عمدة الكتاب لأبي جعفر النحاس

أبو جعفر النَّحَّاس

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه الثقة قال أبو جعفر أحمد بن محمد النحوي: 1- الحمد لله الواحد المجيد، القوي الشديد، المبدئ المعيد؛ ذي العزة والسلطان، والرحمة والامتنان؛ الذي تواضع كل شيء لعظمته، واستسلم الخلق لقدرته؛ أحمده على النعماء، وأشكره على الشدة والرخاء؛ مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قديرٌ؛ الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم؛ وصلى الله على محمدٍ عبده المرسل بالحجة والبرهان، والنور والفرقان؛ داعياً إلى الحق وشاهداً على الخلق، وعلى آل محمدٍ وسلم تسليماً. 2- فلم يزل صلى الله عليه يصدع بما أمر به ويجاهد في سبيله محتسباً صابراً، يحض على الطاعة والعلم كما حدثنا أبو سعدٍ محمد بن يحيى، يعرف بالرهاوي، قال: حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان، قال: حدثني، أبي، عن أبيه، قال: حدثنا زيد بن أبي أنيسة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: أتيت صفوان بن عسالٍ المرادي، فقال لي: ما أقدمك؟ قلت: التماس العلم؛ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع)) وذكر الحديث.

3- قال أبو جعفر: ومن العلم صناعة الكتاب، وقد وهم من زعم أن أحكام الكتابة مباينةٌ لأحكام الشريعة، لأن ذلك مخالفٌ لما يوجبه الدين والعقل، لأن الكتابة فرعٌ من فروع الشريعة، والشريعة أصلٌ، والكتابة سياسةٌ للملك، والملك لا قوام له إلا بالدين، فقد تبين أن الكتابة فرعٌ من فروع الدين، وما كان فرعاً لشيءٍ لم يباينه، وأحكام الكتابة ملائمةٌ لأحكام الشريعة. والدليل على ذلك أن مسلماً لو أحيا أرضاً مواتاً كان حكم الفقيه والكاتب فيها سواءً؛ وكذلك في ما يخرج من الزكاة من العشر ونصف العشر، وكذا حكم الصدقات من الإبل والبقرة والغنم، وكذا الحكم في الركاز والفيء والغنائم. وقد ألزم بعض الناس الكاتب أشياء يعجز عنها، وترك أشياء يحتاج إليها، وإنما أدوات الكتابة: الخط، والبلاغة، والعلم بترتيب أعمال الدواوين، والخبرة بمجاري الأعمال، والدربة بوجوه استخراج الأموال مما يحل ويسع. فهذه الآلات ليس لواحدٍ منها حيزٌ بذاته ولا انفرادٌ باسمه يخصه، وإنما هو جزءٌ من الكتابة وداخلٌ في أركانها. 4- فأما الفقه والفرائض وصناعة الحساب والعلم بالنحو، فكل واحدٍ منها منفردٌ على حدته وإن كان الكاتب محتاجاً إلى أشياء منها، نحو ما يكتب بالألف والياء وإلى شيءٍ من المقصور والمدود.

5- ولو كلف الكاتب ما ذكره من ذكره لجعل الأصعب طريقاً إلى الأسهل، والأشق مفتاحاً للأهون؛ وفي طباع الناس النفار عن ما ألزمهم من جميع هذه الأشياء. على أن بعض الناس قد ترك كل ما قال وأغفل كل ما يحتاج إليه، وجهل ما يجب عليه، حتى صار يعيب العلم وأهله، ويستصغر الأدب وأصله، وهذا كما حكى ابن الأعرابي أن العرب تقول: من أمل رجلاً هابه، ومن جهل شيئاً عابه. 6- قال أبو جعفر: وهو في هذا الفعل مخالفٌ لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللصحابة رضي الله عنهم وللتابعين رحمهم الله والحكماء. قال الله جل وعز: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ، وقال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} ، وقال جل ذكره: {وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً} ، وقال عز وجل: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} . 7- وقرئ على عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، عن شريك بن سعيدٍ، قال: حدثنا أبو بكر ابن عياش، عن سعيد بن عبد الكريم، عن أبي عمار، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((طلب العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ، وطالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر)) . 8- قال: وحدثني شريكٌ قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر،

قال: ((إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى العلم حتى يكون لله)) . 9- وحدثني محمد بن أيوب بن حبيب، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا قبيصة بن عقبة قال: حدثنا سفيان [الثوري] ، عن حبيب ابن أبي ثابت: ((طلبت هذا العلم زماناً وما أريد به الله، فنفعني الله به بعد)) . 10- وحدثني محمد بن أيوب، قال: حدثنا يحيى بن عثمان، قال: حدثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إسحاق الأنصاري، قال: حدثنا مسعر بن كدام، وروي عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من غدا يطلب العلم صلت عليه الملائكة، وبورك له في معيشته، ولم ينتقص في رزقه، وكان مباركاً عليه)) . 11- قال أبو جعفرٍ: ولو كان من لا يحسن يمسك عن الطعن على من يحسن لكان أقرب لعذره كما قرئ على علي بن سعيد بن بشير، عن أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا محمد بن منصورٍ؟؟؟ قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، أنه قال: كفى بك شراً أن لا تكون صالحاً وتطعن على الصالحين، وكفى بك خائناً أن لا تكون خائناً وأنت أمينٌ للخائنين. 12- ويروى عن أبي الدرداء، قال: اطلبوا العلم، فإن عجزتم عنه

فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلا تبغضوهم. 13- قال أبو جعفر: ولو لم يلحق من فعل هذا إلا أنه ينسب به إلى الجهل الذي يغضب منه كل أحدٍ ويكون من الهمج الرعاع كما قال عليٌ صلى الله عليه: الناس ثلاثةٌ: عالمٌ ربانيٌ، ومتعلمٌ على سبيل نجاةٍ، وهمجٌ رعاعٌ. والهمج: البعوض، أي: هو بمنزلة البهائم. 14- حدثنا محمد بن الحسن البخاري، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن صالح، قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري، قال: حدثنا سفيان، عن الأوزاعي، عن كثير بن قيسٍ، عن يزيد بن سمرة، عن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم لرضاها بما يصنع، وإنه تستغفر له دواب الأرض حتى الحيتان في البحر، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظٍ وافرٍ)) .

15- قرئ على أحمد بن سعيد الدمشقي، عن إسماعيل بن يحيى المزني في فضل العلم، قال: وإنه قال صلى الله عليه: ((يقال يوم القيامة للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم: قف واشفع لمن شئت)) . 16- وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجلٌ آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلمها)) . 17- وقال صلى الله عليه: ((من دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله)) . 18- وقال صلى الله عليه وسلم: ((العالم والمتعلم كهذه من هذه -وجمع بين أصبيعه السبابة والتي تليها- شريكان في الأجر، ولا خير في سائر الناس)) . 19- وقال صلى الله عليه وسلم: ((اغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً لذلك، ولا تكن الخامس فتهلك)) . 20- وقال صلى الله عليه وسلم: ((رددوا المسائل فإن أجر آخرها كأجر أولها)) . 21- وعن عيسى صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تلق اللؤلؤ إلى الخنزير فإنه لا يصنع به شيئاً، ولا تعط الحكمة من لا يريدها فإن الحكمة خيرٌ من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شرٌ من الخنزير)) .

قال المزني: في هذا الحديث معنيان؛ أحدهما: أدبٌ والآخر تمثيلٌ. 22- وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: من رق وجهه رق علمه. 23- وعن علي صلى الله عليه [كذا] أنه قال: تعلموا العلم، فإذا تعلمتموه فاكظموا عليه، ولا تخلطوه بضحكٍ ولا بلعبٍ فتمجه القلوب. 24- حدثنا ابن عناز [أو غسان؟؟] ، قال: حدثنا أبو الظاهر، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان يقول في هذه الآية: {وجعلني مباركاً أين ما كنت} قال: معلم الخير. 25- وقال إبراهيم: ((لا يتعلم مستكبرٌ ولا مستحٍ)) . 26- وقال رجاء بن حيوة: يقال ما أحسن الإسلام ويزينه الإيمان، وما أحسن الإيمان ويزينه التقوى، وما أحسن التقوى ويزينه العلم، وما أحسن العلم ويزنه الحلم، وما أحسن الحلم ويزينه الرفق. 27- وكان عبد الله بن عباس يقول: لصوت فقيهٍ -أو قال عالمٍ- أثقل على إبليس من مئة عابدٍ. 28- وقال مالك بن أنسٍ: إن العلم ليس بكثرة الرواية، إنما العلم نورٌ يجعله الله في القلوب. 29- وروى مالك بن أنسٍ أن عيسى صلى الله عليه قال: ((تأتي أمة

محمدٍ صلى الله عليه علماء حكماء كأنهم من الفقه أنبياء)) قال مالكٌ: وأراهم صدر هذه الأمة. 30- قال مالكٌ: إن حقاً على من طلب العلم أن يكون فيه وقارٌ وسكينةٌ وخشيةٌ، وأن يكون متبعاً لأثر من مضى قبله. 31- قال أبو جعفرٍ: وقد صار أكثر من مضى يطعن على متعلمي العربية جهلاً وتعدياً، حتى إنهم يحتجون بما يزعمون أن القاسم بن مخيمرة قال: النحو أوله شغلٌ وآخره بغيٌ. ويحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً)) . وبقول الله: {والشعراء يتبعهم الغاوون} . والمحتج بما ذكرنا جاهلٌ بكتاب الله، غالطٌ في معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله جل ثناؤه قال: {إلا الذين آمنوا} الآية مستثناةٌ. والحديث: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً)) قال الشعبي: معناه: من الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم. ويروى هذا عن عائشة رضي الله عنها. وفيه تأويلٌ آخر، وهو اختيار أبي عبيدٍ، أن معنى امتلاء جوفه من الشعر أن يغلب عليه حتى لا يكون فيه فضلٌ لقراءة القرآن ولا لذكر الله، فأما من كان ناظراً في القرآن والذكر فلم يمتلئ جوفه شعراً.

ولولم يكن في هذه الآية إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من الشعر حكمةً)) . وقوله لحسان: ((يا حسان! أجب عن رسول الله، اللهم أيده بروح القدس)) . لكان فيه كفايةٌ. 32- وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر واستحسنه وأثاب قائله، وكذا الصحبة والتابعون، واستشهدوا به في كتاب الله، منهم ابن عباس كما روى أبو داود الطيالسي عن مسمع قال: سمعت عكرمة قال: كان ابن عباس إذا سئل عن شيءٍ من أمر القرآن أنشد فيه شعراً من أشعارهم. 33- وأما قول القاسم بن مخيمرة، فإن صح فإنه مخالفٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيه، وما كان كذلك لم يجز لمسلمٍ أن يحتج به. وأيضاً فقوله: أوله شغلٌ وآخره بغيٌ؛ كلامٌ لا معنى له، لأن أول الفقه شغلٌ، وأول الحساب شغلٌ، وآخره بغيٌ، وكذا أوائل العلوم، أفترى الناس تاركين العلوم من أجل أن أولها شغلٌ!؟ وقوله: وآخره بغيٌ، إن كان يريد به أن صاحب النحو إذا حذقه صار فيه زهوٌ واستحقر من يلحن، فهذا موجودٌ في غيره من العلوم من الفقه وغيره في بعض الناس، وإن كان مكروهاً. وإن كان يريد بالبغي التجاوز في ما لا يحل فهذا كلامٌ محالٌ، لأن النحو إنما هو لتعلم اللغة التي نزل بها القرآن، وهي لغة النبي صلى الله عليه وكلام أهل الجنة وأهل السماء؛ كما قال مقاتل بن حيان: كلام أهل السماء العربية.

34- وفي الحديث: ((أحبوا العربية لثلاثٍ: لأني عربيٌ، والقرآن عربيٌ، وكلام أهل الجنة عربيٌ)) . 35- والأحاديث عن النبي صلى الله عليه والصحابة والتابعين في فضل العربية كثيرةٌ. فمن ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه)) . 36- وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى: أما بعد؛ فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية. 37- وقال أبي بن كعبٍ: تعلموا العربية كما تعلمون حفظ القرآن. 38- وكان عبد الله بن عمر يضرب ولده على اللحن. 39- وقال رجلٌ للحسن: يا أبا سعيدٍ! والله ما أراك تلحن؛ فقال: يا ابن أخي! إن سبقت اللحن. 40- وقال مورقٌ: تعلموا النحو والفرائض، فإنه من دينكم. 41- وسئل يزيد بن هارون عن معنى اللحن، فقال: اللغة. 42- وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى: مر من قبلك بتعلم العربية فإنه يدل على صواب الكلام، ومرهم برواية الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق. 43- ومر الحسن بقومٍ يتعلمون العربية، فقال: أحسنوا، يتعلمون

لغة نبيهم صلى الله عليه وسلم. 44- وإن الحسن قال: من لحن في القرآن فقد كذب على الله. 45- وقال هشام بن عروة: خرج علينا أبي يوماً ومعلمنا يعلمنا النحو، فلما خرج أبي أسكتنا المعلم، فجلس أبي، فقال للمعلم: مرهم فليتعلموا، فما أحدث أحدٌ مروءةً هي أعجب إلي من النحو. 46- وقال الزهري: ما أحدث الناس مروءةً هي أعجب إلي من الفصاحة. 47- وقال الخليل بن أحمد: لحن أيوب [السختياني] ، فقال: أستغفر الله. 48- وقال شعبة: تعلموا العربية، فإنها تزيد في العقل. 49- وقال قتادة: لا أسأل عن عقل رجلٍ لم يدله عقله على أن يتعلم من العربية ما يصلح لسانه. 50- وقال عمر رضي الله عنه: تعلموا العربية، فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة. 51- وقال رضي الله عنه: تعلموا إعراب القرآن كما تعلمون حفظه. 52- قال أبو جعفر: وقد كان الكتاب فيما مضى أرغب الناس في علم النحو وأكثرهم تعظيماً لأهله، حتى دخل فيهم من لا يستحق هذا الاسم، فصعب عليه باب العدد، فعابوا من الإعراب الحساب. وبعد

عليهم معرفة الهمزة التي تنضم وينفتح ما قبلها، أو تختلف حركتها وحركة ما قبلها، فكتبوا: ((يقرأوا)) بزيادة واوٍ لا معنى لها، ولم يفرقوا بين ذوات الياء وذوات الواو، ولا بين الواو التي يثبت بعدها ألفٌ وبين الواو التي لا يثبت بعدها ألفٌ، فكتبوا: ((فلان يرجوا)) كذا بألفٍ لا معنى لها، وكتبوا: ((جاءني مسلموا القرية)) بألف بعد الواو ولا يجوز إثباتها، ولم يفرقوا بين ما يكتب بالياء إذا انفصل وإذا اتصل فكتبوا إحداهما بالياء، فجاؤوا بما لا يجوز عند أحدٍ من النحويين، وكتبوا ((عن من)) موصولاً، وكذلك ((عن ما)) بمعنى الذي، ولم يفرقوا بين ((ما)) إذا كانت بمعنى الذي وإذا كانت زائدة توكيداً، واصطلحوا على ما لا يجوز وعلى الخطإ الفاحش، فصاروا يتطيرون من الصواب إذا كتبه بعضهم، وينكرون على من كتب: ورحمة الله؛ بالهاء؛ جهلاً منهم بأن تأنيث الأسماء بالهاء، وأنه لا فرق بين هذا وبين ((جارية زيدٍ)) . 53- ولم يكن متقدموهم كذلك، فقد قال عبد الحميد: إن الكتاب قليلٌ والمسمين بالكتاب كثيرٌ، والعلم معينٌ على نفسه من أخذه، فمن أدخل نفسه في الكتاب مصطبراً على ما ينوبه بالعفاف عن الطمع والتتبع للمعروف، وترك الضجر لأهل الانقطاع، وصبر على النوائب، وحاول جر المنافع إلى الصديق، وأظهر بشره وحسن معاملته فهو الذي احتوى على الكتاب واحتوى الكتاب عليه. 54- وقال: أنتم معاشر الكتاب ذوو الأخطار، من خيار

الخيار، على أيديكم مجاري النعم والنقم، ليس فوقكم رغبةٌ لذي مطلبٍ، فأفضلكم الفاضل، وخيركم الخير، تشهدون ما غاب الناس عنه، خيركم منتظرٌ وشركم مخوفٌ، فليست حالٌ تعدل مكان الكاتب ماخلا ذروة الرياسة، أصول إن صال ولا أنفذ إن قال مقالاً منه، فلتكن أخلاقكم بحيث وضعكم الله من عباده في بلاده، فإنه لا أقبح من كاتب دق نظره وصغر خطره في المعروف أن يبيعه أو يباع له، فاجعلوا إسداء المعروف إلى الناس تجارتكم المربحة. 55- وقد كان عبد الحميد مع بلاغته وعلمه على النهاية من الوفاء لمن صحبه. 56- حكى عمرو بن بحرٍ الجاحظ، أن مروان بن محمدٍ قال لعبد الحميد لما كثرت عليه جيوش أبي مسلمٍ وقوي أمر بني العباس وبلغه قول نصر بن سيارٍ. أرى خلل الرماد وميض نارٍ ... ويوشك أن يكون لها ضرام فقلت من التعجب: ليت شعري ... أأيقاظٌ أمية أم نيام فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب أولها كلام [فقل] لبني أمية حيث حلوا ... على الإسلام والعرب السلام أرى يا عبد الحميد أن تصير إلى هؤلاء القوم فتعلمهم أنك آثرت ناحيتهم على ناحيتي، فلعلهم يسكنون إليك، فتدبر لي عليهم؛ فتفكر

عبر الحميد، ثم قال متمثلاً: أسر وفاءً ثم أظهر غدرةً ... فمن لي بعذرٍ يشمل الناس واسعه قال: فتركه مروان ساعةً، ثم رد عليه القول، فقال متمثلاً: فغدري ظاهرٌ لا شك فيه ... لطالبه وعذري بالمغيب فأمسك مروان عنه، وعلم أنه من أهل الوفاء. 57- ومن حسن ما في هذا قول علي بن زيدٍ الكاتب حين استصحبه رجلٌ من الملوك، فقال له عليٌ: أصحبك على ثلاث خلالٍ؛ قال: وما هي؟ قال: لا تهتك لي ستراً، ولا تشتم لي عرضاً، ولا تقبل فيَّ قول قائلٍ حتى تستبرئني. قال: هذه لك، فما لي عندك؟ قال: لا أفشي لك سراً، ولا أؤخر عنك نصيحةً، ولا أوثر عليك أحداً؛ قال: نعم الصاحب المصحوب أنت. 58- وقد حكي عن عمرو بن مسعدة على بلاغته وتقدمه في الكتابة ومكانه من الرياسة ومحله من الصناعة أن رجلاً قال له: ما صنعتك؟ فقال له على التبرم: كاتبٌ. قال: من أي الكتاب أنت فإنهم خمسةٌ؟ قال

عمرو: فقلت: أسمهم لي. قال: كاتب خراجٍ يحتاج إلى أن يكون عارفاً بالطسوج والمساحة والتقسيط خبيراً بالحساب والمقاسمات. وكاتب رسائل يحتاج إلى أن يكون عارفاً بالفصول والوصول حاذقاً بالعقود والفتوح والترغيب والترهيب والابتداء والجواب. وكاتب قاضٍ يحتاج أن يكون عارفاً بالحلال والحرام والتأويل والتنزيل والمتشابه والمقالات والاختلاف في الأموال والفروج حافظاً للأحكام حاذقاً بالشروط. وكاتب جندٍ يحتاج إلى أن يكون عارفاً بحلى الرجال وشياة الدواب. وكاتب معونةٍ يحتاج إلى أن يكون عارفاً بالقصاص والجراحات ومواضع الحدود ومبالغ العقوبات في الجنايات. فمن أيهم أنت؟ قال عمرو: وكنت متكئاً فاستويت جالساً تعجباً من قوله: فقلت: أنا كاتب رسائل. فقال: لي أخٌ من إخوانك واجب الحق عليك معنيٌ بأمورك لا يغفل لك عن صغيرٍ ولا كبيرٍ، يكاتبك في كل حقٍ وباطلٍ وأنت له على مثل ذلك تزوجت أمه كيف تكتب إليه أتهنيه أم تعزيه؟ قلت: هو إلى التعزية أقرب؛ قال: فاكتب إليه بذلك؛ فلم يتجه لي شيءٌ، فقلت: لا أهنيه ولا أعزيه ولا أكتب إليه. قال: إنك لا تغفل له عن شيء ولا تجد بداً من أن تكتب إليه. قلت: هي بالمصائب أشبه. قال: فكيف تعزيه؟ قال:

ففكرت ساعةً فلم يتجه لي شيءٌ، فقلت: أقلني! أنا كاتب خراجٍ. قال: فوجه بك أمير المؤمنين إلى ناحية من عمله وأمرك بالعدل والإنصاف وأن لا تدع شيئاً من حق السلطان يذهب ضياعاً وحذرك أن تشكى، فخرجت حتى قدمت الناحية، فوقفوك على قراح خطه قابل فتي، كيف تمسحه؟ قلت: آخذ وسطه وآخذ طوله فأضربه فيه؛ قال: يختلف عليك العطوف؛ قلت: آخذ طوله وعرضه من ثلاثة مواضع، قال: إن طرفيه محددان وفي تحديده تقويسٌ وذلك يختلف؛ فأعياني ذلك، فقلت أقلني! فإني كاتب معونةٍ. قال: فرجلٌ وثب على رجلٍ فشجه موضحةً، فوثب على من شجه فشجه مأمومةً، كم بينهما من الدية؟ قلت: لا علم لي بذلك؛ قال: فلست كاتب معونةٍ! فقلت: أقلني! أنا كاتب جندٍ. قال: فإن رجلين من عسكرك اسمهما واحدٌ، هذا مشقوق الشفة العليا وهذا مشقوق الشفة السفلى، كيف تحليهما؟ قلت: لا علم لي، أقلني! فأنا كاتب قاضٍ. قال: فإن رجلاٌ هلك وخلف حرةً حاملاً وسرية ًحاملاً، فولدتا في ليلةٍ واحدةٍ، الحرة جاريةً والسرية غلاماً، فأخذت الحرة البنت فوضعتها في مهد السرية، وأخذت الابن، وتناكرتا كيف تحكم بينهما؟ قلت: لا علم لي بذلك، فأقلني! قال: قد فعلت.

ثم سألته تفسيره فقال: أما الذي تزوجت أمه، فاكتب إليه: إن الأقدار تجري بغير محاب المخلوقين والستر في عافية خيرٌ من شائنة في ملكٍ، والله يختار للعبد، خار الله لك في جميع الأمور. وأما القراح فتمسح اعوجاجه حتى تبصر كم قبضةً تكون فيه، فإن استوى في يدك عقدٌ تعرفه فاضرب طرفه في وسطه. وأما الشجة المأمومة ففيها ثلاثٌ وثلاثون وثلثٌ من الإبل، وفي الموضحة خمسٌ من الإبل، فيرد صاحب الموضحة على صاحب المأمومة ثمانياً وعشرين وثلثاً من الإبل. وأما الجنديان، فتكتب المشقوق الشفة العليا أعلم، والمشقوق الشفة السفلى أفلح. وأما الحرة والسرية فيوزن لبنهما، فأيتهما كانت أخف لبناً كانت الجارية لها، وذكر الحديث. وهذا حسنٌ غير منكر إلا ما قال في اللبن، فإن الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا مخالفون له، وسنذكر جملة الشجاج إذا انتهينا إلى موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله. 59- وليس ينكر أن يكون عمرو بن مسعدة على محله من الكتابة وموضعه من الرئاسة يشكل عليه مثل هذا، وقد كان فيه توقفٌ وترك

جسارةٍ على ما أرتج عليه كما روي أن المأمون أمره أن يكتب إلى العمال في سائر النواحي والأمصار بالاستكثار من القناديل في المساجد الجامعة والطرق السابلة في شهر رمضان، قال فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛ فقد أمر أمير المؤمنين بالاستكثار من المصابيح في شهر رمضان. واعتاص عليَّ المعنى، فلم أدر ما أكتب، وأرتج. فنمت مهموماً، فأتاني آتٍ في منامي، فقال لي: اكتب فإن في ذلك أنساً للسابلة وضياءً للمتهجد، ونفيا ًلمكامن الريب وتنزيهاً لبيوت الله عن وحشة الظلم. 60- ومن أحسن ما في هذا، وهو من كلام بعض أهل عصرنا، قال: وجدت قول القائل: الكتابة اسمٌ مشتركٌ يوقع على معانٍ كثيرةٍ، فتارةً يقع على كمالها واستيعاب أقسامها، وتارةً على بعض منازلها. ويسمى به من يعلم البعض منها، حتى إنه في عصرنا هذا يوقع على من لبس لبسة أهلها، فمن كان من الكتاب جامعاً لأدوات الكتابة فهو الذي يصلح فيها للرئاسة العالية، ومن كان مقصراً عن تلك المنزلة وجب أن تنزل طبقته بحسب ما معه من الصناعة. 61- وسمعت علي بن سليمان يقول: كنا إذا قللنا ما مع الإنسان من النحو قلنا: نحو كتابيٌ؛ ألا تراهم يفرون إلى قراءة الأخبار ويطلبون (الكامل) ويدعون ما يحتاجون إليه من النحو لصعوبته.

62- قال أبو جعفرٍ: وقد سئل بعضهم: لم حذفت الألف من الرحمن؟ فلم يدر. 63- وقال بعض رؤسائهم: حذفت لكثرة الاستعمال. وهذا عجيبٌ من الجواب، لأنه لا يقع إلا لله عز وجل، فما معنى كثرة الاستعمال؟ 64- وقال آخر: حذفت فرقاً بينها وبين الألف الثانية. 65- وحتى زعم بعضهم أنه يكتب ثلاث سجلاتٍ بغير هاءٍ لتأنيث الجمع. وهذا بطلان العدد، لأن بابه أن ينظر إلى الواحد لا إلى الجمع، والصواب في هذا ما قاله الأخفش سعيدٌ قال: تقول: ثلاثة حماماتٍ لأن الواحد حمامٌ مذكرٌ. 66- وقد قال قائل هذا في عمن: إنها تكتب موصولةً للإدغام. ولو جاز هذا لكتبت الرحمن براءين ومن في: عن من بمعنى الذي، والكتاب على الانفصال. 67- وقد ذكرنا أشياء كثيرةً، منها أنه فرق بين الخلف والكذب، فزعم أنه من قال: أنا أفعل؛ ثم لم يفعل، أنه ليس بكاذبٍ؛ وهذا مخالفٌ على نص كتاب الله، قال الله عز وجل: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم} . فقال جل ثناؤه: {والله يشهد إنهم لكاذبون} فأكذبهم في المستقبل. ونظيره قوله عز وجل: {ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من

المؤمنين} فأكذبهم الله جل ثناؤه فقال عز وجل: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} . 68- ولولا كراهية الإطالة لذكرنا من هذا أشياء كثيرةً. على أن لشيخنا ابن كيسان كتاباً مفرداً في ما وقع من الغلط في (أدب الكاتب) المصنف. 69- ومن حسن ما سمعناه في وصف كاتبٍ ما نعت به أبو علي البصير أبا الحسن عبيد الله بن يحيى، وهو قوله: إن أمير المؤمنين قد استصلحك لنفسه، وائتمنك على رعيته، فنطق بلسانك، وأخذ وأعطى بيدك، وأورد وأصدر عن رأيك، وكان تفويضه إليك بعد امتحانه إياك وتسليطه الحق على الهوى فيك بعد أن ميل بينك وبين الذين نصبوا لمرتبتك، وأجروا إلى غايتك: فأسقطهم مضمارك، وخفوا في ميزانك، لم يزدك -أيده الله- رفعةً وتشريفاً إلا ازددت له هيبةً وتعظيماً، ولا تسليطاً وتمكيناً إلا زدت نفسك عن الدنيا عزوفاً وتنزيهاً، ولا تقريباً واختصاصاً إلا ازددت بالعامة رأفةً وعليها حدباً. ولا يخرجك فرط النصح له عن النظر لرعيته، ولا إثبات حقه عن الأخذ بحقها عنده، ولا القيام بما هو له عن تضمن ما هو عليه. ولا تشغلك معاناة كبار الأمور عن تفقد صغارها، ولا الجذل بإصلاح ما تصلح منها عن النظر في عواقبها، تمضي ما كان الرشد في

إمضائه، وترجئ ما يوجد الحزم في إرجائه، وتبذل ما كان الفضل في بذله، وتمنع ما كانت المصلحة في منعه، وتلين في غير ضعفٍ، وتشتد في غير عنفٍ، وتعفو في غير فشلٍ، وتسطو في غير جورٍ، وتقرب في غير تبذلٍ، وتبعد من غير تكبرٍ، وتخص في غير ميلٍ، وتعم في غير تضييعٍ، ولا يشقى بك المحق وإن كان عدواً، ولا يسعد بك المبطل وإن كان ولياً، فالسلطان يعتد لك من الغناء والكفاية والذب والحياطة والنصح والأمانة والعفة والنزاهة والنصب في ما أدى إلى الراحة بما يراك معه حيث انتهى إحسانه إليك مستوجباً للزيادة، وكافة الرعية إلا من غمط منهم العافية مثنون عليك بحسن السيرة ويمن النقيبة، ويعدون من مآثرك أنك لم تدحض حجةً بباطلٍ، ولم تدفع حقا ًبشبهةٍ، ولم تقصد لإزالة نعمةٍ. وهذا يسيرٌ من كثيرٍ، لو قصدنا لتفصيله لأنفدنا الزمان قبل تحصيله، ثم كان قصرنا الوقوف دون الغاية منه. 70- قال أبو جعفر: ومما يوصف به الكاتب المستقيم الأمر أن يكون مبادراً أيامه، كما روى المزني عن الشافعي، أنه حكى عن بعض الحكماء أنه قال: ليس من أحدٍ وإن ساعدته المقادير بمستخرجٍ من الدنيا غضارة عيشٍ إلا من خلالٍ مكروهةٍ. ومن انتظر بمعاجلة الدرك مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته، لأن صناعة الدهر السلب، وشروط الأيام الإقالة، وفي ذلك يقول:

الحكيم: بادر إذا الحاجات يوماً أمكنت ... بورودهن بوادر الآفات كم من مؤخر حاجةٍ قد أمكنت ... لغدٍ وليس غدٌ له بموات تأتي الحوادث حين تأتي جمةً ... وترى السرور يجيء في الفلتات 71- ويروى أن المأمون كان يتفقد ما يكتب به الكتاب، فيسقط من لحن، ويحط مقدار من أتى بما غيره أجود منه في العربية؛ فكان الكتاب يتثابرون على ما يأخذون من النحو لما كانت الرؤساء يتفقدون هذا منهم ويقربون العلماء. 72- كما قال المفضل بن محمدٍ: جاءني رسول الله الرشيد، فنهضت، فلما دخلت عليه سلمت، فأومأ بيده ومحمدٌ عن يمينه والمأمون عن يساره والكسائي بين يديه يطارحهما معاني القرآن ومعاني الشعر، فقال لي الرشيد: كم اسماً في {فسيكفيكهم الله} ؟ فقلت: ثلاثة أسماءٍ يا أمير المؤمنين؛ اسم الله، والكاف الثانية اسم النبي صلى الله عليه وسلم، والهاء مع الميم اسم الكفار؛ قال الرشيد: كذا قال الرجل، وأشار إلى الكسائي، ثم التفت إلى محمدٍ فقال: أفهمت ما قال؟ قال: نعم؛ قال: فاردده علي إن كنت صادقاً؛ فرده عليه كما لفظت به، فقال: أحسنت أمتع الله بك؛ ثم أقبل علي، فقال: من يقول:

نفلق هاماً لم تنله أكفنا ... بأسيافنا هام الملوك القماقم قال: قلت: الفرزدق، يا أمير المؤمنين؛ قال: كيف يفلق هاماً لم تنله كفه؟ قلت: على التقديم والتأخير، كأنه قال: نفلق بأسيافنا هام الملوك القماقم هام من لم تنله أكفنا، على التعجب والاستفهام؛ قال: أصبت. ثم أقبل على الكسائي؛ فحادثه ساعةً، ثم التفت إلي، فقال: أعندكم مسألةٌ؟ قلت: نعم، لصاحب هذا البيت؛ قال: هات! قلت: قال: أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع قال الرشيد: قد أفادنا هذا الشيخ؛ يعني الكسائي، ثم التفت إلى محمدٍ والمأمون، فقال: أحفظتما ما قاله في هذه المسألة؟ قالا: نعم، علمنا علي بن حمزة أن القمرين ها هنا الشمس والقمر، كما قالوا: سيرة العمرين، يريدون أبا بكرٍ وعمر، وكما قالوا: ما أطرد الأسودان، أي: الليل والنهار. قلت: أزيد يا أمير المؤمنين في السؤال؟ قال: زد! قلت: فلم استحبوا هذا؟ قال: لما اجتمع شيئان من جنسٍ واحدٍ فكان أحدهما أشهر من الآخر، غلب الأشهر، لأن القمر أشهر عند العرب لأنسه وكثرة بروزهم فيه ومشاهدتهم إياه دون الشمس في أكثر الأوقات، وتلك القصة في قولهم: العمران، لطول خلافة عمر

وكثرة الفتوح فيها، وكذا الليل، لأنهم فيه أفرغ وسمرهم فيه أكثر. فقلت: أفيه يا أمير المؤمنين غير هذا؟ فقال: ما أعلمه؛ ثم التفت إلى الكسائي، فقال: أتعرف في هذا غير ما جرى مما أفدتناه؟ قال: لا يا أمير المؤمنين؛ وهو وفاء المعنى؛ فأمسك عني قليلاً، ثم قال لي: أتعرف أنت فيه أكثر من هذا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، بقيت الغاية التي افتخر بها قائل هذا الشعر؛ قال: فقل! قلت: الشمس أراد بها إبراهيم خليل الرحمن، والقمر أراد محمداً صلى الله عليه وسلم، والنجوم الطوالع أنت والخلفاء من آبائك ومن يكون من ولدك إلى يوم القيامة. قال: فتهلل وجهه، وقال: حسنٌ والله، والعلم كثيرٌ لا يحاط به، ولعله هذا الشيخ لم يسمع هذا فيفيدناه، وإن هذا لعمري لأبلغ إلى غاية الفخر؛ ثم رفع رأسه إلى الفضل بن الربيع، فقال: يحمل إلى منزل الشيخ عشرة آلاف درهمٍ، فيقدم بها من ساعته. 73- ومما كتبناه عن علي بن سليمان: أن الأصمعي غاب عن الرشيد غيبةً طويلةً، فلما وافى دخل إليه، فقال له: يا عبد الملك! أطلت الغيبة؛ فقال: يا أمير المؤمنين! ما ألاقتني أرضٌ حتى وافيتك؛ فلم يدر الرشيد ما معنى ألاقتني، فأمسك مغتاظاً، فلما انفض الناس قال: ما معنى ألاقتني؟ قال: أقرتني وأثبتتني؛ فقال: له: احذر أن تكلمني بين العامة بما لا أفهمه.

74- فممن امتنع من النحويين من ملازمة السلاطين إجلالاً للعلم وغنى نفسٍ: الخليل بن أحمد وبكر بن محمدٍ المازني. ونملي خبر الخليل عن علي بن سليمان ومحمد بن الحسين بن الحسن، عن عبد الله بن عبد العزيز، وفي رواية علي بن سليمان زيادة بيتين في آخر الأبيات، والخبر أن سليمان بن حبيبٍ المهلبي وجه إلى الخليل، فامتنع، وكتب إليه. أبلغ سليمان أني عنه في سعةٍ ... وفي غنىً غير أني لست ذا مال سخى بنفسي أني لا أرى أحداً ... يموت هزلاً ولا يبقى على حال والرزق عن قدرٍ لا الضعف ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال والرزق يغشى أناساً لا خلاق لهم ... كالسيل يغشى أصول الدندن البالي كل امرئٍ بسبيل الموت مرتهنٌ ... فاعمل لبالك إني شاغلٌ بالي والفقر في النفس لا في المال نعرفه ... ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال 75- وكان خبر المازني قريباً من هذا لما عرض عليه الواثق المقام. وقد أمليت خبره عن علي بن محمدٍ المعروف بابن الخردلي، عن أحمد بن يحيى، أن المازني أشخصه الواثق إلى سر من رأى لأن جاريةً غنت وراء ستارةٍ:

أظليم إن مصابكم رجلاً ... أهدى السلام تحيةً ظلم فقال لها الواثق: رجلٌ؛ فقالت: لا أقوله إلا كما علمت؛ فقال للفتح: كيف هو يا فتح؟ قال: هو خبر ((إن)) كما قال أمير المؤمنين؛ فقالت الجارية: علمني أعلم الناس بالعربية المازني، كان يعرب شعر غنائي؛ فأمر أمير المؤمنين بإشخاصه، فأشخص. قال أحمد بن يحيى: فلقيني يعقوب بن السكيت، فسألني، فأجبته: بالنصب؛ قال: فأين خبر ((إن)) ؟ قلت: ((ظلم)) ، ثم أتى المازني، فأجاب بمقالة الجارية. 76- قال أبو جعفر: وجدت في هذا الخبر زيادةً من رواية البصريين عن المازني، وهي أن المازني قال: قلت لابن قادمٍ ولابن سعدان لما كابراني: كيف تقول نفقتك ديناراً أصلح من درهمٍ؟ فقال: دينارٌ؛ فرفع، قلت: كيف تقول: ضربك زيداً خيرٌ لك؟ فنصب؛ فقلت: فرق بينهما، فانقطع، وكان ذلك عند الواثق، وحضر ابن السكيت، فقال لي الواثق: هات مسألةً! فقلت ليعقوب: {فأرسل معنا أخانا نكتل} ما وزنه من الفعل؟ فقال: نفعل. فقال له الواثق: غلطت؛ ثم قال لي: فسره يا مازني! فقلت: نكتل تقديره نفتعل، نكتيل، فانقلبت الياء ألفاً لفتحة ما قبلها، فصار لفظها نكتال، فأسكنت اللام للجزم، لأنه جواب الأمر، فحذفت الألف لالتقاء

الساكنين. فقال: هذا الجواب، لا جوابك يا يعقوب! فلما خرجنا، قال لي يعقوب: ما حملك على هذا وبيني وبينك المودة الخالصة؟ قلت: والله ما قصدت تخطئتك، ولكن كانت في نفسي هينة الجواب ولم أظن أنها تعزب عنك، ولو علمت ذلك ما ألقيتها. 77- وحضرت يوماً آخر، وقد اجتمع جماعةٌ من نحويي الكوفة، فقال لي الواثق: يا مازني! هات مسألةً؛ فقلت: ما تقولون في قول الله جل وعز {وما كانت أمك بغياً} لم لم يقل: ((بغيةً)) وهي صفةٌ لمؤنثٍ؟ فأجابوا بجواباتٍ ليست بمرضيةٍ، فقال لي الواثق: هات الجواب؟ فقلت: يا أمير المؤمنين! لو كانت بغي على تقدير فعيل بمعنى فاعلة لحقتها الهاء مثل كريمةٍ وظريفة ٍوإنما تحذف الهاء إذا كانت بمعنى مفعولةٍ نحو: امرأةٍ قتيلٍ، وكفٍ خضيبٍ، وتقدير بغي ها هنا ليس بفعيل، إنما هو فعول، وفعولٌ لا يلحقه الهاء في وصف التأنيث، نحو امرأةٍ شكورٍ، وبئرٍ شطونٍ، إذا كانت بعيدة الرشاء، وتقدير بغي بغويٌ، قلبت الواو ياءً ثم أدغمت الياء في الياء نحو سيدٍ وميتٍ؛ فاستحسن الجواب. ثم أتيته، فاستأذنته في الخروج، فقال: هلا أقمت عندنا؟ فقلت: يا أمير المؤمنين! لي بنيةٌ أشفق أن أغيب عنها؛ قال: كأني بك وقد قالت لك قول ابنة الأعشى للأعشى: أرانا إذا أضمرتك البلاد ... نجفى وتقطع منا الرحم

ومن النحويين من سارع إلى السلاطين والكتاب ثم لم يحمد معهم العاقبة

وقلت: تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً ... يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ... عينا فإن لجنب المرء مضطجعا فوالله ما ترك ما في نفسي، وأمر لي بمالٍ، وأذن لي في الانصراف. 78- وفر أبو عمر بن العلاء من الحجاج، قال: فبينما أنا أسير، إذ سمعت رجلاً ينشد: ربما تجزع النفوس من الأمر ... له فرجةٌ كحل العقال مات والله الحجاج. فما أدري بأيهما كنت أفرح. يعني: موت الحجاج، أو قوله: فرجةً. 79- وعبد الله بن أبي إسحاق واحد القراء والنحويين، كان ممتنع الجانب، قليل الغشيان للسلطان، حتى عير بالكبر، وهجي به. ومن النحويين من سارع إلى السلاطين والكتاب ثم لم يحمد معهم العاقبة 80- منهم سيبويه وابن السكيت كما حدثنا علي بن سليمان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى ومحمد بن يزيد وبعض أصحابنا يختلفون في الشيء بعد الشيء، قالوا: لما ورد سيبويه إلى العراق شق أمره على

الكسائي، فأتى جعفر بن يحيى والفضل بن يحيى، فقال: أنا وليكما وصاحبكما، وهذا الرجل قد قدم ليذهب محلي؛ فقالا: احتل لنفسك، فإنا سنجمع بينكما؛ فجمعا عند البرامكة، وحضر سيبويه وحده وحضر الكسائي ومعه الفراء وعليٌ الأحمر وغيرهما من أصحابه، فسألوه: كيف تقول: كنت أظن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها؟ قال: أقول: فإذا هو هي؛ فأقبل عليه الجمع، فقالوا: أخطأت ولحنت؛ فقال يحيى بن خالدٍ: هذا موضعٌ مشكلٌ، فمن يحكم بينكم؟ قالوا: هؤلاء الأعراب على الباب؛ فأدخل أبو الجراح ومن وجد معه من الأعراب ممن كان يحمل عنه الكسائي وأصحابه، فقالوا: نقول: فإذا هو إياها؛ وانصرم المجلس على أن سيبويه قد أخطأ وحكم عليه، فأعطاه البرامكة وأخذوا له من الرشيد، وبعث به إلى بلده، فيقال: إنه ما لبث بعد هذا إلا يسيراً ثم مات، فيخال أنه مات كمداً. ومما أنشد عند موته وأخوه جالسٌ عند رأسه: أخيين كنا فرق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا قال علي بن سليمان: وأصحاب سيبويه إلى هذه الغاية لا اختلاف بينهم أن الجواب على ما قال سيبويه، وهو: فإذا هو هي، وهذا موضع الرفع.

