عناية المسلمين بالوقف خدمة للقرآن الكريم

عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان

مقدمة

المقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فإن الاهتمام بتعليم القرآن الكريم ونشره هو مفتاح التعرف على مبادئ الإسلام وشرائعه من مصدره الأول، كتاب الوحي المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين، المنقول إلى الأجيال اللاحقة بطريق التواتر، فمن ثمّ كان هاجس القادة الفاتحين والخلفاء، والملوك، والسلاطين، والأمراء المسلمين، تعليم القرآن الكريم، ونشره بين أبناء البلاد الذين كتب الله لهم الهداية، فكان الشأن المهم الذي يبادرون إليه قبل كل شيء؛ ذلك أن رسالتهم هي هداية الأمة وإنقاذ شعوبها من الضلال، وما ترسف فيه من أغلال الظلم، وتحريرها من الاستعباد، اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفقيه حديثي الإسلام وتعليمهم القرآن. " روى الرقيق (1) - مؤرخ القيروان أن موسى بن نصير أمر العرب أن يعلموا البربر القرآن، وأن يفقهوهم في الدين. ونقل غيره: أن موسى بن نصير ترك سبعين رجلاً من العرب يعلمون البربر القرآن، وشرائع الإسلام، وكان عقبة بن نافع ترك فيهم قبله بعض أصحابه يعلمونهم القرآن منهم تابعه (شاكر) ، وغيرهم. وهنا تجدر الإشارة إلى البعثة الدينية المؤلفة من عشرة من وجوه التابعين

_ (1) اسمه إبراهيم بن القاسم، المعروف بالرقيق القيرواني، كاتب، شاعر، مؤرخ، عاش في القرنين الرابع والخامس الهجري، انظر ترجمته في: تراجم المؤلفين التونسيين لمحمد محفوظ، الطبعة الأولى، (بيروت: دار الغرب الإسلامي سنة 1982م) ، ج2 ص: 379.

التي أرسلها الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى القيروان بقصد تفقيه البربر، وإرشادهم إلى شرائع الإسلام، وتعاليمه العالية، فما كان من هؤلاء المرشدين إلا أن اختطَّ كل واحد منهم داراً لسكناه، وبنى بحذائها مسجداً لعبادته ومجالسه، واتخذ بقربه كُتَّاباً لتحفيظ القرآن، وتلقين مبادئ العربية لصغار أطفال البلد (1) . وقد ظهرت في وقت مبكر من التاريخ الإسلامي الحاجة إلى موارد تكفل للقائمين على تعليم القرآن ونشره، موارد رزقهم، وتكفيهم حاجاتهم، لينصرفوا بكليتهم لتعليم القرآن الكريم، فأصبح رصد الأوقاف، وتحبيس العقارات على المساجد وحلقات القرآن سنة لدى المسلمين على اختلاف حالاتهم الاجتماعية والمادية. يسجل التاريخ " أن الوليد بن عبد الملك في سنة 88هـ وقف بعض القرى والمزارع لمسجد أمية بالشام، ويقال: إن هذا كان أول وقف من نوعه، لأن غلة هذه القرى، والمزارع كانت تصرف للمسجد، ثمّ توسعت مجالات الأوقاف، وشملت مرافق الحياة كلها. وفي أيام الدولة العثمانية اتسعت مساحة الأوقاف كثيراً، وكانت المدارس، والزوايا، والمساجد، وخدمات البلدية، والمستشفيات، وما إلى ذلك، كل هذه كانت تدار بالأوقاف، ويصرف عليها منها" (2) .

_ (1) عبد الوهاب، حسن حسني، كتاب العمر في المصنفات والمؤلفين التونسيين، الطبعة الأولى، مراجعة محمد العمروسي المطوي، وبشير البكوش، (تونس: بيت الحكمة، سنة 1990م) ج1، ص 46. (2) أوزاك، علي، بحث (إدارة الأوقاف الإسلامية في المجتمع المعاصر في تركيا) ، (أهمية الأوقاف الإسلامية في عالم اليوم) ، (الأردن: مآب مؤسسة آل البيت، سنة 1417هـ، 1996م) ، ص:339.

تركز الدراسة هنا على جانب خاص هو خدمة الأوقاف للقرآن الكريم، وهو موضوع جدير بالدراسة، فقد كان تجربة ناجحة ورفيعة في تاريخ الأمة الإسلامية، ومن الصعب، بل من المستحيل الإحاطة الشاملة بهذا الموضوع عبر القرون في البلاد الإسلامية المترامية الأطراف؛ ذلك أن الاهتمام بالقرآن الكريم هو ما دأبت عليه الأمة الإسلامية حتى في أقصى الظروف وأحلكها، فمن ثمّ يكتفي البحث بتقديم نماذج منها، بقدر ما يوضح الصورة. وقد أدى الوقف خلال القرون الطويلة نتائج فاعلة في الحفاظ على القرآن، وتخريج أجيال من القراء والحفاظ، والمفسرين في شرق بلاد الإسلام وغربها، في جميع القرون منذ بدء عصر النبوة المبارك. وإذا كان للماضي تجاربه الناجحة في هذا المجال فمن الواجب إنصاف الحاضر الذي لم يفتقد مَنْ يعمل على هدى وبصيرة من العلماء والمخلصين من أبناء الأمة الإسلامية في النهوض بتعليم القرآن وحفظه في شتى بقاع العالم الإسلامي على مستوى العصر إدارةً، وتنظيماً، وتخطيطاً، فمن ثمّ تخيَّر البحث من بين النماذج للعصر الحاضر الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة.

خطة البحث جاءت موضوعات البحث بعد هذه المقدمة على النسق التالي: الفصل الأول: تطوير العناية بالقرآن الكريم ومؤسساته. الفصل الثاني: مشروعية الوقف على القرآن الكريم. مقاصد الواقفين على القرآن الكريم: أولاً: الوقف على المدارس القرآنية. ثانياً: الوقف على القراء. ثالثاً: الوقف على تدريس القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، أو المذاهب الفقهية. رابعاً: الوقف على خدمة القرآن تلاوةً، وتأسيس مرافق اجتماعية. خامساً: الوقف على قراءة القرآن لهبة ثوابها للآخرين. أ - الوقف على قراءة الربعات بالمسجد الحرام على نظام (الخصفة) . ب - الوقف على قراءة القرآن على الترب (المقابر) . سادساً: الوقف على الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في مكة المكرمة الوقت الحاضر. تمام البحث: خاتمة تلخص أهم النقاط. كما تضمن بعض التوصيات، يليها ملحق بقائمة دور القرآن في دمشق والقاهرة، ثم قائمة المصادر، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله وسلم على من نزل عليه الوحي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

الفصل الأول: تطور العناية بالقرآن الكريم ومؤسساته

الفصل الأول: تطور العناية بالقرآن الكريم ومؤسساته أولا: جمعه منذ نزوله ... الفصل الأول: تطور العناية بالقرآن الكريم ومؤسساته حظي القرآن الكريم وعلومه باهتمام المسلمين وعنايتهم بما لم يحظ به كتاب سماوي، حفظاً، ودرساً، وشرحاً وتدويناً، ورواية بالتواتر، وقد تجلت هذه المظاهر من العناية الفائقة والإجلال والتعظيم له في مظاهر عديدة، من أهمها: أولاً: جمعه منذ نزوله: تخصص لهذا نفر كريم أمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرصد كل ما ينزل به من الوحي. ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: "جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، فقيل له: "مَنْ أبو زيد؟ " قال: "أحد عمومتي". وفي لفظ للبخاري عن أنس قال: "مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ونحن ورثناه" (1) . "وحكى القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال، بعد ذكر حديث أنس بن مالك هذا،"فقد ثبت بالطريق المتواترة أنه جمع (1) ابن كثير، إسماعيل بن عمر، كتاب فضائل القرآن، الطبعة الأولى، تحقيق محمد إبراهيم البنا، جدة: دار القبلة للثقافة الإسلامية، بيروت: مؤسسة علوم القرآن، سنة 1408هـ/1988م، ص22.

القرآن: عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو ابن العاص. فقول أنس: لم يجمعه غير أربعة يحتمل أنه لم يأخذه تلقياً مِنْ في رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء الأربعة، وأن بعضهم تلقى بعضه عن بعض. وقال:"وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأجل سبقهم إلى الإسلام، وإعظام الرسول لهم". قال القرطبي:"لم يذكر القاضي ابن مسعود، وسالماً مولى أبي حذيفة، وهما ممن جمع القرآن" (1) . وقد عدّ العلماء أنَّ من أحسن، وأجلّ، وأعظم ما فعله أبو بكر الصديق جمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله (2) . يقول العلامة ابن كثير تعليقاً على ما تقدم: "فجمع الصديق الخير، وكشف الشر رضي الله عنه، ولهذا روى غير واحد من الأئمة…عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين" (3) .

_ (1) ابن كثير، كتاب فضائل القرآن، ص25. (2) ابن كثير، كتاب فضائل القرآن، ص25. (3) ابن كثير، كتاب فضائل القرآن، ص25.

ثانيا: حفظ القرآن الكريم واستنباط علومه

ثانياً: حفظ القرآن الكريم واستنباط علومه: منذ تلك الآونة عكف المسلمون على القرآن تعبداً وتعلماً، ودراسة، فاستنبط منه العلماء علوماً عديدة، واشتقوا منه فنوناً رفيعة على مدى القرون، فألفت فيه المؤلفات الواسعة، ولا يزال العلماء في المجال العلمي الشرعي يستخرجون أسراره، ويكتشفون دقائقه، دون توقف لتياره المعرفي، ومعجزاته التي لا تنتهي.

ثالثا: دور المساجد في العناية بالقرآن الكريم

ثالثاً: دور المساجد في العناية بالقرآن الكريم. المساجد هي ساحات الدرس والتعليم، والمكان المناسب لتعليم القرآن ودراسة علومه، ومدارسته. وقد شهدت الأمصار الإسلامية عبر العصور الإسلامية المختلفة نهضة علمية بالعلوم الإسلامية، وبخاصة القرآن وعلومه، وكان من وراء هذا بعد توفيق الله علماء صدقوا ما عاهدوا الله عليه من الصحابة والتابعين، وتابعي التابعين، ومن بعدهم من علماء الأمة في كل عصر وجيل حتى وقتنا الحاضر. إن الرمز الأول الذي حقق المعنى وجَسَّده دروس حبر الأمة عبد الله بن العباس رضي الله عنهما في ساحات المسجد الحرام، فقد تخصص في العناية بالقرآن الكريم تفسيراً، وتأويلاً، وكان المرجع لعلماء الأمة، تحقيقاً للدعوة النبوية المباركة: "اللهم فقهه في الدين وعلِّمه التأويل" (1) ،فقد كان رضي الله عنهما يعقد حلقة درسه في التفسير والحديث، والأدب والمغازي والسير، وأيام (1) هو التفسير، وهو اصطلاح ابن جرير في تفسيره، حيث يقول:" القول في تأويل قوله تعالى، ثمّ يذكر تفسير الآية.

العرب وأشعارهم بالمسجد الحرام. وكان لحلقته بالمسجد الحرام الفضل في تأسيس مدرسة في علم التفسير لها خصائصها وأعلامها من كبار التابعين مثل عطاء بن أبي رباح الذي خلفه في حلقة العلم تفسيراً، وفقهاً وفتيا، ثمّ صارت هذه الحلقة لابن جريج، وقد تخرج فيها كثيرون، وبرغم وفاة ابن عباس سنة 78هـ ظلت مدرسة مكة قائمة يتلقى أبناؤها العلم طبقة بعد طبقة (1) . ولئن صح هذا عن المسجد الحرام وأثر حلقات العلماء فيه على تطور النهضة العلمية بالقرآن الكريم وعلومه، وهو المحور الأساس في التعليم الإسلامي، إنه لصحيح أيضاً وصادق في حق كافة الأمصار والمدن الإسلامية التي انتشر فيها الصحابة رضوان الله عليهم، فورَّثوا القرآن وعلومه إلى أجيال التابعين وتابعي التابعين وإلى مَنْ بعدهم، حتى وصل إلينا القرآن الكريم محفوظاً من التغيير والتبديل، تقرؤه أجيالنا كيوم نزوله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وتُبرز الدراسات العلمية الموثقة فيما يخص أثر المساجد في المحافظة على القرآن الكريم والعناية بعلومه، أنه لم يتوقف بنشوء المدارس وتأسيسها فيما بعد، والمسجد الحرام بحلقاته العلمية أنموذج صادق على أهمية هذه الحلقات العلمية في القرنين السابع والثامن للهجرة، بل ظل على مدى القرون الإسلامية، يزدحم برجال الحديث والقراء وأصحاب الفتيا، وظلت حلقاتهم تتدبر تفسير آيات الذكر الحكيم، وأخذ اتساع الحلقات يتضاعف في مواسم

_ (1) انظر: العبيكان، طرفة عبد العزيز، الحياة العلمية الاجتماعية في مكة في القرنين السابع والثامن للهجرة، (الرياض: مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية، سنة 1416هـ/1996م) ، ص54.55.

