليه الكفارة، وأظن أنّه قول أحمد. وهو خطأ؛ لأنّ الله تعالى قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ} [البقرة: 185]، ولم يوجب الكفارة. 404 - مسألة: من شك في طلوع الفجر فلا يأكل، فإن أكل فعليه القضاء وإن لم يتحقق، هكذا يجيء على أصولنا. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: إذا شك في طلوعه، فالأصل بقاء اللّيل، وإن شك في غروب الشّمس، فالأصل بقاء النهار، فإن أكل فعليه القضاء، واستدلوا بقوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ} الآية [البقرة: 187]، وهو أكل قبل أن يتبين. وقال مالك: الصوم عليه بيقين، فلا يبرأ منه إِلَّا بيقين. 405 - مسألة: من أصبح جنبًا من جماع أو احتلام صح صومه، وبه قال فقهاء الأمصار. وروي عن أبي هريرة -رضي الله عنه -، والحسن بن صالح، أنّه لا ¬

_ (¬1) هو: القاضي أبو عبد الله شريك بن عبد الله النخعي الكوفي: العلّامة الحافظ أحد الأعلام، روى عن الأعمش وسماك بن حرب وغيرهم، وكان من كبار الفقهاء، وبينه وبين أبي حنيفة وقائع، أخرج له مسلم. توفي: 177 هـ. انظر: السير:8/ 200، التهذيب:4/ 293.

406 - مسألة

صوم للجنب؛ لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه - عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال "مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا في رَمَضَانَ فَقَدْ أَفْطَرَ" (¬1). [قال أبو هريرة -رضي الله عنه -: ما قُلتُ: إِنَّه إِذَا أَصبَح جُنُبًا فقَد أَفطَرَ وَرَبِّ الكَعبَة، ولكن قَالَه محمّد - صلّى الله عليه وسلم -، إنّه قال: "قَدْ أَفْطَرَ"، وربّ البيت] (¬2). 406 - مسألة: [عند مالك]: كلّ إفطار في رمضان بمعصية فعليه الكفارة، ولا فرق بين أن يطأ في الفرج أو خارج [الفرج] فينزل، أو بتكرير القبلة والنظر حتّى ينزل، وكذلك إذا أكل متعمدًا. وفرّق أبو حنيفة بين أعلى المأثم وأدونها، فأوجب الكفارة في الإيلاج في الفرج - صلّى الله عليه وسلم - والأكل متعمدًا. وإن جامع فيما دون الفرج فأنزل، أو بلع حصاة أو لؤلؤة، أو قبّل أو تابع النظر فأنزل، فلا كفارة عليه، وقيل إنّه قول الزّهريُّ والأوزاعي والثوري. وقال الشّافعيّ: لا تجب الكفارة بشيء سوى الجماع التام؟ إيلاج في قبل أو دبر. 407 - مسألة: وكفارة [الفطر] في رمضان [عند مالك] على التخيير. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: هي على التّرتيب، إن لم يجد العتق صام، ¬

_ (¬1) أخرجه مالك بهذا اللّفظ في الموطَّأ (795)، واختصره البخاريّ (1926)، ومسلم (1109). (¬2) أخرجه النسائي في الكبرى عن عبد الله بن عمرو القاري (2924)، وابن ماجه (1702)، وعبد الرزّاق في المصنِّف: 4/ 180، والحميدي في مسنده: 2/ 220. قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. انظر: مصباح الزجاجة:2/ 72.

408 - مسألة

فإن لم يقدر أطعم، وحكي ذلك عن الأوزاعي والثوري. 408 - مسألة: ومن أكل أو جامع ناسيًا، فعليه القضاء، وبه قال ربيعة. وقال أحمد: عليه في الوطء ناسيًا الكفارة مع القضاء. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا قضاء عليه، وبه قال الأوزاعي والثوري. وقيل: روي عن علي وابن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- مثله. 409 - مسألة: والإطعام في كفارة الصوم مد لكل مسكين بمد النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: نصف صاع من البرّ، ومن التّمر والشعير صاع. 410 - مسألة: إذا تمضمض أو استنشق فوصل إلى جوفه الماء، [فإن كان ناسيًا لصومه، فقد تكلمنا عليه في الأكل ناسيًا، وإن كان ذاكرًا لصومه، فهو أولى] فعليه القضاء، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان: أحدهما مثل قولنا، والآخر: لا قضاء، وهذا عنده إذا لم يبالغ، فأمّا إذا بالغ، فعنده يفطر إذا لم يكن ناسيًا. وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق: لا يفطر. 411 - مسألة: إذا وطى [24/أ]، في يوم واحد مرارًا فكفارة واحدة، وبه قال فقهاء الأمصار. وحكي عن أحمد أنّه إن كفر للوطء الأوّل، وجب أن يكفّر للثاني.

412 - مسألة

412 - مسألة: إذا أفطر أيامًا من رمضان فطرًا يوجب الكفارة، فعليه لكل يوم كفارة، كفّر للأول أم لا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن كفّر لليوم الأوّل، وجبت عليه لليوم الثّاني، وإن لم يكفّر لليوم الأوّل حتّى وطئ في جميع الشهر، لم تجب عليه إِلَّا كفارة واحدة. وروى زفر عن أبي حنيفة أنّه ليس عليه إِلَّا كفارة واحدة في جميع الشهر، سواء كفر الأولى أم لا. 413 - مسألة: إذا أصبح الرَّجل وامرأته صائمين، فأفطرا بجماع ثمّ مرضا أو حاضت، ومرض الرَّجل في بقية اليوم، فعليهما القضاء والكفارة، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه، وابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة: لا كفارة عليهما، وهو الثّاني للشافعي. 414 - مسألة: إذا وطئها نائمة أو مكرهة، فقد أفطرا وعلى الزوج الكفارة عنه وعنها. وقال أبو حنيفة وأصحابه: هما مفطران جميعًا ولا كفارة على واحد منهما. وروى عنه زفر أن النائمة غير مفطرة، [وبه أقول] (¬1). وقال الشّافعيّ: النائمة والمكرهة غير مفطرتين، والرجل وحده مفطر، وعليه كفارة واحدة. فالخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في وجوب الكفارة، وبيننا وبين الشّافعيّ في موضعين: أحدهما: فطر المرأة، والآخر: في وجوب كفارة أخرى عنها. ¬

_ (¬1) في الأصل: "وقال به ". والمثبت من (ط).

415 - مسألة

415 - مسألة: إذا أفطرت الحامل خوفًا على ما في بطنها والمرضع، فلا كفارة عليهما في رواية ابن عبد الحكم [عن مالك]، ووافقه ابن القاسم في الحامل. وقال ابن وهب عن مالك: إن الحامل تطعم، وذكره عن ابن عمر - رضي الله عنهما -. وقال ابن القاسم في المرضع تخاف على ولدها، ولا يقبل غيرها: إنها [تفطر و] تطعم. وقال أبو حنيفة: لا إطعام عليهما، كرواية ابن عبد الحكم، وهذا قول [الشّافعيّ] في الجديد، وبه قال مجاهد وأحمد. وحكي عن ابن عبّاس وابن عمر -رضي الله عنهم- أن عليهما الفدية بلاقضاء. واختلف قول الشّافعيّ: فروى عنه المزني والربيع (¬1) في القديم: أن عليهما الكفارة مدًّا عن كلّ يوم، وبه قال الأوزاعي والثوري. وقال في البويطي (¬2): لا كفارة عليهما إذا أفطرتا خوفًا على ولديهما. 416 - مسألة: الشّيخ الكبير الّذي لا يستطيع الصوم لا كفارة عليه، وكذلك العجوز. ¬

_ (¬1) يقصد كتاب "المختصر" المنسوب لـ: أبي يعقوب يوسف بن يحيي البويطي القرشي المصري: الإمام الجليل، أكبر أصحاب الشّافعيّ المصربين، وقال فيه: ليس أحد من أصحابي أعلم منه. توفي: 231 هـ. انظر. طبقات الشّافعيّة الكبرى: 2/ 162، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 70. (¬2) هو: أبو محمَّد الربيع بن سليمان المرادي مولاهم المصري المؤذن: صاحب الشّافعيّ وخادمه وراوية كتبه الجديدة، كان فقيهًا صالحًا، قال الشّافعيّ: الربيع راويتي وأحفظ أصحابي. توفي: 270 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 2/ 131، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 65.

417 - مسألة

وقال الأوزاعي والثوري وإسحاق بن راهويه وأبو حنيفة والشّافعيّ: عليهما الإطعام واجب، إذا قدرا عليه. إِلَّا أن أبا حنيفة يقول: صاع من تمر، أو نصف صاع من بر. وعندنا وعند الباقين: مد لكل يوم، وروي عن الشّافعيّ في سنن حرملة مثل قولنا، وبه قال ربيعة. 417 - مسألة: اختلف النَّاس في المجنون إذا بلغ مطبقًا، وبقي على ذلك سنين، وزال ذلك عنه فذهب مالك إلى أنّه يقضي صوم الماضي كله، وتابعه عليه ابن سريج (¬1). وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا قضاء عليه. واختلفوا إذا أفاق في بعض رمضان، فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنّه يصوم باقيه، ويقضي ماضيه. وقال الشّافعيّ وأصحابه إِلَّا ابن سريج: لا يقضي ما مضى، ويصوم المستقبل. 7 - فصل: وليس يصح [لي] الفرق بين: أن يغمى عليه أول نهاره، أو أكثره على وجه يتقرر. وقد فرّق مالك بينهما في أظهر قوليه. 418 - مسألة: ولا يجوز صوم غير رمضان في شهر رمضان، لا في حضر ولا سفر، وإن نوى غيره كان مفطرًا وعليه القضاء. ¬

_ (¬1) هو: القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي الشّافعيّ: شيخ المذهب وحامل لوائه، لقّب بالباز الأشهب، وكان يفضل على جميع أصحاب الشّافعيّ حتّى على المزني، يقال إن مؤلفاته بلغت أربعمائة؛ منها: الرَّدِّ على ابن داود في القياس، والرد على مسائل اعترض بها على الشّافعيّ. توفي: 306 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 3/ 21، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 89

419 - مسألة

وقال [24/ب]، أبو حنيفة وأصحابه: إن كان في حضر نوى التطوع كان عن فرضه. واختلفوا إذا كان مسافرًا فنوى به التطوع، فقال أبو حنيفة: يجزيه، وعن النَّذْر والكفارة في أحد الروايتين عنه. وقال محمَّد وأبو يوسف: إن نوى به التطوع كان عن فرضه مثل الحضر، وفي رواية لأبي حنيفة أيضًا: كذلك يكون عن فرضه. وقال الشّافعيّ مثل قولنا. وقال القاضي: رأيت لبعض العراقبين أن المريض إذا أبيح له الفطر، وتكلف صومًا ينوي به نفلًا صح عما نواه. 419 - مسألة: إذا أفطر المسافر وقدم في بقية يومه، فليس عليه كف بقيته عن الفطر، وكذلك إن أكل وهو مريض ثمّ صح، والحائض إذا طهرت، والمجنون إذا أفاق، والصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، ووافقنا الشّافعيّ. وخالف أبو حنيفة في جميع ذلك، وقال: يمسكوا بقية يومهم. 420 - مسألة: ولو أن مقيمًا نوى الصِّيام قبل الفجر، ثمّ خرج بعده مسافرًا، لم يفطر يومه؛ لأنّه دخل فيه مقيمًا، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال المزني وأحمد وإسحاق وجماعة من التابعين: له أن يفطر. 421 - مسألة: إذا نوى [الصِّيام] وهو مقيم، ثمّ سافر فأفطر، فلا كفارة عليه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ في أحد قوليه: إن أفطر بجماع فعليه الكفارة، وهو

422 - مسألة

قول المخزومي وابن كنانة (¬1)، واحتجوا بأن الصوم قد تحتم عليه قبل دخوله 422 - مسألة: إذا أفطر [في رمضان] لمرض أو سفر أو حيض أو غير ذلك، فزال العذر وأمكن القضاء فلم يقض، حتّى دخل رمضان آخر فقد عصى بتأخير القضاء، وأخرجه عن وقته، ويصوم رمضان الّذي حصل فيه، ويقضي بعد مضيه ما كان عليه، وعليه مد عن كلّ يوم، وبه قال أكثر العلماء: الزّهريُّ والأوزاعي والثوري والشّافعىِّ وأحمد وإسحاق، وهو عندنا إجماع [الصّحابة رضي الله عنهم". وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس عليه إِلَّا القضاء من غير إطعام. 423 - مسألة: من مات وعليه صوم رمضان، لم يقضه عنه وليه، ولا يصوم أحد عن أحد، ويطعم عنه إن أوصى به، أو تطوع ورثته به، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وذكر بعض أصحاب الشّافعيّ: أنّه قال في القديم: يصام عنه، ورأيت المحققين منهم ينكرون ذلك، وهو إجماع عندنا من الصّحابة. وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأهل الظّاهر: يصوم عنه وليه، وإن أحب أن يكتري من يصوم عنه أجزأه. 424 - مسألة: ويقضي رمضان متفرقًا، ومتتابعًا أحب إلينا، وبه قال الفقهاء بأسرهم، إِلَّا أصحاب الظّاهر، فإنهم أوجبوا متابعته. ¬

_ (¬1) هو: أبو عمر عثمان بن عيسى بن كنانة مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه: من فقهاء المدينة الذين لازموا مالكًا، أخذ عن مالك وغلبه الرأي، وليس له في الحديث ذكر، وهو الّذي جلس في حلقة مالك بعد وفاته. توفي: 186 هـ. انظر: طبقات الفقهاء: 146، ترتيب المدارك: 3/ 21.

425 - مسألة

واختلفت الصّحابة في ذلك: فقال ابن عبّاس وأبو هريرة وأنس ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهم- مثل قولنا، وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشّافعيّ. وقال علي وابن عمر وعائشة -رضي الله عنهم-: لا يجوز متفرقًا، وبه قال داود. 425 - مسألة: لا يصام يوم الفطر ولا يوم النَّحر فرضًا ولا نفلًا ولا نذرًا ولا غيره، وهما كزمان اللّيل، وإن نذر صومهما، لم ينعقد ولم يلزم النَّذْر، وبه قال الشّافعيّ وزفر. وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يصاما، إِلَّا أن نذرهما ينعقد، ويصوم غيرهما، وإن صامهما سقط نذره بهما. 8 - فصل: فأمّا أيّام التّشريق؛ [وهي أيّام مني، وهي: الحادي عشر والثّاني عشر والثّالث عشر من ذي الحجة،، فإنّه يجوز صومها للمتمتع الّذي لم يجد هديًا؛ لأنّها في الحجِّ، وهذا إذا لم يصمها في العشر. وقال أبو حنيفة: لا يصام عن واجب، وهو أحد قولي الشّافعيّ، والثّاني مثلنا. 426 - مسألة: إذا [25/أ]، احتقن (¬1) الصائم أو استعط (¬2) فوصل إلى جوفه، أو داوى جرحه بدواء رطب أو يابس، وعلم أنّه يصل إلى موضع الغداء من جوفه، ¬

_ (¬1) في الأصل: "اختنق". والمثبت من (ط). والاحتقان: هو جعل الدواء ونحوه في الدبر. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه: 125. (¬2) الاستعاط: هو أخذ الدواء وغيره من أنفه حتّى يصل دماغه. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه:125.

427 - مسألة

أو بلع حصاة أو لؤلؤة أو جوزة، فقد أفطر بهذا كله فعليه القضاء، وإن تعمده بغير عذر، فعليه الكفارة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يكون مفطرًا. غير أن أصل الشّافعيّ لا يوجب الكفارة في غير الجماع. وقال أبو ثور مثل قولنا. وكان بعض شيوخنا يقول: إن الكفارة استحبابًا في بلع الحصاة. وهو عندي واجب إذا تعمد ذلك؛ لأنّه مفطر منتهك، وإذا جعلناه مفطرًا، فقد مضى الكلام في كفارة الأكل عامدًا، وإن كان لعذر فهو كالمريض. وقال الحسن بن صالح: لا يفطر إِلَّا المأكول والمشروب دون غيرهما، وبه قال أبو طلحة في البَرَد أنّه لا يفطر؛ لأنّه غير مطعوم ولا مشروب، وإليه ذهب أهل الظّاهر. وفرّق أبو حنيفة بين الجوزة الرطبة واللوزة، إذا ابتعلهما عامدًا، فقال: عليه الكفارة في اللوزة الرطبة، ولا كفارة عليه في الجوزة، وقال: لأنّ الجوز لا يؤكل بقشره. 427 - مسألة: الأسير إذا حبس والتبست عليه المشهور، فتحرى وصام شهرًا على أنّه رمضان، فوافقه أو ما بعده أجزأه، وإن كان ما قبله لم يجزه، وبه قال أبو حنيفة. واختلف أصحاب الشّافعيّ عنه على قولين: أحدهما: أنّه يجزيه، والآخر: لا يجزيه. وقيل: إنّه قول واحد: لا يجزيه، كقولنا إذا كان قبله. وقال الحسن بن صالح ومن تابعه من أهل الظّاهر: إنّه لا يجزيه على كلّ حال، سواء وافقه أو ما قبله أو بعده. [وهذا خلاف الفقهاء كلّهم].

428 - مسألة

428 - مسألة: يحتجم الصائم ولا يفطره، وبه قال من الصّحابة: ابن مسعود وابن عبّاس وأنس وأبو سعيد الخدري وابن عمر وزيد بن أرقم والحسن بن علي -رضي الله عنهم-، ومن التابعين: سعيد بن المسيَّب وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي، و [من الفقهاء]: الثّوريّ وأبو حنيفة والشّافعيّ وداود. وقال قوم: إنها تفطر، وذهب إليه من الصّحابة: علي وأبو هريرة وعائشة -رضي الله عنهم-، ومن التابعين: عطاء والحسن، و [من الفقهاء]: الأوزاعي وأحمد وإسحاق، ومتأخري أهل الحديث [ابن] خزيمة وغيره. 429 - مسألة: ويجب على الصائم أن ينزه صيامه عن اللّفظ القبيح والشتم والسباب، فإن شتم أو سب أو أحرج إلى ما لا ينبغي، فليقل: "إنِّي صائم". فإنّه يكره له الكلام بما لا ينبغي في الصوم، وإن كان مكروهًا في غير الصوم، ففي الصوم أشد؛ لأنّه فرض من فرائض الله، كما قال في الحجِّ: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، والفسوق محرم في غير الحجِّ، وإن فعل شيئًا من ذلك أو كذب لم يفطر. وقال الأوزاعي: يكون مفطرًا. 430 - مسألة: يستاك في أي ساعات النهار شاء ولا يكره له ذلك، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول ابن عبّاس وعائشة وابن عمر -رضي الله عنهم-. وقال الشّافعيّ: أكرهه بعد الزَّوال إلى آخر النهار، وقيل: إنّه مذهب علي وابن عمر -رضي الله عنهم-. والصّحيح عنه مثل قولنا، و [هو مذهب] الأوزاعي وأحمد وإسحاق.

431 - مسألة

431 - مسألة: ومن وطئ في رمضان عامدًا فعليه القضاء والكفارة إذا لم يكن له عذر، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وأهل الكوفة. إِلَّا النخعي والشعبي، ومثله عن سعيد بن المسيَّب وسعيد بن جبير والأوزاعي أنّهم قالوا: لا كفارة عليه. 432 - مسألة: إذا شرع في صوم التطوع لزمه إتمامه، فإن خرج منه بغير عذر لزمه القضاء، وإن كان لعذر فلا قضاء، وبه قال أبو حنيفة في وجوب إتمامه، وقال: عليه القضاء [25/ب]، وإن خرج منه لعذر. وقال الشّافعيّ: لا يجب إتمامه ولا قضاء على من خرج منه على كلّ حال، ومثله صلاة التطوع. فالخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في القضاء إذا كان الفطر لعذر، وبيننا وبين الشّافعيّ في وجوب الإتمام، ووجوب القضاء إذا أفطر بغير عذر. 433 - مسألة: ومن دخل في صيام الشهرين المتتابعين فمرض، أو أفطر في يوم غير فظن أن الشّمس قد غربت فإنّه يبني، إذا (¬1) أصح من مرض ولا يبتدئ، وبه قال الشّافعيّ. وخالف أبو حنيفة. ¬

_ (¬1) في الأصل: "أو". والمثبت من (ط).

مسائل الاعتكاف

مسائل الاعتكاف 434 - مسألة: [قال مالك]: لا اعتكاف إِلَّا بصوم، وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وسائر الفقهاء، إِلَّا الشّافعيّ، فإنّه قال: ليس من شرطه الصوم، واشترط الصوم من الصّحابة: ابن عبّاس وابن عمر وعائشة -رضي الله عنهم-، [وجماعة من التابعين. وقد حكي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما: أنّه يصح بغير صوم]، ومن التابعين: الحسن البصري. وروي عن علي -رضي الله عنه - أنّه قال: لا اعتكاف إِلَّا بصوم. وحكى ابن جرير عن الشّافعيّ أنّه كان يقول ببغداد: من شرط الاعتكاف الصوم، وهم يغلطونه ويقولون: إنّما نصّ في القديم أن الصوم مستحب فيه. 435 - مسألة: ولا يجوز الاعتكاف إِلَّا في مسجد، وبه قال الشّافعيّ. وخالف أبو حنيفة في المرأة، فقال: تعتكف في بيتها. [وقول الشّافعيّ مثل قولنا: لا فرق بين الرَّجل والمرأة في ذلك]. ولا فرق عندنا بين الجامع وغيره من المساجد، إِلَّا أن يعتكف أيّام الجمعة، فلا يعتكف [إِلَّا] في الجامع.

436 - مسألة

فأمّا المرأة فلا جمعة عليها، فليس عليها أن تعتكف في الجامع، وتعتكف في أي مسجد شاءت. وروي عن حذيفة -رضي الله عنه - أنّه قال: "لا يَصِحُّ الاِعتِكَافُ إلَّا في ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: المسجِدِ الحَرَامِ ومَسجِدِ المدِينَةِ ومَسجِدِ إِبرَاهِيمَ" (¬1). وقال الزّهريُّ: لا يصح إِلَّا في الجامع. وهذا غلط. 436 - مسألة: إن نذر اعتكاف شهر، فلم يقل: متتابعًا، لزمه متابعته، كما لو نصّ عن التتابع، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يلزمه التتابع، إِلَّا أن ينص عليه أو ينويه، وبه قال زفر. والمسألة مبنية على أن اسم الشهر يتناول الأيَّام والليالي، ولو حلف لا يكلم فلانًا شهرًا، كان اللّيل والنهار في ذلك سواء. 437 - مسألة: من وطئ في اعتكافه فسد، ولم تجب عليه كفارة بلا خلاف بين من أوجب الصوم فيه ومن لم يوجبه. وحكي عن قوم وجوب الكفارة. وهو فاسد. 438 - مسألة: ومن جامع فيما دون الفرج فأنزل، بطل اعتكافه، وبه قال أبو حنيفة واحد قولي الشّافعيّ، وقال: إن باشر أو قبّل فلم ينزل، فلا شيء عليه. وعندنا يبطل اعتكافه، وفي القول الآخر: لا يبطل. ¬

_ (¬1) أخرجه: عبد الرزّاق في مصنفه: 4/ 348، وابن أبي شيبة في مصنفه: 2/ 503، والطبراني في الكبير: 9/ 301 - 302. قال الهيثمي: رجاله رجال الصّحيح. انظر: مجمع الزوائد: 3/ 173.

439 - مسألة

439 - مسألة: السِّباب والغِيبة لا نصّ عندنا فيه أنّه يبطل الاعتكاف أم لا. غير أنّه إن كان قذفًا يجري مجرى الكبائر، فعندي: أنّه ينقض، كما قال: إذا سكر المعتكف في اللّيل ينتقض اعتكافه. وقال قوم: ينتقض اعتكافه بالسباب والغيبة. 440 - مسألة: لا يجوز أن يشترط إن عرض له شيء، خرج من اعتكافه، ولم يعد إليه. وهذا ينبغي أن يرتب: فإن دخل بهذا الشرط، لزمه المضي فيه، ولا يخرج منه إِلَّا لضرورة، ويبني على اعتكافه، وإن خرج بغير ضرورة، انتقض ولزمه ابتداءه. وإن نذر اعتكافًا على هذه الصِّفَة، لم يلزمه الدخول فيه، فإن دخل فيه لزمه إتمامه ولم يخرج منه إِلَّا لضرورة، وصار مثل من دخل في اعتكاف من غير نذر، فإنّه يجب عليه إتمامه بالدخول فيه.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد 441 - مسألة: قال القاضي - رحمه الله -: فرض الله الجهاد على الكفاية منذ ابتدئ الإسلام. وقيل: إنّه كان على الأعيان لقلّة [26/ أ] الإسلام. 442 - مسألة: لا يستحق القاتل سلب قتيله من الكفار، إِلَّا أن يرى الإمام ذلك بحضرة القتال، فينادي به أن يجعله مخصوصًا لإنسان إذا كان جهده، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يستحق ما يقع عليه اسم سلب، من دابته وسلاحه وثيابه، ويأخذه من رأس الغنيمة، قتله مقبلًا أو مدبرًا إذا كانت الحرب قائمة. المعروف للشافعي أن القاتل لا يستحق السلب، إِلَّا إذا قتله مقبلًا. 443 - مسألة: [قال مالك: أمّا] من قربت دورهم منا، لا ندعوهم لعلّمهم بالدعوة ونلتمس غرتهم، ومن بعدت دارهم وخيف أن لا يكونوا كهولًا، فالدعوة قطع للشك.

444 - مسألة

وأمّا القِبط فلا يقاتلوا ولا يبيتوا (¬1)، حتّى يدعوا بخلاف الروم، ولم ير مالك أن الدّعوة بلغتهم، وكذلك القرازنة، صنف من الحبش. وقال أبو حنيفة: إن بلغتهم الدّعوة، فحسن أن يدعوهم الإمام إلى الإسلام وأداء الجزية قبل القتال، وإن لم تبلغهم، فلا ينبغي للإمام أن يبتدئهم. وقال الشّافعيّ: لا أعلم أحدًا من المشركين لم تبلغهم الدّعوة اليوم، إِلَّا أن يكون خلف الذين يقاتلونا قوم من المشركين، [مثل]: الخزر والترك لم تبلغهم الدّعوة، فلا يقاتلوا حتّى يدعوا، فإن قتل منهم أحدًا قبل ذلك، فعلى عاقلة القاتل الدية. وقال أبو حنيفة: لا شيء عليه. ولست أعرف لمالك نصًا فيها، والذي عندي: أنّه لا شيء عليه كأبي حنيفة. 444 - مسألة: وتقسم الغنيمة في دار الحرب، ويكره تأخيرها إذا لم يكن هناك عذر، وبه قال الشّافعيّ وقال أبو حنيفة: لا تقسّم حتّى تفسير في دار الإسلام، وإن قسّمت في دار الحرب، مضت كحكم حاكم لا ينقض. 9 - فصل: والغنيمة لا يستقر ملك الغانمين عليها بنفس المغنم، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يملكون بنفس المغنم. ¬

_ (¬1) في الأصل: "يسبوا". والمثبت من (ط). انظر: المدوّنة: 3/ 3.

445 - مسألة

445 - مسألة: ومن دخل دار الحرب وحده متلصصًا فغنم، أخذ منه الخمس. ولم يفصّل مالك بين دخوله بإذن الإمام أو بغير إذن، وبه قال الشّافعيّ. ومن أصحابه من قال: إن دخلها بغير إذن، لم يخمس. وقال أبو حنيفة: لا خمس فيه حتّى يكون جماعة لهم منعة. وقال أبو يوسف: إن كانوا سبعة ففيه الخمس. 446 - مسألة: والذين يستحقون الغنيمة هم: الذين شهدوا الواقعة، وحضروا قبل حصول الغنيمة. وكل من جاء قبل أن تقضي الحرب وقبل حيازة الغنيمة، شارك فيها. ومن جاء بعد إنقضاء الحرب وحيازة الغنيمة، لم يستحق شيئًا سواء كانت في دار الحرب، أو نقلت إلى دار الإسلام [وهذا مذهبنا]، وبه قال الشّافعيّ والليث والأوزاعي وأحمد وأبو ثور، وهو مذهب أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-. وقال أبو حنيفة: إذا لحقهم المدد بعد إنقضاء الحرب وإجازة الغنيمة، شاركوهم إذا كانت في دار الحرب ولم تقسَّم. 447 - مسألة: ولا يقتل الرهبان وأهل الصوامع، وهذا فيمن اشتغل عن قتال المسلمين بعبادته، ولا قوة فيه، ولا بطش، ولا تدبير، ولا مضرّة على المسلمين في بقائه، والشيخ الفاني، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان أحدهما: مثل قولنا، والآخر: يجوز قتلهم، وهو أصح قوليه.

448 - مسألة

448 - مسألة: وتقام الحدود في دار الحرب على من وجبت عليه، بكل فعل يرتكبه المسلم في دار الإسلام، فيلزمه به الحدّ؛ سواء كان من حقوق الله، أو من حقوق الآدميين كالزنا والسّرقة وشرب الخّمْرِ والقذف، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: [كلّ حد لله تعالى إذا ارتكبه المسلم، أعني: إذا ارتكب ما يوجب الحدّ في دار الحرب، فإنّه لا يجب عليه؛ إن زنى فلا حد، وإن سرق فلا قطع، وكذلك إذا شرب الخّمْرِ أو قذف]. [ولكن] إن كان الإمام بنفسه فيها أقام الحدّ، وإن لم يكن إمام لم يقم. 449 - مسألة: ولا يستعان بالمشركين على قتال العدو، ولا يعاونوا على قتال عدوهم. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يجوز ذلك. 450 - مسألة: وما أحرزه المشركون من أموال المسلمين، ثمّ غنمه المسلمون فإن وجده صاحبه قبل القسم، فهو أولى به بغير ثمن، وإن وجده بعده فهو أولى به [26/ ب] بقيمته، وبه قال النخعي وسفيان وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي. غير أن أبا حنيفة يقول: إن المشركين إذا غنموا بدار الإسلام، لم يملكوه حتّى يصل إلى دار الشرك. ومالك لم يفرق. وقال القاضي: لا فرق عندي في ذلك، فإنّه يحصل لهم شبهة ملك بذلك سواء. وقال الشّافعيّ: لا يملكون شيئًا، سواء حصل في أيديهم في دار

الإسلام وحصل في دار الحرب أم لا، فإذا غنمه المسلمون بعد ذلك، فصاحبه أحق به قبل القسم وبعده، يأخذه من يد من صار في يده من الغانمين، ويدفع السلطان للغانم قيمته من مال المصالح. وحكي أنّه قول أبي بكر وعلي وعبادة بن الصامت -رضي الله عنهم-، ومن التابعين: عطاء، و [من الفقهاء]: ربيعة. وروي عن عمر -رضي الله عنه - أن صاحبه أحق به قبل القسم، ولا حق له فيه بعد القسم، وهو لمن حصل في يده. وقال عمرو بن دينار والزهريْ إنّه للغانمين قبل القسمة وبعدها. وقال أبو حنيفة: إذا دخل مسلم إليهم تلصصًا، وأخذ مال المسلم الّذي حصل في أيديهم، فإنّه يكون أولى به، إِلَّا أن يعطيه صاحبه قيمته، فيكون أولى به. وهذا نتفق فيه نحن والشّافعيّ؛ لأنّه عندنا إذا حصل في يده بغير عوض، نهبه أو سرقه أو غيره، فصاحبه أولى به بلا ثمن. ونحن وأبو حنيفة نقول: إن المشرك إذا أسلم ومال المسلم في يده، فهو له، ولا سبيل لصاحبه إليه. وقال الشّافعيّ: صاحبه أولى به بغير ثمن. فالخلاف بيننا وبين الشّافعيّ في موضعين: أحدهما: أن للمشرك يدًا وشبهة ملك على ما أحرز. والموضع الآخر: أن صاحبه بعد القسم يأخذه بالقيمة. ويقول أيضًا: إنهم إذا أسلموا وهو في أيديهم فهو لهم. ويقول الشّافعيّ: هو لصاحبه. والخلاف بيننا وبين أبي حنيفة: أن المسلم إذا أخذ من أيدي الكفار شيئًا لمسلم بغير عوض، فنحن نقول: يأخذه صاحبه بلا شيء، ويقول أبو حنيفة: بالثّمن.

451 - مسألة

451 - مسألة: للفارس (¬1) [عندنا] ثلاثة أسهم؛ سهم له وسهمان لفرسه، وبه قال عمر بن الخطّاب وعلي -رضي الله عنهما-، ولا مخالف لهما في الصّحابة، ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز والحسن وابن سيرين ومن أهل المدينة، الأوزاعي ومن أهل الشّام، اللَّيث وأهل مصر، سفيان والشّافعيّ وأهل العراق، أبو ثور وأبو يوسف ومحمد وأحمد. وقيل: إنّه لم يخالف في هذه المسألة غير أبي حنيفة وحده، ولم يقل بقوله أحد، قال للفارس سهمان؛ سهم له وسهم لفرسه. وحكي عنه أنّه قال: أكره أن أفضّل بهيمة على مسلم. 452 - مسألة: الهجن والبراذين بمنزلة الخيل إذا أجازها الوالي. و [الفرس من] الخيل: هي العراب. والبراذين: هي النبطية أبًا وأمًا. والهجن: أمه عربيّة وأبوه نبطي. والمعرب: الّذي أبوه عربي وأمه نبطية. وجميع ذلك سواء عندنا وعند أبي حنيفة والشّافعيّ. وقال أحمد: للخيل العراب سهمان، وللبرذون سهم. وقال مكحول (¬2) والأوزاعي: لا يسهم إِلَّا لعربي، ولا يسهم لبرذون. ¬

_ (¬1) في الأصل: "للغازين". والمثبت من (ط). انظر: المدوّنة: 3/ 32، الإشراف: 2/ 939. (¬2) هو: أبو عبد الله مكحول بن شهراب بن شاذل الهذلي الشامي: من أوساط التابعين فقيه محدث، روى عن أنس وأبي أمامة وواثلة رضي الله عنهم وغيرهم، أخرج له مسلم. توفي: 116 ص. انظر: السير: 5/ 155، والتهذيب: 10/ 258.

453 - مسألة

453 - مسألة: لا يسهم إِلَّا لفرس واحد، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. و [قال] الأوزاعي وأحمد وإسحاق: يسهم لفرسين، ولا يسهم لأكثر من ذلك، وبه قال أبو يوسف. وخالف أبو بكر ابن الجهم (¬1) مالكًا، وقال: أنا بريء من هذا القول، فإني رأيت من انتهى إليّ من الفقهاء وأهل الثغور والمجاهدين، يقولون: يسهم لفرسين، وإن صاحب الفرس الواحد شبه بالرجل؛ لأنّ الفرس الواحد لا تؤمن عليه الحوادث، وهي من الاثنين أبعد. قال أبو بكر: ومالك - رحمه الله - لم يجاهد فيشاهد الأمر، ولعلّه ذهب عنه ذلك. 454 - مسألة: إذا دخل دار الحرب فارسًا ثمّ مات فرسه قبل القتال، فلا سهم لفرسه كما لو مات هو قبل القتال، فأمّا إن مات فرسه [27/أ]، في القتال أو بعده، أسهم له كما لو مات هو وقد شهد الوقعة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إذا دخل دار الحرب فارسًا، ثمّ مات فرسه قبل القتال (¬2) أسهم له [من الغنيمة إذا حيزت]. 455 - مسألة: اختلف النَّاس في فتح مكّة، فذهب مالك وأبو حنيفة، وجماعة من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين، وأهل الأخبار والسير: إلى أنّها فتحت عنوة. وقال الشّافعيّ وحده: فتحت صلحًا. ¬

_ (¬1) هو: القاضي أبو بكر محمَّد بن أحمد بن الجهم المروزي المالكي، يعرف بابن الورَّاق: الإمام الأصولي الفقيه القاضي العادل، سمع القاضي إسماعيل وتفقه معه، من مؤلفاته: كتاب مسائل الخلاف، الحجة في مذهب مالك. توفي: 329 هـ. انظر: الديباج: 243، شجرة النور: 1/ 118. (¬2) في الأصل: "الغنيمة". والمثبت من (ط).

456 - مسألة

456 - مسألة: ومن غلّ عاقبه الإمام، ولم يحرق رحله ولم يحرم سهمه، وبه قال أهل العلم. وقال أهل الحديث: يحرق رحله ويحرم سهمه. 457 - مسألة: وإذا ظهر منه التخذيل للمسلمين (¬1) لم يسهم له، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: يسهم له. 458 - مسألة: إذا غنم المسلمون مواشي الكفار ودوابهم، وخافوا من كرّة العدو، وأخذها من أيديهم، فإنها تعقر؛ لئلا ينتفعوا بها، وكذلك إذا لم يتمكن من أخذها، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا تقتل ولا تعقر، وتخلى. 459 - مسألة: لم أجد نصًا لمالك في أمان العبد لمشرك، ولكنه قال: وأمان المرأة جائز، والصبي إذا عقل الأمان (¬2). وكذلك عندي: أمان العبد؛ لأنّه احتج بقول [النبيّ]- صلّى الله عليه وسلم -: "يُجيرُ على القَومِ أَدْناهُم" (¬3)، والعبد للرقال في فيه من الأدنى. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "مواشي الكفار". وهي انتقال عين إلى السَّطر الأسفل. (¬2) في الأصل: "القتال". والمثبت من (ط). انظر: المدوّنة: 3/ 41. (¬3) أخرج الحديث بهذا اللّفظ عبد الرزّاق في مصنفه: 5/ 225، عن سعيد المقبري منقطعًا. وللحديث شواهد ومتابعات بألفاظ متقاربة، ترفعه إلى دائرة الاحتجاج؛ منها: ما رواه أحمد: "يجير على أمّتي أدناهم" عن أبي هريرة رضي الله عنه (8780)، من طريقه عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح، وأخرجه التّرمذيّ (1579) عن عبد العزيز بن أبي حازم عن كثير بن زبد بهذا الإسناد بلفظ: "إن المرأة لتأخذ عن =

460 - مسألة

وقال عنه ابن القاسم: لم يجعل ذلك أمرًا يكون بيد أدناهم، لا مدخل للإمام فيه، و [لكن] الإمام ينظر فيما فعل باجتهاده. وقال الشّافعيّ: يجوز أمان العبد، ولا يجوز أمان الصبي؛ لأنّ الصبي لا تصح عقوده، فإن فعل رد المشرك إلى أمانه ولم يخفر أمانه؛ لأنّه دخل على أمان. وقال أبو حنيفة: لا يجوز أمان العبد، إِلَّا أن يأذن له سيده في القتال. 460 - مسألة: ويجوز للإمام أن يمنّ على الأسرى الذين في أيدينا من الكفار؛ يطلقهم بغير شيء، وله أن يفادي بهم على مال، أو بمن في أيديهم من المسلمين. فأمّا قتلهم واسترقاقهم وإطلاقهم على أداء الجزية ويكونون أحرارًا، فلا خلاف فيه، والخلاف في المن والفداء. وقال الشّافعيّ والأوزاعي وأحمد وأبو ثور مثل قولنا. وقال أبو يوسف ومحمد: هو بالخيار بين القتل والاسترقاق والمفاداة بالمسلمين وبالأموال، وليس له أن يمن. وقال أبو حنيفة: ليس له المفاداة ولا المنن وهو أعم خلافًا. 461 - مسألة: إذا دخل الحربيّ إلينا بأمان، فأودع وباع وترك مالًا، ثمّ قتل بدار الحرب أو مات، فإنّه يردّ ماله وودائعه إلى ورثته، ولا يكون مغنومًا. ¬

_ = القوم "، وقال: وهذا حديث حسن غريب، وسألت محمدًا (يعني البخاريّ) فقال: هذا حديث صحيح. وعند أحمد أيضًا: "يجير عليهم أدناهم" (6692)، و"يجير على المسلمين أدناهم" (7012)، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، بأسانيد حسنة. راجع: مسند أحمد - طبعة مؤسسة الرسالة -.

462 - مسألة

ولا خلاف في أمان ماله ما دام حيًّا، وكذلك نقول فيه بعد الموت عندنا، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه، والآخر مثل أبي حنيفة. وقال أبو حنيفة: هو غنيمة. 462 - مسألة: إذا سبي الزوجان معًا، فأحد قولي مالك: إنهما على نكاحهما، وبه قال ابن القاسم وإن سبي أحدهما دون إلآخر. وقال ابن القاسم في الرِّواية الأخرى [عند مالك]: إن السبي يهدم النِّكاح، سبيا جميعًا أو مفترقين. وقال في موضع آخر: إن سبيت قبل الزوج، انفسخ النِّكاح وحلت لمالكها؛ إذ لا عهد لزوجها. وهذا يدلُّ على أن سبي الزوج واسترقاقه، يحصل له عهدًا تبقى به - إذا سبيت بعده - معه على النِّكاح. وعند الشّافعيّ: إذا سبيا انفسخ النِّكاح سبيا معًا، أو أحدهما قبل الآخر، وهو مذهب سفيان وأبو ثور. وقال أبو حنيفة: لا ينفسخ نكاحهما إذا سبيا معًا، وينفسخ إذا سبي أحدهما قبل صاحبه، وهذا كله معناه: إذا استرقهم الإمام؛ لأنّ له أن يمن ويقتل أو يفادي على ما بيَّنَّا، فإذا استرق الرجال فوقعوا؛ حصل منه ما ذكرنا من الفرقة والبقاء. 463 - مسألة: وإذا تعين فرض الجهاد على أهل بلد؛ لقرب العدو منهم، وكان فيهم من يجد الزّاد ويقوى به على المشي، لزمه فرض الجهاد وإن لم يكن له راحلة، وهو عندنا كالحج. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ [27/ب]: من شرطه الراحلة، إذا كان بينه وبين العدو قدر ما تقصر فيه الصّلاة.

464 - مسألة

464 - مسألة: قال مالك: لا بأس بالجعائل في الثغور، يجعل القاعد للخارج، مضى النَّاس على ذلك، إن كانا من أهل ديوان واحد؛ لأنّ عليهم سد الثغور، وقد أدى القاعد إلى الخارج مائة دينار في أيّام عمر -رضي الله عنه -. وأصحاب أبي حنيفة يكرهون ذلك ما كان بالمسلمين قوة، أو في بيت المال ما بقي بذلك، فإن لم يكن بهم قوة ولا مال، فلا بأس أن يجهز بعضهم بعضًا، ويجعل القاعد للشاخص. وحاصل مذهبهم في ذلك: أن الجعالة له تكره إذا كانت على وجه البدل في الغزو في جميع الأحوال، وإذا كانت على جهة المعونة لم يكره. وهذا ينبغي أن لا يكون فيه خلاف. وقال الشّافعيّ: لا تصح النِّيابة في الجهاد أصلًا، بعوض ولا بغير عوض، فإن تطوع على إنسان وقع الجهاد عن نفسه. وهذا أيضًا ينبغي أن لا يكون فيه خلاف. قال: وإن جاهد بعقد [الجعالة] لم يصح، وكأنّه قال: إن جاهدت ذلك علي كذا وكذا، فإن جاهد لم يستحق عليه شيئًا. وهو موضع الخلاف. 465 - مسألة: [قال مالك]: ويسهم للتاجر والأجير إذا قاتلوا، وهذا ينبغي أن يفصّل: فإن كان التاجر نوى الجهاد مع التجارة، أسهم له إذا حضر الوقعة قاتل أم لا، ولا أعلم فيه اختلافًا، وهو كالحاج ينوي التجارة، يسقط عنه الفرض وله الثّواب، قال الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [الحجِّ: 28]، وقال [ابن عبّاس رضي الله عنهما]: المنافع: التجارة والربح. وقيل: الثّواب. وإن قصد التجارة لا غير إِلَّا أنّه حضر، فإن قاتل أسهم له، وإن لم

466 - مسألة

يقاتل لم يسهم له؛ لأنّه بالقتال لا بالدخول حصل ناويًا وفاعلًا. والأجير أيضًا فيه تفصيل: فإن كان أجيرًا على فعل شيء بعينه؟ مثل: خياطة القميص، والأمر المعين الّذي لا يحتاج إلى ضرب مدة، وليس عليه إِلَّا ذلك العمل، فإن كان نيته مع ذلك الجهاد، وحضر الوقعة أسهم له قاتل أم لا. وإن كان مستأجرًا للخدمة مدة معينة، فخروجه لذلك الزّمان مستحق عليه، فإن حضر الوقعة لم يسهم له، فإن قاتل وانتفع به المنفعة التامة أسهم له. وأختلف قول الشّافعيّ فيهما معًا، فقال: سواء قاتلا أم لا، فإنّه يسهم لهما. وقال أيضًا: لا يسهم لهما، إِلَّا أن يقاتلا فيرضخ لهما. وعلى قوله: يسهم لهما، لم يفرق بين أن ينوي التاجر الجهاد أم لا. فالخلاف بيننا وبينه في موضعين: أحدهما: فيما إذا لم يقاتل وحضر ولم ينو الجهاد، ولا يسهم له عندنا، وعنده يسهم له على أحد القولين. والموضع الآخر: أنّه يسهم له عندنا إذا قاتل، ولا يسهم له عنده وإن قاتل على القول الآخر. 466 - مسألة: ومن لم يبلغ الحلم وأطاق القتال فقاتل، أسهم له إذا كان ذكرًا مسلمًا [حرًّا]. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يسهم له. 467 - مسألة: إذا أسلم الحربيّ وخرج إلينا، أو خرج ثمّ أسلم وترك ماله وولده بدار الحرب، فلا خلاف أنّه أحرز ذمته ونفسه.

468 - مسألة

واختلف في ماله وولده الّذي تركه، فاختلف مالك وأصحابه فيه: فقال أشهب وسحنون: قد أحرزه. وقال مالك: هو فيء إذا غنمه المسلمون. وقال غيره: يكون ماله وولده، إِلَّا أن يقسم ماله، فيكون له بالثّمن. وقال الشّافعيّ: قد أحرز جميع ماله وولده وأرضه. وقال أبو حنيفة: قد أحرز ما ينقل من ماله ويحول، وأرضه وعقاره إذا ظهر عليه المسلمون [28/أ]، فهو غنيمة. وإن سبيت منه زوجته وهي حامل منه، استرقت وحملها، وإن كان منفصلًا فهو حر لاحق [به]. وأمّا أرضه؛ فقد أطلق مالك ولم يفرق، وقال: أحرز ماله، وقال أيضًا: يكون ماله فيئًا ولم يفرق. 468 - مسألة: ومن سرق من الغنيمة حرًّا كان أو عبدًا ما يجب فيه القطع، قطع سواء كان من الغانمين أم لا، هذا قول مالك وابن القاسم -رضي الله عنهما -. وقال غيرهما من أصحاب مالك: إن سرق مقدار حقه منها لم يقطع، وإن زاد مقدار ربع دينار (¬1) قطع. قال سحنون: من المسروق نفسه. وقال الشّافعيّ مثل هذا. وقال: إن زاد ما سرقه مقدار ربع دينار، فعلى وجهين: أحدهما: يقطع، والآخر: لا يقطع. ¬

_ (¬1) في الأصل: "أربع دنانير". وهو تحريف، والمثبت من (ط). انظر: المدوّنة: 16/ 265،الإشراف: 2/ 943.

469 - مسألة

469 - مسألة: إذا أسر العدو حرًّا مسلمًا، فاشتراه رجل من المسلمين بغير أمره، كان له أن يرجع عليه بما اشتراه به. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يرجع عليه بشيء منه. 470 - مسألة: لا يجوز الرِّبَا بين مسلم وحربي في دار الحرب كدار الإسلام، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة ومحمد: يجوز. 471 - مسألة: وإذا رأى الإمام أن يعطي القاتل سلب القتيل، أعطاه إياه من الخمس، لا من أصل الغنيمة. وقال الشّافعيّ: يعطيه إياه من أصلها. 472 - مسألة: إذا وقع صبي وأمه في السبي، لم يفرق بينهما بالقسم، ولا في البيع حتّى يثغر. وروي أيضًا عن مالك: حتّى يبلغ. واختلف عن الشّافعيّ، فقال في أحد قوليه: حتّى يبلغ سبعًا أو ثمان سنين. وقال أبو حنيفة: حتّى يبلغ. ولم يختلف أبو حنيفة والشّافعيّ في ولد الحرّة، أنّه يخير إذا بلغ سبعًا أو ثمان سنين. واختلف قول مالك فيه أيضًا مثل ولد الأمة.

473 - مسألة

وحكي عن أحمد: أنّه لا يفرق بينهما وإن بلغ، هذا في ولد المسبية، وفي ولد الأُمَّة تكون لإنسان وإن لم تكن مسبية. والخلاف بيننا وبين أبي حنيفة والشّافعيّ قريب؛ لأنا نقول مثل قول كلّ واحد منهما، والخلاف البيّن بين الفقهاء وأحمد. 10 - فصل: فأمّا التفرقة بين الولد وأبيه، فتجوز عند مالك. ولا يجوز عند أبي حنيفة واحد قولي الشّافعيّ. 473 - مسألة: قال مالك: إذا بيع الولد فسخ البيع، إِلَّا أن تختار الأم ذلك. وقال الشّافعيّ: البيع فاسد. وقال أبو حنيفة: البيع صحيح، والنهي عن التفرقة كراهة. 474 - مسألة: لا يكون الولد مسلمًا بإسلام أمه دون أبيه، ويكون مسلمًا بإسلام أبيه دون أمه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يكون مسلمًا بإسلام أمه مثل أبيه. ووجدته لكثير من أصحاب مالك وأظنه عن مالك [ولست أحققه الآن]. واختلف قول مالك إذا سبي صبي، فقال: لا يكون على دين السابي، وهو على دين أبويه في الكفر، إِلَّا أن يعقل ويجيب إلى الإسلام. وقال ابن القاسم: يكون على دين السابي. إِلَّا أني رأيته ذكر كذلك في المجوس، ولا ينبغي أن يكون بينهم وبين غيرهم فرق من طريق القياس، وعلى هذا القول يقول الشّافعيّ: إذا سبي الصبي مع أمه لا يكون [على دين] السابي، ويكون على دين أمه.

475 - مسألة

وينبغي أن يكون على قولنا الثّاني على دين السابي، إِلَّا أن يسبى مع أبيه، فيكون على دينه. 475 - مسألة: لا يتوارث الحملاء، إِلَّا أن تقوم على أنسابهم بيّنة. [وفقه المسألة]: مثل: أن يخرج قوم من دار الحرب ثلاثة أو أربعة، فيسلمون أو يحصل من السبي شيء في ملك مسلم، ثمّ يعتقه المسلم فيصير حرًّا، وقد أسلم فيقر بنسب، فيكون مولاه الّذي أعتقه أحق بميراثه إن مات، إِلَّا أن تقوم بينة على صحة نسب فيورث به. وإن أقر بولد فينبغي عندي: أن ينظر في حال الولد، فإن كان ممّا جاء معه، وفي جملته [28/ب] لم يقبل إقراره به، وإن أقام في بلد الإسلام مدة، يمكنه أن يتزوج أو يتسرى بعد عتقه، ويولد له، فإذا أقر به على هذا الوجه قبل. ولم يفصّل مالك هذا التفصيل من حيث أعلم. وبقولنا قال الشّافعيّ، وله في الولد أقاويل. ولا أعرْف الخلاف في هذه المسألة، وإنّما ذكرتها لئلا يكون فيها خلاف.

في أرض السواد

في أرض السواد 476 - مسألة: كلّ ما افتتح أو يفتتح [عنوة]، فإن مالكًا - رحمه الله - لا يرى قسمته بين الغانمين، ويكون وقفا يصرف خراجها في مصالح المسلمين أبدًا، وهو الّذي لا يسعه القليل من أرزاق المقاتلة والجند في أمصار المسلمين الذابين عن حريمهم وأموالهم وإصلاح سبيلهم، وبناء مساجدهم وإصلاح شربهم، وما لا تملك الإحاطة به ممّا لا بدَّ للمسلمين منه، ولولا ذلك فسد الأمر، ولم يمكن إصلاح ما لا بدَّ منه، إِلَّا بالمال الجسيم، ولا يقيمه (¬1) إِلَّا الخراج الّذي ترده الأرض المفتتحة. و [قال]: إن رأى الإمام العدل في وقت (¬2) قسمة الأرض، إذا افتتحها الغانمون بينهم، فعل ذلك ومضى على ما يراه من المصلحة، ووافقنا أبو حنيفة والشّافعيّ على أن أرض السواد فتحت عنوة. وقال أبو حنيفة: إن عمر -رضي الله عنه - لم يقسمها بين الغانمين، وأقر سكانها فيها، وضرب عليها الخراج الّذي هو الجزية، وهي ملك لأصحابها. وفرق بين المتاع وغيره من الأراضي، وقال: إذا غنمت الأراضي، ¬

_ (¬1) في الأصل: "بقيمة". وفي (ط): "أعلم ". والمثبت أقرب للصواب، والله أعلم. (¬2) في الأصل: "وقف". والمثبت من (ط).

477 - مسألة

فالإمام بالخيار بين قسمتها بين الغانمين، و [بين] أن يملكها سكانها الذين هم فيها، ويضرب عليها الخراج وهي الجزية، [وبين أن يجلي سكانها عنها، ويأتي بقوم كفار غيرهم، فيسكنهم فيها ويملكهم إياها، ويضرب عليها الخراج، وهو الجزية]. فوافقنا في أرض السواد وما فعله عمر -رضي الله عنه - فيها، وخالف فيما سواه من الخيار، وقال: إن عمر -رضي الله عنه - أقرها على أملاكهم، وضرب عليهم الخراج. وقال الشّافعيّ مثل قولنا، إنها فتحت عنوة، ولكن عمر -رضي الله عنه - قسمها بين الغانمين، لأهل الخمس خمسها، وأربعة أخماسها للغانمين، ثمّ رأى المصلحة في نقض القسمة فنقضها، وأن الإمام إذا غنم أراض، فلا يجوز له إِلَّا قسمتها بين الغانمين، وأن حكم الأراضي حكم المتاع وغيره. وبقولنا قال الأوزاعي. 477 - مسألة: إذا صالح الإمام قومًا من الكفار على أن أرضهم لهم، وجعل عليها شيئًا، فهو كما يصالحهم على أن يؤدوا جزية رقابهم، فإن أسلموا سقط عنهم ما جعل على أرضهم، كما تسقط الجزية، وكذلك إذا اشترى مسلم منهم أرضهم، ثمّ أسلموا يسقط الخراج عن المسلم، على خلاف بين أصحابنا في بيع الأرض، وكون الخراج على المسلم. وبمثل قولنا قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن الصلحي إذا أسلم لا يسقط عنه خراج أرضه، الّتي صالح عليها، وكذلك لو اشتراها منه مسلم. 478 - مسألة: إذا أسر مسلم فأحلفه المشركون أن لا يخرج من دارهم ولا يهرب، على أن يخلوه يذهب وينصرف، فإنّه يقيم ولا يهرب.

479 - مسألة

وقال الشّافعيّ: لا يسعه أن يقيم، وعليه أن يهرب ويمينه يمين مكره. 479 - مسألة: الفيء و [خمس] الغنيمة لا يخمّسان، ويجريان مجرى الجزية والخراج، فينصرف الجميع في مصالح المسلمين، وكان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يأخذ من ذلك قوته وقوت عياله، لا سهم له معين، وكذلك كان يفعل الأئمة بعده. وقال أبو حنيفة: أربعة أخماس الفيء للغانمين، والخمس مثل قولنا. وحكى عنه الطحاوي مثل قولنا في الفيء كله. وقال الشّافعيّ [29/أ]: يخمّس الفيء، فيكون لمن ذكر الله تعالى في كتابه؛ مثل خمس الغنيمة لله وللرسول ولذي القربى، وأربعة أخماسه يصرفه النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - حيث شاء، وبعد موته على قولين: أحدهما: أنّه يصرف في المصالح، فيبدأ بالأهم فالأهم. والثّاني: أنّه يصرف في المقاتلة، ولم يختلف قوله في خمس الغنائم وخمس الفيء أنّه يخمس، فيستحقه من ذكر الله تعالى في كتابه: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41]. 11 - فصل: وليس في الخمس سهم لله مفرد يصرف لعمارة الكعبة. وقال طاووس وغيره من التابعين: إنّه يصرف إلى الكعبة، وهو مذهب أبي العالية (¬1). وهو غلط. ولم يقله مالك وأبو حنيفة والشّافعيّ. ¬

_ (¬1) هو: أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي مولاهم البصري: الإمام الحافظ المفسر، أدرك زمان النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وهو شاب، وأسلم في زمن أبي بكر رضي الله عنه، سمع من كبار الصّحابة كعمر وعلي وأبيّ رضي الله عنهم وغيرهم، أخرج له الستة. توفي: 90 هـ. انظر: السير: 3/ 246، التهذيب: 4/ 207.

480 - مسألة

480 - مسألة: قال الشّافعيّ: ويعطى القرابة للذكر مثل حظ الأنثبين. وخالفه المزني وأبو ثور [فقالا]: الذكر والأنثى سواء. وقال مالك وأبو حنيفة: إنّما يعطون بالفقر. 481 - مسألة: [عندنا: أن] الأنبياء لا يورثون، وكل ما تركوه يكون صدقة يصرف في مصالح المسلمين، وبه قال أهل العلم كافة. وقالت الشيعة: يورثون، فإن فاطمة والعباس وزوجات النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم- ظلموا حيث منعوا الميراث.

كتاب الجزية

كتاب الجزية 482 - مسألة: وتؤخذ الجزية من كلّ مشرك عربيًا كان أو أعجميًا، [من] أهل الكتاب وغيرهم، إِلَّا المرتدين، وهو قول الأوزاعي. وقال أبو حنيفة: تؤخذ من عجم عبدة الأوثان، كما تؤخذ من أهل الكتاب، ولا تؤخذ من عربهم. وقال الشّافعيّ: لا تؤخذ إِلَّا من أهل الكتاب، أو من له شبهة كتاب. 12 - فصل: ورأيت أن أتكلم على المجوس في أنّهم لا كتاب لهم. واختلف قول الشّافعيّ: فقال: لهم كتاب. ورجع فقال بقولنا. 483 - مسألة: استرقاق القرشي [عندنا] جائز، وكذلك العرب إذا سبوا استرقوا كالعجم، ووافقنا الشّافعيّ على القرشي، وخالفه أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ في العرب إذا سبوا: فقال مثل قولنا، وقال أيضًا: لا يسترقون. 484 - مسألة: أكثر الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وأهل الورق أربعون

485 - مسألة

درهمًا، ومن لم يطق منهم هذا المقدار، أخذ منه على قدر طاقته، ومن لم يجد شيئًا لم يطالب. وقال أبو حنيفة: على الموسر منهم ثمانية وأربعون درهمًا، وعلى المتوسط أربعة وعشرون درهمًا، وعلى الفقير المكتسب اثنا عشر درهمًا. وقال الشّافعيّ: يطالب كلّ واحد منهم بقدر طاقته وحاله، فالمتحمل الّذي معه شيء يسير يطالب بدينار، والمتوسط بدينارين، والموسر بأربعة، ولا يجوز أن يحقن دمهم بأقل من هذا. قال: فإن امتنعوا وقالوا ما نعطي أكثر من دينار، حرم قتالهم ببذل الدّينار، سواء كان الباذل (¬1)، موسرًا أو متوسطًا أو متحملًا. وقال الثّوريّ: هو إلى اجتهاد الإمام، إن شاء حقن دماءهم بدانق (¬2)، أو بعشرة دنانير. 13 - فصل: ولا تجب الجزية على الفقير عندنا وعند أبي حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ: فقال مثل قولنا، وقال أيضًا: تجب عليه وتعقد معه وتضرب عليه، وإن لم يكن معه ما يؤدي. 485 - مسألة: إذا أسلم وعليه جزية أو مات، سقطت عنه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا تسقط. 486 - مسألة: إذا حلّت على الذمي جزية سنة، وأمكنه أداؤها فتأخرت عنه حتّى حلّت سنة أخرى، وهو موسر قادر على أدائها، أخذت [29/ ب] منه، وبه قال الشّافعيّ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "بادي سواء". والمثبت من (ط). (¬2) الدانق: سدس درهم، ومقداره عند الحنفية (521.0) غ عند الجمهور (496.0) غ. انظر: المكاييل والموازين الشرعية: 24.

487 - مسألة

وقال أبو حنيفة: يؤخذ بالسنة الثّانية، ولا يطالب بالماضية. وقال أبو يوسف ومحمد مثل قولنا. 487 - مسألة: حدّ الحجاز: مكّة والمدينة واليمامة. وأمّا جزيرة العرب: فأكثر من هذا. وحكي عن الأصمعي (¬1) أنّه قال: حدّ جزيرة العرب: من عدن إلى ريف العراق طولًا، ومن جدة (¬2) وما وراءها إلى أطراف الشّام عرضًا. والكلام بعد هذا وهو: أن الكفار لا يقيمون بجزيرة العرب، ولا يسكنونها، بل يدخلونها بالميرة (¬3) والتجارة وغير ذلك. وحكي عن أبي حنيفة: أنّه يجوز أن يسكنوا الحرم. وما أحقه عنه. وبقولنا قال الشّافعيّ، في أنّهم لا يسكنون الحجاز، واختلف قوله فيما زاد على ذلك من جزيرة العرب، فقال: لا يجوز، وقال: يجوز. ولم يختلف قوله في أنّهم لا يدخلون (¬4) الحرم أصلًا، لا للتجارة والميرة ولا الحطب ولا غيره. 488 - مسألة: إذا عاقد الإمام المشركين وهادنهم، على أن من جاءنا منهم مسلمًا ¬

_ (¬1) هو: أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي المصري: اللغوي الإخباري أحد الأعلام، سمع من ابن عون وأبي عمرو بن العلّاء وشعبة، وكان ثقة أخرج له أبو داود والترمذي، من مؤلفاته: نوادر الإعراب، كتاب اللغات. توفي: 216 هـ. انظر: السير: 10/ 175، التهذيب: 6/ 368. (¬2) في الأصل: "اليمامة"، وفي (ط): "تهامة". والمثبت هو الأصح. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد: 2/ 67، لسان العرب: 4/ 133. (¬3) المِيرة: جلب الطّعام. انظر: لسان العرب: 5/ 188. (¬4) في الأصل: "يخلوا". والمثبت من (ط).

489 - مسألة

رددناه إليهم، فإنّه يردّ إليهم إِلَّا النِّساء المسلمات، فلا يردهن، وكذلك يرد عليهم رهائنهم من الرجال إذا أسلموا. وقال قوم: لا يردّ الرجال ولا النِّساء. وبمثل قولنا قال الشّافعيّ، غير أنّه قال: إنّما يجب ردهم، إذا كان لرهنهم وهي وعشرة يمنعون من قتله. وعندنا لا فضل. وحكي عن قوم: أن الرجال والنساء يردون. 489 - مسألة: ومن اختلف من أهل الذِّمَّة بالتجارة إلى غير أفقه، أخذ منه العشر كلما اختلف وباع، فإن كان مرّة أخذ منه مرّة، وإن كان مرارًا، فكل مرّة عشر، ولا يقتصر على عشر واحد لكل سنة، وكذلك تجار أهل الحرب. وقد قال مالك - رحمه الله -: يؤخذ منهم ما صولحوا عليه. وحكي عن أبي حنيفة: أنا نعمل بهم كما يعملون بنا، إذا دخلنا إليهم بالتجارات، فإن عشرونا عشرناهم، وإن خمسونا خمسناهم، وإن أخذوا مرّة في السنة أخذنا كذلك، يعني. تجار الحرب. وحكي عن الشّافعيّ: العشر، وقال: إذا دخلوا الحجاز، لم يؤخذ منهم إِلَّا مرّة في السنة، وفي غير الحجاز ينظر؛ فإن صالحهم الإمام على مرّة في السُّنَّة فذلك، وإن كان على كلّ مرّة جاز، وإن لم يشارطهم، أخذ منهم العشر مرّة واحدة في السُّنَّة، وإن تجروا مرارًا.

من كتاب المناسك

من كتاب المناسك 490 - مسألة: ومن قدر على الوصول إلى البيت ببدنه، لزمه فرض الحجِّ وإن لم يجد الراحلة، وهو بمنزلة من وجدها ولا يقوى على المشي، وقال بذلك الضحاك وعكرمة. وقال أبو حنيفة والثوري والشّافعيّ وأحمد وإسحاق: وجود الراحلة شرط، [فمن] لم يجدها لم يجب عليه فرض الحجِّ. 491 - مسألة: المعضوب الّذي لا يثبت على الراحلة؛ إمّا لكبر أو ضعف أو زمانة أو غيره، لا يلزمه عندنا الحجِّ، وإن وجد المال وأمكنه أن يحج غيره عنه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: هو مستطيع بالمال، يلزمه أن يحج غيره يؤدِّي عنه فرض الحجِّ. وقال الشّافعيّ: إذا بذل له ابنه الطّاعة في أن يحج عنه وهو غير واجد للمال، لزمه فرضه. وخالفه أبو حنيفة، فقال: لا يلزمه إِلَّا أن يكون واجدًا [للمال، يمكن أن] يحمل غيره عنه. 492 - مسألة: الأعمى إذا وجد من يهديه الطريق قائدًا يقوده أو غير ذلك، وهو يقدر

493 - مسألة

على الوصول بنفسه، وجب عليه الحجِّ، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة [30/أ]،: له أن يحج غيره عنه إن كان له مال، وإلا لم يجب عليه، كما [قال] في المعضوب الّذي لا يثبت على الراحلة. 493 - مسألة: إذا مات ولم يحج سقط عنه، ولم يخرج من ماله إِلَّا أن يوصي بذلك، فيكون من ثلثه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: إذا مات بعد وجوب الحجِّ عليه، قضى عنه من رأس ماله، وإن لم يترك شيئًا، وتطوع عنه إنسان، سقط عنه الفرض الّذي كان عليه. 494 - مسألة: يجوز أن يحج عن غيره قبل أداء فرضه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يجوز، وإن أحرم عن غيره، صار عن نفسه كان قادرًا على الحجِّ أم لا. قال: وكذلك لا يجوز أن يتطوع قبل أداء فرضه، وإن أحرم بالتطوع صار عن فرضه، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق، وهو مذهب ابن عبّاس - رضي الله عنهما - فيما حكي. وقال أبو حنيفة: يتطوع قبل أداء فرضه. وعندي: أنّه لا يجوز؛ لأنّ الحجِّ عندنا على الفور (¬1)، فهو مضيق مثل وقت الصّلاة إذا ضاق، فلا يجوز التطوع قبل الأداء، غير أنّه إذا أحرم به لزمه، ولم يكن عن فرضه؛ لخلاف النَّاس في ذلك. هذا إذا كان قادرًا على الحجِّ، فإن لم يكن قادرًا ببدنه، ولم يقدر على الراحلة، جاز له أن يحج عن غيره إذا أعطي ما يحج به. ¬

_ (¬1) في الأصل: "القول". والمثبت من (ط).

495 - مسألة

وقول الحسن والنخعي مثل قولنا وقول أبي حنيفة. وذهب الثّوريّ إلى أنّه إن أمكنه الحجِّ فلم يفعل، لم يجز له أن يحج عن غيره. وهذا الّذي يقوى في نفسي، غير أنّه إن أحرم تطوعًا أو عن غيره، ويمكنه أداء حجه، مضى على إحرامه ولم ينقلب؛ لأجل خلاف النَّاس في وقت الحجِّ. 495 - مسألة: الحجِّ على الفور، إذا وجب لم يجز تأخيره، وبه قال أبو يوسف والمزني وداود. ولا يحفظ عن أبي حنيفة في ذلك شيء، وأصحابه يقولون: إن قوله مثل قول مالك، وعليه يناظرون. وعند الشّافعيّ: أنّه يجب وجوبًا موسعًا، ويجوز للذي وجب عليه أن يفعله في السنة الّتي تجتمع فرائض الحجِّ عليه، وله أن يؤخر سنة بعد سنة إلى أن يموت، ولا يكون عاصيًا بتأخيره. وروي عن محمّد بن الحسن رواية شاذة له على التراخي. 496 - مسألة: [لأبي تمام، قال مالك: و] يلزم المرأة الحجِّ وإن لم يكن لها ذو محرم، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: لا يلزمها. 497 - مسألة: ينعقد الإحرام بالحج قبل أشهره، وبه قال أبو حنيفة والثوري والنخعي.

498 - مسألة

وقال الشّافعيّ: لا ينعقد حجًّا، لكنه ينعقد عمرة وإن لم ينوها، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق، وقيل: إنّه مذهب ابن عبّاس وجابر - رضي الله عنهم -، ورواه بعضهم عن عمر وابن مسعود - رضي الله عنهما - وليس بصحيح. والمستحب عندنا وعند أبي حنيفة أن لا يفعل، فإن فعل لزم، وترك المستحب. وحكي عن داود: أنّه يبطل إحرامه جملة. 498 - مسألة: العمرة سنّة، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ في القديم وأحكام القرآن. وقال في الجديد وهو ظاهر مذهبه: إنها واجبة، وبه قال الثّوريّ وأحمد وإسحاق. 499 - مسألة: يجوز أن يعتمر من ليس في حج يوم عرفة، ويوم النَّحر، وأيام التّشريق، وبه قال الشّافعيّ. وحكي عن أبي يوسف جواز يوم عرفة. وقال أبو حنيفة: لا يعتمر في هذه الأيَّام حاج ولا غيره. 500 - مسألة: ويكره للإنسان أن يعتمر في سنة أكثر من مرّة، فإن اعتمر غيرها لزمته بالدخول فيها. وخالفنا أبو حنيفة والشّافعيّ، وقالا: لا يكره. 501 - مسألة: إفراد الحجِّ أفضل من القرآن، وبه قال [30/ ب] الشّافعيّ إذا كان

502 - مسألة

بعده (¬1) عمرة، فأمّا إذا لم يعتمر [بعده] فالقران أفضل (¬2)، ومالك لا يفرق. وقال أبو حنيفة والثوري: القرآن أفضل. وقال أحمد وإسحاق: التمتع أفضل من القرآن والإفراد بلا عمرة، وهو أحد قولي الشّافعيّ. 502 - مسألة: وللمكي أن يتمتع، فيعتمر من الحل، ثمّ يحرم بالحج من منزله، فإذا تمتع لم يكن عليه دم، وبه قال الشّافعيّ. وقال أهل العراق: ليس لهم تمتع ولا قرآن، فإن تمتعوا وجب عليهم الدِّم. فالخلاف معهم في فصلّين: أحدهما: في جواز التمتع. والثّاني: في وجوب الدِّم، وهو قول ابن الماجشون في القرآن وحده. 503 - مسألة: وللمتمتع إذا لم يجد الهدي، أن يصوم من حين يحرم إلى آخر أيّام مني الثّلاثة. ووافقنا الشّافعيّ على أنّه لا يصوم في العمرة ولا بعد الفراغ منها، حتّى يحرم بالحج، وخالف في صيام أيّام مني، هو وأبو حنيفة. وقال أبو حنيفة: له أن يصوم الثّلاثة الأيَّام، إذا أحرم بالعمرة قبل فراغه منها، وبعد فراغه من قبل أن يحرم بالحج. 504 - مسألة: ولا يجوز نحر هدي المتعة والقران قبل يوم النَّحر، وبه قال أبو حنيفة. ¬

_ (¬1) في الأصل: "عنده بعد". والمثبت من (ط). انظر: الحاوي الكبير: 4/ 47، المجموع: 7/ 142. (¬2) في الأصل بزيادة: "إذا كان بعده عمرة". وهي مخلة بالمعنى.

505 - مسألة

وجوّز الشّافعيّ نحره من يوم يحرم بالحج. 505 - مسألة: إذا لم يصم الثّلاثة الأيَّام قبل يوم النَّحر، جاز أن يصومها في أيّام التّشريق وبعدها، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه. وقال أبو حنيفة: إذا جاز يوم النَّحر ولم يصم، استقر الهدي عليه، وهو الثّاني للشافعي. وحكي عن أبي حنيفة أيضًا: أنّه إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتّى جاز يوم النَّحر، استقر في ذمته هديان؛ أحدهما: للمتعة أو للقران، والآخر: لتحلله بغير هدي ولا صيام. 506 - مسألة: إذا دخل في الصوم عند عدم الهدي ثمّ وجد الهدي، استحب له الرجوع إلى الهدي من غير إلزام، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يبطل صومه الثّلاثة الأيَّام، ويجب الرجوع إلى الهدي. 507 - مسألة: وإذا رجع من مني، جاز له أن يصوم السبعة الأيَّام قبل الرجوع إلى أهله، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه. والآخر: لا يصومها حتّى يرجع إلى أهله. 508 - مسألة: حاضروا المسجد الحرام الذين لا دم عليهم للمتعة ولا دم للقران، هم أهل مكّة بعينها وذي طوى وأشباههما. وأمّا مني وعرفة والمناهل، مثل. قديد وعسفان ومر ظهران، فعليهم الدِّم.

509 - مسألة

وقال أبو حنيفة: هم من كان منزله من الميقات أو دونه، وما وراءه ليس من حاضري المسجد الحرام. وقال الشّافعيّ: هم من كان من الحرم على مسافة لا تقصر في مثلها الصّلاة، فإذا كان بين منزله وبين الحرم طرف من أطراف الحرم، من أي طرف كان، مسافة لا يقصر في مثلها الصّلاة، وهي ستة عشر فرسخًا، فإنّه متى تمتع لم يكن عليه هدي، وهو في حكم المقيمين بالحرم. وقد ذهب مجاهد وطاووس إلى أنّه من كان ساكن الحرم، فأمّا إذا كان خارجًا عنه، فليس من حاضري المسجد الحرام، وبه قال داود. 509 - مسألة: أشهر الحجِّ: شوال وذو القعدة وذو الحجة. وقال أبو حنيفة: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة بلياليها، وروي عن مالك مثل هذا. وقال الشّافعيّ: شوال وذو القعدة وتسعة أيّام وعشر ليال من ذي الحجة. 510 - مسألة: إذا جاوز الميقات يريد الحجِّ أو العمرة، فأحرم بعد مجاوزته، وجب عليه الدِّم ولم يسقط عنه؛ لرجوعه إليه محرمًا. وقال أبو حنيفة: إذا رجع إليه ملبيًا فلا دم عليه، وإن لم يلب فعليه دم. وقال الشّافعيّ: لا دم عليه إذا رجع بعد إحرامه إليه على كلّ حال، وبه قال أبو يوسف ومحمد. 511 - مسألة: [لأبي تمام، قال مالك: و] على القارن الهدي، وتجزئه شاة، وبه قال العراقي والشّافعيّ.

512 - مسألة

وقال داود: لا شيء عليه. وذكر عن الشّعبيّ: أن عليه بدنة. 512 - مسألة: [قال مالك: و] إذا اختضبت المحرمة فعليها الفدية، وبه قال العراقي. وقال الشّافعيّ: لا شيء عليها. 513 - مسألة: ويكره لبس المعصفر، ولا شيء على لابسه، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: عليه الفدية. 514 - مسألة: [قال مالك]: من ساق هديًا في عمرته، كان له هدية إذا حل منها، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: إذا ساق هديًا لم يحل حتّى ينحر. 515 - [مسألة: قال مالك: والحلاق نسك، وعلى من أخّره تأخيرًا فاحشًا الدِّم، وبه قال العراقي. وللشافعي قولان فيها]. 516 - مسألة: ويكره الطيب عند الإحرام، وبه قال محمّد صاحب أبي حنيفة في رواية ابن سماعة (¬1) عنه. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشّافعيّ: ليس بمكروه. ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله محمّد بن سماعة بن عبيد التميمي الحنفي: الإمام الفقيه، حدّث عن اللَّيث وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وروى كتب محمّد، من مؤلفاته: أدب القاضي، وكتاب المحاضر والسجلات. توفي: 233 هـ. انظر: الجواهر المضية: 3/ 168، الطبقات السنبة (2019).

517 - مسألة

517 - مسألة: يكفيه أن ينوي حجًّا أو عمرة عند دخوله فيه ويعتقده بقلبه، ويصير محرمًا وإن لم يلب ولا قلّد هديًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يصير محرمًا بمجرد الاعتقاد، ولا بد من زيادة أمر آخر؛ إمّا تقليد هدي إن كان معه، أو وجد معه، أو تلبية، وإن لم يكن هدي، وجبت التَّلبية، ولا يصير محرمًا بالنية بمجردها. وليس بمذهبه على ما يحكيه أصحابنا. وقال بعض أصحاب الشّافعيّ: التَّلبية واجبة بكل حال. 14 - فصل: قال الشّافعيّ: التَّلبية ليست بواجبة من طريق السُّنَّة، وتاركها بأسرها في الحجِّ لا دم عليه. 518 - مسألة: إن اقتصر على تلبية النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فحسن، وإن زاد عليها ما يليق بها فحسن، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: المستحب والأفضل الاقتصار على تلبية الرسول - صلّى الله عليه وسلم - فحسب ولا ينقص منها، ويجوز أن يزيد عليها شيئين: أحدهما أن يقول بعد التَّلبية: "لَبَّيْكَ إِلَىَ الحَقِّ"؛ لأنّ أبا هريرة - رضي الله عنه - رواه عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬1)، وليس هذا زيادة؛ لأنّ التَّلبية تقتضيه وهو معقول منها. ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي (2752)، وابن ماجه (2920)، وابن خزيمة: 4/ 172، وابن حبّان: 9/ 109، والحاكم: 1/ 450، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. قال الزيلعي: وحديث أبي هريرة غريب عنه، لكنه روى زيادة مرفوعة في حديث أخرجه النسائي، وابن ماجه عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه. ثمّ ساقه. انظر: نصب الراية 3/ 25.

519 - مسألة

والثّاني: أن يقول إذا رأى ما يعجبه: "لَبَّيْكَ إن العيش عيش الآخرة"؛ لما روي عن مجاهد قال: كان النَّاس يزدحمون على رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فأعجبه ذلك، فقال في التَّلبية: "لَبَّيكَ إِنَّ العَيشَ عَيشُ الآخِرَةِ" (¬1). فإذا زاد هاتين لم يكن في الفضل، إِلَّا كمن اقتصر على تلبيته - صلّى الله عليه وسلم -. 519 - مسألة: ولا تلبس المرأة القفازين، وهما لباس اليد من المخيط، فإن لبستهما محرّمة افتدت، وهو الظّاهر من قول الشّافعيّ. ونقل عن المزني جوازه، وهو قول أبي حنيفة. 520 - مسألة: من لبس أو تطيب ناسيًا، فنزع الثِّياب وغسل الطيب في الحال، فلا شيء عليه. وقال أبو حنيفة والمزني: عليه الفدية طال أم لا، مثل قولنا إذا طال. وقال الشّافعيّ: لا شيء عليه طال أم لم يطل، وانتفع به أم لا. 521 - مسألة: يكره للمحرم رفع صوته بالتلبية في سائر المساجد، إِلَّا المسجد الحرام ومسجد مني. وقال الشّافعيّ في أظهر قوليه: يستحب ذلك في سائر المساجد. وروى ابن نافع عن مالك: أنّه يرفع صوته في المساجد الّتي بين مكّة والمدينة، وهو وفاق [31/ب]. ¬

_ (¬1) أخرجه بهذا اللّفظ البيهقي في الكبرى: 7/ 48، مرسلًا عن مجاهد. وأخرجه ابن خزيمة: 4/ 260، والحاكم: 1/ 465؛ عن ابن عبّاس بلفظ: "إنّما الخير خير الأخرة"، وقال: وهذا الحديث صحيح ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، كما أخرجه الطبراني في الأوسط: 5/ 317، وقال الهيثمي: "وإسناده حسن". انظر: مجمع الزوائد: 3/ 223.

522 - مسألة

522 - مسألة: إذا لم يجد المحرم النعلين، جاز أن يلبس الخفَّين ويقطعهما أسفل من الكعبين، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وعروة بن الزبير وغيره. وذهب عطاء ابن أبي رباح وسعيد بن سالم (¬1) وأحمد بن حنبل: إلى أنّه يلبس الخفَّين على حالهما من غير قطع. 523 - مسألة: إذا لبس المحرم السراويل لعدم الإزار فعليه الفدية [عندنا]، وبه قال أبو حنيفة. وذكر عن الشّافعيّ: أنّه لا فدية عليه، وقيل: إنّه قول الزّهريُّ والثوري وأحمد وإسحاق. 524 - مسألة: إذا لبس الخفَّين وقطعهما أسفل من الكعبين، فلا فدية عليه؛ من الحاجة إليهما، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: عليه الفدية سواء وجد النعلين أم لا، وللشافعي قول آخر مثله. 525 - مسألة: إذا لبس القباء على عادة لبسه وأدخل كفيه فيه، وجبت عليه الفدية [عندنا]، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة وغيره: لا فدية عليه، كما لو انقلب بإزار أو كساء. ¬

_ (¬1) هو: أبو عثمان سعيد بن سالم القداح المكي، الخراساني الأصل: الإمام المحدث الفقيه، صدوق يهم، روى عن ابن جريج والثوري وغيرهما، وعنه ابن عيينة والشّافعيّ وغيرهما. توفي قبل المائتين. انظر: السير: 9/ 319، التهذيب: 4/ 31.

526 - مسألة

526 - مسألة: ولا يغطي المحرم وجهه، فإن فعل فقد أساء ولا فدية عليه. وقال أبو حنيفة: لا يغطي وجهه واجبًا، كالمرأة في وجهها. وقال الشّافعيّ: ليس عليه أن يكشفه، ولا يكون مسيئًا بكشفه. 527 - مسألة: قد ذكرنا أن المتمتع هو الّذي يحرم بالعمرة في شهور الحجِّ، ثمّ يحل منها ويحج من عامه؛ سواء ساق هديًا أو لم يسق، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن لم يسق معه هديًا، فهو متمتع يحل من عمرته، ثمّ يحرم بالحج، وإن كان ساق هديًا، فإنّه إذا فرغ من عمل العمرة، أقام على إحرامه بالعمرة، ولم يحل منها ويحرم بالحج ويأتي بأفعاله، ثمّ يحل منهما جميعًا. وفائدة مقامه: اجتنابه ما يجتنب المحرم، ولزومه من الفدية ما لزمه لو لم يفعل من أفعال العمرة شيئًا، بعد إحرامه بها. 528 - مسألة: [إذا لبس المحرم الخفَّين وقد قطعهما أسفل الكعبين، مع وجود النعلين أفتدى. وقد ذكرنا عن أبي حنيفة: أنّه يوجب عليه الفدية مع عدم النعلين، فمع وجودهما أولى. وللشافعي قولان: أحدهما؛ مثل قولنا، والآخر: لا فدية عليه]. 529 - مسألة: إذا حلق المحرم شعر بدنه، وجبت عليه الفدية، مثل شعر رأسه [هذا مذهبنا]، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال أهل الظّاهر: لا فدية.

530 - مسألة

530 - مسألة: وإن حلق أو نتف شعرة أو شعرتين أو ثلاث، أطعم قبضة من طعام. وقال الشّافعيّ: تلزم الفدية بثلاث شعرات فما فوقها. وقال أبو حنيفة: لا تلزمه الفدية بأقل من ربع الرّأس إذا حلقه. وقال أبو يوسف: لا تجب بأقل من حلق نصف الرّأس. ولذلك اختلفوا في القدر الّذي يقع به التحلل؛ فعند الشّافعيّ: بقطع شعرات، وقال أبو حنيفة: ربع الرّأس، وقال أبو يوسف: النّصف. وبنوا التحلل فيه على وجوب الفدية كلّ واحد على أصله. وعندنا: لا يقع التحلل إِلَّا بحلق جميعه أو أكثره، والفدية تتعلّق بمثدار ما يترفه به، ويزيل معه الأذى. 531 - مسألة: لا يجوز للمحرم أن يتزوج، ولا أن يزوّج غيره، ولا وكيلًا فيه، وبه قال الشّافعيّ. وجوّزه أبو حنيفة وأصحابه. 532 - مسألة: واختلفت الرِّواية عن مالك في الفرقة من نكاح المحرم، فقال مرّة: يكون فسخًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال بتطليقة بائنة. [وقال أبو حنيفة: النِّكاح صحيح، لا يفسخ]. 533 - مسألة: ولا يجوز الطّواف من غير طهارة، ولا يجوز إِلَّا بما تجوز به الصّلاة، وبه قال الشّافعيّ.

534 - مسألة

وقال أبو حنيفة: ليس من شرط صحته الطّهارة، وهي واجبة فيه، لكن إن طاف جنبًا أو محدثًا وأمكنه أن يعيد الطّواف أعاد، وإن رجع إلى بلده سقط الفرض عنه، إِلَّا أن يجبره بالدم مع كراهة ترك الإعادة. ومنهم من يقول: يجزئ بغير طهارة وهو مكروه، وليست الطّهارة واجبة له، وإنّما تجب للصلاة. 534 - مسألة: من طاف في الحجر أعاد [32/أ] ولم يجزه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن أمكنه أعاد، وإن رجع إلى أهله جبره بدم. 535 - مسألة: إذا نكس الطّواف لم يجزه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا ينكسه، وإن نكسه وأمكنه الإعادة أعاد، وإن رجع إلى بلده جبره بدم. 536 - مسألة: عدد الطّواف: سبعة أشواط، فإن نقص منها شيئًا، لم يحل له النِّساء وقتل الصَّيد، وإن رجع إلى أهله، لزمه الإتيان بالطواف كاملًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن أتى بأربعة أشواط، وهو أكثر الطّواف وأمكنه إتمامه أتمه، وإن رجع إلى بلده جبره بدم. 537 - مسألة: ركعتا الطّواف من مسنونات الحجِّ، إن تركها مع الإمكان، استحب له ابتداء الطّواف ويركع عقيبه، وإن رجع إلى بلده ركعهما حيث هو وأهدى. واختلف قول الشّافعيّ، فقال [في أحد قوليه]: إن تباعد؛ إن شاء أن بهما، وإن شاء ترك، وهو استحباب.

538 - مسألة

وقال أيضًا مثل قولنا، وكذلك أبو حنيفة. ولكنهما قالا: إذا أن بلده صلاهما ولا دم عليه، وكذلك إذا تباعدا. 538 - مسألة: السعي بين الصفا والمروة سبع مرات، وهو عندنا ركن من أركان الحجِّ لا يتم إِلَّا به، ولا ينوب عنه الدِّم، ولا عن شيء منه، وبه قال الشّافعيّ وأحمد، وعائشة - رضي الله عنها -. وروي عن ابن مسعود وأبيّ بن كعب وابن عبّاس - رضي الله عنهم -: أنّه غير واجب. وقال أبو حنيفة: هو واجب، إِلَّا أن الدّم ينوب عنه. وإذا حقق هذا خرج عن الوجوب. 539 - مسألة: من جمع بين الحجِّ والعمرة صار قارنًا، وكفاه سعي واحد، وطواف واحد، وفعل فعل المنفرد، وهو عندنا إجماع الصّحابة - رضي الله عنهم -، وقال به من التابعين: عطاء وطاووس والحسن البصري ومجاهد، ومن الفقهاء: مالك والشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وقالت طائفة: يطوف القارن طوافين، ويسعى سعيين، وهم: الشّعبيّ والثوري وأبو حنيفة وأصحابه. وقال أبو حنيفة: يحتاج إلى أن يفرّق بين كلّ واحد من النسكين بفعله، فيطوف للعمرة أوَّلًا ويسعى، ثمّ يفعل أفعال الحجِّ كلها، حتّى أنّه قال: إذا دخل القارن إلى مكّة ولم يطف ويسع للعمرة، وخرج إلى عرفة ووقف بها، انقضت عمرته ووجب عليه قضاؤها. ووافق في أنّه يكفي حلاق واحد بعد الوقوف. 540 - مسألة: الوقوف بالمشعر سنة، ولا يفسد الحجِّ بتركه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ.

541 - مسألة

وقال قوم: هو فرض. 541 - مسألة: إذا حلق محرم شعر حلال، [قال مالك]: أستحب له أن يفتدي خوف قتل الدواب، ولا ينبغي له أن يفعل، وإن تيقن أنّه لم يقتل، فلا فدية عليه، وبه قال الشّافعيّ. وأوجب أبو حنيفة عليه الفدية. 542 - مسألة: يقصّر أهل مكّة مع أهل الآفاق الصلوات بمنى وعرفة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يجوز لهم أن يقصروا، إِلَّا في سفر يقصر فيه غيرهم من المسافرين. 543 - مسألة: إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة [عندنا]، لم يصلّ الإمام الجمعة وكذلك بمنى، ويصلّي الظهر بعرفة ركعتين من غير جهر، هذا إذا كان الإمام من غير أهل عرفة، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال أبو يوسف: يصلّي الجمعة بعرفة. وقد سأل أبو يوسف مالكًا عن هذه المسألة بحضرة الرشيد، فقال له مالك: "سقاؤنا بالمدينة يعرفون ألَّا جمعة بعرفة، وعليه أهل الحرمين، وهم أعرف من غيرهم به" (¬1). 544 - مسألة: قد ثبت أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر، فإن فأتت أحد الصّلاة معه، فله أن [32/ ب] يجمع منفردًا بين الصلاتين، وبه قال الشّافعيّ ومحمد وأبو يوسف. ¬

_ (¬1) لم أجد مصدر القصة، ولكني وجدتها عند: شرح ابن بطّال: 4/ 341، أنوار البروق: 2/ 567.