ومن النحويين من قرب من السلاطين فحظي عندهم، وأحمد أمره معهم

81- وأما ابن السكيت، فمن خبره ما حدثنيه محمد بن الحسين، قال: حدثني عبد الله بن عبد العزيز النحوي، قال: قال لي يعقوب بن السكيت: أريد أن أشاورك في شيءٍ، قلت: قل. قال: إن أمير المؤمنين -يعني المتوكل- قد أدناني وقربني وندبني إلى منادمته، فما ترى؟ قلت: لا تفعل! وكرهت له النهاية، فدافع بذلك يعقوب، ثم تطلعت نفسه إليه، فرجع، فشاورني، فقلت له: يا أخي! احذره على نفسك، فإنه سلطانٌ، وأكره أن تزل بشيءٍ؛ فحمله الحب لذلك على أن خالفني، فقتله في أول مرةٍ لشيءٍ جرى بينه وبينه في أمر الحسن والحسين رضي الله عنهما، وكان أوله مزاحاً، وكان ابن السكيت يتشيع، فقتله. ومن النحويين من قرب من السلاطين فحظي عندهم، وأحمد أمره معهم 82- منهم علي بن حمزة الكسائي. وأصل علمه من البصرة وعن أهلها أخذ الصحيح من علمه كما حدثني علي بن سلميان، قال سمعت محمد بن يزيد، يقول: سمعت أبا عثمان المازني، يقول: حدثني الأخفش، قال: حدثني يونس بن حبيبٍ، قال: أقام الكسائي عندنا بالبصرة عشرين سنةً، ثم رحل إلى الكوفة، فأخذ عن أعرابٍ ليسوا بفصحاء، فأفسد الحق بالباطل. 83- قال أبو جعفرٍ: فقد صار النحو كله من البصرة لأن الكسائي منهم تعلم، ثم قرأ على الأخفش كتاب سيبويه، ويحكى أنه دفع

إليه مئتي دينارٍ؛ وليس أحدٌ من الرؤساء المتقدمين في النحو إلا بصريٌ، حتى إنهم حججٌ في اللغة تؤخذ عنهم لفصاحتهم، وكانوا لا يأخذون إلا عن الفصحاء، ولهم السبق والتقدم، منهم أبو الأسود الدؤلي وأبو عمروٍ. 84- وسمعت علي بن سليمان يقول: ساءني أن خلف البزاز على جلالته ومحله ترك الكسائي، وهو أستاذه، ولم يرو عنه حرفاً واحداً مع حاجته إليه في تصنيفه ((كتاب القراءات)) . ثم عرفني غير أبي الحسن أنه إنما ترك الرواية عنه لأنه سمعه يقول: قال سيدي الرشيد! فتركه، وقال: إن إنساناً مقدار الدنيا عنده أن يجل رجلاً من أهلها هذا الإجلال لحريٌ ألا يؤخذ عنه شيءٌ من العلم. 85- ولم يكن الرشيد من الخلفاء شديد الكبر ولا الزهو، يدلك على ذلك ما رواه محمد بن سماعة، قال: دخلت مع محمد بن الحسن دار هارون الرشيد -وقد بعث إليه- فقعدنا في مجلسٍ، فبينا نحن كذلك إذ خرج هارون، فقام الناسك لهم غير محمدٍ، ثم دعا به، فأدخل عليه، فقال له: قد عزمت على أن أجبر بني تغلب على الإسلام. فقال: ولم ذاك؟ قال: لأن عمر صالحهم على أن لا ينصروا أبناءهم؛ فقال له محمدٌ: وقد ترك عمر أبناءهم على حكمهم، ولم يأخذهم بالإسلام؛ فقال له هارون: فلعل مدة عمر بعد صلحه إياهم لم تطل! قال محمدٌ: فهبها كانت كذلك، قد كان بعده إماما عدلٍ لهما مدةٌ طويلةٌ: عليٌ

وعثمان رضي الله عنهما، فما أخذاهم بذلك؛ فسكت هارون. 86- قال أبو جعفرٍ: ونظير هذا أن عبد الله بن إدريس الكوفي قال: كنا جلوساً ننتظر خروج أمير المؤمنين وفينا أبو بكر بن عياشٍ، فخرج علينا، فقام الناس ولم أقم، وكان أبو بكرٍ ممن قام، فاشتد عليه ذلك -يعني أبا بكرٍ- فجرى شيءٌ من العلم، وجرى ذكر النبيذ. فقال أبو بكرٍ: حدثنا أبو إسحاق، عن مشايخه، عن عبد الله بن مسعودٍ أنه كان يشرب النبيذ الشديد، فقلت: يا أبا بكرٍ! ما هذا مما يحتج به، أهو الشديد من الخل أو من غيره؟ فقال: اسكت يا صبي! فقلت: يا شيخ! إبليس أقدم منك. يقول أبو إسحاق عن بعض مشايخه، وهذا مما لا يحتج به؛ وأبو إسحاق إذا سمى مشايخه كان فيه نظرٌ، ولكنني حدثني محمد بن عمروٍ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل مسكرٍ خمرٌ، وكل مسكرٍ حرامٌ)) . 87- وشخص الكسائي مع الرشيد إلى الري، فمات هناك سنة تسعٍ وثمانين ومئة هو ومحمد بن الحسن الفقيه. واشتد بكاء محمد بن الحسن عند موته فقيل له: إنك على خيرٍ من العلم والدين؛ فقال: أخاف أن يسألني ربي عن خروجي إلى الري، هل كان في جهادٍ أو في مرضاة الله؟ فلا تكون لي حجةٌ. 88- وقد كان الأصمعي متصلاً بالرشيد، وكان يقدمه ويتكلم في مجلسه. قال الأصمعي: ناظرت أبا يوسف عند الرشيد، فلم يفرق بين

عقلته وعقلت عنه، حتى فهمته أن عقلته أعطيت ديته، وعقلت عنه لزمته ديةٌ فدفعتها عنه. 89- قال: وكان الأصمعي شديد التوقي لتفسير القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فيقال: إنه تكلم فيهما بعد ذلك لما لقيه أحمد بن حنبلٍ وأبو عبيدٍ، وكان صدوقاً، ويقال: إنه ولد سنة ثلاثٍ وعشرين ومئةٍ، وعمر نيفاً وتسعين سنةٍ، وسمعت علي بن سليمان يقول: أهل النحو فيما نعلم معمرون لا يكسر علينا هذا إلا سيبويه. 90- ومنهم المفضل بن محمدٍ الضبي، كان ملازماً للرشيد، فأمره أن يختار له أشعاراً، وقد أمليناها. 91- ومنهم أبو زيدٍ سعيد بن أوسٍ القاضي النحوي، قال: إذا سمعتم سيبويه يقول: حدثني الثقة، فإنما يعنيني. 92- وكان سيبويه والأصمعي يرضيان به في أشياء يتماريان فيها، غير أنه قد كان قدرياً، كان قد قارب المئة في سنه. 93- ومنهم أبو عبيدة البصري، سمعت علي بن سليمان يقول: قال علي بن المدائني: رأيت أبا عبيدة البصري من أصدق الناس، سألته عن حرفٍ من الغريب، قال: ما أعرفه، وعندنا رجلٌ يقال له: عبد الملك، فاسأله وعرفني ما يقول؛ ففعلت، وغبرت مدةً طويلةً ثم سألته عن الحرف بعينه، فقال: ما أعرفه، إلا أن إنساناً سألني عنه، وعرفني عن بعض أهل بلدنا بكذا. ويقال: إنه كان يرى رأي الخوارج، وتوفي سنة عشرٍ ومئتين، وقيل: إحدى عشرة؛ وقد قارب المئة.

94- ومنهم يونس بن حبيبٍ، يكنى أبا عبد الرحمن، وهو من أستاذي سيبويه، مات سنة اثنتين وثمانين ومئةٍ، وهو ابن ثمانٍ وثمانين سنةً وكان في لسانه فضلٌ. 95- ومنهم عيسى بن عمر، كان صاحب تقعيرٍ في كلامه، ونصبٍ في قراءته، مات سنة سبعٍ وأربعين ومئةٍ. 96- ومنهم النضر بن شميلٍ، نحويٌ محدثٌ، وكانت وفاته سنة ثلاثٍ ومئتين. 97- ومنهم يحيى بن زيادٍ الفراء، توفي في طريق مكة سنة سبعٍ ومئتين. 98- ومنهم اليزيدي عبد الرحمن بن المبارك، كان معلماً حذاء دار أبي عمرو بن العلاء. وقيل: يزيديٌ لأنه كان يؤدب ولد يزيد بن منصورٍ الحميري. 99- قال علي بن سليمان: حدثت أن اليزيدي كان جالساً مع المأمون على ما يجتمع عليه كثيرٌ من الملوك، وبلغ من اليزيدي، فامتن على المأمون بتأديبه إياه، فلما انصرف إلى منزله عرف ما كان منه، فغدا على المأمون، فأنشده لنفسه وقد تكفن وتحنط: أنا المذنب الخطاء والعفو واسعٌ ... ولو لم يكن ذنبٌ لما عرف العفو ثملت فأبدت مني الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوي السكر والصحو ولا سيما إذ كنت عند خليفةٍ ... وفي مجلسٍ ما إن يجوز به اللغو

فإن تعف عني ألف خطوي واسعاً ... وإلا يكن عفوٌ فقد قصر الخطو فقال المأمون: يا أبا محمدٍ! إن الشراب بساطٌ يطوى بما عليه. 100- ومنهم أبو عبيدٍ القاسم بن سلامٍ، خراسانيٌ، كان مؤدباً، وولي قضاء طرسوس أيام ثابت بن نصر بن مالكٍ، ولم يزل معه ومع ولده يجري عليه الرزق وهو يصنف الكتب، توفي بمكة سنة أربعٍ وعشرين ومئتين. 101- ومنهم صالح بن إسحاق الجرمي لم يزل النحوي منفرداً وصاحب الغريب والشعر منفرداً، حتى كان أبو عمروٍ الجرمي، فجمع الأمرين، ولولاه ما عرفت أبنية سيبويه، وكان فوق أصحابه المازني واليزيدي والرياشي والسجستاني. 102- قال أبو جعفر: أبو إسحاق وأبو العباس تاريخا النحو. 103- قال أبو جعفر: وربما كان الكاتب يمنعه من التأدب الكبر، وهذا أشد من ذلك الذي ذكرناه. 104- وقد روى عبد الله بن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل النار مثقال ذرةٍ من إيمانٍ، ولا يدخل الجنة مثقال ذرةٍ من كبرٍ)) فقال رجلٌ: يا رسول الله! إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً. قال: ((الكبر بطر الحق وغمص الناس)) .

105- وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وذقنه قد كان يقارب عرف دابته تواضعاً لله جل وعز. 106- وأنه قال صلى الله عليه وسلم: ((الكبرياء رداء الله من نازعه إياه قصمه)) . 107- وهو القائل صلى الله عليه: ((يا أبا عميرٍ! ما فعل النغير؟)) . 108- وروى ابن مسعودٍ أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه، فكلمه، وأخذته رعدةٌ، فقال له النبي صلى الله عليه: ((هون عليك، فإنما أنا ابن امرأةٍ من قريشٍ كانت تأكل القديد)) . 109- قال أبو جعفر: ونحن نؤلف كتاباً نجمع فيه ما يحتاج إليه الكاتب ونجتهد في تقريبه، ونذكر فيه عيون ما ينتفع به من الخط والهجاء والعربية واللغة والمكاتبات على الترتيب للرجال والنساء، وعيوناً من الرسائل وغير ذلك، ونجعله مراتب عشراً، نذكر في كل مرتبةٍ من صناعة الكاتب ما يشبه بعضه بعضاً إن شاء الله. 110- فأول ذلك:

المرتبة الأولى

المرتبة الأولى نذكر فيها: بسم الله الرحمن الرحيم ولم حذفت الألف من بسم الله ومن الرحمن وغير ذلك مما فيها من العلم، ثم نذكر (أبا جادٍ) ومعانيها وإعرابها والحكمة فيها، ثم نذكر أب ت ث وما فيها، ثم نذكر أسماء الأيام، ثم أسماء الشهور واشتقاقها، وأصل تسميتها، ومحرماتها؛ فهذه المرتبة الأولى. ونذكر في أول كل مرتبةٍ ما نقدر على أن نأتي به ليكون ذلك تطلعاً إلى ما نأتي به وازدياداً في الحرص على النظر فيه إن شاء الله، وبه أستعين، وعليه أتوكل وإياه أسأل حسن التوفيق برحمته ولطفه. أول المرتبة الأولى باب ذكر بسم الله الرحمن الرحيم 111- روى الحسن بن فرقدٍ، قال: سمعت الحسن يقول: من كتب بسم الله الرحمن الرحيم، فحسنه أحسن الله إليه.

112- وروى معمرٌ، عن الزهري في قوله: {وألزمهم كلمة التقوى} قال: بسم الله الرحمن الرحيم. 113- وروى زيدٌ العمي، عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستر ما بين الجن وعورات بني آدم أن يقولوا: بسم الله الرحمن الرحيم)) . 114- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب كما تكتب قريشٌ: باسمك اللهم، حتى نزلت: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها} فكتب: باسم الله؛ حتى نزلت: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} فكتبت: بسم الله الرحمن؛ حتى نزلت: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} فكتب صلى الله عليه وآله: بسم الله الرحمن الرحيم. 115- واختلف العلماء في كتب بسم الله الرحمن الرحيم أمام الشعر، وكره ذلك سعيد بن المسيب والزهري، وأجازه النخعي، وكذا يروى عن ابن عباسٍ، قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم في الشعر، وفي غيره. ورأيت علي بن سليمان يميل إلى هذا، وقال: ينبغي أن يكتب أمام الشعر بسم الله الرحمن الرحيم لأنه يجيء بعدها قال فلانٌ أو ما أشبهه.

116- قال أبو جعفر: أما ما مر في الحديث من قولك: ((باسمك اللهم)) فقول سيبويه والخليل فيه أن الأصل، ياالله، فضمه الهاء هي ضمة الاسم المفرد المنادى، والميم المشددة حرفان عوضٌ من حرفين، وهما: يا؛ وقول الفراء أن الأصل: الله أمنا بخيرٍ، فتركت الهمزة لكثرة الاستعمال، ووصلت الميمم بالهاء؛ وهذا القول عند البصريين عظيمٌ، ولو كان كما قال لجاز: أو مم، وجاز كسر الميم وضمها، وهذا ما لا يقال، وأشد من هذا أن التقدير الذي قدره لا يصح في المعنى؛ ولا يريده من قال: اللهم. ورد الكسائي والفراء على الخليل لأنهما حكيا عن العرب: يا اللهم! قالا: فلا يجمع بين الشيء وعوضه؛ وهذا الذي حكياه لا يصح ولا يعرف عن فصيحٍ. 117- والباء في بسم الله الرحمن الرحيم متعلقةٌ بشيء محذوفٍ عند جميع النحويين، والتقدير عند البصريين: أول ما أفتتح به أو أول كلامي بسم الله الرحمن الرحيم، فالموضع موضع رفعٍ عندهم؛ وقال الفراء: موضع الباء نصبٌ، والمعنى بدأت بسم الله الرحمن الرحيم، أو أبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، فحذف الفعل لأن المعنى يدل عليه. 118- قال أبو جعفر: اسمٌ مشتقٌ من السمو، أي: العلو، وقيل: من السمة لأن صاحبه يعرف به. وسمعت محمد بن الوليد يقول: هذا القول خطأٌ، لأن الساقط منه لامه، ولو كان من السمة لكان الساقط منه فاؤه، وقد قيل: هذا جائزٌ، ويكون من المقلوب.

باب الحذف في بسم الله الرحمن الرحيم

119- واشتقاق الرحمن من الرحمة، والرحمن مخصوصٌ، لأن فعلان في كلام العرب للمبالغة، كما يقال: كسلانٌ للكبير الكسل، فإن لم ترد الكثير قلت: كسلٌ؛ فمعناه: الذي وسعت رحمته كل شيء، وهذا لا يكون لغير الله عز وجل. وفي الجمع بينهما أقوالٌ للعلماء، وقد ذكرناها، فمنها قول العرزمي: الرحمن بجميع خلقه، الرحيم بالمؤمنين. ومن حسنها -وهو مذهب محمد بن يزيد وقول قطربٍ، ورأيت علي بن سليمان يستحسنه- أنه جمع بينهم للتوكيد، والفائدة في التوكيد عظيمةٌ. قال محمد بن يزيد في فائدته أن معناه: تفضلٌ بعد تفضلٍ وإنعامٌ بعد إنعامٍ وتقويةٌ لمطامع الراغبين، ووعدٌ لا يخيب آمله. 120- وقدم الرحمن على الرحيم لأنه أخص، ولهذا حذفت منه الألف، ومن الله. وقد قيل فيه غير هذا، وسنذكره في باب الحذف إن شاء الله. باب الحذف في بسم الله الرحمن الرحيم 121- حذفت الألف في اللفظ من بسم الله لأنها ألف وصلٍ، الدليل على ذلك سميٌ، وأجاز أكثر النحويين قطعها في الشعر، وأنشدوا:

إذا جاوز الاثنين سرٌ فإنه ... ومنع ذلك محمد بن يزيد، وأنشد: إذا جاوز الخلين سرٌ فإنه ... وحجته أنه إنما زيدت الألف لئلا يبتدأ بساكنٍ، فإذا زال الابتداء زالت العلة فحذفت إلا أن تكون ألف وصلٍ في أول ابتداء نصف البيت الثاني، فيجوز قطعها بإجماعٍ، كما قال [حسان بن ثابتٍ] : لتسمعن وشيكاً في دياركم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا 122- وأجمعوا على حذفها في الخط من بسم الله الرحمن الرحيم، واختلفوا في العلة، فقالوا فيه ستة أقوال: قال الكسائي والفراء: حذفت لكثرة الاستعمال. وقال الأخفش سعيدٍ: حذفت لأنها ليست في اللفظ. وحكى أبو زيد أنه يقال: سمٌ وسمٌ، فالأصل على هذا أنه يقال: بسمٍ أو بسمٍ، حذفت الكسرة أو الضمة لثقلهما. والقول الخامس: لأن الباء لا تنفصل. والقول السادس: أنه شيءٌ قد عرف معناه. 123- وذهب محمد بن يزيد إلى قول الكسائي والفراء وترك قول

الأخفش، لأنه يلزمه أن يحذف إذا قال: اسمك كاسمي، لأنه ليس في اللفظ ألفٌ. 124- ورأيت علي بن سليمان يذكر قول الكسائي والفراء، ويقول: أترى أنه ثقل على الكاتب أن يزيد ألفاً؟ 125- واحتج للفراء في كثرة الاستعمال أنه رأى بعض الكتاب تدعوه معرفته إلى أن يحذف السين منها. 126- قال أبو جعفر: وهذا مكروهٌ عند العلماء، تروى كراهية ذلك عن عمر وزيد بن ثابتٍ والحسن وابن سيرين، حتى إنه يروى أن عمر رضي الله عنه ضرب كاتباً على ذلك، فقيل له: فيم ضربك أمير المؤمنين؟ فقال: في سينٍ. 127- فإن قلت باسم الرحمن، أو باسم الخالق، أو {اقرا باسم ربك} فإن النحويين اختلفوا في حذف الألف منه: قال الأخفش والكسائي: هذا كله تكتبه بغير ألفٍ، وكذا في سائر أسماء الله عز وجل. وقال الفراء: تكتب هذا كله بألفٍ، ولا يجوز حذفها إلا في بسم الله الرحمن الرحيم، لأن الاستعمال وقع فيها خاصةً، وفي بسم الله إذا أريد بها تلك فأما مع غير اسم الله؛ فلا. والصواب ما قال الفراء، لأنه لا يقاس على المحذوفات، وإنما تسلم في مواضعها. 128- فأما حذفك الألف من قولك: الله، ففيه خمسة أقوالٍ:

منها أنه كتب على لغة من قال، أنشده أبو عبيدة: قد جاء سيلٌ جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغله والقول الثاني: أن الألف الأولى تكفي من الثانية. والثالث: أنهم كرهوا أن يشبه النفي. والرابع: أنه قد عرف معناه. والخامس -وهو أحسنها-: أنهم حذفوا الألف لأنه اسمٌ مخصوصٌ، فلما لم يلتبس بغيره حذفت منه الألف. 129- وكذلك العلة في حذف الألف من الرحمن، لأنه لا يكون لغير الله عز وجل، وليس كذا الرحيم، لأنه يقال: فلانٌ رحيمٌ، ولا يقال: فلانٌ رحمانٌ، ولا معنى لكثرة الاستعمال ها هنا، لأنه مخصوصٌ لا يتجاوز به موضعٌ واحدٌ. وقد قيل: بل حذفت منه الألف لأن ما قبلها من الألفات تكفي دونها. وقيل: لأن حذفها لا يشكل، كما قيل في أبي جاد.

باب ذكر أبي جاد

باب ذكر أبي جادٍ 130- روي عن العلماء فيها أقوالٌ، فمنها ما روي عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: أول من وضع الكتاب العربي أبجد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت، وكانوا من أميم، وهم رجالٌ من الجبلة الأولى، ومن أميم كان طسمٌ وجديسٌ وعنزٌ، فوضعوا الكتاب على أسمائهم وحذفوا حروفاً ليست في أسمائهم، وهي الخاء والذال والظاء والثاء والضاد والغين وهي الروادف، وهي التي تحسب في حساب الجمل بعد حروف أبي جادٍ وهوازٍ وحطي وكلمن وسعفصٌ وقرشت، فهم أول من كتب الكتاب العربي. 131- وحكى سلمة بن الفضل، عن أبي عبد الله البجلي، قال: أبو جادٍ وهوازٌ وحطي وكلمن وسعفصٌ وقرشت أسماء ملوك مدين، وكان هلكهم يوم الظلة في زمن شعيبٍ عليه السلام. 132- وأما محمد بن جريرٍ، فحكى عن المثنى بن إبراهيم، عن إسحاق بن الحجاج، عن عبد الرحمن بن واقدٍ، عن الفرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباسٍ، قال: ليس شيءٌ إلا وله

سببٌ، وليس كل أحدٍ يفطن له، ولا بلغه ذلك، أن لأبي جادٍ حديثاً عجيباً؛ أما أبو جادٍ فأبى آدم صلى الله عليه الطاعة وجد في أكل الشجرة، وأما هوازٍ فزل آدم صلى الله عليه فهوى من السماء إلى الأرض، وأما حطي فحطت عنه خطيئته، وأما كلمن فأكل من الشجرة ومن عليه بالتوبة، وأما سعفص فعصى آدم ربه فأخرج من النعيم إلى النكد، وأما قرشت فأقر بالذنب وسلم من العقوبة. 133- قال محمدٌ: وحدثنا ابن حميدٍ، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني أبو جعفرٍ، عن الربيع بن أنسٍ، قال: أسلمت مريم عيسى إلى الكتاب، وقالت للمعلم: لا تضربه؛ فذهب المعلم يعلمه أبا جادٍ، فقال عيسى عليه السلام: وما أبو جادٍ؟ قال: اكتب ما يقال لك؛ قال: لا أكتب ما لا أعلم، فإن كنت لا تعلم علمتك؛ قال: علمني؛ قال: الألف من آلاء الله والباء من بهاء الله والجيم من جلال الله الدال أدوا الأمانات إلى أهلها. 134- قال: وحروف أبي جادٍ سبعٌ وعشرون كلمةً مكتوبةً على العرش، ما منها كلمةٌ إلا في آلاء الله وبهاء الله وفي مدةٍ وفي آجال قومٍ. 135- قال الضحاك: خلق الله السموات والأرض في ستة أيامٍ ليس منها يومٌ إلا وله اسمٌ: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت. 136- قال محمد بن جريرٍ: الصواب من القول في ذلك عندنا قول

من قال: هي أسماء قومٍ أو غيرهم، وإن كانت الروايات مضطربةً، فالذي لا يشك فيها أن قول القائل: أبو جادٍ، اسمٌ لشيءٍ أشبه شيءٍ به الحروف المقطعة التي تدل على حرفٍ منها على ما فعل منه، أو على اسمٍ في قول من قطعها، وكذلك هوز وبقيتها؛ وإن كان الأمر على ذلك فهي أسماءٌ لمسيماتٍ بهن، ولا دلالة على أنها حروفٌ تقطع بكل حرفٍ على شيءٍ، ولو كان كذا جاءت كما جاء الم والمص وما أشبههما، فإن قيل: فلم لم تعرب أواخرها؟ قيل: إنما تعرب الأسماء إذا كان لها معربٌ أو قصد لها قصد الخبر عنها، وهذه ليست كذلك، ولو أخبر عنها مخبرٌ لأعربها، فقال: هلك أبو جادٍ، وبقي بعده هوازٌ. 137- قال أبو جعفرٍ: إن سميت رجلاً بأبي جادٍ قلت على قول البصريين: أعجبني أبو جادٍ، وكتبت أبا جادٍ، وعجبت من أبي جادٍ وكذلك إن جعلتها أسماءً للحروف، وكذلك هواز مصروفٌ. 138- سمعت محمد بن الوليد يقول: هو مشتقٌ من هوز الرجل إذا مات وإذا مر، وحطي مصروفٌ لا غير عند البصريين، وكلمن عجمي لا ينصرف، وقد جعل بعضهم الإعراب في الواو، وذلك شاذٌ، وسعفص لا ينصرف أيضاً. 139- وحكى بعض النحويين أن أعرابياً فصيحاً سئل عن أبي جادٍ، فصرفها كلها إلا صعفص، قال: هو اسم شيطانٍ، وقرشت مصروفٌ وإن سميت به مؤنثاً كما قال جل وعز: {فإذا أفضتم من عرفات}

وكما قال الشاعر، وهو امرؤ القيس: تنورتها من أذرعاتٍ وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظرٌ عال لأن التنوين هاهنا ليس علامةً للانصراف، وإنما هو بمنزلة النون في مسلمين، فلا يجوز حذفها بوجهٍ. فقد ذكرنا في هذه الأشياء على قول البصريين، وأما الكوفيون فلهم فيها أقوالٌ لا يعرفها البصريون، فأذكرها لتكثر فائدة الكتاب، ولعل من لا يحسن غير علم الكوفيين ينظر فيه فيتوهم أن ذلك غاب عنا. 140- أجاز الكوفييون في أبي جادٍ أن تجعل الواو من بناء الاسم وعدد حروفه، وتوقع الإعراب على الدال فلا تجريه، فيقول: أعجبني أبو جاد، وكتبت أبو جاد، ونظرت إلى أبو جاد، واحتجوا بما روي ((وكتب علي بن أبو طالبٍ)) . 141- وسمعت علي بن سيلمان يقول: هذا خطأٌ عظيمٌ، وهدمٌ لأصول العربية، أو معنى هذا؛ قال: والقول فيه أن الواو والياء والألف حروف المد واللين عندهم واحدٌ، فيبدلون بعضها من بعضٍ في الخط واللفظ على ما يجب في العربية، فيقولون: رأيت أبا محمدٍ، ويكتبونه بالواو؛ وليس يستنكر أن يقال: لهم الفضل والتقدم، وليس لهم علمٌ

بالخط وبحقيقته، وقد كتبوا: {كمشكاةٍ} بالواو. 142- قال الفراء: إذا سميت رجلاً بأبي جادٍ، قلت: هذا أبو جادٍ، قال: وإن نويت أنك سميته بالكلمة التي يتعلمها الناس كان لك الإجراء وتركه، فمن أجرى قال: الاسم في الأب، ومن لم يجر توهم أن الاسم في جاد، أنشدني الكسائي: فإلى ابن أم أناس تعمد ناقتي ... لم يجر أناس لأنه قدر الاسم فيه. 143- قال أبو جعفرٍ: الذي أعرفه من قول الكوفيين أنهم يجيزون للشاعر إذا اضطر ترك صرف ما ينصرف، وهم ينشدون هذا البيت: وإلى ابن أم أناس أرحل ناقتي ... وهذا خطأٌ عند أكثر البصريين، والرواية: وإلى ابن أم أناسٍ ارحل ناقتي ... على تخفيف الهمزة. 144- قال الفراء: وإذا سميت رجلاً بهوازٍ أجرتيه، وإن نويت أنك سميته بالكلمة التي يتعلمها الناس لم تجر، لأنها مؤنثةٌ. 145- قال: وإذا سميت رجلاً بحطي تركته على لفظه في كل وجه،

لأنه حكايةٌ من قولك آمراً لامرأةٍ: حطي، فتقول: هذا حطي، وأكرمت حطي، ونظرت إلى حطي، قال الشاعر: لما رأيت أمرها في حطي ... أخذت منها بقرونٍ شمط ... 146- قال الفراء: وإن شئت جعلت الياء ألفاً في باب التسمية، فقلت: هذا حطاً، ومررت بحطاً، وأكرمت حطاً. 147- قال: وإن شئت شددت الياء في باب التسمية، فقلت: هذا حطيٌ، وأكرمت حطياً، ومررت بحطيٍ. 148- قال: فإذا سميت رجلاً بكلمن لم تجر لعجمته، وعربت النون، فإن قدر تقدير فعلولٍ من أبنية العرب أجري، فإذا سميت رجلاً بسعفص لم تجره لأنه أعجميٌ. 149- قال الفراء: وقد يحكى عن زكريا الأحمر أنه قال: ثقيف تسمي السكباجة السعفصة، والسعفص جمع سعفصةٍ، فإذا سميت رجلاً بسعفصٍ وأنت تنوي هذا المعنى أجريته، وإن نويت أن تسميه بالكلمة التي يتعلمها الناس لم تجرها، لأن الكلمة مؤنثةٌ. 150- قال: فإذا سميت رجلاً بقرشت أجريته، لأنه بمنزلة صنيبعاتٍ وعرينثاتٍ. قال: ويجوز أن لا تجريه إذا جعلته مجهولاً.

باب الحذف في أبي جاد والإعلال له، وذكر ما فيه من الاختلاف

باب الحذف في أبي جادٍ والإعلال له، وذكر ما فيه من الاختلاف 151- اعلم أن حروف المد واللين تحذف كثيراً، لأن ما قبلها يدل عليها. 152- فلما كانت أبو جاد وأخواتها إنما قصد بها تعليم معرفة كتاب الحروف في الوصل لم تحتج فيها إلى تكريرٍ، فتحذف الواو من أبي جادٍ لأنها ثابتةٌ في هواز؛ وتحذف الألف الثانية من أبي جادٍ لأنها ثابتةٌ في أوله. 153- فإن قال [قائلٌ] : فهلا أثبتوا الواو في أبي جاد لأنها أول الحروف، فاكتفوا بها من الواو التي في هوازٍ. قيل: حروف أبي جادٍ كثيرةٌ، وحروف هوازٍ قليلةٌ، فكان الحذف من الكثير أولى لتعتدل الكلمتان، وحذفوا الألف من هوازٍ لأنها ثابتةٌ في أبي جادٍ، وجاءت حطي سالمة الياء لأنها ليس قبلها مثل صورتها، وحذفت الواو من كلمن لأنها في هواز. 154- فإن قال قائلٌ: لم كتبوا صعفص صادين، وقد قلت: إنه ليس من مذهبهم الجمع بين صورتين في هؤلاء الحروف؛ ففي هذا جوابان: أحدهما: أنهم جمعوا بين صورتين ها هنا، لأن الصاد الثانية مخالفةً للصاد الأولى، لأن الأولى موصولةٌ والثانية معرفةٌ. والقول الثاني: أن الحذف والاكتفاء إنما يكون في حروف المد

باب حروف المعجم

واللين، لأنهن يجرين مجرى الحركات وهذا القول أولى، لأن القول الأول يلزم قائله أن يثبت في أبي جادٍ ألفين لاختلاف صورتهما. 155- فأما قرشت فاختلف النحويون فيها، فمذهب البصريين أنها إنما كتبت بالألف، وذلك أجود عندهم، ويجيزون حذفها في أبي جادٍ، وإنما صار إثباتها أجود عندهم لأن التي في أبي جادٍ همزةٌ، وهذه ألفٌ، وكذا يثبتون الياء فيها وهي في حطي لاختلاف الصورتين، حكى هذا أحمد بن جعفرٍ. 156- وأما الكوفيون فلا نعلم بينهم اختلافاً أنهم يكتبون قرشت بغير ياء وبغير ألفٍ، وأنه من أثبت في قرشت ياءً بعد الراء، وتاءً بعد الشين، أو ألفاً، فليس يحسن يتهجى، وعلتهم أنهم حذفوا الياء اكتفاءً بالياء التي في حطي، وحذفوا الألف التي قبل التاء اكتفاءً بالألف التي في أبي جادٍ منها. 157- قال أبو جعفرٍ: فإذا أخرجت هذه الحروف من حد التعليم كتبتها على أصلها لا غير، وكذلك حروف المعجم. باب حروف المعجم 158- روى كعب الأحبار، قال: أول من كتب الكتاب العربي والسرياني والحصوري والكتب كلها آدم صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث مئة سنةٍ،

كتبها في الطين، ثم طبخه، فلما أصاب الأرض الغرق أصاب كل قومٍ كتابهم، فكتبوه، فكان إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليه أصاب كتاب العرب. 159- وروي عن ابن عباس، قال: أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل صلى الله عليه وسلم، فوضع الكتاب على لفظه ومنطقه، ثم جعله كتاباً واحداً مثل الموصول حتى فرق بينه ولده صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا قول عروة أول من وضع الكتاب العربي أبو جادٍ وهوازٌ وحطي وكلمن وصعفص وقريشت، وكذا قال عبد الله بن عمروٍ. 160- وقال المدائني: بلغنا أن أول من كتب بالعربية مرامر بن مرة من أهل الأنبار، ويقال من أهل الحيرة. 161- وقال سمرة بن جندبٍ: نظرت في كتاب العربية فإذا هو قد مر بالأنبار قبل أن يمر بالحيرة. 162- وقد رأيت من ينكر على الفراء قوله: إن الذي رسم حروف التهجي لم يحسن، ويومئ أن الفراء غلط في هذا غلطاً عظيماً للحديث أنها نزلت على آدم صلى الله عليه وسلم، وأنها داخلةٌ في الأسماء التي علمها، وهذا لا يلزم الفراء، لأن هذا إن صح فليس يحلق الفراء منه تشنيعٌ، لأن الفراء إنما عاب التصوير لا الحروف في أنفسها، لأنه كان يجب عنده أن يصور الصاد خلاف صورة الضاد، حتى لا تحتاج إلى نقطٍ، وكيف يعيب

الفراء هذه الحروف مع بيان فضلها، والقرآن نزل بها، ولغات العرب عليها تدور، وقد انقادت اللغات كلها للغة العرب، فأقبلت الأمم إليها يتعلمونها، ودين الإسلام عربيٌ، وبيان الشرائع والأحكام والفرائض والسنن بالعربية!؟ 163- ويقال: إن لغة العرب هي اللغة التامة الحروف، الكاملة الألفاظ، لم ينقص عنها شيءٌ من الحروف، فيشينها نقصانه، ولم يزد فيها شيءٌ فيعيبها زيادته، وسائر اللغات فيها حروف مولدةٌ، وتنقص عنها حروفٌ أصليةٌ، كاللغة الفارسية تجد فيها زيادةً ونقصاناً. 164- وحروف المعجم ثمانيةٌ وعشرون حرفاً، وقد ذكر سيبويه زيادةً على هذا، إلا أنها راجعةٌ إليها، والأصل هذه، وإنما ذكرها ليحيط باللغة، نحو قولهم: بييرٌ وما أشبه ذلك، والدليل على أن الأصل تلك أن ما خرج عنها معيبٌ عندهم، وقد بطل عن غيرها من اللغات فيما قيل أسامٍ كثيرةٌ لا تكاد توجد لها أسماءٌ بالفارسية حتى تذكر بلسان العرب، نحو: الحق والباطل والصواب والخطإ والحلال والحرام، وهذا الخلل قد دخل على سائر اللغات وكاد يدخل على لسان العرب حين خالطوا العجم، حتى استدرك ذلك أبو الأسود بأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 165- قال الفراء: وجدنا للغات العرب فضلاً على لغة جميع الأمم اختصاصاً من الله عز وجل لهم، وكرامةً كرمهم بها، فبعث منهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه قرآناً بلسانٍ عربيٍ مبينٍ.

ثم نظرنا في السمات التي وسمت العرب بها كلامها من الخفض والرفع والنصب، فوجدناهم أدخلوا ذلك للإيجاز في القول والاكتفاء بقليله الدال على كثيره. 166- وذكر الفراء أن من الإيجاز في القول أن الضرب كلمةٌ واحدةٌ، فوسعوا فيها، فجعلوا الضرب في الوجه لطمٌ، وفي القفا صفعٌ، وفي الرأس شجٌ إذا دمي، وكان قولهم لطم أوجز من ضرب على وجهه. وقالوا في الرمح: طعنه، وفي السيف ضربه، وفي السهم رشقه، وفي السكين وجأه، وفي الحجر شدخه. 167- قال أبو عبيدٍ: للعرب في كلامها علاماتٌ لا يشركها فيها أحدٌ من الأمم، نعلمه: إدخالهم الألف واللام في أول الاسم وإلزامهم إياه الإعراب في كل وجهٍ؛ وذكر نقلهم كل ما احتاجوا إليه من كلام العجم إلى كلامهم، ولا يتهيأ هذا للعجم، لأن العرب نقلت ما قالت حكماء العجم إلى كلامهم وكلام الفلاسفة إلى العربية، ولم يقدر أحدٌ من الأمم على نقل القرآن إلى لغتهم، لكمال لغة العرب، وقد حاول ذلك كثيرٌ من الناس، فعسر عليهم من نقله، وتعذرت ترجمته، فترجموا منه حروفاً، مثل: بسم الله الرحمن الرحيم، على نقلٍ بعيدٍ واستخراجٍ شديدٍ، حتى قال بعض العلماء: لو اجتهد جميع الناس أن ينقلوا: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} ما قدروا، وكذا: {وغيض الماء} الآية، وكذا: {فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه} الآية، وكذا: {فانبذ إليهم على سواءٍ}

لما فيه من الاختصار الذي هو من إعجاز القرآن، ومثله كثيرٌ، ولغات الأمم أكثر من أن تحصى، ويقال: إن أفضلها العربية والسريانية والعبرانية والفارسية، لأن الكتب بها نزلت، ويقال: إن المجوس نزل عليها كتابٌ بالفارسية، ويقال: إن العبرانية هي السريانية، إلا أنه زيد فيها حين عبر إبراهيم صلى الله عليه نهر الأردن، فسميت العبرانية لذلك. 168- وحكى أبو روق، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان كلام آدم صلى الله عليه وسلم بالعربية، فلما أكل من الشجرة نسي العربية، فتكلم بالسريانية، فلما تيب عليه ردت عليه العربية. 169- قال الشرقي بن قطامي: كان آدم صلى الله عليه أول من تكلم بالعربية، وأول من قال الشعر، قال يبكي على الجنة: تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مسودٌ قبيح تغير كل ذي طعمٍ ولونٍ ... وقل بشاشة الوجه المليح 170- وروى مقاتلٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عباسٍ، قال: من الأنبياء خمسةٌ تكلموا بالعربية: محمدٌ وهودٌ وشعيبٌ وصالحٌ وإسماعيل صلى الله عليهم.

باب اشتقاق حروف المعجم وإعرابها

171- قال: وكان كلام الأنبياء السريانية ما خلا موسى صلى الله عليه، فإنه تكلم بالعبرانية. 172- وبغير هذا الإسناد عن ابن عباسٍ: كان هودٌ صلى الله عليه أول من تكلم بالعربية، وقال الشعر، ونزل عن يمين الشمس فسمي اليمن لذلك. 173- وأما أبو جعفرٍ محمد بن علي [كذا] ، فقال: أول من تكلم بالعربية إسماعيل صلى الله عليه وهو يومئذٍ ابن ثلاث عشرة سنةً وأقر إبراهيم على السريانية. باب اشتقاق حروف المعجم وإعرابها 174- قيل: سميت حروف المعجم لأنها مبنيةٌ للكلام، مشتقةٌ من قولهم: أعجمت الشيء إذا بينته، ويجوز أن تكون مشتقةً من عجمت العود وغيره إذا اختبرته فيكون معناها حروف الاختبار، ولا نعلم بين النحويين اختلافاً في أنها تذكر وتؤنث، بمعنى الحرف والكلمة، وأن الأحسن فيها التأنيث، تقول: هذه ألفٌ حسنةٌ، وإن شئت هذا ألفٌ حسنٌ، وحروف المعجم غير معربةٍ عند الجميع إذا لم يعطف بعضها على بعضٍ، واختلفوا في العلة، فقول البصريين أنها لم تعرب، فقيل: ألف ب ت ث حكايةً لحروف الأسماء، ولا يعرب بعض الاسم.

175- قال الفراء: لم تعرب حروف المعجم لأن المتكلم أراد أن يعلم المخاطب الهجاء، فقال: اب ت ث حكايةً لحروف الأسماء، فوقفه، لأنه لم يرد أن يخبر عنه بشيءٍ، فإن أخبر عنه بشيءٍ أعربه، فقال: هذه باءٌ قصيرةٌ، وكذا إن نسق، فقال: هذه ألفٌ وباءٌ. وكلام الفراء في هذا حسنٌ. 176- وفي حروف المعجم لغاتٌ، فما كان منها على حرفين ففيه ثلاث لغاتٍ: القصر بغير تنوينٍ، وبتنوينٍ، وبالمد؛ تقول: هذه با قصيرةٌ، وإن شئت قلت باءٌ. وكذلك إن نسق، فقال: هذه ألفٌ وبا، وإن شئت مددت. وفي الزاء خمس لغاتٍ، يقال: هذه زايٌ، فاعلم، هذه اللغة الفصيحة، وإن شئت زي بالتشديد، وإن شئت زا بالقصر بغير تنوينٍ، وتنوينٍ، واللغة الخامسة المد. وما كان منها على ثلاثة أحرفٍ جرى بالإعراب تقول: هذه ألفٌ وجيمٌ وما أشبههما، فإن أردت أن تكتب فعلت منها، قلت من الألف: ألفت ألفاً، ومن الباء وما أشبهها على لغة من قصر: بييت با، وتييت تا، وهييت ها، وعلى لغة من مد بالواو بويت وتويت وهويت، وكذا من قال زاءٌ فمد، قال: زويت؛ ومن قصر، قال: زييت؛ ومن قال: زايٌ، قال: زويت، كما قال في الأول؛ ونظير زويت من الزاي قولك: كوفت كافاً، وقوفت قافاً، ودولت دالاً، ولومت لاماً، هذه اللغة الصحيحة، وقد حكي كيفيت وقيفت وزييت وليمت.

