عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم - حسن عبد الفتاح أحمد

حسن عبد الفتاح أحمد

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله القائل {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} والصلاة والسلام على من قيل له {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} صلى الله وسلم وبارك على نبي الهدى ومصباح الدجى محمد الذي أنار الله به السبل وألف بين مناهجها حتى صارت سبيلا واحدا يدعو إلى الله على بصيرة هو ومن اتبعه. ورضي الله عن السائرين في سبيل الحق هداة مهتدين بنور القرآن، مستمسكين بعروته الوثقى التي لا تفصمها هجمة هوى، ولا تغادر عنها بثبوت الحق زعزعة النفس ضلالا وغواية رضي الله عن أولئك الذين استعملهم في سبيل القرآن حَفَظَة لرايته، واستنطق بهم ما طواه العداء للقرآن من أعدائه، فراح الكرام العالمون يسلون سيوف البيان والإفصاح عن براهين تَبايُنِ كلام الله عن كلام الخلق. أسكنهم الله فسيح جناته لقاء ما أفسحوا من مجالات الدراسة، وجزاء ما أسهموا به من ضروب الكياسة، وكل هذا يمثل مظهرا من مظاهر معنى قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أما بعد: فكل كتاب يَرِثُّ كلامُه بكثرة البحث فيه، وتنضو الأفكار منه وينضب عطاؤه إلا القرآن الكريم، فإنه كلما قرأته ألفيت نفسك غير التي كانت بالأمس تقرأ، فالقرآن هو هو، وما تَلَقَّاه قارئه اليوم غير ما فتح عليه منه بالأمس، فإنك لا تجد واحدا من الكتب غير القرآن يعطيك هذا، يؤتيك كل

يوم نفسا تقرأ في كل مرة أول مرة، إذ حين تقرؤه ألف مرة تكون كمن قرأ ألف كتاب، ومن يستزده يزده. "ومن إعجاز القرآن أن يظل مشغلة الدارسين والعلماء جيلا بعد جيل، ثم يبقى أبدا رحب المدى سخيَّ المورد، كلما حسب جيل أنه بلغ منه الغاية امتد الأفق بعيداً وراء كل مطمح، عاليا يفوق طاقة الدارسين (1) ". وتجلت عظمة الإسلام في كون معجزتِه الخالدةِ هو القرآن، والقرآن كلام، وكل ما عدا الكلام في تغير وتطور مستمر، والكلام البشرى وحده الذي إن لم يقل في عطائه لم يزد، وكل كلام له حد يبلغه معناه، والقرآن لا حد لمعناه وإن حصر كلامُه بين دفتي المصحف. إنه لبرهان خالد ساطع الدلالة على صحة الدعوة الإسلامية الخاتمة وصدقها. ولما كانت اللغة مطايا المعاني تبدى لدى الأوائل أن الكلام من حيثيات مختلفة مقصود التحدي فأبدى المختصون منهم وجوه إعجاز فيما يتعلق بلغة القرآن ونظمه، وأساليب الكلام وسائر ما عَنَّ لهم وعَرض في دراستهم. فتشعبت في ذلك فنون وعلوم، ونشأت معارف. وحين تحَّوَل العرب من جودةٍ إلى اختلالٍ في أركان القريحة العربية في قواعدها وألفاظها نجد تحولا عجيبا يؤكد بقاء هذا الكتاب على نفس صورة عظمته لدى الأوائل، فكانت وجوه الإعجاز مضيئة عمر الأمة الخاتمة منذ عهدها الأول وحتى عصرنا هذا، وإلى ما شاء الله.

_ (1) من كتاب الإعجاز البياني للقرآن – عائشة عبد الرحمن. بنت الشاطئ صـ17.

وتمثلت عناية المسلمين بهذا المجال أولَ الأمر في صورة الدفاع عن القرآن حتى أصبح هذا علما أفضى إلى علم كالبلاغة، واستقر بقاء الثاني أمارة على الأول، فالبلاغة مفتاح كشف وجه الإعجاز، ووجوه الإعجاز أساس علم البلاغة. والقرآن كنز يستفتحه كل عصر بأدواته ليأخذ منه ما تسنى له من جواهره ودرره، وهو كريم كلما استثير أعطى، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من أراد العلم فليثور القرآن فإنه فيه علم الأولين والآخرين" (1) ، لذلك كان علينا أن نستزيد من العلم بالقرآن بكثرة مدارسته، فإنه لا يخلق على كثرة الرد، بل تَرْكُه دون إثارة فيه أفدح خسارة، فعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: "سَيَبْلَى القرآنُ في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا سنبلغ، وإن أساءوا قالوا سيُغفر لنا إنا لا نشرك بالله شيئا" (2) . وهو غير مُتَبَذَّل، وخفاؤه فى يسره، تمر به مرَّ الغافل فلا يزجي إليك منه شيئا، إذ هو لنزاهته أغفل منك عنك إن غفلت عنه، وإن أعطيته نفسك أعطاك رفده، وهو حَمَّال أوجه، وإلى هذه النكتة أشار أبو الدرداء رضي الله

_ (1) رواه ابن أبى شيبة في مصنفه 10/ 485 نقلا عن كتاب معرفة شأن القرآن إعداد محمد أبو البشر رفيع الدين صـ 86. (2) أخرجه الدارمي في سننه رقم 2312 كتاب فضائل القرآن باب تعاهد القرآن، نقلا عن الكتاب السابق الإشارة إليه. صـ 79

عنه حين قال "لا يكون الرجل فقيها حتى يحمل الآية الواحدة على محامل متعددة (1) ويدور القرآن مع الزمن فيفيض عليه من سَيْبه حسب طلعة السائرين على مدرجات هذا الزمن، وكلما امتدت إليه يد لم يُصْفِرْها، أو لهفة ظمأى ما صد عنها، بل كان الرُّواء، يعطى لكلٍ شِرْبَه، وعلى حسب الدِّلاء يكون العطاء. اثنان لا يخجل أحدهما من الآخر ولا يستحِي منه ولا يعارضه، القرآن كتاب الله المقروء، والكون كتابه المنظور، لذلك لا تصادفُ نَفْرةً من أحدهما في مواجهة الآخر. ولقد قال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} (يونس: 101) وحين كفّ الإنسان نظره عن رؤية القدرة الإلهية في الكون، أنزل الله كلمته المسموعةَ في هذا القرآن فألح القرآن في دعوته إلى أن يُفْترى شئ من مثله، وإذ قالوا: افتراه وليس من عند الله دعاهم إلى افتراءِ مثله، وعجزوا جميعا متظاهرين متعاونين أو فرادى ناكصين {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (الإسراء: 88) . واستحكمت الغيرة في نفوس العلماء وراعهم أن ينال أحد من كتاب الله فأخذوا في بيان إعجازه وجوها عدة. حتى أفضت الدراسة إلى اعتبارِ رُؤيةِ التطابق بين القرآن وآفاق الكون في علوم العصر الحديثة وُجوهاً للإعجاز، أو بينه وما في النفس من دقائق الأسرار.

_ (1) الفوز الكبير في أصول التفسير، ولي الله الدهلوي ص98.

وتدخل ضمن هذين الإطارين منظوماتُُ أخرى فرعيهٌ تدل على مدى سَعة وجوه الإعجاز القرآني، وكثرة القائمين على العناية بها. ولم يَحْبُ الله أمة بمثل ما أوتيت أمة الإسلام، فقد خَصَّها بالفضل كله، بنبيها الخاتم صلى الله عليه وسلم وبكتابه الخالد المعجز، وكونِها خيرَ أمة أخرجت للناس. وجعل عصمتَها بكتابِه سرَّ قوتها، وتمسكَها به سبيلَ هدايتها فهو الكتاب الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: " مأدبة الله والنور المبين، والشفاء النافع، عصمةٌ لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد (1) ". المعجزة القولية الكبرى، يحوى في آمادِ آبادِ سَعته أعاظم العجائب الكونية، ردَّ على طالبي الآيات الحسية ليردهم إليه، فأخرس في نفوسهم الكلامَ بإقامة التوجيه نحو القرآن وحده. وقد حكى عنهم قولهم {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} (العنكبوت 50، 51) ولم يكن التحدي من القرآن إلا لمن لم يقبل كونه كلام الله، فحين يكون كلاما لأحد من البشر يتصور عدم انفراد قائله بمثله، ولم يكن لأحد أبدا أن يحوز ميزة في كلام لم يبلغه في درجته سابق أو لاحق. وهاهو القرآن عبر القرون جميعا يمد تحديه شامخا ما نال منه أحد أبدا إلا كما قيل:

_ (1) أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن مسعود 1, 555

كناطحٍ صخرةً يوما ليوهنها فلم يضِرْها وأوهى قرنَه الوعل وتنوعت أساليب العناية وأشكالها حين تناول المهتمون بإبراز وجوه الإعجاز على أنحاء عدة، تعرف ذلك من خلال هذه الأوراق البالغة في الدلالة قصورَ مَن خط ما فيها. وأسأل الله تعالى القبول والتوفيق إنه سميع قريب. كاتبه حسن عبد الفتاح أحمد

سبب اختيار الموضوع لم يقترح لي موضوع من جملة ما طرح، مما أربك سرعة الشروع فى تقصى جوانب البحث بصفة شمولية، لذلك رحت أفاضل بين الموضوع والآخر على أسس شخصية فردية بحتة، وكلما استقرت النفس على موضوع بكرةً حادت عنه عشية، إلى أن هداني الله تعالى إلى موضوع عناية المسلمين ببيان وجوه إعجاز القرآن الكريم. وصَمدَت في نفسي فكرة البحث في هذا الموضوع حيث يدعمها واقع المسلمين اليوم. وكأنهم بحاجة ماسة فعلا إلى آية، لا أقول ليؤمنوا بالقرآن، ولكن ليعلنوا هم لأنفسهم أنهم جادون في الأخذ بما في هذا الكتاب. وحفظ الله الكتابَ تتنوع فيه المعارض، فصروح الطباعة صورة من صور الحفظ، والمنتديات المتعلقة بها وجوه التباحث في القرآن الكريم صورة ثانية، والهيئات الدولية كالتي تتبع رابطة العالم الإسلامي والمنوط بها دراسات الكتاب والسنة عموما، وبيان وجوه الإعجاز فيهما خصوصاً مظهر آخر. ومن الواجب أننا بعد بيان مثل هذه الوجوه للإعجاز القرآني علينا أن نخرج من ضيق القول إلى سعة العمل ورحبه، فالكلام لا يجدي دون تجسيده في صورة عملية. نعم. حين نجوب أرجاء إثارة الكلمات القرآنية تمطرنا سموات عليائها بسامي المعاني، ولكن نجتزئ من الموضوعات ما يناسب إطار البحث دون تجوز أو تجاوز.

وابتناءُ أمرٍ على غير أساس ينزع إلى التعجيل به وإن أقيم، وكذلك مظهر الدين لا يبقيه عدم جوهره وهو الإيمان، لِذلك يلزم الدخول إلى القرآن بسابق إيمان بحت بأنه غالب قاهر لسلطان العقل ونظريات العلم، متعانق هو والحقائق بآصرة الصدق والثبات، وإلا فما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون؟. لهذا وغير هذا اخترت هذا الموضوع، موردا نفسي موارد التقحم بغير أهلية البحث، أشابه أهله وإن لم أشبه أدناهم. عسى الله أن يجعل في عجز القصور قبولا، وفى قصور العجز منالا، وأن يكون الذي حمل على نفسه تتبع خطو السابقين قد أجمل في سبيلهم المسير، والله الهادي إلى سبيل الرشد وسواء الصراط. والحمد لله رب العالمين

إيجاز البسط وإجمال التفصيل في هذه الصفحات عرضت إلى عناية علماء الإسلام بتعريف المعجزة وبيان الإعجاز، ثم بالأسس التي عليها تبنى وجوه الإعجاز، ثم شرعت في المقابلة بين وحدة الوجه الإعجازي وتعدده موضحا نوعين من وجوه الإعجاز، أولهما: ما يتعلق بالنص القرآني من حيث إنه كلام عربي فقط، وثانيهما: ما استقر في عرف العلوم الكونية من عجائب القدرة في الكون مما صادف وجود إشارات لمثلها في القرآن الكريم. متناولا إياهما في إطار مظهر عناية المسلمين بذلك. وفى معرض الحديث عن النوعين أشرت إلى ما يسر الله لي من كتب تناولت كل موضوع على حِدة، أو مزَجَتْ بينهما، أو تناولت من الوجوه كلها وجها أو بعض وجوه لبيان ما يتعلق بها مؤكدا في البحث ضرورة التحري والتمهل في احتساب نظريات العلم تفسيرا مطلقا لبعض آيات القرآن الكريم. وهذه عبارة مقتضبة عجلى استعرضت بها رءوس المسائل التي دار حولها ترقيع ما انتسجتهُ من الإقدام على مثل هذا الأمر مع تخلُّفِ العُدَّة والعَتاد عن مثلي، لسقوط الأهلية مني لبحوث علمية كهذه، ولكن الأمل يحدوني نحو المشابهة للعلماء وإن حط بي القصور عن التشبه، عسى أن يكون التشبه بهم وجه شبه. هذا والله تعالى ولي التوفيق

مظهر العناية بما هية الإعجاز مادة عجز في القاموس المحيط أوردها الفيروز آبادي على النحو التالي: العجز مثلثة وكَندُسٍ وكَتِفٍ مُؤَخَّر الشيء جمع أعجاز، وأعجزَه الشيءُ فاته، وأعجز فلانا وجده عاجزا وصيره عاجزا، والتعجيز التثبيط والنسبة إلى العَجزِ. ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم ما أَعْجَزَ به الخصمَ عند التحدي، والهاءُ للمبالغة وعاجزٌ فلانٌُ ذهب فلم يُوْصَلْ إليه، وفلاناً سابَقَهَ فعَجزَه فسبقه، وإلى ثِقَةٍ مال إليه. وتَعَجَّزْتُ البعيرَ ركبتُ عَجُزَه. وقوله تعالى {مُعَاجِزِينَ} "أي يعاجزون الأنبياءَ وأولياءهم، يقاتلونهم ويمانعونهم ليعيدوهم إلى العجز عن أمر الله تعالى، أو معاندين مسابقين أو ظانين أنهم يعجزوننا (1) . وعرَّف الرازي في محصله المعجز بأنه "أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة. وعقَّب بمحترزات التعريفِ فقال: وإنما قلنا - والكلام للفخر الرازي - أمر: لأن المعجز قد يكون إتيانا بغير المعتاد، وقد يكون منعا من المعتاد، وإنما قلنا: إنه خارق للعادة: ليتميز به المدعى عن غيره، وإنما قلنا إنه مقرون بالتحدي لئلا يتخذ الكاذب مُعْجِزَ مَنْ

_ (1) باب الزاى فصل العين جـ2 صـ187، صـ188 من القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادى الطبعة الثانية، مصطفى البابى الحلبى.

مضى حجة لنفسه، وليتميز عن الإرهاص والكرامات. وإنما قلنا: إنه مع عدم المعارضة، ليتميز عن السحر والشعبذة (1) . والمعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، سالم عن المعارضة وهى: إما حسية، وإما عقلية (2) . والمعجز بهذا المعنى يدخل فيه من وجوه الإعجاز ما اتُّفِقَ عليها وما اخْتُلِفَ فيها ويخرج عنه ما قاله أبو الحسن الأشعري على النحو الذي سيأتي إن شاء الله بيانه عند تقسيم الوجوه. ولقد أجمع عامة الباحثين من علماء العربية والتشريع والفلسفة والفرق المختلفة، أن القرآن معجز، فما معنى أنه معجز؟ للجواب عن معنى الإعجاز ثَمَّةَ تعريفان للإعجاز (3) :- أحدهما: هو المعتمد لدى جمهور العلماء والباحثين وهو: أن القرآن قد سما في علوه إلى شأو بعيد بحيث تعجز القدرة البشرية عن الإتيان بمثله، سواء كان هذا العلو في بلاغته أو تشريعه أو مغَيَّباته أو غير ذلك. ثانيهما: تفرد به (4) أبو إسحاق إبراهيم بن سيار بن هاني النظام (ت 231هـ) اللغوي والمعتزلي المعروف ثم تبعه في ذلك بعض الناس من فرقته

_ (1) كتاب المحصل " وهو محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والمتكلمين " لأبى عبد الله محمد بن عمر بن حسين فخر الدين الرازي (544هـ – 606 هـ) (1148 م – 1209 م) تقديم وتحقيق، دكتور / حسين أتاى مكتبة التراث 22 شارع الجمهورية – القاهرة – صـ489 الطبعة الأولى. (2) الإتقان للسيوطي صـ1001. (3) من روائع القرآن تأملات علمية وأدبية في كتاب الله عز وجل د/ محمد سعيد رمضان البوطي. مكتبة الفارابي - دمشق، صـ125بتصرف يسير. (4) مقالات الإسلاميين للأشعري جـ1، صـ296

وجماعته، فالإعجاز عنده هو: أن الله قد صرف قدرات عباده وسلب همتهم وحبس ألسنتهم عن الإتيان بمثله. وإتماما للفائدة فإنه إذا كان النظام أول من جاهر بالقول بالصرفة، إلا أن ابن الراوندي أحمد بن يحيى المتوفى سنة 245 في كتابه "فضيحة المعتزلة" الذي رد به على كتاب الجاحظ "فضيلة المعتزلة" هو أول من أثار مذهب الصرفة المشهور ونَسَبَهُ إلى أبي إسحاق إبراهيم النظام، وذلك ما أورده أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط المعتزلي في كتابه "الانتصار" الذي ينقض فيه كتاب ابن الراوندي "فضيحة المعتزلة" (1) . والتعريف الأول يجعل مصدر الإعجاز علو منزلة القرآن عن مستوى الطوق البشري. والتعريف الثاني يجعل المصدر حبس القدرات وصرف الهمم عن معارضته وتقليده، فالمنع هو المعجز وليس القرآن. وابن حزم يروي في كتابه الفصل (2) كلاما عزاه إلى الباقلاني إذ يقول عنه: "ورأيت للباقلاني في فصل من كلامه، أن الناس ليسوا بعاجزين عن مثل هذا القرآن ولا قادرين عليه، ولا هم عاجزون عن الصعود إلى السماء، ولا عن إحياء الموتى، ولا عن خلق الأجسام ولا اختراعها، ولا قادرين على ذلك. هذا نص كلامه دون تأويل منا عليه، ثم قال: إن القدرة لا تقع إلا حيث يقع العجز"

_ (1) قضية الإعجاز القرآني صـ143. (2) الفصل جـ5، صـ11.

ومن أراد الرجوع إلى الرد على هذا الكلام الذى أسماه ابن حزم بالهوس فليطالعه عند كلام ابن حزم على المعجزات. وإيراد كلام الباقلاني هنا مقصود، لبيان جملة من الأقوال التي ضربت في معنى الإعجاز بسهم، لكن الباقلانِيَّ لم ينظر إلى المعجز بقدر نظره الناسَ منطلق بدوالعجز والقدرة، ويفهم من قوله، أن الناس على جبلتهم لا يوصفون بعجز ولا قدرة، فمن أودعت فيه قدرة كان قادرا، ومن أودع فيه العجزُ صار عاجزا. ولا تُعْلم القدرة إلا حيث يبرز العجْزُ فمن عجز عن أمر فإن هذا الأمر يكون مقدورا عليه من غيره حتما، لأنه لا يوصف العاجز إلا حيث لم يتحقق منه الأمر، والأمر حتما لا يُعْلم إلا حيث يقع مقدورا من الغير. ويسوق ابن حزم (1) قولا للأشعري بأن المعجز الذي تحدى الناسَ بالمجيء بمثله هو الذي لم يزل مع الله تعالى ولم يفارقه قط ولا نزل إلينا ولا سمعناه. ويقول ابن حزم في رده على ذلك: "وهذا كلام في غاية النقصان والبطلان، إذ من المحال أن يكلف أحد أن يجيء بمثل ما لم يعرفه قط ولا سمعه، وأيضا فيلزمه ولابد بل هو نفس قوله: إذا لم يكن المعجز إلا ذلك فالمسموع المتلو عندنا ليس معجزا، بل مقدور على مثله، وهذا كفر مجرد، لا خلاف فيه لأحد، فإنه خلاف للقرآن لأن الله تعالى ألزمهم بسورة أو عشر سور منه وذلك الكلام الذي هو عند الأشعري هو المعجز ليس له سور ولا كثير، بل هو واحد فقط، هذا القول والحمد لله رب العالمين".

_ (1) الفصل جـ3، صـ15.

ويذكر الأشعري في "مقالات الإسلاميين" قولا لهشام وعباد (1) هو أنهما قالا: لا نقول إن شيئا من الأعراض يدل على الله سبحانه، ولا نقول أيضا: إن عرضا يدل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يجعلا القرآن علما للنبي صلى الله عليه وسلم، وزعما أن القرآن أعراض (2) . ومن جميع ما سبق نخلص إلى نتيجة مفادها: أن الناظر إلى القرآن ككلام يحوي أعاجيب لا تنقضي، قال بالإعجاز القرآني، وبّيَّن وجوها منه على نَحْوِ مَا سيرد إن شاء الله، ومن نظر إلى كلام الله النفسي جعله هو المعجز، وهذا حق متى علم، وهو لم يطلع عليه أحد بعد ولم يكن منه تحد إلى أحد من الخلق لأن التحدي كان حينما سمع المعرضون القرآن وقالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد افتراه، حينئذ قال لهم: فأتوا بعشر سور مثله مفتريات، وما تحداهم إلا بمثل ما سمعوا، ومن نظر إلى الناس فرأى فيهم ذا القدرة الفائقة على البيان وإجادة الكلام بنظم بليغ وقول مجيد ولم يجد منهم إقداما نحو الإتيان بمثله، بل من دفعه طيشه ونزقُه وأفنُ عقله إلى المعارضة، أتى بالسخيف مما لا يرقى إلى مستوى الإجادة المعتادة في كلام العرب، ومن رأى فيهم غلبة القرآن عليهم، قال بصرف الله لهم عن المماثلة والمحاكاة.