الحج، ولا يخفى أن المقصود بالحلقات هنا، ذلك هو النظام التعليمي القائم على إحاطة الطلاب بشيخهم، وهو نظام يعود إلى العصر النبوي. وقد استمر هذا الشكل بعد إنشاء المدارس الإسلامية" (1) . وكان إلى جانب هذا النوع من التعليم الحر في مناهجه، وأوقاته، المدارس والمؤسسات العلمية المنتشرة بمكة المكرمة، والتي كان من أعظم اهتماماتها تعليم القرآن حفظاً وتجويداً وتفسيراً، إذ هو القاعدة العلمية المتينة التي تكوِّن العالم الشرعي على أسس ثابتة.

_ (1) العبيكان، طرفة عبد العزيز، الحياة العلمية والاجتماعية في مكة في القرنين السابع والثامن للهجرة، ص53 خصصت الباحثة دراستها بالقرنين السابع والثامن كما هو ظاهر من العنوان.

رابعا: الزوايا

رابعاً: الزوايا جمع زاوية، وزاوية البيت ركنه، وتزوي صارفيها (1) . وأصبحت تطلق عرفاً على المسجد الصغير الذي يخلو فيه الناس للعبادة كما كان الحال في الماضي في مكة المكرمة، وكان لكل زاوية شيخ يقوم بشؤونها، وتعليم القرآن فيها (2) . أما في الغرب الإسلامي بلاد المغرب والأندلس فإنه: "يطلق على مجموعة البنايات المستخدمة لأغراض دينية، وتعليمية، واجتماعية، وذلك منذ القرن الخامس للهجرة/الحادي عشر للميلاد" (3) .

_ (1) ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد، لسان العرب، الطبعة الثالثة، (بيروت: دار صادر، عام 1414هـ/1994م) ،ج14،ص365. (مادة زوى) . (2) انظر لهذا: العجيمي، محمد حسن الصوفي، خبايا الزوايا. مصور، خاص. (3) سعيدوني، ناصر الدين، مؤسسة الزوايا في الجزائر العثمانية بحث في المؤتمر الدولي حول العلم والمعرفة في العالم العثماني بمناسبة الذكرى السبعمائة على قيام الدولة العثمانية عام 1999م (إستانبول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، 2000) ، ص48.

وقد أدَّتْ الزوايا في البلاد الإسلامية وظائف تعليمية، ودينية جليلة، وأسهمت إسهاماً كبيراً في نشر القرآن تعليماً، وحفظاً ومدارسة، وقامت بآثار جليلة في تربية الناشئة. إن تخطيط هذه الزوايا ومكوناتها يعطي تصوراً كاملاً عن الوظائف التي تؤديها، وهي وإن اختلفت من بلد إلى بلد، ومن قطر إلى قطر فإنها تجتمع كلها في الأهداف التي بنيت من أجلها. يتحدث الأستاذ الدكتور ناصر الدين سعيدوني عن طبيعة تنظيم الزوايا ببلاد القبائل بالجزائر فيقول: "وتشتمل الزوايا بالبلاد الجزائرية، وخاصة بمنطقة القبائل على مجموعة بناءات تتوزع على المرافق الضرورية للزاوية، فهناك مكان مخصص لحفظ القرآن وتلاوته (قراءة الحزب) ، وأداء فريضة الصلاة، وهو بمثابة مسجد الزاوية، ومكان آخر للدراسة يعرف عادة بالعمرة، وقد تقتصر الزاوية عليه فتعرف بالعمرة، وبالإضافة إلى دار للضيافة، وغرف لإيواء الطلبة، وبناء لاستقبال الزوار والضيوف، وملحق لإقامة أهل الزاوية، أو لسكن القائمين عليها، وغير بعيد عنهم المصالح الضرورية من مطبخ وإسطبل، ومخازن لحفظ المؤونة، ورحى لطحن الحب، ومعصرة لعصر الزيت وغيرها إن الزاوية بهذه المواصفات أصبحت بمثابة مجمع متعدد الخدمات، فهي المسجد، والمدرسة، والملجأ، والمأوى، والمزار، الأمر الذي جعلها محور الحياة الروحية، والثقافية وحتى الاجتماعية في الوسط الريفي ببلاد القبائل" (1) .

_ (1) مؤسسة الزوايا بالجزائر العثمانية، ص 49.48.

القرآن الكريم هو الأساس الذي يقوم عليه التعليم بالزوايا في كل حواضر الإسلام وقراه، والكثير من العلوم والمعارف الدينية (1) . هذه هي الصورة العامة للزوايا في معظم البلاد الإسلامية، وبخاصة في عهد الخلافة العثمانية، وهو ما لاحظه الباحثون من خلال استقراء النشاط العلمي للزوايا في عهد العثمانيين فقد "كثر عدد الزوايا في القيروان خلال العصر العثماني، ولقي بناؤها تشجيعاً من الحكام، بل إن بعضهم ساهم في إنشاء العديد منها، ووقفوا عليها العقارات الكثيرة، وأعفوا بعضها من أداء العشر، وخصصوا لها جرايات دورية" (2) . كان للحرمين الشريفين منها نصيب كبير، ومما يؤكد هذا أن العلامة المحدث الشيخ محمد حسين العجيمي المكي المتوفى عام 1113هـ خصَّها بمؤلف مستقل بعنوان (خبايا الزوايا) ،وكان لها وظائفها التعليمية والدينية، والأوقاف الجليلة التي تسد احتياجاتها، وتغني القائمين عليها ليتفرغوا للوظائف التعليمية والدينية المنوطة بهم.

_ (1) انظر: سعيدوني، ناصر الدين محمد، (مؤسسة الزوايا في الجزائر العثمانية، بحوث المؤتمر الدولي حول العلم والمعرفة في العالم العثماني) ، ص69. (2) عثمان، نجوى، (الزوايا والمدارس العثمانية بالقيروان) ، بحوث المؤتمر الدولي حول العلم والمعرفة في العالم العثماني، (إستانبول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، سنة 2000م) ، ص137.

خامسا: الكتاتيب

خامساً: الكتاتيب: عادة ما تكون في زوايا وأماكن خاصة، وتلحق أحياناً ببعض المساجد، ولهذا النوع من المؤسسات التعليمية أثر كبير في تعليم القرآن ونشره في القرى والمدن، وبين طبقات المجتمع المختلفة، يعود لها الفضل الكبير في تعليم

الصبيان، وتحفيظهم للقرآن الكريم في البلاد والقرون الإسلامية كافة. لها أثر مشهود، ودور كبير مهم لا ينكر في تعليم الصبيان، وتلقينهم القرآن، فهي أول ما يستقبل الصبي المسلم، وهي أول ما تنقش على صفحات صدره البيضاء النقية آيات الذكر الحكيم التي تظل راسخة في ذاكرته مدى الحياة.

سادسا: تأسيس المدارس القرآنية في الأمصار الإسلامية

سادساً: تأسيس المدارس القرآنية في الأمصار الإسلامية: تطورت مظاهر الاهتمام بالقرآن الكريم مع تطور الحياة في المجتمع الإسلامي، فبدأت تستقل بدورها، وأصبح للوقف الإسلامي أثر كبير في نشاطها، والقيام بما ينبغي لاستمرار أداء إرسالها، وإغناء القائمين عليها بما يكفل لهم حياة معيشية رخية، وتطوير مرافقها، وتشجيع الطلاب المنتسبين إليها. وقد أسهم في تأسيس هذه المدارس، ورصد الأوقاف عليها طبقات المجتمع كافة من الملوك، والسلاطين، والأمراء، والأثرياء، ومتوسطي الحال على مدى التاريخ الإسلامي حتى وقتنا الحاضر، فكان من ثمار هذا الاهتمام والإسهام إنشاء مدارس لتدريس العلوم الإسلامية، وفي مقدمتها القرآن وعلومه، وأنشئت دور ومدارس للقرآن بخصوصه. يؤرخ لهذا الظاهرة العلمية الحضارية العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر العبيدي المقريزي قائلاً: "والمدارس مما حدث في الإسلام، ولم تكن تعرف في زمن الصحابة ولا التابعين، وإنما حدث عملها بعد الأربعمائة من سني الهجرة، وأول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور، فبُنيت بها

مدرسة البيهقية وأشهر ما بني في القديم المدرسة النظامية ببغداد، لأنها أول مدرسة قرر بها للفقهاء معاليم، وهي منسوبة إلى الوزير نظام الملك أبي علي الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس الطوسي وزير ملك شاه بن ألب أرسلان في مدينة بغداد، وشرع في بنائها في سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وفرغت في ذي القعدة سنة تسع وخمسين وأربعمائة" (1) . فمن ثم انتشرت المدارس في جميع أصقاع العالم الإسلامي متطورة في تخطيطها، وتنظيمها، ومناهجها حتى عصرنا الحاضر.

_ (1) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، الطبعة الأولى، وضع حواشيه خليل المنصور، (بيروت: دار الكتب العلمية، سنة 1418هـ/1998م) ، ج4، ص 199.

سابعا: تأسيس جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في العصر الحديث

سابعاً: تأسيس جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في العصر الحديث: تطور الاهتمام بالقرآن الكريم والعناية به في العصر الحديث من النشاط المحدود الذي يقتصر على تأسيس مدرسة محدودة المكان، محدودة الإمكانات والموارد، محدودة الطلاب والأساتذة، إلى نشاط أوسع من حيث أماكن التدريس، وبإمكانات مادية، ووقفية من مصادر متعددة، وأعداد متزايدة للطلاب، والمدرسين، والمشرفين، وبأجهزة إدارية كاملة تعليمية، ومحاسبية، وإشراف، لها أنظمتها وقوانينها، وبأهداف وطموحات غير مسبوقة في مناهج المدارس القرآنية القديمة. هذا التطور في الكم والكيف هو الصورة السائدة التي يحظى بها القرآن

الكريم في المملكة العربية السعودية التي انبثقت فكرتها من مكة المكرمة عام 1382هـ، وإخاله كذلك في جميع البلاد الإسلامية في الوقت الحاضر. "إن فكرة إنشاء الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة كانت في شهر شعبان سنة 1382هـ عندما وصل من الباكستان فضيلة الشيخ محمد يوسف سيتي الباكستاني رحمه الله، حيث طرح هذه الفكرة على أعيان مكة المكرمة وعلمائها فلقيت منهم ارتياحاً واستحساناً ثم رفعوا هذه الفكرة إلى المسؤولين في هذه البلاد المباركة، فشجعوا العمل النبيل، والمشروع الحسن، وكان على رأسهم معالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ وزير المعارف آنذاك رحمه الله، ومعالي الشيخ محمد سرور الصبان، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي آنذاك رحمه الله، ومعالي الشيخ محمد سيتي الذي كان يتحمل ثلث رواتب المدرسين بالجمعية. وكان من أعضائها وممن تولى رئاستها بعد وفاة الشيخ محمد يوسف سيتي الباكستاني رحمه الله عدد من علماء مكة المكرمة الذين بذلوا جهوداً طيبة في العناية بالقرآن الكريم" (1) ، وللجمعية عدة فروع: فرع محافظة جدة، فرع محافظة الطائف، فرع وادي ليه، فرع محافظة رنية، فرع محافظة تربة. تتابعت بعد هذا جمعيات تحفيظ القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية متبعة في هذا المنهج السوي الذي خطته لنفسها الجمعية الأولى الرائدة جمعية تحفيظ القرآن الكريم في مكة المكرمة، وهي في المناطق التي سميت بها كالتالي: أولاً: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة المدينة المنورة، وتأسست

_ (1) التقرير السنوي التاسع والعشرين من العام 1419هـ للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة، ص 8-9.

عام 1383هـ ويتبع الجمعية فرعان أحدهما في العلا، والآخر في محافظة ينبع. ثانياً: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض، أسست عام 1386هـ، ولهذه الجمعية فرعان: 1- فرع محافظة المجمعة. 2- فرع تمير وتوابعها. ثالثاً: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة القصيم. رابعاً: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة عسير. خامساً: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة الشرقية. سادساً: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة تبوك. سابعاً: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة حائل. ثامناً: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الحدود الشمالية. شملت نشاطات هذه الجمعيات الاهتمام بالبنين والبنات، سواء في بنايات مدرسية خاصة بالجمعيات، أو في المساجد بعد صلاة العصر بعد خلو المسجد من المصلين (1) ، معتمدة في تمويل نفقاتها ونشاطاتها على الأوقاف والتبرعات من ولاة الأمر والمواطنين.

_ (1) انظر: الكتاب الوثائقي (جهود المملكة العربية السعودية في الاعتناء بالقرآن الكريم) الطبعة الأولى إعداد لجنة برنامج تحفيظ القرآن الكريم بهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، إشراف عبد الله بن علي بصفر (جدة: الشركة الخليجية للطباعة والتغليف، عام 1419هـ/1999م) ص99-105

الفصل الثاني: مشروعية الوقف خدمة للقرآن الكريم ومقاصد الواقفين

الفصل الثاني: مشروعية الوقف خدمة للقرآن الكريم ومقاصد الواقفين مدخل ... الفصل الثاني: مشروعية الوقف خدمة للقرآن الكريم ومقاصد الواقفين (1) يعد الوقف الخيري والأهلي من الصدقة الجارية التي يستمر أجر صاحبها حياً وميتاً، بل في أوليات ما حثّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". رواه مسلم، وأصحاب السنن. يعظم الأجر والثواب بعظم المقصود وإذاعته ونشره، ويتضاعف الأجر على قدر من ينتفع به، إن تعليم أبناء المسلمين لأمور الدين، وفي مقدمة ذلك القرآن الكريم من أعظم المقاصد الشرعية، بل هو أعظمها، وتعليمه للصغار يطفئ غضب الرب عز وجل وعلا. يقول العلامة الفقيه أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله في شأن تعليم الأطفال، وترسيخ المعاني الفاضلة وأثرها في نفوسهم بدءاً بالقرآن الكريم العظيم: "اعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأوله ما عُني به الناصحون، ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين، ليرسخ فيها، وتنبيههم على معالم الديانة، وحدود الشريعة ليراضوا عليها، وما عليه أن تعتقده من الدين قلوبهم،

_ (1) انظر أدلة مشروعية الوقف في البحوث المقدمة لندوة المكتبات الوقفية (الوقف مفهومه ومقاصده) لعبد الوهاب أبو سليمان، المنشور ضمن بحوث الندوة بعناية وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة العربية السعودية، عام 1420هـ‍ـ.