545 - مسألة

وقال أبو حنيفة: لا يجوز له أن يجمع إِلَّا مع الإمام، ويصلّي كلّ صلاة في وقتها. 545 - مسألة: الاعتماد في الوقوف بعرفة في اللّيل بليلة النَّحر، والنهار يوم عرفة تبع له، فإن وقف جزءًا من النهار ووصله بجزء من اللّيل، ويدفع من عرفة بعد غروب الشّمس أجزأه، وإن وقف جزءًا من النهار وحده لم يجزه، وإن وقف جزءًا من ليلة النَّحر، أي جزء كان قبل طلوع الفجر من يوم النَّحر أجزأه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: الاعتماد على النهار من يوم عرفة من وقت الزَّوال، واللّيل كله تبع، ولو وقف جزءًا من النهار أجزأه، وإن وقف جزءًا مع اللّيل أجزأه، فجعلا اللّيل الّذي قد استوت أجزاءه تبعًا للنهار الّذي اختلفت أجزاءه، ثمّ يقولون: إن وقف جزءًا من النهار دون اللّيل فعليه دم، وإن وقف جزءًا من اللّيل دون النهار فلا دم عليه. وحكي عن أحمد: أن وقت الوجوب من طلوع الفجر من يوم عرفة، إلى طلوع الفجر من يوم النَّحر، فسوّى بين أجزاء اللّيل والنهار، فأي وقت وقف من ليل أو نهار أجزأه. 546 - مسألة: المبيت بالمزدلفة والوقوف بالمشعر الحرام ليسا بركن في الحجِّ، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال الشّعبيّ والنخعي والليث وحماد ابن أبي سليمان: هو فرض. 547 - مسألة: إذا وطئ المحرم بعد الوقوف [بعرفة]، وقبل رمي جمرة العقبة، فسد حجه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يفسد، كما لو وطئ بعد الرمي.

548 - مسألة

548 - مسألة: إذا وطئ بعد رمى جمرة العقبة، وقبل الطّواف، ففي فساد الحجِّ روايتان: الصّحيح منها: أنّه لا يفسد، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. 549 - مسألة: دم الفساد بدنة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: شاة. 550 - مسألة: إذا وطئ مرارًا، لم يلزمه إِلَّا هدي واحد، سواء كفر عن الأوّل قبل الثّاني أم لا، وبه قال أبو حنيفة والمزني ومحمد بن الحسن، إذا لم يكفّر عن الأوّل، وإن كفّر عن الأوّل فعليه للثاني كفارة، [ووافقنا على هذا الشّافعيّ]. واختلف قول الشّافعيّ إذا لم يكفّر عن الوطء الأوّل، فقال مثل قولنا وقول أبي حنيفة. وقال أيضًا: عليه لكل وطء كفارة، كفّر عن الأوّل أم لا. وعلى القول بأنّه يجب في كلّ وطء كفارة، ما الّذي يجب في الوطء الثّاني؟ فعلى قولين: قول: إنّه يجب بدنة مثل الأوّل، وقول: شاة بخلاف الأوّل. 551 - مسألة: إذا أفسد الحجِّ أو العمرة، قضاهما من حيث ابتدأهما، إِلَّا أن يكون أحرم بهما أبعد من الميقات، فلا يلزم القضاء من ذلك الموضع، وبه قال أبو حنيفة. وعنده: إن كان إحرام العمرة من الميقات ثمّ أفسدها، قضاها من الحل ولم يلزمه قضاؤها من الميقات الّذي أحرم بها منه. ووافق في الحجِّ أنّه يقضيه من حيث ابتدأه.

552 - مسألة

وقال الشّافعيّ: يقضيهما ولو من دويرة أهله، إن أحرم بهما منه. 552 - مسألة: ومن فاته الحجِّ فله أن يتحلل منه بعمل العمرة، والفوات إنّما يكون لفوات عرفة، فيسقط عنه رمي الجمار ومبيت المزدلفة ومنى، وإذا كان كذلك استحببنا له أن يتحلل بعمرة من الطّواف والسعي، فيستأنفهما بعد ذوات الوقوف بعرفة، فإن فعل ذلك فقد تحلل [من الحجِّ]، وبه قال أبو حنيفة ومحمد وزفر والشّافعيّ. وقال أبو يوسف: ينقلب إحرامه عمرة، ويكون بطوافه وسعيه متحللًا من العمرة لا من الحجِّ الفائت. وقال المزني: لا يسقط عنه المبيت [33/ أ] بمزدلفة ومنى ولا الرمي، قال: لأنّ الّذي فاته هو الوقوف، وغيره لم يفته، فعليه أن يأتي بكل ما قدر عليه. وهو مذهب فاسد بإجماع الصّحابة. 553 - مسألة: ولا يجوز دخول مكّة إِلَّا بإحرام من حج أو عمرة؛ لمباينتها باختصاصها جميع البلدان، وأرخص للحطابين وأصحاب الفاكهة، ومن أشبههم ممّن قرب منها، مثل: جدة والطائف وعسفان؛ لكثرة ترددهم إليها، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي [قولان] مثل قولنا، وقول: إن ذلك استحباب لا واجب، وروي عن مالك مثله. ولا يختلف قول الشّافعيّ: إن الإمام وأصحابه إذا أرادوا دخولها؛ لقتال عدو أو بغي، إنّه يجوز لهم دخولها بغير إحرام، والخلاف في دخولها للتجارة أو غيرها.

554 - مسألة

554 - مسألة: ومن دخلها بغير إحرام، فلا قضاء عليه سواء عاد من سنته، فحج أو لم يحج، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إنّه إن عاد من سنته فأحرم بحجة الإسلام أجزأه عنهما، ولو مكث إلى قابل كان عليه لأجل الدخول الإحرام. 555 - مسألة: من فاته الحجِّ فتحلل بعمرة، فإنّه يقضي الحجِّ من قابل، وعليه الهدي، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا هدي عليه. 556 - مسألة: إذا تحلل بعمرة لفوات الحجِّ، [لم] يلزمه إعادة العمرة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أصحاب أبي حنيفة: عليه قضاء حجة وعمرة. 557 - مسألة: إذا ذبح الهدي بمكة، جاز أن يطعم منه مساكين الحل يحمل إليهم اللّحم، وبه قال أبو حنيفة، وكذلك يجوز الإطعام بغير مكّة. وقال الشّافعيّ: لا يجوز أن يفرّقه إِلَّا في الحرم، وكذلك الإطعام. 558 - مسألة: يحج بالصبي، و [يكون] حجه تطوعًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يصح إحرامه، ولا يلزمه شيء إن فعل محظور الإحرام، وإنّما يفعل به ذلك، ويجتنب محظوراته على وجه التعليم له؛ ليعتاده ويهون عليه، كما قالوا في صلاته: إنها لا تكون صلاة أصلًا،

559 - مسألة

وقالوا: إن بلغ قبل الوقوف بعرفة، فاستأنف إحرامًا بحجة الإسلام، صح له الوقوف. وقال الشّافعيّ: إذا بلغ ونوى بإحرامه المتقدم حجة الإسلام أجزأه. 559 - مسألة: إذا أحرم العبد بغير إذن سيده انعقد إحرامه، ولسيده أن يقره عليه أو يفسخه، واستحب ألَّا يفسخه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وحكي عن داود: أن إحرامه لا ينعقد. 560 - مسألة: والرمي بالحجارة، وأمّا عداها من: حجارة الكحل والزرنيخ والذهب والفضة والمدر وغيره، فلا يجوز، وبه قال الشّافعيّ. وجوّزه أبو حنيفة بكل ما كان من جنس الأرض الّذي ذكرناه، ولا يجوز بالذهب والفضة وشبهه، ويجوز عنده بكل شيء حتّى بالعصفور الميِّت. وجوّزه داود بكل شيء، وبالذهب والفضة. 561 - مسألة: لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل الفجر من يوم النَّحر، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق. وقال الشّافعيّ: إن رمى قبل الفجر بعد نصف اللّيل أجزأه، وبه قال عطاء وعكرمة، وقال الثّوريّ والنخعي: لا يجوز قبل طلوع الشّمس. 562 - مسألة: يجوز تقديم الحلاق على الذَّبح، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن قدمه فعليه دم.

563 - مسألة

والمستحب عندنا وعند الشّافعيّ: أنّه يقدم الذَّبح على الحلاق؛ لقوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ ...} الآية [البقرة: 196] وبه احتج أبو حنيفة في وجوب الدِّم إذا قدمه. 15 - فصل: جوّز الشّافعيّ تقديم الحلاق على الرمي في أحد قوليه، وهو إذا جعله نسكًا لا يوجب [33/ ب] فيه الدِّم. وعندنا وعند أبي حنيفة: لا يقدم الحلاق على الرمي، ومن قدمه فعليه فدية. 16 - فصل: الحلاق نسك من مناسك الحجِّ والتقصير. واختلف قول الشّافعيّ، فقال في أحد قوليه: إنّه مباح وليس بنسك، أعني مباحًا بعد الحظر بعقد الإحرام، فإذا زال الإحرام زال [تحريمه]؛ كتقليم الأظافر واللباس والطيب، ولا يثاب عليه. 563 - مسألة: ويأكل من الهدي كله، إِلَّا من فدية الأذى، وجزاء الصَّيد، ونذر المساكين. وقال أبو حنيفة: يأكل من هدي القرآن والمتعة والتطوع، ولا يأكل ممّا سواها. فوافق في هذا القدر، وخالف فيما عداه. وقال الشّافعيّ: الهدي على ثلاثة أضرب: - هدي واجب بحكم الإحرام، لا يجوز أن يأكل منه. - وهدي يجب بالنذر، فهو على وجهين: أحدهما: أنّه كالمتطوع يجوز الأكل منه، والآخر: لا يأكل.

564 - مسألة

- وهدي التطوع: يجوز الأكل منه. وهو موضع وفاق. 564 - مسألة: الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة سنة، وإن صلَّى المغرب بعرفة في وقتها والعشاء في وقتها أجزأه، وإن كان المستحب أن لا يفعل؛ لأنّه ترك سنة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يجزئه إِلَّا الجمع بمزدلفة. 565 - مسألة: المستحب [عند مالك] قطع التَّلبية في الحجِّ، إذا زالت الشّمس من يوم عرفة، وقال أيضًا: إذا راح إلى الموقف. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يقطع حتّى يرمي الجمرة يوم النَّحر بأول حصاة. 566 - مسألة: لا يخطب إمام الحاج يوم النَّحر، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يخطب. 567 - مسألة: من ترك المبيت بمزدلفة ليلة النَّحر، أو ليلة من ليالي مني بعد يوم النَّحر فعليه دم، إِلَّا من أرخص له، من رعاة الإبل في تأخيرهم اللَّيلة الّتي بعد يوم النَّحر. وقال أبو حنيفة: لا دم عليه. وقال الشّافعيّ: إن ترك ليلة المبيت فعليه مد، وإن ترك ليلتان فمدان، وإن كان ثلاثة فدم. 568 - مسألة: إذا رمى وحلق حل له كلّ شيء، إِلَّا النِّساء والصَّيد، وكره له الطيب.

569 - مسألة

ووافق الشّافعيّ في الوطء في الفرج. وله في الوطء دون الفرج، والقبلة للشهوة، وقتل الصَّيد، وعقد النِّكاح قولان: قول مثل قولنا: إن جميعه لا يحل إِلَّا بالتحلل الثّاني الّذي هو طواف الإفاضة. والثّاني: إنّه يحل بالتحلل الأوّل قبل الطّواف. ووافق أبو حنيفة والشّافعيّ في أنّه يحل كلّ شيء، إِلَّا النِّساء، لكنه لم يفصّل الصَّيد والوطء كما قال الشّافعيّ. 569 - مسألة: لا يجوز رمي الثّلاثة الأيَّام الّتي بعد يوم النَّحر، إِلَّا بعد الزَّوال، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: هذا القياس، لكنا استحسنا أن يكون في اليوم الثّالث قبل الزَّوال. وقال طاووس: يجوز قبل الزَّوال في الأيَّام الثّلاثة. 570 - مسألة: إذا رمى بالسبع حصيات دفعة واحدة، لم يجزه إِلَّا عن حصاة، ويرمي ستًّا بعدها، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يجزئه ذلك، بل إن طرحهن طرحًا ولم يرم بها، لم يجزه عن سبع رميات، وإنّما يجزئه عنها إذا رمى بها رميًا لا طرحًا. 571 - مسألة: إذا حج الولي بالصبي نظر، فإن كان للصبي من يحفظه ويكفله، ولا يخاف عليه ضيعة، فالنفقة الّتي تزيد على نفقة الحضر في مال الولي، وإن كان يخاف ضياعه ولا كافل له، فالنفقة في مال الصبي كلها.

572 - مسألة

وللشافعي: قولان: أحدهما مثل قولنا، والثانى؛ إن النفقة من مال الصبي على كلّ وجه. 572 - مسألة: إذا وطئ في الحجِّ ناسيًا، أفسد [24/أ] حجه كالعمد، وكما يفسد به الصوم. وقال الشّافعيّ في أحد قوليه: لا يفسد بالوطء الناسي؛ لأنّه بمنزلة الطيب، ولا يؤثر في إفساد الحجِّ. 573 - مسألة: من كرّر النظر أو قبّل، أو تذكر فردد على قلبه التذكر حتّى أنزل، أو وطى دون الفرج، أو باشر للذة حتّى أنزل فسد حجه. وفي التذكر خلاف لمالك. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يفسد الحجِّ بذلك. 17 - فصل: عند أبي حنيفة أنّه لا يفسد حج من يلوط، أو وطئ امرأة في قبل أو الموضع المكروه، وبناه على أصله أن هذه الأشياء لا توجب الحدّ. وقال أبو يوسف ومحمد مثل قولنا وقول الشّافعيّ؛ إنّه يفسد. وقال في البهيمة مثل قول أبي حنيفة. 574 - مسألة: إذا أحرم بحجتين معًا، أو بحجة ثمّ أدخل عليها أخرى، أو بعمرتين معًا، أو عمرة بعد أخرى، لم ينعقد إحرامه إِلَّا بحجة واحدة أو عمرة، ولا قضاء عليه للأخرى ولا دم عليه، وبه قال الشّافعيّ ومحمد. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يلزمانه جميعًا. ثمّ إن أبا حنيفة يقول: يكون محرمًا بهما حتّى يتوجه في المسير، فإن

575 - مسألة

توجه في المسير، أو نقض أحدهما فعليه القضاء من قابل في الحجِّ والدم، وكذلك إذا أدخل حجًّا على حج، أو عمرة على عمرة، انعقد بهما إحرامه، وترتفض إحداهما إذا يتوجه في السير، وعليه القضاء والدم، وإذا أحصر قبل أن يتوجه في السير، فعليه هديان. ووافقه أبو يوسف غير أنّه قال: ينعقد إحرامه بها، وترتفض إحداهما عقيب الإحرام قبل التوجه. 575 - مسألة: طواف الوداع، ويسمى: طواف الصدر، ليس بواجب ولا مسنون، ومن تركه فحجه تام، ولا دم عليه، وقد أساء بتركه. وقال أبو حنيفة: هو واجب، وليس من أركان الحجِّ. وقال الشّافعيّ: هو مستحب مثل قولنا، وله قولان: أحدهما: إنّه نسك يجب بتركه الدِّم، والقول الآخر مثل قولنا؛ إنّه ليس نسك ولا دم عليه. 576 - مسألة: إذا وطئ في حجه وأفسده، لم يخرج بالفساد من حجه وإحرامه على ما كان، ويلزمه أن يأتي بها في أفعاله. والمراد بقولنا فسد حجه: أنّه لا يجزئه عن فرضه، وأن عليه قضاءه وإن كان تطوعًا، هذا قول الفقهاء بأسرهم. وهو عندنا إجماع الصّحابة. إِلَّا أن داود وأصحاب الظّاهر قالوا: إن فسد حجه خرج منه، ولم يلزمه أن يأتي بباقي أفعاله. 577 - مسألة: تجوز الإجارة على الحجِّ وإن كنا نكرهها، وبه قال الشّافعيّ. ومنع [منها] أبو حنيفة، وهذا على إحدى قولي الشّافعيّ إذا جوّز

578 - مسألة

الحجِّ عن الغير، جازت الإجارة، ولم يفرّق بين أن يحج عن حي معضوب، أو عن ميت. ونحن نجوّز ذلك بعد الموت. ولم يفرّق أبو حنيفة في ذلك، ومنع الإجارة مطلقًا؛ لأنّ من أصله ألَّا يقع عن الغير، ولا تصح فيه النِّيابة كقولنا، وقال: إن أعطى نفقة ليحج [عنه]، كان الحجِّ للحاج، وللمعطي ثواب المال. وهكذا ينبغي أن يكون على أصلنا. إِلَّا أن أصحاب أبي حنيفة ناقضوا، فذكر محمّد في الجامع الكبير (¬1): أنّه إذا مات وعليه فرض الحجِّ، فحج عنه بعض ورثته أجزأه. 578 - مسألة: ومن استأجر أجيرًا للحج عن ميت، فصد الأجير بعدو أو موت في بعض الطريق، فله من الأجرة بحساب ما عمل إلى الموضع الّذي صد فيه أو مات، ولم يفرّق أصحابنا بين أن يحدث هذا بعد إحرامه أو قبل. وقال الشّافعيّ [34/ ب]: إذا لم يأت بالحج، لم يستحق شيئًا، فإن مات بعد أن أتى ببعض أركان الحجِّ، فهل يستحق شيئًا أم لا؛ على قولين. وروي عن الإصطخري والصيرفي (¬2) مثل قولنا. ¬

_ (¬1) الجامع الكبير: من كتب محمّد بن الحسن الشيباني المعتمدة الّتي سبقت الإشارة إليها عند ترجمته. (¬2) في الأصل: "الاسطخري والبصري"، والمثبت من (ط). أمّا الأوّل فهو: القاضي أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخري الشّافعيّ: شيخ الشّافعيّة ببغداد ومحتسبها، من أكابر أصحاب الوجوه في المذهب، من مؤلفاته: كتاب الأقضية. توفي: 328 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 3/ 230، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 109. وأمّا الثّاني فهو: أبو بكر محمّد بن عبد الله الصيرفي الشّافعيّ: الفقيه الأصولي أحد أصحاب الوجوه في الفروع، وأعلمهم بالأصول بعد الشّافعيّ، من مؤلفاته: شرح الرسالة، وكتاب في الشروط. توفي: 330 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 3/ 186، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 116.

579 - مسألة

[وقد ذكرنا عن أبي حنيفة: أنّه لا يجوز أخذ الأجرة على الحجِّ]. 579 - مسألة: إذا وطئ زوجته في الحجِّ فأفسدا حجهما، ثمّ خرجا للقضاء تفرقا حين يحرمان، فصار كلّ منهما على حدة، ولا يجتمعان حتّى يحلا. وقال الشّافعيّ: يفرقان من المكان الّذي وطئ فيه حتّى يحلا. وقال أبو حنيفة: لا أعرف للافتراق معنى. ولم يبين مالك هل الافتراق واجب أو مستحب؟ وعندي: أنّه مستحب احتياطًا. وللشافعي قولان: أحدهما: أنّه واجب، والآخر: مستحب. 580 - مسألة: ومن أحرم بالحج وعقده عقدًا مستقرًا لم يجز له فسخه، وهو قول الجماعة. وجوّزه أهل الظّاهر. 581 - مسألة: يوم الحجِّ الأكبر [عندنا هو] يوم النَّحر. وقال قوم: يوم عرفة. 582 - مسألة: إذا قتل المحرم الصَّيد الّذي لا يبتدئ بالضرر عمدًا أو خطأ، وجب عليه الجزاء، ويأثم في العمد، ولا إثم عليه في الخطأ، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال مجاهد: إذا قتله ذاكرًا لإحرامه فلا جزاء، وإنّما الجزاء على الخاطئ.

583 - مسألة

وقال داود عكسه: على العامد الجزاء، والخاطىء والناسي لا جزاء عليهما. 583 - مسألة: إذا قتل صيدًا بعد صيد، لزمه الجزاء لكل صيد ولو تكرر منه مرارًا، وبه قال الفقهاء. وقال داود: لا جزاء عليه، إِلَّا في أول مرّة جزاء وحد. 584 - مسألة: قال الله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وهي: الإبل والبقر والغنم، فإن قتل المحرم ماله مثل من النعم في المنظر، يكون أقرب شبهًا به، فعليه مثله؛ ففي الغزال شاة، والنعامة بدنة، وحمار الوحش وبقرة الوحش بقرة، وبه قال الشّافعيّ ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: الواجب في قتل الصَّيد قيمته؛ كان له مثل أم لا، وهو بالخيار بين أن يصدق قيمته، وبين أن يصرفها في النعم، فيشتري نعمًا بها ويهدي. 585 - مسألة: قال تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]، فلا يجوز أن يكون القاتل أحد العدلين. وقال الشّافعيّ: يجوز ذلك. واختلف أصحاب أبي حنيفة، فبعضهم قال بمثل قولنا، والآخرون مثل قول الشّافعيّ. 586 - مسألة: يجب في صغار الصَّيد الّذي له مثل ما يجب في كباره. وقال أبو حنيفة: في الصغير قيمته، وفي الكبير قيمته.

587 - مسألة

وقال الشّافعيّ: في النعامة الصغيرة فصيل، وفي الكبيرة بدنة، وفي حمار الوحش الكبير بقرة، وفي ولده عجل، يجب في صغار الصَّيد صغار النعم، ويختلف الجزاء باختلاف الصَّيد من الصغر والكبر. 587 - مسألة: ومن فقأ عين الصَّيد أو كسر (¬1) رجله وما أشبه، ولم يمت منه، فلا شيء عليه، وبه قال داود. وقال الشّافعيّ: يلزمه إن وجد نقصًا في دم اشتراه ليراق، وإلا تصدق بمقدار بين قيمته صحيحًا وقيمته ناقصًا. وأبو حنيفة يعتبر ما نقص من قيمته. وقال محمّد بن الموّاز: إن بدا وعليه نقص، فعليه من قيمته ما نقصه على أصله. 588 - مسألة: من قتل صيدًا أعور، أو مقطوع اليد، أو مكسور القرن، فداه بصحيح. وقال أبو حنيفة: تعتبر قيمته على ما كان عليه. وقال الشّافعيّ: يفديه بمثله؛ إن كان المقتول أعور، فداه بأعور مثله، وإن كان مقطوع الرَّجل واليد، فبمثله من النعم. 589 - مسألة (¬2): إذا اختار قاتل الصَّيد أن يحكم [35/ أ] عليه بالطعام، قُوّم الصَّيد كم كان يساوي من الطّعام على أنّه حي. وأبو حنيفة على أصله في أنّه يقوّم. وقال الشّافعيّ: يقوّم المثل من النعم، فيخرج قيمته طعامًا. ¬

_ (¬1) في الأصل: "كبش أو". والمثبت من (ط). (¬2) تكررت هذه المسألة في الأصل تباعًا.

590 - مسألة

590 - مسألة: إذا جرح الصَّيد وغاب عنه ولم يعرف خبره، فعليه جزاؤه. وقال الشّافعيّ: الاحتياط له في ذلك، ولا يلزمه إِلَّا ما نقص الجرح. وقال أصحابه: لا يلزمه؛ لأنّه يكون إيجاب جزاء بالشك، مع جواز أن يموت من غير جرحه. 591 - مسألة: إذا صيد من أجله وهو محرم، حرم عليه أكله وعلى غيره أيضًا، وكذلك إن أعان المحرم إنسانًا على قتل صيد؛ بأن دلّه عليه، أو أشار عليه، أو إلى مكانه، أو ناوله شيئًا ليقتله به، لم يجز للمحرم أكله، فإن أكله أو شيئًا منه، فعليه جزاؤه إذا صيد من أجله، وكان عالمًا بذلك وإن كان القاتل حلالًا، وبه قال الشّافعيّ في منع الأكل. وهل عليه الجزاء؟ [فهو] على قولين: أحدهما مثل قولنا، والآخر: لا جزاء عليه. وجوّز أبو حنيفة لمن صيد من أجله أن يأكل منه، ولا جزاء عليه. وينظر في معاونته، فإن كان أعان على قتله بأمر لا يتوصل إلى قتله إِلَّا به، مثل أن يدلُّ على موضع الصَّيد وموكره الّذي اختبأ فيه، والصائد لا يعلم بذلك، ولم يكن للصائد شيء يقتله به، فناوله المحرم سكينًا أو سيفًا، فإنّه يحرم عليه وعليه جزاء، وإن أعانه بما يتوصل معه إلى قتل الصَّيد من غير معونته (¬1)، فإنّه لا يحرم عليه. والخلاف بيننا وبين أبي حنيفة فيمن صيد من أجله، فهو يجوّز له أكله بلا جزاء، ومنعنا منه وإن أكل فعليه الجزاء. وحكي عن أصبغ: ألَّا جزاء. ¬

_ (¬1) في الأصل: "مؤنة". والمثبت من (ط).

592 - مسألة

فبيننا وبينه الخلاف إذا دلّ على الصَّيد، وناول القاتل سكينًا ليقتل، فقال: لا يأكل، وعليه الجزاء. وحصل الخلاف بيننا وبين الشّافعيّ في أحد قوليه، فإنّه يقول: لا جزاء على من صيد من أجله إذا أكل. 592 - مسألة: إذا قتل المحرم الصَّيد أو ذكاه صار ميتة، لا يحل لحلال ولا حرام أكله، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان: أحدهما مثل قولنا، والآخر: جواز أكله لغير القاتل. 593 - مسألة: إذا قتل المحرم الصَّيد أو أكل منه، لم يلزمه إِلَّا جزاء واحد، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: عليه في قتله جزاء كامل، وفي أكله ضمان ما أكل. وقال محمّد وأبو يوسف مثل قولنا. 594 - مسألة: إذا دل محرم حلالًا أو محرمًا (¬1) على صيد فقتله المدلول، فلا شيء على الدال وقد أساء، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إذا دل المحرم حلالًا على صيد، فعلى المحرم الدال الجزاء، ولا شيء على الحلال، وإن دل محرمًا فقتله المحرم، فعليهما جزاءان. 595 - مسألة: الحلالط إذا دخل الحرم حرم عليه قتل صيد الحرم والاصطياد فيه، فإن قتل صيدًا فعليه الجزاء، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. ¬

_ (¬1) جاء في الأصل: "دل محرمًا حلال أو محرم". وهو تحريف. والمثبت من (ط).

596 - مسألة

وقال داود: لا جزاء عليه. 18 - فصل: قال أبو حنيفة: إذا قتل الحلال صيد الحرم، لم يجزه الصِّيام إن ثبت أن الحلال ممنوع من قتله، وإنه يضمنه بالجزاء مثله من النعم، أو قيمته إن لم يكن له مثل. فينبغي أن يكون الخيار فيه؛ بين الجزاء بالمثل أو الإطعام أو الصِّيام. 596 - مسألة: وإذا اختار قاتل الصَّيد أن يحكم عليه بالصيام؛ صام مكان كلّ مد يومًا، [وبه قال الشّافعيّ. وحكي عن أبي حنيفة أنّه قال: يصوم بدل كلّ مدين يومًا]، شبها بكفارة الظهار وفدية الأذى، وهي بكفارة الصوم أشبه. 597 - مسألة: إذا أدخل الحلال معه من صيد الحل، جاز له أكله وذبحه بالحرم [35 / ب] وبيعه وهبته، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يجوز له فيه شيء من ذلك، وعليه أن يرسله. 598 - مسألة: من قطِع شيئًا من شجر الحرم، فقد ساء ولا شيء عليه، وإن كان القاطع حلالًا أو حرامًا، وبه قال داود وقال أبو حنيفة: إن قطع ما أنبته الآدميون، فلا شيء عليه، وإن كان ما أنبته الله تعالى، فعليه الجزاء. وقال الشّافعيّ: عليه الجزاء في الجميع. وحكى بعض أصحابه: أن مذهب الشّافعيّ مثل أبي حنيفة في التفرقة.

599 - مسألة

599 - مسألة: القارن إذا قتل صيدًا، وجب عليه جزاء واحد، وكذلك إذا لبس أو تطيب أو أفسد حجة القرآن، وجب عليه في ذلك كفارة واحدة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يجب عليه جزاءان؛ للصيد وكذلك في جميع ما ذكرناه. 600 - مسألة: إذا اشترك محرمان في قتل صيد أو جماعة، فعلى كلّ واحد جزاء كامل في نفسه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: جزاء واحد. 601 - مسألة: إذا قتل محرم صيدًا مملوكًا، وجب عليه الجزاء مع القيمة للمالك، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال المزني: لا جزاء عليه، وعليه القيمة لا غير. 602 - مسألة: في حمام مكّة شاة. واختلف عن ابن القاسم في حمام الحرم غير حمام مكّة، فقال: شاة كحمام مكّة، وقال أيضًا: حكومة. ولم يختلف قوله في حمام الحل؛ أن فيه حكومة، أعني قيمته. وقال أبو حنيفة: في الجميع قيمته، بناءً على أصله في جزاء الصَّيد الّذي له مثل [من النعم، فإن عليه فيه القيمة]. وقال الشّافعيّ: في حمام الحرم والحل شاة.

603 - مسألة

603 - مسألة وغير الحمام من عصفور وقطا وسفيان وسبع، وغيره من القنبر وشبهه، ففيه الجزاء، وبه قال سائر الفقهاء. وقال داود: لا شيء عليه فيه، والجزاء في الحمام خاصّة. 604 - مسألة من ملك صيدًا قبل إحرامه ثمّ أحرم والصَّيد في بيته، لم يزل ملكه عنه، ولم يلزمه إرساله، وإن كان بيده وقد أحرم، زال ملكه عنه ووجب إرساله. وقال أبو حنيفة: يجب إرساله إن كان بيده بعد الإحرام، و [لم] يقل بزوال ملكه. وللشافعي قولان إذا كان في بيته؛ قول: مثل قولنا، والآخر: يزول ملكه. 605 - مسألة: إذا أحرم وهو في يده فأرسله رجل من يده، لم يكن عليه ضمانه، وبه قال أبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: عليه ضمانه؛ لأنّ وجوب الإرسال عنده لا يخرجه عن ملكه، فكأنّه قتل صيدًا يملكه المحرم. وللشافعي قولان؛ أحدهما: مثل قولنا، والثّاني: مثل العراقي. 606 - مسألة: في بيض النعامة على المحرم في الحل أو الحرم عشر ثمن البدنة؛ لحكم الصّحابة - رضي الله عنهم - في النعامة ببدنة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: فيها قيمتها. وقال داود: لا شيء فيها.

607 - مسألة

607 - مسألة: كلّ السِّباع الّتي طبعها تبتدئ بالضرر، إذا قتلها محرم فلا جزاء عليه، كالأسد والنمر والفهد والذئب، وما أشبهه صغار وكبار. وقال أبو حنيفة: فيها الجزاء إِلَّا أن تؤذي، فيدفعها عن نفسه. وقال في الكلب العقور والذئب: لا جزاء فيه، وإن لم يبتدئ بالضرر. وقال الشّافعيّ: لا جزاء في قتل جميع ما لا يؤكل، سواء كان طبعه ابتداء الأذى أم لا، والجزاء واجب في كلّ ما يؤكل لحمه من سباع الطير أو الوحش. 608 - مسألة: ولا جزاء على من قتل صيد المدينة، وهو مكروه [عندنا]. وأبو حنيفة: لا يكرهه. واختلف قول الشّافعيّ في الجزاء فيه، فقال: لا جزاء فيه، وقال أيضًا: يؤخذ سلب القاتل. ولم يختلف قوله إنّه محرم. 609 - مسألة [36 / أ]: ويستأنف الحكم في كلّ ما مضت فيه حكومة وفيما لم تمض، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يكتفي بما مضى. 610 - مسألة: الهدي يساق من الحل إلى الحرم، ويوقف بعرفة إن كان في حج (¬1). وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: إن اشتراه في الحرم ونحره ولم يقف به أجزأه. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: إن كان في حج". وهو تكرار.

611 - مسألة

611 - مسألة: ومن حصره العدو فحل من إحرامه، فلا هدي عليه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: عليه الهدي. غير أن أبا حنيفة يقول: لا ينحر ما وجب عليه من الهدي إِلَّا في الحرم. وقال الشّافعيّ: ينحر مكان حصره. 612 - مسألة: لا حصر إِلَّا بالعدو. فمن أحصر بمرض لم يتحلل دون البيت بالطواف والسعي [الّذي هو] عمل العمرة، وبه قال الشّافعيّ وأحمد. وقال أبو حنيفة: المرض كالعدو في الإحصار، [و] يتحلل بغير عمل العمرة، وبه قال النخعي. 613 - مسألة: إذا تحلل من المرض بعمل عمرة وفاته الحجِّ فعليه دم، ولا يذبحه إِلَّا بمكة أو بمنى، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ؛ ينحره حيث أحصر، حلَّا كان أو حرمًا. ومن أصحابه من قال: إن قدر على الحرم بنفسه أو يبعثه، لم ينحره في الحل، وإن لم يقدر جاز في الحل، [وليس هذا من مذهب الشّافعيّ]. 614 - مسألة: ولا قضاء على المحصر بعدو إذا فاته ما دخل فيه، إِلَّا أن يكون حجة الإسلام، به قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: عليه قضاء الحجِّ [من قابل]. 615 - مسألة: إذا لم يجد المحصر بمرض عندنا هديًا، جاز له الصِّيام، وهو أحد قولي الشّافعيّ.

616 - مسألة

وقال أبو حنيفة: لا بدَّ له، وهو الثّاني للشافعي. 616 - مسألة: وإذا استظل المحرم على المحمل افتدى. وقال أبو حنفية والشّافعيّ: لا فدية عليه. 617 - مسألة: ومن طاف بالبيت راكبًا من غير عذر أعاد الطّواف، فإن فات فعليه دم، وبه قال أبو حنيفة. وجوّزه الشّافعيّ. 618 - مسألة: لا يقرّد (¬1) المحرم بعيره. وجوّزه أبو حنيفة والشّافعيّ، وقيل: إن عمر وابن عمر - رضي الله عنهما - كانا يفعلانه. 619 - مسألة: إذا حاضت المعتمرة قبل الطّواف، وضاق عليها وقت الحجِّ، أردفت الحجِّ ولم ترفض عمرتها [وحجت قارنة]، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: نقضت العمرة. 19 - فصل: وقال أبو حنيفة في القارن إذا وقف بعرفة قبل الطّواف لعمرته: إنّه يكون رافضًا لها. وقال مالك والشّافعيّ: لا يكون رافضًا وحكمها باق، وينوب عمل الحجِّ عنها. ¬

_ (¬1) في الأصل: "يقلّد". والمثبت من (ط). ومعناه: نزعت عنه قراده. انظر: لسان العرب 3/ 349.

620 - مسألة

620 - مسألة: لا يجوز إدخال عمرة على حج. وقال أبو حنيفة: يجوز ويصح، وهو أحد قولي الشّافعيّ. والآخر مثل قولنا. 621 - مسألة: من ترك من طوافه شيئًا ولو شوطًا، وسعى لم يصح سعيه إِلَّا بكمال طوافه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يعيد سعيه بعد أن يكمل ما دام بمكة، فإن تباعد جبره بدم. 622 - مسألة: للمرأة أن تحرم بحج الفرض بغير إذن زوجها، وليس له أن يحللها، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، وقال: ليس لها أن تحرم إِلَّا بإذنه، وقال أيضًا: لها ذلك. ثمّ إذا أحرمت، هل له أن يحللها أم لا؟ على قولين: فعلى القول بمنعها إذا أحرمت، له أن يحللها، وإن أحرمت لم يكن له أن يحللها. 623 - مسألة: ومن أحرم بالحج من مكّة، فلا يطوف طواف القدوم بالبيت، حتّى يرجع من مني. وروي عن مالك: أنّه إن طاف وسعى ثمّ فرغ من الحجِّ أجزأه. وجوّز ذلك أبو حنيفة والشّافعيّ. 624 - مسألة: ومن طاف بعد العصر، فلا يركع حتّى تغرب الشّمس، وبه قال أبو حنيفة. وجوّزه الشّافعيّ.

625 - مسألة

625 - مسألة: لا يجوز [36/ ب] الاشتراك في البدنة الواجبة. وجوّزه أبو حنيفة والشّافعيّ، غير أن الشّافعيّ يجوّزه مع اختلاف القرب، مثل أن يكون على الواحد هدي قران، والآخر تطوع أو نذر أو متعة، أو لأحدهم قربة والآخر لا شيء عليه ويريد اللّحم. ومنع أبو حنيفة أن يشتركا إذا كان أحدهما يريد اللّحم، والآخر قربة، وجوّزه فيما سوى ذلك. 626 - مسألة: النسك في فدية الأذى يذبحها حيث شاء. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يذبح إِلَّا في الحرم، ويصوم حيث شاء مثلنا. 627 - مسألة: تشعر البدن مع التقليد، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: الإشعار بدعة ومكروه. 628 - مسألة: ولا منحر في الحجِّ إِلَّا بمنى، ولا عمرة إِلَّا بمكة. وجوّزه أبو حنيفة والشّافعيّ في أي موضع كان من الحرم. 629 - مسألة: تقديم (¬1) الإحرام على التروية أفضل منه [في] يوم التروية، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: [إيقاعه في] يوم التروية أفضل. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "يوم". وهو تحريف.

630 - مسألة

630 - مسألة: اختلف أصحابنا فيمن لا يمكنه الوصول إلى الحجِّ، إِلَّا بدفع المال إلى المتغلب الجائر. فقال بعضهم: لا يجب عليه الحجِّ. وقال شيخنا أبو بكر - رحمه الله -: إذا لم يتمكن إِلَّا بمال كثير، بحيث يشق عليه ويخرج على العادة لم يلزمه، كماء الطّهارة، والرقبة في الكفارة، و [أمّا] إن كان قريبًا فالحج واجب عليه. [قال القاضي]: والذي عندنا أنّه ينظر في أحوال النَّاس؛ فرب كثير المال لا يثقل عليه دفع ما تفاحش فيلزمه. ومن يمشي ولا يقدر على الراحلة أو يجدها، إِلَّا أنّه مقلّ، فإنّه أيضًا يعتبر، فإن كان المشي القريب بحيث لا يجحف بمثله لزمه، وإن كان ممّا لا يحتمله حال مثله، وإن أطاقه لم يلزمه، وهو قول مالك في شراء الماء للطهارة.

من كتاب النكاح

من كتاب النِّكاح 631 - مسألة: النِّكاح مندوب إليه وليس بواجب، وهو قول الفقهاء أجمع. وقال داود: هو واجب على الرَّجل والمرأة مرّة في العمر؛ إن كان الرَّجل واجد [إلى] الطول الحرة وجب عليه نكاحها، وإن عدم لزمه نكاح الأمة. 632 - مسألة: وجه المرأة وكفّاها ليس بعورة، ويجوز لمريد النِّكاح أن ينظر إلى ذلك منها، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال قوم: ذلك عورة كجسدها لا يجوز النظر إليه. وقال داود: يجوز أن ينظر إلى سائر جسدها سوى السوأتين. 20 - فصل: فأمّا نظر الزوج إلى فرج زوجته وأمته، والزوجة إلى فرج زوجها والأمة لسيدها، إذا جاز وطؤها فجاز. وللشافعي قولان؛ أحدهما: يجوز، وقول: لا يجوز. 633 - مسألة: لا يجوز نكاح بغير ولي؛ إمّا قريب، أو مولى، أو وصي، أو

634 - مسألة

سلطان، أو رجل مسلم، على ما يأتي في الدنيئة. فأمّا عقد المرأة على نفسها، فلا يجوز [عندنا] بحال، وبه قال الشّافعيّ، وخالف في ولاية الوصي، أو رجل مسلم. وقول عمر وعلي وابن عبّاس وابن مسعود وأبي هريرة - رضي الله عنهم- مثل قولنا وقول الشّافعيّ، ومن التابعين: الحسن وسعيد بن المسيَّب، ومن الفقهاء: ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: يجوز عقدها بنفسها، وإن ولت رجلًا جاز، إن كانت عاقلة بالغة. ووافق إذا وضعت نفسها في غير كفء، أن للولي فسخ النِّكاح. وقال أبو يوسف ومحمد: لا بدَّ من الولي، وإن عقدت بنفسها كان موقوفًا، فإن كان في كفء فعلى الولي أن يجيزه ويمضيه، فإن امتنع أجازه السلطان عليه، وإن كان غير كفء كان للولي فسخه. وقال داود: إن كانت بكرًا فلا بد من الولي، وإن كانت ثيبًا لم يحتج [37/ أ] لولي. وهذا خلاف الإجماع. وقال أبو ثور: لا بدَّ من الولي، فإن عقد صح، وإن أذن لها فعقدت بإذنه صح. 634 - مسألة: تصح الوصيَّة بالنِّكاح [عندنا]، وهو أولى من الولي بذلك، وإن أوصى إليه وله بنات بوالغ ثيب وأبكار زوّجهن الوصي. فإن عين له رجلًا بعينه لبكر صغيرة أو كبيرة؛ زوّجها جبرًا منه كالأب. وإن لم يعين لم يزوج الصغيرة حتّى تبلغ وترضى، ولا يزوج الكبيرة البكر إِلَّا بإذنها كالثيب. ومن أصحابنا من قال: إن الوصي إذا قال له: زوج بناتي من رأيت،

635 - مسألة

فإنّه يقوم مقام الأب في تزويجهن بغير إذن الصغيرة والبكر [البالغة]، وهو يتخرج على قول مالك: إذا قالت الشيب لوليها: زوجني ممّن رأيت، فزوجها ممّن اختاره أو من نفسه، ولم يعلمها بعين الرَّجل قبل العقد، فإنّه يصح، وبه قال أبو حنيفة في تزويج الوصي. وقال الشّافعيّ: لا ولاية لوصي مع ولي؛ لأنّ عارها يلحقه. وهذا التعليل فاسد؛ لأنّ الحاكم يزوجها وعارها لا يلحقه. 635 - مسألة: [قال مالك: و] تجوز الوكالة في النِّكاح، وبه قال الشّافعيّ وأبو حنيفة. وقال أبو ثور: لا تجوز. 636 - مسألة: الأبي تمام، قال مالكًا: يجوز للابن أن يزوج أمه، وبه قال أبو يوسف وأهل الأثر. ومنعه الشّافعيّ. 637 - مسألة: الكفاءة (¬1) في الدِّين، ونكاح ما ليس بكفء في النسب ليس بحرام، وبه قال أهل العلم. وقال بعض العراقبين: إنّه حرام. 21 - فصل: اختلف قول مالك في النِّكاح الموقوف، فقال: يجوز بالقرب سواء وقف على [إجازة] الولي، أو الزوج، أو إذن المرأة، وقال أيضًا: لا يجوز أن يوقف. ¬

_ (¬1) في الأصل: "الكفارة". وهو تحريف.

638 - مسألة

وقال أبو حنيفة النكاح الموقوف ينعقد ويقف على الإجازة، فإن أجيز صح، وإلا بطل كقولنا فيه. وفي وقوفه في الطرفين جميعًا؛ أعني: الولي، أو إجازة الزوج، مثل البيع سواء يقف على إجازة البائع أو المشتري. هذا على قول جواز الوقف في النِّكاح. [وقال الشّافعيّ: لا يجوز وقف النِّكاح على إجازة الزوج بحال]، ولا في البيع. [ومسألة البيع تجيء في كتاب البيوع. إن شاء الله]. 638 - مسألة: للأب أن يجبر ابنته البكر على النِّكاح؛ صغيرة كانت أو كبيرة، وبه قال ابن أبي ليلى والشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وقال الأوزاعي وسفيان وأبو حنيفة وأصحابه: إن كانت صغيرة جبرها، وإن كانت كبيرة لم يجبرها. فالخلاف في البالغ خاصّة. 639 - مسألة: ليس للجد أن يزوج ابنة ابنه بغير رضاها. وقال الشّافعيّ: له ذلك إن كانت بكرًا؛ صغيرة كانت أو كبيرة كالأب. وقال أبو حنيفة: يجبر الجد الصغيرة كالأب، ولا خيار لها إذا بلغت، وقال: إن لم يكن أب ولا جد، وكان أخ، أو عم، أو مولى، جبروا الصغيرة على النِّكاح، ولها إذا بلغت الخيار في قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: لا خيار لها. وأمّا ذوو الأرحام مثل: الأم والخالة، فقال أبو حنيفة: إن النِّساء يعقدن، وإن لهن إجبار الصغيرة على النِّكاح.

640 - مسألة

وقال محمّد وأبو يوسف: ليس لهن ذلك. فالخلاف بيننا وبين الشّافعيّ في الجد، وبيننا وبين أبي حنيفة وأصحابه في الجد والعصبة وذوي الأرحام. وبقول مالك قال ابن أبي ليلى في الأب وحده. 640 - مسألة: الثيب الصغيرة يجبرها الأب كالبكر؛ أصيبت بنكاح أو غيره، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يعقد عليها حتّى تبلغ وتأذن، وبه قال محمّد وأبو يوسف. 641 - مسألة: ولاية الفاسق صحيحة على الصغيرة والكبيرة من ولده، بكرًا كانت أو ثيبًا، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا تصح. واختلف أصحابه: فقال بعضهم: إن كانت المنكوحة ممّن تجبر، لم يكن له ذلك، وإن كانت ممّن تستأذن جاز، ومنهم من قال بقولنا. 642 - مسألة: النِّكاح [37/ب] يصح [عند مالك] من غير شهود. وقال أبو حنيفة: لا بدَّ من شهود وإن كانوا فسقة، أو عبيدًا، أو محدودين في القذف، وبرجل وامرأتين. وقال الشّافعيّ: لا يصح [إِلَّا] بشاهدين عدلين، [وبه] (¬1) قال الأوزاعي وسفيان وأحمد، وابن عبّاس - رضي الله عنهما -، وسعيد بن المسيَّب والحسن والنخعي. ¬

_ (¬1) في الأصل و (ط): "وبقولنا". انظر: الاستذكار: 16/ 213، المغني: 9/ 349.

643 - مسألة

[وبقولنا] (¬1) قال عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن بن علي - رضي الله عنهم -، ومن الفقهاء: عبد الرّحمن بن مهدي (¬2) ويزيد بن هارون (¬3) وداود. 22 - فصل: [في نكاح السر] إذا اشترطوا كتمان النِّكاح فسخناه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يبطل إذا حضر الشهود، فلا يضر كتمانهم. 643 - مسألة: لا يثبت النِّكاح والطلاق والرجعة بشهادة النِّساء، [ولا يثبت ذلك إِلَّا بشهادة عدلين]، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يثبت برجل وامرأتين. 644 - مسألة: للسيد أن يجبر عبده على النِّكاح. وللشافعي قول: إنّه لا يجبره. وأبو حنيفة يوافقنا. ¬

_ (¬1) في الأصل و (ط): "وبه". انظر: الاستذكار: 16/ 212، بداية المجتهدت 2/ 18. ولعلّه قلب من الناسخ، فإن اللفظة الأولى فوق الثّانية تمامًا في (الأصل)، والله أعلم. (¬2) هو: أبو سعيد عبد الرّحمن بن مهدي العنبري البصري: الثقة الأمين العالم بالحديث، سمع السفيانين والحمادين، ولزم مالكًا وأخذ عنه كثيرًا من الفقه والحديث، وكان يذهب إلى قوله، أخرج له الستة. توفي: 198 هـ. انظر: الديباج: 146، شجرة النور: 1/ 87. (¬3) هو: أبو خالد يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي: أحد الأعلام الحفاظ المشاهير، روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إسحاق وشعبة وغيرهم، كان ثقة متقنًا، أخرج له الستة. توفي: 206 هـ. انظر: السير: 9/ 358، التهذيب: 11/ 321.

645 - مسألة

645 - مسألة: لا يجبر السَّيِّد على إنكاح عبده إذا طلب العبد ذلك. وللشافعي قول: إنّه يجبر. وقول أبي حنيفة مثل قولنا. 646 - مسألة: إذا أذن السَّيِّد لعبده [في النِّكاح]، تعلّق المهر بذمة العبد، والنفقة والمهر من فوائد نظر إليه؛ لا من ما في يده قبل العقد، ولا من كسبه الّذي هو عوض حركاته. [قال الشّافعيّ: يكون ذلك من مكاسبه الّتي هي حركاته؛ سواء] خدمة كانت أو صناعة. 647 - مسألة: إذا أعتق أمته على أن تنكحه وعتقها صداقها، وأعتقها على ذلك، فلها الخيار في أن تتزوج أو تدع. وحكي عن الأوزاعي أنّه قال: يجب عليها زيجته على هذا الشرط. وقيل: إنّه مذهب أحمد وداود. وأصحاب أحمد يحكون خلافه، ويقولون: إذا استدعت منه عتقها بهذا الشرط، فنفس قوله: أعتقتك تعتق وينعقد النِّكاح. وبقولنا قال أبو حنيفة والشّافعيّ. ومن ألزمنا ذلك احتج: بأن النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أعتق صفية وجعل عتقها صداقها (¬1). ¬

_ (¬1) حديث صحيح متفق عليه عن أنس بن مالك رضي الله عنه. البخاريّ (5086)، ومسلم (1365).

648 - مسألة

قال: والعتق مال، فيصح أن يقع عن مال، فكأنّه تزوجها على شيء عوضًا عن عتق، وذلك هو المهر، ولأنّه لا يجبر أن يعتقها أو يجعل عليها مالًا، فكأنّه جعل ذلك المال صداقها. 23 - فصل: قال الشّافعيّ: لا يلزمها النِّكاح، ولكن يلزمها قيمه رقبتها. وعندنا: لا يلزمها شيء. 648 - مسألة: الأخ أولى بنكاح أخته عندنا من جدها. وقال الشّافعيّ: الجد أولى. 649 - مسألة: يجوز تزويج العلّوية والعباسية والقرشية، أي شريفة كانت، من ولي وغيره من المسملين؛ لأنّ الكفء [عندنا] هو المسلم الدِّين، سواء اتفق الأولياء كلهم عليه أو اختلفوا، إذا أذنت ورضيت فليس لأحد من الأولياء الاعتراض عليها. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: إن رضيت هي وجميع الأولياء صح، وإن أبوا كلهم ورضيت هي لم يصح، وإن رضي الأولياء كلهم وأبت هي لم يصح، وإن رضيت هي والأولياء إِلَّا واحدًا؛ فله فسخه. وللشافعي قول: إنّه يكون مفسوخًا في نفسه. ومن النَّاس من يقول: لو رضيت هي وجميع الأولياء لم يصح؛ لأنّ العار يدخل على غيرهم من القرابة ومن سيوجد؛ لأنّ دفع العار وحق الكفاءة لا يختص بالأحياء دون من يأتي بعدهم. 24 - فصل: قال أبو حنيفة: مهر المثل من الكفاءة، حتّى لو نقصت من مهر مثلها، كان للأولياء منعها وفسخه، إِلَّا أن يتم لها مهر مثلها.

650 - مسألة

وقلنا نحن والشّافعيّ: إن حق المهر لها دونهم، لانظر لأوليائها فيه ولا حق، فإن دعت إلى كفء ورضيت بدون مهر مثلها، وجب على الأولياء إنكاحها، ولم يجز لهم الامتناع، وإن زوجها ولي ولها أولياء غيره، لم يكن لهم الاعتراض على العقد. 650 - مسألة: إذا غاب عن البكر أبوها، وعمي خبره وضربت له الآجال، ولم يعلم له مكان زوّجها أخوها بإذنها، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال الشّافعيّ: يزوجها السلطان. وكذلك يقول [38/أ]، في الثيب إذا غاب أقرب أوليائها وفقد السلطان، وإن كان وليها الأقرب حاضرًا غير أنّه فاسق أو مجنون زالت ولايته، وانتقلت [إلى] الأقرب من باقي العصبة، فيتكلم أولى في البكر. 25 - فصل: يجوز للأخ أن يزوج أخته الثيب مع حضور أبيها إذا أذنت له، وإن كره الأب، وبه قال أبو حنيفة. ومنع منه الشّافعيّ. 651 - مسألة: اختلف عن مالك في الدنيئة؛ كالسقاية، والمسلمانية، والعربيّة، المعتقة، والفقيرة، [الّتي] لا عصبة لها إذا جعلت أمرها إلى مسلم، فزوّجها من تختاره. فقال في رواية: إنّه يجوز. وقال: لا يجوز، ولا يزوّجها إِلَّا السلطان. وقوله أبي حنيفة: يجوز، فقيرة كانت أو غيرها، إذا كانت حرة بالغة. وقال الشّافعيّ: لا يجوز إِلَّا بولي أو سلطان، وهو أحد قولي مالك.

652 - مسألة

والدّليل على جوازه قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، وقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "لا نِكاحَ إِلَّا بِوَلِيِّ"، فقيل: يا رسول الله من الولي؟ فقال: "رَجُلٌ مِنَ المُسلِمينَ" (¬1). 652 - مسألة: إذا عقد الوليان النِّكاح على وليتهما، ولم يعرف الأوّل حتّى دخل الثّاني، فالداخل أولى بالنِّكاح عندنا، وبه قال عطاء. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ وأحمد وإسحاق: الأوّل أولى على كلّ حال، وهو قول شريح (¬2) والحسن وسفيان ومحمد بن عبد الحكم. وقولنا هو قول عمر ومعاوية -رضي الله عنهما-. وحكي عن علي رضي الله عنه قول المخالف. 653 - مسألة: يجوز للولي أن يزوج نفسه من وليته إذا أذنت له، وكذلك من أعتق أمته وأذنت له، وبه قال ربيعة وسفيان وأبو حنيفة وأصحابه، إِلَّا زفر. ¬

_ (¬1) أخرجه بهذا اللّفظ ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه. انظر: تاريخ دمشق: 43/ 69. وقال عنه المتقي الهندي: (وفيه المسيَّب بن شريك متروك). انظر: كنز العمال: 16/ 530. أمّا الشطر الأوّل من الحديث؛ فقد أخرجه: أبو داود (2085)، والترمذي (1101)، وابن ماجه (1880). عن عائشة وأبي موسى وابن عبّاس وأبي هريرة وعمران بن حصين رضي الله عنهم وقال التّرمذيّ: هو حديث عندي حسن. قال الحافظ ابن حجر: "وقد اختلف في وصله وإرساله، قال الحاكم: وقد صحت الرِّواية فيه عن أزواج النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: عائشة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش. قال: وفي الباب عن علي وابن عبّاس، ثمّ سرد تمام ثلاثين صحابيًا. وقد جمع طرقه الدمياطي من المتأخرين". انظر: التلخيص: 3/ 323. (¬2) هو: القاضي أبو أمية شريح بن الحارث الكندي الكوفي: الفقيه أحد الأعلام، أسلم في حياة النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وانتقل من اليمن زمن الصديق رضي الله عنه، وولاه عمر رضي الله عنه قضاء الكوفة، ولقّبه علي رضي الله عنه بأقضى العرب، أخرج له النسائي. توفي: 80 هـ. انظر: السير: 4/ 100، التهذيب: 4/ 287.

654 - مسألة

وحكي عن المغيرة وأحمد: إن أذنت لوليها، فولى رجلًا أو. وكله أن يزوجها منه جاز. وقال الشّافعيّ: لا يعقد له إِلَّا الحاكم. وكذلك لو أن رجلًا له بنت صغيرة خطبها منه رجل، جاز أن يوكله في تزويجها من نفسه عندنا، وعند أبي حنيفة. وأباه الشّافعيّ. 654 - مسألة: يصح النِّكاح بلفظ الهِبَة، إذا قصد به النِّكاح. وسواء عندي ذكر المهر أم لا، إذا قصد النِّكاح، وكذلك لفظ البيع والصدقة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا ينعقد إِلَّا بأحد لفظين: النِّكاح أو التزويج. وهذا متفق عليه، والخلاف فيما ذكرناه. 655 - مسألة: لا يجوز لأحد تزوج خامسة على أربع، وهو عندنا إجماع. وقال قوم لا يُعَدُّون خلافًا: يجوز الجمع بين تسع. وقال آخرون. يجوز أي جمع كان قليلًا كان أو كثيرًا. 656 - مسألة: يجوز للعبد أن يجمع بين أربع زوجات كالحر، وهو قول ربيعة وأبي ثور والزهري. وحكي عن ابن وهب: أن مالكًا قال: لا يجوز أن يزيد على اثنتين، وهو قول أبي حنيفة والشّافعيّ وسفيان وأحمد.

657 - مسألة

657 - مسألة: إذا عقد على امرأة حرمت عليه أختها، ما دامت الأولى في عصمته. وكذلك إذا كان تحته أربع، حرم عليه أن يعقد على أربع سواهن، أو طلق واحدة من الأربع، هل يحل له أن يعقد على أخرى مكأنّها أو لا؟ الحكم في هذه المسائل كلها سواء. فإن كان الطّلاق رجعيًا، لم يجز بلا خلاف. وإن طلق قبل الدخول، حل له العقد على الأخت، وعلى أربع سوى الأربع، بلا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة. فأمّا إذا دخل بها وبانت منه بخلع أو طلاق ثلاث، هل يعقد على أختها، أو على أربع سوى الأوّل، وهن في العدة؟ فإنّه يجوز عند مالك والشّافعيّ والزهري، ومن الصّحابة: زيد بن ثابت -رضي الله عنه -. وقال سفيان وأبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز، ما دامت الأخت أو الأربع في العدة، وبه قال علي وابن عبّاس -رضي الله عنهم-. 658 - مسألة: لا ينفسخ نكاح الزوجة بزناها، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ والفقهاء كافة. وحكي عن الحسن وأبي عبيد: أنّه ينفسخ نكاحها متى زنت، وروي نحوه عن علي -رضي الله عنه -. 26 - فصل: فأمّا الزانية؛ يجوز للزاني أن يعقد عليها وإن [38/ب]، زنى بها، ويجوز لغيره أيضًا، وبه قال جميع الفقهاء. وقال الحسن البصري: لا يجوز للزاني بها أن يعقد عليها أبدًا، وإن عقد كانا زانيين.

659 - مسألة

ولست أعرف قوله في غير الزاني بها. وقال قتادة وأحمد: إن ثابت جاز العقد عليها لكل أحد، وإن لم تتب لم يجز. 659 - مسألة: يجوز للولي غير الأب تزويج اليتيم قبل بلوغه، إذا كان ذلك نظرًا له فيه. ومنع منه الشّافعيّ، وجعله على وجهين في الأب؛ إن كان الابن صغيرًا سليمًا جاز له، وإن كان مجنونًا لم يجز لأبيه ولا لغيره تزويجه. 660 - مسألة: خطبة النِّكاح ليست بواجبة [عندنا]، وبه قال جميع الفقهاء. إِلَّا داود: فإنّه أوجبها. احتج في وجوبها: أن النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - خطب حين زوّج فاطمة -رضي الله عنها - (¬1). وأفعاله على الوجوب؛ بقوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. ¬

_ (¬1) لم أجد من أخرج هذا الأثر، ووجدت مثله عند ابن بطّال في شرحه للبخاري: 7/ 263. أمّا خطبة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عند تزويجه لفاطمة رضي الله عنها: فقد أوردها ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه: ومطلعها: "الحمد لله المحمود بنعمه المعبود بقدرته ... ": وقال عقيبه: "غريب لا أعلمه يروى إِلَّا بهذا الإسناد". انظر تاريخ دمشق: 52/ 444. وقال ابن الجوزي: فيه عن جابر وأنس - رضي الله عنهما- وساقهما بنفس اللّفظ الأوّل-. ثمّ قال: هذا حديث موضوع وضعه محمَّد بن زكريا؛ فوضع الطريق الأوّل إلى جابر رضي الله عنه: ووضع هذا الطريق إلى أنس رضي الله عنه، قال الدارقطني: كان يضع الحديث، وراوي الطريق الثّاني نسبه إلى جده فقال: محمَّد بن دينار، وهو محمَّد بن زكريا بن دينار. انظر: الموضوعات: 1/ 416 - 418.

661 - مسألة

وقال - صلّى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَمِلَ عَمَلَا لَيسَ عَلَيهِ أَمْرُنا فَهُوَ مَرْدُودٌ" (¬1)، [وقد عمل النِّكاح بخطبة. وقالوا: ويروى أنّه - صلّى الله عليه وسلم -]، قال: "كُلُّ أَمْرِ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأْ فيهِ بذِكرِ اللهِ، فَهُوَ أَبْتَر" (¬2)، [والنِّكاح أمر ذو بال]. 661 - مسألة: اختلف عن مالك في نكاح المريض والمريضة المخوف عليهما، فقال: يفسخ وإن صح المريض منهما. فيدلُّ على أن الفرقة واجبة. وروى ابن نافع: أنّه لا يفرق بينهما إذا صح، وكذلك إن كانا مريضين ثمّ صحا. ويدلُّ هذا على أن الفرقة مستحبة. والأول أظهر وأشهر. والثّاني عندي أولى بالمذهب. وقول أبي حنيفة: إنّه يجوز، وبه قال الشّافعيّ. ويدلُّ على جوازه أن المهر يجب للمرأة؛ إمّا معجّلًا أو في الذِّمَّة، وهو بغير عوض من محجور عليه؛ لأنّه لا يقدر على الاستمتاع. ¬

_ (¬1) حديث متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها: واللفظ لمسلم؛ البخاريّ (2697)، مسلم (1718). (¬2) حديث حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أخرجه أبو داود (4840)، والنسائي في الكبرى (10328)، (10329)، وابن ماجه (1894). قال ابن الملقن: هذا الحديث حسن. وروي مرسلًا وموصولًا، ورواية الموصول إسنادها جيد على شرط مسلم. لا جرم قال الشّيخ تقي الدِّين بن الصلاح: رجال هذا الحديث رجال الصحيحين جميعًا سوى قرة؛ فإنّه ممّن انفرد مسلم عن البخاريّ بالتخريج له، ثمّ حكم على الحديث بالحسن. انظر: البدر المنير: 7/ 528.

662 - مسألة

662 - مسألة: لا يجوز عقد النِّكاح على الحامل من زنا حتّى تضع، كان العاقد هو الزاني أو غيره. واختلف عن أبي حنيفة فقال مثل قولنا في إحدى الروايتين، وبه قال أبو يوسف. وقال الشّافعيّ: يجوز العقد عليها، وإن كنت لا أستحبه. 663 - مسألة: لا يجوز الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء، [ويجوز الجمع بينهما في الملك]، كما لا يجوز في النِّكاح، وهذا مذهب الفقهاء كافة. إِلَّا أهل الظّاهر قالوا: كما جاز الجمع في الملك، جاز في الوطء. 664 - مسألة: إن تزوج امرأة حرمت عليه أمهاتها على التّأبيد بالعقد من غير دخول، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّْ وكافة الفقهاء، وكافة الصّحابة: ابن عبّاس وابن عمر وابن مسعود وجابر وعمران بن حصين -رضي الله عنهم-. قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: "أَبهِمُوا مَا أَبهَمَ تَعَالىَ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ أُمِّهَاتِ النِّسَاءِ مِن غَيرِ لَفظِ الدُّخُولِ، فَلَا يُشتَرَطُ فِيهِ الدُّخُولُ" (¬1). وروي عن علي وابن الزبير -رضي الله عنهم- أن أمهات النِّساء لا يحرمن إِلَّا بالعقد والدخول، وبه قال مجاهد. وقال زيد بن ثابت -رضي الله عنه -: إن طلقها قبل الدخول، جاز له ¬

_ (¬1) لم أجده بهذا اللّفظ في كتب السُّنَّة المشهورة. وإنّما أخرجه ابن منصور في سننه: 1/ 270، بلفظ: "هي مبهمة فأرسلوا ما أرسل الله واتبعوا ما بين الله -عَزَّ وَجَلَّ -"، قال: "رخص في الربيبة إذا لم يكن دخل بأمها وكره الأم على كلّ حال". وأخرج لفظة: "هي مبهمة" فقط: عبد الرزّاق في مصنفه: 6/ 274، وابن أبي شيبة في مصنفه: 3/ 309، والبيهقي في الكبرى: 7/ 160.

665 - مسألة

أن يتزوج بأمها، وإن ماتت قبل الدخول، لم يجز له، وجعل الموت كالدخول. 665 - مسألة: قال داود: لا تحرم الربيبة على زوج أمها وإن دخل بها، إِلَّا أن تكون الربيبة في حجره. وخالفه في ذلك جميع الفقهاء. واحتج بقوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النِّساء: 23]، فحرّم الرّبيبة بشرطين: الدّخول بالأم، وأن يكون الرّبيبة في حجره، فإذا عدم أحد الشّرطين عدم التّحريم. قالوا: ولأن الزّوج إنّما جعل محرمًا؛ لما يلحق من المشقة في استتارها عنده، وهذا المعنى لا يوجد، [إِلَّا]، إذا كانت في حجره. واستدلوا بالظاهر في إباحة النِّكاح إذا لم يكن في حجره. 666 - مسألة: إذا وطئ أمة بملك اليمين، وعقد النِّكاح على أختها أو عمتها أو خالتها، قال ابن القاسم: النِّكاح صحيح، ولا يطأ حتّى يحرم فرج الأولى، فإن حرمه وإلا طلق الزوجة. وقيل: لا يصح النِّكاح، وهو القياس، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: النِّكاح أولى، فيحرم عليه وطء الأمة، ويطأ الزوجة ولا يجوز له وطء الأمة ما دامت الحرة في عصمته، وهو قول أشهب. فالخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في صحة النِّكاح، على أحد القولين. وبيننا وبين الشّافعيّ [39/أ] في أنّه لا يطأ الزوجة [عندنا]، حتّى يحرم فرج الأمة، وعنده يطأ الزوجة وتحرم الأمة.

667 - مسألة

667 - مسألة: إذا تزوج امرأة أو ملك أمة فقبّل أو تلذذ، وجبت بذلك الحرمة كالوطء، فتحرم عليه بنتها، وتحرم هي على أبيه وابنه، ولو كان في نكاح فاسد، وبه قال أبو حنيفة. وزاد فقال: لو نظر إلى فرجها لكان كذلك، بخلاف ما سوى الفرج. وظاهر مذهب الشّافعيّ: أن اللمس والقبلة لشهوة لا يوجبان ذلك، وكذلك لو وطئ دون الفرج. وحكي عنه مثل قولنا. ورأيت من يحصل منهم يقول: يمكن أن يكون هذا مذهب الشّافعيّ. 27 - فصل: [فأمّا ما قاله أبو حنيفة أن من ينظر إلى فرجها ملتذًّا، أنّه يحصل بذلك التّحريم، فإنّما نخالفه ونقول: إن ذلك لا يحرم، كما قال الشّافعيّ]. 28 - فصل: الزِّنا عندنا لا ينشر الحرمة حتّى يحرم المصاهرة، فلا تحرم المزني بها على ابنه وأبيه، ولا أمها ولا ابنتها، كما قبل الزِّنا. هذا الأظهر من قول مالك. وروي عنه: أنّها تحرم، وهو مثل قول أبي حنيفة. وبالأول قال الشّافعيّ، وهو قول ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، وسعيد بن المسيَّب وعروة بن الزبير والزهري وأبو ثور. والقول الآخر مع أبي حنيفة، [وهو] قول عمران بن حصين - رضي الله عنه -، وعطاء والشعبي وسفيان وأحمد وإسحاق؛ إنّه يحرم. وقال الأوزاعي: إذا لاط غلام بغلام وولد للمفجور به بنت، لم يجز للفاجر أن يتزوجها؛ لأنّها بنت من قد دخل به، وبه قال أحمد، [وبه أقول].

668 - مسألة

668 - مسألة: إذا زنى بامرأة فولدت بنتًا، جاز للزاني أن يتزوجها، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: هي حرام عليه. واختلف أصحابه في علة التّحريم، فقال بعضهم: حرمت؛ لأنّها ربيبة بنت امرأة وطئها بزنا، والزنا [عندهم] يحرم الأم والابنة، وينشر حرمة المصاهرة، فعلى هذا يجوز لأخي الزاني أن يتزوجها. وكان أبو بكر الرازي يقول: إنّما حرمت؛ لأنّها ربيبته ومخلوقة من مائه، وعلى هذا لا يحل لأخي الزاني أن يتزوجها، لأنّه عمها. [فإن ذهبوا إلى أنّها حرمت عليه؛ لأنّها مخلوقة من مائه، فإن الخلاف يحصل بيننا وبينه في هذه المسألة، وعلى هذا يناظرون اليوم ويبصرون، وهو الّذي حكيناه عن الرازي]. ولا خلاف في أنّها لا تسمى بنتًا له، ولا بينهما نسب. 669 - مسألة: لا يجوز نكاح المجوسيات، ولا أكل ذبائحهم، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وإن كان قد حكي عن بعض أصحابنا: أنّه يجيء على قولين في أن لهم كتابًا أو لا: أن تجوز مناكحتهم إذا كان لهم كتاب. وقال أبو ثور: تجوز مناكحتهم وأكل ذبائحهم. وقال إبراهيم (¬1) روي عن بضعة عشر من الصّحابة أنّهم قالوا: "لا تجوز مناكحتهم"، ولا نعرف فيه اختلاف حتّى جاءنا من الكرخي، يعني أبا ثور. ¬

_ (¬1) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق البغدادي الحربيّ: الإمام الحافظ، معدود في تلاميذ أحمد، من مؤلّفاته: الغريب. توفي: 285 هـ. انظر: طبقات الفقهاء: 171، طبقات الحنابلة: 2/ 86.

670 - مسألة

670 - مسألة: من وجد طولًا لحرة لم يجز له نكاح الأمة، وإنّما يجوز بشرطين: عدم الطول، وخوف العنت، وبه قال الشّافعيّ، وهو قول ابن عبّاس وجابر -رضي الله عنهم-، وعطاء والحسن وطاووس والزهري. وقال أبو حنيفة: إذا كانت تحته حرة، لم يجز له كإحدى الروايتين عن مالك، وإن لم تكن له حرة ووجد الطول لنكاح حرة، جاز له أن يتزوج الأمة، فجعل الطول قدرته على وطء الحرة، وبه قال النخعي والثّوريّ. 671 - مسألة: لا يجوز لمسلم نكاح أمة كتابية أو مشركة، حرًّا كان أو عبدًا، وبه قال الحسن والزهري والأوزاعي والليث وسفيان والشّافعيّ، وغيره من الفقهاء. إِلَّا أبا حنيفة وأصحابه، فإنهم جوّزوه للعبد والحر من المسلمين. 672 - مسألة: يجوز للمسلم نكاح أربع مملوكات على الشرط الّذي ذكر الله تعالى؛ من عدم الطول وخوف العنت، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يجوز له أكثر من أمة واحدة. وقال أيضًا: لا يجوز له نكاح أمة وتحته حرة. ويجوز عندنا، والخيار للحرة. 673 - مسألة: إذا كان عادمًا للطول وخاف العنت، فتزوج أمة ثمّ أيسر، لم ينفسخ نكاح الأمة، [وبه قال جماعة الفقهاء]. وقال المزني: يفسخ النِّكاح من الأمة، واحتج بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}

674 - مسألة

[الآية] [النِّساء: 25]، فأباح نكاح الأمة لعدم طول الحرة، وهذا واجد. [قال]،: لأنّ [المعنى] الّذي لأجله أبيح إنّما هو وجود شرطين: عدم الطول، وخوف العنت [39/ب]، فإذا وجد انحل المعنى وارتفع، فوجب ارتفاع الحكم؛ ولأن نكاح الأمة إنّما جوزته الضّرورة، ومع عدم الضّرورة عدم الجواز كالميِّتة. [قال]: وقد وجد ما يبطل العقد، فيستوي فيه ابتداؤه وانتهاؤه كالمرتدة لما لم تحل وهي مرتدة، بطل عقدها لما ارتدت. ولو أن تحته امرأة فوطىء أمها بشبهة انفسخ نكاح الربيبة، ولو وطئها قبل عقد الربيبة، [بطل عقد الربيبة]، واستوى حال الابتداء والانتهاء، وكذلك الأخت من الرضاعة لا يجوز العقد عليها، ولو عقد ثمّ أرضعت انفسخ. وهو قياس الابتداء بعلة وجود الطول. 674 - مسألة: إذا خطب الرَّجل امرأة فركنت إليه وركن إليها واتفقا، غير أن العقد لم يقع، لم يجز لأحد أن يخطبها، فإن خطبها ونكح فسخ، وكذا البيع. وقد روي عن مالك: أنّه لا يفسخ، وبه قال أبو حنيفة. وبالأول قال داود. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: يحرم، لكنه لا يفسخ، وقال. لا يحرم غير أنّه لا يفسخ بوجه. وقال: لو أذنت لوليها أن يزوجها، يحرم على الآخر أن يخطبها قولًا واحدًا. 29 - فصل: ذكر النَّاس الفوائد الّتي تضمنها خبر فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها -، فأحببت ذكرها لينتفع بها.

قال أبو سلمة (¬1): قالت فاطمة -رضي الله عنها -: طلقني زوجي [أبو حفص]، وهو غائب بالشام ثلاثًا بتّ طلاقي، فأتاني وكيله بشيء من شعير فسخطته، فقال: ما لَكِ عندنا نفقة وأنا تطوعت به، فأتيت النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فأخبرته أنّه طلقني وبت طلاقى، وقال: لا نفقة لك، فقال لها: "اِعْتدِّي في بَيْتِ اِبْنِ أُمِّ مَكْتُوم، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ حَيثُ شِئْتِ، فَإذا حَلَلْتِ فَآذِنيني"، قالت: فآذنته - صلّى الله عليه وسلم -، فقلت: إن أبا يهم ومعاوية -رضي الله عنهما- خطباني، فقال: "أمّا مُعاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ لَهُ، وَأَمّا أَبو جَهْم فَلا يَضَعُ عَصاهُ عَنْ عَاتِقِه، اِنكَحي أُسامَة بنَ زَيدِ"، قالت: فكحته، فما رأيتّ منه إِلَّا خيرًا (¬2). ففيه ثلاث عشرة فائدة: (1) - منها: أن الطّلاق الثلاث يقع؛ لأنّه - صلّى الله عليه وسلم - بيّن له أحكامه، ولم يقل: أنت زوجة. (2) - وقال الشّافعيّ: دلّ على إباحة الثلاث. ومالك وأبو حنيفة يحرمانه، ولو كان محرمًا لأنكره - صلّى الله عليه وسلم -. (3) - ومنها: أن لا نفقة للمبتوتة. (4) - وطلاق الغائب يجوز. (5) - ومن طلّق البتة مضى عليه. (6) - ومنها: أن المطلقة لا قواعد، ولا تعقد في العدة. (7) - وكذلك: جواز التعريض من ذوي الهيئات دون غيرهم، لقوله: "إذا حللت فآذنيني". ¬

_ (¬1) في الأصل: "سليمان". والمثبت من (ط). وهو: أبو سلمة عبد الله - وقيل: إسماعيل - بن عبد الرّحمن بن عوف المخزومي الزهريّ المدني: أحد فقهاء التابعين، وعدّه بعضهم سابع فقهاء المدينة، روى عن أبيه وعثمان وطلحة رضي الله عنهم وغيرهم، وأخرج له الستة. توفي: 94 هـ. انظر: السير: 4/ 278، التهذيب: 12/ 103. (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه (1480).

675 - مسالة

(8) - ومنها: أنّها تعتد في غير بيتها، عند غير زوجها. (9) - وكذلك: أن المرأة تضع ثيابها عند الأعمى، وإن كان غير ذي محرم. (10) - وأيضًا: جواز خطبة الرَّجل على خطبة أخيه، ما لم تركن إليه. (11) - وأيضًا: لا غيبة في الزوج إذا سئل عنه فأخبر المسؤول ما فيه. (12) - وأيضًا: نكاح العربيّة المولى، لقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "انكحي أسامة بن زيد". (13) - وأيضًا: من حلف على طائر أنّه لا يسكت، أو أن فلانًا أكل جميع ما على المائدة، أو أنّه أدار عليه الدنيا والبلد، أنّه لا يحنث، لقوله في أبي جهم: "إنّه لا يضع عصاه عن عاتقه"، وهو لا بدَّ أن يضعها، وإنّما أراد بذلك الإكثار والمبالغة. 675 - مسالة: إذا أسلم المشرك وتحته أكثر من أربع نسوة ممّن يجوز للمسلم نكاحهن، مثل: أن يسلمن معه أو كن كتابيات، فإنّه يختار أربعًا منهن، سواء عقد عليهن عقدًا واحدًا أو متفرقات، ويفارق باقيهن، وبه قال الشّافعيّ ومحمد. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن تزوج بهن في عقد واحد بطل نكاحهن جملة، وإن كان [في] عقود متفرقة لزمه نكاح الأوائل، وانفسخ نكاح الباقيات، فلا يثبت [40/أ] له خيار. فحصل الخلاف في المسألتين: إذا تزوج بهن في عقد واحد، عندنا يصح نكاح الأربع، وعندهما يبطل.

676 - مسألة

وإذا عقد عليهن عقودًا جاز له أن يختار أربعًا؛ كن أوائل أو أواخر، وعندهم يثبت الأوائل دون الأواخر. 676 - مسألة: إذا أسلم الكافر وتحته مجوسية أو وثنية، أو من غير أهل الكتاب؛ عرض عليها الإسلام، فإذا أسلمت بالقرب ثبتت على نكاحها، وإن أبت وقعت الفرقة، وبه قال أبو حنيفة، إن لم يكونا في دار الحرب، وإن كان في دار الحرب؛ فهو أحق بها إذا أسلمت في العدة. غير أن أبا حنيفة يقول: لا تقع الفرقة بينهما في دار الإسلام، ما لم يعرض عليها الحاكم الإسلام ولو بقيت مائة سنة، وإذا عرض عليها [الإسلام] فلم تسلم، فرّق الحاكم بينهما بطلقة. وقال الشّافعيّ: الزوج أحق بها إن أسلمت في العدة، كما لو أسلمت قبله، فإنّه أحق بها ما دامت في العدة. ولم يفرق بين دار الإسلام ودار الحرب. 677 - مسألة: اختلاف الدارين لا تأثير له عندنا، وعند الشّافعيّ في فسخ النِّكاح. وقال أبو حنيفة: إذا اختلفت الدَّار بالزوجين فعلًا وحكمًا؛ انفسخ نكاحهما، وإذا اختلفت بهم فعلًا دون الحكم؛ لم يفسخ. أمّا اختلاف الدارين فعلًا وحكمًا، مثل الحرببين يدخل أحدهما دار الإسلام، فيعقد لنفسه مع الإمام ذمة مؤبدة، فإن نكاحه ينفسخ من الّتي في دار الحرب؛ لأنّه [لما عقد معٍ الإمام عقد الذِّمَّة]، صار من أهل الإسلام حكمًا، فاختلفت بهم الدَّار فعلًا وحكمًا. وأمّا اختلاف الدارين فعلًا، فمثل المسلم يدخل دار الحرب، وزوجته في دار الإسلام؛ لا ينفسخ نكاحه؛ لأنّه لم يختلف الدارين حكمًا؛ لأنّه لا يصير في حكم من هو في دار الحرب.

678 - مسألة

وقد اختلف في هذه المسألة، ولم ينقض الخلاف فيها؛ لطولها في الأصل. 678 - مسألة: إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول، وقعت الفرقة في الحال، بلا خلاف. وكذلك بعد الدخول عندنا، وعند أبي حنيفة. وقال الشّافعيّ: يكون الأمر مراعى لانقضاء العدة، فإن أسلم المرتد ثبتًا على النِّكاح، وإن لم يسلم حتّى انقضت انفسخ، وهكذا إذا ارتدا جميعًا. وقال أبو حنيفة: إن ارتدا جميعًا، لم ينفسخ النِّكاح أصلًا، وإذا أسلما بقيا على نكاحهما عنده. وقال: إذا كانا كافرين في دار الحرب وأسلم أحدهما بعد الدخول، كان النِّكاح موقوفًا على انقضاء العدة. وهذا الفصل له حكمان عندنا: إن أسلمت أوَّلًا، فأمر الزوج موقوف على العدة، وإن أسلم أوَّلًا وهي غير كتابية، فقد بيّنا الحكم فيها، وأنّه يعرض عليها الإسلام، فإن أسلمت بالقرب وإلا وقعت الفرقة. 30 - [فصل: على أبي حنيفة فإنّه قال: إذا ارتدا جميعًا، لم يفسخ النِّكاح أصلًا. قال: لأنّه لم يختلف بهما الداران، فوجب ألَّا ينفسخ النِّكاح، أصله إذا أسلما جميعًا بعد الكفر]. 679 - مسألة: أنكحة أهل الشرك عندنا فاسدة، وطلاقهم لا يقع كانوا من أهل ذمة أو حربيين، وهو قوله ربيعة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ، وقبلهما الزهريّ والأوزاعي وسفيان: إن

680 - مسألة

أنكحتهم صحيحة وطلاقهم واقع، حتّى لو طلقها وأسلما في الحال، لم يقرّا ولا تحل له إِلَّا بعد نكاح ثان، وكذلك لو طلقها في الشرك ثمّ أسلما، ولو وطئها بالزوجية لأحلها لزوج كان قبله طلقها ثلاثًا. والأمر عندنا بخلاف ذلك. 680 - مسألة: الإمام (¬1) غير في الحكم بين أهل الذِّمَّة والمستأمنين من أهل الحرب، إِلَّا ما يجري على وجه الفساد من القتل والغصب والسّرقة، فإن هذه الأشياء يقوم عليها ويحكم بينهم فيها، وما سوى ذلك من البياعات والأنكحة والدعاوى في الأموال والزنا، فإن شاء حكم أو ترك. وللشافعي فيه إذا كانوا أهل [40/ب] دين واحد قولان، فإن كانوا أهل دينين فقول واحد: إنّه يجب عليه الحكم [بينهم]. ولا يحتمل المسألة عندنا، إِلَّا قول: إنّه لا يجب عليه. 681 - مسألة: نكاح الشغار باطل [عندنا]، وبه قال الشّافعيّ. وهو: أن يزوج كلّ واحد منهما ابنته من صاحبه بلا صداق، وبضع كلّ واحدة صداق الأخرى، فلا يجوز، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال عطاء والزهري وسفيان وأبو حنيفة: هو صحيح، وشرطهم فاسد، ولكل واحدة صداق مثلها. 682 - مسألة: نكاح المتعة فاسد [مفسوخ]. وصفته: أن ينكحها إلى مدة شهر أو سنة أو قدوم الحاج. والمسألة عندنا إجماع أنّه لا يجوز، وهو قول عمر وعلي [وابن عمر] ¬

_ (¬1) في الأصل: "الأمر". والمثبت من (ط).

683 - مسألة

وابن عبّاس وابن مسعود وابن الزبير -رضي الله عنهم-، [وهو قول مالك] والشّافعيّ وأبي حنيفة والأوزاعي والثوري، والفقهاء بأسرهم. وذهبت الشيعة إلى صحته، وروي ذلك عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-. وحكي عن زفر: أن الشرط يفسد، ويصح النِّكاح على التّأبيد. 683 - مسألة: تُرَدّ المرأة بخمسة عيوب: الجنون، والجذام، والبرص، والرتق، والقرن. والرتق: انسداد الفرج. والقرن: عظم يكون فيه. وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة والثوري: لا ترد بعيب أصلًا. 684 - مسألة: لا يكون بيعُ الأمة المزوَّجة طلاقَها ولا عتاقَها، وهي زوجة كما كانت، وبه قال الفقهاء أجمع، ومن الصّحابة: عمر وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنهم-. وقال ابن عبّاس وابن مسعود وأبيّ بن كعب -رضي الله عنهم-: بيع الأمة طلاق، واحتجوا بقوله تعالى. {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّساء: 24]، فحرّم تعالى علينا المزوّجات من النِّساء، إِلَّا إذا ملكتهن أيماننا. وظاهره يقتضي أن كلّ من ملك أمة مزوّجة بملك يمين حلت له؛ سواء كانت مسبية أو مبيعة. قالوا: ولأنّه حدوث ملك فيها، فرفع حكم النِّكاح، وأبطله كالمسبية ذات زوج حربي.

685 - مسألة

685 - مسألة: إذا عتقت الأمة تحت حر فلا خيار لها، وبه قال الشّافعيّ، ومن الصّحابة: ابن عبّاس وابن عمر وعائشة -رضي الله عنهم-، ومن التابعين: ابن المسيَّب وسليمان بن يسار، وجماعة، وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق. وقال الشّعبيّ والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لها الخيار تحت الحر، [كما لها تحت العبد]. 686 - مسألة: إذا عتقت تحت عبد فوطئها بعد علمها سقط خيارها. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يسقط. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، وقال أيضًا: إنها تعذر بالجهالة في ذلك ولها الخيار. 687 - مسألة: لا خلاف بين العلماء أن العِنِّين (¬1) يؤجل إذا طلبته زوجته. وقال الحكم وداود: لا يؤجل، ولا خيار للزوجة فيه، واحتجوا بما روي: أن امرأة أتت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، قالت: إن رفاعة طلقني وبت في طلاقي، فتزوجت عبد الرّحمن بن الزببر، وإنّما معه مثل هدبة الثّوب، فقال له - صلّى الله عليه وسلم -. "لا تَرْجِعِي إِلى رِفَاعَة، حَتى تَذُوقِي عَسِيلَتَه وَيَذُوقَ عَسِيلَتَكِ" (¬2). فقد أخبرت عن عجز عبد الرّحمن، ولم يضرب له أجلًا. وكذا امرأة شكت إلى علي -رضي الله عنه -: أمر زوجها وضعفه، ¬

_ (¬1) العِنين: هو العاجز عن الوطء، وربما أشتهاه ولا يمكنه. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه: 255. (¬2) حديث صحيح متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها؛ البخاريّ (5260)، مسلم (1433).

688 - مسألة

فقالت: "ما ينتشر عليه"، فقال: "ولا عند السحر"، قالت:"لا" قال: "ليس عند أسك هذا خير" (¬1). ولم يضرب له مدة. 688 - مسألة: فرقة العنين طلقة بائنة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: فسخ. 689 - مسألة: إذا أقر الزوج بالوطء، وأنكرته وادّعت أنّه عنين، فالقول قول الزوج، وبه قال الشّافعيّ [41/أ]، وأبو حنيفة. وقال أحمد: القول قولها؛ لأنّه مدّع، والأصل عدم الوطء. 690 - مسألة: إذا ظهر أن الزوج مقطوع الأنثيين خصي فلها الخيار، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فأحد القولين: لا خيار لها. ¬

_ (¬1) أخرجه مسدد في مسنده بسند منقطع عن الحكم بن عتبة. انظر: المطالب العالية: 8/ 294. وسعيد بن منصور في سننه عن هانئ: 2/ 81، بلفظ: "فقال: هلكت وأهلكت، قالت: فرق بيني وبينه، قال: اصبري، فإن الله لو شاء ابتلاك بأشد من ذلك". والبيهقي أيضًا: 7/ 227، وقال: "قال الشّافعيّ في سنن حرملة: هذا الحديث لو كان يثبت عن علي رضي الله عنه لم يكن فيه خلاف لعمر رضي الله عنه، ثمّ ساق الكلام إلى أن قال: مع أنّه يعلم أن هانئ بن هانئ لا يعرف، وأن هذا الحديث عند أهل العلم بالحديث، ممّا لا يثبتونه لجهالتهم بهانئ بن هانئ".

مسائل الصداق

مسائل الصداق 691 - مسألة: اختلف عن مالك فيمن تزوج على خمر، أو خنزير، أو ثمرة لم يبد صلاحها، أو مهر مجهول، أو عبد آبق، أو بعير شارد، فقال: يفرق بينهما قبل الدخول، ويثبت بعده. وقال أيضًا: يفرق في الأمرين جميعًا. والأظهر هو الأوّل. وقال أهل العراق والشّافعيّ: النِّكاح صحيح، والمهر باطل ولا يفسخ بحال. 692 - مسألة: لا خلاف أنّه لا حد لأكثر الصداق. واختلف في أقله: فقال مالك: أقله ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وقال أبو حنيفة: دينار أو عشرة دراهم. وقال النخعي: أربعون درهمًا. وقال سعيد بن جبير: خمسون درهمًا. وقال ابن شبرمة: خمسة دراهم.