_ (1) هشام بن عمر والغوطي من المعتزلة ته226هـ، وصاحبه عباد بن سليمان الضمري من الطبقة السابعة من المعتزلة ت سنة 250هـ. انظر الملل والنحل للشهرستاني ط مؤسسة ناصر للثقافة ببيروت 1981م صـ31. (2) مقالات الإسلاميين جـ1 صـ296.

ومن رأى أن الأصل في الناس التفاوت قال إنهم ليسوا بعاجزين ولا قادرين، وهذا يصح فيما كان بينهم، ولكن فيما يكون من عند الله، فهم العاجزون والله تعالى على كل شيء قدير، ومن غالى استعظم أن يكون القرآن - وهو في زعمه عرض - دالاًّ على الله أو على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهب أنه ينزه اللهَ أو يجعلُ رسولَه صلى الله عليه وسلم بهذا النحو، إلا أنه يخالف واقع التحدي الدائم، والعجز المطَّرِد من كل من خاطبهم القرآن بالتحدي (1) . ويقول الرافعي (2) "إن القرآن معجز بالمعنى الذي يفهم من لفظ الإعجاز على إطلاقه حين يُنْفَى الإمكان بالعجز عن غير الممكن". وحين انتقى إمكان العرب بعجزهم عن الإتيان بمثله بل عجز كل الإنس ومعهم الجن عن ذلك، حينئذ تفهم معنى إعجاز القرآن الكريم على إطلاقه. ولا يقال: عجز فلان إلا بعد سبق، فالعرب كان لهم السبق، لم تعجزهم أمة في الإعراب والبيان، ولما نزل القرآن سبقهم. وهذا شأن الخلق دائما فإنه ليس لأحد منهم أن ينفرد بوصف ذاتي أبدا، والعرب أسبق الأمم وأبينهم فيما يعربون فلابد أن لا يكون لهم هذا التفرد، لأنه لا يتوحد بوصف إلا الواحد تعالى، فكان القرآن المقدم وصار اللسان الأقوم والأبين من العرب في الدرجة الثانية، وبعد أن كانوا في الصدارة صاروا في عربيتهم وبيانهم في تاليها. وحق للقرآن أن يكون عربيا ما دامت العربية في درجة اللغات هي الأولى، ومع هذا تبوأ القرآن المنزلة الأولى من هذه اللغة العظمى.

_ (1) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحياً أو حاه الله إليّ فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة". (2) تاريخ آداب العرب جـ2صـ156 الناشر دار الكتاب العربي بيروت - لبنان، الطبعة الرابعة 1394هـ، 1974م.

وفي النكت في إعجاز القرآن لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني (296هـ - 386هـ) اعتراض افترضه الشيخ ورد عليه " إذ يقول (1) : "فإن قال قائل: فلم اعتمدتم على الاحتجاج بعجز العرب دون المولدين وهو عندكم معجز للجميع، مع أنه يوجد للمولدين من الكلام البليغ شيء كثير؟. قيل: لأن العرب كانت تقيم الأوزان والإعراب بالطباع، وليس في المولدين من يقيم الإعراب بالطباع كما يقيم الأوزان، والعرب على البلاغة أقدر لما بَيَّنَّا (2) من فطنتهم لما لا يَفْطن له المولدون من إقامة الإعراب بالطباع، فإذا عجزوا عن ذلك فالمولدون عنه أعجز". والجرجاني في رسالته الشافية (3) يفضي بباب من التلبيس يدور في أنفس قوم من الأشقياء يستهوون به وعي الغِرِّ الغَبِي بذكره، وهو قولهم: قد جرت العادة بأن يبقى في الزمان من يفوت أهله حتى يسلموا له، وحتى لا يطمع أحد في مداناته، وحتى يقع الإجماع فيه أنه الفرد الذي لا ينازع، ثم يذكرون امرأ القيس وربما ذكروا الجاحظ. وهم يريدون بذلك أن القرآن معجز لا لأنه كلام الله، بل لمزية كانت للنبي صلى الله عليه وسلم في كلامه دون غيره من أرباب الفصاحة فاق بها الفصحاء والبلغاء.

_ (1) ذخائر العرب 16 ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والحطابي وعبد القادر الجرجاني حققها وعلق عليها محمد خلف الله أحمد ودكتور محمد زغلول سلام ط دار المعارف الطبعة الرابعة صـ 113. (2) المرجع السابق صـ111 حيث تكلم على نقض العادة كوجه من وجوه الإعجاز. (3) الرسالة الشافية للجرجاني ثلاث رسائل في الإعجاز صـ 128، 129.

ولكن الجرجاني ذكر شرطاً للمزية والتفرد وهو أن المزية الناقضة للعادة يبلغ الأمر فيها إلى حيث يبهر ويقهر، حتى تنقطع الأطماع عن المعارضة، وتخرس الألسن عن دعوى المداناة، وحتى لا تحدِّثَ نفس ُُ صاحبها بأن يَتَحَدَّى، ولا يَجُول في خلَدٍ أن الإتيان بمثلها يمكن، وحتى يكون يَأْسُهُم منه وإحساسهم بالعجز عنه في بعضه مثل ذلك في كله. ثم يقول الجرجاني نافيا أن يكون لأحد كائنا من كان كلُّ هذا: "وليت شعري من هذا الذي سَلَّم لهم أنه كان في وقت من الأوقات من بلغ أمرُه في المزية وفى العلو على أهل زمانه هذا المبلغَ وانتهى إلى هذا الحد". ثم ساق القصة الشهيرة بين امرئ القيس وعلقمةَ الفحلِ والتي كان فيها الحكم بين الشاعرين أُمَّ جندب امْرأةَ امرئ القيس والتي فضلت علقمةَ في الشعر على زوجها. وأردف الرجل برهانا بعد آخر إبطالا لهذا القول، ومن براهينه أن للشعراء طبقات، وبَيّنَ أنهم في كل طبقة منها أكفاء نظراء. ولم ينفرد واحد بمزية تخصه، فسقطت بذلك مقولة المزية. هل العجز هو الإفحام؟ يقول الشيخ محمد عبده (1) "يقول واهم إن الإعجاز حجة على من عَجَزَ فإن العجز هي حجةُ الإفحام وإلزامُ الخصم، وقد يلتزم الخصم ببعض المسَلَّمَات عنده فَيُفْحَم ويعجز عن الجواب فتلزمه الحجة، ولكن ليس ذلك بملزم لغيره، فمن الممكن أن لا يُسَلِّم غيرُه بما سلمه، فلا يُفْحِمُه الدليلُ، بل يجد إلى إبطاله أقرب سبيل"

_ (1) رسالة التوحيد للإمام محمد عبده صـ127 – دار إحياء العلوم بيروت طـ/1396هـ / 1976م.

ويرد الشيخ بقوله: "وهو وهم بما قدمنا من البيان إذ لا يوجد من المشابهة بين إعجاز القرآن وإفحام الدليل، إلا أنه يوجد عن كل منهما وجه عجز، وشتَّان بين العجْزَين، وبُعْد ما بين وِجْهتَي الاستدلال فيهما، فإن إعجاز القرآن برهن على أمر واقعي، وهو تقاصر البشرية دون مكانته من البلاغة ". وأضيفُ: إنه إذا كان الإفحام يتصور إبطاله من أحد غير العاجز أو من نفسه هو في وقت لاحق، فهل أبطل الإعجاز على مَدِّ زمن التحدي من القرآن للثقلين أي أحد. وبعد إيراد كل هذا في مضمار بيان المعجزة والإعجاز نخلص إلى أن المعجز هو: أمر خارق للعادة مقرونا بالتحدي يظهره الله على يد مدعي النبوة تصديقا لدعواه. وإذا كان باب الدخول إلى صلب الموضوع قد أخذ من علمائنا هذه العناية بإحكام الشروع والبيان عند إرادة التفاصيل، فإن هذا ينم عن غاية تغياها هؤلاء، وهى سد أبواب التنطع في وجه كل لئيم دائر النظر، بحثا عن مطعن يقدح من خلاله في أجَلِّ كلام عرفَتْه البشرية وهو كلام الله تعالى. لقد أدام علماؤنا افتراضاتِ الرافضين لكون القرآن كلامَ الله، فأداروا في رءوسهم كل رد لتخرس الألسنة عن تقليب ما جال في الخواطر الفاسدة الناشئة من رداءة أصل التوجه، وما أفاد العلماء من مثل هذا إلا شرفَ عنايتهم وغايتِهم من هذا، فالقرآن قد استبقى لنفسه دفُوُعاً شتى، يواجِهُ بها في كل جيل ما جلَّ من خطبه وخطره في سبيل النيل من القرآن ودرجته العليا.

الفصل الأول العناية بوجوه الإعجاز

الفصل الأول العناية بوجوه الإعجاز مدخل ... الفصل الأول: العناية بوجوه الإعجاز يستلزم بيان وجوه الإعجاز جلاءَ الأساس الذي بني عليه وجودُ الكلام في الإعجاز، فإن القرآن في جملته معجزة على وجه الحقيقة، ولا يمكن لأحد أبدا مهما أوتى من علم أن يذكر السبب الذي أعجز أفذاذ العرب عن أن يأتوا بمثله، فإنه قد امتد إلى نفوسهم، فانطبع في نفس أحدهم منه حلاوة، وفى نفس الآخر خوف، مع عدم إيمانهم به، بل كانوا يسترقون سماعه خُفْيَةً، وما حمَلَهم عداؤهم على أن يجابهوا هذا الذي أخزاهم وأقعدهم دون منازلهم وسفه أحلامهم. لا يمكن لأحد أبدا أن يكون قد اطَّلَع على أحوال قلوبهم حين استمعوا القرآن، ثم تكشَّف له أن الوجه الذي أعجزهم كيت وكيت، أو أن الله صرفهم عن ذلك، بل تقوم الأدلة على أنهم ما تركوا المعارضة إلا عجزا من عند أنفسهم، وذلك لأن القرآن قد نقض عادتهم في الكلام والإعراب والبيان ووجدوا فيه عُلُوَّماَ لَمْ يعُهْدَ، ومن أنكر الإعجاز ما أضر بغير نفسه، وظل القرآن يرمى إلى كل جيل إعجازا بعد إعجاز. ولذلك ينقسم هذا الفصل إلى مبحثين:- الأول: الدوافع التي أدت إلى التصنيف في الإعجاز. الثاني: يبين ما يتوقف عليه القول بوجه من الإعجاز.

المبحث الأول: دواعي بيان الإعجاز

المبحث الأول: دواعي بيان الإعجاز اتخذ مظهر الولاء لهذا الدين والدفاع عن كتابه صورتين: دَفْع بالسنان ودفاع باللسان. فمن ادعى النبوة كمسيلمة لاقى في حروب الردة ما لاقى، ومن اعتلاه شيطانه واعترته وساوسه وطعن في القرآن، أصابه ما أصاب سلفه، أو أرغمت الحجة أنفه. وفى صدر الإسلام كان الطبع العربي لم يزل على سلامة سليقته في الإعراب، إذ لم يكن بحاجة إلى وسائل يُتَفَهَّمُ بها القرآن الكريم، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يدركون معانيَ الألفاظ وما وراءها بفطرتهم العربية الأصيلة، فإذا أشكل عليهم شيء من وراء ذلك سألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم كانت رقعة حياتهم ضيقة لا تزخر أو تتزاحم فيها التقاليد والأفكار والمشكلات الطارئة فكانت معارفهم في أذهانهم، وكان مرجعهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كبار الصحابة مِنْ بَعْدِه، فلم يكن عندهم شيء مما أطلق عليه فيما بعد اسمُ "علوم القرآن" (1) . ومع أن العرب بصحة عربيتهم قد أدركوا إعجاز القرآن في نفوسهم سواء منهم من آمن ومن لم يؤمن إلا أن مادة " ع، ج،ز" لم ترد بهذا المعنى، بل اشتهرت لدى المسلمين ألفاظ أخرى كالآية والبرهان والسلطان (2) . مع هذا لم يَخْلُ القرن الأول من تعبيرات مفادها أن للقرآن من غلبة اللسان وسلطان البيان ما ليس لغيره من سائر الكلام.

_ (1) من روائع القرآن صـ66. (2) فكرة إعحاز القرآن صـ8.

وخرج المسلمون على غيرهم بنور الإيمان فاتحين فانفتحوا هم في المقابل على ما كانت لدى الأمم من علوم، فسيِطرت الفلسفة على عقول بعض الناس، وربما اتجه المتفلسفون إلى الفكرة لا لأصالتها أو صِلتِها بالحق ولكن لغرابتها، لا رغبة في تحقيق الحق وإبطال الباطل، ولكن للترف العقلي، لا يفرقون بين أمر يتصل بالإيمان وأمر لا صلة له بالإيمان. ومن جملة ما اطلع عليه بعض المتفلسفين من المسلمين أقوالُ البراهمة في كتابهم " الفَيْدَا" (1) وهو يشتمل على مجموعة أشعار ليس في كلام الناس ما يماثلها في زعمهم. ويقول جمهور علمائهم: إن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثلها، لأن "براهما" صرفهم عن أن يأتوا بمثلها. وحكى الإمام محمد أبو زهرة ما أورده أبو الريحان البيروني (2) في كتابه "ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ما نصه". "إن خاصتهم يقولون إن في مقدورهم أن يأتوا بأمثالها، ولكنهم ممنوعون من ذلك احتراما لها" وعقب الشيخ أبو زهرة بقوله: ولم يبين البيروني وجه المنع أهو منع تكليفي يسبقه الإيمان بهذه الكتب، وتكون دلائل وجوب الإيمان من نواح أخرى، أم هو منع تكويني بمعنى أن براهما صرفهم بمقتضى التكوين من أن يأتوا بمثلها. أي أنه جعل خَلْقَهُمْ وتَكوينهم على نحوٍ لا يستطيعون معه الإتيان بمثلها. ورجح الشيخ الوجه الأخير بناء على أنه المتفِق مع قَوْلِ جمهور علمائهم، وما اشتهر من أن القول بالصرفة نبع في واديهم.

_ (1) المعجزة الكبرى القرآن للإمام محمد أبي زهرة ط دار الفكر العربي صـ76. (2) توفي سنة 430.

ودخلت الأفكار الهندية في عهد المنصور أبى جعفر (1) فتلقفها المحبون لكل وافد من الفكر ركونا إلى الاستغراب في أقوالهم فدفعتهم الفلسفة إلى اعتناق ذلك القول، وطبقوه على القرآن وإن كان لا ينطبق. فقال قائلهم: إن العرب إذ عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن ما كان عجزهم لأمر ذاتي من ألفاظه ومعانيه ونسجه ونظمه، بل كان لأن الله صرفهم عن أن يأتوا بمثله (2) . ولم يُسَمِّ الشيخُ أحدا ممن قال بهذه المقولَةِ قبلَ النظام ولكنه أبرز مَرْمَى رَوَاجِ هذه الفكرة وجعل مؤداها إلى أمرين (3) : أولهما: أن القرآن ليس في درجة تمنع محاكاته، وليس الإعجاز من صفاته الذاتية. ثانيهما: الحكم على القرآن بأنه ككلام الناس. لكن الرافعيَّ في كتابه "تاريخ آداب العرب" (4) يقول: "كان أول ما ظهر من الكلام في القرآن، مقالة تُعْزَى إلى رجل يهودي يُسَمى لبيد بن الأعصم فكان يقول: إن التوراة مخلوقةٌ فالقرآن كذلك، ثم أخذها عنه طالوتُ ابن أخته وأشاعها، فقال بها بنان بن سمعان الذي تنسب إليه البنانية، وتلقاها عنه الجَعْدُ بن درهم" مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية " وكان زنديقا فاحش الرأي واللسان. وهو أول من صرح بالإنكار على القرآن والرد عليه وجحد أشياءَ مما فيه، وأضاف إلى القول بخلقه أن فصاحتَه

_ (1) ثاني الخلفاء العباسيين توفي سنة 156. (2) المعجزة الكبرى القرآن لأبي زهرة صـ76. (3) المرجع السابق صـ76، 77. (4) تاريخ آداب العرب للرافعي جـ2 صـ143.

غيرُ معجزة، وأن الناس يقدرون على مثلها وعلى أحسن منها. ولم يقل بذلك أحد قبله، ولا فشت المقالة بخلق القرآن إلا مِنْ بعده. وإذا كان الجعد بن درهم أولَ من صرح بالقول بخلق القرآن وبأنه غير معجز، فإن أول من جَهَرَ بالقول بالصرفة من المتكلمين المعتزلة، أبو إسحاق إبراهيم بن سيار بن هاني النظام (ت424هـ) . خلط كلام الفلاسفة بكلام المعتزلة وانفرد أصحابه بمسائل: منها قوله في إعجاز القرآن أنه من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية، ومن جهة صرف الدواعي عن المعارضة، ومَنْع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا، حتى لو خلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما (1) . وهذان هما الدافعان اللذان أثارا حفائظ المؤمنين غيرة على الحق، أما أبان ابن سمعان والجعد بن درهم فقد قتلهما خالد بن عبد الله القسرى المتوفى سنة 126هـ رحمه الله وجزاه خيرا. وأما النظَّام فإن تلميذه الجاحظ لم ينتظم في سلك طائفته بل خرج عليه راميا نحوه بسهام ما أصاب من علم وآداب عربية، فمع اعتزاله لم يقف من الحق موقف المتخاذل فآثر حرمة الحق على حرمة الشيخ، فكان أول من دفع القول بالصرفة بالإعجاز الذاتي للقرآن الكريم. لم يوافق التلميذُ أستاذَه، وإذا كان النظام قد اشتهر بالبيان وسرعة الجواب ولسن القول فقد اشتهر الجاحظ "ت 255 هـ" بأنه ذواق الكلام وَصَيْرَ فِيُّ البيان. فإن خَالَفَ من يتسرع في الخبر ويبني عليه، فهي مخالفة الخبير العارف بتصريف القول وأفانين التعبير والتفكير.

_ (1) موسوعة الملل والنحل للشهرستاني صـ24، 25 بالطبعة الأولى سنة 1981م الناشر مؤسسة ناصر للثقافة - تاريخ آداب العرب للرافعي جـ2 صـ144.

ولم يكن رد الجاحظ على شيخه ردَّ المجادل، ولكنه كان بالعمل، فقد كان أول من كتب في إعجاز القرآن من الناحية البيانية ليكون الردُّ على الصرفة ببيان الإعجاز الذاتي (1) . وفى كتاب "المعتزلة" يقول مؤلفه زهدي حسن جاد الله "وقد رد الخياط على هذا القول الذي كان ابن الراوندي أول من نسبه إلى النظام وقال إن النظامَ كان يقر بإعجاز القرآن نظما وإخبارا (2) . ومن كل ما سبق يمكن القول إن الصرفة لم تكن مذهبا يعتقده أحد من المسلمين مع شهرة وذيوع نسبتها إلى النظام الذي شهد له صاحب الانتصار بأنه كان يقر بإعجاز القرآن نظما وإخباراً، وما كان القول بالصرفة ونسبتها إلى أحد المسلمين ليكون لولا ضغائنُ الكائدين وأحقادهم للإسلام ولكتابه. وهَبْنَا نجد في بطون الكتب ردودا على مثل هذا القول إلا أن هذه الردود وحدها لا تُثْبِت صحةَ نسبةِ الصرفة إلى قائلها، لأن دافعا كالغيرة على القرآن لا يترك مستجمعا لأدلة الاستيثاق من صحة صدور هذا القول عن صاحبه قبل المواجهة دون أن تبعثه على الرد بأقصى ما يمكن من السرعة على ما يمس الإسلام في أصل تشريعه وهو القرآن. ولم يَخْلُ زمننا هذا مَعَ تباعُدِ ما بينه وبين عصر بزوغ فكرة الصرفة من أن ينبري مَنِ اطلع عليها بالرفض، والنقض لها، والرد عليها، ونقدها مما يسمح

_ (1) المعجزة الكبرى لأبي زهرة صـ78. (2) المعتزلة لزهدي حق جاد الله صـ29 - نقلاً عن الانتصار صـ27، 28 - منشورات النادي العربي في يافاط القاهرة 1366 - 1947م مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية.

بالقول: إنه قد يكون اتهام النظام مبنيا في أصله على ما أشيع عنه بالقول بها، وقد يكون منها براء. ولا خلاف في أن إثم القول بالصرفة - على اعتبارها طعنا في ذاتية الإعجاز القرآني - يقع على أول قائل بها سواء كان هو النظام أو من نسبها إلى النظام، بل على البادئ وزر من قال بها بعده، إذا كان قوله مؤسَّساً على مشايَعَةِ أول قائل بها، والارتضاءِ بها وجها للإعجاز. ولكن متى اتخذ الكلام في الإعجاز الصورة العلمية المنظمة؟ في أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث بدأ الكلام في الإعجاز بصورة علمية منظمة ففي هذا العصر ظهرت أكثرُ النظريات الرئيسية في الإعجاز، صادرة عن المتفلسفين والمعتزلة والمتكلمين، وكثر الكلام في الدين والنبوة وبُحِثَ الإعجاز على أنه فرع لهما. وشاهَدَتْ هذه الحِقْبَةُ ظهورَ منكرِي الإعجاز كابن الراوندي أبي الحسين أحمد بن يحيي "ت 293 وقيل: 301 وقيل: 350" (1) الذي بسط لسانه في مناقضة الشريعة وإنكاره إعجاز القرآن في كتابه "الفريد" وقيل: إنه عارض القرآن في كتاب سماه "التاج" (2) ومن كتبه "الزمردة" و "قضيب الذهب"، و"المرجان"، و"البصيرة".

_ (1) الحاشية بهامش تاريخ آداب العرب جـ2 صـ180. (2) تاريخ آداب العرب المرجع السابق صـ182.