وتعمل به جوارحهم، فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الرب، وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر" (1) . لتعليم الصغار العلمَ ثواب، ولتعليمهم القرآن مضاعفة الثواب بقدر الحروف المقروءة منه، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله: " اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات، أما إني لا أقول (ألم) حرف، ولكن الألف حرف، واللام حرف، والميم حرف" (2) . وغير هذا من الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي فيها فضل العناية بالقرآن الكريم وقد ظلَّ هذا الحافز الأكبر للمسلمين في غابر الزمان، وحاضره، ومستقبله ليصبح الإنفاق على خدمة القرآن أعظم الأعمال أجراً، وتقرباً إلى المولى جل وعلا. إن التاريخ الإسلامي يحتفظ بصفحات مشرقة من سخاء الخلفاء، والملوك، والسلاطين، وأثرياء المسلمين بما رصدوه من الأموال والعقارات على التعليم بعامة، وعلى تعليم القرآن ونشره بخاصة فـ "منه يتشعب علم الأولين والآخرين كما يتشعب عن سواحل البحر الأحمر أنهارها، وجبولها…" (3) . فهو الأحق بالعناية والاهتمام، وأجدر أن يسخو الموسرون بأموالهم لتعليمه، ونشره بين المسلمين، خدمة له، وإذاعة لهديه وفضائله، ليستقيم أمر الأمة، ويعلو شأنها بين الأمم، هديه سبيل إسعادهم في الدنيا والآخرة، هم بهذا يحققون قول الله تعالى {إنا نحن نَزَّلنا الذكر، وإنا له لحافظون} .

_ (1) الرسالة مع حاشية العلامة العدوي على شرح أبي الحسن، (مصر: مطبعة الاستقامة، عام 1369هـ) ، ج1، ص29. (2) ابن عطية، أبو محمد عبد الحق، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الطبعة الأولى، تحقيق المجلس العلمي، بفاس (المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 1395هـ/1975م) ،ج1،ص7. (3) الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، جواهر القرآن ودرره، الطبعة الأولى، (بيروت: درا الكتب العلمية (1409هـ/1988م) ، ص10.

مقاصد الواقفين على القرآن الكريم

مقاصد الواقفين على القرآن الكريم أولا: الوقف على المدارس القرآنية ... مقاصد الواقفين على القرآن الكريم أدرك المسلمون في وقت مبكر من تاريخهم أهمية الأوقاف لاستمرار أعمال البر وديمومتها، خصوصاً في المرافق التعليمية والدينية كالمدارس، والمساجد والاجتماعية كالملاجئ والمستشفيات. هذه الأوقاف على تلك المرافق تكفل لها الاستمرار تبعاً لرغبات الواقفين ومقاصدهم المشروعة، يقول الأستاذ محمد بن عبد العزيز بن عبد الله في دراسته القيمة عن (الوقف في الفكر الإسلامي) بأنه: "أهم مورد مالي رصد لحياة المسجد ليستمر بكل ما يتعلق بالشؤون الإسلامية، ودور تحفيظ القرآن الكريم. فهذه كمؤسسة (الوقف) كانت وما تزال أهم مورد لشؤون الدين، وللتعليم الإسلامي على الإطلاق، وأكثرها دخلاً وإدراراً، وإليها يرجع الفضل في بقائه واستمراره أحقاباً وقروناً، وفي انتظام الحياة العلمية والدراسية في جامعات الإسلام وكلياته" (1) ومؤسساته. يثبت الاستقراء التاريخي أن مقاصد الواقفين على خدمة القرآن الكريم متنوعة ومتعددة، لا تخلو أن تكون واحداً من المقاصد التالية: أولاً: الوقف على المدارس القرآنية. ثانياً: الوقف على القراء. ثالثاً: الوقف على مدارس تضم إلى تعليم القرآن تدريس الحديث النبوي الشريف أو المذاهب الفقهية، أو بعض العلوم الأخرى.

_ (1) الوقف في الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، (المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، سنة 1416/1996) ، ج2، ص57.

رابعاً: خدمة القرآن تلاوة، وتأسيس مرافق اجتماعية. خامساً: الوقف على قراءة القرآن لهبة الثواب للآخرين أحياء، أو أمواتاً. (قراءة الربعات بالمسجد الحرام) ، الوقف على قراءة القرآن على المقابر والحكم الشرعي في هذا. هذا معظم ما كان شائعاً من الأوقاف في خدمة القرآن الكريم في جميع أقطار البلاد الإسلامية. أما وقد تغيرت الأمور في العصر الحديث فأصبحت للعصر تنظيماته وخططه التي تتباين عما كانت عليه في الماضي، فإن الاهتمام بالأوقاف في خدمة القرآن الكريم أخذ اتجاهاً آخر في معظم البلاد الإسلامية، وهو طريق التنظيم، والتخطيط، والعمل الجماعي، وقد توجه الغُيُر من الأمة الإسلامية نحو هذا فنتج عنه: سادساً: إنشاء الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم. وفيما يلي نماذج تفصيلية عن كل مقصد من هذه المقاصد. أولاً: الوقف على المدارس القرآنية الهدف الأساس من إنشاء المدارس القرآنية هو تعليم أبناء المسلمين للقرآن الكريم حفظاً، وتلاوة وتجويداً، وفهماً لمعانيه. يكاد يكون هذا المقصد الوحيد والأمل المنشود من قبل المؤسسين لهذه المدارس طمعاً في الأجر والثواب من الله عزوجل. انتشر هذا النوع من المدارس المتخصصة بالقرآن الكريم، وأسهم في تأسيسها القادرون من أبناء المجتمع الإسلامي، كل على قدر استطاعته

وإمكاناته، وكان للعواصم العلمية الإسلامية: مكة، والمدينة، ودمشق، وبغداد، وقرطبة، والقاهرة، وفاس، وتونس وغيرها الحظ الأوفر من هذه المدارس، وقد خصصت لها أوقاف من العقارات والضياع والقرى بما يغني القائمين عليها، والدارسين فيها عن الحاجة، والانشغال بأمور المعاش. في صدر الحديث عن هذا الجانب بالنسبة للحرمين الشريفين مكة والمدينة يتملك المرء الإعجاب والتقدير لعظم الأموال الثابتة والمنقولة والموقوفة المخصصة لهذه المدارس في بلاد الحرمين الشريفين، وخارجها في البلاد الإسلامية الأخرى. يقول العلامة المؤرخ الأستاذ محمد عمر رفيع المكي، وشهادته في هذا الصدد عن رؤية ومشاهدة قائلاً: "ولنعد الآن نذكر ما وفق الله إليه المسلمين وملوكهم، وأولي الثراء منهم من بناء المدارس، والمساكن لطلبة العلم، والمجاورين بمكة، بل ولمن يَفِدُ من ممالكهم ليسكنوها زمن أدائهم للفريضة مجاناً، ولو أردنا استيعاب ذلك كله لطال بنا القول، ولكن سأذكر بعض ما شهدته قائماً من دور شيدت لطلبة العلم، ونزلٍ للحجاج، والمجاورين، وغير ذلك من أعمال البر والرعاية، وإني لأعتقد جازماً أن جميع ما كان ملتفاً حول المسجد من مبانٍ ودور كانت كلها أو جلها من الأوقاف التي خصصت للعناية بالعلم وطلبته" (1) . وهذه الصورة من صور الاهتمام بالمدارس القرآنية في مكة المكرمة تماثلها تماماً بقية البلاد الإسلامية، ويمكن الاستشهاد على صحة هذا بما كتبه (1) مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري، الطبعة الأولى، (مكة المكرمة: نادي مكة الثقافي، 1404هـ/1984م) ، ص99.

العلامة المحقق الأستاذ محمد صلاح الدين منجد تنويهاً بسخاء الواقفين على المدارس القرآنية بدمشق، وإشادة بمكرماتهم، وتجسيداً لعطائهم: "وقد وقف أولئك جميعاً على هذه المدارس المتعددة المختلفة أوقافاً وافرة من الأموال، والقرى، والضياع، والبساتين، والحوانيت، والخانات، والقاعات حتى أصبحت دمشق وأرباضها أوقافاً لهذه المدارس المبثوثة في كل حي من أحيائها، بل في كل درب من دروبها، فكانت هذه الأوقاف تدرُّ المال عليها، وترغب الطلاب في التعلم بها، والشيوخ في التعليم بها، لا يشغل بالهم أمر الدنيا، وطلب المعاش" (1) .

_ (1) دور القرآن في دمشق، الطبعة الثالثة، (بيروت دار الكتاب الجديد، سنة 1982) ، ص6.

ثانيا: الوقف على القراء

ثانياً: الوقف على القراء: مكة المكرمة مهبط الوحي، جديرة بأن تهتم معاهدها ومؤسساتها بالقرآن ودارسيه، لم يفت الخلفاء، والملوك، والسلاطين هذا المعنى، فكانوا يتسابقون إلى بناء المدارس القرآنية وغيرها، وتشجيع القائمين عليها من القراء، والمعلمين، والفقهاء، وفي العهد القريب لمس المسلمون "مزيد اهتمام الخلفاء العثمانيين، وكثرة القيام بخدمة الحرمين الشريفين، والبلدين المنيفين، والاعتناء بمصالحهما، وما يتعلق بهما، ويتعبدون بذكرهما، ويبجلون أهلهما" (1) وقد سجل التاريخ لهم من هذا مكرمات رفيعة. كان هذا شأن من قبلهم ومن

_ (1) الحموي، أحمد بن محمد، فضائل سلاطين بني عثمان، الطبعة الأولى، تحقيق محسن محمد حسن سليم، (مصر: دار الكتاب الجامعي) عام 1413/1993) ص126.

بعدهم ممن كانت لهم ولاية على الحرمين الشريفين. يقدم البحث فيما يلي بعضاً من عناية السلاطين المسلمين بالقرآن الكريم نسخاً بأيديهم، وتحبيس الضياع والعقارات على القراء، وتلاوة القرآن الكريم في مكة المكرمة: سجل التاريخ نماذج عديدة للملوك وسلاطين المسلمين وأمرائهم صفحات مشرقة، صريحة في اعتنائهم بالقرآن الكريم، واهتمامهم به. من مظاهر هذا الاهتمام نسخه بأيديهم، ومن ثم إهداؤه إلى البلاد المقدسة مكة المكرمة، والمدينة المنورة وبيت المقدس، ليس هذا فحسب بل إنهم يوقفون العقارات، ويقدمون المكافآت السخية للقراء والمدرسين، والمهتمين بتعليم القرآن وتعلمه. "في سنة 738هـ بعث السلطان أبو الحسن علي بن عثمان بن يعقوب صاحب فاس إلى مكة مصحفاً كتبه بخطه، وأخرج من خزائنه أموالاً عينها على شراء الضياع بالمشرق لتكون وقفاً على القراء فيها. قال الشيخ أحمد بن خالد الناصري السلاوي في كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى: انتسخ السلطان أبو الحسن المصحف الكريم بيده ليوقفه بالحرم الشريف، حرم مكة؛ قربة إلى الله تعالى وابتغاء للمثوبة، وجمع الوراقين لتنميقها، وتذهيبها، والقراء لضبطها، وتهذيبها، وصنع لها وعاءً مؤلفاً من الآبنوس، والعاج، والصندل، فائق الصنعة، وغشي بصفائح الذهب، ورصع بالجوهر، والياقوت، واتخذ له أَصْوِنة (1) الجلد، ومن فوقها غلائف الحرير، والديباج،

_ (1) أصْونة: ج صِوان، وأصْونة الجِلْد: أوعيتها التي تصان فيها..

وأغشية الكتان، وأخرج من خزائنه أموالاً عينها لشراء الضياع بالمشرق لتكون وقفاً على القراء فيها" (1) . "ثم انتسخ السلطان أبو الحسن نسخة أخرى من المصحف الكريم على القانون الأول، ووقفها على القراء بالمدينة، وبعث بها من تخيره لذلك العهد من أهل دولته سنة أربعين وسبعمائة، وفعل مثل ذلك بحرم بيت المقدس. قال العلامة أبو العباس المقري في نفح الطيب: كان السلطان أبو الحسن المديني قد كتب ثلاثة مصاحف شريفة بخطه، وأرسلها إلى المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، ووقف عليها أوقافاً جليلة" (2) . ومن هذه النماذج الرفيعة في العناية بالأوقاف في خدمة القرآن الكريم أوقاف السلطان مظفر شاه الكجراتي على القراء بمكة المكرمة في المدرسة شاهية المظفر يكتب المصحف الشريف بخط يده يودعه في المدرسة المظفرية: في عام 925هـ اشترى وكيل السلطان مظفر شاه الكجراتي بمكة المكرمة بيوتاً عديدة بلغت قيمة جميعها ستة آلاف ومائتين وخمسين ديناراً، وأوقفها على القراء في المدرسة شاهية المظفر. بعث السلطان مظفر شاه الكجراتي بنسخة المصحف الشريف التي نسخها بيده مع وفد رفيع المستوى من رجال دولته، وما إن وصل خبر وصول مراكب الهند إلى جدة وفيهم وفد السلطان حتى فرح الناس فرحاً

_ (1) غازي، عبد الله، إفادة الأنام، ج3،ص63. (2) غازي، عبد الله، إفادة الأنام، ج3،ص69.