وقيل لأبي العالية: أنقرأ {ننشرها} أو {ننشزها} فقال: إنها زايٌ فزوها. وأما نونت نوناً فلا يجوز غيره، لأن أوسطها واوٌ. فإن كان الأوسط ياءً لم يجز فعلت إلا بالياء، تقول: سينت سيناً، وعينت عيناً، وميمت ميماً. وقد حكي عن العرب في ما ولا: مويت ولويت، والأصل الياء، كما تقول: بييت في لغة من قصر؛ هذه حكاية النحويين. والقول فيه عندي أنه على لغة من مد، فشبهه بما مد، وهو على حرفين من حروف المعجم. والدليل على صحة ما قلت أنه قد سمع مويت ما حسنةً وماءً حسنةً. فإن كانت ثلاثة أحرف، الثاني منها ألف، والثالث واوٌ؛ قيل: وويت واواً حسنةً. والعلة فيه عندي أن الألف صارت رابعةً، فصار مثل أغويت، ويجوز قلب الواو إلى الهمزة، فيقال: أويت، مثل: أحدٍ ووحدٍ وأناةٍ ووناةٍ، وهو في وويت أحسن لاجتماع الواوات. وروى أبو العالية، عن زيد بن ثابتٍ {كيف ننشزها} ، وقال: إنما هي زايٌ، فزوها.

باب النسبة إلى حروف المعجم

باب النسبة إلى حروف المعجم 177- إن نسبت قصيدة إلى الباء والتاء، قلت: بائيةٌ وتائيةٌ، وإن شئت باييةٌ وتاييةٌ بغير همزٍ، وإن شئت تاويةٌ، كما قيل في النسب إلى كساءٍ كساويٌ، وهذا كله في لغة من قال: تاءٌ، فمد، ومن قصر فكذا يجب أن يقول، لأن النسبة إلى ما كان على حرفين ليس أحدهما حرف مد أو لينٍ بابه إن كان يرد في التثنية جاز في النسيبة الرد وتركه، يقول: دمويٌ ودميٌ، فإن كان ثانيه حرف مدٍ ولينٍ لم يجز في النسبة إلا الرد لا اختلاف في ذلك، نحو قولك في النسبة إلى شيةٍ وشيي، هذا قول الأخفش، وقال سيبويه: وشويٌ، حرك الشين، وإن كان أصلها السكون ليدل على أنها كانت متحركةً، وإنما وجب الرد لئلا يكون اسمٌ على حرفين، أحدهما حرف مدٍ ولينٍ، ألا ترى أنهم قالوا: هذا فوك، فلما أرفدوا قالوا: هذا فمٌ. 178- فإن قال قائلٌ: فكيف أجزتم: هذا با؟ فجئتم بشيءٍ على حرفين، أحدهما حرف مدٍ ولينٍ؟ قيل له: هذا لعمري شاذٌ، إنما يؤخذ على ما سمع، وله وجهٌ من القياس، وذلك أنهم كرهوا أن يكون اسمٌ على حرفين، أحدهما حرف مدٍ ولينٍ لئلا يلحقه التنوين،

فيسقط، فيبقى اسمٌ على حرفٍ واحدٍ، وهذا محالٌ لعلةٍ موجبةٍ، ألا ترى أنك لو سميت رجلاً بلو لقلت: هذا لوٌ قد جاء لا غير؛ وأنشد الفراء: ولكن أهلكت لو كثيراً ... وقبل اليوم عالجها قدار 179- فأما ما في كتاب ((العين)) من أنك إذا سميت رجلاً بقد شددت الدال، فغلطٌ. سمعت أبا إسحاق يقول: ليس هذا من كلام الخليل، وإنما هذا زيادةٌ في الكتاب، وقول الخليل أن يقول: هذا قدٌ جاء. 180- قال أبو جعفرٍ: وأشد من كل ما ذكرناه ما رواه الكوفيون من قولهم: هذه باً، فاعلم، فجاؤوا برسمٍ على حرفين، أحدهما حرف مدٍ ولينٍ، وجاؤوا بالتنوين، وظاهره ظاهرٌ محالٌ إلا أنا حكيناه على ما رووه. 181- وقد روي عن العرب: هذه قصيدةٌ بيويةٌ ولوويةٌ وموويةٌ إذا نسبت إلى [با و] ما ولا، فإن نسبتها إلى الزاي، قلت: زايية بغير همزٍ وبالهمز وبالواو، فإن كانت الياء أخف عليهم من الواو فإن هذه الأشياء شاذةٌ يحتاج فيها إلى السماع، والقياس قلب الواو إلى الياء، لأنها أخف، ألا تراهم قالوا؟ أيام، والأصل أيوامٌ!؟

باب أسماء أيام الجمعة

باب أسماء أيام الجمعة 182- لها ثلاثة أسماء، فأشهرها ما رواه عطاءٌ، عن ابن عباس، قال: إن الله جل وعز خلق يوماً واحداً، فسماه: الأحد؛ ثم خلق ثانياً، فسماه: الاثنين؛ ثم خلق ثالثاً، فسماه: الثلاثاء؛ ثم خلق رابعاً، فسماه: الأربعاء؛ ثم خلق خامساً، فسماه: الخميس. 183- وأما الضحاك، فقال: إن الله عز وجل خلق السموات والأرض في ستة أيام ليس منها يومٌ إلا وله اسمٌ: أبجد، هوز، حطي، كلمن، صعفص، قريشت. وهذان القولان ليسا متناقضين، لأنه يجوز أن يسمي ذلك بلسان عربٍ وبلسان آخرين. 184- والأسماء في الكتاب الثالثة تروى عن العرب العاربة، أي القديمة: أنهم يسمون الأحد أول، والاثنين أهون وأوهد، والثلاثاء جباراً، والأربعاء دباراً، والخميس مؤنساً، والجمعة العروبة بالألف واللام، ولغةٌ شاذةٌ عروبة بغير ألفٍ ولامٍ وغير صرفٍ، ويسمى أيضاً حربة، ويوم السبت شياراً؛ وسنذكر الاشتقاق بعد هذا إن شاء الله. 185- واختلف المسلمون في اليوم الذي ابتدئ فيه الخلق، وفي أول الأيام فقال قومٌ: أولها الأحد؛ وقال قومٌ: أولها السبت؛ وقال قومٌ: أول الأيام الأحد، وأول الجمعة السبت، وهذا أحسنها؛ والدليل

على أن أولها الأحد أن الاثنين بمعنى الثاني. 186- فأما الاختلاف في ابتداء الخلق، فقال ابن سلام فيه: ابتداؤه يوم الأحد، وكذا قال مجاهدٌ والضحاك، وعليه أكثر الناس، وقال بعض العلماء: يوم السبت؛ وكذا قال محمد بن إسحاق. 187- وفيهما جميعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ، فمن ذلك ما روي عن أبي هريرة، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: ((خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه فيها يوم الثلاثاء، وخلق النور فيها يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم صلى الله عليه وسلم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعةٍ من ساعات الجمعة في ما بين العصر إلى الليل)) . 188- وأما الحديث الآخر فرواه عكرمة عن ابن عباس: أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته عن خلق السموات والأرض، فقال: ((خلق الله جل وعز الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء البحر والماء والمدائن والعمارات والخراب وهذه أربعة أيامٍ، قال الله عز وجل: {قل إئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين} إلى آخر الآيات، وقال: {في أربعة أيامٍ سواء للسائلين} قال لمن سأل: وخلق يوم الخميس

السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعاتٍ بقين منه، وخلق في أول ساعةٍ من هذه الثلاث الساعات الآجال يموت من مات، وفي الثانية ألقى الألفة على كل شيءٍ ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم صلى الله عليه وسلم وأسكنه الجنة وأمر بالسجود له، وأخرجه في آخر ساعةٍ)) قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: (( {ثم استوى على العرش} )) قالوا: أصبت؛ ثم استراح؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، فنزلت: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ وما مسنا من لغوب. فاصبر على ما يقولون} . 189- قال أبو جعفر: زعم محمد بن إسحاق أن الحديث الأول أولى، واستدل بأن الفراغ كان يوم الجمعة؛ وخالفه غيره من العلماء الحذاق النظار، فقال: دليله هو الدليل على خطائه، لأن الخلق في ستة أيام يوم الجمعة منها، كذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية الجماعة، فلو لم يدخل في الأيام كان الخلق في سبعةٍ أيامٍ، وذلك خلاف ما جاء به التنزيل. 190- قال أبو جعفرٍ: الحديثان ليسا بمتناقضين، لأنا إن عملنا على الأول فالخلق في ستة أيام، وليس في التنزيل أنه لا يخلق بعدها شيئاً، فيكون هذا متناقضاً؛ وإن عملنا على الثاني، فليس في التنزيل أنه لم يخلق قبلها شيئاً.

191- ثم نرجع إلى هذه الأيام فنبين كم مقدار كل يومٍ على ما قاله العلماء إذ كانت هذه الأشياء إنما تؤخذ عن العلماء لا بالآراء. 192- فمن ذلك حديث أبي مالكٍ وأبي صالحٍ، عن ابن عباسٍ؛ ومرة الهمداني، عن ابن مسعودٍ: {ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ} قال: وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس، فجعلها سماءً واحدةً، ثم فتقها، فجعلها سبع سمواتٍ في يومين، في الخميس والجمعة، وإنما سمي الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض. 193- وقال غيره: وصح أن ابتداء خلق السموات والأرض إلى حين الفراغ في ستة أيامٍ، مقدار كل يومٍ ألف سنةٍ من أيام الدنيا، وكان بين ابتدائه جل وعز في خلق ذلك وخلقه القلم الذي أمره بكتابة ما هو كائنٌ إلى قيام الساعة يومٌ، وهو ألف عامٍ، فصار ابتداء الخلق إلى الفراغ منه سبعة آلاف عامٍ. 194- وقول ابن عباس: مدة إقامة الخلق إلى قيام الساعة سبعة أيامٍ كما كان الخلق في سبعة أيامٍ وهي سبعة آلاف سنةٍ. قال ابن عباسٍ: الدنيا سبعة آلاف سنةٍ. 195- وقد اختلف فيما مضى منها، فاليهود تقول شيئاً والنصارى تقول غيره؛ والمجوس أيضاً تخالفهم إلا أن بعض جلة العلماء قال: الصحيح أنه مضى من الدنيا قبل الهجرة ستة آلاف سنةٍ وخمس مئة،

باب الاشتقاق

واستدل على ذلك بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس)) وذلك مقدار نصف سبع اليوم، يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً، وكذا فضل ما بين الوسطى والسبابة. 196- وإنما قلنا كل يومٍ مقداره ألف سنةٍ كما جاء به القرآن، وكذا التوقيف عن عكرمة، عن ابن عباسٍ: خلق الله جل وعز السموات والأرض في ستة أيامٍ، كل يومٍ منها كألف سنةٍ مما تعدون أنتم. وكذلك قال كعبٌ ومجاهدٌ. باب الاشتقاق 197- السبت الراحة، ومنه قيل للنوم: السبات؛ والسبت القطع؛ ففي يوم السبت الاشتقاقان جميعاً. 198- وأحدٌ بمعنى واحدٍ، وقيل: أصله وحدٌ، كما قال النابغة: على مستأنسٍ وحدٍ ...

ومثله وناةٌ وأناةٌ ... وقيل: أحدٌ بمعنى أول. وهذا أولى ما قيل، لأن معنى الاثنين: الثاني، والثلاثاء: الثالث، لا نعلم اختلافاً في ذلك، ولهذا قيل ليوم الأحد أول، لأنه أول أعداد الأيام. 199- ويوم الاثنين أهون وأوهد لأنه ينحط من الأول إلى الثاني، وأهون مشتقٌ من الهون والهوينى، قال الأعشى: تمشي الهوينى كما يمشي الوجى الوحل ... وأوهد من الوهدة، وهي الانخفاض من الأرض. 200- والثلاثاء جبارٌ، أي: جبر به العدد. 201- والأربعاء دبارٌ لأنه دبر ما جبر به العدد. 202- ويوم الخميس مؤنسٌ يؤنس به لبركته، ولم يزل ذلك أيضاً في الإسلام، وكان النبي عليه السلام يتبرك به ولا يسافر إلا فيه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم خميسها)) . 203- والجمعة العروبة، لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذاً، أي: اليوم البين المعظم من أعرب إذا بين. ولم يزل يوم الجمعة معظماً عند أهل كل ملةٍ، ويقال له: حربة، أي: مرتفعٌ كالحربة، وقد قيل: من هذا اشتق المحراب.

باب جمع الأيام

204- ويوم السبت شيارٌ، أي: ظهر أول أيام الجمعة، مشتقٌ من شورت الشيء، أي: أظهرته، ويقال: رجلٌ شيرٌ، أي: حسن الشارة، وهو ظاهر منظره، وتشاور القوم: أظهروا آراءهم. 205- قال الفراء: استأجرته مياومةً، أي: كل يومٍ بكذا، ومجامعةً، أي: كل جمعةٍ بكذا، لم نسمع إلا في الجمعة، كما قيل: استأجرته مساناةً. باب جمع الأيام 206- جمع السبت في أقل العدد: أسبتٌ وسبتاتٌ، بالتحريك لا غير، لأنه ليس بنعتٍ، كما قال: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما والكثيرة: السبوت، ويجوز السبات، مثل: فروخٍ وفراخٍ. 207- وأحدٌ وآحادٌ وأحداتٌ في القليل، والكثيرة: أحودٌ، وقد حكي، أحدٌ، كأنه جمع الجمع.

208- والاثنان سبيله أن لا يثنى ولا يجمع، وأن يقال فيه: مضت أيام الاثنين، إلا أن يقول: ذوات، وقد حكى البصريون: الأثن، والجمع: الثنى، وفي كتاب الفراء: الأثانين، والأثاني الكثيرة. 209- قال أبو جعفرٍ: يجوز الأثانين على حيلةٍ بعيدةٍ، وهي أن يقول: اليوم الاثنان فتضم النون فيصير مثل عمران فتثنيه وتجمعه على هذا، وتقول: مضت أثانٍ، مثل: أسماءٍ وأسامٍ. 210- وقرأت على أبي إسحاق في كاب سيبويه في ما حكاه: اليوم الثنى، فيقول على هذا في الجمع: الأثناء. 211- ويقول: مضت الثلاثاء، على اللفظ، ومضى على تذكير اليوم، وكذا الجمع ثلاث ثلثاواتٍ. وحكى الفراء في الجمع الأثالث، ويجوز الأثاليث، ويجوز الثلائث، مثل جمع ثلاثةٍ، لأن ألف التأنيث كالهاء. 212- وأربعاوات وأرابيع الياء عوضٌ مما حذف، وإن لم تعوض قلت: أرابع، وأجاز الكوفيون: أربعاءات وثلاثاءات، ولا يجوز هذا عند البصريين للفرق بين ألف التأنيث وغيرها. 213- وخميسٌ وأخمسةٌ، والكثيرة خمسٌ وخمسان، كرغيف ورغفانٍ، ويقال: أخمساء كأنصباء، وفي كتاب الفراء: الأخامس الكثيرة.

باب ذكر الشهور

214- وجمعةٌ وجمعةٌ، والجمع جمع وجمعات، ويجوز الفتح والتسكين. باب ذكر الشهور 215- قال الله جل وعز: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعةٌ حرمٌ} أي: إن عدة شهور السنة عند الله في كتابه الذي كتب فيه ما هو كائنٌ، وفي قضائه الذي قضى به من خلق السموات والأرض، منها: من هذه الاثني عشر شهراً أربعة أشهرٍ حرمٌ، كانت الجاهلية تعظمهن وتحرم القتال فيهن حتى لو لقي الرجل فيهن قاتل أبيه لم يهجه، وكان ذلك أيضاً في أول الإسلام ثم نسخ، على أن بعض العلماء يقول: لم ينسخ. 216- وقد اختلف العلماء في اللفظ بهن بعد الإجماع على تعيينهن. والكوفيون يقولون: هن المحرم، ورجبٌ، وذو القعدة، وذو الحجة، والكتاب يميلون إلى هذا القول ليأتوا بهن من سنةٍ واحدةٍ. وأهل المدينة يقولون: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجبٌ، فيأتون بثلاثةٍ منهن متواليات، وقومٌ منهم ينكرون هذا، ويقولون: جاؤوا بهن من سنتين. وهذا غلطٌ بينٌ وجهلٌ باللغة، لأنه قد علم المراد في ذلك أن

المقصود ذكرها وأنها في كل سنةٍ، وكيف يتوهم أنها من سنتين، وقد أجمع أهل اللغة أن قائلاً لو قال: أخذت من فلانٍ ديناراً ودرهماً أنه يجوز أن يكون أخذ الدرهم قبل الدينار. والأولى والاختيار ما قال أهل المدينة، لأن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله صلى الله عليه كما قالوا، من رواية ابن عمر وأبي هريرة وأبي بكرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض؛ السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثةٌ متوالياتٌ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجبٌ الذي بين جمادى وشعبان)) . وهذا أيضاً قول أكثر أهل التأويل. 217- ويسمى أيضاً رجبٌ الأصم، يدلك على ذلك ما رواه معمرٌ، عن الزهري، قال: شهر الله الأصم رجبٌ. 218- قال أبو إسحاق في تسميته بالأصم: لأن صوت السلاح لا يسمع فيه. قال: وجائزٌ أن يكون سمي بذلك لأنه لا تسمع فيه الاستغاثة. 219- قال أبو جعفرٍ: ووجدنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى ذا الحجة

الأصم وذو الحجة أيضاً من الحرم، والاشتقاق واحدٌ. 220- فمن ذلك ما رواه مرة الهمداني، قال: سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقةٍ حمراء مخضرمةٍ، فقال: ((أتدرون أي يومٍ يومكم هذا؟)) قلنا: يوم النحر؛ قال: ((صدقتم، يوم الحج الأكبر؛ أتدرون أي شهرٍ شهركم هذا؟)) قلنا: ذو الحجة؛ قال: ((صدقتم؛ هو شهر الله الأصم، أو تدرون أي بلدٍ بلدكم هذا؟)) قلنا: هذا المشعر الحرام؛ قال: ((صدقتم)) ثم قال: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا؛ ألا إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثرٌ بكم الأمم، فلا تسودوا وجهي، ألا وقد رأيتموني وسمعتم مني، وستسألون عني، فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار)) . 221- وأدخلت الألف واللام في المحرم دون غيره من الشهور، لأن الأشهر الحرم أربعةٌ، فلما خص بهذا الاسم دونها ألزم الألف واللام ليكون علماً بذلك. 222- وجاء منها ثلاثةٌ مضاعفاتٌ: شهر رمضان وشهرا ربيع، كما روي عن جاهدٍ، قال: لا تقل رمضان، ولكن قل كما قال الله عز وجل: {شهر رمضان} فإنك لا تدري ما رمضان.

باب اشتقاق أسماء هذه الشهور

223- وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ أنهما كانا يكرهان أن يقولا رمضان، ولكن يقولان كما قال الله عز وجل {شهر رمضان} قالا: أجل، رمضان اسمٌ من أسماء الله عز وجل. 224- قال أبو جعفرٍ قد وجدنا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم رمضان بغير شهرٍ مما رواه الحسن، عن أبي بكرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم صمت رمضان، ولا قمته كله)) . فلا أدري أكره التزكية أم لا، قال [عبيد الله بن سعيدٍ] : لأنه لا بد من غفلةٍ ورقدةٍ. 225- وروى ابن عباسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لامرأةٍ من الأنصار: ((إذا كان رمضان فاعتمري فيه تعدل حجةً)) . باب اشتقاق أسماء هذه الشهور 226- سمي المحرم محرماً لأنهم كانوا يحرمون فيه القتال، وسمي صفرٌ لأنهم كانوا يخرجون فيه إلى المغارات، فتبقى بيوتهم صفراً، هذا أصح ما قيل فيه. 227- وقيل: شهرا ربيعٍ، لأنهم يحصلون فيه ما أصابوه في صفر،

باب جمع هذه الشهور

والربيع في اللغة الخصب؛ وقد قيل لارتباعهم فيهما، والأول أولى بالصواب. 228- وجماديان من جمد الماء، لأن الوقت الذي سميتا فيه [كان] جامداً، فوقعت التسمية فيه على ذلك. 229- ورجبٌ لتعظيمهم إياه، ورجبته عظمته. قال محمد بن يزيد: سمي رجباً لأنه في وسط السنة، مشتق من الرواجب. 230- وشعبان لتشعبهم فيه لكثرة الغارات. 231- وشهر رمضان أي: شهر الحر، مشتقٌ من الرمضاء. 232- وشوالٌ من شالت الإبل بأذنابها، إذا حملت، ومن شال يشول إذا ارتفع. 233- وذو القعدة لقعودهم فيه عن القتال، وهو من الأشهر الحرم، كانوا لا يقاتلون فيه. 234- وذو الحجة لأن الحج فيه. باب جمع هذه الشهور 235- جمع المحرم محرماتٌ، وفي المكسر: محارم، وإن عوضت قلت: محاريم.

236- وصفرٌ صفراتٌ، وفي المكسر: أصفارٌ، والكثير: صفورٌ وصفارٌ. 237- وشهراً ربيعٍ الأولان ومضت شهرات ربيعٍ الأولات والأوائل، وإن شئت قلت: أشهرٌ في القليل وشهورٌ في الكثير. قال قطربٌ: ويقال في الجمع: الأربعة الأوائل والأواخر. وحكى غيره أنه يقال: ربعٌ. 238- ومضت جماديان الأوليان، وإن شئت: مضى على معنى الشهر، وجمادياتٌ الأولياتٌ؛ ويجوز جمادى وجمادٍ وجمادي على العوض. 239- فإن قيل: لم لم يقل: شهر ربيع الثاني، وقيل: الآخر؛ وكذا جمادى الآخرة، ولم يقل: الثانية؛ كما يقال: السنة الأولى والثانية؟ فالجواب: إنه يقال الثاني والثانية لما له ثالثٌ وثالثةٌ، فلما لم يكن لهذين ثالثٌ ولا ثالثةٌ قيل فيهما: الآخر والآخرة، كما قيل: الدنيا والآخرة. 240- ورجبٌ ورجباتٌ وأرجاب، والكثيرة رجوبٌ ورجابٌ. 241- وشعبان وشعباناتٌ وشعابٍ على حذف الزوائد، وحكى الكوفيون: شعابين، وذلك خطأٌ على قول سيبويه، لا يجوز عنده في جمع عثمان عثامين، ولو جاز هذا لجاز في التصغير عثيمين، وهذا

باب أسماء الشهور القديمة

عندنا إنما يجوز في فعلان، نحو سرحان. 242- وشهر رمضان وأشهر رمضان، ومن أجاز رمضان قال: رمضاناتٌ، وحكى الكوفيون: رماضين، والقول فيه كالقول في شعابين، وحكوا: أرمضةٌ على غير الواحد، ويجوز رماضٌ، كما قلت شعابٌ في جمع شعبان، وشوالاتٌ وشواويل وشواول. 243- وذوات القعدة وذوات الحجة، وحكى الكوفيون: مضت أوليات القعدة. وحكوا في الجمع ذات، وهو جائزٌ، كما يقال: هذه الشهور وهؤلاء. باب أسماء الشهور القديمة 244- حكى النحويون أن العرب العاربة، أي: القديمة، تسمي المحرم المؤتمر، ويقولون لصفر: ناجرٌ، ولشهر ربيع الأول: خوانٌ، ولشهر ربيع الآخر: وبصان، ولجمادى الأولى: حنين، وجمادى الآخر: ربى وربة، ولرجب: الأصم، ولشعبان: عاذلٌ، ولشهر رمضان: ناتقٌ، ولشوالٍ: وعلٌ، ولذي القعدة: ورنة وهواعٌ، ولذي الحجة: برك.

باب اشتقاق هذه الأسماء

باب اشتقاق هذه الأسماء 245- المحرم المؤتمر مشتقٌ من أمر القوم إذا كثروا، أي يحرمون القتال فيه فيكثرون، ومؤتمرٌ على النسب، وقيل: مشتقٌ من الائتمار، أي: مؤتمرٌ فيه بترك الحرب. 246- وصفر ناجرٌ يكون مشتقاً من أشياء قد جاءت في اللغة، يقال للأصل: نجرٌ ونجارٌ ونجارٌ، فيقال له: ناجرٌ، أي: هو أصل الحرب، أي: تبتدأ فيه، وهذا قولٌ؛ ويجوز أن يكون مشتقاً مما روى أبو عمرو قال: النجر السوق الشديد، نجرها ينجرها نجرا، فهو منجرٌ، فسمي ناجراً لشدة سوقهم الخيل إلى الحرب فيه. ويجوز أن يكون مشتقاً من النجر وهو شدة الحر لشدة حرارة الحرب والحديد فيه. قال أبو جعفرٍ: ويقال نجر من الماء ومجر، إذا أكثر من شربه، فلم يكد يروى؛ والنجار اللون، والنجيرة الجزاء. 247- وشهر ربيعٍ الأول خوان، لأن الحرب تشتبك فيه، فتخونهم، فتنقصهم. 248- وشهر ربيعٍ الآخر وبصان، مشتق من الوبيص، وهو البريق، لبريق الحديد فيه. وحكى أبو زيد: وبص الشيء يبص وبيصاً، أي: برق.

وحكى القناني: وبص الجرذ: إذا فتح عينيه. 249- وجمادى حنين، قال أبو إسحاق: لأن الناس يحنون فيه إلى أوطانهم. 250- وجمادى الآخرة ربى وربة، لأنه به يجتمع جماعةٌ من الشهور ليست بحرمٍ. قال أبو عبيدٍ: ربان كل شيءٍ جماعته. وقال الأصمعي: ربان كل شيءٍ حدثانه، قال: والرباب سحابٌ دون سحابٍ، والربة الفرقة من القوم. وقال قطربٌ: الربة شجرةٌ، وقيل: هي شجرة الخروب. والربى: الشاة الحديثة النتاج. 251- ورجبٌ الأصم، لأنهم لم يكونوا يحاربون فيه، أي: لا يسمع فيه صوت السلاح ولا الاستغاثة. 252- وشعبان عاذل، أي: ذو عذلٍ، أي: يعذلون على الإقامة فيه وترك تشعبهم في الذي قبله وإغارتهم على الأموال. 253- وشهر رمضان ناتقٌ، أي: يكثر عندهم المال فيه لتشعبهم في الذي قبله وإغارتهم على الأموال. 254- وشوال وعلٌ، لأنهم يهربون فيه من الغارات، لأنها تكثر، لأن بعده الحرم، فيلجؤون فيه إلى أمكينةٍ يتحصنون فيها، يقال: وعل إلى كذا إذا لجأ إليه.

255- وذو القعدة ورنة، تكون الواو فيه مبدلةً من همزةٍ، يكون مشتقاً من أرن: إذا تحرك، أي هو الوقت الذي يتحركون فيه إلى الحج؛ أو من الأرون، أي: الدنو من الحج. قال الأصمعي: أرن يأرن أروناً تقبض ودنا بعضه إلى بعضٍ. 256- وقيل له هواع، أي: يهوع بالناس، أي: يخرجهم من أمكنتهم إلى الحج. 257- وذو الحجة برك، معدول عن باركٍ، غير مصروفٍ، ويجوز أن يصرف يكون على التكثير، كما يقال: رجل حطمٌ؛ ويكون مشتقاً من البركة، لأن الحج فيه، وقيل: هو مشتقٌ من برك الجمل، كأنه الوقت الذي تبرك فيه الإبل للموسم. وقال ابن الأعرابي: البرك طائرٌ أبيض صغير يسمى الشيق. وقال قطرب: البرنكان كل ما كان من الحمض وسائر الشجر لا يطول ساقه. وحكى غيره أن البرنكان كساءٌ من صوفٍ له علمان.

باب جمع الشهور القديمة

باب جمع الشهور القديمة 258- جمع مؤتمر مؤتمراتٌ، وإذا جمعته مكسراً قلت: مآمر، كما تقول في مقتدر مقادر، وإن عوضت قلت: مآمير. 259- وإن جمعت ناجراً قلت: نواجر، لأن فاعلاً إذا كان اسماً غير نعتٍ جمع على فواعل. وإن كان نعتاً لمؤنث جمع على فواعل، وفي المذكر بابه فعل وفعالٌ، وربما اختلف. 260- وخوان جمعه خواناتٌ وخواوين وخواون. 261- ووبصان جمعه وبصاناتٌ. وحكى قطربٌ أنه يقال بصان، فجمعه على هذا: أبصنةٌ، وفي الكبير بصنانٌ. 262- وحنين جمعه أحنةٌ وحننٌ، كأرغفةٍ ورغفٌ. 263- وربى وربياتٌ وربابى مثل حبالى، ويقال: ربابٌ ورباب للجميع، ومن قال ربةٌ فجمعها رببٌ.

264- وجمع الأصم أصام يا هذا، ولا يقال صم، لأنه ليس بنعتٍ، ألا ترى أنك لو سميت رجلاً بأحمر، قلت في الجميع: أحامر، ولم تقل: حمرٌ. 265- وعاذلٌ وعواذل. 266- وناتقٌ ونواتق. 267- ووعلٌ وأوعالٌ، ككتفٍ وأكتافٍ؛ والكثيرة الوعول. 268- وورنة وورناتٌ وورنانٌ كخفان. 269- وهواع وهواويع، كعوارٍ وعواوير. 270- وبركٌ وبركانٌ، مثل نغرٍ ونغران.

ذكر المرتبة الثانية

ذكر المرتبة الثانية 271- قال أبو جعفرٍ: نذكر فيها إن شاء الله اشتقاق الكتابة، ومم أخذت، ولم قيل للكاتب كاتبٌ، وللخليفة خليفة، وأمير المؤمنين، وكذا الوزير والقاضي والأمير وأصحاب الشرط وأتباعهم، ومعنى السلطان في اللغة. ثم نذكر اشتقاق أسماء كتب الله عز وجل. ثم نذكر القلم والسكين والمقط وما فيهن من الاشتقاق واللغة. ثم نذكر الدواة وآلاتها والمداد والليقة والحبر. ثم نذكر الديوان والدفتر والقرطاس والكراسة والسحاءة والخاتم وختم الكتاب وطين الختم، والعنوان. ثم نذكر آلات الكتابة وحسنها وقبيحها وتبيينها وإفسادها وقرمطتها وتفسيحها. ثم نذكر ما معنى المقابلة بالكتاب ومم أخذت.

باب اشتقاق الكتابة ومم أخذت ولم قيل للكاتب كاتب وما يدخل في ذلك

باب اشتقاق الكتابة ومم أخذت ولم قيل للكاتب كاتبٌ وما يدخل في ذلك 272- قال أبو جعفرٍ: فمن ذلك ما قال الأصمعي: إنما سميت كتابةً لأنه يجمع بها بعض الحروف إلى بعضٍ كما يجمع الشيء إلى الشيء، وهو مأخوذٌ من الكتيبة، وهي الخيل المجموعة، وتكتب القوم تجمعوا، ومنه: كتبت البغلة، أي: جمعت بين شفريها بحلقةٍ. وكتبت القربة: جمعت خرزاً إلى خرزٍ، والكتبة: السير الذي تخرز به المزادة، واكتب قربتك، أي: اخرزها. 273- وقيل للكاتب كاتبٌ، لأنه يضم بعض الحروف إلى بعض ويؤلفها، وقد كتب الكتاب يكتبه كتباً وكتابا ومكتبةً وكتبةً واحدةً، وما أحسن كتبته في الحال التي يكتب فيها، وصحيفةً مكتوبةٌ ومكتوبٌ فيها. وكتبت فلاناً، وأكتبته، والموضع الذي يعلم فيه يقال له: مكتب، وقد حكى غيره أنه يقال له: كتابٌ لتبيين الموضع، ولكن لمن يتعلم فيه على التفاؤل أن يكونوا كتاباً. ويقال كاتبته فكتبته، أي: كنت أكتب منه، كما يقال: غالبني فغلبته، وطاولني فطلته، وأنشد النحويون. إن الفرزدق صخرةٌ ملمومةٌ ... طالت فليس تنالها الأجبالا

ويقال: أكتب الرجل إذا صار ذا كتابٍ جيدٍ، كقولك: أجاد، إذا صار له فرسٌ جوادٌ. وأتيت فلاناً فأكتبته، أي: أصبته كاتباً؛ وأحسبته: أصبته حاسباً، وأنحيته وأفقهته. واستكتبته: استدعى أن يكون كاتبه. وجمع الكاتب كتابٌ وكتبٌ، مثل: صوامٍ وصومٍ، وكتبةٌ وكاتبون وكاتبٌ وكتابٌ، مثل قائمٍ وقيامٍ. وقد قيل هذا في قول الله عز وجل: {ولم تجدوا كاتباً} . 274- فأما قولهم: خليفةٌ وأمير المؤمنين، فلفظتان معروفتان، قال الله عز وجل: {إني جاعلٌ في الأرض خليفةً} قيل: أي يخلفه من بعده، مثل: قتيلٍ بمعنى مقتول، وقيل: أي يخلف من كان قبله على قول من روى أنه كان قبله في الأرض الجن. فمعنى خليفةٍ لأمير المؤمنين محتملٌ لهذين الوجهين، وأولاهما أنه يخلف من كان قبله، وعلى هذا خوطب أبو بكر رضي الله عنه، فقيل له: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه؛ ثم خوطب عمر رضي الله عنه فقيل له: يا خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، [ثم خوطب] بأمير المؤمنين وترك ذلك لئلا يكثر فيما قيل.

فممن خاطب عمر بأمير المؤمنين عليٌ رضي الله عنه، كما روى حميد ابن عبد الرحمن، عن ابن وبرة، أن أبا بكر كان يجلد في الشراب أربعين، وكان عمر رضي الله عنه يجلد فيه أربعين؛ قال: فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنه، فقدمت عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين! إن خالداً بعثني إليك؛ قال: فيم؟ قلت: إن الناس قد تجافوا العقوبة وانهمكوا في الخمر، فما ترى في ذلك؟ قال عمر لمن حوله: ما ترون؟ فقال عليٌ رضي الله عنه: نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة؛ فقبل ذلك عمر، فكان خالدٌ أول من جلد ثمانين، ثم جلد عمر رضي الله عنه ناساً بعده. 275- وأما الهاء في ((خليفة)) ففيها ثلاثة أقوال: من النحويين من يقول: إنه أدخلت الهاء فيه للمبالغة، كما يقال: داهيةٌ؛ وهذا قول الفراء. وسمعت علي بن سليمان يقول: هذا خطأٌ، ولو كانت الهاء على ما قال لكان تأنيثاً حقيقياً. قال أبو جعفر: ومذهب الفراء في كل ما كان من المدح، نحو: علامة ونسابة، أن تأنيثه بمعنى داهية، وفي الذم بمعنى بهيمة، نحو هلباجة وفقاقة. ومن النحويين من يقول: الهاء للصيغة، وهو مذهب علي بن سليمان.

قال أبو جعفر: سمعته يقول: سمعت أبا إسحاق يملي في قول الله جل وعز: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} يقال لكل من دب: دابٌ ودابةٌ، من الناس وغيرهم. قال علي بن سليمان: وبقي عليه أن يأتي بالعلة في المجيء بالهاء، والقول عندي أنه جيء بالهاء لتأنيث الصيغة. قال أبو جعفر: ولكن النحويين ذهبوا إلى أن الهاء للمبالغة؛ وهذا أحسن ما قيل فيه، كما يقال روايةٌ وعلامةٌ. 276- ويقول: قال الخليفة كذا, وأجاز الكوفيون, قالت الخليفة, على اللفظ, وذلك خطأٌ عند البصريين, ولو جاز هذا لجاز: قالت طلحة, وأنت تريد رجلاً. 277- وأجاز الكوفيون حذف الهاء, وأن يقال: فلانٌ خليف فلان؛ فإذا قلت: قال الراضي الخليفة كذا, لم يجز قالت عند الجميع, لأن الفعل وليه مذكرٌ في المعنى واللفظ. 278- وجمع خليفة خلفاء, مثل: كريم وكرماء؛ قال الله عز وجل: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} , ويجوز خلافٌ, مثل: كرامٌ؛ لأن الهاء زائدةٌ؛ ويجوز خلائف تشبيهاً بصحيفة وصحائف؛ قال الله عز وجل: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} .

279- على أن جماعةً من الفقهاء كرهوا هذا الاسم لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أحمد ابن حنبل, قال: آخذ بحديث حماد بن سلمة, عن سعيد بن جمهان, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الخلافة بعدي ثلاثون)) يعني: خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن, فلما انقضت الثلاثون صار ملكاً لا خلافةً. 280- قال أبو جعفر: وملك مصدر ملك, ويقال: ملكٌ وملكٌ, كما قال عمرو بن كلثوم: إذا ما الملك سام الناس خسفاً ... أبينا أن نقر الذل فينا ويقال: مليكٌ, كما قال ابن الزبعرى: يا رسول المليك إن لساني ... راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور 281- والملك حلاحلٌ, واشتقاقه أن يحل حيث شاء, والجميع حلاحل. 282- وهو الهمام, أي: إذا هم بشيء أمضاه والجمع همامٌ. 283- وهو الحصير لأنه محصورٌ عن الناس, أي: محجوبٌ عنهم. 284- قال الفراء: وهو الكوثر, أي: الكثير العطايا. 285- وحكى الخليل أنه يقال له: قماقمٌ وقمقامٌ لكثرة خيره وسعة فضله. قال أبو جعفر: مشتقٌ عند غيره من العدد [القمقام] وهو الكثير.

فأما قمقم الله عصبه, فيجوز أن يكون معناه: سلط الله عليه القمقام, أي: السلطان, وقيل: إن القمقام ها هنا جمع قمقامة, وهي: القردانة. 286- وقد استعمل الناس السيد, وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((السيد الله)) جل ثناؤه. وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحسن بغير ألف ولام: ((إن ابني هذا سيدٌ –يعني: الحسن- وإن الله جل ثناؤه سيصلح به بين فئتين من المسلمين)) . 287- فأما المولى, فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاي, ولا يقول: عبده, ولا عبدك, ولا عبدي؛ وإن كان مملوكه؛ قد حظر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على المملوكين, فكيف الأحرار! فقال: ((ليقل فتاي وفتاتي)) . 288- وكان العرب تقول له, البدء أيضاً, كما قال: وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا ... والبدء عند العرب الرئيس الذي فوقه رئيسٌ.

289- وقد حكي أيضاً أنه يقال في هذا: ربٌ, وحكى الفراء: ربٌ بالتخفيف. 290- قال أبو جعفر: إلا أنه ينبغي للمسلمين أن يجتنبوا هذا كله, وكذا المولى كما روى أبو هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقولن أحدكم عبدي ولا أمتي, ولا يقل المملوك: ربي وربتي, ولكن ليقل المالك: فتاي وفتاتي, والمملوك: سيدي وسيدتي, فإنكم المملوكون والرب الله جل وعز)) . وعن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم عبدي, فإن كلكم عبدٌ, ولكن ليقل: فتاي؛ ولا يقل أحدكم: مولاي, فإن مولاكم الله جل ثناؤه, ولكن ليقل: سيدي)) . 291- قال أبو عبيدة: الصمد السيد الذي ليس فوقه سيدٌ, الذي يصمد إليه الناس في حاجاتهم وأمورهم, وأنشد: ألا بكر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد 292- وهو العميد والزعيم والمدره والنظورة والبارع والسميدع, أي: السيد الموطأ الأكناف. 293- ويقال للملك: الغطريف. قال الأصمعي: الغطريف السري السخي.

294- وهو الخضرم, وأصل الخضرم: الكثير العطية, مشتقٌ من بئر خضرم: إذا كانت كثيرة الماء. 295- وهو الخضم, وأصل الخضم: الموسع عليه في الدنيا, مشتقٌ من الخضم, وهو أكل الشيء اللين, والقضم أكل الشيء اليابس. 296- وهو الرهشوش, قال أبو زيد: الرهشوش: الندي الكف, الكريم النفس. ومثله الكهلول والبهلول والبحر والفياض. 297- ويقال للملك الأكبر: الصنتيت والصنديد والجحجاح والملاث واللهم. ويقال: الهداكر, أصل الهداكر: المنعم. 298- فأما الوزير ففيه ثلاثة أقوال: منها أنه يعتمد عليه ويلجأ إليه, مشتقٌ من الوزر, وهو الملجأ, والجبل: وزرٌ. والقول الثاني: أنه يقلد خزائن الملك وآلته, مأخوذٌ من الأوزار, وهي: الأمتعة ومنه: {ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم} أي: آنية الذهب والفضة. والقول الثالث قاله أحمد بن يحيى، قال: قيل: وزيرٌ لأنه يتحمل أثقال الملك، ومنه قيل للذنب وزرٌ.

299- فأما القاضي، فمشتقٌ من القضاء، قال أبو عبيدة: أصل القضاء في كلامهم هو: إحكام الشيء والفراغ منه، ومنه: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} أي: أخبرناهم بذلك وفرغنا منه لهم؛ ومنه: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} إنما هو عهد إليهم في ذلك وأحكمه لهم؛ ومنه قضاء الله وقدره، أي: قد أتقن الأشياء كلها وأحكمها وأبرمها وفرغ منها. وإنما سمي القاضي قاضياً بهذا المعنى، إنما يقال قضى بين الخصمين، أي: فصل بينهما وفرغ منهما؛ ومنه قيل للميت: قد قضى، أي: فرغ من الدنيا وفصل منها، وكذلك انقضاء النهار. وقال غيره: قيل قاض لأنه يقطع أمور الناس، يقال: قضى الشيء، أي: قطعه، ومنه {فاقض ما أنت قاض} ، وهو الفتاح، أي الناصر للمظلوم، ومنه: {افتح بيننا وبين قومنا بالحق} وهو الحاكم، لأنه يرد الناس عن الظلم، مشتقٌ من الحكمة، وهي حديدةٌ مستديرةٌ في اللجام، تمنع الدابة من الجري والشباب، يقال: قد حكمت الرجل عن كذا، أي: رددته. 300- وأما السلطان، فأصله في اللغة الحجة، فقيل: سلطانٌ لأنه حجةٌ من الله عز وجل، وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: السلطان جمع سليط، مثل رغيف ورغفانٌ، فمن أنثه ذهب به إلى الجماعة، ومن ذكره ذهب به إلى اللفظ.

