عودة الصفويين

عبد العزيز صالح

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. أما بعد: فبعد سقوط بغداد بيد الأمريكان , ظهر في بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة مصطلح (الصفويين، والصفويون الجدد)، والملاحظ أن جُلّ إن لم يكن كل شرائح المجتمع الإسلامي المثقف وغيره يجهل معنى هذه التسمية، حتى تصوّر البعض أن الصفويين هي حزب، أو اسم لميليشيا في العراق، وأنّ إسماعيل الصفوي هو شخص كعبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر.

لذا رأى راقم هذه السطور أن يساهم بمقال يوضح معنى هذه الكلمة, ويعلّق هو في الهامش رابطاً التاريخ بالواقع، مستعيناً بعشرات المصادر العربية والأجنبية والإيرانية والتركية، لتوضيح الحق، وللتنبيه على ما يجري اليوم في العراق ولبنان وبقية المنطقة ,والله من وراء القصد.

نشأة الصفويين

نشأة الصفويين تنتسب الأسرة الصفوية إلى الشيخ صفي الدين الأردبيلي (650هـ - 735هـ)، والذي كان في بداية عهده من مريدي الشيخ (تاج الدين الزاهد الكيلاني). كان واعظاً صوفياً شافعي المذهب في مدينة (أردبيل) (¬1)، ثم أسس فرقة صوفية تسمى (الإخوان) وقد كثرت هذه الفرقة في إقليم (أذربيجان). بعد وفاته أخذ مشيخة طريقته (والتي سميت الطريقة الصفوية) ابنه صدر الدين موسى (704هـ - 794هـ)، ولما توفي صدر الدين تولى ابنه "خواجة علي" الذي كانت له لقاءات مع تيمور لنك، وتولى مشيخة الطريقة مدة (36 سنة) ومات في فلسطين سنة (830هـ) وقبره معروف في يافا باسم قبر الشيخ "علي العجمي". وكان للخواجة علي ميل للتشيّع ولم يكن تعصباً بل تشيّعاً خفيفاً. ثم تولى من بعده ابنه إبراهيم الذي لقب بـ "شيخ شاه" ¬

(¬1) هي مدينة تابعة لإقليم أذربيجان السابق، وهي الآن في شمال غربي إيران قرب بحر قزوين.

أي "الشيخ الملك"؛ لأنّ مظاهر الملك ظهرت عليه أكثر من مظاهر الطرقة الصوفية. وتوفي سنة (851هـ) وكان تشيعه واضحاً للإمامية، وأدخل أتباعه بصراعات مع أهل السُنة في داغستان، وخلفه ابنه الأصغر جنيد والذي كثرت فيه عهده المظاهر الملكية؛ ولكثرة اتباعه ونزعته للملك خاف منه ملوك تلك المناطق فضيقوا عليه حتى رحل إلى حلب ثم إلى ديار بكر, وهناك حسنت علاقته بحسن أوزون. وجنيد كان شيعياً جلداً متعصباً محارباً لأهل السُنة؛ إذ أن طريقته الصوفية هي مزيج من التصوف والتشيع فهم صوفية وأئمتهم هم الأئمة الأثني عشرية عند الشيعة, وقد أعلن جنيد أنه انفصل عن أهل السُنة ,ثم رجع لمحاربة ملوك التركمان ولكنه قُتل في إحدى حروبه في مدينة شيروان سنة (861هـ) وخلفه ابنه حيدر وتزوج من "مارتة" بنت حسن أوزون "الطويل" (¬1)، وكانت أمها "كاترينا" ابنة "كارلو يوحنا" ملك مملكة طربزون (¬2) اليونانية النصرانية. وحيدر أول من لقب بلقب "سلطان" في العائلة الصفوية ¬

(¬1) هو حسن الطويل مؤسس دولة "آق قونيلو" التي حكمت شمال غرب إيران. (¬2) هذه المدينة تقع الان في تركيا على البحر الأسود وكانت مملكة يونانية آنذاك.

,وأمر أتباعه الدراويش (¬1) بأن يضعوا على رؤوسهم قلنسوة مخروطية الشكل مصنوعة من الجوخ الأحمر، وتحتوي على اثنتي عشرة طية رمزاً للأئمة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية، وسموا بـ "قزلباش"، وهي كلمة تركية تعني "الرأس الأحمر" وكان اتباعهم شديدو التعلق بهم والغلو في مشايخهم, مع قلة عبادة وإنما هي أشعار ومدائح واعتقادات مغالية في تقديس مشايخ الطريقة. وقد كوّن حيدر جيشاً للانتقام لمقتل والده من ملك شروان، ولكنه قُتل سنة (893هـ)، وكان لحيدر ثلاث أولاد: علي، إبراهيم، وإسماعيل، وقد خاف الأمير يعقوب أميرالدولة التركمانية "آق قونيلو" منهم فسجنهم، ثم أطلق سراحهم بعد وفاة الأمير يعقوب، ولكن علي وإبراهيم قتلا، وذهب إسماعيل إلى مدينة "كيلان" على بحر قزوين جنوب أردبيل، فرعاه السادة الصوفية،، وكان قد تربى منذ صغره على التشيع الشديد , ¬

(¬1) حالة الصفويين تمثل العلاقة بين التصوف والتشيع، فقد تحولت الطريقة الصوفية السنية "الشافعية" عند صفي الدين الأردبيلي وابنه صدر الدين بالتدريج إلى تشيع خفيف ثم إلى تشيع غال. وقد كان التصوف-مع الأسف- أكثر من مرة مدخلاً للتشيع، وقد كتب عن ذلك الكاتب الشيعي الدكتور كامل مصطفى الشيبي كتابه "الفكر الشيعي والنزعات الصوفية" و"الصلة بين التصوف والتشيع". وقد أشار إلى ذلك المستشرق براون ( Brown) عندما قال: إن التشيع والتصوف كان من الأسلحة التي حارب بها الفرس العرب: ( Brown: A literary History of Persiavol P.410) .

وحاول منذ صغره تجميع الصوفية القزلباشية حوله من أجل الانتقام من قتلة أبيه وجده، وتمّ ذلك وتوجه إلى أمير دولة التركمان "آق قونيلو" سنة (907هـ)، وقتله وجلس على ملكه بعد أن بايعته كل قبائل التركمان؛ لأن القبائل كان لها إعتقاد بالطرق الصوفية، وأعلن دولته الصفوية. الشاة إسماعيل أول ملك للدولة الصفوية (907هـ/1501م) كما سبق ذكره، قَتل الشاه إسماعيل أمير "الآق قونيلو" وأعلن قيام الدولة الصفوية وعاصمتها في مدينة "تبريز" (¬1). وأول ما قام به إعلان أنّ مذهب دولته الصفوية الإمامية الاثنى عشرية , وأنه سيعممه في جميع بلاد إيران، وعندما نُصح أن مذهب أهل إيران هو مذهب الشافعي قال: "إنني لا أخاف من أحد .. فإن تنطق الرعية بحرف واحد فسوف امتشق الحسام ولن أترك أحداً على قيد الحياة" (¬2). ¬

(¬1) هذه المدينة ليومنا هذا بنفس الاسم وهي في إقليم أذربيجان في إيران. (¬2) "تاريخ إيران زمين" (ص267)، د. محمد جواد مشكور.

ثم سكّ عملة للبلاد كاتباً عليها: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله"، ثم كتب اسمه (¬1). وأمر الخطباء في المساجد بسب الخلفاء الراشدين الثلاثة، مع المبالغة في تقديس الأئمة الاثني عشر. وقد عانى أهل السنة في إيران معاناة هائلة وأجبروا على اعتناق المذهب الأمامي بعد أن قتل الشاه إسماعيل مليون إنسان سني في بضع سنين (¬2) ,وكان يمتحن الإيرانيين السنة بأن يسمع منهم السب للخلفاء ويطلب من الشخص مزيدا من السب فإن وافق وإلا قطعت عنقه فوراً, وأعلنا السب في الشوارع والأسواق على المنابر منذراً المعاندين بقطع رقابهم (¬3). ولرب سائل يسأل: كيف استطاع الشاه إسماعيل أن يسيطر على كل بلاد إيران؟ الجواب: هو أن إيران والعراق كانتا ¬

(¬1) "الشاه عباس الكبير" (ص10) د. بديع محمد جمعة. (¬2) "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق" (1/ 43 - 50)، د. علي الوردي، كاتب شيعي. (¬3) "الفكر الشيعي" كامل الشيبي (415) ,"لمحات إجتماعية"علي الوردي (1/ 59)

تحكم من قبل التركمان "الآق قونيلو"، وكان العراق قد حكم من قِبل قبائل التركمان "القرة قونيلو" , والشاه إسماعيل كان أتباعه الصوفية والذين سموا فيما بعد بـ "القزلباشية" وهم مجموعة قوية من العشائر التركمانية هم: "شاملو، قاجار، تكلو، ذو قدر، افشار، روملو"، وهؤلاء شكلّوا فيما بعد ميليشيا صوفية متشيّعة، وكان للشاه إسماعيل جيشاً فاتكاً، فتك بأهل السنة الشافعية في بلاد إيران، وكان للصفويين تأثير روحي على أتباعهم؛ وتذكر بعض المصادر الشيعية الفارسية: أنه بينما كان الشاه إسماعيل مع أتباعه الصوفية في الصيد في منطقة "تبريز" إذ مرّ بنهر فعبره لوحده ودخل كهفاً ثم خرج متقلداً بسيف وأخبر رفقاءه: أنه شاهد في الكهف "المهدي" صاحب الزمان، وأنه قال له: "لقد حان وقت الخروج"، وأمسك ظهره ورفعه ثلاث مرات ووضعه على الأرض, وشدّ حزامه بيده ووضع خنجراً في حزامه وقال له: "اذهب فقد رخصتك" (¬1). ثم بعد ذلك بقي الشاه إسماعيل متردداً وقلقاً حتى رأى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في المنام وقال له: ¬

(¬1) "تاريخ الشاه إسماعيل" (ص88)، طبع مركز تحقيقات فارس- إيران، وباكستان، إسلام آباد، "عالم آراء صفوي" (ص64).

"ابني .. لا تدع القلق يشوّش أفكارك .. احضر "القزلباشية" مع أسلحتهم الكاملة إلى المسجد في "تبريز" وأمرهم أن يحاصروا الناس .. وإذا أبدى هؤلاء أية معارضة أثناء الخطبة باسم أهل البيت فإن الجنود ينهون الأمر" (¬1). وفعل الشاه إسماعيل ما طلب منه في الجمعة مع أتباعه القزلباشية، وحاصر جامع تبريز وأعلن سيادة المذهب الإمامي الأثني عشري بقيادة الدولة الصفوية. وسبب هذه الدعوى هو التحرر من فكرة "التقية والانتظار" إلى خروج المهدي والتي بقي علماء الشيعة يحملونها كأحد المبادئ الرئيسية في المذهب؛ وهو ترك الجهاد والصراع العسكري إلى ظهور المهدي. ثم لما أرادوا الخروج من هذه الفكرة اخترعوا مجموعة أخرى من الأفكار والخرافات كي يبرروا خروجهم من المذهب. ويحلل الكاتب "راجرسيوري" ذلك بأنّ الصفويين اعتمدوا على فكرة الحق الإلهي للملوك الإيرانيين قبل الإسلام منذ سبعة آلاف سنة، وذلك بوراثة هذا الحق، وعندما تزوج الحسين بن علي رضي الله عنهما بنت ملك الفرس "يزدجرد" بعد معركة القادسية وأولدها الإمام زين العابدين "علي" اجتمع حقان: حق أهل البيت في الخلافة (حسب نظرية الإمامية)، وحق ملوك إيران ¬

(¬1) راجر سيوري" "إيران في العصر الصفوي" (ص64).

