عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل

ابن البناء المراكشي

مقدمة

[مقدمة] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عليه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما قال الشيخ الفقيه الإمام العالم الجليل أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المروكشي المعروف بابن البنا رحمه الله. الحمد لله منزل الكتاب وهادي الألباب وجاعل السبيل ومقيم الدليل ومجلي اليقين بالنور المبين وهو رب العالمين. والصلاة التامة على خاتم الرسل وموضح السبيل معلم الحكمة وهادي الأمة محمد النبي العربي الأمي صلاة تنيلنا الزلفى والمورد الأصفى وعلى آله الطيبين وصحبه

الأكرمين الذين سلكوا سبيله، وبينوا دليله وبالغوا في الإرشاد والنصيحة وضبطوا بخط المصحف لغته الفصيحة على أكمل بيان لتفهيم الفرقان المبلغ إلى مقامات الرضوان ومحل الإحسان وسلم كثيرا. وبعد فإنه لما كان خط المصحف الذي هو الإمام الذي يعتمده القارىء في الوقف والتمام ولا يعدو رسومه ولا يتجاوز مرسومه قد خالف خط الأنام في كثير من الحروف والأعلام. ولم يكن ذلك منهم كيف اتفق، بل على أمر عندهم قد تحقق، بحثت عن وجوه ذلك بمقتضى الميزان ووافي الرجحان ووقفت منه على عجائب ورأيت منه غرائب جمعت منها في هذا الجزء ما تيسر عبرة لمن يتذكر وسميته) عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل (هو لأولي الألباب مفتاح تدبر الكتاب بحول الله تعالى وقوته. ولا بد من تقديم ما لا بد من تقديمه في البيان ليكمل بذلك فيه العرفان وبالله التوفيق. فأقول: إن الخط المحسوس له صورة تدرك بالأبصار واللفظ المسموع له صورة

تدرك بالآذان ومحل اللفظ الصوت وهو من لدن محل الهمزة في أقصى الحلق إلى الشفتين ثم إلى حيث يبلغ في الوجود. وفي الصوت تحدث الحروف المقطعة المسموعة في اللف. وما وراء الهمزة في الصدر من الهواء المندفع في الحجاب الذي به يكون التصويت لا يسمع. والهمزة مبدأ الصوت، فلا صورة لها لأنها حد بين ما يسمع وما لا يسمع ولا يتأتى النطق بها ساكنة ولا شيء من الحروف الساكنة ابتداء إلا بتقديم الهمزة. فلا بد من حركتها بالضرورة. والحركات ثلاثة الرفع والنصب والخفض وأولها وأخفها في الحس على النفس فعل النصب لأنه على الإنفتاح الذي هو أصل للصوت ثم يعرض له الضم والكسر. وأثقلها فعل الرفع، ودونه فعل الخفض. والفتحة فعل بين الضمة والكسرة. وهذه الحركات الثلاثة التي هي في الأصل للهمزة بالاضطرار هي التي تلقى على سائر الحروف الساكنة بالاختيار. فإذا طولت الهمزة بمد الصوت حدثت حروف المد واللين الثلاثة تابعة للحركات الثلاثة فلها صورة ظاهرة في السمع وهي: الألف والواو والياء.

فهذه الحروف الثلاثة من حيث اتصلت بالهمزة كانت أول الحروف كلها لأنها في مقطع الهمزةن والحروف بعدها في مقاطع أنفسها. وإذا تحركت الحروف وطولت بالمد تبعتها هذه الحروف الثلاثة أيضا. فكانت بهذه الجهة آخر الحروف كلها. وهي مع كل حرف في مقطعه. فلأجل ذلك لم يجعل للهمزة صورة في الخط. وإذا عضدت في موضع في الخط فإنما تعضد بأحد هذه الحروف الثلاثة على ما نبينه بعد إن شاء الله. ويبدل بعضها من بعض لمعنى يوجبه. ولأحوال هذه الحروف مناسبة لأحوال الوجود حصل بها بينهما ارتباط به يكون الاستدلال. والألف تدل على الكون بالفعل في الوجود فهي مفصلة لأنها من حيث إنها أول الحروف في الفصل الذي بين ما يسمع وما لا يسمع متصلة بهمزة الإبتداء. ولذلك جعلت علامة الإثنين. والواو تدل على الظهور والإرتفاع والارتقاء فهي جامعة لأنها عن غلظ الصوت وارتفاعه بالشفة معا إلى أبعد رتبة في الظهور. والياء تدل على البطون فهي مخصصة لأنها عن رقة الصوت وانخفاضه في باطن الفم. وسيظهر لك ذلك كله فيما بعد بحول الله تعالى. ومما يوضحه لك عن قرب اعتبار حروف المد واللين ضمائر متصلة

بالفعل المضارع فتدبرها. ولما كانت المعاني تعتبر اعتبارين: تعتبر من باب الوجود بالفعل سواء كانت الآن محصلة لنا أو لم تكن وتعتبر من باب الإدراك والعلم سواء كانت في الوجود أو لم تكن. كما انقسم باب الوجود على قسمين: ما يدرك وما لا يدرك. والذي يدرك على قسمين: ظاهر ويسمى: الملك وباطن ويسمى: الملكوت. والذي لا يدرك نتوهمه على قسمين: ما ليس من شأنه أن يدرك فهو معاني أسماء الله وصفة أفعاله من حيث أسماؤه وأفعاله فإنه انفرد بعلم ذلك سبحانه وتعالى فهذا من هذا الوجه يسمى: العزة. وما من شأنه أن يدرك لكن لم نصله بإدراك وهو ما كان في الدنيا ولم ندركه ولا مثله، وما يكون في الآخرة وما في الجنة كما قال عليه السلام:) فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (وقال الله العظيم: (وَيَخلُقُ ما لا تَعلَمونَ) . وهذا من هذا الوجه يسمى الجبروت. وجاء ذلك كله مرتبا في الحديث في تسبيح الملائكة عليهم السلام وهو قولهم (سُبحانَ ذي المُلكِ وَالمَلَكوت، سُبحانَ ذي العِزَةِ وَالجَبَروت) . وانقسم أيضا باب الإدراك على قسمين:

- ما " مدركه " الضرورة والأخبار. - وما " مدركه " النظر والاعتبار. والتنزيل في الخطاب بين هذه الأقسام صارت اللفظة بحسب ذلك مشتركة في الاعتبار بين البابين وأقسام الوجود فاحتاجت إلى فرقان فيجعل الألف يدل على قسمي الوجود والواو على قسم الملك منه لأنه أظهر للإدراكز والياء على قسم الملكةت منه لأنه أبطن في الإدراك. فإذا بطنت حروف في الخط ولم تكتب فلمعنى باطن في الوجود عن الإدراك. وإذا ظهرت فلمعنى ظاهر في الوجود إلى الإدراك. كما إذا وصلت فلمعنى موصول وإذا حجزت فلمعنى مفصول. وإذا تغيرت بضرب من التغير دلت على تغير في المعنى في الوجود يظهر في الإدراك بالتدبر على ما نبينه بعد إن شاء الله. ولا تقف بالفهم عند أوائنل العلم، فإن معارف الملك والملكوت لا تنحصر فيما أقول. (وَاللَهُ يَقولُ الحَقّ وَهُوَ يَهدي السَبيل) ومبدأ الاعتبار لأولي الأبصار. (يُقَلِبُ اللَهُ اللَيلَ وَالنّهار) ونهايته التذكار بالعزيز الغفار. ولنقدم الكلام على هذه الحروف الأربعة فإنها أكثر تصريفا وتغييرا في الخط من غيرها كما ذلك في القول أيضا. ثم نتبعها بمفردات من سائر الحروف وبالله التوفيق.

باب الهمزة

باب الهمزة قد تقدم أنها لا صورة لها في الخط لأنها مبدأ الحروف، وأنها متحركة وأول الحركات الفتحة. فالهمزة من جهة الإبتداء من الألف الذي هو أول الحروف الثلاثة التي للمد واللين. ثم تعضد في مواضع بأحد هذه الحروف الثلاثة حيث تثبت ولا يتأتى سقوطها. فإن تأتي سقوطها خرجت عن أصالتها فلم تعضد إلا أن يكون في المعنى ما يقوي ظهورها، فتعضد على ما نذكره في فصول أربعة. فصل إذا كانت الهمزة أول الكلمة فإنه لا يتأتى سقوطها لأنها متحركة وليس قبلها غيرها. وهي من جهة المعنى مبدأ الحروف. وقد وقعت كذلك في أول الكلمة فظهرت ثابتة في كل وجه فعضدت بأول الحروف وهو الألف بأي حركة تحركت الهمزة.

فصل إذا وقعت الهمزة آخر الكلمة

فصل إذا وقعت الهمزة آخر الكلمة فقد " أخرجت عن أصالتها بحسب وضعها آخر الكلمة محل الوقف والسكون. فإذا كان ما قبلها متحركا مثل يستهزىء فإنه لا يتأتى سقوطها بإلقاء حركتها عليه لأنه متحرك. ويصح النطق بالهمزة ساكنة مثل: إن يشأ وهيىء أو في الوقف أن الكلمة إنما تكتب على الوقف. فلذلك تعضد بحرف من جنس حركة ما قبلها لأنها إن سكنت في الوقف لم يدبرها حركة نفسها إذ لا حركة لها، إنما يدبرها حركة ما قبلها ولولا حركة ما قبلها ما عضدت فلذلك وجب أن يدبرها حركة ما قبلها إلا أن يقوى معناها في الكلمة بحيث تكون له مرتبة ظاهرة أصلية في الإعتبار فتعضد بحرف حركتها مثل: الملو أربعة أحرف عضدت فيها الهمزة بالواو تنبيها على أن معنى الكلمة

ظاهر للفهم في قسم الملك من الوجود فهؤلاء الملوا هم أرفع الطبقات وهم أصحاب الأمر المرجوع إليهم في التدبير. فقوي معنى الهمزة فعضدت وزيدت الألف بعد الواو تنبيها على أنهم أحد قسمي الملأ فظهورهم هو بالنسبة إلى القسم الآخر في الوجود إذ منهم التابع والمتبوع قد انفصلا في الوجود. وسنتكلم على الألف في بابه. فزيادة هذه الحروف ونقصانها ينوب مناب ذكر صفات الوجود. ويدل على هذا التأويل ما جاء في قصة نوح في سورة " المؤمنون " في وصف الملأ بالذين كفروا وبعده نسبوا إلى قومه وقالوا في الآية: (يُريدُ أَن يَتَفَضّلَ عَلَيكُم) وآخرها (فَتَرَبَصوا بِهِ حَتى حين) . فلهم الأمر في قومهم ولا يرون أحدا من البشر فوقهم لقولهم (وَلَو شاءَ اللَهُ لأَنزَلَ مَلائِكَة) فهؤلاء الطبقة العليا يفي الملأ. ثم طبقة أخرى دون هؤلاء يدل عليها ما في قصة نوح

أيضا في سورة هود. فإنهم وصفوا بالذين كفروا و " بعدها " نسبوا إلى قومه مثل أولئك. وقال هؤلاء في الآية (وَما نَرى لَكُم عَلَينا مِن فَضلٍ بَل نَظُنُكُم كاذِبين) فهؤلاء جوزوا أن يكون غيرهم من البشر أفضل منهم فإنهم طبقة دون أولئك. ثم طبقة أخرى يدل عليها ما في قصة نوح أيضا في الأعراف لم يوصفوا ولم يذكروا تفصيلا فهم بمعنى " أشرف " قومه من غير مزيد اعتبار. فهم أخفض الطبقات في اعتبار الملأ. فأرفع طبقة وأظهرها في الوجود هم الذين عضدت همزتهم. وما في سورة النمل فظاهر بيّن أنهم أصل المشورة والفتوى لأنهم شووروا في أمر سليمان عليه السلام وتعتبر ما لم نذكره بمثل ما ذكرته يحول الله. و" كذلك: (نَبوا الَّذينَ مِن قَبلِكُم) في سورة إبراهيم. (نَبوا الخَصم) و (نَبَوا عَظيم) في سورة " ص " عضدت

الهمزة لظهور تلك الأنباء وعظمها في الوجود، ولكن بالنسبة إلى ما قد وقع مفهوما من خبرها. ولذلك زيدت الألف. وكذلك (يَبدوا الخَلق) عضدت الهمزة لظهور الخلق في الملك بالنسبة إلى الملكوت. وهذه الكلمات جوامع جزئيات. وتعتبر ما لم نذكره بمثل ما " قد " ذكرته بحول الله. وإن كان ما قبل الهمزة ساكنا فإن كان الألف مثل: " هباء " وجفاء فإنها لا تعضد إلا أن يكون في المعنى ما يقويها مثل (أَو لَم يَكُن لَهُم آَية اَن يُعلِمَهُ عُلَماءُ بَني إِسرائيل) عضدت الهمزة تنبيها على علو درجتهم في العلم وظهورهم في الوجود في أرفع طبقة المرجوع إليهم في جزئيات العلم وكلياته ولذلك جعلهم الله آية. واختلفت المصاحف في حرف آخر وهو (إِنّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَمؤا) . وكذلك جزاؤا: خمسة أحرف.

أحدها في العقود: (إِنّما جَزاوا الَّذَينَ يُحارِبونَ اللَهَ وَرَسولَهُ) . وفيها: (وَذَلِكَ جَزاؤا الظَالِمين) . وفي الشورى: (وَجَزاؤا سَيئَةٍ سيئَةٌ مِثلُها) . وفي الحشر: (وَذَلِكَ جَزاؤا الظَالِمين) . وفي الزمر: (ذَلِكَ جَزاؤا المُحسِنين) . وفي طه: (وَذَلِكَ جَزاؤا مَن تَزَكى) على اختلاف في هذا فهذه الحروف عضدت همزتها لظهورها وظهور مصالحها في الوجود لكن بالنسبة إلى تلك الأعمال التي هي " جزاء " عليها وهي جوامع الأصناف من يجازي في الدنيا والآخرة ولذلك زيدت الألف بعد الواو في آخر الكلمة. وكذلك شركاؤا: حرفان أحدهما في الأنعام (الَّذَينَ زَعَمتُم أنهُم فيكُم

شُركاؤا) عضدت الهمزة لأنهم زعموا ذلك وأظهروه في الوجود وبالغوا في التشريك في الملك. وهذا خطاب في مواطن الآخرة يظهر للكافرين عيانا باطل ما هم عليه. والحرف الثاني في الشورة (أَم لَهم شُرَكاؤا شَرَعوا لَهُم) عضدت الهمزة بيانا أن ما أظهروه شركاء لله في الملك مفقود منهم صفة توجب لهم شيئا من ذلك. وهو خطاب في موطن الدنيا يظهر منه للمؤمنين باطل ما عليه الكافرون. وهاتان الآيتان كافيتان في بيان الحق بحسب الفريقين وبحسب الدارسينس. واختلف في الحرف الذي في سورة القلم فمن عضد الهمزة فللتنبيه على ظهور باطلهم لهم في الدنيا في معرض " الإحتجاج " عليهم ومن لم يعضدها فلأنهم لا يعقلون " إذ لو كانوا يعقلون " ما أشركوا. وكذلك أنبؤا: حرفان في الأنعام وفي الشعراء جاء ذكر إتيانهما

معا بعد قوله تعالى: (فَقَد كَذبوا) فدل على أن هذا الإتيان هو بالفعل في الملك إذ قد أعرضوا على إتيانها بالقول على التفصيل والإجمال كما أخبر الله تعالى عنهم في الآيتين. وكذلك الضعفؤا: حرفان في إبراهيم وفي المؤمن يتحاجون في موضع ظهور ضعفهم على تفاصيله فهم ضعفاء في القول في احتجاجاتهم في الدنيا والآخرة، ضعفاء القوة لا ناصر لهم ولا راحم، ضعفاء العمل إذ هم تبع لغيرهم قد بلغوا غاية الضعف في الوجود. وكذلك البلؤا: حرفان في " و " الصافات وفي الدخان عضدت الهمزة لعظم البلاء في الوجود وارتقائه إلى أعظم رتبة، إما في الشر بذبح الأنبياء وهم أقرب الأحباء، وإما في الخير بالنجاة منه وظهورا الآيات البينات. وكله قد وقع في الوجود. وهما أصلان جامعان كما هو " 5ب " مذكور في السورتين. وكذلك شفعاؤا: أفرد في الروم: (وَِلَم يَكُن لَهُم مِن شُرَكائِهِم شُفَعاؤا) والشفعاء أعظم رتبة يوم القيامة حين تظهر الشفاعة