وانبرى كثيرون للرد عليه (1) في لاحق الزمن، ومع أن المعرى أبا العلاء (449هـ) قد تولى الرد عليه، إلا أنه لم يسلم هو من الاتهام بمعارضة القرآن في كتابه المسمى "الفصول والغايات في مجاراة السور والآيات" على أن المعريَّ قد أثبت الإعجاز للقرآن فيما أنكر من رسالته على ابن الراوندي (2) بل الناظر في الفصول لا يجد فيه شيئا من هذا. وكما لم يسلم المعري لم يسلم من قَبْلِهِ الجاحظُ فهو وإن كان رأيهُ في الإعجاز كرأي أهل العربية (3) فقد سرد في كتابه "الحيوان" طائفة من أنواع العجز إلا أنه لم يسلم من القول بالصرفة فرد أنواع العجز في العلة إلى أن الله صرف أوهام الناس عنها ورفع ذلك القصد من صدورهم، ثم عد منها: "ما رَفَعَ من أوهام العرب وصرف نفوسهم عن المعارضة لقرآنه بعد أن تحداهم الرسول صلى الله عليه وسلم بنظمه (4) . وظهر أول كتاب في الكلام لمؤلفه علي بن ربن الطبري في خلافة المتوكل (232 - 247 هـ) فظهرت مسألة الأسلوب مبكرة في إعجاز القرآن ظهوراً واضحا في كتابه " الدين والدولة " الذي يرى فيه أن الوجه المعجز في القرآن هو هدفه الإصلاحي، وتحقيقه هذا الهدف، وأوامره ونواهيه، وإخباره عن الجنة والنار، وأسلوبه الطلي الرائع برغم أمية النبي محمد صلى الله عليه وسلم (5) .

_ (1) تاريخ آداب العرب المرجع السابق صـ183. (2) تاريخ آداب العرب المرجع السابق صـ136. (3) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي جـ2 صـ1004. (4) تاريخ آداب العرب للرافعي صـ147 بتصرف. (5) فكرة إعجاز القرآن للأستاذ نعيم الحمصي صـ57 طـ2 مؤسسة الرسالة وذكر المؤلف في صـ7 لهذا الطبري كتاب "الأسلوب والبلاغة" وأن هذا الكتاب لم ترد فيه مادة عجز.

بيد أن أول كتاب وضع لشرح الإعجاز وبسط القول فيه على طريقتهم في التأليف إنما هو كتاب "إعجاز القرآن" لأبى عبد الله محمد بن يزيد الواسطي المتوفى سنة 306 وهو كتاب شرحه عبد القادر الجرجاني شرحا كبيرا سماه المعتضد وشرحا آخر أصغر منه (1) . ويرجح الرافعي كون الواسطي بنى على ما ابتدأه الجاحظ كما بنى عبد القادر في (دلائل الإعجاز) على الواسطي. ثم وضع المعتزلي أبو الحسن على بن عيسى الرماني (2) . المتوفى سنة 386 كتابه " النكت في إعجاز القرآن " فرفع بذلك درجة ثالثة. وجاء القاضي أبو بكر الباقلاني المتوفى سنة 403 هـ فوضع كتابه "إعجاز القرآن" الذي أجمع المتأخرون من بعده على أنه باب في الإعجاز على حدة (3) والغريب أنه لم يذكر فيه كتاب الواسطي ولا كتاب الرماني، ولا كتاب الخطابي الذي كان يعاصره، وأو ما إلى كتاب الجاحظ بكلمتين لا خير فيهما (4) . والخطابي الأديب اللغوي المحدث أبو سيلمان حمد بن محمد بن إبراهيم البستى، ولد في رجب 319 هـ وتوفي في 388هـ ألف كتابه بيان "إعجاز القرآن" فأفاد فيه وأجاد. وكما لم يذكره الباقلاني لم يذكر هو كذلك من سبقه ولا من عاصره (5) .

_ (1) تاريخ آداب العرب جـ2 صـ152 الرافعي. (2) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن صـ10. (3) من يطالع الكتاب يجده خير شاهد على صحة هذا الإجماع على ما أجمع. (4) تاريخ آداب العرب جـ2 صـ152. (5) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن صـ8،9.

ومن هذا الذي سبق نجد أن العقول قد يخصبها التضاد، فلولا ما نجم من فكر أعور جرى على ألسنة أصحابه قول بعضهم بالصرفة، وقولُ البعض الآخر بنفي الإعجاز عن القرآن، لما هَمَتْ على أرض القلوب المؤمنةِ بواعثُ التوجه نحو الإعجاز وبيانِهِ، وحجاج النافين له. لذلك أسفرت هذه المعركة عن أمرين هما مظهران للعناية بوجوه إعجاز القرآن الكريم: أولهما - أن هذه الكتب التي ألفت لم تدع الإعجاز الذاتي ولا قسيمه دون أن تأخذ من كلٍ بطرف. فحين يعرض بعضها للصرفة كوجه يراه البعض، نرى وابلا من الحُجَج الدامغة ينصب فوق الفكرة والقائلين بها ممن لم يعتبرها وجه إعجاز. ثانيهما - أن هذه الكتب كانت فاتحةً لعلوم البلاغة، ليتسنى لمن لم يكن في عصر القرائح العربية الأصيلة أن ينظر من خلال معارفه البلاغية إلى وجه الإعجاز الذاتي للقرآن الكريم، وهو ما أظل الحِقَبَ المتعاقبةَ على الأمة.

المبحث الثاني: أسس استنباط وجوه الإعجاز وقواعده

المبحث الثاني: أسس استنباط وجوه الإعجاز وقواعده عَّرف علماء الكلام المعجزةَ بأنها "أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم من المعارضة" وناقشوا مدلولها كثيرا، وتعالجوا شروطها طويلا، لكن نكتفي بما ذكره القرطبي المفسر في كتابه "الجامع لأحكام القرآن" (1) من شروطِ لا يصح من دونها الحادث أن يسمى معجزةً وهى: - 1- هذا الحادث ينبغي أن يكون مما لا يستطيعه إلا الله. 2- أن يخرج على قوانين الطبيعة. 3- ينبغي أن ينبئ عنه الحكيم قبل أن يقع بأن كذا وكذا سيحصل. 4- ويجب أن يكون الحادث الواقع موافقا لما قال مِنْ قبل. 5- وألا يكون في استطاعة أحد أن يجري مثل هذا الأمر. هذه هي شروط المعجزة، ولننظر ماذا كان منها متحققا عندما تلقى العرب القرآن عند أول نزوله. ذلك أنهم دهشوا بما غالبهم عليه القرآن من البيان، وعجزوا مع تحديه لهم مع آياته أو سوره الأولى أن يأتوا بمثله. عجزوا، ولم يستطع أحد أبداً استبانة أسباب عجزهم مع براعتهم البيانية وقدرتهم الفائقة على الإعراب والبيان المتوارث في الطباع. لم يقدر أحد على معارضة القرآن، وكانت المجالدة بآلات الحرب أهونَ عليهم من مجادلة القرآن. فلما عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشبهه على كثرة الخطباء والبلغاء نادى عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن لهم فقال {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ

_ (1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ1صـ69-71.

بِمِثْلِهِ} وعاندوا واستهزأوا فقالوا سحر، وقالوا: شعر، وقالوا: أساطير الأولين، وما كل هذا إلا من التحير، شأن كل عجيب خارق للعادة. حتى قال الوليد بن المغيرة: حين قال له أبو جهل: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتعرض لما قِبَلَه - لما عنده من مال - قال الوليد: قد علمت قريش أنى أكثرهم مالا، قال: فقل قولا يبلغ قومك أنك كاره له، قال وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر منى، ولا برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، قال: (أي أبو جهل) لن يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: دعني حتى أفكر. فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره (أي ينقله عن غيره) (1) . وعجز العرب ولم يتبين أحد وجه عجزهم، ولكنهم عجزوا، وراح كل أحد يضرب في آفاق الفهوم عله يلتقط تعليلا لهذا الإعجاز المحيط بالقرآن، ولو كان معجزة حسية لاستراحت النفوس بما تدركه بإحدى الحواس، ولكنه معجزة لا تشاهد بغير البصيرة، فما كان للأبصار فصورته واحدة في وقت واحد، وما كان للبصائر فإن تصوراته تنتظم منه صورا عديدة تكثر بكثرة المهتمين بوجوه الإعجاز، فكل وجه عند صاحبه مقبولٌ، لأنه ما قال إلا ما رأى، ولكن هل يؤخذ بقوله أو لا؟ هذا ما سيشار إليه قريبا إن شاء الله. وكان لا بد من أساس أَوْجِهَةٍ ينظر من خلالها منفذاً تُرَى منه ملاحة وجوه الإعجاز، وخاض الناس في ذلك كثيرا. فبين مسيء ومحسن. على النحو التالي: -

_ (1) مستدرك الحاكم: التفسير - تفسير سورة المدثر 2/506.

1- عجز البعض عن إدراك الإعجاز في القرآن الدال على الكلام القديم لله تعالى، فزعموا أن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات (1) والصواب ما قاله الجمهور: أنه وقع بالدال على القديم وهو الألفاظ. 2- ثم زعم النظام - كما قيل عنه - أن إعجازه بالصرفة، أي أن الله صرف العرب عن معارضته، وسلب عقولهم، وكان مقدوراً لهم، لكن عاقهم أمر خارجي، فصار كسائر المعجزات (2) . قلت: أي كسائر المعجزات الحسية، بأن العرب منعوا مما اعتادوا وسنضرب صفحا عن مناقشة هذا القول إلى حينه. ولكن ما الأساس الذي بنى عليه هذا القول النظامي غير ما قيل من أنه اكتسبه من المقولة الهندية السابق ذكرها؟ يقول أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (ت-471هـ) في "رسالته الشافية في إعجاز القرآن" اعلم أن الذي يقع في الظن من حديث القول بالصرفة أن يكون الذي ابتدأ القول بها ابتدأه على توهم (أن التحدي كان إلى أن يُعَبِّرَ عن أنفس معاني القرآن بمثل لفظه ونظمه، دون أن يكون قد أُطْلِق لهم وخُيروا في المعاني كلِّها) ، ذاك لأن في القول بها على غير هذا الوجه أمورا شنيعة، يبعد أن يرتكبها العاقل ويدخل فيها. ذاك أنه يلزم عليه - أي على القول بالصرفة على غير الوجه الذي ذكره الجرجاني - أن يكون العرب قد تراجعت حالها في البلاغة والبيان، وأنهم قد اعتراهم العجز وخذلتهم القُوى، فإنهم إن قيل بتحول شأنهم من القدرة إلى الضعف لم نُقِمْ عليهم حجة، بل استحال عليهم أن يعلموا أن لنظم القرآن

_ (1) الفصل جـ3 صـ15، الإتقان جـ2 صـ1005. (2) الإتقان صـ1005، بيان إعجاز القرآن صـ22 ثلاث رسائل في إعجاز القرآن.

فَضْلاً على كلامهم الذي يسمع منهم، وعلى النظم الظاهر الباقي لهم - ذاك أن عذر القائل بالصرفة أن كلامهم قبل أن تحدوا قد كان مثل نظم القرآن، وموازيا له وفى مبلغه من الفصاحة وإذا كان الأمر كذلك وقد صرفوا فإنه لا يتصور أن يحاولوا، وإذ لم يحاولوا لم يحسوا بالعجز. بل يلزم أن ينسحب حكم القائلين بنقص العرب في بلاغتهم وبيانهم على بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم وبيانه، وأن تكون النبوة قد أوجبت أن يُمْنَع شطرا من بيانه وإلا كان صلى الله عليه وسلم قد تلا عليهم آية الإسراء (1) في حال هو يستطيع فيها أن يجيء بمثل القرآن الكريم. اللهم إلا أن يقولوا: إنه كان صلى الله عليه وسلم في الأصل دونهم في الفصاحة وأن الفضل والمزية للعرب كانتا لبلغائهم دونه ولم يَشُك أحد بل تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب (2) ". ثم قال الجرجاني بأنه على القول بالصرفة يكون مرجع إلا كبار والعجب إلى المنع الذي فيه الآية والبرهان لا إلى الممنوع منه وهو القرآن. وحسب الجرجاني فضلا أن لا يقبل الصرفة وجها للإعجاز، ولكن كونه بنى أساسَ وقوع القول بالصرفة على ظن أفضى به إلى فرض لم يكن، فإن العرب علموا أن لنظم القرآن فضلاً على كلامهم الذي يسمع منهم، ومعلوم أنه قد حاول بعضهم، ولكن باء بالخيبة والخذلان، وظلت المحاولات في القرون التالية كما قيل عن ابن الراوندي وعبد الله ابن المقفع والمعري وغيرهم.

_ (1) قل لئن اجتمعت …… الآية، الإسراء آية 88. (2) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن – الرسالة الشافية صـ126 إلى صـ148 بتصرف.

وما مَنْعُهُمْ عن مماثلة القرآن بمانع لهم من كلامهم الخاصِّ البليغ، ولا من عِلْمِ فضل القرآن على كلامهم، فليس على هذا الأساس - يقينا بنى القول بالصرفة، فإن النفوس لا يعلم محتواها إلا الله. 3- والذاهبون إلى أن إعجازه من جهة البلاغة في القول الذي اختص به القرآن وهم الأكثر من علماء النظر، يعلل منهم الخطابي هذا الوجه بقوله "وقد استقرينا أوصافه (1) الخارجة عنه، وأسبابه الثابتة منه، فلم نجد شيئا منها يثبت على النظر، أو يستقيم في القياس ويطرد في المعايير، فوجب أن يكون ذلك المعنى مطلوبا من ذاته، ومستقصى من جهة نفسه، فدل النظرُ وشاهدُ العبرِ على أن السببَ له والعلةَ فيه أن أجناسَ الكلام مختلفة، ومراتبها في نسبة التبيان متفاوتة، ودرجاتها في البلاغة متباينة غير متساوية، فمنها: 1- البليغ الرصين الجزل. 2- ومنها الفصيح الغريب السهل. 3- ومنها الجائز الطلق الرسل. وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود دون النوع الهجين المذموم، الذي لا يوجد في القرآن شيء منه البتة.

_ (1) (لعذوبة الكلام في حس السامع والهشاشة في نفسه، وما يتحلى به من الرونق والبهجة التي يباين بها سائر الكلام حتى يكون له هذا الصنيع في القلوب والتأثير في النفوس فتصطلح من أجله الألسن على أنه كلام لا يشبهه كلام وتحصر الأقوالُ عن معارضته وتنقطع به الأطماع عنها، أمر لا بد له من سبب، بوجوده يجب له هذا الحكم، وبحصوله يستحق هذا الوصف) . ثلاث رسائل في الإعجاز بيان إعجاز القرآن للخطابي صـ 25، 26.

فالقسم الأول أعلى الكلام وأرفَعُه، والقسم الثاني: أوسطه وأقصده، والقسم الثالث أدناه وأقربه. فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع من أنواعه شعبة، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين. لأن العذوبة، نتاج السهولة، والجزالةَ والمتانة في الكلام تعالجان نوعا من الوعورة. فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل واحد منهما على الآخر فضيلة خص بها القرآن " (1) ثم يضيف الخطابي بعد ذلك بقليل مقوماتِ الكلام أو أركانَه بقوله: وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى قائم به ورباط لهما ناظم، فالقرآن ألفاظه أفصح وأجزل وأعذب الألفاظ، ومعانيه تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها، والترقي إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها، ولا ترى نظما أحسنَ تأليفا وأشدَّ تلاؤما وتشاكلا من نظمه. ولا تجتمع هذه الفضائلُ الثلاثةُ في كلام واحد، بل على التفرق في أنواع الكلام، وجَمَعَهَا كلام واحد هو كلام الله (2) . والسيوطي في إتقانه (3) يروي قولا للأصبهاني في تفسيره نصه "وبيان كون النظم معجزا يتوقف على بيان نظم الكلام ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه فنقول: مراتب تأليف الكلام خمس:

_ (1) بيان إعجاز القرآن للخطابي ثلاث رسائل في إعجاز القرآن صـ26. (2) المرجع السابق صـ27 بتصرف. (3) الإتقان صـ1010.

الأولى: ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض لتُحصل الكلمات الثلاث: الاسم، والفعل، والحرف. والثانية: تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض لتحصيل الجمل المفيدة. وهو النوع الذي يتداوله الناس جميعا في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم. ويقال له المنثور من الكلام. الثالثة: ضم بعض ذلك إلى بعض ضما له مَبَادٍ ومقاطعُ، ومداخلُ ومخارجُ ويقال له: المنظوم الرابعة: أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع ويقال له المسجع. الخامسة: أن يجعل له مع ذلك وزن ويقال له الشعر. والمنظوم: إما محاورة ويقال له الخطابة وإما مكاتبة ويقال له الرسالة. فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام ولكلٍ مِنْ ذلك نظمٌ مخصوص والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير نظم شيء منها. يدل على ذلك أنه لا يصح أن يقال له: رسالة، أو خطابة، أو شعر، أو سجع كما يصح أن يقال هو كلام". ولعل الخطابي قصد وصف الألفاظ وتعاطيها المعاني، والأصبهاني قسم الكلام وأنواعه، والاثنان لا يغنى أحدهما عن الآخر. والسكاكي في مفتاح العلوم يرى أن إعجاز القرآن يدرك، ولا يمكن وصفه، ولا يدرك تحصيله لغير ذوى الفطرة السليمة إلا بإتقان علمي المعاني والبيان والتمرين فيهما (1) .

_ (1) الإتقان صـ1011، ومفتاح العلوم صـ512، 513.

وعجائب القرآن في نظمه هي التي بعثت على التصنيف في علوم البلاغة بعد أن ذاق أصحاب الفطر السليمة جملا من حلاوة هذا الكتاب فقعدوا لعلوم نظم الكلام قوَاعِدَهُ، يضاف إليها كلَّ حين ما يُفَصِّلُ مجملها حتى صارت البلاغة بعلومها الثلاثة علما قائما بذاته على نحو ليس هذا مجال ذكره (1) . هذا من حيث ما يتعلق باللفظ ومعناه القريب الدائر مع كل قارئ متدبر للقرآن الكريم. وفيه جميع آياتِ القرآن على سواء. أما من حيث المعنى المستحدَث فهو الخاص بآياتَ معينة تمس وصفا لظاهرة علمية كدلائل على قدرة الله تعالى، أو تحتمل وصفا لظاهرة كونية. ومثال الأولى: ما جاء في القرآن من آيات التقاء البحرين دون أن يبغي أحدهما على الآخر، وخروج اللؤلؤ والمرجان منهما، فهذا المعنى يدور في فهم كل قارئ للقرآن منذ نزوله وحتى قيام الساعة، وحين يقول الله في شأن البحرين ومن كلٍ تأكلون لحما طريا فإنه يقع عليها فهمان، فهم قريب: وهو أن الله يُظْهر مِنَّته على عباده إذ جعل لهم لحما طريا من البحرين، والفهم الأعمق: هو أن اللحم من المالح ليس ما لحابل اللحمان مع اختلاف بيئتهما بينهما وصف جامع هو عدم الملوحة فيهما. ومثال الثانية: الآيات التي نقل معناها القريب بالتأويل إلى تفسيرات للظواهر الكونية مُوافِقة للنظريات العلمية التي درج الأخذ بها في تفسير هذه الظواهر.

_ (1) في قضية الإعجاز القرآني وأثرها في تدوين البلاغة العربية د/ عبد العزيز عبد المعطى عرفة طبعة دار الكتب ط1 - 1405هـ 1985م ذكر المؤلف أن خفاء المشبه به في قوله تعالى " طلعها كأنه رءوس الشياطين" الصافات 65، كان سببا في تأليف كتاب مجاز القرآن لأبى عبيدة.

والنوع الأخير يتوقف الأخذ به على تفهم النظريات خارج ألفاظ القرآن ثم يعمد أصحاب هذا الشأن إلى البحث في آيات القرآن عما يتفق وهذه النظريات من القرآن. ومن هذا النوع حَمْلُ بعضِ الآيات على نبوءات قرآنية دون أن تصرح هذه الآيات بإخبار بغيب ماض أو مستقبل، ومبنى هذين النوعين التأويل المحتمل لبعض الآيات. أما الإخبار عن الغيبيات مما انطوت عليه دون غيره الألفاظ فهذا يعد في حكم المعنى القريب للألفاظ. وراح آخرون يبحثون علاقات الآيات والسور، حتى وجدوا تناسبا يجعل القرآن ذا وحدة موضوعية، والبعض قصد إلى اللفظ من حيث كونه لفظا مكررا كالذي بنيت عليه وجوه الإعجاز العددي للقرآن الكريم. سواء كان اللفظ مقابِلاً لآخر أو كان عدد الألفاظ مضاعفات لرقم معين. أو كان العدد لألفاظ آية أو جزء آية مقابِلاً لألفاظ آية أخرى أو جزئها أو الجزء الثاني للآية ذاتها. هذا مجمل عناية المسلمين بوجوه الإعجاز من حيث ابتناء عنايتهم على الأسس التي سبقت الإشارة إليها مدفوعين إلى رعاية حق القرآن عليهم بالذود عن حماه من طغاة الفكر وغلاة المتعالمين الحمقى. وسيأتي بيان مظاهِرَ من هذه العناية على نحو آخر في الصفحات التالية، والله تعالى هو الملهم للصواب وهو ولي التوفيق.