301- وأما الشرط، ففي اشتقاقه قولان، أحدهما: أن يكون مشتقاً من الشرط، أي: الرذال. والقول الآخر أنه مشتقٌ من الشرطة، وهي العلامة، لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون [بها] ، ومنه أشراط الساعة، ومنه شرط الحكام وهم الوزعة، لأنهم يدفعون الناس عن الظلم، الواحد وازعٌ. قال الحسن: لا بد للناس من وزعة. وعن عمر رضي الله عنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن. وقال الشاعر: على حين عاتبت المشيب على الصبى ... وقلت ألما تصح والشيب وازع أي: مانعٌ من الجهل. وقال جل وعز: {فهم يوزعون} أي: يدفعون عن التقدم حتى يلحق أولهم بآخرهم، فيدخلوا النار. ومنه: {قال رب أوزعني} قال أهل التفسير: ألهمني، واشتقه أبو إسحاق من هذا، قال: أي: امنعني إلا من شكر نعمتك. 302- وأما المسلحي فمشتقٌ من السلاح، ومن قال بالصاد

جعله من الصلح، وحكي عن الأصمعي: من كان في المدينة فهو مصلحيٌ، ومن خرج منها فهو مسلحيٌ. وقال أحمد بن يحيى: كان الناس يقولون: ((أصحاب المسالح)) إلى زمان المأمون يذهبون إلى حملهم السلاح, فلما ولي المأمون أمر الناس أمر أن يسموهم أصحاب المصالح لإصلاحهم بين الناس. 303- وأما العون, فمشتقٌ من المعونة, وهو بمعنى معين, كما يقال: رجلٌ عدلٌ, أي: هو ذو عون لصاحبه, والجماع أيضاً عونٌ؛ كما قال زهيرٌ: متى يشتجر قومٌ يقل سرواتهم ... هم بيننا فهم رضاً وهم عدل 304- المحتسب, يكون مشتقاً من قولك: حسبك, أي: اكفف, فيكون معناه الذي يكف الناس عن الظلم, أو من أحسبه, إذا كفاه, أي: الذي يكفي الناس مؤونة من يبخسهم, وحقيقته في اللغة المجتهد في كفاية المسلمين ومنفعتهم, كذلك حقيقة افتعل في كلام العرب عند الخليل وسيبويه: يقال: اكتسبت, أي: اجتهدت وطلبت؛ وكسبت: أصبت وظفرت, وإذا تدبرت قول الله جل وعز: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} أي: ما أصابت وعملت من خير وعليها ما اكتسبت, أي: ما اجتهدت فيه وطلبته من

باب ذكر اشتقاق أسماء كتب الله جل وعز

شر, فيكون الذي عليها من الشر ما اجتهدت فيه ونوته لا ما غلطت فيه ونسيته, وفي حديث أم زرع: إن أكل التف, وإن شرب اشتف, أي: إن أكل اجتهد في لف كل ما يجده, وإن شرب اجتهد فطلب أن يستوعب كل ما في الإناء ليشربه. 305- وأما صاحب البريد, فهو مشتق عند الخليل من بردت الحديد, أي: أرسلت ما يخرج منه؛ ومن أبرده, أي أرسله, وقيل: هو من برد, أي: ثبت, أي: يكتب بما تستقر عليه الأخبار, وتثبت, كما قال: اليوم يومٌ باردٌ سمومه أي: ثابتٌ. باب ذكر اشتقاق أسماء كتب الله جل وعز 306- التوراة مشتقةٌ من ورت زنادي, ووريت, وأوريتها: استخرجت ضوءها. قال البصريون: وزنها فوعلةٌ, والأصل ووريةٌ, أبدل من الواو ياءً, وقبلت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها.

وقال الكوفيون: يصلح أن تكون تفعلةً وتفعلةً, قلبت إلى تفعلة؛ وأنشد الفراء: فما الدنيا بباقاة لحي ... وما حيٌ على الدنيا بباق أراد ((بباقية)) فأبدل من الياء ألفاً. وجمع التوراة توار. 307- وأما الإنجيل, ففي اشتقاقه أوجهٌ: يكون من نجلت الشيء, أي: أخرجته, وولد الرجل نجله, كما قال زهيرٌ: إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم ... أصاغرهم وكل فحل له نجل فيكون معناه: خرج به دارسٌ من الحق. ويقال: هو من تناجل القوم: تنازعوا؛ حكى ذلك أبو عمرو الشيباني، فسمي إنجيلاً لما وقع فيه من التنازع، لأنه وقع فيه من التنازع ما لم يقع في شيء من كتب الله جل وعز. وقيل: سمي إنجيلاً لأنه أصل الذي أطلع الله عز وجل خلقه عليه، مشتقٌ من قوله: نجله، أي: ولده، وكان أصلاً له. قال أبو الحسن بن كيسان: إنجيلٌ إفعيلٌ من النجل، وجمعه: أناجيل.

308- والزبور، مشتقٌ من زبرت الكتاب، أي: كتبته، وزبور بمعنى مزبور، أي: مكتوب. 309- والقرآن، عند أبي عبيدة مشتقٌ من قرأت، أي: جمعت، فسمي قرآناً لجمعه وضم بعضه إلى بعض. وقال قطربٌ: سمي قرآناً لأن القارئ يظهره ويبينه ويلقيه من فيه، من قولهم: ما قرأت الناقة سلاً قط، أي: لم ترم بولد. 310- وسمي فرقاناً لأنه يفرق بين الحق والباطل. 311- وقيل: سورةٌ على قول أبي عبيدة لأنه يرتفع فيها منزلةً إلى منزلة، مثل سورة البناء. وقيل: لتمامها وكمالها، من قولهم: عند فلان سورةٌ من الإبل، أي: كرائم. وقيل: لشرفها، من قولهم: لفلان سورةٌ في المجد. قال أبو جعفر: وهذا من أحسنها وأعرفها، كما قال: ألم تر أن الله أعطاك سورةً ... ترى كل ملك دونها يتذبذب أي: شرفاً ومنزلةً. فهذه ثلاثة أقوال على لفظ سورة.

وقولٌ رابعٌ على أن أصلها الهمز، فقيل سؤرةٌ، لأنها قطعةٌ من القرآن، ومن أسأرت من الشيء، أي، قطعت منه قطعةً، فخفف همزها. 312- وآيةٌ، لأنها جماعةٌ من حروف القرآن، حكى أبو عمرو عن العرب: خرج القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم، وقيل: بعلامتهم، لأنها علامةٌ، كما قال: بآية ما تحبون الطعاما 313- وقيل: مصحفٌ، لأنه يجمع الورق التي تصحف فيه، من أصحفت، كمكرم. ومن قال مصحفٌ جعله من صحفت مصحفاً، مثل، جلست مجلساً. ومن كسر الميم شبهه بما لم ينتقل. 314- وأما السفر, فمشتقٌ من أسفر الشيء إذا تبين, فهو الذي فيه البيان, ومنه أسفر الصبح إذا تبين, وأسفر وجه المرأة: إذا أضاء.

باب ذكر السكين والمقط والقلم وما فيهن من الاشتقاق واللغات

باب ذكر السكين والمقط والقلم وما فيهن من الاشتقاق واللغات 315- حكى الأصمعي: أن السكين مذكرٌ, وزعم الفراء أنه يذكر ويؤنث, وحكى الكسائي: سكينةٌ, وحكى ابن السكيت: سكينٌ حديدٌ وحداد, وزاد غيره حدادٌ بالتخفيف, والجمع حدادٌ, وسكين محدٌ ومحدودٌ, لأنه يقال: أحددت السكين وحددت, ويقال: سكينٌ مجلوٌ ومجليٌ؛ ويقال: صدئ صدأ, وصدءاً وصدأةً. واشتقاق السكين من سكن, أي: هدأ ومات, أي: السكون بها. 316- قال أبو إسحاق: واشتقاق المدية من أن بها مدى الأجل. 317- واشتقاق النصاب من أنه أصل الشيء, كما قال: فإن نصابي إن سألت وأسرتي ... من الناس حيٌ يقتنون المزنما وأنصبت السكين: جعلت له نصاباً, وأقبضتها وأقربتها: جعلت لها مقبضاً وقراباً, وقربتها: أدخلتها في قرابها, وكذا غلفتها وأغلفتها. 318- والشفرة: الجانب الذي يقطع به من السكين, والذي لا يقطع به كلٌ, حكى ذلك أبو زيد.

باب ذكر القلم

319- والحديدة الذاهبة في النصاب سيلانٌ, ونظيره من السهم الرعظ, وحد رأس السكين الذناب, والذي يليه الظبة, والذمي يليه صبي, وصابيت السكين غمدته مقلوباً. 320- وقال ابن الأعرابي: يقال للسكين مديةٌ ومديةٌ ومدية. باب ذكر القلم 321- فمن ذلك ما كتبناه عن علي بن سليمان, عن يعقوب بن يوسف صاحب الطوسي, قال: القلم سمي بذلك لأنه يقلم, أي: يقطع, ومنه: قلمت أظافري, فإن لم يكن القلم مقطوعاً فليس بقلم, ولكنه قضيبٌ وأنبوبٌ؛ قال زهيرٌ: لدى أسد شاكي السلاح مقاذف ... له لبدٌ أظفاره لم تقلم 322- قال أبو جعفر: فهذا اشتق القلم من قلمته, أي: قطعته, فيكون سمي قلماً لأنه قطع منه, وقال غيره: مشتقٌ من القلام, وهو: نبتٌ ضعيفٌ واهي الأصل, قال لبيد: فتوسطا عرض السري وصدعا ... مسجورةً متجاوراً قلامها فقيل: قلمٌ لأنه خفف وأضعف بما أخذ منه, ورجلٌ مقلم الأظفار

من هذا, أي: ضعيفٌ في الحرب ناقصٌ, قال النابغة: وبنو قعين لا محالة أنهم ... آتوك غير مقلمي الأظفار 323- ويقال للشحمة التي في رأس القلم: الضرة، شبهت بضرة الإبهام، وهي اللحمة التي في أصل الإبهام. 324- ويقال: رعف القلم إذا قطر، وأرعف الرجل القلم إذا أخذ فيه مداً كثيراً حتى يقطر. 325- ويقال: استمدد ولا ترعف، أي: لا تكثر المداد حتى يقطر. 326- ويقال: ذنبت القلم، فهو مذنبٌ. وأما الرطب فيقال منه مذنبٌ من ذنب هو. 327- ويقال: حفي القلم يحفى حفوةً وحفوةً وحفيةً وحفايةً وحفىً مقصورٌ. فأما الحفاء ممدودٌ، فهو مشي الرجل بلا نعل، وقال أبو إسحاق: نظيره الخلاء. 328- ويقال للقشر الرقيق المغطي للأنبوبة: ليطٌ، وهو جمع ليطة، مشتقٌ من لاط الشيء يلوطه إذا ألصقه، والولد لوطةٌ، أي: يلصق بالقلب. 329- ويقال للقطعة التي تقع من الأنبوبة شظيةٌ، مشتقٌ من شظي القوم: إذا تفرقوا.

330- وغلظ القلم غلظاً وغلاظةً. 331- واستوى فهو مستو، بحذف الياء لسكونها وسكون التنوين. 332- وقد اعوج، فهو معوجٌ، وعوج يعوج عوجاً، فهو عوجٌ وأعوج والجميع عوجٌ وفيه عوجٌ. فأما العوج بكسر العين ففي الدين والأمر، ويقال أيضاً: في الأرض عوجٌ، لأنه يتسع فلا يبلغه العيان، فصار كالدين، والأمر، قال الله جل وعز: {لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً} . وروى ابن أبي طلحة، عن ابن عباس {ولا أمتاً} : يقول: ولا رابيةً. وعوجت القلم وقومته. 333- وهو قلمٌ رخوٌ، وأقلامٌ رخوةٌ؛ وأبو زيد يقول: رخوٌ، والفراء: رخوٌ. 334- وقال عبد الله بن عبد العزيز: يقال: قلمٌ ذنوبٌ، إذا كان طويل الذنب، كما يقال: فرسٌ ذنوبٌ. 335- وللقلم سنان، فإذا كان الأيمن أرفع من الأيسر قيل: محرفٌ، فإذا كانا مستويين، قيل: قلمٌ مستوي السنين. 336- قال عبد الله بن عبد العزيز: أشحمت القلم تركت شحمه فيه، فلم آخذه، فإن أخذت شحمه، قلت: شحمته أشحمه، فإن استأصلت شحمه قلت: بطنته تبطيناً.

باب ذكر الدواة وآلاتها والمداد واللقية والحبر

337- ويقال: بريت القلم برياً، وما يسقط منه برايةٌ، ويقال للقلم نفسه برايةٌ، لأن العرب تجعل برايةً لكل ما نقص منه، ويقال: قطاعةٌ وقوارةٌ. 338- ويقال: قططت القلم، أي: قطعت منه، والقلم مقطوطٌ وقطيطٌ، والمقط الذي يقط القلم عليه، والمقط بفتح الميم: الموضع الذي يقطع من رأس القلم، وهو مشتقٌ من قططت، أي: قطعت، وما رأيته قط، أي: انقطعت الرؤية بيني وبينه، والقط الكتاب بالجائزة، لأنه يقطع، ومنه: يعطي القطوط ويأفق وقط بمعنى حسب, كما قال: امتلأ الحوض وقال قطني باب ذكر الدواة وآلاتها والمداد واللقية والحبر 339- وللدواة أسماء، يقال لها: الرقيم، لأنه يرقم بها، أي

يكتب، وقد روي عن مجاهد في أصحاب الكهف والرقيم: والرقيم الدواة. وروي ذلك عن عكرمة. 340- وقيل: الدواة يقال لها: النون، كما روي عن ابن عباس، قال: نون الدواة، والقلم القلم الذي كتب. 341- وفي جمع الدواة خمسة أوجه: دوياتٌ في العدد القليل، وفي الكثير دوي بضم الدال، ويقال بكسرها؛ ويقال: دواةٌ ودويٌ، ويقال: دوايا. 342- ويقال: ادَّويت دواةً، إذا اتخذتها. ويقال دوى الدواة، أي: عملها، فهو مدو، مثل: مقن للذي يعمل القنا، ويقال للذي يبيعها: دواءٌ، مثل: تبان للذي يبيع التبن؛ والذي يحملها ويمسكها داو، مثل: رامح للذي يحمل الرمح. 343-ويقال: حليت الدواة أحليها حلياً فحليت هي تحلى وحليتها على التكثير، والذي عليها حليةً والجمع حلىً؛ وحكى الفراء حلىً بالضم، وهو أيضاً حليٌ كالمصدر، كما قرأ يعقوب {من حليهم} قال الأعشى: تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرقٌ زجل

وجمع حلي حلي. 344- واشتقاق المداد من المدد للكاتب، وهو جمع مدادة، يذكر ويؤنث، وكذا قال الفراء: إن جعلت المداد مصدراً لم تثنه ولم تجمعه. وقد يقال: امددت الدواة إذا جعلت فيها المداد، فإن زدت على مدادها، قلت: مددتها كما قال الله عز وجل: {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} واستمددت منها أخذت. 345- فإن أخذت مدادها كله قلت: قعرت الدواة أقعرها قعراً، واشتقاقه أنك بلغت إلى قعرها، وقد سمع: أقعرت الإناء إقعاراً، إذا جعلت له قعراً. 346- ويقال: أكب الكاتب على الدواة يكتب منها، وكب دواته: قلبها. 347- ويقال للقطن قطنٌ وقطنٌ كجبن، وكرسفٌ وبرسٌ وطوطٌ. فإذا ألصق بالمداد فهو: ليقةٌ، وذلك مشتقٌ من قولهم: ما يليق فلانٌ بقلبي، أي: ما يلصق. وفي خبر الأصمعي حين قدم فدخل على الرشيد فقال: ما خبرك؟ فقال: ما ألاقتني أرضٌ حتى وافيت؛ أي: ما ثبت فيها. 348- ويقال ألقت الدواة إلاقةً، ولقتها ليقاً وليوقاً وليقاناً: إذا ألصقت مدادها.

349- ويقال: دواة ملأى مداداً، والجميع مليئاتٌ وملاءٌ. 350- ويقال: خثر المداد وغيره يخثر خثورةً، هذه الفصيحة، ويقال: خثر خثارةً: إذا ثخن. 351- ويقال: أنعمت ليق الدواة إنعاماً زدت في ليقها وبالغت فيه، وأنعم الشيء إذا زاد. ومنه الحديث: ((إن أهل الجنة ليتراؤون أهل عليين، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما)) أي: زادا على ذلك. قال الشاعر: رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنبت تنوراً من النار حاميا أي: زدت. ومنه سحقت المداد سحقاً نعما. 352- فأما الحبر، فقال فيه محمد بن يزيد: حدثني التوزي، قال: سألت الفراء: لم سمي المداد حبراً؟ قال: يقال للعالم: حبرٌ وحبرٌ، فإنما أرادوا مداد حبر، فحذفوا مداد وجعلوا مكانه حبراً، مثل: {وسئل القرية} . 353- قال: سألت الأصمعي، فقال: ليس هذا بشيء إنما هو لتأثيره، يقال: على أسنانه حبرٌ إذا كثرت فيه الصفرة حتى تضرب إلى السواد.

باب ذكر الديوان والدفتر والقرطاس والكراسة والإضبارة والسحاءة والخاتم وختم الكتاب وطين الختم والعنوان وتشقيقه وتصريف لغاته وتتريب الكتاب وما يتبع ذلك

354- وقال محمد بن يزيد: وأنا أحسب أنه إنما سمي حبراً لأنه تحبر به الكتب، أي: تحسن. باب ذكر الديوان والدفتر والقرطاس والكراسة والإضبارة والسحاءة والخاتم وختم الكتاب وطين الختم والعنوان وتشقيقه وتصريف لغاته وتتريب الكتاب وما يتبع ذلك 355- قال أبو جعفر: المعروف في لغة العرب أن معنى الديوان: الأصل الذي يرجع إليه ويعمل بما فيه. كما قال ابن عباس: إذا سألتموني عن شيء من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب، أي: أصله. 356- قال أبو جعفر: ويقال: دون هذا، أي: أثبته واجعله أصلاً. وزعم بعض أهل اللغة أن أصله عجميٌ، وبعضهم يقول عربيٌ. وقد ذكره سيبويه في كتابه، وتكلم على أن أصله دوانٌ، واستدل على ذلك بقولهم في الجمع دواوين، وهذا قولٌ حسنٌ: أبدلوا من إحدى الواوين ياءً، ونظيره دينارٌ، والأصل فيه دنارٌ، وكذا قيراطٌ الأصل فيه قراطٌ.

357- فأما الفراء، فزعم أنك إذا سميت رجلاً بديوان وأنت تريد به كلام الأعاجم لم تصرفه. 358- قال أبو جعفر: هذا غلطٌ، لأنك إذا سميت رجلاً ديواناً على أنه أعجميٌ لم يجز إلا صرفه، لأن الألف واللام تدخلان فيه، فقد صار بمنزلة طاووس، وراقود، وما أشبههما؛ وإن جعلته عربياًً صرفته أيضاً، لأنه فعالٌ، والدليل على هذا قولهم: دواوين. وديوانٌ بالفتح خطأٌ، ولو كان بالفتح لم يجز قلب الواو ياءًَ، وإن قيل: الياء أصلٌ، فقل: هذا خطأٌ؛ ولو كان كذا، لقيل في الجمع: دياوين، فديوانٌ لا يقال، كما لا يقال: دينارٌ ولا قيراطٌ. 359- وقد زعم الأصمعي أن أصله عجميٌ، وروى أن كسرى أمر الكتاب أن يجتمعوا في دار فيعملوا حساب السواد في ثلاثة أيام، فاجتمعوا في الدار واجتهدوا، فأشرف عليهم وبعضهم يعقد وبعضهم يكتب فقال: أبيات ديو أشد، هؤلاء مجانين، فلزم موضع الكتابة هذا الاسم من ذلك الدهر، ثم عربته العرب فقالوا: ديوانٌ. 360- وأما الدفتر، فهو اسمٌ عربيٌ، ولا نعلم له اشتقاقاً، وكان أبو إسحاق يذهب إلى أن كل اسم عربي فهو مشتقٌ، إلا أنه ربما غاب عن العالم شيءٌ وعرفه غيره، ويقال: دفترٌ ودفترٌ وتفترٌ، ثلاث لغات. 361- فأما القرطاس، فإنه يقال بالضم والكسر وجمعه قراطيس، ويقال: قرطسٌ وجمعه قراطيس، وإذا نسبت الرجل إلى أنه يبيع القراطيس، قلت: قرطاسيٌ، وقراطيسيٌ خطأٌ، لا يجوز عند

الخليل وسيبويه، لأنك إذا نسبت إلى جماعة لم يجز النسب إلا إلى واحدها. ويقال: تقرطس قرطاساً إذا اتخذه، وقرطس إذا أتى بقرطاس، وإذا أصاب القرطاس، ومنه يقال: قرطس إذا جود. 362- فأما الكراسة، فمعناها: الكتب المضمونة بعضها إلى بعض، والورق الذي ألصق بعضه إلى بعض، مشتقٌ من قولهم: رسمٌ مكرسٌ إذا ألصقت الريح التراب [به] ، كما قال: يا صاح هل تعرف رسماً مكرساً ... قال نعم أعرفه وأبلساً أبلس: تحير فلم تكن له حجةٌ؛ والرسم: الأثر بلا شخص؛ والكرس أيضاً ما تجمع من الوسخ في موضع القلادة، وانكرس الثور والظبي: إذا دخلا في كناسهما. 363- وقال الخليل: الكراسة من الكتب مأخوذةٌ من اكراس الغنم، وهو أن تبول في الموضع شيئاً بعد شيء فتتلبد. 364- وأما الإضبارة، فمعناها الجمع، أي: يجمع بعضها إلى بعض، وتضبر القوم: تجمعوا، ورجلٌ مضبرٌ الخلق، أي: مجتمعه، وكذا ناقةٌ مضبرةٌ ومضبورةٌ، وضبر الفرس جمع قوائمه ووثب، ويقال للإضبارة: إضمامةٌ، أي: ضم بعضها إلى بعض.

365- وأما السحاءة، فمما كتبناه عن علي بن سليمان، عن يعقوب بن إسحاق صاحب الطوسي، قال: أصل سحوت: قشرت، سحوت سحواً، وسحيت سحياً، وسحيت تسحيةً، وكتابٌ مسحوٌ ومسحيٌ ومسحىً، والسحاءة جمعها سحاء، وحكى غيره: سحايةٌ، ويقال جاء المطر فسحى وجه الأرض، أي قشره، والمسحاة مأخوذةٌ من ذلك. قال النابغة: ردت عليه أقاصيه ولبده ... ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد ويقال في مثل: ما لمسحاتك عندي طينٌ، أي: مالك عندي ما ترجو أن تناله. 366- ويقال: ما أحسن تسحيته للكتاب، فإن أردت المرة الواحدة قلت: سحى سحيةً، وإن شئت جئت به بالواو. 367- ويقال: قد أسحى الكتاب إذا أمكن أن تؤخذ منه السحاءة، وتسمى السحاءة خزامةً، وكل ما شددت به شيئاً فهو خزامةٌ، وأصله: الزيادة، ومنه الخزم في الشعر. 368- وأما الخاتم؛ فقد روي فيه أحاديث، ومن العلماء من كره لبسه إلا لذي سلطان، ومنهم من أباح ذلك.

369- فمنه ما رواه أنسٌ، قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً، قال: فاتخذ خاتماً من فضة، قال: فكأني أنظر إلى بياضه في يده؛ ونقش عليه: محمدٌ رسول الله. 370- وروى ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتماً من ذهب، وكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع مثله، ثم إنه جلس على المنبر، فنزعه، وقال: ((إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل)) فرمى به، وقال: ((والله لا ألبسه أبداً)) فنبذ الناس خواتيمهم. 371- وقال الليث: بلغنا أنه اصطنع بعد ذلك خاتماً من ورق. 372- وقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تختموا بالعقيق، فإنه مباركٌ)) . 373- وروى مجمع بن عتاب بن شمير، عن أبيه، قال: وضأت علي ابن أبي طالب عليه السلام، وعليه خاتمٌ من ورق ما يقوم بدرهم. 374- فهذا كله يدل على إباحة لبس الخاتم لجميع الناس. 375- فأما من كره ذلك من العلماء، فمنهم سعيد بن المسيب، فإنه سئل عن شيء في فص خاتم مثل رأس الطير، فقال: ما علمت أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تختم، لا أبو بكر ولا عمر ولا فلان ولا فلان؛ حتى عد ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. 376- وقال جعفر بن سليمان: لم يكن على مالك بن دينار

ولا محمد بن واسع ولا حبيب بن محمد خواتم، وشهدت مالكاً شهد على شهادة، فحل إزاره، فأخرج خاتماً من حديد، فختم به، ثم أدخله إزاره. 377- وروى ليثٌ أن عطاء ومجاهداً وطاوساً لا يتختمون. 378- وروى أبو ريحانة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عشراً: الوشر، والوشم، والنتف، ومكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار، والحرير أن تصنعوه [تضعوه؟] من أعلى ثيابكم كما تصنعه [تضعه؟] العجم، والنمر والنهية والخاتم إلا لذي سلطان. 379- قال أبو جعفر: الوشر أن تشر المرأة أسنانها حتى تحددها. والوشم أن تغرز ظهر كفها ومعصمها بإبرة ثم تحشوه بالكحل. والمكامعة المضاجعة، مشتقٌ من الكميع، وهو الضجيع، وزوج المرأة كميعها. 380- وقد يروى المكاعمة، قال أبو عبيدة: المكاعمة أن يلثم الرجل صاحبه، أخذ من الكعام كعام البعير، وهو أن يشد فمه إذا هاج. 381- وقال غيره: هو ضم الشيء إلى الشيء، مشتقٌ من عكمت الثياب. 382- والنمر، هو: النهي عن الركوب بجلود النمر، وهو مبينٌ في حديث أبي ريحانة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الركوب بجلود النمور. 383- فأما النهي عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان، فيجوز أن يكون منسوخاً، ولا سيما مع حديث أنس، قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، فقيل: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا بخاتم،

فاتخذ خاتماً من فضة؛ فدل على أنه اتخذه عند حاجة إليه. 384- وأيضاً، فمن صحيح الأسانيد ما رواه يحيى بن القطان، عن عبد الله، قال: حدثني نافعٌ، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ذهب، وجعل فصه مما يلي كفه، فاتخذه الناس، فرمى به واتخذ خاتماً من ورق. وهذا إسنادٌ لا مطعن فيه، ففي هذا الحديث دليلٌ على أن المسلمين كانوا يفعلون كما يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتداءً به، ودل هذا على إباحة الخواتيم لجميع الناس إلا ما كان من الذهب، فإن أكثر العلماء على كراهته، ولو لم يكن فيه إلا ما رواه عبد الله بن جبير، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس المعصفر وعن قراءة القرآن في الركوع وعن التختم بالذهب. 385- وفي خاتم أربع لغات، يقال: خاتمٌ، وخاتامٌ، وخيتامٌ، والرابعة خاتمٌ بالكسر، إلا أن الرابعة لغةٌ رديئةٌ، لأنها تشكل بقولهم: ختمت الكتاب، فأنا خاتمٌ؛ وجمع خاتم وخاتم خواتم، وهذه سبيل فاعل إذا كان اسماً غير نعت؛ وجمع خاتام خواتيم، وجمع خيتام خياتيم، ويقال: استختم الكتاب إذا بلغ أن يختم، وحكي اختتم بهذا المعنى. ويقال: أختمت الكتب، أي: وجدتها مختومةً، مثل أحمدت فلاناً، أي: وجدته محموداً. ويقال: الكتاب في الختم والختام، ولا يقال: في الخاتم. ويقال: أول من ختم الكتاب سليمان صلى الله عليه، وأن معنى {كتابٌ كريمٌ} مختومٌ، ويقال: فض الكتاب: إذا كسر خاتمه؛ ومعنى الفض في

اللغة: التفريق والكسر، ومنه انفض القوم، ومنه لا يفضض الله فاك؛ وإن شئت قلت: لا يفض بالكسر والفتح والضم. 386- قال أبو جعفر: ورأيت بعض النحويين قد جعل في كتابه أن معنى لا يفضض الله فاه: لا جعله الله فضاء لا أسنان فيه، لأن الفضاء المكان الواسع، وهذا غلطٌ في الاشتقاق، لأن لام الفعل من الفضاء ليست ضاد، ولام الفعل من فض ضادٌ، وهذا من أقبح الغلط، ولا سيما ممن يدعي الرياسة في النحو. 387- ويقال: هو فص الخاتم، والجمع القليل أفص، والكثير الفصوص والفصاص. 388- وأما طين الكتاب، فالفعل منه: طنت الكتاب أطينه طيناً، فأنا طائنٌ، وقد طين الكتاب، وإن شئت أشرت إلى الضمة كما قرأ نافعٌ: {سيء بهم} . 389- وحكى النحويون: طون الكتاب، والأصل: طين، قلبت الياء واواً، والكتاب مطينٌ، قال المثقب: فأبقى باطلي والجد منها ... كدكان الدرابنة المطين ويجوز مطيونٌ ومبيوعٌ، هذا في ذوات الياء، ولا يجوز في بنات الواو، خاتمٌ مصووغٌ لثقل الواو، هذا قول البصريين، فأما الكوفيون، فأجازوا ذلك.

390- وحكى الكسائي والفراء أيضاً: مطونٌ ومبوعٌ، على قولك قد طون، ورجلٌ مهوبٌ. 391- ويقال: طينت الكتاب تطييناً، إذا أعدت عليه الطين مراراً؛ والتي يجعل فيها الطين مطينةٌ، بكسر الميم. 392- العنوان: أما العنوان، ففيه لغاتٌ أفصحها عنوانٌ، ويقال: علوان، ويقال: عنيانٌ وعنيانٌ، وفي الفعل منه خمس لغات: عنونت الكتاب عنونةً وعلونته علونةً وعننت بنونين، الأولى منهما مشددةٌ، تعنيناً وعنيت تعنيةً بنون مشددة بعدها ياء، والخامسة عنوت الكتاب أعنوه عنواً وعنواً، ويقال منه: يا عان أعن كتابك، مثل دعا يدعو؛ وجمع عنوان عناوين، وجمع علوان علاوين. 393- فأما الاشتقاق، ففي بعضه اختلافٌ عن النحويين، وقد علق الكتاب ببعض أقاويلهم حتى صار أكثرهم لا يعرف غيره، فهم يعرفون أن العنوان الأثر، فالعنوان يبين أثر الكتاب ممن هو وإلى من هو. وقال الشاعر يرثي عثمان بن عفان رضي الله عنه: ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا 394- وزعم بعضهم أن العنوان مأخوذٌ من قول العرب: عنت الأرض تعنو إذا أخرجت النبات وأعناها المطر، إذا أخرج نباتها، فيكون

عنواناً على هذا فعلاناً، ينصرف في النكرة ولا ينصرف في المعرفة، وقيل: هو مشتقٌ من عن يعن، إذا عرض وبدا، فعلى هذا ينصرف في المعرفة والنكرة، لأنه فعوالٌ، ومن قال: علوانٌ، أبدل من النون لاماً، مثل صيدلانيٌ وصيدنانيٌ، فيكون الاشتقاق واحداً. 395- وفي الحديث، أن معاوية قال لبعض الوفود، ورأى أجساماً ضخمةً: ما هذه الفدامة منكم؟ قالوا: عنوانٌ نعم الله علينا. 396- وقيل: علوانٌ، مشتقٌ من العلانية، لأنه خطٌ مظهرٌ على الكتاب. 397- ورأيت محمد بن الوليد ينكر أن يعنون على كتاب لأبي فلان، وقال: الصواب: إلى أبي فلان، قال لأن الكتاب إليه لا له، ولا يجوز لأبي فلان إلا على مجاز بعيد. والصواب ما قال، وأكثر العلماء من الصحابة عليه كما روى ابن سيرين، عن ابن عمر، قال: يكتب الرجل: من فلان إلى فلان، ولا يكتب لفلان. 398- قال: وكتب رجلٌ عند ابن عمر: بسم الله الرحمن الرحيم، لفلان بن فلان؛ فقال ابن عمر: مه! إن اسم الله جل وعز هو له إذن!. 399- وقال إبراهيم: كانوا يكرهون أن يكتبوا: بسم الله الرحمن

الرحيم، لفلان بن فلان؛ وكانوا يكرهونه في العنوان. 400- قال أبو جعفر: ولا أحفظ عن أحد من المتقدمين أنه رخص في أن يكتب لأبي فلان في عنوان ولا غيره. 401- فأما ابتداء الإنسان بنفسه وكتبه: من فلان إلى فلان، أو إلى أبي فلان، فابتداؤه بالمكتوب إليه ففيه اختلافٌ بين العلماء في العنوان وصدر الكتاب، فأكثر العلماء يرى أن يبدأ بنفسه، لأن ذلك عنده هو السنة. 402- كما روى ابن سيرين، أن العلاء بن الحضرمي كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بنفسه. 403- وكان ابن عمر يقول لغلمانه وولده: إذا كتبتم إلي فلا تبدؤوا بي؛ وكان إذا كتب إلى الأمراء بدأ بنفسه. 404- وقال يحيى بن سعيد: قلت لسفيان الثوري: اكتب إلى أمير المؤمنين –يعني: المهدي- قال: إن كتبت إليه بدأت بنفسي؛ قلت: فلا تكتب إليه إذن. 405- قال أبو جعفر: وقال الربيع بن أنس: ما كان أحدٌ أعظم حرمةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصحابه يكتبون إليه فيبدؤون بأنفسهم. 406- قال أبو جعفر: فهذا عند أكثر الناس الإجماع الصحيح، لأنه إجماع الصحابة، ثم جرت عادة الناس على غير هذا في العنوان والتصدير إلا في أشياء خواص قد اصطلح الكتاب عليها.

منها أن الكتاب إذا كان من إمام كاتب: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله فلان أو أبي فلان الإمام –ثم يذكر صفته التي يسميها العامة لقبه: أمير المؤمنين- إلى فلان بن فلان: سلامٌ عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو –ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم - ثم يقال: أما بعد؛ فإن كذا وكذا؛ ويؤتى على المعنى. 407- وكذا ولي العهد، يبدأ بنفسه، وهذه الكتابة التي يجب أن تستعمل مع كل واحد، وأن يبدأ الإنسان بنفسه. 408- ثم وقع الأمر على غير ذلك وغير، وكان هذا من أسهل ما غير؛ لأنه شيءٌ قد اختلف فيه العلماء ورخص فيه جماعةٌ منهم. 409- كما روي أن زيد بن ثابت كتب إلى معاوية، فبدأ باسم معاوية. 410- وقال محمد بن الحنفية: فلا بأس أن تبدأ بالرجل إذا كتبت إليه. 411- وروى حميدٌ، عن بكر بن عبد الله، أنه كتب إلى عامل في حاجة، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى فلان من بكر؛ فقلت له: أتبدأ باسمه! قال: فما علي أن أرضي صاحبي وأقضي حاجة أخي المسلم. 412- وروى ضمرة، عن أبي شوذب، قال: قلت لأيوب السختياني: إن لي إلى عبد الرحمن بن القاسم حاجةً، وقد أردت أن أكتب إليه، قال:

فابدأ به. 413- قال أبو جعفر: فجاز على هذا أن يكتب إلى أبي فلان من فلان بن فلان. 414- وقد ذكرنا إنكار من أنكر أن يكتب على العنوان لأبي فلان، والقول كما قال، لأن الكتاب إليه لا له، إلا أنه يجوز على وجه يحتال فيه، وذلك أن تكون اللام بمعنى إلى، فقد قال قومٌ في قول الله عز وجل: {بأن ربك أوحى لها} معناه: إليها. وأنشد أبو عبيدة: وحى لها القرار فاستقرت 415-فإن أعدت الكنية خفضت على البدل، ويجوز الرفع على إضمار مبتدإ، ويجوز النصب بمعنى: أعني؛ وفي إعادة الكنية معنى التعظيم والتبجيل. وأنشد سيبويه: لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا 416- فأما تتريب الكتاب فإنه محمودٌ عند العلماء، كما روى جابرٌ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا كتب أحدكم كتاباً فليتربه، فإن

التراب مباركٌ وهو أنجح للحاجة)) . 417- وقال عمر رضي الله عنه: تربوا الكتاب. 418- ويقال: أتربت الكتاب وتربته بمعنى واحد, كما يقال: أكرمته وكرمته. قال زهيرٌ: ومن يغترب يحسب عدواً صديقه ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم 419- ويقال: ترب الرجل: إذا افتقر, واشتقاقه أنه كأنه صار إلى التراب؛ وأترب استغنى, معناه: أنه كثر ماله حتى إنه صار كالتراب؛ وأكثر الاستعمال: أتربت الكتاب, فوافق لفظه لفظ أترب, إذا استغنى. 420- وفي التراب لغاتٌ, يقال: ترابٌ وتوربٌ وتورابٌ وتيربٌ, وبمعناه يقال: بفيه الأثلب والأثلث, أي: التراب, وكذا الكثيب والكثكث والدقعم والدقعاء والرغام, ومنه: أرغم الله أنفه, أي: أذله حتى يلصق بالتراب, والبرى مقصورٌ والكلحم والكملح والعثير.

باب ذكر الإملاء وحقيقة معناه عند العرب

باب ذكر الإملاء وحقيقة معناه عند العرب 421- يقال: أمليت الكتاب إملاءً وأمللت إملالاً, جاء القرآن بهما جميعاً, قال الله جل وعز: {فليملل وليه بالعدل} فهذا من أمل, وقال جل ثناؤه: {فهي تملى عليه} فهذا من أملى, فيجوز أن تكونا لغتين بمعنىً واحد, ويجوز أن يكون أصل أمليت أمللت, فاستثقلوا الجمع بين حرفين على لفظ واحد, فأبدلوا من أحدهما ياءً, كما يقال: تظينت. وسألت أبا إسحاق عن ذبيان, فقال: هو من ذب عنه يذب الأصل ذبان, فأبدلوا من إحدى الباءين ياءً؛ وهذا قولٌ حسنٌ, ما علمت أن أحداً سبقه إليه, فإذا كانتا لغتين بمعنىً واحد, كان أصل أمليت من قولهم أمليت لفلان, وأملى الله له, أي: أطال له في العمر, ومنه: {وأملي لهم إن كيدي متين} فيكون معنى أمليت الكتاب على فلان: أطلت قراءتي عليه في الحروف حتى يفهمها ويكتبها, ومنه تمل حبيبك, وقال متمم بن نويرة: كهولٌ ومردٌ من بني مالك معاً ... وأيفاع صدق لو تمليتهم رضا ويكون هذا مشتقاً من الملي, والملي: القطعة من الدهر الطويلة, قال الله جل وعز: {واهجرني ملياً} ويقال: ملاوةٌ وملاوةٌ. والملوان: الليل والنهار, كما قال:

باب ذكر آلات الكتابة وحسنها وقبحها وتبيينها وفسادها وقرمطتها وتفسيحها

أمل عليها بالبلى الملوان ويجوز أن يكون: أمللت من أمل أيضاً, إذا طال. باب ذكر آلات الكتابة وحسنها وقبحها وتبيينها وفسادها وقرمطتها وتفسيحها 422- فمن آلات الكتابة حسن الخط, وتقديره, وما يستحسن فيه ويستقبح, ومعرفة الأضداد مما يقع في الكتب والرسائل والخطب, والبلاغة, والمعرفة بترتيب الأعمال, والدربة بوجوه استخراج الأموال مما يحل ويحسن ويسع؛ فهذه آلات الكتابة داخلةٌ فيها لا تنحاز عنها, ولا تنفرد باسم؛ لا يدخل في جملتها, وليس كذا, صناعة الحساب والمساحة, والمعرفة بإجراء المياه والنجوم, والمعرفة بالفقه والفرائض, والعلم بالأنساب, والعلم بالنحو واللغة؛ فهذه أشياء تنفرد بذاتها, فيقال: الفقيه, والحاسب, والماسح, والنحوي, والنسابة؛ وإن كان يستحب للرئيس في الكتابة أن ينظر فيها. 423- ومن أحسن ما سمعت في هذا الذي حكاه لنا علي بن سليمان, قال: سمعت محمد بن يزيد يقول: ينبغي لمن يحب العلم أن

يفتن في كل ما يقدر عليه من العلوم, إلا أنه يكون منفرداً غالباً عليه منها علمٌ يقصده بعينه ويبالغ فيه. 424- وقال الأصمعي: ما أعياني إلا المنفرد. 425- قال أبو جعفر: وقد ذكرنا أمر الخط العربي وأصله, فأما التقدير فيه وما يستحسن ويستقبح, فهذا موضع ذكره. 426- فمن حسن تقدير الكاتب أن يكون المضاف والمضاف إليه في سطر لا يفرق بينهما, نحو: دار عمرو, وكذا أعزه الله, لا يقطعه, وكذا أحد عشر, لأنهما بمنزلة اسم واحد. 427- ويستحسنون المشق في السين والشين, إلا في أواخر الكلام, نحو: الناس والبأس؛ وأصل المشق في اللغة الخفة, يقال: مشقه بالرمح, ومشق الرجل الرغيف: إذا أكل أكلاً خفيفاً, فمعنى مشق الكاتب: خفف يده, وهو اختيارٌ محدثٌ. 428- فأما رؤساء الكتاب المتقدمون, فكانوا يكرهون المشق كله وإرسال اليد فيه, ويقول بعضهم: هو للمبتدئ مفسدةٌ لخطه, وللمنتهي دليلٌ على تهاونه بما يكتب. 429- وقد كره الفقهاء أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم بغير سين, وقد ذكرنا ما روي في ذلك. 430- ويستحسنون إذاً توالت السين والشين في كلمة أن يقدر الكاتب فصلاً بينهما بمدة.