(¬1)، بالإضافة إلى نيابة المهدي. هذا الفكرة من جانب التشيع. أما الجانب الصوفي فقد زوّد الفكر الصفوي بالمنامات، فيذكر الصفويون أن أحد شيوخ الصوفية وهو الشيخ زاهد الكيلاني، والذي تربى على يده جدهم "صفي الدين الأردبيلي" تنبأ على أثر رؤية لصفي الدين الأردبيلي "أن أولاد هذا الزعيم سيملكون العالم، ويترقون يوماً بعد يوم إلى زمان القائم المهدي المنتظر" (¬2). وللرؤى والكشوفات تأثير ساحر في عالم التصوف، لذا فقد أثرت هذه النبوءة على القزلباشية وكانوا يتصورون أن ملك الصفوييون سيستمر حتى ظهور المهدي؛ لذا اهتزت هذه النظرة بعد موقعة "جالديران" بين الشاه إسماعيل والسلطان العثماني سليم سنة (920هـ/1512م)، وهزيمة الشاه إسماعيل، فبدأ الصراع يدب بين القزلياشية, ونشأ تقاتل بينهم بعد اهتزاز هذه العقيدة في عقولهم (¬3). ¬

(¬1) المصدر السابق (ص26). (¬2) المصدر السابق (ص (29)، بينما يذكر صاحب "عنوان المجد" إبراهيم بن صبغة الله الحيدري (ت:1882م)، وهو من نسل الصفويين الذين بقوا على سنيتهم وهربوا من الصفويين الشيعة، تأويلاً آخر للرؤيا، وإن الرؤيا معناها استمرار خروج العلماء من هذه العائلة إلى قيام الساعة. والحمد لله لا هذا حصل ولا ذاك. (¬3) المصدر السابق (ص49).

وهناك سبب آخر وهو أن الطريقة الصفوية في إيران والطريقة البكتاشية في تركيا كانتا من الطرق الصوفية التي جمعت بين الغلو في تقديس الأشخاص والباطنية المغالية (¬1). والشاه إسماعيل كان يجمع بين التعصب المذهبي والغلو والتكفير وبين الدموية (¬2)، ¬

(¬1) "التقريب القرآني في ضوء الصراع الصفوي العثماني"لعلاء الدين المدرس, (9) ,ط, المعروف. (¬2) وهذا ما يحصل اليوم في العراق وبغداد على الخصوص حيث خرجت أفكار التشيع المغالي المكفر والتي زرعت بشكل مركز عند الشيعة في التسعينات إبان الحصار الأمريكي على العراق، ثم ظهرت نتائجه بعد سقوط بغداد واحتلال الأمريكان، فتشكلت المليشيات الشيعية فعذبت أهل السنة بأساليب لم تعهد في تاريخ العراق سالفاً، ثم قتلتهم وهجرتهم بحملة تطهير شرسة، ورحل الآلاف بل الملايين من أهل السنة. ويخطئ من يظن أن الشيعة المتطرفين فعلوا ذلك فجأة بعد الاحتلال، بل هي أفكار حملها علماء الشيعة عامة إلا من شاء الله، حتى الذين ظهروا بشكل معتدل للناس، والدليل على ما نقول أن تلاميذ العلم الشيعي المعروف (محمد باقر الصدر) الذي أعدمه صدام حسين، وهو يعد معتدلاً، هم إبراهيم الجعفري وجواد المالكي، أعضاء حزب الدعوة، الأكثر اعتدالاً في نظر بعض السنة، في عهدهم حصلت هذه المجازر. ووالد الصدر "مقتدى" هو (محمد صادق الصدر) والذي يوسم بالأعتدال كذلك، هؤلاء أتباعه، ميليشيا المهدي، والكل يعرف الجرائم التي فعلت, وأي فكر تكفيري دموي حمل هذا الجيل. وقبل ذلك حرس الثورة الإيراني والذين تربوا على أفكار خميني وخامنئي ماذا يفعلون بالعراق من دموية نادرة لم يفعلها حتى اليهود دون مبالغة. وبعد كل هذا يخرج علينا من لا يعرف عن التشيع إلا رسمه ليفتي لنا بغير علم بالتقريب بين المذاهب ,وما ذاك إلا لجهلهم بالتشيع وأفكاره وتاريخ ونشأته، ونخص بالذكر علماء مصر ومفكريها ودعاتها.

فقد نقل عنه قريبه إبراهيم صبغة الله الحيدري في "عنوان المجد" (ص119) أنه أكثر القتل حتى قتل ملك (شروان) وأمر أن يوضع في قدر كبير ويطبخ وأمر بأكله ففعلوا (أي القزلباشية) (¬1)، وكان لا يتوجه لبلاد في إيران إلا فعل أشياء يندى لها الجبين؛ من قتل ¬

(¬1) فعلت هذه الجرائم اليوم في العراق حرق الشباب السني أحياءً أمام منازلهم, وأشنع حادثة ما فعلته ميليشات بدر وجيش المهدي ,عندما شووا طفلا صغيرا سنياً في فرن وارسلوه إلى أمه, وهذه الحادثة يعرفها أهل بغداد في منطقة الأمين شرق بغداد, وعندما أحرقوا وجه دعاة أهل السُنة بالتيزاب (ماء النار) وثقبوا أجسادهم بالمثقب, وقلعوا أعين الكثير؛ بل إن حادثة (أبو عمر المشهداني) في منطقة الدورة عندما القوه في فرن الخبز وحرقوه معروفة.

ونهب حتى قتل من أعاظم علماء العجم "السُنة" وحرّق كتبهم وانهزم كثير من العلماء، منهم جد مؤلف "عنوان المجد" إلى بلاد الأكراد السُنية في بلاد العراق. ثم أمر الشاه إسماعيل الجنود بالسجود له. وكان من دمويته أن ينبش قبور العلماء والمشايخ "السُنة" ويحرق عظامهم، وكان إذا قتل أميراً من الأمراء أباح زوجته وأمواله لشخص ما من اتباعه. وكان أتباعه يقدسونه ويعتقدون أنه لا ينكسر ولا يقدر عليه أحد (¬1). هذا هو مؤسس الدولة الصفوية (إسماعيل شاه) التي تعد الدولة المؤسسة لكل دول الشيعة الاثني عشرية فيما بعد. توسع الشاه إسماعيل في أرجاء إيران بعد أن تتبع ملك دولة آق قونيلو، فذهب إلى جنوب تبريز إلى مدينة همدان وهزم (مراد بيك) أمير قبائل آق قونيلو، الذي فر إلى شيراز (¬2) واستولى عليها، وقضى على دولة التركمان السُنية في إيران وذلك سنة (909هـ) (¬3)، ¬

(¬1) "عنوان المجد" للحيدري (119 - 120). لهذا العالم المتوفي سنة (1882هـ) جهودا قيمة في كتابه هذا في توثيق تاريخ تشيع العشائر العراقية, كما إن للمولف كتابا قيما بعنوان "النكت الشنيعة في بيان الخلاف بين الله تعالى والشيعة"بتحقيق مؤلف هذه الرسالة (¬2) مدينة موجودة مقابل دولة الكويت من جهة الخليج العربي. (¬3) "إيران دراسة عامة" د. محمد وصفي أبو مغلي، 1985، منشورات مركز دراسات الخليج العربي، جامعة البصرة.

دخول الشاه إسماعيل العراق واستيلاءه على بغداد

واستولى على فارس وكرمان وخوزستان "عربستان" ومازندران واستراباد (¬1). بعد ذلك توجه الشاه إسماعيل إلى جهة الشرق إلى خراسان واستولى عليها سنة (916هـ) واستولى على مدينة مشهد. وفي نفس السنة توجه إلى مرو شمال شرق إيران وذبح أكثر من عشرة آلاف من سكانها من أهل السنة (¬2). ثم حاول أن يمتد إلى بلاد الأوزبك سنة (918هـ) وأرسل أحد قواده ولكنه انهزم وقتل قائده وضعفت جبهته في هذه المنطقة وهجم عليه الأوزبك وكادوا يستردون خراسان ولكن الشاه إسماعيل استردها. دخول الشاه إسماعيل العراق واستيلاءه على بغداد من المعلوم للجميع أن بغداد عاصمة الدولة العباسية سقطت بيد المغول سنة (656هـ) وبعدها حكم العراق المغول وسميت دولتهم ¬

(¬1) فارس: هي المنطقة التي تقابل الخليج العربي من الجهة الثانية، أما كرمان فهي بين باكستان وإقليم فارس المذكور. أما خوزستان فهي عربستان وهي معروفة شمال الخليج العربي مقابل مدينة البصرة العراقية وأشهر مدنها مصفى عابدان، أما مازندران فهي شمال شرقي طهران جنوب شرقي بحر قزوين، وأما استراباد فهي شمال طهران جنوب بحر قزوين غربي مازندران، أي هو سيطر على غربي وجنوب وشمال إيران الحالية، مبتدءاً دولته من اقليم أذربيجان شمال إيران. (¬2) "إيران دراسة عامة" د. محمد وصفي أبو مغلي (ص247).

(الاليخانية) إلى أن تسلّم الجلائريون دويلتهم "قرا قونيلو" ثم "آق قونيلو" التي بدأ حكمها منذ سنة (806هـ) وكان آخر حكامها (سلطان مراد) الذي حكم سنة (903هـ) وفي سنة (914هـ) اراد الشاه إسماعيل احتلال بغداد فأرسل قائده حسين بك لاله، وانهزم والي بغداد "باريك"، وقد استبشر "نقيب النجف" محمد كمونة بعد أن كان والي بغداد "باريك" قد حبسه لأنه كان ينتظر الشاه، ويؤمل أهالي بغداد والعراق بأن الشاه إسماعيل سلطان عادل ,وكان الناس في اضطراب وقلة أمان تبحث عمن يوفر لهم الأمان. دخل حسين لاله بغداد دون قتال وأخرج أحد كبار الشيعة والذي كان يخبر الناس بعدل الشاه إسماعيل حتى حبسه (باريك) والي بغداد التركمتني والمدعو (محمد كمّونة) من السجن ورحب به وعظمه، وذهبا هو والوالي إلى الشاه إسماعيل ليبشروه بفتح بغداد (¬1). دخل الشاه إسماعيل بغداد وكرم (محمد كمونه) وأعلى مقامه ,ثم زار كربلاء والنجف وأكرم أهلها وعمّرها بالذهب والفرش ¬

(¬1) هكذا كان الشيعة في العراق وبغداد قديماً يستقبلون الفرس والشيعة، وهذا ما حصل عندما كان محمد باقر الصدر يراسل خميني بعد ثورته سنة 1979م، ويخبره أنه ينتظر قدومه في بغداد، وظل عند شيعة العراق ولاء للإيرانيين واضح، واليوم تجد كل شيعة العراق والبحرين ولبنان والسعودية، كل هؤلاء ولاءهم لإيران، هذا الأمر المفضوح أدى بالرئيس المصري حسني مبارك أن يقول: إن ولاء الشيعة في البلاد العربية لإيران. وهو لم يذكر إلا ظاهرة لا يستطيع أحد إنكارها.