الفصل الثاني مظاهر العناية بوجوه الإعجاز

الفصل الثاني مظاهر العناية بوجوه الإعجاز مدخل ... الفصل الثاني مظاهر العناية بوجوه الإعجاز قد سبقت الإشارة إلى السبب الذي اقتضى توجه العلماء نحو البحث في وجوه إعجاز القرآن الكريم، وما كان اهتمامهم إلا بمنزلة الرد على هذه الآراء السخيفة التي تطعن في القرآن، فالقول بالصرفة لولاه لكان لنا اليوم كتب ممتعة في بلاغة القرآن وإعجازه اللغوي وما إلى ذلك (1) فوق ما هي عليه الآن، ولكنها إن كانت قد أوهنت في هذا عَزْماً فإنها أشعلت عزائم، سواء في الرد عليها، أو في بيان وجوه الإعجاز القرآني، وكان المخرج منها مدخلا لعلوم كثيرة من القرآن الكريم أهمها البلاغة، وما اكتفى، المسلمون بذلك بل كلما امتد الزمن برزت على سنيه ناطقاتُُ بوجوه إعجازٍ ما قِيلَتْ من قبل. فكانت وجوه ذاتية، وأخرى علمية، بل من مظاهر عناية المسلمين من تعد مؤلفا تهم تأريخا لهذا الإعجاز. لذا كانت مباحث هذا الفصل متناولة الرد على الوجوه المختلف فيها، ثم بيان وجوه الإعجاز الذاتي للقرآن وذلك على نحو كالآتي:-

_ (1) تاريخ آداب العرب جـ2 صـ146، إعجاز القرآن للرافعي.

المبحث الأول الصرفة والرد على القائلين بها

المبحث الأول: الصرفة والرد على القائلين بها وجوه الإعجاز تختلف في قبولها اختلافا يقتضي تقسيمها إلى وجوه مختلف فيها، ووجوه مجمع عليها: ووجوه مشروط قبولها. وبيان الثالث في الفصل الرابع إن شاء الله. والصرفة منذ قال بها أو جاهر بإعلانها النظام المعتزلي كما نسبت إليه، يصوبه في القول بها قوم ويعارضه آخرون، ويرى البعض لها وجها غير ما قاله النظام من أنها صرف الله للعرب عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها. وممن شايعه في القول بالصرفة لكن على معنى آخر الشريف المرتضى من الشيعة (1) (436هـ‍) الذي قال عنه الرافعي: إنه قال في معنى الصرفة "إن الله سلبهم العلوم التي يحتاج إليها في المعارضة ليجيئوا بمثل القرآن فكأنه يقول إنهم بلغاء يقدرون على مثل النظم والأساليب ولا يستطيعون ما وراء ذلك مما لبسته ألفاظ القرآن من معاني، إذ لم يكونوا أهل علم ولا كان العلم في زمنهم "ورد الرافعي بقوله: "وهذا رأي بَيِّنُ الخلط". نعم إنه خلط، إذ محاولة فهمه تصرفه عن معنى الصرفة التي سيق هو لبيانها. وممن ذكر الصرفة الأصبهانيُّ في تفسيره (2) لكن ذكره على سبيل الحكاية ولذلك اشترَط الاعتبار بقوله: إذا اعتبر. وابن حزم الأندلسي (456هـ) الظاهري أحد القائلين بالصرفة في كتابه الفصل (3) مفسرا إياها بقوله: "لم يقل أحد من أهل الإسلام إن كلام غير الله

_ (1) تاريخ آداب العرب جـ2 صـ144، إعجاز القرآن للرافعي، وفكرة الإعجاز صـ69. (2) الإتقان صـ1009، صـ1010. (3) الفصل جـ3 صـ19.

تعالى معجز لكن لما قاله الله تعالى وجعله كلاما له أصاره معجزا، ومَنَع مِنْ مماثلته، وهذا برهانُُ كافٍ لا يحتاج إلى غيره والحمد لله" وعقب الرافعي (1) بقوله: "بل هو فوق الكفاية وأكثر من أن يكون كافيا، لأنه لما قاله ابن حزم وجعله رَأيَاً لَهُ أصاره كافيا لا يحتاج إلى غيره.! وهل يراد من إثبات الإعجاز للقرآن إلا إثبات أنه كلام الله تعالى". والخطابي بعد أن عد الصرفة مذهبَ قومٍ قال (2) : "وليس ينظر في المعجزة إلى عظم حجم ما يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم ولا إلى فخامة منظره، وإنما تعتبر صحتها بأن تكون أمراً خارجاً عن مجارى العادات ناقضا لها، فمهما كانت بهذا الوصف كانت آية دالة على صدق من جاء بها. وهذا أيضا وجه قريب. - أي القول بالصرفة - إلا أن دلالة الآية تشهد بخلافه، وهى قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} (الإسراء: 88) فأشار في ذلك إلى أمرٍ طريقُه التكلف والاجتهاد وسبيله التأهب والاحتشاد. والمعنى في الصرفة التي وصفوها لا يلائم هذه الصفة، فدل على أن المراد غيرها، والله أعلم" وترى الخطابي قد قرب وجه الصرفة بدءاً ثم أقصاه انتهاء، ثم انتهى إلى أن الوصف الذي حملوه على الصرفة لا يلائم الوصف الوارد في الآية من أنهم إن اجتمعوا واحتشدوا لا يأتون بمثله، لا إن افترقوا فدل على أن المراد من الآية غير ما ذهب إليه القائلون بالصرفة.

_ (1) تاريخ آداب العرب جـ2 صـ146. (2) ثلاث رسائل في الإعجاز صـ22،23.

وعد العز بن عبد السلام الصرفة وجهين من وجوه الإعجاز (1) فأوردها على معنيين، أولهما: صرفهم عن القدرة على معارضته، وثانيهما: صرفهم عن معارضته مع قدرتهم عليها وحرصهم على إبطاله. وأبو الحسن على بن عيسى الرماني (296- 386هـ) قال في كتابه النكت: بعد سوق الصرفة كأحد وجوه الإعجاز: وهذا عندنا أحد وجوه الإعجاز التي يظهر منها للعقول "وهو أن الصرف عن المعارضة خارج عن العادة كخروج سائر المعجزات التي دلت على النبوة". والقول بالصرفة يفسده ويدحضه قول الله تعالى " {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ} " (الإسراء: 88) . ولا يجْهِزُ على وجهيه معا قوله تعالى حكاية عن أهل الفصاحة العربية أنهم قالوا: " {قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} " (الأنفال: 31) . فإنه دل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة لم يبق لهم فائدة لاجتماعهم، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى (2) والإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزا بلا اتصاف بإعجاز؟. وإذا كانوا قد صرفوا أول زمان التحدي فهل يدوم هذا مع القرآن لدوام التحدي أو كان عند نزوله؟، إن كان الأول، فقد أقدم البعض على قبول التحدي ولم تقم لكلامه قائمة إلا من حيث يذكر في الخاسرين المغلوبين، وإن كان زمان النزول فهو الآن خلو من الإعجاز، ومن الذي أتى بشيء من مثله فيما بعد العصر الأول؟ لا أحد، والإجماع على عجز المعارضة له يشهد بأنه معجزة باقية.

_ (1) الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة صـ271. (2) الإتقان صـ1006.

ويقول القاضي أبو بكر الباقلاني (1) : "لو كان الإعجاز بالصرفة لكان المعجز المنع لا القرآن فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه" والرافعي يقول (2) "وعلى الجملة فإن القول بالصرفة لا يختلف عن قول العرب فيه " {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} (المدثر: 24) وهذا زَعْم ُُ ردَّه الله على أهله وأكذبهم فيه وجعل القولَ به ضَرْباً من العمى {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} (الطور: 15) فاعتبر ذلك بعضه ببعضه فهو كالشيء الواحد". ويقول الجرجاني (3) : "إن من حق المنع إذا جُعِلَ آية وبرهانا ولا سيما للنبوة أن يكون في أظهر الأمور وأكثرها وجوداً وأسهلها على الناس وأخلقها بأن تَبِيَن لكل رَاءٍ وسامع أن قد كان مُنِع، لا أن يكون المنع من خفي لا يُعْرَف إلا بالنظر وإلا ببعد الفكر ومن هذا شيء لم يوجد قط، ولم يعهد، وإنما نظن ظنا أنه يجوز أن يكون وأنَّ له مدخلا في الإمكان إذا اجتهد المجتهد. ولو كانوا قد تغيرت حالهم وتبدل عِيُّهُم بالبلاغة والبيان لعلموا ذلك من أنفسهم، ولقابلوا التحدي بقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم كيف نُمْنَع ثم يكون التحدي على حالنا". ولم يملك أحد معرفة كيف عجزوا، لكنهم عجزوا، وما عجزهم إلا عن ضعفهم عن بلوغ رتبة القرآن، وأين في كلامهم ما يؤيد ويؤكد أنهم كانوا في بلاغتهم على درجة تمنكهم من معارضة القرآن والإتيان بمثله قبل أن يصرفوا؟

_ (1) إعجاز القرآن للباقلاني صـ47 والإتقان للسيوطي صـ1006. (2) تاريخ آداب العرب جـ2 صـ146. (3) الرسالة الشافية ثلاث رسائل في الإعجاز صـ153،154.

المبحث الثاني بيان جملة وجوه الإعجاز الذاتي للقرآن

المبحث الثاني: بيان جملة وجوه الإعجاز الذاتي للقرآن من الممكن وضع وجوه الإعجاز تحت تقسيم يرجع في أصله إلى معطيات المعاني من الألفاظ. فإن الألفاظ - من حيث كونها حاملة للمعاني على الوصف الذي سبق ذكره آنفا - يطرد فيها الإعجازُ في جميع آيات القرآن الكريم بما تحمله من خصائصَ بيانيةٍ، وهذه النظرة اللغوية تنتظم القرآن في قطعة قطعة منه وفي سورة سورة، وفيما بين السور وبعض، وفى القرآن كله جملة (1) . والإعجاز اللغوي هو الذي وقع من جهته التحدي بالقرآن جملة وتفصيلاً أما من حيث الإعجاز العلمي - أي ما يعطيه من علوم - فهذا العطاء يتوقف على سلامة الفهوم، واستنارة الحلوم، وهذا ما يجعله مصلحا لكل زمان ومكان. ومن حيث إعجازه الإصلاحي التهذيبي الاجتماعي فهو ينسق بين طبائع البشر بما لا يجعل لقويها طغيانا على ضعيفها، إذ يخاطب في كل حال بمقتضاه خطابا يستوثق به الوصول إلى المخاطبين في كل حين وحال. والإعجاز الذاتي هو الذي يستبق الفهمُ الصريح إلى نظمه، أما ما عدا ذلك فلا يطرد في جميع القرآن. فإخباره بالغيبيات ماضيها ومستقبلها، تنطق به آيات دون آيات، ووجوه الإعجاز العلمي سواء ما كان منها طبيا أو كونيا كظواهِرَ لها من النظريات تفسير تَبْرُز به معان مستجدة للقرآن الكريم يكون في آيات منه دون آيات، أما من حيث الإعجاز العددي فهو بلا شك يدخل في إطار

_ (1) النبأ العظيم صـ107.

الإعجاز الذاتي لأن الألفاظ من أول نزول القرآن إلى آخر يوم يُقرأ فيه هذا القرآن لم ولن يمسها نقص أو زيادة، مع أنه إعجاز غير مطرد في كل الآيات ولذلك تنقسم أوجه الإعجاز إلى ثوابت ومتغيرات، وهذه الثوابت تنقسم إلى: ثوابتَ مطردةٍ عامةٍ في كل الآيات والسور، وثوابتَ ينقدح وجودها في آيات دون آيات. أما المتغيرات فهي كل ما يمس أصلا من أصول النظريات العلمية التي تقحمت على الإنسان مداخل فكره، فراح يصوب منها بعضَها بما يُلْهَم به من فكر فيستوضح بها معنى لآية أو آيات. فالنص القرآني في نفسه من حيث هو كلام عربي، له وجه يتعلق به وهو اللغوي البياني، أو ما يسمى بالنظم، ووجه يتعلق بمفهوم النص القرآني ولو تأويلا من كل ما يستنبط منه أصول أو مفاتيح للعلوم ويقصد بالمؤول ما يؤول إليه فهم النص بعد استدراكه من خارج القرآن الكريم وثبت أنه من الحقائق العلمية التي لا تنقض. وهناك وجه يتعلق بالنص من حيث المبالغة في معناه لإيجاد التوافُقِ أو التوفيق بينه وبين سائر النظريات التفسيرية لبعض الظواهر في هذا الكون الفسيح، واختط الثلاثة سبيلا واحدا هو إقامة البرهان على أن هذا الكلام لم يقله بشر وإنما هو من عند الله. والنوعان الأخيران برز أولهما أولَ ما بَرَزَ أولُ الثلاثة وامتد معه على سبيل واحدة، حتى رافقهما في الآونة الأخيرة النوع الثالث، ليعلن الثلاثة بقاء قيام التحدي مع البرهان لكل الخلق على صدق كلام الخالق حتى تقوم الساعة، وأنه ما ينبغي لبشر أن يقوله، ولعل هذا مفاد قوله تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت: 53)

وتتلخص الخصائص التي تبرهن على أن القرآن من عند الله في أمور ثلاثة. (1) أولاً: إعجاز القرآن. ثانياً: نبوءات القرآن. ثالثاً: القرآن والكشوف الحديثة. وهذا التقسيم يوافق قول ابن القيم " وقد عدد العلماء وجوها من الإعجاز غير ما ذكرناه الأَوْلَى أن تعد من خصائصه. (2) وعلى هذا يترجح أن تكون الثوابت التي هي من لوازم النص القرآني في كل آياته وفى كل عصر، هي المعتبرة في وجه الإعجاز، وما عدا ذلك يعد من خصائص القرآن الكريم. فمن حيث نبوءات القرآن لا نجد غير القرآن الكريم ما تحققت نبوءاته حرفا حرفا، والنبوءات لا شك تبدأ من القرآن أولا، لا من الواقع ثم يصدق الواقع النبوءات فيما بعد، فمثلا في قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} " (القمر 45) هذه نبوءة قبل وجود الجمع حتى قال بعضهم متعجبا: أي جمع هذا، ثم تحقق الوعد للمسلمين والوعيد للكافرين - واستبان للمتعجب أي جمع قصد إليه القرآن يوم وعدهم بالنصر، وكل الآيات التي أطلق عليها أنها آيات علمية والتي أبانت عن مضمونها اكتشافات علمية أو ظواهر كونية، إنما برز المعنى في خارج القرآن ثم استفيد من الخارج المعنى الذي أضفى منه على هذه الآيات، ولذلك يقول الله تعالى" {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} " ولذا لا تدخل هذه الآيات في إطار الإعجاز وإن دخلت في جملة البراهين على أن القرآن من عند الله.

_ (1) الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان طـ دار البحوث العلمية صـ123،127، 138. (2) الفوائد المشوق إلى علم القرآن وعلم البيان لابن القيم صـ255.

الفصل الثالث العناية ببيان وتمييز وجوه الإعجاز

الفصل الثالث العناية ببيان وتمييز وجوه الإعجاز المبحث الأول: ما يعتبر من وجوه للإعجاز ويعول عليه يؤلف تناول وجوه الإعجاز عبر القرون الإسلامية تكاملا مباشرا وغير مباشر في منظومة الدراسات القرآنية. ولذلك يكثر التشابه بين محتويات المؤلفات في هذا الخصوص خلا بعض ما يفارق منها المعهود بامتداد جديد إلى آفاق أرحب. والمحصلة الأخيرة هي القصد المشترك بين الجميع إلى إخراج جملة من سرائر القرآن تقيم برهان صدق دعوى النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أنه أوحى إليه هذا القرآن والخطابي يؤكد تعذر معرفة وجه الإعجاز في القرآن، وأن ذلك الأمر - الإعجاز - أبين من احتياجه إلى دليل أكثر من الوجود القائم المستمر على وجه الدهر. من لدن نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم وإلى ما شاء الله. يقول سليمان الخطابي (1) : "قد أكثر الناس الكلام في هذا الباب قديما وحديثا، وذهبوا فيه كل مذاهب من القول، وما وجدناهم بَعْدُ صدرُوا عن رِي، وذلك لتعذر معرفة وجه الإعجاز في القرآن ومعرفة الأمر في الوقوف على كيفيته.

_ (1) بيان إعجاز القرآن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن صـ21.

فأما أن يكون قد بقيت في النفوس بقية بكونه معجزا للخلق ممتنعا عليهم الإتيان بمثله على حال (1) فلا موضع لها. "والذي عليه الجمهور والحذاق وهو الصحيح في نفسه أن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالى فصاحة ألفاظه. {فإن فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} (هود: 14) فوجه إعجازه أن الله أحاط بالكلام كله علما، فأي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى كانت كما وردت في القرآن الكريم. فلو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسنُ منها لم يوجد ونحن تَبَيَّنَ لنا البراعةُ في أكثره، ويخفى علينا وجهُها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة وميز الكلام (2) ". ولقد كثر الأخذ والرد في الوقوف على وجه إعجازي محدد للقرآن في ذاته ككلام، وما استقر لأحد مَقَاماً حتى أقام فيه آخرُ اعتراضا أحاله دون مُقَامِه، وما استرد هذا لنفسه قولا حتى محاه ذاك الآخر، فصار البحث عن وجه الإعجاز هو بذاته وَجْهَ الإعجاز، إذ الحيرة في الثبات على حقيقة أمر، برهان العجز عن الوصول إلى هذه الحقيقة، فانكشف لذي العلوم الكونية بيان القدرة في إحكام النواميس الكونية والقوانين التي تسير وفقها الأغراض الخَلْقِيَّة، فأخذ المسلمون، العلماءُ منهم بهذه المجالات - وجها لشبه الرؤية بمعنى آيات قرآنية استراحت له نفوسهم، واستهدت له قلوبهم، وراق رواؤه لظمأ اشتباه المعاني عليهم، فعرضوا ما اقتبسوه من نظرة العلماء في الكون على

_ (1) أي على وجه إعجاز معين. (2) المحرر الوجيز لابن عطية جـ1 صـ52.

محتملات الألفاظ في آيات قرآنية، فنازعهم منه توافق بين المعنى القرآني والعلمِ الحديث، سواء كان على نحوٍ مطيع ذلول، أو نحوه مُكْرَهٍ مسوق بالافتعال. والناظر في كتب الإعجاز العلمي للقرآن لن يجد غير التكرار، اللهم إلا ما اشتمل عليه بعضها مما وقف عليه مؤلفوها من فائدة جديدة علموا بها فاستأثر ببدء إبدائها صاحبها فأفاد منها خَلَفه. والآيات القرآنية التي تحوى جُمَلاً من الاحتمالات المعنوية لألفاظها هي التي تُوسِعُ المضمار للسائرين القادرين على اقتناص التوافق العلمي مع المعنى القرآني لبعض الآيات، أما ما كان محدَّد الفهم، محكم المعنى، فهي الآيات التي لا يخرج تفسيرها عن الحقائق العلمية، لذا كانت تلك الآيات منطلقا لفهم الحقائق الكونية على نحو ما وصف الحكيم الخبير في كلامه، ومن جملة ذلك قوله تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} (النور: 45) .وقوله تعالى: {ولِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (الشورى: 49،50) فالله أنزل القرآن بعلمه الذي علم عن خلقه، قدير لا يأتي أحد بغير ما وصف، ولن يزيد أحد على ما خلق الله قسما خامسا فوق هذه القسمة لصور الهبة الإلهية، والآية الأولى كالثانية فيها تحد بالقدرة الإلهية، فالله خلق الدواب من ماء ولكن الإنسان يصنع الدواب - كوسائل المواصلات وغيرها الآن - من غير الماء، فهل من البشر من يقدر على الخلق من الماء؟ أو أن يخص كل دابة بماء؟.

المبحث الثاني وجه أو وجوه الإعجاز

المبحث الثاني: وجه أو وجوه الإعجاز؟ لكي نتمكن من تمام المطابقة بين مفهوم الإعجاز ووجوه تحسب من الإعجاز، لابد من استصحاب شرائط المعجزة مع تعريفها المُتَصَوَّر في الذهن، إذ قد مرت بنا كثرة من توزيعات الرؤية حول أمر قد يكون واحدا، والحال أن كل شيء في الدنيا تكثر صوره بكثرة الرائين، فلكل واحد زاوية خاصة ينظر من خلالها، حتى يبدو للجميع توحد وتوافق فيما لم يقم برهان واحد على التماثل التام بين وجهين من الوجوه. واختلاف وجهات الرؤية أوحت باستقصاء الآراء في وجوه الإعجاز حتى قيل: إن بعضهم أنهى وجوه إعجاز القرآن الكريم إلى ثمانين وجها (1) ولا مناص من تبين حقيقتين للمتكلم في إعجاز القرآن، وأن يفصل بينهما فصلا ظاهرا لا يلتبس، وأن يميز أوضح التمييز بين الوجوه المشتركة التي تكون بينهما، وهاتان الحقيقتان العظيمتان هما: أولهما: أن "إعجاز القرآن" كما يدل عليه لفظه وتاريخه، وهو دليل النبي صلى الله عليه وسلم على صدق نبوته، وعلى أنه رسول من الله يوحى إليه هذا القرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف "إعجاز القرآن" من الوجه الذي عرفه منه سائر من آمن به من قومه العرب، وأن التحدي الذي تضمنته آيات التحدي إنما هو تحد بلفظ القرآن ونظمه وبيانه لا بشيء خارج عن ذلك. ثانيهما: أن إثبات دليل النبوة، وتصديق دليل الوحي، وأن القرآن تنزيل من عند الله كما نزلت التوراة والإنجيل والزبور وغيرهما من كتب الله سبحانه لا يكون منها شيء يدل على أن القرآن معجز.

_ (1) معترك الأقران للسيوطي صـ5 جـ1.

والخلط بين هاتين الحقيقتين، وإهمال الفصل بينهما في التطبيق والنظر، وفي دراسة "إعجاز القرآن" قد أفضى إلى تخليط شديد في الدراسة قديما وحديثا (1) . والقرآن كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجما، وكان الذي نزل عليه أول أمر الوحي قليلا، فكان هذا القليل من التنزيل هو برهانه على نبوته، وهذا القليل دليلا على أن تاليه عليهم، وهو بشر مثلهم، نبي من عند الله مرسل. فإذا صح هذا، وهو صحيح لا ريب فيه، ثبت أن الآيات القليلة من القرآن ثم الآيات الكثيرة، ثم القرآن كله، أي ذلك كان في تلاوته على سامعه من العرب، الدليل الذي يطالبه بأن يقطع بأن هذا الكلام مفارق لجنس كلام البشر وذلك من وجه واحد، هو وجه البيان والنظم (2) وإذا كان الأمر على هذا النحو فإن سائر ما يورده المتقدمون والمتأخرون من وجوه الإعجاز لا ينسحب عليه في الحقيقة اعتباره وجها من وجوه الإعجاز، إذ التمحيص والبحث والإنعام في التوافق بين الإعجاز في معناه المجرد وبين الوجه المسوق لهذا الإعجاز يستجلى انفصام العلاقة بينهما على نحو ما. وبعض هذه الوجوه تكمن في حيازته وتضمنه الكثيرُ من الآيات التي تحمل أسرارا يعجز عن سبر أغوارها عصر أو عصور متتالية، وفرق بين العجز عن إدارك محتواه وبين الإتيان بمثله ولو كان المأتى به مفترى.