693 - مسألة

وقال الشّافعيّ: لا حد لأقله كأكثره، وكل ما جاز أن يكون ثمنًا، أو أجرة، أو مملوكًا لشيء؛ جاز أن يكون مهرًا، وبه قال أحمد وإسحاق. [وإذا رضيت المرأة بدون صداق مثلها، لم يكن لأوليائها أن يبلغوا بصداقها صداق مثلها]. 693 - مسألة: [لأبي تمام، قال مالك]: إذا أصدق أربع نسوة صداقًا واحدًا، لم يصح العقد، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه. وأجازه في الآخر. 694 - مسألة: إذا عقد النِّكاح على أن يعلّمها القران أو شيئًا منه، أو على أن يخدمها مدة، أو يبنأنّها دارًا، أو ما أشبهه، كره عند أكثر أصحاب مالك. ومنهم من قال: لا يجوز ويفسخ. والصّحيح [عندي]: الكراهة، وإن وقع لم يفسخ، على طريق الوجوب [بل يفسخ] قبل الدخول [استحبابًا]. وقال الشّافعيّ: يجوز. وقال أبو حنيفة: لا يكون ذلك مهرًا، إن كان الزوج حرًّا، وإن كان عبدًا فتزوج على أن يخدمها سنة، صحت التّسمية وكانت مهرًا. قال: ولا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والشعر. 695 - مسألة: إذا لم يسم للمفوضة صداقًا، فمات الزوج أو الزوجة؛ توارثًا بلا خلاف، ولم يكن لها صداق، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لها مهر مثلها، وهو الثّاني للشافعي.

696 - مسألة

وبقولنا قال ربيعة، ومن الصّحابة: علي وابن عبّاس وابن عمر وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-. 696 - مسألة: إذا تزوجها على صداق حال، فلها أن تمنع نفسها حتّى تقبضه بلا خلاف. وإن دخل بها قبل قبضه برضاها، لم يكن لها منع نفسها، لكن تطالبه به، وبذلك قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: لها منع نفسها بعد الدخول كما قبله. 697 - مسألة: يجوز النِّكاح على الوصفاء، ويلزم أوسط ذلك في القيمة، وكذلك على جمل أو بقرة أو عبد أو غيره إذا قبل الولي والزوج، ولها الوسط من جنس ذلك، وبه قال أبو حنيفة. ومنع منه الشّافعيّ، وقال: لا يصح إِلَّا إذا كان معينًا؛ على هذا العبد، أو هذا الفرس، أو موصوفا في الذِّمَّة، كما يضبط في السلم. وقال أبو حنيفة: للزوج أن يدفع قيمة ذلك، وتجبر على أخذها. وعندنا لا يجبر عليها. فالخلاف بيننا وبين الشّافعيّ في جوازه على شيء غير معين، ولا موصوف في الذِّمَّة. ومع أبي حنيفة في الإجبار على القيمة. 698 - مسألة: إذا خلا الرَّجل بزوجته واختلفا في الوطء، فالقول [41/ب] قولها مع يمينها. وقال الشّافعيّ: القول قول الزوج، وقاله مالك أيضًا.

699 - مسألة

وإن طلقها قبل المسيس، فلها نصف المهر. وقد قيل: إن قبّلها أو تلذذ بها، فعليه بمقدار تلذذه بها في النّصف الّذي له على قدر اجتهاد الحاكم. وقيل: إن طال مقامه معها وتلذذ بها وابتذلها، فلها جميع المهر. وقال أبو حنيفة: يجب لها بالخلوة جميع الصداق وعليها العدة، ووافقناه في العدة. وقال الشّافعيّ: لها نصف المهر سواء مسِّ أو تلذذ لا؛ لأنّه يراعي حصول الوطء في قوله الجديد. ولها في القديم: جميع المهر كقول أبي حنيفة. وبقوله الأولى قال ابن عبّاس وابن مسعود -رضي الله عنهم-. وروى طاووس عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: أن الخلوة لا تكمل المهر، وهو قوله الشّعبيّ وابن سيرين وأبي ثور. وقال قوم: الخلوة الكاملة تكمل المهر، وتوجب العدة، كقول أبي حنيفة، وهو قوله عمر وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهم -، وبعدهم: الزهريّ والأوزاعي والثوري. 699 - مسألة: إذا عقد النِّكاح بغير تسمية، ثمّ تراضيا على شيء أو فرضه الحاكم، ثمّ طلقها قبل الدخولى، فلها نصف المفروض ولا متعة لها، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف أوّلًا، ثمّ رجع عنه أبو يوسف. وقال أبو حنيفة: لا شيء لها ممّا فرضاه بعد العقد، ولها المتعة. 700 - مسألة: قد سبق الكلام مع أبي حنيفة في أن مهر المثل لا يستحق بالعقد [عندنا]، وبه قال الشّافعيّ.

701 - مسألة

وقلنا: إنها لا تستحق المسمى أيضًا. [ونحتاج هاهنا أن نجدّد الكلام مع الشّافعيّ، في أنّها لا تستحق المسمى أيضًا] بمجرد العقد، في أظهر الروايتين عن مالك. 701 - مسألة: للمرأة أن ترد الصداق بالعيب، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: لا يردّ إذا كان العيب يسيرًا. 702 - مسألة: إذا اختلفا في قبض الصداق، فالقول قول الزوج مع يمينه، إذا كان بعد الدخول. وقيل: إنّما قال مالك هذا في أهل المدينة؛ لأنّ عادتهم جرت بتقديم الصداق قبل الدخول، وأن غيرهم إن كان لهم عرف بغير ذلك، فالقول قول المرأة. وينبغي أن يكون هذا الصّحيح. 703 - مسألة: إذا أكره امرأة على الوطء، فلها مهر مثلها، وبه، قال الشّافعيّ. وقال العراقي: لا مهر لها. 704 - مسألة: المتعة ليست بواجبة عندنا في موضع ما، وإنّما تستحب في مواضع، وبه قال ابن أبي ليلى والليث. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ بوجوبها في مواضع، واختلفا في وجوبها في مواضع. فالذي اتفقا عليه: المفوضة إذا طلقت قبل الدخول بلا فرض بالإجماع، فالمتعة واجبة، وبه قال الأوزاعي.

705 - مسألة

705 - مسألة: إذا أصدقها شقصًا من أرض مشاع ففيه الشُّفعَةِ [للشفيع عندنا]، وبه قال الشّافعيّ. غير أن الشّافعيّ قال: يؤخذ بمهر المثل. ونحن نقول بقيمته. وقال أبو حنيفة: لا شفعة فيه. 706 - مسألة: الّذي بيده عقدة النِّكاح [عند مالك] هو: الأب في البكر، أو السَّيِّد في أمته، وهو قول الشّافعيّ في القديم، وجماعة من التابعين، وأهل المدينة: الزهريّ وربيعة وزيد بن أسلم والحسن وأحمد. وروي عن ابن عبّاس أنّه: الولي. وقال أبو حنيفة وأصحابه والشّافعيّ في الجديد: إنّه الزوج، وحكي أنّه قول علي -رضي الله عنه - وابن عبّاس وجبير بن مطعم -رضي الله عنهم-، و [من التابعين]: سعيد بن المسيَّب وسعيد بن جبير وشريح ومجاهد وسفيان. وفائدة الخلاف: أنّا إذا قلنا هو الأب في البكر، فإنها إذا طلقت قبل الدخول، جاز له أن يعفو عن نصف [42/أ] صداقها الّذي سمى. ومن قال: هو الزوج، قال: ليس له أن يعفو عن شيء من المسمى لها. 707 - مسألة: إذا تزوجها بمهر فاسد مثل: خمر أو خنزير، ثمّ طلقها قبل الدخول لم يجب لها مهر المثل، ولا شيء منه إن قلنا: إن النِّكاح يفسخ قبل الدخولى وبعده واجبًا، [فلا خلاف إن فسخ قبل الدخول، أنّه لا يكون لها شيء].

708 - مسألة

وإذا قلنا: إنّه يفسخ قبل الدخول استحبابًا، فلم يفسخ حتّى طلقها فكذلك، لكن يستحب له أن يمتعها، وبه قال أبو حنيفة، إِلَّا أنّه أوجب المتعة بناءً على أصله فيها. وقال الشّافعيّ: لها بالطلاق قبل الدخول نصف مهر المثل. 708 - مسألة: إذا سمّيا في العقد مهرًا رضيا به، ثمّ زادها بعده زيادة فيه، ثمّ طلقها قبل الدخول، فلها نصف الزيادة مع نصف المسمى، [وللزوج نصف المسمى مع نصف الزيادة]، وإن دخل بها فلها جميع المهر وجميع الزيادة، وإن مات أو ماتت ولم يقبض، لم يكن لها من الزيادة شيء؛ لأنّها هبة لم تقبض. وقال أبو حنيفة: إن طلق قبل الدخول بطلت الزيادة، وإن دخل أو مات فالزيادة لها. وقال الشّافعيّ: هي هبة إن قبضتها فهي لها، وإن لم تقبضها حتّى وقع موت أو طلاق، لم يكن لها شيء قبل الدخول أو بعده، وليست من قول زفر. 709 - مسألة: إذا عقدا على أن لا مهر، اختلف عن مالك، فقال: يفرق بينهما قبل الدخول ولا بعده، ويلزمه ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وقال أيضًا: يفرق قبل الدخول وبعده. وهو الصّحيح عندي؛ لأنّه [لا يكون] أسوأ حالًا ممّن تزوج بخمر أو خنزير أو عبد آبق؛ لأنّه دخل على أن لا يلزمه شيء أصلًا. وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة: النِّكاح جائز، ولا يفرق بينهما قبل الدخول ولا بعده، ولها مهر المثل كالمهر الفاسد، ومن لم يسم لها.

710 - مسألة

710 - مسألة: [وقد كنا بيَّنَّا: أنّه لا يجوز أن يعتق أمته، ويجعل عتقها صداقها، وأن النِّكاح لا يلزمها، إِلَّا باختيارها، وذكرنا الخلاف في ذلك. ورأيت أن أذكر: أن العتق لا يكون صداقًا، وكذلك يقول أبو حنيفة والشّافعيّ. ومن ألزمنا النِّكاح جعل عتقها صداقها، واحتج بأن النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - جعل عتقها صداقها في حديث صفية -رضي الله عنها -. قالوا: والقنّ مال، ويصلح أن يقع على مال، فكأنّه تزوجها على شيء يكون عوضًا عن العتق، ويكون ذلك الشيء هو المهر، ألَّا ترى أنّه يجوز أن يعتقها ويجعل عليها مالًا، فكأنّه جعل ذلك المال صداقها. وهذا لا يلزم]. 711 - مسألة: إذا قبضت الزوجة الصداق، فتجهزت به واشترت الطيب والخادم، ثمّ طلقت قبل الدخول، فلزوجها نصف ما تجهزت به [ونصف الطيب والخادم]، وليس له غير ذلك من العين الّذي دفع. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: تغرم له نصف ما أخذت. وهذه المسألة مبنية على الرِّواية الّتي يقول فيها: إنهما شريكان في المهر، وإنّما تملك الجميع بالدخول أو بالموت. وقال مالك: ذلك على ما جرى به عرف النَّاس. 712 - مسألة: المواضع الّتي يعتبر فيها مهر المثل؛ كالمفوضة إذا وطئت، والموطوءة في النِّكاح الفاسد، والوطء بالشبهة، فالمهر فيه مهر نساء بلدها، ولا يقتصر على نساء عصبتها وذوي رحمها. وقال ابن أبي ليلى: تعتبر بذوات الأرحام؛ كالأمهات والخالات.

713 - مسألة

وحكى الطحاوي عن أبي حنيفة: أنّه يعتبر نساء قومها الذين في عشيرتها وبلدها، فيدخل فيه ضمنا العصبات والأمهات والخالات، دون الأجانب. وقال الشّافعيّ: يعتبر نساء عصبتها حسب، وهنّ: أخواتها وعماتها وبنات أعمامها، ومن ترجع إليهن بنسب تعصيب. 713 - مسألة: إذا اختلف الزوجان في عين الصداق قبل الدخول، فقال: على هذا العبد، وقالت: على غيره. وفي قدره: فيقول: على ألف، وتقول هي: على ألفين؛ تحالفا وتفاسخا إن لم يرض أحدهما بقول الآخر. وإن كان بعد الدخول فالقول قول الزوج مع يمينه، هذا كله إذا عدمت البينة. وقال أبو حنيفة ومحمد: إن اختلفا قبل الطّلاق، فالقول قولها في مقدار المهر بالمثل، والقول قول الزوج في الزيادة عليه، مثل: أن يكون مهر المثل مائة، فيدعي أنّه تزوجها بخمسين. وإن قال الزوج: مائة، وقالت هي: على مائتين، فالقول قوله الزوج. وإن اختلفا بعد [42/ب] الدخول فالقول قول الزوج مثلنا. وينبغي أن يكون قولنا قبل الدخول مثل أبي حنيفة؛ لأنّ مالكًا قال: اليمين على من قال ما يشبه في سائر المواضع من البياعات (¬1) وغيرها. وينبغي أن يكون الخلاف إذا أتيا جميعًا بما لا يشبه، مثل: أن يكون مهرها مائة، وهي تدعي مائتين، ويقول هو: خمسون، فيحلفان ويفسخ. وقال النخعي وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو يوسف: القول قول الزوج على الإطلاق؛ قبل الدخول أو بعده. ¬

_ (¬1) في الأصل: "التباعات": والمثبت من (ط).

714 - مسألة

وقال أبو يوسف: إِلَّا أن يدعي شيئًا مستنكرا لا يشبه، [كأن يدِّعي أنّه تزوّجها على مهر درهم، وما أشبه ذلك]. وقال الشّافعيّ: يتحالفان قبل الدخول وبعده، ويرجع إلى مهر المثل، ولا يفسخ النِّكاح، وبه قال الثّوريّ. 714 - مسألة: إذا زوج الرَّجل ابنته الصغيرة أو الكبيرة الّتي في حجره، بدون مهر المثل مضى ذلك، ولم يكن لها خيار إذا بلغت، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يصح، ويجب مهر المثل لها بالعقد. 715 - مسألة: إذا وهبت له صداقها ثمّ طلقها قبل المسيس لم يكن له عليها شيء؛ سواء قبضته أم لا، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ فقال مثل قولنا، وقال: يرجع عليها بنصف ما أصدقها، فإن كان مثلًا: ألفا وقبضتها ثمّ وهبتها له بخمسمائة، وإن كان عبدًا أو ثوبًا أو دارًا، رجع عليه ابن صف قيمة ذلك، فجعله كالتالف في يدها واستهلاكها إياه. 716 - مسألة: وتبرأ ذمة الزوج بدفع صداق البكر البالغ السليمة لأبيها قبل الدخول بها، كما تبرأ بدفعه [إليه]؛ إذا كانت صغيرة أو كبيرة مجنونة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا تبرأ في البالغ؛ لأنّها عنده رشيدة ينفك حجرها عن المال دون التزويج. والأمران عندي سواء. 717 - مسألة: إذا تزوج امرأة بمهر معلوم ودخل بها، استقر لها جميع المهر، فإن

718 - مسألة

خالعها ثمّ تزوج بها في العدة بمهر آخر، ثمّ طلقها قبل الدخول، فلها نصف المهر بالطلاق، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لها جميع المهر؛ لأنّها تعتد عقيب الطّلاق، فوجب لها جميع المهر، كما لو طلقها بعد الدخول. وهذه العدة إنّما هي للنكاح الأوّل؛ لأنّه لما تزوجها في العدة انقطعت العدة، فإذا طلقها قبل الدخول بنت على عدتها ثلاثة أقراء. 718 - مسألة: إذا طلقت المدخول بها لا على وجه الخلع، استحب له أن يمتعها، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ: فقال مرّة: لا متعة لها، وقال أيضًا: تجب لها المتعة. 719 - مسألة: إذا طلق زوجته واحدة قبل الدخول، وظن أنّها لا تبين إِلَّا بالثلاث فوطئها، لم يلزمه إِلَّا مهر واحد كامل، وإن كان مسمى في العقد كمل بالوطء، وإن لم يكن مسمى فلها مهر مثلها. وقال الشّافعيّ وغيره: يلزمه مهر ونصف إن كان لها مهر مسمى؛ لأنّه يوجب بالطلاق نصف المهر، وبالوطء مهر كامل، كالوطء بشبهة. 720 - مسألة: إذا أعسر بالصداق قبل الدخول، فلزوجته خيار الفسخ إن أحبت، ويضرب له أجل على اجتهاد السلطان فيما يرجى له فيه سعة، فإن وجد وإلا طلق عليه إذا طلبته. وقال قوم، منهم أبو حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه: لا خيار لها ولا يلزمه الطّلاق؛ لقوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. وإلزامه الطّلاق نقيض الوفاء به.

721 - مسألة

والأصل الزوجية فمن ألزمه الطّلاق فعليه الدّليل. وقال النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "المُؤْمِنُونَ عِندَ شُرُوطِهِم" (¬1)، وشرطه الصداق وقت القدرة لا الفسخ. وقال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ ....} [البقرة: 280]، [فيجب أن ينظر بالصداق إلى يسره]. وقال - صلّى الله عليه وسلم -: "أَدُّوا العَلَائِقَ، وَهُوَ مَا تَرَاضَى عَلَيهِ الأَهْلُونَ" (¬2). ولم يأمر بغير الأداء، [ولم يدكر الفسخ إن لم يقع الأداء، والأداء مطلوب أبدًا متى تمكن]، وهو بمثابة من دخل ولم يجد الصداق فهو دين. 721 - مسألة: كلّ طعام يدعى النَّاس إليه لسرور؛ كدعوة الأملاك [43/أ] والختان والنفاس والقدوم وغيره يسمى وليمة، ولكن الوليمة بالعرس والأملاك أظهر، وكله غير واجب أصلًا. واختلف في وليمة العرس: عندنا غير واجبة ولا تجب الإجابة إليها وهي مستحبة. واختلف قول الشّافعيّ، فقيل على وجهين: أحدهما مثل قولنا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3594)، والترمذي (1352)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال التّرمذيّ: هَذا حَدِيث حَسَن صَحِيح. وأورده البخاريّ معلقًا في صحيحه: كتاب الإجارة - باب السمسرة. (¬2) أخرجه الدارقطني: 4/ 357، والبيهقي: 7/ 239. عن ابن عبّاس رضي الله عنهما بلفظ: "أنكحوا الأيامى وأدوا العلّائق" وفي آخره: "ولو بقضيب من أراك". قال ابن حجر: وإسناده ضعيف جدًا، فإنّه من رواية محمَّد بن عبد الرّحمن البيلماني عن أبيه عنه، واختلف فيه فقيل: عنه عن ابن عمر أخرجه الدارقطني أيضًا والطبراني، ورواه أبو داود في المراسيل من طريق عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرّحمن بن البيلماني مرسلًا، حكى عبد الحق أن المرسل أصح. ورواه الدارقطني من حديث أبي سعيد الخدري وإسناده ضعيف أيضًا. وأخرجه البيهقي من حديث عمر بإسناد ضعيف أيضًا. انظر: التلخيص: 3/ 190.

722 - مسألة

والآخر: أنّها واجبة، وبه قال داود. 722 - مسألة: فأمّا نثر السكر واللوز، وما أشبه ذلك فهو مكروه. وقال أبو حنيفة: هو مباح يستوي تركه وفعله. وقال الشّافعيّ: ليس بواجب، ولا أقول مكروه، لكن تركه أولى.

في القسم بين الزوجات

في القسم بين الزوجات 723 - مسألة: اختلف عن مالك في القسم بين الحرة والأمة، فقال: هما سواء. وروى عبد الملك وغيره عنه: أن للحرة ليلتين والأمة ليلة، وبهذه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. 724 - مسألة: ليس للأمة عندي أن تحلل زوجها من القسم، ولا من الوطء على ما يوجبه أصل مالك، فإنّه قال: لا يعزل الرَّجل عن زوجته [الحرة] إِلَّا بإذنها، ولا عن الأمة الزوجة إِلَّا بإذن مواليها. وهذا يدلُّ على أن الوطء حق لهم؛ لأنّهم يبتغون نسلها، ولأجل هذا يجبرونها على النِّكاح. وقال الشّافعيّ: لها أن تحلله من الوطء والقسم؛ [لأنّ القسم إنّما يراد للسكن والإيواء بها، وذلك للأمة دون سيدها]، وليس لسيدها اعتراض، فإن العنة والجب يمنعان الاستمتاع، وذلك حق لها دونه. 725 - مسألة: من له زوجة أو اثنان أو ثلاث فتزوج أخرى، فإن كانت بكرًا أقام عندها سبعًا دون نسائه، وإن كانت ثيبًا أقام ثلاثًا، ولم يقض للمقدمات شيئًا ممّا أقام عند الجديدة، فإن أقام عند الثيب سبعًا، قضى المقدِّمات سبعًا

726 - مسألة

سبعًا سبعًا، وبه قال أنس بن مالك -رضي الله عنه -، والنخعي والشعبي والشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وذهب الحسن وسعيد بن المسيَّب إلى أن للبكر ليلتين وللثيب ليلة. وقال ابن أبي سليمان والحكم وأبو حنيفة: لا يفصّل الجديدة بكرًا كانت أو ثيبًا، وإن زادها شيئًا قضاه بغيرها من غير تخصيص شيء. 726 - مسألة: إذا أراد أن يسافر بإحدى نسائه، [فقد اختلف قول مالك، فقال]: له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة. وقال أيضًا: ليس له ذلك إِلَّا بقرعة، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. 727 - مسألة: إذا سافر بإحدى نسائه، ثمّ قدم لم يقض غيرها من المدة الّتي أقامت معه في سفره دون غيرها، وهو قول الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يقض البواقي مثل المدة. هكذا حكي عنهم وحكاه أصحاب الشّافعيّ. ورأيت أصحاب أبي حنيفة ينكرونه أشد نكير، ويقولون: لا يقضي. فإن وإن ذلك فلعلّه يكون خلافًا. 728 - مسألة: إذا قبح ما بين الزوجين، ولم قدر الإساءة ممّن هي، بعث الحاكم حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها؛ ثقتين عدلين يجتهدان في الإصلاح بينهما، وإلا فرقا بينهما. وتصح فرقتهما دون الإمام ودون توكيل الزوجين. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا. وقال: لا يفرقان إِلَّا بتوكيل الزوجين.

وقال أبو حنيفة: ليس لهما الفرقة، إِلَّا أن يجعل إليهما، وينبغي أن يكون الحكمان إذا خرج الزوجان في المشاتمة والمواثبة والخصومة إلى ما لا يحل، ويكون هذا بينهما جميعًا حتّى [لا] يتبين النشوز ممّن هو، فهذا هو الشقاق.

كتاب الخلع

كتاب الخلع 729 - مسألة: الخلع طلاق لا فسخ؛ سواء نطق بالطلاق أو قال: خالعتك، وبه قال عمر وعثمان وعلي وجابر وابن مسعود -رضي الله عنهم-، والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه والمزني. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، وهو الأصح، وقال: هو فسخ، وبه قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، وعكرمة وطاووس [43/ب] وأبو ثور وأحمد وإسحاق. وإنّما يقول الشّافعيّ: فسخ، إذا نطق بالخلع، ولم يذكر طلاقًا ولا نواه. 730 - مسألة: يجوز أن تفتدي المرأة بمال [من زوجها]، وإن كانا مصطلحين راضيين لا يخاف أحد منهما نشوز الآخر، إذا رضيا ببذل العوض والخلع عليه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وأكثر أهل العلم. وقال الزهريّ وعطاء والنخعي وداود: لا يجوز؛ لقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} الآية: [البقرة: 229] فأباح تعالى أخذ العوض عند الخوف، وهو هنا معدوم، وقال: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ

731 - مسألة

اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النِّساء: 20] وهو نهي عن أخذ ما آتيناهم، وهو يقتضي التّحريم. 731 - مسألة: الخلع يقطع الرجعة طلقة أو اثنتين، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ، وجماعة الفقهاء. وقال أبو ثور: إذا قال: خالعتك على ألف، فهو فسخ ويقطع الرجعة، وإن قال طلقتك على ألف فله الرجعة. قال؛ لأنّها معتدة من طلاق قبل استيفاء العدة فثبتت له الرجعة، كما لو طلقها بلا عوض، كما أن العتق بلا عوض كهو بعوض في ثبوت الولاء والعتق بعوض، كالكتابة أو إذا قال له: أدِّ لي كذا وأنت حر. قال: ولا يؤثر العوض في قطع الرجعة، ألَّا ترى لو طلقها طلاقًا رجعيًّا، ثمّ بذلت له العوض على قطع الرجعية لم تنقطع، وأيضًا فإن الله قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنّ} [البقرة: 228]، ولم يخص [ما أخذ عليه العوض من غيره]. قال: ولو كان العوض يقطع الرجعة، لم تنقطع كما أخذنا العوض عن الشيء قبل وجوبه، وهو لا يجوز كما لا يجوز بيع ما يرثه عن أبيه. قال: والرجعة موجب الطّلاق، فلا تنتفي بالبدل، كما لو طلقها على أن لا رجعة. 732 - مسألة: المختلعة لا يلحقها طلاق بعد الخلع كالأجنبية، وإن كانت في العدة، وبه قال الشّافعيّ والقاسم بن محمَّد (¬1) والشعبي وأحمد وإسحاق. ¬

_ (¬1) هو: أبو محمَّد القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه التيمي المدني: الإمام القدوة من سادات التابعين وفضلائهم، واحد فقهاء المدينة السبعة، أخذ عن عمته عائشة والعبادلة رضي الله عنهم وغيرهم، كان ثقة حجة، أخرج له الستة. توفي: 106هـ انظر: السير: 5/ 53، التهذيب: 8/ 299.

733 - مسألة

وقال قوم: يقع عليها ما دامت في العدة، و [هو] قول النخعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه. وقال الحسن: إن أوقع الطّلاق في مجلسه بعد الخلع طلقت، وإن كان بعد الافتراق لم يقع. 733 - مسألة: إذا حلف بالطلاق الثلاث على أمر يتكرر أنّه لا يفعله، فخالع زوجته ثمّ فعله وتزوجها وفعله في النِّكاح الثّاني طلقت عليه، وكذلك إن طلقها ثمّ تزوجها عادت اليمين عليه حتّى ينقضي الثلاث، فإن الصِّفَة تعود عليه في كلّ نكاح حتّى تبين بالثلاث، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، وقال: بالخلع يسقط حكم اليمين، وكذلك لو طلقها طلقة رجعية، ولم يرتجعها حتّى انقضت عدتها سقط حكم اليمين، ولم تعقد في النِّكاح الثّاني. والمسألة مبنية لنا على أصول. 734 - مسألة: لو قال كلّ امرأة أتزوجها [طالق] فعم ولم يخص؛ لم يلزمه إن تزوج شيئًا، ولو سمى امرأة بعينها، أو خص قبيلة، أو فخذًا أو بلدًا، [أو] أجلًا يبلغه عمره، فإنّه متى تزوج بمن عينها، أو بلد أو قبيل أو أجل طلقت عليه بعد العقد، وبه قال ربيعة وابن أبي ليلى والأوزاعي، وهو قول عمر بن الخطّاب وابن مسعود -رضي الله عنهما-، والنخعي وأبي حنيفة وأصحابه. وقال قوم: لا ينعقد عليه شيء ولا يلزمه طلاق؛ [سواء عم أو خص]، وهو قول علي وابن عبّاس وعائشة -رضي الله عنهم-، والشّافعيّ وأحمد وإسحاق. 735 - مسألة: لو قال لرجل: طلق امرأتك، وعلي لك ألف فطلق وقع الطّلاق، ولزمته الألف ويصح الخلع من الأجنبي، وبه قال الفقهاء كافة.

736 - مسألة

وحكي عن أبي ثور (¬1) أنّه قال: لا يصح. 736 - مسألة: يجوز أن يخالع بغير عوض، ويجب أن يكون بلفظ الخلع وطلب الزوجة، فيقولى: قد خالعتك. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يكون إِلَّا بعوض، وإن خلا عن العوض فهو طلاق. 737 - مسألة: يقع الخلع بالشيء المحرم والمجهول والآبق والشارد وما تحمل نخلتها [44/أ]، وأمتها. ولا يكون له شيء من المحرم؛ كالخمر والخنزير. وأمّا الآبق والشارد وما تلد الأمة وشبهه، فإن تحصل له شيء منه، فهو له وإلا لم يكن له شيء، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: هو فاسد، ويقع الخلع ويرجع عليها بمهر المثل. ولأبي حنيفة في المجهول تفصيلات (¬2)؛ فإن كان على ما في بطن هذه الجارية، فإن ولدت كان له، وإن لم تلد فله مهر المثل، وإن قالت: على ما في بطنها، وله ثقل من حمله، فإن ولدت كان له، وإن لم تلد لم يكن له شيء. [ففرّق بين ذكرها الحمل، وبين تركها ذكره. ونحن نقول في الجميع: إن لم تذكر شيئًا لم يلزمها شيء. وعند الشّافعيّ في الجميع: عليها مهر المثل]. 738 - مسألة: إذا خالعها وهي مريضة، فاختلف قوله مالك، فقال: ينظر في ¬

_ (¬1) في الأصل: "أيوب". والمثبت من (ط). انظر: الإشراف: 2/ 733، (¬2) في الأصل: "يفصل". والمثبت من (ط).

العوض، فإن زاد على خلع المثل بطلت الزيادة، ويكون خلع المثل من رأس المال. وروى ابن القاسم أنّه: إن كان قدر ميراثه منها جاز، وإن زاد على خلع المثل، وإن كان أقل من خلع مثلها لم يكن له غيره؛ لأنّه رضي به. وهذا الاختلاف فيه. وقال أبو حنيفة: كلّ ما خالعته به يكون من الثلث، ويجعل وصية. وقال الشّافعيّ: إن سمّى أكثر من صداق المثل، كان له صداق المثل من رأس المال، [وما زاد فمن الثلث. غير أن مالكًا اعتبر خلع مثلها]. فالخلاف مع أبي حنيفة أن العوض عنده من الثلث، ومعه ومع الشّافعيّ في خلع مثلها دون صداق مثلها،

كتاب الطلاق

كتاب الطّلاق 739 - مسألة: يقع الطّلاق في الحيض ثلاثًا كان أو أقل، وبه قال الفقهاء كافة. إِلَّا طائفة شذت لا يعتد بخلافهم، قالوا: لا يقع في الحيض، ولا في طهر قد جامع فيه، وروي ذلك عن هشام بن عبد الحكم (¬1) وابن علية (¬2)، والشيعة، وقوم من أهل الظّاهر منهم: داود. 740 - مسألة: [قال مالك]: طلاق المحجور عليه واقع، وبه قال الشّافعيّ وأبو حنيفة. وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: لا يقع. ¬

_ (¬1) هو: أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم ألأسدي مولاهم البصري، المعروف بابن علية - وهي أمه -: الإمام العلّامة الحافظ، سمع من ابن المنكدر وسهيل بن أبي صالح ويونس بن عبيد وغيرهم، أخرج له الستة. توفي: 193 هـ. انظر: السير: 9/ 107، التهذيب: 1/ 241. (¬2) هو: أبو محمَّد هشام بن الحكم الكوفي- مولى بني شيبان - الرافضي المشبه المتكلم: من أصحاب جعفر الصادق من متكلمي الشيعة، له نظر وجدل وتواليف كثيرة: منها: الرَّدِّ على المعتزلة، والتوحيد. توفي بعد نكبة البرامكة بمدة مستترًا. انظر: الفهرست: 249، السير: 10/ 543.

741 - مسألة

741 - مسألة: [قال مالك]: إذا طلق امرأته ثلاثًا جاز له نكاح أختها، وأربع سواها وهي في العدة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك، ما لم تنقض العدة. 742 - مسألة: طلاق السُّنَّة أن يطلق الرَّجل بطلقة واحدة في طهر لم يمس فيه. والثلاث فيه دفعة واحدة محظور، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا سنة في عدد الطّلاق ولا بدعة، وإنّما ذلك في زمانه، وإيقاع الثلاث مباح في طهر، إِلَّا أنّه يستحب أن يكون في كلّ طهر طلقة، [وبه قال أحمد، والسُّنَّة عند أبي حنيفة في كلّ طهر]. وبقولنا قال من الصّحابة: عمر وعلي وابن عمر وابن عبّاس وابن مسعود -رضي الله عنهم-. وبقول الشّافعيّ قال عبد الرّحمن بن عوف والحسن بن علي - رضي الله عنهم -. وذهبت طائفة أن إيقاع الثلاث محرم، ولا يلزم إن وقع، ثمّ اختلفوا فيه: فقيل: يقع واحدة، وقيل: لا يقع أصلًا. 743 - مسألة: إذا طلقها في الحيض طلقة رجعية، أجبر على الرجعة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: تستحب الرجعة ولا يجبر (¬1) ¬

_ (¬1) تكررت هذه المسألة تباعًا.

744 - مسألة

744 - مسألة: [لا نختلف نحن وأبو حنيفة والشّافعيّ] [في أن] لفظ: "أنت طالق" صريح. وقال أبو حنيفة: لا صريح غيره. وقلنا نحن والشّافعيّ: قوله: "سرحتك، وفارقتك" صريح. وقال الشّافعيّ: لا صريح إِلَّا هذه الألفاظ الثلاث. وقلنا نحن: "أنت حرام، وبائن، وبتة، وبتلة، [وخلية]، وبرية، وحبلك على غاربك" صريح أيضًا، إِلَّا أن بعضها آكد من بعض. وآكدها عند مالك قوله: "بتة، أو بتلة"، فإنّه لا ينوي في المدخول وغيرها، فهمًا مثل قوله: "طالق ثلاثًا"، والباقي يكون ثلاثًا في المدخول بها، وينوي في غير المدخول بها، فإن أراد واحدة حلف، وكانت واحدة. وينوي في قوله: "أنت طالق" في الجميع ما أراد به من عدد في نفس الطّلاق. وقد حكى أصحابنا في بتة وبتلة: إن أراد في غير الدخول بها واحدة حلف، وكانت واحدة. وقال أبو حنيفة: ما وراء قوله [44/ب]: "أنت طالق" كناية. وآكده ستة ألفاظ، وهي: "خلية، وبرية، وبائنة، وبتلة، وبتة، وحرام"، فإنها كنايات ظاهرة إن تكلم بها، ولم تكن سألته الطّلاق، ولم ينو هو الطّلاق؛ لم يلزمه شيء، وكذلك قال الشّافعيّ. وإن كان عقيب مسألتها، مثل أن تقول: طلقني، فيقول: أنت خلية، أو برية، قال أبو حنيفة: يكون طلاقًا، وإن لم تكن له نيّة فهي واحدة بائنة؛ سواء كان غاضبًا أو راضيًا، وإن نوى الطّلاق فكانت نيته واحدة فهي واحدة بائنة، وإن نوى اثنين كانت واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثًا كانت ثلاثًا. فحصل الخلاف مع أبي حنيفة فيما عدا لفظ الطّلاق.

745 - مسألة

فقال مالك: هي ظاهرة، ولا ينوي في المدخول بها، ويكون ثلاثًا، وينوي في غير المدخول بها، وإن قال: لم يردّ بها طلاقًا، لم يقبل منه ولزمه الثلاث، إِلَّا أن يقول وينوي في غير المدخول بها: أردت واحدة، فيقبل قوله مع يمينه، ولا يقبل قوله في المدخول بها؛ سواء أراد واحدة أو قال: لم أرد طلاقًا أصلًا. والخلاف مع الشّافعيّ في هذه الألفاظ، فقلنا: هي صريحة، وقال: هي كنايات. وحصل الخلاف بين أبي حنيفة والشّافعيّ في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا قال عقيب سؤالها ذلك، تكون طلقة بائنة، وعند الشّافعيّ لا تكون شيئًا إذا لم ينو الطّلاق. والثّاني: إذا نوى به واحدة، تكون عند أبي حنيفة بائنة، وعند الشّافعيّ رجعية. والثّالث: إذا نوى به اثنتين، كانت عند أبي حنيفة واحدة بائنة، وعند الشّافعيّ اثنين. 745 - مسألة: إذا قال لزوجته: "أنت حرة"، وأراد الطّلاق وقع بلا خلاف مع أبي حنيفة والشّافعيّ. وإن قال لأمته: "أنت طالق"، يريد الحرية فكذلك عندنا، وعند الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا تعتق. فجعل العتق كناية عن الطّلاق، ولم يجعل الطّلاق كناية عن العتق. 746 - مسألة: لا فرق [عندنا] بين قوله: "أنت طالق"، أو"أنا منك طالق"، و"أنت بائن"، أو"أنا منك بائن"؛ أنّه صريح ويلزم.

747 - مسألة

وقال أبو حنيفة: "أنا منك طالق" ليس بصريح ولا كناية ولا يلزم به الطّلاق؛ نوى أو لم ينو بل قوله: "أنا منك بائن" مثل قوله: "أنت مني بائنة" هو كناية، إن نوى به الطّلاق كان طلاقا، وإن لم ينو لم يلزم شيء. وقال الشّافعيّ: هما كنايتان، إن أراد بهما الطّلاق كان طلاقًا، وإن لم ينو الطّلاق لم يلزمه شيء. 747 - مسألة: إذا قال: "أنت طالق"، ونوى اثنتين أو ثلاثًا كان ما نواه، وبه قال الشّافعيّ وعروة بن الزبير -رضي الله عنهما-. وقال أبو حنيفة: إن نوى أكثر من واحدة لم يلزم، وهكذا قال في قوله: "اعتدي، واستبرئي" إنها واحدة، وإن نوى أكثر من واحدة لم يقع إِلَّا واحدة، غير أن قوله: "أنت طالق" صريح، والثّاني كناية، وإن لم ينو به طلاقًا لم يلزمه شيء، وبه قال سفيان والأوزاعي والحسن. 748 - مسألة: اختلفت الرِّواية عن مالك فيمن اعتقد الطّلاق بقلبه، ولم ينطق بلسانه مع قدرته على النطق به، فالأظهر: أنّه لا يقع حتّى ينطق به، وهو قول جميع الفقهاء. وروي عنه: أنّه يقع. 749 - مسألة: ومن طلق امرأته إلى أجل معلوم، قريب أو بعيد يأتي لا محالة، مع جواز بقائهما على الزوجية، طلقت مكانها عند كلامه بذلك. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا تطلق إلى الأجل. 750 - مسألة: إذا أكره على الطّلاق، لم يقع طلاقه وزوجيته باقية، وبه قال الأوزاعي والشّافعيّ وأحمد. وقال أبو حنيفة: طلاقه واقع ولازم [45/ أ].

مسائل التخيير والتمليك

مسائل التخيير والتمليك 751 - مسألة: إِذَا خير زوجته المدخول بها، واختارت نفسها فهي ثلاث، وكذلك غير المدخول بها، إِلَّا أن يقول: أردت واحدة، فيحلف وتكون واحدة. وقال أبو حنيفة: هي واحدة بائنة على كلّ وجه. وقال الشّافعيّ: هي كناية، فإن أراد الزوجان بها الطّلاق كانت واحدة رجعية، وإن نوى العدد واتفقا عليه فهو ما أراده، وإن اختلفا فأراد أحدهما أكثر ممّا أراد الآخر، فالقول قول من أراد الأقل؛ لأنّه اليقين. وبقول مالك قال زيد بن ثابت -رضي الله عنه -. وبقول أبي حنيفة قال علي -رضي الله عنه -. وبقول الشّافعيّ قال عمر وابن عبّاس وابن مسعود -رضي الله عنهم-. 752 - مسألة: اختلف عن مالك في مدة انقطاع الخيار والتمليك، فقال: ما لم يفترقا من المجلس، فإن افترقا قبل أن يقضي بطل خيارها، وهو قول أبي حنيفة. وروي عن مالك: أن لها ذلك وإن تفرقا، حتّى يوقفها السلطان أو توطأ.

753 - مسألة

وقال الشّافعيّ: إن طال ذلك وهي في المجلس بطل خيارها؛ لأنّه عنده على الفور. 753 - مسألة: إذا خيرها أو ملكها لم يكن له الرجوع، حتّى ترد هي أو يبطل من جهتها، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: له الرجوع. وحكي عن ابن خيران (¬1): أنّه لا يبطل خيارها برجوعه مثل قولنا. 754 - مسألة: إذا قال لزوجته: طلقي نفسك ثلاثًا، فقالت: طلقت نفسي واحدة، أو قال: طلقي واحدة، فطلقت ثلاثًا؛ لم يقع عليها شيء، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: تقع واحدة فيما إذا قال: طلقي نفسك واحدة، فأوقعت الثلاث، وقعت واحدة الّتي أرادها الزوج. ¬

_ (¬1) هو: أبو علي حسين بن صالح بن خيران البغدادي الشّافعيّ: أحد أركان المذهب، كان إمامًا زاهدًا ورعًا تقيًا من كبار الأئمة ببغداد، عرض عليه القضاء فأبى. توفي: 320 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 3/ 271، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 92.

مسائل من الطلاق

مسائل من الطّلاق 755 - مسألة: طلاق السكران واقع؛ سكر من نبيذ أو خمر، وجميع أحكامه الّتي تخصه لازمة، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وحكى المزني عنه في القديم في كتاب الظهار: أن ظهاره وطلاقه غير واقع. والصّحيح ما تقدّم، وبه قال الأوزاعي. وقالت طائفة: لا يقع طلاقه، منهم: عثمان بن عفان -رضي الله عنه -، وربيعة والليث وأبو ثور والمزني وداود. وحكي عن المزني: أنّه كان يوقع طلاق السكران وظهاره، حتّى رأى سكرانا قد قاء، وكلب يلحس فاه، والسكران يقول له: "يا سيدي قد تعنأت"، فرجع عن قوله، وقال: لا يجوز أن يحكم بقولى مثل هذا. 756 - مسألة: إذا قال لها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، نسقًا متواليًا فهو ثلاث؛ مدخول بها أو غير مدخول بها، وليس بتأكيد، وبه قال الأوزاعي والليث، إِلَّا أن يقول: أردت إسماعها، فيقبل منه. وقيل: يكون في غير المدخول بها واحدة، وبه قال سفيان وأبو حنيفة والشّافعيّ.

757 - مسألة

واختلف قول الشّافعيّ في المدخول بها، فقال: إن أراد بما زاد على الواحدة تأكيدا فهو كذلك، وإن أراوإلاستئناف فهو ثلاث، وإن لم يردّ تأكيدًا ولا استئنافًا، فهو (¬1) استئناف وهو ثلاث. 757 - مسألة: وإن قال لزوجته: رأسك طالق، أو جزء من أجزائك، أو نصفك، أو ربعك، أو خمسك، وقع الطّلاق بلا خلاف، [بيننا وبين أبي حنيفة في هذه الألفاظ الأربعة]. فأمّا إذا قال: يدك، أو رجلك، أو شعرك، أو لسانك، أو عينك، أو غيره من الأعضاء الّتي تبقى النفس مع زوالها، فعندنا وعند الشّافعيّ يقع. وقال أبو حنيفة: لا يقع بها. 758 - مسألة: حكي عن داود أنّه قال: إذا قال: [بضعك طالق، أو] أنت طالق بنصف طلقة، أو ربع طلقة، أو نصفك طالق، أو ربعك، لا يقع عليه شيء. والفقهاء على خلافه. 759 - مسألة: إذا قال: أنت طالق إن شاء الله، وقع ولزم حكمه، وكذلك العتق. ولا يعمل إن شاء الله إِلَّا في اليمين بالله. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يقع طلاق، ولا عتق، ولا نذر، ولا ما دخل فيه إن شاء الله؛ كاليمين بالله. وقال أحمد: لا يقع الطّلاق، ويقع العتق. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "تأكيد وقال". والمثبت من (ط).

760 - مسألة

760 - مسألة: إذا طلق المريض امرأته البتة، ثمّ مات من مرضه الّذي [45/ب] طلق فيه، ورثته، وبه قال أبو حنيفة. غير أنّه يشترط بقاء العدة الّتي وقع فيها الطّلاق، ونحن نورثها بعد العدة وإن تزوجت أزواجًا. واختلف قول الشّافعيّ. وقولنا إجماع من عمر وعثمان وعلي وأبيّ بن كعب -رضي الله عنهم-. وابن الزبير -رضي الله عنهما- قد اختلف عنه، وهو قول ربيعة والليث وابن أبي ليلى والأوزاعي وسفيان وأحمد. 761 - مسألة: إذا ثبت لها الميراث، فلا فرق أن تكون في العدة أو خرجت قبل موته. وأبو حنيفة يورثها ما دامت في العدة. وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدهما: مثل قول أبي حنيفة، وبه قال الأوزاعي وربيعة والليث وسفيان. والثّاني: إنها ترثه ما لم تتزوج، وبه قال ابن أبي ليلى وأحمد. والثالث: إنها ترثه على كلّ حال مثل قولنا. 762 - مسألة: جميع طلاق العبد طلقتان؛ سواء كانت زوجته حرة أو أمة، وبه قال الشّافعيّ، وهو قول زيد بن ثابت وابن عبّاس -رضي الله عنهم-. وقال أبو حنيفة: إن كانت زوجته حرة، فطلاقه ثلاث (¬1)، [وإن كانت أمة فطلاقها اثنتين]، وبه قال الثّوريّ، وروي عن علي -رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) في الأصل: "فثلاث طلاقه". مقلوبة. والمثبت من (ط).

763 - مسألة

763 - مسألة: طلاق الحر للأمة ثلاث، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: طلقتان. 764 - مسألة: إذا شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته؛ هذا في شهر، وهذا في شهر، أو أحدهما بكرة، والآخر عشية، فشهادتهما ماضية، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا تصح. 765 - مسألة: من نسي أن له زوجة، ثمّ قال: زوجتي طالق، وهو يظن أن لا زوجة له، طلقت عليه. وكذلك إن حلف بطلاقها على شيء يفعله ففعله ناسيًا طلقت، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه. وقال الشّافعيّ: لا يحنث. 766 - مسألة: إذا طلق زوجته وشك في العدد، فلم يدر أواحدة أو اثنتين أو ثلاثًا؟ وقع ثلاثًا، وبه قال أبو يوسف. وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة ومحمد: تلزمه واحدة. 767 - مسألة: إذا طلق زوجته أقل من الثلاث وبانت منه، ثمّ تزوجها بعد زوج كانت على ما بقي من طلاقها الأوّل؛ سواء دخل بها الثّاني أو لم يدخل. ولا يهدم دخول الثّاني ما بقي من طلاق الأوّل، فإن بقي واحدة عادت عليها، وإن كان بقي اثنين عادت عليها، وبه قال ثمانية من الصّحابة:

768 - مسألة

عمر وعلي ومعاذ وأبو هريرة وأبيّ بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم -، ومن الفقهاء: الأوزاعي وابن أبي ليلى وابن أبي ذئب والثوري والشّافعيّ ومحمد بن الحسن بعد أن كان مخالفا، وأحمد بن حنبل وأبو ثور. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف. إن الزوج الثّاني إن أصابها في نكاحه، هدم طلاق الأوّل، ورجعت إليه على ثلاث تطليقات، وبه قال ابن عبّاس وابن عمر -رضي الله عنهم-. 768 - مسألة: الطّلاق الرجعي يحرم الوطء، وبه قال الشّافعيّ. واختلف أصحاب أبي حنيفة، فذكر الرازي: أن الوطء مباح وتحصل به الرجعة. وقال بعضهم: هو حرام، ولكن تحصل به الرجعة. وأكثرهم: على أنّه لا يحرم الوطء. 769 - مسألة: تصح الرجعة [عندنا] بالقول والوطء إذا قصد به، وبه قال إسحاق (¬1). وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى وسفيان وأبو حنيفة: تصح الرجعة بالوطء، قصد أم لم يقصد، وكذا لو قبّلها أو لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها. وقال الشّافعيّ: لا تكون الرجعة إِلَّا بالقول، وبه قال أبو ثور وأبو قلابة. 770 - مسألة: الإشهاد على الرجعة مستحب، وبه قال أبو حنيفة. ¬

_ (¬1) في الأصل: "سحنون". والمثبت من (ط). انظر: المغني:. 10/ 560.

771 - مسألة

وللشافعي قولان: في القديم والجديد: مستحب. وفي الإملاء: واجب، وإن راجعها ولم يشهد لم يصح. 771 - مسألة: الوطء المنهي عنه لا يحل المطلقة ثلاثًا للأول. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يحلها مثل وطء الصائمة والحائض وما أشبه.

مسائل الإيلاء

مسائل الإيلاء 772 - مسألة: الإيلاء في اللُّغة [46/أ]: هو اليمين والقسم. ثمّ اختلف النَّاس في الإيلاء الشرعي: وهو الّذي تتوجه به المطالبة بالفيء أو الطّلاق بعد أربعة أشهر، كقوله: والله لا أصيبك خمسة أشهر أو أكثر وما أشبه، فإن علّق اليمين على أربعة أشهر فما دون، فهو يمين لا مطالبة فيها، لكنه إن وطئ فيها لزمته الكفارة، وإن لم يطأ حتّى انقضت المدة، لم يلزمه شيء كسائر الأيمان، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وأبو ثور. وقال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: لا يكون إيلاءً شرعيًّا، حتّى يكون يمينه على التّأبيد بعد التربص. وقال أبو حنيفة والثوري: إذا علّق يمينه بأربعة أشهر فصاعدًا كان مواليًا شرعًا، وإن كان على أقل من أربعة أشهر كانت يمينًا. 773 - مسألة: إذا آلى وانقضت المدة المضروبة للإيلاء، [وهي: أربعة أشهر] لم تقع البينونة بانقضائها، بل تجب المطالبة بالفيء أو الطّلاق، فأيها فعل خرج به عن الإيلاء، فمن وطى في الأربعة الأشهر، فقد قدم الوطء قبل وقته، كمن عليه حق إلى أجل قدمه قبل محله، فمدة التربص مطلوبة لتحل المطالبة لا لوقوع البينونة، ووقت الفيء بعد مدة التربص لا فيها، وبه قال الشّافعيّ

774 - مسألة

وأحمد وأبو ثور، وجماعة من الصّحابة: عمر وعثمان وعلي وابن عمر وعائشة -رضي الله عنهم-. وقال سليمان بن يسار: أدركت بضعة عشر نفسًا من الصّحابة يوقفون المولي. وقال سهيل بن أبي صالح (¬1): عن أبيه قال سألت اثني عشر من الصّحابة عن المولي؛ فقالوا: لا شيء عليه، حتّى يتربص أربعة أشهر، ثمّ يوقف ليفيء أو يطلق، وبه قال طاووس ومجاهد. وقالت طائفة: المدة مضروبة لوقوع البينونة بانقضائها، ووقت الفيء في الأربعة الأشهر لا بعدها، وهو قول أهل الكوفة وابن أبي ليلى وسفيان وأبي حنيفة وأصحابه، ومن الصّحابة: ابن عبّاس وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-، وحكي عن عثمان وابن مسعود -رضي الله عنهما-: والصّحيح عنهما غيره. وقال قوم: الفيء في المدة، فبانقضائها تقع طلقة رجعية، وإليه ذهب الزهريّ وسعيد بن المسيَّب. 774 - مسألة: إذا وقف المولي بعد انقضاء المدة، فلم يف وامتنع أن يطلق، طلّق عليه الحاكم. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، وقال: لا يطلق عليه، ولكن يحبسه حتّى يطلق. ¬

_ (¬1) هو: أبو يزيد سهيل بن أبي صالح - واسمه ذكوان - السمان المدني: الإمام المحدث الكبير الصادق، معدود في صغار التابعين، حدث عن أبيه وابن المنكدر وابن شهاب، صدوق تغير حفظه بأخرة، أخرج له الستة. توفي: 138 هـ. انظر: السير: 5/ 458، التهذيب: 4/ 231.

775 - مسألة

775 - مسألة: إذا امتنع من الفيء وطلق، أو طلق عليه، فهي طلقة رجعية، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة وأبو ثور: هي بائنة، غير أن أبا حنيفة يقول: تقع بانقضاء المدة. 776 - مسألة: إيلاء العبد شهران؛ كانت زوجته حرة أو أمة. وقال أبو حنيفة: إن كانت زوجته حرة فأربعة أشهر، وإن كانت أمة فشهران. وقال الشّافعيّ: إيلاؤه أربعة أشهر مثل الحر؛ كانت تحته حرة أو أمة. 777 - مسألة: إذا طلق زوجته ثلاثًا، ثمّ تزوجها رجل ليحللها له، ودخل بها لم تحل للأول. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: تحل.

مسائل الظهار

مسائل الظهار 778 - مسألة: إذا قال: "أنت علي كظهر أمي اليوم"، كان مظاهرًا تلزمه الكفارة بالعود في اليوم وبعده كمن لم يوقت، وهو أحد قولي الشّافعيّ والليث بن سعد وابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة: يتأقت ويبطل الظهار بمضي اليوم، ولا كفارة عليه إن عاد، وهو الثّاني للشافعي. 779 - مسألة: الذمي لا يلزمه ظهار، وبه قال أبو حنيفة، وألزمه الطّلاق دون الظهار. وقال الشّافعيّ: يلزم المشرك الطّلاق والظهار، فإن أمكنه أن يطلقها فلم يفعل فعليه الكفارة، فإن أعتق صح، وإن لم يقدر عليه لم يجز له الصوم، وأطعم ستين مسكينًا [46/ب]. 780 - مسألة: إذا كان المظاهر مضارًّا بترك الكفارة مع قدرته عليها، دخل عليه الإيلاء وضرب له الأجل من يوم ترفعه [امرأته] إلى الحاكم. وروي عن مالك من يوم ظاهر، والأول أصح. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يدخل عليه إيلاء، ولو أقام ما أقام لم يكفر.

781 - مسألة

781 - مسألة: ومن ظاهر من أمته، لزمه الظهار فيها كالحرة، وكذلك أم ولده، وبه قال علي ابن أبي طالب وابن الزبير -رضي الله عنهم-، وسفيان والثوري. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ وأحمد: لا ظهار من أمة ولا أم ولد، وإنّما الظهار من الزوجات حرائرا وإماء، وهو قوله ابن عمر -رضي الله عنهما-. 782 - مسألة: اختلف النَّاس في كفارة الظهار بماذا تجب؟ فقال قوم: بمجرد الظهار، ولا يشترط العود، وبه قال مجاهد وسفيان الثّوريّ. وقال جماعة: إنّما تجب بشرطين: الظهار والعود. واختلفوا في العود على مذاهب، فقالى مالك: هو العزم على الوطء. وروي عنه أنّه: الوطء نفسه، ولكن يقدم الكفارة عليه. وروي عنه أنّه: العزم على الإمساك والوطء، [وإلى هذا ذهب وأشار في الموطَّأ، وتابعه أحمد على أنّه العزم على الوطء]. وقال الحسن وطاووس والزهري: هو الوطء نفسه، كما حكي عن مالك أيضًا. وقال أبو حنيفة: الكفارة لا تجب بالظهار والعود، ولكن تحرم المرأة بالظهار، ولا يجوز وطؤها إِلَّا بالكفارة، فشرط استباحة الوطء الكفارة حسبُ، حتّى إنّه لو لم يختر وطأها أبدًا، لم تكن عليه كفارة. وهو عنده مثل الطّهارة لصلاة النافلة، فلا تجب عليه إِلَّا أن يشاء، فإن أراد صلاة النافلة فشرطها الطّهارة مقدمة عليها. وحكى الطحاوي عن أبي يوسف عنه أنّه قال: إذا وطئها قبل الكفارة وماتت أو مات، فلا كفارة عليه، وقد أن محرمًا في وطئها قبل الكفارة،

783 - مسألة

وإن أراد الوطء بعد ذلك، لم يجز له حتّى يكفر، وكذلك لو وطئها ألف مرّة قبل التكفير، وقيل: إنّه قول اللَّيث. وقال الشّافعيّ: العود هو إمساكها، مع القدرة على طلاقها. وقال أصحابه: العود هو أن يقدر على الطّلاق، فلا يفعل. قال بعضهم: هذا يبطل بالرجعية إذا ظاهر منها، فإنّه قادر على طلاقها، ولا يكون عائدًا، فلا يفعل. قال بعضهم: وقال داود هو إعادة اللّفظ. 783 - مسألة: إذا وطئ المظاهر قبل أن يكفر لم تسقط عنه، ولم تجب عليه إِلَّا كفارة واحدة غير أنّها تكون قضاءً. وقال مجاهد: تلزمه بالوطء كفارة أخرى، فتجب عليه كفارتان. وقال قوم: تسقط الكفارة أصلًا بالوطء قبلًا. 784 - مسألة: إذا وطئ المظاهر من ظاهر منها؛ نهارًا ناسيًا في خلال الصوم، أو ليلًا عامدًا، فقد قطع التتابع ويستأنف الصوم، وبه قال أبو حنيفة ومحمد وسفيان. وقال الشّافعيّ وأبو يوسف وأبو ثور: لا ينقطع إِلَّا بالوطء نهارًا عامدًا. وهو موضع إجماع. 785 - مسألة: إذا كان فرضه الإطعام، لم يجز له أن يطأ، حتّى يطعم ولا في خلال الإطعام كالصيام، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وحكي عن الثّوريّ في بعض الروايات عنه: جواز الوطء قبل الإطعام.

786 - مسألة

786 - مسألة: لا يجوز في الظهار، إِلَّا رقبة مؤمنة، وكذلك كلّ رقبة واجبة، وبه قال الشّافعيّ والأوزاعي وأحمد وإسحاق والحسن. وقال قوم: يجوز في الظهار المؤمنة والكافرة؛ منهم: عطاء والنخعي والثوري وأبو حنيفة. 787 - مسألة: لا يجزئ في الكفارة عتق مكاتب، سواء أدى من كتابته شيئًا أم لا، فإن أعتقه عن كفارته نفد عتقه ولم يجزه، وبه قال الشّافعيّ والأوزاعي والثوري وزفر. وقال أبو حنيفة وأصحابه إِلَّا زفر: إن كان قد أدى من نجومه شيئًا لم يجزه، وإن لم يؤد شيئًا أجزأه استحبابًا. 788 - مسألة: من اشترى بعض من يعتق عليه من أقاربه، ونوى [47/أ] بشرائه عتقه عن كفارته لم يجزه؛ كانت الكفارة من ظهار أو قتل أو يمين أو فطر رمضان، وبه قال الشّافعيّ وزفر. وقال أبو حنيفة وصاحباه: يجزئه استحبابًا. 789 - مسألة: إذا كانت كفارات من جنس واحد كلها ظهار أو قتل أو عن يمين كلها، فأعتق بعددها رقابًا، فليس عليه تعبين كلّ رقبة عن الأولى والثّانية والثالثة، بلا خلاف. وإن كانت مختلفة بعضها عن ظهار وعن قتل وعن يمين فأعتق بعددها رقابًا، ولم يعين لكل كفارة رقبة، فإنّه جائز عندنا كالجنس الواحد، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا بدَّ من التعين والنية، لكل واحدة رقبة تخصها،

790 - مسألة

فأمّا إن كانت عليه كفارات لا يدري هي عن ظهار أو قتل أو غيره، فلا خلاف أنّه إذا صام أو أطعم أو أعتق، ونوى به عن كفارته، أجزأه ولم يفتقر إلى التعيين. 790 - مسألة: من كان له مسكن يحتاج لسكنه، وثمنه يساوي رقبة ظهاره، لم يجزه الصوم، كذلك لو كانمت رقبته تخدمه، وكذلك دابة يركبها لم يجزه الصوم، وبه قال الأوزاعي. وقال أبو حنيفة مثله في الرقبة محتاجها، فإن لم يجدها ووجد ثمنها أو قيمتها، وهو محتاج إليها لسكن أو ركوب، جاز له العدول إلى الصوم. وقال الشّافعيّ: يجوز العدول إلى الصوم، مع وجود الرقبة والمسكن، مع الحاجة إليه. 791 - مسألة: الاعتبار في الكفارة وقت الأداء، مثل أن يحلف وهو معسر، فحنث وهو موسر أو بالعكس، وبه قال أبو حنيفة. قال: وإن ظاهر وعاود موسرًا ثمّ أعسر، فلم يقدر على العتق صام. وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدهما: إن العتق قد تقرر في ذمته؛ لأنّه عاد وهو موسر، فلا ينتقل عنه بعسره، وإن عاد وهو معسر، فقد تقرر الصوم عليه وإن أيسر، غير أنّه إن أعتق أجزأه. والثّاني: مثل قولنا في اعتبار وقت التكفير. وقول آخر: يعتبر أغلظ أحواله؛ أي: وقت قدر على العتق من حين الوجوب إلى حين الأداء، فإن كان عند الوجوب من أهل العتق، وأعسر عند التكفير لم يتغير الفرض على العتق، وإن كان معسرًا عند الوجوب وأيسر عند الأداء، ففرضه العتق لم يجزه الصوم.

792 - مسألة

792 - مسألة: أجمع الفقهاء على أن في الرقاب عيوبًا لا تجزئ معها؛ مثل: قطع اليدين والرجلين أو قطع جميعهما. وقال داود: يجزئ ما يقع عليه اسم [رقبة] بأي عيب كان؛ لقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3]، ولم يخص. 793 - مسألة: فأمّا قطع يد أو رجل فيجزئ عند أبي حنيفة، وكذلك يد ورجل إذا كان من خلاف، ولا يجوز مقطوع الإبهامين. وقال مالك والشّافعيّ: لا يجزئ شيء من ذلك. 794 - مسألة: لو شرع في صوم الكفارة لعسر، ثمّ أيسر ووجد الرقبة، لم يجب عليه رجوع، ويستحب له أن يعتق إذا صام اليوم واليومين. وقال الشّافعيّ مثل قولنا. وقال أبو حنيفة والمزني: يلزمه العتق، ويترك الصوم. [وعلى هذا أصولهم في التَّيمُّم: إذا عدم الماء ودخل في الصّلاة ثمّ طرأ عليه الماء، وقد مضت هذه المسألة في كتاب الطّهارة مستقصاة]. 795 - مسألة: إذا كان من أهل الإطعام، فأطعم ستين مسكينًا أجزأ، بلا خلاف. وإن أطعم الطّعام كله لمسكين واحد لم يجزه، وإن كان في ستين يومًا، وبه قال الشّافعيّ وزفر. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجزئه. 796 - مسألة: مقدار الإطعام عندنا نصف صاع لكل مسكين.

797 - مسألة

وقال أبو حنيفة: صاع. وفيه خبران أحدهما يشهد لنا، والآخر يشهد له. اختلف عن مالك في القدر. فروي عنه في الأظهر عنه: مدّ بمدّ هشام بن إسماعيل (¬1)؛ وهو مدّ وثلثان بمدّ النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. وروي عنه: مدّان، قيل: وهو قدر مد هشام. وروي عنه: مدّ بمدّ النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وبه قال [47/ب]، الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كان برًّا، فنصف صاع بالحجاجي، وهو أربعة أرطال بالبغدادي، وإن كان تمرًا أو شعيرًا فصاع، وهو ثمانية أرطال بالبغدادي. واختلف عنه في الزبيب، فقال: نصف، وقال: صاع. 797 - مسألة: إذا مرض المظاهر في صومه فأفطر ثمّ صح، بني على صيامه، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يستأنف، وهو الثّاني للشافعي. ¬

_ (¬1) هو: أبو الوليد هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد المخزومي المدني، حمو عبد الملك بن مروان وأميره على المدينة خلال (83 - 87 هـ). انظر: الكامل في التاريخ: 4/ 208 و 243، تاريخ الإسلام: 6/ 18 و 28 و 214.

مسائل اللعان

مسائل اللعان 798 - مسألة: إذا قذف الرَّجل زوجته بالزنا على الصِّفَة الّتي نبينها بعد هذا أو نفى حملها، وأكذبته وعدم البينة فله أن يلاعن، فإن نكل حد، وإن التعن ونكلت هي حدت، وبه قال الشّافعيّ. غير أنّه يقول بنفس القذف قد فسق، ووجب الحدّ عليه، وله أن يسقطه باللعان، وكذلك يقول في المرأة إذا التعيين الزوج. وهذا عندي ليس كذلك في الزوج، بل أمره مراعى، فإن عدم البينة ونكل عن اللعان وجب عليه الحدّ وإذا حد فسق، وإذا التعيين فيجب في الزوجة الحدّ كما ذكر، ولها أن تسقطه باللعان؛ لأنّ لعان الزوج كالبينة. وقال أبو حنيفة: لا يجب الحدّ بالنكول عن اللعان، ولكن يحبس الناكل منهما حتّى يحلف. 799 - مسألة: إذا قال لزوجته: يا زانية، وجب عليه الحدّ وإن لم يكن له بينة، وليس له أن يلاعن حتّى يدعي الرؤية. وروي عن مالك: أن له أن يلاعن وإن لم يدع رؤية، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ، ويسقط عنه الحدّ باللعان.

800 - مسألة

800 - مسألة: [عندنا: أن] كلّ مسلم صح طلاقه صح لعانه؛ حرًّا كان أو عبدًا؛ عدلًا أو فاسقًا، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق. غير أن الكافر عندهم يجوز طلاقه ولعانه. والكفار عندنا لا يقع طلاقهم؛ لأنّ أنكحتهم فاسدة، وليسوا ممّن يقوم مقام الشهداء، فلم يصح لعانهم. وقال قوم: إذا لم تقبل شهادة أحد الزوجين لم يصح لعانهما؛ مثل: أن يكون أحدهما مملوكًا أو كافرًا أو محدودًا، أو كلاهما كذلك، منهم: الزهريّ وحماد ابن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة. وعند أبي حنيفة وأتباعه: أنّه شهادة لا تصح منهما إن لم يكونا من أهل الشّهادة. 801 - مسألة: اختلفت [الرِّواية عن مالك] في حد القذف هل هو حق لله أو حق آدمي؟ فروي عن مالك: أنّه حق آدمي، يصح عفوه فيه؛ بلغ الإمام أم لا. وروي عنه: أنّه حق لله تعالى يتعلّق به حق آدمي، فيجوز عفوه فيه قبل بلوغ الإمام، فإن بلغ لم يصح عفوه، إِلَّا أن يريد سترًا على نفسه؛ مثل: أن يخاف أن ينكشف فيكون مثل قول القاذف، ويسأل عنه الإمام سرًّا، فإن كان متهما أجاز عفوه، ويجوز أن يعفو الابن عن أبيه، على كلّ حال. وقال أبو حنيفة: هو حق لله، وإن مات المقذوف لم يورث عنه. وقال الشّافعيّ: هو حق لآدمي. وفائدة ذلك: أنّه لا يستوفى إِلَّا بالمطالبة، فإن ثبت عليه باعترافه أو ببينة جاز عفوه عنه، وإن مات ورث عنه.

802 - مسألة

802 - مسألة: إذا عقل الأخرس الإشارة وفهم الكتابة، وعلم ذلك منه، صح قذفه ولعانه، وكذلك الخرساء، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يصح قذفهما ولا لعانهما. 803 - مسألة: الحدّ موروث عندنا للأولياء، والعصبة يقدمون به، وبه قال الشّافعيّ. غير أنّه تردد فيمن يرثه على ثلاثة أوجه: أحدها: جميع الورثة رجالًا ونساءً. والثّاني: أهل النسب دون السبب، فخرج منه الزوج والزوجة. والثّالث: العصبة [48/أ] دون النِّساء. وقال أبو حنيفة: لا يورث ويسقط بموت المقذوفة. وقال أحمد بن حنبل: لأنّ صاحب الحدّ قد مات. 804 - مسألة: إذا نكلت الزوجة عن اللعان رجمت إن كانت ثيبًا، أو جلدت إن كانت بكرًا، ولا تغريب على النِّساء. واختلف قول الشّافعيّ في الأمة، وقال: تغرب الحرة قولًا واحدًا. وقال أبو حنيفة: لا تغريب في الزِّنا. 805 - مسألة: [قال مالك]: إذا مات المنفي باللعان، ثمّ أقر [به] اللاعن لحق به وثبت النسب، كان للمنفي ولد أم لا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن كان للمنفي ولد قبل قوله، وإلا لم يقبل.

806 - مسألة

806 - مسألة: إذا قذف الرَّجل زوجته بالزنا فالتعنا، ثمّ قذفها أجنبي بذلك الزِّنا، فعليه الحدّ كان الزوج قد نفى نسبا منها أم لا؛ كان ما نفاه حيًا أو ميتًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن كان الزوج نفى نسبًا، وهو حي حين قذفها الأجنبي فلا حد عليه، وإن كان الزوج نفى نسبًا وهو ميت، أو لم ينف نسبًا فعلى الأجنبي الحدّ في قذفها. فالخلاف معه في وجوب الحدّ، إذا كان قد لاعن، ونفى نسبًا وهو حي. 807 - مسألة: إذا تزوج امرأة، وقال لها: زنيت على الصِّفَة الّتي يقول، قبل أن أتزوجك، فإن لم تقم بينة حُدَّ، ولم يلاعن كالأجنبي، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يلاعن. فاعتبرنا أن يكون الزِّنا في الزوجية، واعتبر هو أن يكون القذف في الزوجية لا الزِّنا. 808 - مسألة: إذا بانت منه بالثلاث أو الخلع، ثمّ رآها تزني في العدة فله أن يلاعن، وكذلك إن ظهر بها حمل، فقال: كنت استبرأتها بحيضة لاعن، وبه قال اللَّيث. وقال الشّافعيّ: إن كان هناك حمل فله أن يلاعن، وإن لم يكن نسب فلا لعان. وقال أبو حنيفة: لا يلاعن أصلًا؛ سواء كان نسب أم لا، وبه قال أحمد والأوزاعي.

809 - مسألة

809 - مسألة: إذا ظهر بزوجته حمل فنفاه وادعى استبراءها، فله أن يلاعن فيسقط عنه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة وزفر: قوله: "ليس هذا العمل مني"، ليس بقذف؛ ادعى استبراء أم لا، ولو ولدت بعد ذلك لم يلاعن. وقال أبو يوسف ومحمد: إن أتت به لأقل من ستة أشهر من يوم قوله لاعن. 810 - مسألة: إذا قال لزوجته: "أصابك رجل في دبرك ورأيته"، فإن أقام البينة وإلا لاعن، فإن امتنع حد؛ لأنّه قذف [عندنا]، وكذا لو قال لرجل أو غلام: "وطئت في دبرك"، كان قاذفًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: ليس بقذف ولا لعان فيه. بناءً على أصله أن لاحد على لائط. 811 - مسألة: إذا نكح نكاحًا فاسدًا ووطىء فحملت، فادعت أنّه منه وأنكره، فله أن يلاعن لنفي الولد؛ سواء قذفها بزنا رآه أو ادعى استبراء لم يطأ بعده، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: ليس له أن يلاعن في نكاح فاسد، والنسب ثابت، ويكون قاذفًا يحد بما رماها به. واتفقنا على أنّه إذا وطئها في النِّكاح الفاسد صارت به فراشًا. 812 - مسألة: إذا التعيين الزوجان وقعت الفرقة بينهما بانقضاء التعانهما من غير حاكم، وبه قال ربيعة وداود.

813 - مسألة

وقال عثمان البتي (¬1) ت لا تأثير للعان في الفرقة، وإنّما ينفي النسب والحد، وهما على الزوجية كما كانا. وقال أبو حنيفة: لا يقع الفرقة بينهما إِلَّا بالحاكم، بأن يقول: "فرقت بينهما". وقال الشّافعيّ: يقع الفرقة بلعان الزوج دون الزوجة، كما ينفي النسب بلعانه، وإنّما لعأنّها يسقط عنها الحدّ. 813 - مسألة: فرقة المتلاعنين فسخ، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: هي طلقة بائنة. وفائدته: إذا كانت طلاقًا لم يتأبد التّحريم، فإذا أكذب نفسه جاز له أن يتزوجها. ونقول نحن والشّافعيّ: هو تحريم مؤبد كالرضاع، [وإن أكذب نفسه]، وبه قال من الصّحابة: عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر - رضي الله عنهم -، وبعدهم: عطاء والزهري والأوزاعي [48/ب] وسفيان الثّوريّ وأبو يوسف وأحمد وإسحاق. [وقال أبو حنيفة: إذا أكذب نفسه، أو جلد بحدّ، أو أحدهما في القذف، فقد حلّت له، فيجوز أن يعقد عليها النِّكاح]. وبقول أبي حنيفة قال محمَّد بن الحسن وسعيد بن المسيَّب. وقال سعيد بن جبير: إنّما يحرم باللعان الاستمتاع، ويرتفع بإكذاب نفسه، وتعود إليه إن كانت في العدة. ¬

_ (¬1) هو: أبو عمرو عثمان بن مسلم البتي البصري - بياع البتوت: الأكسية الغليظة -: التابعي الجليل فقيه البصرة، حدث عن أنس رضي الله عنه والشعبي والحسن وغيرهم، وهو صدوق، أخرج له الأربعة، وكان صاحب فقه ورأي. توفي: 143 هـ. انظر: السير: 6/ 148، التهذيب: 7/ 139.

814 - مسألة

814 - مسألة: لو قال لها: "يا زانية"، فقالت له: "بل أنت الزاني"، لاعنها وحدت، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: لا حد ولا لعان. 815 - مسألة: إذا بقي من اللعان الخامسة الّتي فيها اللعن لم تقع الفرقة، وإن حكم بها حاكم قبل كمال الأيمان نقض حكمه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إذا أتيا بأكثر اللعان، مثل: ثلاثة من الخمسة، فلا يحكم بالفرقة حاكم، ولا يسقط الحدّ والنسب بدون استيفاء الأيمان، وإن حكم الحاكم بذلك أساء، ولم ينقض حكمه ونفذ. 816 - مسألة: إذا رماها بإنسان بعينه، فإن طالبته الزوجة باللعان، سقط عنه الحدّ إذا التعيين، وحد للأجنبي، وإن لم تطلب هي وطلب الأجنبي، حد له إن لم تقم البينة، وبه قال أبو حنيفة. غير أنّه يقول: إن طلب الأجنبي أوَّلًا الحدّ وعدم الزوج البينة حد له، وسقط اللعان إن طلبته المرأة؛ لأنّه صار محدودًا في قذف. بناء على أصله فيما تقدّم. وقال الشّافعيّ: يلتعن ويقول في يمينه: "أشهد بالله أنّها زنت مع فلان"، فإذا التعيين سقط الحدان جميعًا؛ حدها وحد المرمي بها. 817 - مسألة: إذا قذف زوجته فاعترفت بالزنا وصدقته فيه، فإن حصل اعترافها بعد التعانه تأكد الحدّ عليها وتحقق، والزوجية ثابتة بينهما، وإن كان اعترافها قبل لعانه، فقد وجب الحدّ باعترافها، وسقط الحدّ عنه، فإن كان ثمّ نسب أو حدث، فللزوج نفيه باللعان.

818 - مسألة

وقد روي عن مالك: أن النسب ينتفي عنه باعترافها، وسقط الحدّ عنه. وقال أبو حنيفة: اعترافها لا يوجب عليها الحدّ، اعترفت قبل لعانه أو بعده أو بعد لعأنّها، وإن كان ثمّ نسب لم يكن للزوج نفيه باللعان، ولحق به مع اعترافها بالزنا. 818 - مسألة: إذا أتت زوجته بتوأمين فقذفها، وقال: "رأيتك تزنين"، ونفاهما وادعى استبراءها قبل رؤيته الزِّنا، فله أن يلاعن وينتفيان عنه إن كانا حبين بلا خلاف، وكذلك إن ماتا فله نفيهما بعد الموت، أو مات أحدهما فله أن يلاعن لنفي الحي والميِّت، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إذا مات قبل اللعان أحدهما، ثبت نسب الحي والميِّت، وليس له أن يلاعن؛ لأنّ نفي الميِّت لا يمكن، ولا يتأتى نفي الحي؛ لأنّه يؤدِّي إلى نفي بعض الحمل وذلك محال. وقال من احتج له: إن اللعان يراد لنفي النسب، والنسب قد زال بالموت، فإن اللعان يكون تارة لقطع الزوجية، وتارة لنفي النسب، ولو قذفها فماتت بعده، لم يكن له أن يلاعن بعد موتها لقطع الزوجية، فكذلك النسب بعد موته. واحتج لمالك: بأنّه محتاج إلى نفي الولد: إن كان حيا يلحق به نسب فاسد، وكذلك حاجته لنفيه بعد الموت؛ لأنّه ينسب إليه، فيقال: "هذا الميِّت ولد فلان" حقيقة كما ينسب إليه في حياته، ويقال: "هذا أبو فلان الميِّت" حقيقة، وأيضًا فلا يمكن نفي الحي دون الميِّت، وهذا بيّن. 819 - مسألة: إذا انتفى من ولد بلعان فمات الولد، ثمّ أكذب نفسه واستلحقه فهو عندنا على وجهين: إن ترك المستلحق مالًا ولم يترك ولدًا، لم يلحق به.

820 - مسألة

وإن كان له ولد لحق به، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يلحق به على كلّ حال، ويرثه كان له ولد أم لا. 820 - مسألة: إذا وطئ زوجته، ثمّ قال: "رأيتها تزني، ولم أستبرئها بعد الوطء"، فله أن يلاعن. فإن أتت بولد لستة أشهر فأكثر من يوم رآها تزني، فقد اختلف قول مالك فيه، فقال مرّة: ينتفي الولد، وقال مرّة: لا ينتفي إِلَّا بلعان يدعي فيه استبراء. وبالأول قال عطاء والشّافعيّ [49/أ] وأبو حنيفة. 821 - مسألة: إذا قذف زوجته ثمّ زنت قبل التعانه، فلا حد عليه ولا لعان، إِلَّا أن يزيد نفي النسب ففيه خلاف، هل يلتعن وينتفي النسب، أم لا ينتفي حتّى يدعي استبراء، فيلاعن وينتفي عنه؟ وكذا إن قذف محصنًا أو محصنة أجانب، ثمّ زنيا بعد ذلك وثبت بالبينة أو اعترفا، فإن الحدّ يسقط، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وأكثر أهل العلم. وقال أبو ثور والمزني: لا يسقط الحدّ بزنا المقذوف بعد القذف، ولا يرفع حصانته المتقدمة. واحتج على ذلك: فإن اعتبار الحصانة والعفة في حال القذف لا بعده، وزناه بعد ذلك لا يقدح في حق ثبت له، ألَّا ترى أن الزوج لو قال لزوجته: "زنيت قبل أن أتزوجك"، لم يلاعن؛ لأنّه أضاف القذف إلى حال لا يصح فيه لعان، ولو قذف مسلمًا فارتد المقذوف بعد القذف، وقبل حد القاذف لم يسقط الحدّ، ولو قذفه وهو محصن ثمّ زنى بعد قذفه، لم يسقط الحدّ عن القاذف.

822 - مسألة

وحجة مالك: أن الحدّ إنّما يقام على القاذف؛ لإزالة المعرة عن المقذوف؛ لأنّه حين رماه كان النَّاس فيه بين مصدّق ومكذب، فإذا زنى ثبتت المعرفة وسقط الحدّ، وحقق النَّاس صحة ما رماه به. وأيضًا في دليل القياس: أنّه لما زنى الآن، فقد وقعت الشبهة أنّه زنى قبل هذا وقبل القذف. ويدلُّ عليه ما روي عن عمر -رضي الله عنه -: إذا أراد أن يحد رجلًا زنى، فقاأل: يا أمير المؤمنين، والله ما زنيت قط قبل هذه، فقال له عمر: "كَذبت، إنَّ الله تعالى أَكرَمُ مِن أَن يَفضَحَ عَبدًا بِأَوّل خَطِيئَة" (¬1). فأقام عليه الحدّ، ولسنا نقطع عليه بزنا قبل هذه. 822 - مسألة: إذا عرّض بقذف زوجته أو أجنبيًّا في غضب وسباب ومشاتمة، بشيء يفهم منه ما يفهم من التصريح على الوجه الّذي يقوله، ولم تقم البينة في الزوجة فإنّه يلاعن وإلا حُدَّ، وحُدَّ الأجنبي عندي من وجه؛ أنّه يعتبر المواجهة فيه والمشاتمة والسباب، ولا يعتبر هذا في الزوجة، فلو ابتدأها بتعريض يفهم منه ما يفهم من قوله: "رأيتك تزني"، لكان له أن يلاعنها؛ لنفي النسب. وأمّا الأجنبي فيحتاج إلى شيء آخر، وهو أن يقول له الأجنبي: "يا زاني ابن الزانية"، فيحتد ويحقد ويغضب، فيقول: "بعمري ما أحسن عفتك وعفة أمك"، و"يسأل النَّاس عني وعنك ليعرف الزاني منا"، و"أنت تعلم من يزني منا، حتّى يعلم كلّ أحد ما ترتكبه أنت، فإنك معروف عند جيرانك، وعند كلّ أحد"، وما أشبه ذلك من الكلام، ومما لا يخفى على ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر في مثل هذا الأثر: "لم أره في حق الزاني، إنّما أخرجه البيهقي من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه أتي بسارق فقال: والله ما سرقت قط قبلها، فقال: كذبت، ما كان الله ليسلم عبدًا عند أول ذنب، فقطعه. وإسناده قوي". وكذلك صححه ابن الملقن. انظر: البيهقي: 8/ 276، خلاصة المدر المنير: 2/ 238، التلخيص الحبير: 3/ 224.

823 - مسألة

أحد أنّه لا يريد مدحه، وأنّه لا فرق بينه وبين قوله: "أنت زان" أو"تزني" أو"زنيت" ... ونحوه، فإن المعرفة تحصل منه كما تحصل من الصريح، وليس فيه احتمال مدح. هذا مذهبنا في التعريض، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال الثّوريّ وأبو حنيفة والشّافعيّ وأصحابهم: ليس هذا قذفًا حتّى يقول: "أردت به قذفًا"، وإن فهم من مشاتمتهم ما يفهم من صريح القذف. 823 - مسألة: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا، وأحدهم زوجها فله أن يلاعن، ويحد الشهود الثّلاثة، وهو أحد قولي الشّافعيّ. والآخر: لا يحدون. وقال أبو حنيفة: إذا شهد الزوج مع الثّلاثة ابتداءً، قبلت شهادتهم وحدت المرأة. وإن كان الزوج قد قذفها أوَّلًا، ثمّ جاء مع الثّلاثة للشهادة، لم تقبل شهادتهم، وهو موضع اتفاق منا ومن الشّافعيّ. والخلاف مع أبي حنيفة إذا شهد مع الشهود من غير أن يتقدم منه قذف، ثبتت الشّهادة عنده، ولا لعان على الزوج وتحد المرأة، وقال أيضًا: إذا جاء الشهود متفرقين، ولم يقم العدد بأربعة حد الثّلاثة. واختلف قول [49/ب] الشّافعيّ في حدهم. 824 - مسألة: إذا وطئ الرَّجل زوجته أو أمته كانت فراشًا، وكذا إن أقر بوطئها، فإن أتت بولد لستة أشهر من وطئه، ثبت نسبه وكانت له أم ولد، وله نفيه إن ادعى استبراء ولا تكون فراشًا بنفس الملك، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا تكون فراشًا بالوطء، ولا الإقرار بالوطء، ولو وطئها مائة سنة، وأتت بولد لم تلحقه وكان مملوكًا وأمه كذلك، وإنّما

825 - مسألة

يلحق به ولدها إذا أقر به، فحينئذ تفسير هي أم ولد باعترافه بولدها، وإن أتت بولد بعد ذلك الّذي أقر به لحق به؛ لكونها أم ولده له، إِلَّا أن ينكره، فينفيه مجرد قوله: "ليس بولدي" من غير ادعاء استبراء. 825 - مسألة: إذا تزوج امرأة وطلقها في مجلس العقد بحضرة الحاكم، ثمّ أتت بولده لستة أشهر من حين العقد، لم يلحق به، وبه قال الشّافعيّ. كما لو أتت به لأقل من ستة أشهر أو أكثر منها، فلا خلاف في هذا أنّه لا يلحق به. وقال أبو حنيفة في الصورة الأولى: يلحق به، وإن لم يكن إمكان وطء، ويعتبر أن تأتي به لستة أشهر فقط، لا أكثر منها ولا أقل؛ لأنّها إن أتت به لأكثر من ستة أشهر، يكون قد حدث بعد الطّلاق الثلاث فلا يلحقه، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر كان الولد حادثًا قبل العقد. وقال أيضًا: لو تزوج بامرأة غاب زوجها عنها سنين طويلة وأتاها خبر موته، فاعتدت أربعة أشهر وعشرًا، ثمّ تزوجت وولدت أولاد من الثّاني فقدم الأوّل، فإن الأولاد يلحقون به، وينتفون عن الثّاني. وعندنا وعند الشّافعيّ أنّهم للثاني. وقال أيضًا: لو تزوج مغربي بمشرقية فأتت بولد لستة أشهر، من يوم العقد لحق به الولد، وإن كان بينهما مسافة سنة، لا يمكن اجتماعهما لوجود العقد. 826 - مسألة: إذا ظهر بامرأته حمل، فنفاه وادعى استبراء فله أن يلاعن، فإن أخر ذلك إلى أن وضعت، فقال: "رجوت أن يكون ريحًا تنفش" لا يخلص من القذف واللعان، فهل له نفيه بعد الوضع أو بعد مدة، إذا انقضت يكون له نفيه بعدها أم لا؟

827 - مسألة

اختلف النَّاس فيه، فقلنا: إن لم يكن له عذر في سكوته، حتّى مضت ثلاثة أيّام فيما تبين لي، فهو راض ليس له نفيه، وبهذا قال الشّافعيّ. وقال أيضًا: متى أمكنه نفيه على ما جرت عليه العادة من إمكان الحاكم فلم يفعل، لم يكن له نفيه بعد ذلك، وبهذا قال مالك في اليوم واليومين، إذا تركه لم يكن له نفيه. وقال شريح ومجاهد: له نفيه أبدًا، واستدل بظاهر الكتاب والسُّنَّة؛ كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ...} الآية [النور: 6]، فإنّه يدل: أنّه متى نفاه، جاز ذلك والتعن، ولا حجة لمن قال: إنّه على الفور. وظاهر السُّنَّة قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "الوَلَدُ لِلْفِرَاش" (¬1)، فمتى نفاه صح. وقال أبو حنيفة: لا أعتبر مدة ما. وقال أبو يوسف ومحمد: يعتبر أربعون يومًا مدة النفاس. ولا فرق عندنا بين أن تكون حاملًا أم لا، وكذا إذا علم بعد أن ولدت وسكت، لم يكن له نفيه. 827 - مسألة: إذا ظهر بامرأته حمل فلم يقذفها، وقال: "ليس الحمل مني؛ لأني ما وطئتها أصلًا"، أو قال: "استكرهت على الوطء، واستبرأتها"، فله أن يلاعنها لنفي النسب. وقد ذكرنا عن أبي حنيفة: لا يلاعن عن الحمل أصلًا. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: لا يلاعن حتّى يقذفها بزنا. وقال أيضًا مثل قولنا. ¬

_ (¬1) جزء من حديث صحيح متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها؛ البخاريّ (6817)، مسلم (1457).

828 - مسألة

828 - مسألة: إذا قالت امرأة لزوجها أو لأجنبي، أو أجنبي لأجنبي: "يا زانية"، فلست أعرف لأصحابنا فيها نصًا. وهو عندي: قذف، على قائله الحدّ، وقد زاد حرفًا، وبه قال الشّافعيّ ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: ليس بقذف. واتفقوا أنّه إذا قال لامرأته: [يا زان]، أنّه قذف.

مسائل العدة

مسائل العدّة 829 - مسألة: الأقراء: هي الأطهار، وبه قال الشّافعيّ والزهري وأبو ثور. وقال أبو حنيفة: هي الحيض، وبه قال [50/أ]، الحسن والأوزاعي والثوري. 830 - مسألة: إذا مات صبي لا يولد لمثله، وزوجته من ذوات الأقراء، اعتدت بأربعة أشهر وعشرًا، سواء كانت حاملًا أم لا، ظهر الحمل قبل موته أو بعد موته، فعليها عدة الوفاة، وبه قال الشّافعيّ، وتكون حاملا من زنا. وقال أبو حنيفة: إن ظهر حملها قبل موته، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وإن ظهر بعد موته فعليها عدة الوفاة. والولد غير لاحق في الوجهين، في قولنا وقول الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: القياس أن تعتد بالشهور؛ لكن الاستحسان إذا ظهر الحمل أن تعتد بوضعه. 831 - مسألة: إذا ارتفعت حيضة المطلقة، وليس بها مرض ولا رضاع ولا تدري ما سبب ذلك، فهي مرتابة؛ فإن كانت تجد حسًّا في بطنها، قعدت أكثر مدة الحمل أربع سنين على أظهر ما روي عن مالك، إِلَّا أن يترفع الحس قبل

832 - مسألة

ذلك، وقد جاوزت السنة، فتكون قد خرجت من العدة، وإن رفعتها الحيضة من غير حس ولا مرض ولا رضاع، قعدت تسعة أشهر غالب مدة الحمل، ثمّ ثلاثة أشهر تمام السنة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: تقعد حتّى تزول الريبة، ويعلم براءة رحمها، وتعتد ثلاثة أشهر. وقال أيضًا: تقعد حتّى تبلغ سن من قد يئس، وتعتد ثلاثة أشهر، وبه قال ابن مسعود -رضي الله عنه -. 832 - مسألة: من طلق زوجته فأقرت بانقضاء العدة، ثمّ أتت بولد قبل أن تتزوج بآخر، وذكرت أنّه من الأوّل لحق به، وكذلك لو أتت به لأربع سنين، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إذا أقرت بانقضاء عدتها، لم يلحق به إِلَّا أن يأتي به لأقل من ستة أشهر، من حين أقرت بانقضاء العدة. 833 - مسألة: إذا دخل بزوجته دخول بناء، واتفقا على عدم الوطء، فالعدة واجبة [عندنا]، وبه قال أبو حنيفة. وبناه على أصله في الخلوة، وهو أحد قولي الشّافعيّ. 834 - مسألة: عدة الأمة الزوجة ناقصة عن الحرة، فإن كانت من ذوات الأقراء فعدتها قرآن، وبه قال الشّافعيّ وأبو حنيفة. وقال داود وغيره: تعتد ثلاثة أقراء كالحرة. 835 - مسألة: إذا كانت الأمة ممّن تعتد بالشهور لا الأقراء ولا حمل بها، قعدت ثلاثة أشهر كالحرة.