والسجاد الثمين. ثم أدب بعض عشائر الجنوب (¬1). هذه هي خلاصة أعماله في العراق. وعودة إلى ما فعله الشاه إسماعيل في بغداد، فأهل بغداد لم يقاوموا الشاه؛ لأن محمد كمونه أخبرهم بعدله وكان لاضطراب الأوضاع في زمن "آق قونيلو" دافعا لإهل بغداد كي يتأملوا بظهور حاكم جديد ينقذهم مما هم فيه، ولكن الشاه إسماعيل أمر قائده حسين لاله بتهديم مدينة بغداد وقتل أهل السُنة والصلحاء، وتوجه إلى مقابر أهل السُنة ونبش قبور الموتى وأحرق عظامهم. وبدأ يعذب أهل السُنة سوءالعذاب ثم يقتلهم محاولا أن يغيرهم للتشيع، وهدم مسجد أبي حنيفة النعمان في مدينة الأعظمية ,ونكل بقبر أبي حنيفة ونبش قبره وهدم المدارس العلمية للحنفية وهدموا كثيرا من المساجد (¬2). وقتل كل ¬

(¬1) كان أكثر عشائر الجنوب العراقي سُنة إلا أهالي مدينة كربلاء والنجف وبعض مدينة الحلة ومناطق متفرقة, وأكثر عشائر الجنوب العراقي سُنة على مذهب المالكية والحنفية وقليل شوافع, ولنا بحثا نسأل الله أن ييسر نشره في (تاريخ تشيّع العشائر العراقية العربية) والذي واكب ظهور الدولة الصفوية. (¬2) انظر" تاريخ الأعظمية" , وليد الأعظمي (113) ,يكره الشيعة السنة ويكفرونهم ويلعنون بشكل خاص أبي حنيفة النعمان، وما أشبه الليلة بالبارحة فها هم اليوم "جيش المهدي" و"قوات بدر" وبالاستعانة بحكومة الجعفري والمالكي يقصفون مسجد أبي حنيفة في مدينة الأعظمية في بغداد بقنابل الهاون.

من ينتسب لذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه في بغداد لمجرد أنهم من نسبه, وقتلهم قِتلة قاسية (¬1). وقد أرخ الشيعة في ذلك الزمان لهذه الحادثة حتى قال مؤرخهم ابن شدقم "الشيعي" في كتابه "تحفة الأزهار وزلال الأنهار": "فتح بغداد وفعل بأهلها النواصب ذوي العناد ما لم يسمع بمثله قط في سائر الدهور بأشد أنواع العذاب حتى نبش موتاهم من القبور". هكذا يسمي أهل السُنة النواصب، بمجرد أنهم لا يؤمنون بعقائد الشيعة, فهم نواصب يستحقون القتل (¬2). ¬

(¬1) كتب الشيعة منذ القديم تحمل حقداً خاصاً لخالد بن الوليد، وقد رد ابن تيمية في "منهاج السنة" شبهاتهم حوله، ويبدو أن ثقافة الشاه إسماعيل الشيعية جيده فنفذ كل حقده بقتل كل من ينتسب لهذا الصحابي الجليل والقائد العظيم سيف الله المسلول, وقبل أيام فجروا في البصرة أثرا تاريخيا يعود للزبير بن العوام رضي الله عنه ابن صفية عمة رسول اللهصلى الله عليه وسلم. (¬2) للشيعة فن عجيب في تسخير المصطلحات لتأجيج الرأي العام الشيعي ضد أهل السُنة. فانظر هنا إلى قوله "النواصب" فهذا مصطلح أطلقه أهل السُنة إلى فرقة برزت في الشام في القرن الثاني والثالث للهجرة تبغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد انقرضت ولا يوجد مسلم سني يبغض علياً في يومنا هذا، بل حب علي سنة وبغضه فسق وبدعة، هذا هو معتقد كل أهل السُنة. أما الشيعة فيعنون بـ "النواصب" كل من لم يؤمن بأن علياً ولياً منصب من الله بعد رسول الله، وهذا ما لم يؤمن به أهل السُنة، على هذا فأهل السنة كلهم نواصب. والشيعة كتبهم مليئة بتكفير النواصب وأنهم شر من اليهود والنصارى، ويجب قتلهم، وهذا ما حصل قديماً، ويحصل اليوم. وارجع إلى صحف الشيعة في العراق وإلى قنواتهم الفضائية كقناة "الفرات" التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عبد العزيز الحكيم، حيث يوصف أهل السُنة بـ "النواصب" حتى يستحق قتلهم شرعاً "شرع الشيعة". وقد ألف صديقنا الفاضل عبد الملك بن عبد الرحمن الشافعي كتابا قيما سماه "موقف الشيعة الإمامية من باقي فرق المسلمين" والمنشور في مكتبة الرضوان سنة (2005م) ضمنه فصلا رائعا صفحة307 بعنوان: عرض لأبرز أساليب الإمامية.

ولم تكن أفكار الشاة إسماعيل من عنده، بل ساعده على ذلك علماء الشيعة لأنه استقطب العلماء من كل مكان من لبنان والنجف وغيره من المناطق، وهم من شارك بتأجيج الحقد الدفين على أهل السنة، بعبارة أصح: أين ما وجدت الطائفية فستجد علماء الشيعة وراءها. وقد فرّ كثير من سُنة بغداد، وممن هرب الأسرة الكيلانية بعد أن خرّب الشاه إسماعيل قبر عبد القادر، فرّ هؤلاء إلى الشام ومصر وأخبرو العالم الإسلامي ما فعل الصفويون الشيعة ببغداد وأهلها (¬1). وصلت أخبار المذبحة العظيمة لأهل السُنة إلى بلاد الدولة العثمانية في تركيا، إضافة إلى أخباره السابقة عن تشييع أهل السُنة ¬

(¬1) أخبار أفعال الشاه إسماعيل ببغداد منثورة في كتب التاريخ السني والشيعي، وانظر: "العراق بين احتلالين" للمؤرخ عباس العزاوي، و"أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث"، ستيفن لونكريك وغيرهما.

بإيران وقَتل الآلاف المؤلفة، أضف إلى ذلك جسارة الشاه إسماعيل إلى إرسال دعوته إلى داخل الدولة العثمانية؛ لذا اجتمع السلطان العثماني سليم الأول في عام (920هـ/1514م)، برجال الدولة وقضاتها وعلماءها ورجال السياسة، وقرروا أن الدولة الصفوية تمثل خطراً على العالم الإسلامي بالعموم؛ وعلى الدولة العثمانية بالخصوص، وقرر السلطان إعلان الجهاد المقدس ضد هذه الدولة, واستبقها بأعمال نلخصها بما يلي: 1 - أرسل السلطان العثماني سليم مراسلات للشاه إسماعيل الصفوي، بلهجة حادة. 2 - طهّر بلاده (تركيا) من الشيعة التابعين للشاه الصفوي؛ لأنهم عملوا طابورا خامسا للشاه. ولما لم يستجب الشاه إسماعيل لدعوة السلطان سليم الأول بالتسليم قرر السلطان السير بالجيش بقيادته مستعيناً ببقايا أسرة "آق قونيلو"، وأراد الشاه إسماعيل بحيلة لتأخير الحرب لفصل الشتاء؛ كي يهلك الجيش العثماني جوعاً وبرداً. أحسّ إسماعيل بالخطر فطلب الهدنة ولكن السلطان

استمر في زحفه إلى صحراء جالديران شمال تبريز حتى وصلها سنة (920هـ/1514م)، وسحق الجيش الصفوي الشيعي على أرضه، وفرّ الشاه إسماعيل تاركاً كل أمواله، وأسّرت زوجته، وقتل الخائن "محمد كمونه" السابق ذكره, والذي ذهب مع الشاه إلى تبريز (¬1) ,هكذا هزم الشاه إسماعيل ولكن بقيت بغداد تحت إحتلال الصفويين شَعَر الشاه إسماعيل بالضعف وشرع بالبحث عن صديق ليتعاون معه ضد العثمانيين، وكان للبرتغاليين الصولة العظمى في بلاد العرب ,وخاصة طموحهم بواسطة اسطولهم في بحر العرب والخليج العربي واستيلاء قائدهم "البو كريك" على مضيق هرمز. كلّ هذه الأمور أغرت الشاه إسماعيل لإجراء اتفاقيات وأحلاف مع البرتغاليين، وقد كان ... لأمه"مارتا" وجدته لأمه "تيودورا" اليونانية تأثيراً واضحاً في ذلك الحلف (¬2). وسننقل نص رسالة أرسلها "البوكيرك" إلى الشاه إسماعيل الصفوي جاء فيها: ¬

(¬1) هذه أسرة شيعية عريقة تنتسب لآل البيت، وقد مر كيف خان جدهم "محمد كمونة" البلاد، وكيف لاقى مصيره, وليعرف أهل بغداد أصولهم ولا ينخدعوا بأصول عوائل كان أجدادهم خونة للأمة، كما فعل اليوم أحمد الجلبي وغيرهم ممن وقّع على احتلال العراق. (¬2) تأثير زواج الخلفاء والقيادات الأسلامية من النصرانيات على الأمة واضح، , وبهذه المناسبة نذكر أن جدّة محمد باقر الحكيم وأخوه عبد العزيز الحكيم يقال أنها (بولندية أو رومانية)،وقيل يهودية وقيل نصرانية، والمسألة تحتاج إلى تحرير وتحقيق.

"إني أقدّر لك احترامك للمسيحيين في بلادك (¬1)، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر، أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو القطيف أو البصرة، وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي وسأنفذ له كل ما يريد" (¬2). وفعلاً تم التحالف مع النصارى البرتغاليين وأقرَّهم الشاه إسماعيل باستيلاءهم على هرمز مقابل مساعدة الشاه على احتلال البحرين والقطيف. كما اتفق على مشروع لتقسيم المشرق العربي بأن يحتل الصفويون مصر والبرتغاليون فلسطين (¬3). ولكن هذا الحلم لم يتحقق - ولله الحمد - والفضل بعد الله في ¬

(¬1) نفس ما تفعله جمهورية إيران الإسلامية حيث تحترم غير المسلمين (المجوس، اليهود، النصارى)، وتقيم لهم المعابد إلا أهل السُنة في إيران فهم الأسوأ حالاً والأقل مساجداً. (¬2) "قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين" (ص63)، د. زكريا إبراهيم بيومي، (1411/ 1991)، عالم المعرفة. (¬3) الدولة الصفوية هي أول دولة شيعية إماميةكبيرة النفوذ، إذ أن دول الشيعة السابقة إما شيعة إسماعيلية، كالفاطميين، أو شيعة زيدية وليلاحظ القارئ أن الدولة الصفويةهي أول دولة شيعية فارسية اتفقت على بيع فلسطين.