431- ويستحسنون التقدير في كتابة بين أو بير أو ما أشبهها أن ترفع الوسطى من الثلاث للفرق بين ذلك وبين السين والشين. 432- ويستحسنون أن تكون الكاف غير مشقوقة, وأقبح ما تكون مشقوقةً إذا كانت طرفاً عندهم, ويجيزون تعليمها إذا كانت مبسوطةً ولا تعلم طرفاً. 433- ويستحسنون أن تكون الألفاظ سهلة سمحةً غير بشعة, ومما يستحسن لإبراهيم بن المهدي توقيعه إلى كاتبه: إياك والتتبع لحوشي الكلام طمعاً في نيل البلاغة, فإن ذلك العي الكبير, وعليك بما سهل مع تجنبك لألفاظ السفلة. 434- وكذا ما وصف به يحيى بن زياد كاتباً, فقال: أخذ بزمام الكلام فقاده أسهل مقاد, وساقه أحسن مساق, واسترجع به القلوب النافرة, واستصرف به الأبصار الطامحة. 435- وقال الجاحظ: لم أر قوماً في مثل طبقة الكتاب من البلاغة, وذلك أنهم التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعراً حوشياً ولا ساقطاً عامياً. 436- حدثني جعفر بن محمد البلخي, قال: قال أحمد بن محمد بن الفضل البصري, صاحب كتاب ((الديباج)) : يجب للكاتب أن يعدل بكلامه عن الغريب الحوشي والعامي السوقي والرذل

باب الأضداد مما يحتاج إليه الكاتب في الكتب والرسائل والمخاطبات

السليقي, ويجانب التقعير, ويجب أن يستعمل نفسه في تنزيل الألفاظ. 437- ومن آلات الكتاب, معرفة الأضداد, لأنهم يحتاجون إلى ذلك في الكتب والرسائل والخطب, لأن ذلك يقع في كتبهم كثيراً, فيشكل عليهم, لأن أصله من جوهر اللغات الفصاح, فيقولون: السرف والإمساك, وإنما هو السرف والتقتير, قال الله جل وعز: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} . ويجوز السرف والقصد, وإنما ضد الإمساك والإعطاء, وإن كان غير إسراف. ويقولون: الجمال والقبح, وإنما هو الجمال والدمامة, والحسن والقبح. باب الأضداد مما يحتاج إليه الكاتب في الكتب والرسائل والمخاطبات 438- اعلم أن الكلام يجيء كثيراً على الأضداد, فربما غلط الكاتب, فجعل مع الشيء غير ضده, فيلزم النقصان بذلك, ونحن نملي منه ما فيه كفايةٌ إن شاء الله فمن ذلك: الأمانة والخيانة, والنصيحة والغش, والجور والعدل, والإنصاف والحيف, والإثم والأجر, والثواب والعقاب, والطلاقة والانقباض, والجلالة والدقة, والصغر والكبر, والشباب والهرم, والغنى والفقر, والبلاغة والعي, والفرح والترح, والضحك والبكاء, والنشاط والكسل, والشبع والجوع, والإقلال والإكثار, والنباهة والخمول,

والحرية والعبودية, والطاعة والمعصية, والموافقة والمخالفة, والحرص والقناعة, والوفاء والغدر, والاستبشار والعبوس, والإنجاز والخلف, والإهانة والإكرام, والرتق والفتق, واليأس والطمع, والربح والوضاعة, والنقص والزيادة, والخفة والوقار, والعقل والحمق, والعقد والحل, والشح والسخاء, والنزول والمسير, والكبر والتواضع, والبعد والقرب, والإغلاق والفتح, والإقبال والإعراض, والإقبال والإدبار, والإرشاد والإضلال, والرشاد والضلال, والتسديد والتضليل, والعزوبة والتأهل, وبره وهره, والوضوح والغموض, ودب أحباؤه, ودرج أعداؤه, والإشكال والبيان, والسهولة والحزونة, والرعاية والإذالة, والتشمير والتقليص, والطيب والخبث, والطيب والخبيث, والنسك والفسق, والصفاء والكدر, والعناء والراحة, والجمام والكلال, والندى والجفوف, واليبس والرطوبة, والخشونة واللين, والجمال والدمامة, والسرف والتقتير, والحسن والقبيح, والاعتدال والاعوجاج, والانحطاط والارتفاع, والانكماش والتواني, والإزراء والإعظام, والعجز والإطاقة, والعجز والاحتيال, والإذن والحجب, والتحريم والتحليل, والإعفاء والإلزام, والأخذ والترك, والسكر والصحو, والجدب والخصب, والغلو والتقصير, والعطش والري, والتسهل والتعسر, والمساهلة والمعاسرة, والمسامحة والمباخلة, والمعاداة والمصافاة, والاتصال والفرقة, والإلحاح والرفق, والصيانة والمهنة, والمواصلة والمقاطعة, والداء والدواء, والصحة والسقم, والعلة والبرء, والحلم والسفه, والرفق والخرق, والإكباب والإغفال,

والحزم والتفريط, والصعوبة والاستكانة, والاستغفار والإصرار, والنعمة والنقمة, والشكر والكفر, والجزع والصبر, والسلو والحنين, والعداوة والصداقة, والصلاح والفساد, والمبالغة والتقصير, والهزل والجد, والنسيان والذكر, والحفظ والإضاعة, والإمساك والإرسال, والإمساك والتسريح, والقبض والبسط, والنعمة والبؤس, والدعة والنصب, والراحة والتعب, والسلامة والعطب, والعافية والبلاء, والنجاة والهلكة, والرحمة والسخط, والحبس والتخلية, والأسر والإطلاق, والعذاب الأليم والنعيم المقيم, والعلاء والسفال, والعلو والسفل, والأناة والعجلة, والفهم والبلادة, والحمل والوضع, والخفض والرفع, والصعود والهبوط, والإصعاد والانحدار, والورد والصدر, والإيراد والإصدار, والنقض والإبرام, والنبل والقماءة, والشغل والفراغ, والتقتير والتوسعة, والحرب والسلم, والرفق والعنف, والرزق والحرمان, والجد والحد, والاتفاق والنفار, والخوف والأمن, والنصر والخذلان, والعقوق والبر, والحمد والذم, واللوم والعذر, والإجلال والاستخفاف, والإلطاف والجفاء, والإقامة والظعن, والإصلاح والإفساد, والصلاح والطلاح, والإباء والسلس, والتوفير والتقصير, والقيام والقعود, واليقظة والهجوع. 439- قال أبو جعفر: سمعت علي بن سليمان يقول: لا تكاد

باب تحسين الكتابة وإفسادها وقرمطتها وغير ذلك من آلاتها

العرب تستعمل القيام والجلوس, ولا قام وجلس, ولكن قام وقعد لمكان القاف من القاف. باب تحسين الكتابة وإفسادها وقرمطتها وغير ذلك من آلاتها 440- يقال لمن حسن كتابته زينها وحسنها وحبرها ونمقها ونمنمها وذهبها ورقشها, كما قال: كما ... رقش في ظهر الأديم قلم 441- وقد يقال رقش إذا حرش, كما قال الحارث بن حلزة: أيها الناطق المرقش عنا ... عند عمرو وهل لذاك خفاء كأنه الذي يحرش بتحسين القول. 442- فإن أفسد كتابته قيل: شرمخها وهلهلها ولهلهها, وكذا في الكلام, كما قال:

أتاك بقول لهله النسج كاذب ... ولم يأت بالحق الذي هو ناصع 443- فإن لم يبين كتابته قيل: دخمسها, وكذا دخمس كلامه إذا لم يبينه, ولواها وعقمها وعلقها ومجمجها وجمجمها. 444- فإن جمع الحروف وقارب السطور بعضها من بعض, قيل: قرمطها. قال الخليل بن أحمد: القرمطة في الكتاب مأخوذٌ من القرمطة في المشي, يقال: قرمط الشيخ في مشيه, إذا قارب بين خطاه. 445- فإذا أجاد القراءة قيل: أعرب وأفصح وأبان وبين, وكذا يقال: أبان الشيء في نفسه, وقد يقال: بان, وهي قليلةٌ, ويقال: استبان وتبين, فإن تردد في قراءته قيل: لجلج لجلجةً, فإذا أخفى قراءته, قيل: دندن. وعن النبي صلى الله عليه وسلم , أنه مر بأعرابي يخفي كلامه, فقال: ((ما هذه الدندنة؟)) قال: أسأل الله الجنة, وأتعوذ به من النار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حولهما ندندن)) . فإن زاد في الإخفاء, قال: هينم وهتمل. 446- ويقال تصفح الكتاب إذا تفقده, وكذا توسمه, قال زهيرٌ:

وفيهن ملهىً للعيون ومنظرٌ ... أنيقٌ لعين الناظر المتوسم 447- وخط الكتاب يخطه, فإذا أكثر حروفه قيل: خططه. 448- وذبر الكتاب وزبره, أي: كتبه. وحكى الأصمعي زبر الكتاب يزبره ويزبره إذا كتبه, وذبره يذبره ويذبره إذا قرأه. 449- وحكى: أوحيت, أي: كتبت, قال الله عز وجل: {فأوحى إليهم أن سبحوا} قال الحكم: أي: كتبت والأمر منه: أوح يا هذا, ومن وحى: ح يا هذا؛ والنحويون يقولون: تكتب بهاء بعد الحاء, لتكون الهاء لبيان الحركة, لأنه لا ينطق بحرف واحد, والكتاب يكتبونه بياء بعد الحاء, وكذا: ش ثوبك؛ وكتابه بالياء خطأٌ, لأنه مجزومٌ أو غير معربٌ, وأصل الوحي في اللغة أن يؤتى بالشيء على خفية, هذا أصله, ثم يتفرع, فيكون الوحي من الله عز وجل إلى أنبيائه, ويكون الوحي إلهاماً, قال الله عز وجل: {وأوحى ربك إلى النحل} وقد يكون إلهاماً للأنبياء صلى الله عليهم في غير الفرائض, ويكون الوحي إشارة, كما قال ذو الرمة: يوحي إليها بأنقاض ونقنقة ... كما تراطن في أفدانها الروم

ويكون الوحي بإسرار, قال الله عز وجل: {يوحى بعضهم إلى بعض} وبمعنى الأمر, قال الله جل وعز: {وإذ أوحيت إلى الحواريين} كما قال: وحى لها القرار فاستقرت 450- فإن أسرع في قراءته, قيل: خطرف, وكذا خطرف في إملائه مشتقٌ من خطرفة البعير, وهو إسراعه في السير. 451- فإن بالغ في القراءة وجودها, قيل: أسهب, مشتقٌ من السهب, وهو المكان الواسع, وقد يكون مشتقاً من أسهب الحافر, أي: بلغ إلى الرمل في حفره, فإن بلغ إلى الماء, قيل: أنبط. 452- فإن حذف بعض الحروف, قيل: زلف, مشتقٌ من الزلفة, أنشد سيبويه: مر الليالي زلفاً فزلفا 453- فإن تردد في القراءة, قيل: درس, مشتقٌ من قولهم: طريقٌ مدروسٌ, أي: كثر وطء الناس فيه. قال الخليل: يقال درسته ودسته ودرس الطعام وداسه بمعنىً واحد. فمعنى درس فلانٌ السورة على هذا راضها, وذلل بها لسانه, ودرس المنزل والأثر, أي: امحى لمرور الرياح عليهما.

454- ومعنى عارضت بالكتاب الكتاب: جعلت ما في أحدهما مثل ما في الآخر, مأخوذٌ من: عارضت بالثوب, إذا أعطيته أخذت غيره. 455- ومعنى تلا فلانٌ الكتاب: قرأه فأتبع بعض حروفه بعضاً, مشتقٌ من تلوت الرجل, أي: تبعته. 456- يقال: تمنى الكتاب, إذا قرأه, ومنه قول الله عز وجل: {لا يعلمون الكتاب إلا أماني} . 457- ويقال: رتل الكاتب قراءته, إذا تثبت فيها, وفصل كل حرف من الحرف الذي يجيء بعده, ولم يستعجل فيدخل بعض الحروف في بعض, ومنه قول الله عز وجل: {ورتل القرآن ترتيلاً} وهو مشتقٌ من الرتل, قال الأصمعي: في الأسنان الرتل, وهو أن يكون بين الأسنان الفرج, لا يركب بعضها بعضاً, ويقال: ثغرٌ رتل. قال أبو جعفر: وهذا قولٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد قيل: الترتيل الضعف والتبتير, وأن معنى رتل القراءة لمها ولم يستعجل. 458- وقولهم سرد الكاتب قراءته أحكمها, مشتقٌ من سرد الدرع, إذا أحكمها, وجعل حلقها ولاءً غير مختلفة, وأحسن صنعة المسامير, أنشد أبو عبيدة: وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع

459- وروى ابن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله جل وعز: {وقدر في السرد} أي: قدر المسامير, لا يكن رقيقاً فتسلس ولا غليظاً فيفصمها. 460- ويقال للإشفى: المسرد, وقد سرد إذا خرز بإحكام, وحكى سيبويه أنه يقال: سرندٌ وسرندى للذئب. 461- فأما معنى عبر الكاتب الكتاب, فهو قراءته فيما بينه وبين نفسه وتدبره. 462- ويقال: كتابٌ نزلٌ, أي: مجتمع السطور, وطعامٌ نزلٌ, أي: كثير الريع, وأرضٌ نزلةٌ, أي: كثيرة الخير ويقال: كتابٌ له نزلٌ, بفتح النون والزاي. 463- ويقال: همز القارئ حروفه, وأصل الهمز في اللغة الغمز والتحريك. 464- ويقال: فهم تأويل كتابه, أي: مرجعه ومصيره, مشتقٌ من آل الشيء يؤول إذا رجع. 465- ويقال: واتر كتبه, قال الأصمعي: معناه جعل بين كل كتابين فترةً, وتابعه على ذلك يونس بن حبيب, وزعم أن قول الله عز وجل: {ثم أرسلنا رسلنا تتراً} أي: بين كل

رسولين فترةٌ ومدةٌ من الزمان. 466- قال أبو جعفر: التاء الأولى في تترى بدلٌ من الواو، يدلك على ذلك واتر، فمن نون جعل الألف بدلاً من التنوين، وكتبه بالألف لا غير، ومن لم ينون جعلها فعلى، وكتبها بالياء على مذهب الكتاب. 467- وحكي عن الأصمعي وابن حبيب أن معنى واتر كتبه تابعها، وتواترت الخيل تتابعت. 468- وقولهم: سطر الكاتب كتابه وسيطره وسطره، معناه: حظر أن تتجاوز العلامة، وكذا استطار البيان، وقال الله عز وجل: {لست عليهم بمسيطر} ويقال: سطرٌ وسطرٌ، فمن قال سطرٌ قال: أسطارٌ، كما قال: إني وأسطارٌ سطرن سطراً لقائلٌ يا نصر نصراً نصرا وجمع أسطار أساطير. وحكي عن محمد بن يزيد أنه قال: أساطير جمع أسطورة، مثل: أحدوثة وأحاديث. ومن قال: سطرٌ، بإسكان الطاء، قال في الجمع القليل: أسطرٌ، والكثير سطورٌ.

باب المقابلة

باب المقابلة 469- يقال: قابل بالكتاب قبالاً ومقابلةً، أي: جعله قبالته، وجعل فيه كل ما في الآخر، ومنه: منازل القوم تقابل، أي: يقابل بعضها بعضاً، والقابلة من هذا، والعام القابل، ومنه قابله الطريق، أي: صار قبالته، ومنه أقبلت المكواة أفواه العروق، أي: جعلتها قبالتها، كما قال: شربت الشكاعى والتددت ألدةً ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا

باب ذكر المرتبة الثالثة

باب ذكر المرتبة الثالثة 470- قال أبو جعفر: أذكر منها إن شاء الله الخط والهجاء وما يضاف إليهما من العدد وغيره، فمن ذلك: باب الاصطلاح في الخط 471- اعلم أن الاصطلاح في الخط على ضربين، منه اصطلاحٌ قديمٌ ومنه اصطلاحٌ محدثٌ، من استعمله كان محطئاً عند النحويين الحذاق. فمن الاصطلاح القديم كتبهم كل ما كان على فعل ثلاثي معتل إذا رددته إلى نفسك أو إلى المستقبل كان بالياء، كتبته بالياء، وهو نحو: رمى ومشى, لأنك تقول: رميت ومشيت؛ ونحو: يرمي ويمشي؛ فإن رجع إلى الواو كتبت بالألف, نحو دعا وغزا, لأنك تقول: دعوت وغزوت, وهو يدعو ويغزو, فإن كان الثلاثي اسماً, وكان يثنى ويجمع بالياء, كتبت بالياء, نحو مدىً وهدىً, تكتبان بالياء, لأنك تقول: مديان وهديان؛ فإن رجع إلى الواو كتب بالألف, نحو: عصاً وقطاً, لأنك تقول: عصوان وقطوان, وعصواتٌ وقطواتٌ. فإن كان هذا كله تجاوز ثلاثة أحرف, كتب بالياء, نحو: استقرى

واستقضى وملهىً ومثنى. وعلتهم في هذا أنهم أرادوا الفرق بين ذوات الياء وذوات الواو في الثلاثي, وردوا ذوات الواو إلى الياء في ما جاوز ثلاثة أحرف, لأن الياء أخف من الواو, فلما زاد على ثلاثة أحرف ثقل, فحملوه على الأخف, وقيل لأنه يرجع في المستقبل إلى الياء. وكذلك كتبوا يغزى بالياء اتباعاً للماضي على هذا القول, وعلى القول الآخر, لأنه جاوز الثلاثة. ولا اختلاف بين النحويين في أن كتبت هذا كله بالألف فجائزٌ, ثم اختلفوا بعد إجازتهم إياه: فمنهم من قال: كتب ذوات الياء بالياء أولى للفرق. ومنهم من قال: الكاتب مخيرٌ في ذينك, والأمر واحدٌ فيهما. ومنهم من قال: هذا الاصطلاح, وإن كان قديماً, وقد جرى عليه الكتاب, فإنه خطأٌ لا يجوز, واحتج في ذلك بحجج بينة, منها: أنه لو كانت العلة صحيحةً في الفرق بين ذوات الياء وذوات الواو بالياء, فقد نقضوا هذا, وكتبوا ضحىً بالياء, وهو من ضحا يضحو, وكتبوا ربىً بالياء, وهو من ربا يربو, واستعمل الكسائي والفراء هذا كله في كل مضموم أوله أو مكسور, إلا حمىً ورضىً, فإنهما أجازا كتبهما بالياء والألف, وكان إبراهيم بن السري أبو إسحاق يتعجب من هذا كله, ويقول: لم يأخذوا بما في كتاب الله جل وعز, ولا بالقياس الصحيح في كتاب الله جل وعز: {وما ءاتيتم من رباً ليربوا في أموال الناس}

472- وسمعت علي بن سليمان يحكي عن محمد بن يزيد أن أصل هذا من الأخفش سعيد احتال على الكتاب ليضطرهم إلى النظر في النحو, ثم سأل الكسائي فتابعه عليه. 473- قال: وقد علمنا أنا إنما ننقل إلى الكتاب ما كان في اللفظ, وإذا قلنا: رمى, فليس في اللفظ إلا ألفٌ؛ ثم ذكر المناقضة في هذا بإجماعهم على كتب ذوات الياء بالألف إذا اتصلت بمضمر, نحو: رماه, وملهاك. قال: وقولهم: إنما كتبنا رمى بالياء لتدل على أن الألف منقلبةٌ من ياء خطأً, لأنه يلزمهم أن يكتبوا غزا بالألف لأن الألف منقلبةٌ من واو. 474- وقال محمد بن يزيد: خاطبت أحمد بن يحيى على كتبهم ضحىً بالياء, فقال لي: لأنها ألف تأنيث فعلمت أن قد غلط غلطاً عظيماً فتجافيت عن كلامه على ما قال، لأني علمت أنه لم يقصده؛ ثم قال: لما انضم أولها توهموا أنها من ذوات الياء، فقلت له: نحن جميعاً على يقين أنها من ذوات الواو من ضحا يضحو؛ فانقطع، ولقيني بما أكره، إلى أن حلفت أني لا أكلمه في مسألة أبداً. 475- ومما أجمعوا عليه مما كتب بالألف وإن كان من ذوات

ومن الاصطلاح القديم

الياء في موضع ما كان قبل آخره ياءٌ، كراهة الجمع بين ياءين، من ذلك، نحو: خطايا وزوايا إذا كانت جمع خطيئة. 476- وكتبوا يحيى بالياء إذا كان اسماً، وجمعوا بين ياءين، فزعم بعض الكتاب أنهم لم يلزموا فيها القياس، وهذا غلطٌ منه، وقد سمعت أبا إسحاق يذكر ضعف هذا الرجل في النحو، وأنه خاطبه، فرأى ذلك منه. 477- قال أبو جعفر: والقياس في هذا مستمرٌ: أنك إذا سميت بيحيى أو بخطايى أو بزوايى كتبت هذا كله بالياء، وجمعت بين ياءين، فرقاً بين التسمية وغيرها، فإن قلت فلانٌ يحيا حياةً طيبةً، كتبته بالألف لا غير. ومن الاصطلاح القديم 478- زيادتهم الألف بعد واو الجمع، نحو: كفروا، وذهبوا: فمذهب الخليل أنهم فرقوا بين واو الإضمار والأصلية وأولوه. وقول أحمد بن يحيى: أنهم فرقوا بين واو المضمر المتصل والمنفصل. 479- واصطلحوا على أن كتبوا على بالياء، لقولهم: عليك،

وكذا إلى؛ وكتبوا حتى بالياء؛ قال أبو إسحاق: شبهوها بسكرى؛ وكتبوا متى وبلى وأنى بالياء، وهذا اصطلاحٌ يتعذر أن يقع فيه علةٌ، وعلى أن بعضهم قد قال: كتبن بالياء لأن الإمالة تحسن فيهن. 480- واصطلحوا على أن كتبوا هذا بغير ألف تلي الهاء، وكذا ذلك، قيل: لئلا تقرأ ذا لك. 481- وزادوا في عمرو واواً فرقاً بينه وبين عمر، وكان أولى بالزيادة لخفته، هذا إذا كان مخفوضاً أو مرفوعاً، فإن كان منصوباً لم تزد فيه واوٌ، لأن عمر لا ينصرف، فقد زال الإشكال؛ وقيل: لم تزد فيه واوٌ في النصب لئلا يجمع بين زائدين، وهما الألف والواو، فإن شكلت عمراً في موضع الخفض والرفع لم تلحق فيه واواً، لأنه لا يشكل بعمر، فإن قلت: لعمر الله، لم تلحق فيه واواً، لأنه لا يشكل. 482- وزادوا الواو في أولئك فرقاً بينه وبين إليك، وزادوها في أولى فرقاً بينها وبين إلى. 483- وكتبوا إذاً بالألف على اختلاف في ذلك. حدثنا علي بن سليمان، عن محمد بن يزيد، أنه كان لا يجيز أن تكتب إذن إلا بالنون، لأنها مثل: لن، قال: وأشتهي أن أكوي يد من يكتبها بالألف. وقال الفراء: ينبغي لمن نصب الفعل المستقبل بإذن أن يكتبها بالنون، فإذا توسطت الكلام، وكانت لغواً، كتبت بالألف, وهذا لعمري قولٌ ثابتٌ قد جاء به, غير أنه نقضه, فقال: وأحب إلي أن يكتبها

باب الاصطلاح القديم في العدد والتاريخ

بالألف في كل حال, لأن الوقوف عليها في كل حال بالألف. باب الاصطلاح القديم في العدد والتاريخ 484- اصطلحوا قديماً على أن كتبوا التاريخ, ويقال: التوريخ, لأنه يقال: ورخت الكتاب وأرخته من مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. 485- ويقال: إن المبتدي بهذا التاريخ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه, لأن عامله على اليمن قدم عليه, فقال: أما تؤرخون كتبكم؟ فأراد عمر رضي الله عنه أن يبتدئ ببعث النبي صلى الله عليه وسلم , قال ابن سيرين: فقالوا: من وفاته؛ ثم أجمعوا على الهجرة. 486- وأرادوا أن يجعلوا أوله شهر رمضان, ثم اتفقوا على المحرم, لأنه منصرف الناس من حجهم, وهو شهرٌ حرامٌ. 487- وقال ابن عباس: والفجر المحرم فجر السنة؛ والتاريخ: اليوم قبل الهجرة بشهرين وثنتي عشرة ليلةً, لأن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر في شهر ربيع الأول, فقدم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلت منه, فقدموا التاريخ. 488- قال أبو جعفر: وهذا المعروف عند العلماء, غير أن محمد بن جرير قال: حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: حدثنا

أبو عاصم, عن ابن جريج, عن ابن أبي سلمة, عن ابن شهاب, أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة –وقدمها, في شهر ربيع الأول- أمر بالتاريخ. 489- قال محمد بن جرير: وقد كانوا أرخوا بعام الفيل, أعني قريشاً خاصةً؛ وفي عام الفيل ولد النبي صلى الله عليه وسلم , وكان بين عام الفيل والفجار عشرون سنةً, وبين الفجار وبناء الكعبة خمس عشرة سنةً, وبين بناء الكعبة ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين, وبعث وهو ابن أربعين سنةً, فقرن بنبوته جبريل صلى الله عليه وسلم , ويقال: بل الذي قرن إليه بدءاً إسرافيل من غير أن يؤمر بإظهار الدعوة, ثم أمر بإظهارها؛ وأقام بمكة عشر سنين, وبالمدينة عشراً. 490- قال أبو جعفر: وهذا استخراجٌ حسن, لأن الصحابة اختلفوا في هذا, فقال ابن عباس: أنزل عليه الوحي وهو ابن ثلاث وأربعين سنةً, فمكث بمكة عشراً, وهو قول جماعة من الصحابة, والذي قال: قرن بنبوته إسرافيل صلى الله عليه وسلم الشعبي, قال: كان يسمع حسه ولا يرى شخصه, يعلمه الكلمة والشيء, ولم ينزل القرآن على لسانه, فلما مضت لنبوته ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل صلى الله عليه وسلم , فنزل القرآن على لسانه بعد.

491- وممن قال: أقام بمكة عشراً؛ عائشة رضي الله عنها وأنس بن مالك, كما روى مالكٌ, عن ربيعة, عن أنس سمعه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق، وليس بالآدم، وليس بالجعد القطط ولا بالسبط، بعثه الله عز وجل على رأس أربعين سنةً، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنةً، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرةً بيضاء. قال أبو جعفر: قوله بالأبيض الأمهق، هو البياض الذي ليس بمشرق، يخاله الناظر إليه برصاً؛ والقطط أشد الجعودة. 492- وإذا كان أول ليلة من الشهر كتب، بمعنى كتب الكتاب: غرة شهر كذا في أول ليلة من كذا. ومستهل شهر كذا ومهل شهر كذا ولا يجوز لليلة خلت ولا مضت لأنهم في الليلة بعد فإذا أصبحوا لم يجز من ذلك شيء لأن الاستهلال بالليل ولكن يليه خلت ومضت، لأن الليلة قد انقضت؛ ويجوز لغرة الشهر، ولأول يوم من صفر. 493- قصد أبو جعفر صفراً دون سائر الشهور في هذا الموضع، لأنا بلغنا هذا الفصل ونحن في صفر سنة سبع وعشرين. 494- ويكتبون: لثمان خلون، ولإحدى عشرة ليلةً خلت؛ اصطلحوا على هذا، ولو كتبوا لثمان خلت، ولإحدى عشرة ليلةً خلون

لجاز، وليس قول من قال: إنما قالوا لإحدى عشرة ليلة خلت، لأن الليلة موحدةٌ = شيئاً، لأن الخبر ليس عن الليلة. واحتج آخر بقول الله عز وجل: {منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم} واحتج بمجيء النون في القليل، لأن {فيهن} عنده لأربعة، وقد قيل: {فيهن} لاثني عشر. 495- واصطلحوا على أن كتبوا: للنصف من الشهر، وأجازوا لخمس عشرة ليلةً خلت، ومضت، فإذا جاوزوا ذلك كتبوا لأربع عشرة ليلةً بقيت، لأن الشهر قد يكون ناقصاً. ورأيت علي بن سليمان يختار هذا. وبعضهم يقول: لأربع عشرة ليلةً إن بقيت. ورأيت بعض العلماء وأهل النظر يصوبون الكتاب في ما يكتبون به من هذا، واحتج لهم بأنهم إنما يكتبون هذا على أن الشهر تامٌ قد عرف معناه، وأن كاتبه وقائله يريد إن كان الشهر تاماً ولا يحتاج أن يلفظ بهذا، لأن اللفظ به عيٌ وشيءٌ لا يحتاج إليه. وقد علمنا أن قائلاً لو قال: أنا أدفع إليك كذا، لكان كلاماً صحيحاً، وأنه لا يحتاج أن يقول: إلا أن يحدث علي حدثٌ. 496- ومع هذا، فقد وجدنا من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رواه ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، في سابعة تبقى، أو خامسة تبقى)) .

497- واصطلحوا أيضاً على كتب ثلاث وثلاثين بغير ألف فيهما جميعاً، وكذلك ثلاث عشر وثلاث عشرة، وكذلك ثمانية بغير ألف اصطلاحاً قديماً، وربما يعاب من خالفه، وكذا ثماني نسوة بغير ألف, فإن قلت جاءني من النسوة ثمان فبالألف, لأنك قد حذفت ياءً, فلا تجمع حذفين, ومن قال جاءني من النسوة ثماني عشرة حذف الألف, ومن قال: ثمان عشرة لم يحذف, لأنه حذف الياء؛ كما أنشد بعض أهل اللغة للأعشى: ولقد شربت ثمانياً وثمانياً ... وثمان عشرة واثنتين وأربعا وأبو إسحاق ينشده: وثلاث عشرة. فأما اثنتا عشرة, فمن العرب من يقول: جاءني ثنتا عشرة, فيحذف الألف من أوله. وأما ثمانون فيكتب بالألف لأنه لا ياء فيه, فيشبه ثمانياً. 498- ومن الاصطلاح القديم كتبهم أربعة درهم بغير ألف, وكذلك أربعة دننير, وكذلك أربعة ألف بالحذف لكثرة استعمالهم إياه, وأنه لا يشكل, فإن قلت: عنده دراهم أو دنانير أو آلاف, فالألف لا غير, لئلا يشكل؛ وكتبوا: له أربعة دكاكين بالألف, لأنه لا يكثر استعمالهم إياه, وكتبوا: أربعة أثواب وخمسة أثواب وخمسة أجمال

بالألف, وإن كان قد كثر استعمالهم, لئلا يشكل بأثوب وأجمل, لأن فعلاً قد جمع على أفعل نحو زمن. 499- وكتبوا مائة بالألف ليفرقوا بينها وبين منه. 500- وإذا عرفت بالألف واللام فقد وقع في ذلك اصطلاحٌ متفقٌ عليه وآخر مختلفٌ فيه. فأما المتفق عليه, فقولهم: ما فعلت خمسة الدراهم وعشرة الأثواب, كما قال ذو الرمة: وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع فإن شئت قلت: كتبت الخمسة الكتب, ودفعت الستة الدراهم, تنصبهما جميعاً, هذان الوجهان جائزان بإجماع, واختلفوا في قولهم: ما فعلت الخمسة الأثواب بالإضافة, فأجاز ذلك الكسائي, ومنع منه البصريون لاجتماع الألف واللام مع الإضافة, وهذا لا يشبه من الحسن الوجه شيئاً, وهو من الخطإ البين. 501- قال أبو إسحاق: سألت أحمد بن يحيى في مجلس الوزير القاسم بن عبيد الله: على أي شيء أجزتم عندي الخمسة الأثواب؟ فلم يكن عنده جوابٌ, غير أن قال: لأن الوزير يكتب بذلك؛ فأمسكت. 502- فإن قلت: عندي خمسة عشر درهماً, فأردت تعريفه,

فالصواب على قول الجميع: ما فعلت الخمسة عشر درهماً, عرفته من أوله, لأنه بمنزلة اسم واحد, كما تقول رجلٌ والرجل؛ وأجاز الكسائي الخمسة العشر درهماً؛ وهذا نقض ما يقول النحويون؛ جعلوا الاسمين اسماً واحداً, وأجازوا: ما فعلت الخمسة العشر الدرهم, وهذا أبعد من ذاك, وهو خطأٌ عند البصريين والفراء, إلا أبا زيد؛ فإنه حكاه وأجازه, وأبو زيد وإن كان له المحل الجليل, صاحب شذوذ, وليس كالأصمعي. فإن قلت: عندي خمسةٌ وعشرين درهماً، ثم عرفت، قلت: ما فعلت الخمسة والعشرون درهماً؟ وأجاز الكسائي: ما فعلت الخمسة والعشرون الدرهم؟ فإن قلت: ما فعلت الخمسة والعشرون الدراهم، جاز عند الجميع. فإن قلت: له مائة درهم، ثم عرفت، قلت: ما فعلت مائة الدرهم؟ كما فعلت في أربعة الدراهم؟ غير أنه لا يجوز المائة الدرهم إلا أن يقول: المائة الدراهم، وكذا ألف الدرهم؛ ولا يجوز الألف الدرهم عند الفراء والبصريين، إلا أبا زيد، فإنه حكى أن من العرب من يقول: المائة الدرهم، والألف الدرهم، والخمس مائة الدرهم، والخمسة عشر الدرهم؛ ولا نعلم اختلافاً في الكسور أن الألف واللام تدخل في الآخر إذا عرفت، نحو أخذت نصف الدرهم، وربع الدينار، فيجب على هذا أن ترد ما اختلفوا فيه على ما اجتمعوا عليه، فيقال: ثلاثة الدراهم، ومائة الثوب، وألف الدينار؛ وهذا بينٌ؛ وكتبوا مائةً في

باب الاصطلاح القديم على حذف اللام من الخط وما يلحقه من حذف الألف واللام

التثنية بزيادة ألف، كما قالوا في الواحد لئلا تخالف التثنية الواحد، إلا أن الكسائي والفراء وقطرباً ذكروا أن من مضى كان يكتب التثنية بإسقاط الألف، ولا اختلاف في الجمع أنه على أصله يكتب بغير ألف، قالوا: مئون ومئات، والأصل في مئة مئيةٌ، كما قال: فقلت والمرء تخطيه منيته ... أدنى عطيته إياي مئيات باب الاصطلاح القديم على حذف اللام من الخط وما يلحقه من حذف الألف واللام 503- كتبوا الذي والذين بلام واحدة، وكذا التي والاتي والواتي؛ وكتبوا اللذين بلامين. في كتبهم هذا بلامين ثلاثة أقوال: فمن أصحها أن هذا كتب على أصله، فلا ينبغي أن يسأل عنه، وإنما يسأل عما كتب من هذا الجنس بلام واحدة، ونحن نبينه.

وقيل: كتبوا التثنية بلامين، لأن التثنية تجري على أصلها، وتعرب في كل مبني وفيما لا ينصرف. والجواب الثالث أنهم أرادوا أن يفرقوا بين التثنية والجمع، والعلة فيما كتب من هذا الجنس بلام واحدة أن اللام لا تفارقه، ولا يتكلم به منفصلاً، فكتب على الادغام، وأصل الذي لذ عند سيبويه، مثل عم، ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف بلا مفارقة له؛ لأنه لا يستعمل إلا معرفةً. وقال الفراء: أصل الذي ذا التي للإشارة، ثم نقل إلى الغائب، فحطوا الألف إلى الياء، وأدخلوا الألف واللام للتعريف، فاندغمت اللام في الذال، فأدخلوا بينهما لاماً متحركةً، وأدغم لام التعريف فيها لسكون لام التعريف. 504- وكذلك كتبوا ((لان)) لام ألف نون وحذفوا الهمزة والألف، لأن الألف واللام لا يفارق، وكان أصلها ((أوان)) فحذفوا الألف الثانية وحولوا الواو ألفاً لانفتاح ما قبلها، فصار أان مثل حان، ثم دخلت الألف واللام عليها وتركت منصوبةً، لأنها صفةٌ في اللفظ والمعنى. 505- وكتبوا اللحم واللوح بلامين, لأنك تقول: لحمٌ ولوحٌ, ثم تجيء بالألف واللام للتعريف, وكذا كل ما كان مثله إلا شيئاً من الاصطلاح المحدث, فإنهم كتبوا الهو والعب بلام واحدة تشبيهاً بالذي

وذلك غلطٌ, والفرق بينهما ما بيناه. 506- فإن جاؤوا بلام الخفض ولام التوكيد, فأدخلوا إحداهما على هذا المكتوب بلامين, كتب أيضاً بلامين, والقياس أيضاً ثلاث لامات, نحو قولك: للهو مستمعٌ لام للهو ولامٌ للتعريف ولام للخفض, فحذفوا لاجتماع اللامات. واختلف النحويون في العلة التي حذفوا من أجلها: فقال الفراء: إنهم لو كتبوه على الأصل لاجتمعت لامٌ بعدها ألفٌ وبعد الألف لامٌ, فكانوا يجمعون بين ثلاثة أشكال إذ كانت الألف في صورة اللام. وقال غيره من البصريين: لام الخفض بمنزلة ما ليس في الكلام, ألا ترى أن معنى جاءني غلام زيد, جاءني غلامٌ لزيد؛ وكذا لا أخاك, ولا أخا لك, فلما كانت هكذا صارت مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد, فوجب حذف الألف, ومنهم من قال: كرهوا أن يشبه لا التي للنفي. ومن البصريين من قال: لما جامعت اللام لاماً قبلها, وكان الغالب على الكلام أن لا يلتقي فيه حرفان مثلان في أول كلمة إلا قليلاً, مثل قولهم: ددٌ ودداً ودد للعب وببة اسم رجل؛ ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: حتى يكون الناس بباباً واحداً, أي: شيئاً واحداً, وهي كلمةٌ عجميةٌ, وكذا ببغاء= فلهذا حذفوا الألف من قولك: للرجل, لما علموا أن هناك محذوفاً, وقيل لكثرة الاستعمال, كما كتبوا بلحارث وبلهجيم وبلعنبر بحذف النون والياء من بني, والألف من الحارث, والهجيم والعنبر, وهذا من أحسن ما قيل فيه, وهو يشبه قول من قال:

باب حذف الألف مع غير اللام

إن اللام دخولها وخروجها سواءٌ. وأما قول الفراء, فغلط, لأنهم جمعوا بين ثلاثة أشكال في قولهم الابن والاسم. 507- ومما يحذف منه أيضاً الألف مع اللام قولك: للألواح, بحذف ألف الوصل التي مع لام التعريف. 508- ومما حذفوا الألف فيه مع اللام قولك: للرجل, ومن حسن ما قيل في هذا من العلة أن الألف واللام عند سيبويه بمنزلة قد, فهما كحرف واحد, فكرهوا أن يجعلوا بعضه متصلاً باللام التي قبلها, فيكون كأن الألف منفصلةٌ من لامها, وقد فعلوا أكبر من هذا كتبوا ليكة في المصحف في موضعين بحذف الهمزة والألف, حتى قرأ بعضهم: {كذب أصحاب ليكة المرسلين} والأولى عند النحويين بالخفض, والحذاق منهم يقولون: لا يجوز إلا {كذب أصحاب الأيكة المرسلين} كما قرأ أكثر القراء, فإن كانت الألف التي مع اللام أصلاً, ولم تدخل عليها ألفٌ ولامٌ لم يجز حذفها, نحو قولك: مررت بألواحك ولألواحك, فهذا ما جاء على أصله. باب حذف الألف مع غير اللام 509- اصطلحوا قديماً على حذف الألف من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وهارون وعثمان ومروان ونحوهن من الأسماء, وذكر في ذلك

عللٌ, منهن كثرة الاستعمال, وقيل: لما حذفوا منها التنوين اجترؤوا أيضاً على الحذف منها في الخط. وقيل: لما كانت عجميةً, فنقلت إلى كلام العرب وغيرت اجترؤوا أيضاً على تغييرها في الخط. وقيل: لما كانت حروف المد واللين يكثرن زوائد صرن كأنهن حركاتٌ ضعفن فحذفن ولم يلتبسن بغيرهن أيضاً. وأقوى هذه العلل كثرة الاستعمال ألا ترى أنهم يحذفون من سليمان الألف وليس بأعجمي, ولا يحذفون من قارون وجارود وطالوت وجالوت, لأنه لم يكثر استعمالهم هذه الأسماء. 510- ولم يحذفوا من عباس وعامر شيئاً, وما جاء على أصله فلا ينبغي أن يسأل عنه, وقد قال بعض النحويين: لو حذفوا من عباس وعامر الألف أشكل بفعل, وقيل: لم يحذفوا من داود الألف لأنه قد حذفت منه واوٌ, وحذفوا الألف من صالح ومالك وخالد في التسمية, ولم يحذفوا في النعت, إذا قلت مررت برجل صالح؛ فقيل: للفرق, وقيل: لكثرة الاستعمال؛ وهذه علةٌ صحيحة. الدليل على ذلك: أنهم لا يحذفون من حاتم وحامد وسالم نعتاً, ولا غيره, وكذلك لا يحذفون من حارث إذا كان نعتاً, أو كان مسمىً بما ليس فيه ألفٌ ولامٌ, فإن سميته بالحارث حذفت الألف إذا كان علماً, وأثبتها في النعت. 511- وقد حذفوا الألف في النعت في قولك: الصالحت, ولم يحذفوا في المسلمات, لأنك إذا حذفت الألف من الصالحات

ومن الاصطلاح القديم

بقيت ألفٌ بعد الحاء, وليس هذا في المسلمات ولا المؤمنات, وتحذف الألف من القانتات والحافظات كما فعلت في الصالحات, وكذا الكافرات والخاسرات والشاكرات والفاسقات, وكذا السماوات تحذف الألف التي بعد الميم, ولم يحذفوا من العادات ولا الرادات والمارات والضالات والجادات لأنه مدغمٌ, والدال فيه مقام دالين, فقد حذفت منهما واحدةً, ومذكر هذا كمؤنثه, لئلا يختلف؛ ولا من الرامين ولا القاضين ولا الماضين؛ لأنه معتلٌ قد حذفت منه ياءٌ, ولا من مؤنثه, أتبعوا المذكر المؤنث. ومن الاصطلاح القديم 512- كتبهم بلالاً وهلالاً بغير ألف, وكتبوا شيطاناً بألف, وكذلك دهقان وعمران, فأما عثمان وسفيان ومروان, فلك فيه الوجهان, وكتبوا الملائكة بغير ألف, وكذا السلام ويارسول الله. 513- ولو كتبت هذا كله على أصله لجاز, ولكنا ذكرنا اصطلاح الكتاب ووجه جواز ما اصطلحوا عليه؛ وبالله التوفيق.

باب حذف الواو

باب حذف الواو 514- حذفوها من طاوس تخفيفاً, وكذا جاؤا وشاؤا, وكذا تلون؛ وجرى القياس في هذا على ما كان قبل الواو فيه ضمةٌ, وربما أجروه على الأصل, فكتبوه بواوين, ولم يستعملوا غير ذلك, نحو مؤونة كتبوها بواوين, كان القياس أن تكون بواحدة لأنها تشبه ما اصطلحوا عليه, وكتبوا يستون بواو واحدة في المصحف, وكذا {فاؤا إلى الكهف} وكتبوا يستهزؤن بواو واحدة, وكذا الصابؤن, حتى قرأ بعضهم {والصابون} وكتبوا يقرؤن ويهزؤن بواو واحدة, فإذا قالوا: صؤولٌ وقؤولٌ كتبوه بواوين, فإذا انفتحت الواو الأولى كتبوه بواوين نحو: اكتووا واستووا, فأما مدعوون, ومقروون, فبواوين, لأنه معتلٌ لئلا يشكل.