_ (1) الظاهرة القرآنية مالك بن بني فصل في إعجاز القرآن كتقديم للكتاب بقلم الأستاذ محمود محمد شاكر صـ17،18. (2) الظاهرة القرآنية صـ21.

والمعجزة خرق العادة، ولم يخرق القرآن عادة عربية في غير نظمه وبيانه ولم يقل أحد إن كشفَ خفاءِ دقائقِ العادة خرقُُ لها، إذ بُدُو الموجود وبروزه إلى العيان لا يعنى خرقا لعادة. والأنبياء لهم من خرق العادات ما يؤيد صدق دعواهم للنبوة والرسالة، وليس ما يبدو من آثار لقدرة الله في الكون معجزةً قرآنية، إذ لو كانت لامتد منها برهان عند اللحظات الأولى لنزول الوحي لتقوم في وجه الكافرين برهانا على أن القرآن من عند الله. أما وأنه قد تأخرت رؤية التطابق بين آي الكون وآي القرآن فلا يمكن القول بأن مثل هذا كان وجها باديا للعرب عند تحديهم. والآيات البارزة في الكون دليل على أن للكون إلهاً، وذلك هو المقصود الأوحد والأول من الدعوة إلى النظر في السموات والأرض. ويقول الزملكاني برجوع وجه الإعجاز إلى التأليف الخاص بالقرآن لا مطلق التأليف، بأن اعتدلت مفرداته تركيبا وزنة، وعلت مركباته معنى، بأن يوقع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى (1) . ويؤكد الخطابي (2) تعذر معرفة وجه الإعجاز في القرآن، ولكنه يقول (3) : "قلت في إعجاز القرآن وجها آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم، وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس". وبهذا يتبين أنه قد يلوح للبعض ما أثر في نفسه واستقر من جملة عطاء القرآن ما يحسبه وجها للإعجاز، ولابد من التمييز بين الوجه والتوجيه في دراسة الإعجاز لدرك الصواب.

_ (1) البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن طـ1394هـ، 1984م صـ54. (2) بيان إعجاز القرآن صـ21. (3) بيان إعجاز القرآن صـ70.

والدكتور البوطي يقول في كتابه من روائع القرآن (1) : "إذا رأيت من إذا تلا القرآن تأثر به قائلا: إن هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن بشر فاعلم أنه متفاعل مع هذا الوجه الأخير - يريد به مظهر جلال الربوبية - ولا يتجلى الإعجاز إلا لقلب لم تخنقه أغشية الكبر والعناد". ولا يمكن حمل العادة التي يتخلف معهودها على كونها من الناظر، بل هي في المنظور، فمن استظهر أمرا لا يكون هو محل المعجزة، نعم قد يكون منه غير ما اعتيد، لكن الشيء الذي استبان فيه الوجه الجديد لم يتحول عما كان عليه قبل ظهور ما خفي منه من قبل، اللهم إلا إذا انفرد هذا الناظر بهذا البيان وحده دون غيره، فإنه يكون قد أتى بما يعجز عنه غيره، وحينئذ تتعلق المعجزة بشخصه مباشرة. والخصائص التي يهتدي من خلالها إلى أن القرآن كلام الله تعالى كما أوردها وحيد الدين خان في كتابه "الإسلام يتحدى" تمكننا من الزحزحة ولو قليلا نحو اعتبارات تؤكد عدم قصر وجوه الإعجاز في النظم والبيان، شريطة أن يكون المنطلق في كل وجه يحتسب للإعجاز منطلقا قرآنيا بحتا، بحيث لا نضفي من خارج النص ما يسمح بالربط بين ما هو خارج النص من ظواهر كونية وكشوف علمية حديثة وبين إشارات وتلميحات قرآنية، فمثل هذا لا يعدو أن يكون توجيها لا وجها للإعجاز. وهذه الخصائص - وقد سبق ذكرها - وهي: إعجاز القرآن، ونبوءاته، والقرآن والكشوف الحديثة - أي العلاقة بين القرآن والكشوف الحديثة - براهين ثابتة الدلالة على أن محمداً رسول من عند الله، ولكن بعضها لا يمكن اعتباره وجها للإعجاز.

_ (1) من روائع القرآن الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي صـ160.

فالنبوءات لا يلزم صدورها عن نبي أو كتاب منزل عليه من ربه، والشواهد على ذلك كثيرة، والكشوف الحديثة أولَ ما تبرزُ معالِمُها لا تكون في القرآن بل يكون بدء العلم بها من خارج القرآن، ثم يعالَجُ التوافق بتغيير المفهوم القرآني ليتفق مع ما تجلى من كشفيات علمية حديثة. والنبي محمد صلى الله عليه وسلم خالف في قدره السامي عند ربه جماعة الأنبياء، فكانت له المعجزة الحسية بخرق العوائد ثم عودتها إلى ما عهد منها من قبل وكانت منه نبوءات تحقق منها ما وعد به أو توعد. وكل هذا كان بعيدا عن القرآن ليسجل على الناس جميعا أن هذا النبي يحمل دلائل نبوته على نحو ما كان عليه الأنبياء من قبل وله فضل زيادة بقاء المعجزة الخالدة في القرآن الكريم. وحين يوقفنا القرآن الكريم على مشاهد آثار القدرة الإلهية في الكون يؤكد ضرورة ابتعاث رسل خاصة من نفوسنا تشاهد إعجاز القدرة الإلهية في كون الله ليتجدد الإقرار بأن "لا إله إلا الله" قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " وهو تعجيز لقدرة البشر لا لكلامهم. ولا يتصور أن يخلو كتاب سماوي من إخبار بغيوب سواء منها ما كان ماضيا، أو مستقبلا، أو حاضراً مكانيا، ومع هذا لم ينل حظَّ الإعجاز كتابُُ غير القرآن الكريم. ولابد من الإبقاء على الوجه الأول الذي وُوجِه بِه العربُ عند تحديهم، فما كان لهم في أول الأمر من علم بما صارت عليه بوارق المعاني المستوحاة من خارج النص القرآني كنص عربي. لكل هذا كان الكلام بما يحمل من خصائص اللغة العربية هو مبعث رؤية الإعجاز عند العرب جميعا.

ومن العجيب أن لكل عصر لغة تَسِمُهُ بخَواصِّ التعبير عن مكنونات النفوس، ولذلك يبدو جَلِياًّ كثير من وجوه افتراق الكلام على امتداد الزمن، وإن كان هذا الاختلاف في لغة واحدة. وإذا نَظَرْتَ في كتب مختلفةٍ أزمانُ تصنيفها تَفَتَّقَ لك وضوحُ فوارِق عدة، تميز عصرا عن عصر، وكَلاَمَاً عن كلام، والقرآن وحده لم تغيره السنون، واختلاف الفنون، لكن الإدراك أو الذوق هو الذي يختلف في كل حين عن سابقه. ولابد من معرفة أمور تُحَدَّدُ على أساسها صحة كون الوجه إعجازاً قرآنيا وهذه الأمور. (1) الأول: أن قليل القرآن وكثيرة في شأن الإعجاز سواء. الثاني: أن الإعجاز، كائن في وصف القرآن وبيانه ونظمه، ومباينة خصائصه للمعهود من خصائص كل نظم وبيان في لغة العرب. ثم في سائر لغات البشر، ثم في بيان الثَّقَلَيْنِ جميعا، إنسهم وجنهم متظاهرين، والله عز وجل لم يقصر التعجيز عن الإتيان بمثل القرآن على الإنس والجن لأن الملائكة تقدر على الإتيان بمثله، ولكن لأن الرسالة كانت إلى الإنس والجن، فوقع التحدي للفريقين، حتى إذا عجزُوا كان عجزُهم دلالةً على أن النبي صلى الله عليه وسلم عاجز مثلهم فيظهر بذلك أنه لم يأت بالقرآن من عند نفسه، وإنما أتى به من عند الله "فأما الملائكة فلم يتحدوا عن ذلك لأن الرسالة إذا لم تكن إليهم لم يكن القرآن حجة عليهم، فنبئوا أكانوا قادرين على مثله أو عاجزين؟ وهم

_ (1) الظاهرة القرآنية صـ24، 25.

عندنا عاجزون (1) وليس الإتيان بمثل القرآن من قلب المدائن، والإتيان بالتابوت في شىء، لأن قلب المدينة وحمل التابوت العظيم كالذي يوصف من تابوت بنى إسرائيل لقصور قواهم عنه - قوى بنى إسرائيل - فإذا زادت قوة الملك على قوة الآدمي أضعافاً مضاعفة زاد علمه أيضا لذلك. وأما نظم القرآن فإنه ليس من جنس نظم كلام الناس، ولكنه مباين لهذا فلا يُهْتَدى إليه فَيُحْتَذَى ويُمَثَّل، فهو كتركيبِ الجواهرِ غيرِ الأجسامِ لتصيرَ أجساما، ولا على قلب الأعيان ولا يقدرون عليه من ذلك، والملائكة لا يقدرون عليه كذلك. وفي ذلك ما أبان أن نظم القرآن ليس من عند جبريل لكنه من عند اللطيف الخبير". وأضيفُ أنه ما كان التحدي إلا مواجهة لإنكار كون القرآن من عند الله ولا يتصور أن يكون من الملائكة مثل ذلك الإنكار، وبالتالي لا يتصور مجابهتهم بالتحدي {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (البقرة: 32) . الثالث: أن الذين تحداهم بهذا القرآن قد أوتوا القدْرةَ على الفصل بين الذي هو مِنْ كلام البشر، والذي هو ليس من كلامهم. الرابع: أن الذين تحداهم به كانوا يدركون أن ما طولبوا به من الإتيان بمثله، أو بعشر سور مثله مفتريات، هو هذا الضرب من البيان الذي يجدون في أنفسهم أنه خارج من جنس بيان البشر.

_ (1) كتاب المنهاج في شعب الإيمان للحليمي جـ1 صـ319.

الخامس: أن هذا التحدي لم يُقْصَدْ به الإتيان بمثله مطابقا لمعانيه، بل أن يأتوا بما يستطيعون افتراءه واختلاقه، من كل معنى أو غرضٍ مما يعتلج في نفوس البشر. السادس: أن هذا التحدي للثقلين جميعا إنسهم وجنهم متظاهرين تحد مستمر قائم إلى يوم الدين. السابع: أن ما في القرآن من مكنون الغيب ومن دقائق التشريع ومن عجائب آيات الله في خلقه، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز، وإن كان ما فيه من ذلك كله ما يعد دليلا على أنه من عند الله، ولكنه لا يدل على أن نظمه وبيانه مباين لنظم كلام البشر وبيانهم، وأنه بهذه المباينة كلامُ رب العالمين لا كلام بشر مثلهم. أرأيت كلاما يحمل مكنون الغيب ودقائق التشريع وعجائب الآيات في الخلق يكون لأجل ما يحمل معجزا؟ نعم. إن القرآن حين يقرر الحقائق لا ينزع إلى تحويرها أحدٌ أبدا، وما كان ذلك ليكون لولا أن قائله هو العزيز الحكيم، فكل ما يصدر عن الله تعالى يلازمه دوام التصديق من الكون شاهدا على قدرة الخالق جل وعلا. لذا كان لزاما أن تطْرَحَ كل الوجوه ما عدا ما تعلق منها بذاتية القرآن كلاماً عربياً، والوجه الذاتي بلا شكٍ لا يفارق الذات أصلا، فالكلام من حيث هو كلام منبعٌ لإعجاز القرآن.

المبحث الثالث مظهر العناية بجمع وجوه الإعجاز

المبحث الثالث: مظهر العناية بجمع وجوه الإعجاز لما كان البحث متعلقا بعناية المسلمين بوجوه الإعجاز كان إيراد ما عدَّ منها ضَرُورِيَّ الذكر وإن لم يلزم قبولها كلها، ومهما يكن من شيء فإن كثيرا من العلماء أثروا الدراسات القرآنية برؤاهم الفاحصة في وجوه الإعجاز، يتفرسون في كل وجه ما تستنطق منه أمارات الفوارق الواضحة بين كلام الله وكلام البشر، أو يوجهون نحو النصوص ما يلائم احتمالها وجها يقال إنه وجهُ إعجاز. وجدير بالذكر أن ما يتعلق بالإعجاز من هذه الوجوه لا يباينُ بَيْنَ قدرةِ الله وقدرةِ الخَلْق وبين علمه تعالى وعلمهم، وبين إرادته وإرادتهم، ولكن تساق هذه الوجوه لتسجيل التباين التام بين كلام الله تعالى وبين كلام البشر، بغض النظر عما يحمله الكلام من موضوع. فالقرآن معجز من حيث إنه كلام. ومع هذا. فهؤلاء بعض الذين أماطوا اللثام عن رؤية وجوه الإعجاز حسب ما عنَّ لهم منها، وإن كان البعض قد قَصَرَهَا على النظم اعتقاداً فقد زاد عليه سردا وإيرادا. ومن جملة من عُنُوا بجمع وجوه الإعجاز وبيانها الشيخ السيوطي في "معتركه" حيث حوى مؤَلَّفه خمسةً وثلاثين وجها، هي بحق أكثر ما أحصى كتاب مما شاء الله اطِّلاَعِي عليه من مؤلفات في هذا الشأن، ولهذا آثرت الابتداء به، لاستغراقه جُلَّ ما ورد في غيره من الوجوه. ومعترك الأقران يَضُم هذه الوجوه متناولا إياها بالتحليل والتمثيل والبيان، وما يتعلق بكل منها من سائر ما عرض له المتقدمون، وهذه الوجوه هي:

1- احتواء القرآن على علوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف معدودة {… مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ……} (الأنعام 38) {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل: 89) . 2- كونه محفوظا عن الزيادة، والنقصان، ومحروسا عن التبديل والتغيير على تطاول الأزمان بخلاف سائر الكتب " قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) فلم يقدر أحد بحمد الله على التجاسر عليه. 3- حسن تأليفه، والتئام كلمه وفصاحتها، ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب، وأسلوبه الغريب مخالفا لأساليب العرب، ولم يوجد قبله ولا بعده نظيره. 4- مناسبة آياته وسوره، وارتباط بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقَةَ المعاني منتظمة المباني. وقد ألف العلامة أبو جعفر بن الزبير شيخُ أبي حيان في أسرار التناسب كتابا سماه "البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن" وألف برهان الدين البقاعي "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور". وأول من سبق إلى هذا العلم الشيخ أبو بكر النيسابوري. 5- افتتاح السور وخواتمها، وهو من أحسن الوجوه وأكملها كالتحميدات وحروف النداء والهجاء وغير ذلك. وخواتم السور مثل الفواتح في هذا الحسن، فلهذا جاءت متضمنة للمعاني البديعة مع إيذان السامع بانتهاء الكلام. 6- مشتبهات آياته، بأن ترد القصة في سور شتى وفواصِلَ مختلفة. 7- ورود مشكله حتى يوهم التعارض بين الآيات. 8- وقوع ناسخه ومنسوخه. 9- انقسامه إلى محكم ومتشابه.

10- اختلاف ألفاظه في الحروف وكيفيتها. 11- تقديم بعض ألفاظه وتأخرها في الموضع. 12- إفادة حصره واختصاصه. 13- احتواؤه على جميع لغات العرب وبلغة غيرهم من الفرس. 14- ورود بعض آياته مجملة وبعضها مبينة. 15- عموم بعض آياته وخصوص بعضها 16- الاستدلال بمنطوقه ومفهومه. 17- وجوه مخاطبته. 18- ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات. 19- إخباره بأحوال القرون السالفة. 20- روعته وهيبته. 21- أن سامعه لا يمجه. 22- تيسير الله حفظَه وتقريبَه على متحفظيه. 23- وقوع الحقائق والمجاز فيه. 24- تشبيهه واستعاراته. 25- وقوع الكناية والتعريض. 26- إيجازه وإطنابه. 27- وقوع البدائع البليغة فيه. 28- احتواؤه على الخبر والإنشاء. 29- إقسام الله تعالى في مواضع لإقامة الحجة وتأكيدها. 30- اشتماله على أنواع البراهين والأدلة. 31- ضرب الأمثال فيه. 32- ما فيه من الآيات الجامعة للخوف والرجاء. 33- ورود آيات مبهمة يحِيرُ العقل فيها.

34- احتواؤه على أسماءِ الأشياء والملائكة والكُنَى والألقاب وأسماء القبائل والبلاد والجبال والكواكب. 35- ألفاظه المشتركة. ومعلوم أن بعض هذه الوجوه قد يشترك فيها كل كلام ولكن القرآن قد نال منها الدرجة العليا التي تعزب عن طاقة البشر، وما عد السيوطي الصرفة وجها في كتابه الموسوم بمعترك الأقران في إعجاز القرآن وإن كان قد ساق من الحديث طرفا عنها في الإتقان. وبناء على ما تقدم من بيان ما يعتبر وجه إعجاز وما لا يعتبر، فإن هذه الوجوه التي أوردها السيوطي لا تدخل جميعُهاَ في مفهوم الإعجاز وإن اعتبرت من خصائص القرآن. ولتقف على ما قرره الإمام أبو يعقوب يوسف بن أبى بكر محمد على السكاكي في "مفتاح العلوم " من أن الإجماع منعقد على أن القرآن الكريم معجز، ولكن اختلف قارعو باب الاستدلال في وجه الإعجاز على النحو التالي: (1) 1- منهم من يقول: إن الله صرف بمشيئته المتَحَدَّيْنَ مع قدرتهم فيما بينهم في نفس الأمر. ويرد السكاكي هذا القول بأن التعجب على هذا القول - يلزم أن يكون من تعذر المعارضة لا من نظم القرآن. 2- ومنهم من يقول: وجه الإعجاز ورود القرآن على أسلوب مبتدأ مباين لأساليب كلام العرب في خطبهم وأشعارهم، لا سيما في مطالع السور ومقاطع الآي.

_ (1) مفتاح العلوم صـ512، 513.

ويرد السكاكي بأنه لو كان ابتداء أسلوب يستلزم تعذر الإتيان بالمثل لاستلزم ابتداء الخطبة والشعر كونه معجزا، إذا لا شبهة في أنها مُبْتَدَءَ اتٌُ تعذر الإتيان بمثلها، ولكن شيئا من ذلك لم يكن معجزا فاللازم مُنْتَفٍ. 3- ومنهم من يقول: وجه إعجاز القرآن سلامته من التناقض. ويرد بأن هذا يستلزم كون كل كلام إذا سلم من التناقض وبلغ مقدار سورة من السور أن يُعَدَّ معارضة. واللازم منتف بالإجماع. 4- ومنهم من يقول: وجه الإعجاز الاشتمالُ على الغيوب. ويرد بأن هذا القول يستلزم قصر التحدي على السور المشتملة على الغيوب دون ما سواها واللازم بالإجماع أيضا منتف. فهذه أقوال أربعة: يخمسها ما يجده أصحاب الذوق من أن وجه الإعجاز وهو أمر من جنس البلاغة والفصاحة. ولا طريق لك إلى هذا الخامس إلا طول خدمة عِلْمَي المعاني والبيان بعد فضل إلهي من هبة يهبها بحكمته من يشاء، وهى النفس المستعدة لذلك، فكل مُيَسَّر لما خلق. ثم يشير السكاكي إلى أنه لا استبعاد في إنكار هذا الوجه ممن ليس معه ما يطلع عليه. ثم يقر بما كان هو عليه مِنْ مِثْلِ ذلك الإنكارِ بقوله "فَلَكَمْ سحبنا الذيل في إنكاره، ثم ضممنا الذيل ما إِنْ ننكِرُه، فله الشكر الجزيل على ما أولى وله الحمد في الآخرة والأولى" (1) . ومن قبل يوُصِى السكاكي مخاطَبَه قائلا "وأن لا تتجاذَبْك أيدي الاحتمالات فِي وجه الإعجاز" (2) .

_ (1) مفتاح العلوم صـ513. (2) مفتاح العلوم صـ511.

وابن القيم إمام الجوزية في الفوائد المشوق إلى علم القرآن وعلم البيان (1) له سبيل يماثل به ما انتهجه السكاكي في ذكره وجوه الإعجاز والرد على ما لم يرتض منها إذ يقول: " قد تكلم العلماء في ذلك: 1- فقال قوم إعجازه من جهة إيجازه واحتواء لفظِهِ القلِيل على المعاني الكثيرة "ولكم في القصاص حياة" واعترض بأنه في السُّنَّة وكلام العرب، ما هو كذلك. 2- وقال قوم إعجازه من جهة حسن تركيبه وبديع ترتيب ألفاظه وعذوبة مساقها وجزالتها وفخامتها وفصل خطابها. 3- وقال قوم من غرابة أسلوبه العجيب، واتساقه الغريب، الذي خرج عن أعاريض النظم، وقوانين النثر، وأساجيع الخطب، وأنماط الأراجيز، وضروب السجع. وقد اعترض على هذا القول من وجوه: أ- لو كان الابتداء بالأسلوب معجزا لكان الابتداء بأسلوب الشعر معجزا. ب- الابتداء بأسلوب لا يمنع الغير من الإتيان بمثله. ت- أن ما تعاطاه مسيلمة من الحماقة في معارضة "إنا أعطيناك الكوثر - والطاحنات طحنا" هو أسلوب في غاية الفظاعة والركاكة وكان مبتدئا به ولم يُعَدَّ ذلك معجزاً بل عُدَّ سخفا وحمقا. ث- لَمَّا فاضَلْناَ بين قوله تعالى: " {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} "وقولهم "القتل أنفى للقتل" لم تكن المفاضلة بسبب الوزن، وإنما تعلق الإعجاز بما ظهرت به الفضيلة. ج- إن وصف القرآن بأن له لحلاوة وأن عليه لطلاوة لا يليق بالأسلوب.