مستحدثات العصر الصفوي

ذلك للعثمانيين (¬1)، لأن الدولة العثمانية كشفت المراسلات بين الدولة الصفوية والمماليك للتآمر لاحتلال مصر، فسارعت باحتلال مصر وقضت على المماليك رغم أن هذا الفتح لمصر هو أحد أسباب تأخير السلطان سليم عن القضاء على الشاه إسماعيل ودولته (¬2)، كما أن البرتغاليين سيطروا على البحر العربي والخليج العربي. عاش الشاه إسماعيل في همدان ثم عاد إلى تبريز بعد وفاة السلطان العثماني سنة (926هـ/1520م) ولكنه هلك سنة (930هـ/1524م). مستحدثات العصر الصفوي استحدث الشاه إسماعيل بدعاً أصبحت من المسلّمات عند من بعده من الشيعة نذكر منها: 1 - السب المقترن بالاضطهاد الطائفي، فقد اتخذ من سبِّ الخلفاء الراشدين الثلاثة وسيلة لامتحان الإيرانيين، وأمر بأن يعلن السبّ في الشوارع والأسواق وعلى المنابر (¬3). والسبّ والقذف ¬

(¬1) "قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين" (ص63). (¬2) "الشعوب الإسلامية" د. عبد العزيز سليمان نوار، دار النهضة العربية، 1991م. (¬3) كل الشيعة اليوم، سواء في إيران والعراق ولبنان والبحرين والسعودية والكويت وباكستان، وغيرها من البلاد التي يتواجد فيه الشيعة ,كلهم يسبون ويولعون في سب الخلفاء الثلاثة وبقية الصحابة وأمهات المؤمنين. فإذا تمكنوا كما فعلوا في العراق فإنهم يجبرون من يعذبونهم من أهل السنة على السب، وهذا ما يفعل في الدوائر الأمنية في إيران مع سنة إيران، وفي العراق اليوم. اعترف أحد الشيعة العلمانيين أن فيلق بدر من أوائل أيام سقوط بغداد كان يمسك طريق جنوب بغداد ويوقفون الركاب ويأمر ونهم بالبصق على صورة مرسومة لعلي بن أبي طالب ومن يبصق على الصورة يطلقون صراحه ومن يرفض يقتلونه ,حتى يشاعأن أهل السنة يبغضون أهل البيت والحمد كشفهم من هو من جلدتهم ,هذا هو المكر الإيراني الشيعي.

2 - تنظيم الاحتفالات بذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه سنويا

موجود عند الشيعة قديماً وفي مؤلفاتهم، ولكنه لم يعلن بصورته البشعة وعلى المنابر إلا في العهد الصفوي. 2 - تنظيم الاحتفالات بذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه سنوياً، وإظهار التطبير (ضرب الرؤوس حتى التدمية بآلة حادة وسكين كبير تسمى الطُبَر)، وضرب الظهور بالزناجيل (وهو الجنزير) حتى الاحمرار، واللطم على الوجوه والصدور، ولبس الأسود منذ بداية شهر محرم، وتبدأ هذه الفعاليات منذ الأول من محرم إلى اليوم العاشر منه يوم (عاشوراء)، وهو يوم مقتل الحسين، ويمنع الزواج في شهر محرم، وهذا الأمر كان قد استحدث بشكل خفيف في الفترة البويهية، ولكن الشاه إسماعيل طوره بهذا الشكل مع الأشعار البكائية التي تؤثر في النفوس كدعاية للتشيّع. ومنذ سنة (907 - 930هـ) ليومنا هذا والشيعة في إيران والعراق ولبنان وباكستان يعتبرون هذا من صُلب دينهم، وإذا ما أراد حاكم أو مسؤول منعهم قالوا: هذا يعادي التشيع. وهم يعلمون أولاً أن الشاه إسماعيل هو أول من أوجد هذه البدع لنشر التشيع.

3 - وضع الشهادة الثالثة في الأذان: (أشهد أن عليا ولي الله)

ويذكر الدكتور علي الوردي - وهو شيعي -: أن الشاه إسماعيل اقتبس هذه المراسيم من النصارى حيث كانوا يقومون بطقوس دينية عن مصاب المسيح والحواريين، لذلك كان يدعو النصارى لحضور مواكب التعزية (¬1). 3 - وضع الشهادة الثالثة في الأذان: (أشهد أن علياً ولي الله)، وهذه البدعة وضعتها فرقة شيعية (¬2) في القرن الرابع للهجرة، ذكرهم عالم شيعي هو ابن بابويه القمي ولعنهم، وكذا حاربها أشهر علمائهم وهو الشيخ الطوسي في كتابه" النهايةفي مجرد الفقه والفتوى", ولكن الشاه إسماعيل الصفوي أمر به ورفضه في وقته علماء الشيعة. ولم تدخل هذه البدعة في العراق حتى سنة (1870م)، أدخلها ناصر الدين شاه عندما زار النجف في زمن الوالي العثماني مدحت باشا (¬3)، ومنذ ذلك اليوم وإلى ¬

(¬1) "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق" (1/ 51)، "هكذا تكلم علي شريعتي" لفاضل رسول. (¬2) هي فرقة (المفوضة) وهي فرقة منحرفة كانت تقول: إن الله خلق روح علي رضي الله عنه وأولاده، وفوض العالم إليهم فخلقوا الأرض والسماوات. انظر: د. كامل الشيبي "الصلة بين التصوف والتشيع" (ص156)، وهذه الفرقة كانت الإمامية تحاربها افي القرن الرابع للهجرة عنما أضافت (أشهد أن علياً ولي الله)، للأذان فحارب ذلك علماء الشيعة كلهم، وقد كتب أحد الأفاضل علاء الدين البصير كتابا قيما سماه "الشهادة الثالثة في الأذان حقيقة أم افتراء"، مكتبة الرضوان، البحيرة، 2005م. (¬3) علي الوردي، "لمحات اجتماعية" (2/ 159).

4 - السجود على التربة الحسينية

يومنا هذا أصبح هذا الأذان من مسلّمات الشيعة في إيران والعراق ولبنان وجميع تواجد مساجد الشيعة في العالم، وسكت علماءهم وهم يعلمون حق العلم أن الأوائل لعنوا فاعليه وإنما فعله المفوضة الغلاة، وهكذا أصبحت أفكار الشيعة الغلاة المرفوضة هي شعائر مسلّم بها في عهد الشاه إسماعيل وأصبحت من مسلمات المذهب، وسكت على ذلك جميع المراجع الدينية، وجاءت الثورة الإسلامية في إيران فأحيت كل ما فعله الصفوييون. 4 - السجود على التربة الحسينية وهي قطعة من الطين يسجد عليها الشيعة بدل الأرض تسمّى "التربة الحسينية"، وأصبحت يومنا هذا جزءاً من دين الشيعة, وما هي إلا طريقة لتميّز الشيعة عن غيرهم، وقدأشاعها الشاه إسماعيل فأصبحت من مستلزمات المذهب الدينية. 5 - ضرورة الدفن في النجف، فقد كان يؤتى بالجثث متعفنة من إيران لبعد الطريق وصعوبة التنقّل من أجل الدفن في النجف، واشتغل لذلك تجار إيرانيين لنقل الجثث بعد تجفيفها وفصل العظام عن اللحم, ومثّل بالإنسان الشيعي ميتاً كي يوصل إلى مقبرة النجف بعد استحداث هذه البدعة، وإلى يومنا هذا سرت هذه البدعة حتى أصبحت من بدهيات شيعة العراق الدفن بالنجف. 6 - تغيير اتجاه القبلة في مساجد إيران باعتبار أنّ قبلة أهل السُنة

7 - أجاز علماءهم السجود للإنسان

خاطئة، ومن ثم أصبح الشيعة -وإلى يومنا هذا- يصلّون منحرفين عن القبلة الأصلية لأهل السُنة. 7 - أجاز علماءهم السجود للإنسان وهذه ابتدعها الشاه إسماعيل للقزلباشية، فقد كان يسجد له، واليوم يكرّم السادة والعلماء بشكل مغال فيه، وأما السجود فقد انتشر بين شيعة البهرة "الإسماعيلية"، ولكن كل الشيعة يسجدون للقبور ولو بخلاف القبلة, بدعوى أنه سجود تكبير. 8 - إجراء مرتبات ضخمة لعلماء الدين الشيعة ومنحهم إقطاعات وقرى زراعية وأوقاف خاصة، كي يستطيعوا أن يفتوا للسلطان ما يشاء. وهكذا برزت فكرة جمع المال للعلماء, وعلماء الحوزة اليوم كلهم من أغنى الناس، فمؤسسة الخوئي في لندن تملك الملايين من الدولارات وقيل أكثر، وهذا الخميني عندما كان بالعراق كانت ثروته هائلة جداً، حتى إنه عندما رحل من العراق إلى فرنسا للإقامة حول مبالغ طائلة، واليوم يمتلك الحكيم "عبد العزيز" ومقتدى وغيرهم الملايين، وهذه بدعة فارسية أشار لها شاعر الشيعة أحمد الصافي النجفي عندما أحس بثراء علماء الدين الشيعة فقال: عجبت لقوم شحذهم باسم دينهم ... ... وكيف يسوغ الشحذ للرجل الشهم لئن كان تحصيل العلوم مسوِّغاً ... ... لذاك فإن الجهل خير من العلم

لئن أوجب الله الزكاة فلم تكن ... لتعطى بذل بل لتؤخذ بالرغم أتانا بها أبناء ساسان (¬1) حرفة ... ولم تكن في أبناء يعرب من قدم وهكذا استطاع الشاه إسماعيل جعل إثراء العلماء ديناً بعد أن كنا نقرأ عن زهد علي رضي الله عنه وآل البيت، فاليوم أصبح أغنى الناس السادة (¬2). هذه بعض مستجدات ومستحدثات الشاه إسماعيل، وللمزيد راجع بعض المراجع لذلك (¬3). وصدق المستشرق دوايت رونلدسن في كتابه المعروف "عقيدة الشيعة" (58) والذي عاش في إيران (16) سنة حين يقول: بتلازم عقائد الغلو والتكفير مع العصر الصفوي ¬

(¬1) يقصد أبناء الفرس نسبة على الدولة الساسانية، فها هو الشاعر يعرف أنها بدعة فارسية إيرانية صفوية. (¬2) مصطلح يطلقه الشيعة على من ينتمي لآل البيت. (¬3) انظر: علي الوردي، "لمحات اجتماعية، الجابري، علي حسين: "الفكر السلفي عند الشيعة الاثنى عشرية"، عويدات، 1977. بهرام، جوبينة: "المتآمرون" كتاب إيراني مترجم، 1981. فيشر، مايكل: "إيران من الصراع الديني إلى الثورة"، جامعة هارفارد، أمريكا، 1980. بروكلمان: "تاريخ الشعوب الإسلامية".