بالفعل في الملك الأخروي وذلك مسلوب عن شركائهم. وكذلك: (وَما دُعاؤا الكافِرينَ) حرف واحد. وهو الدعاء الظاهر في الملك على ألسنتهم وليس في قلوبهم فإنهم كافرون أبدا بقلوبهم. ألا ترى كيف سألوا الخزنة فقالوا (اِدعوا رَبَكُم يُخَفّف عَنّا يَوماً مِنَ العَذاب) . وهم مقرون بأن الرسل أتتهم بالبينات وفي ما جاءت به الرسل إليهم أنهم لا ناصر لهم ولا شافع ولا راحم إذا دخلوا النار فسؤالهم الخزنة تكذيبهم لما جاءتهم به رسلهم فهم في ضلال في الدنيا والآخرة كافرون أبدا (وَلَو رُدوا لِما نُهوا عَنهُ) . وزيدت الألف تنبيها على ظهور دعائهم باللسان لا بالقلب فإن الذي ظهر باللسان غير ما في القلب والجنان. وكذلك: ما تشاؤا أفرد في هود عضدت الهمزة لأنهم قصدوا ذلك من حيث الوجود وإن مشيئتهم في أعلا رتبة. قالوه في مقابلة التحجير عليهم. فهذا أصل جامع لجزئيات الحلال والحرام من جهة الإقدام والإحجام بحسب المشيئة والأحكام. وكذلك: ابنؤا الله. " قالته " اليهود والنصارى يريدون أنهم أرفع

طبقة في الناس عند الله وأنهم مكرمون عنده يغذيهم وينعم عليهم ولا يؤاخذهم بذنب. وكذلك عضدت الهمزة بالياء في أربعة أحرف تنبيها على اختصاص معنى الكلمة بظهوره في المعنى الملكوتي. منها: في يونس (مِن تِلقائي نَفسي) هو التلقاء الخاص الذي يظهر من قبل النفس ورأيها. وفي النحل: (وَإِيتاي ذي القُربى) هو الإيتاء الخاص الذي بينه. وفي طه: (وَمِ، ءاناىء اللَيل) هي آناء خاصة ملكوتية غير معينة بالحس. وفي الشورى: (أَو مِن وَراىء حِجاب) هو الوراء الخاص بالملكوت الذي يظهر بالحجاب. وهذه جوامع كلمات تندرج تحتها جزئيات. وقد قال بعض المصنفين، إن هذه اآيات زائدة بعد الهمزة وهو ضعيف، وجهة " العضد " أول بها. والله أعلم. وإن كان الساكن قبل الهمزة غير الألف مثل الخبء وبرىء فإنها لا

فصل إذا وقعت الهمزة وسطا في الكلمة المفردة أو المركبة

تعضد لأنها مع الألف تحذف في الوقف لأنه لا يجتمع ساكنان ولا يتأتى إلقاء حركتها عليه لسقط. وأما مع غير الألف فيتأتى إلقاء حركتها عليه فتسقط من وجهين فلذلك تعضد حيث يقوى معناها. وأيضا يصح في الألف التطويل فيقوم فيه مقام الحركة: فقد يلتقي لأجل ذلك ساكنان نحو دابة والطامة. وفي قراءة ورش: (وَمَحياي وَأَرَأَيتَ) وشبه ذلك. فصل إذا وقعت الهمزة وسطا في الكلمة المفردة أو المركبة ونعني بالمركبة ما تألفت من كلمتين مثل: أنبائهم. وليس السين مع الفعل المستقبل بتركيب لأن السين مختصر من سوف. وسوف كلمة مستقلة لا تركب مع الفعل. تقول العرب: سوف أقوم وسوأ قوم وسأقوم. فهي كالحروف العامة فاعلم.

فإن كان ما قبل الهمزة ألفا عضدت الهمزة ودبرها حركة نفسها مثل: (عَطآَءَنا) و (مَلائِكَة) لأنها ليست في موضع الوقف فتسكن ولا يتأتى إلقاء حركتها على الألف فتثبت لأجل ذلك إلا أن تكون مفتوحة فلا تعضد لئلا يجتمع الفان (فهما (لا يجتمعان في الفم فلا يجتمعان في الخط نحو: أبناءهم و (تَساءَلَون بِهِ) . وإن كان ما قبل الهمزة ساكن غير الألف فتعضدن أيضا مثل موئلا عضدت إلا أن تكون مفتوحة فلا تعضد مثل: يسألون لأنها لم تعضد مع الألف التي لا يتأتى سقوطها معه بإلقاء حركتها عليه فكيف تعضد مع غيره الذي يتأتى سقوطها معه بإلقاء حركتها عليه إلا أن تقوى بالمعنى مثل: شطئة والنشأة حيث وقع لأنهما على معنى الهمزة وهو مبدأ الظهور في الوجود الحسي فعضدت الهمزة. وإن كان ما قبل الهمزة متحركا وهي ساكنة فإنها تعضد " إذ ليس " ثم

موجب لإسقاطها بوجه مثل: سولك، إلا أن يكون معنى الكلمة أمرا باطنا من عالم الملكوت فتبقى على الأصل ولا تعضد وذلك مثل الرءيا ورءياك ورءياي. فهذه على خلاف رؤية العين الملكية فإنها تعضد همزتها مثل: (تَرَونَهُم مَثلَيهِم رَاَيَ العَين) . وكذلك: (فَادارَأتُم فيها) هو شيء باطن. قال الله تعالى: (وَاللَهُ مُخرِجُ ما كُنتُم تَكتَمون) ولذلك حذف ألفه أيضا. وإن كانت الهمزة متحركة بعد متحرك فلا يتأتى إسقاها. فإن كانت مفتوحة دبرها حركة ما قبلها مثل: (فِئَتين) لأن حركتها أخت الألف فلو دبرها حركتها للزم الألف أن يكون قبلها ضمة أو كسرة وذلك لا يفهم فيقلب واوا أو ياء، فكذلك في الخط. فلذلك دبرها حركة ما قبلها. ولم تعضد في السيئات لأنها جماعة الدنيات فبعدت عن أصل

الملكوتيابت وظهور الثبوتيات. وإن كانت الهمزة المتحركة غير مفتوحة بعد المتحركة وكان بعدها واو الجمع أو ياؤه لم تعضد مثل: (يَستَهزِءُون) و (المُستَهزِءين) و (تَبوءو الدار) . كما لم تعضد أيضا في مثل النبيئن مما قبلها ساكن لأنها لو عضدت للزم اجتماع ثلاث ياءات والكسر وثلاث واوات والضم كما ترى في النبيئن وتبوءو. ولا ينبغي أن يسقط حرف الأعراب للتخفيف لما فيه من الإخلال بظهور المعنى: فقد سقط عضدها من وجه. وإن كانت الهمزة مضمومة بعد كسرة دبرتها الكسرة حركة ما قبلها مثل: (سَنُقرِئُكَ) لأنه لو دبرها حركة نفسها للزم أن يكون الواو

قبله كسرة فينقلب ياء. وإن كانت الهمزة بخلاف ذلك دبرها حركة نفسها مثل: (يَكلَؤُكُم) و (سُئِلَت) وإنما لا يصح اجتماع ثلاث واوات في الخط لأن الواو دليل الوجود الملكي ومدركاته قسمان: جوهر وعرض لا غير، فلا يجتمع في العلم ثلاث ظهورات فلا يجتمع في الخط ثلاث واوات. ولأن الجوهر والعرض ليسا بقسمين ظاهرين في الوجود الملكي لأن الجوهر لا ينفك عن العرض حسا فلا يظهر اثنين فلا يجتمع في الخط واوان في كلمة واحدة على ما نذكره في باب الواو. وإنما لا يصح أيضا إجتماع ثلاث ياءات في الخط لأن الياء دليل الوجود الملكوتي وهو ثلاث أقسام في الفهم ما يتصور من الجوهر وما يتصور من العرض وما يومن به من خلف علامة في الذهن شعرية فلا يجتمع في الفهم أربع بطونات ولأن ما يتصور من العلامة ليس هو ملكوتيا بل هو جبروتي نا لم ندركه فلا تكون الياء دالة عليه وإنما يدل عليه علامتها وهي الكسرة

الخارجة عنها كما دل على هذا شيء خارج عنه فلا يجتمع في العلم ثلاث ياءات فلا يجتمع في الخط فافهم تعلم. فصل في اجتماع همزتين في كلمة واحدة فإن كانت الأولى متحركة والثانية ساكنة فتحقق الأولى وتبدل الثانية " بحرف حركة " ما قبلها. فإن اجتمع ألفان حذف أحدهما والأضعف منهما أولى بالحذف وكذلك مثل أوتي " وإِيتاء "، و " إيمان " وء " امن " إلا حرف واحد في سورة قريش: (إِيلافِهِم) (رِحلَةَ الشِتاءِ وَالصَيف) لأنه إيلاف تدبير منتقل يدلك عليه عمله في الرحلة المضافة للزمانين المختلفين. وإن كانت الهمزة الأولى مفتوحة والثانية مضمومة أو مكسورة فتحقق الأولى

المفتوحة وتبدل المضمومة واوا والمكسورة ياء يسقطان في الخط في بعض الحروف مثل (أا. شَهِدوا) (أ. لَقي الذكر) (أ. نَزلَ عَلَيهِ) (أَبِفكاً) و (قالوا أ. ذا) ونحو ذلك. ويثبتان في بعض الحروف مثل (قُل أَُؤنَبِئُكُم) (لأن) الواو فيه بدل من (همزة المتكلم) وهو شيء موجود حاضر. فأظهرت الواو في الخط بخلاف الواو في أ. شهدوا وأخواتها لأنها بدل من " همزة " الفعل فهي ملكوتية. ومثل: (وَكانوا يَقولُونَ أَئِذا مِتنا) فرد في الواقعة ثبت فيه بدل الهمزة ظاهرا لأن الخطاب من موطن الآخرة وحضورها. ألا ترى كيف أخبر عنهم بماضي الكون فيها فقال تعالى: ((وَكانوا يَقولونَ أَئِذا مِتنا) ولم يخبر بماضي الكون في غيرها.

ومثل: (أَئِنَكُم لَتَشهَدون) ظهر الحرف المغير على حرف أصلي تنبيها على تحقق ظهور شهادتهم الباطلة في الوجود. وهي شهادة مغيرة عن أصل الشهادة " المحضة " ولذلك قال تعالى: (قُل لا أَشهَد) . كذلك فتدبر في أخواتها حيث وقع " إظهار " ياء الإبدال مثل: (أَئِِن ذُكّرِتُم) وغيره أظهرت الياء لظهور الذكر وتغييره " للغفلة " التي كانت أصلهم. وسنتكلم على الياء في بابها، وإنما هذه بدل من الهمزة. وقد لا تقرأ ياء محضة. وكذلك أئمّة فانّه يكتب بالياء عند الجميع لأن أصله أَأمِمة جمع إمام، على وزن أفعلة. نقلت كسرة الميم إلى الهمزة الساكنة قبلها لارتباط الحرفين باجتماع الطرفين تنبيها على رجوع حكم المأموم إلى الإمام كما رجعت غنة الميم إلى خلفها من إمام. فسكنت الميم فأدغمت في الميم في الثانية، وأبدلت الهمزة المسكورة ياء محضة لأنه قد لزم عضدها بحرف حركتها وهي ظاهرة في الواحد معضودة وقد انقلب معنى الواحد للجمع واختصاص المعنى بجهة الملكوت ظاهر في العلم.

فافهم. وإِن كانت الهمزتان مفتوحتينب فلاتعضد " إحداهما " لئلا يجتمع ألفان مثل (ءَأَنذَرتَهُم) (ءَأَنتُم تَزرَعونَهُ) ونحو ذلك. ولئن أبدلت الثانية ألفا لا يرسم في الخط ألفان. فهذا ضابط حكم الهمزة في خط المصحف.

باب الألف

باب الألف اعلم أن الألف على ثلاثة أقسام في الخط: منه ما يكون زائدا. ومن ما يكون ناقصا. ومنه ما يكون بدلا. وهذه الأقسام على أصل الثبوت في الخط والكلام إنما هو في هذه الثلاثة أقسام في ثلاثة فصول. فصل في الألف الزائدة وهي على ثلاث أضرب: ضرب تزاد من أول الكلمة. وضرب تزاد فيه من آخرها. وضرب تزاد فيه من وسطها.

فالضرب الأول الذي تزاد فيه من أول الكلمة. هذا يكون باعتبار معنى زائد بالنسبة إلى ما قبله في الوجود مثل: (أو لأَذبَحَنّه) أو (لأَاوضَعوا خِلالَكُم) زيدت الألف تنبيها على أن المؤخر أشد وأثقل في الوجود من المقدم عليه لفظا. فالذبح أشد من العذاب والإيضاع " أشد فسادا " ن من زيادة الخبال. وظهرت الألف في الخط لظهور القسمين في العلم. واختلف المصاحف في حرفين: (لا إٍلى الجَحيم) و (لا إِلى اللَهِ تُحشَرونَ) . فمن رأى أن مرجعهم إلى الجحيم أشد من أكل الزقوم وشرب الحميم وأن محشرهم إلى الله أشد عليهم من موتهم أو قتلهم في الدنيا أثبت الألف ومن لم ير ذلك لأنه غيب عنا فلم يستو القسمان في العلم بهما لم يثبته وهو أولى.

وكذلك (يايئس) (وَلا تايئسوا) (إِنّهُ لا يايئس) (أَفَلَم يايئس) لأن الصبر وانتظار الفرج " أخف " من " الإياس. والإياس لا يكون في الوجود إلا بعد الصبر والانتظار. والضرب الثاني الذي تزاد فيه من آخر الكلمة. هذا يكون باعتبار معنى خارج عن الكلمة فحصل في الوجود مثل زيادتها بعد الواو في الأفعال مثل (يَرجوا) (وَيَدعوا) وذلك أن الفعل " أثقل " من الإسم لأن الفعل يستلزم معناه فاعلا بالضرورة فهو جملة في الفهم منقسمة قسمين، والاسم مفرد لا يستلزم غيره. فالفعل أزيد من الإسم في الوجود، والواو أثقل حروف المد واللين، والضمة أثقل الحركات والمتحرك أثقل من الساكن وكل ذلك حاصل في الوجود يجده كل إنسان من نفسه ضرورة. وأصل يرجو يرجو اجتمع الفعل والواو والضمة وحركة الواو. فخففت الواو بالسكون لأنها في محل الوقف آخر الكلمة. وبقي ثقل الفعل والحرف

فزيدت الألف تنبيها على هذا " الثقل " الذي هو للجملة بالنسبة إلى الإسم المفرد الذي هو شيء خارج عن الفعل ولازم عن فهم الفعل بعده وفي الاعتبار. وكلاهما ظاهر في العلم فلذلك زيدت الألف من آخر الكلمة. فإذا كانت الألف تزاد فيه مع الواو التي هي لام الفعل فمع الواو التي هي ضمير الفاعلين أولى لأن الكلمة جملة مثل: قالوا وعصوا إلا أن يكون الفعل مضارعا وفيه النون علامة الإعراب فيتحصن الواو بالنون التي هي من جملة الفعل إذ هي إعرابه، فتصير كلمة واحدة وسطها واو، كالعيون والسكون. فإذا دخل ناصب أو جازم مثل: (فَإِن لَم تَفعَلوا وَلَن تَفعَلوا) ثبت الألف. وقد تسقط في مواطن حيث لا يكون ذلك على " الجهة المحسوسة من الفعل بل على أمر باطن في الإدراك مثل: (وَالَّذَينَ سَعَوا في آَياتِنا مُعاجِزِين) هذا سعي بالباطل ملكوتي لا يصح له ثبوت في الوجود من حيث هم

(مُعاجِزونَ) فسعيهم باطل في الوجود. وكذلك: (وَجاءَ بِسِحرٍ عَظيم) و (جاءوا ظُلماً وَزوراً) ، (وَجاءوا أَباهُم عِشاءَ) (وَجاءَوا عَلى قَميصِهِ) هذا المجيء ليس على وجهه من حالة الوجود الملكي الصحيحة. وكذلك: (فَإِنّ فاءَو) و " هو " في بالقلب والاعتقاد. وكذلك (تَبَوّءو الدارَ وَالأيمان) (اِختارُوهُما) مسكنا لكن لا على الجهة المحسوسة لأنه سوى بين الدار والإيمان، وإنما اختاروهما مسكنا " لمرضاة " الله تعالى. ويدل عليه وصفهم بالايثار مع الخصاصة. فهذا دليل على زجرهم في محسوسات الدنيا. وكذالك: (وَباءوا) لأنه رجوع معنوي. وكذلك: (عَسى اللَهُ أَن يَعفوَ عَنهُم) لا يتصور فيه التركيب في الفهم لأنا لا ندركه إنما تركيبه وهميّ شعري. فإن كيف هذا الفعل لا يعلم إذ هو ترك المؤاخذة فحذف ألفه لذلك.