شديداً، واحتفل بمقدمهم في ثاني يوم دخولهم، ونزل ناخوذة الشاهي (1) حاملاً على رأسه بالمصحف الشريف الذي وصل به معه بخط السلطان مظفر شاه صاحب الصدقة العظيمة وأمر بوضع المصحف في المسجد الحرام. يقول العلامة جار الله بن العز بن فهد: "وأما الصدقة الواصلة صحبتهم فهي عظيمة لم يسبق صاحبها، وهي كل لك (2) بخمسة آلاف أشرفي، فمجموعها نحو ستين ألف دينار، ومنها ستة لكوك ونصف لأهل مكة، وأربعة لكوك ونصف لأهل المدينة المشرفة، غير قماش، وبضائع وهدايا للشريف. وقرر في خدمة المصحف بمكة كاتب هذه الرسالة، وجعلوا له في كل عام معلوم ستين ديناراً، ويوضع في المدرسة التي أمر السلطان بعمارتها بمكة، وأرسل السلطان لَّكين تنكة غير الأحد عشر لُكاً يشترى بها بيوت، وتعمر، وتوقف على المدرسة، ويقرر فيها عشرة أنفس شيخهم إمام الحنفية السيد عبد الله البخاري، وعشرة أنفس من الحنفية يدرسون بها، وشيخهم القاضي الحنفي وعشرة أنفس يقرأون القرآن، وشيخهم إمام الحنفية، ورتب لكل واحد منهم اثني عشر أشرفياً، ولشيخهم عشرين أشرفياً، وللداعي عشرة أشرفية" (3) .

_ (1) الناخوذة أصله الناخُذاة، وهو المتصرف في السفينة المتولي لأمرها، سواء كان يملكها أو كان أجيراً على النظر فيها وتيسيرها اهـ. (تاج العروس: نخذ) . (2) اللّك معناه مائة ألف، وجمه لكوك. وهو تعريب (لاكه) بالهندية. والأشرفيّ: اسم عملة ذهبية. (3) ابن فهد، جارالله بن السفر، نيل المنى بذيل بلوغ القرى لتكملة إتحاف الورى الطبعة الأولى، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، (لندن: مؤسسة الفرقان، عام 1420/2000) القسم الأول، ص 138،139،140.

ثالثا: الوقف على تدريس القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف أو المذاهب الفقهية

ثالثاً: الوقف على تدريس القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف أو المذاهب الفقهية. من أشهر المؤسسات العلمية الرفيعة في العصر الحديث دار الحديث الحسنية بالمغرب، ففي عام 1388هـ وقف الحاج إدريس بن الحاج محمد البحراوي قصره الرائع الأنيق على القرآن والحديث" (1) ، وقد جاء نص خطابه لدى إعلان الوقفية: "إنني أحبس هاته الدار على القرآن والحديث، ولا أريد أن تكون في المستقبل إلا لهاته الغاية، ولا تحول إلى أية غاية أخرى، بحيث تركت الحق للورثة بالرجوع في هذا التحبيس فيما إذا أريد تحويلها عن غايتها". قوبلت هذه الوقفية بالاستحسان، تجاوب فيها الملك الحسن ملك المغرب رحمه الله، "وقد أجابه على لسانه الوزير المفضال الفقيه السيد الحاج أحمد بركاش بتأثر بالغ، وانفعال مثير، وهو يتسلم مفاتيح دار الحديث الحسنية بيد الشكر والتقدير، وقال: إنني جئت مرسلاً من قبل صاحب الجلالة الملك المعظم جلالة الحسن الثاني حفظه الله لأتسلم الدار، وأنه يعدكم بأن الدار ستبقى موقوفة على القرآن، والسنة، والحديث، ولا تتحول إلى أي هدف آخر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين" (2) .

_ (1) بن عبد الله، محمد بن عبد العزيز، الوقف في الفكر الإسلامي، ج1،ص358. (2) بن عبد الله، محمد بن عبد العزيز، الوقف في الفكر الإسلامي، ج1،ص358.

الوقف على القرآن الكريم مع تدريس المذاهب الفقهية: من أمثلة عناية السلاطين بتحبيس الأوقاف بمكة المكرمة خدمة للقرآن بخاصة، وللفقه بعامة، ما ذكره العلامة المؤرخ محمد بن علي بن فضل الطبري المكي أن السلطان قايتباي في سنة 882هـ "أمر وكيله وتاجره الخواجا شمس الدين محمد بن عمر الشهير بالزمن وشاد عمائره الأمير سُنْقُر الجمالي – إلى أن يحصل له موضعا مشرفاً على الحرم ليبني له مدرسة، ويعمر له ربوعاً، ومسقفات يحصل منها ريع كثير يقسم منه على المدرسين، وعلى الفقراء، وأن تقرأ له ربعة في كل يوم، يحضرها القضاة الأربعة، والمتصوفون، ويقرر لهم وظائف، ويعمل مكتباً للأيتام، وغير ذلك من جهات الخير، فاستبدل له رباط السدرة ورباط المراغي، وكان إلى جانب المراغي دار للشريفة شمسية من شرائف بني حسن، اشتراها منها، وهدم ذلك جميعه، وجعل فيه اثنتين وسبعين خلوة، ومجمعاً كبيراً مشرفاً على المسجد الحرام، وعلى المسعى الشريف، ومكتباً ومئذنة، وصير المجمع المذكور مدرسة بناها بالرخام الملون، والسقف المذهب، وقرر فيه أربعة مدرسين على المذاهب الأربعة، وأربعين طالباً، وأرسل خزانة كتب وقفها على طلبة العلم، وجعل مقرها المدرسة المذكورة، وجعل لها خازناً عيَّن له مبلغاً … وجعل الوقف في ذلك المجمع للقضاة الأربعة حضروا بعد العصر مع جماعة من الفقهاء يقرؤون له ثلاثين جزءاً من القرآن العظيم" (1) . لا يخفى أن الأوقاف من هذا النمط كثيرة جداً، وقد ذكر العلامة تقي الدين الفاسي في كتابه " شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام " إحدى عشرة

_ (1) تاريخ مكة إتحاف فضلاء الزمن بتاريخ ولاية بني الحسن، الطبعة الأولى، تحقيق محسن محمد حسن سليم، (مصر: دار الكتاب الجامعي، عام 1413/1993) ج1، ص275.

مدرسة بمكة المكرمة ذاكراً مواقعها من المسجد الحرام، والمؤسسين لها، وشروطهم، والعقارات الموقوفة عليها (1) . ثم تتبع العلامة الأديب محمد عمر رفيع ما كان منها قائماً في القرن الرابع عشر الهجري، وما آل إليه أمر بعضها مِنْ تملك الأفراد لها، وسكنى من لم ينطبق عليه شرط الواقف الأساس (2) . وما استحدث بعد ذلك " ممَّا يدل دلالة واضحة أن عناية الملوك المسلمين، وأمرائهم، وأولي الثراء منهم بالناحية العلمية ونشر الثقافة في مكة لا تقل عن عنايتهم بالجهات الأخرى من بر بالفقراء، وطلبة العلم، وحجاج بيت الله العظيم" (3) وما من شك أن تعليم القرآن فيها أساس بين بقية العلوم، بل هو عمدة التعليم، منه البداية وإليه منتهى العلم والطلب.

_ (1) الطبعة الأولى، تحقيق لجنة من كبار العلماء والأدباء، (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، عام1956) ج1، ص328 (2) انظر: مكة في القرن الرابع عشر، ص196-201. (3) رفيع، محمد عمر، مكة في القرن الرابع عشر، ص202.

رابعا: الوقف على خدمة القرآن تلاوة وتأسيس مرافق اجتماعية بالمدينة المنورة

رابعاً: الوقف على خدمة القرآن تلاوة وتأسيس مرافق اجتماعية بالمدينة المنورة: من الصور الإسلامية المشرقة عبر العصور وجود مؤسسات علمية ومرافق اجتماعية أسست مرافقها وشيدت معالمها بسبب الوقف أصالة على العناية بالقرآن وخدمته. من الأمثلة لهذا النوع مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت بالمدينة المنورة، فإن إنشاء هذه المكتبة جاء تبعاً لخدمة القرآن والعناية به، يتضح هذا المقصود

من نصوص صك الوقفية. وفيما يلي تعريف بأهمية هذه المكتبة، واقتباس بعض نصوصها التي توضح كمال العناية بالقرآن الكريم، وتبرز بحق سخاء واقفها على خدمة القرآن الكريم، أولاً ثم على المكتبة تالياً: مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت بالمدينة المنورة: أسس هذه المكتبة بناءً هندسياً متميزاً، وزودها بالكتب النفيسة العلامة شيخ الإسلام أحمد عارف حكمت بن إبراهيم بن عصمت الحسيني عام 1270هـ/1853م في الجهة القبلية للمسجد النبوي الشريف، يفصلها عن المسجد النبوي شارع بمقدار ثلاثين متراً. يقول الدكتور عبد الرحمن المزيني مدير مكتبة الملك عبد العزيز التي نقلت إليها المكتبات العامة بالمدينة المنورة، واصفاً لمجموعاتها بعد مضي مائة وخمسين عاماً تقريباً على تأسيسها: "وتعد هذه المكتبة من أجلِّ مآثر الشيخ عارف حكمت، ومن مفاخر المدينة المنورة في العصر الحديث فهي من أغنى المكتبات بالمخطوطات القيمة، لكونها تضم بين جنباتها عدداً من المخطوطات النادرة في شتى العلوم والفنون، وتزخر بالجمِّ من التراث الإسلامي المكتوب باللغات العربية، والفارسية والتركية، هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من المخطوطات زينت خير تزيين من حيث الخط والتذهيب" (1) . حبس الشيخ عارف حكمت رحمه الله على هذه المكتبة أموالاً عظيمة من ثابت ومنقول من عقارات ومزارع، وغيرها. للقرآن في وصيته الوقفية الذكر

_ (1) مكتبة الملك عبد العزيز بين الماضي والحاضر، الطبعة الأولى، (الرياض: مكتبة العبيكان، عام1420/1999) ص73.

الأول، والأهمية الكبرى، تجلى هذا فيما ورد ذكره نصاً عن المصاحف الشريفة، وتلاوة القرآن في العبارات التالية: "إني وقفت وقفاً صحيحاً شرعياً مؤبداً، وحبساً صريحاً مرعياً مخلداً المصاحف الشريفة التي عددها ستة عشر مصحفاً، وكتبي النفيسة التي عددها (5000) خمسة آلاف كتاب" (1) . ثم تجلت عنايته بالقرآن الكريم على مدى بقاء المكتبة وإدرار الأوقاف على خدماتها ومرافقها في الشروط التي تضمنتها الوثيقة في الفقرات التالية: "ومن الشروط: أن لا يخرج عن المكتبة المذكورة أي شيء من المصاحف الشريفة والكتب الشريفة" (2) . "ومن الشروط: أن يعين أربعة أشخاص حفاظاً للكتب باعتبار الأول، والثاني، والثالث، والرابع من العلماء الصالحين الذين صاروا فارغي البال، وممدوحي الخصال وأن يجتمع حفاظ الكتب الأربعة المذكورة كل يوم في المكتبة حين تفتح المكتبة، ويأخذ كل واحد منهم بيد الاحترام قطعة مصحف شريف من المصاحف المحفوظة في خزانتها تعظيماً لها، وأن يتلو كل واحد منهم جزأين على وجه المصحف الشريف، ويختم القرآن في مدة خمسة عشر يوماً، فتتم أربع ختمات في كل خمسة عشر يوماً، وأن يهدي ثوابها أولاً بالذات إلى روضة معطرة شفيع العصاة، فخر العالم صلى الله عليه وسلم، وبعده يتم

_ (1) القحطاني، راشد بن سعد بن راشد، وقفية مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت، (وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ندوة المكتبات الوقفية بالمدينة المنورة، عام1420) ،ص17. (2) كذا في الأصل، ولعل الصواب أخذوه.

الدعاء على الأصول الجارية لختم القرآن. وفي اليوم الثاني بعد الختم الشريف حين مباشرتهم للختم الجديد يأخذون أربعة مصاحف أخرى من خزانة المصاحف، ويضعون الأربعة الأولى في محلها، ويتلون القرآن على وجه المصحف الشريف الذي أخذوها (1) في المرة الثانية، ويكملون الختم الشريف، وعليهم أن يجروا هذه القاعدة بالدور والتسلسل اعتناء بوقاية المصاحف الشريفة المذكورة من التعطيل، وأن يذكروا في الدعاء اسم الشخص المكتوب على ظهر المصحف الشريف من أقاربنا وتعلقاتنا إحياء لأرواحهم الشريفة وانسرارها" (2) . "ومن الشروط: أن يقرأ الخليفة السيد حافظ علي قطب الدين القدسي من أهالي القدس الشريف في كل سنة على الدوام القرآن الكريم، ويختمه ويقوم بدعاء الإتمام" (3) .