836 - مسألة

وقال أبو حنيفة: شهر ونصف. وللشافعي ثلاثة أقوال؛ أحدها: شهر ونصف، والثانى: شهران بدل قرأين، والثّالث: ثلاثة أشهر. 836 - مسألة: إذا طلقت الأمة ثمّ عتقت في العدة، بنت على عدة الأمة ولم تنتقل؛ كان الطّلاق رجعيًّا أو بائنًا. وقال أبو حنيفة: تنتقل إلى عدة الحرة، إن كان الطّلاق رجعيًّا، ووافق في البائن. وللشافعي أقوال؛ منها: أنّها تنتقل الرجعية والبائن. 837 - مسألة: إذا طلق طلاقًا رجعيًّا، ومضى بعض العدة، ثمّ راجع ولم يطلق ثمّ طلق، استأنفت العدة إِلَّا أن يريد برجعته التطويل عليها، فإنها تبني على الأولى. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه مثل قولنا، وبه قال المزني: إنها تستأنف. والثّاني للشافعي: إنها تبني على الأولى، كما نقول نحن إذا أراد التطويل. وقال داود: إن راجعها وطلقها قبل الوطء، سقطت العدة أصلًا، وحلت للزوج في وقتها. 838 - مسألة: العدّة عندنا وعند الشّافعيّ وأبي حنيفة: من وقت الفرقة لا من وقت السماع؛ سواء صحت الفرقة بالبينة أو بغيرها، إذا كان الزوج غائبًا فطلق أو مات، فلم تعلم حتّى انقضت العدة؛ كانت عدة وفاة، أو أقراء، أو شهور في اليائسة والتي لم تحض، فلا عدة عليها وقد حلت، وبه قال ابن عبّاس

839 - مسألة

وابن عمر وابن مسعود وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهم-. وقال علي -رضي الله عنه -[50/ب]: العدة من وقت السماع، لا من وقت الفرقة. وقال سعيد بن المسيَّب وعمر بن عبد العزيز: إن صحت بالبينة، فهي من حين الفرقة، وإلا فهي من حين السماع، وأظنه مذهب داود. 839 - مسألة: عدّة المتوفى عنها إذا كانت حاملًا وضعُ حملها، وإن لم تنقض أيّام نفاسها ولم تغتسل، وبه قال الشّافعيّ. وقال حماد ابن أبي سليمان: لا تخرج من العدة حتّى تغتسل بانقضاء نفاسها. وهو قياس قول أبي حنيفة؛ لأنّه يقول: الأقراء الحيض، فإذا مضت ثلاث حيض، لم تخرج من العدة. 840 - مسألة: عدّة المتوفى عنها إذا لم تكن حاملًا بالشهور، فإن كانت ممّن تحيض فارتفعت حيضتها أثناء المشهور، فإن أحست في بطنها قعدت حتّى تزول الريبة، ما لم تجاوز أربع سنين، فإن لم تحس شيئًا قعدت تمام تسعة أشهر وحلّت. وخالفنا أبو حنيفة والشّافعيّ وقالا: تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشرًا، سواء حاضت في خلالها أم لا. 841 - مسألة: للمطلّقة البائن؛ بالخلع أو ثلاث، السّكنى إذا كانت مدخولًا بها، حاملًا أو غير حامل، وبه قال ابن عمر وابن مسعود وعائشة -رضي الله عنهم-، والفقهاء السبعة، وأبو حنيفة والشّافعيّ. وقال قوم: لا سكنى لها، منهم: ابن عبّاس وجابر رضي الله عنهم، وأحمد وإسحاق.

842 - مسألة

842 - مسألة: لا نفقة لبائن إِلَّا أن تكون حاملًا، فالنفقة للحمل، وبه قال: ابن عبّاس وجابر -رضي الله عنهم-. وقالا أيضًا: لا سكنى لها إذا لم تكن حاملًا وبه قال الأوزاعي وابن أبي ليلى والشّافعيّ. وقال أبو حنيفة والثوري: لها النفقة والسكنى، ورووه عن عمر وابن مسعود -رضي الله عنهما-. 843 - مسألة: للمتوفى عنها السكنى في عدتها، إذا كانت الدَّار ملك الميِّت، أو قدم كراءها، وإلا فالكراء عليها، وبه قال عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأم سلمة -رضي الله عنهم-، ومن الفقهاء: الثّوريّ والشّافعيّ في أحد قوليه. وقال أبو حنيفة وأصحابه والمزني: لا سكنى لها، وبه قال ابن عبّاس وعلي وعائشة -رضي الله عنهم-، وهو الثّاني للشافعي. وحجتنا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ...} الآية [البقرة: 234]. 844 - مسألة: على المتوفى عنها الإحداد، وبه قال الفقهاء، إِلَّا الحسن. 845 - مسألة: ولا إحداد على مطلّقة بوجه، وبه قال ربيعة وعطاء، واحد قولي الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: عليها الإحداد، وهو الثّاني للشافعي، وحكي عن سعيد بن المسيَّب. 846 - مسألة: على الصغيرة الإحداد كالكبيرة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها، وإنّما عليها العدة فحسب.

847 - مسألة

847 - مسألة: لا إحداد على الذمية، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: عليها. 848 - مسألة: في اجتماع العدتين، اختلف عن مالك في المرأة إذا تزوجت في العدة، ودخل بها الثّاني، فقال: تعتد بقية الأولى، وتستأنف من الثّانية، كانت بالأقراء أو المشهور. وقال أيضًا: تعتد العدة من الثّاني، ويجزئها عن بقية الأولى، إِلَّا أن تكون حاملًا، فبالوضع تنقضي العدتان، كان الحمل للأول أو للثاني. قال ابن الموّاز: قول مالك: الوضع يبرئها من الثّاني ضعيف، ولا بد أن تستأنف عدة. وقال أبو حنيفة: عدة واحدة من الثّاني تجزئ عنهما، [وهذا إحدى الروايتين عن مالك]. وقال الشّافعيّ: تتم بقية الأولى، وتعتد للثاني. 849 - مسألة: من تزوج امرأة في عدة من غيره ودخل بها، فرق بينهما وحرمت عليه أبدًا، وبه قال الشّافعيّ في القديم. وقال أبو حنيفة: لا تحرم عليه، وهو قول الشّافعيّ في الجديد. وبقولنا قال عمر -رضي الله عنه -. وقول أبي حنيفة قول علي -رضي الله عنه -. وروي عن علي رضي الله عنه مثل قول عمر -رضي الله عنه -. [وروي عن مالك، مثل قول علي رضي الله عنه الأوّل].

850 - مسألة

850 - مسألة: امرأة المفقود إذا طلبت الفرقة، فحص الحاكم عن خبره وبحث عن أمره، فإن لم يعرف له خبرًا، أضرب لها أجلًا أربع سنين، ثمّ اعتدت أربعة أشهر وعشرًا، وحلت بعد ذلك. واختلف [51/أ] أصحاب أبي حنيفة، فقال بعضهم: لا يفرق بينهما حتّى تثبت وفاته أو طلاقه. وقال بعضهم: يضرب له أجل مائة سنة. وقال بعضهم: مائة وعشرين. وللشافعي قولان فيه: أحدهما مثل قولنا، في القديم. وقال في الجديد: لا يفرق بينهما أبدًا. 851 - مسألة: إذا مات سيد أم الولد أو أعتقها فعدتها حيضة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: عدتها ثلاث حيض في العتق والموت من السَّيِّد، [ووافقنا أنّه لا يجب عليها في وفاة سيدها عدة الوفاة: أربعة أشهر وعشرًا، وإنّما عليها ثلاثة قروء]، فإن عدمت الأقراء فثلاثة أشهر. وروي عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه -: أنّها تعتد في وفاة سيدها أربعة أشهر وعشرًا، وإليه ذهب أحمد. 852 - مسألة: إذا اشترى جارية قد وطئها البائع ولم يستبرئها، فلا خلاف مع أبي حنيفة أنّه لا يجوز وطؤها للمبتاع قبل الاستبراء. ولا يجوز عندنا أن يزوجها حتّى يستبرئها، وكذلك إذا اشتراها فاستبرأها ثمّ وطئها، لم يجز له أن يزوجها، إِلَّا بعد الاستبراء، وكذلك إن وطئها البائع ثمّ باعها قبل الاستبراء، أو أعتقها المشتري قبل الاستبراء، لم يجز له أن يتزوج بها ولا يزوجها، وكذا أم الولد، وبه قال الشّافعيّ.

853 - مسألة

وقال أبو حنيفة في هذه المسائل: يجوز له أن يتزوجها، ويزوجها قبل الاستبراء. 853 - مسألة: اختلف عن مالك في أكثر مدة الحمل. فروي أربع سنين. وروي: خمس سنين. وروي: سبع سنين. وأظهرها عندي: خمس. وقال أبو حنيفة: أكثرها سنتان. وقال الشّافعيّ: أربع سنين. 854 - مسألة: إذا طلق المريض امرأته بائنًا، ثمّ توفي في العدة، لم تنتقل إلى عدة الوفاة، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة، إن كان ممّن ترثه، فعدتها أقصى الأجلين من الأقراء أو عدة الوفاة، وبه قال محمَّد. 855 - مسألة: [قال مالك]: إذا عجزت المكاتبة لم توطأ، إِلَّا بعد الاستبراء، وبه قال الشّافعيّ. وجوّزه أبو حنيفة بغير استبراء.

مسائل الرضاع

مسائل الرّضاع 856 - مسألة: [ولبن الفحل يحرّم، و] حرمة الرضاع بين المرضع والفحل، كهي بين المرأة والمرضع؛ [وهو أن المرأة إذا أرضعت مولودًا]، فيصير أبًا له، وأخوه عمّا له، وأخته عمة له، كما تفسير المرضعة أمه، وأختها خالته، وأخوها خاله من الرضاع، فكذلك زوجها. فإن كان المرضع أنثى، فلا يجوز للفحل أن يتزوجها، ولا لأخيه؛ لأنّه عمها من الرضاع، وإن كان له ابن، لم يجز له أن يتزوجها؛ لأنّها أخته من أمه وأبيه، وإن كان له ابن من غيرها، لم تحل له أيضًا؛ لأنّها أخته من أبيه. وإن كان ذكرًا لم يحل له أن يتزوج بأم الفحل؛ لأنّها جدته من الرضاع، ولا بأخته؛ لأنّها عمته، ولا بابنة الفحل من غير المرضعة؛ لأنّها أخته من الرضاع من أبيه، وكلّ ما يحرم من النسب مثله، وبه قال من الصّحابة: علي وابن عبّاس -رضي الله عنهم-، وهو قول عطاء وطاووس والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه والشّافعيّ وأحمد وإسحاق وداود. وذهبت طائفة: إلى أن لبن الفحل لا تحرم له، فلا تحرم على الفحل، فإن كان المرضع أنثى، فلا تحرم على الفحل، ولا على أولاده من غير المرضعة ولا أخته ولا أمه، إن كان المرضع ذكرًا، وإنّما يقع التّحريم من جهة المرضعة دون الفحل، وقال بهذا: عائشة وابن عمر وابن الزبير

857 - مسألة

-رضي الله عنهم-، وهو قول ابن علية وابن كيسان الأصم. 857 - مسألة: [لأبي تمام، قال مالك]: لبن البهيمة لا تحريم له، وبه قال أهل العلم كافة. وقال قوم: يحرم. 858 - مسألة: [قال مالك]: إذا أرضعت امرأته الكبيرة امرأته الصغيرة حرمتا عليه. 859 - مسألة: [قال مالك]: إذا طلبت الأم على الرضاع أجر مثلها، ووجد الأب من يرضعه بغير أجر فله ذلك، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه. وقال في الثّاني: الأم أحق به، وبه قال المزني. 860 - مسألة: لا يفتقر في تحريم الرضاع إلى عدد [عندنا]، وبه قال الأوزاعي والليث والثوري [51/ب] وأبو حنيفة وأصحابه، وتقع الحرمة بالجرعة الواحدة، والاعتبار حصوله في الجوف خالصًا أو غالبًا، وهو قول علي وابن عبّاس وابن عمر -رضي الله عنهم-. وقال الشّافعيّ: من شرطه العدد، ولا يحرم إِلَّا خمس رضعات مفترقات، وهو قول عائشة وابن الزبير وابن مسعود -رضي الله عنهم-، وبه قال طاووس وسعيد بن جبير، وأحمد وإسحاق. وقال أبو ثور وأصحاب الظّاهر: شرطه ثلاث رضعات. 861 - مسألة: رضاع الكبير لا يحرم، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وكافة الفقهاء. إِلَّا داود فإنّه قال: يحرم، وهو قول عائشة -رضي الله عنها -.

862 - مسألة

وقولنا قول عمر وابنه وابن عبّاس وابن مسعود -رضي الله عنهم-. وروي أن رجلًا قال لعمر -رضي الله عنه -: إنَّ لِي زَوجَةً قَد أَرضَعَت جَارِيَتي، أَفَتَحْرُمُ عَلَيّ؟ فقال عمر: "عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَوْ رَجَعتَ، فَأَوجِع ظَهرَ اِمرَأَتِكَ، وَوَاقِع جَارِيَتَكَ" (¬1). 862 - مسألة: اختلف في زمن الرضاعة، فعندنا والشّافعيّ وأبي يوسف ومحمد: أنّه حولان. واستحسن مالك تحريم الشهر بعدهما، وليس بقياس. وقال أبو حنيفة: حولان وستة أشهر. وقال زفر ثلاثة أحوال. 863 - مسألة: إذا استغنى المولود بالغذاء قبل الحولين، وفطم ثمّ أرضعته امرأة، لم تنتشر الحرمة بينه وبينها. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: ينتشر ما لم تنقض المدة الّتي ذكرنا عنهما، كما لم يستغن. 864 - مسألة: الوَجور (¬2) [عندنا] يحرم كما لو رضع، وبه قال سائر الفقهاء. وقال عطاء وداود: لا يحرم. ¬

_ (¬1) أخرجه بهذا اللّفظ: عبد الرزّاق في مصنفه: 7/ 462، والبيهقي في الكبرى: 7/ 461، وأصل القصة عند مالك في الموطَّأ (1776). (¬2) الوَجور: بالفتح: وضع السائل في وسط الفم؛ ماء كان أو حليبًا أو دواءً. انظر: المطلع: 350.

865 - مسألة

865 - مسألة: إذا استهلك اللبن في الماء، إلى أن غلب عليه لم ينشر الحرمة [عندنا]، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال الشّافعيّ: ينشر كما لو انفرد. وروي عن ابن الماجشون ومطرف مثله. 866 - مسألة: لبن الميّتة إذا سقي لصغير نشر الحرمة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يحرم. 867 - مسألة: شهادة النِّساء في الرضاع، وما لا يحل للرجال الاطلاع عليه في غير ذوي المحارم، كالولادة وعيوب النِّساء مقبولة منفردات، وإن كان تقبل شهادة الرجال، وبه قال الشّافعيّ والأوزاعي، وهو قول ابن عبّاس - رضي الله عنهما-. وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى: لا تقبل شهادتهن على الانفراد، وهو قول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. 868 - مسألة: ما تقبل فيه شهادة النِّساء، فلا تجزئ فيه أقل من امرأتين، وبه قال الحكم ابن عبينة وابن أبي ليلى وابن شبرمة. وقال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، والزهري والأوزاعي: يثبت الرضاع لشهادة امرأة واحدة. وقال أبو حنيفة: يقبل في الولادة امرأة واحدة. وقال الشّافعيّ: لا يثبت الرضاع والولادة بأقل من أربع نسوة، وبه قال عطاء.

مسائل النفقات

مسائل النفقات 869 - مسألة: يفرض السلطان للزوجة مقدار كفايتها، على قدر ما يراه من قدرها، وقدر زوجها في اليسر والعسر، واعتبار حالها وحاله، وهكذا يحكى عن أبي حنيفة أنّها ليست مقدرة. وقال الشّافعيّ: هي مقدّرة، لا اجتهاد فيها للحاكم، وهي معتبرة بحالى الزوج خاصّة، فيقول: إن كان الزوج موسرًا فمدان كلّ يوم، وإن كان متوسطًا فمد ونصف، وإن كان معسرًا فمد، فيجب لابنة الخليفة ما يجب لابنة الحارس. 870 - مسألة: إذا كانت الزوجة ممّن لا تخدم نفسها أخدمها الزوج بلا خلاف، إِلَّا داود حكي عنه أنّه قال: لا يجب عليه أن يخدمها. 871 - مسألة: إذا احتاجت إلى أكثر من خادم، أخدمها خدمة مثلها. وقال مالك: لا يفرض لها أكثر من خادم واحد في المدينة؛ لأنّ أهل المدينة فيهم القناعة، كما قال: لا يفرض لها الخز والوشي والعسل، وأمّا سائر الأمصار فعلى حسب أحوالهم كالنفقة.

872 - مسألة

فيظهر فيه أنّها إذا احتاجت إلى أكثر من خادم، لزمه ذلك إن كان وجدًا. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يلزم أكثر من خادم واحد على كلّ حال. 872 - مسألة: إذا سلمت نفسها للزوج [52/أ]، وهي صالحة للاستمتاع والزوج كذلك، ثمّ طلبته بعد مدة بنفقة ما مضى، وذكر أنّه أنفق عليها، فالقول قوله فيه، ويفرض لها الحاكم من يوم ترفعه. وقال أبو حنيفة: لا تجب لها نفقة بعد العقد، إِلَّا بفرض الحاكم، فعلى هذا الزوج مصدق، ولو صدقها لم يكن شيء؛ لأنّ الحاكم لم يفرض لها بعد. وقال الشّافعيّ: القول قولها مع يمينها أنّه لم ينفق عليها. 873 - مسألة: إذا أعسر بنفقة زوجته، فهي بالخيار بين أن تقيم معه ولا نفقة لها في ذمته إِلَّا برضاه، وبين طلب الفراق، فيفرق الحاكم بينهما، وبه قال الشّافعيّ، ومن الصّحابة: عمر وعلي وأبو هريرة -رضي الله عنهم-، ومن التابعين: سعيد بن المسيَّب والحسن، ومن الفقهاء: أحمد وإسحاق. وقال عطاء والزهري وأبو حنيفة وصاحباه: لا خيار لها أصلًا، ويلزمها الصبر عليه، وتتعلّق بذمته النفقة بحكم الحاكم. 874 - مسألة: إذا كان الزوج صغيرًا لا يطأ مثله، والمرأة كبيرة وسلمت نفسها، فلا نفقة لها، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لها النفقة، وهو الآخر للشافعي.

875 - مسألة

875 - مسألة: [لأبي تمام، قال مالك]: للمملوك نفقة بالمعروف. وقال قوم: يطعمه ممّا يطعم، ويلبسه ممّا يلبس. 876 - مسألة: [قال مالك]: نفقة الولد على الأب دون الأم. وقال محمَّد: على قدر الميراث. 877 - مسألة: لا تلزم الجد نفقة ابن ابنه، ولا ابن الابن لجده. وقال الشّافعيّ: في الطرفين كالأب. وقال أبو حنيفة: هي لكل ذي رحم محرم على رحمه. 878 - مسألة: على المرأة رضاع ولدها إن كانت تحت زوج وهو منه، إِلَّا أن لا يرضع مثلها فيكون على الزوج. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يلزمها، وهو على الزوج بكل حال. وقال أبو ثور: ذلك عليها بكل حال. 879 - مسألة: الأم أحق بحضانة ولدها، ما لم تتزوج ويدخل بها. واختلف عن مالك في حضانة الغلام، فقال: حتّى يثغر، وقال: حتّى يبلغ. ولا خلاف في الأنثى عنه: أنّها حتّى تتزوج ويدخل بها، إِلَّا أن يكون منزل أبيها أحفظ، فيختار لها الوضع الأحفظ، بخلاف الذكر. وقال أبو حنيفة: حد الأنثى حتّى تبلغ، وحد الذكر حتّى يقوم بنفسه

880 - مسألة

ويستغني عن حضانة، فتزول الحضانة ويكون الأب أحق به حتّى يبلغ. وقال الشّافعيّ: إذا بلغ الولد سبع سنين أو ثمان، خيّر بين أبويه؛ فمن اختار منهما كانت الحضانة له. 880 - مسألة: إذا سافر الأب سفرًا ينقطع فيه عن الولد سفر استيطان، فهو أحق بولده على كلّ حالى، وكذلك إذا سافرت الأم سفرًا تنقطع عن الأب، فالأب أحق بولده، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن سافر الأب على هذا الوجه فالأم أحق به، وإن سافرت الأم نظر؛ فإن سافرت من قرية إلى مصر فهي أحق به، وإن كان من مصر إلى قرية فالأب أحق به. 881 - مسألة: إذا تزوجت الأم ودخل بها سقطت حضانتها، فإذا أخذه الأب ثمّ طلقها الزوج، لم ترجع إليها الحضانة. وقال أبو حنيفة [والشّافعيّ]: يعود حقها في الحضانة.

مسائل البيع

مسائل البيع 882 - مسألة: [قال مالك]: يجوز بيع الأعيان الغائبة على صفة يضبطها المتبايعان، كقوله: بعتك دارًا لي بواسط صفتها: كيت وكيت، وكذلك العبد، وكذلك ما في العدل والجراب، وما في البيت، فإن جاء على الصِّفَة لزم البعير بغير خيار، إِلَّا أن لا توافق الصِّفَة المذكورة، وبه قال أبو حنيفة، غير أنّه جعل الخيار للمشتري وإن وافق الصِّفَة. وأجاز هو بيع ما لا يوسف أصلًا، وللمبتاع الخيار إذا رآه. وقد روي عن مالك قريب منه؛ لأنّه قال: من ابتاع ما لم يره، فهو بالخيار إذا رآه، فإن كان على الصِّفَة فلا خيار له إذا وافقها. دلّ على أنّه يكون بالخيار إذا لم يره ولم يوصف له، وهو في [52/ب] معنى البيع الموقوف. واختلف قوله الشّافعيّ في البيع على الصِّفَة، فأجازه وجعل للمشتري الخيار كأبي حنيفة، ومنع منه في الثّاني. 883 - مسألة: [وعند مالك: أن] عقد البيع يتم بالقولى من غير افتراق عن المجلس، ولا خيار لهما في فسخه إِلَّا [أن] يشترط فيه، وبه قال أبو حنيفة.

884 - مسألة

وقال الشّافعيّ: ثبت خيار المجلس، ولا يلزم البيع إِلَّا بافتراقهما، وبه قال الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق. 884 - مسألة: يجوز اشتراط أكثر من الثلاث في الخيار، إذا كان المبيع يختبر في مثلها ويحتاج إليها، وبه قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد. وقالوا: يجوز زيادة ما شاء في المدة، إذا كان أجلًا معلومًا، والمبيع ممّا يختبر في أقل من ذلك. وقال أبو حنيفة والثوري وزفر والشّافعيّ: لا يجوز الزيادة على الثلاث، إِلَّا بقيام دليل. 885 - مسألة: إذا عقدًا بيعًا وشرطًا فيه الخيار، وأراد من له الخيار أن يفسخ فله ذلك [عند مالك]؛ حضر صاحبه أو غاب، ويشهد على ذلك، وكذا الوكيل له أن يعزل نفسه؛ حضر موكله أم لا، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يجوز لأحدهما الفسخ في مدة الخيار، إِلَّا بعضور الآخر، ولا يعتبر رضاه، وكذلك الوكيل مثله. 886 - مسألة: إذا مات من له الخيار في أيّام الخيار قام ورثته مقامه، وهو موروث [عندنا]، وبه قال الشّافعيّ وأبو ثور. وكذلك نقول في الشُّفعَةِ: إنها تورث، وكذا الموصى له إذا مات بعد موت الموصي، ولم يكن قبل الوصيَّة، قام ورثته مقامه في قبولها. وقال قوم: لا يورث الخيار، وينقطع بالموت ويلزم البيع، وهو قول الثّوريّ وأبي حنيفة وأحمد. ويقول أبو حنيفة: تبطل الشُّفعَةِ والوصية بالموت.

887 - مسألة

887 - مسألة: إذا ظهر في البيع غبن كثير نظر؛ فإن كان من أهل النظر والبصيرة بتلك السلعة وأسعارها في وقت البيع لم يثبت الفسخ، وإن كانا أو أحدهما جاهلًا بتقلب السعر وتغيره عند العقد، وتفاوت الغبن فيما عقدًا عليه ثبت له الفسخ، ومن أصحابنا من اعتبر الثلث في القيمة. ولم يحد مالك فيه حدًّا، إِلَّا في وجه عن تغابن النَّاس في مثل تلك السلعة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يثبت الفسخ بالغبن؛ أكثر أم قلّ الغبن قليلًا أو كثيرًا. 888 - مسألة: الرِّبَا في الأصناف الستة، وهي: الذهب والفضة والبر والشعير والتّمر والملح، لا يجوز التفاضل فيها نقدًا ولا نساء [عند مالك]، إذا كانت جنسًا [واحدًا]؛ كدرهم بدرهمين، أو دينارًا بدينارين، أو مدا بمدين [وهو قولنا]، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وأحمد، وجماعة من الصّحابة: ثلاثة عشر نفسًا، قال مجاهد: سمعتهم يحرمونه، وهو قول أهل المدينة، والأوزاعي وأهل الشّام، والليث وأهل مصر، والثوري وأهل الكوفة. وذهب من الصّحابة أربعة: ابن عبّاس وابن الزبير وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد الليثي -رضي الله عنهم- إلى جواز الفضل دينار بدينارين، ومد بمدين نقدًا، وحكي أنّه قول أهل الظّاهر. ولا خلاف في ربا النِّساء. 889 - مسألة: [وذهب فقهاء الأمصار إلى أن] الرِّبَا يتعلّق بمعاني هذه الأشياء، ويجاوزها إلى غيرها. وقال نفاة القياس؛ داود ومن تابعه: يتعلّق الرِّبَا بأسمائها، ولا يجاوزها إلى غيرها.

890 - مسألة

890 - مسألة: اختلف أرباب القياس في المعنى الّذي يتعلّق به حكم الرِّبَا. فأمّا النقود فلها علة تخصها، وهي كونها ثمنًا جنسًا، أو ثمن قيم للمتلفات جنسًا، وبه قال الشّافعيّ. وأمّا الأربعة [المأكولة، فقد اختلف النَّاس فيها، فالذي نقول نحن]: فالعلّة فيها كونها مأكولة مدخرة، جنسًا أصلًا للمعاش غالبًا، وقيل: إنها مأكولة جنسًا على وجه تمس الحاجة إليه من القوت، وما يصلحه من المدخرات. وأشار مالك إلى هذه العلّة حيث قال: لا يباع ما ييبس ويدخر من الفاكهة، اثنان بواحد إذا كان جنسًا، وما يؤكل رطبًا ولا يدخر؛ كالبطيخ والقثاء والجزر والخوخ والأترج والتفاح، فلا بأس به اثنان بواحد، وليس ما ادخر من هذا بالذي يحرم تفاضله، فإنّه خفيف وليس بأصل للمعاش. وقال أبو حنيفة [53/أ]: علته كونه مكيلًا جنسًا، أو موزونًا جنسًا. وقال الشّافعيّ في القديم: العلّة كونه مأكولًا مكيلًا جنسًا، أو مأكولًا موزونًا جنسًا. وقال في الجديد: كونه مطعومًا جنسًا، [وهذا الّذي يعوّل عليه]. وقال ربيعة: كونه جنسًا تجب فيه الزَّكاة، ونفى ما عداه. وقال سعيد بن جبير: العلّة تقارب المنفعة في الجنس الواحد أو الجنسين. 891 - مسألة: ما كان من أموال الرِّبَا، إذا بيع بعضه ببعض متماثلًا من جنس واحد أو متفاضلًا من جنسين، فالتقابض فيه واجب، والتفرق فيه قبل القبض يبطل البيع فيه جميعه، [هذا مذهبنا]، وبه قال الشّافعيّ. وبه قال أبو حنيفة في الذهب والفضة، وجوّز التفرق قبل القبض في الأشياء الأربعة مع صحة البيع.

892 - مسألة

892 - مسألة: وما عدا المأكول أو المشروب والنقود، فلا بأس به متفاضلًا جنسًا كان أو جنسين يدًا بيد، فأمّا إلى أجل؛ فإن كان من جنس واحد لم يجز، ويجوز في الجنسين التفاضل إلى أجل. وقال أبو حنيفة: لا يجوز فيه النِّساء على كلّ حال إذا كان جنسًا؛ كان متفاضلًا أو متماثلًا. فوافق في التفاضل وخالف في النِّساء. وقال الشّافعيّ: يجوز فيه النِّساء على كلّ حال؛ جنسًا كان أو جنسين؛ لأنّه ممّا لا ربا فيه؛ كالحيوان والثياب والخشب والقطن والصوف والحديد، ونحوها. 893 - مسألة: اختلف عن مالك في بيع الحنطة بالدقيق، فقال: يجوز متماثلا، وقال: لا يجوز. وقال القاضي أبو الحسن: معنى جوازه عنده بالوزن، ولا يجوز إذا كان كيلًا، فيكون الاختلاف في الحالين لا في حال واحدة. وجملة أصحابنا على الاختلاف في حال واحدة، ولم يفصّلوا، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق، إنّه يجوز وزنا بوزن. [وعندي. أن هذا قول مالك في جوازه]. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يجوز بحال لا كيلًا ولا وزنًا. وقال أبو ثور: يجوز بكل حال متماثلًا ومتفاضلًا. 894 - مسألة: يجوز بيع الدقيق بالدقيق مثلًا بمثل، وبه قال أبو حنيفة، إذا كان على صفة واحدة في النعومة والخشونة، فإن اختلفا لم يجز.

895 - مسألة

ومنع منه الشّافعيّ مطلقًا. 895 - مسألة: يجوز بيع الدقيق بالسَّوِيق مثلًا بمثل ومتفاضلًا، وبه قال أبو حنيفة في إحدى الروايتين، وأبو يوسف. وقال الشّافعيّ: لا يجوز بحال. 896 - مسألة: اختلف عن مالك في جواز بيع اللّحم باللحم، والخبر بالخبز على التّحرِّي من غير وزن، فأجازه في البوادي والسفر، حيث يتعذر الوزن استحبابًا. وروي عنه المنع منه، وهو الأصح عنه. وقال الشّافعيّ: لا يجوز في الخبز واللحم الطري، ويجوز في اللّحم اليابس. وروى محمَّد عن أبي حنيفة: أنّه يجوز اللّحم باللحم، والخبر بالخبز؛ متماثلًا رطبًا ويابسًا. 897 - مسألة: كره مالك بيع الدنانير بالدراهم [جزافًا، وأجازه] في النقر والحلي المكسور. وأجاز ذلك كله أبو حنيفة والشّافعيّ. 898 - مسألة: [عند مالك: أن] خل العنب وخل التّمر جنس واحد، لا يجوز التفاضل فيه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: جنسان يجوز التفاضل فيهما.

899 - مسألة

899 - مسألة: لا يجوز بيع تمر برطب، وبه قال اللَّيث والشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد وأحمد، وبه قال ابن عبّاس وسعد ابن أبي وقّاص -رضي الله عنهم-، وسعيد بن المسيَّب وإبراهيم والحكم. وانفرد أبو حنيفة بجواز بيعه كيلًا، وكذلك العنب بالزبيب، والحنطة الرطبة باليابسة، والمبلولة باليابسة. 900 - مسألة: يجوز بيع الرطب بالرطب متماثلًا، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والمزني. ومنع منه ابن الماجشون والشّافعيّ. 901 - مسألة: العقد في البيع وغيره يصح ويلزم بالقول، ولا يشترط قبض المبيع فيها، ومنه الرَّهْن والهِبَة والنِّكاح والإجارة، غير أن منها ما إذا تفرقا قبل القبض بطل العقد فيه [53/ب]؛ لأنّ العقد في نفسه لم يتم بالقول، وهو كالنِّكاح يتم بالقول ويطرأ عليه ما يفسده كالردة، فمن اشترى شيئًا ليس فيه حق توفية؛ من مكيل أو موزون أو معدود، فلم يقبضه حتّى تلف فضمانه من المشتري، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: ضمان المبيع قبل القبض من البائع. غير أن أبا حنيفة يخصه بما ينقل، فأمّا العقار عنده فيصح بيعه من غيرقبض. قال النخعي: ينظر؛ فإن طلب المبتاع البائع بالقبض، ولم يفعل كان ضامنًا، وإن عرض البائع على المبتاع القبض، فلم يقبض فهو من المبتاع. قال القاضي: هذا عندي ينبغي أن يفصّل على مذهب مالك؛ فإن كان البائع أمسكها ليقبض الثّمن فتلفت، فهي كالرهن يكلف البينة على تلفها،

902 - مسألة

وإن كان حبسها لغير ذلك فتلفت، فعلى البائع قيمتها، وإن امتنع من قبضها أو لم يطلب واحد منهم الآخر، فهي من المشتري. 902 - مسألة: ظاهر قول مالك: إن النقود لا تتعين، فلو باع دنانير بدراهم حاضرة، جاز أن يدفع له مثلها كلّ واحد منهما، ولم يجبر على عينها. وذكر ابن القاسم: أنّها تتعين، ويجبر على تسليم ما عينه. وبالأول قال أبو حنيفة. وبالآخر قال الشّافعيّ، وحكي مثله عن الكرخي. 903 - مسألة: إذا تبايعا مال الرِّبَا بعضه ببعض، لم يجز أن يكون مع أحدهما أو معهما جنس من غيره بحال، فلا يجوز مد ودرهم بمد ودرهم ولا بمدين، وبه قال الشّافعيّ. وجوّزه أبو حنيفة. ويجوز بيع درهم صحيح ودرهم غلته بدرهمين صحاح، مثل: الّذي معه الغلة، وبه قال أبو حنيفة. ومنعه الشّافعيّ. 904 - مسألة: اللحوم [عند مالك] ثلاثة أجناس: - فلحم النعم والوحش كله صنف واحد، لا يجوز فيه التفاضل. - ولحم الطير كله صنف، لا يباع بعضه ببعض متفاضلًا، والنعام من الطير الوحشي. - والسمك كله صنف واحد، لا يباع متفاضلًا. ويباع لحم النعم والوحش بلحم الطير والسمك متفاضلًا.

905 - مسألة

وقال أبو حنيفة: اللّحم أصناف مختلفة كأصله؛ فلحم الغنم صنف، ولحم البقر صنف، وكذلك الإبل، وكذلك لحم الوحش مختلف، والطير مختلف، والسمك كذلك، وهو أحد قولي الشّافعيّ. والقول الآخر: إن الجميع من النعم والحش والطير والسمك صنف واحد لا يجوز فيه التفاضل، وما كان من صنف واحد عند الشّافعيّ، لم يجز بيع بعضه ببعض رطبًا حتّى ييبس، كما منع من بيع الرطب بالرطب. فالكلام مع أبي حنيفة في منع بيع لحم الغنم بلحم البقر والإبل متفاضلًا، وهو يجيزه. 905 - مسألة: [وقال مالك]: لا يجوز بيع الحي باللحم، ومعناه عند شيوخنا: إذا كان الحي لا يصلح [في الأغلب] إِلَّا اللّحم، مثل: الكباش والبقر المعلوفة للذبح، فلا تباع باللحم، فتصير كالتّمر بالرطب؛ لأجل المزابنة. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجوز على كلّ حال. وقال محمَّد: لا يجوز إِلَّا أن يكون اللّحم أكثر من الّذي في الحي، فتكون الزيادة في مقابلة الجلد وغيره، وإن كان مثله أو أقل منه لم يجز. وقال الشّافعيّ: لا يجوز بحال، من غير تفصيل عندنا وعند محمَّد. 906 - مسألة: من باع نخلًا فيها تمر لم يؤبر، فهي للمبتاع متابعة للأصل من غير شرط، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: هي للبائع، إِلَّا أن يشترطها المبتاع؛ كما لو كانت مؤبرة سواء. 907 - مسألة: وإذا كانت التّمرة مؤبرة، فهي للبائع وله تبقيتها حتّى يبلغ الجذاذ، وبه قال الشّافعيّ.

908 - مسألة

وقال أبو حنيفة: هي للبائع أبّرت أم لا، وللمبتاع أن يطالبه بقطعها في الحال ولا يلزمه بقاؤها. 908 - مسألة: من باع ثمرة قبل بدو صلاحها، ولم يشترط القطع بطل البيع [عندنا]، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يصح البيع، ويلزم المشتري بقطعها في الحال. فالكلام معه في فصلّين؛ أحدهما: صحة البيع أم لا، والثّاني: هل تقتضي ذلك القطع في الوقت؟ فعندنا يقتضي ذلك التبقية كما لو [54/أ]، شرطها، وعنده يقتضي القطع في الحال. 909 - مسألة: إذا بدا صلاح جنس من الثمار في بستان، كنخلة واحدة منه، أو بعضه ولو عِذق (¬1) في نخلة؛ جاز بيعه كله، وجاز بيع البساتين حوله في ذلك البلد وإن لم يطلب فيها غيره، إِلَّا أن يكون من جنس مبكر يتقدم، فلا يباع غيره. ووافق الشّافعيّ في بيع البستان كله، وخالف فيما حوله، إِلَّا أن يطيب في كلّ بستان بعضه، وإن لم يبع بطيب غيره من البساتين. وقال اللَّيث: تباع الثمار كلها؛ جنسًا أو أجناسًا بطيب جنس منها، [أو مخالف لها]. 910 - مسألة: يجوز بيع القثاء والخيار والباذنجان والبطيخ، وما أشبه إلى آخر لقاطه، إذا بدا صلاحه وطاب أوّله. ¬

_ (¬1) العذق (بالفتح): النخلة ويجمع على أعذق وعذاق، و (بالكسر) العرجون بما فيه من الشماريخ ويجمع على أعذاق وعذوق. انظر: لسان العرب:.10/ 238، تاج العروس: 26/ 127 - 128.

911 - مسألة

وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يجوز بيع بطن منه، إِلَّا بعد طيبه كالبطن الأوّل. 911 - مسألة: يجوز بيع الباقلاء في قشره الأخضر، وكذلك الجوز الرطب واللوز والشاة المذبوحة في جلدها، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يجوز إِلَّا في القشر الأسفل؛ لأنّه يحفظه من الفساد. 912 - مسألة: يجوز بيع الحنطة في سنبلها مع السنبل إذا يبس، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ في القديم. ومنع في الجديد. 913 - مسألة: ومن باع ثمرة حائط، واستثنى منه كيلًا معلومًا قدر ثلاثة جاز، ولا يجوز ما زاد عليه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ وغيرهما: لا يجوز استثناء شيء بالكيل على حال. 914 - مسألة: إذا باع ثمرة قد بدا صلاحها، وخلا بين المبتاع وبينها، فأصابتها جائحة (¬1) أذهبت الثلث فأكثر، وضع عنه قدر ذلك من الثّمن، وإن ذهب دون الثلث، فلا شيء له. ¬

_ (¬1) الجائحة: هي الآفة تصيب الثمر؛ من حَرٍّ مفرط، أو صِرّ، أو بَرْد، أو بَرَد يعظم حجمه، فينفض الثمر ويلقيه، جمعها: جوائح. انظر: الزاهر: 204.

915 - مسألة

وقال أبو حنيفة والشّافعيّ في الجديد: ذلك من المشتري، وبه قال اللَّيث بن سعد. وقال في القديم: هو من البائع قليله وكثيره، وبه قال أحمد والقاسم بن سلام. ولا فرق عندنا في الجائحة بين أن تكون من قبل آدمي، أو من قبل الله تعالى، وكل ما كان من العطش قلّ أو كثر، فهو من البائع عندنا وعند الشّافعيّ. 915 - مسألة: [عندنا] يجوز بيع العرايا بخرصها تمرًا من المعري خاصّة، ويجوز من المعري وغيره بالدنانير والدراهم وغيرها، في خمسة أوسق فأكثر. وأمّا بالتّمر فلا يجوز إِلَّا فيما دون خمسة أوسق من المعري، وقيل: خمسة أوسق أيضًا، ولا يجوز اشتراط تقديم التّمر عند البيع، ولكن عند الجذاذ. والعَرِيَّة: اسم للنخلة يوهب ثمرها لرجل، وليس هي: اسم العقد، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق. وقال الشّافعيّ: يعطيه الثمر في الحال، ويجوز هذا عنده من المعري وغيره. وقال أبو حنيفة: لا يجوز بيع ثمرة العرية؛ لأنّه بيع الرطب في النخل بتمر على الأرض، ولو كان على الأرض صح البيع. 916 - مسألة: يجوز بيع الطّعام جزافًا قبل قبضه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يجوز قبل تحويله عن البائع. وجوّز أبو حنيفة بيع العقار وما لا يمكن نقله قبل قبضه. ولا يجيز الشّافعيّ: بيع شيء ما قبل قبضه بما قد اشتري.

917 - مسألة

917 - مسألة: من اشترى مُصَرَّاة، وهي: الشاة يجمع لبنها اليوم واليومين في ضرعها، وتسمى المحُفّلة أيضًا، فهو بالخيار في ردها؛ لأنّه غرر وتدليس بعيب، وبه قال الشّافعيّ وجماعة الفقهاء. إِلَّا أبا حنيفة، فإنّه قال: ليس [له الخيار في الرَّدِّ، وليس] ذلك عيبًا. 918 - مسألة: إذا ابتاع جارية فاستخدمها واستغلّها زمانًا وولدت عنده، ثمّ وجد [54/ب] بها عيبًا ردها ورد ولدها، ولم يردّ الغلة ولا قيمة الخدمة. ولو ابتاع نخلًا فاستغل ثمرها، ثمّ وجد عيبًا لم يردّ الثمرة، وهي خراج بمنزلة الغلة. و [به] قال أبو حنيفة: إذا أثمر النخل وولدت الجارية، امتنع الرَّدِّ وكان له الأرش (¬1). وقال الشّافعيّ: يردّ النخل والجارية، ولا يردّ الغلة ولا الولد ولا قيمة. وفرّق أبو حنيفة بين الكسب والغلة والاستخدام، فقال في هذا: له أن يردّ المبيع، ولا يردّ الغلة ولا قيمة الخدمة في العبد والجارية، بخلاف الولد وثمرة النخل، فإن الرَّدِّ عنده يمتنع فيهما ويتعين الأرش. فاتفق أبو حنيفة والشّافعيّ على رد المبيع دون الغلة والكسب والخدمة. واختلفا في النخل إذا أثمرت ونتاج المبيع والولد، فأبو حنيفة لا يردّ المبيع في الولد والثمرة، والشّافعيّ يردّ ولا يردّ الولد ولا الثمرة. ومالك يردّ المبيع الولد. ¬

_ (¬1) هو: اسم للواجب على ما دون النفس، أو دية الجراحات، وجمعه أروش. انظر: أنيس الفقهاء: 1/ 295.

919 - مسألة

919 - مسألة: وطء الثيب لا يمنع الرَّدِّ بالعيب، ولا يوجب رد شيء بدلًا عنه، [ولكن يأخذ أرش العيب]، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يمنع الرَّدِّ وله الأرش، وكذا وقع لابن وهب وابن نافع وأصبغ؛ أنّه فوت يوجب الأرش ويمنع الرَّدِّ. وقال ابن أبي ليلى: يردها ويرد معها مهر المثل. 920 - مسألة: إذا ابتاع رجلان جارية أو عبدًا صفقة فوجدا عيبًا، فإن أراد أحدهما الرَّدِّ والآخر الإمساك، فاختلف عن مالك في ذلك فروي عنه أنّه: لمن أراد الرَّدِّ أن يردّ، وبه قال أبو يوسف والشّافعيّ ومحمد بن الحسن. وروي عنه أنّه: لا يردّ، وبه قال أبو حنيفة. وكذلك لو اشترى عبدين في صفقة واحدة. 921 - مسألة: إذا ابتاع سلعة فحدث عنده عيب، ثمّ وجد بها عيبًا كان قبل البيع ولم يرده، فهو بالخيار بين أن يمسك ويأخذ الأرش، أو يردها وبدفع المعيب أرشًا، وسواء حدث العيب عنده بفعله أو بفعل غيره. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: ليس له رد بعد حدوث العيب. 922 - مسألة: إذا اشترى عبدًا بشرط أن يعتقه، صح البيع والعتق، وبه قال الشّافعيّ في أظهر قوليه. وقال أبو حنيفة: هو باطل، إِلَّا أن المبتاع إذا قبضه وأعتقه، فقد عتقه وكان مضمونًا عليه بالثّمن.

923 - مسألة

وأصله في البيع الفاسد أن يكون مضمونًا بالقيمة، مثل مالك في البيع الفاسد. ومضى أبو يوسف ومحمد على القياس أنّه مضمون بالقيمة. 923 - مسألة: إذا تلفت السلعة قبل القبض فضمانها من المشتري. وقال العراقي والشّافعيّ: يبطل البيع. 924 - مسألة: إذا ابتاع شيئًا فوجد به عيبًا، فقال: "فسخت البيع" انفسخ؛ كان قبل القبض أو بعده، حكم به حاكم أم لا، وبه قال الشّافعيّ. ووافق أبو حنيفة فيما قبل القبض، وقال: لا يفسخ بعد القبض، إِلَّا بأحد أمرين: إمّا أن يثبت ذلك عند الحاكم فيحكم به، أو يتراضيا على الفسخ. 925 - مسألة: [عندنا: أن] العبد يملك ملكًا غير مستقر لا يساوي فيه الحر؛ لأنّ لسيده انتزاعه منه أيّ وقت شاء، وبه قال الشّافعيّ في القديم، [وهو قول أهل الظّاهر]. وقال العراقي: الرق ينافي الملك، وهو الجديد للشافعي. 926 - مسألة: إذا باع حيوانًا رقيقًا أو غيره بالبراءة، وكان فيه عيب يعلمه، وعيب لا يعلمه، ولم يبينها للمبتاع، برئ ممّا لم يعلمه، ولم يبرأ ممّا علم، وبه قال الشّافعيّ. واختلف أصحابه؛ فقال بعضهم: ليس له إِلَّا هذا القول. وقال بعضهم: له في الحيوان ثلاثة أقوال؛ أحدها: هذا.

927 - مسألة

والثّاني: ألَّا يبرأ من شيء، وإن كان باطنًا أو ظاهرًا، علمه أو لم يعلمه. والقول الثّالث: أن يبرأ من كلّ عيب ظاهر أو باطن، علمه أم لا. وغير [55/أ]، الحيوان على قولين؛ أحدهما: إنّه لا يبرأ على كلّ وجه، والآخر: إنّه يبرأ على كلّ وجه. وقال أهل العراق: يبرأ من كلّ عيب؛ علمه أو لم يعلمه؛ في الحيوان وغيره. وقال أحمد وإسحاق: لا يبرأ من عيب علمه أو لم يعلمه. 927 - مسألة: إذا علم المبتاع الكيل ولم يعلم البائع، فمن أصحابنا من قال: هما سواء؛ لأنّ البائع دخل على أن المبتاع لا يعلم، فهو عنده مثل نفسه. ومنهم من قال: إذا لم يعلم المبتاع وعلم البائع، فهو بمثابة عيب علمه فكتمه، فإذا ظهر ذلك للمشتري فله الخيار، وإن علم المشتري بالسلعة عيبًا ولم يعلمه البائع، فقد دخل على بصيرة ورضي بالعيب. فكل ما علم صاحبه كيله، فلا يبعه جزافًا حتّى يعلم المشتري ما علم من ذلك، فإن باعه ولم يعلمه فهو بالخيار، على ما قال ابن القاسم. وكان الأبهري يقول: هذا يجري مجرى المدلسة والغرور والغش، الّذي إذا وقع فسخ البيع وإن رضي المشتري. وإنّما قال ابن عبد الحكم: إن شاء أن يردّ رد، إبطالًا لقول من يقول: ليس له رد، وما أراد أنّه يجري مجرى سائر العيوب، الّتي للمشتري الرضا بها أو الرَّدِّ. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: ذلك جائز. 928 - مسألة: إذا باع جارية يوطؤ مثلها، وجب الاستبراء على المبتاع، وهي على ملك البائع، لا يثبت ملك المشتري حتّى يخرج من الاستبراء.

929 - مسألة

واختلف في هذا على ثلاثة مذاهب. وبقولنا قال عثمان البتي. وقال الحسن والنخعي وسفيان: الاستبراء يجب على البائع والمشتري جميعًا؛ حيضة عند البائع وحيضة عند المبتاع. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يجب على المشتري في ملكه، لا في ملك البائع. 31 - فصل: إذا باعه جارية جاز أن يأتمن البائع المبتاع عليها، ويسلمها إليه تحيض عنده، فإن شح البائع أوقفها عند ثقة لتحيض. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يلزم تسليمها للمبتاع. 32 - فصل: إذا كانت في أول حيضها أجزت تلك الحيضة، وإن مضى أكثر حيضها استأنفت حيضة أخرى. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا بدَّ من حيضة مؤتنفة عند المبتاع، ولا يجزي ما كان عند البائع أصلها. 929 - مسألة: لا يجوز أن يبيع سلعة بثمن إلى أجل، ثمّ يشتريها من المبتاع بأقل من ذلك نقدًا، وبه قال أبو حنيفة. وأجاز ذلك الشّافعيّ. 930 - مسألة: إذا جمعت الصفقة حلالًا وحرامًا، فهي كلها باطلة، إذا كان التّحريم لحق الله، مثل: بيع حر وعبد، أو سلعة وخمر أو خنزير في صفقة، وهذا ظاهر قول مالك.

931 - مسألة

وذكر ابن القاسم في مواضع: أن من اشترى عشرة شياه مذكاة صفقة، فظهر فيها شاة ميتة، أن له أن يردها بقسطها، ويصح البيع في الباقي، وهو خلاف قول مالك. وبقول مالك قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: مثل قولى ابن القاسم. وقال أيضًا: مثل قولى مالك وأبي حنيفة. وإن كان ما لا يجوز لحق آدمي، مثل: بيع عبده وعبد غيره في صفقة، صح البيع في حقه، ووقف في حق غيره، فإن أجازه صح، وإن منع منه بطل حق الغير خاصّة، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: مثل قولنا. وقال: يبطل الجميع. 931 - مسألة: إذا اختلف المتبايعان في مقدار الثّمن، فقال البائع: بألف، وقال المشتري: بثمانمائة، أو اتفقا في الثّمن واختلفا في المثمن، فقال البائع: بعتك هذا الثّوب بمائة، وقال المبتاع: هذا وثوب آخر بمائة. وكذا إذا اختلفا في الأجل، فقال البائع: نقدًا، وقال المبتاع: مؤجلًا. وكذا إذا قال البائع: بغير خيار، وقال المبتاع: بالخيار، أو قال: بعتك برهن، وقال المبتاع: بغير رهن، أو بشرط ضامن، وقال المبتاع: بلا ضامن. فالكلام في جميع المسائل واحد، بلا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة والشّافعيّ في أنّهما يتحالفان ويفسخ العقد، [إذا كانت السلعة في يد البائع. وأمّا إذا كانت قائمة في يد المشتري، فاختلف قول مالك، فقال: يتحالفان، ويفسخ البيع بينهما]، كما لو كانت في يد البائع، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ.

932 - مسألة

وقال مالك أيضًا: القول قول المشتري [55/ب] مع يمينه، ويكون له بما حلف عليه. وإن تلفت في يد المبتاع، فالأظهر من الرِّواية عنه أن يحلف المبتاع على ما يقول، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف. وروي عن مالك أيضًا: أنّهما يتحالفان ويرجعان إلى القيمة، وبه قال الشّافعيّ ومحمد. وقال أبو ثور وغيره من نفاة القياس: القول قول المشتري على كلّ حال؛ سواء كانت قائمة في يدي البائع أو المبتاع أو تالفة. وأبو حنيفة يخالفنا ويخالف الشّافعيّ: في الخيار والأجل والرهن والضمان، فقال: لا يتحالفان أصلًا وإن كانت قائمة. ويجيء هذا على القول الّذي يقول فيه مالك: إن القول قول المشتري في الثّمن، إذا كانت السلعة في يده قائمة، أو تلفت في يده. 932 - مسألة: وإذا وجب التحالف بدئ بيمين البائع قبل المشتري. وقال أبو حنيفة: يبدأ بيمين المشتري. واختلف أصحاب الشّافعيّ، فقال بعضهم: إنّه على ثلاثة أقوال: أحدها: كقولنا. والآخر: كقول أبي حنيفة. والثّالث: إن الحاكم بالخيار في تبدئة من شاء منهما. 933 - مسألة: وإذا تشاحّا في القبض، فقال البائع: لا أدفعه حتّى أقبض، وقال المبتاع: لا أدفع حتّى أقبض. قال القاضي: فالذي يقوى عندي على المذهب أحد أمرين؛ إمّا جبر المبتاع على التسليم، ويؤخذ من البائع المبيع، أو يقال لهما: "أنتما

934 - مسألة

بالخيار؛ إمّا تطوع أحدكما على الآخر فيبذل، أو تكونا على ما كنتما عليه"، وأن يجبر المبتاع أقوى. وقال أبو حنيفة. يجبر المبتاع أوّلًا على التسليم. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: يجبر البائع ثمّ المشتري، وقال: لا يجبر واحد منهما. وقد حكي عن قوم: أن كلّ واحد منهما يحضر ماله عند الحاكم أو عدل، فيضعه على يديه (¬1)، يسلم لكل واحد منهما ماله، وحكي أنّه قول الشّافعيّ أيضًا. وإنّما قلت: إن المبتاع يجبر على التسليم؛ لظاهر قول مالك: إن البائع يتمسك بما باع، حتّى يقبض ثمنه. 934 - مسألة: البيع الفاسد إذا فات بعد قبضه؛ بهبة أو عتق أو بيع، ويعد تصرفه فيه بشبهة الملك، ولزمته القيمة؛ لأنّه مضمون عليه بالعقد الّذي هو تسليط من البائع. وقال أبو حنيفة: يملكه المبتاع بالقبض. وقال الشّافعيّ: لا يحصل به ملك ولا شبهة ملك. 935 - [مسألة (¬2): إن ابتاع جارية أو عبدًا على أنّه لا يبيع ولا يعتق أو لا يستخدم، وما أشبه من الشروط الّتي ليست من مقتضى العقد ولا من مصلحته، بطل العقد والشرط جميعًا. قال القاضي: واختلف النَّاس في هذه المسألة على مذاهب: ¬

_ (¬1) في الأصل: "يد عدل"، والمثبت من (ط). (¬2) في الأصل: "مثل"، والمثبت من (ط).

936 - مسألة

[فقال] أبو حنيفة: العقد باطل، والشرط باطل، وهو قول الشّافعيّ، وروي أنّه قول ابن عمر -رضي الله عنهما-. وقال ابن شبرمة وحماد ابن أبي سليمان: العقد صحيح، والشرط صحيح. وحكي عن الحسن والنخعي وابن أبي ليلى: أن العقد صحيح، والشرط باطل. وحجة مالك: أن البائع سلط المبتاع على ملكه، ألَّا ترى أنّه إذا فات عنه، وجبت عليه القيمة. وبه يستدل أبو حنيفة، فإن في النِّكاح الفاسد إذا مكنت (¬1) المرأة من نفسها فوطئت، فقد (¬2) سقط الحدّ، ووجب المهر، وثبت النسب. 936 - مسألة: إذا باع دارًا واشترط سكناها مدة معلومة، [أو باع جملا واشترط أن يركبه، صح عندنا، ولكنه يشترط في الحيوان مدة يسيرة، فيشترط ركوب البعير اليومين والثلاثة، من جهة سرعة التغيير للحيوان، والدار مأمونة، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: البيع باطل. 937 - مسألة: يجوز مقارنة البيع الإجارة في عقد؛ كشراء زرع وحصاده على البائع، أو يبيع عبده ويؤجر داره بألف في عقد. ولا يجوز بيع ونكاح، ولا بيع وصرف، ولا بيع وكتابة. وقال أبو حنيفة: لا يجوز مقارنة عقد لشيء غيره على وجه. ¬

_ (¬1) في الأصل: "ملكت"، والمثبت من (ط). (¬2) في الأصل بزيادة: "ملكت و".

938 - مسألة

واختلف قول الشّافعيّ في جميع ذلك [56/أ] فقال: مثل قولنا، وقال: لا يجوز. وما سوى البيع والإجارة عندنا لا يجوز. 938 - مسألة: يصح [عندنا] البيع الموقوف على إجازة مالكه؛ كبيع رجل مال رجل بغير أمره، وكذلك المشتري لغيره بغير إذنه، ويقف على إذنه. ووافقنا أبو حنيفة في البيع دون الشراء. وخالف الشّافعيّ في الأمرين. 939 - مسألة: يجوز [عندنا] كراء الفحل مدة معلومة؛ لينزو على الإناث. ومنع منه أبو حنيفة والشّافعيّ. 940 - مسألة: يجوز بيع الصوف على ظهور الغنم، وبه قال أبو يوسف. ومنع منه أبو حنيفة والشّافعيّ ومحمد بن الحسن. 941 - مسألة: المسك طاهر يجوز بيعه [عندنا]، وبه قال جميع الفقهاء. وحكي عن بعض النَّاس أنّه قال: نجس، لا يجوز بيعه. 942 - مسألة: بيع الأعمى وشراؤه جائز، وبه قال أبو حنيفة. ومنع منه الشّافعيّ إذا ولد أعمى، و [أمّا] إن كان بصيرًا ثمّ عمي، جاز بيعه وشراؤه لما كان شاهده، وما للغالب أنّه لا يتغير كالحديد وغيره. 943 - مسألة: إذا كان لرجل على رجل دين حال، وأخره عليه مدة فليس له الرجوع

944 - مسألة

في ذلك، ولزمه تأخيره إليها، وكذا لو كان عليه دين مؤجل فزاده في الأجل، وبه قال أبو حنيفة، إِلَّا في الجناية والقرض، فإنّه لا يلزمه. وقال الشّافعيّ: لا يلزمه شيء من جميع ذلك، [وله المطالبة قبل الأجل]. 944 - مسألة: يجوز قرض الحيوان سوى الإماء اللواتي يجوز للمقترض وطؤهن. وقال أبو حنيفة: لا يصح قرض شيء من الحيوان؛ لأنّه لا تضبط صفته. وبقولنا قال الشّافعيّ، وزاد المزني وابن جرير الطّبريّ: جواز قرض اللاتي يجوز وطؤهن. 945 - مسألة: إذا أذن السَّيِّد لعبده في التجارة، فما لحقه من دين تعلّق بذمته لا برقبته ولا بكسبه ولا ذمة سيده، إِلَّا أن يضمنه السَّيِّد، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يتعلّق الدِّين برقبته، وتباع رقبته فيه. 946 - مسألة: ما أقر به العبد ممّا يوجب عقوبة في بدنه، قُبل إقراره؛ كإقراره بسرقة فيها، أو قود يلزمه، أو قتل في الحرابة، أو زنا [يوجب جلده] أو غيره ممّا تعلّق بالبدن، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال المزني وزفر وأهل الظّاهر: لا يقبل إقراره. 947 - مسألة: إذا أقر العبد بسرقة معينة أو غير معينة؟ كان المسروق في يده أو في يد غيره فإنّه يقطع، وإن لم يدع سيده المال، ولا قال: إنها بعبده، فإنها ترد على المقر له، فإن أنكر المولى ذلك قطع العبد، ولم يدفع للذي أقر له شيء.

948 - مسألة

وقال أبو حنيفة: إذا كان شيئًا بعينه قطر، ودفع المسروق على من سرق منه. وقال أبو يوسف: يقطع، ويكون المال للمولى إن ادعاه، كقولنا. وقال محمَّد: إن أقر بمال معين لم يقطع. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: يقبل إقراره في المال أيضًا، وتباع رقبته إن لم توجد السّرقة. وقال: لا يباع، ولكن يكون دينًا في ذمته إذا أعتق. 948 - مسألة: يكره بيع الكلاب، فإن بيعت لم يفسخ العقد، وكل كلب أمكن الانتفاع به، فبيعه جائز على كراهة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يجوز بيعه أصلًا، ولا قيمته إن قتل وأتلف على صاحبه، وبه قال أحمد. 949 - مسألة: لا يجوز البيع يوم الجمعة وقت النِّداء، وذلك لمن يجب عليه استماع الخطبة والصلاة، وهو من قرب من الجامع، وهو الوقت الّذي يكون فيه الإمام على المنبر. وأمّا من بعد، فإنّما يحرم عليه في الوقت الّذي لو سعى فيه لحق الإمام على المنبر. وإذا تبايعا والجمعة لازمة لهما أو لأحدهما، فسخ البيع. وروي عن مالك أنّه: لا يفسخ. والأظهر [56/ب] الفسخ. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ وغيرهما: يمنع من البيع والشراء، فإن تبايعا لم يفسخ.

مسائل السلم

مسائل السَّلَم 950 - مسألة: لا يجوز السلم الحال، ولا بد له من أجل وإن كان أيامًا يسيرة، على ما روى ابن عبد الحكم. وقال ابن القاسم: معناه إذا كانت أيامًا، تتغير في مثلها الأسواق. قال القاضي: وهو عندي كما قال ابن القاسم. وبقولنا قال أبو حنيفة، ولم يفرق بين البعيد والقريب. وقال الشّافعيّ: يجوز بغير أجل. 951 - مسألة: يجوز السلم فيما هو معدوم عند العقد، إذا كان مأمون الوجود عند محله، وبه قال الشّافعيّ [وأحمد] وإسحاق. وقال أبو حنيفة: لا يجوز، إِلَّا إذا كان جنسه موجودًا [حال العقد إلى وقت المحل، فإن كان معدومًا عند العقد، موجودًا عند المحل، أو موجودًا] حين العقد وحين المحل، إِلَّا أنّه ينقطع في خلال ذلك، لم يجز. فيجوز السلم في الرطب في شهرين؛ لأنّه أكثر ما يستدام بقاؤه هذه المدة، وبه قال سفيان والأوزاعي.

952 - مسألة

952 - مسألة: اختلف في رأس مال السلم، فقال أبو حنيفة: لا يجوز السلم، إِلَّا بعد معرفة مقدار رأس المال في المكيل والموزون [والمعدود]. وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز العقد على ما كان معينًا، وإن لم يعرف قدره، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه. والآخر مثل قول أبي حنيفة. وقال القاضي أبو الحسن: لا أعرف فيه نصًّا في مذهبنا، غير أن مالكًا يجوّز بيع المكيل والموزون والمعدود الّذي لا يكثر فيه الخطر جزافًا. ولا يباع شيء له بال [يعد عدّا] جزافًا؛ مثل الثِّياب والرّقيق والدواب. وقال: لا تباع الدنانير والدراهم جزافًا، على طريق الكراهة. قال: وعندي الرّقيق وغيره مثله، مكروه. وهو يجوّز تأخير رأس مال السلم بغير شرط، وبالشرط اليومين والثلاثة. وإن حضر رأس المال عند العقد، جاز عندي أن يكون جزافًا، فإن أخره بشرط قريب أو بغير شرط، فلا بد أن يكون معلومًا، كالمسلم فيه؛ ليعلم بما تقع المطالبة فيه، فيجوز على هذا أن يكون رأس المال؛ تارة جزافًا، وتارة معلومًا. 953 - مسألة: يجوز السلم في الحيوان؛ من الرّقيق والبهائم والطيور، وكذلك القرض، إِلَّا الجوراي، وبه قال من الصّحابة: علي وابن عبّاس وابن عمر -رضي الله عنهم-، ومن التابعين: ابن المسيَّب والحسن والنخعي، والفقهاء: الشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: لا يصلح سلم الحيوان ولا قرضه، وذكر أنّه قول ابن مسعود -رضي الله عنه -، ورواية عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، و [به قال] الأوزاعي وسفيان.

954 - مسألة

954 - مسألة: إذا أسلم في شيء ونقد الثّمن، وبقيا مقدار ما ينتفع المسلم إليه بالثّمن، لم يجز أن يقيله من بعض المسلم فيه ويرد قسطه؛ لأنّه يصير بيعًا وقرضًا؛ [كأنّه باعه ما لم تقع الإقالة فيه]؛ لأنّه انتفع بقسط ما أقاله فيه ثمّ رده إليه، وقد نهي عن بيع وسلف (¬1). وجوّزه أبو حنيفة والشّافعيّ، كما لو أقاله في الكل. وهو مبني على أصولنا. 955 - مسألة: يجوز [عندنا] البيع إلى الحصاد والجذاذ والنَّيرُوز والمِهْرَجان (¬2)، يريد وقت وجوب القضاء. وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك؛ لأنّه مجهول. وقال الشّافعيّ: لا يجوز إلى الحصاد والجذاذ، فأمّا وقت وجوب القضاء فيجوز، وإن كان وقت النيروز والمهرجان وفصح النصارى، يعرف من جهة الحساب جاز، كقولنا. 956 - مسألة: إذا حلب لبن المرأة في إناء جاز بيعه، وبه قال الشّافعيّ. ومنع منه أبو حنيفة. ¬

_ (¬1) أخرجه الثّلاثة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ أبو داود (3504)، والترمذي (1234)، النسائي (4611). وقال التّرمذيّ: حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم: 2/ 17، ووافقه الذهبي. (¬2) في الأصل: "المهركان"، والمثبت من (ط). النَّيروز والمِهرجان: عيدان للفرس، قال الزَّمخشري: النَّيروز: الشهر الرّابع من شهور الربيع، والمهرجان: اليوم السابع عشر من الخريف. انظر: المطلع: 155، المصباح المنير: 584 و 600.

957 - مسألة

957 - مسألة: الإقالة بيع لا فسخ. وقال أبو حنيفة: هي فسخ. وقال أبو يوسف: هي قبل القبض فسخ، وبعده بيع، إِلَّا في العقار، فإنها بيع قبل وبعد. وقال محمَّد: هي فسخ، إذا كان بجنس [57/أ] الثّمن الأوّل، وإن كان بغيره فهي بيع. وقال الشّافعيّ: هي فسخ، واختلف أصحابه في ذلك. 958 - مسألة: تجوز الشركة والتولية في السلم، كما تجوز فيه الإقالة. ومنع منه أبو حنيفة والشّافعيّ؛ لأنّ الشركة والتولية بيع الشيء قبل قبضه، والإقالة عندهم فسخ. 959 - مسألة: لا يجوز التسعير على أهل الأسواق، ولكن من حط سعرًا، أمر بأن يلحق بأهل السوق، أو ينعزل عنهم. واختلف أصحابنا في معنى ذلك، فقال البغداديون: من باع خمسة أرطال بدرهم، والناس يبيعون ثمانية [بدرهم]. وقال بعض البصربين: هو من باع ثمانية، والناس يبيعون خمسة. وعندي: أن الأمرين ممنوعان. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يجوز التسعير على المخالف لأهل السوق في البيع ولا غيره. 960 - مسألة: يكره بيع بيوت مكّة، وبه قال أبو حنيفة، وكذلك تكره إجارتهم.

961 - مسألة

وأجازه الشّافعيّ من غير كراهة. 961 - مسألة: لا يجوز بيع الزيت النجس، ويجوز الاستصباح به، وبه قال الشّافعيّ. وجوّز بيعه أبو حنيفة. 962 - مسألة: عهدة الرّقيق في البيع ثلاثة أيّام بلياليها، فما أصابه في هذه المدة، فضمانه إن مات فيها من بائعه ونفقته عليه، ثمّ عليه عهدة السنة؛ من الجنون والجذام والبرص، فما حدث من ذلك في السنة رده به، وإن انقضت السنة ولم يظهر ذلك فلا عهدة على البائع، وإن كانت جارية ممّا توضع للحيضة، فحتى تخرج من حيضتها، وتدخل عهدة الثلاث، ثمّ تبقى عهدة السنة كالعبد. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: كلّ ما حدث من عيب بعد قبض المشتري، فهو من المبتاع على كلّ وجه. 963 - مسألة: إذا تقابضا بعض ثمن الصّرف، ثمّ تفرقا قبل قبض بقيته، بطل الصّرف كله؟ ما قبض وما لم يقبض، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يجوز فيما قبض، ويبطل ما لم يقبض.

مسائل الجنايات

مسائل الجنايات 964 - مسألة: لا يقتل مسلم بكافر على وجه القصاص؛ ذميًا كان أو معاهدًا أو مستأمنًا، وبه قال من الصّحابة: عمر وعلي وعثمان وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-، ولا مخالف لهم من الصّحابة، وقال به [جماعة من التابعين منهم]: عطاء وعكرمة والحسن، [ومن الفقهاء: مالك، والأوزاعي والشّافعيّ والثوري وأبو ثور وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يقتل المسلم بالذمي دون غيره، وبه قال النخعي والشعبي، وحكم المعاهد والمستأمن عنده حكم أهل الحرب. 965 - مسألة: لا يقتل حر بعبد؛ عبد نفسه أو عبد غيره، وبه قال الشّافعيّ، وهو قول أبي بكر وعمر وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وعلي -رضي الله عنهم-. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يقتل بعبد غيره دون عبد نفسه، ووافقنا على ألَّا قصاص بينهما في الأطراف. وقال النخعي: يقتل بعبد نفسه وعبد غيره. وحكي أنّه قال: بينهما قصاص الأطراف. وما أظنه صحيحًا.

966 - مسألة

966 - مسألة: إذا قتل حر عبدًا عمدًا أو خطأً، فعليه قيمته بالغة ما بلغت، وإن زادت على دية الحر أضعافا؛ لأنّه سلعة من السلع، وبه قال الثّوريّ والشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يبلغ به دية الحر، ولا بد أن ينقص منها عشرة دراهم. وحكى أصحابنا عنهم أنّه ينقص في الأمة خمسة دراهم. وهو خطأ، والأمة والعبد سواء، وهو عند أبي حنيفة في الخطأ، وأمّا العمد فيقتل الحر عبده بالعبد. وبقولنا قال [الشّعبيّ و] النخعي وأبو يوسف. 967 - مسألة: يقتل الوالد بولده، إذا [57/ب] تعمد قتله، ومثله حكي عن داود. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ والشعبي وأشهب: لا يقتل به مطلقًا، وبه قال عطاء ومجاهد وأحمد وإسحاق. 968 - مسألة: الرَّجل يقتل بالمرأة والمرأة به، إذا كانا مسلمين حرين، أو عبدين مسلمين، ويقتص كذلك بكل واحد من صاحبه في الأطراف، ولم يختلف قول مالك فيه. فأمّا إن كان يقتص لأحدهما من الآخر، ولا يقتص الآخر منه في النفس، فقال مالك: لا يقتص منه في الأطراف، وإن كان يقتص في النفس، كالعبد يقتل الحر، والكافر يقتل المسلم، فلأولياء المقتول الحر أن يقتلوا العبد والكافر، ولو قطع العبد والكافر يد الحر المسلم، لم يكن له أن يقتص منهم في الأطراف. وروي عنه: أنّه يقتص. وهو القياس، وبهذا قال الشّافعيّ.

969 - مسألة

وقال أبو حنيفة: لا قصاص بينهما في الأطراف، وإن وقع بينهما في النفس، إِلَّا أن يتساويا في الدية المقدرة، فيقتل الرَّجل بالمرأة والمرأة به، ولا يؤخذ طرف الرَّجل بالمرأة، ولا طرف المرأة بالرجل؛ لأنّ ديتهما مختلفة في النفس، وكذا عندهم يقتل الحر بالعبد، ولا يؤخذ طرفه بطرفه، ويقتل العبد بالعبد، ولا يؤخذ طرفه بطرفه؛ لاختلاف قيمتهما، وإن جاز أن يتساويا فالتساوي بطريق الاجتهاد، لا بطريق اليقين. 969 - مسألة: تقتل الجماعة بالواحد، كالواحد لو انفرد، وبه قال [من الصّحابة]: عمر وعلي وابن عبّاس والمغيرة بن شعبة -رضي الله عنهم-، و [من التابعين]: سعيد بن المسيَّب وعطاء والحسن، [ومن الفقهاء: مالك] والشّافعيّ وأبو حنيفة والثوري وإسحاق وأحمد. وقال ابن الزبير ومعاذ -رضي الله عنهم-: إن لولي المقتول أن يقتل واحدًا من الجماعة، من شاء منهم ويأخذ (¬1) الدية من الباقين، مثل: أن يقتل عشرة واحدًا، فيقتل منهم واحدًا، ويأخذ تسعة أعشار الدية من الباقين، وبه قال الزّهريُّ وابن سيرين. وقال داود: لا قود على واحد منهم، وعليهم الدية. وهو خلاف ما اجتمعت عليه الصّحابة. 970 - مسألة: يقطع الجماعة إذا اشتركوا في قطع طرف رجل دفعة واحدة، كما لو قتلوه، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وقال الزّهريُّ والثوري وأبو حنيفة: لا تقطع الأطراف بطرف. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "في".

971 - مسألة

971 - مسألة: يقاد من المثقل كما يقاد من المحدد، ولا فرق بين أن يكون بحديد، أو حجر، أو عصا، أو يغرقه في الماء، أو يحرقه، أو يخنقه، أو يمنعه الطّعام والشراب حتّى يموت، أو يضغطه، أو يهدم عليه شيئًا، أو يبني عليه بيتًا لا يمكنه الخروج منه، وإن قتله بآلة قتل بمثلها، وبه قال الشّافعيّ وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وغيرهم. وقال أبو حنيفة: لا قود عليه في هذه الأشياء، إِلَّا في المحدد والنار، وكذلك المحدد من الخشب والحجر والليطة (¬1)، فأمّا لو غرقه أو قتله بحجر البرز أو بمِدَقَّة الجَصَّ، فلا قود، وبه قال الشّعبيّ (¬2) والحسن والنخعي، وقالوا: لا قود إِلَّا بحديدة. 972 - مسألة: يُقتل المُكرِه والمُكرَه على القتل ظلمًا، وبه قال الشّافعيّ في المكرِه، واختلف قوله في المكرَه. وقال زفر: مثل قولنا. وقال أبو حنيفة: يقتل الآمر دون المأمور، وهو قول محمَّد. وقال أبو يوسف: لا قصاص على واحد منهما. 973 - مسألة: إذا أمسك رجل رجلًا لإنسان، فقتله ظلمًا والممسك عالم بذلك، قتلا جميعًا، وبه قال النخعي، وزاد فقال: يقتل الممسك؛ علم أو لم يعلم. وقال أبو حنيفة [58/أ] والشّافعيّ وأبو ثور وغيرهم: يقتل القاتل دون غيره، ويعزر الممسك إن كان عالمًا. ¬

_ (¬1) اللِّيطة: قشر القصب والقناة، وكل شيء كانت له صلابة ومتانة، تستعمل للذكاة، والجمع: لِيط. انظر: لسان العرب: 7/ 396. (¬2) في الأصل: "الشافعي". وقد مرّ ذكره مع أصحاب القول الأوّل، وهو موافق لـ (ط).

974 - مسألة

974 - مسألة: الواجب في قتل العمد القود حسب، ولا تجب الدية إِلَّا برضى القاتل، هذا الأظهر ممّا روي عن مالك. وروي عنه: أن الولي بالخيار في القصاص أو الدية، وإن كره القاتل. وبالأول قال أبو حنيفة. وبالثّاني قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق وسعيد بن المسيَّب والحسن وعطاء. 975 - مسألة: اختلف عن مالك في النِّساء، هل لهن مدخل في القود والعفو؟ فقال: ذلك للذكور دون النِّساء. وروي عنه: أن الإناث والذكور فيه سواء، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وبالأول قال الزّهريُّ. فعلى القول بأن القود متعين ولا خيار لهم في الدية، إذا عفا الذكور سقط القود، ولم يجب شيء، وعلى القول بأن لهم الخيار، وإن اختاروا الدية وصالحوا عليها، دخل النِّساء فيها. 976 - مسألة: إذا كان القود لصغار وكبار فللكبار أن يستبدوا، ولا يلزم انتظار بلوغ الأصاغر، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد: ليس للكبار ذلك شيء حتّى يبلغ الأصاغر. وقيل: رجع محمَّد إلى قولى أبي حنيفة.

977 - مسألة

977 - مسألة: يقتل الواحد بالجماعة، كما تقتل الجماعة بالواحد، وإذا قتل لم يبق لواحد بعد ذلك حق في دية ولا غيرها، وبه قال أبو حنيفة، ولو مات القاتل سقطت حقوقهم كلهم. وقال الشّافعيّ: يثبت لولي كلّ مقتول القود على الانفراد، فإن تمكن من القود، فقد استوفى حقه، وإن لم يتمكن منه كانت دية مقبولة في ماله. وقال البتي: يقتل بالجماعة، ويكون لكل واحد منهم تسعة أعشار الدية عن مقتوله، إن كان قتل عشرة، وجبت في ماله تسعة ديات، نكل واحد تسعة أعشار ديته، ويسقط من كلّ دية عشرها في مقابلة عشر القود. 978 - مسألة: وإذا قطع يد إنسان، وقتل آخر، فاختار ولي المقتول القتل، قتل القاتل ولم يقطع، وكذلك لو كان قطع يد المقتول ثمّ قتله، إِلَّا أن يكون أراد المثلة (¬1) بالمقتول، فإنّه يقطع ثمّ يقتل، و [به] قال أبو حنيفة و [قال] الشّافعيّ: يقطع لمن قطع يده، ثمّ يقتل بالنفس. 979 - مسألة: إذا سرى القصاص في الجاني إلى نفسه فمات، لم يلزم المجني عليه ضمان؛ مثل: أن يقطع يد الإنسان ظلمًا، فيقتص منه مثل ما فعل فيموت الجاني، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: على المجني عليه دية النفس؛ لأنّ باقتصاصه سرى، فكأنّه أخذ فوق حقه. 980 - مسألة: إذا اشترك عامد وخاطئ، أو عامد وصبي ومجنون في قتل عمد، قتل ¬

_ (¬1) في الأصل: "القتلة". والمثت من (ط).

981 - مسألة

العامد منهما، وكذلك حر وعبد قتلا عبدًا، قتل العبد، وكذا مسلم وكافر قتلا كافرًا عمدًا، قتل الكافر. وقال النخعي والحسن وأبو حنيفة والشّافعيّ: لا يقتل العامد منهما. واختلف أبو حنيفة والشّافعيّ في شريك الأب، [فقال الشّافعيّ: يقتل] (¬1). وقال أبو حنيفة: لا يقتل. 981 - مسألة: إذا قطع كف غيره من الكوع عمدًا، ثمّ قطع آخر باقي اليد من المرفق، ثمّ مات المقطوع، قال أبو حنيفة: يقتل الثّاني، ويقطع كف الأوّل. وقال الشّافعيّ: يقتلان جميعًا. وهذا عندي ينبغي أن يفصل: - فإن عاش بعد القطع الأوّل، وأكل وشرب ولم يندمل حتّى جاء الآخر، فقطعه من المرفق فمات في الحال، فالثّاني هو القاتل [58/ب] وحده فيقتل. - وإن كان عاش بعد الثّاني وأكل وشرب أيامًا، ثمّ مات فللأولياء أن يقسموا على أيهما شاءوا أنّه مات من قطعه فيقتلونه؛ لأنّه لا يقتل بالقسامة [عندنا] أكثر من واحد. وقال أشهب: يقسمون على الجميع أنّه مات من قطعهما، ويختارون واحدًا يقتلونه. - وإن كان حين قطع الأوّل قطع الثّاني ومات في الحال، فهمًا جميعًا قاتلان. ¬

_ (¬1) في الأصل: "فقتله الشّافعيّ". والمثبت من (ط).

982 - مسألة

وإن كان خلاف أبي حنيفة والشّافعيّ فيها على هذا الوجه، وقولنا وقول الشّافعيّ سواء، والكلام واحد. 982 - مسألة: إذا طرحه في النّار عمدًا حتّى مات، طرح في النّار حتّى يموت. وكره ذلك عبد الملك. وبمثل قولنا قال الشّافعيّ. وكذا يقتص من القاتل بكل آلة قتل بها، وإن رمى به من شاهق قتل كذلك، إِلَّا أن يشاء أولياء المقتول قتله بالسيف فذلك لهم. وقال أبو حنيفة وابن الماجشون: إذا قتله بالنار قتل بالسيف. 983 - مسألة: إذا عدى إنسان على غيره بقطع يده من الكوع، وكانت صحيحة فيها خمس أصابع، ويد القاطع ناقصة أصابع، فإن أراد المقطوع أن يقتص من القاطع، قطع يده الناقصة ولا شيء له غيره، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يقتص ويأخذ دية أصبع؛ لأنّها معدومة في يد المقطوع، لا يمكن القصاص منها. 984 - مسألة: لا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ، وهو قول أهل العلم كافة. وحكي عن قوم: أنّه تؤخذ الصحيحة بالشلاء، كما تؤخذ الأذن الصحيحة باليابسة والمستحشفة، وينبغي أن يكون مذهب داود هكذا، إن صح عنه أن في اليد الشلاء دية الصحيحة. وهو خطأ.

985 - مسألة

985 - مسألة: في اليد الشلاء حكومة (¬1)، وبه قال أهل العلم كافة. وحكي عن داود: أن فيها دية الصحيحة. 986 - مسألة: إذا قطع أصبعه فتآكلت فذهب كفه، اقتص [من] أصبع الجاني وترك، فإن ذهب كله أو أكثر بذلك [لم يكن له غير ذلك]، وإن اندملت أصبعه فعليه دية ما بقي من الكف، وكذا لو قطع له أصبعًا فسرى إلى أصبع قطع أصبعه، فإن سرى إلى الآخر، وإلا كان عليه دية أصبع، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا قود عليه في الأصبع، وإنّما عليه ديتها مع ما ذهب. 987 - مسألة: لا يقتص من الجارح حتّى يندمل المجروح، ويثبت أمره على ما ينتهي إليه؛ لئلا ينتهي إلى النفس، فيحصل القود بالجرح دون النفس، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: الخيار للمجني عليه، فإن أراد القود في الحال والدم سائل فله ذلك. والأولى عند الشّافعيّ التأخير حتّى يندمل، فإن اندمل أخذ القود في الجرح، وإن سرى إلى النفس أخذ القود في الجرح والنفس جميعًا. 988 - مسألة: في كلّ سن خمس من الإبل، وبه قال أهل العلم. وحكي عن معاوية -رضي الله عنه - أنّه فاضل بينها. ¬

_ (¬1) الحكومة: ما نقص من قيمة المجني عليه لو كان عبدًا. انظر: بداية المجتهد: 2/ 420.

989 - مسألة

989 - مسألة: كسر الضلع والتَّرقوة (¬1) فيه حكومة، وهو أحد قولي الشّافعيّ. والقول الآخر: يقيد. وروي عن عمر -رضي الله عنه - أنّه حكم فيه ببعير. 990 - مسألة: يجوز التوكيل في القصاص، وهو أحد قولي الشّافعيّ. 991 - مسألة: لا يقتص اليمنى باليسرى، ولا اليسرى باليمنى، وبه قال أهل العلم. وقال ابن شبرمة: تقطع اليسرى باليمنى، ولا تقطع اليمنى باليسرى. 992 - مسألة: يجوز أن تبلغ الحكومة أكثر من أرش المُوَضِّحَة (¬2). وقال الشّافعيّ: لا يجوز. 993 - مسألة: في شعر اللحية إذا لم تنبت حكومة، وكذا شعر الرّأس والحاجبين وأهداب العينين، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: في [59/أ] كلّ واحد من هذه الأشياء دية كاملة. ووافقنا في شعر الصدر وسائر البدن. ¬

_ (¬1) التَّرقوة بالفتح: عظم وصل بين ثغرة النَّحر والعاتق من الجانبين، جمعها التَّراقي. انظر: لسان العرب: 10/ 32. (¬2) المُوَضِّحَة: الشّجّة الّتي تبلغ العظم فتُوضِحُ عنه، أو تقشِّر الجلدة الّتي بين اللّحم والعظم، حتّى يبدو وَضَح العظم. انظر: لسان العرب: 2/ 635.

994 - مسألة

994 - مسألة: إذا وجب القصاص في شيء من الجراح، ولم يوجد من يقتص إِلَّا بأجرة، فهي على المقتص له. و (¬1) قال أبو حنيفة و (¬2) الشّافعيّ: هي على المقتص منه. 995 - مسألة: إذا قطع ولي الدِّم في النفس يد القاتل، ثمّ عفا عنه في القتل، فإن كان قطع يده عمدًا فعليه القود، وإن [كان] خطأ فدية اليد على عاقلته، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا شيء عليه، وبه قال أبو يوسف ومحمد. 996 - مسألة: إذا حذف الأب ابنه بالسيف فقتله، وقال: أردت تأديبه، فعليه الدية مغلظة؛ ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها، وبه قال الشّافعيّ ومحمد بن الحسن في قتل الأب ابنه في كلّ حال. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: هي أرباع ليس فيها حوامل. 997 - مسألة: قال أبو حنيفة: دية العمد تجب في مال العامد مؤجلة؛ ثلاث سنين. وليس على أصله دية حالة أصلًا، وإنّما يتصور الخلاف بيننا وبينه في قتل الأب ابنه إذا وجبت الدية، فأمّا في قتل الأجنبي عمدًا، فالواجب فيها القود عندنا وعنده. ونخالفه في الرِّواية الأخرى الّتي يوافق فيها الشّافعيّ. وقولنا وقول الشّافعيّ: إن دية العمد تكون في مال الجاني حالة. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "به". (¬2) في الأصل بزيادة: "قال".

998 - مسألة

998 - مسألة: إذا كان القتل خطأ، فالدية فيه أخماس مخففة في كلّ موضع، وكل ذي رحم أو غيره؛ سواء كان في الحرم أو الأشهر الحرم، وبه قال الشّعبيّ والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه. وقد روي عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيَّب وأبي بكر ابن عبد الرّحمن (¬1) وخارجة بن زيد (¬2) وسليمان بن يسار: أن الدية في الحرم والحل سواء. وقال الشّافعيّ: هي مغلظة أثلاثًا في ذوي الأرحام وفي الحرم والأشهر الحرم؛ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، تحملها العاقلة. وحكي أنّه قول سعيد بن المسيَّب وسعيد بن جبير وعطاء وطاووس والزّهريُّ. 999 - مسألة: لا اختلاف بين أهل العلم، أن دية الخطأ مائة من الإبل. واختلف في الأسنان، فذهب مالك والشّافعيّ: إلى أنّها أخماس؛ عشرون بنات لبون، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنو لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وهو قول ابن مسعود -رضي الله عنه -، وسليمان بن يسار والزهري وربيعة والليث. ¬

_ (¬1) هو: أبو بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث القرشي المخزومي المدني: من سادات التابعين وفضلائهم سمي براهب قريش، سابع فقهاء المدينة، حدث عن أبيه وعمار بن ياسر وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم، كان ثقة ثبتًا، أخرج له الستة. توفي: 94 هـ. انظر: السير: 4/ 416، التهذيب: 12/ 28. (¬2) هو: أبو زيد خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري المدني؛ التابعي الجليل، الإمام ابن الإمام، أحد فقهاء المدينة السبعة، أدرك عثمان رضي الله عنه وروى عن أبيه وعمه يزيد وأسامة بن زيد رضي الله عنهم وغيرهم، كان ثقة ثبتًا، أخرج له الستة. توفي: 99 هـ. انظر: السير: 4/ 437، التهذيب: 3/ 65.

1000 - مسألة

وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والنخعي، إِلَّا أنّهم جعلوا مكان بني لبون بني مخاض، فخالفونا في هذا السن خاصّة. وقال آخرون: إنها أرباع؛ بنات مخاض، وبنات لبون، وحقاق، وجذاع، وذهب إليه علي رضي الله عنه، والشعبي والحسن. وذهب زيد بن ثابت -رضي الله عنه -: إلى أنّها أرباع؛ عشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وثلاثون حقة، وثلاثون جذعة. 1000 - مسألة: إذا وجب عليه القصاص في الحل ولجأ إلى الحرم، اقتص منه فيه في النفس والطرف، وكذلك جميع الحدود؛ رجما أو جلدًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن قتل في الحرم قتل فيه، وإن قتل في الحل ولجأ إلى الحرم لم يخرج منه، لكن يهجر ولا يبايع ولا يشارى ولا يؤتى إليه، حتّى يضطر فيخرج فيقتل حينئذ. ووافقنا في الطرف. فأمّا إذا وجب عليه حد [59/ب] فلجأ إلى الحرم، قال: إن كان جلدًا أقيم عليه، وإن كان رجمًا لم يرجم فيه. 1001 - مسألة: الّذي يجب من الدية على أهل الإبل إبل، وعلى أهل الورق ورق، والذهب ذهب، ولا مدخل فيها لشيء غير هذه الأموال الثّلاثة، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وذهب أبو يوسف والثوري ومحمد وأحمد: إلى أن على أهل البقر مائتا بقرة، وعلى أهل الغنم ألفا شاة، وعلى أهل الحلل مائة حلة يمانية. 1002 - مسألة: لا يجوز العدول عن الإبل في الدية مع وجودها على أهل الإبل، إِلَّا أن يصطلح الولي والعاقلة على ذلك، وبه قال الشّافعيّ.