_ (1) الفوائد المشوق صـ246-255 بتصرف.

4- وقال قوم إعجازه بمجموع هذه الوجوه الثلاثة. ويقول ابن القيم: إن هذا كلام يحتاج إلى نظر لأن مجموع هذه إنما تكون معجزة في حق العرب خاصة، لأن الفصاحة والبلاغة جِبِلَّةٌ فيهم ولا يُمَارِيهم في التفرد بها مُمَارٍ ذُو عِنَاد، وأذعنت الأمم إليهم فيها، فجاءهم القرآن بقاصمة الظهر ودُعُوا إلى المعارضة فلم يُقْدِمُوا، وأما الأعاجم فلا تقوم عليهم بذلك حجة، ولا تصح فيهم به معجزة لأنهم معترفون أن الفصاحة ليست من شأنهم، والله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق كافة، ولا يثبت إعجازه على الكافة إلا بما يعزب على الكافة الإتيان بمثله مع اعترافهم بأن في مقدورهم من جنسه". أقول: وإذا كان العرب قد اختصوا بوجه الإعجاز من حيث كون القرآن كلاما فإن غير العرب يمكن أن يكون لهم وجه الإعجاز من حيث ما يحمله ذلك الكلام من جملة ما ذكر من وجوه الإعجاز العلمي حين تعتبر على النحو الذي سنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله. وأردف ابن القيم وجها يمكن كذلك اعتباره لغير العرب ولم يقدم غَيْرَهُ عليه وليس لأحد معرفة قَصْدِه من ترك الفصل بين الثلاثة وجوه السابقة، وبين ما أتى بعدها، وعلى كل حال فقد أورد خامس الأقوال على هذا النحو: 5- وقال قوم: إنما وقع إعجازه بما فيه من المعاني الخفية والجلية وفنون العلوم النقلية والعقلية، وأصحاب هذا القول لهم في ذلك خمسة مذاهب: أ- منهم من قال: إعجازه فيما جاء فيه من أخبار القرون السالفة في الأماكن القاصية والدانية وقد نزل على أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولم يكن بأرضه

من يعلم الأخبار سوى أهل الكتاب الذين صرح بسبهم وثلبهم، وضلل عقولهم، ولو علَّمه أحد منهم لصرح بالرد عليه وحيث لم ينقل ذلك، عُلِمَ أنه لم يعلمه بشر وإنما علمه الحكيم الخبير. ولم يَدَع ابنُ القيم هذا الوجهَ حتى أورد ما اعتَرَض به عليه بأن بعض سور القرآن ليس فيها أخبارُ الماضين، وتلك السور معجزةُُ تحداهم الله بالإتيان بمثلها فعجزوا. ب- ومنهم من قال إعجازه بما فيه من الإخبار بما يكون وما كان مما وقع على حكم ما أخبر به مثل قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} . واعترض عليه بما رد به سابقه. ج- ومنهم من قال إعجازه بما احتوى عليه من العلوم التي لم يسبق إليها أحد من البشر قبل نزوله ولا اهتدت إليها فطن العرب ولا غيرهم من الأمم. وقد اعترض بأنه وجد في السنة وكلام العرب مثل هذا ولم يعد معجزة. د- ومنهم من قال إعجازه إنما حصل فيه من نشاطِ القلوبِ الواعية وغيرِ الواعيةِ إليه، وإقبالها بوجه المودة عليه، واستجلاءِ طعم عذوبةِ ألفاظه ومعانيه، وهشاشتها بما يتردد عليها من مبشراته المبهجة ومحذراته المزعجة وآياته المقلقة وأخباره المونقة مع كثرة قرعه للأسماع وصدعه بما يخالف الطباع، ومع ذلك فالقلوب مقبلة على أذكاره، راغبة في تكراره،. يجد ذلك منهم البر والفاجر والمؤمن والكافر {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً} . (الزمر: 23) وقد اعترض على هذا القول بأنه في السنة وكلام فصحاء العرب ما يحسن موقعه ولا تمله على تكراره.

هـ - ومنهم من قال إعجازه بما يقع في النفوس منه عند تلاوته من الروعة وما يملأ القلوب من الهيبة، وما يلحقها من الخشية، فاهمة أو غير فاهمة، عالمة أو غير عالمة، مؤمنة أو كافرة. وقد اعترض بأن جماعة من أرباب القلوب وذوى الاستغراق في بديع أوصاف المحبوب حصل له من سماع بعض الأشعار ما أخرجه عن طوره وربما مات من فوره. قلت: ولا وجه لمثل هذا الاعتراض إذ المحب به من الهوى ما يربط به بين ما في قلبه وما يسمع. فهناك توافق بين ما في القلب وما يسمع، ولكن القرآن يُوجِد في النفوس ما لم يكن فيها من قبل - وذلك فرق. 6- وسادس الأقوال قول جماعة إن إعجازه حفظ آياته من التبديل وصون كلماته من النقل والتحويل، وذلك من آياته الكبرى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . 7- وقال قوم إعجازه في خروج الإتيان بمثله عن مقدور البشر. 8- وقال قوم إعجازه صَرْفُ اللهِ خَلْقَه عن القدرة على الإتيان بمثله، ولولا ذلك لدخل تحت مقدورهم. واعترض على الصرفة بأمور ثلاثة: أولا: أن تعجب العرب كان من فصاحته لا من تعذر إتيانهم بمثله. ثانياً: أنه لو كان كلامهُم قريباً من فصاحته قبل التحدي لعارضوه بذلك، ولاَحْتَجُّوا عليه بأنهم ممنوعون، وما كلامهم قبل التحدي مختلفا عنه بعد التحدي.

ثالثا: نسيانهم الصيغ المعلومة في مدة يسيرة يدل على زوال عقولهم، وهم مازالت عقولهم عند التحدي سليمة، فمازالت قرائحهم بعد التحدي على ما كانت عليه، فكيف صرفوا ولم تتغير لهم قريحة؟. ويفضي ابن القيم بخالصة اعتقاده قائلا: "والذي يتعين اعتقاده أن القرآن بجملة ألفاظه ومعانيه وبعضه وكله معجز - إما لسلب قدرتهم عن الإتيان بمثله وإما لصرفهم عنه" ثم قال "هذا الذي وقع عليه تصريح الكتاب وصريح الخطاب ولا مرية في ذلك ولا خلاف". ولعل ابنَ القيم ناقل عن غيره ما قال وإلا كان كمن نقض غزله بعد نَصَبٍ فيه، فإنه بعد معارضة القول بالصرفة جعلها من تصريح الكتاب وصريح الخطاب، بل نفى المرية والخلاف، فماذا أراد بالكتاب؟ إن كان القرآنَ فإنه من ابن القيم لقول شطط، وإن كان غيرَه فإنه لم يعرض لبيان ما جاء فيه من غلط، فاستقبال أمرٍ بِوْجهٍ، واستبدال هذا الوجْهِ بنقيضه في ذات الأمر في غاية تعقيد التصور. اللهم إلا ما كان الذى أورده ابن القيم محضَ نقل، وأحسبه كذلك لقوله (1) : "والأقرب من هذه الأقاويل إلى الصواب قول من قال إن إعجازه بحراسته من التبديل والتغيير والتصحيف والتحريف والزيادة والنقصان فإنه ليس عليه إيراد ولا مطعن"

_ (1) الفوائد المشوق صـ255.

9- وقال بعض العلماء إن إعجازه إنما وقع بكون المتكلم به عالِماً بمُرَاده من كل كلمة وما يليق بها، وما ينبغي أن يلائمها من الكلام، وما يناسبها في المعنى، لا يختفي عنه ما دق من ذلك وما جَلَّ، ولا مَصْرِف كل كلمة ولا مآلها، وغير الله تعالى لا يقدر على ذلك، لأنه أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا. وهذا القول من الأقوال التي لا مطعن عليها. وَيُنَوِّهُ ابن القيم إلى لزوم اعتبار عجائب القرآن نوعين، نوعا هو للإعجاز وآخر للخصائص إذ يقول: "وقد عدد العلماء وجوها من إعجازه غير ما ذكرناه، الأولى أن تعد من خصائصه" ولا يفهم من كلامه أن كل ما ذكره إنما هي وجوه للإعجاز، فكيف اعترض عليها أو لم يرد على الاعتراضات إن كان ناقلا لها. 10 - وفي النهاية يُحَسِّنُ ابنُ القيم قولَ القائل بأن الإعجاز من جهة التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة قائمة بالذات وأن العرب إذا تحدوا بالتماس معارضتهم له والإتيان بمثله أو بمثل بعضه كُلِّفوُا ما لا يطاق ومن هذه الجهة وقع عجزهم. وأَنَّى لابن القيم أن يَتَصَوَّرَ التحدي بما يجهله المتحَدَّى، وهل يقع التحدي إلا لمن حاز قصب السبق فيما يُتَحَدَّى فيه؟ فكيف بمن يجهل الكلام القديم الذي هو صفة الله تعالى القائمة بذاته؟ وهذه أمثلة سقتها ليقع عليها تطبيق الدراسة على نحو يؤكد ضرورة التريث في اعتبار الوجه للإعجاز أو من خصائص هذا الكتاب الكريم، فما

كان منتشرا في كل سور القرآن كان هو وجْهَ الإعجاز ولا أظنه غير النظم والبيان. وممن أسهم في العناية ببيان وجه الإعجاز القاضي الباقلاني (1) "338هـ – 403هـ" وهو متكلم أشعري - أجمل وجوه الإعجاز في ثلاثة (2) :- 1- أنه يتضمن الإخبار عن الغيوب وذلك يعجز عنه البشر. 2- أنه كان معلوما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب ولا يُحْسِن أن يقرأ، ثم أتى بجملة ما وقع وحدث من عظيمات الأمور ومهمات السِّيَرِ مِنْ خَلْق آدم إلى حينِ بعثه. 3- أنه بديع النظم عجيب التأليف متناه في البلاغة إلى الحد الذي يُعْلَمُ عَجْزُ الخلق عنه. وبديع نظمه المعجزِ يتضمن وجوها: أ- ما يرجع إلى الجملة، فنظمه على تصرف وجوهه واختلاف مذاهبه خارج عن المعهود وليس بالسجع ولا بالشعر. ب- أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة والتصرف البديع والمعاني اللطيفة وغير ذلك على هذا الطُّولِ والقدر. ثم ذكر الرجل طرفا من وجوه اختلاف البشر عن كلام الله تعالى مُتَنَاوِلاً الكلمةَ القرآنية وموقعَها في تضاعيف الكلام البشرى كأنها درة في سلك من خرز أو ياقوتة في واسطة عقد، ثم تعرض للحديث عن أوائل السور من حروف الهجاء باسطا فيها قوله بما يناسب مَقَامَ العرض لها.

_ (1) هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم الباقلانى البصرى. (2) إعجاز القرآن للباقلاني صـ50 وما بعدها.

ثم ذكر أن بعض أصحابه يرون أن علل الأحكام مُوَافِقَةً لمقتضى العقل يُعَدُّ وجه إعجاز، وقرر أن مثل ذلك الاستحسان الذي يولع به أهلُ خراسانَ لا يستقيم عند الأصل الذي يبنون عليه مثل هذا. وأخيرا يقول:"ولا نقول إن وجه الإعجاز في نظم القرآن أنه حكاية عن الكلام القديم". ويقول الرماني (1) "وجوه الإعجاز تظهر من جهات ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة، والتحدي للكافة، والصرفة، والإخبار عن الأمور المستقبلة، ونقض العادة، وقياسه بكل معجزة". وأراد بنقض العادة تفرد القرآن بطريقة خرجت عن عادة كلام العرب وتفوق كل طريقة. وأراد بقياسه بكل معجزة أن سبيل فلق البحر وقلب العصا حية سبيل واحد في الإعجاز إذ خرج عن العادة فَصَدَّ الخلق عن المعارضة. والقاضي عياض (2) في كتابه الشفا حين تعرض لإعجاز القرآن في فصله يرى أن القرآن مُنْطَوٍ على وجوه من الإعجاز كثيرة، وتحصيلهُا من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه: الأول: حسن التأليف، والتئام كَلِمِهِ، وفصاحتُه، ووجوه إيجازه، وبلاغته الخارقة عادة العرب. الثاني: صورة نظمه العجيب، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب العرب.

_ (1) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن " ذخائر العرب16 " النكت في إعجاز القرآن للرماني صـ57. (2) الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ط صبيح جـ1 صـ217: 237 بتصرف واختصار.

الثالث: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات، وما لم يكن ولم يكن ولم يقع، فَوُجِدَ كما وَرَدَ على الوجه الذي أخبر. الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة، والشرائع الدائرة. ثم زاد عليها الروعة التي تلحق القلوب والهيبة التي تعتري سامعيه، وكونه آية باقية تَكَفَّلَ الله بحفظه. ولابن سنان الخفاجي (1) نوع إسهام في بيانه سِرَّ الفصاحة حيث قصد إلى تأليف كتابه لسببين ذَكَرَهُمَا كثمرةٍ وفائدة تحصل لمن وَعَى هذا الكتاب، وواحد هذين السببين وإحدى الثمرتين من جهة العلوم الشرعية، حيث المعجز الدالُّ على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن. والخلاف الظاهر فيما كان به معجزا على قولين: أولهما: أنه خَرَقَ العادةَ بفصاحته، ومن ذهب إلى هذا لابد له من بيان ما الفصاحة التي وقع التزايد فيها موقعا خرج عن مقدور البشر. ثانيهما: أن وجه الإعجاز صرف العرب عن معارضته مع أن فصاحة القرآن كانت في مقدورهم لولا الصرف والقائل بهذا يحتاج كذلك إلى معرفة الفصاحة ليقطع على أنها كانت في مقدورهم. والشيخ رحمت الله الهندي في كتابه إظهار الحق (2) أسهم في سبيل الدفاع عن القرآن بحظ لا ينكر، وذكر أن الأمور التي تدل على أن القرآن كلامُ الله كثيرةُُ اكتفي منها باثنى عشر أمراً، ثم بَيَّنَ الشيخ في الأمر الثالث

_ (1) سر الفصاحة لعبد الله محمد بن سعيد بن سنان – أبو أحمد الخفاجي الحلبي صـ13،14. (2) إظهار الحق لرحمت الله الهندي جـ2 صـ61 وما بعدها.

كَوْنَ القرآن منطويا على الإخبار على الحوادث الآتية فوجدت على الأيام اللاحقة على الوجه الذي أخبر، فساق اثنين وعشرين شاهدا قرآنيا على ذلك. من ذلك آية سورة الروم التي هي مطلع السورة، فأورد ما قاله أحد القسيسين مَنْ سماه الشيخ بصاحب "ميزان الحق" في الفصل الرابع من الباب الأول من هذا الميزان من أنه " لو فرضنا صدق ادعاء المفسرين أن هذه الآية نزلت قبل غلبة الروم الفرس فنقول إن محمداً صلى الله عليه وسلم قال بظنه أو بصائب فكره لتسكين قلوب أصحابه، وقد سُمِعَ مثلُ هذه الأقوال من أصحاب العقل والرأي في كل زمان " فرد الهندي قوله بوجهين: الأول: أن تحديد الزمان ببضع سنين لا يتأتى من عاقل ادعاء قطعيا بوقوع أمر فيه. الثاني: أن العادة جرت أنه ليس كل ما يقوله العقلاء يقع جميعه، بل يتخلف بعض ما ادَّعَوْا وقوعَه فيما يستقبل من الزمان، فمن كَذَبَ على الله تعالى وافترى حقيق على الله تعالى أن يباعد بَيْنَ ما يقول وصحة هذا القول. وفي الإتقان للسيوطي (1) قال المراكشي في "شرح المصباح" الجهة المعجزة في القرآن تعرف بالتفكر في تأدية المعنى، وعن تعقيده، وتعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه لمقتضى الحال. لأن جهة إعجازه ليست مفردات ألفاظه، وإلا لكانت قبل نزوله معجزة ولا مجرد تأليفها، ولا مجرد أسلوبه، وإلا لكان الابتداء بأسلوب الشعر معجزا - والأسلوب الطريق - ولكان هذيان مسيلمة معجزا، ولأن الإعجاز يوجد

_ (1) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي جـ2 صـ1008، 1009.

دونه - أي الأسلوب - في نحو {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً} (يوسف:80) {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر} (الحجر:94) ، ولا بالصرف عن معارضتهم، لأن تعجبهم كان من فصاحته ولأن مسليمة وابن المقفع والمعرى وغيرهم قد تعاطوها (1) فلم يأتوا إلا بما تمجه الأسماع وتنفر منه الطباع ويضحك منه في أحوال تركيبه، وبها - أي بتلك الأحوال - أعجز البلغاء وأخرس الفصحاء. فعلى إعجازه دليل إجمالي: وهو أن العرب عجزت عنه وهو بلسانها فغَيْرُهَا أحرى، ودليل تفصيلي: مقدمته التفكر في خواص تركيبه، ونتيجته العلم بأنه تنزيل المحيط بكل شيء علما". والإمام عبد القاهر الجرجانى (2) يرى أن النظم ليس شيئا غير توخى معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم وإلا كان من أعجب العجب أن يزعم زاعم أنه يطلب المزية في النظم ثم لا يطلبها في معاني النحو وأحكامه التي النظم عبارة عن توخيها فيما بين الكلم، وذلك يقتضي دخولَ الاستِعارة والكنايةِ والتمثيل وسائرِ ضروب المجاز وغير ذلك من مقتضيات النظم وعنها يحدث وبها يكون، إذ لا يتصور أن يدخل شيء منها في الكلم وهي أفراد لم يُتَوَخَّ فيما بينها حكمٌ من أحكام النحو. وطريق المزية المطلوبة في هذا الباب الفِكْرُ والنظر من غير شبهة، ومحال أن يكون لِلَّفْظِ صفة تستنبط بالفكر، ويستعان عليها بالروية، ولا يعد الإعراب من الوجوه التي تظهر بها المزية، لأن العلمَ به مشترك بين العرب كلهم، ولا يستنبط بالفكر ويعان عليه بالروية، فليس أحدهم بأعلم من الآخرين برفع الفاعل.

_ (1) الناظر في كتب هؤلاء الذين اتهموا بالمعارضة لا يجد ما يثبت ذلك عنهم. (2) دلائل الإعجاز للجرجاني صـ300.

وإنما تقع الحاجة إلى العلم بما يوجب الفاعلية للشيء إذا كان إيجابها من طريق المجاز كقوله تعالى {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} وأشباه ذلك مما يجعل الشيء فيه فاعلا على تأويل يدق، ومن طريق يلطف، وليس يكون هذا عِلْماً بالإعراب ولكن بالوصف الموجب للإعراب، والغرض من القول بأن الفصاحة في المعنى دون اللفظ: أن المزية التي من أجلها استَحَق اللفظُ الوصفَ بأنه فصيح، عائدة في الحقيقة إلى معناه، وهي تظهر في الكلم من بعد أن تدخل الكلمة النظم، وإذا أفردت لم تَرُمْ فيها نظما ولا مزية لها، فوجب العلم قطعا وضرورة أن تلك المزية في المعنى دون اللفظ وفي الإشارة (1) إلى المجاز للعز بن عبد السلام وجوه ذكر منها: صرف العرب عن المعارضة مع قدرتهم عليها وحرصهم على إيطاله، أو صرفهم عن القدرة على معارضته. وابن جزي الكلبي في كتاب التسهيل لعلوم التنزيل (2) ساق وجوها عشرة من وجوه الإعجاز من بينها ما فيه من التعريف بالباري جل جلاله، وذِكْرِ صفاتِه وأسمائه وما يجوز عليه وما يستحيل والدعوة إلى عبادته وإقامة البراهين، والرد على الكافرين. ومن كل ما سبق نتبين أنه لم يسلم من الرد غير النظم وجهاً لإعجاز القرآن الكريم، ولا يتصور خلو الآيات الأولى من النظم حال نزولها على النبي صلى الله عليه وسلم أول بدء الوحي.

_ (1) كتاب الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز للعز بن عبد السلام صـ271. (2) كتاب التسهيل لعلوم التنزيل صـ14.

وهذه الآيات قد بدأ بها الوحي التحدي واطرد ذلك التحدي إلى آخر ما نزل من القرآن الكريم ولا يسلم لوجه واحد الدوران في جميع القرآن الكريم غير النظم. ولو لم يكن التحدي بمحض النظم لم يكن للقرآن أن يتحدى بشيء مثلِهِ مفترًى والافتراء الكذب، والكذب لا يطابق الواقع نفيا أو إيجابا فليس المراد من معارضتهم حين التحدي أن تكون صادقة بل أن تكون كنظم القرآن وإن كان المعنى الذي تحمله كلماتُه مفترًى. فما بالهم قالوا افتراه وأعجزهم عن الإتيان بمثله مفترى؟ والمجال أعمق وأفسح من أن يسرد من خلال هذه الصفحات، ولكنها مجرد أمثلة من إسهامات المسلمين توضح مدى اهتمامهم على مد الزمن الإسلامي وإلى يومنا هذا، وهذا التناوب في تناول مثل هذه الأمور بالدراسة يؤكد كرم عطاء القرآن لكل عصر حسب ما يتفق له من فهوم سواء ما كان منها من خصائص القرآن أو من وجوه إعجازه حقا.