_ (1) كذا في الأصل، لعل الصواب: أخذوه. (2) القحطاني، راشد بن سعد، وقفية مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت، ص23،34. (3) القحطاني، راشد بن سعد، وقفية مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت، ص22.

خامسا: الوقف على قراءة القرآن هبة للثواب لآخرين،

خامساً: الوقف على قراءة القرآن هبة للثواب لآخرين، (1) منها نوعان: أ- الوقف على قراءة الربعات في المسجد الحرام على نظام (الخصفة) : الربعات: جمع ربعة وهي عبارة عن صندوق يحتوي على القرآن الكريم في أجزاء مفرقة على قدر أجزاء القرآن الثلاثين، يختص بها عدد من القراء،

_ (1) (ذهب أبو حنيفة وأحمد وجمهور السلف إلى وصول ثوابها إن كانت القراءة بدون أجر. والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم وصولها وأما القراءة بأجر فلا تجوز بلا خلاف بين العلماء) شرح الطحاوية 2/664 الطبعة العاشرة 1417/1997م تحقيق د. التركي والأرناؤوط.

يسمى رئيسهم شيخ (الخصفة) يكمل كل واحد منهم جزءاً، أو عدداً من أجزاء القرآن الكريم، حسب المحدد له منها (1) . . يسمى المكان المخصص لهم بالمسجد الحرام مكان (الخصفة) ، تسمى باسم شيخها أو الواقف عليها (مكان خصفة الشيخ فلان) ، أو (السلطان فلان) . الخصفة في الأصل بساط، أو فرش يصنع من سعف النخل كان يتخذ في المساجد فرشاً لها على نمط الحنابل، والبساطات المعدة للصلاة، تفرش أثناء الصلاة بالساحات الداخلية بالمسجد الحرام أو المسجد النبوي (الحصوات) ، ثم تطوى بعد الصلوات. كانت قراءة القرآن على هذا النمط منها ما هو رسمي من قبل الملوك والحكام والولاة للبلاد المقدسة، ومنها ما هو مخصص من قبل غيرهم من الملوك والولاة والأثرياء من خارجها. من هذه الأنظمة التي كانت تحكم الأوقاف المخصصة للعناية بالقرآن الكريم بهذا النمط – وهو استدامة قراءة القرآن في وقت معين من عدد معين– النظام الصادر في 17 ربيع الثاني 1339هـ إذ: "قرر مجلس الوكلاء (2) الفخام أن يجعل للوظائف المشروحة أدناه قانوناً مخصصاً يكون عليه مدار العمل حسب المواد الآتية، نظراً لتعلقها بأمراء وسلاطين المسلمين القاطنين بالبلاد الخارجية. المادة (1) : الوظائف المشروط أداؤها بالحرمين الشريفين كتلاوة القرآن، ودلائل الخيرات، ونحوها من الأذكار غبَّ انحلال الوظيفة يعتبر فيها ما سيذكر في

_ (1) انظر: ابن فهد، جار الله بن العز، نيل المنى بذيل بلوغ القرى لتكملة إتحاف الورى. (2) مجلس الوكلاء بمنزلة مجلس الوزراء في هذا العهد.

المادة الثانية. المادة (2) : عند انحلال الوظيفة توجه لابن المتوفى عنها متى كان حائزاً للأهلية والاقتدار الكافلين لأدائها. المادة (3) : إذا لم يكن للمتوفى ابن، ولا أخ حائزان للأهلية كما توضح بالمادة الثانية فيكون توجه الوظيفة لمن ينتخب من ملازمي العلماء، أو القراء بحضور وكلاء أولئك الأمراء الموجودين بمكة المشرفة، أو المدينة المنورة. المادة (4) : يشترط في أداء الوظيفة الدوام والاعتناء بواجباتها، وإذا حصل تكاسل من الموظف فليرجع أمره إلى رئيس الخصفة إلى محل اللزوم للنظر فيه. المادة (5) : إن كافة المخصصات المتعلقة منافعها لمعاشات ومصارفات القائمين بالوظائف تقيد بدفتر نظارة الحرم الشريف، ودائرة هيئة الأوقاف الجليلة للحفظ على كيانها، ومراجعتها حين الحاجة، مع المراقبة التامة من قبلها في حسن أداء إيفاء الوظائف طبق شروط واقفيها، وعمل نظارها يكون مرعياً أيضاً. المادة (6) : إذا كانت المخصصات المشروطة للوظائف المذكورة لم تف بالمعاشات والمصارف فيكون دوام الموظفين بدون انقطاع إلى حين مراجعة وكلاء الأمراء، وورود مبالغ تفي باستحقاقهم، ولا يسوغ لهم تعطيل العمل بصورة

قطعية. المادة (7) : إن شيخ الخصفة له حق المراقبة، وبيان المتخلفين عن الحضور لأداء وظائفهم في أوقاتها المعينة بدون عذر شرعي، ويكون جزاؤهم على حسب ما يأتي في المادة الثامنة، ويكون مربوطاً بهيئة الأوقاف التي لها حق المراقبة العمومية كما سبق في مادة خمسة. المادة (8) : إذا تخلف أحد الموظفين عن وظيفته بدون عذر شرعي ينبه عليه في أول مرة، وإذا تكرر منه ذلك يقطع له نصف معاشه، وإن لم يرتدع ففي المرة الثالثة يقطع معاشه شهراً واحداً، وفي الرابعة يعين بدله من أرباب الأهلية. كما حرر بالمادة الثالثة. المادة (9) : يجب على رئيس الخصفة كذلك بيان كل ما يلزم من تجديد خصف وحنابل، أو شراء مصاحف ورسائل دلائل الخيرات اعتناء بهذه المهمة الخيرية العائدة أمرها لأمراء المسلمين المشار إليهم. المادة (10) : يجب على وكلاء الأمراء المشار إليهم رفع ما يرونه من المصالح العائدة لأوقافهم إلى نظارة الحرم الشريف، والأوقاف الجليلة للمساعدة لهم لكل اهتمام، وتأميناً على المحافظة على واجبات الوقف اهـ" (1) .

_ (1) غازي، عبد الله، إفادة الأنام بذكر أخبار البلد الحرام، مصور خاص، ج4 ص224.

هذا النمط من العناية بالقرآن الكريم، وسخاء الخلفاء والسلاطين والأثرياء بالإنفاق عليه، وتخصيص أوقاف على القيام به هو محل عنايتهم ورعايتهم، السابق واللاحق منهم. هذا مظهر من مظاهر العناية بالقرآن الكريم أولاً، يرجون من ورائه الأجر الدائم والثواب المستمر من الله عز وجل، وإيجاد أعمال خيرية جليلة تبرز البرَّ والوفاء بأهل القرآن في الحرمين الشريفين. كانت قراءة الربعة مشهورة ومنتشرة في الحرمين الشريفين، حيث يجتمع لها مجموعة من القراء يتلو كل واحد منهم جزءاً من القرآن حتى يتموا كامل أجزائه، كل مجموعة مخصوصة وتابعة لخصفة معينة مسماة باسم الواقف على قراءة القرآن، أو شيخ الخصفة في الوقت المعين لها، والمكان المخصص. ومن الأمثلة على هذا النوع من الأوقاف الأميرية أنه: "في أوائل عام 924: تقدم الأمير مصلح الدين الرومي وقيد عشرة أنفس من الشيبيين في قراءة ربعة بعد صلاة الصبح أمام باب الكعبة المشرفة، وجعل ناظرهم، وشيخ حضورهم فاتح الكعبة، وأوقف عليه حمّام سوق الليل، المعروف بحمّام النبي صلى الله عليه وسلم مع بيوت أخر اشتراها بألف دينار، وشرع في عمل حنفية خلف درجة الريس، وقبة السقاية القديمة المعروفة بالسلطان المؤيد شيخ، الملاصقة لفرشة زمزم بجانب الحنفية العتيقة التي غيرها الأمير جانبك، وهي حوض كبير من حجر، الماء له بزابيز من نحاس، وحجارة يجلس عليها للوضوء" (1) .

_ (1) جار الله، ابن العز بن النجم بن فهد المكي، كتاب نيل المنى بذيل بلوغ القرى لتكملة إتحاف الورى القسم الأول، ص40.

ومن هذا النوع من الأوقاف خدمة للقرآن: المدرسة الزمامية بمكة المكرمة نسبة إلى الطَّواشِي خُشْقَدَم الزمام الذي أنشأها "من المسجد الحرام، قرر بها شيخاً وغيره من الصوفية يجتمعون ويقرأون بعد صلاة العصر، ويهدون ثواب ذلك في صحيفته، وجعل بها صهريجاً يجتمع فيه الماء من سطح المسجد الحرام، وجعل بها خلاوي يسكنونها الفقراء، وأوقف عليها وقفاً جليلاً، وهو الربع الذي بالمسعى، ويعرف بربع (التوريزي) شاه بندر جدة لتوليه عمارته، وجعل الناظر عليها الشيخ شمس الدين عمر الشامي" (1) . ب- الأوقاف على قراءة القرآن على الترب (المقابر) : من جملة الأوقاف ذات العلاقة بالعناية بالقرآن الكريم أوقاف حبسها أصحابها على قراءة القرآن على المقابر والأضرحة، وقد انتشرت هذه البدعة بين الملوك والأمراء وأصحاب الثراء في القرون الإسلامية المتأخرة التي لم يكن لها وجود في زمن سلف الأمة رضوان الله عليهم. اعتاد أولئك في بعض البلاد الإسلامية تحبيس أموال طائلة على القراء الذين يتناوبون قراءة القرآن عند قبورهم، وأمثلة هذا كثيرة منها: ما ذكره العلامة قطب الدين بن علاء الدين النهروالي المكي أن السلطان قايتباي من ملوك الجراكسة "انتقل إلى رحمة الله في أواخر يوم الأحد لثلاث بقين من ذي القعدة الحرام سنة إحدى وتسعمائة، ودفن بتربته بالصحراء التي

_ (1) ابن فهد، النجم عمر بن فهد محمد بن محمد بن محمد بن محمد، إتحاف الورى بأخبار أم القرى، الطبعة الأولى، تحقيق عبد الكريم علي باز، (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، عام1408) ج4،ص64.

بناها في حياته في غاية الحسن والزينة. وبها مساكن للقراء، وأوقاف دارة عليهم إلى الآن ليس بمصر أحسن تربة منها" (1) . هذا النوع من الوقف على قراءة القرآن فيها جانبان – كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: الأولى: مصلحة بقاء حفظ القرآن وتلاوته، وكون هذه الأموال معونة على ذلك وحاضة عليه. الثانية: مفاسد من حصول القراءة لغير الله، والتآكل بالقرآن، وقراءته على غير الوجه المشروع. جاء تحليل هذه القضية تحليلاً علمياً شرعياً مفيداً عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بما يدل على تفهم كامل وصحيح للموضوع من جميع جوانبه الشرعية، والتعليمية، والاجتماعية، وبيان المصالح والمفاسد الناجمة عنه في العبارة التالية: "وأما هذه الأوقاف على الترب (المقابر) ففيها من المصلحة بقاء حفظ القرآن وتلاوته، وكون هذه الأموال معونة على ذلك، وحاضة عليه؛ إذ قد يدرس حفظ القرآن في بعض البلاد بسبب عدم الأسباب الحاملة عليه. وفيها مفاسد أخر من حصول القراءة لغير الله، ومن التآكل بالقرآن، وقراءته على غير الوجه المشروع، واشتغال النفوس بذلك عن القراءة المشروعة، فمتى أمكن تحصيل هذه المصلحة بدون ذلك الفساد جاز، فالواجب النهي عن ذلك، والمنع منه وإبطاله، وإن ظن حصول مفسدة أكثر

_ (1) الإعلام بأعلام بيت الله الحرام في تاريخ مكة المشرفة، شرح الكتاب وعلق عليه محمد طاهر بن عبد القادر الكردي الخطاط، (مكة المكرمة: المكتبة العلمية لصاحبها عبد الفتاح فدا) ، ص206.

من ذلك لم يدفع أدنى الفسادين باحتمال أعلاهما" (1) . وقد فصَّل رحمه الله تعالى وغيره القول في هذا الموضوع، فمن جملة ما قاله في ذلك: "وأما القراءة الدائمة على القبور فلم تكن معروفة عند السلف، وقد تنازع الناس في القراءة على القبر، فكرهها أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في أكثر الروايات عنه، ورخص فيها في الرواية المتأخرة لما بلغه أن عبد الله بن عمر أوصى أن يقرأ عند دفنه بفواتح البقرة، وخواتمها. وقد نقل عن بعض الأنصار أنه أوصى عند قبره بالبقرة. وهذا إنما كان عند الدفن، فأما بعد ذلك فلم ينقل عنهم شيء من ذلك، ولهذا فرق في القول الثالث بين القراءة حين الدفن، والقراءة الراتبة بعد الدفن فإن هذا بدعة لا يعرف لها أصل … " (2) . وممن أسهب البحث في هذا الموضوع، وبيَّن اتجاه علماء السلف في هذا العلامة أبو علي الحسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي في كتابه (الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة) وصرح بكراهة ذلك الإمام مالك، وهو "ما أشار إليه الشيخ أبو محمد في الرسالة بقوله: ولم يكن ذلك عند مالك أمراً معمولاً به" (3) .