وكذلك: (وَعَتَو عُتُوّاً كَبيراً) هذا عتو على الله لذلك وصفهم بالكبر فهو باطن باطل في الوجود. وكذلك سقطت من: (وَإِذا كالوهُم أَو وَزَنوهُم يُخسِرونَ) ولم تسقط من (وإِذا غَضِبوا هُم يَغفِرونَ) لأن " غضبوا " جملة بعدها أخرى والضمير " مؤكد للفاعل " في الجملة الأولى. و" كالوهم " جملة واحدة، الضمير جزء منها. وفرقانه ظاهر. وكذلك زيدت الألف بعد الهمزة في " كلمتين ": (إِنّي أُريدُ أَن تَبُوأَ) و (ما إِنّ مَفاتِحَهُ لَتَنوأ) تنبيها على تفصيل المعنى " فإنه " يبوء " بإثمين " من فعل واحد. وتنوء المفاتح بالعصبة فهو نوآن " للمفاتح " لأنها بثقلها أثقلتهم فمالت وأمالتهم. وفيه تذكير بالمناسبة يتوجه به من مفاتح كنوز مال الدنيا المحسوس إلى كنوز العلم التي تنوء بالعصبة أولي القوة في بقيتهم إلى ما عند الله في الدار الآخرة من النعيم المقيم.

وكذلك زيدت الألف بعد الهمزة " المعضودة " بالواو لبيان وقوع المعنى على تفاصيله بالنسبة إلى شيء خارج عنه كما ذكرناه في باب الهمزة. ومنه: (كَأمثالَ اللُؤلُؤ) . زيدت الألف بعد الهمزة المعضودة آخراً تنبيها على صفتي البياض والصفاء، وبالنسبة إلى ما ليس بمكنون وعلى تفصيل الأفراد. يدل عليه قوله تعالى: (كَأَمثالِ) وهو على خلاف حال: (كَأَنّهُم لُؤلؤٌ) " لم " تزد الألف للإجمال وخفاء التفصيل: يدل على ذلك قوله تعالى: (كَأَنّهُم لُؤلُؤٌ مَكنَون) . وكذلك زيدت الألف في الإسم المفتوح المنون علامة على أنه وسط بالنسبة إلى المرفوع والمخفوض وأنه كامل التمكن بالنسبة إلى غيره. وكذلك: (وَتَظُنونَ بِاللَهِ الظُنونا) و (فاضَلونا السَبيلا) (وَأَطعنا الرَسولا) . زيدت الألف لبيان القسمين واستواء الظاهر والباطن بالنسبة إلى حالة أخرى غير تلك. ولم تزد لتناسب رءوس الآي كما قال قوم. لأن في سورة الأحزاب (وَاللَهُ يَقولُ الحَقّ وَهُوَ يَهدي السَبيل) . وفيها:

(فَأَضلونا السَبيلا) ، وكل واحد منهما رأس آية، وثبت الألف في الثاني دون الأول. فلو كان لتناسب رؤوس الآي لثبت في الجميع. والضرب الثالث الذي تزاد فيه في وسط الكلمة. هذا يكون لمعنى في نفس بمعنى الكلمة ظاهر في الفهم مثل: (وَجاىء يَومَئِذٍ بِجَهَنّم) زيدت الألف دليلا على " أَنّ " هذا المجيء هو بصفة من الظهور ينفصل بها عن معهود المجيء. وقد عبر عنه بالماضي، ولا يتصوّر إلا بعلامة من غيره ليس مثله، فيستوي في علمنا ملكها وملكوتها في ذلك المجيء. ويدل على ذلك قوله تعالى في غير هذا الموضع (وَبُرَزَتِ الجَحَيمُ لِمَن يَرى) وقال: (إِذا رَأَتَهُم مِن مَكانٍ بَعيد سَمِعوا لَها تَغَيُظاً وَزَفيراً) فهو على خلاف حال: (وَجيء بِالنَبيينَ وَالشُهَداء) فإن هذا على معنى معروف المثل في الدنيا والآخرة. ومن تأوله بمعنى البروز في " المحشر " لعظيم حساب الخلق " أثبت الألف فيه أيضا. وكذلك: (وَلا تَقُولَنَّ لِشاىءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غداً) . الشيء هنا معدوم

وإنما علمناه من تصور مثله الذي قد وقع في الوجود فنقل له الإسم منه من حيث إنه بقدر أنه يكون مثله في الوجود. وعلى ذلك ثبت له الإسم لا من الجهة التي هو بها معدوم لأنه من تلك الجهة ليس بشيء. فانقسم في الإعتبار قسمين والجهة التي هو بها شيء غير الأخرى فزيدت الألف تنبيها على اعتبار المعدوم من جهة تقدير الوجود إذ هو موجود في الأذهان حقا معدوم في الأعيان حقا. وهذا على خلاف حال الحرف الذي في النحل: (إِنّما قَولُنا لِشيءٍ إِذا أَرَدناهُ أَن نَقَولَ لَهُ كُن فَيَكون) لأن الشيء هنا من جهة قول الله له: (كُن) لا نعلم كيف ذلك فلا ينقسم. ووما يرسم في نفوسنا من ذلك بالتوهم هو راجع إلينا حال شعرية كاذبة فنؤمن بالمعنى تسليما لله فيه لأنه سبحانه يعلم الأشياء بعلمه لا بها، ونحن إنما نعلم الأشياء بوجودها لا بعلمنا فلا نشبه ولا نعطل.

وكذلك: (إِلى فِرعَونَ وَمَلائِهِ) زيدت الألف بين اللام والهمزة المعضودة بالياء تنبيها على تفصيل في هذا الملإ ظاهر في الوجود. وقد جاء ذكر هامان وقارون منهم. وهذا تقسيم ظاهر في الوجود. وكذلك زيدت الألف في مائة لأنه في اسم اشتمل الوجود على كثرة مفصلة بمرتبتين آحاد وعشرات. وهو تضعيف العشرة عشرة أمثال الذي هو التضعيف الواحد عشرة أمثال إذا علم ذلك بالفعل في الوجود وكان حقا لا شك فيه. فالمائة أضعاف الأضعاف للواحد ففيها تفصيل الأضعاف مرتين لذلك زيدت الألف في مائتين أيضا تنبيها على المرتبتين في الأضعاف. وليس زيادة الألف في مائة للفرق بينها وبين " منه " كما قال قوم لأنه ينعكس بالمائتين إذ لا تلتبس فقد وجد الحكم وهو زيادة الألف في المائتين مع تخلف العلة. وينتقض قولهم أيضا بفئة فإنها تلتبس بفيه. فقد وجدت علة الإلتباس وتخلف حكم زيادة الألف للفرق. ولا يصح أيضا قول من قال للفرق بينها وبين مية لأن مية لم يأت في القرآن وينعكس قوله بالمائتين وينتقض بفية كما تقدم.

فصل في الألف الناقص من الخط

فصل في الألف الناقص من الخط كل ألف تكون في كملة لمعنى له تفصيل في الوجود إذا اعتبر ذلك من جهة ملكوتية أو صفة حالية أو أمور علوية مما لا يدركه الحس فإن الألف تحذف في الخط علامة لذلك. وإذا اعتبر من جهة ملكية أو صفة حقيقية في العلم وأمور سفلية ثبت الألف. واعتبر ذلك في لفظتي القرآن والكتاب. فإن القرآن هو تفصيل الآيات التي أحكمت في الكتاب. فالقرآن أدنى إلينا في الفهم من الكتاب وأظهر في التنزيل. قال الله تعالى في هود: (الرَ كِتابٌ أُحكِمَت آَياتُهُ ثُمّ فُصِلَت مِن لَدُن حَكيمٍ خَبير) . وقال في فصلت: (كِتابٌ فُصِلَت آَياتُهُ قُرءاناً عَرَبِياً لِقَومٍ يَعلَمون) وقال تعالى: (إِنّ عَلَينا جَمعَهُ وَقُرءَانَهُ فَإِذا قَرأَناهُ فاتَبِع قُرءانَه) ولذلك ثبت في الخط ألف القرآن وحذف ألف الكتاب. وقد حذف ألف القرءان في حرفين هو فيهما مرادف للكتاب في الإعتبار. قال الله تعالى في يوسف: (إِنّا أَنزَلناهُ قُرءاناً عَرَبياً) . وفي الزخرف: (إِنّا جَعَلناهُ قُرءاناً عَرَبِيا) والضمير في الموضعين ضمير الكتاب المذكور قبله.

وقال بعد ذلك في كل واحد منهما: (لَعَلَكُم تَعقِلونَ) فعربيته هي من الجهة المعقولة. وقال في الزخرف: (وَإِنّهُ في أَُمِ الكِتابِ لَدينا لَعَليٌ حَكيم) . وكذلك ثبت ألف الكتاب في أربعة أحرف هي مقيدة بأوصاف خصصته من الكتاب الكلي. أحدها في الرعد: (لِكُلِ أَجلٍ كِتاب) هذا الكتاب هو كتاب الآجال فهو أخص من الكتاب المطلق والمضاف إلى إسم الله. وفي الحجر: (وَما أَهلَكنا مِن قَريَةٍ إِلاّ وَلَها كِتابٌ مَعلوم) هذا الكتاب هو كتاب إهلاك القرى، وهو أخص من كتاب الآجال. وفي الكهف: (وَاتلُ ما أُوحيَ إٍليكَ مِن كِتابِ رَبّكَ) هذا الكتاب هو أخص من الكتاب الذي في قوله تعالى: (اُتلُ ما أُوحِيَ إِليكَ مِن الكِتاب) لأنه أطلق هذا وقيد ذلك بالإضافة إلى الإسم المضاف

إلى معين في الوجود. والذي هو أخص أظهر تنزيلا. وفي النمل (تِلكَ آَياتُ القُرآنِ وَكِتابٍ مُبين) هذا الكتاب جاء تابعا للقرآن والقرآن جاء تابعا للكتاب كما قد تبين لك. وكما جاء في الحجر: (تِلكًَ آَياتُ الكِتاب وَقُرآنٍ مُبين) فما في النمل له خصوص تنزيل مع الكتاب الكلي فهو تفصيل " الكتاب الكلي بجوامع " كليته " والله أعلم. وكذلك حذفت الألف من (بِسمِ اللَهِ) تنبيها على علوه في أول رتبة الأسماء وانفراده، وأن عنه انفصلت الأسماء " فهو كليها " يدلك عليه إضافته إلى اسم الله الذي هو جامع الأسماء كلها وأولها. ولذلك لم يتسم بهذا الإسم غير الله. قال الله تعالى: (هَل تَعلَمُ لَهُ سَمِيّا) وسائر أسماء الله ظهرت التسمية بها في المخلوقات، فأظهر ألف الإسم معها تنبيها على ظهور التسمية في الوجود. وحذف الألف الذي قبل الهاء من إسم (اللَهَ) وأظهرتب التي مع اللام من أوله دلالة على أنه الظاهر من جهة التعريف والبيان والباطن من جهة الإدراك والعيان. وحذفت الألف التي قبل النون من اسمه (الرَحمن) حيث وقع بيانا لأنا نعلم حقائق تفصيل رحمته في الوجود فلا نفرق في علمنا بين الوصف والصفة. وإنما الفرقان في التسمية والإسم لا في معاني الأسماء المدلول عليها بالتسميةب بل نؤمن بها إيمانا مفوضا في علم حقيقتها إلى الله لا على ما يرتسم

في نفوسنا بالوهم الكاذب والخيال الشعري، لأنه لا يعلم الله إلا الله فلا " نشبه " لأنه ليس كمثله " شيء " ولا نعطل لأنه هو اللطيف الخبير، وهو السميع البصير. فلذلك كتب الإسم على العلم لا على التسميةس. وكذلك حذفت ألف كثيرمن أسماء الفاعل مثل: (قادِر) و (عالِم) وذلك أن هذه الألف زائدة في وسط الكلمة فهي لمعنى في نفس معنى الكلمة. فهذه الكلمة لها تفاصيل في معناها إلى وصف وصفة. ولذلك جعل الألف في وسط الكلمة. فما كان منها يدرك فرقانه حقا أو كان سفليا كتب بالألف، وما لا ندركه أو كان علويا شريفا يحذف ألفه. وكذلك الألف الزائدة في الجموع السالمة والمكسرة. وفي مصار بعض الأفعال (مثل القانِتات والقانِتين) والأبرار والجلال والإكرام واختلاف واستكبر فإنها كلها وردت لمعنى مفصل اشتمل عليه معنى تلك اللفظة " فتحذف " حيث يبطن التفصيل وتثبت حيث يظهر. وكذلك الألف الزائدة مع النون للمبالغة في الإسم مثل عمران دون الفعل السفلي في الملك " نحو الخسران فإن الفعل السفلي في الملك

ثقيل والإسم علوي خفيف وبعض الجموع والمصادر. وكذلك ألف الأسماء العجمية مثل إبراهيم وإسماعيل لأنها زائدة لمعنى غير ظاهر في اللسان العربي. لأن العجمي بالنسبة إلى العربي باطن خفي لا ظهور له فحذف ألفه. وقد تكون الصفة ملكوتية روحانية وتعتبر من جهة مرتبة سفلى ملكية هي أظهر في الاسم فيثبت الألف كالأواب والخطاب والعذاب و (أَم كُنتَ مِنَ العالين) و (الوَسواس الخَنّاس) . وقد تكون ملكية جسمانية وتعتبر من جهة مرتبة عليا ملكوتية هي أظهر في الإسم وتحذف الألف كالمحراب ولأجل هذا التداخل يغمض ذلك فيحتاج إلى تدبر وفهم. ومنه ما يكون ظاهر الفرقان كالأخير والأشرار يحذف من الأول دون الثاني. ومنه ما يخفى (كالفَراش) و (يُطعِمونَ الطَعامَ) فالفراش محذوف والطعام ثابت وونهما واحد وهما جسمان لكن

يعتبر في الأول " مقام " التشبيه. فإن المشبه محسوس وصفة " التشبيه " غير محسوسة. المشبه به غير محسوس في حالة التشبيه إذ جعل جزءا من صفة المشبه به من حيث هو منفرش مبثوث لا من حيث هو جسم. وأما في الطعام فهو المحسوس الذي يعطي للمحتاجين وكذلك: ((وَطَعامُ الَّذَينَ أُوتوا الكِتابَ حِلّ لَكُم وَطَعامُكُم حِلّ لَهُم) . ثبت الألف في الأول لأنه سفلي بالنسبة إلى طعامنا لمكان التشديد عليهم فيه، وحذف من الثاني لأنه علوي بالنسبة إلى طعامهم كعلو ملتنا على ملتهم. كذلك: ((كانا يَأكُلانِ الطَعام) محذوف لعلو هذا الطعام. وكذلك (وَغَلّقَتِ الأَبواب) غلّقت فيه التكثير في العمل فيدخل فيه أيضا ما ليس بمحسوس من أبواب الإعتصام فحذف الألف من ذلك ويدل عليه (وَاستَبَقا الباب ... وألفيا سَيدَها لَدا الباب) . فأفرد الباب المحسوس من تلك الأبواب.

وكذلك: (وَفُتّحَت أَبوابُها) محذوف لأنها من حيث فتحت ملكوتية علوية. و (مُفَتِحَةٌ لَهُمُ الأَبواب) ملكية من حيث هي لهم فثببت الألف. و (قيلَ اِدخُلوا أَبوابَ جَهَنّم) ثابت لأنها من جهة دخولهم محسوسة سفلية. " كذا ": (لَها سَبعَةُ أَبواب) من حيث حصرها العدد في الوجود ملكية، فثبت الألف. وكذلك " الجراد " و " الضفادع " الأول ثابت هو الذي في الواحدة المحسوسة، والثاني محذوف لأنه ليس في الواحدة المحسوسة. والجمع هنا ملكوتي من حيث هو آية. وكذلك (أَن نُبَدِلَ أَمثالَكُم) حذف ألف أمثال لأنها

أمثال كلية لم يتعين منها للفهم جهة التماثل فيها. و (كَأَمثالَ اللُؤلُؤ) ثابت الألف تعين للفهم جهة التماثل وهو في البياض والصفاء. كذلك: (يَضرِبُ اللَهُ للِناسِ أَمثالَهُم) حذف للعموم. و (انظُر كَيفَ ضَرَبوا لَك الأَمثالَ) ثابت في الفرقان لأنها المذكورة ثمة حسية مفصلة ومحذوف في الإسراء لأنها غير مفصلة باطنة. وكذلك: (فإذا نُفِخَ في الصورِ نَفَخَةً واحِدة وَحُمِلَتِ الأَرضُ وَالجِبالُ فَدُكّتا دَكَةً واحِدة) . الواحد الأولى محذوفة الألف لأنها روحانية لا تعلم إلا إيماناً، والثانية ثابتة لأنها جسمانية تتصور من أمثالها من الجزئي. وكذلك: (كِتابِيه) " محذوفة " لأنه ملكوتي و (حِسابِيه) " ثابت " لأنه ملكي وهما معاف ي موطن الآخرة. كذلك: (القاضِية) ملكوتية و (مالِيَة) ملكي محسوس. فحذف الأول وثبت الثاني.