باب حذف الياء

باب حذف الياء 515- اصطلحوا قديماً على حذف الياء من: لا أدر, وكان يجب أن تكتب بالياء, لأنه غير مجزوم, وهي لفظةٌ عربيةٌ معروفةٌ, واصطلحوا أيضاً على حذف ياء النفس في التسجيع, نحو قولهم: كلمن وقاتلن, وهذا جائزٌ صحيحٌ في التسجيع, والنحويون يسمونه الفواصل, ومثله: {فيقول ربي أكرمن} كما قال الأعشى: فهل يمنعني ارتيادي البلاد ... من حدث الموت أن يأتين ومثل هذا جائزٌ في الكلام, وسمعت أبا إسحاق يقول في قول الشاعر: وقبيلٌ من لكيز شاهدٌ ... رهط مرجوم ورهط ابن المعل هذا قبيحٌ, لأنه حذف الألف وحذف الفتحة, فلا يجوز هذا في الكلام. 516- وكذا يحذفون الياء إذا سجعوا, في مثل قوله عز وجل:

{المتعال} وكذا في الفواصل, وربما استعملوا هذا في غير تسجيع ولا فاصلة, فيقولون: هشام بن الغاز وعمرو بن العاص. 517- وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: لا يجوز إلا عمرو بن العاصي, بالياء, لأن الياء إنما تحذف لسكونها وسكون التنوين, فلما دخلت الألف واللام زال التنوين, فلم يجز إلا إثبات الياء. 518- ثم رأيت علي بن سليمان قد خالفه, فقال: الأجود إثبات الياء وحذفها جائزٌ, والعلة في جواز حذفها أنها كانت محذوفةً من قبل دخول الألف واللام, وسبيل الألف واللام إن دخلتا في غير هذا أن لا يغير الاسم عما كان عليه, وأجري هذا مجرى ذلك, فتقول: العاص والمتعال. والذي قاله علي بن سليمان حسنٌ, وفي المصحف منه غير حرف, منه {المناد} وغيره. 519- واصطلحوا على حذف الياء من المنادى المضاف في بعض المواضع, وذلك جائزٌ حسنٌ, لأن الكسرة تدل عليها, والنداء موضع حذف, فإذا جئت بالتنوين حذفت, نحو قولك: هذا قاض, ومررت بغاز, وغلامك صاف قادمٌ؛ لا فرق بين الاسم العلم والنكرة, لأن العلة فيهما واحدةٌ, وذلك أن الأصل صافيٌ, استثقلوا الحركة في الياء, فسكنت, والتنوين ساكنٌ, ولا يجمع بين ساكنين, فحذفت الياء

لسكونها وسكون التنوين بعدها, وفي كتاب الله جل وعز {فاقض ما أنت قاض} . 520- ورأيت علي بن سليمان يجيب بعض الكتاب: أنه لا يجوز إلا حذف الياء في موضع الخفض والرفع, فقلت له: ما الذي يمنع من إثبات الياء على القياس, لأنها قد تحذف لسكونها وسكون التنوين بعدها, والتنوين لا يكون في الوقف, والقياس إثبات الياء إذا زال التنوين؟ فقال: ما يمتنع هذا, ولكني لا أجيب به إذا اختصم اثنان, لأني لا أفصل بينهما إلا بذكر أجود الوجهين؛ وكان هذا مذهبه. 521- ومثل هذا مما يحذف منه الياء في الخط: جاءني جوار, ومررت بجوار, فإن كان هذا في موضع النصب, قلت: رأيت قاضياً, حركت الياء في موضع النصب لخفته, ورأيت جواري بغير ألف, لأنه لا ينصرف؛ ويجوز: مررت بجواري, بالياء, تجري المخفوض مجرى المنصوب وتشبهه بغير المعتل, وأنشد سيبويه: فلو كان عبد الله مولىً هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا فإن جئت بالألف واللام أثبت الياء, فقلت: جاءني الجواري.

باب حذف النون من الخط وما يتصل به من باب لا وما غيرهما

باب حذف النون من الخط وما يتصل به من باب لا وما غيرهما 522- كتبوا: ((لم يك)) بحذف النون وإثباتها, وجاء بهما القرآن, هذا إذا لم يكن بعدها ساكنٌ, فإن كان بعدها ساكنٌ لم يجز إلا إثبات النون عند أكثر النحويين, نحو قولك: لم يكن ابنك جالساً, ولا يكن الذاهب عمروٌ, وإنما لم يجز حذفها إذا لقيها ساكنٌ؛ لأن التحريك أولى بها, لأنها ليست من حروف المد واللين, فلما تحركت ثبتت, إلا أن قطرباً حكى حذفها, وحكى سيبويه حذف النون من لكن في الشعر, كما قال: ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل 523- وكتبوا ((ألا)) متصلاً, وقد كتب في المصاحف متصلاً في مواضع ومنفصلاً في أخرى, واختلف النحويون في علة الحذف, وهو الذي يستعمله الكتاب. ورأيت علي بن سليمان لا يجيز إلا الانفصال, لأنها ((أن)) دخلت عليها ((لا)) .

ومن النحويين من يقول: إن أدغمتها بغنة أثبت النون, وإن لم تأت بالغنة حذفتها. ومنهم من يقول: إن رفعت ما بعدها كتبتها مفصولةً لا غير, نحو قوله جل وعز: {أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً} , لأن التقدير أنه لا يرجع, وقيل: التقدير أن ليس يرجع؛ وإن نصبت ما بعد ((لا)) كتبتها متصلةً, نحو: {حقيقٌ على أن لا أقول على الله إلا الحق} . 524- وكتبوا ((لئلا)) بحذف النون وإثبات الياء اصطلاحاً قديماً, وكان القياس كتبها بالألف, لأنها همزةٌ مبتدأٌ بها في الأصل, وهي ((أن)) , فالنون فيها أيضاً من الأصل. 525- وكتبوا: لئن قمت لأقومن, بالياء, وكان القياس كتبها بالألف لأنها همزةٌ مبتدأٌ بها في الأصل, وقد قيل: فرقوا بينها وبين ((لأن)) , وقيل: فعل هذا اتباعاً للمصحف. 526- وكتبوا ((هلا)) موصولاً, و ((بل لا)) مفصولاً, والفرق بينهما أن ((لا)) إذا دخلت على ((هل)) تغير معناها, وصار المعنى التحضيض, وإذا دخلت ((لا)) على ((بل)) فمعنى ((بل)) موجودٌ, وإن كان ((لا)) قد أفادت معنى الإباء, كما تقول: جئت كي تكرمني, وجئت كي لا تلومني؛ فـ ((لا)) ها هنا مفصولةٌ؛ فإن قلت: ((كيما)) فهي موصولةٌ؛ لأن ((ما)) زائدةٌ للتوكيد. 527- وحكى بعض أهل اللغة أنه يكتب ((عما)) إذا كانت بمعنى

((ما)) صلةً أو غير صلة موصولةً للادغام, وحكى: سله عما صار إليه, موصولاً. وهذا خطأٌ, لو وجب أن يكون الادغام علةً للوصل لكتبت الشمس بغير لام, وهذا ما يتفاحش ويخرج من الغاية. 528- والصواب أن يقال فيه: كان يجب أن تكون ((ما)) مفصولةً في كل موضع, لأنها على حرفين تنفصل مما قبلها, ولكنهم شبهوها إذا كانت صلةً أو كافةً بما لا ينفصل من المضمر. 529- ومن النحويين من يقول: أرادوا الفرق بين ((ما)) إذا لم تكن اسماً, وإذا كانت اسماً فتكتب: ((بينما زيدٌ قائمٌ أقبل عمرو)) , موصولةً, لأنها ليست اسماً, وتكتب: ((بين ما قلت وقال زيدٌ بونٌ بعيدٌ)) , مفصولةً, لأنها بمعنى الذي. 530- وكذا: ((عجبت من ما صنعت, وأعرضت عن ما قلت)) , وكذا: ((أين ما كنت تعد)) , وكذا: ((إن ما عندك يعجبني)) , و ((أي ما عندك أفضل)) , و ((أي ما تراه أوفق)) , و ((رغبت في ما عندك)) , وكذا ((اجعل هذا مع ما عندك)) أي: مع الذي عندك, وكذا ((عن ما سألت)) , و ((من من طلبت)) مفصولاً لأن ((ما)) اسمٌ, وكذا: ((سل عن من أحببت)) , و ((أنا أرغب في من رغبت)) . وإذا لم يكن اسماً فهي موصولةٌ في أكثر المواضع, قال الله جل وعز: {عما قليل ليصبحن نادمين} , وكذا ((أيما الرجلين لقيت)) , وكذا: {إنما إلهكم الله} , وقال الشاعر:

وقال العذارى أنما أنت عمنا ... وكان الشباب كالخليط نزايله و ((كأنما زيدٌ أميرٌ)) متصلٌ, وقال الله عز وجل: {كأنما يصعد في السماء} و ((ربما زرتنا)) , قال الله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ، و ((أينما تمض أمض)) ، قال الله جل وعز: {أينما تكونوا يدرككم الموت} ، و ((مهما تصنع أصنع)) ، قال الله جل ثناؤه: {وقالوا ومهما تأتنا به من آية} ، وكذا ((كلما جئتني أكرمتك)) ، قال الله جل وعز: {كلموا أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله} . فإن قلت: ((كل ما يسرني يسرك)) فصلت، لأن معنى ((ما)) بمعنى ((الذي)) . وإنما تكتب ((كلما)) متصلة إذا كانت بمعنى ((إذا)) . فإن قلت: ((إنَّ ما عندك يسرني)) فصلت، لأن ((ما)) اسم. وتقول: ((نعم ما فعلت)) ، و ((بئس ما فعلت)) جاز الاتصال والانفصال، فمن وصلها جعلها بمنزلة ((حبذا)) ، ومن فصل قال: المعنى: بئس الشيء. وقال الكسائي والفراء: إذا جاوزت نعم وبئس فصلت لا غير، نحو: لحسن ما فعلت، ولسرع ما جئت. 531- وأما ((كيما)) فموصولةٌ، وحكى الكوفيون معناها: ((كما)) وسيبويه يمنع من ذلك، وحكى ما بعد ((كما)) من الفعل

المستقبل مرفوعاً. و ((كيلا)) موصولةٌ. وتقول: ((إنما تكلمني أكلمك)) فتصلها، لأنها ليست باسم، وهذا من الاصطلاح القديم. 532- فأما على حقيقة النظر، فالقول ما قال علي بن سليمان في الفصل يدلك على ذلك أنك لو قلت: قام ما عمرو، وكان ما زيدٌ قائماً، لم يجز أن تكتب إلا مفصولاً، وإن كانت ((ما)) ليست اسماً. فإن قلت: كان ما زيداً أخوك، لم تكتب إلا مفصولاً، وإن كانت ليست اسماً. وقيل: أرادوا ها هنا الفرق بين ((ما)) الفاصلة وغير الفاصلة، ويكتبون: رب ما رجل صالح قد رأيت، وربت ما دار كبيرة قد ملكتها، وبالفصل، و ((ما)) ليست باسم. فإن جعلت ((ما)) استفهاماً ومعها حرف خفض حذفت الألف فرقاً بين الاستفهام والخبر، فتقول في الخبر: ((سل عن ما أردت)) ، و ((تكلم في ما أحببت)) ، وتقول في الاستفهام: ((إلام تكدح)) ، و ((عم تسأل)) ، و ((فيم جئت)) ، و ((بم تقاتل)) و ((علام أنت ها هنا)) . فإن وقفت وقفت بالهاء لا غير، وكذا يجب أن يكون في الخط بالهاء، لأن الخط مبني على الوقوف، تقول: لمه، وإلامه؛ وإنما هذا في حروف الجر خاصة، أعني الوصل، فأما ما كان لا يخفض بالإضافة فمفصولٌ، تقول: ((صاحب مه؟)) ، فإن وصلت قلت: ((صاحب م أنت؟)) والكتاب بالهاء في هذا كله أوكد، وكذا: ((م أنت)) ، مثل:

ومن الاصطلاح القديم

((من أنت)) . وحكى الكوفيون أن مثلاً ينصب في كل موضع فيصير كحروف الخفض فيكتب على الاتصال نحو: ((مثلم أنت)) . فإن قلت: ((خلف م رأيتك)) فصلت بإجماع، وكتبت بالهاء لا غير. ومن الاصطلاح القديم 533- ((سل عم شئت)) ، و ((خذه بم شئت)) ، و ((مم [و] فيم شئت)) بحذف الألف مع ((شئت)) وحده لا غير، وإن كانت ((ما)) بمعنى ((الذي)) ، فإن جئت بغير ((شئت)) أثبت الألف، فقلت: ((تكلم بما أحببت)) و ((قل في ما بدا لك)) . 534- وكتبوا ((يومئذ)) و ((حينئذ)) و ((ليتئذ)) موصولةً، وكذا ((ويلمه)) إذا لم تهمز. 535- وأما كتبهم مما وعما وفيما موصولةً في كل موضع فغلطٌ لم يجر على الأصل ولا اصطلاح قديم، وكذلك ((إن ما عندك يعجبني)) مفصولٌ لا غير، واحتجاج من احتج بأن حروف الجر مع الاسم شيءٌ واحدٌ غلطٌ، لأنهم قد أجمعوا على أن كتبوا: ((كن في من رغبت إليه)) مفصولاً، واحتجاج من احتج بخط المصحف لا معنى له، فقد كتب في المصحف: {إن ما توعدون لأت} مفصولاً على ما يجب، لأن ((ما)) بمعنى ((الذي)) .

باب حذف الهمز

باب حذف الهمز 536- اصطلحوا قديماً على حذف الهمز، إذا قالوا: ((مر فلاناً بكذا)) ولو جاء على الأصل لقيل: اؤمر مثل أوجر فلاناً، وكذا سل فلاناً، ولو جاء على الأصل لقيل: اسأل، فإن كان قبله واو أو فاء جاؤوا به على الأصل، فقالوا: وامض إلى فلان فاسأله عن كذا، وأمره بما تريد، ولو جاؤوا بأحدهما في موضع صاحبه لجاز. فأما: خذ وكل فلا يستعملان إلا بالحذف. 537- وكتبوا: ائذن لفلان على ما يجب, فإن جاؤوا بالواو والفاء حذفوا, فقالوا: ادخل وأذن لفلان لا غير, فإن جاؤوا بثم أثبتوا, فقالوا: ادخل ثم ائذن لفلان؛ والفرق بين الواو والفاء وثم أن ثم يوقف عليها. 538- ونظير الحذف والإثبات قولهم: امرؤٌ وامرأةٌ, فإذا جاؤوا بالألف واللام, قالوا: المرء والمرأة, والقياس الامرؤ والامرأة؛ وذلك جائزٌ. 539- واختلف النحويون في حذف الهمزة للاستفهام من الخط مع الألف واللام, ومع ألف القطع, وكان الكسائي والفراء يحذفانها في الخط؛ تقول: أالرجل قال ذاك, {ءالذكرين حرام أم الانثيين} ؛ وكذا أأبو محمد قال ذاك؟ أأخوك جالسٌ؟ وعلتهما الكراهة للجمع بين صورتين. فزعم الكسائي أن الساقط منهما ألف

الاستفهام لأنها دخيلٌ, ورد هذا عليه الفراء, قال: لأن ألف الاستفهام دخلت لأنها دخيلٌ لمعنىً, فإذا أسقطها سقط المعنى, فتركت الثانية, وكذا إن كانت ثلاث ألفات لم يجز أن تكتب إلا بألف واحدة, نحو قولك: سواءٌ علي أآمنت أو لم تؤمن, تكتب بألف واحدة عند الكسائي والفراء, وشبهاه بقولك: أخذت عطآ, وسمعت ندآ بألف واحدة, وكان سبيله أن يكون بثلاث ألفات. وقال البصريون: لا يجوز أن يكتب هذا إلا بألفين. قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: لا يجيز البصريون أن يكتب هذا إلا بألفين, تقول: اشتريت رداءً, كما أنه لا يجوز في قولك: رأيت زيداً, أن تحذف منه الألف. 540- قال أبو جعفر: ورأيت بخط أبي إسحاق مما كتب به إلي مثل هذا بألف واحدة. 541- فإن أدخلت على ألف الوصل ألف الاستفهام, لم يجز عند الجميع أن تكتب إلا بألف واحدة, إلا أن الأخرى تسقط في اللفظ, تقول: آبنك قال كذا؟ آسمك زيدٌ؟، ووقع في كتاب أحمد بن جعفر في هذا غلطٌ قبيحٌ، قال: أابنك قال ذاك؟ أاسمك زيدٌ؟ قال: هذا بألفين. وهذا الذي قاله لا يجوز عند أحد علمته، قال الله عز وجل: {أصطفى البنات على البنين} ولا يجوز: أاصطفى، وكذا {أطلع الغيب} . وعلة الكوفيين في كتبهم: ((أخذت عطاءك)) بألف واحدة، أنهم

كرهوا أن يجمعوا بين صورتين= غلطٌ، لأنهم يكتبون مؤونةً بواوين، وكذا صؤولٌ وقؤولٌ، فكما جاز الجمع بين واوين جاز الجمع بين ألفين، وكذا سواءٌ علي أآمنت أو لم تؤمن، بألفين عندهم لا غير، والأصل ثلاث ألفات، فأسقطوا واحدةً تخفيفاً، وكذا: بنيت بناءً، وابتعت كساءً، وكذا براآتٌ بألفين لا غير، والأصل ثلاث ألفات. 542- قال محمد بن يزيد: تكتب في غير النصب والتنوين بألف واحدة، يعني: أنك تكتب مررت بردآ، بألف واحدة، وكذا برآه، لأنهما ألفان، فتحذف إحداهما، وكذا: رأيت حمرآ وصفرآ وبيضآ؛ وقد قرأ حمزة {بما لا يسمع إلا دعآ وندآ} ممدودٌ بغير همز إذا وقف عليه، فعلى هذه اللغة يكتب بألف واحدة، غير أنها لغةٌ شاذةٌ لا ينبغي أن يقرأ بها، ومن يقرأ قراءة حمزة فالاختيار له أن يصله ولا يقف عليه. 543- ومن العرب من يقول: شربت ماياً يا هذا، فيبدل من الهمزة ياءً، فإن أضفت ألحقت في موضع الرفع واواً، وفي موضع الخفض ياءً، ولا اختلاف في ذلك؛ فقلت: هذا عطاؤك، ومررت بردائك؛ وتقول في النصب: رأيت عطاءك، بألفين عند البصريين، وواحدة عند الكسائي والفراء، فإن قلت: هذان رداآن وعطاآن، كتبته بألفين لا غير عند البصريين، وقد حكى سيبويه: رداوان، فإن قلت حمراوان لم يجز غير هذا عند البصريين، فرقاً بين المذكر والمؤنث، فإن أدخلت ألف

باب مختصر ما تكتب عليه الهمزة

الاستفهام على همزة مضمومة أو مكسورة، فالاصطلاح أن تكتب المضمومة واواً، والمكسورة ياءً، نحو: ((أؤنبيك أيذا)) ، والقياس أن تكتب بألفين، وهو الصواب، لأنها ألفٌ مبتدأةٌ دخلت عليها ألف الاستفهام، فإن فرقوا بين ألف الاستفهام وبين الهمزة كتبت بألفين لا غير، وإن كانت مكسورةً أو مضمومةً، نحو: ((أإذا)) ؛ فإن أدخلت ألف الاستفهام على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وأيوب كتبت بألف واحدة عند الكسائي والفراء، وكان القياس على قولهما إذا قلت: ((أإبراهيم قال ذاك؟)) أن تكتب بعد الهمزة الأولى ياءً، كما فعلت في ((أيذا)) إلا أنهم فرقوا بينهما، فقالوا: الحذف في الأسماء الأعلام أحسن، لأنهم يحذفون منها في التصغير, قالوا: بريه, وهي أيضاً لا تنصرف, فأما قول البصريين فسليمٌ من التعقيد والتخليط, صحيحٌ في المعقول يكتبون أإبراهيم قال ذاك؟ بألفين, وكذلك أإذا لأنهما واحدٌ في أنهما مبتدأٌ بهما, ثم دخلت عليهما ألف الاستفهام. باب مختصر ما تكتب عليه الهمزة 544- نملي هذا الباب عن أبي الحسن بن كيسان على نص كلامه, إذ كان قد جوده وأتقنه؛ قال أبو الحسن بن كيسان: الهمزة حرفٌ من الحلق مثل العين, إلا أنها أبعد منها مخرجاً, ولا صورة لها في الخط, إلا أن تستعار لها صورة الياء والواو والألف, لأنها تخفف وتبدل منهن,

فكتبت بصورتهن, وربما لم يثبتوا لها في الخط صورةً, وأنا مبينٌ لك ذلك بقول مجتمعٌ عليه. 545- اعلم أنهم اجتمعوا على أن يكتبوها في أول الكلمة ألفاً, وكل ألف في أول الكلمة همزةٌ, والألف نفسها لا يبتدأ بها, وذلك قولك: أبٌ وأخٌ وأمٌ وإبلٌ وأكلٌ. وإن دخلت عليها ألف الاستفهام كتبت ألف الاستفهام وحذفت هي من الخط, فتقول: آبوك خرج, آمك, آخوك؛ يكتب هذا كله بألف واحدة, كذا جرى عليه الكتاب, ومنهم من يستوثق فيكتب بألفين, ومنهم من يكتب المضمومة بعد ألف الاستفهام واواً في يعض المصاحف, نحو {أؤلقي} ويكتب المكسورة بعد ألف الاستفهام ياءً, وأكثر المصاحف {أءذا} : ((أي ذالٌ)) . وإن كانت الألف تسقط في الأصل ودخلت عليها ألف الاستفهام سقطت البتة. 546- وإذا كانت الهمزة طرفاً في آخر الكلمة يوقف عليه كما يبتدأ بالتي في أول الكلمة, فاكتبها على حركة ما قبلها, فاكتبها بعد الضمة واواً, نحو قولك: جرؤ الرجل, والتهيؤ يا فتى؛ وتكتبها بعد الكسرة ياءً, نحو قولك: هو قارئٌ يا فتى, ومخطئٌ يا فتى, وتكتبها بعد الفتحة ألفاً, نحو قولك: أخطأ الرجل وهو الخطأ. فإن كان ما قبلها

ساكناً لم تكتب لها في الخط صورةٌ, وذلك قولك: المرء, وخبء, والهزء, والجزء, والعبء, والدفء, والملء؛ فهذا المختار. 547- ومنهم من يكتب الهمزة التي قبلها حرفٌ ساكنٌ على حركة ما قبلها بالكسر والضم, ولا يكتبها على الفتح؛ فيكتب الخبء والمرء على ما ذكرنا, ويكتب الجزؤ والهزؤ, بالواو, والدفئ والعبئ بالياء. 548- ومنهم من يكتبها بعد الضم والكسر على حركتها, ولا يلتفت إلى ما قبلها, فيكتب: هذا عبؤٌ, بالواو وجئته بالجزئ, بالياء؛ فإذا نصبوا هذه الحروف ونونوها كتبوها بألف تكون بدلاً من التنوين, ولم يثبتوا للهمز صورةً, نحو: أعطيته جزءاً, وخبأته خبئاً, وحملته عبئاً؛ لا اختلاف في ذلك. 549- قال أبو جعفر: في هذا غلط البصريون, يكتبون هذا بألفين, وكذا ذكر محمد بن يزيد, لأن الهمزة متوسطةٌ, فصورتها ألفٌ لأنها مفتوحةٌ, وبعدها ألفٌ عوضاً من التنوين, فإن لم ينون حمل على ما قدمنا. فإن اتصل بالهمزة التي تكون طرفاً حروف المكني، نحو قولك: هو يقرؤه، ويخطئه، وقرأه، وهذا قارئهم، وعجبت من التهيؤ لذلك الأمر= اختلفوا في كتابتها: فمنهم من يجعل حكمها حكم الهمزة المتوسطة، ومنهم من يقر الياء والواو على حالها ويختلف في الألف، ومنهم من يقرها، ومنهم من يجعلها واواً إذا انضمت الهمزة فيقول: هو يقرؤه،

فيكتبها بواو واحدة. ومنهم من يكتبها ألفاً على هيئتها في ((يقرأ)) قبل أن تلحقها الهاء. ومنهم من يزيد على الألف واواً، فيجعل مكان الهمزة حرفين: الألف التي كانت في يقرأ والواو التي زادها لزوم الضمة لها؛ وكذلك يفعل في قوله: هذا خطؤه، يكتب بألف واحدة وواو واحدة، وبألف وواو؛ وكذلك الخفض: عجبت من خطئه، بياء واحدة وبألف واحدة، وبألف وياء معاً؛ وأجود ذلك أن تكتب بالواو وحدها في الرفع، وبالياء وحدها في الخفض، ويقر الألف في النصب. هذا ما في الهمزة إذا كانت طرفاً 550- وأما الهمزة المتوسطة، فإن سكنت كتبت على ما قبلها؛ تكتب بعد الضمة واواً، نحو قولك: جؤية، ويؤمنون، وجرؤت يا رجل، وتكتب بعد الفتحة ألفاً، نحو قولك: رأسٌ، فأسٌ، وقرأت، وتكتب بعد الكسرة ياءً، نحو: بئر، وذئب، ولم يخطئه. وكذلك إذا انفتحت كتبت على ما قبلها أيضاً، تكتب بعد الضمة واواً، نحو: الجؤن، وبعد الكسرة ياءً، نحو: المئر؛ وبعد الفتحة ألفاً، نحو: سأل؛ وإذا انضمت كتبت واواً لقوة الضمة، وإذا انكسرت كتبت ياءً، فالواو قولك: لؤم الرجل، والياء قولك: بئس الرجل. فإن سكن ما قبلها ففيها ثلاثة أوجه، أجودها أن يكتبها على

حركتها، نحو قولك: أسؤلٌ جمع سؤل، وأذؤبٌ وأدؤرٌ، وهذا أسأل منك، تكتبها بالألف لفتحتها، والأفئدة تكتبها بالياء لكسرتها، ومنهم من [لا] يكتب لها صورةً في هذه المواضيع، فيكتب: هو أسل منه أس ل وأ ذ بٌ وأفدةٌ أف د ة. ومنهم من يكتبها ألفاً في كل حالها بجعلها بمنزلة الهمزة المبتدأة، فهي ثلاثة أوجه، الأول أجودها. وإن كانت الهمزة مكسورةً وبعدها ياءٌ أو واوٌ مضمومةٌ وبعدها واوٌ= كتبت الواو أو الياء ولم تكتب الهمزة، نحو: ريس ومونة، ومنهم من يكتبها بواوين ويائين. وإن كانت بعد ياء ساكنة أو واو ساكنة أثبتت الواو والياء ولم تثبت هي نحو شنوة وبطية ومشنو وبطي. وإن جاءت بعد ألف، ولم تكن طرفاً كتبت الهمزة المضمومة بعد الألف واواً، نحو: هذا كساؤك؛ والمكسورة تكتب بعد الألف ياءً، نحو: جئت بكسائه؛ ولا تكتب المفتوحة بعد الألف ألفاً، تقول: رأيت كسآه، فيكتب بألف واحدة. فإذا كانت قبل الألف وقبلها ضمةٌ كتبت واواً نحو السؤال، وإن كانت مكسورةً كتبت ياءً، نحو: جيآ البرمة، وهو غشاؤها. فإن كانت قبلها فتحةٌ لم تكتب لها صورةٌ, نحو: شآه ورآه, كما لم

باب ما في الشكل

تكتب لها بعد الألف صورةٌ. وإن انضمت أو انكسرت وانضم ما قبلها وبعدها ياءٌ أو واوٌ, لم تكتب لها صورةٌ, نحو قولك: مخطون ويستهزون وفمالون, هذا المستعمل؛ فإن خففت كتبت على حركتها, وهو الوجه الثاني في الاختيار, وأجاز الكسائي أن يكتبها على حركة ما قبلها. باب ما في الشكل 551- أصل الشكل الضبط, ومنه شكلت الدابة, وحكى ابن كيسان, عن محمد بن يزيد, قال: الشكل الذي في الكتب من عمل الخليل, قال: وهو مأخوذٌ من صور الحروف, فالضمة واوٌ صغيرة الصورة في أعلى الحرف لئلا تلتبس بالواو المكتوبة, والكسرة ياءٌ تحت الحرف, والفتحة ألفٌ مبطوحةٌ فوق الحرف. 552- وحكى علي بن سليمان, عن محمد بن يزيد: وإن كان الحرف منوناً أتبعت كل شيء فما ذكرنا خطاً. 553- وحكى عنه ابن كيسان بصورة النون إلا أنه لطفه. 554- قال: وجعل للحرف الساكن صورة الحاء. 555- وحكى عنه علي بن سليمان, قال: لأنك تريد أول خفيف, ولا يجوز على هذا أن تجعل هاءً,؛ إلا أن ابن كيسان, قال: استعمل

باب الاصطلاح المحدث الذي استعماله خطأ

الناس بعده الهاء, لأن الهاء حرفٌ مهموسٌ يلزم موضعه, فهو مشبهٌ للوقفة على الحرف. 556- وجعل التشديد صورة الشين. 557- وحكى أبو إسحاق, عن محمد بن يزيد: إن كان مهموزاً أثبت الهمزة كالعين, لقرب مخرجها. 558- وحكى عنه: إن أردت أن تقف بالإشمام أثبت أمامه نقطةً, وإن أردت الروم أثبت راء مكان الواو التي تقع للمضموم. 559- قال: والإشمام ما ضممت به شفتيك ولم تسمع معه صوتاً, وروم الحركة ما سمعت له مع ضمك لشفتيك صوتاً, كما يستعمل القراء في المرفوع. 560- قال: وسمعت أحمد بن يحيى, وقد غلط في هذا, فجعل الروم إشماماً والإشمام روماً, ولا يتهيأ الإشمام في المخفوض ولا المنصوب. والروم في المرفوع حسنٌ لا يكاد يستعمل في المخفوض ولا المنصوب. باب الاصطلاح المحدث الذي استعماله خطأٌ 561- من ذلك أنهم كتبوا: لن ((نرجوا)) فلاناً, بألف بعد

الواو, وهذا خطأٌ, لأن الألف إنما تثبت في الجمع للفرق بينه وبين الواحد, وللفرق بين الواو الأصلية والواو الزائدة للجمع. 562- فإن قلت: فلانٌ يرجو فلاناً, فهو أيضاً بغير ألف عند البصريين؛ إلا أن الفراء أجاز أن تكتب فيه ألفٌ في موضع الرفع, لأنها واوٌ ساكنةٌ, فجعل لها –زعم- صلةً إذا سكنت, فيلزم على هذا أن تكتب ((لو)) بألف, لأنها واوٌ ساكنةٌ. 563- وكتب بعضهم: جاءني ((مسلموا)) القرية بألف, وهذا لا معنى له ولا وجه؛ وكذلك: جاءني مكاتبوا زيد. 564- واصطلحوا على أن كتبوا ((إحديهما)) بالياء, وهذا خطأٌ فاحشٌ, لأنه مثل قولك: حبلاه وحبلاك. وكتبوا: ((وحيوتك)) بالواو, وذا لا معنى له. وكتبوا: ((يا ؤخي)) بالواو, وهذا خطأٌ, لأن الهمزة مبتدأه, فلا يكتب إلا ألفاً, غير أنها تضم, ولا ينكر الشكل في مثل هذا, للفرق بينه وبين يا أخي. وكتبوا: ((ثلاث سجلات)) بغير هاء, وهذا خطأٌ, والصواب ثلاثةٌ, لأن سجلاً مذكرٌ, فهو مثل قولك ثلاثة أيام وثلاثة حمامات. 565- وكتبوا: ((رحمت)) بالتاء, وإنما تؤنث الأسماء بالهاء.

566- واصطلحوا اصطلاحاً محدثاً على أن كتبوا ((عي حديث فلان)) بالياء, وهذا خطأٌ, لأنه أمرٌ. 567- وقد ذكرنا كتبهم ((عما)) و ((فيما)) و ((مما)) و ((معما)) موصولات. 568- واصطلحوا اصطلاحاً محدثاً على أن فرقوا بين المضاف والمضاف إليه, في قولهم: دفعت إليه كذا وكذا, وحصل منه كذا وكذا, ((حساب في كل شهر عشرون)) . قال أبو جعفر: وهذا خطأٌ إنما يأتي مثله في الشعر, كما قال: كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج وفي هذه المسألة وجوهٌ. قال أبو جعفر: رأيت علي بن سليمان يختار منها وجهين؛ أحدهما أن يقال: حساباً في كل شهر عشرون, وإن شئت: عشرين, ويجوز أن ترده على ما قبله فتقول: إذا كان قبله حصل أو ما أشبهه قلت: عشرون, على إضمار فعل مثل الأول, ويجوز النصب على هذا أيضاً. والوجه الخامس: الرفع بالابتداء, والاختيار عندي ما قاله أبو الحسن: أن يكون متعلقاً بحساب, ويكون الكلام متصلاً.

ومن الاصطلاح المحدث

569- واستعملوا: نشجت في معنى تغنت, ولا يعرف نشجت في معنى تغنت. 570- واستعملوا ((احتشم)) بمعنى ((استحيا)) , ولا يعرف ((احتشم)) إلا بمعنى ((غضب)) . 571- واستعملوا ((يفعل ذلك)) بغير لام الأمر, وهذا الخطأ القبيح الذي ينقلب معه المعنى فيصير خبراً والمراد الأمر, وإن جزم أيضاً فخطأٌ, لأن الأمر للغائب لا يكون بغير لام إلا في شذوذ واضطرار, على أنه قد حكى لنا علي بن سليمان أنه لا يجوز عنده ولا عند أصحابه حذف اللام من الأمر للغائب, لأن الحروف لا تضمر, ولا سيما وعوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء, وإن ما أنشد فيه من الشعر ليس بحجة, لأنه لا يعرف قائله. ومن الاصطلاح المحدث 572- كتبهم: ((أطال الله بقاء سيدنا)) , فسمعت علي بن سليمان يقول: ما أدري مم أخذوا هذا! زعموا أنه أجل الدعاء, ونحن ندعو رب العالمين جل وعز على غير هذا, ومع هذا, ففيه انقلاب المعنى.

ومن الاصطلاح المحدث

573- وسمعت علي بن سليمان يقول –ولم أر أحداً من النحويين أعرف بحقيقة هذه الأشياء منه, لأنه من أهل بيت الكتبة؛ يتعجب من قول بعض الكتاب الذين ينتحلون العلم, وقد فرق بين ((فرأيك)) , وبين ((فإن رأيت)) , فجعل ((فرأيك)) لا يكتب إلى جليل, لأنه أمرٌ-: ما أعجب هذا! أتراه لا يعلم أن الإنسان يخاطب الرجل الجليل فيقول: انظر في أمري؛ فيكون لفظه لفظ الأمر, ومعناه السؤال والطلب. ومن الاصطلاح المحدث 574- كتبهم: ((أطال الله بقاءك)) وجعلهم إياه أجل الدعاء, وقد حكى إسماعيل بن إسحاق أنه دعاءٌ محدثٌ, واستدل على هذا بأن الكتب المتقدمة كلها لا يوجد فيها هذا الدعاء, غير أنه قد ذكر أن أول من أحدثه الزنادقة. 575- وجعلوا ((أعزك الله)) , أجل من ((أكرمك الله)) وهو من الاصطلاح المحدث, وقد حكي عن الشافعي أنه عوتب على أن قال لنصراني: أعزك الله! فقال: أخذته من عز الشيء, إذا قل. 576- ومع هذا فأنا أذكر هذه الأدعية التي قد اصطلحوا عليها, ونذكر ترتيبها على ما تعارفوا عليه, ونذكر ما يحضرنا من حجة, إن كانت لهم أو عليهم, ليكون الكتاب كامل المنفعة.

ونذكر هذا في المرتبة الرابعة تالياً للخط والهجاء, لأنه من شكله, ونذكر فيه التفريق بين مكاتبة الرؤساء والأوساط والدون, ونذكر مكاتبة الفقهاء والمتدينين, والفرق بين النساء والرجال في المكاتبات, وما أشبه ذلك؛ إن شاء الله.

ذكر المرتبة الرابعة

ذكر المرتبة الرابعة أذكر فيها إن شاء الله ترتيبات اصطلح عليها الكتاب, وأذكر أصول المكاتبات والتفريق فيها, وأصول مكاتبة الرئيس إلى من دونه, ومكاتبته نظيره, والمرؤوس رئيسه. وأذكر من يكاتب عنه بالتصدير ممن خص بذلك اصطلاحاً, وأذكر مكاتبة الرجل ابنه, وأذكر مكاتبة الفتيان, ومكاتبة الفقهاء والأدباء, ومكاتبة النساء, وأذكر ترتيبات العنوانات في الدعاء, وإنكار من أنكر ((لأبي فلان)) وإنكار من أنكر كثرة الدعاء إذا عنون, والكتب في الظهور, وأذكر كتبهم ((سلامٌ عليك)) في أول الكتاب, وفي آخره: ((والسلام عليك ورحمة الله)) , ولم قدموا السلام على الرحمة؟ وأذكر العلة في ترتيبهم ((أطال الله بقاءك)) في أول الدعاء, ولم اتبعوا ((أدام الله عزك)) دون غيره؟ وما الذي أوجب عندهم أن يكون ((وتأييدك)) أجل من ((وأعزك)) ؟ ولم كان ((وأعزك)) أجل من ((وأكرمك)) ؟ وكراهة من كره ((وجعلني فداك)) ؛ وهذا نذكره على قول من قال: إنهم لم يجتمعوا على الشيء إلا لعلة؛ لأن باب الإجماع لا يكون عنده إلا كذا. ثم نتبع ذلك ذكر ((أما بعد)) وما معناها, ونختم ذلك بفصول مستحسنة ورسائل بليغة.

باب ذكر ترتيبات اصطلحوا عليها

باب ذكر ترتيبات اصطلحوا عليها 577- فمن ذلك اصطلاحهم على أن ((أطال الله بقاء سيدنا)) , أجل الدعاء, ويليه: ((أطال الله بقاء سيدي)) , واستقبحوا الخلاف في فصول الكتاب, واستغبوا من فعله, وذلك أن يكتب: ((أطال الله بقاء سيدنا أو سيدي)) , ثم يقول في الكتاب: ((بلغك الله أملك)) فإن رأيت فهذا خلافٌ في الدعاء؛ أو يقول: ((أيد الله سيدي)) ثم يقول: ((أكرم الله سيدي)) . 578- واستقبحوا أيضاً أن تكون الأدعية متفقةً, وذلك أن تقول: ((أعزك الله)) ثم تكتب في الفصل الذي يليه مثله. 579- واصطلحوا على أن مكاتبة النظير نظيره: فإن رأيت أن تفعل كذا وكذا فعلت؛ ولا يكتبون إليه: ((فرأيك)) ؛ فإن كان دونه قليلاً كتبوا: ((فرأيك)) وكتبوا: فأحب أن تفعل كذا وكذا؛ فإن كان دونه أكثر من ذلك, كتبوا: فينبغي أن تفعل كذا وكذا؛ فإن كان دون ذلك كتب: فافعل كذا وكذا. 580- قال أبو جعفر: ورأيت علي بن سليمان ينكر ما مر من كتبهم: ((أطال الله بقاء سيدي)) وقال: هذا دعاءٌ لغائب, وهو جهلٌ باللغة, ونحن ندعو الله جل وعز بالمخاطبة. وأنكر أيضاً مذهبهم في فرأيك, لأن الطلب يكون هكذا, فأنت

باب أصول المكاتبات فأول ذلك مكاتبة الرئيس إلى من هو دونه

تطلب إلى من هو أجل منك, فتقول: ((فر رأيك في)) فيكون إذا نصبت فرأيك كذا؛ ونحن نذكر الإعراب في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله. 581- ومن المستقبح عندهم أيضاً أن تدعو له وتشتمه في كتاب واحد. 582- واستعملوا: ((وجعلني من كل سوء ومكروه فداك)) للنظير وللذي يليه: ((وجعلني من السوء فداءك)) والفداء ممدودٌ, وهذا يحكم في المقصور والممدود من هذا الكتاب, إن شاء الله. باب أصول المكاتبات فأول ذلك مكاتبة الرئيس إلى من هو دونه 583- فمن ذلك مكاتبة الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أحمد باسمه, وإن شئت من عبد الله أبي العباس الإمام الراضي بالله أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان: سلامٌ عليك, فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو, ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم , وهذا فصلٌ.