عصر ابنه الشاه طهماسب

عصر ابنه الشاه طهماسب تولى العرش الصفوي بعد وفاة أبيه وعمره (11سنة) وذلك سنة (930هـ/1524م)، لذلك فإنّ القزلباشية هم من حكم الدولة. استغل الأوزبكيون "السُنة" ذلك وهجموا على خراسان واستولوا عليها سنة (933هـ) وهزمت قواد طهماسب، ولكنه سنة (935هـ) استطاع أن يعيدها. وأقام الشاه طهماسب حلفاً (إيرانياً-أوروبياً)، ضد العثمانيين، فأرسل السفراء إلى ملك المجر، وإمبراطور النمسا (شارل السابع)، وهذا الحلف الدافع له هو ظهور السلطان سليمان القانوني سنة (1525م) ويومها ذعر البلاط الإيراني للدولة الصفوية وبدأ بتحريض الشيعة في بلاد تركيا ضد الدولة العثمانية. وفعلاً تمّ ذلك، ففي سنة (1526م) في منطقة يوزغاد قام الشيعي "بابا ذو النون" بتمرد من (3 - 4) آلاف شيعي , وسيطر على المنطقة وفرض الجزية وهزم بعض القواد العثمانيين إلى أن قمعها السلطان سليمان ودمر التمرد (¬1). وأكبر من ذلك تمرد في منطقة (قونية) "مرعش" جنوب تركيا ¬

(¬1) مدينة "بوزغاد" وتسمى الآن "بوزغات" شرقي العاصمة أنقرة.

حالياً، بقيادة "قلندرجلبي" ومعه (30) ألف شيعي، وقاموا بقتل السُنة وكان شعاره في قتل السنة: "من قتل مسلماً سُنياً ويعتدي على امرأة سُنية يكون بهذا قد حاز أكبر الثواب" (¬1). واستطاعوا في البداية قتل قواد أتراك كبهرام باشا، ولكن السلطان أرسل الصدر الأعظم إبراهيم باشا فقتلهم وقضى على تمردهم (¬2). وكان سليمان يخطط لجهاد أوروبا وفتحها وتم له بعض ذلك. عودة إلى طهماسب والعراق، فعندما خسر الشاه إسماعيل في موقعة "جالديران" ضعف نفوذه في ¬

(¬1) قام بهذه الأعمال في العراق "جيش المهدي"عندما اختطف نساء سُنيات واغتصبهن ,هؤلاء هم أتباع أهل البيت كما يسمون أنفسهم قديما وحديثا. (¬2) د. محمد حرب: "العثمانيون في التاريخ والحضارة" (ص91). وليأخذ المسلمون العبرة، فكل تواجد شيعي هو بؤرة للتحرك بيد المركز (إيران)، فمن حرك حزب الله في لبنان؟ ومن يحرك شيعة العراق اليوم؟ ومن يحرك شيعة البحرين، وشيعة السعودية، والحوثي في صعدة باليمن، من يمده؟ أليس حزب الله والأموال الإيرانية. وكل تحركات الأفراد الشيعة في مصر وبلاد إفريقيا. فها هو التاريخ يعيد نفسه، وولاء كل شيعة العالم لدولتهم الصفوية الجديدة، ومن لم يفهم هذه الحقيقة من الإسلاميين الجدد الذين لم يفهموا الحقائق العقدية لأهل السُنة وتحذيرهم من الشيعة، ولم يأخذوا العبرةمن التاريخ، بل إن أقسم-ولست بحانث- لإن قلت: إن قيادات إسلامية ودعاة من كل التوجهات الإسلامية لم يعرفوا حرفاً واحداً عن الدولة الصفوية ومؤامراتها على العالم الإسلامي، فالله المستعان.

العراق, لكن التجار الإيرانيين استمروا بالدخول والخروج إلى العراق؛ لأن الحكم ظل للصفويين, ... إلى أن حكمها العراق حاكم من منطقةكردية إيرانية يدعى "ذو الفقار" وذلك سنة (930هـ) مستغلا وفاة الشاه إسماعيل, ولكنه لم يتبع لطهماسب، وحكم العراق وحاول أن يعلن ولائه للعثمانيين، فهاجم طهماسب بغداد ولم يفلح، واستخدم الغدر، فأغرى أخوة ذو الفقار بقتله فقتلوه وسلموا الشاه بغداد بل والعراق، فعين عليها ضابط لكل ولاية في العراق، ورجع طهماسب إلى عاصمته قزوين (¬1). لكن أهالي بغداد هرعوا يراسلون السلطان سليمان القانوني -فأهل بغداد سُنة ولم ينسوا ما فعله به الشاه إسماعيل -كي يخلصهم مما حلّ بهم وما سيحل تحت الحكم الصفوي. استعدّ السلطان سليمان القانوني لاستعادة مدينة بغداد، وأرسل رسائل تهدد طهماسب, فذُعر البلاط الإيراني, وراسلوا ملك هنغارية كي يعاونهم ضد العثمانيين، لكن سليمان القانوني رد على طهماسب بإعدم كل الأسرى الإيرانيين الشيعة؛ كي يثخن في الأرض ويرهب الشاه طماسب. فتحرك الهنغاريون فوجه السلطان الجيش العثماني لهم أولاً، ووجه مجموعة من ضباطه إلى تبريز ¬

(¬1) "أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث" المستر ستيفن لونكريك (ص35).

لاستعادتها واستعادة من تمرد من أصحاب الولايات. ودخلوا تبريز دون دم وسيطروا على عموم أذربيجان. توجه السلطان سليمان بعد ذلك إلى بغداد، وانهزم واليها التابع لطهماسب ودخل سليمان القانوني بغداد فاتحاً وفتح العراق وتبع للدولة العثمانية، وأعاد قبر أبي حنيفة ورفاته وبناه من جديد، وقيل إنهم وجدوا رفاة أبو حنيفة كاملاً في كفنه، وأعيد إلى قبره وبنى عليه قبة، ولكن السلطان زار قبر موسى الكاظم، وزار كربلاء والنجف وأنقذ مدينة كربلاء من الفيضان وبنى سدوداً. ثم رجع وخلُص جميع العراق له بل حتى البحرين والقطيف (¬1). كل ذلك كان سنة (941هـ/1534م) وهكذا تخلص العراق من كابوس الصفويين بعد أن جثم عليهم (27) سنة (¬2) $، وسيطر نهائياً على تبريز سنة (944هـ) ونقلت عاصمة الصفويين إلى قزوين. تعب طهماسب عسكرياً لذا طلب الصلح من العثمانيين ووقعت معاهدة "أماسيه" سنة (961هـ/1555م). بعدها حاول طهماسب إقامة علاقات مع إنكلترا، وفكرت إنكلترا بدخول أرض الصفويين فأرسلت تاجراً يحمل رسائل من الملكة اليزابيث الأولى ولكنه في الحقيقة جاسوساً وذلك سنة (965هـ/ ¬

(¬1) المصدر السابق (35 - 41). (¬2) وسيتخلص بإذن الله أهل العراق من الكابوس الصفوي الجديد مهما طال الزمان ,وكثر الطغيان ,وإن للباطل جولة وللحق جولات.

أهم ما يميز فترة الشاه طهماسب

1558م). كان طهماسب محباً للعبث والشراب والطرب، وكانت دول أوروبا تذهب إليه لتحريضه على العثمانيين كما فعل سفير فينسيا، بيد أن طهماسب كان همه المال والنساء وفسدت بلاده وكثرت الرشوة حتى قيل أنه مات مسموماً من إحدى زوجاته (¬1). وأهم ما يميز فترة الشاه طهماسب: استدعاءه لعالم شيعي معروف من لبنان وهو (نورالدين علي بن عبد العالي الكركي) (¬2)،هذا العالم السيئ ,ولا أقول ذلك مبالغة فقد لقيت أفكاره معارضة شديدة من الشيعة فممن عارضه: الشهيد الثاني (911 - 966هـ) ,والمقدس الأردبيلي (993هـ) ,وإبراهيم القطيفي ,والملا محمد أمين الأستربادي, والملا محمد طاهر القمي, وغيرهم (¬3)؛ولكن الكركي مضى وبرر كل أفعال الصفويين السيئة وألف لهم كتباً تؤيد ما استحدثوه، فألف كتاباً في التربة الحسينية، وجواز السجود للإنسان، ¬

(¬1) إيران دراسة عامة" د. محمد وصفي أبو مغلي (ص149). (¬2) ومع ذلك يفتخر به علماء لبنان الشيعةبأنه هو من نشر التشيع في إيران ,وانظر "جبل عامل في التاريخ",محمد تقي الفقيه (109) ,دار الأضواء ,لبنان. (¬3) "تطور الفكر الشيعي"أحمد الكاتب, دار الشورى, (385).

وألف كتاباً يؤيد السب والشتم للصحابة بعنوان: "نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت"؛ أي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان يفضّل لعن الصحابة على التسبيح لله. وألف رسالة في تغيير القبلة؛ لذا سماه خصومه الشيعة بأنه "مخترع الشيعة"؛ لأنه ابتدع وبرر أفعال الصفويين الشنيعة كلّها. وأخطر من ذلك كلّه أنه جعل صاحب الدولة الصفوية (نائب الإمام الغائب) بالوكالة (¬1). فكان ذلك أول تمهيد لنظرية "ولاية الفقيه"، والكركي ذهب أيام الشاه إسماعيل سنة (916هـ) إلى إيران واطّلع على الأوضاع ثم رجع إلى النجف ليدرس الحالة الجديدة، فعقيدة الشيعة تقول بالتقية وعدم الجهاد إلى ظهور المهدي، والحالة الجديدة في إيران تخالف المعتقد فلا بدّ من نظرية جديدة, فاخترع "نيابة عامة للفقهاء" عن الإمام المهدي، ولكنها ليست للشاه، ورأى طهماسب أن يجلب الكركي لتكون السلطة للفقهاء التابعين له، ويبعد القزلباشية الذين تحكّموا به صغيراً، لذلك سلم طهماسب الحكم للكركي، والكركي أجازه شكلياً لطهماسب، ولكن القزلباشية سممت الكركي فمات مسموماً سنة (940هـ) (¬2)؛وهكذا هم علماء الشيعة يبتدعون ويشرعون ما يشتهي الحكام وأهوائهم ,وصدق الله ¬

(¬1) "التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي"، محمد البنداري، دار عمار (ص62). (¬2) "تطور الفكر السياسي الشيعي"، أحمد الكاتب، دار الشورى، (ص379 - 382).

الشاه إسماعيل الثاني

سبحانه حين يقول: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) (¬1). الشاه إسماعيل الثاني مات الشاه طهماسب مسموماً وحدث صراعاً حول العرش حتى وصل إلى إسماعيل ابنه وكان أبوه قد سجنه مدة (25سنة)، فأخرج، وأول ما قام به قتل أخوته واحداً بعد الآخر، وقتل حاشية القصر بدموية وسمل عيونهم, هكذا نقل, وقيل إن هذه الإشاعات أطلقت عليه لأنه حاول إرجاع إيران إلى المذهب السني. ولكنه لم يدم طويلاً فبعد مدة دخل عليه جماعة وقتلوه سنة (985هـ)، وقيل إنه أبعد العلماء ولم يعترف بـ "نيابة الفقهاء" وأن العلماء كانوا يلعبون بأبيه، فاتهمه العلماء بأنه أصبح سُنياً وقتلوه. والبعض يؤكد أنه تحول إلى سني فقتل (¬2). ¬

(¬1) كما فعل السيستاني للأمريكان وافتى بعدم قتالهم , وأفتى بفتاوى تتلائم مع المصلحة الشيعية الأمريكية ,وقد كشف ذلك بريمر في مذكراته. (¬2) المصدر السابق (ص382)، و"تاريخ إيران زمين" (272 - 273). وذكر البعض أن اتهامه بسفك الدم لم يكن حقيقياً بل اتهام لأنه غير مذهبه إلى السنة.