وكذلك: (وَلَما بَرَزَوا لَجالوتَ وَجُنودِه) حذف لأنه الإسم. 0و - َقَتَلَ داوودُ جالوتَ) ثابت لأنه مجسم محسوس. وكذلك: (سُبحانَ) هو محذوف لأنه ملكوتي إلا حرف واحد اختلف فيه المصاحف وهو: (قُل سُبحانَ رَبّي) فمن أثبت الألف فلأن هذا تنزيه من مقام الإسلام وحضرة الأجسام وصدر به مجاوبة للكفار في موطن الرد والإنكار. ومن أسقط فلعلو " حال " المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يشغله عن الحضور بقلبه في الملكوت الخطاب في الملك. وهذا أولى الوجهين. وكذلك: (لَقَد كَفَرَ الَّذَينَ قالوا إِنّ اللَهَ ثالِثُ ثَلاثَة) ثبت ألف " ثالث " لأنهم جعلوه أحد ثلاثة مفصلة فثبت الألف علامة لإظهارهم التفصيل في " الإله " تعالى الله عن قولهم. وحذف ألف (ثَلاثَة) لأنهإسم العدد الواحد من حيث هو " جملة " واحدة وذلك فيه أجلى من التفصيل. كذلك: (وَما مِن إلهٍ إِلاّ إِلَهٌ واحِد) حذف الألف من إله وثبت في الواحد " الصفة " لأنه إله في ملكوته تعالى عن أن تعرف صفته بإحاطة الإدراك

واحد في ملكه تنزه بوحدة أسمائه عن الإعتضاد و " الإشراك " ليس لسواه وجود إلا منه (الَّذي أَعطى كُلّ شيءٍ خَلَقَهُ ثُمّ هَدى) . هذا من جهة إدراكنا. وأما من جهة ما هي عليه الصفة في نفسها فلا ندرك ذلك بل نسلم علمه إلى الله. فحذف الألف مثل (إِلهاً واحِداً وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ) . وكذلك ألف " الإثنين ": إن كانت التثنية اللازمة ظاهرة يثبت الألف مثل: (قالا) ، و (إِن تَتُوبا) و (لا يَبغيان) و (يَسجُدان) ، و (اِثنانَ) و (يَداهُ) . وإن كانت غير ظاهرة في العلم حذف مثل: (قالَ رَجُلان) و (تُكَذِبانِ) . وكذلك سقط " الألف " الزائدة لتطويل هاء التنبيه في النداء في

ثلاثة أحرف: (آَيُها المُؤمِنونَ) ، (أَيُّهَ الساحِرُ) (أَيُها الثَقَلان) إشارة إلى معنى الإنتهاء إلى غاية ليس وراءها في الفهم رتبة يمتد النداء إليها و " تنبيها " على الإقتصار والإقتصاد من حالهم والرجوع إلى ما ينبغي. فقوله تعالى: (وَتُوبوا إِلى اللَهَ جَميعاً) يدل على أنهم كل المؤمنين على العموم والإستغراق فيهم. وقوله تعالى حكاية عن قول فرعون: (إِنّ هَذا لَساحِرٌ عَلَيم) . وقول فرعون أيضا: (إِنّهُ لَكَبيرُكُمُ الَّذي عَلّمَكُمُ السِحر) يدل على عظم علمه عندهم ليس فوقه أحد. وقول الله تعالى: (سَنَفرُغُ لَكُم أَيُها الثَقَلان) . فإقامة الوصف مقام الموصوف يدل على عظم الصفة الملكية فإنها تتضمن جميع الصفات الملكوتية والجبروتية. فليس بعدها رتبة أظهر في الفهم وعلى ما ينبغي لهم " من الرجوع " إلى اعتبار آلاء الله في بيان النعم ليشكروا وبيان النقم ليحذروا.

فصل في الألف المنقلبة عن الياء أو الواو

وكذلك حذفت الألف التي جاءت لمد الصوت بالحرف في النداء أو الإشارة مثل: (يا قَوم) (يا عباد) لأنها زائدة التوصيل بين المرتبتين. و1لك أمر باطن ليس بصفة محسوسة في الوجود. فصل في الألف المنقلبة عن الياء أو الواو اعلم أن هذه الألف تكتب في مواضع على موافقة اللفظ وتكتب في مواضع على موافقة الأصل و " تحذف في مواضع. فما كتبت بالألف على اللفظ في أي كلمة كان فإنّه يدل على أن إستواء قسمي الوجود في معنى تلك الكلمة ظاهر الفهم في الإدراك. وما كتب بالواو على الأصل في أي كلمة كان فإنه يدل على أن اعتبار المعنى من جهة قسم الملك من الوجه أظهر في الإدراك من استواء قسمي الوجود في ذلك المعنى. وما كتب بالياء على الأصل فإنه يدل على أن اعتبار المعنى من جهة قسم الملكوت من الوجود أظهر في الإدراك من استواء قسمي الوجود في ذلك المعنىز وما حذف ولم يكتب فلخفاء أصله وتفصيله في الإدراك والله أعلم.

فمن ذلك: ثمانية أحرف كتبت بالواو على الأصل حيث تكون مفردة عامة. فإن اختصت بإضافة أو خصوص معنى كتبت على اللفظ. وهذه الثمانية أحرف هي جوامع قواعد الشريعة ومفاتح أبواب العلم وضروب الفقه. فأولها: " الصلاة " وهي طهارة البدن الباطن والظاهر وهي قاعدة " الدين " ومفتاح ذكر رب العالمين. قال الله تعالى: (أَقِمِ الصَلاةَ لِذكري) فتشتمل على أبواب الطهارات والتقديس وأنواع النزاهات والتسبيح وهي جامعة لأصول وفروع " وأحكام " مرتبطة بالموجودات وبالأحياء والأموات. فاعتبار الصلاة فيه اعتبار " جميع " أجزاء " العالم " فالصلاة كبيرة (وَلَذِكرُ اللَهِ أَكبَر) . والحرف الثاني: (الزَكاة) وهي النماء والبركة الباطنة والظاهرة. وهي قاعدة النجاح، ومفتاح الأرباح. قال الله تعالى: (مَن ذا الَّذي يُقرِضُ اللَهَ قَرضا حَسَنا فَيُضاعِفُهُ لَهُ وَلَهُ أَجرٌ كَريم) فتشتمل على أبواب الحلال وأنواع الطيبات وهي أصل في الأموال جامع لوجوه المكاسب والاستفادات بالحرث والتجارة وغيرهما ولأقسام الصدقات والمغانم وغير ذلك. والحرف الثالث: الربوا وهو الزيادة الظاهر والباطن، وهي قاعدة الأمان ومفتاح التقوى. قال الله تعالى: (ياأَيُها الَّذَينَ ءامَنوا اِتَقوا اللَهَ

وَذَروا ما بَقيَ مِنَ الرِبوا إِن كُنتُم مُؤمِنينَ فَإِن لَم تَفعَلوا فَأَذَنوا بِحَربٍ مِنَ اللَهِ وَرَسولِهِ) ويشتمل على أبواب الحرام وأنواع الخبائث وضروب المفاسد وهو نقيص الزكوة. قال الله تعالى: (يَمحَقُ اللَهُ الرِبا ويُربي الصَدَقات والله لا) واجتنابه أصل في التصرفات المالية. ويرجع حاصله فيها إلى جنسين: ربا الفضل وربا النسيئة. ولذلك زيدت الألف فيه بعد الواو علامة على أنه جامع " لهذين " القسمين في الملك بالنسبة إلى قسم الملكوت. وقد جاء حرف واحد بغير واو في سورة الروم: (وَماءَاتَيتُم مِن رِبا لِتَربوا في) لأن هذا الحرف ليس هو العام الكلي، لأن الكلي منفي في حكم الله عليه بالتحريم. وفي نفي " الكل نفي " جميع جزئياته فهو يعم جزئيائته في باب النفي. فإذا أتوا منها شيئا نقضوا الكلية وبطل العموم في الوجود بفعلهم لخروج ما أتوا منه. ونفي عموم الحكم ثابت أبدا. واجتمع فيما أتوا النقيضان: النفي الحكمي والإثبات الفعلي. وليس يلزم من نفي الكلي إثبات الجزئي أصلا إنما يلزم نفيه قطعا. هكذا هي حقيقة

الحكم. فليزم منه أن ما أتوا من ربا منفي في حكم الله. وكذلك يلزم في حقيقة الحكم من إثبات الجزئي إثبات الكلي بالضرورة. فما أتوا من زكوة تضمن " كلية في حكم الله وكليه يتضمن كليه " وهلم جرا إلى ما لا نهاية له. ويدلك عليه قوله تعالى: (وَما ءأتَيتُم مِن رِبا لِتَربوا في أَموالِ الناسِ فَلا يَربوا عِندَ اللَهِ وَماءَاتَيتُم مِن زَكاة تُريدونَ وَجهَ اللَهِ فَأَُولَئِكَ هُم المُضعِفونَ) فلهذا كتب في هذه الآية الربا بالألف والزكاة بالواو. فافهم. والحرف الرابع: الحياة وهي " باطنة وظاهرة " وهي قاعدة النفوس ومفتاح البقاء والخلود. قال الله تعالى: (وَلَكُم في القَصاصِ حَياةٌ يا أَُولي الألباب) . فتشتمل على أبواب النكاح والولادة والرضاع والقصاصا والذبائح والصيد في البر والبحر والجهاد والعبيد والوصايا و " المواريث " وغير ذلك. والحرف الخامس: النجاة وهي " باطنة وظاهرةس " وهي قاعدة الطاعات ومفتاح السعادات. قال الله تعالى حكاية عن المؤمن: (وَياقَومِ ما لي أَدعوكُم إلى النَجاةِ وتَدعونَنَي إِلى النار) فهو أصل يشتمل على أبواب

المنجيات وأنواع المهلكات في الحياة وبعد المماة وعلى أقسام البينات والمواعظ والآيات. والحرف السادس: الغداوة وهي باطنة وظاهرة قاعدة الأزمان ومفتاح الحركات والأكوان ومبدأ تصرفات الإنسان يعلم ذلك بالعيان. قال الله تعالى: (وَاصبِر نَفسَك مَعَ الَّذَينَ يَدعونَ رَبّهُم بالغَداة والعشىّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعد عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُنيا) وهي مشتقة من الغدو فتشتمل على أبواب الأعمال للدنيا والآخرة واختلاف الأزمنة والأيام. فيرجع إليها أوقات الزراعة والفلاحة واحتناء الفواكه والثمار واقتناء الأقوات وتركيب الأدوية واختيار الأغذية وضروب الأسفار وركوب البحار، وجميع ما يتصرف فيه بالليل والنهار. فإن الناس إنما يبتدئون التصرف في ذلك كله من الغداة. ألا ترى كيف قال أصحاب الجنة: (أَن اِغدوا عَلى حَرثِكُم إِن كُنتُم صارِمينَ) . والحرف السابع: المشكاة " وهي باطنة وظاهرة " وهي قاعدة الهداية ومفتاح الولاية. قال الله تعالى في الآية: (يَهدي اللَهُ لِنورِهِ مَن يَشاء) فمثلها يشتمل على مدارك العقول وأحكام الوجود ومعارف الملك والملكوت ومعارج الأفكار من الدلائل والآثار إلى ما غاب عن العيان ولا تقارنه الأزمان ولا تقاسم الأذهان، وعلى ضروب الدلائل والبرهان وإقامة القسط بالميزان وصريح الإيمان. فيندرج فيه كل العلوم وما شاء الحي القيوم.

والحرف الثامن: مناة: وهي ظاهرة وباطنة. هي قاعدة الضلال ومفتاح الشرك والإضلال قال الله تعالى في الآية (وَمَناةَ الثالِثَةَ الأَخرى) ووصفها بوصفين: أحدهما يدل على تكثيرهم الإله فمن " مُثَن، ومن " مثلث وغير ذلك. والثاني يدل على الإختلاف والتغاير: فمن معطل، ومن مشبه، ومن مجسم، ومن مولد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وما وراء هذين الوصفين فيها باطل. (وَاللَهُ يَقولُ الحَقّ وَهُوَ يَهدي السَبيل) يدلك على ذلك قوله تعالى في السورة: (إِن يَتَبِعونَ إِلا الظَنّ وَما تَهوى الأَنفُس وَلَقَد جاءَهُمُ مِن رَبِهِمُ الهُدى) . وقد جمعت هذه الأحرف التي تكتب بالواو في كلام فقلت: بهداية مثل المشكاة وإقام الصلاة بالعشي الغداة وإيتاء الزكاة وإجتناب الربا ومناة تحصل للعبد النجاة وطيب الجياة. والحمد لله. وظهور الواو في الخط يدل على أن معاني هذه الحروف ظاهرة في الإدراك من جهة إعتبار الملك.

وبطون الألف يدل على أن مساواة قسمي الوجود في المعنى باطن في الإدراك فافهم. وكذلك كل كلمة ثلاثية لامها في اللفظ ألف فإنه إن كان أصلها الياء كتب بالياء لأن معناها يكون أبدا من جهة قسم الملكوت أظهر في الإدراك من استواء القسمين فيه. وإن كان أصلها الواو كتبت بالألف لأن معناها يكون أبدا من جهة استواء القسمين ظاهرا في الإدراك مثلك رمى ودعا. فالياء من رمى تدل على أن معناه من جهة قسم الملكوت أظهر في الإدراك. وأن إستواء القسمين فيه باطن في الإدراك. والألف من دعا تدل على أن استواء قسمي الوجود في معنى الدعاء ظاهر في الإدراك وأن خصوصوه بقسم الملك منه باطن في الإدراك وإنما انقلب لأجل الغيبة. فإن الحضور أصل والغيبة حال عارضة ولهذا ترد الفعل إلى نفسك التي هي حاضرة. فإن ظهر الحرف بالياء فأصله الياء. وإن ظهر بالواو فأصله الواو. وقد تكون كلمة من ذوات " الواو أو الياء " ويكون معناها من جهة استواء القسمين ظاهرا في الإدراك وفي تلك الكلمة بعينها يكون الأصل من جهة الملكوت أظهر في العلم فكتبت بالياء مثل حرفين كتبا بالياء على الأصل وهما: (ما كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأَى) و (ما زاغَ البَصَرُ وَما طَغى) فتأكدت في شهود الحق كما دل عليه حرف التحقيق والقسم (لَقَد

رَأَى) فهذان الحرفان على غير حال رؤية الأبصار مثل: (فَلَما رَءا قَميصَهُ) . (فَلَما رَءا أَيديهِم لا تَصِلُ إِليهِ نَكِرَهُم) فإِنها من جهة أصل معناها ملكوتية ومن جهة المشاهدة الحسية هي ملكية فاستبوى معناها في قسمين الوجود للإدراك فثبت الألف، فيجتمع ألفان، فيحذف الآخر لأنه لا يجتمع ألفان في الفم فلا يجتمعان في الخط كما ذكرناه قبل. ومثل أحرف كتبت بالياء وأصلها الواو وهي: (والأَرضَ بَعدَ ذَلِكَ دَحاها) وذلك أن دحو الأرض وطحوها باطن لم ندركه حساحين الأثر لأنه قبل كوننا منها. فهو ملكوتي. وضحى الشمس كلي غير مختص بجزئي معين. وكذلك تلو القمر ليس ما نحس إذ نحس تلو كل واحد منهما الآخر فهو معتبر من جهة ملكوتية. فجهة الملكوت في هذه الأحرف في هذه المواضع بعينها أظهر في الإدراك.