ثم يقال: أما بعد؛ فإن كذا وكذا, ويؤتى على المعنى. فإذا فرغ من ذلك وأراد أن يأمر بأمر كتب على فصل: قد أمير المؤمنين ورأى أن يكتب إليك فتؤمر بامتثال ما أمر به, والعمل بحسبه. ثم يقال بعد ذلك بفصل: واعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين, واعمل به إن شاء الله. وكتب فلانٌ بن فلان باسم الوزير واسم أبيه يوم كذا من سنة كذا. 584- قال أبو جعفر: فهذه المكاتبة قد اصطلح عليها عن الإمام وولي العهد في الأمور السلطانية التي تنشأ بها الكتب من الدواوين, إلا أن بعض العلماء قد خالفهم في هذا, وقال: الأولى أن يكتب: من الراضي بالله, ويبدأ باللقب كما قال الله جل وعز: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله} وإنما صار هذا أولى, لأن اللقب لا يشركه فيه غيره, فهو أولى أن يبدأ به. 585- وقد تقع المكاتبة من الإمام على غير هذا, إلا أنها لا تكون في الكتب السلطانية, وذلك أن يكاتب الإمام الوزير, أو من حل محله, فيكاتبه: أمتعني الله بك وبدوام النعمة عندي فيك, وبقاء الموهبة لي منك, وما جرى هذا المجرى. وليس أحدٌ من الرؤساء يكاتب عنه بالتصدير, إلا الإمام وولي العهد, وكذا الكتاب إليهما؛ وقد يجوز ذلك إلى الأمير والقاضي, إلا

أن المستعمل الأول, فإن كانت المكاتبة من الوزير, فإن الرؤساء دونه على طبقات, وقد رسمت لهم أدعيةٌ على حسب منازلهم وأتمها وأجلها: ((أطال الله بقاءك)) و ((أدام عزك وكرامتك)) , و ((أتم نعمته عليك, وإحسانه إلبك وعندك)) . وهذا أتم الدعاء من الوزير إذا جرى الأمر على سنته ولم تتغير الرسوم, لأنه قد يعرض أن يكون في الدولة من هو مقدمٌ على الوزير أو مساوىً به الوزير, فتغير هذه المكاتبة. فقد كان عبيد الله بن سليمان يكاتب أبا الجيش: أطال الله يا أخي بقاءك, إلى آخر الصدر, للمصاهرة التي كانت بين أبي الجيش وبين المعتضد, ولأن المعتضد كناه. ودون المنزلة التي ذكرناها: ((أطال الله بقاءك وأعزك وأكرمك وأتم نعمته عليك وإحسانه إليك)) , ودون ذلك؛ أدام الله عزك, وأطال بقاءك, وأدام كرامتك, وأتم نعمته عليك, وأدامها لك)) , ويلي هذا: ((أعزك الله, ومد في عمرك, وأكرمك, وأتم نعمته عليك, وأدامها لك)) , ويلي هذا من الدعاء: مد الله في عمرك وما بعده على توالي الدعاء, والذي تقدم دونه: ((أكرمك الله وأتم نعمته عليك, وأدامها لك)) فإن أسقطت منه ((وأدامها لك)) كان دون ذلك, ودون هذا: ((أبقاك الله, وحفظك, وأتم نعمته عليك, وأدامها لك)) , فإن تركت: ((وأدامها لك)) كان دون ذلك, ودونه في الدعاء: ((حفظك الله, وأبقاك, وأمتع بك)) , ودون ذلك: ((عافانا الله وإياك من السوء)) ,

باب مكاتبة النظراء

ويقال: إن أول من دعا بهذا الدعاء الآخر معاوية. فإن كان الرئيس غير الوزير, فإن تنزيله في مكاتبته على هذه السبيل, وربما كان في مكاتبته زيادةٌ لمن له محلٌ, فتزيده وتكاتبه بزيادة التأييد ودوام العز. باب مكاتبة النظراء 586- يكون على حسب ما بينهما من لطف المحل. فمنهم من يكتب إليه: ((يا سيدي! أطال الله بقاءك)) فقط, ومنهم من يزاد: ((وأدام عزك وتأييدك)) إلى آخر الصدر, ومنهم من يكتب إليه: ((يا سيدي وأخي! أطال الله بقاءك)) , ومنهم من يكتب إليه: ((أطال الله يا سيدي بقاءك)) وهو دون ذلك قليلاً, ومنهم من يكتب إليه: ((أطال الله يا أخي بقاءك)) وهو دون ذلك, ودونه: ((يا أخي)) . وفي هذا كله: ((فإن رأيت)) , وقد تقدمت حكايتنا عنهم أنهم قالوا: ((فرأيك)) لمن هو دونه, وكذا ((فأحب)) .

باب مكاتبة المرؤوس رئيسه

باب مكاتبة المرؤوس رئيسه 587- فأول ذلك المكاتبة إلى الإمام, وقد ذكرنا أنها تكون بالتصدير, وأنه يبدأ باسمه, وقد جرى التعارف على ذلك, وإن كان قد كرهه جماعةٌ من العلماء, لأنه إنما هو مأخوذٌ من ملوك العجم كما روي عن ابن عمر, قال: يكتب الرجل من فلان إلى فلان, ولا يكتب لفلان. 588- قال أبو جعفر: وروى ميمون بن مهران, قال: كان ابن عمر إذا كتب إلى أبيه, كتب: من عبد الله بن عمر إلى عمر بن الخطاب. قال ميمونٌ: كان في ملوك العجم يبدؤون بملوكهم إذا كتبوا إليه. 589- وروى ابن سيرين, قال: كتب رجلٌ عن ابن عمر: بسم الله الرحمن الرحيم, لفلان بن فلان, فقال له ابن عمر: مه! فإن اسم الله هو له إذن! 590- وقال إبراهيم: وكانوا يكرهون أن يكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم لفلان بن فلان، وكانوا يكرهونه في العنوان. 591- وقال أبو زيد: وحدثني يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: أخبرني منصور، عن ابن سيرين، أن العلاء ابن الحضرمي كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بنفسه.

592- وقال أبو زيد: وقد جاءت في ذلك رخصةٌ. 593- وروى حمادٌ القشيري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كتب أحدكم فليبدأ بنفسه، إلا إلى والد أو والدة أو إمام يخاف عقوبته. 594- وروى نافعٌ, قال: كانت لابن عمر إلى معاوية حاجةٌ, فقالوا له: ابدأ به في الكتاب, فلم يزالوا به حتى كتب في الصك: بسم الله الرحمن الرحيم, إلى معاوية من عبد الله. 595- وروي, عن الأوزاعي, قال: كان يكتب إلى عمر بن عبد العزيز, فيبدأ به فلا ينكر ذلك. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحجاج بن يوسف, فبدأ بالحجاج قبل نفسه، فقيل له في ذلك، فقال: بدأت به لأحقن دم رجل من المسلمين؛ فحقن له دمه. 596- وكتب بكر بن عبد الله إلى عامل في حاجة، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى فلان من بكر، فقيل له: تبدأ باسمه! فقال: وما علي أن أرضي صاحبي وتقضى حاجة أخي المسلم. 597- ففي هذه الأحاديث الرخصة في تقديم اسم المكتوب إليه، إلا أن فيها ((إلى)) وليس فيها ((لفلان)) ، غير أنه قد روي عن ابن عمر شيءٌ باللام. 598- وروى عبد الله بن دينار، أ، عبد الله بن عمر، كتب إلى عبد الملك:

بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد؛ لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر؛ سلامٌ عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله هو، وأقر لك بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة رسوله ما استطعت. 599- ثم جرت عادة الكتاب على هذا، فكتبوا لعبد الله باسمه وكنيته، وتقدم الكنية على الاسم، ثم يذكر اللقب، ثم يقال: أمير المؤمنين، من فلان بن فلان، سلامٌ على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته؛ فإني أحمد إلى أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله؛ أما بعد؛ أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام عزه وتأييده وكرامته وسعادته وحراسته وأتم نعمته عليه، وزاد في إحسانه إليه، وفضله عنده، وجميل بلائه لديه، وجزيل عطائه له. أما بعد؛ فقد كان كذا وكذا؛ حتى يأتي على المعاني التي يحتاج إليها؛ وتكون المكاتبة: وقد فعل عبد أمير المؤمنين كذا وكذا؛ فإن زادت حاله لم يقل: عبد أمير المؤمنين؛ فإذا بلغ إلى الدعاء ترك فضاءً، وكتب: وأتم الله على أمير المؤمنين نعمته، وهنأه كرامته، وألبسه عفوه وعافيته وأمنه وسلامته، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته؛ وكتب يوم كذا، من شهر كذا، من سنة كذا. 600 وقال الفضل بن سهل يدعى للخليفة. أما بعد؛ أطال الله بقاء أمير المؤمنين, وأدام عزه وتأييده وسعادته

وتوفيقه, وأتم نعمته عليه, وزاد في إحسانه إليه ومواهبه له؛ ولا يكتب إليه: وجعلني فداءه. ويكون أول فصوله: أخبر أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن كذا وكذا؛ ثم يوالي الفصول بأيده الله وأدام عزه ونحو هذا. 601- وإن شئت كتبت: أما بعد؛ أطال الله بقاء أمير المؤمنين, وأدام عزه وتأييده, وأتم نعمته عليه, وزاد فيها عنده, وحاطه وكفاه, وتولى له ما ولاه. 602- قال: وإن شئت كتبت: أطال الله بقاء أمير المؤمنين في العز والسلامة, وأدام كرامته في السعادة والزيادة, وأتم نعمته في السبوغ والغبطة, وأصلحه وأصلح على يديه ونصره, وكان له في الأمور كلها ولياً وحافظاً. 603- وإن شئت كتبت: أطال الله بقاء أمير المؤمنين في أعز العز وأدوم الكرامة والسرور والغبطة, وأتم نعمته عليه في علو من الدرجة, وشرف من الفضيلة, وتتابع من الفائدة؛ ووهب له السلامة والعافية في الدنيا والآخرة. 604- قال أبو جعفر: وقد يكاتب الإمام بغير تصدير, إذا لم يكن ذلك في شيء من الأمور التي سبيلها أن تنشأ الكتب بها من الدواوين كما كتب القاسم بن عبيد الله إلى المكتفي مهنئاً له بالخلافة:

بسم الله الرحمن الرحيم والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته, وأسأل الله عز وجل أن يعظم بركة هذا الأمر على أمير المؤمنين وعلى الأمة كافة. 605- قال أبو جعفر: والمستعمل في هذا الوقت فيه مكاتبة الوزير الإمام: أطال الله بقاء أمير المؤمنين, وأدام عزه وأيده, وأتم نعمته عليه, وأدام كرامته له. 606- وربما استحسنت مكاتبة المرؤوس إلى الرئيس على غير ترتيب الكتاب. قد كتب إبراهيم بن أبي يحيى إلى بعض الخلفاء: أما بعد؛ فإن أحق من عرف حق الله عز وجل في ما أخذ منه من عظم حق الله عليه في ما أبقاه له. واعلم أن أجر الصابرين في ما يصابون به أعظم من النعمة عليهم في ما يعافون فيه. 607- ومثل هذا يستحسن مع الرؤساء, أعني الإيجاز والاختصار, لأن الإكثار يضجرهم, حتى ربما مالوا إلى استقباح الحسن مما يكاتبون به, والرد عما يسألون.

608- وقد حكي عن أحمد بن يوسف الكاتب، أنه قال: دخلت على المأمون وفي يده كتابٌ يعاود النظر فيه، ويصعد ويصوب طرفه، فلما التفت إلي، قال لي: يا أحمد! أراك مفكراً في ما تراه مني؛ قلت: نعم، وقى الله أمير المؤمنين المكاره وأعاذه من المخاوف؛ قال: فإنه لا مكروه في الكتاب، ولكني قرأت فيه كلاماً ما كنت أتوهم أن أحداً يقدر على مثله، لأني سمعت الرشيد يقول: البلاغة التباعد عن الإطالة، والتقرب من معنى البغية، والدلالة من اللفظ على المعنى؛ ثم رمى إلي بالكتاب، فإذا هو كتاب عمرو بن مسعدة إليه، فقرأته، فإذا فيه: كتابي إلى أمير المؤمنين ومن قبلي من قواده وسائر أجناده في الانقياد والطاعة على أحسن ما تكون عليه طاعة جند، وقد تراخت أرزاقهم وتباعد ما بين أعطياتهم، فاختلت بذلك أحوالهم، والتأثت معه أمورهم. فلما قرأته، قال لي: إن استحساني إياه بعثني على أن أمرت للجند قبله بأعطياتهم لسبعة أشهر وأنا على مجازاة الكاتب بما يستحقه، ومن حل محله في صناعته. 609- وكتب الحسن بن وهب إلى مالك بن طوق في ابن أبي الشيص الشاعر: كتابي إليك كتابٌ خططته بيدي، وفرغت له ذهني، فما ظنك بحاجة هذا موقعها مني؟ أتراني أقبل العذر فيها، أو أقصر في الشكر عليها؟. 610- وحكي عن جعفر بن يحيى أنه قال: إن استطعتم أن يكون كلامكم كله مثل التوقيع فأفعلوا.

باب المكاتبة إلى ولي العهد والوزير

باب المكاتبة إلى ولي العهد والوزير 611- ويكون التصدير أيضاً على ما تقدم مع تغيير الأسماء، غير أنه جعل الفرق بين الإمام وغيره ممن يكاتب بالتصدير أن قيل للإمام في التصدير مع السلام ورحمة الله وبركاته في أول الكتاب وآخره، ومن سوى الإمام يحذف ((وبركاته)) من التصدير وثبتت في آخر الكتاب. باب المكاتبة إلى غير الإمام وولي العهد والوزير 612- فمن ذلك الكتاب إلى الأمير والقاضي. وأكثر ذلك ألا يصدر، وأن يقال: ((أطال الله بقاء الأمير أو القاضي)) ، ويتم الدعاء، ولا يذكر: ((أما بعد)) ولا ((السلام)) . ولكن يكتب إذا أردت أجل ذلك: ((أطال الله بقاء الأمير في أعز العز، وأدوم الكرامة والسرور والغبطة؛ وأتم نعمته في علو من الدرجة، وشرف من الفضيلة، وتتابع من الفائدة؛ ووهب له السلامة والعافية في الدنيا والآخرة، وبلغ الله بالأمير أفضل ما تجري إليه نعمته وتسمو إليه

أمنيته، وبلغ بالأمير أرفع شرف العاجل، وأجزل ثواب الآجل)) ، ومن الدعاء له: ((أطال الله بقاء الأمير في عز قاهر، وكرامة دائمة، ونعمة سابغة؛ وزاد في الإحسان إليه، والفضيلة لديه، ولا أخلى مكانه)) . ومن الدعاء له: ((أطال الله بقاء الأمير, وأدام عزه وتأييده, وعلوه وتمكينه, وكبت عدوه. 613- قال الفضل بن سهل: ومن الدعاء له: ((أطال الله بقاء الأمير, ومكن له في البسطة وفوائد النعمة, وزاده من الكرامة والفضيلة, والمواهب الجليلة, في أعز عز, وأدوم سلامة, وأدوم عافية)) . 614- قال: ومن الدعاء له: ((أطال الله بقاء الأمير, وأدام له الكرامة, مرغوباً إليه, وزاد في إحسانه لديه, وأتم نعمته عليه, ووصل له خير العاجل بجزيل الآجل)) . 615- قال: ويدعى للرئيس الجليل من بني هاشم بالتأمير, كان أميراً أو معزولاً. 616- قال: ويدعو للأمير ولده وحشمه وأهل نعمته بالتأمير, كان أميراً أو معزولاً, بهذا الدعاء ونحوه. 617- قال: ويكتب الأمير إلى الأمير بنحو ما ذكرنا من الدعاء بعد إسقاط التأمير, إلا أن يكون جليلاً أو يكون التبجيل بينهما مقارضةً, فيحتمل الحال أن يؤمر كل واحد منهما صاحبه)) . 618- ويدعى للقاضي بمثل ما تقدم, غير أنه يجعل مكان الأمير

باب مكاتبة الرجل ابنه

القاضي, غير أن الفضل بن سهل قال: يدعى لقاضي القضاة ((أطال الله بقاء القاضي, وأدام عزه وكرامته, ونعمته وسلامته, وأحسن من كل جميل زيادته, وألبسه عفوه وعافيته)) ويدعى له أيضاً: ((أطال الله بقاء القاضي في عز وسعادة, وأدام كرامته, وأحسن زيادته, وأتم نعمته عليه في أسبغ عافية وأشمل سلامة)) . قال غيره: فأما ((أطال الله بقاءك أيها القاضي)) , فإنما يكاتب بهذا الكفؤ, ومن كان خارجاً من نعمة القاضي والرغبة إليه. باب مكاتبة الرجل ابنه 619- فمن ذلك: بأبي أنت. وفداك أبوك, ومات قبلك. 620- ومنه أيضاً: أسأل الله جل وعز حفظك وحياطتك ورعايتك. 621- ومنه: أرشد الله أمرك, وأحسن البلاغ بك. 622- ومنه: بلغ الله بك أفضل الأمل, وأتم السرور؛ وجعلك خلفاً صالحاً, وبقيةً زاكيةً. باب مكاتبة الفتيان 623- صرف الله السوء عنك, وعن حظي منك.

624- ومنه: أطال الله بقاء النعمة عليك وعلي فيك, وجعلت أنا وطارفي وتلادي فداك. 625- ومنه: ملاني الله إخاءك, وأدام لي بقاءك. 626- ومنه: أستودع الله عز وجل ما وهب لي من خلتك, ومنحني من أخوتك, وأعزني به من مودتك. 627- ومنه: حاط الله حظي منك، وأحسن المدافعة عنك. 628- ومنه: ببقائك متعت، وفقدك منعت. 629- ومنه: نفسي تفديك، والله يقيك ويقيني السوء فيك. 630- ومنه: ملاني الله النعمة ببقائك، وهنأني ما منحني من إخائك. 631- ومنه: أبقى الله النعمة لي ببقائك، وبلغنيها بك. 632- ومنه: وفر الله حظي منك، كما وفر من المكارم حظك. 633- ومنه: ملاني الله بقاءك، كما منحني إخاءك. 634- ومنه: دافع الله لي وللمكارم عن حوبائك، وأمتعني وإياها ببقائك، وجمع أملي فيك كجمعه المكارم لك. الحوباء: النفس. 635- ومنه: زادك الله من النعمة حسب تزيدك من البر لإخوانك، وبلغ بك أملهم لك كما بلغ بهم آمالهم بك.

باب مكاتبة الفقهاء والأدباء

باب مكاتبة الفقهاء والأدباء 636- منهم من كره ((أطال الله بقاءك)) واحتج بحديث ابن مسعود، قال: قالت أم حبيبة: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوت الله جل وعز لآجال مضروبة، وآثار معلومة، وأرزاق مقسومة، لا يتقدم منها شيءٌ قبل أجله، ولا يتأخر بعد أجله؛ لو سألت الله عز وجل أن يقيك من عذاب النار أو عذاب القبر كان خيراً لك)) . قال أبو جعفر: وقد أمليت هذا الحديث بإسناده في ((كتاب الدعاء)) . 637- ومنهم من رخص في ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر كعب بن عبيد الله: ((اللهم أمتعنا به)) ، قال ابن عفير: ومات سنة خمس وخمسين، وهو آخر أهل بدر وفاةً. 638- وفي حديث عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اللهم أمتعني بسمعي وبصري)) . 639- فأما ما أشكل من هذا، فإن العمر قد فرغ منه، والجواب:

أن الدعاء متعلقٌ بما فيه الصلاح، وبمشيئة الله عز وجل، وكذا ((أنسأ الله في أجلك)) ، و ((نسأ الله أجلك)) ، وقيل: الدعاء بهذا معناه: التوسعة والغنى. 640- ومنهم من كره ((وجعلني فداك)) وهو قول مالك بن أنس، واحتج بحديث يروى عن الزبير أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم هذا، فقال: ((أما تركت أعرابيتك بعد؟)) وأجاز بعضهم ذلك، واحتج بأن غير هذا الحديث أولى لصحة غيره، كما روى عكرمة، قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: بينا نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ ذكرت الفتنة، أو ذكرت عنده الفتنة، فقال: ((إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم, وخفت أماناتهم, وكانوا هكذا)) وشبك بين أصابعه, فقلت: فكيف نفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ فقال لي: ((الزم بيتك, واملك عليك لسانك, وخذ ما تعرف, ودع ما تنكر, وعليك بأمر الخاصة, ودع عنك أمر العامة)) . 641- وكرهوا أن يقال: ((عبدك)) واحتجوا بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي, وكلكم عبيد الله, وكل نسائكم إماء الله, ولكن غلامي وجاريتي, وفتاي وفتاتي)) , وقد ذكرته بإسناده في ((كتاب الدعاء)) . ومنهم من قال: هذا مكروهٌ للناس أن يقولوه, لأنه يرجع إلى معنى التكبر, وقد قال الله عز وجل: {عبداً مملوكاً} فهذا جائزٌ من غيرهم لهم.

642- وكرهوا أن يقال: يا مولاي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقل أحدكم مولاي, فإن مولاكم الله جل وعز)) . 643- ومنهم من كره أن يقال: ((يا سيدي)) لقول النبي عليه السلام: ((لا تقولوا للمنافق سيدنا, فإنه إن يكن سيدكم فقد أسخطتم ربكم جل وعز)) وأجاز هذا بعضهم, واحتج بقول النبي عليه السلام: ((إن ابني هذا سيدٌ, ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين)) . والقول في هذا أنه لا يجوز أن يقال لمنافق ولا كافر, ولا فاسق: ((يا سيدي)) للحديث, ويقال لغيرهم ذلك للحديث. وينبغي أيضاً أن لا يرضى أحدٌ بأن يخاطب بـ ((يا سيدي)) , وينكر ذلك, كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال: ((السيد الله جل وعز)) . 644- وجملة هذا أن هذه المكاتبات كلها محدثةٌ. 645- قال إسماعيل بن إسحاق: أول من كاتب بـ ((أطال الله بقاءك)) الزنادقة. وروي عن حماد بن سلمة, أن مكاتبة المسلمين كانت: من فلان إلى فلان؛ أما بعد؛ سلامٌ عليك, فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو, وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله)) , ثم إن الزنادقة قد أحدثوا هذه المكاتبات التي أولها: ((أطال الله بقاءك)) . 646- وقال غيره: كان يدعى للخلفاء الغابرين: ((أما بعد؛ حفظ

الله أمير المؤمنين ورضي الله عنه)) , و ((أما بعد؛ أبقى الله أمير المؤمنين, وأمتع به)) , و ((أما بعد؛ أكرم الله أمير المؤمنين وحفظه)) . 647- وزعموا أن أول من رسم الدعاء معاوية بن أبي سفيان, كتب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((عافانا الله وإياك من السوء)) . 648- ثم زاد الناس في ما يكاتب به من ذكرناه ممن يستجيز أن يكاتب بطول البقاء, فإنه لا يأتي بذلك مطلقاً, ولكن يضمنه بشيء آخر، فيكتب؛ أطال الله بقاءك في طاعته وسلامته وكفايته، وأعلى جدك، وصان قدرك، وكان لك ومعك حيث لا تكون لنفسك؛ وكذا يكتب: أطال الله بقاءك في أسر عيش، وأنعم بال، وخصك منه بتوفيق لما يحب ويرضى، وحباك برشده، وقطع بينك وبين معاصيه بلطفه. 649- ومنه: أطال الله بقاءك بما أطاع به المطيعون، وأعطاك من العطاء بما أعطى به المصححين. 650- ومنهم من لا يضمنه بشيء إلا أنه يدعو بعده بغير دعاء الكتاب، فيقول: أطال الله بقاءك، وأكرم مثواك. 651- ومنهم من لا يستجيز الدعاء بطول البقاء، فيكتب: أكرمك الله بطاعته، وتولاك بحفظه، وأسعدك بمغفرته، وأيدك بنصره، وجمع لك خير الدنيا والآخرة برحمته، إنه سميعٌ قريبٌ.

652- وفي مثله: تولاك من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وكان لك من هو بالمؤمن رؤوفٌ رحيمٌ. 653- ومثله: أكرم الله عن النار وجهك، وزين بالتقى عملك. 654- وكان أبو خليفة قد كتب إلى ابن أبي الساج بما استحسن منه، كتب إليه: أكرمك الله كرامةً تكون لك في الدنيا عزاً، وفي الآخرة من النار حرزاً. 655- وقد ذكرنا قول جماعة من العلماء في إجازتهم المكاتبة بـ ((أطال الله بقاءك)) ، وذكرنا احتجاجاتهم، غير أني رأيت أبا جعفر بن سلامة الطحاوي يجيز ذلك، واعتل فيه باعتلال استحسنته، وذلك أنه ذكر أحاديث. 656- فيها حديث أبي بكرة أنه قال للنبي عليه السلام: يا نبي الله! جعلني الله فداك، أرأيت إن أخذ بيدي مكرهاً حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، فيحذفني رجلٌ بسيفه، قال: ((يبوء بإثمك وإثمه، ويكون من أصحاب النار)) . 657- وذكر حديث أبي سعيد أن وفد عبد القيس قالوا: يا نبي الله! جعلنا الله فداك، ماذا يصلح لنا من الأشربة؟ 658- وذكر حديث أم حبيبة حين قالت: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية؛ فقال رسول الله عليه السلام:

باب مكاتبة النساء، وما أشبه ذلك

((سألت لآجال مضروبة، وأرزاق مقسومة، وآثار مبلوغة؛ لا يعجل منها شيءٌ قبل أجله، ولا يؤخر بعد أجله)) . 659- والجواب: أن سائل مثل هذا يعلم أنه غير مجاب إليه، ولكنه قال قولاً ود أن يكون به، كما يقال: جعلني الله فداك، وإن كان مما لا يوصل إليه، فيكون هذا سبباً لمحبة القائل أن يكون هذا للمقول، لأنه قال له ما لو وصل إليه وقدر عليه لفعله، فلم يكن ذلك من قائله مكروهاً، وكان المقول له قد وقف على مودته له وموضعه من قلبه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر المسلمين أن يكونوا إخواناً، ومن أخوتهم ود بعضهم بعضاً، وذلك القول مما يؤكد الأخوة بينهم، والمودة من بعضهم لبعض، ومثله دعاء بعضهم لبعض بالبقاء، والزيادة في العمر. 660- وروى ابن عون، عن ابن سيرين، قال: قد علم المسلمون أن لا دعوة لهم في الأجل، وذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن مالك يوم أحد: ((ارم فداك أبي وأمي)) . فمعناه: ولو كنت أقدر أن أجعل أبي وأمي فداءً لك لفعلت، فيكون بذلك قد بلغ من قلبه نهاية ما يبلغ مثله منه، ويكون من قال ذلك قد علم منه أنه من قلبه في نهاية ما يكون مثله من قلب مثله. باب مكاتبة النساء، وما أشبه ذلك 661- قال الحسن: كانت عائشة رضي الله عنها إذا كتبت كتبت: بسم الله الرحمن الرحيم، ومن المبرأة عائشة بنت أبي بكر حبيبة حبيب الله.

662- وحكى جعفر بن سعيد أنه ذكر لعمرو بن مسعدة توقيعات جعفر بن يحيى، فقال: قرأت لأم جعفر توقيعات في حواشي الكتب وأسافلها فوجدتها أجود اختصاراً، وأجود للمعاني. 663- وممن ذكر من كتاب النساء: عتبة جارية المهدي، وعساليج جارية خالصة، وبرهان جارية البرامكة، وملك جارية أم جعفر، وعنان جارية النطاف، كواتب شعراء. 664- وحكي عن أبي الحسين جعفر بن محمد بن ثوابة أنه لما أجاب خمارويه بن أحمد، عن المعتضد، عن كتابه بإنفاذ ابنته التي زوجها منه، قال في الفصل الذي احتاج إلى ذكرها فيه: فأما الوديعة فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك إلى يمينك عنايةً بها وحياطةً لها، ورعايةً لموافقتك فيها. 665- وقال لعبيد الله بن سليمان: والله إن تسميتي إياها الوديعة نصف البلاغة. 666- ويستحسن قوله: من شمالك إلى يمينك، لأن الخليفة باليمين أولى. 667- ومكاتبتهن على ترتيب ما تقدم في الرئيس والمرؤوس والنظير، غير أنه قد وقع في الاصطلاح من بعضهن في مكاتباتهن أنه

باب العنوانات

لا يقال في مكاتبتهن: ((وكرامتك)) ، ولا ((أتم نعمته عليك)) ولا ((لديك)) ، ولا ((فضله عندك)) ، ولا ((وسعادتك)) ، ولا ((فعلت)) ، ولا ((أن تفعلي)) ، ولكن: فإن رأيت أن تمني بذلك مننت به؛ أو ما أشبه ذلك. وسنذكر إن شاء الله ما يعنون به كتب النساء في باب العنوانات. باب العنوانات 668- وقد ذكرنا اشتقاقه الذي فيه، وكراهة من كره ((لأبي فلان)) ، وكتب ((إلى أبي فلان)) ؛ ويروى أن أول من كتب من الخلفاء ((من عبد الله فلان بن فلان)) عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتب المأمون في أول عنواناته: بسم الله الرحمن الرحيم؛ فاستمر الأمر على ذلك إلى هذا الوقت. باب العنوان من الرئيس إلى المرؤوس 669- فأول ما يكتب به عن الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله الإمام الراضي بالله أمير المؤمنين هذا في الجانب الأيمن, وفي الجانب الأيسر: إلى فلان بن فلان. فإن كان المكتوب إليه من موالي بني هاشم نسب إلى ذلك, وإن لم يكن من مواليهم ترك. 670- ثم الكتاب عن ولي العهد يحذف منه ((الإمام)) و ((أمير المؤمنين)) , ويقول: من ولي العهد؛ ثم من الوزير؛ على حسب الطبقات. 671- فالطبقة الأولى: لأبي فلان أطال الله بقاءه, وأعزه. وتحته نحو الحاشية اليمنى: فلان بن فلان. وفي الجانب الأيسر: من فلان بن فلان, باسم الوزير واسم أبيه, إن لم يكنه الإمام, فإن كناه كتب: من أبي فلان. 672- والطبقة الثانية: لأبي فلان أطال الله بقاءه فقط. ويكتب الاسم, ولا يذكر معه دعاءً. 673- والطبقة الثالثة: أدام الله عزه. 674- والطبقة الرابعة: أعزه الله. 675- والطبقة الخامسة: أدام الله كرامته. 676- والطبقة السادسة: أيده الله. 677- والطبقة السابعة: أبقاه الله, ويكتب اسم المكاتب واسم أبيه في الجانب الأيسر, ولا يذكر اسم الوزير. 678- والطبقة الثامنة: حفظه الله.

باب عنوانات النظراء

والطبقة التاسعة: عافاه الله. 679- والأمراء والقضاة والرؤساء يكتبون إلى عمالهم على هذا الترتيب. باب عنوانات النظراء 680- تعنون كتبهم على حسب منازلهم وتقاربهم. 681- قال الفضل بن سهل: لا يحسن بالعنوان كثرة الدعاء, ولا الإسهاب فيه, ولا الإغراء, ولأنه أول متصفح من عقل الكاتب, فإذا كوتب الكفؤ بـ ((جعلني الله فداك)) , يعني بـ ((الصدر الكامل)) فأحسن دعاء العنوان ((أعزه الله)) , و ((أطال الله بقاءه)) . 682- وقال غيره: أجمل ذلك ((أطال الله بقاءه)) و ((أدام عزه وتأييده)) . 683- ويكتب الأب إلى ابنه: من فلان بن فلان, وكذلك كبير الأخوة, والرجل إلى أهل بيته. 684- ولا يتكنى الرجل على كتبه إلا أن تكون كنيته أشهر من اسمه, فيتكنى على نظيره, ويتسمى لمن فوقه, ثم يلحق: المعروف أبا فلان, أو المعروف بأبي فلان؛ إذا كتب. 685- ويكتب ((من أخيه)) إن كانت الحال بينهما توجب ذلك ودونه ((من وليه)) . ومحظورٌ أن يكتب ((من عبده)) وإن كان المكاتب غلامه, وقد ذكرنا الحديث في ذلك.

باب عنوان كتاب المرؤوس إلى الرئيس

686- قال الفضل بن سهل: وإذا كوتب بـ ((أعزه الله)) احتمل العنوان: ((مد الله في عمره)) . وتسمية الرجل على كتابه تقصيرٌ به, إلا أن يعاد له دعاءٌ ثان. باب عنوان كتاب المرؤوس إلى الرئيس 687- يكتب إلى الإمام: ((لعبد الله أبي العباس الإمام الراضي بالله أمير المؤمنين)) في الجانب الأيمن؛ ((من فلان بن فلان)) في الجانب الأيسر؛ وإلى الوزير كذلك, وولي العهد كذلك؛ كناه أمير المؤمنين أو لم يكنه؛ غير أنه لا يقول: ((لأبي فلان ولي عهد المسلمين ابن أمير المؤمنين)) أو ((أخي أمير المؤمنين)) , والتأمير يجزئ من الدعاء. 688- قال الفضل بن سهل: ويكتب إلى ولي العهد ((للأمير أبي فلان ولي عهد المسلمين ابن أمير المؤمنين)) , وكذلك إلى أمير غير ولي العهد يتقدم الأعظم. 689- قال: ودعاء العنوان على حسب الصدر. 690- قال: ويكتب إلى أم الخليفة: ((للسيدة أم فلان أمير المؤمنين)) , و ((أم فلان ولي عهد المسلمين)) , ويكتب إلى أم الرجل الجليل وإلى امرأته إذا كانت تكاتب: ((للحرة ابنة فلان)) بلا اسم, ويدعى لها بالدعاء الذي يكون الرجل يخاطبها به.

باب عنوانات الخرائط والطوامير

باب عنوانات الخرائط والطوامير 691- ما نفذ عن السلطان من الخرائط, فعنوانه: ((ليعجل بها إلى فلان)) . وفي الجانب الآخر ((بمستقره من موضع كذا وكذا)) . 692- فإن احتيج إلى تعجيل الكتاب, جعل تحته حلقٌ خمسٌ إلى إحدى وعشرين. 693-وأما الطوامير، فالقول فيها ما روي عن الحجاج أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان في طومار، ثم عنونه بقلم جليل: لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين. ثم كتب في طرفه بقلم ضئيل: من الحجاج بن يوسف. 694- ثم استحسن جماعةٌ أن يصغروا أسماءهم على عنوانات الكتب، ورأوا أن ذلك تواضعٌ. 695- ومنهم من يحسن اسم الله إذا كتبه. 696- ويقال: إن الحجاج أول من استعمل في العنوانات هذا الذي ذكرته. ويقال: إنه أول من استعمل الكتاب في القراطيس في الإسلام، وإنما كانت الكتب تكتب في الأدم وبطون الجرب وعسب النخل. قال

باب الكتب في الظهور وكراهة كثرة الدعاء على العنوان

امرؤ القيس: لمن طللٌ أبصرته فشجاني ... كخبط الزبور في عسيب يمان 697- ويقال: إن أول من عمل القراطيس يوسف عليه السلام بمصر. تم الجزء الأول والحمد لله كثيراً يتلوه بمشيئة الله في الجزء الثاني باب الكتب في الظهور وكراهة كثرة الدعاء على العنوان والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله الطاهرين وسلم تسليماً. وحسبنا الله ونعم الوكيل وكان الفراغ منه ثالث ذي القعدة. قوبل وصح، والحمد لله، وبه أستعين.

الجزء الثاني من كتاب مراتب الكتاب تصنيف أبي جعفر أحمد بن محمد النحوي

الجزء الثاني من كتاب مراتب الكتاب تصنيف أبي جعفر أحمد بن محمد النحوي

باب الكتب في الظهور وكراهة كثرة الدعاء على العنوان

بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي باب الكتب في الظهور وكراهة كثرة الدعاء على العنوان 698- يستعمل ذلك من لا يتعمل له، وربما اعتذر بعضهم في ذلك، وربما جاء أحسن من الاعتذار، كما كتب بعضهم إلى آخر في ظهر، ووقع في آخره: كتبت إليك في ظهر تفاؤلاً أن يظهرك الله على عدوك. 699- وكتب آخرى: تعذر قرطاسي وفي الظهر بلغةٌ ... وأنت كريمٌ تقبل العذر فاعذر 700- وكتب آخر إلى أخ له في ظهر, فأجابه في ظهر, وكتب في رأسه إليه: فأول راضي سنةً من يسيرها

701- فأما ما يحكى عن موسى بن أبي العباس الناشئ فقبيحٌ محظورٌ. حكي عنه أنه كان إذا احتاج إلى ظهر أمر منادياً, فنادى: من له مظلمةٌ؟ فإذا اجتمعت القصص, قال لكاتبه: شأنكم بها. 702- وكان بعضهم يقول: أخذ القرطاس والظهر مورثٌ للعداوة. 703- كما حكي عن العباس بن يزيد بن ثوبان, أنه كان إذا مس له قرطاسٌ قال: أبق على المودة, فإنك إن أخذت منها سحاءةً تعادينا. 704- ومما يقبح بفاعله: ما روي عن حمزة بن نصير أنه دخل عليه وبيده نصف طومار, وهو منكمشٌ, يكتب ويقطع, فقيل له في ذلك, فقال: شكا إلي الوكيل بأنه محتاجٌ إلى ظهور, فأنا مذ غدوة أعمل له ظهوراً. 705- وكذا ما حكي عن العباس بن عبيد بن أخي زيد بن عبد الله أنه كان يتأنق في القراطيس, ثم يمشق فيها, ويباعد بين سطوره, ويكتب بمثل الأعدال ليري الناس أنه متملكٌ في خطه عظيم السلطان في كتبه. 706- ومتقدمو الكتاب ينكرون كثرة الدعاء على العنوان ويستقبحونه.

باب كتبهم سلام عليك في أول الكتاب وفي آخره والسلام عليك ولم قدموا السلام على الرحمة

باب كتبهم سلامٌ عليك في أول الكتاب وفي آخره والسلام عليك ولم قدموا السلام على الرحمة 707- المستعمل أن يكتب في أول الكتاب: ((سلامٌ)) ؛ لأنه لما ابتدئ به ولم يتقدمه ما يكون به معرفةً وجب أن يكون نكرةً. 708- والمستعمل في آخر الكتاب ((والسلام عليك)) لأنه مشارٌ به إلى الأول. وقال الله عز وجل: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً. فعصى فرعون الرسول} . 709- وإنما قدم السلام على الرحمة لأن السلام اسمٌ من أسماء الله عز وجل, قال الله جل ثناؤه: {السلام المؤمن المهيمن} والسلام أيضاً السلامة, والسلام الجنة, قال الله جل وعز: {لهم دار السلام} ويجوز أن يكون المعنى: لهم دار الله عز وجل, أو دار السلامة؛ وقد يكون السلام جمع سلامة, فلتصرف السلام كان كان تقديمه أولى.

باب العلة في ترتيبهم ((أطال الله بقاءك)) في أول الدعاء, ولم أتبعوه: ((وأدام عزك)) دون غيره والذي أوجب أن يكون ((وتأييدك)) أجل من ((وأعزك)) ؛ ولم كان ((وأعزك)) أجل من ((وأكرمك)) , وكراهة من كره ((وجعلني فداك))

باب العلة في ترتيبهم ((أطال الله بقاءك)) في أول الدعاء, ولم أتبعوه: ((وأدام عزك)) دون غيره والذي أوجب أن يكون ((وتأييدك)) أجل من ((وأعزك)) ؛ ولم كان ((وأعزك)) أجل من ((وأكرمك)) , وكراهة من كره ((وجعلني فداك)) 710- اعتل قومٌ في اصطلاحهم على تقديم ((أطال الله بقاءك)) في أول الدعاء بعلتين, فمنهم من قال: هو أجل الدعاء؛ لأن العز وما بعده إنما ينتفع به مع طول البقاء. وقال قومٌ: هو أفخم الدعاء, فلذلك قدموه وأتبعوه ((وأدام عزك)) لأنه إذا أديم عزه كان محوطاً مصوناً, غالباً لعدوه, آمناً غنياً؛ وأتبعوه ((وتأييدك)) لأن معناه, وزاد مما دعوت به لك, وأصله من أيده الله, أي: قواه؛ ((وسعادتك)) أصله من المساعدة, أي: تساعد على ما تريد, وهذا كله أجل من ((وأكرمه)) لأنه قد يكرمه ولا يساعده. وقد قيل: إنه كان ((وأعزك)) جليلاً, ثم حدث ((وتأييدك)) . 711- فأما كراهة من كره ((وجعلني فداك)) , فقد ذكرناه في باب مكاتبة الفقهاء والأدباء, ومن أجازه احتج بأشياء قد ذكرنا منها ما فيه كفايةٌ.

باب ذكر ((أما بعد)) وما معناها

712- وقد احتج بعضهم بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: ((ارم فداك أبي وأمي)) . وقال حسان: فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء باب ذكر ((أما بعد)) وما معناها 713- روى زكريا, عن الشعبي, أن زياداً قال: إن فصل الخطاب الذي أعطي داود عليه السلام ((أما بعد)) . 714- قال أبو جعفر: وروى أبو بردة, عن أبي موسى, قال: أول من قال ((أما بعد)) داود النبي صلى الله عليه, وهو فصل الخطاب. 715- وزعم ابن الكلبي أن أول من قال ((أما بعد)) قس بن ساعدة. 716- وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: أول من قال: ((أما بعد)) كعب ابن لؤي, وهو أول من سمى يوم الجمعة يوم الجمعة, وكان يقال له: العروبة. 717- وقد روي عن ابن عباس أن فصل الخطاب ((أما بعد)) .

718- وقال مجاهد وكعبٌ: فصول الخطاب الشهود والأيمان. 719- وقال الحسن: هو الفهم في القضاء. 720- وقال الضحاك: هو العلم بالقضاء. 721- وقال شريحٌ: فصل الخطاب الشهود على المدعي واليمين على المدعى عليه. 722- وقال أبو عبد الرحمن السلمي: لما أمر داود عليه السلام بالقضاء انقطع به, فقيل له: سلهم البينة واستحلفهم. قال: وفصل الخطاب الخصوم. 723- وسمعت أبا إسحاق يسأل عن معنى ((أما بعد)) وذكر قول سيبويه: معناها: مهما يكن من شيء؛ قال أبو إسحاق: إذا كان رجلٌ في حديث وأراد أن يأتي بغيره, قال: أما بعد. 724- وهذا الذي قاله أبو إسحاق هو الذي عليه النحويون, ولهذا لم يجيزوا في أول الكلام ((أما بعد)) , لأنها إنما ضمت لما حذف منها مما يرجع إلى ما تقدم, وسنشرح هذا في المرتبة التي نذكر فيها النحو, إن شاء الله.