1003 - مسألة

وجوّزه أبو حنيفة، وأن يؤخذ الذهب والفضة من أهل الإبل مع وجودها. 1003 - مسألة: في موضحة الأنف واللحى الأسفل ومنقلتها الاجتهاد. وقال الشّافعيّ: هما في سائر الوجه والأنف في كلّ موضع منه، ولا يكون في ذلك حكومة. 1004 - مسألة: الهاشمة هي الّتي توضح اللّحم عن العظم وتكسره، ولم يثبت عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فيها شيء مقدر، كما ثبت في المُوَضِّحَة والمُنَقِّلَة (¬1) والمأمومة (¬2)، ولم يذكر مالك فيها دية أعرفها. والذي يلوح (¬3) لي من مذهبه: أن فيها أرش الموضحة وحكومة، وإن كان شيخنا أبو بكر يناظر على أن فيها ما في المنقلة، ويقول: إذا كسرت العظم بعد أن أوضحته، حصل فيها ما في المنقلة والخوف في كسر العظم، وإنّما يخرج العظم عند العلّاج بعد كسره، وخوف المنقلة قد حصل. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: فيها عشر من الإبل. 1005 - مسألة: اختلف عن مالك - رحمه الله - في أشراف الأُذُنَين، فقال: فيهما حكومة. وروي عنه فيهما: الدية. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: فيهما الدية. ¬

_ (¬1) المُنَقِّلَة: الشّجّة الّتي تنقل العظم عن موضعه. انظر: لسان العرب: 9/ 35. (¬2) المأمومة: الشّجّة الّتي تبلغ أم الرّأس. انظر: لسان العرب: 12/ 33. (¬3) في الأصل: "يولج". والمثبت من (ط).

1006 - مسألة

1006 - مسألة: إذا أوضحه فذهب منها عقله، فعليه خمس من الإبل للموضحة، والدية كاملة للعقل. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه: إذا ذهب من الجناية العقل، فعليه أكثر الأمرين؛ من الجناية أو الدية؛ مثل: أن يقطع يده وبعض الذراع، ويدخل في ذلك دية العقل، وإن كانت الجناية مع الحكومة أقل، أخذ الدية ودخلت فيه الجناية. وقال في الآخر وهو الأصح: مثل قولنا. 1007 - مسألة: قال الشّافعيّ: في جفون العينين الدية، وفي كلّ واحد من الأربعة ربع الدية؛ لأنّه من تمام الخلقة ويألم بقطعه. وعندنا فيها حكومة، وكذلك في كلّ جفن منها. 1008 - مسألة: إذا قطعت اليد من المنكب ففيها نصف الدية، فإن كان اليدين ففيهما الدية، وكذلك إذا قطعتا من الكوع. وقال الشّافعيّ: إذا قطعتا من الكوع فالدية، وإن كان من الساعد فالدية وحكومة، ومن المرفقين دية وحكومة أكثر من حكومة الساعدين، ومن المنكب دية وحكومة أكثر من حكومة الساعدين والمرفقين. 1009 - مسألة: في عين الأعور الدية كاملة، وهو قول الزّهريُّ والليث وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: نصف الدية، وهو قول الثّوريّ والنخعي.

1010 - مسألة

1010 - مسألة: تعاقل الرَّجل المرأة في جراحتها إلى ثلث الدية، ثمّ يرجع إلى النّصف إذا بلغت الثلث، ففي مأمومتها نصف الدية الّتي في مأمومة الرَّجل، وهو قول الشّافعيّ في القديم، وللناس فيه اختلاف، وبهذا قال عمر رضي الله عنه، وسعيد بن المسيَّب والزهري وربيعة وأحمد. وذهب قوم: إلى أن جراحتها على النّصف من المقدر في جراحة الرَّجل، القليل والكثير؛ فموضحتها [60/أ] على النّصف من موضحته، وكذا سنها وأصبعها ومأمومتها وجائفتها (¬1) ويدها، وجميع ما فيها من مقدار على اعتبار ديتها، منهم: الثّوريّ وأبو حنيفة وأصحابه والشّافعيّ في الجديد، وروي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -. وذهب قوم: إلى أن جراحها مثل جراح الرَّجل، إلى أن تزيد على الموضحة، وهي نصف عشر الدية، وسنها كسنه وأنملتها مثله، فإذا زاد على الموضحة، رجعت إلى النّصف من ديته، ذهب إليه: ابن مسعود - رضي الله عنه -، وشريح. وذهبت طائفة: إلى أن جراحها كجراح الرَّجل إلى المنقلة، وفيها خمس عشرة من الإبل، وهي في الزيادة على النّصف من الرَّجل، ذهب إليه: زيد بن ثابت -رضي الله عنه -، وسليمان بن يسار. وذهب الحسن البصري: إلى أنّها تعاقل الرَّجل إلى نصف الدية؛ ففي أربع أصابع منها أربعون من الإبل، وفي خمس أصابع عشرون. ففيها خمسة مذاهب. 1011 - مسألة: سالت الشّيخ عن الموالي من أسفل، هل يعقلون؛ فقال: لا أعرفه عن مالك، لكن يشبه أن يحملوا؛ لأنّ بهم مدخلًا في ولاية النِّكاح، فأشبهوا ¬

_ (¬1) الجائفة: الطعنة الّتي تبلغ الجوف. انظر: المطلع: 367.

1012 - مسألة

العصبات، ولأن المولى المنعم يحمل عن المنعم عليه، وهذا يفسد بالنساء والصبيان والمجنون. وللشافعي قولان. 1012 - مسألة: إذا قطع نصف اللسان، فذهب ربع الكلام ففيه الدية، وبه قال أبو ثور. وقال الشّافعيّ: عليه أغلظ الأمرين. 1013 - مسألة: إذا كان بعض العصبة غائبًا وبعضهم حاضرًا، سألت الشّيخ عنها، فقال لي: لا أحفظها، وهو محتمل. وللشافعي قولان: أحدهما: إنّه على من حضر العقل، ولا شيء على الغائب، والثّاني: يقسم عليهم جميعًا ويكتب إلى الغائب، وإن كان الجميع غُيَّبا (¬1) كتب إليهم. 1014 - مسألة: في قطع الذكر والأنثيين ديتان، وفي كلّ واحد منهما الدية؛ قطعًا في ضربة أو أحدهما بعد الآخر، وإن تفاوت ما بينهما. وذكر أبو بكر الأبهري: أنّه إن قطع أحدهما قبل الآخر؛ ففي الأوّل الدية، وفي الثّاني حكومة، وحكاه عن مالك. قال القاضي: ولست أعرف موضعه من قول مالك؛ سواء كان الأوّل الذكر أو الأنثيين. فأمّا إن قطعًا في ضربة فديتان بالإجماع، وبه قال الشّافعيّ في قطع أحدهما قبل الآخر؛ كلّ واحد منهما الدية، كما حكيناه عن مالك. ¬

_ (¬1) يقال: الغُيَّب والغَيَبُ - بالتحريك -: جمع غائبٍ. انظر: لسان العرب: 1/ 655.

1015 - مسألة

وقال أبو حنيفة: إن قطع الذكر قبل ففيهما ديتان، وإن قطع الأنثيين قبل ففيهما الدية، وفي الذكر حكومة. 1015 - مسألة: " دِيَّة اليَهُودي والنَّصرانِي عَلَى النِّصفِ مِن دِيّة المسلِم"، رواه مالك عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬1)، وإليه ذهب: عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز. وقال الثّوريّ وأبو حنيفة: دية اليهودي والنصراني والمعاهد والمستأمن مثل دية المسلم، وهو قول الزّهريُّ، وروي عن ابن مسعود ومعاوية - رضي الله عنهما -. وقال الشّافعيّ: دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم، ورواه عن عمر وعثمان -رضي الله عنهما-، وابن المسيَّب وعطاء. وقال أحمد: إن قتله خطأ فنصف دية المسلم، وإن كان عمدًا فدية مسلم. 1016 - مسألة: دية المجوسي ثمانمائة درهم، وفي الأنثى نصف ذلك، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: هم مثل أهل الكتاب، فيهم دية كاملة. وقال عمر بن عبد العزيز: فيه نصف دية المسلم، كالكتابي كقوله فيه. 1017 - مسألة: في جراح العبد ما نقص من قيمته، إِلَّا في أربعة مواضع؛ موضحته ومنقلته ومأمومته وجائفته، ففيها المقدر من قيمته [60/ب]، كالمقدر من دية ¬

_ (¬1) المذكور في الموطَّأ أنّه من قول عمر بن عبد العزيز. انظر: الموطَّأ (2522)، وقد أسنده ابن عبد البرّ إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. انظر التمهيد: 19/ 218.

1018 - مسألة

الحر؛ فموضحته نصف عشر قيمته، ومنقلته عشر ونصف عشر [قيمته]، ومأمومته ثلث قيمته، وكذا جائفته. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: كلّ مقدر في الحر من جراحه اعتبر من ديته، فيعتبر في العبد من قيمته، فزادوا علينا: جميع جراحه وأطرافه، مثل: عينه ويديه ورجليه ولسانه وذكره وشفيته، وكل ما يقدر في الحر صغيرًا أو كبيرًا، قالوا: هو مقدر من قيمته؛ ففي يده نصف قيمته، وفي يديه قيمته، وروي عن عمر وعلي -رضي الله عنهما- وسعيد بن المسيَّب. ومن النَّاس من قال: يجب في جميع جراحه ما نقص. 1018 - مسألة: من اطلع على رجل في بيته، ففقأ عينه بحصاة أو عود أو غيره عمدًا فعليه القود، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا شيء فيه. 1019 - مسألة: لا تحمل العاقلة قيمة العبد إذا قتل خطأ، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه. وقال أبو حنيفة: تحملها، وهو الثّاني للشافعي. 1020 - مسألة: إذا جنت أم الولد ثانية وثالثة وفداها السَّيِّد، فعليه أن يفديها بالأقل على ما تقدّم ذكره، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه. وقال في الآخر: لا يلزمه من جناياتها كلها، إِلَّا أرش واحد. وقال المزني مثلنا. 1021 - مسألة: [و] إذا جنت فعلى سيدها الأقل من قيمتها، إن كانت أمة يجوز بيعها أو الأرش، وبه قال الفقهاء.

1022 - مسألة

إِلَّا أبا ثور، وبعض أهل الظّاهر وأصحاب داود قالوا: يتعلّق الأرش برقبتها، إِلَّا أنّها لا تباع فيه، ويؤخذ من ذمتها إذا عتقت، هذا قول أبي ثور. 1022 - مسألة: إذا اصطدم فرسان فماتا، فعلى عاقلة كلّ واحد دية الآخر، فإن مات الفرسان، فقيمة كلّ فرس منهما في مال الآخر، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق. وقال الشّافعيّ وزفر: على عاقلة كلّ واحد نصف دية الآخر، وفي مال كلّ واحد نصف قيمة الفرس. وحكى أبو بكر عن بعض أصحاب مالك مثل [قول] (¬1) الشّافعيّ. وقال القاضي: رأيته لأشهب. 1023 - مسألة: إذا اصطدم سفينتان من غلبة الريح، فلا ضمان لأحدهما على الآخر، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وقال في الآخر: هما مثل الفارسين. 1024 - مسألة: الأب والابن يحملان العقل مع العاقلة في الخطأ وهما من العاقلة [عندنا]، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: ليسا من العاقلة، ولا يحملان شيئًا. 1025 - مسألة: اختلف عن مالك في الجاني، هل يحمل مع العاقلة؟ ¬

_ (¬1) في الأصل: "قولنا وقال": والمثبت من (ط).

1026 - مسألة

والظاهر كونه كواحد منهم، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يحمل. 1026 - مسألة: والعاقلة الّتي تحمل الدية، هم: عصبة القاتل، فإن كان القاتل من أهل ديوان مع غير قومه، حملوا عنه دون قومه، وحمل عنهم مثل قومه، سواء كانوا أهل ديوان أم لا، فإن اضطر أهل ديوان إلى معونة قومه، أعانوهم إذا قل أهل الديوان أو انقطع. وقال أشهب: إنّما يعقل أهل الديوان، إذا كان العطاء قائمًا، فأمّا إذا انقطع حمل عنه قومه؛ كانوا معه في الديوان أم لا. وبمثل قولنا قال أبو حنيفة في أهل الديوان. وقال الشّافعيّ: لا يحمل عنه إِلَّا عاقلته؛ كانوا أهل ديوان أم لا. 1027 - مسألة: تنجم دية الخطأ على ثلاث سنين، وبه قال جماعة الفقهاء. وقال ربيعة بن عبد الرّحمن: خمس سنين؛ لأنّها خمسة أجناس، ففي كلّ سنة سنًا. وقال قوم: تجب على العاقلة حالة. 1028 - مسألة: لست أعرف نصًا، هل تجب الدية من يوم القتل، أو من يوم الحكم؟ والذي يتبين لي: أنّه من يوم الحكم؛ لأنّه يحتاج إلى تمييز العاقلة [61/أ]، ومعرفة من تجب عليه في مقدار أحوالهم، وهم غير معينين، وإنّما يتعينون بالحكم، فيكون الأجل من يوم الحكم. وعليه يدلُّ قول عبد الملك، وكذلك رأيتها في المبسوط، أنّها ليست على العاقلة كالدين، وإنّما تثبت عليهم بالحكم، وبه قال أبو حنيفة.

1029 - مسألة

وقال الشّافعيّ: من يوم الموت. 1029 - مسألة: يجعل من الدية على العاقلة؛ على الموسر بقدره، والمعسر بقدره، والمقتر بقدره، ورب مقتر لا يجعل عليه شيء لإقتاره. وقال أبو حنيفة: يدخل الفقير على التحمل. وقال الشّافعيّ: ليس على الفقير منها شيء أصلًا. 1030 - مسألة: ليس لما يحمله كلى واحد من العاقلة حد، وهو على الاجتهاد في الموسر والمقل والمتوسط. وقال أبو حنيفة: الغني والمقل والمتوسط سواء، على كلّ واحد منهم ثلاثة دراهم أو أربعة. وقال الشّافعيّ: على الغني نصف دينار، والمتوسط ربع دينار، وليس على الفقير شيء. واختلف أصحاب الشّافعيّ، هل النّصف دينار والربع في كلّ سنة، أو في ثلاث سنين؟ 1031 - مسألة: تحمل العاقلة ثلث الدية فصاعدًا، وما نقص عنه ففي مال الجاني، وبه قال سعيد بن المسيَّب وعطاء والشّافعيّ في القديم وأحمد. وحكي عن الشّافعيّ أيضًا في القديم: أنّها لا تحمل إِلَّا الدية كاملة، ولا تحمل ما دونها. وقال في الجديد: تحمل القليل والكثير. وقال الزّهريُّ: تحمل العاقلة ما زاد على الثلث، وأمّا الثلث فما دون، ففي مال الجاني.

1032 - مسألة

وقال أبو حنيفة: تحمل نصف عشر الدية، وهي الموضحة والسن، وهو خمس من الإبل، وما دون ذلك فمن مال الجاني. 1032 - مسألة: لا تعقل العاقلة من أصاب نفسه خطأ، وبه قال ربيعة والثوري وأبو حنيفة والشّافعيّ. وقال الأوزاعي وأحمد: إذا أصاب نفسه خطأ، فأرش جنايته على عاقلته، فإن عاش غرموها له، وإن مات فلورثته. واحتجوا بما روي أن رجلًا كان يسوق حمارًا ... الحديث ... فضربه بعصا فأصابت العصا عين الرَّجل ففقأتها، فقضى عمر بدية عينه على عاقلته، وقال: "يدٌ مِن أَيدي المُسلِمين جَنَتْ، لمَ يَضْمَنوا عَمْدًا" (¬1). يريد: أنّه ليس بعمد، فلا يلزمهم. ودليل مالك: ما رواه عوف بن مالك -رضي الله عنهما-: أن أباه ضرب مشركًا، فعاد السيف عليه فقتله، فامتنعوا من الصّلاة عليه، وقالوا: قد أبطل جهاده مع النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، فقال: "ماتَ شَهيدًا، ماتَ مُجاهِدًا" (¬2). ولم يوجب ديته على عاقلته، وقتل نفسه خطأ. وأيضًا: فإن الدية إنّما جعلت على العاقلة تخفيفًا على الجاني، فإن لم يجب على الجاني لأحد شيء، لم يجب التخفيف بلزوم العاقلة شيء. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 6/ 393، وبلفظ قريب منه عند عبد الرزّاق: 9/ 412 و 415. (¬2) أخرجه بلفظ قريب عبد الرزّاق في مصنفه: 9/ 412 - 413 عن الزّهريُّ: ولفظه: "كلا بل مات مجاهدًا، له أجران". وأصل الحديث في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أن أخاه عامرًا رضي الله عنه هو الّذي عاد عليه سيفه فقتله؛ البخاريّ (4169) و (6148) و (6891)، ومسلم (1807).

1033 - مسألة

1033 - مسألة: يجوز للإنسان أن يبني في ملكه ما شاء، وإن خرج رَوشنًا (¬1) أو ساباطًا (¬2) على طريق المسلمين، إذا علاه حتّى لا يضر بالمارة، في الجواز مثل: الجمل عليه المحمل والكنيسة (¬3)، وما أشبه ذلك، جاز له ذلك ولم يكن لأحد منعه منه، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: [له] ذلك، إِلَّا أن يمنعه أحد من النَّاس، فما له أن يبنيه. 1034 - مسألة: من كتاب ابن الموّاز عن مالك: إذا ضرب بطن امرأة فماتت، ثمّ خرج من بطنها جنين، أنّه ليس فيه شيء، بخلاف خروجه قبل الموت، وأحب إلى قال: أن تكون فيه غُرّة (¬4). وحكى بعض أصحابنا: أن الغرّة فيه واجبة، كهو قبل الموت ولست أثبته. وقال أبو حنيفة: مثل ما حكاه ابن الموّاز، لا شيء فيه. وقال الشّافعيّ: فيه غرّة، كخروجه قبل موتها. 1035 - مسألة: في جنين الأمة عشر قيمة أمه، ذكرًا كان أو أنثى، وفي جنين الحرة عشر دية الأمة، ذكرًا كان أو أنثى، وبه قال الشّافعيّ. ¬

_ (¬1) الرَّوشن بفتح الراء وهو: الخارج من خشب البناء. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه: 300. (¬2) السَّاباط: سقيفة بين حائطين أو دارين، من تحتها طريق نافذ. انظر: لسان العرب: 7/ 311. (¬3) في الأصل: "الكفسنية" ولعلّه تحريف، والمثبت أصحّ، وهي: شبه الهودج؛ وهو أن يجعل في المحمل أو قتب البعير عيدان ويلقى عليه ثوب تستر به المرأة الراكبة. انظر: طلبة الطلبة: 267. (¬4) الغُرَّة: المقصود بهاهنا: النسمة من الرّقيق ذكرًا كان أو أنثى. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه:305.

وقال أبو حنيفة: في جنين الأمة نصف عشر قيمته، لو كان [61/ب] ذكرًا حيَّا، وعشر قيمته إن كان أنثى، كما قال في جنين الحرة، إن فيه نصف عشر ديته، إن كان ذكرًا حرَّا، وعشر [ديتها إن كان] (¬1) أنثى، فجنين الحرة والأمة سواء [عنده] في أنّه معتبر بنفسه لا بغيره. وعندنا جنين الحرة والأمة سواء أيضًا، في أنّه معتبر بأمه لا بنفسه. * * * من المعتمد للقزويني (¬2) قال ابن القاسم: فيما أخطأ فيه الإمام حرصنا أن نسمع من مالك فيه شيئًا فما أجابنا، وأرى ذلك على عاقلة الإمام، مثل خطأ الطبيب والمعلم والخاتن. وكان أبو بكر الصالحين (¬3) يقول: لا ضمان عليه، إِلَّا أن يتعدى. وقال أهل العراق: لا ضمان عليه، ولا في بيت المال. وقال الشّافعيّ: إن قتل من التعزير، وجبت الدية في بيت المال، وعلى عاقلته حسب. ما اختلف قولاه فيه. ¬

_ (¬1) في الأصل: "قيمة". والمثبت من (ط). (¬2) هو: أبو سعيد أحمد بن زيد القزويني المالكي: الإمام الفقيه الأصولي، تفقه بأبي بكر الأبهري، وهو من كبار أصحابه وبأبي بكر بن علويه، من مؤلفاته: المعتمد في الخلاف في مائة جزء وهو من أهذب كتب المالكية، والإتحاف في مسائل الخلاف. توفي نيف وتسعين وثلاثمائة. انظر: الديباج: 35، شجرة النور:1/ 154. (¬3) المقصود به أبو بكر الأبهري إمام تلك الطبقة، السابق ترجمته. والذي جعل القزويني يسميه بالصالحي: أنّه تتلمذ على أبي بكر الأبهري وأبي بكر بن علويه الأبهري، فلجأ إلى التفريق بينهما: بأن لقّب أبا بكر بن صالح بالصالحي. هذا وقد اعتبره القاضي أبو الوليد الباجي مجهولًا. انظر: المنتقى: 1/ 197. ورد عليه القاضي عياض قائلًا: "فلو اعتنى رحمه الله بهذا الباب لعلّم أن الصالحي هو أبو بكر محمَّد بن صالح الأبهري". انظر: ترتيب المدارك: 6/ 193، 7/ 73.

مسائل القسامة

مسائل القسامة 1036 - مسألة: يبدأ بالقسامة أهل الدِّم، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه. وفي القول الثّاني قال: لا يشاط (¬1) الدِّم بالقسامة. وبقول مالك قال أحمد وربيعة والليث. وقال أبو حنيفة: [إذا ادعى الدِّم على رجل أو أهل محلة، أنّهم قتلوا مورثهم، فينظر]؛ القول قول المدعى عليهم إن لم يكن القتيل موجودًا، وإن كان موجودًا فللإمام أن يجمع خمسين رجلًا من صلحاء الناحية، إن كان فيهم خمسون فأكثر، فيحلفون خمسين يمينًا كلّ واحد يمين، فإن كانوا دون الخمسين، فرقت الأيمان عليهم، فإن كانوا خمسة وعشرين، حلف كلّ واحد يمينين، ولو كانوا خمسة، حلف كلّ واحد عشر أيمان، ولو لم يوجد إِلَّا واحد، حلف خمسين يمينا، فإذا حلفوا وجبت عليهم الدية، فإن ادعي على أهل محلة، وكان الّذي أسسها وخطها وبناها حيًّا، وجبت الدية على السكان، كانوا ملاكًا أو غير ملاك. وقال أَبُو يوسف: الدية على السكان على كلّ حال. ¬

_ (¬1) يشاط بمعنى يهلك، قال عمر رضى الله عنه: القسامة توجب العقل ولا تشيط الدِّم. انظر: لسان العرب: 7/ 338.

1037 - مسألة

فأمّا إن وجد القتيل في مسجد، حلف أهل المحلة، وكانت الدية في بيت المال. وإن ادعي على رجل من غير تلك المحلة، فدعواهم عليه براءة لأهل المحلة، ثمّ يكون القول قول المدعى عليه، فيحلف ويبرأ. هذا جملة مذهبه، وحاصله: أن البداية بالمدعى عليه، كسائر الدعاوى. 1037 - مسألة: ومضى الكلام في تبدئة (¬1) المدعيين، فإذا حلفوا فإن كان القتل عمدًا وجب القود لهم، وبه قال الشّافعيّ في القديم وأحمد، وهو قول ابن الزبير رضى الله عنهما. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ في الجديد: لا تجب بالقسامة إِلَّا الدية، ولا يشاط بها الدِّم، ورووه عن عمر -رضى الله عنه -. 1038 - مسألة: إذا ادعى الدِّم على جماعة، وحصل اللَّوث (¬2) على أنّه قتل عمدًا، اختار الأولياء واحدًا من المدعى عليهم، فأقسموا عليه وقتلوه. وروي عن مالك: أنّهم يقسمون على الجماعة، ثمّ يختارون منهم واحدًا، ولا يقتل أكثر من واحد، وبه قال ابن سريج، لكنه يقول: يؤخذ من الباقين ما يصيبهم من الدية لو أخذت من الكل. وقال الشّافعيّ في قوله الّذي يوجب فيه القود: إن الجماعة تقتل إذا أقسم عليها. ¬

_ (¬1) في الأصل: "بقية"، والمثبت من (ط). (¬2) اللُّوْث، بفتح اللّام وإسكان الواو: وهو قرينة تدل على قتل القاتل بأمر بين؛ ما لم يكن الإقرار، أو كمال البينة فيه، أو في نفيه. انظر: جامع الأمهات: 507، تحرير ألفاظ التنبيه: 339.

1039 - مسألة

1039 - مسألة: اللَّوْث [عند مالك] يثبت بأحد أمرين: إمّا شاهد، أو قول الميِّت: "دمي عند فلان". واختلف قوله في اشتراط عدالة الشّاهد، فقال: يقبل غير العدل. وقال ايضًا: لا يكون إِلَّا عدلًا مرضيًّا. وروي: أن شهادة المرأة لوث. والأصح: أنّه لا يقبل إِلَّا شهادة عدل، أو قول الميِّت. وقد بيَّنَّا مذهب أبي حنيفة. و [أمّا] الشّافعيّ فإنّه قال: لا يقبل قول المقتول: "دمي عند فلان"، ولا يكون فيه قسامة ولا غيرها، واللوث عنده: بالشّاهد، وكذلك بوجود قتيل في دار فيما بين قوم، أو في بلد أو محلة فيها أعداؤه، ولا يدخلها غيرهم، أو أن تكون جماعة في صحراء فيفترقون عن قتيل، أو يوجد قتيل وإلى جانبه صاحب سكين مخضوبة بالدم، وليس ثمّ أثر سبع، ولا أثر قدم إنسان آخر، أو يكون زحام فيفترقون عن قتيل، أو صفين في حرب ويوجد في أحدهما قتيل، فالغالب أن أهل الصف الآخر قتلوه. 1040 - مسألة: لا قسامة في عبد قتل عمدًا أو خطأً، فإن كان لسيده شاهد على قتله، حلف معه يمينًا واحدة، واستحق [62/أ] قيمته، وإن لم يكن له شاهد، وادعى قتله على رجل، حلف المدعى عليه يمينًا واحد كالأموال. وقال أبو حنيفة (¬1): تجب القسامة فيه كالحر. واختلف قول الشّافعيّ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "يوسف"، والمثبت من (ط)، أمّا أبو يوسف فالمشهور عنه أنّه يقول بقول مالك، وروي عنه كقول أبي حنيفة، وروي عنه أنّه قال، تعقله العاقلة بلا قسامة. انظر: السير لمحمد بن الحسن: 163، مختصر اختلاف العلماء للجصاص: 5/ 192 - 193.

1041 - مسألة

1041 - مسألة: إذا وجبت القسامة على أولياء المقتول، فإن كان القتل عمدًا وهم متساوون في القود، حلف كلّ واحد منهمِ مثل ما يحلف الآخر سواء، فإن كانوا خمسين، حلف كلّ واحد منهم يمينًا، وإن اقتصروا على اثنين، حلف كلّ واحد خمسًا وعشرين، وإن كان القتل خطأ، حلف كلّ واحد بقدر ميراثه. وللشافعي قولان: أحدهما مثل قولنا، والآخر: يحلف كلّ واحد خمسين يمينًا. 1042 - مسألة: إذا قتل العبد عبدًا عمدًا، فسيد المقتول بالخيار بين أن يقتل القاتل ويستحييه ليتملكه، فإن استحياه سقط القود، ورجع الخيار لسيد القاتل بين أن يفديه بقيمة المقتول، أو يتركه لسيد المقتول، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: ليس لسيد المقتول إِلَّا القصاص أو العفو، فإن استحياه سقط القود، ولم يكن عليه شيء، ورجع إلى سيده. 1043 - مسألة: إذا كسر حر يد حر، أو عبد يد عبد، أو عظمًا ممّا ليس بمخوف، ويمكن فيه القصاص اقتص منه، وما كان مخوفًا منه؛ مثل: الفخذ والمنقلة والمأمومة، فلا قصاص فيه. وقال أبو حنيفة: لا قصاص في كسر عظم إِلَّا في السن، وبه قال الشّافعيّ. 1044 - مسألة: وفي قتل المسلم خطأً الدية والكفارة؛ كان في دار الحرب قد أسلم، أو خرج إلى دار الإسلام ثمّ أسلم، أو كان مسلمًا ثمّ دخل دار الحرب على كلّ حال.

1045 - مسألة

وقال أبو حنيفة: إذا أسلم في دار الحرب، ولم يخرج منها حتّى قتل، فلا قود فيه ولا دية وفيه الكفارة، وأمّا إذا خرج إلى دار الإسلام، ثمّ عاد إلى دار الحرب فقتل، أو أسلم في دار الإسلام ثمّ دخل دار الحرب فقتل، وجبت فيها الدية والكفارة، وأمّا الأسير فعلى وجهين عندهم. وقال الشّافعيّ: من دخل من دار الإسلام إلى دار الحرب فقتل، فلا دية فيه. واتفق هو وأبو حنيفة فيه إذا أسلم في دار الحرب، فلم يخرج منها حتّى قتل، في أنّه لا دية فيه. 1045 - مسألة: لا كفارة واجبة في قتل العمد على أي وجه كان، وبه قال أبو حنيفة والثوري. وقال الشّافعيّ: عليه الكفارة. 1046 - مسألة: وإذا قتل المسلم في دار الحرب خطأ، ففيه الدية والكفارة، وإن قتل عمدًا، ففيه القود. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا قود فيه. 1047 - مسألة: تستحب الكفارة في قتل العبد خطأ. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: هي واجبة مثل قتل الحر (¬1). 1048 - مسألة: لا كفارة في قتل الذمي. ¬

_ (¬1) تكررت هذه المسألة في الأصل.

1049 - مسألة

وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: هي واجبة مثل قتل الحر. 1049 - مسألة: إذا قتل صبي مسلم حرًّا مسلمًا [خطأ] فعليه الكفارة، وكذلك المجنون المسلم، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا كفارة عليهما. 1050 - مسألة: إذا شج رجل رجلًا شجة دون الموضحة، أو جرحه على يده جراحة خطأ، فبرأت وبقي شين من الشجة والجراحة، وجب في الشين حكومة، فإذا كانت الحكومة في الشجة أكثر من أرش الموضحة، لم ينقص من الحكومة شيء، وهو قول أبي حنيفة فيما أظن. وقال الشّافعيّ: لا يبلغ أرش الشين أرش الموضحة، ولا بد أن ينقص منه شيء، قال: لأنّها لو كانت موضحة معها شين، لم أزد على موضحة، فإن بلغ أرش الشين أرشها، علمنا أنّه قد أخطأ في ذلك؛ لأنّه إذا كان في الموضحة خمس من الإبل، لم يجز أن يجب فيما دون الموضحة خمس. قال القاضي: ورأيت لمالك مثل هذا وليس يقوى في نفسي. وحجة مالك: أن الشين يذهب الجمال، وإذا ذهب الجمال، جاز أن يكون فيه أكثر من دية الموضحة. واستدل الشّافعيّ: أن اليد الشلاء إذا قطعت، فلا يجوز أن يكون فيه أكثر من دية الموضحة، ممّا قطعت وهي صحيحة؛ لأنّ هذا يوجب الغلظ في الحكومة. 1051 - مسألة: لا كفارة في الجنين يسقط ميتًا بضرب أو قتل أم، وبه قال أبو حنيفة. وقال [62/ب] الشّافعيّ: فيه الكفارة.

1052 - مسألة

1052 - مسألة: السحر له حقيقة ويمرض من تعلّق به، ويتغير عن طبعه ويموت، وبه قال الشّافعيّ وأبو حنيفة. وقال قوم: ليس له حقيقة، وإنّما هو تخييل. 1053 - مسألة: يقتل الزنديق ولا يستتاب، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: تقبل توبته ولا يقتل. وروي عن أبي حنيفة مثل قولنا. 1054 - مسألة: تقتل المرتدة إن لم تتب كالمرتد، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق، وهو قول أبي بكر -رضى الله عنه -، والحسن والزهري والأوزاعي والليث. وروي عن علي -رضى الله عنه - أنّها تسترق، وبه قال قتادة. وقال أبو حنيفة: لا تقتل لكنها تحبس، إن كانت في دار الإسلام حتّى تسلم، وإن لحقت بدار الحرب استرقت، وإن كانت أمة أجبرها سيدها على الإسلام، وروي هذا المذهب عن ابن عبّاس -رضى الله عنهما-. 1055 - مسألة: اختلف النَّاس، هل يستتاب المرتد أم لا؟ وإذا استتيب ويجب قتله، هل هو واجب أم مستحب؟ واختلف في مدة الاستتاب، فحكي عن الحسن: أنّه لا يستتاب، ويجب قتله حين يرتد. وقال عطاء: إن كان مولودًا مسلمًا فإنّه لا يستتاب، وإن كان كافرًا أسلم ثمّ ارتد استتيب. وعندنا وأبي حنيفة والشّافعيّ: يستتاب.

1056 - مسألة

واختلف قول الشّافعيّ، فقال: واجبًا، وقال ايضًا: مستحب. 1056 - مسألة: إذا ثبت وجوب استتابته، فهل تأخيره ثلاثًا واجب أو مستحب؟ قولان عن مالك، وكذا عن الشّافعيّ إذا قال: إنها واجبة، فأحد القولين: إنّه يستتاب في الحال، فإن تاب وإلا قتل، والثّاني: ثلاثًا مثل قولنا. وقال أبو حنيفة: يستتاب ثلاث مرات في ثلاثة أيّام، أو في ثلاث جُمَع. وعن علي -رضى الله عنه -: أنّه يستتاب شهرًا. وقال الزّهريُّ: يستتاب ثلاث مرات. وقال سفيان: يستتاب أبدًا.

مسائل الرجم

مسائل الرَّجْم 1057 - مسألة: يرجم الزاني الثيب إذا كان حرًّا ولا يجلد [هذا مذهبنا]، وهو قول سائر الفقهاء. إِلَّا أهل الظّاهر قالوا: يجلد ثمّ يرجم. 1058 - مسألة: يغرب الحر مع الجلد، إذا زنى وهو بكر، ولا تغريب على المرأة البكر. وقال أبو حنيفة: لا تغريب أصلًا، وهو [إنّما] على سبيل التعزير، إن رأى الإمام ذلك، وإلا لم يجب. وقال الشّافعيّ: يجب التغريب على الرجال والنساء. 1059 - مسألة: تحصن الأمة الحر، والعبد يحصن الحرة، إذا كان تزويجًا صحيحًا بوطء، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يصلح إحصان، حتّى تتكامل الحرية من الطرفين. 1060 - مسألة: إذا زنى عاقل بمجنونة فعليه الحدّ، بلا خلاف من أبي حنيفة والشّافعيّ.

1061 - مسألة

وإن أمكنت عاقلة مجنونًا فوطئها وجب عليها الحدّ، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا حد عليها. 1061 - مسألة: إذا حضر الإمام الرَّجْم، جاز له أن يبدأ برجمه أو يتركه، ولا تلزمه البداية، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إذا حضر وكان الحدّ ثبت بإقراره، لزم الإمام البداية والناس بعده، وإن ثبت ببينة، لزم الشهود البداية ثمّ النَّاس. 1062 - مسألة: إذا اعترف بالزنا مرّة، وثبت عليها لزمه الحدّ، ولا يفتقر إلى عدد، وبه قال الشّافعيّ، ومثله روي عن أبي بكر وعمر -رضى الله عنهما-. وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى وأحمد: لا بدَّ من إقراره أربع مرات، غير أن ابن أبي ليلى وأحمد قالا: يجزئ إقرار أربع مرات في مجلس واحد. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا بدَّ من أربع مرات في أربع مجالس. 1063 - مسألة: اختلف عن مالك فيمن أقر بالزنا، ثمّ رجع عنه، فقال: يقبل رجوعه، وكذا السّرقة وشرب الخّمْرِ، ويسقط الحدّ عنه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال مالك ايضًا: لا يقبل رجوعه، إِلَّا لعذر بيّن، وبه قال أهل الظّاهر والحسن. 1064 - مسألة: يجلد في الحدود بسوط بين سوطين، لا جديدًا ولا باليًا، ولا يجزئ جمع مائة سوط ويضرب بها ضربة واحدة، ولكن سوطًا بعد سوط؛ سواء كان المضروب ضعيفًا أو [63/أ] قويًّا، وإن كان مريضًا أخّر ضربه.

1065 - مسألة

واتفق أبو حنيفة والشّافعيّ على أنّه يجوز أن يجمع مائة قضيب في ضربة واحدة. غير أن أبا حنيفة يقول: الضعيف الخلق والمريض والصّحيح في هذا سواء. ويفرق الشّافعىّ بين المريض والقوى والضعيف الخلقة، فيضرب الضعيف الخلق والمريض بأثكال النخل، - وهو قضبانه، ويقال: أثكول - تجمع مائة قضيب، فيضرب بها ضربة واحدة، ولا يضرب المريض الذى يرجى برؤه حتّى يبرأ، ويضرب المريض المسلول، وصاحب القرحة، ومن لا يرجى برؤه من علته. 1065 - مسألة: إذا وجد على فراشه امرأة، فظن أنّها زوجته فوطئها، فلا حد عليه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يقبل قوله: ["حسبتها امرأتي"]، وهو زان وعليه الحدّ، وإن كانت ليلة الزفاف، فقيل له: "خذ امرأتك"، فوطئها وزفت إليه غير امرأته فظنها امرأته، فلا حد عليه بلا خلاف. وفرّق بين الموضعين؛ لقول النَّاس: "قد زُفّت إليك امرأتك"، والموضع الآخر قوله: "ظننتها زوجتي"، فلم يقبل منه. وهذا ليس بشيء. 1066 - مسألة: من عمل عمل قوم لوط، رجم الفاعل والمفعول به؛ أحصنا أم لم يحصنا، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وقال فى الآخر: إن كان بكرًا جلد، والثيب يرجم، وهو قول أبي يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: يعزر، ولا حد عليه.

1067 - مسألة

1067 - مسألة: من أولج في بهيمة عزّر ولم يحد، وبه قال أبو حنيفة، وهو قول عمر وابن عبّاس -رضى الله عنهم-. وللشافعي ثلاثة أقوال: في قول: إنّه يقتل بكرًا كان أو ثيبًا، كاللواط. والثّاني: إنّه كالزنا؛ إن كان بكرًا جلد، وإن كان ثيبًا رجم. والآخر: إنّه يعزر، وهو قول أهل العراق. وقال: إن كانت البهيمة مأكولة اللّحم ذبحت، وهل تؤكل أم لا؟ على وجهين. وإن كانت لا تؤكل لحمها، فهل تذبح أم لا؟ فوجهان. وقولنا نحن وأهل العراق: لا تذبح. 1068 - مسألة: يستحب أن يحضر الإمام في إقامة الحدّ، طائفة من المؤمنين، وهي أربعة فصاعدًا، عندنا وعند أبي حنيفة والشّافعيّ. وروي عن ابن عبّاس -رضى الله عنهما-: واحد فما فوقه. وقال عطاء وأحمد: اثنان فصاعدًا. وقال الزّهريُّ: ثلاثة. وقال الحسن: عشرة. 1069 - مسألة: إذا عقد نكاح ذات محرم؛ كامه وأخته وخالته وعمته، وغيرهن من ذوات المحارم عالمًا بالتحريم، ووطئ فهو زان وعليه الحدّ، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: لا حد عليه.

[من كتاب الحدود]

[من كتاب الحدود] 1070 - مسألة: إذا قال لأجنبية: "استأجرتك في الخياطة"، أو الخبز أو الخدمة، فوطئها فعليه الحدّ بلا خلاف. وقال أبو حنيفة: لو قال لها: "استاجرتك على أني أزني بك بدرهم" لم يحد، قال: لأنّ لفظ الإجارة يصلح لعقد النِّكاح، فإذا وصله بقوله: "أزنى بك" أفسده، فحل محل النِّكاح الفاسد، ولا حد في الوطء في نكاح فاسد. وفي الأولى لم تتضمن الإجارة العقد على الفرج. وكنت أعرف من مذهبهم أن النِّكاح بلفظ الإجارة لا يصلح، وإنّما يصلح بلفظ الهِبَة عندنا وعندهم، وكل لفظ يقتضي التمليك المؤبد إذا أطلق، وقد ذكروا في هذا الوقت [أن] فيه روايتين عن أبي حنيفة. وعندنا وعند الشّافعيّ: عليه الحدّ. 1071 - مسألة: إذا جاء شهود الزِّنا مفترقين، لم تقبل شهادتهم، وإنّما تقبل إذا أقاموها في مجَلس واحد، وإلا كانوا قذفة وحدوا، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ في أحد قوليه مثلنا، وفي الآخر: لا يحدون، وكذا لو جاء ثلاثة بلفظ الشّهادة، ليس معهم رابع.

1072 - مسألة

1072 - مسألة: إذا أكره امرأة على الزِّنا فعليه الحدّ، والمهر لها، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يحد، ولا مهر لها. 1073 - مسألة: حد العبد والأمة في الزِّنا: خمسون جلدة، ولا إحصان فيهما، وهما سواء في الحكم، وبه قال أبو حنيفة [63/ب] والشّافعيّ وأحمد. وذهب ابن عبّاس -رضى الله عنهما-: إلى أنّهما إن لم يحصنا لم يحدا أبدًا، وإذا أحصنا بالتزويج فحدهما خمسون، وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير. وقال بعض النَّاس: إنهما كالأحرار سواء، إن أحصنا حدهما رجم، وإن لم يحصنا فالجلد خمسون، وتأول قوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ (25)} [النِّساء: 25]، أي: أسلمن. وهذا خطأ؛ لأنّ في الأوّل من الآية: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ (25)} [النِّساء: 25]، دل على أن الإحصان: التزويج. وقال داود: جلد العبد مائة، والأمة خمسون. 1074 - مسألة: يقيم السَّيِّد الحدّ (¬1) على عبده وأمته في الزِّنا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: ذلك إلى الإمام كالحر، فإن أذن له الإمام جاز، لكن للسيد أن يعزر دون الإمام. 1075 - مسألة: إذا قذف جماعة بكلمة واحدة، أو واحدًا بعد واحد، فعليه حد واحد، وكذلك لو قذف واحدًا مرارًا قبل أن يقام عليه الحدّ، وبه قال أبو حنيفة. ¬

_ (¬1) في الأصل: "العبد"، والمثبت من (ط).

1076 - مسألة

وقال الشّافعيّ: إذا قذف جماعة بكلمات مفترقة، فعليه لكل واحد حد، قولًا واحدًا، وإن قذفهم بكلمة واحدة، فقولان: أحدهما مثلنا، والآخر: لكل واحد حد. 1076 - مسألة: لا يجب في قذف العبد حد، وبه قال فقهاء الأمصار. وقال داود: يحد قاذف العبد والأمة. 1077 - مسألة: حد العبد في القذف نصف حد الحر، وبه قال كافة الفقهاء. وقال الأوزاعي: وهو مثل حد الحر. 1078 - مسألة: إذا ظهر بامرأة حمل ولا زوج لها، فقالت: استكرهت وليس من زنا، فلا يقبل قولها وتحد، إِلَّا أن تأتي على قولها بدليل؛ مثل: أن ترى تستغيث وهي تدمي، بحداثة ما ذكرت أنّه أصابها. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا تحد، إِلَّا أن تقر بالزنا، أو تقوم بينة. 1079 - مسألة: من أكره على الزِّنا، فعندي أنّه ينظر؛ فإن انتشر قضيبه حتّى أولج فعليه الحدّ، أكرهه السلطان أو غير سلطان، وإن لم ينتشر فلا حد عليه. وقال أبو حنيفة: إن أكرهه غير السلطان حد، وإن كان سلطانًا فالقياس أن يحد، واستحسن أن لا يحد. وقال أبو يوسف ومحمد: لا يحد في الوجهين جميعًا، وهو قول الشّافعيّ، ولم يراعوا ذلك التفصيل.

1080 - مسألة

1080 - مسألة إذا ادعى القاذف أن المقذوف عبد، وهو يقول: "أنا حر"، فإن كان ظاهره الحرية، فلا كلام أن القاذف يحتاج إلى بينة على قوله وإلا حد، وأن كان المقذوف معروفًا بالرق ثمّ أعتق، احتاج أيضًا هو للبينة، وإن كان أمره مجهولًا، فعلى القاذف البينة، في قول مالك. وقال أشهب: على المقذوف البينة أنّه حر. وللشافعي قولان، ومن أصحابه من قال هي: على قول واحد. 1081 - مسألة: إذا قال لعربي: "يا نبطي"، أو"يا بربري"، أو"يا ابن الزِّنا"، أو"يا ابن الخياط"، أو لفارسي: "يا رومي"، أو لرومي: "يا فارسي"، ولم يكن من آبائه من هذه صفته، فعليه الحدّ. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا حد عليه.

مسائل السرقة

مسائل السرقة 1082 - مسألة: اختلف النَّاس في المقدار الّذي يتعلّق به القطع. فقولنا: إنّه ربع دينار أو ثلاثة دراهم، أو عرض قيمته ذلك ففيه القطع؛ سواء ساوت الثّلاثة دراهم ربع دينار أو أقل. وروى ابن القاسم: أنّه إن بلغ ربع دينار، ولم يساو ثلاثة دراهم لم يقطع. وليس بجيد عندي. وقال أبو حنيفة: لا قطع إِلَّا فيما قيمته دينار، أو عشرة دراهم، وهو قول ابن مسعود وعلي -رضى الله عنهما- في إحدى الروايتين عنه. وقال الشّافعيّ: ربع دينار أو ثلاثة دراهم قيمتها ربع دينار، وتقوم الفضة بالذهب، وإن كان قيمة الربع أقل من الثّلاثة دراهم، قطع فيه، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق، ورووه عن عمر وعلي وعثمان وعائشة - رضى الله عنهم -. وقال أهل الظّاهر والخوارج: القطع في القليل والكثير. وعن عثمان البتي: أنّه يقطع في درهم فصاعدًا.

1083 - مسألة

وعن زياد (¬1) في درهمين. وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضى الله عنهما-: في أربعة دراهم. وعن النخعي: خمسة دراهم، وهو أحد الروايات عن عمر -رضى الله عنه-. وحكي عن النخعي أنّه قال: أربعون درهمًا. وعن ابن الزبير -رضى الله عنهما-: أنّه قطع في نصف درهم. 1083 - مسألة: من سرق من جميع الأشياء الرطبة؛ ما يؤكل وغيره، ممّا يسرع إليه الفساد [64/أ] ممّا قيمته ربع دينار من حرزه قطع به، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا قطع في شيء منه. وقال أبو يوسف: يقطع في كلّ شيء سرق من حرز، سوى السّرجين (¬2) والتراب والطين. وقال سفيان: إن كان ذلك ممّا يتلف في الحال فلا قطع فيه، وإن كان يبقى يومين وثلاثة وأكثر ففيه القطع. 1084 - مسألة: تقدّم الكلام في القدر الّذي يجب فيه القطع، ولا بد من الحرز، فإنّه شرط في القطع [عندنا]، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، والشّافعيّ وأصحابه. وقال أحمد وداود بن علي: إن الحرز ليس بشرط، ولو استعار شيئًا ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله زياد بن عبد الرّحمن القرطبي، المعروف بشبطون: الإمام الحافظ فقيه الأندلس، سمع من مالك الموطَّأ، وله عنه كتاب في الفتوى معروف بسماع زياد، وهو أول من أدخل الموطَّأ الأندلس متفقها بالسماع. توفي: 193 هـ. انظر: الديباج: 118، شجرة النور: 1/ 94. (¬2) السِّرجين بالكسر: الزِّبل، وهو ما تدمل به الأرض. انظر: لسان العرب: 13/ 208.

1085 - مسألة

فجحده، أو اختلس شيئًا فأخذه من غير حرز قطع، ومثله عن الحسن. 1085 - مسألة: إذا سرق جماعة شيئًا من حرز، وكان لا يمكن أحدهم إخراجه، إِلَّا بهم وقيمته ربع دينار، فعليهم القطع؛ مثل: السَّاجة (¬1) يحملوها، والرحى، والشيء الثقيل. وحكي عن بعض أصحاب مالك: أن الخفيف بمنزلة الثقيل، إذا أخرجه جماعتهم؛ بمثل: الثّوب يمسكونه بينهم. وليس [هذا] بقول معروف لمالك وأصحابه الكبار. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يقطع واحد منهم، حتّى يصيبه منه قيمة ربع دينار، بعد إخراجه من الحرز. 1086 - مسألة: إذا اجتمعوا فهتكوا حرزًا، وجمعوا المتاع فأخرجه أحدهم دون باقيهم، قطع المخرج وحده، وبه قال الشّافعيّ. وهذا عندنا إذا كان يطيق حمله وحده وأخرجه، فأمّا إذا لم يطقه، إِلَّا بحملهم عليه قطعوا كلهم؛ كما لو حملوه على دابة. وقال أبو حنيفة: يقطعون كلهم؛ من أخرج ومن لم يخرج. وقال الشّافعيّ: لا قطع، من غير تفصيل. 1087 - مسألة: إذا نقب الحرز ودخل كور المتاع، وأخرجه بيده من النقب، أو لم يخرجه حتّى أخذه منه اخر من يده، فعلى الداخل القطع، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه؛ لأنّه لم يخرج مع المتاع من الحرز. ¬

_ (¬1) السَّاجة: الخشبة المُشَرْجَعة المُرَبَّعة كما جلبت من الهند. انظر: لسان العرب: 2/ 303.

1088 - مسألة

1088 - مسألة: إذا أخرج ما قيمته يوم إخراجه ربع دينار، وجب عليه القطع زادت القيمة، إلى وقت القطع أو نقصت، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: الاعتبار بالقيمة يوم القطع، فإن أخرج نصابًا، فنقصت قيمته عن ذلك وقت القطع لم يقطع. 1089 - مسألة: من سرق شيئًا يجب فيه القطع، ثمّ وهبه إياه المسروق منه، لم يسقط القطع، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يسقط. 1090 - مسألة: من سرق صبيًّا حرًّا من حرز قطع. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا قطع عليه، وبه [قال] ابن الماجشون. 1091 - مسألة: من نبش قبرا فأخرج منه الكفن، وكان يساوي ربع دينار قطع، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف وأحمد وإسحاق. وقال سفيان والأوزاعي وأبو حنيفة ومحمد: لا قطع عليه. ولا فرق عندنا وعندهم أن يكون القبر في الدور أو الصحراء. 1092 - مسألة: إذا أجر داره من رجل فسكنها المستأجر، فسرق المؤاجر منها شيئًا فيه نصاب، فعليه القطع، وبه قال الشّافعيّ وأبو حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: لا قطع عليه.

1093 - مسألة

1093 - مسألة: إذا سرق ثالثة بعد أن قطع في الأولى والثّانية، قطعت يده اليسرى، ثمّ إن سرق رابعة رجله الأخرى، فيكون مقطوع يديه ورجليه، وبه قال الشّافعيّ، وهو قول أبي بكر وعمر -رضى الله عنهما-. وقال أبو حنيفة: لا يقطع في الثّالثة يده الأخرى، ولا في الرّابعة رجله، لكن يعزر ويحبس، وروي مثله عن علي -رضى الله عنه -. 1094 - مسألة: [إذا سرق عينًا قد قطع فيه مرّة، ثمّ عاد فسرقها، قطع فيه ايضًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا قطع]. 1095 - مسألة: إذا اعترف بالسّرقة مرّة، وثبت على إقراره قطع، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ ومحمد. وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى وإسحاق: لا يقطع حتّى يعترف مرتين. 1096 - مسألة: إذا قطع السارق فوجد ما سرقه بعينه، فلا خلاف في رده على صاحبه، وإن لم يوجد وكان موسرًا [64/ب]،، غرمناه قيمته لصاحبه أو مثله، وإن كان معسرًا لم يلزمه ضمان، ولا يتبع في ذمته بشيء. وقال أبو حنيفة: إذا كان تالفًا (¬1)، فالمسروق منه بالخيار بين المطالبة بالقطع مع سقوط الغرم؛ كان السارق موسرًا أو معسرًا، وبين أن يطالب بالغرم ويسقط القطع، ولا يجمع بين الغرم والقطع. ¬

_ (¬1) في الأصل: "بالغا"، والمثبت من (ط).

1097 - مسألة

وقال الشّافعيّ: يلزمه القطع والغرم، فإن كان موسرًا أخذ منه، وإن كان معسرًا اتبعت ذمته. 1097 - مسألة: يقطع الحربيّ في السّرقة إذا دخل إلينا بأمان، وهو أحد قولي الشّافعيّ، والآخر: لا يقطع. 1098 - مسألة: من سرق مصحفًا من حرز يساوي نصابًا قطع، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يقطع فيه. 1099 - مسألة: إذا سرق العبد من مال سيده لم يقطع، وبه قال كافة الفقهاء. وحكي عن داود: أنّه يقطع. 1100 - مسألة: إذا ذبح شاة في حرز ثمّ أخرجها، وقيمتها بعد الإخراج نصاب قطع، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يقطع. 1101 - مسألة: من أكل داخل الحرز طعامًا قيمته ربع دينار، ولم يخرج بشيء لم يقطع. وقال قوم: يقطع. 1102 - مسألة: إذا سرق العبد قطع؛ ابقًا كان أو غير ابق، وبه قال أهل العلم. وحكي عن بعض أهل الحديث أنّهم قالوا: لا يقطع الآبق.

1103 - مسألة

1103 - مسألة: إذا أحرز الرَّجل ماله عن زوجته، فسرقت منه نصابًا قطعت، وكذلك الرَّجل في مال زوجته من حرز لا يسكنه معها. وقال أبو حنيفة: لا قطع على واحد منهما. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، و [قال] مثل قول أبي حنيفة. وحكي عنه: أن المرأة لا تقطع، ويقطع الزوج. [وحكي عن داود أنّه يقطع]. 1104 - مسألة: إذا سرق الأب مال ابنه لم يقطع، وكذلك الأم، فأمّا الأجداد والجدات في مال أولاد أولادهم: قال مالك: أحب أن لا يقطعوا، وفي الحكم يقطعون. وإن سرق الابن من أبويه، وكان عاقلًا بالغًا صحيحًا، سقطت نفقته عن أبيه، فإنّه يقطع. ويقطع في مال أخيه، وكل ذي رحم إِلَّا الأب والأم. وقال أبو حنيفة: لا قطع على من سرق من ذي رحم، على كلّ وجه. وقال الشّافعيّ: لا يقطع الأجداد والجدات، بعدوا أو قربوا؛ كالأب، ولا الأولاد في سرقة مال أبيهم وأجدادهم، فأمَّا الأخ ومن عداه، فإنهم يقطعون في سرقة بعضهم من بعض. 1105 - مسألة: روى ابن القاسم وابن عبد الحكم عن مالك: أن من سرق من بيت المال أو من المغنم، والسارق من الجيش، فسرق ما فيه القطع قطع. وقال غير ابن القاسم مع سحنون: إن سرق مقدار حقه لم يقطع. قال سحنون: من المسروق بعينه.

مسائل الحرابة

مسائل الحرابة 1106 - مسألة: اختلف النَّاس في المعنى من قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... (33)} [المائدة: 33]. فعندنا وفقهاء الأمصار: أنّها وردت في قطع الطريق من المسلمين. وقال قوم: وردت في الكفار. ومنهم من قال: وردت في العُرَنِيِّين، وهم الذين أسلموا واستوخموا المدينة واجتووها، وانتفخت بطونهم فبعثهم - صلّى الله عليه وسلم - إلى لقاح الصَّدقة يشربون من ألبأنّها وأبوالها، فشربوا وبرئوا، ثمّ قتلوا راعيها، وساقوا الإبل، فبعث النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - خلفهم، فأخذوا وقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم، ورموا في الحرة حتّى ماتوا (¬1). وروي أنّهم ارتدوا. ومنهم من قال: وردت الآية في أهل الحرب. ¬

_ (¬1) حديث صحيح متفق عليه؛ عن أنس بن مالك رضى الله عنه؛ البخاريّ (233)، ومسلم (1671). واستوخموا واجتووها بمعنى واحد أي: لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم. وسملت، فقئت وأذهب ما فيها. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: 7/ 169، فتح الباري: 1/ 340.

1107 - مسألة

ومنهم من قال: وردت الآية في أهل الذِّمَّة الذين نقضوا العهد. ومنهم من قال: في المرتدين. وهذا كله خطأ. 1107 - مسألة: ينفى المحارب إلى بلد غير بلده، فيحبس فيه حتّى تظهر توبته. وقال أبو حنيفة: نفيهم حبسهم في بلدهم. وقال الشّافعيّ: نفيهم من الأرض هو إذا هربوا، بعث الإمام في طلبهم، فيأخذهم ويقيم عليهم الحدّ، بأي موضع من الأرض حلوا تبعهم. 1108 - مسألة: إذا عفا عن الجراح في الحرابة، لم يسقط القصاص، وبه قال شريح. وقال الشّافعيّ: يسقط. 1109 - مسألة [65/أ]: من كان ردءًا للمحاربين ومعاونًا لهم ومكثرًا؛ مثل: الطليعة والتمكين، فحكمه مثل حكمهم في إقامة الحدّ، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: ليس عليه إِلَّا التعزير. 1110 - مسألة: وفعل المحارب في المصر كفعله خارجه، لا يختلف حكمه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يكون قاطع طريق في المصر أصلًا، وحكمه كحكم المختلس، ومن يأخذ غيلة.

مسائل الأشربة

مسائل الأشربة 1111 - مسألة: [عند مالك: أن] كلّ شراب أسكر جنسه فهو حرام، نجس كثيره وقليله، يجب الحدّ على شاربه؛ سكر أم لا ولو جرعة؛ كان من العنب أو من التّمر أو الزبيب أو البرّ أو الذرة أو الشعير أو البسر أو العسل؛ نيًا كان أو مطبوخًا، وبه قال عمر بن الخطّاب وعلي وابن عبّاس وابن عمر وأبو هريرة وسعد ابن أبي وقّاص وعائشة -رضى الله عنهم-، ومن الفقهاء: الأوزاعي والشّافعيّ وأحمد. وحكي عن قوم من البصريين أنّهم قالوا: الشراب المحرم عصير العنب ونقيع الزبيب، فأمّا المطبوخ منهما والنيء والمطبوخ من غيرهما، فليس بحرام. وقال أبو حنيفة: كلّ شراب اتخذ من غير النخل والكرم؛ كشراب البرّ والذرة والشعير والعسل، فلا بأس به وليس بحرام، ولا حد على شاربه، سكر أم لا. وأمّا التّمر والزبيب إذا مست شرابهما النّار وإن قلّت، فهو حلال طلق، لا حد فيه إِلَّا إذا أسكر، فالحد يتعلّق بالسكر فيه، والمحرم منه القدر الّذي يحدث عنه السكر. وأمّا ما لم تمسه النّار منه، فهو محرم ولا حد فيه، إِلَّا إذا أسكر.

1112 - مسألة

وأمّا العنب فعصيره الّذي هو المحرم، وهو الخّمْرِ الّذي لا خلاف فيه. وأمّا مطبوخه فينظر؛ فإن ذهب ثلثاه وبقي الثلث، فشربه حلال لا حد فيه، إِلَّا أن يسكر منه، وإن ذهب منه بالطبخ دون الثلثين، فهو حرام قل أو كثر، ولا حد فيه إِلَّا إذا أسكر. وحاصله: أنّه لا يوجب الحدّ في هذه الأشربة، إِلَّا في الخّمْرِ الّتي هي عصير العنب الّتي منه، إِلَّا بالسكر من غيره، فيجب به الحدّ إذا أسكر، ولكنه يحرمه، ثمّ يختلف ذلك. هذه جملة المذاهب فيه. 1112 - مسألة: وحد شارب الخّمْرِ واجب، وبه قال أهل العلم كافة. وحكي عن قوم أنّهم قالوا: ليس بواجب. 1113 - مسألة: الحدّ [عندنا] ثمانون جلدة، وبه قال أبو حنيفة وسفيان. وقال الشّافعيّ: أربعون لا يزاد عليها حدًّا، وللإمام أن يزيد على الأربعين تعزيرًا لا حدًّا. 1114 - مسألة: من شم عليه رائحة خمر، وشهد شاهدان أنّه ريح خمر حد. وصفة الشّاهدين: أن يكونا قد شربا الخّمْرِ في حال كفرهما، أو في الإسلام فحدا فتابا وحسنت حالهما، حتّى يعرفا الخّمْرِ بريحها، ويشهدان ذلك. وخالفنا أبو حنيفة والشّافعيّ فيه.

1115 - مسألة

1115 - مسألة: من اضطر إلى شرب خمر، فلا يشربها ولا يتداوى بها، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: له ذلك. 1116 - مسألة: إذا ارتد الرَّجل في سكره، حكم له بحكم المرتد، وكذلك لو أسلم المرتد في حال سكره، فإنّه يكون مسلمًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يكون مرتدًّا ولا مسلمًا في حال سكره. 1117 - مسألة: إذا عزر الإمام إنسانًا فمات، لم يضمن دية ولا كفارة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد: الإمام ضامن لديته. 1118 - مسألة: يجوز أن يزيد التعزير على أدنى الحدود وأكثرها، باجتهاد الإمام في ذلك. وقال أبو حنيفة: لا يتجاوز به أربعين، بل ينقص منه سوطًا؛ لأنّ الأربعين هي حد العبد، فهي أقل الحدود، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وقال فى الآخر: لا يبلغ به عشرين؛ لأنّها حد العبد؛ لأنّ حد الحر (¬1) عنده أربعون في الخّمْرِ. 1119 - مسألة: التعزير واجب. ¬

_ (¬1) في الأصل: "الخّمْرِ". والمثبت من (ط).

1120 - مسألة

وقال الشّافعيّ: ليس بواجب. 1120 - مسألة: إذا ضرب امرأته بشيء لا يقتل غالبًا، فماتت ضمن، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يضمن. 1121 - مسألة: الختان [عندنا] سنة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: هي فرض. 1122 - مسألة: إذا اجتمع المرتدون، ونصبوا علمًا ودعوا إلى مذهبهم، وقاتلهم المسلمون فأتلفوا نفوسًا وأموالًا من المسلمين، ثمّ رجعوا إلى الإسلام، لم يضمنوا ما أتلفوا في ردتهم، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا. وقال أيضًا: عليهم الضمان. 1123 - مسألة: إذا ارتد ثمّ تاب ثمّ ارتد ثمّ تاب، لم يعزر في المرة الأولى، ويجوز أن يعزر في الثّانية والثالثة والرّابعة، إذا رجع إلى [65/ب] الإسلام. ولا أعرفه منصوصًا، ولكنه يجوز عندي. والفرق بين الأولى وما بعدها: أنّه يمكن أن يكون دخلت عليه في الأولى شبهة، فإذا زالت وعاد للردة ثمّ تاب عزّر؛ لأنّه لم يبق له شبهة، فلا يزاد على التعزير، ولا يحبس ولا يقتل.

1124 - مسألة

1124 - مسألة: إذا صال الفحل على إنسان، ولم يمكنه دفعه عن نفسه، إِلَّا بقتله لم يلزمه ضمان، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: قتله مباح له، لكن عليه ضمانه. 1125 - مسألة: إذا عض إنسان يد إنسان، فجذب المعضوض يده، فقلع بانتزاعه بعض أسنان العاض؛ لزمه ضمأنّها، وبه قال ابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا شيء عليه. 1126 - مسألة: ومن أرسل ماشية في النهار للرعي، فأتلفت زرعًا أو غيره، فلا ضمان عليه، وإن كان ربها معها، وهو قادر على منعها، فلم يفعل فهو ضامن، وفاقًا من أبي حنيفة والشّافعيّ. وإن انفلتت ليلًا، أو أرسلها ربها مع قدرته على منعها، فأفسدت شيئًا، فربها ضامن لما أتلفت، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا ضمان عليه كالنهار. 1127 - مسألة: إذا رمحت دابة أو نفحت بيديها أو رجليها من غير فعل راكبها وقائدها وسائقها، فلا ضمان عليه. وقال أبو حنيفة: إن جنت بيديها ضمن، وبرجليها لا يضمن. وقال الشّافعيّ: يضمن على كلّ حال.

مسائل الأضحية

مسائل الأضحية 1128 - مسألة: الأضحية [عندنا] سنة مؤكدة، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وأبو ثور، وهو قول أبي بكر وعمر وابن عبّاس وبلال -رضى الله عنهم-، ومن التابعين: عطاء وعلقمة (¬1) والأسود (¬2)، وعن أبي يوسف خلاف. وقال أبو حنيفة وأصحابه: هي واجبة، وبه قال الأوزاعي والليث. 1129 - مسألة: إذا دخل العشر من ذي الحجة وأراد أن يضحي، استحب له أن لا يحلق شعره، ولا يقلم أظافره، ولا يحرم ذلك عليه، وإن فعل لم يكن بذلك بأس، وبه قال الشّافعيّ. ¬

_ (¬1) هو: أبو شبل علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي: الإمام الحافظ فقيه الكوفة ومقرئها، وهو عم الأسود وخال إبراهيم النخعي، ولد في حياة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لذا فهو في عداد المخضرمين، لازم ابن مسعود رضى الله عنه، وروى عن عمر وعثمان وعلي رضى الله عنهم وغيرهم، أخرج له الستة. توفي: 62 هـ. انظر: السير: 4/ 53، التهذيب: 7/ 244. (¬2) هو: أبو عمرو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي: الإمام القدوة، كان مخضرما أدرك الجاهلية والإِسلام، وهو معدود في أصحاب ابن مسعود رضى الله عنه المفتين، وروى عن الخلفاء الراشدين وغيرهم رضى الله عنهم أخرج له الستة. توفي: 75 هـ. انظر: السير: 4/ 50، التهذيب: 1/ 299.

1130 - مسألة

وقال أبو حنيفة: لا يستحب ذلك. وقال أحمد وإسحاق: يحرم عليه الحلاق وتقليم الأظافر. 1130 - مسألة: الغنم فيها أفضل من الإبل والبقر. وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة: الإبل أفضل وبعدها البقر ثمّ الغنم. 1131 - مسألة: [وذكر النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - العيوب الّتي لا تجزئ في الأضحية، وما منها مكروه]؛ روى البراء بن عازب -رضى الله عنه - أن النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "لا يُجزِئُ مِنَ الضَّحايَا [أَرْبَعٌ]: العَوراءُ البَيّنُ عَوَرُها، والعَرْجاءُ البَيِّنُ عَرَجُها، والمَريضَةُ البَيِّنُ مَرَضُها، والعَجْفاءُ الّتىِ لا تُنْقِي" (¬1). فبيّن هذا الخبر أن العرجاء لا تجزئ، وبه قلنا نحن والشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: العرجاء تجزئ. وروي عن علي -رضى الله عنه - أن النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - نهى عن أن يضحى بمُقابَلة أو مُدابَرة أو شَرقاء أو خَرقاء (¬2). والشرقاء: هي المشقوقة الأذن نصفين. والخرقاء: هي مشقوقتها مستديرًا. والمُقابَلة: هي مقطوعة الأذن من مقدم أذنها، قطعًا لا تبين الأذن معه، فتكون معيبة. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك وأصحاب السنن؛ مالك (1387)، وأبو داود (2802)، والترمذي (1497)، والنسائي (4369)، وابن ماجه (3144)، وقال التّرمذيّ: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم: 1/ 468، ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه أصحاب السنن؛ أبو داود (2804)، والترمذي (1498)، والنسائي (4373)، وابن ماجه (3142)، وقال التّرمذيّ: هذا حديث حسن صحح، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. انظر: المستدرك: 4/ 225.

1132 - مسألة

والمُدابَرة: مقطوعة الأذن من المؤخر. فهذه العيوب عندي لا تمنع الإجزاء، ولكنها غير مستحبة. وروي عنه - صلّى الله عليه وسلم - أنّه نهى عن أعضب القرن (¬1). قال أبو عبيد؛ هي المكسورة القرن. 1132 - مسألة: من ذبح قبل الإمام وقبل الصّلاة أعاد أضحيته. وقال أبو حنيفة: إن ذبح قبل صلاته لم يجزه، وإن ذبح بعد الصّلاة وقبل ذبحه أجزأه. وقال الشّافعيّ: الاعتبار بمقدار ما تصلَّى فيه صلاة العيدين، بركعتين وقراءتهما وتمامهما، فإذا ذهب هذا القدر أجزأه؛ سواء صلَّى الإمام أم لا. 1133 - مسألة: لا يجزئ أن يذبحها كتابي عنه. وقال أشهب: يجزيه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ، ويكرهون ذلك. 1134 - مسألة: لا يجوز الاشتراك في الأضحية، يخرج كلّ واحد قسطًا من الثّمن، فإن ضحى رجل شاة عن أهل بيته ونفسه بأضحية واحدة، يكون هو اشتراها من ماله فيجوز، وبه قال الحكم بن عيينة وحماد بن زيد (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه التّرمذيّ (1504)، والنسائي (4377)، وابن ماجه (3145)، عن علي رضى الله عنه، قال التّرمذيّ: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. انظر: المستدرك: 4/ ص 22. (¬2) هو: أبو إسماعيل حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، مولى آل جرير بن حازم البصري: العلّامة الحافظ محدث الوقت، أحد الأعلام، روى عن أنس بن سيرين وعمرو بن دينار وثابت البناني وغيرهم، أخرج له الستة. توفي: 179هـ. انظر: السير: 7/ 456، التهذيب: 3/ 9.

1135 - مسألة

وقال أبو حنيفة: يجوز اشتراك سبعة في بدنة أو بقرة، يخرجون الثّمن ويقتسمون اللّحم، و [يكون] كلّ واحد منهم مضحيًا عن نفسه، ويجوز هذا عنده في كلّ واجب ومسنون، إذا كان كله قربة وإن اختلفت موجباته؛ مثل: أن يكون أحدهما [66/أ] مضحيًا والآخر مهديًا، أو منسكًا أذى أو منذرًا أو غير ذلك. وإن كان بعضه فدية وبعضه للبيع، أو للأكل من غير فدية، لم يجز عنده. وقال الشّافعيّ: يجوز؛ سواء اتفق في القربة، أو اختلفت وجوهه في الفدية وغيرها، وسواء كانوا أهل بيت واحد أو مفترقين. 1135 - مسألة: إذا أوجب على نفسه الأضحية بالقول لزمه، ولم يكن له بدلها؛ كقوله: "أوجبت على نفسى هذه الشاة أضحية"، أو قال: "لله علي أن أضحي بها"، فقد زال ملكه عنها، وصارت للأضحية، ولم يكن له تصرف فيها بأكثر من ذبحها وبأكل منها ويطعم، وإذا لم يجز له بيعها لم يجز أن يبدلها؛ لأنّه بيع، وإن فعل كان فعله مردودًا، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف وأبو ثور. وما عن أبي حنيفة في هذا رواية. وبه قال عمر وعلي -رضى الله عنهما-. وقال عطاء وأحمد ومحمد بن الحسن: يجوز له أن يستبدل بها ما يقوم مقامها، كما يجوز أخذ الغنم في الزَّكاة، ولأن المقصود من الأضحية إيصال النفع إلى المساكين، ولا فرق بين الشياه؛ لأنّه لو وجبت عليه شاة من أربعين، فلا فرق بين أن يعطيها من ذلك المال أو غيره. 1136 - مسألة: إذا ذبح أضحية غيره خطأ، أو رجلان ذبح كلّ واحد أضحية صاحبه بغير إذنه، فإنّه يفصّل عندي:

1137 - مسألة

فإن كان صاحبها لم يوجبها بالقول، غرمها الذابح بالقيمة، ولا تجزي ذابحها. وإن تعمد ذبحها عن نفسه لم تجزه، وهل تقع عن صاحبها وتجزي عنه؟ ينبغي أن تكون على روايتين لمالك. وكذلك إن أخطأ كلّ واحد فذبح أضحية صاحبه، فإن نواها عن نفسه لم تجزه، وفي صاحبها روايتان. وإن تعمد ذبحها عن صاحبها، فعلى روايتين؛ فإن أوجبها صاحبها بالقول؛ فسواء ذبحها الذابح عن نفسه أو عن صاحبها، وقعت عن صاحبها لا غير، ويحتمل أيضًا أن يغرم قيمتها له، ولا تكون أضحية عنه، ولكنه يصنع بها ما شاء. وقال أبو حنيفة: إنها تجب بالنية، كما تجب بالقول، وإن نوى صاحبها أنّها أضحية وأوجبها قولًا فإنها تقع عنه، ولا يغرم الذابح بغير إذنه شيئًا. وعلى قول الشّافعيّ: لا تجب بالنية دون القول، فإن ذبحها الذابح بغير أمره، فعليه قيمة ما نقصها الذَّبح. قال " القاضي: وعندي أنّها لا تجزي، وإن أوجبها قولًا أجزته، وعلى الذابح ما نقص من قيمتها حية، فإن قلنا: إنّه أوجبها على نفسه بالقول، وذبحها الذابح بغير إذنه، فإنها تجزي ولا شيء على الذابح. 1137 - مسألة: لا يضحى بليل، فإن فعل أبدلها. وروي عن مالك: أنّها تجزي. 1138 - مسألة: لا يجب أكل لحم الأضحية، ويستحب ذلك، وبه قال الفقهاء كافة. وحكي عن قوم: أن أكله منها واجب.

1139 - مسألة

وروي عن جابر بن زيد (¬1): أنّه لا يجوز أكلها ولا هدي التطوع، ومن أكلها غرمها. 1139 - مسألة: لا يجوز بيع إهاب (¬2) الأضحية بدراهم ولا غيرها، وإن بيع كان البيع مردودًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال عطاء: يجوز بيعه بكل شيء. وقال النخعي وربيعة: يجوز بيعه بقماش البيت؛ مثل: المنخل وغيره، وبه قال أبو حنيفة، ففرق بين بيعه بورق وبين بيعه بقماش البيت. 1140 - مسألة: إذا اشترى شاة لم تصر أضحية بغير نيّة، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: تفسير أضحية. 1141 - مسألة: يجوز أن يشرب من لبن الأضحية، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: لا يجوز. 1142 - مسألة: الأيَّام الّتي يضحى فيها: يوم النَّحر ويومان بعده، وهي الأيَّام المعلومات، وبه قال الثّوريّ وأبو حنيفة وجماعة من الصّحابة. وقال الشّافعيّ: أيّام التّشريق الثّلاثة بعد يوم النَّحر، فهي أربعة أيّام ¬

_ (¬1) هو: أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي اليحمدي مولاهم الخوفي البصري: عالم أهل البصرة في زمانه ومفتيها، من كبار تلامذة ابن عبّاس رضى الله عنهما، روى عنه وعن ابن عمر وابن الزبير رضى الله عنهم وغيرهم، أخرج له الستة. توفي: 93 هـ. انظر: السير 4/ 481، التهذيب: 2/ 34. (¬2) في الأصل: "أطيب". والمثبت من (ط). والإهاب: الجلد من البقر والغنم والوحش قبل الدباغ. انظر: لسان العرب: 1/ 217.

1143 - مسألة

مني إلى المغيب، وهو قول علي -رضى الله عنه -، والأوزاعي وابن عبّاس -رضى الله عنهما-، وعطاء. واختلف عن ابن عمر -رضى الله عنهما- فيه، هل هو أربعة أو ثلاثة؟ والأثبت ثلاثة. وروي عن علي -رضى الله عنه -ايضًا: أنّه يوم واحد. وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد: هو في الأمصار يوم، وبمنى ثلاثة أيّام [66/ب]. وقال ابن سيرين: النَّحر يوم واحد إلى غروب الشّمس. وقال أبو الشعثاء: هي ثلاثة أيّام. 1143 - مسألة: [قال مالك]: الأيَّام المعلومات: يوم النَّحر ويومان بعده، والمعدودات: أيّام التّشريق، أولها ثاني النَّحر، فيوم النَّحر معلوم غير معدود؛ لوقوع النَّحر فيه، ولا يرمى فيه إِلَّا جمرة واحدة، وثاني النَّحر وثالثه معلومان معدودان؛ لأنّ النَّحر يقع فيهما والرمي، وثالث التّشريق وهو رابع النَّحر معدود غير معلوم؛ لأنّه يرمى فيه ولا ينحر فيه. واختلف قول أبي حنيفة وأصحابه في الأيَّام المعلومات، فقال: هي العشر آخرها يوم النَّحر، وبه قال الشّافعيّ. وقال ايضًا: مثل قولنا، إنها يوم النَّحر ويومان بعده، وكذلك اختلف أصحابه.

مسائل العقيقة

مسائل العقيقة 1144 - مسألة: ليست العقيقة بواجبة، ولكن يستحب العمل بها. وقال أبو حنيفة: هي مباح تطوع، إن شاء فعل أو ترك. وقال الشّافعيّ: هي سنة. وقال داود والحسن: إنها واجبة. 1145 - مسألة: يعق عن الأنثى كما يعق عن الذكر بشاة. وقال الشّافعيّ: المستحب شاتان عن الذكر، وشاة عن الأنثى.

مسائل الذكاة

مسائل الذَّكاة 1146 - مسألة: الذّكاة: هي قطع الحلقوم والمرئ والودجين، لا يجزئ غيره. وقال أبو حنيفة: لايجزىء حتّى يقطع ثلاثة منها. وقال الشّافعيّ: حتّى يقطع الحلقوم والثلاثة. 1147 - مسألة: يكره ذبح الإبل ونحر الغنم من غير ضرورة. وقال بعض أصحابنا: لا يجوز، وهو قول العراقي. وجوّز ذلك كله الشّافعيّ. 1148 - مسألة: الإنسي إذا توحّش، فلم يقدر عليه، أو وقع في بئر فلم يوصل إلى منحره ولبته، لم يحل بالقتل، ولا يؤكل إِلَّا بالذَّكاة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ والثوري وأحمد وإسحاق: يحل بما يحل به الصَّيد المتوحش؛ من الرمي والطعن والعقر وغيره.

1149 - مسألة

1149 - مسألة: ظاهر مذهب مالك أنّه لا يستبيح الذّكاة بالسن والظفر، ورأيت لبعض شيوخنا أنّه مكروه، وبالعظم مباح. وعندي: أن السن إذا كان عريضًا محددًا والظفر كذلك، وقعت به الإباحة كالعظم، وهو مكروه؛ كالسكين الكالّة (¬1)، وبهذا قال أبو حنيفة، إذا كان السن والظفر منفصلًا. وعند الشّافعيّ: لا يقع الإباحة بشيء من ذلك؛ كان متصلًا أو منفصلًا، وكذلك العظم؛ كان العظم يؤكل لحمه أم لا. وحكي عن المروزي: أن عظم ما يؤكل لحمه إذا حدد بحيث يقطع، صحت الذّكاة به. 1150 - مسألة: إذا كان أحد أبويه كتابيًّا والآخر غير كتابي، نظر فإن كان الأب كتابيًّا، فالولد على دين أبيه، فيؤكل ما ذكي أو صاده، ويكره صيد أهل الكتاب، وإن كان الأب مجوسيًّا فالولد على دينه، فلا يؤكل ما ذكاه وما صاده. وقال أبو حنيفة: تؤكل ذبيحته؛ سواء كان أبوه مجوسيًّا أو أمه. وقال الشّافعيّ: إن كان الأب مجوسيًّا والأم كتابية، لم تؤكل ذبيحته قولًا واحدًا، وإن كان الأب كتابيًّا والأم مجوسية فعلى قولين. وبناه أبو حنيفة على: أن الولد يكون مسلمًا بإسلام أحد أبويه أيهما كان. ¬

_ (¬1) السكين الكالّة: وتسمى الكلّة، وهي الّتي لا تقطع. انظر: لسان العرب: 11/ 591.

1151 - مسألة

1151 - مسألة: ظاهر مذهب مالك أن متروك التّسمية في الذّكاة والصَّيد، لا يؤكل إن كان عامدًا، وإن كان ناسيًا أكلت، وبه قال أبو حنيفة. وكان أبو بكر الأبهري وابن الجهم يقولان: قوله: "لا يؤكل متروك التّسمية متعمدًا" كراهية. وقال الشّافعيّ: هي مستحبة؛ إن تركها عامدًا أو ناسيًا، فقد أساء وتؤكل. وقال الشّعبيّ وأبو ثور وداود: لا يؤكل؛ تركها ناسيًا أو عامدًا.

مسائل الصيد

مسائل الصَّيد 1152 - مسألة: كل جارح يمكن الاصطياد به، إذا علّم جاز أكل ما صاده، ولا فرق بين الكلب والفهد والنمر والوحش من الطير؛ كالبازي والصقر والباشق والعقاب وغيره، وما أمكن تعليمه منها جاز أكل ما صاده، هذا مذهب كافة الفقهاء، وبه قال ابن عبّاس -رضى الله عنهما-، وأبو حنيفة والشّافعيّ. وروي عن ابن عمر -رضى الله عنهما-، ومجاهد قالا: لا يحل إِلَّا صيد الكلب حسب، فأمّا الفهد والنمر والبازي وغيره فلا. وقال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق: يجوز صيد كلّ شيء، إِلَّا صيد الكلب الأسود البهيم، فإنّه، لا يحل. وقال قوم [67/أ]: يحل صيد الكلب والبازي حسب، دون ما عداها. 1153 - مسألة: إذا قتل الكلب المعلم صيدًا، أو أَكَلَ منه؛ أُكِلَ باقيه، وكذا البازي. وقال أبو حنيفة: ما أكل الكلب منه لم يؤكل، ووافق في البازي. واختلف قول الشّافعيّ فيهما جميعًا: فقال مثل قولنا. وقال: لا يؤكل جميعه إذا أكله، وبه قال أحمد وإسحاق.

1154 - مسألة

1154 - مسألة: [قال مالك]: إذا قتلت الكلاب والصقور المعلمة صيدًا، فلا بأس بأكله وإن لم تدرك ذكاته، وإن كان غاب مصرعه، وإن أكل منه قبل أن تدركه، فكل ما لم يبت عنك، فإن بات فلا تأكل. وروي عن مالك أيضًا: إن بات ولحقته، فلم تجد فيه غير سهمك الّذي قتلها أو أثر كلبك، فلا بأس به؛ سواء كان صاحبه يطلبه أو لا. وهذا موضع ينبغي أن يكون وفاقًا مع الشّافعيّ، إِلَّا في مبيته عنه. وقال أبو حنيفة: إن كان صاحبه في طلبه، ولم ينقطع عنه حل أكله، وإن تشاغل عنه فلا يأكله. ولم يختلف قول الشّافعيّ في أن أكل الكلب، أو السهم إذا أصاب مقتله، ثمّ تحامل الصَّيد فغاب ثمّ انصرع، والسهم معه أو الكلب، فلحقه صاحبه مقتولًا أنّه يؤكل، وهو الّذي أراده مالك عندي. 1155 - مسألة: إذا عقد الكلب أو السهم الصَّيد وأدماه، وفيه روح تمكن معه حياته وموته، فأدركه صاحبه وبقي مدة والسكين في يده، ولم يمكنه تذكيته حتّى مات، فإنّه يؤكل عندنا وعند الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يؤكل. 1156 - مسألة: إذا أرسل كلبه على صيد بعينه، فأصاب غيره لم يؤكل. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يؤكل. 1157 - مسألة: إذا استرسل الكلب بنفسه على صيد، ثمّ زجره صاحبه وأغراه، حتّى قتله لم يؤكل، وبه قال الشّافعيّ.

1158 - مسألة

وروي عن مالك: أنّه يؤكل، وبه قال أبو حنيفة. 1158 - مسألة: إذا رمى صيدًا بسيفه أو بشيء، فقطعه قطعتين أكل جميعه؛ كان النّصف الّذي فيه الرّأس أكثر أو أقل، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن كان الثلث ممّا يلي الرّأس أكلا جميعًا، وإن كان الثلث ممّا يلي العجز أكل الثلثان اللذان مع الرّأس، ولا يؤكل الثلث الّذي مع العجز. قال القاضي: هذا ينبغي أن يفصّل؛ فإن قطع الرّأس أكل الجميع؛ سواء قل ما يليه أو كثر؛ لأنّه مقتول لا محالة، وإن كان الّذي قطع منه سوى الرّأس، يجوز أن يعيش بعد قطعه ومات، فما بان منه لا يؤكل، ويؤكل الباقي، هذا وفاق مع أبي حنيفة؛ سواء مات من العقر الأوّل، أو برمية ثانية. وقال الشّافعيّ: إن مات من الرمية الأولى أكل ما كان منه جميعه، وإن كان لما قطع يده أو رجله رماه رمية أخرى فقتله، فإن اليد والرجل وما بأن منه لا يؤكل، ويؤكل باقي أعضائه الّذي الرّأس فيه. وفرّق بين أن يموت من الرمية الأولى والثّانية، وعندنا لا فرق، وكذلك عند أبي حنيفة. 1159 - مسألة: من أحرز صيدًا ثمّ أفلت منه وتوحّش ثمّ اختلط بالوحش، فهو لمن صاده بعد ذلك، وليس للأول فيه شيء. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: هو للأول، ولا يزال ملكه عليه.

مسائل الأطعمة

مسائل الأطعمة 1160 - مسألة: [ذكر ما لا ذكاة فيه، وقد جرى في كتاب الطّهارة شيء من ذكر السموك؛ ولم تكن العناية مصروفة إلى أكل ما يخرج من البحر، وقد بينته ها هنا]. كلّ ما طفا من السمك، أو مات منه بسبب، أو بغير سبب أكل، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن مات بغير سبب لم يؤكل؛ طفا أو لم يطف. والسبب؛ مثل: أن يموت من شدة حر، أو شدة برد، أو يؤخذ فيموت، أو تنتشل سمكتان فتموت إحداهما، أو يحبس عنه الماء فيموت، أو يطرح في جب فيموت، فيؤكل وإن طفا بعد موته؛ لأنّه مات بسبب. وأكثر الفقهاء حكى عن أبي حنيفة وأصحابه: أنّهم يعتبرون الطافي، فيمتنعون منه. وليس كذلك؛ لأنّ ما مات بسبب عندهم أكل، وإن طفا ومات بغير سبب لم يؤكل وإن لم يطف. 1161 - مسألة [67/ب]: يؤكل ما سوى السمك من ضفدع وكلب ماء وخنزيره، وغير ذلك. ومالك يكره خنزيره ولا يحرمه.

1162 - مسألة

واتفق أبو حنيفة والشّافعيّ على تحريم الضفدع، واختلفا فيما سواه. وأبو حنيفة لا يجيز أكل ما سوى السمك. وللشافعي قولان، ووجه آخر يفصّل فيها تفصيلات. 1162 - مسألة: لا يؤكل من الجراد ما مات بغير سبب يضع فيه، أو سبب يكون قتله منه، فإن قطعت رؤوسه أكل، وكذلك لو وقع في نار وهو حي فاحترق أكل، أو وقع في قدر فطبخ، فإذا خلا موته من سبب لم يؤكل، وهو عندنا كطافي السمك. وعند أبي حنيفة وغيره: أن الميِّت من السمك كميت الجراد عندنا. واتفق هو والشّافعيّ على أكل الجراد ميتًا على كلّ حال. 1163 - مسألة: يؤكل الطير كله؛ ما كان ذا مخلب [وغيره، لا يحرم منه شيء. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: ما كان ذا مخلب] لم يؤكل. 1164 - مسألة: [قال مالك]: يكره أكل السِّباع كلها. وأبو حنيفة يحرمها. والشّافعيّ يحلل منها الضبع والثعلب. 1165 - مسألة: يكره أكل لحم الخيل، وبه قال أبو حنيفة. وأباحه الشّافعيّ، وبه قال أبو يوسف ومحمد. 1166 - مسألة: إذا اضطر إلى أكل طعام غيره فأكله، ضمن قيمته في إحدى الروايتين عن مالك.