الشاه محمد خدابنده

الشاه محمد خدابنده وهو ابن طهماسب جلس على العرش سنة (985هـ)، وكان ضعيف البصر لدرجة العمى، ولكنه كان جبّاراً، فقد قتل أخته (بريخان) لما لها من نفوذ عالي في القصر، كما قتل أخواله، وحتى أطفال أخيه إسماعيل الثاني، وحصل قتال بينه وبين العثمانيين زمن السلطان مراد الثالث، وحاول القزلباشية التلاعب بالحكم ووضع حاكم يناسبهم، ولكن ابنه عباس وكان عمره (17) سنة فطن لذلك فجمع جيشاً كبيراً من القبائل وخلع أبوه سنة (955هـ/1587م) (¬1). عهد الشاه عباس الكبير كان الشاه عباس على صغره رجلاً صاحب دهاء ومكر، وكل شيء يفعله غايته تبرر وسيلته، فقام بقتل مربيه وخير قواده، ومدة حكمه كانت (42سنة)، من سنة (996هـ - 1038هـ) (1587 - 1628م)، وكان أول ما قام به معاهدة صلح مع العثمانيين سلّم مدناً كثيرة متنازلاً للعثمانيين. كما شرط عليه إيقاف لعن الخلفاء الراشدين الثلاثة، والذي كان معمولاً به في إيران فقبل. وأبقى ابن أخيه رهينة عند العثمانيين فوافق على كل الشروط (¬2). ¬

(¬1) "إيران دراسة عامة" (149 - 250). (¬2) "تاريخ إيران زمين"، د. محمود جواد مشكور (ص275).

كان الأوزبكيون السُنة قد استولوا على خراسان وعلى مدينتي مشهد وسبزوار سنة (1002هـ)، ولكن مات ملك الأوزبك عبد الله خان وقتل أخوه عبد المؤمن فهاجمهم الشاه عباس في مدينة هراة وطردهم من المنطقة سنة (1006هـ). بعد ذلك اتصل الشاه عباس ببريطانيا لترسل له خبراء أسلحة, ورحبت بريطانيا بذلك فأرسلت له "السير أنطوني شيرلي" وأخوه السير "روبرت سيرلي"، واتفقوا على تكوين جيش جديد من حملة البنادق بدل الرماح والسيوف، كما أدخل المدفعية وبنى مصانع للسلاح، كما إنه كون قبيلة سماها "شاهسون" أي أصدقاء الملك وهو تجمّع على أساس الولاء للملك لا على أساس القربى والنسب (¬1). كما إنه ساعد الإنكليز في إضعاف النفوذ الهولندي في الخليج العربي، وإبداله بالنفوذ الإنكليزي، واشتركا معاً بجيوش لتنفيذ هذه المهمة واستمرت حروبهم حتى سنة (1034هـ). أما حروب الشاه عباس ضد العثمانيين فبدأت عندما شعر الشاه بقوته، شرع بإرجاع ما أعطاه لهم في معاهدته مثل مدينة "تبريز" كما إنه حاول احتلال منطقتي "شروان وديار بكر"، ثم توجه أخيراً إلى بغداد (¬2). ¬

(¬1) "تاريخ إيران"، سايكس (2/ 271)، و"إيران دراسة عامة" (ص252). (¬2) "خليج فارس در عصر استعمار"، وادالا، ترجمة شفيع جوادي (42 - 43)، و"تاريخ إيران زمين" (277).

والشاه عباس كان طائفياً بشكل جلي، وأشنع ما أراد فعله أنه حاول أن يقنع الإيرانيين بالتخلّي عن الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج والاكتفاء بزيارة قبر الإمام الثامن علي بن موسى الرضا في مدينة مشهد؛ لأن الواجب القومي يحتّم عدم السفر عبر الأراضي العثمانية ودفع رسم العبور، وكان يحث رجال الدين لتعظيم زيارة الرضا، كما إنه تردد مراراً لزيارته ومشى مرة على الأقدام إلى مدينة مشهد ويقال إنه مشى أكثر من (1300كم) (¬1). كم إنه عامل الأكراد السُنة معاملة سيئة، فقد طلب منهم الدخول في المذهب الشيعي فرفضوا مما أدى بالشاه عباس إلى قتلهم وشردهم إلى بلاد خراسان ليكونوا حاجزاً بينه وبين الأوزبك، وقد قتل في أيام (70ألف كردي)، ورحّل (15000) عائلة كردية (¬2). وكان يقتل أسرى العثمانيين والأوزبك فإن لم يقتلهم سمّل عيونهم، إلا إذا تخلى عن مذهبه فله حكم آخر. (¬3) وكان أحياناً يمثّل بعلماء السُنة فيقطع آذانهم وأنوفهم وتعطى هذه ¬

(¬1) "الشاه عباس الكبير" د. بديع محمد جمعة (101 - 102). (¬2) "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن"، محمد أمين زكي، ترجمة محمد علي عوني، 1936م، (207، 208، 211). ( History of Persiav`vol 11, P 174) . وفي ذلك عبرة للأكراد وخاصة أكراد العراق، فقد صمد أجدادهم على المذهب وفعل الشاه عباس ما فعل، فهو يحاربهم من أجل المذهب، واليوم تعاون قادة أكراد العراق (الطالباني-البارزاني) مع الشيعة واطمئنوا لإيران، ولن ترحمهم إذا انتهت من سُنة العراق، فهم على أي حال سُنة، والعاقل من اتعظ بغيره. (¬3) "عالم آراي عباسي" (334 - 335).

الأعضاء لعوام السُنة لأكلها. (¬1) وكما كان يحاصر مدناً سنية من أجل تسليمه شخص مطلوب وإلا قتل المدينة كما فعل مع مدينة همدان. (¬2) بينما كان يكرّم النصارى سواء من كانوا من أهل إيران أو رعايا الدول الأوروبية، بل كرم حتى التبشير المسيحي في إيران. وبنى مدينة للأرمن قرب أصفهان، تدعى "جلفا"، وكان يكرم النصارى بشكل غير طبيعي، لذا أقبل تجار أوروبا من كل حدب وصوب إلى إيران، وأصدر قوانين بإعفائهم من الضرائب، ومنع رجال الدين الشيعة من إزعاجهم أو مناقشتهم، وكان يقدّم هدايا لحم الخنزيرإليهم، وأمر جميع أعضاء البلاط باحتساء الخمر مشاركة للمسيحيين حتى ولو في شهر رمضان، وبنى لهم الكنائس، بل كان يشاركهم أعيادهم وسماع مواعظهم، مما شجع بعض القساوسة لدعوته للدخول في الدين النصراني ولكنه اعتذر بلطف. (¬3) ¬

(¬1) "الشاه عباس الكبير" (ص103). (¬2) مرجع سابق (103 - 104). كما فعل الأمريكان مع فيلق بدر وحاصروا الفلوجة وطلبوا من أهل الفلوجة بعض المطلوبين. (¬3) "الشاه عباس الكبير" (106 - 107).

أما خلاصة ما فعله في مدينة بغداد، فقد ثار قائد من القواد العثمانيين على والي بغداد يدعى (بكرصوباشي) وسيطر على بغداد ولكنه خاف من بطش العثمانيين، فأرسل إلى الشاه عباس يطلب منه دعمه مقابل أن تكون بغداد تابعة له (¬1)، رحب الشاه عباس بذلك، حتى يستعيد بغداد ويتمكن من زيارة النجف وكربلاء، وتكون تحت تصرفه. توجه صوب بغداد وعندما اقترب من بغداد طلب من "بكر صوباشي" مفاتيح بغداد، ولكن بكر رفض تسليمه خوفاً من الغدر به. واستطاع الشاه عباس دخول بغداد والسيطرة على الموصل وكركوك وسيطر على أغلب العراق وذهب إلى النجف. ولكن ماذا فعل الشاه عباس ببغداد؟ هتك حرماتها وأستارها، ورمل نساءها، ويتمت الأطفال، وأتلفت الثروات، وخربت الجوامع، وجعلت أرضاً منبسطة، وهدمت المراقد ونهبت, ومنها مرقد أبي حنيفة وعبد القادر الجيلاني. وأما العشائر فنكّل بها وأجرى عليهم عدة مظالم. والشاه عباس خدع أهل بغداد عندما وعدهم بالأمان كي يسلموا اسلحتهم، وأخذ يقتل ويعذب الآلاف ورفض كثير من أهل بغداد تغيير عقيدتهم وفضلوا الموت على التشيع ولو بالظاهر، وأخذ أطفالهم ¬

(¬1) مثلما فعلته المعارضة العراقية استعانت بالمحتل وإيران على حكومتها.

المستحدثات في عصر الشاه عباس

والنساء فباعهم كعبيد إلى إيران ولم يعرف لهم خبر، وكان ينوي إبادة أهل السُنة في بغداد، لذا طلب من سادن وخادم كربلاء إعداد قوائم لأهل السُنة والشيعة كي يبيد أهل السُنة، وحول المدارس الدينية إلى اصطبلات وهدم جامع أبي حنيفة وجانع عبد القادر الجيلاني، ثم عين والياً لها وغادرها إلى بلاده، وكان ذلك سنة (1033هـ) (¬1). وفي سنة (1038هـ) هلك الشاه عباس. وولي بعده الشاه صفي الأول سنة (1038هـ)، وفي عهده وبالضبط سنة (1048هـ) حرر العثمانيون منه مدينة بغداد وكل العراق ولم يستطع الصفويون عمل أي شيء للعراق بعد ذلك، علماً بأن إيران هي البلد الوحيد المجاور للعراق والتي لها أطماع في احتلاله دائماً، واعتداءات إيران على العراق أشهر من أن تذكر. المستحدثات في عصر الشاه عباس 1 - أقام أعياداً لكل يوم ولادة إمام من الأئمة الاثني عشر، كما أقام العزاء في ذكرى وفاتهم، وخصص (8) أيام لعلي بن أبي طالب في رمضان. (¬2) 2 - أبقى وأيد كل ما استحدثه الشاه إسماعيل. ¬

(¬1) تفاصيل كل ذلك في كتاب "العراق بين احتلالين"، المجلد الرابع، و"أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث" لونكريك. (¬2) "زندكاني شاه عباس أول" (3/ 6).