ومثل: (إِنّا لَمّا طَغا الماءُ) كتب بالألف فظهور الألف فيه يدل على استواء قسمي الوجود في معناه فهو على خلاف حال فرعون (إِلى فِرعونَ إِنّهُ طَغى) لأن هذا يعتبر من جهة نفسه ومن جهة أفعاله وجهة النفس الباطن أظهر في الإدراك. ومثل الزنا فإنه ملكي للمباشر ملكوتي لغيره. فاستوى معناه في قسمي الوجود وبطن في الفهم اختصاصه بالملكوت الذي هو أصله الياء وملكي من حيث ألفيا فيه سيدها عيانا. فاستوى معناه في القسمين فكتب بالألف فهو بخلاف (لَدى الحَناجِرِ كاظِمين) لأنه باطن. وما زاد على الثلاثي مما كان اعتبار معناه من جهة قسم الملكوت أظهر في الإدراك من استواء القسمين في معناه فإنه يكتب بالياء وإن كان أصله الواو مثل: أعطى وأوصى ومصفى " واصطفاه "

والتورية. وما كان اعتبار معناه من جهة استواء القسمين فيه أظهر فإنه يكتب بالألف مثل: (فَأَحيا بِهِ الأَرضَ مِن بَعدِ مَوتِها) . وفي سورة الأعلى: (ثُمّ لا يَموتُ فيها وَلا يَحيا) لأن ملكه وملكوته سواء في معناه فإنه خطاب الله تعالى وإخباره عن ملكه. وذلك لا يختلف فيه القسمان. فهو على خلاف الحرف الذي في طه: (فَإنّ لَهُ جَهَنَم لا يَموتُ فيها وَلا يَحيا) كتب بالياء لأنه ملكوتي حيث أخبروا به فرعون في موطن " الدنيا وهو " صفة أخروية. وكل كلمة يكون عينها ألفا في اللفظ منقلبا عن ياء أو عن واو، فمنها ما يكتب بالألف لأن انقلابها يدل على أن معنى الكملة من جهة الملك الظاهر يتضمن كليها الملكوتي الباطن، فيجتمع على معناها قسما الوجود معا. مثل: الباب ومختال من الأسماء فأصلها: " بوب " و " مختيلط وكل واحد منهما يتضمن معناه قسمي الوجود معا. ومثل: قال وكاد أطاع وأذاعوا من الأفعال. فإن الفعل الماضي يدل على على تحقق المعنى فيتضمن مصدره ويستلزم فاعله الضرورة،

وقد يخفى معنى الكلمة عن الإدراك فيحذف الحرف رأسا سواء كان عينا أو لاما، من ثلاثة أحرف كانت الكلمة أو من أكثر مثل (مَكاناً عَلِيا) حذف لأنه ملكوتي علوي بخلاف: (مَكاناً ضَيقاً) ثبت لأنه ملكي سافل. ومثل: (فَمَن تَبِعَ هُدايَ) هو من جهة إضافته إلى ضمير الرب خفي أصله الملكوتي، ومن جهة اتباعه استوى فيه اتباع قسمي الوجود الملكي والملكوتي، ومن جهة الهداية هما معا باطنان فحذف الحرف رأسا. ومثل: (أَمِ السَماءَ بَناها) هو خفي الملكوت (رَفَعَ سَمكَها فَسواها) ظاهر الملكوت. ومثل (فَزادوهُم رَهَقاً) حذف لأنه فعل خفي باطن من فاعل خفي هو الجن. فأخفي ألفه لأجل ذلك. ومثل: (فَأشارت إليه) هو فعل لا يدري كيفه فإنه إشارة فهموا منها أنها قالت لهم: كلموه. ولذلك قالوا: (كَيفَ نُكَلِمُ مَن كانَ في المَهدِ صَبِياً) . ومثل: (وَالَّذَينَ اِستَجابوا لِرَبِهِم وَأَقاموا الصَلاة) حذف ألف الفعل لأنه جاء بلفظ الماضي، ومعناه الحصول والتحقق على العموم والإطلاق في كل الأزمان فيندرج تحته جزئيات الأزمان. فهو كلي ملكوتي الإعتبار. فاعلمه. وفيما ذكرته كفاية في التنبيه للطالب النبيه.

باب الواو

باب الواو اعلم أن الواو في الخط على قسمين: قسم زائد وقسم ناقص. فصل في الواو الزائد في الخط وذلك يدل على ظهور معنى الكلمة في الوجود في أعلى طبقة وأعظم رتبة مثل: (سَأُريكُم دارَ الفاسِقين) ، (سَأُوريكُم آياتي) زيدت الواو تنبيها على ظهور ذلك بالفعل للعيان أكمل ما يكون. ويدل على هذا أن الآيتين جاءتا للتهديد والوعيد. وكذلك أولي أولو، وأولات. زيدت الواو بعد الهمزة لقوة المعنى وعلوه في الوجود على معنى أصحاب فإن في أولي معنى الصحبة زيادة التمليك والولاية عليه.

فصل في الواو الناقصة من الخط

وكذلك زيدت في " أَولئِكَ) و (أُولائِكُم) لأنه جمع مبهم يظهر منه معنى الكثرة الحاضرة في الوجود. وليس الواو للفرق بينه وبين (إٍليكَ) كما قال قوم لأنه قول منقوض بأولاء. فافهم. وكذلك الواو التي زيدت لعضد الهمزة كما نبهنا عليه في باب " الهمزة ". فصل في الواو الناقصة من الخط وذلك علامة على التخفيف وموازاة العلم كما قد ذكرنا. فإذا اجتمع واوان والضم فتحذف الواو التي لا تكون عمدة في الكلمة وتبقى التي هي عمدة ثابتة، سواء كانت الكلمة فعلا مثل: ((لِيَسئوا وُجُوهَكُم) أو صفة مثل: (المَؤدَة) و (يَؤس) و (الغاوون) . أو إسما مثل (داوود) إلا أن يقوي كل واحد منهما فيثبتان جميعا مثل: (تَبَؤءَو) فإن الواو الأولى تنوب عن حرفين لأجل الإدغام، فقويت في الكلمة، والواو الثانية ضمير الفاعلين، فثبتا جميعا. وكذلك سقطت من أربعة أفعال دلالة على " سرعة وقوع " الفعل ويسارته على الفاعل وشدة قبول " المنفعل للتأثر به " في الوجود مثل (سَنَدعُ الزَبانِية) فيه سرعة الفعل وسرعة إجابة الزبانية وقوة البطش. وهو وعيد عظيم ذكر مبدؤه وحذف آخره. ويدل على هذا قوله تعالى: (وَما أَمرُنا إِلا واحِدةٌ كَلَمحِ بالبَصَر) .

وكذلك: (وَيَمحُ اللَهُ الباطِل) حذف منه الواو علامة على سرعة المحو وقبول الباطل له بسرعة. يدل على هذا قوله تعالى (إِنّ الباطل كانَ زَهوقاً) وليس (يَمحُ) معطوفا على (يَختُمُ) الذي قبله لأنه ظهر مع (يَمحُ) اسم الفاعل. وعطف على الفعل ما بعده وهو: (يَحِقُ الحَقَّ) . وكذلك: (وَيدعُ الإنسانُ بالشَرِ دُعاءَهُ بالخَير) حذف الواو يدل على أنّه " ويسهل " عليه ويسارع فيه كما يعمل في الخير. وإتيان الشر إليه من جهة ذاته أقرب إليه من الخير. وكذلك: (يَومَ يَدعُ) حذف الواو لسرعة الدعاء وسرعة الإجابة. وهذه الأفعال الأربعة مباد لمعان " وراءها " لم تذكر. فحذف الواو يدل على كل ما ذلك.

باب الياء

باب الياء اعلم أن الياء في الخط على قسمين: قسم زائد وقسم ناقص كقسمي الواو. فصل في الياء الزائدة وذلك علامة اختصاص ملكوتي مثل: (وَالسماءَ بَنيناها بِأَيَيدٍ) كتب بياءين فرقا بين الأيد الذي هي القوة وبين أيدي جمع يد. ولا شك أن القوة التي بنى الله بها السماء أحق بالثبوت في الوجود من الأيدي فزيدت الياء لاختصاص اللفظة بالمعنى الأظهر

في الإدراك الملكوتي في الوجود. وكذلك زيدت بعد الهمزة في حرفين: (أَفَائِن ماتَ) ، (أَفَائِن متّ) وذلك لأن موته مقطوع به والشرط لا يكون في المقطوع به ولا ما رتب على الشرط هو جوابه لأن موته لا يلزم منه خلود غيره ولا رجوعه عن الحق. فتقديره: أهم الخالدون إن متّ. فاللفظ للإستفهام والربط، والمعنى لللإنكار والنفي. فزيدت الياء لخصةص هذا المعنى الظاهر للفهم الباطن في اللفظ. وكذلك زيدت بعد الهمزة في آخر الكلمة في حرف واحد في الأنعام: (مِن نَبَإى المُرسَلين) تنبيها على أنها أنباء باعتبار أخبار باعتبار. وهي ملكوتية ظاهرة. كذلك: (بأَييُكُم المَفتون) كتبت بياءين تخصيصا لهم بالصفة وحصول ذلك وتحققه في الوجود. فإنهم هم المفتونون دونه. فانفصل حرف أي بياءين لصحة هذا الفرق بينه وبينهم قطعا لكنه " باطن " فهو فهو ملكوتي.

فصل في الياء الناقصة في الخط

وإنما جاء اللفظ بالإبهام على أسلوب المجاملة في الكلام والإمهال لهم ليقع التدبر والتذكار، كما جاء (وَإِنّا أَو إِياكُم لَعَلى هُدىً أَو في ضَلالٍ مُبين) ومعلوم أنّا على هدى وهم في ضلال. فصل في الياء الناقصة في الخط وهي ضربان: ضرب محذوف في الخط، ثابت في التلاوة. وضرب محذوف فيهما. فالضرب الأول: المحذوف في الخط دون اللفظ. هو باعتبار ملكوتي باطن. وهذا الضرب قسمان: ما هو ضمير المتكلم، وما هو لام " الكلمة ". فالقسم الأول: إذا كانت الياء ضمير المتكلم مثل: (فَكَيفَ كانَ عَذابي وَنُذُر) ثبتت الأولى لأنه فعل ملكي، وحذفت الثانية لأنه فعل ملكوتي. وكذلك: (فَما ءاتني اللَهُ خَيرٌ مِمّا آتاكُم) حذفت الياء في الخط باعتبار ما آتاه الله من العلم والنبوة والخير فهو المؤتى الملكوتي الذي من قبيل الآخرة في ضمنه الجسماني الذي للدنيا

لأن الجسماني فإن والملكوتي ثابت. وكذلك: (فَلا تَسأَلنَ ما لَيس لَكَ بِهِ عِلم) هذا المسؤول غيب ملكوتي يدلك عليه قوله تعالى: (ما لَيس لَك بِهِ عِلم) فهو على غير حال (فَلا تَسأَلني عَن شَيءٍ حَتى أُحدِثَ لَكَ مِنهُ ذِكراً) لأن هذا سؤال عن حوادث الملك في مقام المشاهدة مثل: خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقام الجدار. وكذلك في البقرة: (أُجيبُ دَعوَةَ الداعِ إِذا دَعان) فحذف الضمير في الخط دلالة على الدعاء الذي من جهة الملكوت بإخلاص الباطن. وكذلك: (فَقُل أَسلَمتُ وَجهِيَ لِِلهِ وَمَن اِتّبَعَن) هو الإتباع العلمي في دين الله وطريق الآخرة. يدل على ذلك قوله: (أَسلَمتُ وَجهِي لِله) فهو على غير حال: (فاتبِعوني يُحبِبكُمُ اللَهَ) فإن هذا في الأعمال الظاهرة بالجوارح المقصود بها وجه الله وطاعته. وكذلك: (لِمَن خافَ مَقامي وَخافَ وَعيد) ثبت الياء في المقام لاعتبار المعنى من جهة الملك، وحذفت في الوعيد لاعتباره ملكوتيا. فخاف المقام من جهة ما ظهر للأبصار، وخاف الوعيد من جهة إيمانه بالأخبار.

وكَذلك: (لَئِن أَخَرتَني إِلى يَومِ القيامَة) هو التأخير بالمؤاخذة لا التأخير الحسي، فهو على خير حال: (لَولا أَخَرَتَني إِلى أَجلٍ قَريب) لأن هذا تأخير حسي في الدنيا الظاهرةس. وكذلك: (وَقُل عَسى أَن يَهدِينِ رَبّي لأَقرَبَ مِن هَذا رَشَداً) سياق الكلام في أمور محسوسة، والهداية فيه ملكوتيةس، وقد هداه الله في قصة الغار وهو في العدد ثاني اثنين حين خرج بدينه عن قومه بأقرب من طريق أهل الكهف حين خرجوا بدينهم عن قومهم وعددهم على ما قص الله علينا فيه. وهذه الهداية على غير حال ما قال موسى عليه السلام (عَسى رَبّي أَن يَهدِيَنَي سَواءَ السَبيل) فإنها هداية السبيل المحسوسة إلى مدين في عالم الملك. يدل عليه قول الله تعالى: (وَلَما تَوَجّهَ تِلقاءَ مَديَن) . وكذلك: (عَلى أَن تُعَلِمَنِ مِمّا عُلِمتَ رُشدا) . وكذلك: (ألا تَتَبِعَن) هو في طريق الهداية لا في مسير موسى إلى ربه. يدلك عليه: (أَفَعَصيتَ أَمري) . ولم يأمره بالمسير الحسي إنما أمره بخلفه في قومه ويصلح. فهذا على غير حال قول هارون: (فاتبِعوني وَأَطيعوا أَمري) وهو لا أمر له إلا الحسي. وكذلك: (فَكيفَ كانَ نَكير) حيث وقع لأن النكير يتعين من جهة الملكوت لا من جهة أثره المحسوس، فإن أثره قد انقضى، وأخبر الله عنه

بالفعل الماضي. والنكير اسم ثابت في الأزمان كلها. ففيه التنبيه على أنه كما أخذ أولئك يأخذ غيرهم. وكذلك: (إِنّي أَخافُ أَن يُكَذّبون) خاف موسى عليه السلام أن يكذبوه فيما جاءهم به من عند الله، وأن يكون سبب ذلك من قبله من جهة إفهامه لهم بالوحي، فإنه عليه السلام كان عالي البيان فإنه كليم الرحمان. فبلاغته لا تصل إليها أفهامهم، فيصير إفصاحه العلي عند فهمهم الدني عقدة عليهم في اللسان تحتاج إلى ترجمان يقول لينا ويفصح لهم بينا. فإن يقع بعد ذلك تكذيب فيكون من عند أنفسهم ليس من قبل موسى فيه شيء. وبذلك تتم حجة الله عليهم. وكذلك: (إِن كِدتَ لَتُردينَ) هو الإرداء الأخروي الملكوتي. وكذلك: (أَن تَرجمون) ليس هو الرجم بالحجارة، إنما هو ما يرمونه به من بهتانهم وأباطيلهم التي هو منزه عنها. وكذلك: (فَحَقَ وَعيد) هو الأخروي الملكوتي و (مَن يَخافُ وَعيد) هو الأخروي الملكوتي. وكذلك: (فَيَقولُ رَبي أَكرَمَن) ، (رَبي أَهانَن) هذا الإنسان يعتبر منزلته عند الله في الملكوت بما يبتليه به الله في الدنيا. وهذا من الإنسان خطأ، لأن الله يبتلي الصالح والطالح لتمام حجته على خلقة: (لِيُهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَينَة وَيَحيَ مَن حَيّ عَن بَينة) .

والقسم الثاني من الضرب الأول: إذا كانت الياء لام الكلمة سواء كانت في الإسم أو في الفعل مثل: (أُجيبَ دَعوَةَ الداعِ إِذا دَعان) تنبيها على الداعي المخلص لله الذي قلبه ونهايته في دعائه في الملكوت والدار الآخرة لا في الدنيا. وكذلك: (الداعِ إلى شَيءٍ نُكُر) هو دعاء ملكوتي من عالم الآخرة. وكذلك: (يَوم يَأتِ لا تَكَلّمُ نَفسُ) هو إتيان ملكوتي في الآخرة، آخره متصل بما وراءه من الغيب. وكذلك: المهتد هو الهدي الملكوتي المتصل بما وراءه وفوقه مما بطن عنه. وكذلك: (وَالباد) حذف لأنه على غير حال الحاضر المشاهد. وقد جعله الله لهما سواء. وكذلك: (كالجَواب) من حيث التشبيه فإنه ملكوتي إذ هو صفة نفسية لا ظهور لها في الإدراك الملكي.

وكذا (يَومَ التّلاق) و (المُناد) كلاهما ملكوتي أخروي. وكذلك: (وَاللّيلِ إِذا يَسر) هو السري الملكوتي الذي يستدل عليه بآخره من جهة الإنقضاء وبمسير النجوم. وكذلك: (الصّخرُ بالواد) يعتبر من جهة ملكوتية وهو اتصاله بما ذكر من جوب الصخر وبناء المباني وعمارته بهم لا من جهة كونه محسوسا ملكيا، فهو مثل (ذاتِ العِماد) في الاعتبار. وكذلك (وَمِن آَياتِهِ الجَوارِ في البَحرِ كالأعلام) تعتبر من جهة هي آية يدل ملكها على ملكوتها. فآخرها في الإعتبار يتصل بالملكوت. ويدل عليه قوله تعالى: (إِن يَشَأ يُسكِن الريحَ فَيَظلَلنَ رَواكِدَ عَلى ظَهرِهِ) . وكذلك حذفت ياء الفعل من يحيى إذا انفرد وثبت في الضمير مثل: (مَن يُحيي العِظامَ وَهيَ رَميم قُل يُحيِيها) لأن حياة البواطن أظهر في العلم من حياة الظاهر وأقوى في الإدراك. والضرب الثاني الذي تسقط فيه الياء في الخط والتلاوة فهو باعتبار غيبه عن باب الإدراك جملة واتصاله بالإسلام لله في مقام الإحسان.