المبحث الرابع مؤلفات في الإعجاز الذاتي للنص القرآني

المبحث الرابع: مؤلفات في الإعجاز الذاتي للنص القرآني. أوردت في هذا الفصل بعضا من المؤلفات مما يتعرض لوجوه الإعجاز أو اعتنى بها على نحو من الأنحاء وهذه المؤلفات هي: 1- من روائع القرآن الكريم - دكتور محمد سعيد رمضان البوطي. 2- تاريخ آداب العرب جـ2 - مصطفى صادق الرافعي. 3- ثلاث رسائل في إعجاز القرآن - للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني. 4- الشفا بتعريف حقوق المصطفى - القاضي عياض. 5- بصائر ذوي التمييز - للفيروز آبادي. 6- الجامع لأحكام القرآن - للقرطبي. 7- فكرة إعجاز القرآن منذ البعثة حتى عصرنا الحاضر - نعيم الحمصي. 8- قضية الإعجاز القرآني - د/ عبد العزيز عبد المعطى عرفة. 9- كتاب التسهيل لعلوم التنزيل - محمد بن أحمد بن جزى الكلبي. 10- الكشاف - محمود بن عمرالزمخشري. 11- منهاج البلغاء وسراج الأدباء وملحق به - أبو الحسن حازم القرطاجني. 12- كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق المجاز - يحيى بن حمزة بن على بن إبراهيم العلوي. 13- معترك الأقران في إعجاز القرآن لأبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن أبى بكر السيوطي. 14- الإتقان في علوم القرآن - للسيوطي.

15- نِعْمَ الوجيز في إعجاز القرآن العزيز للشيخ الشاب العلامة عبد العزيز أحمد. البرهاروى وهذا الكتاب نشر جُمْلَةً ضِمن مجلة المجمع العربى الباكستانى رئيس التحرير د. ظهور أحمد أظهر. 16- الإعجاز البياني للقرآن د. عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ". 17- النبأ العظيم - د. محمد عبد الله دراز. 18- مفتاح العلوم - للإمام أبي يعقوب يوسف بن أبى بكر محمد بن على السكاكي. 19- إعجاز القرآن للقاضي أبى بكر محمد بن الطيب محمد جعفر بن القاسم الباقلاني البصري. 20- كتاب المنهاج في شعب الإيمان لأبي عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي. 21- المعجزة الكبرى - الإمام محمد أبو زهرة. 22- معجزة القرآن الكريم - الشيخ محمد متولي الشعراوي. 23- القرآن معجزة ومنهج - الشيخ محمد متولي الشعراوي. 24- الملل والنحل - للشهرستاني. 25- الفصل في الملل والنحل - لابن حزم الأندلسي. 26- الفوائد المشوق - لابن قيم الجوزية. 27- إظهار الحق - لرحمت الله الهندي. 28- التفسير الكبير مفاتيح الغيب - لفخر الدين الرازي. 29- البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن - كمال الدين عبد الواحد عبد الكريم الزملكاني.

30- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للإمام برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي. 31- البرهان في علوم القرآن - بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي. 32- الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم د/ محمد محمود حجازي. 33- سر الفصاحة - عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان - أبو أحمد - الخفاجي الحلبي. 34- دلائل الإعجاز - الإمام مجد الإسلام أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن محمد الجرجاني. 35- فتح البيان في مقاصد القرآن - أبو الطيب صديق القنوجي. 36- القصور العوالي "مجموعة رسائل" - أبي حامد الغزالي. 37- مقالات الإسلاميين - أبو الحسن الأشعري. 38- تفسير المراغي - أحمد مصطفى المراغي. 39- الفوز الكبير في أصول التفسير - للإمام ولي الله الدهلوي نقله عن الفارسية سليمان الحسيني الندوي. 40- رسائل تحت عنوان أحدث تفسير لآيات القرآن الكريم، عبد الغنى محمد. 41- التفسير البياني للقرآن الكريم - دكتورة عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ" هذه بعض دراسات الإعجاز القرآني على أنحاء متعددة، منها ما انفرد بالحديث عن الإعجاز واختص به، ومنها ما تناوله في أحد فصوله، ومنها ما كان تأريخا له، ومنها ما تناول الوجوه بالبيان أو بالنقد، ومنها ما كان عاما في دراسته الإعجاز، أو ما كان مختصا بوجه منها.

الفصل الرابع من مظاهر العناية بوجوه الإعجاز

الفصل الرابع من مظاهر العناية بوجوه الإعجاز المبحث الأول: الإعجاز العلمي للقرآن الكريم كثرت في الآونة الأخيرة وبالتحديد عبر القرنين الماضيين أو دونهما دراسات خرجت من ذاتية الإعجاز النفسي للقرآن إلى صور أخرى من الإعجاز لا تتأتى بغير التأويل البعيد لبعض آيات القرآن الكريم. "ومعجزة القرآن تختلف عن معجزات الرسل السابقين في كثير من زوايا الإعجاز، وللقرآن إعجاز لا يتنبه إليه العقل إلا بعد أن ينشط ويكتشف المستور عنه من حقائق الكون وأسراره، حينئذ يتبين أن للقرآن وجوهَ إعجازٍ أخرى أو جديدة تزيد في معنى الإعجاز أو تعطي أبعادا جديدة لما يقال " (1) . هذا ما قرره الشيخ الشعراوي من أن ابتداء تنبه المسلم إلى وجه إعجازي قد لا يتأتى من القرآن مباشرة، بل ينبع رفده من الكون ويبزغ بريقه من أسرار هذا الكون سواء ما كان بالفكر العقلي المجرد أو بواسطة ما يتوصل به إلى غموض هذه الأسرار من وسائل. ويقول الشيخ: "فإذا انتقلنا إلى الاختراعات الحديثة نجد أنها اكتشاف لقوانين الكون" (2) وفي صفحة أخرى يقول الشيخ (3) " إن القرآن لم يأت ليعلمنا أسرار الوجود ولكنه أشار إليها وسجلها ليظهر الإعجاز الإلهي للناس

_ (1) معجزة القرآن محمد متولي الشعراوي جـ1 صـ23. (2) معجزة القرآن محمد متولي الشعراوي جـ2 صـ287. (3) معجزة القرآن محمد متولي الشعراوي جـ3 صـ398، 399.

في كل عصر ومع تقدم العلم البشرى. على أن ربط القرآن الكريم بالنظريات العلمية شيء لا يجب أن يحدث، فالقرآن لا تُرْبَطُ صحتُه باتفاقه مع نظرية علمية أيا كانت ولكن العلم هو الذي يستمد صحته وبيانه إذا اتفق مع آيات القرآن الكريم، فكل علم مخالِف لحقائق القرآن هو علم زائف، لأن قائل القرآن هو الله سبحانه وتعالى وخالق الكون هو الله سبحانه وتعالى". والأستاذ فوزي شعبان مترجم كتاب أصل الإنسان بين العلم والكتب السماوية لمؤلفه دكتور موريس بوكاي في مقدمة الترجمة يقول (1) : "وقد احتوى القرآن الكريم على آيات بينات في العلوم الطبيعية أخرجها الأستاذ يوسف مروة في كتاب "العلوم الطبيعية في القرآن الكريم" وبلغت. 774 آية بالتحديد ومفصلة كما يلي: الرياضيات 61، الفيزياء 264، الذرة 5، الكيمياء 29، النسبية 62، الفلك 100، المناخيات 20، المائيات 14، علم الفضاء 11، علم الحيوان 12، علم الزراعة 21، علم الأحياء 36، الجغرافيا العامة 73، علم السلالات البشرية10، علم طبقات الأرض 20، علم الكون وتاريخ الأحداث الكونية36" وقد سبق الأوائلُ إلى تعداد ما يحتويه القرآن من مثل ذلك، فقال ابن أبي الفضل المرسي في تفسيره: جمع القرآن علومَ الأولين والآخرين بحيث لم يُحِطْ بها علما حقيقة إلا المتكلم بها ثم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما استأثر به سبحانه وتعالى، ثم روت عنه– أراد عن النبي صلى الله عليه وسلم - معظمَ ذلك سائرُ سادات الصحابة وأعلامهم. إلى أن قال: ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحكم الباهرة فذكر علم المواقيت والمعاني والبيان والبديع

_ (1) أصل الإنسان بين العلم والكتب السماوية صـ5.

والطب والهيئة والهندسة والجدل والمقابلة والنجامة وأصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها: كالخياطة والحدادة والبناء والنجارة والغزل والنسيج والفلاحة والصيد والغوص والصياغة والزجاجة والفخارة والمِلاحة والكتابة والخبز والطبخ والغسل والقصارة والجزارة والبيع والشراء والصبغ والحجارة والكيالة والمنكوحات وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله تعالى "ما فرطنا في الكتاب من شيء" انتهى ملخصا من الإتقان (1) . وقال ابن سراقة من بعض وجوه إعجاز القرآن ما ذكر الله فيه من أعداد الحساب والجمع والقسمة والضرب والموافقة والتأليف والمناسبة والتصنيف والمضاعفة ليَعْلَمَ بذلك أهلُ العلم والحساب أنه صلى الله عليه وسلم صادق في قوله، وأن القرآن ليس من عنده إذ لم يكن ممن خالط الفلاسفة ولا تلقى الحُسَّابَ وأهل الهندسة (2) . وتحت عنوان شهادات منصفة ساق الأستاذ محمد سامي محمد علي في كتابه " الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (3) شهادة أحد مشاهير العلماء، وهو عالم غربي من أكبر الجراحين والأطباء المشهورين وهو الدكتور موريس بوكاي الذي شرح الله صدره للإسلام فأسلم بعد علم ودراية. وقد ألقى الدكتور محاضرة في أكاديمية العلوم الفرنسية بباريس سنة 1967 حضرها حشد كبير من العلماء في شتى فروع العلوم الحديثة، وبعد

_ (1) الإتقان من صـ1027 إلى صـ1033 جـ2. (2) الإتقان صـ1033 جـ2. (3) الإعجاز العلمي في القرآن الكريم صـ116، نقله عن كتاب القرآن والعلوم الحديثة لإبراهيم فواز عراجي صـ61.

أن عرض حقائق القرآن الكريم في شتى ميادين العلم سأل أخيرا هؤلاءِ العلماءَ قائلا: "هل لكم أن تخبروني من أين جاء محمد بهذا العلم الحديث، وقد أكدتم أنفسُكُم يا علماء الغرب والشرق وبعد محاولات طويلة عبر الزمن أن ما جاء منسوبا للتوراة والإنجيل جاء مناقضا للعلم الحديث ومفاهيمه كافة فطرحتموه جانبا، تاركين أمره لخيال المؤمنين وأهل الأديان. فمن أين لمحمد هذا العلم؟ " فسكت الجميع. ولا من مجيب. فقال بوكاي: بالطبع لا جواب عندكم! والجواب عندي: أنه من عند الله وأن محمدا رسول الله، وقد أحدثت هذه المحاضرة ضجة إعلامية في أنحاء أوربا. ميزان تفسير الآية تفسيرا يتعلق بالعلوم الحديثة: واستقبل الأستاذ محمد سامي الحديث عن علوم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بميزان لتفسير الآيات تفسيرا يتعلق بالعلوم الكونية قائلا (1) "النظرية - التي بين الأخذ والرد - لا يصلح لنا تطبيقها على الآية القرآنية أما الحقيقة العلمية فمن المستحيل أن تتناقض أو تتصادم مع الآية القرآنية، ونتحدى الآن أو في المستقبل ظهور حقيقة علمية تخالف القرآن الكريم. إذاً لا مانع إطلاقا أن نطبق الحقيقة العلمية على الآية القرآنية التي تلفت الأنظار إلى إشارات علمية كونية.

_ (1) الإعجاز العلمي في القرآن الكريم محمد سامي صـ26.

لكن علينا ونحن نبحث في أسرار القرآن الكريم لاستخراج الدرر واللآلئ العلمية أن نخضع تفسيرنا هذا لشروط نَصَّ عليها علماء التفسير الذين عُنُوا بمناهج البحث، وهذا الميزان لا يتمثل في أكثر من الميزان الذي نعتمد عليه لتفسير أي كلام عربي، ويتكون هذا الميزان من المقومات والأركان التالية: 1- خضوع التفسير لدلالات اللغة العربية وقواعدها التي لا خلاف عليها. 2- خضوعه لقواعد تفسير النصوص المتفق عليها كأحكام العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والمنطوق والمفهوم وما إلى ذلك من قواعد. 3- ألا يتعارض التفسير معارضة حادة مع مضمون أي آية أخرى في القرآن بحيث لا يمكن الجمع بينهما بحال تحت ظل أي قاعدة من قواعد تفسير النصوص. 4- ألا يتعارض التفسير معارضة حادة مع الدلالة الثابتة لنص حديث نبوي صحيح بحيث لا تترك هذه المعرضة سبيلا سائغا للتوفيق بينهما". ومن خلال التطبيق لضوابط هذا الميزان تلزم ضرورةُ الانطلاق من القرآن الكريم، وفي قوله تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} تحديد لكيفية الرؤية العلمية، بازغة أولاً من القرآن الكريم وهى في أوج ظهورها في الكون شاهدة بصدق القرآن، ولكن حين نأخذ من المشاهد النظرية تفسيرا للقرآن نكون قد أوقفنا أنفسنا في منزلق خَطِر، إذا ما جنحت النظرية إلى تعارض مع نظرية أخرى، وبالتالي يتوجب علينا التحسب إلى مثل هذه الأمور، فإنه حين يخفق المرء في استخراج المعاني المزيحة لحجب الجهل البشرى بنور العلم القرآني ينصرف العلماءُ - بحسن نية هي السذاجة

في أصلها - وأشباهُ العلماء - إلى درك مطالب الإلحاح الساذج أن العلمَ يوافقُه القرآنُ. وتفاسير القرآن على ضوء العلوم الحديثة – كتفسير المراغي والجوهري لم يثبت مضمون ما احتوته من مثل هذا بعد. ونخشى أن يستدعى هذا ضعضعةَ الإيمان في بعض النفوس التي لا تفرق بين خطأ المفسر أو الباحث وصحةِ النص القرآني (1) . وهناك من يرى صحة الانطلاق من خارج القرآن فيقول (2) . (ففي أيامنا هذه استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف) مع أنه يبين معنى قولٍ منسوب إلى المسيح هو "ويخبركم بأمور آتية" ومعلوم أن الخبر لا يتوقف فهمه على أمر لاحق. وكل هذا الكلام يصح في أبعاض كل هذه الفروع العلمية، فحين تجد فرعا منها لا يلزم أن تستغرق الآيات تفاصيلَ هذا الفرع، ولكن تمتد من القرآن آيات توضح وتفسر بعض الحقائق الكونية في ظواهرها الطبيعية. فكل ما يقع تحت رؤية البشر مع استدامة توحُّدِ هذه الرؤية مَدَّ الزمن هو الذي يُفترض فيه أن يكون حقيقة تواكب إشارات القرآن على نحو لا يُحْدِثُ اختلافا في المفهوم في زمن ما.

_ (1) فكرة الإعجازصـ390. (2) قالوا عن الإسلام الندوة العلمية للشباب الإسلامي صـ49 نقلاً عن كتاب محمد في التوراة والإنجيل والقرآن صـ47، 48 لمؤلفه إبراهيم خليل أحمد وهوقس من مواليد الإسكندرية أسلم رسمياً عام 1959م وانظر الكتاب نفسه محمد في التوراة والإنجيل والقرآن دار المنار للنشر والتوزيع ط 1409هـ – 1989م صـ55 فهو موضع الاستشهاد.

وما يأخذ في حين تفسيرا يختل في حين آخر لا شك شيء لم يُعَايَنْ بغير افتراضاتٍ ونظريات بُحِثَ لها عن تفسير فيه مجمل تفصيل الرؤية لظاهرة غامضة التفسير، غائرة المدى. وأقرب مثال طروء تناقضات عدة في تفسير اختلاف حركة الشمس أو الأرض أو هما معا، والصورة التي تتخذها الأرض في الذهن لإقامة تفسيرٍ لا برهانَ، على النظام الشمسي الدقيق، حتى بدت في أفق علم الفلك نظريات ثلاث تشرح كل منها تعليل الليل والنهار والفصول الأربعة وغير ذلك مما يتعلق بهذا. وإحدى هذه النظريات – نظرية كوبرنيقوس – يمكن القول أنها استحمكت في التصور الفكري البشري واستولت عليه، بغض النظر عن دلالات نصوصٍ دينية. ولم يكن للقرآن أن يقبض إسهاماته في سبر البشر أغوار ظواهر الكون فأمد بما يقيم به نظرية وينفي به أخرى، ولا كمال للقبولِ لنظرية واحدة من الثلاث، بل تحتمل الآياتُ والأحاديثُ مباركةَ كلِّ نظريةٍ في طرف منها أو في بعضها الأكبر. فحين تفترض بعض النظريات أن الأرض في شكلها كرة مفلطحة "غير كاملة الاستدارة" وتدور حول نفسها وحول الشمس ليحدث بالدورتين الليل والنهار والفصول الأربعة، ترى نظرية أخرى أن الأرض لا تدور بل ليست لها جاذبية، وتنفي بعضا مما ألفه الناس وآنسوه من نظرية كوبر نيقوس التفسيرية لحركة المجموعة الشمسية، ونجد النظرية المعارضة للمألوفة من

النظريات ترى أن الأرض لا تدور وإنما تدور حولها الشمس (1) وأن سجودها تحت العرش يكون فوق المحيط في الجهة المقابلة لمركز اليابسة "مكة المكرمة" وأن هذا الموضع لا يختلف باختلاف الأيام على مدار العام. وتبرز نظرية ثالثة تعضد النظرية الوردانية السابقة في بعضها وتختلف عنها في أن الكون أرضى بمعنى أن الأرض ليست كروية، بل مجوفة مسقوفة بالسماء ونحن في الداخل والشمس تدور في فلكها داخل الأرض التي يحيا فيها جميع الأحياء. (2) ولسنا بحاجة إلى ضرورة مد الأيدي لتؤيد نظرية وتلغى أخرى إلا على أساس من انبثاق وجه مرجح لإحدى النظريات الثلاث. وما سقت هذا إلا استدلالاً على أهمية التريث في سحب المعاني من النظريات الفرضية التفسيرية للظواهر الكونية إلى معاني القرآن الكريم. بل يجب أن لا نكترث بعدم التوافق بين النظريات العلمية والمعاني القرآنية، وحَرِيٌ بنا أن نقف على مثال يؤيد أهمية الأخذ من القرآن أَوَّلا وابتداءً لأنه لا يعطى في بسط المعنى إلا حقائق العلم حين يتكافأ الفهم عن القرآن مع صحة النظر في الكون. ولقد استجاب الدكتور سعد محمد محمد الشيخ المرصفي لتقرير القرآن لحقيقة كونية في كتابه "الكعبة مركز العالم" (3) متخذا من قوله تعالى في

_ (1) قصة الخلق من العرش إلى الفرش عيد ورداني. الشركة العصرية للنشر – المركز الدولي للنشر، الصفحات 294، 352، 387، 477، 533. (2) تناقض علم الفلك مع القرآن الكريم وتوافق نظرية الكون الأرضي معه. مصطفى أحمد عبد القادر. (3) الكعبة مركز العالم مكتبة المنار الإسلامية – الكويت، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت، ومثل ذلك في كتاب الكعبة المشرفة سرة الأرض ووسط الدنيا. دكتور أحمد السيد دراج. دار العلم والثقافة القاهرة.

سورة البقرة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} منطلقا لبحث الوسطية المذكورة في القرآن، فخرج بنتيجة علمية مركوزة على دراسات بالحاسب الآلي، مفاد هذه النتيجة أن الوسطية لا تعنى الوسطية المعنوية فحَسْب، بل يُرَادُ بها كذلك الوسطية الحسية، حيث برهن على أن واقع الأرض - بمقاييس العلم الحديث - لا يتوسط يابسها وقراها إلا أم القرى، ومركزها هو الكعبة المشرفة، فتحقق بيان معنى {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} (الشورى: 6) . ومن هذا يتضح أن ما كان البدء به من القرآن هو المعول عليه في احتسابه وجه إعجاز، أما ما استجلب من تفسير النظريات - دون الحقائق - العلمية، قد يروق في أول الأمر ثم يفارق التوافق الفهم عند بروز نظرية أخرى تناهض الأولى أو تنقضها.

المبحث الثاني الإعجاز العددي للقرآن الكريم

المبحث الثاني: الإعجاز العددي للقرآن الكريم لم يغفل العَادُّون عن تناول القرآن الكريم بالعد والإحصاء، على اختلاف وجهات النظر في عد القرآن عدا يتضح منه الدقة البالغة في صياغة الآيات بألفاظ توافقية العدد بين لفظةٌ ولفظةٌ أخرى. ومن ذلك الإعجاز العددي للقرآن الكريم للدكتور عبد الرزاق نوفل حيث وجد توافقا عجبيا بين لفظة وأخرى بينهما تناسب. ومن طريف ما ذكره الدكتور عبد الرزاق (1) نوفل أنه قد ورد ذكر آدم في القرآن الكريم خمسا وعشرين مرة، ومثل ذلك العدد ورد ذكر عيسى بن مريم. وأقول: إذا كان التماثل في قول الله تعالى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} تماثلا في الخلق فما يمنع أن يكون كذلك في الذكر لهما في القرآن تأكيدا على هذه المثلية؟ وأفرد صاحبُ كتاب فكرةِ الإعجاز (2) الدكتورَ محمد رشاد خليفة بالعناية بالبرهان على الإعجاز العددي، وليس كذلك، اللهم إلا إذا أراد انفراده بهذا على الأساس الذي ابتناه قاعدة للعد، وهو الرقم 19 الذي استخرجه من عدد حروف البسملة. (3) ومع ما يعتري هذه الفكرة من نقد إلا أنها إسهام منه استجلى به بعض الفوائد في كتابه، حيث عدَّ دقة العدد سرا يحتوي الدليل القاطع على أن القرآن لا يمكن أن يكون مفترى، وأن هذا السر المختفي كما أسماه يوجد في

_ (1) الإعجاز العددي للقرآن الكريم دكتور عبد الرزاق نوفل صـ243. (2) فكرة إعجاز القرآن صـ456. (3) معجزة القرآن الكريم دكتور رشاد خليفة كان خبيراً فنياً بمنظمة التنمية الصناعية هيئة الأمم المتحدة. إمام مسجد مدينة توسان.