1167 - مسألة

وقال أحمد وأبو عبيد وابن جرير: لا يضمن. 1167 - مسألة: يأكل الحجام كسبه، وإن كان عبدًا جاز لسيده أكل كسبه، وإن كنا لا نحبه؛ لأنّها صناعة دنيئة، ويستحب للرجل الكامل تبرئة نفسه عن الصنعة الدنيئة، وهو غير محرم، وبه قال جماعة من الفقهاء. إِلَّا أحمد وغيره من أهل الحديث، فإنهم يحرمونه على الأحرار ويحلونه للعبيد، ولا يجوز للحر أن يحترف بالحجامة، فإن كان غلامه حجّامًا، لم ينفق على نفسه من كسبه، وأنفقه على عبيده وبهائمه. والكلام في الّذي يحجم ليس المُزَيِّن. 1168 - مسألة: إذا وقعت فأرة في السمن أو الزيت وكان ذائبًا، لم يجز بيعه، وجاز الاستصباح به، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه والاستصباح به. وقال داود: لا يجوز بيع السمن ولا الانتفاع به، ويجوز في الزيت؛ لأنّ النّهي ورد في السمن دون الزيت. وقال قوم: لا يجوز الاستصباح بالزيت. 1169 - مسألة: من اضطر إلى أكل الميِّتة أكل شِبَعَه، وتزود قدر ما يغلب على ظنه أنّه يبلغه الطيب. واختلف أصحابنا في الشِّبَع، فقال بعضهم: يشبع. وقال بعضهم: يأكل ما يسد رمقه. وقال مالك: يأكل ما يحمله. وهذا كلام محتمل. قال القاضي: وأنا أختار جواز شبعه وتزوده منها، وبه قال ابن شهاب وربيعة ومالك.

1170 - مسألة

واختلف قول الشّافعيّ كما اختلف أصحابنا. وقال أبو حنيفة: لا يزيد على سد رمقه شيئًا. 1170 - مسألة: كره مالك شحوم اليهود الّتي حرمت عليهم إذا أذابوها (¬1). وقال ابن القاسم وأشهب: هي حرام. ولم يكرهها أبو حنيفة والشّافعيّ. 1171 - مسألة: إذا ذبحت ناقة أو بقرة أو شاة، فخرج منها جنين ميّت؛ قد تم خلقه ونبت شعره أكل. وقال الشّافعيّ: يجوز أكله وإن لم ينبت شعره. وقال أبو حنيفة: لا يجوز أكله. ¬

_ (¬1) في الأصل:"ذكوها". والمثبت من (ط).

مسائل الأيمان والنذور

مسائل الأيمان والنذور 1172 - مسألة: من قال: "أنا يهودي أو نصراني أو مجوسي إن فعلت كذا" ثمّ حنث، فلا كفارة عليه، وكذا لو قال: "أنا بريء من الله أو الإسلام، أو من دين الإسلام"، أو قال: "أنا بريء من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -"، أو: "أنا مبتدع"، فلا كفارة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: عليه الكفارة متى حنث في شيء من ذلك. 1173 - مسألة: يمين الغموس لا كفارة فيها؛ مثل: أن يحلف ما فعل شيئًا وقد فعله، أو قد فعلت وما فعل، وهو متعمد للكذب بيمينه، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق. وقال الشّافعيّ: عليه الكفارة، وبه قال الحكم، كما لو حلف على مستقبل. 1174 - مسألة: إذا قال: "أقسم"، لم يكن يمينًا حتّى يقول [68/أ]: "بالله"، أو ينويه. وقال أبو حنيفة: هي يمين؛ سواء نوى اليمين أم لا. وقال الشّافعيّ: ليس بيمين؛ سواء قصد اليمين أم لا.

1175 - مسألة

1175 - مسألة: إذا قال: "علي عهد الله وميثاقه إن فعلت، أو لأفعلن"، ثمّ حنث فعليه الكفارة؛ سواء نوى اليمين أم لا، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: ليس بيمين، إِلَّا أن ينوي اليمين. وذكر المروزي من أصحابه: أن ظاهر ذلك يمين تلزم فيه الكفارة. 1176 - مسألة: يصح الثنيا في اليمين ما لم ينقطع عنه، فإن قطع كلامه فلا ثنيا بعد ذلك، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وغيرهما. وذهب طاووس والحسن إلى أن ذلك يصح ما دام في المجلس، فأمّا إذا قام من مجلسه فلا. وذهب ابن عبّاس رضى الله عنهما إلى: أنّه يصح ولو بعد حين، فقيل: أراد سنة، وقيل: أبدًا. 1177 - مسألة: لغو اليمين عندنا هو: أن يحلف على شخص يراه مقبلًا: "إنّه فلان"، ثمّ ينكشف له أنّه غيره، فهذا ومثله لا كفارة فيه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: في هذا وشبهه الكفارة، واللغو عنده: ما لم يقصده الحالف، ولكنه سبق على لسانه يريد أن يتكلم بشيء، فيبدو منه اليمين؛ سواء كانت على ماض أو مستقبل. وقد بيَّنَّا أن اليمين على الماضي لا كفارة فيه، واللغو: أن تكون يمينه على شيء يظن أنّه كما حلف عليه، ثمّ يتبين أنّه غيره. فأمَّا إن حلف على مستقبل، فقد علّق يمينه بشيء يدخله الحنث والبر؛ فسواء قصد أو سبق على لسانه، فإن عليه الكفارة إذا حنث، وبه قال أبو حنيفة.

1178 - مسألة

1178 - مسألة: من قدم الكفارة بعد اليمين؛ قبل الحنث أو بعده فذلك جائز. وروى أشهب أنّها لا تجوز قبل الحنث، فحمل ذلك بعض أصحابه على الاستحباب، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق، وهو قول عمر بن الخطّاب [وابن عمر] وابن عبّاس وعائشة -رضى الله عنهم-، والحسن وابن سيرين وربيعة وأشهب والأوزاعي -رضى الله عنهم-. ولكن الشّافعيّ: لا يجوز تقديم صيام الكفارة على الحنث أصلًا. وذهب أبو حنيفة إلى: أنّه لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث أصلًا. ولا نعرف له سلفًا في ذلك. 1179 - مسألة: لا فرق [عندنا] في تقديم أنواع الكفارة من العتق والكسوة والطعام والصيام. وقال الشّافعيّ: لا يجوز تقديم الصِّيام خاصّة. 1180 - مسألة: لو حلف ليتزوجن على امرأته، فتزوج نظيرتها ومن هي فوقها، ثمّ طلقها قبل أن يدخل بها لم يخرج من يمينه، وكذلك لو تزوج عليها أمة ودخل بها أو لم يدخل لم يبر. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يبر في الوجهين جميعًا. 1181 - مسألة: [وقال مالك]: إذا اختار أن يطعم عشرة مساكين في كفارة اليمين، أطعم كلّ مسكين مدا بمد المدينة، وفي الأمصار وسطًا من الشبع غداء وعشاء. وقال الشّافعيّ: مدا مدا في كلّ موضع.

1182 - مسألة

وقال أبو حنيفة: إن كان حنطة فنصف صاع، وإن كان تمرًا أو شعيرًا فصاع، وفي الزبيب روايتان. 1182 - مسألة: لا تخرج القيمة في الكفارة، ويخرج ما نصّ عليه من الثّلاثة الأشياء، وبه قال الشّافعيّ. وجوّز أبو حنيفة: إخراج القيمة. 1183 - مسألة: إذا اختار العتق فقال لرجل: "اعتق عبدك عني"، فأعتقه عنه أجزأه عن كفارته، وسواء كان ذلك الجعل جعله، كقوله: "اعتق عبدك عني، ولك ألف درهم" أو بغير جعل، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن كان بجعل جاز، وإن كان بغير جعل لم يجزه. 1184 - مسألة: [قال مالك]: إذا أعتق عنه غيره بغير إذنه، وكان ذلك عن فرض أو تطوع أجزأه. وقال أشهب: لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي: تفصيلات إن كان عن تطوع لم يجزه، وإن كان عن فرض وهو [68/ب] عن أجنبي لم يجزه أيضًا، وإن كان عن أبويه بعد الموت وكانت عن كفارة فيها تخيير، فإن أطعم أو كسا عنهما جاز، فإن أعتق فعلى وجهين، وإن كانت من كفارة مرتبة، والواجب فيها العتق، فإن كان العتق قد وجب عليهما، فيجوز أن يفعله عنهما، وإن لم يأذن له أبواه. 1185 - مسألة: والذي يجزئ من الكسوة في الكفارة ما يستر عورة المصلّي، فالرجل يستره القميص، والمرأة الحرة قميص ومقنعة؛ لأنّها [كلها] عورة ولا ينكشف منها في الصّلاة إِلَّا وجهها وكفاها.

1186 - مسألة

وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يجزئ ما يقع عليه اسم كسوة. 1186 - مسألة: إذا عدم العتق والإطعام والكسوة في كفارة اليمين، فوجب عليه الصوم استحب له تتابع الثّلاثة الأيَّام، وإن فرق أجزأه. وقال أبو حنيفة: لا يجزيه، وهو أحد قولي الشّافعيّ. والآخر مثل قولنا. 1187 - مسألة: إذا وجب على العبد صيام في الكفارة، فصام بغير إذن سيده، أو استأذنه فلم يأذن، فخالفه فصام أجزأه، وبه قال جماعة من أهل العلم. وحكي عن قوم من أهل الظّاهر منهم داود: أنّه لا يجزيه؛ بناء على أصلهم في الوضوء بالماء المغصوب، والذبح بسكين مغصوب، والصلاة في الدَّار المغصوبة. 1188 - مسألة: لا يجوز تبعيض الكفارة بالإطعام والكسوة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يجوز بالقيمة. 1189 - مسألة: إذا حلف لا يساكن فلانًا في دار، أو كان في دار فحلف لا يسكنها، فإن خرج منها ولم يخرج أهله ولا رحله فهو حانث، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: الاعتبار بخروجه ببدنه، فإن خرج وحده بر، وكذلك إذا قال: "إن سكنتها"، فسكنها بنفسه دون عياله ورحله برئ. وعندنا وعند أبي حنيفة: لا يبرأ حتّى يسكنها بعياله ورحله، إن كان في بلد واحد. وعندي: أنّه إن خرج، وترك في الدَّار الّتي حلف لا يسكنها، الشيء

1190 - مسألة

من رحله الّذي لا يسكن بمثله لم يحنث؛ لأنّ مالكًا قال: إذا بقي الشيء اليسير، مثل: الوتد وغيره من السقاطات لم يحنث. وقال بعض أصحابه أكثر من ذلك، وحكي عن أبي حنيفة مثل هذا. 1190 - مسألة: لو حلف لا يدخل دار فلان أو هذه الدَّار، فرقى السطح حنث، وبه قال أبو حنيفة. واختلف أصحاب الشّافعيّ. 1191 - مسألة: لو حلف لا يأكل طعامًا يشتريه فلان، فأكل طعامًا اشتراه وآخر معه، ولم تكن له نيّة حنث، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يحنث. 1192 - مسألة: لو حلف لا يلبس ثوبًا يشتريه فلان، فاشتراه وآخر معه؛ يحنث إن لم يكن له نيّة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يحنث. 1193 - مسألة: إذا كان رجل تفضل على رجل بالطعام والكسوة والدراهم، فمنّ عليه بأنّه يأكل ويلبس وينفق من عنده دائمًا، فقال: "والله لا شربت منك بعد هذا ماءً من عطش"، فإن انتفع منه بعد ذلك بماء أو طعام أو كسوة أو دراهم، وغير ذلك حنث في يمينه. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يحنث إِلَّا بشرب الماء الّذي علّق به يمينه. وكذلك لو وهب له شاة، ثمّ من بها عليه، فحلف لا يأكل من لحمها

1194 - مسألة

ولا يشرب من لبنها، فإنّه إن أكل من ثمنها أو ما اشتري به أو اكتسي منه حنث، وإن أعطاه من غير ثمنها أو شاة سواها لم يحنث، إِلَّا أن ينوي ألَّا ينتفع منه بشيء، فيحنث متى انتفع بأي شيء كان؛ مثل: [69/أ] قوله: "لا شربت لك ماء". 1194 - مسألة: لو حلف لا يدخل دار فلان، فدخل دارًا هو فيها بكراء، حنث إن لم ينو الملك، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يحنث إِلَّا بملكه، إِلَّا أن ينوي الّتي يسكنها. 1195 - مسألة: ومن حلف لا يفعل شيئًا، ففعله ناسيًا حنث، وكذلك لو حلف ليفعلنه غدًا فلم يفعله ناسيًا، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: لا يحنث، وقال: مثل قولنا. 1196 - مسألة: إذا حلف لا يبيع عبده، أو لا يشتري عبدًا، أو لا يطلق امرأته، ولا يعتق عبده، فأمر من فعل ذلك، حنث إِلَّا أن ينوي الفعل بنفسه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يحنث إذا لم يفعل هو ذلك، إِلَّا أن تكون له نيّة، وإن كان سلطانًا أو من هو مثله لا يتولى ذلك بنفسه في العادة، حنث بأمر غيره إِلَّا في الطّلاق والعتاق، فإنّه لا يحنث إِلَّا إن تولاه بنفسه. وذكر أصحابه: أن ذلك كله على قولين. 1197 - مسألة: إذا حلف لا يأكل رغيفين معينين عنده، فأكل أحدهما حنث، إِلَّا أن يكون له نيّة في أكلهما جميعًا، وكذلك إذا قال: "والله لا أكلت هذا الرغيف"، فأكل بعضه، ولو قال: "والله لآكلن هذين الرغيفين"، فأكل

1198 - مسألة

أحدهما لم يبر حتّى يأكلهما، وكذلك "لآكلن هذا الرغيف" لم يبر إِلَّا بأكل جميعه. وقال الشّافعيّ: لا يحنث إِلَّا بأكلهما جميعًا. ووافقنا في أنّه إذا حلف ليأكلن هذين الرغيفين، فأكل أحدهما أنّه حانث ولا يبر إِلَّا بأكلهما. 1198 - مسألة: إذا حلف لا يدخل دار فلان أو هذه الدَّار، فانهدمت وصارت طريقًا فدخلها لم يحنث، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يحنث. ولا خلاف أنّه لو حلف لا يدخل دارًا غير معينة، فدخل خربة كانت دارًا، أنّه لا يحنث. 1199 - مسألة: [إذا قال: "والله لأقضينك حقك غدًا"، فقضاه اليوم، لم يحنث. وقال الشّافعيّ: يحنث]. 1200 - مسألة: اختلف النَّاس في قوله: "والله لأقضينك إلى حين"، فعندنا أنّه سنة. وعند أبي حنيفة: ستة أشهر. وعند الشّافعيّ: أبدًا، وإن مات كان حانثًا قبل موته بساعة، إلى أن يقضيه. 1201 - مسألة: إذا قال لزوجته: "إن خرجت بغير إذني، فأنت طالق"، ثمّ أذن لها ولم تعلم، فخرجت قبل علمها بإذنه، طلقت عليه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا تطلق.

1202 - مسألة

1202 - مسألة: إذا حلف لا يأكل رؤوسًا، فأكل رؤوس سمك أو جراد أو طير وما يؤكل لحمه، حنث إن لم يكن له نيّة تخص، ولم يخرج كلامه على سبب يعلم منه قصده في بعض الرؤوس دون بعض. وقال أبو حنيفة: لا يحنث إِلَّا برؤوس الغنم والبقر، دون الجمال وغيرها ممّا له رأس يؤكل. وقال أبو يوسف: لا يحنث إِلَّا برؤوس الغنم حسب. وقال الشّافعيّ: لا يحنث إِلَّا في أكل رؤوس الأنعام؛ الإبل والبقر والغنم، دون غيره من الحيوان، وبه قال أشهب. وكل واحد منهم يعتبر العرف والعادة بين النَّاس، ولا ينظر إلى الإطلاق. وحكي عن الشّافعيّ في الحالف لا يأكل لحمًا: أنّه يحنث بأكل كلّ لحم سوى الحيتان. وكذلك إذا قال: "لا آكل لحمًا"، كلّ واحد منهم يعتبر العرف بين النَّاس. 1203 - مسألة: لو حلف ليضربن عبده مائة سوط، فضربه بضغث فيه مائة سوط ضربة واحدة، لم يبر وإن علم أنّها كلها أصابته. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: بر في يمينه. 1204 - مسألة: لو حلف لا يأكل فاكهة أو ثمرة، حنث بأكل الرطب والعنب والرمان والسفرجل وغير ذلك، وبه قال الشّافعيّ ومحمد وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة: يحنث به كله، إِلَّا الرطب والعنب والرمان.

1205 - مسألة

1205 - مسألة: من حلف لا يأكل أُدمًا فأكل لحمًا أو شواء حنث، كالأكل زيتًا وخلًّا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: الأدُم: هو ما يصطبغ فيه؛ كالخل والعسل والزيت، فأمّا اللّحم والشواء، وما لا يصطبغ به فليس بأدم. واختلف قول أبي يوسف. وقال محمّد: ما كان الغالب أكله بالخبز فهو أدم. 1206 - مسألة: من قال: "إن كلمت فلانًا أو دخلت الدَّار، فمالي صدقة"، ففعل ذلك؛ لزمه إخراج ثلث ماله [69/ب]، وكذلك إذا قال: "مالي في المساكين"أو"صدقة"، على غير وجه الحلف، وكذلك لو قال: "علي نذر أن أتصدق بمالي"، أو"إن شفى الله مريضي"، أو"قدم غائبي فمالي صدقة"، أو "في المساكين"، أو "هدي"، فشفى الله مريضه أو قدم غائبه، لزمه صدقة ثلث ماله، ولا يجزئ من ذلك كفارة يمين. وقال أبو حنيفة: في النَّذْر المعلق بشرط، إذا كان في ماله، مثل أن يقول: "إن شفى الله مريضي فمالي صدقة"، أو "إن كلمت فلانًا ودخلت الدَّار"، ففعل ذلك، أن القياس: إلزامه إخراج ماله كله، واستحسن أن يتصدق بالأموال الّتي تجب فيها الزَّكاة. واختلف عنه إذا كان على وجه الحلف، فحكي عنه: أنّه يتصدق بماله كله، حسب ما تقدّم ذكره من ذلك ومن الاستحسان. وحكي عنه: أنّه عليه كفارة يمين، وهو قول محمّد. والأول هو الصّحيح. وقال الشّافعيّ: كلّ ما كان على وجه البرّ والنذر، فإنّه يلزمه الوفاء به، ويخرج جميع ماله، وما كان على وجه اليمين في لجاج أو غضب،

1207 - مسألة

مثل: أن يقول: "إن كلمت فلانًا أو دخلت دارًا، فمالي صدقة" وفعل ذلك، فهو مخير أن يكفر كفارة يمين، وإن شاء أن يفي بما ذكره من إخراج ماله كله. قال القاضي أبو الحسن: فحصل الخلاف في موضعين: أحدهما: أنّه لا تجزيه كفارة يمين إذا كان على وجه الحلف. والآخر: أنّه يجزيه عندنا إخراج ثلث ماله. فوافق الشّافعيّ في قوله: كفارة إذا كان على وجه الحلف ففيه كفارة يمين. وذهب النخعي والحكم وحماد إلى أنّه لا يلزمه شيء. وذهب عثمان البتي إلى أنّه يلزمه التصدق بجميع ماله. وقال ربيعة: يلزمه زكاة ماله من العين والماشية والورق ربع عشرها. واختلف الصّحابة في ذلك أيضًا على ما حكي. 1207 - مسألة: إذا نذر المشي إلى بقعة من بقاع الحرم، ولم ينو حجًّا ولا عمرة لم يلزمه شيء، إِلَّا إن قال: "إلى الكعبة"، أو "الحِجر"، أو "الحَطيم" (¬1)، أو "مكّة"، أو "المسجد الحرام"، أو "الرُّكن"، أو "الحَجر"، أو "إلى بيت الله " ولا نيّة. فإن قال: "إلى الصفا"، أو"إلى المروة"، أو "الحرم"، أو "بعض جباله"، أو "بعض مواضع مكّة"، أو "مني"، أو "عرفة"، أو "المزدلفة"؛ فلا شيء عليه، هذا قول ابن القاسم. وقال أشهب: من حلف بالمشي إلى الصفا، أو المروة، أو ذي ¬

_ (¬1) الحَطيم بالفتح: وهو ما كان في الأصل في بناء الكعبة سمي به؛ لأنّه حطم: أي كسر وأزيل من بناء الكعبة، ويسمّى كذلك: الحِجر- بالكسر-: والحظيرة. انظرت طلحة الطلبة: 112.

1208 - مسألة

طوى، أو عرفة لزمه، إِلَّا أن ينوي الموضع المسمى بعينه، فلا شيء عليه، وبه قال الشّافعيّ، إِلَّا في عرفة وما كان من الحل. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه في القياس شيء من هذا كله، واستحسن إذا قال: "إلى بيت الله"، أو "الكعبة ومكة"؛ لجري العادة بذلك. 1208 - مسألة: إذا قال فى يمين: "لله علي أن أنحر ولدي في مقام إبراهيم" ثمّ حنث؛ نحر جزورًا؛ لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر -رضى الله عنهم-. وقال أبو حنيفة: عليه كبش استحسانا. وقال الشّافعيّ: لا شيء عليه. وشيوخنا يقولون: قول مالك - رحمه الله - استحسان واستحباب لا واجبًا، والله أعلم.

مسائل الأقضية والشهادات

مسائل الأقضية والشهادات 1209 - مسألة: لا تلي المرأة القضاء، وكذلك العبد، غير أن العبد لا خلاف فيه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يصح أن تحكم المرأة في كلّ شيء تقبل فيه شهادة النِّساء. وقال ابن جرير: تقضي في كلّ شيء. وتقبل عند أبي حنيفة شهادة النِّساء في كلّ شيء، إِلَّا الحدود والجراح، وتقضي عنده المرأة في كلّ شيء، إِلَّا في الجراح والحدود. 1210 - مسألة: إذا لم يعلم القاضي لسان الخصم لاختلاف لغتهما، فلا بد من ترجمان عن الخصم. و [عندي: أنّه] لا يكفي فيه أقل من عدلين يشهدان أنّه قال: كذا وكذا، فيما كان إقرارًا يثبت به عليه حكم؛ لأنّ من أصل مالك: أنّه لو أقر عنده بما يفهمه القاضي، لم يحكم عليه بعلمه حتّى يشهد به عنده شاهدان، ففيما لا يفهمه أحرى وأولى، وبه قال الشّافعيّ، أنّه لا بدَّ من اثنين. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يقبل في ذلك واحد؛ رجل أو امرأة، ووافق أنّه لا يقبل من عبد.

1211 - مسألة

وقال محمّد: لا يقبل إِلَّا من رجلين، [أو رجل] وامرأتين. وعندي: أنّه إن تضمن إقراره مالًا وما يجري مجراه [70/أ]، قبل فيه رجل وامرأتان دون ما سواه، ممّا لا تقبل فيه شهادة النِّساء. 1211 - مسألة: يجوز للقاضي أخذ الرزق على القضاء. وقال قوم: لا يجوز ذلك. 1212 - مسألة: لا يجوز للحاكم أن يقبل هدية لأجل خصومة حضرت، وهو أحد أقاويل الشّافعيّ. 1213 - مسألة: إذا لم يعرف الحاكم عدالة رجلين مع علمه بأنّهما مسلمان، لم يحكم بشهادتهما حتّى يبحث عنهما، ولم يكتف بظاهر الإسلام، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يحكم بظاهر إسلامهما، ولا يحتاج إلى بحث، إلى أن يجرحهما الخصم فيما سوى الحدود والقصاص. وقال أبو يوسف: يسأل عنهم في السر والعلانيّة، وإن لم يطعن فيهم الخصم كقولنا. 1214 - مسألة: لا يجوز للحاكم أن يحكم لابنه. وحكي عن أبي ثور وداود: جواز الحكم له. 1215 - مسألة: يقضي القاضي للحاضر على الغائب، إذا قامت البينة وسأله الحاكم، وبه قال اللَّيث والشّافعيّ. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وابن أبي ليلى وشريح: لا يقضى على

1216 - مسألة

غائب، ولا من هرب قبل الحكم وبعد إقامة البينة، ولا على من استتر في البلد، ولكن يأتي من عند القاضي بيته إلى بابه يدعوه إلى الحاكم، فإن جاء (¬1) وإلا فتح عليه بابه. وقد حكي عن أبي يوسف: أنّه يحكم عليه. ووافقنا أبو حنيفة أن القاضي يسمع الدعوى، ويقبل الشّهادة على الغائب، وإنّما الخلاف في القضاء والحكم. وقال أبو حنيفة: إذا جاء المدعي إلى الحاكم ومعه رجل، وذكر أن له على فلان الغائب مالًا وهذا كفيله، واعترف الرَّجل بالكفالة، إِلَّا أنّه قال: لا شيء له عليه، قال: يحكم الحاكم على الغائب، وإن ثبت حكمه عليه أخذ من الكفيل الحق. وكذلك عنده إذا ادعت امرأة على رجل غائب الزوجية، وأن هذا الولد منه، وأن لها عليه نفقة، وأن له مالًا بيد فلان الحاضر، وأقامت البينة بذلك، فإنّه يحكم على الغائب، ويلزم هذا الحاضر تسليم النفقة إليها. وكذا عنده لو ادعى مدع على جماعة، مثل أن يقول: "قتلوا عبدي"، وما أشبهه، فحضر منهم واحد حكم الحاكم عليه وعلى الغائب، فيعتبر أن تتوجه الدعوى على شخص حاضر. 1216 - مسألة: إذا حكم الرجلان رجلًا ورضيا بحكمه، لزمهما حكمه وإن خالف رأي حاكم البلد. وقال أبو حنيفة: إن وافق رأي قاضي البلد، وإلا لم ينفذ. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: مثل قولنا. وقال: لا يلزمهما حكمه، وهو كالفتوى منه، وبه قال شريح. ¬

_ (¬1) في الأصل: "شاء". والمثبت من (ط).

1217 - مسألة

1217 - مسألة: اختلف النَّاس في القاضي، هل يقضي بعلمه أم لا؟ على مذاهب: فقولنا (¬1): إنّه لا يقضي بعلمه أصلًا؛ علم قبل القضاء أو بعده أو في مجلسه؛ في حقوق الله تعالى أو في حقوق الآدمبين، وبه قال شريح والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي وأحمد وإسحاق. وقال ابن الماجشون من أصحابنا: يقضي بما علمه في مجلسه، إذا حضر الخصم واعترف لخصمه بحق. وقال أبو حنيفة: الّذي يشاهده الحاكم من الأفعال الموجبة للحدود قبل القضاء وبعده، لا يحكم فيها بعلمه، وما علمه من حقوق النَّاس قبل القضاء، فلا يحكم فيه بعلمه، وماعلم منها بعد القضاء حكم به. وقال أبو يوسف: يحكم في حقوق النَّاس بما علمه قبل القضاء وبعده. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: لا يحكم بعلمه في حق الله وحق الآدمي على وجه، كقولنا. وقال: يحكم في الجميع. وهو الصّحيح عنده. 1218 - مسألة: إذا نسي الحاكم ما حكم به، فشهد عنده شاهدان (¬2) أنّه حكم بذلك، قبل شهادتهما وأمضاه، وبه قال أبو يوسف وابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يلتفت [70/ب] إليهما إذا لم يذكر ذلك. ¬

_ (¬1) في الأصل: "فقولان". والمثبت من (ط). (¬2) في الأصل: "شاهد". والمثبت من (ط).

1219 - مسألة

1219 - مسألة: إذا كتب قاض إلى قاض كتابًا بما ثبت عنده، أو بما حكم به وأشهد على كتابه شاهدين، ولم يقرأه عليهما جاز ذلك، ولزم القاضي المكتوب إليه قبوله بقول الشّاهدين: "شاهدان هذا كتاب فلان القاضي، دفعه إلينا مختومًا". وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: إذا لم يقرأه عليهما لم يجز لمن وصل إليه أن يعمل به، وروي عن مالك مثل ذلك. 1220 - مسألة: [وعندنا أن] حكم الحاكم لا يخرج الأمر في الباطن عما هو عليه، وإنّما ينفذ في الظّاهر، فإذا شهد شاهدان أن لرجل على رجل بحق، وحكم الحاكم بشهادتهما، فإن كانا صادقين حل الشيء للمشهود له ظاهرًا وباطنًا، وإن شهدا بزور حل في ظاهر الحكم، ولم يحل فيما بينه وبين الله تعالى، وهو على ملك من شهد عليه؛ كان ذلك في الفروج أو الأموال، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: حكم الحاكم يجعل الأمر في الباطن كالظاهر. فالخلاف بيننا وبينه في مسائل منها: أن يدعي رجل على أجنبية أنّها زوجته، وشهد له ويحكم الحاكم بالزوجية، فتحل عند أبي حنيفة باطنًا وظاهرًا. ومثل: أن تدعي امرأة أن زوجها طلقها طلاقًا بائنًا، وتقيم بذلك شاهدي زور، فيحكم الحاكم بفرقتهما، فتقع عندنا الفرقة ظاهرًا، وعنده ظاهرًا وباطنًا، ويجوز لأحد الشّاهدين أن يتزوجها. ومثل: أن تدعي أمة على مولاها أنّها ابنته، وتقيم شاهدي زور. ووافقنا أبو حنيفة في الأموال وذوات المحارم، أن حكم الحاكم لا يؤثر في باطنها.

1221 - مسألة

وقال أبو يوسف في الزوجة: إن حكم الحاكم يحرمها على الأوّل، ولا يحلها للغير. وقال: لو أن امرأة ادعت طلاق زوجها بتاتًا، وأقامت بينة زور وحكم الحاكم بها، فإنها تحرم عليه، ولا تحل لغيره. وجملة ذلك: أن أبا يوسف ومحمدًا يقولان بقول مالك من الشهادات. 1221 - مسألة: يصح عقد البيع بغير شهادة، ولا يجب فيه الإشهاد، وبه قال فقهاء الأمصار. إِلَّا داود وسعيد بن المسيَّب، قالا: لا يصح إِلَّا بشهادة. 1222 - مسألة: لا تجوز شهادة النِّساء في غير الأموال وما يتعلّق بها، وما كان المقصود منه المال وعيوب النِّساء والمواضع الّتي لا يطلع عليها غيرهن، وما سوى ذلك ممّا ليس المقصود منه المال؛ كالنِّكاح، والطلاق، والعتق، والرجعة، والنسب، والتعديل، والجرح، والوصية إذا كان فيها عتق، والدم والجراح، ولا غير ذلك، وبه قال الشّافعيّ والنخعي والحسن وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: يقبل في جميع ذلك شاهد وامرأتان، إِلَّا في الجراح الموجبة للقود في النفس والأطراف. 1223 - مسألة: تقبل شهادة الشاعر إذا كان عدلًا. وقال قوم: لا تقبل. 1224 - مسألة: ويقبل في القصاص شاهدين.

1225 - مسألة

وقال الحسن: هو مقيس على الزِّنا؛ بعلة أنّه: إماتة نفس. 1225 - مسألة: تقبل شهادة القاذف بعد الحدّ إذا تاب، وشهد بعد ذلك، وبه قال عطاء وطاووس والأوزاعي وربيعة والشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وقال شريح والحسن البصري والنخعي وسفيان وأبو حنيفة وأصحابه: إذا حد فسق، وإن تاب زال فسقه ولا تقبل شهادته. 1226 - مسألة: تقبل شهادة الأعمى فيما طريقه الصوت؛ سواء تحملها قبل العمى أو بعده. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا تقبل إِلَّا أن يكون أثبت ذلك معاينة وسمعًا ثمّ عمي، فيصح أداؤها منه عند الشّافعيّ وحده، وعند أبي يوسف والحسن والنخعي. وبقولنا قال عطاء والزهري [71/أ] وابن أبي ليلى. وتصح عند أبي حنيفة شهادته في النِّكاح والنسب والموت. وعند الشّافعيّ: في الموت والنسب والترجمة والمضبوط. فالترجمة: هو أن يكون عند الحاكم، فيتكلم إنسان بشيء لا يعرفه، فيسأل الحاكم الأعمى عما يقول، فيقول له الأعمى أنّه قال: كذا وكذا. والمضبوط: هو أن يعترف إنسان عند أعمى بشيء، يجعل فاه على أذن الأعمى، ويضبطه إلى نفسه ويضع يده على رأس المقر ورقبته، ويشهد عند الحاكم بما سمع منه، فتقبل شهادته.

1227 - مسألة

1227 - مسألة: اختلف النَّاس في شهادة العبد على مذاهب: فقلنا نحن [وأبو حنيفة] والشّافعيّ: لا تقبل في شيء أصلًا، وبه قال ابن عمر -رضى الله عنهما-، ومجاهد وعطاء والحسن والأوزاعي وسفيان. وقال علي وأنس -رضى الله عنهما-، وشريح وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود: تقبل في جميع الأشياء كالحر. وقال النخعي والشعبي: تقبل في الشيء التافه القليل، ولا تقبل في الكثير. 1228 - مسألة: شهادة الصبيان جائزة فيما بينهم من الجراح والقتل، إذا كان قبل افتراقهم وتخبيبهم (¬1)، أو يشهد على شهادتهم قبل أن يفترقوا، ولا يلتفت إلى رجوعهم بعد ذلك، وهو قول علي وابن الزبير -رضى الله عنهم-، وقيل إنّه قول عمر -رضى الله عنه -، وبه قال معاوية -رضى الله عنه -، وعمر بن عبد العزيز. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا تقبل أصلًا، وبه قال أحمد وإسحاق، وهو قول ابن عبّاس رضى الله عنهما، وعطاء والحسن والزهري. 1229 - مسألة: شهادة أهل الذِّمَّة غير مقبولة على كلّ حال، وبه قال الحسن والشّافعيّ وأحمد وأبو ثور. وقالت طائفة: تقبل على الكفار دون المسلمين، وهو قول شريح وحماد ابن [أبي] سليمان وعمر بن عبد العزيز وسفيان وأبو حنيفة وأصحابه. ¬

_ (¬1) هو: أن يدخل بينهم كبير أو كبار على وجه يمكنهم أن يلقنوهم الشّهادة، ويصرفوهم عن وجهها أو يزينوا لهم الزيادة فيها أو النقصان منها. انظر: المنتقى، 5/ 230.

1230 - مسألة

وحكي عن قتادة والزهري والشعبي: أن شهادة اليهود مقبولة في جنسهم دون النصارى، كذلك النصارى على النصارى دون غيرهم. 1230 - مسألة: ولا تقبل شهادة الأخ لأخيه، إذا كان منقطعا إليه يناله بره وصلته، وكذلك الصديق الملاطف الّذي هذه حاله. وقبلها أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال الأوزاعي: لا تجوز شهادة الأخ لأخيه أصلًا. 1231 - مسألة: ولا تجوز شهادة أحد الزوجين للآخر، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: تقبل، وبه قال الحسن وأبو ثور. وقال النخعي وابن أبي ليلى: تقبل شهادة الزوج لها، ولا تقبل شهادتها له. 1232 - مسألة: لا تقبل شهادة عدو على عدوه، [والخصم على خصمه]، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: تقبل شهادة العدو على عدوه، والخصم على خصمه. 1233 - مسألة: يحكم بشاهد مع يمين الطالب في الأموال خاصّة، إذا ادعى بمال وأقام شاهدًا على صحة دعواه، حلف معه واستحق المال، وحكمه [عندنا] كحكم الشّاهد والمرأتين، فكل موضع قبل فيه شاهد وامرأتين قبل فيه شاهد ويمين، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأصحابه، وهو قول أبي بكر وعمر وعلي وأبيّ بن كعب -رضى الله عنهم-، والفقهاء

1234 - مسألة

السبعة وشريح وعمر بن عبد العزيز وإياس بن معاوية (¬1) وأبو سلمة ابن عبد الرّحمن وأبي الزِّناد (¬2) وربيعة. وقال النخعي وابن أبي ليلى والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه: لا يحكم بشاهد ويمين، وإن حكم به حاكم نقض، وهو بدعة، وهو قول الزّهريُّ والحكم. وأول من حكم بذلك معاوية -رضى الله عنه -. 1234 - مسألة: إذا نكل المدعي على اليمين مع شاهده، ردت اليمين على المدعى عليه، فإن حلف [71/ب] برئ، وإن نكل غرم المال؛ لأنّ المدعي قد اجتمع معه شيئان: شاهد ونكول المدعى عليه. وقال الشّافعيّ: لا يغرم بنكوله شيئًا، ولا يلزمه شيء. 1235 - مسألة: لا تجوز شهادة الوالد لولده، وبه قال فقهاء الأمصار. وحكي عن عمر بن الخطّاب -رضى الله عنه -، وشريح وأبي ثور والمزني: جوازها، وهو قول داود وأصحابه. 1236 - مسألة: لا تقبل شهادة شارب النبيّذ المختلف فيه ويحد ويفسق، خلافًا لأبي حنيفة في ذلك كله. ¬

_ (¬1) هو: القاضي أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرة المزني البصري: قاضيها العلّامة، روى عن أنس رضى الله عنه وابن المسيَّب وابن جبير وغيرهم، وكان مضرب المثل في الذكاء والدهاء والعقل، كان ثقة وقلّما روي عنه. توفي: 22 اهـ. انظر: السير: 5/ 155، التهذيب: 1/ 341. (¬2) هو: أبو عبد الرّحمن عبد الله بن ذكران القرشي المدني، الملقَّب بأبي الزِّناد، وأبوه مولى رملة زوجة عثمان رضى الله عنه: الإمام المجتهد الفقيه الحافظ المفتي، حدث عن أنس وأبي أمامة رضى الله عنهما وعروة وغيرهم. نوفي: 130 هـ. انظر: السير: 5/ 445، التهذيب: 5/ 178.

1237 - مسألة

وقال الشّافعيّ: إن شربه من يعتقد تحريمه شافعي أو غيره؛ حد وفسق، وإن شربه حنفي متأول؛ حد ولم يفسق وقبلت شهادته. 1237 - مسألة: لا تقبل شهادة ولد الزِّنا في الزِّنا، وتجوز في غيره. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: تجوز في الزِّنا وغيره. وقال الحسن: لا تجوز شهادته في شيء أصلًا. 1238 - مسألة: لا تقبل شهادة بدوي على قروي، إِلَّا في الجراح والقتل؛ لوقوعه في الخلوات، وحيث لا يمكن الاحتراز بالشهود. ومعناه عندنا: ألَّا يكون البدوي قاطنا مع المتداعيين، فيدعي المدعي شيئًا يمكن فيه إشهاد أهل القرية، فيتركهم ويدعي شهادة البدوي فيتهم؛ لأنّ النَّاس في الأغلب لا يتركون شهادة أهل بلدهم وجيرانهم، ويخرجون يُشهدون أهل البادية. 1239 - مسألة: إذا شهد الصبي والعبد والكافر بشيء، فردت عند الحاكم، فبلغ الصبي وعتق العبد وأسلم الكافر، فشهدوا بها ثانية لم تقبل في تلك الشّهادة؛ كالفاسق إذا ردت شهادته، ثمّ صلحت حاله لم يقبل في تلك الشّهادة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يقبل شهادة الثّلاثة، إِلَّا الفاسق. وقال داود: تقبل شهادة الفاسق إذا صلحت حاله. 1240 - مسألة: الشّهادة على الشّهادة جائزة في كلّ حق لله وللآدميين، كان ذلك في مال أو حد أو قصاص، وبه قال الشّافعيّ، في حقوق الآدميين؛ من الأموال والقصاص، وله في حقوق الله تعالى قولان.

1241 - مسألة

وقال أبو حنيفة: تقبل في حقوق الآدميين سوى القصاص وحقوق الله تعالى والحدود، ولا تقبل في كتاب قاض إلى قاض؛ لأنّه كالشهادة على الشّهادة. 1241 - مسألة: شهود الفرع إذا زكت شهود الأصل، وأثنت عليهم وعدلتهم، ولم يذكر أسماءهما ونسبهما للقاضي لم تقبل شهادتهم، وبه قال الفقهاء. وحكي عن ابن جرير أنّه: جاز ذلك؛ مثل: أن يقولا: "نشهد أن رجلًا عدلًا رضي، شهد وأشهدنا على شهادته بشيء ما". 1242 - مسألة: إذا شهد شاهدان على كلّ واحد من شاهدىِ الأصل قبلت شهادتهما، وبه قال أبو حنيفة وقال الشّافعيّ في أحد قوليه. وقال فى الآخر: لا بدَّ في شهود الفرع من أربعة؛ على كلّ واحد اثنان، غير الّذي على الآخر، ورأيت لعبد الملك مثله. 1243 - مسألة: يحكم بشهادة امرأتين مع يمين الطالب في المال، كالشّاهد واليمين. ومنع من ذلك الشّافعيّ. 1244 - مسألة: إذا رجع الشهود بعد الأداء وقبل الحكم، صح رجوعهم ووقف الحكم فيما شهدوا به، وبه قال سائر الفقهاء. إِلَّا أبا ثور، فإنّه قال: يحكم ولا يراعى رجوعهم.

1245 - مسألة

1245 - مسألة: إذا رجع الشهود بعد الحكم واستيفاء الحق لم ينقض، وبه قال سائر الفقهاء. إِلَّا سعيد [72/أ] بن المسيَّب والأوزاعي، قالا: ينقض الحكم ويرد. 1246 - مسألة: إذا رجع الشهود في القتل بعد حكم الحاكم واستيفاء القود، لم تقتل الشهود وعليهم الدية في أموالهم ولو تعمدوا القتل، وبه قال أبو حنيفة. وروي عن مالك أيضًا: أنّهم يقتلون، وبه قال الشّافعيّ، وهو اختياري إذا تعمدوا ذلك. 1247 - مسألة: إذا شهد شاهدان بطلاق امرأة بعد الدخول، وحكم بالفرقة ثمّ رجعا لم يغرما المهر، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يغرمان مهر المثل دون المسمى. 1248 - مسألة: إذا تكافأت البينتان، حكم بأعدلهما في مواضع. ولم يعتبر أبو حنيفة والشّافعيّ ذلك، ولا جعلا لأعدلهما ميزة على الأخرى.

مسائل القسم والدعاوى والأيمان

مسائل القسم والدعاوى والأيمان 1249 - مسألة: إذا دعى بعض الشركاء إلى قسم ما ينقسم، قسم له وإن لم ينتفع كلّ واحد بما صار له. وقال ابن القاسم: لا يجبر على القسم، إِلَّا أن يحصل لكل واحد ما ينتفع به، أو لأحدهم ما ينتفع به وإن لم ينتفع الآخر، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: إن كان الضرر يلحق جماعتهم لم يجبروا، وإن كان بعضهم ينتفع وبعضهم لا ينتفع، والذي ينتفع بحقه هو الطالب، أجبر الباقون على القسم، وإن طلب من لا ينتفع لم يجبر شركاؤه. وقال أبو ثور: لا يجبروا على القسمة في الضرر أيضًا. وقال ابن أبي ليلى: يباع الشيء ويقسم ثمنه بينهم على قدر حصصهم، إن كان جميعهم لا ينتفعون، أو إن كان بعضهم ينتفع، وبعضهم لاينتفع. 1250 - مسألة: أجرة القاسم على عدد الرؤوس دون الأنصباء، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: على قدر الأنصباء. وقال أبو يوسف: القياس أن تكون على الرؤوس، واستحسن أنّها على قدر الأنصباء، وبه قال محمّد.

1251 - مسألة

1251 - مسألة: إذا كان للشركاء دور وضياع ودكاكين، فما كانت مواضعه متقاربة، والرغبة فيه واحدة، وطلب كلّ واحد قسمة كلّ دار ودكان على حدة، وطلب بعضهم أن تقسم على العدد بالقيمة؛ ليقع لكل واحد دارًا ودكانًا كاملة، فذلك لطالب هذا دون الآخر. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: القول قول من ادعى قسمة كلّ شيء على حدة. وقال أبو يوسف: إن كانت مختلفة قسم كلّ شيء وحده، وإن كانت جنسًا واحدًا عمل على ما هو الأحظ من ذلك. 1252 - مسألة: [قال مالك]: لا يحلف المدعى عليه حتّى تثبت الخلطة بينه وبين المدعي، واختلف شيوخنا على ذلك، فقال بعضهم: ينظر في الدعوى، فإن كانت يشبه أن يدعى مثلها على المدعى عليه أحلف. وقال بعضهم: ينظر في المتداعيين، فإن كان المدعى عليه يشبه مثله أن يعامل المدعي أحلف. ولم يفرق مالك. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يحلفه على كلّ حال، ولم يعتبر معاملته ولا مخالطته. 1253 - مسألة: إذا ادعى إنسان على إنسان حقًّا، ولا بينة له فاليمين على المدعى عليه، فإن حلف برئ، وان نكل ردت اليمين على المدعي، فإن حلف استحق، وإن نكل فلا شيء له، ولا يحكم على المدعى عليه بنكوله، وبه قال شريح والشعبي والنخعي وابن سيرين والشّافعيّ وأبو ثور. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كان الدعوى في مال، ونكل المنكر عن

1254 - مسألة

اليمين، كرر عليه ثلاثًا فإن لم يحلف لزمه الحق، ولا ترد اليمين على المدعي، وإن كانت في قتل عمد أو جراح عمد توجب القود، فلا خلاف بينهم أنّه لا يحكم بالقود بنكوله. واختلفوا فيما يجب فيه، فقال أبو حنيفة: يحبس حتّى يحلف أو يعترف. وقال أبو يوسف: يقضى عليه بالدية. وقال ابن أبي ليلى: يحبس في جميع ذلك حتّى يحلف. 1254 - مسألة: الدعوى في النِّكاح [72/ب] والطلاق والنسب والعتق لا توجب اليمين على المنكر، وبه قال أبو حنيفة، ويقول: لا يردّ اليمين - في المواضع الّتي تجب فيها اليمين - على المنكر. ونحن نقول: كلّ موضع يقبل فيه شاهد ويمين، أو شاهد وامرأتان يحكم فيه برد اليمين، إذا نكل المدعى عليه في مثل: الأموال. وكل موضع لا يقبل فيه شاهد ويمين، ولا شاهد وامرأتان، لم يحكم فيه برد اليمين؛ كالنِّكاح وشبهه، وإنّما يعتبر فيه شاهدان، وكذلك قال أبو حنيفة. والشّافعيّ يحلف المدعى عليه، فإن نكل حلف المدعي في جميع المواضع. 1255 - مسألة: إذا حلف المدعى عليه، وأراد المدعي إقامة البينة بعد ذلك، [قال مالك]: فإن كانت بيّنة غائبة أو حاضرة، ولم يعلم بها ثمّ علم، فله أن يقيمها وإن كانت حاضرة عالمًا بها فاختار اليمين، لم تسمع منه بعد اليمين. وقد نقل عنه: أن له ذلك أيضًا، وهو أجود وأصح، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وشريح والشعبي والفقهاء.

1256 - مسألة

إِلَّا ابن أبي ليلى وداود قالا: ليس له ذلك. 1256 - مسألة: إذا مات رجل وخلف ابنين ومالًا، فادعى رجل أن له على الميِّت دينًا، فشهد له به أحد الولدين واْنكر الآخر، فإن كان الشّاهد عدلًا حلف المدعي معه وأخذ حقه، وإن لم تقبل شهادته لزمه نصف الدِّين في حصته، وهو ما يخصه من الدِّين لو قامت البينة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يؤخذ الدِّين كله من مال المقر، وحكى مثل هذا أبو عبيد بن حربويه عن الشّافعيّ. والصّحيح عنه مثل قولنا. 1257 - مسألة: إذا ادعى إنسان شيئًا في يد غيره، وأقام به بينة وأقام الّذي في يده الشيء بينة بأنّه ملكه، فبينة صاحب اليد أولى من بينة الخارج، إن كانت أعدل أو تكافأتا في العدالة. وسواء كانت الدعوى والشهادة بملك مطلق غير مضاف إلى سبب، كقوله: "هي ملكي"، أو مضاف إلى سبب، كقوله: "هذا ثوب نسجته في ملكي"، "والدابة ولدت في ملكي"، كان السبب الّذي يضاف إليه الملك ممّا يتكرر في الملك كالخز؛ لأنّه ينسج دفعة بعد دفعة، وكالغراس؛ لأنّه يمكن أن يغرس النخل وغيره في موضع، ثمّ يقلع ويغرس في مكان آخر، وكان ممّا لا يوجد إِلَّا دفعة واحدة؛ كالولادة ونسج الثّوب القطني، وبه قال شريح والشعبي والشّافعيّ. وقال أحمد وإسحاق: بينة الخارج أولى في جميع ذلك، ولا تقبل بينة المدعى عليه أصلًا. وقال أبو حنيفة: إن قامت البينة للمدعي على ملك مطلق، فهو أولى من بينة صاحب اليد، الّذي هو الداخل، وإن كانت على ملك مضاف إلى سبب، وكان السبب ممّا يتكرر في الملك؛ مثل: ثوب الخز أو الصوف، فقال: "كلّ واحد نسجته [في ملكي] "، أو في غراس، [وقال: "كلّ واحد

1258 - مسألة

منهما غرسته في ملكي"]، فبينة المدعي أولى من بينة المدعى عليه؛ لأنّه يمكن وقوع كلّ واحد من الأمرين. وإن كان السبب لا يتكرر في الملك؛ كالولادة، فادعى كلّ واحد منهما أن العبد ولد في ملكه، وقامت له بينة بذلك، فبينة صاحب اليد أولى. 1258 - مسألة: إذا ادعى على امرأة أنّه تزوجها تزويجًا صحيحًا سمعت دعواه، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال فى أحد قوليه مثلنا، وقال فى الآخر: لا تسمع دعواه حتّى يصرح، فيقول: "تزوجتها بولي وشهود عدول، ورضى منها" إن كانت [73/أ] ممّن يعتبر رضاها. 1259 - مسألة: اختلف قول مالك في المتداعيين دارًا ليست في أيديهما، وأقام كلّ واحد بينة أن جميع الدَّار له، فقال: تقسم الدَّار بينهما بعد أيمانهما، وبه قال عبد الله بن عمر -رضى الله عنهما-، وبه قال أبو حنيفة. وقال أيضًا: لا تقسم ويوقف الحكم فيها، حتّى يقوم دليل على تقديم أحدهما على الأخرى، هذا إذا تساوت البينتان في العدالة، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وله قولان آخران: أحدهما مثل الأوّل لمالك. والآخر: في كيفية استعمال البينتين؛ [فقالوا: هو على ثلاثة أقوال: أحدها]: وهو أن يقرع بينهما، فأيهآخرجت قرعته قدمت بينته. قالوا: وبه قال علي -رضى الله عنه -. [والثّاني: إنها توقف حتّى تقوم دلالة على تقديم البينة على الأخرى.

1260 - مسألة

والثّالث: أن الدَّار تقسم بينهما (¬1). 1260 - مسألة: إذا مات رجل وترك ابنين أحدهما مسلم والآخر كافر، فقال كلّ واحد منهما: "مات على ديني وأرثه دونك"، نظر: فإن لم يعلم دين الأب ولا ثبت، فقد تساويا في الدعوى، فإن أقاما بينة [من] مسلمين وتكافأتا، فالميراث بينهما بعد أيمانهما، وكذا إن لم تكن لهما بينة. وإن ثبت أن الميِّت كان نصرانيًّا، وادعى المسلم أنّه مات مسلمًا أسلم قبل موته، وقامت بينة بذلك فهو أولى، وإلا فالنصراني أولى. وكذا إذا تقدّم العلم بأنّه كان مسلمًا فالمسلم أولى، وإن علم أنّه كان نصرانيًّا ثمّ مات، وأقاما بينة فبينة الإسلام مقدمة؛ لأنّها قد أثبتت زيادة وهي إسلامه بعد كفره. وقال أبو حنيفة: بينة المسلم مقدمة على كلّ وجه، وكذلك دعواه مقدمة مع عدم البينة. ولأصحاب الشّافعيّ: أقوال وتفصيل. 1261 - مسألة: إذا اختلف الزوجان في متاع البيت قبل الفرقة أو بعدها، والدار لهما أو لأحدهما أو ماتا أو أحدهما، أو اختلف الورثة، فما كان من متاع النِّساء فهو للمرأة مع يمينها، وما كان من متاع الرجال فهو له مع يمينه أو يمين الورثة، وما صلح لهما جميعًا فهو للرجل مع يمينه. ¬

_ (¬1) في (ط) بزيادة: "وبه قال عبد الرّحمن بن عمر"، ولم أجد له ذكرًا في كتب الخلاف، ولعلّه يقصد: عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، وقد سبق ذكر قوله في مطلع المسألة، وهو قريب من هذا.

1262 - مسألة

فالذي يصلح للمرأة: كالحلي وثياب النِّساء والجهاز. وما يصلح للرجل: كالدرع والسيف والسلاح. والذي يصلح لهما: كالدنانير والدراهم، وسواء كانت لهما عليه يد مشاهدة، أو يكونا قابضين على الشيء، أو كانت يد حكمية؛ مثل كون ذلك الشيء في الدَّار حسب، وبه قال أبو حنيفة ومحمد. ولكنه قال: ما يصلح لهما فهو للرجل إن كان حيًّا، وإن كان ميتًا فهو للمرأة، في قول أبي حنيفة. وقال محمَّد: هو لورثة الزوج، كقولنا. وقال أبو يوسف: يعطى جهاز مثلها، وما بقي فللرجل. وقال زفر: جميع ما في البيت بينهما نصفين. وقال الشّافعيّ: من أقام بينة على شيء فهو له، وما بقي فهو بينهما بعد أيمانهما. 1262 - مسألة: من كان له على رجل دين، وحصل لذلك الرَّجل في يده شيء بوديعة أو عارية أو غصب، نظر؛ فإن كان الّذي عليه الحق غير ممتنع، فليس لصاحب الحق أن يأخذ ممّا حصل في يده شيئًا؛ كان ذلك من جنس حقه أو غير جنسه؛ لأنّ الّذي عليه الحق غير في أن يدفع من أي نوع شاء إذا أجاز ذلك، وقد يكون له غرض في أن يؤدِّي عرضًا إن كان عليه عين، أو عينًا إن كان عليه عرض، وقد لا يريد دفع ما حصل في يد صاحبه، ولا يريد فوته ولا ذوات عينه لحاجته، فإذا أخذه صاحب الحق أفات عليه غرضه. وإن كان الّذي عليه الحق ممتنعًا من أدائه، فقد اختلف عن مالك،

1263 - مسألة

فقال: له أن يأخذ [73/ب] مقدار حقه كله إن لم يكن له على غريمه غير دينه، وإن كان عليه دين أخذ مقدار ما يخصه في الحصاص، ورد باقيه. وروي عنه: أنّه ليس له ذلك على وجه، ويدفع ما في يده ثمّ يطالب بحقه، وسواء كان من جنس ماله أو من غيره، وبالأول قال الشّافعيّ. واختلف أصحابه في وجه، فقالوا: إن تعذر أخذ ماله عليه بكل وجه، ولا يقدر عليه الحاكم ولا غيره، فله أخذ حقه ممّا حصل في يده، وإن تعذر لعدم رفعه للحاكم، ويوصله الحاكم إلى حقه فهو على وجهين: أحدهما: ليس له الأخذ، والآخر له. وقال أبو حنيفة: ليس له أن يأخذ من غير جنس حقه على هذا الوجه، وبالله التوفيق. 1263 - مسألة: الأيمان داخلة في جميع الدعاوى، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا تدخل في النِّكاح، ولا في القتل، ولا في الأشياء الّتي لا يجوز إباحتها، وقاسها على حد الزِّنا. 1264 - مسألة: يحلف الحالف عند منبر النبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، على ربع دينار فصاعدًا. وقال الشّافعيّ: لا يحلف على أقل من مائتي درهم، أو عشرين دينارًا. وقال داود: يحلف على القليل والكثير. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يحلف عند المنبر بوجه. 1265 - مسألة: تحلف اليهود والنصارى حيث يعظمون، وبه قال الشّافعيّ.

1266 - مسألة

وقال العراقي: لا يحلفون في الكنائس، ولا بعد العصر. 1266 - مسألة: إذا ادعى رجل على آخر أنّه سرق منه كبشًا، وشهد له شاهدان، فقال أحدهما: إنّه أسود، وقال الآخر: هو أبيض، لم تقبل شهادتهما، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: تقبل. 1267 - مسألة: في القافة وإثبات الحكم بها. عند مالك والشّافعيّ والأوزاعي وأحمد وغيرهم ممّن تابعهم: أن الحكم بالقَافَة واجب، وبه قال أنس -رضى الله عنه -. وهو أصح الروايتين عن عمر -رضى الله عنه -، وبه قال عطاء. وروي عن علي -رضى الله عنه - أنّه قال: يقرع بين الرجلين إذا ادعيا، فأيهما خرجت قرعته لحق الولد به. وروي عنه رضى الله عنه أنّه لما بعثه رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - إلى اليمن، تنازع إليه ثلاثة في مولود واختصموا إليه، فأقرع بينهم وألحق الولد بمن خرجت قرعته (¬1). وقال الثّوريّ وأبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف: الحكم بالقافة في الشّريعة لا يجوز. ¬

_ (¬1) أخرجه: أبو داود (2269) و (2270)، والنسائي (3488) و (3490)، وابن ماجه (2348). وأخرجه الحاكم وقال: هذا الحديث صحيح ولم يخرجاه. انظر المستدرك: 2/ 207 و 3/ 135.

وإنّما أجاز مالك القول بالقافة في ولد الأمة، إذا وطئها رجلان في طهر واحد، وأتت به لما يشبهه أن يكون منهما جميعًا. واختلف قوله في ولد الحرة، والظاهر من قوله: أنّه لا يحكم فيه بالقافة. وحكى أبو بكر الأبهري: أنّه سمع أبا يعقوب إسحاق بن أحمد الرازي (¬1) يقول: إن ابن وهب روى عن مالك: أن الحكم بالقافة في ولد الزوجة، كهو في ولد الأمة. قال أبو بكر: ولست أحفظه عن مالك. ولم يفرق الشّافعيّ بين الحرة والأمة في الحكم بها. ¬

_ (¬1) هو: أبو يعقوب إسحاق بن أحمد الرازي: الفقيه المالكي، تفقّه على إسماعيل بن حمّاد القاضي، وكان فقيهًا عالمًا زاهدًا، سكن بغداد، وقتله الديلم أؤل دخولهم بغداد، في الأمر بالمعروف. انظر: طبقات الفقهاء: 165، والصفدي في الوافي بالوفيات: 8/ 262 ولم يذكروا سنة لوفاته. (وكان دخول الديلم أو البويهبين لبغداد واستيلاؤهم عليها سنة: 334 هـ، والله أعلم).

مسائل الرهن

مسائل الرَّهْن 1268 - مسألة: الرَّهْن [عندنا] جائز في الحضر والسفر، وبه قال جميع الفقهاء. وحكي عن مجاهد أنّه قال: لا يصح الرَّهْن إِلَّا في السَّفر، وبه قال داود. 1269 - مسألة: إذا قال: "قد رهنتك عبيدي، على أن تقرضني ألف درهم"، أو"على أن تبيعني هذا الثّوب اليوم"، أو قال: "غدًا"، فالرهن [عندنا] صحيح وإن تقدّم على وجوب الحق، فإن أقرضه [74/أ] أو باعه، لزمه الرَّهْن ووجب تسليمه إليه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يمضي القرض والبيع، ولا يكون العبد رهنًا. 1270 - مسألة: يصح عقد الرَّهْن بالقول ويلزم، وليس من شرط صحته القبض لدى العقد، لكن يجبر الراهن على التسليم. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: من شرط صحته القبض، فإذا قال: "رهنتك هذا الشيء على دينك الّذي علي"، فهو بالخيار إن شاء سلم إليه الرَّهْن، فحينئذ يكون رهنًا، وإن شاء لم يسلمه، فلا يكون رهنًا ولا يجبر على تسليمه.

1271 - مسألة

1271 - مسألة: رهن المشاع جائز؛ كان فيما ينقسم من العقار وغيره، أو لا ينقسم كعبد بين رجلين، يجوز أن يرهن أحدهما حصته، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يصح. 1272 - مسألة: [عندنا أن] استدامة القبض شرط في صحة الرَّهْن بعد قبضه، فمتى خرجِ عن يد المرتهن إلى الراهن، على أي وجه كان، بطل وخرج عن كونه رهنًا، وبه قال أبو حنيفة. غير أن أبا حنيفة يقول: إن رجع إلى الراهن بعارية أو وديعة لم يبطل. وقال الشّافعيّ: ليس استدامة القبض شرطا، حتّى لو استخدمه كلّ يوم نهارًا إن كان عبدًا، ورده إلى المرتهن ليلًا، وإن كانت دابة وكان يركبها نهارًا ويردها ليلًا، لم يبطل وهو على حاله. 1273 - مسألة: إذا كان الشيء المغصوب عند الغاصب فهو مضمون عليه (¬1)، فإذا رهنه ربه عند الغاصب قبل قبضه صح رهنه، ولكنه ضامن له ضمان الرَّهْن، إذا كان ممّا يغاب عليه، وزال ضمان الغصب، وبه قال أبو حنيفة والمزني. وقال الشّافعيّ: يكون رهنًا، ولكنه مضمون بالغصب على ما كان من قبل، والرهن عنده غير مضمون. 1274 - مسألة: إذا عتق الراهن عبده المرهون وكان موسرًا نفذ عتقه، وإن كان معسرًا لم ينفذ، غير أنّه إن طرأ له مال، أو قضى المرتهن دينه نفذ عتقه. وقال أبو حنيفة: يعتق في اليسر والعسر، و [أظنه في الإعسار] يستسعي العبد في قيمته للمرتهن في غير سيده للمعتق. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "وزال ضمان الغصب".

1275 - مسألة

وقال أحمد: ينفذ عتقه على كلّ حال. واختلف قول الشّافعيّ، فتارة قال: ينفذ في اليسار، والإعسار فيه قولان. وتارة قال: ينفذ في العسر واليسر. وقال بعض أصحابه إن المسألة على ثلاثة أقوال: أحدها: أن عتقه ينفذ؛ سواء كان موسرًا أو معسرًا، وكذلك إذا كانت أمة فوطئها، فحملت بغير إذن المرتهن قولًا واحدًا. والثّاني: لا ينفذ، ولا تفسير أم ولد؛ كان موسرًا أو معسرًا. والثّالث: إن كان موسرًا نفذ عتقه، وكانت أم ولد قولًا واحدًا، وإن كان معسرًا لم ينفذ، ولم تصر أم ولد قولًا واحدًا. 1275 - مسألة: إذا رهن رهنًا على مبلغ معلوم، ثمّ استزاده شيئًا على ذلك الرَّهْن، جاز وكان جميعه في الرَّهْن دينه الأوّل والزيادة، وبه قال الشّافعيّ في القديم وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة: لا يكون رهنًا إِلَّا في الدِّين الأوّل دون الثّاني، وبه قال محمّد، وهو قول الشّافعيّ الثّاني. 1276 - مسألة: إذا رهن عنده عبدًا فقبضه المرتهن، ثمّ أقر الراهن أن العبد جنى جناية تتعلّق برقبته، لم يقبل إقراره؛ لأنّه يبطل الرَّهْن، إِلَّا أن يكون موسرًا فيقضي الدِّين، أو يجعل رهنًا مكانه إن أسلمه، ولم يفتده إذا رضي المرتهن برهن غيره، وبه قال أبو حنيفة. واختلف [74/ب] قول الشّافعيّ، فقال: يقبل إقراره إذا صدقه المجني عليه، ويبطل الرَّهْن، وقال: لا يقبل إقراره كقولنا. ولم يخالف في أنّه لو أقر بجناية عمدًا، أنّه لا يقبل إقراره.

1277 - مسألة

1277 - مسألة: إذا رهنه عصيرًا فصار خمرًا، ثمّ انقلب فصار خلًّا، فإنّه يبقى رهنًا، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وحكى بعض أصحابنا عن أبي حنيفة: أنّه ينفسخ الرَّهْن إذا صار خمرًا، وإذا صار خلًّا لم يعد رهنًا، إِلَّا بعقد مستأنف. وليس الأمر كذلك. وحكي عن قوم مثل ذلك. 1278 - مسألة: تخليل الخّمْرِ مكروه، وإن خللت فصارت خلًّا، فهي طاهرة. وكره عبد الملك وسحنون أكله. وقال أبو حنيفة: لا يكره تخليلها وهو مباح، وصار خلًّا طاهرًا. وقال الشّافعيّ: لا يجوز تخليلها وهو محرم، فإن خللها صار خلًّا نجسًا، وزالت أحكام الخّمْرِ كلها عنه؛ من الحدّ والفسق ونجاسة الخّمْرِ، وحكمه حكم الخل النجس. 1279 - مسألة: إذا شرط الراهن للمرتهن أنّه إذا حل الحق ولم يدفع له، أن يبيعه ويأخذ منه حقه جاز ذلك، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يجوز أن يبيعه لنفسه، إِلَّا بحضرة الحاكم، فإن امتنع الراهن خيره الحاكم، واستحب مالك ألَّا يبيعه حتّى يرفعه إلى الحاكم، وإن لم يفعل جاز ذلك. 1280 - مسألة: إذا وكل الراهن عدلًا، خير الموضوع على يده الرَّهْن في بيعه عند الأجل، فليس له فسخ الوكالة، وبه قال أبو حنيفة.

1281 - مسألة

وقال الشّافعيّ: هي صحيحة، وإن فسخها الراهن انفسخت وانعزل الراهن. ورأيت للقاضي إسماعيل مثل هذا. 1281 - مسألة: إذا وضع الراهن والمرتهن الرَّهْن على يد عدل رضيا به، وشرط الراهن للعدل بيع الرَّهْن عند الأجل، فحل الأجل وباعه العدل، وتلف الثّمن قبل قبض المرتهن، فهو من الراهن، وبه قال أبو حنيفة. غير أن أبا حنيفة: يجعل تلف الرَّهْن في يد العدل من المرتهن، كما لو كان في يده، ونحن نجعله من الراهن، بخلاف كونه في يد المرتهن. وقال الشّافعيّ: تلف الرَّهْن والثّمن إذا بيع من الراهن، والرهن عنده غير مضمون. 1282 - مسألة: إذا باع العدل الرَّهْن وقبض الثّمن، ثمّ استحق المبيع فلا عهدة على العدل [عندنا]، وبأخذ المستحق المبيع من المشتري، ويرجع بالثّمن على من وكل العدل وهو المرتهن؛ لأنّه بيع له ولا ضمان [عندنا] على الوكيل والوصي والأب، فيما باعه من مال ولده، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: العهدة على العدل، يغرم المشتري ثمّ يرجع على من وكله، وكذلك يقول في الوصي والأب. ووافقنا في الحاكم وأمينه، أن لا عهدة عليهما، ويرجع على من باعًا عليه، إن كان مفلسًا أو يتيمًا. 1283 - مسألة: إذا استحق الرَّهْن بعد بيعه، رجع المشتري بالثّمن على المرتهن، لا على الراهن ودين المرتهن في ذمة الراهن، وبه قال أبو حنيفة، كما لو تلف الرَّهْن.

1284 - مسألة

وقال الشّافعيّ: مرجع على الراهن، والرهن عليه بيع، لا على المرتهن. وقولنا في المفلس: إذا باع الحاكم أو الأمين أو الوصي التركة للغرماء بمطالبتهم، وأخذوا الثّمن فاستحق، المبيع رجع [75/أ] المشتري على الغرماء، ورجع الغرماء على المفلس، وهو قول أبي حنيفة، إِلَّا في العدل إذا باعه، فإنّه يقول العهدة عليه. والباب كله عند الشّافعيّ واحد، في أنّه يرجع على الراهن والمديان الّذي بيع متاعه. 1284 - مسألة: إذا شرط المشتري للبائع رهنًا أو كفيلًا، ولم يعين له الرَّهْن والكفيل فالبيع جائز، وعلى المبتاع أن يدفع رهن مثله على مبلغ الدِّين، وكذا يأتي بضمين ثقة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: البيع باطل، [والرهن كذلك]. قال المزني: هذا غلط، البيع جائز والرهن فاسد؛ للجهل به، والخيار للبائع؛ إن شاء أتم البيع بلا رهن، وإن شاء فسخ لبطلان الوثيقة. 1285 - مسألة: إذا اختلف الراهن والمرتهن في مبلغ الرّهن [الذين الّذي جُعِلَ به]، فقال الراهن: "رهنتك بمائة"، وقال المرتهن: "بألف"، وقيمة الرّهن تساوي آلاف أو زيادة على المائة، فالقول قول المرتهن مع يمينه، فإن حلف وكان قيمة الرَّهْن ألفًا فالراهن بالخيار؛ بين أن يعطيه ألفًا ويأخذ الرَّهْن، أو يترك الرَّهْن للمرتهن في حقه، وإن كان قيمة الرَّهْن أكثر من مائة، حلف المرتهن على دينه، وأعطاه الراهن قيمة الرَّهْن، وحلف أنّه ما يستحق عليه إِلَّا ما ذكره، وتسقط عنه الزيادة على قيمة الرَّهْن. ولابن القاسم في المستخرجة: إن كانت قيمة الرَّهْن أكثر ممّا قال الراهن، وأقل ممّا قاله المرتهن لم يكن للراهن أن يأخذ الرَّهْن، إِلَّا بالكل

1286 - مسألة

الّذي حلف عليه المرتهن، وإن شاء سلم الرَّهْن. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: القول قول الراهن فيما يذكره مع يمينه، فإذا حلف دفع للمرتهن ما حلف عليه وأخذ رهنه. 1286 - مسألة: إذا اختلفا في الدِّين، كان الرَّهْن شاهدًا للمرتهن فيما يدعيه، إن كان شاهدًا لم يفت، وإن فات فهو ممّا لا ضمان فيه، لم يكن شاهدًا له؛ لأنّه لا يكون شاهدًا على ذمة الراهن. واختلف إذا كان على يد عدل، هل يكون شاهدًا أم لا؟ وفي كتاب محمّد: أنّه شاهد؛ كان على يد المرتهن أو غيره. 1287 - مسألة: إذا رهن شيئًا له نماء يحدث، فأنمى المتميز ملكًا للراهن، فما كان منه من ولد، فهو داخل في الرَّهْن، وما كان من ثمن أو صوف أو وبر وغير ذلك، فلا يدخل في الرَّهْن. واختلف في نماء الرَّهْن على خمسة مذاهب: فمذهبنا ما تقدّم. وقال أبو حنيفة: يدخل النماء كله في الرَّهْن من الأصل؛ ولدا كان أو غيره. وقال الشّافعيّ: جميع النماء خارج عن الرَّهْن؛ ولدًا كان أو غيره. وقال أحمد: هو ملك للمرتهن دون الراهن. وقال غيره من أصحاب الحديث: إن كان الراهن هو الّذي ينفق على الرَّهْن فالنماء له، وإن كان المرتهن ينفق فالنماء له. 1288 - مسألة: الرَّهْن [عند مالك] ينقسم قسمين؛ فما كان يظهر هلاكه كالربع

والحيوان، فهو غير مضمون على المرتهن، يقبل قوله في هلاكه مع يمينه. وما يخفى هلاكه ويغاب عليه، لم يقبل فيه قوله، إِلَّا أن يصدقه الراهن. واختلف قوله فيما إذا قامت البينة على هلاكه، فروى ابن القاسم وغيره عنه: أنّه لا يضمن ويأخذ دينه من الراهن. وروى أشهب وابن عبد الحكم: أنّه ضامن لقيمته، وإن علم هلاكه. واختلف النَّاس في الرَّهْن، هل هو مضمون أم لا؟ على خمسة [75/ب] أقوال: فقولنا ما سبق، وأنّه إذا ضمن، فهو مضمون بقيمته؛ قلت أو كثرت، ويتراد الراهن والمرتهن الفضل، فإن فضل للراهن من القيمة شيء على مبلغ الحق، أخذه من المرتهن، وإن فضل للمرتهن شيء من حقه على قيمة الرَّهْن، أخذه من الراهن، وبه قال علي ابن أبي طالب -رضى الله عنه -، وعطاء وإسحاق. وقال النخعي وسفيان وأبو حنيفة: الرَّهْن على كلّ حال مضمون بأقل الأمرين؛ من قيمته أو من الحق، إن كان قيمة الرَّهْن مائتين والحق مائة، ضمن قدر الحق ولم يضمن الزيادة، وتلافه من الراهن، وإن كان قيمة الرَّهْن مائة والحق مائتين، ضمن قيمة الرَّهْن وسقط من دينه، وأخذ باقي حقه. ويقول صاحب هذا القول: لو ارتهن دارًا فانهدمت من غير صنع المرتهن ضمنها. وقال الشّافعيّ: هو أمانة في يد المرتهن كسائر الأمانات، لا يضمن إِلَّا بالتعدي، وبه قال أحمد وأبو ثور. وقال شريح والحسن والشعبي: إن الرَّهْن مضمون بالحق كله، إن كان قيمة الرَّهْن درهمًا والحق ألفًا، سقط الحق كله بتلاف الرَّهْن.

1289 - مسألة

1289 - مسألة: إذا ادعى المرتهن هلاك الرَّهْن، وهو ممّا يخفى فأردنا معرفة قيمته، فإن اتفق الراهن والمرتهن على قيمته فلا كلام، وإن اتفقا في صفته واختلفا في قيمته، سئل أهل الخبرة عن قيمة ما هذه صفته، وعمل عليها. وقال أبو حنيفة: يعمل بقول المرتهن في قيمته مع يمينه، ولا يحتاج أن يصفه. 1290 - مسألة: لو شرط المبتاع والبائع أن يكون المبيع رهنًا، لم يصح وصح البيع. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: ينفسخ البيع، وهو ظاهر قول مالك. وهو عندي: على طريق الكراهة، وقول مالك يدلُّ عليه. 1291 - مسألة: [اختلفت الرِّواية عن مالك] إذا اشترى الكافر عبدًا مسلمًا، فقال مالك: يصح ويباع. وقال: لا يصح عقده. وبالأول قال أبو حنيفة. وأظن قول الشّافعيّ قد اختلف في ذلك.

مسائل التفليس والحجر

مسائل التفليس والحجر 1292 - مسألة: إذا باع شيئًا [بثمن] في ذمته معجل أو مؤجل وقبض المبيع، ثمّ فلس المبتاع، ومعنى قولنا: "فلس": هو أن ما في يده عاجز عما عليه من الديون ولا يوفي بها. فإذا ظهر حاله واجتمع غرماؤه، وطلبوا من الحاكم الحجر عليه، فللحاكم أن يحجر عليه، وإذا حجر عليه انقطع تصرفه في ماله، وأخذ البائع منه عين ماله، وإن اختار تركه ومحاصة الغرماء في ثمنه فذلك له، إِلَّا أن يختار الغرماء دفع الثّمن إليه، ويتحاصوا في ثمن السلعة فذلك لهم، وبه قال عثمان وعلي وابن مسعود -رضى الله عنهم-، وعروة بن الزبير والأوزاعي والشّافعيّ وأحمد. وقال الشّافعيّ أيضًا: ليس للغرماء خيار في إمساك السلعة، والبائع يأخذها على كلّ حال، وهو أحق بها منهم، ولو دفعوا له ثمنها. وقال النخعي والحسن وأبو حنيفة وأصحابه: إن الرَّجل إذا فلس، لم يكن للحاكم أن يحجر عليه، بل يحبسه ليوفي ديونه، ولا ينقطع تصرفه في ماله، وليس للبائع أن يأخذ عين سلعته؛ لأنّ ذلك يستفاد بالحجر ولا حجر عليه، ولو رأى الحاكم الحجر عليه، لم يكن للبائع أن يأخذ عين ماله، وكذلك إذا مات مفلسًا. وهذا وفاق منا ومنهم في الموت، وخلاف مع الشّافعيّ وحده.

1293 - مسألة

1293 - مسألة: إذا طلب [76/أ] الغرماء الحجر على المفلس، لزم الحاكم أن يحجر عليه، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة وزفر: لا يحجر عليه، ويطالبه بقضاء الدِّين حتّى يبيع ويقضي دينه، ولا يباع عقار المفلس في الدِّين ويحبسه، ويباع في نفقة الزوجة. 1294 - مسألة: إذا ثبت عسر المفلس خلي سبيله إلى ميسرته، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: للغرماء ملازمته، لا على معنى أنّهم يطالبوه، ولكن يدورون معه حيث دار. 1295 - مسألة: إذا بلغ اليتيم وهو ضابط لماله، حسن التصرف غير مبذر، سلم إليه ماله وإن كان غير مرضي في دينه، وإن كان غير مصلح لماله ولا ضابط له، وهو عدل في دينه لم يسلم إليه ماله، وبه قال أبو حنيفة. ولكنه يقول: إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة، دفع إليه ماله وإن كان غير ضابط له؛ لأنّه لا يرى الحجر على البالغ وإن كان مفسدًا لماله، وتبعه زفر. وقال أبو يوسف ومحمد [وأحمد] بقولنا، وكذلك إسحاق. وقال الشّافعيّ: لا يدفع إليه ماله، إِلَّا أن يكون عدلًا في دينه غير فاسق، ويكون ضابطًا لماله غير مبذر. 1296 - مسألة: فأمّا الجارية، فلا ينفك حجرها حتّى تبلغ وتتزوج ويدخل بها، ويعلم أنّها ضابطة لمالها. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يدفع إليها مالها وينفك حجرها وإن لم تتزوج، إذا كانت ضابطة له.

1297 - مسألة

1297 - مسألة: حد البلوغ في الذكر: الاحتلام والإنبات، أو أن يبلغ من السن ما يعلم أن مثله بالغ، وهو: سبع عشرة سنة، أو ثمان عشرة. وفي الإناث: هذه الأوصاف، والحيض والحبل. وقال أبو حنيفة: الإنبات لا يدلُّ على البلوغ. واختلف قول الشّافعيّ فيه في المسلمين، فقال: هو فيهم بلوغ، وقال: ليس ببلوغ. ولم يختلف قوله أنّه بلوغ محكوم به في الكفار. وإذا عدم الاحتلام والإنبات، اعتبر الشّافعيّ خمس عشرة سنة في المذكور والإناث، وبه قال محمّد وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة: في الذكور تسع عشرة سنة، وفي الإناث سبع عشرة. فالخلاف بيننا وبين أبي حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه في المسلمين في الإنبات، وبيننا وبين الشّافعيّ في اعتبار خمس عشرة سنة. 1298 - مسألة: لا يجوز لامرأة ذات زوج أن تتصرف في أكثر من ثلثها في غير معاوضة، إِلَّا بإذن زوجها. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لها أن تهب جميع مالها وتتصرف، ولا اعتراض له عليها. 1299 - مسألة: إذا بذر البالغ ماله لا يكون محجورًا عليه، إِلَّا بحكم الحاكم، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف. وقال محمّد: يصير محجورًا عليه قبل الحكم بحجره.

1300 - مسألة

1300 - مسألة: يصح طلاق السفيه المحجور عليه وخلعه، وهو مذهب العلماء. إِلَّا ابن أبي ليلى وأبا يوسف، قالا: لا يصح خلعه (¬1). 1301 - مسألة: يجوز للوصي أو الأمين إذا كان فقيرًا، أن يأكل مال اليتيم قدر حاجة وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يتناول شيئًا من ماله. 1302 - مسألة: من حجر عليه بحكم أو بغيره، فلا ينفك [76/ب] حجره إِلَّا بحكم. واختلف قول الشّافعيّ في الصبي إذا بلغ رشيدًا، فقال: ينفك حجره بغير حكم، وقال مثل قولنا. وكذلك اختلف قوله في ولاء الحجر على المفلس، وقال فى المجنون قولًا واحدًا: إنّه إذا عقل انفك حجره من غير حكم. وقال فى السفيه مثل قولنا: إذا ضبط ماله، لا ينفك حجره إِلَّا بحكم. والباب كله عندنا واحد؛ لأنّ الاختبار فيهم عند دفع المال إليهم لابدَّ منه. ¬

_ (¬1) في الأصل: "حلفه". في الموضعين والمثبت من (ط).

مسائل الصلح

مسائل الصلح 1303 - مسألة: الصلح على الإنكار جائز، وصورته: أن يدعي إنسان على غيره مالًا فينكر، وليس للمدير بينة، فيصالحه المدعى عليه على شيء يعطيه إياه، فيصح [عندنا] أخذه ويملكه المدعي، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وبه قال جابر بن زيد والشعبي والحسن. وقال الشّافعيّ: الصلح باطل، ولا يملك المدعى ما يأخذه، ويجب عليه رده، وبه قال ابن أبي ليلى. 1304 - مسألة: إذا كان حائط بين دارين لرجلين، ولأحدهما عليه جذوع، وادعى كلّ واحد منهما أن جميعه له، فهو لصاحب الجذوع مع يمينه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: الجذوع لصاحبها مقرة على ما هي عليه، والحائط بينهما مع أيمانهما. 1305 - مسألة: إذا كان حائط بين اثنين أو لواحد، لم يجز للشريك أو للجار أن يضع عليه خشبة، إِلَّا بإذن شريكه أو إذن صاحب الحائط، ويستحب له ألَّا يمنعه ولا يقضى عليه [بذلك]، وبه قال أبو حنيفة وأحد قولي الشّافعيّ.

1306 - مسألة

وقال فى الآخر: ليس للشريك ولا للجار منع جاره من وضع خشبة على جداره. 1306 - مسألة: إذا سقط الحائط الّذي بين الدارين لرجلين، فأراد أحدهم بناءه، فاختلف في إجبار الآخر، وللشافعي فيه قولان. 1307 - مسألة: إذا كان بيت [مسقّف] لرجل، وعلوه مملوك لآخر، فتداعيا السقف الّذي على السفل تحت العلّو، فهو لصاحب السفل، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: هو بينهما جميعًا. 1308 - مسألة: إذا انهدم العلّو والسفل، وأراد صاحب العلّو بناءه، أجبر صاحب السفل على البناء والسقف، حتّى يتمكن صاحب العلّو، وإن اختار صاحب العلّو بناء السقف من ماله، ومنع صاحب السفل من الانتفاع به، حتّى يعطيه ما أنفق فله ذلك، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثلنا، وفي الآخر قال: لا يجبر صاحب السفل على البناء، وإن أنفق صاحب العلّو كان متطوعًا، ولم يكن له منع صاحب السفل من الانتفاع. وكذلك النهر بين الشركاء والدُّولاب (¬1) والعين والبئر، من أنفق منهم فله منع شريكه من الانتفاع، حتّى يعطيه قسطه من النفقة. واختلف قول الشّافعيّ فيه أيضًا. ¬

_ (¬1) في الأصل: "الدواب"، والمثبت من (ط)، وهو أصح. والدُّولاب، بالضم والفتح: على شكل الناعورة يستسقى به الماء، فارسيّ معرّب، جمعه دواليب. انظر: لسان العرب: 1/ 377.

مسائل الحوالة

مسائل الحوالة 1309 - مسألة: إذا كان لرجل حق على غيره، فأحاله من هو عليه على من له عليه فليس بواجب على صاحب الحق أن يقبل الحوالة، واستحب مالك قبولها، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال داود [77/أ]: يلزمه أن يقبل، وينتقل الحق من ذمة من هو عليه، إلى ذمة المحال عليه. 1310 - مسألة: لا يعتبر رضي من أحيل عليه، وليس له أن يمتنع من قبولها، إِلَّا أن يكون الّذي دفعت له عدوا للمحال عليه، فلا يجبر على ذلك. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يلزمه قبولها، ولم يفصّلوا في ذلك. وقال الإصطخري من أصحاب الشّافعيّ: لا يلزمه قبولها، ولم يفصّل، وقيل: إنّه مذهب داود. 1311 - مسألة: إذا قبل صاحب الحق الحوالة على مليء، فقد برئ المحيل على كلّ وجه، وبه قال جماعة الفقهاء. وقال زفر: لا يبرأ.

1312 - مسألة

1312 - مسألة: اختلف النَّاس في رجوع المحال على المحيل، إذا لم يصل إلى حقه من جهة المحال عليه. فقولنا: إنّه إن غره المحيل بفلس يعلمه من المحال عليه أو عدم، فإن المحال يرجع على المحيل بحقه، ولا رجوع له في غير هذا. وقال الشّافعيّ: لا يرجع على المحيل بوجه؛ سواء غرّه بفلس، أو طرأ التفليس، أو أنكر، أو تغيرت حاله؛ لأنّه في معنى من قبض عوضه، وبه قال اللَّيث وأحمد وإسحاق. وحكي عن أبي حنيفة: أنّه إن أنكر المحال عليه، وحلف بعد قبول الحوالة، فللمحال الرجوع على المحيل. وقال أبو يوسف ومحمد: يرجع المحال على المحيل في ثلاثة مواضع: إذا أنكر المحال عليه الحق وحلف عليه، وإذا مات مفلسًا، وإذا فلس وحجر عليه الحاكم؛ لأنّهما يريان الحجر على المفلس، وأبو حنيفة لا يراه. ولست أحقه عن أبي يوسف ومحمد، بل لا أشك أنّه يرجع إذا مات المحال عليه مفلسًا، كقول أبي حنيفة.

مسائل الضمان

مسائل الضمان 1313 - مسألة: الدين باق في ذمة المضمون عنه، لا يسقط عنه بالضمان، وبه قال أبو حنيفة (¬1) والشّافعيّ. وحكي عن ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي ثور وداود: أن الحق يسقط بالضمان عن ذمة المضمون [عنه]. 1314 - مسألة: يجوز ضمان المجهول، كقوله: "أنا ضامن من مالك على فلان"، وهو لا يعرف مبلغ ما عليه، ويضمن ما يجده في دفتره ثابتًا عليه، وكذلك يضمن ما لم يجب، كقوله: "داين فلانًا"، أو: "ما حصل لك عليه فأنا ضامن له" فيجوز، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يجوز. وذكر ابن سريج: أن في ضمان ما لم يجب قولًا آخر للشافعي. وبقول الشّافعيّ قال ابن أبي ليلى والثوري والليث: إنّه لا يجوز. ¬

_ (¬1) في الأصل: "يوسف"، والمثبت من (ط). انظر: مختصر اختلاف العلماء: 4/ 255، المبسوط للسرخسي: 18/ 147، بداية المجتهد: 2/ 296.

1315 - مسألة

1315 - مسألة: إذا مات إنسان وعليه دين، فإن خلف وفاء صح ضمان الّذي عليه بعد موته، بلا خلاف. وإن لم يخلف وفاء فقد اختلف في صحة ضمان الدين عنه. فذهب مالك والشّافعيّ وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد إلى أنّه يجوز. وقال أبو حنيفة: إذا لم يخلف وفاء، لم يجز الضمان عنه بعد موته.

مسائل الكفالة

مسائل الكفالة 1316 - مسألة: الكفالة بالنفس جائزة إِلَّا في الحدود، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والثوري والليث وأحمد وشريح، وهو الصّحيح عن الشّافعيّ. وذكر المزني: أن له قولًا آخر ضعيفًا في القياس. ووجوه أصحابه يقولون: ليس له إِلَّا قول واحد في جوازها. 1317 - مسألة [77/ ب]: ضمان الدَّرَك (¬1) في البيع جائز، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو الأصح للشافعي. وحكي عن ابن سريج: أن له قولًا آخر في أنّه لا يصح؛ لأنّه ضمان ما لم يجب. وقد تكلمنا على جواز ضمان المجهول وما لم يجب، غير أن هاهنا هو ضمان ما قد وجب. 1318 - مسألة: اختلف عن مالك في المضمون له، هل هو غير في أن يطالب ¬

_ (¬1) هو: رد الثّمن للمشتري عند استحقاق المبيع. انظر: التعريفات: 181.

الضامن أو المضمون عنه، إن كان المضمون عنه معسرًا، وهذا قول أبي حنيفة والشّافعيّ. وقال أيضًا: ليس له مطالبة الضامن، إِلَّا بعد تعذر وصوله إلى الحق من جهة المضمون عنه.

مسائل الشركة

مسائل الشركة 1319 - مسألة: شركة المفاوضة عندنا جائزة، وعند أبي حنيفة. غير أنّه يخالف في صورتها، فيقول: هي أن يشترك الرجلان في جميع ما يملكانه من ذهب أو ورق، ولا يبقى لواحد منهما شيء من هذين النوعين إِلَّا اشتركا فيه، فيكون لكل واحد منهما من هذين الشيئين مثل صاحبه، وإن زاد مال أحدهما على مال الآخر، لم تصح شركتهما، وكل ما ربحه أحدهما؛ كان شركة بينهما، وكل ما ضمن أحدهما من غصب وغيره؛ ضمنه الآخر، فإن ورث أحدهما مالًا بطلت الشركة؛ لأنّه زاد ماله على مال صاحبه. ونحن: نجوز أن يزيد ماله على مال صاحبه، ويكون الربح على قدر المالين، ويكون كلّ ما ضمن أحدهما لتجارتهما فهو بينهما، فأمّا الغصب وغيره فلا. وحقيقة المفاوضة عندنا: هو أن يفوض كلّ واحد منهما لصاحبه في شراء أو ما يراه لتجارتهما، وأن يبيع ما يرى، ويضمن، ويوكل، ويقارض، بعد أن يكون كله لتجارتهما، وما يتعلّق بها؛ سواء كان رأس المال الّذي بينهما عرضًا أو عينًا، وسواء كانا شريكين فيما يملكانه كله في التجارة، أو في بعض مالهما ويفوض أحدهما للآخر ما ذكرناه، وسواء اختلط مالهما حتّى لا يتميز أحدهما من الآخر، أو كان متميزا بعد أن يجمعاه، وتصير أيديهما جميعًا عليه في الشركة.