وهذا الضرب قسمان أيضا: منه ضمير المتكلم ومنه لام الفعل. فالقسم الأول: إن كانت الياء ضمير المتكلم، فإنها: إن كانت للعبد فهو الغائب، وإن كانت للرب فالغيبة للمذكور معها فإن العبد هو الغائب عن الإدراك في ذلك كله فهو في هذا المقام مسلم مؤمن بالغيب مكتف بالدلائل والآثار فيقتصر في الخط لأجل ذلك على نون الوقاية والكسرة وفيه من جهة الخطاب به الحوالة على الإستدلال بالآيات دون تعرض لصفات الذات. ولما كان الغرض من آي القرآن جهة الإستدلال والإعتبار بالآثار وضرب الأمثال دون التعرض لصفة الذات كما قال تعالى: (وَيُحَذِرُكُمُ اللَهَ نَفسَه) وقال الله تعالى: (فَلا تَضرِبوا لِلهِ الأَمثال إِن اللَهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمون) كان الحذف في خواتم الآي كثيرا مثل: (فاتَقون) ، (فارهَبون) (وَما خَلَقتُ الجِنّ والإِنسَ إِلا لِيَعبُدونَ ما أُريدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَما أُريدُ أَن يُطعِمونَ) وهذا كثير جدا. وكذلك ضمير العبد مثل: (إِن يُردنِ الرَحمنُ) العبد غائب عن علم إرادة الرحمن، إنما علمه بها تسليما وإيمانا برهانيا عن الدلائل والآثار من مقتضى اسمه العزيز الغفار. وكذلك قوله تعالى في العقود: (فَلا تَخشوا الناسَ واخشون) .

" الناس " كل لا يدل على ناس بأعيانهم ولا موصوفين بصفة فهم كل ولا يعلم الكل من حيث هو كل بل من حيث أثر البعض في الإدراك. ولا يعلم الكلي إلا من حيث أثر الجزئي في الإدراك. والخشية هنا كلية لشيء غير معلوم الحقيقة. فوجب أن يكون الله أحق بذلك فإنه حق وإن لم نحط به علما كما أمر سبحانه بذلك ولا يخشى غيره لأنه توهم كاذب. فهذا الحرف على غير حال ما في البقرة. قال تعالى فيها: (فَلا تَخشَوهُم وَاخشون) ضمير الجمع يعود على الذين ظلموا من الناس فهو بعض لا كل ظهروا في الملك بالظلم. فالخشية هنا جزئية. فأمر الله سبحانه أن يخشى من جهة ما ظهر كما يجب ذلك جهة ما ستر فإنه سبحانه عزيز ذو انتقام. وكذلك حذفت الياء من: (فَبِشِر عِبادِ الَّذين يَستَمِعون) و (قُل يا عِباد الَّذَينَ آمَنوا) هذا خطاب لرسوله عليه السلام على الخصوص. فقد

توجه الخطاب إليه في فهمنا وغاب العباد كلهم عن علم ذلك. فهم غائبون عن شهود هذا الخطاب لا يعلمونه إلا بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو على غير حال ما في قوله تعالى: (يا عِبادِ لا خَوفُ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنون) وهذا خطاب لهم في يوم الآخرة يفهم منه أنهم غير محجوبين عنه. جعلنا الله منهم إنه منعم كريمس. وثبت حرف النداء، فإنه أفهمهم نداءه الأخروي في موطن الدنيا في يوم ظهورهم بعد عدمهم وفي محل أعمالهم إلى حضورهم يوم ظهورهم الأخروي بعد موتهم في محل جزائهم. وكذلك: (يا عبادي الَّذيَنَ أَسرَفوا) ثبت الضمير وحرف النداء في الخط فإنه دعاهم من مقام إسلامهم وحضرة أعمالهم إلى مقام إحسانهم وحضرة آمالهم. وكذلك (يا عبادىَ الَّذَينَ آَمَنوا) في العنكبوت ثبت الضمير وحرف النداء. فإنه دعاهم من حضرتهم في مقام إيمانهم إلى حضرتهم في مقام إحسانهم إلى ما لا يعلم من الزيادة بعد الحسنى. وكذلك سقطت في الدعاء مثل: (رَبِ اِغفِر

لي) وذلك أن من مقتضى هذا الإسم العزيز بدأ التكوسي وبه قوامه. فهو أول اسم لنا أثره في الوجودن. فحذفت الياء علامة لعدم الإحاطة به عند التوجه إليه " لغيبنا " نحن عن الإدراك. وحذف حرف النداء لأنه أقرب إلينا من أنفسنا قال تعالى: (وَإِذا سَأَلَكَ عِباديَ عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدَاعِ إِذا دَعانِ) . وكذلك (وَقيلهِ يا رَبّ إِنّ هَؤلاءِ) أثبت حرف النداء لأنه دعا ربه من رتبة حضوره معهم في مقام الملك لقوله: (إِنّ هَؤلاءِ) وأسقط حرف ضميره لغيبه عن ذاته في توجهه في مقام الملكوت ورتبة إحسانه في إسلامه. وكذلك في مثل: (ياقَوم) دلالة على أنه خارج عنهم في خطابه كما هو ظاهر في الإدراك وإن كان متصلا بهم في النسبة الرابطة بينهم في الوجود المعلومة من الدلائل والآثار. والقسم الثاني: إذا كانت الياء لام الكلمة في الفعل وفي الإسم فإنها تسقط حيث يكون معنى الكلمة من مبدئه الظاهر شيئا بعد شيء إلى ملكوته الباطن إلى ما لا يدرك منه إلا إيمانا وتسليما فيكون حذف الياء منبها على ذلك وأنه لم يكمل اعتباره في الظاهر من ذلك الخطاب بحسب

غرض الخطاب مثل: (وَسَوفَ يُؤتِ اللَهُ المُؤمِنينَ أَجراً عَظيماً) هو: (ما تَشتَهيهِ الأنفس وَتَلَذُ الأَعيُن) وقد اِبتدأ ذلك لهم في الدنيا متصلا بالآخرة، كذلك إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وكذلك: (وَإِنّ اللَهَ لَهادِ الَّذَينَ آَمَنوا) حذفت لأنه يهديهم بما نصب في الدنيا من الدلائل والعبر إلى الصراط المستقيم برفع درجاتهم في هدايته إلى حيث لا إلى غاية. قال تعالى: (وَلَدَينا مَزيد) . وكذلك: (وَماأَنتَ بِهادِ عَن ضلالَتِهِم) في الروم. هذه الهداية هي الكلية على التفصيل والتوالي التي ترقي العبد في هدايته من الآثار إلى ما لا يدركه العيان ليس ذلك للرسول عليه السلام بالنسبة إلى العيان ويدل على ذلك قوله تعالى قبلها: (فانظُر إِلى آَثارِ رَحمَةِ اللَهِ كَيفَ يَحيي الأَرضَ بَعدَ مَوتِها) الآية. فهذا النظر من عالم الملك ذاهبا في النظر إلى عالم الملكوت إلى ما يدرك إيمانا وتسليما من يقين البرهان. فهذا الحرف على غير حال الحرف الذي في النمل

قال فيه: (وَما أَنتَ بِهادِى العُمي عَن ضَلالَتِهِم) يثبت الياء وهي مثل تلك الآية في التلاوة. ومعنى هذه الهداية هي الكلية العامة على التفصيل والإجمال وحصول الكمال. يدلك على ذلك قوله تعالى: (فَتَوَكَل عَلى اللَهِ إِنّكَ عَلى الحَقِ المُبين) . وكذلك: (بِالوادِ المُقَدَس) و (الوادِ الأَيمَن) مبدأ التقديس واليمن الذي وصفا به اتصل التقديس واليمن منهما إلى الحال بهما ذاهبا إلى ما لا يحيط بعلمه إلا الله. وكذلك: (وادِ النَمل) هو موضع لإبتداءِ سَماعِ الخِطاب مِن أَخفَضَ الخَلق وهو النملة إلى أَعلاهُم وَهُوَ الهدهد والطير. ومن ظاهر الإنس وباطن الجن إلى قول العفريت، إلى قول الذي عنده علم من الكتاب، إلى ما وراء ذلك من هداية " الكتاب " إلى مقام الإسلام لله رب العالمين.

وكذلك: (وَلَهُ الجَوارِ المُنشَآتِ في البَحرِ كالأعلام) سقطت الياء تنبيها على أنها لله من حين إنشائها بعد أن لم تكن إلى ما وراء ذلك مما لا نهاية له من صفاتها وأحوالها. جميع ذلك كله له لا لغيره. له الخلق والأمر. وكذلك: (الجَوارِ الكُنّس) حذفت الياء تنبيها على أنها تجري من محل اتصافها منها بالحناس إلى محل اتصافها بالكناس. وذلك يفهمنا منها أنها اتصفت بالخناس عن حركة تقدمت. فالوصف بالجواري الظاهر يفهم منه وصف بالجواري في الباطن. وهذا الظاهر مبدأ نفهمه. فالنجوم الجارية داخل تحت معنى الكلمة. وكذلك كل جار. وينبه ذلك على أن خروجنا للدنيا خناس عن الآخرة وأن رجوعنا إليها جرى وأن إقامتنا بها كناس، فافهم. فكذلك يوم الدنيا خنس من يوم الآخرة وهو يجري إليه ويكنس فيه بعد ذلك. ويوم الآخرة هو جامع الأيام وميقات الأكوان الظاهرة مع الأزمان. ولأجل هذه المعاني في هذه الكلمة حذفت لاماتها وصلت بما أضيفت إليه أو وصفت به في اللفظ وإن كان منفصلا في العلم وفي الخط. فإن الإنفصال يؤل إلى الإتصال. وكل مفترق يعود إلى إجتماع، وذلك من آية الحشر والنشر.

فصل ويلتحق بهذا القسم من جهة المعنى حرف النون الذي هو لام فعل يكون فإنه يحذف في بعض الكلمة تنبيها على صغر مبدأ الشيء وحقارته، وأن منه ينشأ ويزيد إلى ما لا يحيط بعلمه " إلا الله " مثل: (أَلَم يَكُ نُطفَة) حذفت النون تنبيها على مهانة مبدأ الإنسان وصغر قدره " بحسب ما يدرك " هو من نفسه ثم يترقى في أطوار التكوين (فَإِذا هُو خَصيمٌ مُبين) فهو حين كانَ نطفة كان ناقص الكون. كذلك كل " رتبة " ينتهي إليها كونه هي ناقصة الكون بالنسبة إلى ما بعدها. فالوجود " الدنيوي " كله ناقص الكون عن كون الآخرة، كما قال تعالى: (وَإِنّ الدارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الحَيوانُ لَو كانوا يَعلَمون) . وكذلك: (وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفها) حذفت النون تنبيها

على أنها وإن كانت صغيرة المقدار حقيرة في الإعتبار فإن الله يربيها ويضاعفها إلى ما لا يعمله سواه. وكذلك: (إِن تَكُ مِثقالَ حَبَةٍ مِن خَردَل) حذف النون لأن هذا المثقال " أصغر مقدارا " وأحقره في الإعتبار منه الإبتداء إلى القنطار. فإذا كان ذلك الذي لا خطر له عندنا يأتي به الله، فما ظنك بأكبر من ذلك، هو أولى أن يأتي به الله. وكذلك: (أَوَ لَم تَكُ تَأتيكُم رُسُلُكُم بالبَينات) جاءتهم الرسل من أقرب شيء في البيان الذي هو أقل مبدأ فيه وأصغره وأضعفه وأحقره وهو الحسن إلى العقل إلى الذكر. ورقوهم من أخفض رتبة وأحقرها وهي الجهل إلى أرفع درجة في العلم والإدراك وهي اليقين. وهذا على غير حال الحرف الذي في قوله تعالى: (أَلَم تَكُن آَياتي تُتلى عَلَيكُم) فإن كون تلاوة الآيات قد كمل كونه وتم. كذلك: (ألم تكن أرض الله واسعة) هذا قد تم كونه. كذلك (لَم يَكُنِ الَّذَينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتاب) الآية. هذا قد تم كونهم غير منفكين إلى تلك الغاية التي جعل الله لهم، وهي مجيء البينة. وكذلك: (فَلَم يَكُ يَنفُعُهُم إِيمانُهم لَمّا رَأَوا بَأسَنا) . انتفى عن إيمانهم مبدأ الإنتفاع وأقله فانتفى لأجل ذلك كله.

فحذف اللامات في هذه الكلمة دليل على هذه البدايات وعدم النهايات. وظهر من ذلك أن هذه الحروف يختلف حالها في الخط بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها في العلم لا في اللفظ. وفيها التنبيه على العوالم ومراتب الوجود والمقامات. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.

باب مد التاءات وقبضها

باب مد التاءات وقبضها وهذا جاء في الإسم المفرد المضاف الذي فيه علامة التأنيث. وذلك أن هذه الأسماء لما كانت يلازمها الفعل صارت تعتبر اعتبارين: أحدهما من حيث هي أسماء وصفات. فهذا تقبض فيه التاء. والثاني من حيث يكون مقتضاها فعلا وأثرا ظاهرا في الوجود. فهذا تمد فيه التاء كما تمد في: قالت: وحقت. و " جهة " الفعل والأثر ملكية ظاهرة، وجهة الإسم والصفة ملكوتية باطنة. فمن ذلك: (الرَحمَة) مدت في سبعة مواضع للعلة التي ذكرت. يدل عليه ما جاء في أحدها: (إنّ رَحمَتَ اللَهِ قَريبٌ مِنَ المُحسِنينَ) . فوصفها على التذكير فهو الفعل. وكذلك: (فانظُر إِلى آثارِ رَحمَتِ

الله. والأثر هو بالفعل ضرورة. ومن ذلك: (النعمة) مدت في أحد عشر موضعا. أحدها في سورة إبراهيم: (وَإِن تَعُدوا نِعمَتَ اللَهِ لا تُحصوها) الآية. فهذه بمعنى الحاصلة بالفعل في الوجود. يدلك عليه قوله تعالى: (إِنّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّار) فهذه نعمة متصلة بالظلوم " الكفار " في تنزلها وقال تعالى في سورة النحل: (وَإِن تَعُدوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحصوها) وهذه قبضت تاؤها لأنها بمعنى الإسم. يدلك عليه قوله تعالى: (إِنّ اللَهَ لَغَفورٌ رَحيم) فهذه نعمة وصلت من الرب الغفور فهي ملكوتية ختمها باسمه عز وجل وختم الأولى باسم الإنسان. ومن ذلك: (الكلمة) قد مدت في موضعين. أحدهما في الأعراف: (وَتَمَت كَلِمةُ رَبِكَ الحُسنى عَلى بَنَيهِ إِسرائيل) هو ما تم لهم في الوجود بالفعل الذي أظهره لهم في ملكه.

وفي هود: (وَتَمَت كَلِمَةُ رَبّكَ لأَملأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ وَالناسِ أَجمَعين) ، " هو ما تم " لهم في الوجود الأخروي بالفعل الذي ظهر دليله في الملك، وهو الاختلاف وتمامها. وهو أن لها نهاية تظهر في الوجود بالفعل فمدت التاء. ومن ذلك: (السنة) مدت في خمسة مواضع حيث تكون بمعنى الإهلاك والانتقام الذي ظهر في الوجود. أحدها في الأنفال: (فَقَد مَضَت سُنّتُ الأَولين) يدل على أنها للإنتقام قوله تعالى قبلهاك (إِن يَنتَهَوا يُغفَر لَهُم ما قَد سَلَف) الآية. وبعدها: (وَقاتِلوهُم حَتى لا تَكونَ فِتنَة) . وفي فاطر: (فَهَل يَنظُرونَ إِلاّ سُنَتَ الأَولين فَلَن تَجِدَ لِسُنّتَ اللَهِ تَبديلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنّتِ اللَهِ تَحويلاً) يدلك على أنها كلها بمعنى الإنتقام قوله تعالى قبلها: (وَلا يَحيقُ المَكرُ السَيءُ إِلاّ بِأهلِهِ) وسياق ما بعدها. وفي المؤمن (فَلَم يَكُ يَنفَعُهُم لِما رَأَوا بَأسَنا سُنّتَ اللَهِ التَي قَد خَلَت في عِبادِهِ) .