سورة المدثر، بل إن كلمة المدثر تعنى " السر المختفي " (1) ويعرف كل ذلك بواسطة الرقم 19 المذكور في قول الله تعالى في هذه السورة {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} 30 المدثر. وحين يستقيم هذا السر في عد الكثير من كلمات القرآن في سور يكون برهانا على أنه ما افتراه بشر، بل هو كلام الله تعالى، وإلا لما كان يحوى مثل هذه الأسرار. وتأتي نظريتان أسماهما مؤلفهما المعجزة: أبان في الأولى منهما علاقة عددية بين أجزاء وأجزاء الآية الواحدة (2) ، ووضح في النظرية الثانية معالجة القرآن لبعض المفاهيم عن مثل القدر والروح والنفس والزمن وغير ذلك. ونكتفي بهذه النواحي التي وُجِّهَ نحوها الحديث إلقاءً للضوء على مدى العناية من الوجهة العلمية البحتة في بيان وجوه إعجاز القرآن الكريم ولا يغني ما ذكر عن سرد مؤلفات في هذه الفروع العلمية أو بعضها على النحو التالي فإلى ذلك بعون الله.

_ (1) معجزة القرآن الكريم دكتور رشاد خليفة صـ2، 5، 6. (2) المعجزة النظرية الأولى مهندس عدنان الرفاعي صـ4 القدر النظرية الثانية نظرية قرآنية في مسائل القضاء والقدر.

المبحث الثالث مؤلفات في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم

المبحث الثالث: مؤلفات في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم ألمح الحديث فيما سبق إلى بعض ما عرض له الباحثون في الوجوه العلمية لإعجاز القرآن وهاهي مؤلفات أولت هذه الوجوه عنايةً كبيرةً منها ما تناول وجها ومنها ما بحث وجوها: - 1- معجزة القرآن الكريم 4 أجزاء الشيخ محمد متولي الشعراوي. 2- أصل الإنسان بين العلم والكتب السماوية دكتور موريس بوكاي. 3- خلق الإنسان بين الطب والقرآن دكتور محمد على البار. 4- الصيام معجزة علمية دكتور عبد الجواد الصاوي. 5- الظاهرة القرآنية مالك بن نبي. 6- المعجزة "النظرية الأولى"، القدر "النظرية الثانية" جزءان مهندس عدنان الرفاعي. 7- معجزة القرآن الكريم دكتور رشاد خليفة 8- الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مع آيات الله في السماء والأرض جزءان أد/حسن أبو العينين. 10- معجزة القرآن نعمت صدقي. 11- الإعجاز العلمي في القرآن الكريم محمد سامي محمد على. 12- الإعجاز العلمي في القرآن الكريم د/ السيد الجميلي. 13- الإعجاز الطبي في القرآن الكريم د/ السيد الجميلي. 14- إعجاز القرآن في خلق الإنسان د/ محمد كمال عبد العزيز.

15- قصة الخلق من العرش إلى الفرش عيد ورداني. 16- الكعبة مركز العالم د/ سعد محمد محمد الشيخ المرصفي. 17- هندسة النظام البيئي في القرآن الكريم د/ عبد العليم عبد الرحمن خضر. 18- معالم القرآن في عوالم الأكوان الشيخ أحمد محيي الدين العجوز. 19- تناقض علم الفلك مع القرآن الكريم وتوافق نظرية الكون الأرضي معه. مصطفى أحمد عبد القادر. 20- الإعجاز العددي للقرآن الكريم د/ عبد الرزاق نوفل. 21- تفسير الجواهر للجوهري للشيخ الطنطاوي الجوهري. 22- تفسير المراغي للشيخ أحمد مصطفي المراغي. 23- موسوعة الأعداد في القرآن الكريم مهدى سعيد رزق كريزم. 24- ظواهر كونية في القرآن الكريم محمد فيض الله الحامدي. 25- رسائل في "أحدث تفسير لآيات القرآن الكريم" عبد الغنى محمد. 26- الكعبة المشرفة سرة الأرض ووسط الدنيا. دكتور أحمد السيد دراج. 27- إعجاز القرآن في علم طبقات الأرض. محمد محمود إبراهيم. هذا ما يسر الله تعالى لي الاطلاع عليه من مؤلفات تناول أصحابها من العلوم الحديثة ما قبل التوافق مع إشارات القرآن الكريم ولو بالتأويل البعيد.

وقد سبق القول بأن هناك اختلافا بين خصائص القرآن الكريم وإعجازه وإن كان الأمران برهانين على أن القرآن كلامُ الله تعالى أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ومن عجيب أمر هذا الكتاب نزوله منجما حسب أحداث سني نزوله، ويأتي ترتيبه على غير ترتيب النزول، ومع هذا لم يكن أولُه نزولا بأقل في البلاغة والبيان من آخره، لذا تجد نظمه من فاتحته إلى خاتمته غاية في الجمال، وهذا لا يتأتى مثله لأحد، ولا يبلغ مداه مهما فصح لسانه وبلغ بيانه متكلمٌ. وهو كتاب هداية، يعالج في عَرْضِه كل ما يعرض للنفس وما يعتريها، ومع هذا فغايته واحدة نلقى عليها بعضا من الضوء في المبحث التالي.

المبحث الرابع موضوع المنهج القرآني ووحدته

المبحث الرابع: موضوع المنهج القرآني ووحدته لا تعنى الوحدة الموضوعية احتواء القرآن الكريم على موضوع واحد، وإنما إذا كان القرآنُ الكتابَ المقروء، والكون هو الكتابَ المنظور، فإن محتواهما واحد، بمعنى أن الكون تمتد منه شواهدُ كثيرةُُ لكن دلالاتها واحدة، هي أن للكون إلهاً، والقرآن هو القصة الصادقة الوحيدة للإنسان وما يحيط به، بكل ما ترامت أطراف اتصافه، وبكل أبعاد آثار وجوده وفكره وحركته في الحياة، فالقرآن قضيته واحدة هي التوحيد، يُصَرِّفُ الدافعَ إليه نحو كل نمط من أنماط السلوك البشري لئلا يكون للناس على الله تعالى حجة. والقرآن يُصَرِّفُ الآيات الكونية في اعتبار القارئ ليستجمع دلائل التوحد بين كلام الله المقروء وكلامه المنظور، ثم لا يجد المرء نفسه إلا بين خيارين، إقرارِهِ بالعبودية لله لأنه لا يمكن أن يخرج من إطار ما سيق من صفات بشرية في القرآن بحجة أنه لم يكن فيه ما لا يريده القرآن ولا تحدث عنه، وكذلك لا يخرج بحال عن قوة حاجته إلى ما يحيط به من مكونات مخلوقة لله تقوم بها حياةُ ذلك الإنسان، فأنَّى يُصْرف. والأمر الثاني أو الخيار الآخر جحوده لكل ما حوله من أعلام القول الأفقي في الكون بأن للكون خالقا هو الإله الحق الله , وأعني بالقول الأفقي أن الإنسان يدرك في عمره بسطة أفقية مكانية على قدر سيره في الأرض يتبين من خلالها جلائل الآيات في الأرض على عظمة الخالق الناطق بها عظمةُ المخلوق.

ويأتيه القرآن بأعلام الكون المستطيل مضروبا على الزمن بكل ما يحتويه من آيات الأحداث تاريخاً للآثار البشرية على طول الزمن في عَرْضِ الكون. فالقرآن بأسلوبه الفريد يستحيي في قارئه الشعورَ بجلال المتكلم في جمال الكلام فيدرك في الأشياء أسرارها على نحو ما أقامها الله في آفاق الخلائق إقرارا منها بلسان تعيه القلوب فتجيبها بأنه لا إله إلا الله، وجمال الكلام وبروز العجائب فيه تستنطق من العجز قدرة الشهادة بأن محمدا رسول الله. صرفت آيات القرآن، فالقصص آيات، والأحكام آيات، والأمر آيات، والنهى آيات، والوعد آيات، والوعيد آيات، ويمكنك أن تقول: القرآن آيات، ولا يمكنك قول القرآن قصص أو أحكام أو أوامر أو نواه أو وعد أو وعيد. لأنك حين تقول هذا تكون مخطئا من وجهين: أحدهما أنك صنفت المخاطَبَ على نحو واحد، والناس على أَنحاء عدة، ثانيهما: أن القرآن استجمع صفاتِ المكلفين مخاطِباً كلا بما يليق به، فمن يرى في حياته عبرة تُنَبِّهُ فيه اليقينَ بأن الإنسان خُلِقَ ضعيفاً أو خَلْقُُ ضعيف أَوْ كَلَتْ آياتُ القصص شعورَه إلى الاعتبار إلى الماضي، ليعيد نفسه على أساس أنه بذاته سيكون ماضيا كمن سبقه. وليس للمطيع خطاب الوعيد كالعاصي، والناس صور تَنَاوَلَهَا القرآن ممزوجة كي ينقب كل إنسان فيه عن دخائلِ نفسِه، فإنه حين يتوزع القرآن على مجموع الصفات البشرية، كل بحسب ما يوافقه، فإن الشخصيات النفسية يضفي الحديث عنها توافقا أو إحساسا بالتوافق بين الكلام وبين نفس القارئ، وليس فيه من ذلك شيء، وحين يُبْسَط الحديثُ بسطًا مصروفا من كذا إلى كذا وتصادف النفسُ حقائقَ تحرِّك في القارئ شعوراً بحقيقة العلاقة

بين الخالق والمخلوق، لا يكون من الإنسان إلا صدق الالتجاء إلى حمى ربه وخالقه سبحانه. فالوحدة الموضوعية للقرآن يراد بها أن إلى ربك المنتهى، إذ تنتهي الآيات كلها إلى الرجوع من الإنسان عن الخلق إلى الخالق سبحانه وتعالى.

المبحث الخامس عناية دولية بالإعجاز

المبحث الخامس: عناية دولية بالإعجاز تجدر الإشارة إلى أن إعجاز القرآن لم تتوقف العناية به على الجهود الفردية المكتوبة كما انطوت عليه الصفحات السابقة ولكن بعض الجهات تُولِي هذه الموضوعاتِ جهوداً تبذل على المستوى الجماعي الدولي. ولن نخرق علما لأحد بتجهيله أمر وسائل الإعلام على اختلاف أنماط إعلامها بما تقوم به من نشر ما عَنَّ للقائمين على البرامج العلمية الدينية من إعجاز القرآن أو السنة أو هما معا. وهناك جهة ذات قدر عظيم وخطر جليل وهى رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة شرفها الله تعالى. هذه الجهة تضم ضمن هيئاتها هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. وإسهامات هذه الهيئة كما جاء في غلاف كتاب "الصيام معجزة علمية" للدكتور عبد الجواد الصاوي ترمي إلى: 1- وضع القواعد والمناهج وطرق البحث العلمي التي تضبط الاجتهادات في بيان الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 2- إعداد جيل من العلماء والباحثين لدراسة المسائل العلمية والحقائق الكونية في ضوء ما جاء في القرآن والسنة. 3- صبغ العلوم الكونية بالصِّبَغِ الإيمانية وإدخال مضامين الأبحاثِ المعتمدة في مناهج تعليمية في شتى مؤسساته ومراحله.

4- الكشف عن دقائق معاني الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بالعلوم الكونية في ضوء الكشوف العلمية الحديثة ووجوه الدلالة اللغوية ومقاصد الشريعة الإسلامية دون تكلف. 5- إمداد الدعاة والإعلاميين في العالم أفرادا ومؤسسات للأبحاث المعتمدة للانتفاع بها. كُلٌ في مجاله. 6- نشر هذه الأبحاث بين الناس بصورة متناسبة مع مستوياتهم العلمية والثقافية وترجمة ذلك إلى لغات المسلمين المشهورة واللغات الحية في العالم. ومع هذا فإن هذه الهيئة لم يرد ضمن أهدافها أنها ذات سلطة رقابية على ما يؤلف بعيدا عنها مما يورد من وجوه الإعجاز مما لم يقبله عقل أو يقل به أحد. والأمل أن تُمْلي هذه الهيئة شروطها على دور النشر حتى لا يكون الإعجاز منطلقا لهدم الكيان التقديسي للقرآن الكريم والسنة في نفوس المسلمين، كما يحدث بإثارة الشبهات في مثل هذه المؤلفات دون الرد عليها. وإذ يكون خضوع ما يؤلف في الإعجاز العلمي لمثل هذه الهيئة، سبيلا إلى خدمة الجوانب العلمية في الكتاب والسنة على نحو صحيح، فإنه يلزم فرض رقابة يمكن أن تتمثل في عرض الكتاب على هيئة الإعجاز أولاً قبل الموافقة منها على طباعته في أي مكان من العالم. أما ما طرح من مؤلفات في أسواق الكتب فيمكن عقد دوريات تقوم بدور المجيز أو المانع لنشر الكتاب في هدوء واستقرار لا يطمح من ورائه مؤلفُُ شهرةً ذائعةً لكتابه، حتى لا يكون السبيل مخالفا للغرض.

كلمة أخيرة

كلمة أخيرة هكذا تمالأت الدراسات عاكفة على مدى بلوغ سرائر الكتاب المجيد، فسلكت أثمن نظام من أطهر وأقدس كتاب، وما أخذت غير قطر من بحر، وما طاولت غير أفكارها في فهومه، وظل يطوي عنها ما به يستحث البحث جيلا بعد جيل، حتى آنست أنها لم تكن غير دقائق من فيضٍ جليل، فأثمرت في ربوع العلم تفرد الكتاب عن جملة ما في تاريخ الأرض من كتب، فإنه لم تنل علومُُ شرف امتياز الكثرة والتكثر في نظر كتاب غيره، وما تداول الباحثون موضوعا حتى استَجَدَّ لهم الكثيرُ من أمره. فأعجز الناس طرا حَصْرُ متناوله، وكأنهم يرون في كل لمحة بصيرةٍ جدَّة تنزُّله، ولم يوص سالف خليفته في أخذ وجهة تحدد من مساره، بل تبرق لإبداعات الرؤى فيه أنماط تفك المقلد من إساره، فإذا لكل باحث بهجة يظن بها بلوغ النهاية، وما هو إلا في عداد وجوه الإعجاز برهانُ عَجْزٍ وآية، وأنَّى يبلغ مبتدئ بخُطْوَةِ دَرْسِهِ آفاقَ غاية؟ وهذا تمام ما يسر الله من الحديث عن عناية المسلمين بوجوه إعجاز القرآن في هذا البحث على أن الكلام لا يؤذن بالانتهاء منه وما هي إلا خشية الإطالة والخروج بها عن القدر المطلوب. وقد خرج والله المستعان والله أسأل التوفيق والقبول. إنه سميع قريب.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... أهم مراجع البحث 1- الإتقان في علوم القرآن لأبي الفضل جلال الدين السيوطي. تقديم وتحقيق د/ مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير – دمشق، بيروت، الطبعة الأولى. 2- الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان، تعريب ظفر الإسلام خان، مراجعة وتحقيق عبد الصبور شاهين. ط2 دار البحوث العلمية 1393هـ، 1973م. 3- الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز. العز بن عبد السلام. الناشر المكتبة العلمية لصاحبها محمد سلطان النمنكاني بالمدينة المنورة. 4- أصل الإنسان بين العلم والكتب السماوية دكتور موريس بوكاي ترجمة فوزي شعبان. دار الكتب العلمية ط1. 5- إظهار الحق لرحمت الله الهندي ط دار التراث العربي 1406هـ - 1986م. 6- الإعجاز البياني للقرآن دكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) الطبعة الثانية دار المعارف بمصر، 1404هـ / 1984م. 7- الإعجاز العددي للقرآن الكريم د عبد الرازق نوفل. دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة الخامسة 1407هـ 1987م. 8- الإعجاز العلمي في القرآن الكريم محمد سامي محمد علي دار المحبة دمشق.

9- إعجاز القرآن للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر ابن القاسم البقلاني، عالم الكتب - بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ - 1988م. 10- البرهان في علوم القرآن للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - مكتبة دار التراث - القاهرة. 11- البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن كمال الدين عبد الواحد عبد الكريم الزملكاني ت سنة 651هـ ط مطبعة العاني ببغداد الطبعة الأولى 1394هـ، 1984م، تحقيق د: خديجة الحديثي، دكتور أحمد مطلوب. 12- تاريخ آداب العرب جـ2، مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان. الطبعة الرابعة، 1394هـ - 1974م. 13- تناقض علم الفلك مع القرآن الكريم - وتوافق نظرية الكون الأرضي معه - مصطفى أحمد عبد القادر، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع - 1شارع منشاة محرم بك - اسكندرية. 14- ثلاث رسائل في الإعجاز للرماني والخطابي والجرجاني، حققها وعلق عليها محمد خلف الله أحمد، ودكتور محمد زغلول سلام - دار المعارف الطبعة الرابعة. 15- الجامع لأحكام القرآن الكريم - لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصار القرطبي - دار إحياء التراث العربي، بيروت.

16- دلائل الإعجاز في علم المعاني للإمام عبد القاهر الجرجاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان 1398هـ - 1978م. 17- رسالة التوحيد للإمام محمد عبده، دار إحياء العلوم - بيروت ط1396هـ - 1976م. 18- سر الفصاحة لعبد الله محمد بن سعيد بن سلمان - أبو أحمد الخفاجي الحلبي، دار الكتب العلمية الطبعة الأولى: 1402هـ - 1982م. 19- الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض طبعة محمد علي صبيح بمصر. 20- الصيام معجزة علمية، دكتور عبد الجواد الصاوي، الناشر دار القبلة للثقافة الإسلامية المملكة العربية السعودية 1413هـ، 1993م. 21- الظاهرة القرآنية، مالك بن نبي. طبعة دار النفائس. 22- الفصل في الملل والنحل لابن حزم ط دار الفكر. 23- فكرة إعجاز القرآن، نعيم الحمصي. مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية. 24- الفوز الكبير في أصول التفسير لولي الله الدهلوي نقله عن الفارسية سليمان الحسيني الندوي - دار الصحوة 1407هـ - 1986م. 25- الفوائد المشوق إلى علم القرآن وعلم البيان لابن القيم الجوزية - مكتبة المتنبي. 26- القاموس المحيط للفيروز آبادي طبعة مصطفى البابي الحلبي. 27- قصة الخلق من العرش إلى الفرش عيد ورداني، الناشر الشركة العصرية للنشر - المركز الدولي للنشر. الطبعة الثانية 1/2/2000م.

28- قضية الإعجاز القرآني وأثرها في تدوين البلاغة العربية. د / عبد العزيز عبد المعطي عرفة. طبعة دار الكتب 1405هـ - 1985م. 29- كتاب التسهيل في علوم التنزيل لمحمد بن أحمد بن جزي الكلبي، دار الكتاب العربي الطبعة الرابعة 1403هـ 1983م. 30- كتاب المحصل وهو محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والمتكلمين لأبي عبد الله محمد بن عمر بن حسين فخر الدين الرازي (544هـ - 606هـ، 1148م – 1209م) تقديم وتحقيق د/حسين أتاي، مكتبة التراث 22 شارع الجمهورية - القاهرة - الطبعة الأولى. 31- كتاب المنهاج في شعب الإيمان للشيخ الإمام الحافظ أبي عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي ت 403هـ - 1012م تحقيق حلمي محمد فوده. دار الفكر الطبعة الأولى 1399هـ - 1979م. 32- الكعبة مركز العالم د/ سعد محمد محمد الشيخ المرصفي. مكتبة المنار الإسلامية. الكويت، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت. 33- الكعبة المشرفة سرة الأرض ووسط الدنيا د/ أحمد السيد دراج، دار العلم والثقافة – القاهرة. 34- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي. ت 546هـ تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد – دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1413هـ، 1993م. توزيع دار الباز بمكة المكرمة.

35- معترك الأقران في إعجاز القرآن لأبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن أبي بكر السيوطي. ضبطه وصححه وكتب فهارسه: أحمد شمس الدين دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى 1408هـ، 1988م. 36-المعتزلة - لزهدي حسن جاد الله - منشورات النادي العربي في يافا، طبعة 1366هـ – 1947م. مطبعة مصر - شركة مساهمة مصرية. 37- المعجزة الكبرى – القرآن – للإمام محمد أبي زهرة ط دار الفكر العربي 1977م القاهرة. 38- معرفة شأن القرآن. إعداد محمد أبي البشر رفيع الدين الطبعة الأولى 1418هـ مطبعة التوحيد. 39- معجزة القرآن محمد متولي الشعرواي كتاب اليوم 1977م– أخبار اليوم المصرية. 40- المعجزة (النظرية الأولى) القدر (النظرية الثانية) جزآن مهندس عدنان الرفاعي - عنوان المؤلف: سوريا - درعة - تلشهاب. وهو الناشر. 41- معجزة القرآن دكتور رشاد محمد خليفة. كان خبيراً فنياً بمنظمة التنمية الصناعية – هيئة الأمم المتحدة – إمام مسجد مدينة توسان، دار العلم للملايين – لبنان. 42- مفتاح العلوم للإمام أبي يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد بن علي السكاكي ت626 هـ. ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه نعيم زرزور - دار الكتب العلمية. الطبعة الثانية.

43- مقالات الإسلاميين لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ت 330هـ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - المكتبة العصرية. صيدا، بيروت. 44- من روائع القرآن تأملات علمية وأدبية في كتاب الله عز وجل د/ محمد سعيد رمضان البوطي - مكتبة الفارابي دمشق. سوريا. 45- منهاج البلغاء وسراج الأدباء - لأبي الحسن حازم القرطاجني. دار الغرب الإسلامي ط3 بيروت 1986م. 46- موسوعة الملل والنحل للشهرستاني الطبعة الأولى 1981م مؤسسة ناصر للثقافة. 47- النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن. دكتور محمد عبد الله دراز دار القلم - الكويت، الطبعة السادسة 1405هـ – 1984م.

§1/1