1320 - مسألة

وتصح عند أبي حنيفة، وإن لم يجمعاه. وقال الشّافعيّ: لا تجوز الشركة في العروض، ولا تجوز إِلَّا في الدنانير والدراهم، وأن يخلطا ذلك حتّى لا يتميز أحدهما من الآخر، ولا يعرف عينه. ويجوز عنده: أن يفضل أحدهما في رأس المال والربح قدر مال كلّ واحد، ثمّ إذا حصلا عنده شريكين على ما شرطا، لم يكن لأحدهما أن يتصرف في الكل، إِلَّا بإذن شريكه. والشّافعيّ وأصحابه: يسمون هذه شركة عنان، وما ضمنه كلّ واحد منهما، ففي خاصته. وقد سئل مالك عن شركة العنان، فقال: ما أعرفها. 1320 - مسألة: لا تصح الشركة مع افتراق ماليهما حتّى يجمعاه، ويكون أيديهما جميعًا عليه. وقال أبو حنيفة: تصح وإن كان مال كلّ واحد في يده؛ لأنّ الشركة عنده جائزة بالقول، وإن لم يحضر المال. وقال الشّافعيّ: لا تصح الشركة حتّى يكون رأس ماليهما جنسًا واحدًا، ويخلط ولا يتميز ولا يعرف أحدهما من الآخر. 1321 - مسألة [78/أ]: إذا استويا في رأس المال، واشترط أحدهما أن يكون له من الربح أكثر ممّا لصاحبه، مثل قوله: "أنا أحذق منك بالبيع والشراء"، فإن الشركة فاسدة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يصح ذلك إذا كان الّذي اشترط زيادة، أحذق في التجارة وأكثر عملًا، ولا يجوز أن يشترط من كان عمله أنقص.

1322 - مسألة

1322 - مسألة: شركة الأبدان [عندنا] جائزة في الصنائع، إذا كانت الصنعة واحدة، والعمل في موضع واحد. وقال أبو حنيفة: تجوز وإن اختلفت صناعتهما، وافترقت مواضعهما. وجوّزها أحمد وإسحاق في كلّ شيء. وقال الشّافعيّ: لا تجوز شركة الأبدان على حال. 1323 - مسألة: شركة الوجوه باطلة [عندنا]، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: هي جائزة. وصورتها: أن لا يكون لأحد منهما رأس مال، ويقول كلّ واحد لصاحبه: "اشتركنا على أن ما يشتري كلّ واحد منا على ذمته، فهو شركة بيننا".

مسائل الوكالة

مسائل الوكالة 1324 - مسألة: تجوز وكالة الحاضر وإن لم يرض خصمه، إذا لم يكن الوكيل عدوًّا للخصم. وقال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد: تجوز وكالته وإن كان الوكيل عدوًّا للخصم، وبه قال ابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة: لا تجوز وكالة الحاضر، إِلَّا برضى خصمه، إِلَّا أن يكون الموكل مريضًا، أو على سفر ثلاثة أيّام فتجوز. 1325 - مسألة: إذا أراد إنسان أن يوكل غيره في استيفاء حقوقه؛ فإما أن يوكله بحضرة الحاكم، أو في غير مجلس الحكم، ثمّ يثبت الوكيل وكالته عند الحاكم بالبينة، فإن وكله بحضرة الحاكم فله ذلك، وسواء وكله في استيفاء حقوقه من رجل بعينه، أو من جماعة من النَّاس، وليس حضور الموكل عليه شرطًا في صحة توكيله، وإن وكله في غير مجلس الحكم؛ كان وكيلًا إذا أثبت وكالته بالبينة عند الحاكم، فيدعي على من يطالبه بحقوق الموكل بحضرة الحاكم، وبه قال الشّافعيّ وابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة: إذا أراد الرَّجل أن يوكل وكيلًا في استيفاء حقوقه عند الحاكم، فإن كان الخصم الّذي وكل عليه واحدًا، فحضوره شرط في

1326 - مسألة

صحة الوكالة، وإن وكله على جماعة في استيفاء حقوق، فحضور واحد منهم شرط صحة الوكالة، وإن وكل رجلًا في غير مجلس الحكم، وأراد الوكيل أن يثبت وكالته عند الحاكم، فإنّه يحضر الخصم ويدعي عليه الحق عند الحاكم، فإن اعترف قيل للوكيل: "تثبت وكالتك فاستوف الحق"، وإن أنكر أُمر الوكيل بإثبات وكالته وتجديد الدعوى. 1326 - مسألة: يجوز للوكيل الثابت الوكالة أن يعزل نفسه، بحضرة الموكل وغيبته، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: ليس له فسخ الوكالة، إِلَّا بحضور الموكل. 1327 - مسألة: للموكل أن يعزل الوكيل وإن لم يعلم الوكيل بذلك، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا ينعزل إِلَّا أن يعلم بها. 1328 - مسألة: إذا نهى الموكل وكيله عن الإقرار عليه، أو أطلق له الوكالة ولم يذكر نهيًا، لم يجز إقرار الوكيل، ولم يقبل على الموكل، وبه قال الشّافعيّ وزفر. وقال [78/ ب] العراقيون: إقراره مقبول. وقال أبو حنيفة: إن أقر عليه في مجلس الحكم، قبل إقراره ولا يقبل إقراره عليه في غيره. 1329 - مسألة: يجوز للأب والوصي أن يشتريا من مال اليتيم لأنفسهما، وأن يبيعا مال أنفسهما بمال اليتيم، إذا لم يحابيا أنفسهما، فإن حابيا اليتيم؛ كشرائهما من ماله ما يساوي مائة بألف، أو مثل: ما يشتري الأجنبي، جاز وإن كنا نكره فعل ذلك، وكذلك إن اشتريا له من مالهما ما يساوي مائة بأقل منها، وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي، وكذلك في الوكيل.

1330 - مسألة

وأبو حنيفة يمنع من الوكيل. وقال الشّافعيّ: لا يجوز ذلك لواحد منهم، وهو مردود. 1330 - مسألة: إذا وكله في البيع مطلقًا ولم يحد ثمنًا، اقتضى ذلك البيع بثمن المثل، نقدًا بنقد البلد، فإن باع بما لا يتغابن النَّاس بمثله، أو نساء، أو بغير نقد البلد لم يلزمه، إِلَّا برضاه، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد وأحمد وأبو ثور. وقال أبو حنيفة: يجوز أن يبيع كيف شاء؟ نقدًا، أو نساء، وبنقد غير البلد، ودون ثمن المثل، وما لا يتغابن بمثله. وأمّا إذا وكل في شراء عبد، فقد وافق أبو حنيفة، أنّه لا يجوز أن يشتريه بأكثر من ثمن مثله، ولا إلى أجل. 1331 - مسألة: من كان عليه حق لرجل؛ كان دينًا في ذمته، أو عينًا قائمة في يده كالعارية والوديعة، فجاءه رجل فقال له: "قد وكلني صاحب الحق على قبض ذلك منك"، وصدقه من عليه الحق في الوكالة، وليس له بينة على الوكالة، فهل يجبر من عليه الحق على دفعه للوكيل؟ ولا أعرفها منصوصة. والصّحيح عندي: أنّه لا يجبر على تسليم ذلك إلى الوكيل، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: يجبر على تسليم ما في ذمته. وأمّا الأعيان القائمة، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف: أنّه لا يجبر على تسليمها. وقال محمَّد: يجبر على تسليم الأعيان كتسليم ما في الذِّمَّة.

مسائل الإقرار

مسائل الإقرار 1332 - مسألة: الإقرار بالدين في الصِّحَّة والمرض سواء، في المحاصة على قدر حقوقهم، فأمّا إذا كانت التركة تفي الجميع، فلا خلاف أنّهم جميعًا يستوفون ديونهم، وأمّا إذا لم تف التركة بالجميع، فإنهم يتحاصون عندنا وعند الشّافعيّ على قدر ديونهم. وقال أبو حنيفة: غريم الصِّحَّة مقدم على غريم المرض، فيبدأ باستيفاء دينه، فإن فضل عنه شيء صرف لغريم المرض، وإن لم يفضل شيء فلا شيء له. وهذا عندنا إذا كان الإقرار لمن لا يتهم فيه، فإن كان ممّن يتهم فيه، كإقراره لزوجته أو لبنيه أو لمن يتهم فيه بدين، فإقراره غير مقبول. وعند أبي حنيفة: لا يقبل إقراره لوارث أصلًا. وللشافعي في إقراره في المرض لوارث قولان. 1333 - مسألة: إذا أقر في مرضه لوارث لا يتهم فيه، قبل إقراره؛ مثل: أن تكون له بنت وابن عم، فيقر لابن عمه بدين فيقبل، ولو أقر لابنته لم يقبل؛ لاتهامه في أن يزيدها على حقها وينقص ميراث ابن عمه، [ولا يتهم أن يفضل ابن عمه على ابنته، فقبل إقراره له].

1334 - مسألة

وقال أبو حنيفة: لا يقبل إقراره لوارث بحال. واختلف أصحاب [79/ أ] الشّافعيّ، فقال بعضهم: يجيء على قولين، ومنهم من قال: يلزم، قولًا واحدًا. 1334 - مسألة: إذا مات رجل وخلف ابنن أو ثلاثة أو أكثر، فأقر أحدهم بأخ آخر وأنكره الباقون، لم يثبت نسبه، ولا عند أبي حنيفة والشّافعيّ. لكنه عندنا وعند أبي حنيفة يشاركه فيما يزيديه؛ لإقراره أنّه أخ مثله وابن للميت، كما أنّه وابن فيعطيه المقر ممّا يزيده مقدار نصيبه من الميراث بقدر قسطه، ممّا يصير إليه. وصورة المسألة: رجل مات وخلف ابنين، فأقر أحدهما بثالث، فإن المقر يعطيه ثلث ما بيده، وهو نصيبه من جهته لو أقر الأخ الآخر، أو قامت له بينة. وقال أبو حنيفة: يعطيه نصف ما بيده. وقال الشّافعيّ: ليس له شيء من الميراث؛ لأنّ نسبه لم يثبت. 1335 - مسألة: إذا مات رجل وخلف ولدًا واحدًا فأقر بأخ، لم يثبت نسبه وأعطاه نصف ما بيده، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يثبت نسبه. 1336 - مسألة: إذا قال لرجل: "لك علي مال"، ولم يذكر مبلغه، فليس فيها لمالك نص.

1337 - مسألة

وكان شيخنا أبو بكر يقول له: "سمّ ما شئت ممّا يتمول"، فإن ذكر قيراطًا (¬1) أو حبَّة قبل ذلك منه، وحلف عليه أنّه لا يستحق أكثر من ذلك، إن لم يصدقه على مبلغه وادعى أكثر، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وروي عن ابن الموّاز أنّه قال: يلزمه مائتا درهم، إن كان من أهل الورق، أو عشرون دينارًا، إن كان من أهل الذهب؛ لأنّه أولى مال تجب فيه الزَّكاة. ويجيء عندي على مذهب مالك: أن يلزمه ربع دينار، وإن كان من أهل الورق فثلاثة دراهم. 1337 - مسألة: إذا قال: "له علي مال عظيم"، اختلف فيه. فقال أبو حنيفة: يلزمه مائتا درهم إن كان من أهل الورق، أو عشرون دينارًا إن كان من أهل الذهب. وقال الشّافعيّ: لا فرق بين قوله: "مال"، أو"مال عظيم" أنّه لا يتقدر، ويقال له: "سمّ ما شئت"، [فإن سمّى فلْسًا] (¬2) أو حبّة، قبل منه]. وليس لمالك فيه نصّ، وكان الأبهري يقول يقول الشّافعيّ. والذي يقوى في نفسي: قوله أبي حنيفة. 1338 - مسألة: إذا قال: "له علي دراهم كثيرة"، ليس لمالك فيها نصّ ولا لأصحابه، غير محمَّد بن عبد الحكم، قال: يلزمه ما زاد على ثلاثة دراهم كثيرة. ¬

_ (¬1) القيراط: جزء من أجزاء الدّينار؛ فعند الحنفية (1/ 20) ومقداره = 212.0 غ، وعند الجمهور (1/ 24) ومقداره = 177.0 غ. انظر: المكاييل والموازين الشرعية: 23. (¬2) الفِلْس: عملة مضروبة من غير الذهب والفضة، تقدّر بسدس الدرهم، وهي عند الحنفية (521.0) غ، وعند الجمهور (496.0) غ. انظر: المكاييل والموازين الشرعية: 28

1339 - مسألة

وقد قال: يلزمه سبعة دراهم. وقال أبو حنيفة: تلزمه عشرة دراهم، إِلَّا أن يقر بأكثر منها، وإن قال: "أقل من عشرة"، لم يقبل منه. وقال أبو يوسف ومحمد: يلزمه مائتا درهم. وقال الشّافعيّ: يلزمه ثلاثة دراهم، كما لو قال: "علي دراهم". قال القاضي: والذي يقوى في نفسي أن القول بثلاثة دراهم ممكن، وكذلك مائتي درهم؛ لأنّ القولين نهاية في الكثرة بدليل الشّرع؛ لأنّ الثّلاثة مقدرة في القطع والنِّكاح، والمائتين مقدرة في نصاب الزَّكاة. والذي يقوى في نفسي: قول أبي يوسف ومحمد. 1339 - مسألة: إذا أقرّ فقال: "له علي ألف ودرهم"، ولم يسمّ الألف من أي جنس هي، ولم يكن الدرهم الزائد تفسيرًا للألف، بل يكون الدرهم المعطوف على الألف مفسرًا، والألف هو موكول إلى تفسيره فيها وبيانه، فيقال له: "سمّ أي جنس [79/ ب] شئت"، فإن قال: "أردت ألف جوزة"، أو"ألف بيضة"، قبل قوله، وقيل له: "احلف على ذلك"، وإن خالفه المدعي، وقال: "كلها دراهم"، لم يلزمه ذلك بقوله من أجل الدرهم المعطوف. وكذلك لو قال له: "علي ألف وكر حنطة"، أو"ألف وجوزة"، أو "ألف وبيضة"، أو "ألف وعبد"، أو "ألف وثوب"، لم يكن في جميع هذا العطف تفسيرًا للمعطوف عليه عندنا وعند الشّافعيّ، وسواء كان العطف من جنس ما يكال أو يوزن أو يعد، أو من جنس ما لا يكال ولا يوزن ولا يعد؛ كالثياب والعبيد. وقال أبو حنيفة: إذا كان العطف من جنس ما يكال أو يوزن أو يعد، فهو تفسير للمعطوف عليه المجمل، فتلزمه الدراهم إذا قال: "ألف

1340 - مسألة

ودرهم"، وفي الجوز: "ألف وجوزة"، والحنطة: "ألف وكُرّ (¬1) حنطة"، كُرًّا زائد على الألف، وإذا كان معطوفًا من جنس ما لا يكال ولا يوزن ولا يعد، فإنّه لا يكون تفسيرًا للمعطوف عليه، وهو وفاق من الجميع فيما لا يعد ولا يوزن ولا يكال، وخالفنا فيما سوى ذلك. وقال أبو ثور: يكون العطف تفسيرًا للمعطوف عليه على كلّ حال؛ سواء كان المعطوف ممّا يكال أو يوزن أو يعد أو لا. 1340 - مسألة: الاستثناء في الإقرار على ثلاثة أضرب: - استثناء القليل من الكثير، وهذا ما لا خلاف فيه. - وكذلك أيضًا استثناء النّصف، وهو ضرب آخر. - والضرب الثّالث: الكثير من القليل، وهو جائز عندنا وعند الشّافعيّ وأبي حنيفة وغيرهما. وقال عبد المالك بن الماجشون: لا يجوز. 1341 - مسألة: الاستثناء من غير الجنس المستثنى منه، يجوز عندنا وعند الشّافعيّ؛ سواء كان الاستثناء ممّا يكال أو يوزن أو يعد. ووافقنا أبو حنيفة عليه، إذا كان ممّا يكال أو يوزن أو يعد في أنّه يصح؛ مثل أن يقول: "له علي ألف درهم إِلَّا كر حنطة"، أو "إِلَّا عشرين جوزة"، أو "إِلَّا دينارًا". وخالفنا فيه إذا كانت ممّا لا يكال ولا يوزن ولا يعد، أنّه لا يصح عنده. ¬

_ (¬1) الكُرّ: (720) صاعًا، فمقداره عند الحنفية (2340) كغ، وعند الجمهور (8.1468) كغ. انظر: المكاييل والموازين الشرعية: 42.

1342 - مسألة

وقال محمَّد بن الحسن وزفر: الاستثناء من غير الجنس لا يصح أصلًا؛ سواء كان ممّا يكال أو ممّا يوزن أو ممّا يعد أو لا. 1342 - مسألة: إذا قال: "لفلان علي ألف درهم في كيس"، أو "مائة رطل تمر في جراب"، أو "ثوب في منديل"، كان هذا إقرارًا عندنا بالدراهم والتّمر والثوب، دون الأوعية، فإنها للمقر مع يمينه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أهل العراق: الأوعية مع ما أقر به فيها للمقر له. 1343 - مسألة: إذا أقر فقال: "له علي كذا كذا درهمًا"، قال محمَّد بن عبد الحكم: إنّه يلزمه أحد عشر درهمًا، وإذا قال: "له علي كذا وكذا درهمًا"، لزمه أحد وعشرون درهمًا، وبه قال أبو حنيفة في المشهور عنه. وقال الشّافعيّ: إذا قال: "له كذا درهمًا"، لزمه درهم واحد، فإن قال أيضًا: "له كذا كذا درهمًا، لزمه درهم واحد أيضًا، وإذا قال: "له كذا وكذا درهمًا"، لزمه درهمان. وقال المزني في موضع: يلزمه درهم أو أكثر. واختلف أصحاب الشّافعيّ على طرق ووجوه. والصّحيح ما ذكر. 1344 - مسألة: إذا أقر العبد الّذي ليس بمأذون له في التجارة، بإقرار يتعلّق بالعقوبة في بدنه جاز إقراره؛ مثل: قتل العمد، والزنا، والسّرقة، والقذف، وشرب الخّمْرِ، قبل ذلك منه، وأقيم عليه حد ما أقر به، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ [80/ أ]. وقال المزني ومحمد بن الحسن وداود: لا يقبل منه هذا الإقرار، كما لا يقبل في المال وما يتعلّق بالرقبة. ووافقونا في الزِّنا والردة، أنّه يقبل إقراره فيهما.

1345 - مسألة

1345 - مسألة: إذا أقر العبد المأذون له في التجارة بحقوق تتعلّق بالتجارة؛ مثل أن يقول: "داينت فلانًا، فله علي ألف درهم ثمن مبيع"، أو "مائة درهم أرش عيب"، أو "من قرض"، فإنّه يقبل منه كما يقبل في الجنايات الّتي تتعلّق بالعقوبة، وكل ما كان في دين ليس متضمن التجارة، فإنّه يكون في ذمته، ولا يؤخذ من المال الّذي في يديه ولا يؤخذ منه؛ مثل: أن تقوم البينة بإقراره أنّه غصب من فلان شيئًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يؤخذ من المال الّذي في يديه، كما يؤخذ منه ما يتضمن التجارة. 1346 - مسألة: إذا أقر يوم السبت بدرهم لشخص، ثمّ أقر يوم الأحد بدرهم، فهو درهم واحد عندنا وعند الشّافعيّ ومحمد وأبي يوسف. ولا فرق عندنا وعندهم بين المجلس الواحد والمجالس. وقال أبو حنيفة: إن كان في مجلس واحد، كان إقرارًا بدرهم واحد، وإن كان الإقرار في مجالس، كان إقرارًا مستأنفًا. 1347 - مسألة: إذا قال: "لزيد علي مائة ثمن مبيع، لم يسلم إلى ومنعني منه"، سئل المقر له، فإن قال: "نعم، المائة الّتي بعته بها شيئًا، لم أسلمه إليه"؛ فإما أن يسلم البائع المبيع ويقبض المائة، أو يسلم إليه المقر المائة ويأخذ المبيع، على خلاف النَّاس فيمن يبدأ بالتسليم، وإن قال المقر له: "هذه المائة لي عندك، وليس لك عندي مبيع، وإنّما هي من شيء آخر أستحقه عليك، وليس لك عندي مبيع"، فإن القول قوله إنّه لم يبعه شيئًا ويحلف، فإذا حلف سقطت المائة الّتي أقر بها المقر، ولم يستحق عليه شيئًا، ومثل ذلك قال الشّافعيّ. وقال أبو يوسف ومحمد: هو مقر بالمائة لزيد مدع عليه المبيع،

1348 - مسألة

فالقول قول المقر له وإن أنكر أنّه لم يبعه شيئًا، واستحق المائة. وقال أبو حنيفة: إن ادعى أن المائة ثمن مبيع معين؛ مثل أن يقول: "هي ثمن هذا العبد، ولم يسلمه إلي"، فإن أقر له بذلك، قلنا لهما: يسلم كلّ واحد منكما للآخر، وإن أنكر المقر له المبيع، حلف أنّه لم يبعه شيئًا وسقطت المائة عن المقر، كقولنا. وإن ادعى المقر أن المائة ثمن مبيع غير معين؛ مثل أن يقول: "هي ثمن عبد لم يسلمه إلي"، أو "ثمن ثوب منعني منه"، وأنكر ذلك المقر، حلف المقر له ولزمت المقر المائة. 1348 - مسألة: لو شهد شاهد لزيد على عمرو بألف، وشهد له شاهد آخر عليه بألفين، فإن أبهما ولم ينسباها إلى جهة صح. وكذلك إن نسباها إلى جهة جاز؛ مثل أن يقولا: "ثمن عبد"، أو نسبها أحدهما إلى ثمن عبد، ولم ينسبها الآخر إلى شيء، أو نسبها الآخر إلى شيء بخلاف ما نسبها إليه الأوّل، جاز وقبل ذلك وتثبت له ألف بشهادتهما, وله أن يحلف مع الشّاهد الّذي زاد ألفًا أخرى إن اختار ويأخذها، وبه قال الشّافعيّ. ووافقنا أبو يوسف ومحمد في أنّه يقضى له بألف بشهادتهما. وقال أبو حنيفة: لا يثبت له بهذه الشّهادة شيء أصلًا. وهو أيضًا لا يقول بالشّاهد واليمين.

مسائل العارية والوديعة

مسائل العارية والوديعة 1349 - مسألة: إذا ثبت هلاك العارية لم يضمنها المستعير؛ سواء كان حيوانًا أو حليًا أو ثيابًا، ممّا يظهر أو يخفى، إِلَّا أن يتعدى فيها. هذه أظهر الروايات عن مالك. وروى عنه ابن عبد الحكم وأشهب: فيما يخفى هلاكه ممّا يغاب عليه؛ مثل: الحلي والثياب والسلاح، أنّه مضمون وإن ثبت هلاكه. وليس العمل على هذا بل على الرِّواية الأولى: أنّه لا يقبل قول المستعير في هلاك ما يغاب عليه؛ مثل: الحلي والثياب والسلاح، إِلَّا أن تقوم له بينة، ويقبل قوله فيما لا يغاب عليه؛ مثل: الحيوان والدكاكين والدور، هذا فيما يظهر هلاكه وتلفه للناس. وقالت طائفة: إنها أمانة من كلّ وجه، ولا يضمن بالتلف، إِلَّا أن يتعدى المستعير، ويقبل قوله في تلفها، ذهب إليه الحسن البصري والنخعي والأوزاعي والثوري [80/ ب] وأبو حنيفة وأصحابه. وذهب الشّافعيّ: إلى أنّها مضمونة على المستعير على كلّ وجه؛ سواء ثبت هلاكها أو ادعاه، كما لو تعدى فأتلفها, لا فرق عنده بين ما يغاب عليه أو لا يغاب عليه، وبه قال عطاء وأحمد بن حنبل. وذهب قتادة والحسن وعبيد الله بن الحسن: إلى أنّه إذا اشترط المعير

1350 - مسألة

على المستعير الضمان، صارت مضمونة عليه بالشرط، وإن لم يشترط الضمان عليه لم يضمن. وبه قال أشهب فيما لا يغاب عليه، وقال فيما يغاب عليه: إنّه مضمون وإن قامت بينة على هلاكه، على الرِّواية الأخرى عن مالك، الّتي رواها هو وابن عبد الحكم عنه، ويقول في هذه: إن المستعير إن شرط أن لا ضمان عليه نفعه ذلك، ولم يكن عليه ضمان. 1350 - مسألة: إذا أعاره بقعة ليبني فيها أو يغرس، فبالقول والقبول يلزمه ذلك، وليس له في ذلك رجوع وإن لم يوقت له مدة، وكان للمستعير مدةٌ ينتفع في مثلها بمثل ما استعارها له، ثمّ للمعير عند تمام ذلك أن يطالبه برد أرضه عليه. فإن كان قد غرس أو بنى، فللمعير أن يعطيه قيمة غرسه مقلوعًا، أو يأمره بالقلع إذا كان ينتفع بما يقلعه، وإن لم ينتفع بما يقعله لم يكن له ذلك؛ مثل: حك التزاويق، أو قلع تراب قد ردم. [وإن كان له مدة فليس له أن يرجع قبل انقضائها، ثمّ ينظر؛ فإن كان المستعير قد بنى وغرس فيها، فسواء اشترط عليه قلع ذلك أو لم يشترطه، فإن الخيار للمعير في دفع قيمة ذلك إليه مقلوعًا، أو يأمره بالقلع إذا انتفع، لما ضرّ به] حفرا أو ما أشبه ذلك. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: للمعير أن يرجع في العارية، ما لم يحدث فيها من أعيرت له حدثا، فإن أحدث فيه ابناء أو غرسًا، فقال أبو حنيفة: إن لم يكن وقت لها وقتا، فله أن يجبره على قلع ذلك؛ سواء مضت له مدة، له فيها انتفاع بذلك أو لا، وإن كان وقت لها مدة، فليس له أن يجبره على قلعه قبل انقضائها، وعليه قيمة البناء والغرس للمستعير. وقال الشّافعيّ: إن كان شرط عليه القلع، فلا فرق بين أن يوقت له مدة أو لا يوقت، فإن له أن يجبره على قلعه أي وقت اختار، وإن أطلق

1351 - مسألة

ذلك ولم يشترط عليه القلع، فليس له أن يطالبه بقلعه أبدًا، فإن اختار المستعير قلعه فله، وإلا لم يجبر عليه. 1351 - مسألة: إذا استودع دراهم أو دنانير، أو شيئًا ممّا إذا أتلفه لزمه مثله، ثمّ استنفق ذلك كله وأتلفه، ثمّ رد مثله إلى مكانه من الوديعة، ثمّ تلف ذلك بغير صنع، فلا ضمان عليه؛ سواء رده بعيبه بعد أن أخرجه أو لا. وقال أبو حنيفة: إن رده بعينه بعد أن أخرجه لينفقه، لم يضمن تلفه بعد ذلك، وإن رد مثله لم يسقط عنه الضمان. وقال الشّافعيّ: هو ضامن على كلّ حال، بنفس إخراجه منها لتعديه، ولا يسقط عنه الضمان؛ سواء رده بعينه إلى حرزه، أو رد مثله. [وكذلك] عند مالك [لو خلط] دراهم الوديعة، أو الدنانير أو الحنطة بمثلها حتّى لا تتميز، لم يكن عنده ضامنا للتلف. وعند أبي حنيفة [والشّافعيّ]: هو ضامن؛ سواء بقي ذلك مختلطًا أو تلف. 1352 - مسألة: إذا قبضت الوديعة ببينة لم يبرأ قابضها إِلَّا ببينة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يقبل قوله. 1353 - مسألة: إذا كانت الوديعة مثل الثِّياب والدواب وغيرها، فتعدى باستعمالها ثمّ ردها، فصاحبها المودع بالخيار بين أن يضمنه قيمتها، وبين أن يأخذ منه كرائها, ولم يذكر أي شيء حكمها إن تلفت بعد ردها إلى موضع الوديعة [81/أ]. لكنه يجيء على قوله: إنّه إذا أخذ منه الكراء، كانت من ضمان المودع بعد وقت أخذ الكراء، وإن أخذ منه القيمة صارت من ضمان

المودع، ولم يقل في الثّوب كيف يعمل إذا لبسه ولم يبله، ثمّ رده إلى حرزه ثمّ تلف، وكذلك غيره من الثِّياب. والذي يقوى في نفسي: أنّه إذا كان الشيء ممّا لا يوزن ولا يكال؛ مثل: الثِّياب والدواب وغير ذلك، ممّا إذا أتلفه كان عليه قيمته لا مثله؛ فإنّه يكون متعديًا باستعماله خارجًا عن الأمانة، فبرده إلى موضعه لا يسقط عنه الضمان بوجه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إذا تعدى ورده بعينه، ثمّ تلف لم يلزمه ضمان.

مسائل الغصب

مسائل الغصب 1354 - مسألة: من جنى على شيء لغيره، فأتلف عليه غرضه المقصود من ذلك الشيء، فقد لزمه قيمة ذلك لصاحبه، ويأخذ هو ذلك الشيء الّذي وقع التعدي فيه، ولا فرق في ذلك بين مركوب وغيره، ولا فرق بين أن يقطع ذنب بغلة القاضي أو أذنها، أو يزمنها حتّى تعرج ولا تبرأ من العرج، ولا فرق فيه بين بغلة القاضي والشّاهد والكاتب، وكل من يعلم أن مثله لا يركب مثل ذلك إذا جنى عليه؛ سواء كان حمارًا أو فرسًا أو بغلًا، ولا فرق أيضًا بين المركوب الّذي له، و [بين] القلنسوة والطيلسان والعمامة. وكذلك [في] نظر القاضي ممّا يعلم أن مثله لا يلبس ذلك المجني عليه، ولا يستعمله فيما قصده له، وهذه هي الرِّواية المشهورة عن مالك. وقد روي عنه: أن على الجاني قيمة ما نقص، ولا فرق على هذه الرِّواية بين الحيوان والعروض في كلّ شيء، ممّا يضمن بتلفه القيمة فيه. وقال أبو حنيفة: إن جنى إنسان على ثوب لرجل، حتّى أذهب أكثر منافعه، فله أن يلزمه قيمته ويسلمه إليه، فإن أذهب ما هو نصف القيمة أو دون ذلك، فله عليه أرش ما نقص. ففرق بين نصف القيمة أو أقل، وذهاب ما زاد على النّصف. وأمّا الحيوان الّذي ينتفع بلحمه وظهره؛ مثل: البعير والدابة، فإنّه إذا

1355 - مسألة

قلع أحد عينيه، لزمه ربع قيمته لمن كان من النَّاس قاض كان أو غيره. وقال في غير هذا الجنس: ما نقص من قيمته. وقال الشّافعيّ: في جميع ذلك ما نقص من قيمته. وقال في الثّوب إذا خرقه خرقًا صار به لا قيمة له، إِلَّا الشيء اليسير من القيمة: إن صاحبه بالخيار بين تسليمه للجاني ويأخذ قيمته، وبين أن يتمسك بالخرق ولا شيء له. 1355 - مسألة: ومن غصب شيئًا ثمّ جنى عليه جناية، أخرجه بالخيار بين أخذه مع أرش نقصه، أو إسلامه إلى الغاصب وإلزامه قيمته يوم غصبه. وقال سحنون: ليس له إِلَّا أخذه بلا أرش، أو إسلامه بالقيمة، وبه قال ابن الموّاز. وإنّما يكون له الأرش في الجناية، إذا جنى عليه ابتداء بغير غصب، وفيه خلاف بين أصحاب مالك، وينبغي أن يفصّل: فإن أبطل الغرض الّذي قصد به ملكه، فهو كالقطع لذنب مركوب الرئيس، وإن كان على غير ذلك، ففيه ما نقص. وقال الشّافعيّ: لصحابه أرش ما نقص منه. 1356 - مسألة: إذا غصب منه دابة فضاعت، فدفع قيمتها ثمّ وجدت، لم ترد على صاحبها، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: ترد. 1357 - مسألة: من جنى على عبد غيره فقطع يديه أو رجليه، نظر فيه: فإن أبطل غرض سيده منه، فله أن يسلمه إلى الجاني، ويعتقه على

1358 - مسألة

الجاني إن كان فعل ذلك عمدًا ويأخذ قيمته، أو يمسكه ولا شيء. وقد روي [81/ ب] عن مالك أيضًا: أن له ما نقص إن اختار إمساكه. وهذا يقوله في غير العبد. فأمّا في العبد إذا أبطل أكثر منافعه متعمدًا، سلمه بقيمته وعتق على الجاني، وإن كان خطأ، فعلى ما فصلنا قبل. وفي رواية أخرى: أنّه ليس له إِلَّا ما نقص ويمسكه، وبها قال أبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: له أن يسلمه ويأخذ قيمته، أو يمسكه ولا شيء له، وهو موافق لما حكيناه عن مالك. وقال الشّافعيّ: له أن يتمسك به، ويأخذ جميع قيمته من الجاني. 1358 - مسألة: من مثل بعبده عتق عليه. والمُثْلَة: أن يقطع أنفه أو يده، أو يقلع سنه أو عينه، وما أشبه ذلك. واختلف قوله هل يعتق بنفس الجناية، أو بحكم الحاكم؟ وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يعتق عليه بالمثلة. 1359 - مسألة: من غصب جارية فزادت عنده؛ بسمن أو تعليم صناعة أو غير ذلك، فغلت قيمتها ثمّ نقصت؛ بهزال أو نسيان الصناعة، فنقصت عن الزيادة قيمتها، ورجعت إلى ما كانت عليه أو أقل في القيمة؛ كان لسيدها أخذها بلا أرش ولا زيادة عليها، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال الشّافعيّ: له أخذها وأرش ما نقص من الزيادة، الّتي كانت حدثت عند الغاصب. وجعل الزيادة عند الغاصب مضمونة.

1360 - مسألة

1360 - مسألة: ولد المغصوبة إذا حدث بعد الغصب، غير مضمون على الغاصب، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: هو مضمون على الغاصب على كلّ وجه. بناء على أصله الّذي مضى ذكره. 1361 - مسألة: إذا غصب دارًا أو عبدًا [أو ثوبًا] فبقي يزيده، لم ينتفع به في سكنى أو كراء أو استخدام أو لبس، إلى أن أخذه ربه من الغاصب، فلا أجرة عليه في المدة الّتي بقي ذلك يزيده لم ينتفع به، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: عليه أجرة المدة الّتي أقام في يده أجرة المثل. 1362 - مسألة: إذا سكن الغاصب في دار غصبها، أو أجرها وأخذ عنها أجرة، فالظاهر من قول مالك: أن عليه أجرة ما سكن، ورد الأجرة والغلة الّتي أخذها. وكان أبو بكر الأبهري - رحمه الله - يحكي لنا: أن هناك رواية أن الغلة للغاصب بالضمان، فأمّا العبد والحيوان، فالظاهر من قوله: أن ما ركب منه أو استخدم أو أكري وقبض كراءه، ليس لرب هذه الأشياء أخذه بغلة ولا كراء، وإنّما له عين شيئه، ما لم يتغير يزيد الغاصب. وقال أبو الفرج المالكي عن مالك: إن ما ركب أو سكن فلا شيء عليه، وإن أكري وقبض غلة، غرمها وأمسك منها ما أنفق على ذلك. وروى أشهب: أن رب الدابة أو العبد، يرجع بالكراء والغلة على الغاصب، ويقاصه بما أنفق على ذلك، كما ذكره أبو الفرج، وزيادة أخذ الكراء بما ركب واستخدم.

1363 - مسألة

وقال أبو حنيفة: لا يغرم الغاصب شيئًا؛ رباعًا كان ذلك أو حيوانًا؛ لأنّ الخراج له في جميع ذلك بالضمان. وقال الشّافعيّ: إنّه يغرم جميع ذلك للمالك، وليس له في جميعه شيء وهو ضامن له. 1363 - مسألة: العقار مضمون بالغصب، وكذلك النخل والأشجار، فمن غصب أرضًا فتلفت في يده بسيل أو حريق أو غيره، لزمه قيمتها يوم غصبها، وبه قال الشّافعيّ ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: كلّ ما لا يصلح نقله؛ كالعقار والضياع، فإنّه لا يكون مضمونًا بإخراجه عن يد مالكه، إِلَّا أن يجني الغاصب عليه فيتلفه أو شيئًا منه، فيضمنه بجنايته. 1364 - مسألة: من غصب حديدًا أو صفرًا أو رصاصًا، واتخذ منه آنية أو سيوفًا، أو [82/أ] غصب فضة فصاغها حليًا أو ضربها دراهم، فإنّما عليه في جميع ذلك مثل ما غصب في صفته وزنته، وكذلك لو غصب ساجة فشقها وعملها أبوابًا، أو ترابًا فعمله بلاطًا، وكذلك في السّرقة إنّما عليه قيمة ذلك يوم الغصب. واختلف قوله في الحنطة إذا طحنها دقيقًا، بل لو خبزها, لكان عليه مثلها، وأبو حنيفة يوافقنا في هذه المسائل، إِلَّا في الفضة إذا صاغها. وقال الشّافعيّ: يردّ جميع ذلك على من غصب منه، وإن وقع نقص، رد الغاصب ما نقصه. 1365 - مسألة: من غصب لوحًا فأدخله في بناية، أو ساجة فبنى عليها، فإنّه يكلف قلع ذلك اللوح والساجة، ورده على صاحبه؛ سواء كانت الساجة غليظة أو

1366 - مسألة

رقيقة، كان البناء عليها أو على جنبها أو متصلًا بها, ولا يمكن قلعها إِلَّا بنقضه نقض، وبه قال الشّافعيّ. واختلف أصحاب أبي حنيفة في هذه المسائل، فقال الكرخي عن أبي حنيفة: إن كان البناء عليها، كلف الغاصب قلعها ونقض البناء؛ لأنّ البناء على الساجة وضع في غير حقه، وإن كان متصلًا بها لا يمكن نزعها، إِلَّا بنقض البناء المتصل بها، أو على جنبها, لم يكلف نقض ذلك ولا إخراجها؛ لأنّ البناء قد وضع في حقه. وحكى الرازي عن محمَّد: أنّه إذا لحقه ضرر في قلع الساجة، على أي وجه كان، لم يكلف قلعها؛ كان البناء فوقها أو متصلًا بها. وهو أشبه بأصول أبي حنيفة؛ لأنّ من مذهبه: أن الغاصب لو غصب فسيلًا صغيرًا، أو غرسه في أرضه ونبت، لم يكلف قلعه للضرر في ذلك، فالساجة مثله. وعندنا وعند الشّافعيّ: يكلف قلع النخل. قال سحنون: إذا علم أنّه ينبت إذا حول قلع، وإلا كان للغاصب بقيمته مقلوعًا. 1366 - مسألة: من فتح قفصًا فيه طائر بغير إذن ربه، فطار ولم يقدر عليه، فإن الفاتح ضامن له. وكذلك لو حل دابة من قيدها فهربت، أو عبدًا مقيدا لأجل الهرب، فهرب فعليه قيمته؛ سواء طار الطائر، وهربت الدابة عقيب الفتح والحل، أو بعد ساعة. وقال أبو حنيفة: لا ضمان عليه على كلّ وجه. وقال الشّافعيّ: إن طار الطائر، أو هربت الدابة عقيب الفتح والحل، فقولان: أحدهما: يضمن، والآخر: لا.

1367 - مسألة

وإن كان بعد الفتح والحل بساعة، فلا ضمان في ذلك. 1367 - مسألة: إذا تعذر على الغاصب تسليم المغصوب، مثل: أن يغصب عبدًا فيأبق، أو دابة فتهرب، أو شيئًا فيسرق، أو يضيع منه، فيغرم قيمة ذلك، فإن القيمة تفسير ملكًا للمغصوب منه، ويصير المغصوب ملكًا للغاصب، حتّى لو وجد المغصوب، لم يكن له رد وأخذ القيمة، ولا للمغصوب منه أن يردّ القيمة ويأخذه إِلَّا بتراضيهما، وبه قال أبو حنيفة. إِلَّا أنّه قال: لو ادعى من غصب منه أن قيمته مائة، وقال الغاصب: خمسون، وحلف وغرم خمسين، ثمّ وجد المغصوب وقيمته مائة كما ذكر، فإن له أن يرجع بالفضل فيأخذه من الغاصب. ونحن لا نقول به. [وعندنا يرجع المغصوب بفضل القيمة، فيأخذها من الغاصب، وليس له أخذ المغصوب إِلَّا برضاهما]. وقال الشّافعيّ: إن المغصوب على ملك المغصوب منه، ويرد القيمة ويأخذ متاعه؛ شاء الغاصب أو أبى، وأمّا إن كتم الغاصب المغصوب، وادعى هلاكه حتّى أخذت منه قيمته، ثمّ ظهر بعد ذلك عنده، فإن للمغصوب منه أخذه، شاء الغاصب أو أبى ويرد القيمة. 1368 - مسألة: إذا أراق مسلم خمر ذمي، أو أتلفها عليه [82/ب] ضمن قيمتها له، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا ضمان عليه، وكذلك إن أتلف عليه خنزيرًا.

مسائل الشفعة

مسائل الشُّفعة 1369 - مسألة: لا شفعة إِلَّا لشريك مخالط، ولا شفعة للجار، وبه قال الشّافعيّ، وهو قول عمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-، ثمّ سعيد بن المسيَّب وأبي سلمة ابن عبد الرّحمن وربيعة والأوزاعي وأحمد وإسحاق. وذهب أبو حنيفة: إلى ثبوتها للجار، وبه قال سفيان، وقيل: إنّه مذهب ابن مسعود رضي الله عنه. 1370 - مسألة: إذا باع الشريك نصيبه من أجنبي، وشريكه حاضر يعلم ببيعه، فله الشُّفعة متى شاء، ولا تنقطع شفعته، إِلَّا بمضي مدة يعلم في مثلها أنّه تارك للشفعة، فروي عن مالك: سنة، وروي: خمس سنين، أو أن يرفعه المشتري إلى الحاكم فيوقفه، فإما أخذ وإما ترك، غير أن مطالبته بالشُّفعَةِ ليس على الفور. وذكر هشام (¬1) عن محمَّد بن الحسن: أنّها على خيار المجلس، إذا ¬

_ (¬1) هو: هشام بن عبيد الله الرازي الحنفي: الإمام الفقيه، تفقه على أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وروى كتبهما، وألف: "النوادر". انظر: الجواهر المضية: 3/ 569، الطبقات السنية (2634).

1371 - مسألة

بلغه البيع وهو في المجلس، فإنّه شهد على الطلب، ويكون على مطالبته أبدًا. واختلف قول الشّافعيّ، فحكى المزني في المختصر، ونقله من الأم: أن حق الشُّفعَةِ على الفور، فمتى أخر المطالبة بها بعد العلم وإمكان المطالبة، سقطت الشُّفعَةِ؛ مثل خيار الرَّدِّ بالعيب، وهو كقول أبي حنيفة. وقال في السُّنن: إن حق المطالبة ثابت ثلاثة أيّام، فإن لم يطالب حتّى مضت ثلاثة أيّام من وقت علمه بالبيع، سقطت شفعته، وهذا مذهب الثّوريّ. وقال في القديم: فيها قولان: [أحدهما] أن حق المطالبة ثابت أبدًا لا يسقط، إِلَّا بالتصريح بالإسقاط. والثّاني: أنّه ثابت ما لم يصرح بالترك، أو ما يدلُّ عليه من قوله: كقوله للمشتري: "بعني هذا الشَّقص، أو هبه لي"، وللمشتري أن يقدمه إلى الحاكم، فيلزمه الحاكم إسقاط الشُّفعَةِ، أو أخذها مثل قولنا، غير أنا نزيد: أنّه إن ترك وطالت المدة، حتّى يعلم أن مثله تارك فيها للشفعة، سقطت شفعته. فللشافعي في المسألة أربعة أقوال: أضعفها: أن يكون حق المطالبة على التراخي. 1371 - مسألة: اختلف عن مالك - رحمه الله - في الشُّفعَةِ في الثمار، إذا كانت على النخل إذا باع أحد الشريكين حصته منها، فقال: فيها الشُّفعَةِ للشريك. وفي رواية أخرى قال: لا شفعة له، وقال: هذا رأي رأيته وأستحسن أن تكون فيها الشُّفعَةِ، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا شفعة له في ذلك.

1372 - مسألة

1372 - مسألة: من اشترى شقصًا بثمن في ذمته إلى أجل، فللشفيع أخذه بذلك الثّمن إلى الأجل، إن كان مليئًا ثقة، وإلا أن بمليء ثقة يضمن الثّمن إلى ذلك الأجل، وبه قال الشّافعيّ في القديم. وقال أبو حنيفة: للشفيع أن يعجل الثّمن ويأخذ الشَّقص، أو ينتظر حلول الأجل فيؤدِّي الثّمن ويأخذ بالشُّفعَةِ، وبه قال الشّافعيّ في الجديد، وليس له أن يأخذ بالثّمن مؤجلًا. وحكى ابن سريج عن الشّافعيّ أنّه قال في كتاب الشروط: إن الشفيع يأخذ الشَّقص في الحال، بسلعة تكون قيمتها لو بيعت إلى عند حلول الأجل قدر الثّمن؛ ليصل الشفيع إلى حقه، ويتصرف المشتري إلى وقت الأجل فيما يجري له مجرى الشَّقص. 1373 - مسألة: لو ورث رجلان دارًا، فمات أحدهما وله ابنان، فورثا نصف الدَّار عن أبيهما، فباع أحدهما حصته، فتنازع أخوه وعمه في الشُّفعَةِ، فاختلفت الراوية عن مالك، فقال: الأخ أولى بما باعه أخوه من عمه. وكذلك يقول إذا ورثه جماعة منهم إخوة لأمه والباقون عصبة، أو ورثه زوجات وإخوة لأم، فأهل كلّ سهم أولى بما باعه أحدهم ممّن لا يدخل معهم في سهمهم. وهذا استحسان. وقال أيضًا: كلّ من له [83/أ] ملك في ذلك الشيء، فله الأخذ بالشُّفعَةِ بحقه فيما باعه بعض الشركاء. وهذا هو القياس. واختلف قول الشّافعيّ، كما اختلف عن مالك. وقال أبو حنيفة: كلهم فيه سواء، يأخذون بالشُّفعَةِ على قدر استحقاقهم. كإحدى الروايتين لنا، وهو القياس.

1374 - مسألة

1374 - مسألة: الشُّفعة تجب على قدر الأنصباء، فيأخذ كلّ واحد من الشركاء من المبيع بقدر ملكه فيه؛ إذا باع صاحب الثلث وله شريكان لأحدهما النّصف وللآخر السدس، فإن الثلث يقسم بينهما على أربعة أسهم؛ لصاحب النّصف ثلاثة أرباع، ولصاحب السدس الربع. فإن أردت ألَّا يقسط بينهما منكسرًا، فأقل ماله؛ نصف صحيح، وثلث صحيح، وسدس صحيح، ستة أسهم، ثلاثة سهام، فإذا قسمت على أربعة، ولصاحب السدس الربع كان منكسرًا، ولكن خذ اثني عشر، يكون لصاحب النّصف ستة، ولصاحب الثلث أربعة، ولصاحب السدس سهمان. فإذا باع صاحب الثلث سهمه، فقد باع أربعة أسهم، لصاحب النّصف ثلاثة، ولصاحب السدس سهم، فيكون لصاحب النّصف تسعة أسهم من اثني عشر سهمًا بالملك القديم ستة، وبالشُّفعَةِ ثلاثة، ولصاحب السدس ثلاثة من اثني عشر بالملك القديم سهمان، وسهم بالشُّفعة، وإلى هذا ذهب الحسن البصري وابن سيرين وعطاء، والشّافعيّ في أحد قوليه، وهو القديم. وقال في الجديد مرّة هو وأبو حنيفة: إن الشُّفعَة تستحق على عدد الرؤوس، فإذا كانت دار لثلاثة أنفس لأحدهم النّصف، والآخر الثلث والآخر السدس، فباع صاحب الثلث حصته، فإن المبيع يقسم على صاحب النّصف والسدس بالسوية، فيأخذ كلّ واحد منهما نصف المبيع بالشُّفعَةِ، وبه قال الشّعبيّ والنخعي والثوري، وهو اختيار المزني. 1375 - مسألة: حق الشُّفعَةِ [عندنا] موروث لا يبطله الموت، إذا وجب له ومات قبل علمه، أو علم ومات قبل التمكن من الأخذ، فإنّه ينتقل إلى ورثته، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: الشُّفعَةِ تبطل بالموت، ولا تورث بعده.

1376 - مسألة

1376 - مسألة: إذا بني مشتري الشَّقص، وعمّر وغرس، ثمّ طلب الشفيع حقه، فليس له مطالبة المشتري بقلع ما بنى وغرس، فإما أعطاه الثّمن وقيمة ما عمر وغرس وبنى مضافًا إلى الثّمن، وإلا لم تكن له شفعة، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق والأوزاعي. وذهب الثّوريّ وأبو حنيفة والمزني: إلى أن للشفيع إجبار المشتري على قلع البناء والغرس. وذهب قوم: إلى أن له أن يعطيه ثمن الشَّقص لا غير، ويترك البناء والغرس في موضعه. 1377 - مسألة: اختلفت الرِّواية عن مالك في الشُّفعة فيما لا يقسم؛ مثل: الحمام والبئر والرحى والطريق والبناء، فقال: في ذلك كله الشُّفعة. وقال: لا شفعة فيه. والذي يقوى في نفسي: أن فيها الشُّفعة، وبه قال الثّوريّ وأبو حنيفة وابن سريج. وبالقول الثّاني قال الشّافعيّ، وحكي: أنّه مذهب عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. 1378 - مسألة: عهدة الشفيع على المشتري، وعهدة المشتري على البائع، فإذا استحق المبيع من يد الشفيع، رجع به على المشتري، ورجع به المشتري على البائع، فأخذ منه الثّمن، ولا شيء للشفيع على البائع، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة مثل قولنا إذا أخذ الشفيع من المشتري، فأمّا إن أخذ بالشُّفعَةِ من البائع على أصلهم، فإن الشفيع يرجع على البائع؛ لأنّه منه أخذ الشُّفعة.

1379 - مسألة

وذهب ابن أبي ليلى: إلى أن عهدة الشفيع على البائع بكل وجه، قال: لأنّ [83/ب] المشتري يأخذ الشَّقص، فإذا استقر ملكه عليه أخذه الشفيع، فكأن المشتري صار وكيلًا للبائع، فجرى مجرى الوكالة، وقد تقرر أن العهدة تتعلّق بالموكل لا بالوكيل، فكذلك هاهنا. 1379 - مسألة: إذا وهب له شقص على غير عوض، اختلف قول مالك فيه، فقال: لا شفعة في ذلك، وقال أيضًا: فيه الشُّفعة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا شفعة فيه. 1380 - مسألة: إذا وجبت له الشُّفعة، فبذل له المشتري مالًا على ترك الأخذ بالشُّفعَةِ، جاز ذلك وملكها. وقال الشّافعيّ: لا يجوز ذلك، ولا يملك المال وعليه رده. وهل تسقط شفعته أم لا؛ على وجهين عنده. 1381 - مسألة: إذا باع رجلان من الشركاء نصيبهما في صفقة واحدة، لم يكن للشفيع أخذ حصة أحدهما دون الآخر والمشتري واحد، فإما أخذ الجميع أو ترك، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: له أخذ أحدهما، كما له أخذهما جميعًا. 1382 - مسألة: لو أقر أحد الشريكين أنّه باع شقصه من رجل، فأنكر الرَّجل الشراء ولم يقم بينة بذلك، وقام الشفيع يطلب الشُّفعة، لم يكن له شيء حتّى يثبت الشراء، وبه قال بعض أصحاب الشّافعيّ. وذكر أن المزني غلط حين قال: للشفيع أخذ الشَّقص.

1383 - مسألة

وقال أبو حنيفة: للشفيع الأخذ بالشُّفعَةِ، كما قال المزني وبعض أصحاب الشّافعيّ. 1383 - مسألة: إذا كانت دار بين ثلاثة شركاء، فاشترى أحدهم نصيب بعض شركائه، فإن شريكه يقاسمه فيه على قدر ملكهما, وليس للذي لم يبع ولم يشتر أن يأخذ الجميع من المشتري؛ لأنّ المشتري قد ساواه بملكه القديم معه، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول أصحاب الشّافعيّ، فقال بعضهم كقولنا، وقال آخرون: لا شيء للمشتري، ويأخذ الشفيع الّذي لم يبع جميعه بالشُّفعَةِ، قالوا: لأنّ الشفيع إنّما يستحق الشُّفعة لنفسه على غيره، فلو جعلنا للمشتري شيئًا؛ لكان شافعًا من نفسه لنفسه، والإنسان لا يستحق شيئًا على نفسه. ولأنّه لو كانت دار بين رجلين، فباع أحدهما نصيبه من الآخر، ثمّ قال المشتري: أنا لا أختار أخذ المبيع بالشراء، وإنّما آخذه بالشُّفعَةِ، لم يكن له ذلك؛ لأنّه قد اشترى لنفسه، فأخذه بالشُّفعَةِ أخذ عن نفسه. وهذا باطل. والدّليل لمالك قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "الشُّفْعَةُ للشَّريكِ الذِي لمْ يُقاسِمْ" (¬1). ولم يفرق بين أن يكون مشتريًا أو غيره. وأيضًا: فإن الشريك قد ساوى شريكه الّذي لم يبع في شركته شائعًا، فوجب أن يساويه في استحقاق الشُّفعة، ولا يجوز أن يكون شراؤه مسقطًا لحقه؛ لأنّه إلى التأكيد أقرب؛ لأنّ الشراء موجب الملك، وأخذه له بالشُّفعَةِ تقرير للملك الموجب بالشراء. ¬

_ (¬1) من الأحاديث الشائعة في كتب الفقهاء، قال الزيلعي عنه: غريب. انظر: نصب الراية: 4/ 172. وقال ابن حجر: لم أجده هكذا. انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية: 2/ 202. وإنّما أخرجه مسلم (1608)، عن جابر رضي الله عنه أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قضى بالشُّفعَةِ في كلّ شركة لم تقسم.

1384 - مسألة

وأيضًا: فإنّه شريك مخالط بملك متقدم، فوجب أن يكون شريكًا فيما يبيع شريكه الّذي لم يبع، أو يكون قياسًا على ما لو كان المشتري غيره. 1384 - مسألة: المسلم والذمي في أخذ الشُّفعة من المسلم سواء، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ، وحكي عن الثّوريّ. وقال الشّعبيّ وأحمد: لا شفعة للذمي.

مسائل القراض

مسائل القراض 1385 - مسألة: إذا قال رب المال للعامل اشتر على القراض بالدين، فهذه مضاربة لا تحل، ولو جاز هذا جاز أن يقارضه بغير مال. وقال الشّافعيّ: إذا أدان المقارض في بيع أو شراء، فهو ضامن إِلَّا أن يأذن له رب المال. وقال أهل العراق: إذا أمره أن يشتري على المضاربة، فإنّه إن اشترى برأس المال عبدًا، ثمّ اشترى جارية على المال بألف، فإن الجارية بينهما [84/أ] نصفان، وثمنها عليهما. وقال ابن الموّاز: ربح السلعة الثّانية ووضيعتها للعامل وعليه. 1386 - مسألة: إذا دفع له سلعة، وقال له: "بعها وخذ ثمنها، فاجعله قراضًا"، فإن هذا قراض فاسد، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: هو صحيح. 1387 - مسألة: إذا أخذ العامل المال ببينة، لم يبرأ منه عند المناكرة إِلَّا ببينة. وقال أهل العراق: القول قوله مع يمينه.

1388 - مسألة

1388 - مسألة: من دفع إليه قراضًا، فاشترى سلعة ثمّ هلك المال قبل نقد الثّمن، فليس على رب المال شيء، والسلعة للعامل وعليه ثمنها، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يرجع بذلك على رب المال، ويصير الأوّل والثّاني على حكم المضاربة. 1389 - مسألة: لا يجوز القراض إلى أجل معلوم لا يفسخه قبله، ولا على أنّه إذا انقضت المدة انفسخ، ولا يجبر أن يبيع ما حصل في يده من المتاع ولا يشتري، وبه قال الشّافعيّ. وجوّز ذلك أبو حنيفة. 1390 - مسألة: إذا اشترط رب المال على العامل أنّه لا يشتري إِلَّا من فلان، فالقراض فاسد، وكذلك إن اشترط أن لا يبيع من فلان، وكذلك إن اشترط ألَّا يبيع ويشتري، إِلَّا سلعة بعينها؛ لأنّها قد تتلف ولا تباع، وبهذا قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يصح. 1391 - مسألة: إذا عمل العامل في القراض الفاسد فحصل في المال ربح، فقد اختلف قول مالك فيه، فقال: يردّ إلى قراض المثل، وهو يوجب إن كان في القراض فضل أخذه، على نسبته من أجر مثله، وإن كان فيه وضيعة لم يكن له شيء، كما أن رب المال تكون (¬1) الوضيعة عليه، ويحتمل أن يكون له قراض مثله، وإن كان وضيعة في المال أيضًا. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "له". والمثبت من (ط).

1392 - مسألة

وقد قال أيضًا: للعامل أجرة مثله؛ سواء كان في المال ربح أو وضيعة، والربح والخسارة لرب المال، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. 1392 - مسألة: إذا سافر العامل بالمال، فله النفقة منه للمضاربة، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، وقال أيضًا: لا نفقة له من مال القراض، وإنّما ينفق من مال نفسه. 1393 - مسألة: من أخذ قراضًا على أن له جميع الربح، ولا ضمان عليه فهو جائز. وقال أهل العراق: إذا شرط الربح كله للعامل، صار المال قرضًا عليه لا قراضًا. وقال الشّافعيّ: له أجر مثله، والربح لربه. 1394 - مسألة: اختلف في القراض بالفلوس، فأجازه أشهب وأبو يوسف إذا كانت الفلوس نافقة. ومنعه مالك، وهو قول الشّافعيّ وأبي حنيفة.

مسائل المساقاة

مسائل المساقاة (¬1) 1395 - مسألة: المساقاة جائزة عندنا وعند الشّافعيّ والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق، وهو مذهب أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وسعيد بن المسيَّب وسالم بن عبد الله. وذهب أبو حنيفة: إلى أن عقد المساقاة باطل. ولم يذهب إليه أحد غيره. 1396 - مسألة: تجوز المساقاة في كلّ أصل ثابت له ثمر؛ كالنخل والكرم والتين وغيره من الشجر. وحكي عن داود: أنّها لا تجوز إِلَّا في النخل خاصّة. وقال الشّافعيّ: لا تجوز إِلَّا في النخل والكرم خاصّة. وقال في القديم مثل قولنا. وقول أبي يوسف ومحمد وغيرهما مثل قولنا وقديم الشّافعيّ. ¬

_ (¬1) المساقاة: دفع الشجر إلى من يصلحه بجزء من ثمره. انظر: التعريفات: 271.

1397 - مسألة

1397 - مسألة: إذا كان بين النخل وبين الشجر بياض يسير تبع له، جاز عقد المساقاة عليه. وقال الشّافعيّ: إن لم تكن تسقى النخل إِلَّا بشرب البياض، جاز أن يخابر عليه. وكذلك ينبغي أن يكون في الأرض كلها، إذا كانت يسيرة في جانب النخل عندنا. وجوّزه أبو يوسف ومحمد؛ على أصلهما في جواز المخابرة في كلّ أرض. وقال أبو حنيفة: لا تجوز هاهنا، كما لا [84/ب] تجوز في الأرض المنفردة. 1398 - مسألة: إذا ساقى ثمرة موجودة، فإن لم تكن قد طابت صح، وإن كان قد بدا صلاحها، فإن مالكًا قال: لا يجوز. وقال سحنون: يجوز؛ لأنّه استأجره بجزء معلوم موجود. وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز على ثمرة موجودة، ولم يفصلا، وهو قول الشّافعيّ في القديم. وقال في الجديد: لا يجوز، ولم يفصل بين بدو الصلاح وغيره. 1399 - مسألة: إذا كانت المساقاة صحيحة، وبلغت الثمرة فاختلفا، فقال رب الحائط: "ساقيتك على أن الثلثين أو الثلث لك"، وقال العامل: "بل الثلثان لي والثلث لك"، كان القول قول العامل مع يمينه إذا أن بما يشبه. وقال الشّافعيّ: يتحالفان وينفسخ العقد، ويكون للعامل أجرة مثله ممّا عمل، وهذا مبني على أصله إذا اختلف البائع والمبتاع في ثمن السلعة، فإن كان قد قبض المبتاع، فإنهما يتحالفان. والأظهر من قولنا: أن القول قول المشتري مع يمينه.

مسائل الإجارة

مسائل الإجارة 1400 - مسألة: الإجارة عقد لازم من الطرفين جميعًا من جهة المؤاجر والأجير؛ كالجعالة من المؤاجر والمستأجر، ليس لأحد منهما بعد العقد الصّحيح فسخ لعذر، أو لغير عذر، إِلَّا بما يفسخ به العقد اللازم؛ من وجود عيب بالمعقود عليه؛ مثل: أن يستأجر منه دارًا فيجدها مهدمة، أو تنهدم بعد العقد فيكون الخيار للمستأجر؛ لأجل العيب أو يمرض العبد المستأجر أو الدابة، أو يجد الآجر بالأجرة عيبًا، وبه قال سفيان والشّافعيّ وأبو ثور. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز فسخ الإجارة للعذر يكون للمستأجر؛ مثل: أن يكتري دكانًا ليتجر فيه، فيحترق ماله أو يسرق أو يغصب أو يفلس، فيكون له فسخ الإجارة. 1401 - مسألة: إذا اكترى منه دابة أو دارًا أو عبدًا أو دكانًا، مدة معلومة ولم يشترط تعجيل الأجرة ولا تأخيرها وأطلقا ذلك، فعندنا وعند أبي حنيفة: أن الأجرة تستحق جزءًا فجزءًا، فكلما استوفى المستأجر منفعة يوم استحق عليه أجرته. وقال الشّافعيّ: إنها تستحق بنفس العقد، فإذا سلم المؤاجر العين المستأجرة إلى المستأجر، استحق عليه جميع الأجرة، فيكون الآجر قد ملك الأجرة بالعقد، ووجب تسليمها إليه العين المستأجرة.

1402 - مسألة

1402 - مسألة: إذا اختلف الخياط ورب الثّوب، فالقول قول الخياط مع يمينه، وبه قال ابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة: القول قول صاحب الثّوب. 1403 - مسألة: الإجارة جائزة، وبه قال أهل العلم كلهم. وذهب ابن عليه إلى أنّها لا تجوز. 1404 - مسألة: إذا استأجر عبدًا أو دارًا مدة معلومة، فقبض ذلك ثمّ مات العبد قبل أن يعمل شيئًا، أو انهدمت الدَّار قبل أن يسكنها المكتري، ولم يمض من المدة شيء، فإنّه لا يستحق من الأجرة شيئًا، وقد بطلت الإجارة، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وغيرهما. إِلَّا أبا ثور، فإنّه قال: المنافع في هذا الموضع من ضمان المستأجر؛ لأنّ تسليم العبد والدار تسليم للمنافع. 1405 - مسألة: عقد الإجارة على الضيعة والدار والعبد وما تصح فيه الإجارة، لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين، ولا بموتهما جميعًا، ويقوم الوارث في ذلك مقام مورثه، وبه قال الشّافعيّ وعثمان البتي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وقال الثّوريّ والليث وأبو حنيفة وأصحابه: إن العقد ينفسخ بموت أحد [85/أ] المتعاقدين. وحكي عن بعض أهل العراق: أن للورثة الخيار بين المقام عليها وفسخها.

1406 - مسألة

1406 - مسألة: تجوز إجارة الدَّار والضيعة سنين، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا. وقال: لا يجوز أكثر من سنة. 1407 - مسألة: إذا أخذ الصانع الشيء إلى منزله ليعمله، فهو ضامن له ولما أصيب عنده ومن جهته، وبه قال الشّافعيّ في أحد قوليه وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد، وروي ذلك عن عمر (¬1) وعلي وابن مسعود -رضي الله عنهم-. وقال أبو حنيفة: لا ضمان عليه إِلَّا فيما جنت يده، وهو الآخر للشافعي، وبه قال عطاء وطاووس. وقال زفر: لا ضمان عليه أيضًا فيما جنت يده ما لم يخالف. وقال أبو يوسف ومحمد: عليه ضمان ما يستطاع الامتناع منه، فأمّا ما لا يستطاع؛ مثل: الحريق والأمر الغالب وتلف الحيوان، فلا ضمان فيه. والأجراء عند مالك لا يضمنون، وهم على الأمانة إِلَّا الصناع خاصّة، فإنهم ضامنون إذا انفردوا بالعمل، عملوه بأجر أو بغير أجر، إِلَّا أن تقوم بينة بفراغه وهلاكه فيبرؤوا. قاله ابن الموّاز (للمقرونين) (¬2). 1408 - مسألة: من اكترى دابة ليركبها فكبحها بلجامها، كما جرت به العادة فهلكت، فلا ضمان عليه، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: يضمن قيمتها. ¬

_ (¬1) في الأصل: "عروة". والمثبت من (ط). (¬2) هكذا في الأصل. ولعقه يقصد القرينين (أشهب وابن نافع). انظر: البيان والتحصيل: 4/ 225.

1409 - مسألة

1409 - مسألة: إذا اختلف رب الثّوب والخياط في صفة الخياطة بعد العمل، فقال رب الثّوب: "أمرتك بعمل قميص"، وقال الخياط: "قباء"، فالقول قول الخياط، إذا كان رب الثّوب ممّن يلبس القميص والقباء مع يمينه. وإن كان رب الثّوب ممّن لا يلبس القباء، وقال الخياط: "أمرتني بقباء"، فالقول قول رب الثّوب مع يمينه. وقال أشهب: القول قول رب الثّوب على كلّ حال، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واحد أقوال الشّافعيّ. 1410 - مسألة: إجارة المشاع جائزة، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: لا تجوز إجارة المشاع، إِلَّا من الشريك، ولا يجوز عنده رهنه ولا هبته بحال. 1411 - مسألة: إذا أجر داره أو دكانه أو ضيعته مدة معلومة، ثمّ أراد المالك بيع ذلك، جاز له بيعه من المستأجر وغيره. واختلف قول الشّافعيّ إذا بيعت من غير المستأجر، فقال: لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة. وقال: يجوز مثل قولنا. [وقال أبو حنيفة: إذا أجّر عينًا ثمّ باعها، فإن المستأجر بالخيار في إجازة بيع الرقبة وتبطل الإجارة، أو رد البيع وتثبت الإجارة. وللشافعي قولان: أحدهما: إن بيع الرقبة فاسد. والثّاني: مثل قولنا: صحيح.

1412 - مسألة

وهذا إذا باع الرقبة من غير المستأجر، فأمّا إن كان المبيع من المستأجر، فلا خلاف في جوازه؛ لأنّ تسليم المنفعة غير متعذر] (¬1). 1412 - مسألة: إذا كان في الدنانير والدراهم غرض للانتفاع بأعيانها دون إتلافها، جازت إجارتها؛ مثل: أن يعبر بها مكاييل وموازين، أو يكون صيرفيًّا يتجمّل بها، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا تجوز. وأجازه بعض أصحابه. ¬

_ (¬1) هذه الفقرة كانت في الأصل مندرجة تحت المسألة (1407)، ولعدم مناسبتها هناك، وملائمتها لهذه المسألة نقلتها هنا. والله أعلم.

مسائل المزارعة

مسائل المزارعة 1413 - مسألة: لا تجوز المزارعة، وهي المخابرة. وذلك: أن يدفع إليه أرضه، فيزرعها ببذره، ويكون له سبهم ممّا نبت فيها، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ، وهو مذهب ابن عبّاس وابن عمر ورافع بن خديج -رضي الله عنهم-. وقال ابن أبي ليلى وسفيان وأبو يوسف ومحمد: إنّه يجوز، وهو مذهب علي -رضي الله عنه - وعمار وابن مسعود وسعد بن أبي وقّاص - رضي الله عنهم-. وذهب أحمد بن حنبل وإسحاق: إلى أنّه إن شرط البذر على صاحب الأرض لم يجز، وإن شرط على العامل جاز. 1414 - مسألة: لا يجوز [85/ب] كراء الأرض بما يجوز أن تنبته، ولا بما يخرج منها ولا بطعام لا تنبته؛ كالسمن والعسل وغيره من الأطعمة والمأكولات. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يجوز بكل ما تنبت الأرض، وبغير ذلك من الأطعمة والمأكول، كما يجوز بالذهب والفضة والعروض، وهو مذهب الأوزاعي والثوري. وذهب الحسن وطاووس: إلى أنّه لا يجوز أن تكرى على [كلّ] حال.

1415 - مسألة

1415 - مسألة: إذا استأجر أرضًا ليزرعها حنطة، فله أن يزرعها شعيرا أو ما ضرره مثل [ضرر] الحنطة، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال داود وغيره: ليس له أن يزرعها غير الحنطة. 1416 - مسألة: إذا اكترى أرضًا ليغرسها سنة، نوعا من الأنواع ممّا يتأبد فانقضت السنة، فللمؤاجر الخيار بين أن يعطي قيمة الغرس للمستأجر، وكذلك إن بنى أعطاه قيمة البناء على أنّه مقلوع، أو يأمره بقلعه، وبه قال أبو حنيفة. إِلَّا أنّه قال: إن كان القلع يضر الأرض، أعطاه الآجر قيمته، ولم يكن للمستأجر قلعه، وإن كان لا يضر الأرض، لم يكن له ذلك، ولم يكن له إِلَّا المطالبة بالقلع. ووافقنا المزني على القلع. وقال الشّافعيّ: لا يلزم المستأجر قلع ذلك، ويبقى مؤجرًا أو يعطي المؤاجر قيمة الغرس للمستأجر من غير قلع، ويكونان شريكين، أو يأمره بقلعه ويعطيه أرش ما نقص القلع. 1417 - مسألة: من استأجر إجارة فاسدة، وقبض ما استأجره، فإن كانت أرضًا فلم يزرعها ولا انتفع بها، حتّى مضت مدة الإجارة، فعليه كراء مثلها، وكذلك لو كانت دارًا فلم يسكنها، أو عبدًا فلم ينتفع به، حتّى مضت المدة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا أجرة عليه؛ لأنّه لم ينتفع.

مسائل إحياء الموات

مسائل إحياء الموات 1418 - مسألة: ما كان من الموات في أرض المسلمين لم يعمره أحد قط، ولا جرى عليه ملك، فهو لمن أحياه، بلا خلاف إذا لم يكن بقرب العمران. وكذلك ما كان قد عمره إنسان، ثمّ خرب وطال زمانه، فهو لمن أحياه ثانية، ولا يكون للأول عليه سبيل، عندنا وعند أبي حنيفة. وقال الشّافعيّ: هو لمن أحياه أوَّلًا، و [لا يكون] حكمه عندنا حكم الموات الّذي لم يحييه أحد قط. 1419 - مسألة: من أحيا أرضًا ميتة في فيافي المسلمين، فهي له بغير إذن الإمام، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد. غير أنّهم خالفوا فيما قرب من العمران، فقالوا: لا يحتاج فيه إلى إذن الإمام، كما لا يحتاج فيما بعد. وقال أبو حنيفة: ليس لأحد أن يحيي مواتًا، إِلَّا بإذن الإمام فيما بعد أو قرب. 1420 - مسألة: ليس للذمي إحياء الموات في دار المسلمين، وبه قال الشّافعيّ.

1421 - مسألة

وقال أبو حنيفة وأصحابه: له ذلك. 1421 - مسألة: للإمام أن يحيي المراعي إذا احتاج إليها, الإبل الصَّدقة وخيل المسلمين، إذا رأى في ذلك مصلحة، ويمنع منها كلّ واحد، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، وقال: ليس له ذلك. 1422 - مسألة: من حفر بئرًا في أرض موات وطواها فقد ملكها، وإن حفرها لسقي ماشية، فكانت تفضل عن سقي ماشيته، وهي بقرب الكلأ؛ فليس له أن يمنع فضلها لمن يسقي ماشيته بغير عوض، وكذلك الإعراب إذا نزلوا بمكان الحشيش، فحفروا بئرا لماشيتهم، فكان في مائها فضل عن سقي مواشيهم؛ [لم يكن لهم أن يمنعوا غيرهم من سقي مواشيهم]، بما يفضل عن حاجاتهم، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال أبو عبيد ابن حرب: لا يلزمهم بذل ذلك، ولكنه يستحب لهم بذله. وذهب قوم: إلى أنّه يلزمهم بذل ذلك بالقيمة. وذهب آخرون: إلى أنّه يلزمهم [86/أ] بذله؛ لسقي المواشي والزرع أيضًا.

مسائل الوقوف والعطايا

مسائل الوقوف والعطايا 1423 - مسألة: الوقف [عندنا] جائز يلزم بالقول، وإن لم يحكم به حاكم، وإن لي يخرج مخرج الوصيَّة بعد موته، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو يوسف: يصح، وإن لم يخرجه عن يده. وقال محمَّد: يصح إذا أخرجه عن يده، كقولنا في [إحدى] الروايتين [عن مالك]. وأمّا أبو حنيفة: فإن أصحابه قالوا عنه: إن الوقف عطية صحيحة، إِلَّا أنّه لا يلزم ما لم يحكم به الحاكم. 1424 - مسألة: اختلف عن مالك - رحمه الله - في وقف الحيوان الرّقيق والخيل والماشية، فقال: يصح، وقال: لا يصح، وكذلك في السلاح، وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف. وقال الشّافعيّ ومحمد: يصح، كالراوية الأخرى لمالك. 1425 - مسألة: رقبة الوقف على ملك الواقف عندنا، وبه قال جماعة الفقهاء أصحاب

1426 - مسألة

الشّافعيّ، وقد سمعته من أبي حامد (¬1) القاضي بالبصرة، وبه قال [أحمد] بن القطان (¬2) وابن المَرزُبان (¬3)، وكان أبو علي الطّبريّ (¬4) يقول ذلك، ويحكيه عن الشّافعيّ، وغيره ينكره. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ في قوله الآخر: إن الملك ينتقل عن الواقف، وعند أبي حنيفة بالحكم على أصله في الوقف، وعلى قول الشّافعيّ بإيجابه الوقف. واختلف قول الشّافعيّ، هل ينتقل الملك إلى غير مالك، ويكون انتقاله لله، أو للموقوف عليهم؟ 1426 - مسألة: اختلف قول مالك - رحمه الله - في الواقف إذا لم يخرج الوقف عن يده إلى أن مات، فقال مرّة: إن علم أنّه يصرف منفعته إلى الوجه الّذي وقفه عليه إلى أن مات، فهو صحيح وإن لم يخرجه عن يده. ¬

_ (¬1) هو: القاضي أبو حامد أحمد بن بشر العامري المروروذي الشّافعيّ: نزيل البصرة أحد رفعاء المذهب، من أصحاب أبي إسحاق المروزي، من مؤلفاته: شرح مختصر المزني، والجامع في المذهب. توفي: 362 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 3/ 12، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 137. (¬2) هو: أبو الحسين أحمد بن محمَّد بن أحمد بن القطان البغدادي الشّافعيّ: من كبراء الشّافعيّين، آخر أصحاب ابن سريج وفاة، له مصنفات كثيرة منها: الفروع. توفي: 359 هـ. انظر: طبقات الأسنوي: 2/ 146، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 124. (¬3) هو: أبو الحسن علي بن أحمد بن المرزبان البغدادي الشّافعيّ: الإمام أحد أركان المذهب ورفعائه، صاحب أبي الحسين بن القطان وعليه تفقه، ودرس عليه الشّيخ أبو حامد أول قدومه بغداد. توفي: 366 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 3/ 346، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 142. (¬4) هو: أبو علي الحسن - أو الحسين - بن القاسم الطّبريّ الشّافعيّ: صاحب الإفصاح، تفقه ببغداد على أبي علي ابن أبي هريرة، ودرّس بها بعده، من مؤلفاته: المحرر في النظر، وهو أول كتاب في الخلاف المجرد. توفي: 350 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى: 3/ 280، طبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 127.

1427 - مسألة

وقال مرّة: يبطل إن لم يخرجه عن يده، وإن كان يصرف منافعه في وجهه. فإذا لم يكن ارتفاقه ومنفعته في الوجه الّذي وقفه عليه، ولم يخرج الوقف عن يده حتّى مات، فهو باطل بلا خلاف في قوله. واختياري أنا: أنّه إن كان يصرف منفعته في وجوهه، إلى أن مات ولم يخرج عن يده فهو صحيح. وقال الشّافعيّ وأبو يوسف: يصح الوقف وإن لم يخرجه عن يده، وإن لم يصرف خراجه في وجوهه حتّى مات. وقال [محمّد بن] الحسن: لا يصح حتّى يخرجه عن يده على كلّ حال. 1427 - مسألة: وقف المشاع جائز؛ كهبته وإجارته، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف (¬1). وقال محمَّد: لا يصح بناءً؛ على أصلهم في بيع المشاع وإجارته. 1428 - مسألة: إذا قال: "هذه الدَّار أو الضيعة وقف"، ولم يذكر لها وجهًا تصرف فيه، فإنّه يصح ويكون وقفًا، وكذا لو قال: "وقف على أولادي وأولادهم"، ولم يذكر من بعدهم: الفقراء، أو بني تميم، أو قومًا لا ينقطع نسلهم، فإنّه يصح ويرجع ذلك بعد انقراض من سمى إلى فقراء عصبته، فإن لم يكونوا فإلى فقراء المسلمين، وبه قال أبو يوسف ومحمد. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، وقال: لا يصح. ¬

_ (¬1) في الأصل بزيادة: "يصح الوقف، وإن لم يخرجه عن يده فهو صحيح، وقال الشّافعيّ". وهي تكرار خاطئ للمسألة الّتي قبلها.

1429 - مسألة

1429 - مسألة: إذا خرب المسجد وما حوله، لم يعد ملكًا لمن بناه، إذا لم يكن شرط ذلك، وبه قال الشّافعيّ وأبو يوسف. وقال محمَّد: يعود ملكًا. وقال سفيان: يباع ويشترى به ما يبنى به مسجد عامر في محلة عامرة؛ لأنّه إذا خرب لم ينتفع به. 1430 - مسألة: من الهِبَة يجوز هبة المشاع ويتأتى قبضه، كما يجوز بيعه؛ كان ممّا ينقسم كالدور والأرضين، أو لا ينقسم كالعبيد والثياب والجواهر وغير ذلك؛ سواء كان ممّا يقبض بالنقل والتحويل كالطعام والثياب، أو ممّا يقبض بالتخلية. فإن كان ممّا يقبض بالنقل والتحويل صح قبضه، وإما بقسمه [86/ب]، أو [بأن] يسلم الواهب الجميع إليه، فيأخذ حقه ويأخذ الباقي بيده وديعة، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن كان ممّا لا يصح قسمه كالعبد واللؤلؤة، جاز هبته، وإن كان ينقسم لم يجز. 1431 - مسألة: من العمرى من أعمر عمرى، فإن قال: "أعمرتك داري أو ضيعتي"، فإنّه قد وهب له الانتفاع بذلك مدة حياته، فإذا مات رجعت الرقبة إلى المالك وهو المعمر، وإن قال له: "أعمرتك وعقبك"، فقد وهب له ولعقبه الانتفاع ما بقي منهم أحد، فإذا لم يبق منهم إنسان رجعت الرقبة إلى المالك؛ لأنّه وهب له المنفعة، ولم يهب له الرقبة. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه: إنها تفسير ملكًا للمعمر، ولورثته ولا يعود للمعطي. وقد قال الشّافعيّ مثل قولنا.

1432 - مسألة: من الرقبي

1432 - مسألة: من الرُّقبي ولا تجوز الرُّقبى (¬1) عند مالك وأبي حنيفة ومحمد. وأجازها الشّافعيّ وأبو يوسف. 1433 - مسألة: من له أولاد ذكرر وإناث، فأراد أن يهب لهم شيئًا، استحب له التسوية بينهم في العطيّة، وهو قول أبي حنيفة والشّافعيّ. وذهب شريح وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن: إلى أنّه يفضل المذكور، فيهب للذكر مثل حظ الأنثيين. وقال طاووس وداود: إن لم يفعل ذلك، بطلت العطيّة وعادت الهِبَة للأب. 1434 - مسألة: إذا وهب الوالد لولده من صلبه هبة، فله أن يرتجعها ويعتصرها (¬2) منه، وإن كان قد قبضها الولد، ما لم تتغير بيده أو يحدث دينًا (¬3)، أو تتزوج البنت بعد قبض الهِبَة. وقال الشّافعيّ: له أن يرجع في هبته، ويأخذها من يد كلّ من يقع عليه اسم ولد حقيقة، أو مجازًا كولده لصلبه، وولد ولده من أولاد البنين والبنات، ولم يعتبر طروء دين أو تزويج، فله أن يعتصرها على كلّ حال. وقال أبو حنيفة: إذا وهب لذي رحم محرم بالنسب، لم يكن له أن ¬

_ (¬1) الرُّقبى أن يقول: "إن من قبلك فهي لك وإن مت قبلي رجعت إلى". انظر: التعريفات: 149. (¬2) الاعتصار: ارتجاع المعطي عطيةً دونَ عِوَض لا بِطَوع المعطى. انظر: حدود ابن عرفة: 2/ 559. (¬3) في الأصل: "حدثا". والمثبت من (ط).

1435 - مسألة

يرجع، وإن وهب لغير ذي رحم محرم فله أن يرجع، وليس له أن يرجع فيما وهب لولده أو أخيه أو أخته وعمه وعمته، وكل من لو كان امرأة، لم يكن له أن يتزوج بها؛ لأجل النسب، وإن وهب لبني عمه أو أجانب، فله أن يرجع فيها. 1435 - مسألة: ومن وهب هبة ثمّ طلب عليها ثوابًا، وقال: "أردت الثّواب"، نظر فإن كان ممّن يطلب الثّواب من الموهوب له، فله ذلك كهبة الفقير للغني، وهبة الغلام لصاحبه، والرجل لأميره، ومن هو فوقه، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وفي الآخر: لا يكون له ثواب إذا لم يشترطه، وبه قال أبو حنيفة.

مسائل اللقطة

مسائل اللقطة 1436 - مسألة: من وجد شاة في فلاة، بحيث لا يجد من يضمها إليه، ولا يقربها شيء من العمران، وخاف عليها السِّباع، فله الخيار في تركها أو أكلها، ولا ضمان عليه. وكذلك البقرة إذا خاف عليها السِّباع، وبه قال أهل الظّاهر. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: إن أكلها ضمنها متى حضر ربها. 1437 - مسألة: حكم اللقطة في الحرم وغيره سواء، [ليس] له أن يأخذها على حكم اللقطة ويتملكها بعد ذلك، وله أن يأخذها ليحفظها على صاحبها، ويعرّفها ما دام مقيمًا بالحرم، فإذا أراد الخروج سلمها للحاكم، وليس له أن يأخذها على أن يملكها إذا عرفّها سنة. و (¬1) قال بعض أصحابه: مثل قولنا. ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل و (ط)، ولعلّه يوجد سقط تقديره: "وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: تعزت أبدًا، ولا يجوز له الانتفاع بها بحال". انظر: الإشراف: 2/ 680، روضة الطالبين: 4/ 476، بدائع الصنائع: 6/ 202.

1438 - مسألة

1438 - مسألة: إذا وجد لقطة، فإنّه يعرفها سنة، فإذا تم الحول ولم يحضر مالكها، فالملتقط بالخيار بين أن يمسكها [87 /أ] أبدًا، وبين أن يتصدق بها، ويكره له أكلها إذا كان مليئًا أو فقيرًا، فإن أكلها ضمنها، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: إن كان فقيرًا جاز له تملكها، وإن كان غنيا لم يجز له ذلك. ويجوز عند أبي حنيفة وعندنا: أن يتصدق بها قبل أن يتملكها على شرط، إن جاء صاحبها فأجاز ذلك جاز، وإن لم يجز ضمن له الملتقط. وقال الشّافعيّ: لا يجوز؛ لأنّها صدقة موقوفة. 1439 - مسألة: إذا وجد في الصحراء الإبل والبقر، لم يجز له أخذها، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: له أخذها كوجودها في المصر. 1440 - مسألة: إذا وجد بعيرًا في ناديه وحده فأخذه ثمّ أرسله فلا شيء عليه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: عليه ضمانه. 1441 - مسألة: إذا أتلف الملتقط اللقطة بعد الحول، فإن أكلها أو باعها أو تصدق بها، فلصاحبها أن يجيز ذلك، أو يأخذ منه قيمتها يوم ملكها، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال داود: ليس له شيء منه.

1442 - مسألة

1442 - مسألة: إذا جاء صاحب اللقطة فأعطى علامتها ووصفها، وجب على الملتقط أن يدفعها إليه، ولم يكلفه البينة، وبه قال أحمد [وإسحاق] وغيرهما من أصحاب الحديث. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يلزمه دفعها إِلَّا ببينة. 1443 - مسألة: من رد آبقًا على صاحبه، ومثله ممّن يطلب الأجرة على رد الإباق، فله أجرة مثله، وإن لم يشترط له شيئًا. وقال أبو حنيفة: إن رده من مسيرة ثلاثة أيّام، فله أربعون درهمًا، وإن كان أقل من هذه المسافة، فله بحساب ذلك. 1444 - مسألة: في اللقيط إذا أسلم المراهق الذي قد عقل ولم يبلغ، فالظاهر من المذهب أنّه يكون مسلمًا ظاهرًا وباطنًا، ولو رجع عن ذلك جبر عليه، ولم يبلغ به حالة المرتد، حتّى لو بلغ ورجع وأقام على رجوعه كان مرتدًّا، وبه قال أبو حنيفة، وهو أحد قولي الشّافعيّ. وروي عن مالك: أنّه لا يكون مسلمًا، إِلَّا بعد بلوغه، وبه قال الشّافعيّ في قوله الآخر، وبه قال زفر.

مسائل العتق

مسائل العتق 1445 - مسألة: من أعتق شركًا له في عبد، وله مال يبلغ قيمة نصيب شريكه، قوّم عليه قيمة عدل، وأعطي قيمة حصته وعتق كله، وإن كان المعتق معسرًا، فقد عتق نصيبه الّذي أعتقه، ورق نصيب شريكه، وبه قال الشّافعيّ. وله في الموسر قولان: أحدهما: إنّه يلزمه أن يؤدِّي قيمة باقي العبد، وإذا أداه عتق كلّ العبد بشرطين؛ أحدهما: وجود اللّفظ، والآخر: وجود الأداء، فكأنّه باللفظ وجب الأداء والعتق، وبالعتق والأداء وقع العتق. هذا ظاهر مذهبه. والثّاني: أنّه يعتق العبد كله، وتكون القيمة في ذمته، والسراية والعتق واقعان في الحال قبل الأداء. وقد روي هذا عن مالك، وبه قال أبو يوسف ومحمد في الموسر. وذهب أبو حنيفة: إلى أنّه إن كان من أعتق موسرًا، فلشريكه أحد ثلاث خيارات: إمّا أن يعتق حصته بنفسه. أو يقومه على شريكه المتقدم بالعتق ويأخذ قيمته. أو يستسعي العبد في باقي رقه، فإذا أداه عتق. وإن كان المعتق معسرًا، كان له أحد خيارين: إمّا أن يعتقه بنفسه، أو يستسعي العبد في قيمة حصته.