3 - خصص زيارة الرضا

3 - خصص زيارة الرضا. 4 - سمى نفسه (كلب عتبة علي)، أو (كلب عتبة الولاية)، ونقشه على خاتمه. (¬1) الدولة الصفوية بعد الشاه عباس استمرت الدولة الصفوية بعده قرابة (100) عام) وانتهت سنة 1148هـ، وكل من حكم من الصفويين كان غير ملتزم بالدين، فكلهم قتل من عائلته ابنه وأخته وابن أخيه، وطرقهم وحشية في التعذيب والقتل العشوائي وشرب الخمور، هذه هي معالم الدولة الشيعية الاثني عشرية الأولى، وكان تغطي على هذه السلوكية بإقامة الشعائر الحسينية لنصرة آل البيت. وأهم شيء في هذه المرحلة هو أنه أصبح للدولة الصفوية شيخاً للإسلام وهو محمد باقر المجلسي (1037 - 1111هـ) هذا الرجل الذي ألف أكبر موسوعة شيعية وهي كتاب "بحار الأنوار" جمع فيه كل نقولات الشيعة السابقة وقد طبع, وهو أكثر من مائة مجلد. ويقول بعض الشيعة المتنورين إنّ هذا الكتاب أساء للتشيع بسبب جمعه الغث والسمين من تراث الشيعة, وحوى روايات تفضح التشيع بأفكار الغلو والتكفير والدموية ,وأصبح مرجعا للطعن بالشيعة, واستغله خطباء المنابر الحسينية لحكاية روايات ¬

(¬1) المرجع السابق (3/ 17).

الدولة الصفوية في الشرق (أفغانستان)

الغلو والخرافة (¬1). ونحن نخالف الكاتب المعتدل إذ أن التراث الشيعي بقي حكرا على علمائهم ولكن جمعه في كتاب سهّل للعوام الاطلاع على خبايا كانوا لا يتمنون أن تظهر لأنهم استخدموا التقية لكتمانها، فكان هذا الكتاب فاضحا لكل أسرارهم. الدولة الصفوية في الشرق (أفغانستان) استولى الصفويون على مدينة قندهار (جنوب أفغانستان) سنة 947 هـ ولكن الأوزبك (السنّة) أرجعوها، ثم استولى عليها المغول في الهند سنة 1021 هـ ثم سلموها إلى الصفويين سنة 1038 إلى أن سيطروا على كل بلاد أفغانستان الحالية وعينوا على حكمها رجلا من جورجيا، ولكن الأمير أويس (السني) قام سنة 1120 هـ بطرد الصفويين من قندهار وبدأ بتحرير جميع بلاد الأفغان من أيديهم، ولكنه مات سنة 1127 هـ، وعندما كبر ابنه (مير محمود) وبالتعاون مع الأوزبك (السنّة) طردوا الصفويين واستمروا بالزحف على إيران وحطموا الدولة الصفوية، ودخلوا عاصمتهم أصفهان، ولم يبق للصفويين إلا رقعة صغيرة في شمال إيران، وكاد (مير محمود) أن يدحرهم، لولا تعاونهم مع الروس، وفضلوا اقتسام الدولة الصفوية مع الروس، ولا يعطوها لمير محمةد (السني)، وليلاحظ القارئ الكريم كيف ¬

(¬1) "لمحات اجتماعية" (1/ 78).

يفضل الشيعة النصارى على المسلمين حتى أيام ضعفهم ووهوهم. مرض (مير محمود) وبدأ الروس بالسيطرة على بلاد الصفويين، وتراجع (مير محمود) وخلفه عمه (أشرف) وانتهت الدولة الصفوية بظهور (نادر خان) (شيعي لكن عنده نزعة الاعتدال) والذي أنهى الدولة الصفوية فيما بعد، وأدخل حكم الأفشار سنة 1148 هـ، وجرت في عهد نادر شاة أول محاولة للتقريب بين السنة والشيعة، وإيقاف حملة السب للخلفاء، ونجح نوعا ما، ولكنهم قتلوه سنة 1160 هـ، وليس هذا موضوع البحث. واستطاع الأفغان المحافظة على سنيتهم/ واليوم لا يشكل الشيعة في أفغانستان سوى 10% وهم من قبائل الهزارة، وقليل من القومية الفارسية.

خاتمة مهمة

خاتمة مهمة هذه هي الدولة الصفوية (907هـ - 1148هـ)، قرابة 250 سنة، الدولة الشيعية الإمامية الأولى في التاريخ, واقصد الدول الكبيرة وإلا فقد ظهرت قبلها دولة المشعشعين في الأحواز بين سنة (783 - 1117هـ) وكذا الدولة السربدارية في خراسان بين سنة (738 - 782هـ) ودولة السادة المرعشية في مازندران بين سنة (795 - 1001هـ) وكل هذه الدول صغيرة ومحلية أما الدول الكبرى قبل الصفويين مثل: الدولة الفاطمية فهي دولة شيعية إسماعيلية، والبويهية هي دولة زيدية (لكنها تختلف عن زيدية اليمن بل هي زيدية غلاة). ولم يكتف الصفويين بالتعامل مع الأنكليز والبرتغاليين بل تعاونوا مع الفرنسيين سنة (1708م) زمن الشاه حسين الصفوي وارسل الفرنسيين أسطولا وسهلوا إحتلال إيران لمسقط. ولقد توسعت الدولة الصفوية في إيران وأفغانستان ولكن الأفغان نجحوا في تطهير بلادهم وابقوها سُنية؛ لذلك فإن إيران تكيد لأفغانستان والعراق بشكل خاص.

والدولة الصفوية أول دولة شيعية إمامية، شيّعت إيران بالقوة, فقد كان الشيعة نسبتهم في بلاد إيران تقدر (10%)، وأصبحت اليوم (65%) (¬1)، والسُنة اليوم على كونهم (35%)، فلا قيمة لهم في إيران، بل إن النصارى والأرمن واليهود والزرادشت والبهائيين والذين مجموع نسبتهم (2%) لهم من الحرية في العبادة والعمل داخل إيران أضعاف ما للسُنة. وعندما جاءت الثورة الإسلامية في إيران، وهي الدولة ¬

(¬1) "التاريخ الإسلامي" محمود شاكر، المجلد (18)، المكتب الإسلامي.

الإمامية الوحيدة في الأرض أعلنت في دستورها المادة (12): أن الدين الرسمي هو الإسلام، والمذهب الجعفري هو الاثني عشري، وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد. هذا هو التعصب الطائفي، أما التعصب الفارسي فظهر في الدستور عندما اشترطوا أن يكون رئيس الجمهورية "فارسياً". إن سلوكية الشيعة في كل وقت وزمان سلوك واحد، لأنه ينبثق من مصادر واحدة، فمؤلفاتهم كلها دعوة لتعذيب وتقتيل أهل السُنة (النواصب)، فإذا استضعفوا استعملوا (التقية)، وإذا تمكنوا استعملوا أشد أنواع القتل والتكفير لأهل السُنة، منطلقين من عقدة الاضطهاد التي تولدت وولدت عند أتباعهم، مثلما ولّد اليهود عندهم عقدة المظلومية والاضطهاد، والتي تولد بدورها الحقد الدفين, وحالهم حال العبيد؛ استخذاء تحت سوط الجلاد وتمرد حين يرفع السوط. لقد تربى الشيعة على هذه العُقد أكثر من (13) قرن، وكلهم وإن كان بنسب مختلفة يحمل هذه العُقد، لذلك إذا تمكن الشيعي فعل ما يندى له الجبين، والسُنة لا يصدقون كلّ ذلك لأنهم أحياناً لا يفهمون الدوافع الحقيقية للشيعة. ما أريد قوله، إن حقد الدولة الصفوية لم يأت على الدولة العثمانية ولا على قومية معينة، بل هي وزعت حقدها على أهل السُنة، سواء كانوا إيرانيين أو عراقيين أو أفغان أو أوزبك أو أتراك، كلهم مشتركون بجريمة التسنن وهذه جرم يكفي لقتلهم وتعذيبهم:

(وما نقموا منهم إلا أن يومنوا بالله العزيز الحميد) (البروج:8)، وصدق الله إذ يقول: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف:20]. نعم، هذا ما فُعل سابقاً، واليوم يفعل في العراق مع أهل السُنة، يقتل المرء لكونه سُنياً، ولا يضحك عالم أو مثقف أو سياسي على أهل العراق بقوله: إنها فتنة طائفية، فإن قيادات اليوم للعراق أخرجوا معتقدهم الحقيقي الذي وضعته الدولة الصفوية ونفذته، فحذار حذار .. وسيفعل حزب الله في لبنان ما فعل في العراق، وسيفعلون في البحرين والكويت والسعودية ما فعلته القيادات الدينية الشيعية في العراق بالسُنة. فهذا "حزب الدعوة الإسلامي" في العراق، ألم يقل كثير من كتاب الإخوان المسلمين وغيرهم إنهم تلاميذ الداعية والعالم الشيعي محمد باقر الصدر وأنهم معتدلون خلافاً لغيرهم! فماذا فعلوا عندما تمكنوا: إبراهيم الجعفري من قياداتهم، وجواد المالكي من قياداتهم، وكلاهما تتلمذ على محمد باقر الصدر، فماذا فعلوا عندما حكموا العراق؟؟ إنّ الناطق باسم (جواد المالكي) علي الدباغ - وهو من حزب الدعوة -يكرر عشرات المرات في الفضائيات: أنّ الشيعة ظلموا (14) عشر قرناً، وآن لهم أن

يأخذوا حقهم. وعندما ذهب وفد جماعة الإخوان لتهنئة الخميني بنجاح ثورته الإسلامية، أخبرهم نائبه أنهم - أي السُنة - حكموا (14) قرناً، وآن للشيعة أن يحكموا العالم الإسلامي.

لماذا الدولة الصفوية؟

لماذا الدولة الصفوية؟ ربّ سائل يسأل: حكمت إيران عدة دول مثل القاجارية والبهلوية وغيرها , وكلّها دول شيعية؟ وهل التركيز على إيران كدولة فارسية معادية للعراق, أم المقصود إيران الشيعية؟ والجواب: إن الدولة الصفوية هي التطبيق العملي الأول في التاريخ للأفكار الشيعية والتي كتبت في القرن الرابع للهجرة واستمرت ستة قرون حتى ظهرت الدولة الصفوية, ورغم ظهور دولا شيعية مثل الفاطمية في المغرب ومصر وقبلها البويهية سيطرت على بغداد وابقت الحكام العباسيين شكلا ,وجاءت عدة دول شيعية صغيرة, لكن كل هذه الدول لم تمارس القتل بالملايين والتشريد وحمل الناس على التشيع قسراً, وإدخال أفكار جديدة ,وإحياء أفكارأ متطرفة, وإيجاد أحقاداً طائفية منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا. والذي ظهر لنا اليوم وبعد أكثر من 20 عاما على ثورة إيران الشيعية وظهر وبوضوح للكل أن هذه الدولة هي إحياء للأفكار الصفوية , بدأ أول الأمر بشكل هادي مخطط , وما أن تمكن حتى تعاون مع الغرب وكشّر عن أنيابه وعاد الفكر الصفوي من جديد,

نصيحة لجميع السنة في العالم

والذي هو مزيج من أفكار شيعية وأحلام فارسية توسعية, وسيتعب كل مفكر أو مؤرخ - لا يفهم حقيقة الصفويين- أن يفسر الواقع الحالي للأمة, أو يحاول صرف المعاني التاريخية الواضحة إلى تفسيرات لا تمت للحقيقة بصلة. نصيحة لجميع السُنة في العالم إن الجهل بعقيدة الشيعة وبدولتهم الصفوية وما فعلت في العالم الإسلامي في وقتها، يشمل أغلب علماء الأمة ودعاتها ومثقفيها وساستها، ولكي تصدق اسأل من شئت: ماذا تعرف عن الدولة الصفوية؟ فلن تجد جواباً إلا القليل

لقد تغافلت معظم الجماعات الإسلامية عن عقيدتنا السُنية التي كتبها علماءنا، هذه العقيدة التي فضحت مسالك الشيعة فلم ينخدع أجدادنا بهم، ولكننا اليوم نتيجة هذا التجاهل لما كتبه الأجداد أصبح غالب الجيل الإسلامي اليوم لا يعرف عن خطر التشيع شيئاً، بدعاوى مختلفة؛ مرة بدعوى شيعة اليوم غير شيعة الأمس، ومرة بأن خطر العدو الصليبي الصهيوني داهم ولا وقت للبحث عن الشيعة وعقائدهم وتاريخهم، ونسوا التحالف الصفوي على أوروبا النصرانية لحرب العثمانيين السُنة. واليوم تتحالف إيران "الشيعية" مع أمريكا لإسقاط أفغانستان والعراق ومن ثم احتلال العراق. لقد تكرر على ألسنة عامة الشيعة من جيش المهدي وغيرهم: أن اليهود أحسن من السُنة، فمن أين لهؤلاء العوام هذه الأفكار! اذهبوا إلى حوزات قم والنجف، اذهبوا إلى جنوب لبنان والبحرين والقطيف لتروا ماذا يدرّس الشيعة أتباعهم من الحقد ومكر الليل والنهار، وكيف يدربون على "التقية" في وسائل الإعلام على دعوى "الوحدة الوطنية" و"الوحدة الدينية" و"التقريب" و"نصرة فلسطين".