_ (1) البعلي، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد، الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، الطبعة الأولى، تحقيق محمد حامد الفقي، (بيروت: دار الكتب العلمية) ، ص91. (2) انتفاع الموتى بأعمال الأحياء، ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، الطبعة الأولى، جمع وتقديم مروان كجك، (الرياض: مطبعة النرجس، عام 1421/2000) ، ص20. (3) الطبعة الأولى، دراسة وتحقيق إدريس العزوزي، (المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، عام1409/1989) ، ص238.

سادساً: الوقف على الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في مكة المكرمة في الوقت الحاضر: بدأت الجمعية الخيرية للقرآن الكريم بمكة المكرمة بداية موفقة تضمن استمرارها فقد هيأ الله لها من العلماء وأصحاب الرأي، أصحاب البصيرة الثاقبة النيرة، فاهتموا بإيجاد دخل ثابت لها يكفل لها الوفاء باحتياجاتها من مرتبات للمدرسين والإداريين والمشرفين، لم يكن أمامهم إلا أن يسعوا إلى إنشاء أوقاف من العقار تدر على الجمعية ونشاطاتها حاجتها من المال، فاستحثت همم المواطنين، والمسؤولين، وأصحاب المال من أبناء مكة وخارجها فوجدت تجاوباً كبيراً منهم، جعلها تتطور وتتوسع في نشاطاتها وبرامجها، واستعانت بالموارد النقدية التي تصلها من المحسنين في إقامة منشآت وقفية تنضم إلى التبرعات الوقفية العقارية. لم يكن الواقفون من الرجال فقط فقد شاركهم في هذا العمل الخيري النبيل شقائقهم من النساء الفضليات. بهذه الصورة الجماعية المشرقة خطت وتخطو هذه الجمعية إلى نشر القرآن في مهبط الوحي مكة المكرمة وما حولها من القرى والهجر بين المواطنين والمقيمين، أصبح هذا النشاط ملحوظاً في المساجد، وليس قاصراً على البنين بل شامل للبنات أيضاً، فأضحى - ولله الحمد – بيننا حافظون وحافظات، مجودون ومجودات لتلاوة القرآن، تحقيقاً وتأكيداً لصدق الوعد الإلهي الكريم {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . الأوقاف المخصصة للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة: أدرك المسؤولون في هذه الجمعية أهمية الوقف الخيري لاستمرار هذا

العمل فوجهوا كل اهتمامهم لإقامة قاعدة وقفية من شأنها أن تكفل استمرار هذا النشاط خدمة للقرآن الكريم، وقد جاء في التقرير السنوي للجمعية: "رأت الجمعية أنه من الضروري إيجاد موارد ثابتة لصندوقها إضافة إلى التبرعات التي ترد إليها لما في ذلك من فوائد كبيرة ضماناً لاستمرار هذا المشروع الجليل بإذن الله تعالى، وهذه الموارد العينية تمثل ما أمكن بناؤه، وما أوقفه، وتبرع به أهل الخير" (1) . أوردت الجمعية قائمة بتملكاتها الوقفية حتى عام 1416هـ‍، سواء ما أقامته إدارتها بالتبرعات النقدية من مبان، أو ما قدم لها من عقارات، أو أراض تقيم عليها مشروعاتها الوقفية، فجاءت كالتالي: (1- أولى الخطوات التي قامت بها الجمعية هي التي أثمرت العمارة المؤلفة من ستة أدوار بالمعابدة بالأبطح أمام قصر البطحاء، حيث أقيمت على أرض ذرعها زهاء ألف متر، ويرد أجرها السنوي إلى صندوق الجمعية، وقد تقدمت الجمعية بطلب للملك الراحل خالد بن عبد العزيز طيَّب الله ثراه، وطلبت منه أن يتفضل بمنحها قطعة أرض لإقامة عمارة سكنية تكون وقفاً على هذا المشروع يدر عليها مورداً ثابتاً، وقد تفضل رحمه الله بصرف مليونين وخمسمائة ألف ريال لشراء الأرض المذكورة التي تم بناء العمارة عليها بفضل الله تعالى. قطعتا الأرض التي تبرع بهما المحسن الكبير معالي السيد حسن عباس شربتلي رحمه الله تعالى لهذا المشروع الجليل: الأولى في شارع

_ (1) التقرير السنوي للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة عام 1416، ص17.

2- المنصور، ومساحتها عشرة آلاف متر مربع، وتطل على أربعة شوارع: أحدها الشارع الرئيسي العام، والثانية في طريق جدة، وهي الشهيرة بالبزّم، ومساحتها (390000) تسعون وثلاثمائة ألف متر مربع. أحسن الله إليه وتقبل منه ومنا صالح الأعمال. أتمت الجمعية بفضل الله تعالى بناء عمارتين كل منهما مكونة من أربعة أدوار على أرض شارع المنصور، وبنيت على باقي الأرض أربع عمائر أخرى تمثل المجمع السكني الخيري لمدرسي الجمعية، وقد تبرع ببناء ذلك بعض المحسنين من المواطنين، أثابهم الله على فعلهم وأحسن إليهم. 3- العمارة الكائنة بمحلة الشامية التي أوقفها معالي الشيخ محمد صالح قزاز رحمه الله تعالى رحمة واسعة، والتي تتكون من ستة أدوار، وقد تم توريد أجرتها لعام 1416هـ‍ لصندوق الجمعية. 4- الفلتان الكائنتان بجدة الموقوفتان من قبل المصونة رحمة بنت الشيخ عبد الوهاب قزاز رحمها الله زوجة الشيخ محمد صالح قزاز، وهي تؤول للجمعية بعد وفاتها، وأجرتها السنوية حالياً ستة وستون ألف ريال، وصكها لدى الجمعية. 5- الدار الكائنة بحي العزيزية، والتي تبرع بها الشيخ عبد العزيز العلي الخريجي، والمكونة من ثلاثة أدوار، وكل دور مكون من شقتين، وهي مسلمة للجمعية. العمارة الكائنة بمخطط الأمير أحمد بالرصيفة بمكة المكرمة التي تبرع بأرضها للجمعية الشيخ سعيد محمد المداح، ومساحتها (762) سبعمائة واثنان وستون متراً مربعاً. والعمارة المذكورة تتألف من 2- المنصور، ومساحتها عشرة آلاف متر مربع، وتطل على أربعة شوارع: أحدها الشارع الرئيسي العام، والثانية في طريق جدة، وهي الشهيرة بالبزّم، ومساحتها (390000) تسعون وثلاثمائة ألف متر مربع. أحسن الله إليه وتقبل منه ومنا صالح الأعمال. أتمت الجمعية بفضل الله تعالى بناء عمارتين كل منهما مكونة من أربعة أدوار على أرض شارع المنصور، وبنيت على باقي الأرض أربع عمائر أخرى تمثل المجمع السكني الخيري لمدرسي الجمعية، وقد تبرع ببناء ذلك بعض المحسنين من المواطنين، أثابهم الله على فعلهم وأحسن إليهم. 3- العمارة الكائنة بمحلة الشامية التي أوقفها معالي الشيخ محمد صالح قزاز رحمه الله تعالى رحمة واسعة، والتي تتكون من ستة أدوار، وقد تم توريد أجرتها لعام 1416هـ‍ لصندوق الجمعية. 4- الفلتان الكائنتان بجدة الموقوفتان من قبل المصونة رحمة بنت الشيخ عبد الوهاب قزاز رحمها الله زوجة الشيخ محمد صالح قزاز، وهي تؤول للجمعية بعد وفاتها، وأجرتها السنوية حالياً ستة وستون ألف ريال، وصكها لدى الجمعية. 5- الدار الكائنة بحي العزيزية، والتي تبرع بها الشيخ عبد العزيز العلي الخريجي، والمكونة من ثلاثة أدوار، وكل دور مكون من شقتين، وهي مسلمة للجمعية. العمارة الكائنة بمخطط الأمير أحمد بالرصيفة بمكة المكرمة التي تبرع بأرضها للجمعية الشيخ سعيد محمد المداح، ومساحتها (762) سبعمائة واثنان وستون متراً مربعاً. والعمارة المذكورة تتألف من

2- ثلاثة طوابق في كل طابق أربع شقق. 3- الدار التي تبرع بها للجمعية الشيخ ابن بشيبش الحربي في حي الهنداوية بجوار مسجد الأمير منصور، وقد تم إعادة بناء هذه العمارة من ثلاثة طوابق، وقد خصص الدور الأول مدرسة للبنات لتحفيظ القرآن الكريم، وهي مكونة من سبعة فصول وتوابعها، والطابق الثاني والثالث يشتمل كل طابق على شقتين بمنافعها. 4- العمارة التي أتمت الجمعية بناءها من أربعة عشر دورا في أجياد السد أمام بوابة القصر الملكي. 5- الفلتان الموقوفتان على الجمعية من المصونتين خيرية وفوزية بنتي محمد سعيد مداح، والكائنتان بالزاهر بموجب الصك الصادر من كتاب عدل الأولى بمكة المكرمة برقم 234/8، وتاريخ 16/4/1410هـ‍، ورقم التسليم 85 في 13/6/1410هـ‍. 6- الدار الكائنة بالمسفلة، تبرع بها سعادة الشيخ عبد الرحمن قماش) (1) . وفي التقرير الأخير للجمعية عام 1419هـ‍ ورد لها أوقاف عقارية. 7- عمارة بشارع المنصور خلف الهلال الأحمر تبرع بها معالي الشيخ محمد صالح قزاز رحمه الله. 8- منزل شعبي بجبل الشراشف، تبرع بها سعادة الشيخ محمد صالح عبد اللطيف إبراهيم فضل.

_ (1) التقرير السنوي التاسع والعشرون لعام 1416هـ‍ للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة، ص17-19، 20.

2- الدار الكائنة بالهنداوية تبرع بها سعادة الشيخ بشيبش الحربي. 3- عمارة بملقية بحي الزاهر تبرعت بها المكرمة نور بنت أحمد أمين بشناق. وهناك عقارات وقفها أصحابها وجعلوا لها نظاراً، وخصصوا جزءاً من ريعها للجمعية.

وقف الأسهم على الجمعية

وقف الأسهم على الجمعية: ومما استحدث من أنواع المعاملات التجارية التجارة في الأسهم التابعة للشركات، فأصبحت قيمة الأسهم وأرباحها ترتفع حسب نشاط الشركة في سوق المضاربات المالية، يشترى السهم بقيمة محددة في السوق يوم شرائه، وفي نهاية العام المالي للشركة وتصفية الحساب توزع الأرباح فيدفع لأصحاب الأسهم من الأرباح قدر عدد مشاركتهم من الأسهم. أصبح السهم، أو الأسهم بمنزلة رأس المال الثابت كالعقار، يدر أرباحاً سنوية مع الاحتفاظ بقيمته إذا قدر الربح. هذا النوع من المعاملات التجارية فتح آفاقاً جديدة للوقف الإسلامي، بحيث أصبح يمثل بعض الموارد الثابتة للإنفاق على المؤسسات الوقفية الخيرية. تنبه بعض المحسنين إلى هذه الجوانب الإيجابية في التجارة بالأسهم، وما تمثله من مورد ثابت لمدارس جمعيات تحفيظ القرآن، وقد ظهرت أسماء عدد من المحسنين في التقرير السنوي لعام 1416 ممن تبرعوا ببعض الأسهم في بعض الشركات الوطنية، كما يتبين من القائمة التالية:

(10- (140) مائة وأربعون سهماً في شركة النقل الجماعي بمكة المكرمة، تبرع بها الشيخ محمد صالح بن أحمد جمعة. 11- (10) عشرة أسهم في شركة الأسمدة سافكو، تبرع بها ورثة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز. 12- (120) مائة وعشرون سهماً في شركة النقل الجماعي، تبرع بها سعادة الشيخ محمد سعيد الوادي. 13- (1146) ألف ومائة وستة وأربعون سهماً في شركة كهرباء مكة المكرمة، تبرع بها سعادة الشيخ صدقة عبد الرحمن. 14- (183) مائة وثلاثة وثمانون سهماً في شركة كهرباء مكة تبرع بها سعادة الشيخ أكرم مندورة. 15- (230) مائتان وثلاثون سهماً في شركة كهرباء مكة المكرمة، تبرع بها سعادة الشيخ حسين صالح سابق. 16- (42) اثنان وأربعون سهماً في الشركة الوطنية للتنمية الزراعية (نادك) ، تبرع بها سعادة الشيخ محمد فضل الحق، وزوجته عزيزة عبد الرحمن طاشكندي. 17- (33) ثلاثة وثلاثون سهماً تبرع بها سعادة الشيخ محمد فضل الحق في شركة الفنادق. 19- (30) ثلاثون سهماً في شركة الجنوب، تبرع بها فاعل خير. انضم إلى هذه المجموعة من الأسهم – كما ورد في التقرير السنوي

للجمعية عام 1419هـ‍ (1) . " (91) واحد وتسعون سهماً في الشركة السعودية الموحدة للكهرباء بالمنطقة الغربية، تبرعت بها السيدة نادية أحمد علي رزق" (2) .

_ (1) التقرير السنوي للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة لعام 1419هـ‍، ص19-20. (2) التقرير السنوي للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة لعام 1419هـ‍، ص25.