1446 - مسألة

وقال أبو يوسف ومحمد: العتق يقع بكل حال، فإن كان المعتق موسرًا أدى قيمة شريكه، وإن كان معسرًا استسعى العبد. 1446 - مسألة: قال مالك: يقع العتق في دار الحرب، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا يقع. 1447 - مسألة: إذا أعتق عبده عن المسلمين، فولاؤه لهم. وخالفه الشّافعيّ؛ لأنّه وقفه على جماعتهم [87/ب]. 1448 - مسألة: من أعتق عبيدًا له في مرضه، ولا مال له غيرهم، ومات من مرضه ذلك، أقرع بينهم لحق الثلث، فمن خرج عليه سهم العتق، عتق ورق الباقي للورثة، وبهذا قال الشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: لا يكون في هذا قرعة، ويعتق من كلّ واحد ثلثه، ويسعى في باقي رقه للورثة، فإذا ودّى أعتق باقيه. 1449 - مسألة: من أعتق في مرضه عبيدًا له لا مال له غيرهم، فمات بعضهم قبل موت المعتق، فإنّه يقرع بين الباقين فيعتق ثلثهم، ولا يدخل من مات قبل سيده في القرعة، وكأنّه لم يكن. وقال الشّافعيّ: يدخل الميِّت في القرعة، فإن خرجت له قرعة الحرية، مضى حرًّا من يوم أعتقه السَّيِّد، وإن خرجت له قرعة الرق، أو خرجت على أحد الباقين قرعة حرية، بطل وصار كأنّه لم يكن، ووقعت القرعة على من بقي، فإن كانوا ثلاثة فمات أحدهم قبل سيده، أقرع بين الميِّت والأحياء، فإن خرجت له قرعة الحرية مضى حرًّا، وكان العبدان للورثة، ولو خرج على الميِّت سهم الرق، أو خرج على أحد العبدين

1450 - مسألة

الحيين سهم الحرية، بطل حكم الميِّت، وألغي كأنّه لم يكن وعتق ثلث من بقي، كما نقول نحن في الأصل، وأظن مذهب أبي حنيفة كذلك. 1450 - مسألة: من ملك أبويه أو أولاده أو أجداده أو جداته؛ قربوا أو بعدوا، فبنفس الملك عتقوا عليه، وكذلك إخوته وأخواته؛ كانوا أشقاء، أو لأم أو لأب. وقال أبو حنيفة: يعتق كلّ ذي رحم محرم من جهة النسب، ممّن لو كان امرأة لم يحل له نكاحها، وقد روي مثل هذا عن مالك، وليس بمشهور عنه. وقال الشّافعيّ: لا يعتق إِلَّا الوالدان والولد؛ قربوا أو بعدوا، والأجداد والجدات؛ قربوا أو بعدوا. وقال داود: لا يعتق أحد بقرابة على أحد، ولا يلزم عتقهم. 1451 - مسألة: إذا كانوا ثلاثة شركاء في عبد؛ لأحدهم النّصف وللآخر الثلث وللآخر السدس، فأعتق اثنان منهم حصصهم معًا، أو وكّلا رجلًا فأعتق عنهما معًا، كان عليهما قيمة الشَّقص الباقي على قدر حصصهما فيه وعتق كله، ولكل واحد منهما من ولائه مثل ذلك. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يقوم عليهما حصة الشريك بالسوية، على كلّ واحد نصف قيمة الحصة. وروي عن مالك مثله. 1452 - مسألة: إذا أعتق عبده سائبة عن المسلمين نفذ عتقه، وكان ولاؤه للمسلمين. وقال أبو حنيفة: يعتق ويكون له ولاؤه. 1453 - مسألة: إذا مات المعتق ولم يترك وارثًا من نسبه، وخلف ولد مولاه الّذي أعتقه وبنته، كان ماله لابن مولاه دون البنت.

من المدبر

من المُدبّر 1454 - مسألة: إذا دبّر (¬1) إنسان عبده، ثمّ مات السَّيِّد وعتق العبد، فإنّه يكون من الثلث، وهو مذهب علي وابن عمر -رضي الله عنهم-، وبه قال سعيد بن المسيَّب والزهري والثوري وأبو حنيفة والشّافعيّ وأحمد وإسحاق. وقال سعيد بن جبير ومسروق (¬2) إنّه من رأس المال، وبه قال زفر وداود. 1455 - مسألة: من دبر عبده في صحته، ولا دين عليه، ثبت تدبيره، ولم يجز له بيعه، وبه قال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: يجوز له بيعه، وهو قول اللَّيث، وقيل: إنّه مذهب عائشة -رضي الله عنها -، وطاووس ومجاهد وأحمد وإسحاق. ¬

_ (¬1) التّدبير: عتق العبد عن دبر، وهو أن يعتق بعد موت صاحبه. انظر: أنيس الفقهاء:169. (¬2) هو: أبو عائشة مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوداعي الكوفي: الإمام التابعي القدوة الثقة، من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه الذين يقرئون ويفتون، روى عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وغيرهم، أخرج له الستة. توفي: 62 هـ. انظر: السير: 4/ 63، تهذيب التهذيب:. 10/ 100.

من أمهات الأولاد

من أمهات الأولاد 1456 - مسألة: لا يجوز للحر أن يبيع أم ولده، وبه قال فقهاء الأمصار. وقال داود: يجوز بيعها، وقيل: إنّه مذهب بشر المريسي (¬1). 1457 - مسألة: اختلف عن مالك في تزويج أم الولد، فروي عنه: أن للسيد أن يجبرها. وروي عنه: أنّه لا يزوجها إِلَّا بإذنها. وروي عنه: أنّه يزوجها ولا يأذنها، وبهذا قال الشّافعيّ [88/أ]. وقال أبو حنيفة: له إجبارها. ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الرّحمن بشر بن غياث العدوي مولاهم البغدادي المريسي: المتكلم المعتزلي الحنفي، أخذ عن أبي يوسف وروى عن حماد وابن عيينة، ثمّ نظر في الكلام فغلب عليه وانسلخ من الورع والتقوى، وقال بخلق القرآن ودعا إليه، حتّى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم، فمقته أهل العلم، له بعض الكتب. توفي: 218 هـ. انظر: السير: 10/ 199، الجواهر المضية: 1/ 447.

مسائل المكاتب

مسائل المكاتب 1458 - مسألة: لا يجب على السَّيِّد أن يكاتب عبده، ويستحب له ذلك إذا سأله، وبه قال سائر الفقهاء. إِلَّا داود، فإنّه أوجبها. 1459 - مسألة: واختلف عن مالك في مكاتبة الصغير، فأجازها [مرّة] ومنع منها [أخرى]، إِلَّا أن تفوت بالأداء. وينبغي أن يصح ذلك في المراهق؛ لأنّ إسلامه عنده إسلام، وعلى القول الآخر: لا يصح؛ لأنّ إسلامه عنده ليس بإسلام، أو يتخرج على روايتين في إجبار السَّيِّد عبده على الكتابة، والرواية الأخرى: لا يجبر. فإذا قلنا: إنّه يجبره عليها، جازت الكتابة على الصغير؛ لأنّه لا يحتاج إلى قبوله، وإن قلنا: لا يجبره على الكتابة، لم يكاتب إِلَّا [على] بالغ. وقال أبو حنيفة: تصح كتابة المراهق؛ لأنّه يصح إسلامه. وقال الشّافعيّ: لا تصح الكتابة، إِلَّا من بالغ عاقل. 1460 - مسألة: الظّاهر من قول مالك - رحمه الله -: إن شأن الكتابة التأجيل

1461 - مسألة

والتنجيم؛ لأنّه لو كاتبه على ألف، ولم يذكر أجلًا نجمت عليه، وإن كره السَّيِّد بقدر سعاية مثله. وكذلك إن أوصى بها، فشأنّها التأجيل والتنجيم. وقال شيوخنا: تجوز الكتابة الحالة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا تجوز على أقل من نجمين؛ سواء شرط التعجيل أو أطلق العقد، فلا بد من أجل. وعند الشّافعيّ: أن كلّ عقد إِلَّا (¬1) يصح حالًا، إِلَّا الكتابة. وعندنا وعند أبي حنيفة: أن كلّ عقد يصح حالًا، إِلَّا السلم. وإن كان ابن القاسم قال: إذا أسلم إلى اليومين والثلاثة صح، ومعناه عندهم: إذا كان أجلًا تتغير فيه الأسواق. 1461 - مسألة: لا يجب على السَّيِّد أن يضع عن مكاتبه شيئًا، ويستحب ذلك له، وبه قال أبو حنيفة والثوري. وقال الشّافعيّ: يجب ذلك عليه، وحكي ذلك عن محمَّد بن جرير، وهو مذهب عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه -. 1462 - مسألة: إذا أدى نجوم الكتابة وهي فاسدة عتق. خلافًا لأهل الظّاهر. 1463 - مسألة: إذا كاتبه على شيء، فأدّاه إليه عتق، ثمّ وجد بذلك الشيء عيبًا، وليس له مال، رد عتقه، وبه قال الشّافعيّ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "الحال". والمثبت من (ط).

1464 - مسألة

وقال أبو حنيفة: لا يردّ العتق. 1464 - مسألة: إذا كاتبه على ميتة أو موقوذة، ودفع العبد ذلك، رجع عليه السَّيِّد بالقيمة، كما لو كان خمرًا أو خنزيرًا، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: يرجع في الخّمْرِ والخنزير، ولا يرجع في الميِّتة. 1465 - مسألة: إذا فسخنا الكتابة الفاسدة بغير حاكم جاز، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: لا تبطل إِلَّا بالحاكم. 1466 - مسألة: إذا مات المكاتب وخلف وفاء بكتابته، لم يمت على الرق وورث وبه قال أبو حنيفة. غير أنّه قال: إذا خلف وفاء بكتابته مات حرًّا [لا مكاتبًا]، ويرث ورثته ما بقي بعد الأداء. ونحن نقول: مات مكاتبًا لا حرًّا ولا عبدًا، رتبة بين الرتبتين. وقال الشّافعيّ: مات عبدًا، ولو كانت له ورثة لم يرثوا ما فضل عن كتابته. وروي قولنا عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن الزبير - الله عنهم -. وقيل: إن قول الشّافعيّ قول عمر وابنه -رضي الله عنهما-. 1467 - مسألة: المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم، فلو أدى جلَّ نجومه وبقي عليه شيء عجز عنه، رجع رقيقًا جميعه، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وأحمد وإسحاق، و [من الصّحابة]: عمر وابنه وزيد بن ثابت وأم سلمة

1468 - مسألة

وعائشة -رضي الله عنهم-، و [من التابعين]: سعيد بن المسيَّب والزهري والأوزاعي. وروي عن علي -رضي الله عنه - أنّه قال: إذا دفع نصف الكتابة عتق. وما أدري [هل] يقول: يعتق جميعه أو نصفه؟ [88/ب]. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّه قال: إذا أدى قدر قيمته عتق جميعه. وقيل عن شريح أنّه قال: إذا أدى ثلث مال الكتابة عتق. وذهب بعض أهل العلم: إلى أنّه يعتق منه بقدر ما أدى. 1468 - مسألة: يجوز بيع ما على المكاتب دون رقبته، إن كانت الكتابة بعين بيعت بعرض معجل، وإن كانت عرضًا فبعين معجل، أو عرض مخالف على وجه يملك المشتري ذلك الأداء، ويؤدِّي المكاتب إليه النجوم، على ما كان يؤدِّي إلى سيده، فإن أداها إلى المبتاع عتق، وولاؤه للسيد عاقد كتابته، وإن عجز رق للمشتري. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يجوز بيع ما كان على المكاتب، وبيعه غرر وفاسد. 1469 - مسألة: إذا اختلف المكاتب وسيده في مال الكتابة، فالقول قول المكاتب، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ وأبو يوسف ومحمد: يتحالفان ويفسخ ويرجع العبد رقيقًا. 1470 - مسألة: يصح أن ينكح المكاتب ابنة سيده، فإن مات سيده وورثته ابنته،

1471 - مسألة

انفسخ نكاحها من مكاتب أبيها، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة (¬1) لا ينفسخ؛ لأنّ المنتقل للورثة إنّما هو مال في ذمة المكاتب، وثبوت حق الزوجة في ذمة زوجها لا ينافي الزوجية، وإنّما ينافي الزوجية حق الزوجة في رقبة الزوج العبد. 1471 - مسألة: إذا قال لعبده: "كاتبتك على ألف تؤديها على صفة صحيحة"، صار مكاتبًا وإن لم يقل: "فإذا أوفيت فأنت حر"، وبه قال أبو حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال: لا يكفي ذلك حتّى تقول: "فإذا أديت فأنت حر"، وينوي ذلك. وقال مثل قولنا. 1472 - مسألة: إذا شرط على مكاتبه ألَّا يسافر، صح العقد والشرط؛ لأنّه لو أطلق لم يكن له أن يسافر سفرًا يحل فيه عليه نجم، إِلَّا بإذن سيده. وقال أبو حنيفة: يبطل الشرط وتصح الكتابة، وله أن يسافر. ولم يفرق بين سفر بعيد أو قريب، وإن أطلق ولم يشترط عندهم، فهو أولى بجواز سفره. واختلف قول الشّافعيّ فيما إذا أطلق دون شرط، فقال: له أن يسافر، وقال: ليس له ذلك إِلَّا بإذن سيده. ولم أرهم يعرضون للشرط، لكنه يخرج على القولين عندي؛ فإن قال: "ليس له السَّفر"، فبالشرط أولى، وإن قال: "له أن يسافر بغير إذنه"، جاز أن يسقط الشرط، وجاز أن يصح. ¬

_ (¬1) في الأصل: "يوسف". والمثبت من (ط).

1473 - مسألة

1473 - مسألة: اختلف عن مالك إذا كانت أمته وشرط وطئها، فقال: تصح الكتابة، ويبطل شرطه. وقال: تنفسخ الكتابة، إِلَّا أن يسقط الشرط، وكذلك إذا شرط وطء من أعتقها إلى أجل، وكذلك لو شرط أن ما تلده في الكتابة رقيق. وقال ابن الموّاز عن أشهب في اشتراط رق ما تلده: إن الكتابة تفسخ، وإن لم يبق منها إِلَّا درهم، إِلَّا أن يرضى السَّيِّد بترك الشرط، وكذلك لو شرط في كتابته أن ما ولد له من أمته فهو عبد. وقال محمَّد بن الموّاز: تمضي الكتابة في هذا كله إذا أدى، ولو نجمًا واحدًا ويبطل الشرط؛ فأمّا قبل الأداء فالسيد مخير بين أن يبطل الشرط أو يفسخ الكتابة. وينبغي أن يكون إذا لم يفسخ في هذا كله، حتّى استوفى مال الكتابة أن يعتق المكاتب وولده، فيجيء من هذا أن يكون الفسخ في أصل الكتابة مستحبا؛ إذ لو وقعت مفسوخة لم يجز أن تصح بالأداء، كما [89/أ]، نقول في النِّكاح على خمر أو خنزير أو مهر مجهول، على أحد القولين لمالك، وعلى القول الآخر: إنّه يفسخ النِّكاح قبل الدخول وبعده، لا تنفسخ الكتابة عندي مع الأداء على وجه؛ لحرمة العتق. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: تفسخ الكتابة في هذا كله. وروي عن ابن المسيَّب وأحمد بن حنبل: أن له أن يطأها بالشرط في الكتابة. 1474 - مسألة: إذا كاتب عبيدًا له كتابة واحدة جاز، وكان بعضهم حميلًا ببعض، وإن لم يشترط عليهم ذلك، ولا يعتق منهم أحد، حتّى يستوفي السَّيِّد جميع مال الكتابة، وبه قال سفيان.

1475 - مسألة

وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يكون بعضهم حميلًا ببعض، ومن أدى منهم قدر ما يصيبه من الكتابة عتق. 1475 - مسألة: يجوز للأب والوصي أن يكاتب عبد يتيمه، على وجه النظر له؛ لأنّه قد يكون العبد كثير الإباق، قليل الاكتساب، لا يساوي بعض ما يكاتب عليه، فإذا رأى ذلك نظرًا جاز. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يجوز. 1476 - مسألة: يجوز أن يكاتب عبده على عبد، أو على جارية وإن لم يصف له ذلك، ويكون له الوسط، كما يكون عندنا في النِّكاح، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا يجوز حتّى يصف، كما في البيع. 1477 - مسألة: إذا كاتب ثلاثة أعبد له كتابة واحدة على مائة دينار، صح عندنا وعند أبي حنيفة. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، وقال: الكتابة فاسدة. 1478 - مسألة: إذا كاتبهم على مائة مثلًا جاز، وقسطت عليهم على قدر قوة كلّ واحد منهم على الأداء، لا على قيمتهم. وقال الشّافعيّ: على قدر قيمتهم يوم الكتابة. 1479 - مسألة: اختلف عن مالك في المكاتب، هل له أن يعجز نفسه؛ كان له مال أو لا؟ وقال أبو حنيفة: العقد لازم للمكاتب، لا رجوع له فيه مع وجود

1480 - مسألة

المال، ويجبره الحاكم إن لم يفعل، وإن لم يكن له وفاء ويقدر على الكسب، لم يجبره على الكسب. ففرق بين المال عنده والكسب. وقال الشّافعيّ: هو عقد جائز من جهة العبد، فلو امتنع من الأداء مع قدرته، أو من الكسب لم يجبر وعاد رقيقا. 1480 - مسألة: إذا تزوج أمة إنسان فأولدها، ثمّ اشتراها وولدها، لم تصر هي أم ولد بذلك الولد. وقال أبو حنيفة: تكون له أم ولد، وكذلك إذا اشتراها وهي حامل منه صارت أم ولد. واختلف قول مالك إذا اشتراها حاملًا، فقال كقول أبي حنيفة. وقال: لا تكون أم ولده. 1481 - مسألة: إذا أسلمت أم ولد الذمي، قال مالك مرّة: توقف، كما يقول الشّافعيّ. ثمّ رجع وقال: إنها تعتق عليه، [فإن] لم تعتق عليه حتّى أسلمت، رجعت له أم ولد وإن تطاول ذلك، وإن عتقت عليه بحكم إمام، ثمّ أسلم لم تعد له. وروي عن مالك: أنّها تباع ويدفع له ثمنها. وقال أبو حنيفة: تستسعي في قيمتها، حتّى تؤدي فتعتق. 1482 - مسألة: من الولاء يجر الجد ولاء ولد ولده إلى مواليه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: الجد لا يجر الولاء.

مسائل الفرائض

مسائل الفرائض 1483 - مسألة: اختلف في توريث ذوي الأرحام ممّن لا سهم له في القرآن، وهم: أولاد البنات ذكورًا وإناثًا، وأولاد الإخوة للأم ذكورًا وإناثًا، وبنات الأخ وبَنات العم والخال والخالة والعمة، والجد أبو الأم، والعم أخو الأب لأمه [89/ب] وبنيه، والجدة أم أبي الأم، ومن أدلى بهم. فذهب مالك والشّافعيّ: إلى أنّهم لا يرثون، ويرجع مال الميِّت لبيت المال، وبه قال زيد بن ثابت. وحكي عن عمر وابنه عبد الله [وابن عبّاس] رضي الله عنهم ما يدلُّ عليه، وبه قال الزهريّ والأوزاعي وداود. وذهب أبو حنيفة وأهل العراق: إلى أنّهم يرثون، لكن المولى يقدم عليهم، وبه قال أحمد وإسحاق، وعن عمر وابن عبّاس -رضي الله عنهم- ما يدلُّ عليه، وهو قول علي وابن مسعود -رضي الله عنهما-، إِلَّا أن هؤلاء يقدمونهم على المولى، فإذا مات وخلّى مولى وذوي رحم، فالمال لذوي الأرحام، وإن لم يكونوا فللموالي. وأجمعوا: أنّهم لا يرثون مع عصبة، ولا مع ذي رحم له سهم. إِلَّا ما يحكى عن ابن المسيَّب: أنّه يورث الخال مع البنت. وقد حكي عن أبي بكر [وعمر] وعثمان رضي الله عنهم مثل قول مالك والشّافعيّ.

1484 - مسألة: في الرد

1484 - مسألة: في الرَّدِّ إذا مات رجل وخلف أمه فقط، فلها ثلث ماله والباقي لبيت المال، وكذلك إن خلف بنتًا فقط، فلها النّصف وما بقي لبيت المال، وكذلك أختًا شقيقة أو لأب، فلها النّصف والباقي لبيت المال، وإن كانت لأم، فلها السدس [وإن كان معها جدة لأب فلها السدس، والباقي لبيت المال]، وبه قال [مالك و] الأوزاعي والشّافعيّ، وهو قول زيد بن ثابت -رضي الله عنه -، وروي مثله عن أبي بكر رضي الله عنه، وعن عمر (¬1) رضي الله عنه. وقال أبو حنيفة: للبنت المالى كله؛ نصف بالفرض ونصف بالرد، وكذلك الأم لها الثلث بالفرض والباقي بالرد، وكذلك جميع من له سهم مفروض، وهو قول علي وابن مسعود -رضي الله عنهما-. وقال الشّيخ أبو الحسن - رحمه الله -: الصّحيح عن علي وابن عبّاس وابن مسعود وعثمان -رضي الله عنهم- أنّهم لا يورثون ذوي الأرحام، ولا يردون على أحد، وإنّما هذا الّذي يحكى عنهم في الرَّدِّ والتوريث لذوي الأرحام، حكايته فعل لا قول. وابن خزيمة وغيره من حفاظ الحديث يدّعون الإجماع في هذا. وعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- رواية في الرَّدِّ مثل مذهب - زيد رضي الله عنه -، ورواية مثل مذهب علي -رضي الله عنه -، ورواية في الجدة وحدها مثل ابن مسعود -رضي الله عنه -، وكان علي -رضي الله عنه - يردّ على كلّ أحد إِلَّا الزوج والزوجة، وحكي عنه الرَّدِّ على الزوج، وعن عثمان -رضي الله عنه - مثله، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه - يردّ على كلّ أحد إِلَّا ستة. وعن ابن عبّاس وابن عمر -رضي الله عنهم- روايتان: أحدهما مثل مذهب علي وابن مسعود -رضي الله عنهما-، والأخرى مثل مذهبنا. ¬

_ (¬1) في الأصل: "ابن عمر"، والمثبت من (ط).

1485 - مسألة

1485 - مسألة: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ والفقهاء، وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وزيد وابن عبّاس وجابر -رضي الله عنهم-. وقال معاذ بن جبل ومعاوية رضي الله عنهما، ومحمد ابن الحنفية (¬1) ومحمد بن على بن الحسين (¬2) وسعيد بن المسيَّب ومسروق والنخعي: يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم، قالوا: كما يتزوج المسلم الكافرة، ولا يتزوج الكافر المسلمة. 1486 - مسألة: اختلف في مال المرتد إذا مات على ردته، على ثلاثة مذاهب: منها: أن جميع ماله الّذي كسبه في ردته وفي إسلامه فيء لبيت المال، وهو قولنا وقول ربيعة والشّافعيّ وأبو ثور وأحمد. والثّاني: أنّه يكون لورثته المسلمين، اكتسبه في إسلامه أو في ردته، وبه قال علي -رضي الله عنه -، وابن مسعود -رضي الله عنه -، والأوزاعي والحسن وأبو يوسف ومحمد. والثّالث: أن ما اكتسبه في إسلامه لورثته المسلمين، وما كان في ردته لبيت المال، وبه قال سفيان الثّوريّ وأبو حنيفة. ¬

_ (¬1) هو: أبو القاسم محمَّد بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، المعروف بابن الحنفية - وهي: خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة -: السَّيِّد الإمام التابعي الثقة، رأى عمر رضي الله عنه وروى عنه وعن أبيه ومعاوية وغيرهم رضي الله عنهم أخرج له الستة، كان ورعًا كثير العلم، وقد ذكره الشيرازي في طبقات الفقهاء. توفي: 81 هـ. انظر: طبقات الفقهاء: 62، السير: 4/ 110، التهذيب: 9/ 315. (¬2) هو: أبو جعفر محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني "الباقر" - لتبقّره في العلوم أي تبحّره -، السَّيِّد الإمام: من فقهاء التابعين بالمدينة، جمع بين العلم والعمل والشرف والثقة، روى عن ابن عمر وجابر وأبي سعيد رضي الله عنهم وغيرهم، وليس هو بالمكثر في الرِّواية، ولكن له مسائل وفتاو، أخرج له الستة. توفي:144هـ. انظر: السير: 4/ 401، التهذيب: 9/ 311.

1487 - مسألة

وحكي عن قتادة أنّه قال: هو لأهل دينه الذين ارتد إليهم، والولاية منقطعة [90/أ]. 1487 - مسألة: اختلف في ميراث القاتل على أربعة أقوال: فظاهر مذهبنا: أنّه لا يرث إذا كان عمدًا من غير شبهة، وإن كان خطأ ورث من المال، ولم يرث من الدية. وإن كان إمام عادل قتل من يرثه في قصاص، أو زنى إحصان أو حد أو محاربة؛ بإقرار أو ببينة فإن أصحابنا لم يفصلوا هذا التفصيل. وأرى أن كلّ من لا تلحقه تهمة، فإنّه يرث كالخطأ، وبه قال سعيد بن المسيَّب وعطاء والأوزاعي وإسحاق، وعن علي -رضي الله عنه - مثله. وقال أبو حنيفة: كلّ قاتل لا يرث، إِلَّا الصبي والمجنون، والقاتل إذا كان مع الإمام، وقتل مورثه وهو باغ؛ لأنّه طائع. وظاهر مذهب الشّافعيّ وما عليه أصحابه: أنّه لا فرق بين العمد والخطأ؛ سواء قتله مباشرة أو بسبب قامت به بينة، أو أقر على أي حال كان، متى دخل تحت اسم قاتل، حتّى لو قصده أو حجمه فمات لم يرثه. ولأصحابه في ذلك تفصيل: قال بعضهم: كلّ قاتل تلحقه التهمة لا يرث، وكل من لا تلحقه تهمة يرث؛ [مثل]: من يجيء إلى الإمام وهو مورثه، فيعترف عنده بما يوجب قتله فإنّه يرثه؛ [لأنّه قتله ولا تلحقه التهمة في قتله، وكذلك المحارب إذا قدر عليه قبل توبته فإنّه يرثه]، فإن قتله حتم لا اجتهاد فيه. وهذا يقوى في نفسي. وبمثل قول الشّافعيّ قال عمر [وابن عمر] وابن عبّاس -رضي الله عنهم-، والحسن وأحمد [وإسحاق].

1488 - مسألة

وقال قوم من البصريين والزهري: إن القتل لا يمنع الميراث؛ عمدًا كان أو خطأ. وهذا خلاف شاذ. 1488 - مسألة: اختلف في توريث أهل الملل: فعندنا: لا يرث بعضهم بعضًا إذا كانوا أهل ملتين؛ مثل: اليهود والنصارى والمجوس، وكذلك من عداهم من الكفار إذا اختلفت مللهم، وبه قال الزهريّ وربيعة وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق. وحكي عن شريح وابن أبي ليلى وشريك بن عبد الله أنّهم قالوا: اليهود والسَّامِرة أهل ملة، والنصارى والصابئون أهل ملة، والمجوس ومن لا كتاب له أهل ملة؛ لا يرث بعضهم بعضًا. [وقال أبو حنيفة والشّافعيّ ومن تابعهم: إنهم أهل ملة واحدة، يرث بعضهم بعضًا]. 1489 - مسألة: الغرقى والقتلى ومن مات تحت ردم والحريق والطاعون، أو يموتون في بيت لا يدرى أيهم مات قبل، لا يورث بعضهم من بعض، وتركة كلّ ميت منهم للأحياء من ورثته. وهذا ينقسم على أقسام: إمّا أن يعلم أن أحدهم مات قبل صاحبه بعينه، فلا إشكال فيه. والثّاني: أن يعلم أنّهما ماتا معًا في حالة واحدة، فلا إشكال في هذا أيضًا؛ أن أحدهم لا يرث الآخر. والثّالث: أن لا يدرى هل ماتا معًا أو مات أحدهما قبل الآخر؟ فالحكم كذلك أيضًا أن أحدهم لا يورث، وأن لا ميراث بينهما. والرّابع: أن يعلم أن أحدهما مات قبل صاحبه، إِلَّا أنا لا نعرفه بعينه، فكذلك أيضًا.

1490 - مسألة

والخامس: أن يعلم أحدهما بعينه مات قبل الآخر، غير أنا شككنا وأنسينا، فإن كان في الفريضة تغير فرضناه، ووقفنا في ميراث كلّ واحد منهما؛ لأنّ هناك حالًا ترجى، وجميع المسائل ليس فيها حال ترجى. قال القاضي: هذا التفصيل ما فصله أصحابنا، لكنه هكذا ينبغي، وهو جميع ما يمكن من الأقسام. وقد ذكرها في كتاب عيون المجالس (¬1)، وذكرها هنا يطول. فقولنا هو قول [الشّافعيّ و] الفقهاء وزيد وأبي بكر -رضي الله عنهما-، وإحدى الروايتين عن عمر وابن عبّاس -رضي الله عنهم-. وأقال، الزهريّ والأوزاعي: أن لا توارث بينهما، ويكون مال كلّ أحد منهما لأحياء ورثته. وذهب علي -رضي الله عنه -، ومن تابعه: إلى أنّه يرث كلّ واحد منهما من تَلادِ ماله (¬2) دون طارئه، وإليه ذهب شريح والشعبي والنخعي. 1490 - مسألة: المعتق بعضه لا يرث، وبه قال الشّافعيّ وأبو حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد والمزني: يرث. 1491 - مسألة: للجدة السدس، وهو قول الصّحابة والفقهاء. وروي عن عبد الله بن طاووس (¬3) عن أبيه عن ابن [90/ب] عبّاس - رضي الله عنهما - أنّه أعطاها الثلث. ¬

_ (¬1) لعلّه يقصد كتاب الأصل: عيون الأدلة. والله أعلم. (¬2) تلاد المال: ما توالد عندك فتلد؛ من رقيق أو سائمة. انظر: لسان العرب: 3/ 100. (¬3) هو: أبو محمَّد عبد الله بن طاووس اليماني: الإمام المحدث الثقة، الفقيه ابن الفقيه، سمع من أبيه وأكثر عنه، ومن عكرمة وعمرو بن شعيب وجماعة، ويسوغ أن يعد في صغار التابعين لتقدم وفاته، أخرج له الستة. توفي: 132 هـ. انظر: السير: 6/ 103، التهذيب: 5/ 234.

1492 - مسألة

1492 - مسألة: اختلف فيما لا يرث؛ كالعبد والقاتل والكافر، ومن في حكمه، ومن أعمي موته، والمرتد، فعندنا لا يرثون ولا يحجبون، وهو قول كلّ النَّاس. وقال ابن مسعود رضي الله عنه وحده: إن الكافر والعبد وقاتل العمد يحجبون ولا يرثون. 1493 - مسألة: الإخوة إذا حجبوا الأم من الثلث إلى السدس لم يأخذوه، وبه قال جميع الفقهاء والصحابة. إِلَّا ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، فإنّه روي عنه: أنّه يورث الإخوة مع الأب في موضع حجبهم للأم، فيأخذون متى حجبوها عنه. وروي عنه مثل قول الجماعة. 1494 - مسألة: الجدة أم الأب لا ترث مع الأب الّذي هو ابنها شيئًا، وبه قال عامة الفقهاء، ومن الصّحابة: عثمان وعلي وزيد -رضي الله عنهم-. وذهب عمر وابن مسعود وأبو موسى وعمران بن حصين -رضي الله عنهم-، وعطاء [وطاووس] وابن سيرين: إلى أنّها ترث مع الأب، فتأخذ السدس إن كانت وحدها، أو شاركت أم الأم فيه إن كانت موجودة، وبه قال أحمد وإسحاق وابن جرير. 1495 - مسألة: الأخوان يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، وهو قول جميع الصّحابة.

1496 - مسألة

إِلَّا ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، فإنّه قال: لها مع الاثنين الثلث، فإن كانوا ثلاثة فلها السدس. وهذا لا خلاف فيه. وإنّما الخلاف في الاثنين، فقال الفقهاء: لها مع الاثنين السدس، كما يكون لها مع الثّلاثة. 1496 - مسألة: زوج وأبوان، أو زوجة وأبوان؛ للأم ثلث ما بقي بعد فرض الزوج أو الزوجة، وبه قال جميع الصّحابة. إِلَّا ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، فإنّه قال: لها ثك المال كله في المسألتين، وبه قال شريح. وقال ابن سيرين مثل قوله في زوجة وأبوين، وخالفه في زوج وأبوين. 1497 - مسألة: للبنت الواحدة النّصف، وللبنتين فصاعدًا الثلثان، وروي عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- مثله. والمشهور عنه: أن للبنتين النّصف كالواحدة، وللثلاث فصاعدًا الثلثان. وقيل: إن هذا غلط عليه. 1498 - مسألة: إذا استكمل البنات الثلثين، فلا شيء لبنات الابن، إِلَّا أن يكون معهن ذكر في درجتهن، أو أسفل منهن فيكون ما بقي بينه وبين من هو فوقه، وبين من هو في درجته للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو قول جميع الفقهاء. إِلَّا ابن مسعود -رضي الله عنه -، فإنّه جعل ما بقي للذكر من ولد الابن دون البنات.

1499 - مسألة

1499 - مسألة: بنتان وبنت ابن وابن ابن ابن؛ للبنتين الثلثان، وما بقي فبين ابن ابن الابن، وبين بنت الابن؛ للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو قول الجميع. وحكي عن بعض الفقهاء: أن البنت إذا كانت في درجة الابن ورثت معه، وإن كانت فوقه لم ترث معه، كما لو كانت أبعد منه. 1500 - مسألة: الأخوات عصبة [مع] البنات، هذا قول الكافة. إِلَّا ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، فإنّه قال: لا يعصبن ولا يرثن شيئًا مع البنات. وقول مالك قول الجماعة. ألَّا ترى أن الجماعة وابن مسعود -رضي الله عنه - لم يسقطوا الأخت، وإنّما اختلفوا في نصيبها، فسقط قول من ذهب إلى سقوط الأخت. وأيضًا: فإن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "الأَخَوَاتُ مَعَ البَنَاتِ" (¬1). 1501 - مسألة: المشتركة لها أربعة أوصاف، لا تكون مشتركة إِلَّا بها، وهي: زوج وأم، واثنان فصاعدًا من ولد الأم، وذكر واحد من الإخوة للأب والأم فصاعدا؛ للزوج النّصف، وللأم أو الجدة السدس، وللإخوة من الأم الثلث، فيتم المال، فيرجع الإخوة للأب والأم على الإخوة للأم، فيشاركونهم في الثلث [91/أ] فيقسمونه؛ للذكر مثل الأنثى بالسوية، وبه قال الشّافعيّ وإسحاق، وهو مذهب عمر وعثمان وعبد الله بن عبّاس وابن مسعود وزيد بن ثابت وعائشة -رضي الله عنهم-. ¬

_ (¬1) لم أجد هذا الحديث بهذا اللّفظ في كتب السنة المشهورة، ولكن معناه صحيح، فقد أخرج البخاريّ في صحيحه (6742) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "للابنة النّصف ولابنة الابن السدس: وما بقى فللأخت".

1502 - مسألة

ومن التابعين من قال: الثلث للإخوة للأم، ويسقط ولد الأب والأم، وهو مذهب علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - وأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وأبو ثور وداود. واختلف عن عمر -رضي الله عنه - فقيل: إنّه لم يشرك بينهم، وقيل: إنّه أشرك بينهم في العام. وحكي عن ابن عبّاس وابن مسعود -رضي الله عنهم-: القولان جميعًا. وبقول مالك قال الزهريّ وابن المسيَّب. وتسمى هذه الفريضة الحمارية. وحجة مالك قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ} .... الآية [النِّساء: 7] وهو عام في كلّ رجل من الأقربين، إِلَّا أن تقوم دلالة تخص ولد الأم عن ولد الأب. واحتج من قال بسقوط ولد الأب والأم، بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النِّساء: 12]، والمراد منه: الإخوة للأم، فلا يدخل فيه الإخوة للأب والأم. 1502 - مسألة: للجدة الواحدة والاثنين السدس، وهو قول جميع الفقهاء. إِلَّا ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، فإنّه روي عنه: أنّه أعطى الجدة أم الأم إذا انفردت الثلث؛ لأنّه أقامها مقام الأم، بدليل: إقامة الجد للأب مقام الأب، فإذا لم يكن مانع حازت ما تحوز الأم. وروي عنه أن لها السدس، كقول الجماعة. والحجة فيه: أن أبا بكر -رضي الله عنه - لما جاءته الجدّة أم الأم، قال لها: "لا أجِدُ لَكِ في كِتاب اللهِ شَيئًا"، وسأل النَّاس، فأخبره المغيرة - رضي الله عنه - أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أطعمها السدس، فقال: "من شهد لَكَ؟ "،

1503 - مسألة

قال: "محمّد بن مَسلَمة -رضي الله عنه -"، فشهد بذلك فأعطاها السدس (¬1). وذلك بمحضر الصّحابة وهم متوافرون، فصار ذلك نصًا فيها. ثمّ جاءت الجدة الثّانية وهي أم الأب إلى عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -، فقال: "لا أجِدُ لَكِ شَيئًا، والقضية الّتي قضيت كانت لغيرك، فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها" (¬2). وهذا بحضور الصّحابة، ولم ينكر ذلك أحد منهم، ولا عارضه فيه معارض. 1503 - مسألة: وقال مالك،: لا يرث من الجدات إِلَّا اثنتان: أم الأم وأمهاتها، وأم الأب وأمهاتها. وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة: ترث أم أبي الأب أيضًا. واختلف قول الشّافعيّ، فقال مثل قولنا، وقال مثل قول أبي حنيفة. وهو ظاهر مذهبه. واختلف قول زيد بن ثابت -رضي الله عنه - فيها. وعن علي وابن عبّاس -رضي الله عنهم-: أنّها ترث. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك والأربعة عن قبيصة بن ذؤيب؛ مالك (1461)، وأبو داود (2894)، والترمذي (2101)، والنسائي في الكبرى (6339)، وابن ماجة (2724)، وقال التّرمذيّ: وهذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. انظر: المستدرك: 4/ 338. قال ابن حجر: وإسناده صحيح لثقة رجاله، إِلَّا أن صورته مرسل، فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق، ولا يمكن شهوده للقصة، قاله ابن عبد البرّ. انظر: التلخيص:3/ 82. (¬2) هو تتمّة للحديث السابق.

1504 - مسألة

1504 - مسألة: الجدّات أربع: - أم الأم وإن علت، وهي وارثة بالإجماع. - وأم الأب وأمهاتها، وهي ترث بالإجماع. - وأم أبي الأم، وهي لا ترث بالإجماع، إِلَّا في رواية عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-. - وأم أبي الأب، وفيها خلاف. 1505 - مسألة: إذا كانت الجدة أم الأم أقعد من أم الأب، فهي أولى بلا خلاف. وإن كانت الّتي من قبل الأب أقعد من الّتي من قبل الأم، [91/ب] شاركتها الّتي من قبل الأم في السدس، وهو قول زيد بن ثابت -رضي الله عنه - المشهور عنه، وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه -. وقال أبو حنيفة: السدس للتي من قبل الأب إذا كانت أقرب، دون البعدى من قبل الأم، وبه قال صاحباه، وهو قول علي -رضي الله عنه -، وعبد الله بن عبّاس -رضي الله عنهما-، وهو الرِّواية الأخرى عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه -. 1506 - مسألة: إذا كان ابنا عم أحدهما أخ للأم، فللأخ للأم السدس بالفرض، والباقي بينهما بالسوية، وبه قال علي وزيد بن ثابت -رضي الله عنهما-، وأبو حنيفة والشّافعيّ وغيرهم. وقال عمر وابن مسعود -رضي الله عنهما-: ابن العم الّذي هو أخ لأم أولى بالمال، وهو قول الحسن وأبي ثور.

1507 - مسألة

1507 - مسألة: الجد يقاسم الإخوة، فيرثون معه ولا يحجبهم، وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد -رضي الله عنهم-، والشّافعيّ وأبي يوسف ومحمد وأحمد. وروي عن أبي بكر وابن عبّاس وعائشة وعبد الله بن الزبير ومروان ومعاذ [وأبيّ بن كعب، وأبي موسى وأبي الدرداء -رضي الله عنهم-: أن الجد يسقط الإخوة، وبه قال أبو حنيفة والمزني وطاووس وعطاء. والمسألة كانت في خلافة الصديق -رضي الله عنه - إجماعًا، إلى أن انقضت خلافته. وروى ابن سيرين عن عبيدة السلماني: أن عمر -رضي الله عنه - قضى في الجد بمائة قضية. ودليل مالك قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النِّساء: 7]، فالجد كأصل الشجرة، والأب غصن منها، والإخوة كالأفنان (¬1) الخارجة من الغصن. وقيل: إنّه كالنهر الكبير، والابن كنهر صغير خرج منه، والإخوة كالسواقي، كلها ترجع إلى أصل الشجرة وأصل النهر الكبير، فوجب أن يكون الإخوة ورثة مع الجد؛ لما شبهوا به. وقيل: إن هذا التشبيه من قول الصّحابة -رضي الله عنهم-. وأيضًا: فإن الجد عصبة يسقطه الأب، فوجب ألَّا يسقط الجد الإخوة، وروي مثله أيضًا عن ابن الزبير وعائشة وعمر -رضي الله عنهم-. غير أن عمر -رضي الله عنه - رجع إلى الأوّل. ¬

_ (¬1) الأفنان: جمع الفنن، وهو: ما تشعّب من الغصن. انظر: لسان العرب: 13/ 327.

1508 - مسألة

1508 - مسألة: الإخوة تقاسم الجد، إِلَّا أن يكون ثلث المال خيرًا له، فيكون له الثلث، وبه قال الشّافعيّ والصحابة. إِلَّا علي -رضي الله عنه -، فإنّه قال: يقاسمونه، إِلَّا أن يكون السدس خيرًا له. وقال عمران بن حصين -رضي الله عنه -: يقاسمهم إلى نصف السدس. قال القاضي: والذي قال عمران بن حصين -رضي الله عنه - ظاهر السقوط؛ لأنّ الابن هو أقوى العصبات، وقد ثبت أن الجد لا ينقص مع الابن من السدس شيئًا. 1509 - مسألة: الإخوة للأب والأم يعادّون الجد بالإخوة للأب، فيمنعونه كثرة الميراث، ما لم ينقص من الثلث. وروي عن علي -رضي الله عنه -، وزيد -رضي الله عنه -: أن الإخوة للأب والأم لا يعادّون الجد بالإخوة للأب. 1510 - مسألة: ولد الزِّنا وولد الملاعنة، يرث أمه وإخوته لأمه حقوقهم، وما فضل يكون لموالي أمه إن كانت معتقة لأحد، وكذلك إن كانت وحدها أخذت الثلث، وما بقي لمواليها، وإن كانت عربيّة فما بقي لبيت المال، وهو قول زيد -رضي الله عنه -، والزهري وسعيد بن المسيَّب وسعد -رضي الله عنه -، والأوزاعي والشّافعيّ وداود. وروي عن علي وابن مسعود -رضي الله عنهما-[92/أ]: أن الباقي لعصبة الأم إذا لم يخلف ذا رحم له سهم، وإلى هذا ذهب الحسن وابن سيرين وسفيان الثّوريّ.

1511 - مسألة

1511 - مسألة: إذا ولدت الملاعنة توأمين في بطن، وانتفى أبوهما منهما بلعان، توارثا بالأب والأم عندنا. وللشافعي قول مثل قولنا. وقول: لا يتوارثان إِلَّا من قبل الأم. 1512 - مسألة: إذا أسلم المجوس، لا يستحقون فرضًا بجهتين، لكن يرثون بأقواهما سببًا، وبه قال الشّافعيّ وسائر الصّحابة. إِلَّا عليًا وابن عبّاس -رضي الله عنهم-، فإنهما ورثا بالسببين جميعًا، وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة. 1513 - مسألة: موالي الموالاة [عندنا] لا يرث، وبه قال الشّافعيّ والشعبي والحسن والأوزاعي. ومن النَّاس من قال: إن الموالاة تنعقد، ويثبت التوارث بها والعقد، وهو مذهب النخعي. وقال أبو حنيفة: ينظر؛ فإن والاه وعاقده كان له نقضه، وموالاة غيره ما لم يعقل عنه. 1514 - مسألة: العَوْلُ عند مالك والشّافعيّ وجميع الصّحابة -رضي الله عنهم-، إِلَّا ابن عبّاس -رضي الله عنهما- صحيح، وبه قال أبو حنيفة وسائر الفقهاء. وأبطله ابن عبّاس -رضي الله عنهما- بتة، وأدخل النقص على البنات والأخوات، وإليه ذهب داود. وقيل: إنَّ أوّل من أعال الفرائض عمر -رضي الله عنه -، فقال له

1515 - مسألة

ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: "لو قَدَّموا من قَدَّم الله، وأخَّروا من أخَّر الله، لما سألت فريضة قط"، فقيل: من الّذي قدمه الله ومن الّذي أخره، فقال: "من قدمه الله من فرض إلى فرض، وهم: الأم والأختين، ومن أخره الله من فرض إلى فرض إلى ما بقي: كالأخت والبنت"، فقيل له؛ هلا أشرت بذلك على عمر رضي الله عنه، فقال: "هبته، وكان رجلًا مهيبًا" (¬1). وروي عن الزهريّ أنّه قال: لولا أنّه تقدّم ابن عبّاس -رضي الله عنهما- إمام هدى -يعني عمر -رضي الله عنه - وأمضى هذا الحكم، ما اختلف عليه اثنان. وروي عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّه قال: "والذي أحصى رمل عالج عددًا، ما جعل الله في المال نصفين وثلثًا" (¬2). ودليل العول قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتِ السِّهَامُ، فَأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ" (¬3). فأمر بإلحاق الفرائض بأهلها، ولم يخص بعضهم عن بعض، فإن اتسع المال لهم، استوفى كلّ واحد ما فرض له، وإن ضاق عن ذلك دخل النقص على الجميع؛ لأنّهم أهل فرض، وليس أحدهم أولى من الآخر، فكان العول سبب ذلك. 1515 - مسألة: إذا خرج الجنين فتحرك أو عطس، ثمّ مات ولم يستهل؛ لم يرث ولا ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي: 6/ 253، وصححه الحاكم: 4/ 340، وقال: "على شرط مسلم". (¬2) أخرجه ابن منصور: 1/ 61، والبيهقي: 6/ 253. وعالج: رمال بين فيد والقريات، ينزلها بنو بحتر من طيء، وهي متصلة بالثعلبية على طريق مكّة، لا ماء بها. انظر: معجم البلدان: 4/ 70. (¬3) حديث صحيح متفق عليه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما؛ البخاريّ (6732)، مسلم (1615).

1516 - مسألة

يورث ولا يصلَّى عليه، ولو قتله قاتل لم يقتل به، وليست حركته وعطاسه دليلًا على حياته، إِلَّا أن يرضع أو يستهل. وقال قوم: حركته وعطاسه دليل على حياته، ويحكم له بأحكام الحي. 1516 - مسألة: [ولا يعال لأحد من الإخوة والأخوات، إِلَّا ما في الأكدرية (¬1) وحدها، وهي: زوج، وأم، وجد، وأخت لأب وأم. فاختلف الصّحابة -رضي الله عنهم- فيها اختلافًا شديدًا. ¬

_ (¬1) المسألة الأكدرية، قيل: سميت بذلك؛ لأنّها كدّرت على زيد بن ثابت رضي الله عنه أصوله؛ فإنّه لا يفرض للأخت مع الجد، ولا يعيل مسائل الجد مع الإخوة، وقيل: إن رجلًا يقال له أكدر سأل عنها فنسبت إليه، وقيل غير ذلك. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه: 348، المطلع: 300.

مسائل الوصايا

مسائل الوصايا 1517 - مسألة: الوصيَّة للأقربين جائزة غير واجبة، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وكافة أهل العلم. وقال الزهريّ وأبو مجلز (¬1) وأهل الظّاهر: هي واجبة لهم؛ الذين لا يرثون الميِّت؛ سواء كانوا عصبة أو ذا رحم إذا كان وارث غيرهم. 1518 - مسألة: إذا أوصى لرجل بمثل نصيب ابنه، وله ولد واحد فأجاز، أعطي الموصى له كلّ المال. وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة والثوري والنخعي والشعبي: له النّصف مع الإجازة. 1519 - مسألة: إذا قال: "أعطوه ضعف ما يصيب أحد ولدي"، فلست أعرف ما حكم هذه منصوصًا، غير أني وجدت لبعض شيوخنا: أنّه يعطى مثل نصيب أحد ولده مرّة واحدة، وإن قال: "ضعفين"، أعطي مثليه. ¬

_ (¬1) في الأصل: "مخلد"، والمثبت من (ط).

1520 - مسألة

وقال الشّافعيّ: يعطى بالضعف مثليه، وبالضعفين ثلاث مرات، [92/ب] وبه قال أبو حنيفة. قال القاضي: وهو أقوى في نفسي من جهة اللُّغة. 1520 - مسألة: إذا أجاز الورثة الزيادة على الثلث، أو الوصيَّة لوارث، كان تنفيذًا لفعل الميِّت، وليس ابتداء منهم، وبه قال أبو حنيفة. وللشافعي قولان: أحدهما مثلنا. والآخر: هو عطية من الورثة، لا تنفيذًا لما فعل الميِّت. 1521 - مسألة: لو أوصى لرجل بنصف ماله، ولاخر بثلثه، ولآخر بربعه، فأجاز الورثة، قسّم المال بينهم على ثلاثة عشر جزءًا، وإن لم يجز الورثة، قسّم الثلث بينهم على ثلاثة عشر أيضًا، وبه قال الحسن والنخعي وابن أبي ليلى والثوري. وقال أبو حنيفة: إذا أجاز الورثة مثل قولنا في الكل، وإن لم يجز الورثة ما زاد على الثلث، بطلت الزيادة عمن أوصى له بالزيادة على الثلث وهو صاحب النّصف، ورجع كأنّه أوصى له بالثلث، فيقسّم الثلث على أحد عشر سهمًا، لصاحب النّصف الثلث أربعة، ولصاحب الثلث الثلث أربعة، ولصاحب الربع ثلاثة، وذلك أحد عشر سهمًا، وهذا قول ابن مسعود - رضي الله عنه -، وشريح وطاووس والثوري وأحمد. وقال الحسن وعطاء وابن شهاب وربيعة: إن أجاز الورثة، فهو لازم لهم، لا رجوع لهم؛ كان ذلك في صحة أو مرض. قال القاضي: قد بلغني عن الحجازيين والمدنيين رواية، مثل قول الحسن والزهري وربيعة. والأظهر من قول مالك: التفرقة، وهو قول الأوزاعي وابن أبي ليلى.

1522 - مسألة

1522 - مسألة: الوصيَّة [عندنا] للوارث جائزة، وتقف على إجازة الورثة فتصح، وبه قال الفقهاء. [لقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "إِلَّا أَنْ يُجيزَ الوَرَثَة" (¬1) (¬2)]. وقال بعض النَّاس: لا تجوز بوجه وإن أجاز الورثة. 1523 - مسألة: إذا أوصى بأكثر من ثلثه، فأجاز الورثة، وهو مريض في حياته صح، ولم يكن لهم رجوع بعد موته، إذا لم يكونوا ممّا يخاف أن يوقع بينهم، إذا صح الضرر إن امتنعوا منه، فأمّا إذا أجازوا ذلك في صحته، فلهم الرجوع بعد موته. وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة: ليس لهم إجازة، ولهم الرجوع؛ سواء كان ذلك في صحة أو مرض. 1524 - مسألة: من أوصى لرجل ببعير أو بجمل من إبله، جاز أن يعطي أنثى، وكذلك إن أوصى ببدنة أو بقرة، جاز أن يعطي ذكرًا، والذكر والأنثى فيه سواء. قال القاضي: في قوله: "بقرة"، خلاف بين أصحابنا، قال ابن عبد الحكم في الإقرار بثور، إن قال: "أردت بقرة"، لم يقبل منه. ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن منصور في سننه: 1/ 149 مرسلًا عن عمرو بن دينار، والدارقطني في سننه: 5/ 171 عن ابن عبّاس رضي الله عنهما و5/ 173 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والبيهقي في الكبرى: 6/ 263 عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أيضًا. وقد انتقد المحدثون هذه الأسانيد. وقال الزيلعي عن رأي ابن القطان الفاسي: "وكان الحديث عنده حسن". انظر: نصب الراية: 4/ 404. (¬2) ورد هذا السَّطر في الأصل تحت السَّطر الأسفل، وهو متعارض معه، فقدمته هنا لملائمته له.

1525 - مسألة

وقال الشّافعيّ: لا يجوز في البعير إِلَّا الذكر، وفي البدنة والبقرة الأنثى، ولا يجوز الثور والجمل. 1525 - مسألة: إذا قال: "أعطوه حظًّا أو نصيبًا أو سهمًا من مالي"، ولم يضفه إلى أحد ولده أو ورثته، أعطي شيئًا ما يقع عليه اسم نصيب أو سهم، هذا منصوص لنا وللشافعي. وقال بعض أصحابنا: لا فرق بين قوله: [سهمًا]، أو نصيبًا"، وقوله: "مثل نصيب أحد ورثتي". فليس الأمر كذلك. وأبو حنيفة يوافق في حظ وشيء، ويخالف في نصيب وسهم، وقال: لا يزاد على السدس. وقال أبو يوسف ومحمد: يعطى مثل أقل سهام ورثته. 1526 - مسألة: إذا أوصى بإخراج ثلثه في الرقاب، ابتدئ بعتق مماليكه [في قول مالك]؛ كالزكاة سواء. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: يصرف في المكاتبين. 1527 - مسألة: إذا مات الموصي، فأمر الوصيَّة مراعى إلى أن يقبلها الموصى له أو يردّ، وأظنه قول أبي حنيفة. وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: إن للموصى له ملكها بالقول، فعلى هذا يكون له ملك الوصيَّة بعد [93/أ]، الموت، وقبل القبول. والثّاني: مراعى كقولنا. والثّالث: إنّه تدخل في ملك الوصي بموت الموصي، من غير قبول. حكى هذا عنه ابن عبد الحكم.

1528 - مسألة

1528 - مسألة: إذا وصى بعبده أو داره أو ثوبه أو شيء بعينه لرجل، ثمّ أوصى به لآخر ولم يبين رجوعًا عن الأوّل، كان بينهما نصفين [هذا قولنا]، وبه قال الشّافعيّ وأبو حنيفة وربيعة وغيرهم. وقال طاووس وعطاء والحسن: إن ذلك رجوع وهو للثاني. وقال داود: هو للأول خاصّة، واحتج بأن الشك في نقل الوصيَّة للثاني، ولا شك في الأوّل هل رجع عنه أم لا؛ والتمسك باليقين واجب، وهو كالبيع والنِّكاح أنّه للأول، ولما احتمل أن يكون فسخ الأولى، أو اشترك فيها، كان حمل ذلك على الشركة أولى. 1529 - مسألة: إذا مات الموصى له بعد موت الموصي، وقبل القبول والرد، قام ورثته مقامه، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: ليس لورثته ذلك، كالخيار عنده لا يورث. 1530 - مسألة: العتق البَتْل (¬1) والبذل والهِبَة، وسائر العطايا المنجزة في المرض المخيف إذا مات فيه، معتبرة من الثلث، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ وغيرهما. وقال مجاهد: هي منجزة من رأس المال، وبه قال داود. 1531 - مسألة: الحامل إذا بلغت ستة أشهر، لم يجز قضاؤها في أكثر من ثلثها، وكذلك الزاحف في الصف الأوّل للقتال، والمحبوس للقتل، وقال به ¬

_ (¬1) العتق البَتْل: العتق المنجز الذكره لا رجعة فيه. انظر: تسهيل منح الجليل: 4/ 425.

1532 - مسألة

أبو حنيفة في الحامل إذا ثقلت، والشّافعيّ إذا ضربها الطلق، وقبل ذلك هي متصرفة في جميع مالها. وقال في الزاحف: إذا كان المسلمون أقل عددًا، فالوصية على قولين: من رأس المال، أو الثلث. 1532 - مسألة: إذا أوصى لعبده ومكاتبه صحت وصيته، فأمّا عبد غيره فيجوز إن أذن سيده. ووافقنا أبو حنيفة في عبد نفسه، لا في عبد غيره، وبه قال الأوزاعي في عبد غيره وإن أجاز سيده. وقال أبو حنيفة: إن أوصى لعبده وورثته صغار صح، وإن كان فيهم كبار لم يصح. ومنع الشّافعيّ الوصيَّة للعبد بكل حال، واعتبر قبول الشّهادة في الوصي. 1533 - مسألة: إذا كان للموصي أب أو جد وورثته صغار، صح أن يوصي إلى أجنبي بالنظر في أمر أولاده الأصاغر، وقضاء ديونه، وإخراج ثلثه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشّافعيّ: لا تجوز وصيته لأجنبي بالنظر في أمر أولاده مع أبيه وجده، إذا كانا من أهل العدالة. 1534 - مسألة: إذا أوصى إلى عدل ثمّ فسق نزعت الوصيَّة منه، كما إذا ابتدأ بالوصية إليه، وبه قال الشّافعيّ. وحكي عن أبي حنيفة: أنّه يضم إليه آخر عدل وتثبت.

1535 - مسألة

1535 - مسألة: للوصي أن يوصي إلى غيره بما أوصي إليه به، وإن لم يجعل له الموصي ذلك، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان. ومنع منه الأوزاعي والشّافعيّ وغيرهما. 1536 - مسألة: إذا كان الوصي عدلًا لم يحتج إلى حكم الحاكم في تنفيذ الوصيَّة، وجميع تصرفه صحيح، وبه قال الشّافعيّ. وقال العراقي: إن لم يحكم له الحاكم، فجميع ما باعه واشتراه مردود، وقوله فيما أنفقه على الورثة مقبول قوله فيه. 1537 - مسألة: إذا بلغ اليتيم، فادعى الوصي أنّه دفع المال إليه، لم يقبل قوله إِلَّا ببينة، وبه قال [93/ب] الشّافعيّ. وقال العراقي: يقبل قوله في تلف المال؛ لأنّه أمين، وكذلك ما يدعيه من الإنفاق فكذلك هاهنا. 1538 - مسألة: إذا قال: "وصيتي إلى فلان"، وأطلق، أو"قد وصيت لفلان" أو"أنت وصي"، فهي وصية في كلّ شيء؛ من قضاء ديونه وإنفاذ وصاياه، وتزويج بناته، وهي وصية صحيحة. فأمّا إن قال: "أنت وصيي في قضاء ديني"، أو"وصيي في تزويج بناتي" وعين له ذلك، غير أنّه لم يقل له: "ولست وصيي في غير ذلك"، فقد اختلفت الرِّواية عن مالك: فروى عنه ابن عبد الحكم: يكون وصيًّا في كلّ شيء، كما لو أطلق الوصيَّة.

1539 - مسألة

وذكر أبو زيد (¬1) عن ابن القاسم عن مالك أنّه قال: لا يكون وصيًّا إِلَّا فيما عينه. ووافقنا أبو حنيفة فيما إذا أطلق. وقال الشّافعيّ: إذا قال: "أنت وصيي مطلقًا"، لا تصح الوصيَّة، وإن عين له في شيء، فهو وصية في المعين. 1539 - مسألة: إذا أوصى لقرابته، لم يدخل معهم ولد البنات، وكذلك لو أوصى لعقبه، فليس ولد البنات بعقب له، ويعطى الأقرب فالأقرب، وقوله: "لعقبي وقرابتي"، عند مالك كقوله: "لولدي وولد ولدي"، ويدخل ولد البنين. وقال أبو حنيفة: يدخل في قرابته وذوي رحمه، كلّ ذي رحم محرم، ولا يعطى ابن العم ولا ابن الخال؛ لأنّه ليس بمحرم. وقال الشّافعيّ: إذا قال: "لقرابتي وذوي رحمي"، أعطي لكل من يقرب منه، من قبل أبيه وأمه وأقربهم وأبعدهم وأغناهم وأفقرهم سواء؛ لأنّهم أعطوا باسم القرابة، كما أعطي من شهد القتال باسم الحضور. وقال القاضي: وينبغي أن يفصل على مذهبنا بين القرابة، وبين العقب والولد وذوي الرّحم، فيكون قوله: "لذوي رحمي"، يدخل فيه كلّ من له عصبة وله رحم، لكن على وجه الاجتهاد للفقراء دون الأغنياء، والقرابة تختص بمن يرجع إليه بنسب، والنسب يرجع إلى الآباء، ألَّا ترى أن أقارب النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7]، اختص بذلك بنو أعمامه، ومن يرجع نسبه إليه، بدلالة أنّه يعطى سهم القرابة بنو أعمامه، دون أخواله؛ لأنّه ذو رحم، وكذلك أولاد البنت؛ لأنّهم لا ينسبون ¬

_ (¬1) هو: أبو زيد عبد الرّحمن بن أبي الغمر المصري المالكي: الفقيه المحدث العالم، رأى مالكًا ولم يأخذ عنه شيئًا، وروى عن ابن القاسم وأكثر عنه وابن وهب وغيرهم، من مؤلفاته: مختصر الأسدية، وسماع من ابن القاسم. توفي: 234 هـ. انظر: الديباج: 148، شجرة النور: 1/ 99.

إليه في النسب، ولا يلتقون معه في الأب، وكذلك العقب إذا قال: "هذا لعقبي"، أو"لعقبك"، فإن العقب من جاء على إثر غيره، وأولاد البنات جاءوا على إثر غيره، وعقب غيره ليس منه، كما قال الشاعر، في مثل هذا المعنى: بنون ابن وأبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد (¬1) وهذا إخبار عن حقيقة الاسم. واحتج من خالفنا بقوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84] إلى قوله: {وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ} [الأنعام: 85] فجعل عيسى من ذريته، وإنّما وابن ابنته. وقوله: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61]، ومعلوم أنّه لا ابن لرسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت، غير أن ابني بنته: الحسن والحسين - رضي الله عنهما -، وهما ممّن دعي في المباهلة، فدخلا فيمن سمى الله أبناء، كما دخل عيسى - صلّى الله عليه وسلم - فيمن سمى الله تعالى ذرية. وجوابنا: أن الّذي استدلوا به مجاز لا حقيقة؛ لأنا لا نمنع من أن تقع التّسمية تارة على المجاز وتارة على الحقيقة، ألَّا ترى أنّه - صلّى الله عليه وسلم - قال في العباس -رضي الله عنه -: "اُترُكُوا لي أَبي إِسْحَاقَ" (¬2)، وهو مجاز، ولا حجة لهم فيه؛ لأنّ ذلك الخطّاب إنّما توجه إلى ولد الصلب، والنبي - صلّى الله عليه وسلم - كان له من صلبه: بنون وبنات، ويجوز أن يكون نزلت هذه الآية، حين كان له البنون والبنات. وإن ثبت أن الحسن [94/أ] والحسين -رضي الله عنهما- دعيا إلى المباهلة فصحيح لما أريد بالآية: جماعتنا وجماعتكم. ¬

_ (¬1) قاله أبو فراس همام بن غالب التميمي البصري، المعروف بالفرزدق: الشاعر الكبير المشهور. توفي: 110هـ. انظر: ديوانه: 1/ 217، خزانة الأدب: 1/ 223 - 224. (¬2) لم أجد هذا القول في المصادر المطبوعة المتاحة لي.

1540 - مسألة

وقال القاضي أبو الحسن علي بن عمر -رضي الله عنه -: وبعض أصحابنا يدخل ولد البنات في الوصيَّة لقرابته وعقبه. 1540 - مسألة: إذا أوصى إلى رجلين، فإن كان أوصى إليهما أو إلى أحدهما، فلا خلاف أن لكل واحد منهما أن ينظر على الاجتماع والانفراد، وإن قال: "أوصيت لكما ولا تنفردا"، فإن اجتمعا فلا خلاف، وإن انفردا لم يصح، وإن أطلق، فقال: "أوصيت إليكما"، ولم يزد على هذا صح، وحكمه عندنا كحكمه لو قال: "ولا تنفردا". وقال الشّافعيّ مثل قولنا. وقال أبو يوسف: لكل واحد منهما أن يتصرف؛ اجتمعا أو انفردا. وقال أبو حنيفة ومحمد: القياس يقتضي أن لا ينفرد أحدهما بالتصرف، ولكنا نستحسن جواز تصرف كلّ واحد منهما دون صاحبه في ستة أشياء، دون ما عداها، وهي: الكفن، ورد الودائع، وتنفيذ الوصايا، والإنفاق على الأيتام، والكسوة لهم، وقضاء الديون. وذهب مالك: إلى أن هذا قد أطلق، فلا ينفرد أحدهما دون الآخر بشيء؛ لأنّهما وصيان يتصرفان في مال الغير، فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد بشراء كفن، ولا غيره دون صاحبه، كما لو وكلهما على بيع شيء. 1541 - مسألة: إذا وصى مسلم لحربي بمال، فعندي: أن الوصيَّة لهم مكروهة. وقال أبو حنيفة: لا تجوز أصلًا. وقال الشّافعيّ: هي جائزة. 1542 - مسألة: إذا أوصى لميت بمال، وهو يعلم أنّه ميت، فإن الوصيَّة صحيحة [عندنا]، فإن كان على الميِّت دين صرفت فيه، وكذلك إن كانت عليه

1543 - مسألة

كفارات، أو زكوات واجبة، فإن لم يكن عليه شيء، فهو لورثته. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: الوصيَّة باطلة لا تجوز. 1543 - مسألة: إذا أوصى بجميع ماله، وهو مريض ولا وارث له ولا مولى، صحت الوصيَّة في ثلثه، والثلثان لبيت المال، وبه قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة: تصح الوصيَّة في جميع المال، والموصى له أحق بالثلثين من بيت المال. 1544 - مسألة: إذا أوصى بمائة درهم ناضة حاضرة، أو بعبد، أو بشيء بعينه حاضرة، وهو دون الثلث، وباقي أمواله غائب أو عقار أو دين، ففسخ ذلك الورثة، وقالوا: لا نعطي الموصى له، إِلَّا ثلث ذلك الموصى به؛ كان عينًا أو عقارًا أو دينًا أو عبدًا، فإذا بعنا البقية، واقتضينا الديون أو وصل إلينا باقي ماله، دفعنا إليه ما أوصي له به فالخيار للورثة؛ بين أن يدفعوا له ما أوصي له به، ويكون الباقي لهم كله، وبين أن يدفعوا إليه ثلث ذلك الشيء الموصى به، ويكون شريكًا لهم بباقي ثلث الميِّت كله. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: له ثلث ذلك الشيء، ويكون بباقيه شريكًا في جميع ما خلفه الميِّت، حتّى يستوفي قيمة ذلك الشيء، لا يزاد عليه ما بلغ. 1545 - مسألة: وصية غير البالغ إذا كان يعقل ما يوصي به جائزة، وكذلك الكبير السفيه المحجور عليه إذا عقل الوصيَّة. واختلف قول الشّافعيّ فقال مثل قولنا. وقال أيضًا: لا تجوز، وبه قال أبو حنيفة.

1546 - مسألة

1546 - مسألة: إذا قبل الموصى له الوصيَّة في حياة الموصي، لم يكن له رجوع بعد موته، وبه قال أبو حنيفة. وقال أيضًا: ليس له رجوع في حال حياة الموصي، إِلَّا أن يكون حاضرًا، فإن كان غائبًا لم يكن له ذلك. وقال الشّافعيّ: له الرجوع على كلّ وجه. 1547 - مسألة: لو أوصى بثلث شيء بعينه لرجل، فاستحق ثلثاه وبقي ثلثه، فله الثلث الباقي إذا كان [94/ب] يخرج من ثلث الميِّت، وبه قال أبو حنيفة والشّافعيّ. وقال أبو ثور: يكون للموصى له ثلث الثلث الباقي، وذلك تسع، وكذلك الشيء الموصى به. 1548 - مسألة: إذا أوصى بجميع ماله لرجل وثلثه لآخر، وأجاز الورثة ذلك، قسم المال على أربعة أسهم؛ للموصى له بالكل ثلاثة أسهم، وللموصى له بالثلث سهم، وبه قال الشّافعيّ. وعن أبي حنيفة روايتان، وروى عنه أبو يوسف ومحمد: مثل قولنا وقول الشّافعيّ. وروى عنه اللؤلؤي: أن المال يقسم على ستة أسهم؛ فلصاحب الثلث السدس، ولصاحب الكل خمسة أسهم، قال: لأنّ الموصي لرجل بجميع ماله، قد أوصى له بالثلثين منفردًا عن غيره ممّن يزاحمه، فإذا أوصى لآخر بثلث، فقد وقفت المزاحمة في الثلث، فصار نصفه لصاحب الثلث، وهو سدس ونصفه لصاحب الكل، فصح له خمسة أسداس.

1549 - مسألة

1549 - مسألة: إذا أوصى الموصى لرجل بأبيه أو بابنه، فالموصى له بالخيار بين أن يقبل الوصيَّة، فيعتق عليه أبوه أوابنه، وبين أن لا يقبل، وهو قول الفقهاء كافة. ومن النَّاس من قال: تلزمه هذه الوصيَّة، قال: لأنّ قبوله لها تخليص لأبيه أو ابنه من الملك، وهذا من أفضل بر الوالدين، وفي تركه قبولها ضرر بأبيه أو بابنه، فوجب إلزامه قبولها. 1550 - مسألة: إذا قبل الوصيَّة بأبيه أو بابنه وهو مريض، فعتق عليه أبوه، ثمّ مات الابن، فإنّه يرثه عندنا. وقال الشّافعيّ: لا يرثه. 1551 - مسألة: إذا أوصى لرجل برأس من رقيق، أو بجمل من إبله، فإن كان رقيقه عشرة، أعطيناه عشرهم بالقيمة، وكذلك الإبل. وقال الشّافعيّ: يعطيه الورثة ما يقع عليه اسم رأس معينًا؛ صغيرًا كان أو كبيرًا. ودليل مالك: أنّه إذا أوصى برقبته، فالعدل أن يقضي له بوسط؛ لا رفيعة ولا دنيئة، ولا يتأتى الوصول إلى ذلك، إِلَّا بالقيمة، فإذا قومت الرؤوس، وأعطي عشرها، كان عدلًا بين الموصى له والورثة. هذه آخر مسألة في كتاب عيون المجالس، وقد جردتها في هذا الجزء؛ ليقرب حفظها ويسهل طلبها لمن التمس مسألة منه بعينها، ولمن أراد حفظ المذهب فقط، فإن طلب الحجة على المسألة، فليرجع إلى الأصل، وقد نقلت لفظ القاضي - رحمه الله - حرفًا حرفًا، إِلَّا في بعض المسائل، اختصرت نقلها بعض الاختصار، وقدمت بعضًا وأخّرت بعضا،

من غير إخلال بالمعنى وهو قليل، وقد تركت فصولًا لم نعدها مسائل، لدخولها في المسائل، وسميت فصولًا مسائل لوقوع الاختلاف فيها، وعددها ألف مسألة وأربعمائة وأربعون مسألة (¬1)، والله أعلم. إن تجد عيبًا فسد الخللا ... جلَّ من لا عيب فيه وعلا كان الفراغ من كتابته يوم الأربعاء ثالث عشر رمضان المبارك، سنة تسعة وخمسين وتسعمائة. كتبه العبد الفقير أحمد المؤذن ¬

_ (¬1) عددها في هذا الكتاب: ألف مسألة وخمسمائة وإحدى وخمسون مسألة. والله أعلم.

ثبت المصادر والمراجع

ثبت المصادر والمراجع - أ- 1 - الاستذكار الجامع لمذاهب الفقهاء: لأبي عمر يوسف بن عبد البرّ الأندلسي، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، ط 1: 1993، دار قتيبة /دار الوعي. 2 - الأشراف على نكت مسائل الخلاف: للقاضي عبد الوهّاب المالكي: ط 1: 1420 هـ، دار ابن حزم، بيروت. 3 - اصطلاح المذهب عند المالكية: للدكتور محمَّد إبراهيم أحمد علي، ط1: 2000، دار البحوث للدراسات الإِسلامية، حكومة دبي. 4 - الأعلام: خير الدين زركلي، ط 5: 1980، دار العلم للملايين: بيروت. 5 - الأم؛ لأبي عبد الله محمَّد بن إدريس الشّافعيّ، تحقيق: د. رفعت فوزي عبد المطلب، ط 1: 2001، دار الوفاء. 6 - أنوار البروق في أنواء الفروق: لأبي العباس أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: أ. د. محمَّد أحمد سراج، أ. د. علي جمعة محمَّد، ط 1: 2001، دار السّلام. 7 - أنيس الفقهاء: لقاسم بن عبد الله القونوي، تحقيق: د. أحمد بن عبد الرزّاق الكبيسي، ط 1: 1406، دار الوفاء. 8 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: لأبي بكر محمَّد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق: د. أبو حمّاد صغير أحمد بن محمَّد حنيف، ط 1: 1985، دار طيبة. - ب- 9 - بدائع الصنائع: لعلّاء الدين أبي بكر ابن مسعود بن أحمد الكاساني، ط 2: 1402، دار الكتاب العربي.

-ت-

10 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: لأبي الوليد محمَّد بن رشد الحفيد القرطبي، ط 6: 1982، دار المعرفة - بيروت. 11 - البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير: لأبي حفص عمر بن علي بن الملقّن، تحقيق: مصطفى أبو الغيط وعبد الله بن سليمان وياسر بن كمال، طـ 1: 2004، دار هجر. 12 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام: لأحمد بن علي بن حجر، تحقيق: خليل مأمون شيحا، ط 1: 1994، دار المعرفة. 13 - البيان والتحصيل: لأبي الوليد محمَّد بن رشد الجد القرطبي، تحقيق: جماعة من الأساتذة، ط 2: 1408 هـ، دار الغرب الإسلامي. - ت- 14 - تاج التراجم في طبقات الحنفية: لأبي العدل قاسم بن قطلوبغا، ط: 1962، مكتبة المثنى - بغداد. 15 - تاج العروس من جواهر القاموس: للسيد محمَّد مرتضى الزبيدي، تحقيق: علي الهلالي، ط 2: 1987 المجلس السيوطيّ للثقافة والفنون والآداب، الكويت. 16 - تاريخ الإسلام ووفيات مشاهير الأعلام: لشمس الدين محمَّد بن أحمد الذهبي، تحقيق: عمر عبد السّلام تدمري، ط 2: 1990، دار الكتاب العربي. 17 - تاريخ بغداد: لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية - بيروت. 18 - تاريخ قضاة الأندلس أو المرقبة العلّيا فيمن يستحق القضاء والفتيا: لأبي الحسن بن عبد الله النباهي، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، ط 5: 1983، دار الآفاق الجديدة بيروت. 19 - تاريخ مدينة دمشق: لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله (ابن عساكر)، تحقيق: عمر بن غرامة العمروي، ط: 1995، دار الفكر. 20 - تحرير ألفاظ التنبيه: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق: عبد الغني الدقر، ط 1: 1408، دار القلم. 21 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: للقاضي عياض بن موسى السبتي، تحقيق: د. أحمد بكير محمود، دار مكتبة الحياة، بيروت. 22 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك؛ للقاضي عياض بن موسى السبتي، تحقيق مجموعة من الباحثين، وزارة الأوقاف المغربية، 1983.

-ج-

23 - التعريفات: للشريف علي بن محمَّد الجرجاني، تحقيق: د. إبراهيم الأبياري، ط 1: 1405، دار الكتاب العربي. 24 - التفريع: لأبي القاسم عبيد الله بن الحسين بن الجلّاب البصري، تحقيق: د. حسين بن سالم الدهماني، ط 1: 1987، دار الغرب الإسلامي. 25 - تقريب التهذيب: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت. 26 - تلخيص الحبير: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: السَّيِّد عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة، 1964. 27 - التمهيد لما في الموطَّأ من المعاني والمسانيد: لأبي عمر يوسف بن عبد البرّ النمري، تحقيق؛ مصطفى العلّوي، محمَّد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإِسلامية، المغرب: 1378. 28 - تهذيب التهذيب: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ط 1؛ 1984، دار الفكر - بيروت. - ج- 29 - جامع الأمهات: لجمال الدين بن عمرو بن الحاجب، تحقيق: الأخضر الأخضري، ط 2: 1421، دار اليمامة - دمشق. 30 - الجواهر المضبة في طبقات الحنفية: لأبي محمَّد عبد القادر ابن أبي الوفاء القرشي، تحقيق: د. عبد الفتاح محمَّد الحلو، ط 2: 1993، دار هجر. - ح- 31 - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: لعلّي الصعيدي، تحقيق: أحمد حمدي إمام، ط 1: 1987، مكتبة الخانجي. 32 - الحاوي الكبير في شرح مختصر المزني: لأبي الحسن علي بن محمَّد الماوردي، تحقيق: علي معوّض وعادل عبد الموجود، ط 1: 1994، دار الكتب العلمية. 33 - حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة: لجلال الدين عبد الرّحمن السيوطيّ، تحقيق: محمَّد أبو الفضل إبراهيم، ط1: 1987، دار إحياء الكتب العربيّة.

-خ-

- خ- 34 - خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب: لعبد القادر بن عمر البغدادي، ط 1، دار صادر - بيروت. 35 - خلاصة البدر المنير: لأبي حفص عمر بن علي بن الملقّن، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ط 1: 1410، مكتبة الرشد. - د- 36 - الدرايه في تخريج أحاديث الهداية: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: السَّيِّد عبد الله هاشم اليماني، دار المعرفة - بيروت. 37 - الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب: للقاضي برهان الدين بن فرحون، دار الكتب العلمية. - ذ- 38 - الذّخيرة في محاسن أهل الجزيرة: لأبي الحسن علي بن بسام الشنتريني، تحقيق: إحسان عبّاس، ط 1، الدَّار العربيّة للكتاب- ليبيا تونس. 39 - الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة: لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي المراكشي، تحقيق: إحسان عبّاس، ط 1: 1965، دار الثقافة - بيروت. - ر- 40 - روضة الطالبين وعمدة المفتين: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، ط 2: 1405، المكتب الإِسلامي - بيروت. - ز- 41 - الزاهر: لأبي منصور محمَّد بن أحمد الأزهري، تحقيق: د. محمَّد جبر الألفي، ط 1: 1399، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت. - س- 34 - سنن ابن ماجه: لأبي عبد الله محمَّد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمَّد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر: بيروت.

-ش-

43 - سنن ابن منصور: لأبي عثمان سعيد بن منصور، تحقيق: حبيب الرّحمن الأعظمي، ط 1: 1982، الدَّار السلفية - الهند. 44 - سنن أبي داود: لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، مراجعة: محمَّد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر. 45 - سنن التّرمذيّ: لأبي عيسى محمَّد بن عيسى التّرمذيّ، تحقيق: د. بشار عوّاد معروف، ط 1: 1996، دار الغرب الإسلامي. 46 - السنن الكبرى للنسائي: لأبي عبد الرّحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، سيد كسروي حسن، ط 1: 1411، دار الكتب العلمية. 47 - السنن الكبرى: لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، تحقيق: السَّيِّد عبد الله هاشم يماني المدني، ط: 1386 - 1966، دار المعرفة: بيروت. 48 - السنن الكبرى: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: محمَّد عبد القادر عطا، ط: 1414، مكتبة دار الباز - مكّة المكرمة. 49 - سنن النسائي (المجتبى): لأبي عبد الرّحمن أحمد بن شعيب النسائي، ترقيم الشّيخ عبد الفتاح أبي غدة. 50 - السير: لمحمد بن الحسن الشيباني، تحقيق: مجيد خدوري، ط 1: 1975، الدَّار المتحدة للنشر - بيروت. 51 - سير الأعلام النُّبَلاء: لشمس الدين الذهبي، تحقيق؛ شعيب الأرناؤوط، نعيم عرقسوسي: ط 9: مؤسسة الرسالة: بيروت 1413. - ش- 52 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: لمحمد بن محمَّد بن عمر بن مخلوف، ط 1: 2004، الكتب العلمية. 53 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لأبي الفتح عبد الحي بن العماد الحنبلي، ط: دار الكتب العلمية. 54 - شرح النووي لصحيح مسلم: لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، ط 2: 1392، دار إحياء التراث العربي: بيروت. 55 - شرح صحيح البخاريّ لابن بطّال: لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (ابن بطّال)، ضبط وتعليق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد.

-ص-

- ص- 56 - صحيح ابن حبّان: لأبي حاتم محمَّد بن حبّان التميمي البستي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط 2: 1993، مؤسسة الرسالة. 57 - صحيح ابن خزيمة: لأبي بكر محمَّد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق: حبيب الرّحمن الأعظمي: 1970، المكتب الإسلامي. 58 - صحيح البخاريّ: لأبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريّ، تحقيق: محمَّد فؤاد عبد الباقي، ترقيم: فتح الباري، دار إحياء التراث العربي. 59 - صحيح مسلم: لأبي الحسن مسلم بن الحجاج، مراجعة: محمَّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، 1374 هـ. - ط- 60 - طبقات الحنابلة: لأبي الحسين محمَّد ابن أبي يعلى، تحقيق: محمَّد حامد الفقي، دار المعرفة - بيروت. 61 - الطبقات السنية في تراجم الحنفية: لتقي الدين بن عبد القادر التميمي الغزي، تحقيق: د. عبد الفتاح محمَّد الحلو، ط 1: 1989، دار هجر. 62 - طبقات الشّافعيّة: لأبي بكر ابن قاضي شهبة، تحقيق: د. الحافظ عبد العلّيم خان، ط 1: 1407، عالم الكتب. 63 - طبقات الشّافعيّة: لجمال الدين عبد الرحيم الأسنوي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ط 1: 1987، دار الكتب العلمية. 64 - طبقات الشّافعيّة الكبرى: لتاج الدين عبد الوهّاب بن السبكي، تحقيق: محمود محمَّد الطناحي وعبد الفتاح محمَّد الحلو، ط 1: 1992، مطبعة عيسى بأبي الحلبي وشركاه. 65 - طبقات الفقهاء: لأبي إسحاق الشيرازي، تحقيق: إحسان عبّاس، ط 1: 1970، دار الرائد العربي - بيروت. 66 - طبقاث علماء إفريقية: لمحمد بن الحارث الخشني، دار الكتاب اللبناني. 67 - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية: لنجم الدين عمر بن أحمد النسفي، تحقيق: الشّيخ خالد عبد الرّحمن العك، ط 1: 1996، دار النّفائس - بيروت.

-ع-

- ع- 68 - عيون الأدلة (الطّهارة): لأبي الحسن علي بن عمر بن القصّار، تحقيق عبد الحميد السعودي، جامعة الإمام محمَّد بن سعود، 2006. 69 - عيون المجالس: اختصار القاضي عبد الوهّاب بن نصر البغدادي، تحقيق: امباي بن كيبا كاه، ط 1: 1421، مكتبة الرشد: الرياض. - غ- 70 - الغنية في شيوخ القاضي عياض: للقاضي عياض بن موسى السبتي، تحقيق: ماهر زهير جرار، ط 1: 1982، دار الغرب الإِسلامي. - ف- 71 - فتح الباري شرح صحيح البخاريّ: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب، محمَّد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت. 72 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإِسلامي: لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، مطبعة البلدية بفاس، ربيع 1345. 73 - الفهرست: لأبي الفرج محمَّد بن إسحاق النديم، ط: 1987، دار المعرفة - بيروت. 74 - فهرسة ابن خير: لأبي بكر محمَّد بن خير الإشبيلي، وضع حواشيه: محمَّد فؤاد منصور، طـ 1: 1998، دار الكتب العلمية. - ق- 75 - القواعد: لأبي عبد الله محمَّد بن محمَّد المقري، تحقيق: أحمد بن حميد، مطبوعات مركز إحياء التراث الإِسلامي، جامعة أم القرى. - ك- 76 - الكامل في التاريخ: لعز الدين ابن الأثير الجزري، تحقيق: أبي الفداء عبد الله القاضي، طـ 2: 1995، دار الكتب العلمية. 77 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: علاء الدين المتقي الهندي، مكتبة التراث الإسلامي.

-ل-

- ل- 78 - لسان العرب: لمحمد بن منظور الإفريقي؛ مطبعة دار صادر، بيروت. 79 - لسان الميزان: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ط 3: 1986، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. - م- 80 - المبسوط: لأبي بكر محمَّد بن أحمد ابن أبي سهل السرخسي، ط 2، دار المعرفة - بيروت. 81 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لنور الدين علي ابن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: عبد الله محمَّد الدرويش، ط 1: 1994، دار الفكر. 82 - المجموع في شرح المهذب: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق: محمَّد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد - جدة. 83 - المحلى بالآثار: لأبي محمَّد علي بن حزم، دار الآفاق الجديدة، بيروت. 84 - مختصر اختلاف العلماء: لأبي بكر الجصاص، تحقيق: د. عبد الله نذير أحمد، ط 2: 1417، دار البشائر الإسلامية. 85 - المدوّنة: رواية سحنون، دار صادر، مصورة عن نسخة مطبعة السعادة. 86 - المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي، إشراف: د. يوسف عبد الرّحمن المرعشلي، دار المعرفة - بيروت. 87 - مسند الإمام أحمد بن حنبل (الموسوعة الحديثية): تحقيق: مجموعة من الباحثين (شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد)، ط 1: 1995، مؤسسة الرسالة. 88 - مسند الحميدي: لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي، تحقيق: حبيب الرّحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية ومكتبة المتنبي. 89 - مصباح الزجاجة على زوائد ابن ماجه: لأحمد ابن أبي بكر الكناني (البوصيري)، تحقيق: محمَّد منتقى الكشناوي، ط 2: 1403، دار العربيّة. 90 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: لأحمد بن محمَّد بن علي الفيومي، المكتبة العلمية. 91 - المصنِّف: لأبي بكر عبد الرزّاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرّحمن الأعظمي، ط 2: 1453، المكتب الإسلامي.

92 - المصنِّف: لأبي بكر عبد الله بن محمَّد ابن أبي شيبة الكوفي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، طـ1: 1409، مكتبة الرشد. 93 - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تنسيق: د. سعد بن ناصر المشتري، ط 1: 1998، دار العاصمة ودار الغيث. 94 - المطلع على أبواب المقنع: لأبي عبد الله محمَّد ابن أبي الفتح البعلي، تحقيق: محمَّد بشير الأدلبي، المكتب الإِسلامي: بيروت: 1401 - 1981. 95 - المعجم الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن الحسيني، ط: 1995، دار الحرمين - القاهرة. 96 - معجم البلدان: لأبي عبد الله ياقوت الحموي، دار الفكر - بيروت. 97 - المعجم الكبير: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، ط 2: 1404، مكتبة العلوم والحكم- الموصل. 98 - معجم المؤلِّفين: عمر رضا كحالة: بيروت، دار إحياء التراث العربي. 99 - معجم لغة الفقهاء: د. محمَّد قلعجي ود. حامد صادق، ط 2: 1408، دار النفاش- بيروت. 100 - المعونة على مذهب عالم المدينة: للقاضي عبد الوهّاب البغدادي، تحقيق: عبد الحق حميش. 101 - المغني شرح متن الخرقي: لابن قدامة المقدسي، تحقيق: د. عبد المحسن التركي ود. عبد الفتاح الحلو، ط 3: 1997، دار عالم الكتب - الرياض. 102 - المقدِّمة في الأصول: لأبي الحسن علي بن عمر بن القصّار، تحقيق: محمَّد حسين السليماني، ط 1: 1996، دار الغرب الإسلامي. 103 - المقفى الكبير: لتقي الدين المقريزي، تحقيق: محمَّد البعلاوي، ط 1: 1411، دار الغرب الإسلامي. 104 - المكاييل والموازين الشرعية: أ. د. علي جمعة محمَّد، ط 2: 1421، دار القدس: مصر. 105 - المنتقى في شرح الموطَّأ: لأبي الوليد الباجي، ط 1: 1331 صـ، مطبعة دار السعادة. 106 - منح الجليل في شرح مختصر خليل: لأبي عبد الله محمَّد بن أحمد، المعروف بالشيخ عليش، مع حاشيته: تسهيل منح الجليل، دار صادر. 107 - منهج كتابة الفقه المالكي بين التجريد والتدليل: للدكتور بدوي عبد الصمد الطّاهر، من الّذي مجلة الأحمدية، العدد: 2. جمادى 1419. دار البحوث للدراسات الإِسلامية.

-ن-

108 - المهذب: لأبي إسحاق الشيرازي، دار الفكر - بيروت. 109 - الموافقات في أصول الشّريعة: لأبي إسحاق الشاطبي، تحقيق: عبد الله دراز، دار المعرفة بيروت. 110 - مواهب الجليل شرح مختصر خليل: لأبي عبد الله محمَّد بن محمَّد بن عبد الرّحمن المعروف بالحطاب، ط 2: 1398، طبعة دار الفكر. 111 - الموضوعات: لأبي الفرج عبد الرّحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق: عبد الرّحمن محمَّد عثمان، ط 1: 1966، مكتبة ابن تيمية، القاهرة. 112 - الموطَّأ: للإمام مالك بن أنس، برواية يحيى بن يحيى الليثي، تحقيق: د. بشار عوّاد معروف، ط 2: 1997، دار الغرب الإسلامىِ. - ن- 113 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: لجمال الدين يوسف بن تغري بردي الأتابكي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف. 114 - نصب الراية لأحاديث الهداية: لأبي محمَّد عبد الله بن يوسف الزيلعي، تحقيق المجلس العلّمي، ط 1: 1357. 115 - النكت والفروق على مسائل المدوّنة (جزء العبادات): لأبي محمَّد عبد الخق الصقلي، رسالة دكتوراه تقدّم بها: أحمد بن إبراهيم بن عبد الله الحبيب، جامعة أم القرى، 1996. - هـ- 116 - الهداية الكافية الشافية (شرح حدود ابن عرفة): لأبي عبد الله محمَّد الرّصاع، تحقيق: محمَّد أبو الأجفان والطاهر المعموري، ط 1: 1993، دار الغرب الإِسلامي. - و- 117 - الوافي بالوفيات: لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق: أحمد الأرناؤوط، ط 1: 2000، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 118 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان: لأبي العباس أحمد بن خلكان، تحقيق: إحسان عبّاس، ط 1: دار صادر - بيروت. 119 - الوفيات: لأبي العباس أحمد بن قنفذ القسنطيني، تحقيق: عادل نويهض، ط 2: 1978، دار الآفاق الجديدة: بيروت.

§1/1