إيران وحزب الله يرددون ليل نهار أنهم أعداء الشيطان الأكبر "أمريكا"؟! وتحالفوا معهم في إسقاط أفغانستان والعراق. ويزعمون أنهم مؤيدون لأهل فلسطين؟! ولكنهم يقتلونهم في العراق ويغتصبون نساءهم! يا سبحان الله! هذا كله نتيجة الخلل المنهجي في التربية العقدية للجيل الإسلامي المعاصر. وتاريخياً جري تزوير وتحريف آخر من قبل المثقفين. فروجوا أن الدولة الصفوية كان لها خلاف سياسي مع العثمانيين، وكلاهما كان محتل للبلدان العربية (نظرة القوميين)! والقضية ليست دينية ولا مذهبية، بل هي متاجرة باسم الدين. كل هذه الأفكار المنحرفة ربيت عليها الأجيال المعاصرة وغيبت عنهم الحقيقة. فالجماعات الإسلامية كلها غيبت عن أصحابها حقيقة الشيعة وما يجري:

فالأخوان المسلمين أغلبهم لا يعرفون عن التشيع إلا القليل، أما عن الدولة الصفوية فلا يعرفون شيء ألبتة. بل إن مرشد الإخوان في مصر "محمد مهدي عاكف" يشبّه "نصر الله" بصلاح الدين، وما دري أن نصر الله يأنف التشبه بـ "صلاح الدين"، فهم يكرهونه كرهاً أعمى، وقد كتب المفكر الشيعي اللبناني "الأمين" كتاباً في ذم صلاح الدين, وفي مصر كتب متشيع مصري يدعى راسم أحمد النفيس مقالا في جريدة الأهرام يطعن ويهاجم شخصية صلاح الدين. وحزب التحرير مغرق في تنظيره السياسي وتحليلاته الغريبة والعجيبة، بل إن بعض منظري الحزب في لبنان هم من الشيعة. وهم من أوائل من زار الخميني ونقدوا دستوره لأنه مذهبي وليس إسلامي، ومع كل هذا يقولون أن ما يجري في العراق هو من فعل بريطاني وأمريكي، وأما إيران فلا وألف لا! ولعلهم في مستقبل الأيام وحين يفرض الواقع نفسه يعلمون الحق، سيما وإن لهم حب للدولة العثمانية دولة الخلافة، فما بالهم لا يقراءون ماذا فعلت دولة الخلافة بالصفويين.

وأما التيارات الصوفية فلا شأن لها في الشيعة بل أصبح همهم الأول حرب الوهابية، ومن الغريب أن محققاً عراقياً في الثمانينات حقق كتاب "الغنية" للشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله، فقام بمحو ما كتبه الشيخ عبد القادر في ذم الشيعة، والمحقق صوفي معروف بالعراق!! وقد أتعبوا أهل السُنة في الثمانينات والتسعينات عندما كان همهم الأول في العراق حرب أهل الشباب الملتزم في العراق بدعوى "الوهابية"، وكانوا يصرحون بأن خطر الوهابية أشد من خطر التشيع! وقد علموا اليوم من هو أشد خطراً، وأنكى فعلاً عليهم. بل هم اليوم مدخلاً للتشيع في مصر واليمن، وقد حاول إبراهيم الجعفري أن يؤسس تحالفاً مع الطريقة القادرية في العراق ولكنه لم يفلح لوعي السنة في العراق بكل أطيافهم لحيل التشيع، ولله الحمد. وقد وصل ببعضهم الحال أن تعاون مع الشيعة ضد أهل السنة، كما حصل للسقاف في الأردن عندما كُشفت له علاقات سرية مع علماء قم في إيران. وستكشف الأيام عن علاقات لبعض صوفية اليمن مع حركة الحوثي الشيعية (ولكن المسألة تحتاج إلى دراسة أدق لتكشف أسماء لامعة). وليعلم الإخوة الصوفية: أن كبار وسادات الصوفية كالشيخ عبد القادر الكيلاني والحكيم الترمذي وغيرهم كانوا من أشد الناس

محاربة للتشيع. ولولا علماء الأكراد السنة (وجلهم صوفية) لأصبح كل الأكراد شيعة، وعلماء الدولة العثمانية جلهم صوفية وكانوا أشد الناس معرفة ومحاربة للتشيع. والدين في تركيا بعد حكم أتاتورك مدين للبقاء للتيار الصوفي، مثل النورسي وغيره رحمهم الله جميعا. وأما جماعة التبليغ فلا شأن لهم بالشيعة ألبتة! وأما الجماعات السلفية ومع أنهم من أشد الناس وعياً بخطر الشيعة - بفضل الله أولاً، ومن ثم بكتابات شيخ الإسلام وكتابات إحسان إلهي ظهير ومحب الدين الخطيب وغيرهم فلم تعد كل الجماعات لها نفس الوعي السابق. فبعضهم مشكلته الأولى الإرجاء والتكفير!! وغالوا في تصنيف بعضهم بعضا، وانقسمت دعوتهم طرائق قددا وبعضهم بعيد عن مشكلة التشيع، حتى أصبحت الدوائر الأمنية في بلادنا أكثر وعياً منهم بخطر الشيعة. وآخرون منشغلون في التصنيف والمبالغة بالاهتمام بالهدي الظاهر.

وليس نفودهم في إيران والعراق فحسب

ومنهم مختلفون هل يؤيد حزب الله في حربه - الأخيرة - أم لا! إن على كل الجماعات السُنية سواء كانوا من الأخوان والتحريرية، والتبليغية، والصوفية، والسلفية وغيرها من الجماعات أن يعوا أن التشيع الصفوي الإيراني لا يفرق بينهم، فكلهم يحملون وزر السُنية (النواصب)! رضوا بذلك أم أبوا، وإن كان الشيعةَ اليوم- بذكاء - يركزون على السلفية ويوحون أن عداء الشيعة مع الوهابية فحسب ليوهموا أن عداءهم ليس للسنة، ولكن انكشفَ هذا بتهجمهم على الشيخ القرضاوي حين نقدهم بلطف في مؤتمر الحوار الأخير في قطر. وليعيدوا قراءة التاريخ بعامة، وليعيدوا قراءة تاريخ الدولة العثمانية، وليعيدوا قراءة عقائد علمائهم من أي مسلك كانوا، سواء كانوا: (أشعرية، صوفية، ماتريدية، سلفية .. ) عن حكم الشريعة بالشيعة. علماً بأن أهل السنة لم يكونوا في يوم ما طائفيين وعاش الشيعة في كنف السنة بأمان، عندما حكم السنة قديما كل الحضارة (لأن كل الحضارة الإسلامية هي حضارة سنية) كانوا أهل عدل حتى مع جميع الفرق الإسلامية وغير الإسلامية، ومع جميع الأديان، وحتى في العصور الشي غاب فيها العدل الإسلامي، لم يقتلوا ويمثلوا ويهجّروا الآخرين كما فعلت الشيعة في عهد الصفويين، واليوم علمت الاُمة ما يفعلونه في العراق وما تريد إيران الشيعية فعله بالعالم الإسلامي. وليس نفودهم في إيران والعراق فحسب، • فها هم اليوم في لبنان يثيرون الفوضى

وما يفعله شيعة البحرين

ويتعاونون مع النصارى لتفكيك لبنان والأخبار منتشرة ببداية عملية شراء كبيرة من قِبَل الشيعة لمساكن وأرضي سنية ودرزية ونصرانية في جميع أنحاء لبنان لتغييو الديمغرافية اللبنانية. • وما يفعله شيعة البحرين - بعد فوزهم بالانتخابات - حتى بعثوا وفدً أسريا إلى لبنان للتعلم على طرق الإضراب العام تمهيدا لخلق توترات في البحرين • وفي سوريا استغلوا الحكم العلوي، وبدأ التشيع واضحا في مناطق سوريا، وشرعوا بتشييع العلويين (النصيرية) أولا، لأن الشيعة كانوا يفتون بكفر العلويين - وأوقف ذلك الخميني لأغراض سياسية- واذهب إلى منطقة زينب في دمشق لترى الوجود العراقي والإيراني واللبناني. • ومحاولاتهم في مصر واضحة، ووكذا الأردن والمغرب العربي وإفريقيا واضحة أقلقت حتى الدوائر الأمنية في هذه الدول. وكيف تعاونوا مع الفرنسيين في جزر القُمر لفوز رجل شيعي لحكم البلاد. • وحجم استثمارهم المالي في الإمارات - البحرين - عمان، واضح، فهل من مدكر أو معتبر!

الخاتمة

الخاتمة وفى الختام ننبه كل المفكرين والمتدينين والمثقفين والساسة وصناع القرار ألا يخدعوا بالتركيز على التشيع السياسي أكثر من الفكرى، فالتشيع العقدي الفكري هو الأخطر وهو القنطرة للتشيع السياسي، ذلك أن الفكر الشيعي هو فِكرٌ مسيس اقتحامي يسعى لتقويض حكم أهل السنة. كما أن في هذا دافعا للشيعة العرب أُن يعوا أن هناك خطرا فارسيا صفويا سيحطم حتى التشيع نفسه، ويولد أحقادًا سنية تجاههم لا يستطيعون تحمل تبعاتها. ولعل الغربيين كانوا أوعى من أبناء جلدتنا عندما قال المستشرق فيرناندو النمساوي: "لولا الصفويين في إيران لكنا اليوم في بلجيكا وفرنسا نقرأ القرآن كالجزائريين" والله هو الهادي إلى سواء السبيل، أسأل الله أن يكون هذا البحث، وهذا التوضيح دافعاً لجميع المسلمين لتدارك هذا الخطر، أسأل الله القبول، والله من وراء القصد

§1/1