فإذا كانت السنة بمعنى الشريعة والطريقة المتبعة فهي ملكوتية بمعنى الإسم تقبض تاؤها كما في الأحزاب: (سُنّةَ اللَهِ في الَّذَينَ خَلَوا مِن قَبل) فهذه بمعنى حكم الله و " شرعه " فيهم. وكذلك: (سُنَةَ مَن قَد أَرسَلنا قَبلَكَ مِن رُسُلِنا) فهذه بمعنى الشريعة والطريقة المتبعة. ومن ذلك (بَقيّتُ اللَهِ) فرد مدت تاؤه لأنه بمعنى ما يبقى في أموالهم من الربح المحسوس. لأن الخطاب إنما هو فيها من جهة الملك. ومن ذلك (فِطرَتُ اللَهِ) فرد وصفها الله بأنها فطر الناس عليها فهي فعل حصل في الوجود كما جاء: كل مولود يولد على الفطرة.. الحديث. ومن ذلك: (قُرّت عَينٍ لي وَلَك) فرد مدت تاؤه لأنه بمعنى الفعل. إذ هو خبر عن موسى وهو موجود حاضر في الملك. وذلك

على غير حال: (قُرَةُ أَعيُن) فإن هذا الحرف هو بمعنى الإسم وهو ملكوتي إذ هو غير حاضر. ومن ذلك ((مَعصِيتُ الرسول) مدت في موضعين في سورة المجادلة لأن معناها الفعل إذ تقديرها: لا تتناجوا بأن تعصوا الرسول ونفس هذا النجوى الواقع منهم في الوجود هو فعل معصية لوقوع النهي عنه. ومن ذلك: " اللعنى " مدت في موضعين: في آية المباهلة وفي آية اللعان، وكونهما بمعنى الفعل ظاهر. ومن ذلك: (الشَجَرَة) مدت في موضع واحد: (إِنّ شَجَرَت الزَقومِ طَعامُ الأَثيم) فهذه بمعنى الفعل اللازم لها وهو تزقمها بالأكل ويدلك عليه قوله تعالى: (في البُطون) فهذه صفة فعل كما قال تعالى في الواقعة: (ثُمّ إِنّكُم أَيُها الضالُون المُكَذّبون لأَكِلون مِن شَجَرٍ مِن زَقوم) . فهذا الحرف على غير حال الذي في قوله تعالى: (أَذلِكَ خَيرٌ أَم شَجَرَةُ الزَقوم) فإِنّ هذه وصفها بأنها فتنة للظالمين، وأنها شجرة تخرج في أصل الجحيم فهي جلية

للإسم. فلذلك قبضت تاؤها. ومن ذلك: (الجَنّة) مدت تاؤها في موضع واحد في الواقعة: (وَجَنّاتِ نَعيم) يدل على أنها بمعنى فعل التنعم بالنعيم اقترانها بالروح والريحان. وتأخرت عنهما وهما من الجنة. فهذه جنة خاصة بالمنعم بها. وأما: (مِن وَرَثَةِ جَنّةِ النّعيم) و (أَن يَدخُل جَنَةَ نَعيم) فإن هذا بمعنى الإسم الكلي. ولم تمد (تَصلِيةَ جَحيم) لأنها اسم ما يفعل بالمكذب في الآخرة " أخبرنا الله بذلك. فالمؤمن يعمله تصديقا به " ولا يجده بالفعل أبدا في الدنيا ولا في الآخرة. وقال تعالى: (وَنادى أَصحابُ الجَنَةِ أَصحابِ النارِ أَن قَد وَجَدنا ما وَعَدَنا رَبُنا حَقاً فَهَل وَجَدتُم ما وَعَد رَبّكُم حَقّا قالوا نَعَم) فكلمة العذاب إنما حقت على الكافرين هم الذين يجدون ذلك بالفعل. وما المؤمن فلا يجد منها إلا الإسم دون الفعل.

والخطاب إنما هو " للمؤمن " فلذلك كانت (تَصليَةَ جَحيم) بمعنى الإسم في حق المؤمن. وإن كانت بمعنى الفعل في حق الكافر " فهي " على خلاف " جنة " نعيم فإنما يجده المؤمن بالفعل. وكذلك " جميع " ما لم تمدن تاؤه فهو بمعنى الإسم مثل: (زَهرَة الحَياة الدُنيا) و (صَبغَةَ اللَهِ) و (زَلزَلَةَ الساعَة) و (تَحِلَةَ أَيمانَكُم) و (رَحلَةَ الشِتاءِ وَالصَيف) و (حَمّالةَ الحَطَب) . ومن ذلك: (اِبنَت عِمران) مدت " التاء " تنبيها على معنى الولادة والحدوث من النطفة المهينة. ولم يضف في القرآن ولد إلى " والد " ووصف به اسم الولد الاّ عيسى وأمه عليهما السلام " لما اعتقد " النصارى فيهما أنهما " إلهان "

فنبه سبحانه بإضافتهما للولادة على جهة حدوثهما بعد عدمهما حتى أخبر الله تعالى في موطن بصفة الإضافة دون الموصوف. قال تعالى: (وَجَعَلنا اِبنَ مَريمَ وَأُمّهُ آَيَة) لما غلو في إلاهيته أكثر من أمه. كما نبه الله تعالى على حاجتهما وتغير أحوالهما في الوجود يلحقهما ما لحق البشر. قال تعالى (كانا يَأكلانِ الطَعام) . ومن ذلك: (يا أبتِ) مدت تاؤه لأنه اسم النسبة المأخوذة من فعل الأبوين وهو فعل التربية والتغذية وهي جهة فعل وأثر ظاهر. ومن ذلك: (اِمرَأَة) هي في القرآن في سبعة مواضع وهن: خمس من النساء: (اِمرأَتُ عِمران) و (اِمرَأَت العَزيز) و (اِمرَأتُ

فِرعَون) و (اِمرَأَةُ نوح) و (أاِمرَأتُ لوط) . كلها ممدودة التاء حيث وقعت تنبيها على فعل التبعل والمحبة وشدة المواصلة والمخالطة والإئتلاف في الوجود المحسوس. وأربع منهن منفصلات في بواطن أمرهن عن بعولتهن بأعمالهن. وواحدة خاصة هي التي واصلت بعلها ظاهرا وباطنا وهي: امرأت عمران فجعل الله لها بذلك ذرية وأكرمها بذلك وفضلها على نساء العالمين كما قص علينا في كتابه. وواحد من الأرعبة انفصلت بباطنها عن بعلها طاعة لله وتوكلا عليه وخوفا منه فنجاها وأكرمها وهي: امرأة فرعون. واثنان منهن انفصلتا بباطنهما عن أزواجهما كفرا بالله

فأهلكهما الله ودمرهما ولم ينتفعا بالوصلة الظاهرة مع أنها أقر وصلة بأفضل أحباب الله كما لم يضر فرعون وصلها الظاهر بأخبث عبيد الله. وواحدة انفصلت عن بعلها بالباطن اتباعا للهوى وشهوة نفسها فلم تبلغ من ذلك مرادها مع تمكنها من الدنيا واستيلائها عما مالت إليه بحدبها وهو في بيتها وقبضتها فلم يغن ذلك عنها شيئا. وقوتها بها وعزتها إنما أتت لها من بعلها العزيز. ولم ينفعها ذلك في الوصول إلى إرادتها مع عظيم كيدها. كما لم يضر يوسف عليه السلام ما امتحن به منها ونجاه الله من السجن ومكن له في الأرض، وجعل من شأنه ما قص علينا، وذلك بطاعته لربه. فلا سعادة إلا بطاعة الله ولا شقاوة إلا بمعصية الله واعتماد النفوس على الحيل جهالة والعمل بها بطالة. فهذه كلها عبر واقعة بالفعل في الوجود من شأن كل اِمرأة منهن. فلذلك مدت تاءاتهن. فافهم والله أعلم.

باب الوصل والحجز

باب الوصل والحجز اعلم أن الموصول في الوجود توصل كلمته في الخط كما توصل حروف الكلمة الواحدة والمفصول معنى في الوجود يفصل في الخط كما تفصل كلمة عن كلمة. فمن ذلك: (إِنّما) بكسر الهمزة. كله موصول إلا حرف واحد. (إنّ ما توعَدونَ لآت) فصل حرف التوكيد لأن حرف " ما " يقع على مفصل فمنه خير موعود به لأهل الخير، ومنه شر موعود به لأهل الشر فمعنى " ما " مفصول في الوجود والعلم. ومن ذلك (إِنّما) بفتح الهمزة كلها موصول إلا حرفان.

(وَأَنّ ما يَدعونَ مِن دونِهِ هُوَ الباطِل) ، (وَأَنّ ما يَدعونَ مِن دونِهِ الباطِل) وقع الفصل عن حرف التوكيد إذ ليس لدعوى غير الله فعل في الوجود إنما وصلها في العدم والنفي. ويدلك عليه قوله تعالى عن المؤمن: (لا جَرمَ أَنّما تدعونَنَي إِليهِ لَيسَ لَهُ دَعووَةٌ في الدُنيا وَلا في الآَخِرَة) . فوصل أنما في النفي وفصل في الإثبات لانفصاله عن دعوة الحق. ومن ذلك (كُلَما) كله موصول إلا ثلاثة أحرف: أحدها في النساء (كُلُ ما رُدوا إِلى الفِتنَةِ اُركسوا فيها) . فما ردوا إليه ليس شيئا واحدا في الوجود بل أنواع مختلفة في الوجود وصفة ردهم ليست واحدة بل متنوعة فانفصل ما لأنه لعموم شيء مفصل في الوجود. وفي سورة إبراهيم: (وآتاكُم مِن كُلِ ما سَأَلتُمُوه) فحرف ما وقع على أنواع مفصلة في الوجود.

وفي قد أفلح: (كُلّ ما جاءَ أُمَةٌ رَسُولُها كَذّبوه) . والأمم مختلفة في الوجود فحرف " ما " وقع على تفاصيل موجودة ففصل: وهذا على خلاف حال الحرف الذي قال فيه تعالى: (كُلّما جاءَهُم رَسولٌ بِما لا تَهوى أَنفُسُهُم فَريقاً كَذبوا وَفَريقاً يَقتلون) فإن هؤلاء هم بنو إسرائيل أمة واحدة. يدلك عليه قوله تعالى: (فَلِمَ تَقتُلونَ أَنبِياءَ اللَهِ مِن قَبلُ إِن كُنتُم مُؤمِنين) والحاضرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يباشروا قتل الأنبياء من قبل إنما باشره آباؤهم، لكن مذهبهم في ذلك واحد ورأيهم فيه سواء. فحرف " ما " إنما شمل تفاصيل الزمان. وهو تفصيل لا مفصل له في الوجود إلا بالعرض والتوهم، لا بالحس. فوصلت كل لإتصال الأزمنة في الوجود وتلازم أفرادها المتوهمة. وكذلك: (كُلَما رُزِِقوا مِنها مِن ثَمَرَةٍ رِزقاً قالوا) هذا موصول لأن حرف " ما " جاء لتعميم الأزمنة. ولا تفصيل فيها في الوجود. وما رزقوا هو غير مختلف لقوله تعالى: (وَأَتَوا بِهِ مُتَشابِهاً)

ومن ذلك: (أَينَما) موصول حيث تكون " ما " غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها مثل: (أَينَما يُوجّهِه) (فَأَينَما تُولَوا) . (أَينَما ثُقِفوا أُخِذوا) ، (أَينَما تَكونوا يُدرككمُ المَوت) . فهذه كلها لم تخرج عن الأين الملكي، وهو متصل حسا ولم يختلف فيه الفعل الذي مع " ما ". ويفصل " أين " حيث تكون " ما " مختلفىة الأقسام في الوصف الذي بعدها مثل: (أَينَ ما كُنتُم تَعبُدونَ) (وَهُوَ مَعَكُم أَينَ ما كُنتُم) ، (أَينَ ما ثُقِفوا إلا بِحَبلٍ مِنَ اللَهِ وَحَبلٍ مَنَ الناس) . فهذه وأمثالها أينات بعضها ملكي، وبعضها ملكوتي، وبعضها غير معلوم فهو مفصول في الوجود. ومن ذلك: (بِئسَما) موصول ثلاثة أحرف: اثنان في البقرة: (بِئسَما اِشتَروا بِهِ أَنفُسَهُم) ، (بِئسَما يَأمُرُكُم بِهِ إِيمانُكُم إِن كُنتُم مُؤمِنين) وفي الأعراف: (بِئسَما خَلَفتموني مِن بَعدي) فحرف " ما " ليس فيه تفصيل لأنه

معنى واحد في الوجود من جهة كونه باطلا مذموما. فهو على خلاف حال ما في العقود: (وَتَرى كَثيراً مِنهُم يُسارِعونَ في الإثمِ والعُدوان وَأَكلِهِمُ السُحت لَبِئسَ ما كانوا يَعملون) فحرف ما " مشتمل " على الأقسام الثلاثة المذكورة قبله. وكذلك: (لَبِئسَ ما قَدّمَت لَهُم أَنفُسُهُم) حرف " ما " مفصول لأنه يشمل ما بعده من الأقسامز ومن ذلك: (يَوم هُم عَلى النارِ يُفتَنونَ) ، (يَوم هُم بارِزون) حرنفان فصل الضمير فيهما لأنه مبتدأ. وأضيف اليوم إلى الجملة المنفصلة عنه. (وَيومَهُمُ الذي فيهِ يُصعَقون) و (يَومَهُم الذي يوعَدون) وصل الضمير لأنه مفرد فهو جزء الكلمة المركبة من اليوم المضاف والضمير المضاف إليه. ومن ذلك: (في ما) محجوز في أحد عشر حرفا.

أحدها في البقرة: (في ما فَعَلنَ في أَنفُسِهنّ مِن مَعروف) حرف " ما " يقع على حرف واحد من أنواع تنفصل بها المعروف في الوجود على البدلية أو على الجمع. يدل على ذلك تنكير المعروف ودخول حرف التبعيض عليه. فهو جنس مقسم. وحرف " ما " واقع على كل واحد منها على البدلية أو على الجمع كما ذكر. وأما قوله تعالى: (فَلا جُناحَ عَلَيكُم فيما فَعَلَنَ في أَنفُسِهِنّ بالمَعروف) فهذا موصول لأن " ما " واقعة على شيء واحد غير مفصل. يدلك عليه وصفه بالمعروف والمعرفة. وكذلك: (في ما اِشتَهَت أَنفُسُهُم خالِدون) هو مفصول لأن شهوات النفوس مختلفة مفصلة في الوجود. وكذلك فتدبر في سائرها. فافهم. ومن ذلك: (لَكَي لا) موصول في ثلاثة أحرف وسائرها منفصل. وإنّما توصل حيث يكون حرف النفي دخل على معنى كلي فيوصل لأن نفي الكل نفي لجميع جزئياته. فعلة نفيه هي علة نفي أجزائه. وليس للكلي المنفي أفراد في الوجود وإنما ذلك فيه بالتوهم الكاذب والخيال الشعري وتفصيل حيث يكون حرف النفي دخل على جزئي. فإن نفي الجزئي لا يفهم منه نفي الكلي فلا تكون علته علته.

ففي الحج: (لِكَيلاَ يَعلَم مِن بَعدِ عِلمٍ شيئاً) . وفي الأحزاب: (لِكَيلا يَكونَ عَلَيكَ حَرَج) . وفي الحديد: (لِكيلا تَأسوا) . فهذه هي الموصولة وهي على خلاف حال: (لِكي لا يَعلمَ بعدَ عِلمٍ شَيئاً) في النحل لأن الظرف في هذا خاص الاعتبار. وهو في الأول عام الإعتبار لدخول حرف " من " عليه وهذه مثل قوله تعالى عن أهل الجنة: (إِنّا كُنا قَبلُ في أَهلِنا مُشفِقين) اختص المظروف بقبل في الدنيا فيها كانوا مشفقين خاصة. وقال تعالى عنهم: (إِنا كُنّا مِن قَبلُ نَدعوهُ إِنّهُ هُوَ البَرّ الرَحيم) فهذا الظرف عام لدعائهم ذلك في الدنيا والآخرة ولم يختص المظروف ب (قبل) في الدنيا. وكذلك: (لكي لا يَكونَ عَلى المُؤمِنينَ حَرَجٌ في أَزواج أَدعِيائِهِم إِذا قَضوا مِنهُنّ وَطَرا) فهذا المنفي هو حرج مقيد بظرفين. وكذلك: (كي لا يكون دُولَةً بَينَ الأَغنياءِ مِنكُم) فهذا النفي هو كون (ما أفاءَ اللَهُ عَلى رَسولِهِ مِن أَهلِ القُرى) دولة بين الأغنياء من المؤمنين وهذه قيود كثيرة. ومن ذلك: (هُم) ونحوه من المضمرات توصل ولا تفصل مثل:

حسبهم وعنكم لأن الضمير يدل على جملة المسمى من غير تفصيل فالإضمار حال لا صفة وجود فلا يلزمها التقسيم الوجودي إلا الوهمي الشعري. والخط إنما يرسم على العلم الحق. ومن ذلك: " مال " أربعة أحرف محجوزة وذلك أن اللام وصلة إضافية فقطعت حيث تقطع الإضافة في الوجود. فأولها في سورة النساء (فَمالِ هَؤلاءِ القَوم) . " هؤلاؤء القوم المشار إليهم في الآية هم الفريق الذين نافقوا من القوم الذين قيل لهم: (كُفوا أَيدِيَكُم وَأَقيموا الصَلاة) قطعوا وصل السيئة بالحسنة في الإضافة إلى الله ففرقوا بينهما كما أخبر الله سبحانه عنهم. والله قد وصل ذلك وأمر به في قوله: (قُل كُلٌ مِن عِندِ اللَه) فقطعوا في الوجود ما أمر الله به أن يوصل بقطع لام وصلهم في الخط علامة لذلك وفيه تنبيه على أن الله يقطع وصلهم بالمؤمنين وذلك في يوم الفصل. (يَومَ يَقولُ المُنافِقونَ وَالمُنافِقاتُ لِلذَينَ آَمنوا انظرونا نَقتَبِس مِن نورِكُم) . والثاني في سورة الكهف: (وَيقولونَ يا وَيلَتَنا مالِ هَذا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً) هؤلاء قطعوا بزعمهم وصل جعل " الموع " لهم بوصل إحصاء الكتاب وعدم مغادرته لشيء من أعمالهم في إضافتها إلى الله.