خاتمة البحث

خاتمة البحث مدخل ... خاتمة البحث أثبت التاريخ والتدوين العلمي أن القرآن الكريم محل عناية المسلمين حكاماً وأفراداً على المستويات والطبقات كافة. مظاهر هذا الاهتمام تتجلى في المؤسسات المختلفة التي تضع تعليم القرآن الكريم نصب عينيها، وجل اهتمامها. تكفل باستمرار هذه المؤسسات العلمية والدور القرآنية الأوقاف السخية من قبل أبناء الأمة الإسلامية بما يكفيها ويغنيها، ويضمن للقائمين عليها التفرغ لأداء رسالتها نحو القرآن الكريم، وأبناء الناشئة من المسلمين. استمرت هذه الدور والمؤسسات في الازدهار والانتشار والتعدد، وكثرة الرواد، والإقبال عندما تولى شؤون إدارتها، واستثمار أوقافها، نظار أمناء، يقدرون مسؤولياتهم الدينية والاجتماعية، وتراجعت، وتدهورت عندما تولاها الطامعون الانتهازيون، ومن ليس لها بكفء فتراجعت نشاطاتها، وقلَّ روادها، حتى أدى الأمر في بعضها إلى محو معالمها والتسلط على انتزاعها، وتحويلها من أوقاف إلى تملكات شخصية. كانت الأوقاف الخيرية عصب الحياة العلمية، وبخاصة الدراسات القرآنية في المقام الأول، تليها الدراسات الفقهية والشرعية بصفة عامة، فكان لها الأثر الكبير في الحفظ على القرآن الكريم مكتوباً في الصحف، ومحفوظاً في صدور القراء، سليماً من التغيير والتبديل، تقرؤه الأجيال الحاضرة والمستقبلة غضاً كما أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين منذ أربعة عشر قرناً، لا يستطيع أحد أن يبدل فيه حرفاً واحداً فضلاً عن جملة، أو آية.

كان لماضي الأوقاف والعناية بها في خدمة القرآن الكريم تنظيم يتلاءم وتلك العصور التي حبست فيها هو الأنسب لها، وتشاء إرادة المولى أن يستيقظ المسلمون في الوقت الحاضر فيدركوا أهمية الأوقاف للمؤسسات العلمية، والاجتماعية، والآثار الإيجابية التي اضطلعت بها في الماضي، وهي جديرة أن تقوم بها في الحاضر، ولكن بأسلوب يتناسب مع الفكر التنظيمي في الوقت الحاضر، مع الاحتفاظ بالأهداف والمقاصد الشرعية، دون مساس بأحكامه وتشريعاته، تمثل هذا التنظيم في العمل الجماعي في الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، وكان لمكة المكرمة مهبط الوحي شرف الريادة في هذا، وقد آتت جهود المخلصين على هذه الجمعية ثمارها، وكان من نتاج هذه الجمعية وثمارها المباركة ما جاء في تقرير مجلس الإدارة عام 1419هـ‍ في عهد رئيسها سعادة الأستاذ السيد أمين بن عقيل عبد الرحمن عطاس حفظه الله إحصائية كاملة على النحو التالي: 1- بلغ عدد حلقات القرآن الكريم (1426) حلقة. 2- بلغ عدد الطلبة (26855) طالباً. 3- بلغ عدد الطالبات (14335) طالبة. 4- بلغ عدد المدرسين (916) مدرساً. 5- بلغ عدد المدرسات (590) مدرسة. 6- بلغ عدد الموجهين (29) موجهاً. 7- بلغ عدد الموجهات (41) موجهة. 8- عدد المساجد التي تقام فيها حلقات القرآن (498) مسجداً. 9- عدد الحلقات التي تقام في المسجد الحرام (74) حلقة.

10- عدد مدارس الطالبات (156) مدرسة. أصبحت هذه الجمعية ورصيفاتها من جمعيات تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في مناطق المملكة العربية السعودية، وما تؤديه من نشاط في خدمة القرآن الكريم علامة بارزة، وظاهرة مشرقة في تاريخ التعليم في العصر الحديث، تجد العون السخي من قبل ولاة الأمر، والأثرياء وطبقات المجتمع كافة لما لمسوه من جهود مخلصة في المحافظة على كتاب الله عز وجل، وتخريج أجيال من شباب الأمة تحمله في صدورها نقياً صافياً من التحريف والتبديل، وأصبح من المتيقن أن الأوقاف التي ترصد لها فتنفق في خدمة القرآن الكريم هي الأكثر أجراً ومثوبة عند الله، وأنها الضمان الوحيد بعد عون الله وتوفيقه لبقائها، واستمرارها في أداء رسالتها مهما اختلفت الظروف الاجتماعية. إن ضمان بقاء هذه الجمعيات، في أداء رسالتها ضمان لصلاح المجتمع، ومرفق أساس لصلاح شباب الأمة وتجنيب أبنائها مزالق الرذيلة والانحراف، فهي مرفق ديني، تعليمي، اجتماعي مهم. يغني عن الإشادة والتمجيد لهذه الجمعيات في خدمة القرآن الكريم التعبير بلغة الأرقام عن إنجازاتها السنوية، ولتكن إحصائيات الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة لعام 1419هـ‍ وهي الرائدة في هذا المجال، الأنموذج لإنجازات الجمعيات الأخرى في المملكة العربية السعودية، فقد جاءت حصيلة الجمعية من الحفاظ في تقريرها السنوي لعام 1419هـ‍ كالآتي: 1- عدد الحفاظ لكامل القرآن الكريم (241) مائتان وواحد وأربعون حافظاً. عدد الحافظات لكامل القرآن الكريم في الفترة نفسها (157) مائة

وسبع وخمسون حافظة. 1- عدد من حفظ خمسة عشر جزءاً من الطلبة اثنان وعشرون وتسعمائة طالب. 2- عدد من حفظ خمسة عشر جزءاً من الطالبات ستون وثلاثمائة طالبة. أما الذين حفظوا كامل القرآن منذ تأسيس هذه الجمعية فقد بلغ حوالي واحدٍ وأربعين وثلاثمائة وستة آلاف (6341) طالبٍ وطالبة حتى الآن) (1) . هذا عدا النشاطات الأخرى التي تقدمها الجمعية للقطاعات الحكومية، والمشاركة في المسابقات المحلية والدولية مما جاء ذكره مفصلاً في تقريرها السنوي لعام 1419هـ‍ (2) . بما يثلج الصدر، ويوحي بالاطمئنان الكامل على مستقبل مشرق في خدمة القرآن الكريم في مهبط الوحي بخاصة، وفي العالم الإسلامي بعامة بمستوى التنظيم الإداري والعلمي في العصر الحديث، وقد أثبت التاريخ فعالية نظام الوقف الإسلامي في بقاء هذه الأعمال الجليلة لأداء رسالتها نحو خدمة القرآن الكريم وغيره من المرافق التعليمية والاجتماعية على الوجه المطلوب، وبما يحقق المقاصد الشرعية، والأهداف النبيلة، وفي هذا ما يحث الهمم، ويدفع بالأمة إلى البذل السخي في سبيل خدمة القرآن الكريم، وصلى الله وسلم على من نزل عليه القرآن هداية ورحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

_ (1) التقرير السنوي الثاني والثلاثون للفترة من 1/9/1418هـ‍ حتى 12/9/1419هـ‍، ص7. (2) انظر: 10-15.

ملحق المدارس القرآنية في دمشق والقاهرة والأوقاف المحبس عليها

ملحق المدارس القرآنية في دمشق والقاهرة والأوقاف المحبس عليها دور القرآن في دمشق ... ملحق المدارس القرآنية في دمشق والقاهرة والأوقاف المحبس عليها يستحسن بعد تمام البحث أن تعرض نماذج من إسهام الأوقاف في بعض عواصم العلم في البلاد الإسلامية كدمشق والقاهرة في العناية بالقرآن الكريم والإنفاق السخي على الدارسين والمعلمين مما حفظه لنا التاريخ. دور القرآن في دمشق: دمشق عاصمة الأمويين إحدى العواصم العلمية في التاريخ الإسلامي، وقد اشتهرت بكثرة مدارسها، وربما كانت الأكثر عدداً من غيرها من العواصم الإسلامية في المشرق والمغرب. يقول الأستاذ المحقق صلاح الدين المنجد في هذا الصدد: ((ازدهرت دمشق طوال خمسة قرون، بدأت بالقرن الخامس الهجري بمئات من المدارس الكبيرة المختلفة التي أسست لتلقي الثقافة الإسلامية الدينية، وما يتصل بها من علوم العربية، فكان فيها مدارس للقرآن، وللحديث، وللمذاهب الفقهية الأربعة وللطب)) (1) .

_ (1) دور القرآن في دمشق، تقديم صلاح الدين المنجد، الطبعة الثالثة، بيروت: دار الكتاب الجديد، عام 1982م، ص6.

يقدم العلامة عبد القادر بن محمد النعيمي قائمة بأسماء الدور القرآنية في فصل مستقل صدر بها كتابه الفريد (الدارس في تاريخ المدارس) ، عدد فيها دور القرآن وأماكن وجودها في دمشق، وأسماء المؤسسين لها، والأوقاف التي حبست عليها، وفيما يلي التعريف بها بإيجاز: دار القرآن الكريم الرشائية: أنشأها رشأ بن نظيف بن ما شاء الله أبو الحسن الدمشقي في حدود سنة أربعمائة له دار موقوفة على القراء. توفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة (1) . دار القرآن الكريم الوجيهية: "قبلي المدرسة العصرونية، والمسرورية، وغربي الصحصامية التي شمال الخاتونية، وإلى زقاقها يفتح بابها" (2) . وقفها الشيخ وجيه الدين محمد بن عثمان المنجا التنوخي رئيس الدمامشقة سنة إحدى وسبعمائة (3) . "كان صدراً محترماً، ديناً، محباً للأخيار، صاحب أملاك ومتاجر، وبر وأوقاف، أنشأ داراً للقرآن الكريم بدمشق، ورباطاً بالقدس الشريف … توفي بدار القرآن في التاريخ المتقدم" (4) . دار القرآن السنجارية: "تجاه باب الجامع الشمالي، المسمى (الناطفانيين) قال ابن كثير في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة: علاء الدين علي بن إسماعيل بن محمود السنجاري (1) انظر: النعيمي، عبد القادر، الدارس في تاريخ المدارس، الطبعة الأولى، أعد فهارسه شمس الدين، (بيروت: دار الكتب العلمية، عام 1410هـ‍/1990م) ج1، ص9. (2) ، (3) ، (4) النعيمي، عبد القادر، الدارس في تاريخ المدارس، ص13،14.

واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين، شمالي الأموي بدمشق، كان أحد التجار الصدق الأخيار، ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات رتب فيها جماعة يقرؤون القرآن، ويتلقونه وله مواعيد حديث" (1) . دار القرآن الكريم الصابونية: "خارج دمشق، قبلي باب الجابية، غربي الطريق العظمى، ومزار أوس بن أوس الصحابي رضي الله عنه وبها جامع حسن بمنارة، تقام فيه الجمعة أنشأها الخواجكي أحمد الشهابي القضائي بن علم الدين بن سليمان بن محمد البكري الدمشقي، المعروف بالصابوني، ابتدأ في عمارة ذلك في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثمانمائة، وفرغ منه في سنة ثمان وستين وثمانمائة". وشرط الواقف شروطاً عديدة فما يختص بالوظائف الدينية. "وشرط في الإمام أن يكون من الطائفة المباركة الجبرتية، وأن يكون حنفياً، وأن يكون معه عشرة فقراء من جنسه يقريهم القرآن وبنى أيضاً تجاه المكان المذكور بشرق مكتباً للأيتام عشرة بشيخ يقريهم القرآن العظيم" (2) وقف على هذا عدة قرى غربي مدينة بيروت تعرف هذه القرى بالصابونية، ومنها جميع قرية مَديَرَى بالغوطة من المرج الشمالي، ومنها قرية ترحيم بالبقاع عدة فدان ونصف فدان، ومنها بقرية الصويرة أربعة فدادين، ومنها القرعون في البقاع ربعها، ".

_ (1) النعيمي، عبد القادر، الدارس في تاريخ المساجد، ج1، ص11. (2) النعيمي، عبد القادر، الدارس في أخبار المدارس، ج1، ص11-13.

وقد أوقف قرى ومرافق عديدة في أماكن مختلفة ذكرها جميعاً النعيمي رحمه الله. ثم أضاف النعيمي رحمه الله في نهاية القائمة الطويلة من أوقافه على دار القرآن الكريم الصابونية قوله: "وأما ما وقفه يوسف الرومي مملوك الواقف غربي مصلى العيد من جوار بستان الصاحب فبستان واحد، وبقرية كرفوسوسية معصرة الزيتون، وقاعة لصيق الجامع، والتربتين المذكورتين وعلوها طبقة أخرى قبلي ذلك، وعلوها عدة طبقتين" (1) . دار القرآن الكريم الجزرية: "قيل: إنها بدرب الحجر، أنشأها محمد بن محمد بن يوسف الحافظ الإمام المقري شمس الدين بن الجزري (751-833هـ‍) برز في علم القراءات، وعمَّر مدرسة سماها دار القرآن، وأقرأ الناس" (2) . دار القرآن الدلامية: "بالقرب من الماردانية بالجسر الأبيض بالجانب الشرقي من الشارع الآخذ إليه الصالحية أنشأها الجناب الخواجكي الرئيس الشهابي أبو العباس أحمد ابن المجلس الخواجكي زين الدين دلامة بن عز الدين نصر الله النصري، أجل أعيان الخواجكية بالشام وقفها سنة سبع وأربعين وثمانمائة ومن شرط الإمام الراتب أن يتصدَّى

_ (1) النعيمي، عبد القادر، الدارس في أخبار المدارس، ج1، ص11-13. (2) النعيمي، عبد القادر، الدارس في تاريخ المدارس، ج1، ص8.