فلذلك ينكرون على الكتاب في الآخرة. ودليل ذلك ظاهر من سياق خبرهم في تلك الآيات من الكهف. والثالث في سورة الفرقان: (وَقالوا مالِ هَذا الرَسولِ يَأكُلُ الطَعام) قطعوا وصل الرسالة بأكل الطعام. فأنكروا فقطعوا قولهم: (هَذا الرَسول) عَن اعتقادهم أنه رسول فقطع " اللام " علامة لذلك. والرابع في المعارج: (فَمالِ الَّذَينَ كَفَروا قِبَلَكَ مُهطِعين) هؤلاء الكفار تفرقوا جماعات مختلفات كما يدل عليه قولهم: (عنِ اليَمينِ وَعَنِ الشِمالِ عَزيز) . وقطعوا وصلهم في قلوبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. فقطع الله طمعهم في دخول الجنة. ولذلك قطعت اللام علامة عليه. ومن ذلك: ابن أمّ في الأعراف مفصول على الأصل وفي طه: (يابنَؤُمّ) موصول. وذلك علامة تعريف لمعنى لطيف. وهو أنه لما أخذ موسى برأس أخيه اعتذر له فناداه من قرب على الأصل الظاهر في الوجوه. ولما تمادى ناداه بحرف النداء ينبهه لبعده عنه في الحال لا في المكان مؤكدا لوصلة الرحم بينهما بالرباط فلذلك وصل في الخط. ويدلك عليه نصب الميم ليجمعهما الإسم بالتعميم. ومن ذلك ستة أحرف لا توصل بما بعدها وهي: الألف والواو والدال والذال والراء والزاي لأنها علامات لانفصالات ونهايات. وسائر الحروف توصل في الكلمة الواحدة.

فصل من ذلك في حروف الإذغام: (عَن ما نُهُوا عَنه) فرد أظهر فيه النون وقطع عن الوصل، لأنّ معنى " ما " عموم كلي تحته أنواع مفصلة في الوجود غير متساوية في حكم النهي عنها. ومعنى " عن " المجاوزة والمجاوزة للكلي مجاوزة لكل واحد من جزئياته. ففصل علامة لذلك. ومن: (مِن ما) ثلاثة أحرف مفصولة لا غير. أحدها في النساء: (فمِن ما مَلَكَت أَيمانُكُم) . وفي الروم: (هَل لَكُم مِن ما مَلَكَت أَيمانُكم) . وفي المنافقين: (وَأنفِقوا من ما رَزقناكُم) . وحرف " ما " في هذه كلها مقسم في الوجود بأقسام منفصلة غير متساوية في الأحكام. فهذه على غير حال: (مِمّا كُتِبَت أَيديهِم) فإنها وإن كانت تحتها أقسام كثيرة فهي غير مختلفة في وصفها بكتب أيديهم فهو نوع واحد يقال

على معنى واحد من تلك الجهة هو في أفراده بالسوية. فافهم وتدبر القول. وكذلك: (أَم مَن) بالحجز أربعة أحرف لا غير. في النساء: (أَم مَن يكونُ عَلَيهِم وَكيلا) . وفي التوبة: (أَم مَن أُسّس بنيانه) . وفي الصافات: (أَم مَن خَلَقنا) . وفي السجدة: (أَم مَن يَأتي آمَنا) . فهذه الأحرف الأربعة حرف " من " فيها مقسم مفصول في الوجود بأنواع مختلفة في الأحكام. وليس كذلك غيرها مثل: (أَمَن يَمشي سَويا) . فهذا من موصول أن " من " نوع واحد من حيث يمشي على صراط مستقيم. كذلك: (أَمّن جَعَل الأَرضَ قَراراً) لا تفاصيل تحتها في الوجود. فافهم. وكذلك: (عَن مَن) مفصول حرفان. في النور: (عَن مَن يَشاء) . وفي النجم: (عَن مَن تَولّى) .

حرف " مَن فيهِما كلي " وحرف عن للمجاوزة. والمجاوزة عن الكلي مجاوزة عن جميع جزئياته دون العكس. فلا وصلة بين الحرفين في الوجود، فلا يوصلان في الخط. وكذلك: (من من) متصل كله لا ينفصل لأن من بفتح الميم جزئي بالنسبة إلى " ما " فمعناه أزيد من جهة المفهوم ومعنى " ما " أزيد من جهة العموم، والزائد من جهة " العموم " ينفصل وجودا بالحصص، والحصة منه لا ينفصل والزائد من جهة المفهوم لا يتفصل وجودا. فافهم. وكذلك: (وَإِن ما نُريَنّكَ بَعضَ الذي نَعِدُهُم) في سورة الرعد، فرد محجوز ظهر منه حرف الشرط في الخط، لأن

الجواب " المترتب " عليه بالفاء ظاهر في مواطن الدنيا، وهو البلاغ فهذا الحرف على غير حال الحرف الآخر: (فَإِمّا نُرينّكَ) فإنه اخفي فيه حرف الشرد في الخط لأن الجواب المترتب عليه بالفاء خفي عنا. وهو الرجوع إلى الله تعالى فهذا وجه. وله وجه آخر في الاعتبار وهو أن القضية الأولى متصلة من الشرط وجوابه. وانقسم الجواب إلى قسمين. أحدهما المترتب بالفاء وهو البلاغ. والثاني المعطوف عليه وهو الحساب. وأحدهما في الدنيا والآخرة في الآخرة. والأول ظهر لنا والثاني خفي عنا. وهذا الإنقسام صحيح في الوجود فقد انفصلت هذه الشرطية إلى شرطيتين لانفصال جوابهما إلى قسمين متغايرين، ففصل حرف الشرط علامة لذلك. وإذا انفصل لزم كتبه على الوقف. والشرطية الأخرى لا تنفصل بل هي واحدة لاتحاد جوابها فاتصل حرف الشرط علامة لذلك. وهاتان الشرطيتان الجواب فيهما هو من باب الوجود فاعلمه. وكذلك: (فَإِن لَم يَستَجيبوا لَكَ) في القصص ثابت النون. وفي هود: (فإِلَّم يَستَجيبوا لَكُم) فرد بغير نون وأظهر

حرف الشرط لأن جوابه المرتب عليه بالفاء هو علم متعلق بشيء بملكي ظاهر سفلي وهو اتباعهم أهواءهم. وأخفي في الثاني لأن جوابه المرتب عليه بالفاء هو علم متعلق بشيء ملكوتي خفي علوي وهو إنزال القرآن بالعلم والتوحيد. فهذا وجه مثل الوجه الأول في الشرطيتين المتقدمتين. إلا أن هاتين الشرطيتين الجواب فيهما هو من باب الإدراك والعلم. وله وجه آخر في الاعتبار مثل الوجه الثاني المتقدم. وهو أن جواب الشرطية الأولى من هاتين ينفصل في الوجود بقسمين: أحدهما اتباعهم أهواءهم، وهو جزئي له علم يخصه. والثاني ما عطف على القسم الأول وهو: (وَمَن أَضَلُ مِِمَن اِتّبع هواهُ) . وهذا كلي وله علم يخصه فانفصل العلم بهما في الوجود إلى

علمين. فإن الجزئي إذا حصل في الوجود حصل الكلي في ضمنه في الوجود، وانقسم علمنا بهما في الوجود إلى علمين صحيحين لأن علمنا " تابع " لوجود الموجودات على ما هي عليه في الوجود. فانفصل حرف الشرط. وإنما لزم دخول المعطوف في جواب هذه الشرطية لأنه نفي اشتمل عليه العلم جاء على لفظ الإستفهام وهذا الأسلوب من البيان إنما يقع في خطاب الله تعالى على معنى أن المخاطب عنده علم ذلك المنفي حاصل يستفهم عنه نفسه يخبره به إذ قد وضعه الله عندها. وجاء عليه كثير من الآيات مثل قوله تعالى: (وَمَن أصدَقُ مِنَ اللَهِ حَديثا) ويكون في ال اثبات كما يكون في النفي. قال تعالى: (هَل أَتى عَلى الإنسانِ حينٌ مِنَ الدَهرِ لَم يَكُن شيئا مَذكورا) و (فَهَل أَنتُم مُسلِمون) ومعنى ذلك أنه قد حصل لكم العلم بذلك الذي تجدونه عندكم إذا استفهمتكم بأنفسكم عنه. فإن الرب لا يستفهم خلقه عن شيء شيء جهله وإنما يستفهم بفهم يقررهم ويذكرهم أنهم قد علموا حق ذلك الشيء. فهذا أسلوب بديع انفرد به القرآن. وهو في كلام البشر يختلف. فاعلم.

وجواب الشرطية الثانية إذا اعتبر في قوله تعالى: (وإِن لا إلهَ إِلا هو) معطوف على: (إِنّما أُنزِلَ بِعِلمِ اللَه) فيكون العلم في هذا الاعتبار يتعلق بمعلومين. لكن انفصاله بقسمين إن توهم فهو بخيال شعري من قبل النفس لم يحصل لها من جهة عين المعلوم في الوجود. لأنا لم ندرك حقيقة في الوجود إلا إيمانا وسلمنا لله علمه. فعلمنا من جهة الوجود علم واحد إسلامي بالضرورة حصل لنا الإيمان به من جهة اللزوم عن الأدلة والآثار كما ختم سبحانه الآية به. قال تعالى (فَهَل أَنتُم مُسلِمون) فافهم. وجل بسرك السفير في موارد معاني التفسير. (وَما يَستوي الأَعمى وَالبَصير) . وكذلك: (أَن لَن) كله مفصول إلا حرفين: (أَلَن نَجعَلَ لَكُم مَوعِداً) في الكهف. (أَلَنن نَجمَع عِظامَه) في القيامة. سقط النون منهما في الخط علامة على أن ما زعموا وحسبوا هو باطل في الوجود وحكم بما ليس بمعلوم نسبه للحي القيوم. فأدغم حرف توكيدهم الكاذب في حرف النفي السالب. فهو على خلاف حال قوله تعالى: (زَعَمَ الَّذَينَ كَفَروا أَن لَن يُبعَثوا) . فهؤلاء لم ينسبوا ذلك الفاعل إذا ركب الفعل مما لم يسم فاعله وأقيموا فيه مقام الفاعل.

فعدم بعثهم تصوروه من أنفسهم وحكموا به عليها توهما. فهو كاذب من حيث حكموا به على مستقبل الآخرة. فلكونه حقا بالنسبة إلى دار الدنيا الظاهرة ثبت التوكيد ظاهرا، وأبدل وأدغم في حرف النفي من حيث الفعل المستقبل الذي هو فيه كاذب. وكذلك: (أَن لا) تثبت النون منها في عشرة أحرف. وذلك حيث ظهر في الوجود صحة توكيد القضية ولزومها. أولها في الأعراف: (أَن لا أَقولَ عَلى اللَهِ إِلاّ الحَقّ) و (أن لا يَقولوا عَلى اللَهِ إِلا الحَق) . وآخرها في سورة القلم: (أَن لا يَدخُلَنّها اليَومَ عَلَيكُم مِسكين) فتأمل كيف صح في الوجود هذا التوكيد الأخير، فلم يدخل عليهم مسكين لكن على غير ما قصدوا وتخيلوا معه. فافهم. وكذلك لام التعريف المدغمة في اللفظ في مثلها أو في غيرها لما أتت للتعريف وشأن المعرف أن يكون أبين وأظهر لا أخفي وأستر أظهرت في الخط ووصلت بالكلمة لأنها صارت جزءا منها من حيث هي معرفة بها

هذا هو الأصل. وقد حذفت حيث يخفى معنى الكلمة مثل " اليل " فإنه معنى ظلم لا يوضح الأشياء بل يسترها ويخفيها وكونه واحدا إما " لجزئي وإما للجنس " فأخفى حرف تعريفه مثله، فإن تعين الجزئي بالتأنيث رجع إلى الأصل. ومثل: (الذي) و (التي) وتثنيتهما وجمعهما. فإنه مبهم في المعنى والحكم لأن واحدة للجزئي وللجنس وكثيره لثلاثة أو غيرها. ففيه ظلمة الجهل كاليل. ومثل: (ألاّ) في الإيجاب. فإن لام التعريف دخلت على لا النافية وفيها ظلمة العدم كالليل. ففي هذه الظلمات يخفى حرف التعريف فافهم. وكذلك ": (الأيكة) نقلت حركة همزتها على لام التعريف وسقطت همزة الوصل " التحريك " اللام وحذف الألف عند الهمزة ووصل اللام فاجتمعت الكلمة فصارت (ليكة) علامة على اختصار و " تلخيص " وجمع في المعنى وذلك في حرفينز أحدهما في الشعراء، جمع فيه قصتهم مختصرة موجزة في غاية من البيان وجعلها جملة واحدة وهي آخر قصة في السورة. يدلك عليه قوله تعالى في آخرها: (إنّ في ذلك لآية) فأفرد الآية.

والحرف الثاني في ص، جمع الأمم فيها بألقابهم وجعلهم جملة واحدة وهم آخر أمة فيها ووصف الجملة. قال تعالى: (أَولِئِكَ الأحزاب) . وليس الأحزاب وصفا لكل منهم، بل هو وصف لجميعهم. وجاء بالانفصال على الأصل حرفان نظيرا هذين الحرفينز أحدهما في الحجر: (وإِن كانَ أَصحابُ الأَيكَةِ لَظالِِمين) أفردهم بالذكر والوصف. والحرف الثاني في " ق ": (وَأَصحابَ الأَيكَة) . جمعوا فيه مع غيرهم ثم حكم على كل منهم " لا " على الجملة فقال تعالى: (كُلٌ كَذّبَ الرُسُلَ) فحيث يعتبر فيهم التفصيل فصل لام التعريف. وحيث يعتبر فيهم التوصيل وصل للتخفيف. وكذلك: (لَتّخَذتَ عَلَيهِ أَجراً) حذف الألف ووصل لام التعريف لأن العمل في الجدار قد حصل في الوجود. فلزم عليه الأجر، واتصل به حكما بخلاف لاتّخَذوكَ خَلَيلاً) ليس في وصلة " اللزوم " فافهم.

باب حروف متقاربة تختلف في اللفظ لاختلاف حال المعنى. مثل (وَزادَه بَسطَةً في العِلمِ وَالجِسم) . (وَزادَكُم في الخَلقِ بَصطَة) . (اللَهُ يَبسُطُ الرِزقَ لِمَن يَشاءُ) . (واللَهُ يَقبِضُ وَيَبصُطُ) . فبالسين السعة الجزئية. يدلك عليه التقييد. وبالصاد السعة الكلية. ويدل عليه معنى الإطلاق وعلوا الصاد مع الجهارة والأطباق. وكذلك: (فأتوا بِسُورَة) . و (في أي صورة) . (فَضُرِبَ بَينَهُم بِسور) . (وَنُفِخَ في الصور) .

بالسين ما " يحصن " الشيء خارج عنه. وبالصاد ما يضمه منه. وكذلك: (يَعلَمُ ما يُسِرونَ وَما يُعلٍنونَ) . (وكَانوا يُصرونَ) . بالسين من السر. وبالصاد من التمادي. وكذلك: (يُسحَبونَ في النار) . و (مِنّا يَصحبون) . بالسين من الجر. وبالصاد من الصحبة. وكذلك: (نَحنُ قَسَمنا بَينَهُم مَعيشَتَهُم) . (وَكَما قَصَمنا) . بالسين تفريق الأرزاق والإنعام. وبالصاد " تفريق " بالإهلاك والإعدام.؟ وكذلك: (وُجوهٌ يَومَئذٍ ناضِرَة إِلى رَبِها ناظرِة) . بالضاد منعمة بما تشتهيه الأنفسز وبالظاء منعمة بما تلذ الأعين.

وهذا الباب كثير يكفي منه اليسير. وقد كمل هذا العنوان من علم البيان لمرسوم خط القرآن. فإن يك ذلك حدهم فقد وافقت. قصدهم، وإن لم يكن ذلك فهو مضمن فيه ولازم عنه. ولم أقص إلا خبرهم ولا قفوت إلا أثرهم. والعبارة باللازم عن الملزوم حكم جائز معلوم. والحمد لله رب العالمين.

§1/1