شيخاً لإقراء القرآن لستة أنفار من الفقراء الغرباء المهاجرين" (1) . رتب للإمام وللطلاب، ولكافة القائمين على وظائف تعليم القرآن، ووظائف المسجد رواتب سخية. دار القرآن الخيضرية: شمالي دار الحديث السكرية بالقصاعين: "أنشأها في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة قاضي القضاة قطب الدين أبو الخير محمد بن محمد بن عبد الله بن خيضر الخيضري الدمشقي، الشافعي، الحافظ (821-894هـ‍) . رتب فيها الفقراء، والجوامك، والخبز، ووقف على تربته لصيق المنجكية بمحلة مسجد الذبان، وعلى مطبخ باب الفراديس، ومطبخ بني عديسة بالمدينة المنورة على الحال بها أفضل الصلاة، وأتم السلام – أوقافاً دارة" (2) .

_ (1) النعيمي، عبد القادر، الدارس في تاريخ المدارس، ج1، ص8. (2) النعمي، عبد القادر، الدارس في تاريخ المدارس، الطبعة الأولى، (بيروت: دار الكتب العلمية، عام 1410هـ‍/1990م) ، ص8.

دور القرآن الكريم في القاهرة

دور القرآن الكريم في القاهرة: أنشئت في مصر أيضاً أوقاف خصص دخلها على تدريس المذاهب الفقهية، ودروس القرآن الكريم، قراءة وتفسيراً إلى جانب العلوم الشرعية الأخرى، من هذه المدارس التي رصدها مؤرخ مصر الكبير تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر العبيدي المقريزي (ت 845هـ‍ (:

المدرسة الظاهرية بالقاهرة: أسسها الملك الظاهر بيبرس البندقداري. "ابتدئ بعمارتها في ثاني ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وستمائة، ولم يقع الشروع في بنائها حتى رتب السلطان وقفها أوقف عليها ربع السلطان خارج باب زويلة فيما بين باب زويلة وباب الفرج، وكان ربعاً كبيراً وتحت هذا الربع عدة حوانيت هي من أجل الأسواق، وللناس في سكناها رغبة عظيمة، وهذه المدرسة من أجلِّ مدارس القاهرة، ولما فرغ من بنائها يوم الأحد خامس صفر سنة اثنتين وستين وستمائة اجتمع أهل العلم بها وقد فرغ منها، وحضر القراء، وجلس أهل الدروس كل طائفة في إيوان منهم طائفة القراء بالقراءات السبع بالإيوان الغربي، وشيخهم الفقيه كمال الدين المحلي، وقرروا كلهم الدروس، وتناظروا في علومهم" (1) . المدرسة المنصورية: "هذه المدرسة من داخل باب المارستان الكبير المنصوري بخط بين القصرين بالقاهرة، أنشأها هي والقبة التي تجاهها والمارستان الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي، على يد الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، ورتب بها دروساً أربعة لطوائف الفقهاء الأربعة، ودرساً للطب، ورتب بالقبة درساً للحديث النبوي، ودرساً لتفسير القرآن الكريم، وميعاداً، وكانت هذه التداريس لا يليها إلا أجل الفقهاء المعتبرين

_ (1) انظر: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المعروف بالخطط المقريزية، ج4، ص225،226.

القبة المنصورية: هذه القبة تجاه المدرسة المنصورية وفي هذه وهي من أعظم المباني الملوكية، وأجلها قدراً وفي هذه القبة أيضاً قراء يتناوبون القراءة بالشبابيك المطلة على الشارع طول الليل والنهار، وهم من جهة ثلاثة أوقاف، فطائفة من جهة وقف الملك الصالح إسماعيل، وطائفة من جهة الوقف السيفي، وهو منسوب إلى الملك المنصور سيف الدين أبي بكر بن الملك الناصر محمد بن قلاوون" (1) . المدرسة الحجازية: أنشأتها الست الجليلة الكبرى خوند تتر الحجازية ابنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون زوجة الأمير بكتمر الحجازي، سنة إحدى وستين وسبعمائة. جعلت بهذه المدرسة درساً للفقهاء الشافعية، ودرساً للفقهاء المالكية، ورتبت بشباك هذه القبة عدة قراء يتناوبون قراءة القرآن الكريم ليلاً ونهاراً، وجعلت بجوار المدرسة مكتباً للسبيل فيه عدة من أيتام المسلمين، ولهم مؤدب يعلمهم القرآن الكريم، ويجري عليهم في كل يوم لكل منهم من الخبز النقي خمسة أرغفة، ومبلغاً من الفلوس، ويقام لكل منهم بكسوتي الشتاء والصيف، وجعلت على هذه الجهات عدة أوقاف جليلة يصرف منها لأرباب الوظائف المعاليم السنية (2) .

_ (1) المقريزي، تقي الدين أبو العباس، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج4، ص226،227. (2) انظر: المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج4، ص230،231.

المدرسة الأقبغاوية: أنشأها الأمير علاء الدين أقبغا عبد الواحد أستادار الملك الناصر محمد بن قلاوون. قرر فيها درساً للشافعية، ودرساً للحنفية، وجعل فيها عدة من الصوفية، ولهم شيخ، وقرر بها طائفة من القراء يقرؤون القرآن بشباكها، ووقف على هذه الجهات حوانيت خارج باب زويلة بخط تحت الربع، وقرية بالوجه القبلي (1) . دار القراسنقرية: "أنشأها الأمير شمس الدين قراسُنْقُر المنصوري نائب السلطنة سنة سبعمائة، وبنى بجوار بابها مسجداً معلقاً، ومكتباً لإقراء أيتام المسلمين كتاب الله العزيز، وجعل بهذه المدرسة درساً للفقهاء، ووقف على ذلك داره التي بحارة بهاء الدين وغيرها" (2) . المدرسة القطبية: "هذه المدرسة بأول حارة زويلة عرفت بالسيدة الجليلة عصمة الدين خاتون مؤنسة القطبية ابنة السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب بن شادي، وكان وقفها في سنة خمس وستمائة. وبها درس للفقهاء الشافعية، وتصدير قراء وفقهاء يقرؤون" (3) .

_ (1) انظر: المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج4، ص232،233. (2) المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج4، ص240. (3) المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج4، ص245.

المدرسة الساقية: "هذه المدرسة داخل قصر الخلفاء الفاطميين من جملة القصر الكبير الشرقي الذي كان داخل دار الخلافة بنى هذه المدرسة الطواشي الأمير سابق الدين مثقال الأنوكي، مقدم المماليك السلطانية الأشرفية، وجعل بها درساً للفقهاء الشافعية، وجعل فيها تصدير قراءات، وخزانة كتب، وكتاباً يقرأ فيه أيتام المسلمين" (1) . مدرسة تربة أم الصالح: "هذه المدرسة بجوار المدرسة الأشرفية بالقرب من المشهد النفيسي أنشأها الملك المنصور قلاوون على يد الأمير علم الدين سنجر الشجاعي في سنة اثنتين وثمانين وستمائة برسم أم الملك الصالح علاء الدين علي بن الملك المنصور قلاوون ورتب لها وقفاً حسناً على قراء وفقهاء، وغير ذلك" (2) .

_ (1) المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج4، ص248. (2) المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج4، ص249.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... مصادر البحث 1- أوزاك، علي - بحث (إدارة الأوقاف الإسلامية في المجتمع المعاصر في تركيا) – أهمية الأوقاف، الإسلام في عالم اليوم - الأردن: مآب مؤسسة آل البيت، عام 1417هـ‍/1996م. 2- البعلي، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد - الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - الطبعة الأولى - تحقيق محمد حامد فقي - بيروت: دار الكتب العلمية. 3- بن عبد الله، محمد عبد العزيز - الوقف الإسلامي - الطبعة الأولى - المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - سنة 1416هـ‍/1996م. 4- الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة - التقرير السنوي التاسع والعشرون لعام 1416هـ - التقرير السنوي الثاني والثلاثون لعام 1418/1419هـ‍ - معلومات النشر: بدون. 5- الحموي، أحمد بن محمد - فضائل سلاطين بني عثمان - الطبعة الأولى - تحقيق محسن محمد حسن سليم - مصر: دار الكتاب الجامعي - عام 1413هـ‍/1993م. 6- رفيع، محمد عمر المكي – مكة في القرن الرابع عشر الهجري - الطبعة الأولى - مكة المكرمة: نادي مكة الثقافي، 1404هـ‍/1981م.

1- ابن أبي زيد، أبو محمد عبد الله القيرواني - الرسالة مع حاشية العدوي - مصر: مطبعة الاستقامة - عام 1396هـ‍. 2- سعيدوني، ناصر الدين - (مؤسسة الزوايا في الجزائر العثمانية) بحث في المؤتمر الدولي حول العلم والمعرفة في العالم العثماني بمناسبة ذكرى سبعمائة عام على قيام الدولة العثمانية عام 1999 - استامبول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية - عام 2000م. 3- أبو سليمان، عبد الوهاب إبراهيم - (الوقف مفهومه ومقاصده) ضمن بحوث (ندوة المكتبات الوقفية) – الرياض: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف - عام 1420هـ‍. 4- الشوشاوي، أبو علي الحسين بن علي - الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة - الطبعة الأولى - دراسة وتحقيق إدريس عزوزي - المغرب: وزارة الشؤون الإسلامية – عام 1409هـ/1989م. 5- الطبري، محمد بن علي بن فضل المكي - تاريخ مكة إتحاف فضلاء الزمن بتاريخ ولاية بني الحسن – الطبعة الأولى – تحقيق محسن محمد حسن سليم – مصر: دار الكتاب الجامعي – عام 1413هـ/1993م. 6- عبد الوهاب، حسن حسني - كتاب العمر في المصنفات والمؤلفين التونسيين - الطبعة الأولى - مراجعة محمد العمروسي المطوي، وبشير البكوش - تونس: بيت الحكمة - سنة 1990م. الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد - جواهر القرآن ودرره – الطبعة الأولى – بيروت: دار الكتب العلمية، سنة 1409/1988

1- الفاسي، تقي الدين – شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام – الطبعة الأولى – تحقيق لجنة من كبار العلماء والأدباء – مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، عام 1956م. 2- ابن فهد، النجم عمر بن فهد محمد – إتحاف الورى بأخبار أم القرى – الطبعة الأولى – تحقيق عبد الكريم علي باز – مكة المكرمة: جامعة أم القرى – عام 1408هـ/ 1998م. 3- ابن فهد، جار الله بن العز – نيل المنى بذيل بلوغ القرى لتكملة إتحاف الورى – الطبعة الأولى – تحقيق محمد الحبيب الهيلة – لندن: مؤسسة الفرقان – عام 1420هـ/2000م. 4- القحطاني، راشد بن سعد بن راشد – وقفية مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت – الرياض: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف (ندوة المكتبات الوقفية بالمدينة المنورة) – عام 1420هـ‍. 5- ابن كثير، إسماعيل بن عمر – فضائل القرآن – الطبعة الأولى – تحقيق محمد إبراهيم البنا – جدة: مؤسسة علوم القرآن للثقافة الإسلامية، عام 1408هـ/1988م. 6- كجك، مروان – انتفاع الموتى بأعمال الأحياء، ابن تيمية وابن القيم –الطبعة الأولى – الرياض: دار النرجس، عام 1421هـ/2000م. 7- محفوظ، محمد – تراجم المؤلفين التونسيين – الطبعة الأولى – بيروت: دار الغرب الإسلامي – عام 1982م. المزيني، عبد الرحمن – مكتبة الملك عبد العزيز بين الماضي والحاضر

1- – الطبعة الأولى – الرياض: مكتبة العبيكان، عام 1420/1999. 2- المقريزي، تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي – المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار – الطبعة الأولى – وضع حواشيه خليل منصور – بيروت: دار الكتب العلمية، عام 1418/1998. 3- المنجد، محمد صلاح الدين – دور القرآن في دمشق – الطبعة الثالثة – بيروت: دار الكتاب الجديد، سنة 1982. 4- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد – لسان العرب – الطبعة الثالثة – بيروت: دار صادر – 1414/1994. 5- النعيمي، عبد القادر – الدارس في تاريخ المدارس – الطبعة الأولى – أعد فهارسه إبراهيم شمس الدين – بيروت: دار الكتب العلمية. 6- النهروالي، قطب الدين بن علاء الدين – الإعلام بأعلام بيت الله الحرام في تاريخ مكة المشرفة – علق عليه محمد طاهر عبد القادر الكردي الخطاط – مكة المكرمة: المكتبة العلمية لصاحبها عبد القادر فدا. 7- هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية - جهود المملكة العربية السعودية في الاعتناء بالقرآن الكريم - إشراف عبد الله بن علي بصفر - جدة: الشركة الخليجية للطباعة والتغليف، سنة 1419/1999.

§1/1