باب المرتبة التي نذكر فيها النحو، وهي الخامسة

باب المرتبة التي نذكر فيها النحو، وهي الخامسة 725- قد أمليت في النحو كتباً مؤلفة على الأبواب، فاستغنيت بذلك عن الصمد إلى أبواب النحو ها هنا، غير أني أملي من ذلك شيئاً يحتاج إليه من نظر في هذا الكتاب. فأول ما أبدأ به باب الصم ((قبل)) و ((بعد)) ، واختلاف النحويين في ذلك، وفي بنائهما، واختلاف حركتهما وثبوتهما وإسقاطهما. ثم أملي باب بيان إعراب ما يقع في أوائل الكتب وأواخرها مما يشكل على كثير من الكتاب، ثم أشياء من النسب، ثم مسائل من التصغير والتصريف وغيرهما إن شاء الله، ثم ختم هذه المرتبة بحذف التنوين وإثباته إن شاء الله. باب ضم قبل وبعد واختلاف النحويين في علة ضمهما وبنائهما واختلاف حركتهما وثبوتها وإسقاطها 726- للنحويين فيها بضعة عشر جواباً، وإن كانوا قد أجمعوا أن

((قبل)) و ((بعد)) إذا كانتا غايتين، فسبيلهما أن لا تعربا، واحتجوا في علة ذلك بأجوبة، فمن أصحها أن سبيل تعريف الأسماء أن تكون بالألف واللام، أو بالإضافة إلى معرفة، أو التسمية، فلما كانتا قد عرفتا بغير تعريف الأسماء وجب بناؤهما. وقال علي بن سليمان: لما كانتا متعلقتين بما بعدهما، أشبهتا الحروف؛ لأن الحرف لا يفيد إلا بما بعده. وقيل: لما لم تنصرفا بوجوه الإعراب، وجب لهما البناء. 727- فإن قيل: فلم وجبت لهما الحركة؟ فالجواب: أن سيبويه قال: فأما المتمكن الذي جعل في موضع بمنزلة غير المتمكن، فقولهم: ابدأ بهذا أول، ويا حكم، فمعنى هذا أن ((أول)) و ((قبل)) و ((بعد)) ، لما وجب أن لا يعربن في موضع، وقد كن يعربن في غيره أعطين حركةً. 728- فإن قيل: فلم لا فتحن أو كسرن؟ ففي هذا أجوبةٌ: قال الفراء: تضمن معنيين، معناهن ومعنى ما بعدهن، فأعطين ثقل الحركات لهذا المعنى. وقال هشامٌ: كرهوا فتحهن لأنهم لو فتحوهن كان المضاف إليهن، كأنه ظاهرٌ، فكرهوا الكسر فيهن، لأنهن يصرن كالمضاف إلى المتكلم، أي: فلم يبق إلا الضم. وللبصريين في هذا أجوبةٌ، منها أن الظرف يدخله النصب والخفض في حال سلامته، ولا يدخله الرفع، فإذا اعتل ضم، لأن الضمة من

جنس الرفع، والرفع لا يدخل الظروف في سلامتها، وقيل: أشبهن المنادى المفرد. وقال محمد بن يزيد: لما كانت غايةً أعطيت غاية الحركات. 729- وأجاز الفراء ((أما بعداً)) بالنصب والتنوين، وأجاز أيضاً ((أما بعدٌ)) بالرفع والتنوين؛ وأنشد: ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة ... فما شربوا بعدٌ على لذة خمرا 730- وأجاز هشامٌ ((أما بعد)) بفتح الدال، وجئت ((من بعد)) بكسرها، يريد من بعد ذلك، وهذا الذي أجازه غير معروف، والبيت الذي أنشده الفراء لا حجة فيه، لأنه مستقيمٌ في الوزن بغير تنوين. 731- وتقول: أما بعد؛ أطال الله بقاءك، فإني قد نظرت في الأمر الذي قد كتبت فيه. هذا اختيار النحويين، ويجوز: أما بعد فأطال الله بقاءك، فإني قد نظرت؛ فتدخل الفاء فيهما جميعاً. 732- ونظيره: إن زيداً لفي الدار لجالسٌ. فإن قلت: إن زيداً لجالسٌ لفي لدار، لم يجز، لأن اللام قد وقعت في موضعها، وكذا لو قلت: إني لصالحٌ لبحمد الله، لم يجز، فإن قلت: إني لبحمد الله لصالحٌ، كررت اللام، لأن الثاني موضعها. 733- ويجوز: ((أما بعد, فأطال الله بقاءك, وإني نظرت)) .

باب ذكر ما يقع في الصدور من الأشياء المشكلة على من لم يتبحر النظر في العربية بإيضاح وتبيين

734- ويجوز: ((أما بعد, ثم أطال الله بقاءك, ثم إني نظرت)) . 735- ويجوز: ((أما بعد, وأطال الله بقاءك, فإني نظرت)) . 736- ويجوز: ((أما بعد, ثم أطال الله بقاءك, فإني نظرت)) . 737- وأجودها: ((أما بعد, أطال الله بقاءك, فإني نظرت)) . 738- وأجود منه: ((أما بعد, فإني نظرت أطال الله بقاءك)) . باب ذكر ما يقع في الصدور من الأشياء المشكلة على من لم يتبحر النظر في العربية بإيضاح وتبيين فمن ذلك: 739- ((سلامٌ عليك)) بالرفع, ويجوز النصب, وفيه إشكالٌ, لأن الاختيار الرفع. 740- وقال النحويون: ما كان مشتقاً من فعل, فالاختيار فيه النصب, نحو قولك: ((سقياً لك)) و ((ويلٌ له)) لأن ويلاً لا فعل منه, ويجوز في أحدهما ما جاز في الآخر, إلا أن هذا الاختيار, وكان يجب على هذا أن ينصب ((سلاماً)) لأن منه فعلاً, فالجواب عن هذا: إنه إنما اختير الرفع في ((سلامٌ)) , وإن كان فيه معنى المنصوب, لأن معناه في الرفع أعم, وليس يريد أفعل فعلاً, فيكون المعنى: ((تحيةً عليك))

وقيل: المعنى سلامه لك, وعليك بمعنى لك. 741- وقد قيل: السلام اسمٌ من أسماء الله جل وعز. 742- وقولهم: ((أطال الله بقاءك)) أصل أطال أطول ألقيت حركة الواو على الطاء, فانقلبت ألفاً لانفتاح ما قبله. وهذه العلة علة اتباع الثلاثي, وربما عوضوا, قال سيبويه في اسطاع: إن السين عوضٌ, وهذا العوض لا يقاس عليه. 743- و ((بقاء)) مصدرٌ من بقي يبقى, فإن أخذته من أبقى قلت: ((أطال الله إبقاءك)) , فإن شئت قلت: ((أطال الله بقاءكما)) وفي الجمع: ((أطال الله بقاءكم)) , وتقالان في المؤنث. ولم تثن ((بقاءً)) ولم تجمعه, لأنه مصدرٌ يؤدى عن التثنية والجمع, فإن جعلت بقاءً مخالفاً لبقاء قلت: ((أطال الله بقاءيكما)) , و ((أبقيتكم)) في الجمع. 744- وأصل ((أدام)) أدوم, كما مر في ((أطال)) . 745- و ((عزك)) أي: ظفرك وغلبتك, وهو من ((عز)) أي: غلب, فإن أردته من أعز, قلت: ((وأدام إعزازك)) , ويجوز: ((وأدام تعزيزك)) من عزز, قال الله: {فعززنا بثالث} , ومنه: أعزز علي بكذا, أي: ما أشده علي. 746- و ((تأييدك)) أي: تقويتك, من أيد يؤيد, واشتقاقه من

الأيد, أي: القوة. وحكى أبو عبيدة عن العرب: فلانٌ ذو أيد, وآد, أي: ذو قوة, وأنشد: لم يك ينآد فأمسى أنآدا 747- و ((سعادتك)) من سعد وأسعد, وقد حكي: سعد, واحتج قائله بـ ((مسعود)) , غير أني سمعت علي بن سليمان يقول: أنا أتعجب من قراءة الكسائي: {وأما الذين سعدوا} مع محله من النحو, وقد سمع: أسعده الله. 748- و ((كلاءتك)) وحكى الكسائي والفراء: ((وكلايتك)) وهذا خطأٌ من غير جهة, من ذلك أن قلب الهمزة شاذٌ, ومن النحويين من لا يجيزه البتة, وأيضاً ينقلب المعنى لأن معنى كلأته: حفظته. ويقال: كلاه الله, أي: أصابه بوجع في كليته. 749- و ((أتم نعمته عليك)) , وإن شئت: ((وتمم)) فمعناها كما قال: ومن لا يكرم نفسه لا يكرم وإن شئت ((نعمه)) ، وقد قيل: الاختيار ((نعمته)) ، لأنه أبلغ في المعنى، لأن النعمة تقع على كل حال، والنعم تقع على القليل والكثير، والدليل على صحة هذا قوله عز وجل: {وإن تعدوا نعمت الله لا

باب ما يقع أواخر الكتب

تحصوها} . ويجوز: ((وأتم نعماه عليك)) و ((نعماته)) ، ويجوز: ((ونعماته، ونعماته)) . 750- و ((فضله لديك وعندك)) واحد. 751- و ((جميل بلائه)) أي: نعمته. 752- و ((جميل آلائه)) أي: نعمه، واحدها إليٌ، ويقال إلى، ويقال: ألى. باب ما يقع أواخر الكتب 753- من ذلك: ((فإن رأيت)) هو شرطٌ لا بد في جوابه من الفعل أو الفاء، ومعناه المستقبل. فإن شئت جئت به مستقبلاً، فقلت: فإن تر ذلك فافعله أو تفعله. وإن شئت أتيت بالأول مستقبلاً والثاني ماضياً. وإن شئت جئت بالأول ماضياً والثاني مستقبلاً. وإن شئت همزت على الأصل، فقلت: فإن تر ذلك فافعله، غير أنه لا صورة للهمزة، لأن قبلها ساكناً. وفي التثنية، فإن ترأيا ذلك، وفي الجمع فإن ترأوا على الأصل؛ وعلى التخفيف: فإن تريا،

وفي الجمع: فإن تروا. فإن قلت: ((فأحب أن تفعل ذلك)) ، لم تقل فيه: ((فعلت)) ، لأنه لا شرط فيه. 754- وفي بعض اللغات حذف ((أن)) ورفع الفعل؛ وبعض النحويين يجيز نصبه على إضمار ((أن)) ، وأنشد: وحق لمن أبو موسى أبوه ... يوفقه الذي نصب الجبالا ولا يجوز رفع يوفقه عند قائل هذا، لأنه محالٌ أن يكون فعلٌ بغير مرفوع مضمر أو مظهر، ولو رفع ((يوفقه)) عند قائل هذا بقي الفعل بلا مرفوع. وسمعت علي بن سليمان يقول: لا يجوز حذف ((أن)) ونصب الفعل، لأنه لا يحذف بعض الفعل، وهذا قولٌ صحيحٌ بينٌ. فأما القول في البيت، فالأصح فيه ما حكاه لنا علي بن سليمان، عن محمد بن يزيد، قال: يكون التقدير، وحق الحق، كما تقول: سير بزيد فرسخٌ، لأن سير يدل على السير، وحق يدل على الحق. 755- فإن قلت: ((فرأيك في ذلك موفقاً)) ففي ذلك خمسة عشر جواباً: 756- تقول: ((فرأيك في ذلك موفقاً)) . 757- وللمرأة: ((فرأيك)) بكسر الكاف، وتنصب موفقاً على الحال من الفعل الناصب لرأيك.

وأجاز بعض النحويين أن يكون حالاً من الكاف، فهذان وجهان، وفي التثنية ((فرأيكما في ذلك موفقين)) ، وفي الجمع ((فرأيكم في ذلك موفقين)) . 758- والوجه الثالث أن تنصب ((موفقاً)) على الحال من الرأي، فتقول على ذلك في التثنية: ((فرأيكما في ذلك موفقاً)) ، وفي الجمع: فرأيكم في ذلك موفقاً، فهذه ثلاثة أوجه على أن ((الرأي)) منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ. 759- فإن أظهرته جازت فيه ثلاثة أوجه أيضاً، فقلت: ((فر رأيك)) وفي التثنية ((فريا رأيكما)) وفي الجمع ((فروا)) ؛ وفي المؤنث: ((فرين)) ، والوجه الثاني: ((إرء رأيك)) على الأصل، وفي التثنية ((ارأيا)) ، وفي الجمع ((ارأوا)) ، و ((ارأين)) في جمع المؤنث؛ وأجاز الكوفيون ((إر رأيك)) بكسر الهمزة وفتح الراء، وفي التثنية: ((إريا)) ، وفي الجمع ((إروا)) ، وفي المؤنث: ((إرين)) . 760- والسابع: ((فرأيك في ذلك موفقٌ)) ، مبتدأٌ وخبره. وفي التثنية: ((فرأيكما في ذلك موفقٌ)) ، وفي الجمع: ((فرأيكم في ذلك موفقٌ)) . 761- والثامن أن تقول: ((فرأيك في ذلك موفقٌ)) فتنصب ((رأيك)) بفعلٍ مضمرٍ، وترفع موفقاً بإضمار مبتدإٍ وحسن هذا لطول الكلام، قال الله عز وجل: {قل أفأنبئكم بشرٍ من ذلكم النار} .

762- والوجه التاسع أن تقول: ((فرأيك في ذلك أنت موفقٌ)) . 763- والوجه العاشر أن تقول: ((فرأيك في ذلك وأنت موفقٌ)) ، والجملة في موضع الحال. 764- والوجه الحادي عشر أن تقول: ((فرأيك في ذلك وأنت موفقٌ)) ترفع الرأي بالابتداء وتحذف الخبر للدلالة؛ والكوفيون يقولون: ترفع الرأي بموضع الواو، وهذا لا يحصل. 765- والوجه الثاني عشر: ((فرأيك في ذلك هو موفقٌ)) ابتداءً بعد ابتداءٍ. 766- وأجاز الكوفيون: ((فرأيك في ذلك هو موفقاً)) يرفعون الرأي بما عاد عليه من قولك: ((هو)) ويرفعون ((هو)) بموفقٍ، وينصبون ((موفقاً)) على الحال من الكاف، ويقولون في التثنية: ((فرأيكما في ذلك هو موفقين)) ، وفي الجمع: ((فرأيكم في ذلك هو موفقين)) . 767- والرابع عشر: ((فرأيك في ذلك وهو موفقٌ)) تنصب الرأي بإضمار فعلٍ، والجملة في موضع الحال. 768- والخامس عشر أن تحذف الواو وأنت تريدها، وأجاز الكوفيون رأيت زيداً السماء تمطر على عمروٍ، إلا أن يأتي بالواو. 769- وتكتب في الدعاء الآخر: ((وأطال الله بقاءك)) بالواو للإعلام بأنك لم تضرب عن الأول، ولو حذفتها جاز أن يتوهم أنك أضربت عن الأول، وهذا من أحسن قول النحويين في الفائدة بالمجيء بواو العطف مع الجمل. وإن حذفتها أيضاً جاز، لأنه قد عرف المعنى،

باب ما يقع في العنوانات

وكذا: ((وحسبي الله)) ، وإن شئت حذفت الواو. 770- وأما ((حسبنا الله)) فإنما يكتب به الرجل الجليل، والأحسن أن يكتب ((حسبي الله)) تواضعاً لله جل وعز. باب ما يقع في العنوانات 771- تكتب: لأبي الحسن علي بن فلانٍ، على المبتدإ وخبره. فإن أعدت الكنية في الناحية الأخرى رفعت، فقلت: ((أبو الحسن علي ابن فلانٍ)) على المبتدإ وخبره، وإن شئت على إضمار مبتدإ. = وإن شئت خفضت على البدل. وإن لم تعد الكنية كان الخفض أحسن، فقلت: ((لأبي الحسن وأبي علي محمدٍ وحسينٍ ابني جعفرٍ)) ، ويجوز الرفع، بمعنى هما فلان وفلان. 772- فإن كتبت إلى رجلين، كنية كل واحدٍ منهما أبو الحسن، كتبت: ((لأبوي الحسن)) لا يجوز غير هذا في الحسن، إذا لم يكن له ولدٌ يقال له: الحسن، فإن كان له ولدٌ يقال له: الحسن، وللآخر ولد يقال له: الحسن؛ جاز أن تكتب: ((لأبوي الحسنين)) ، والاختيار أن تكتب: ((لأبوي الحسن)) أيضاً، لأن المعنى: للذين يقال لكل واحدٍ

منهما أبو الحسن، ويجوز أن تكتب إلى الرجلين اللذين يكنيان بأبي الحسن: ((لأبي الحسن)) بفتح الباء وكسر الياء على لغة من قال: جاءني أبك، فالأصل: ((لأبين)) سقطت النون في الإضافة. وفي الجمع: ((لأبي الحسن)) ، الأصل: لأبين سقطت النون للإضافة على لغة من قال في الجميع جاءني أبوك, وأنشد النحويون: فقلنا أسلموا إنا أبوكم ... فقد سلمت من الإحن الصدور 773- ويجوز على قول الكسائي والفراء أن يكتب رجلٌ إلى رجل: ((لأبى الحسن)) يجريه مجرى المقصور, كما يقول لفتى الحسن. 774- وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد ينكر هذه اللغة, ويرد ما أنشده الكوفيون: أعرف منها الأنف والعينانا ويقول: لو جاز هذا لكان فيه فساد اللغة. ورأيت أبا الحسن يخالفه في هذا, ويقول: لا يجوز أن يرد ما حكاه النحويون الكوفيون المتقدمون الذين لا تدفع ثقتهم, منهم أبو الخطاب وأبو عبيدة والكسائي والفراء وغيرهم, وقد حكى سيبويه شيئاً من هذا, وما يدل عليه.

باب ذكر أشياء من النسب

باب ذكر أشياء من النسب 775- قال الله جل ثناؤه: {لا شية فيها} , قال أهل التفسير: ليس فيها لونٌ يخالف لوناً, أي: هي كلها صفراء. فإن نسبت إلى ((شيةٍ)) ففي ذلك ثلاثة أقوالٍ على قول الخليل وسيبويه, وشوي, زدت في أوله الواو, لأن أصله وشيةٌ, وحركت الشين لأنها كانت متحركةً في ((شيةٍ)) وفتحتها لخفة الفتحة, وأبدلت من الياء واواً لاجتماع الياءات. وقال الأخفش: وشييٌ, ردها إلى أصلها. وعلى قول يونس: وشويٌ, كما يقول في ظبيٍ ظبوي, وغيره يقول: ظبيي. 776- ويقول في النسب إلى أختٍ أخوي, كما تقول في أخٍ أخوي. وبعض النحويين يقول: أختيٌ. 777- وإن نسبت إلى يدٍ على قول سيبويه قلت يدويٌ, ويجوز

يدي. وعلى قول الأخفش: يدييٌ, وعلى قول يونس: يدوي. فإن قيل: فما الفرق بين يدٍ وأخٍ؟ قلت: لأن أخاً ترد إليه ما حذفت منه في التثنية. 778- وتقول في النسب إلى غدٍ غدوي. وعلى قول الأخفش: غدوي. وتقول في النسب إلى عمٍ عمويٌ لا غير, لأنك قد تقول في السالم نمري, فإن نسبت إلى سمرةٍ قلت: سمريٌ لا غير, لأنه لا تجتمع الكسرات. 779-ويقول في النسب إلى حيةٍ حيويٌ, تقلب الياء واواً. 780- فإن نسبت رجلاً إلى قول الشافعي, قلت: شافعيٌ. 781- فأن قيل لك: لم قلبت الياء واواً، ولم حذفتها؟ فالجواب: أن ياء النسبة إنما حذفت لاجتماع الياءات، لأنها مضارعةٌ لهاء التأنيث. تقول: زنجيٌ وزنجٌ، كما تقول: حصاةٌ وحصاً، فحذفتها كما تحذف هاء التأنيث، ولم تقلبها واواً، وزدت ياء النسبة على الاستثقال فلم يجز إلا الحذف.

باب النسب الشاذ

باب النسب الشاذ 782- قالوا في النسب إلى زبنية زبانيٌ، والقياس زبنيٌ، ولكنهم أبدلوا من الياء ألفاً كما قالوا في رضي رضا. وأنشد سيبويه: على محمرٍ ثويتموه وما رضا 783- وقالوا في النسب إلى عبد القيس عبقسيٌ والقياس عبدي، وإلى عبد شمسٍ عبشميٌ، وإلى عبد الدار عبدريٌ. ورأيت علي بن سليمان لا يجيز هذا أن يقاس عليه، وإنما يسلم إلى ما سمع من العرب. ويحكي أنه مذهب أصحابه لا اختلاف بينهم في ذلك، أعني في القياس على هذه الأشياء. 784- قال أبو جعفرٍ: وقد وجدنا للنحويين في مثل هذا ثلاثة أقوالٍ: وأجودها أن ينسب إلى الأول إذا كان اسماً علماً، وأن ينسب إلى الثاني إذا كان الأول متعرفاً به، فتقول في النسب إلى أبي محمدٍ أبويٌ، وإلى عبد الدار عبديٌ، هذا القياس، وفي الآخر إلى ابن الزبير

زبيريٌ، لأن الأول يعرف بالثاني، فهذا قولٌ لا ينكسر ويقاس عليه. والقول الثاني: أن يقال: أبوي محمديٌ، فتأتي بالاسمين جميعاً، وكذا عبديٌ داريٌ، وكذا ابنيٌ زبيريٌ، هذا مذهب أبي حاتمٍ. والثالث: الاشتقاق من الاسمين الذي لا يقاس عليه. وقد حكى بعض النحويين في النسب إلى بيت المال بتمليٌ، والقياس ماليٌ، وعلى قول أبي حاتمٍ: بيتيٌ ماليٌ، وإلى دار الضرب ضربيٌ، وعلى قول أبي حاتمٍ داري ضربيٌ ودرضبيٌ، وإلى الرقة البيضاء على قوله رقيٌ بيضاويٌ، ورقبضيٌ، ورقسويٌ إلى السوداء. 785- ومن الشاذ قولهم لصاحب البلغم بلغمانيٌ، ولا يقولون: بلغميٌ، وقد قالوا في صاحب الدم دمويٌ، وقد زعم سيبويه أن دماً فعلٌ في الأصل، فإن كان كذلك جاز أن يقول: دميٌ، ويجوز دمويٌ، لأنك ترد إليه ما حذفت منه. 786- وقال محمد بن يزيد في قول سيبويه: دمٌ فعلٌ، وهذا خطأٌ، لأنك تقول: دمي يدمى، فهو دمٍ، كما تقول: فرق يفرق فرقاً، واستدل على ذلك بقول الشاعر: جرى الدميان بالخبر اليقين

787- قال أبو جعفرٍ: ويدٌ فعلٌ بلا اختلافٍ، لقولهم في جمعها أيدٍ. 788- ومن الشاذ قولهم لصاحب الكمأة كماهيٌ، وللكبير الفخذ فخاذيٌ، وللغليظ الساق أسوق، وللطويل الرقبة رقبانيٌ، ولصاحب العنق الغليظة أعنق، وللكبير القدم قدمانيٌ، وللواسع الفم أفوه، وللعظيم الرأس رؤاسيٌ، ولبائع الرؤوس رأاس، ولصاحب الرأس العظيم أرأس، وفي النسب إلى الأست ستهيٌ وستاهيٌ، وفي الكثير الشعر شعرانيٌ، وفي صاحب الجمة جمانيٌ وجمانيٌ بالتثقيل والتخفيف، فإن نسبت رجلاً إلى رقبةٍ أو شعرٍ أو جمةٍ قلت رقبي وجميٌ وشعريٌ، ترده إلى ما يجب. 789- ومن الشاذ قولهم في النسب إلى زبينة زبانيٌ، زادوا الألف وكأنها عوضٌ من الياء. 790- وقالوا في الرجل المكب على الآخرة أخرويٌ، شبهوه بدنيويٍ للمكب على الدنيا. 791- وقالوا في الرجل يكون مولىً يدعي العربية: أنت مولويٌ، فكيف تعرببت؟ ولا يقولون: تعربت، لأن التعرب لا يكون إلا للدواب على أنه قد حكي في هذا تعربت. وحكى سيبويه: مررت بعربٍ

باب من النسب الشاذ إلى البلدان المشهورة الشام والعراق ومصر وغيرهن

أجمعون، وفسره بمعنى تعربوا، وخطأه محمد بن يزيد، قال: لأنه ليس معنى هذه اللفظة: دخلوا في العرب، ولم يكونوا منهم. وقال أبو إسحاق: الذي قال سيبويه صوابٌ، لأن تفعل قد تأتي لغير هذا المعنى. 792- ومن الشاذ قولهم للعربي يجعل نفسه مولىً: كنت عربياً فتموليت، قال أبو العباس: تمولت من المال، وتموليت، أي: صرت مولىً. بابٌ من النسب الشاذ إلى البلدان المشهورة الشام والعراق ومصر وغيرهن 793- قالوا في النسب إلى الشام شآمٍ، فزادوا ألفاً وحذفوا ياء النسبة، وكذا في اليمن يمانٍ، وفي تهامة تهامٍ فتحوا التاء عوضاً، وأبو العباس يقدره كأنه نسب إلى تهمٍ على وزن يمنٍ، وقد قالوا: شأميٌ على الأصل، وكذا يمنيٌ؛ ومن الشاذ قولهم: شآميٌ كأنه منسوبٌ إلى منسوب. 794- وكذا قالوا في البصرة: بصريٌ، والفتح أجود وأكثر. 795- وقالوا في قاليقلا: قاليٌ، وهذا حسنٌ جيد. ومن الكوفيين من حكى إلى بعلبك بعلبكيٌ، وهذا شاذٌ، والأجود بعليٌ، وفي مصر مصريٌ والأجود الكسر، وفي المغرب مغربيٌ والكسر

حسنٌ، وقد سمع في النسب إلى سوق وردان سقردنيٌ وسقردنيٌ، وفي سوق بربر سقبريٌ، وعلى قول أبي حاتمٍ: ينسب إليهما جميعاً، وكذا سوقيٌ كبيريٌ منسوبٌ إلى السوق الكبيرة، ويقال: سقباري بزيادة ألفٍ للفرق، وربما قيل: سقبكاري وعلى قول أبي حاتمٍ: سقفي جوادي، وسقفي يزيدي، وإن شئت سقيفيٌ، وفي الشاذ: سقردنيٌ وسقجوي، وفي سوق الغطش سقشي، فرقاً بينه وبين النسب إلى العطش، وإلى سوق يحيى سقحيٌ، وإلى دار البطيخ دربخيٌ، وقد قالوا في سوق الكرخ: كرخي، وهذا جيدٌ غير شاذٍ، وكذا في سوق أذرعاتٍ أذرعيٌ، وذراعيٌ، لأنه ليس فيه قولهم للكبير الذراع ذراعي، وفي سوق الزيت سقزتيٌ، وفي سوق مازن سقزنيٌ، وقالوا في سوق الليل سقليٌ، لأنك تقول للرجل إذا كان صاحب ليلٍ ليليٌ، كما قال: فلست بليلي ولكني نهر لا أدلج الليل ولكن أبتكر 796- ومن الشاذ قولهم في النسب إلى الماء مائيٌ وماويٌ، وقد كان يجب أن يقال في النسب إليه: ماهيٌ، لأن الأصل في الماء ماهٌ، والدليل على ذلك قولهم في التصغير مويهٌ، وفي الجمع القليل أمواهٌ، وفي الجمع الكثير: مياهٌ، وربما غلط بعض الكتاب فقال: أمياهٌ وأرياحٌ، ولا يجوز إلا أمواهٌ وأرواحٌ.

باب مسائل من التصغير والتصريف وغيرهما من النحو

قال أبو الحسن بن كيسان: لم يأتوا به على الأصل، فيقولوا ماهٌ، لأن الهاء خفيةٌ، وكذا الألف، فأبدلوا من الهاء همزةً. قال أبو جعفرٍ: والدليل على شذوذه في النسب إليه أنهم ينسبون إلى شاهٍ شاهيٌ، فيردون الهاء المحذوفة. 797- ومن الشاذ قولهم في النسب إلى اللات لاتيٌ، وحكى الكوفيون في النسب إلى حمراء حمرائي وهذا من الشاذ الذي لا يعرفه البصريون، ولا يعرفون أنه يقال الأحمراويٌ، ليفرق بين ألف التأنيث وغيرها، لأنهم يقولون في غير ألف التأنيث كسائيٌ، وقد أجاز الجميع كساويٌ. ومنهم من يقول: شبهت بألف التأنيث، ومنهم من يقول ردت إلى أصلها، لأنها من كسوت، غير أنهم قد أجازوا جميعاً في النسب إلى رداءٍ رداوي، وإلى سقاءٍ: سقاوي، قال: وهذه لغاتٌ شاذةٌ. والأجود أن يثبت ما كان لغير التأنيث على لفظه، فيقال: سقائيٌ، وما كان للتأنيث رد إلى الواو فقيل: سوداويٌ. باب مسائل من التصغير والتصريف وغيرهما من النحو 798- سمعت علي بن سليمان يقول: سألنا محمد بن يزيد, عن تصغير باذنجانةٍ, ثم أجاب بذينجةٌ. قال: حذف ما يجب أن يحذف

ومما يشكل من هذا ويسأل عنه

من الزوائد حتى صارت على أربعة أحرفٍ, ويجوز على قوله وقول غيره: بذينيجةٌ, جئت يعوض مما حذفت, وكذا كميثيرةٌ وكميثرةٌ وسفيريجةٌ وسفيرجةٌ, وفريزيدٌ وفريزد, هذا القياس, وقد قالوا: فريزيقٌ وفريزقٌ, وليس في سفرجلٍ ما في فرزدقٍ, وإنما يقال فيه: سفيرج وسفيريجٌ, فيحذف آخر حرفٍ لا غير. 799- ومما يشكل من التصغير أمويٌ, يتوهم الضعيف في العربية أنه لا يصغر, وكذا حسينٌ وسليمان, لأنهما مصغران, وليس كذلك, تقول العرب في تصغيره: أمييٌ, وهذا قول الخليل وسيبويه, ليفرق بين المحقر وغير المحقر, لأن أموياً قد صار غير محقرٍ؛ وإن صغرت عدوياً قلت عدييٌ, بأربع ياءات, هذا قول سيبويه, ومن قال: عدوي, فقد أخطأ وترك المعنى, لأنه لا يريد أن يضيف إلى عديٍ, ولا يجوز عديوي على أسيود كما لا يجوز في غزوةٍ غزيوةً, لأن ياء النسبة بمنزلة هاء التأنيث. ومما يشكل من هذا ويسأل عنه 800- إذا سميت رجلاً بـ ((إن)) , ثم صغرته, فالجواب عنه يحير لاختلافه, وذلك أن الجواب أن يقال: إذا أردت بإن التي للمجازاة, قلت في تصغيرها: أني, زدت ياءً, لأن إن على حرفين, فلا بد من زيادة حرفٍ, فحروف المد واللين أولى بأن تأتي بأحدها, لأنها أكثر ما يحذف, وكذا إن سميته بإن التي بمعنى ما. فإن سميته بإن من قوله عز

ومما يشكل من هذا

وجل: {وإن كانوا ليقولون} قلت في تصغيرها على قول سيبويه أنين, لأنها عنده مخففةٌ من الثقيلة. وكذا إن قلت: إن زيدٌ لمنطلقٌ, ثم سميت وصغرت. 801- وإن صغرت رجلاً يسمى إبراهيم وإسماعيل, قلت على قول سيبويه: بريهيمٌ وسميعيلٌ, وعلى قول محمد بن يزيد: أبيريهٌ, قال: لأن ألف الوصل لا تلحق رباعياً, أي: فلا يجوز حذفها, ويجوز بريهٌ على تصغير الترخيم. ومما يشكل من هذا 802- تصغير عثمان ومصران, قالوا في تصغيرهما: عثيمان ومصيران, ولا يقال: عثيمين, كما لا يقال في الجمع عثامين, وربما غلط في هذا, فقيل: مصيرين, لقولهم: مصارين, وهذا خطأٌ, قال سيبويه: ولا تلتفت إلى قولهم: مصارين, يعني أن هذا شاذٌ. 803- وتقول في أحوى أحي, كما تقول في تصغير أسود أسيد, إلا أنك حذفت ياءً من أحي لاعتلالها واجتماع الياءات فيها. ومن قال: أسيود, قال: أحيوٍ, غير أن عيسى بن عمر يقول: أحيٌ, بالصرف, لأنها نقصت عن تصغير أفعل وهذا غلطٌ يلزم من قاله أن يصرف فعل إذا سمي به. وأبو عمرو بن العلاء يقول: أحيٍ, وهذا غلطٌ يلزم من قاله أن

يقول في تصغير عطاءٍ عطيٍ, والصواب: أحي, بلا صرفٍ, وهو قول يونس. 804- ولا يجوز تصغير أمس ولا غدٍ ولا عند, لأنه لا فائدة في ذلك. 805- وتقول في مسائل من التصريف إذا افتعل من وعد, قلت: اتعد, وكذا اتزن, واتقى, وإن شئت قلت: إيتعد والأول أجود, لأن الواو تستثقل فتبدل تاءً في تخمةٍ وتالله, وكذا متعدٌ وموتعدٌ, وتقول في النور: انتار, واتنر خطأٌ, ويقال: ثوبٌ مبيعٌ ومخيطٌ, ولغة شاذةٌ: مبيوعٌ ومخيوطٌ, وخاتم مصوغٌ, ولا يؤتى به على الأصل لثقل الواو, ويقال في فعالٍ من الألية آلاءٌ, ومن اللؤلؤ لآالٌ, والقياس لااءٌ لأن لام الفعل همزةٌ. ويقال زيلت فلاناً, وهو فعلت ومن قال: إنه فيعلت فقد أخطأ, لأنه يصرف تصريف فعلت ويقال: تحيزت وهو تفيعلت, من حاز يحوز. 806- ومن قال: هذه عشرة زيدٍ, قال: هذه خمسة عشره يا هذا, وأجاز سيبويه خمسة عشره, ولا يجوز هذا في اثني عشر, لأن عشر بمنزلة النون, فلا تجتمع مع الإضافة, قال سيبويه في اثني عشر لا تضاف, ولا يضاف إليها إذا كانت في العدد, أي لا يقال: اثنا عشرٍ

ومن المسائل ما يسألون عنه

ولا اثني, ولا يجوز حذفها, فتشبه اثنين, ولكن إن سميت بها رجلاً جاز حذف عشرٍ. ومن المسائل ما يسألون عنه 807- يقولون: من قال: حيي كيف يجمع؟ ومن قال: حي كيف يجمع؟ وقد بقي عليهم في السؤال: ما حجة من قال: حي ومن قال: حيي؟ ولكن مذهبهم السؤال عن المسطورات, وهم عن العلة بمعزلٍ, فقد سطر الجواب بما سألوا عنه, ويحتاج فيه أيضاً إلى العلة. فالجواب عن حيي وحي أن من قال: حي, وهي قراءة أكثر القراء, أدغم؛ لأنه قد التقى حرفان متحركان من جنسٍ واحدٍ, فقد صار مثل قولك: بر فلانٌ, ولا تقول: برر, ومن قال: حيي, وهي قراءة أهلٍ المدينة, فحجته أن الياء الآخرة من حيي قد تقع ساكنةً ومتحركةً في المستقبل, ولا يجوز الإدغام, فأجروا الماضي مجرى المستقبل لئلا يختلف الفعل, فإن جمعت على لغة من أدغم قلت: حيوا, كما تقول: بروا؛ وأنشد سيبويه: وكنا حسبناهم فوارس كهمسٍ ... حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا

والعلة في هذا أن الأصل فيه حيوا. قال محمد بن يزيد: وذلك أن الياء إذا انكسر ما قبلها لم تدخلها الضمة, كما لا تقول: هو يقضيء ولا هو قاضيٌ. وكان أصلها حييوا على وزن عملوا, فسكنت, والواو بعدها ساكنةٌ, فحذفت لالتقاء الساكنين. قال أبو جعفرٍ: وهذه عبارةٌ بينةٌ حسنةٌ, ونظير حيي وحيوا في الحذف خشي وخشوا. 808- ومما سأل عنه رئيسٌ من رؤساء الكتاب, وهو ابن ثوابة: لم صارت ((منذ)) تخفض في الماضي والحال, و ((مذ)) تخفض ما أنت فيه, وترفع ما مضى؟ فأجابه المسؤول بأن ((منذ)) إنما خفضت ما مضى وما أنت فيه, لأن فيها حرف ((من)) و ((مذ)) قد نقصت عن حرف ((من)) ؛ فاستحسن السائل الجواب, وهذا من النحو الكتابي الضعيف. 809- وقد تكلم النحويون في ((منذ)) و ((مذ)) : فقال الكسائي: إذا رفعت فمعناه: من إذ مضى شهران. وأما قول الفراء, فحكى لي أبو بكرٍ بن شقير أن للفراء فيها قولين: أحدهما أنها ((من)) و ((ذو)) ؛ فإذا قلت: منذ شهران فالتقدير عنده من ذو شهران, أي: من ذو هو شهران. والقول الآخر, أن معناه: من إذ تم شهران استحقوا, ثم قالوا: منذ ومذ وغيروه إلى الضم لما أزيل عن الأصل, فإذا قالوا: منذ, أجروه على أصله. قال الفراء: يقال: منذ ومنذ ومذ ومذ.

لا يعرف البصريون إلا مذ و [منذ] , و ((منذ)) , الأصل عندهم, واستدلوا على ذلك بأن ((مذ)) تصغر ((منيذاً)) , فالأصل عندهم إذا قلت: ما رأيته مذ يومان محمولٌ على المعنى, أي: مده بيني وبينه يومان, والخفض على أنها حرف خفضٍ. 810- ومن المسائل. أحوج ما أنت إليه النحو؛ وهذه من مسائلهم المحالة عند جميع النحويين في ما عملت. فأما الكوفيون, فمنهم هشامٌ, فزعموا أن إحالتها أن ((ما)) اسمٌ ناقصٌ, ولم تتم صلته, وتصحيحها عنده أن تقول: أحوج ما أنت إليه محتاجٌ النحو. ولا يجوز عند البصريين البتة في ما عملت, كما حكى لنا علي بن سليمان, عن محمد بن يزيد, قال: لو قلت: أحوج ما أنت إليه محتاجٌ النحو, لم يجز أيضاً, لأن أحوج مرفوعٌ بالابتداء, ولا يجوز أن يكون النحو خبراً عنه, لأنه ليس إياه. 811- ومن المسائل: أي هاتيك أطول السبابة أو الوسطى. وهذه أيضاً محالٌ, لأنه أضاف المبهم, وإضافة المبهم لا تجوز بوجهٍ. وجواز المسألة عندي أن تزيد فيها نوناً, فتقول: أي هاتينك, على أن تكون الكاف للخطاب, لا موضع لها من الإعراب. 812- ومن ذلك: جاءني القوم سيما زيدٍ, لا يجوز أن تقول: لا سيما أو ولا سيما. 813- ومن ذلك سقطت له ثنيتان علييان لا سفليان, لا يجوز لأن عليا وسفلى لا تكونان إلا بالألف واللام, فإن قلت: سقطت له الثنيتان

العلييان لا السفليان جاز. 814- ولا يجوز زيدٌ جوف الدار, كما لا يجوز زيدٌ الدار, لأنه موضعٌ محصلٌ, وكذا لا يجوز زيدٌ داخل الدار, ولا خارجها, ولا براها. فإن قلت زيدٌ داخل الدار مستحماً في الباطية جاز, لأن داخلاً خبر الابتداء, وقولك: مستحماً, حالٌ من المضمر الذي في داخل, وتقديره مقدرٌ لهذا, وإن شئت قلت: مستحمٌ في الباطية, على أنه نعتٌ للداخل. 815- ولا يجوز: الحمد لله الذي جئت, وتصحيح المسألة: الحمد لله إذ جئت. 816- ولا يجوز أن تقول: سمع أذني زيداً يقول ذاك حتى تقول: حقٌ. فإن قلت: بصر عيني زيداً يقول ذاك, جاز, لأن بصراً لا يحتاج إلى مفعولين. 817- وحدثني بعض الكتاب أن أبا العباس محمد بن يزيد سأل بعض ولد الكتاب ممتحناً له عن حبلى لم لا ينصرف في معرفةٍ ولا نكرةٍ؟ فأجأب بجواب النحويين, وهو أن فيها علامة التأنيث, وأنها غير مفارقةٍ للاسم, فثقلت من جهتين في حال النكرة؛ ثم قال: وأيضاً فلما كان هذا الاسم لم يشتق من معناه شيءٌ للمذكر فثقل, لم ينصرف في معرفةٍ, ولا نكرةٍ؛ فاستحسن أبو العباس جوابه ومجيئه بقول النحويين وزيادةٍ,

فوجه إلى أبيه: هذا يستحق أن يذاكر. 818- وحكي لي عنه أنه جرى في غضبان لم منع من الصرف في المعرفة والنكرة؟ فقيل له: لأن مؤنثه فعلى, فقال: فقد قيل غضبانةٌ. والجواب عن هذا على قول الخليل بن أحمد, أن الألف والنون في غضبان بمنزلة الألفين في حمراء لمخالفة المذكر المؤنث فيهما. 819- ومن مسائلهم: أوطيته عشوةً, والصواب: أوطأته عشوةً. 820- ومن المسائل: هذا الكاتب أفضل الثلاثة, زعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز, لأنه لا يفضل على نفسه. 821- ومن المسائل: رأى فلانٌ أرقم, للحية, لا ينصرف في معرفةٍ ولا نكرةٍ, وكان القياس في النحو أن ينصرف لقول العرب في جمعه: أراقم, وهذا جمع غير النعوت, ومثله أسود للحية أيضاً, وكذا أدهم للقيد, وهذا قول سيبويه, والعلة في هذه الأشياء أنها جمعت جمع غير النعوت, لأن الصفة فيها أقيمت مقام الموصوف. 822- ومن المسائل: دخل فلانٌ حمص, بغير صرفٍ, ولا يجوز فيها ما جاز في مصر. وهند, لأن حمص أعجميةٌ, فدخلت فيها علةٌ أخرى, وكذا جور وماه. 823- تقول: اشتريت ثلاث بطاتٍ, وإن عنيت ذكوراً؛ كما تقول ثلاث مئةٍ, وإن عنيت رجالاً؛ وكذا مذهب سيبويه في كل ما أضفته إلى ما فيه الهاء وليس بنعتٍ, نحو: ثلاث طلحاتٍ؛ فإن كان مضافاً إلى

نعتٍ, فأردت المذكر, قلت: ثلاثة نساباتٍ, والمعنى ثلاثة رجالٍ نساباتٍ, والأجود عنده ثلاثةٌ نساباتٌ, كما تقول: ثلاثةٌ مسلمون لضعف إقامة الصفة مقام الموصوف, وتقول: عنده ثلاثة دواب إن أردت مذكراً, وإن شئت ثلاثةٌ دواب, لأن دابةً صفةٌ, وإن كانت قد قامت مقام الأسماء, ويجوز ثلاث أفراسٍ, وإن عنيت مذكراً؛ لأن التأنيث أكثر, ويجوز عند أصحابه ثلاثة أفراسٍ إذا عنيت مذكراً. 824- ومن المسائل كيف تبني مثال ياقوتةٍ من حصاةٍ؟ قلت: حاصيةٌ, والأصل حاصويةٌ, قلبت من أجل الياء. فإن بنيت من ياقوتةٍ مثال حصاةٍ, قلت: يقتةٌ. 825- وتبني من رمى مثال بلصوصٍ, قلت: رمويٌ, والأصل في الواو الياء قلبت, كما تقول: أموي. 826- ولا يجوز سبحانك الله العظيم على البدل من الكاف, ولا تبدل من المخاطب ولا المخاطب, لأنهما لا يحتاجان إلى بيانٍ, وتصحيح المسألة: سبحانك الله العظيم, أي أعني, وإن شئت ضممت على البدل, فقلت: سبحانك الله العظيم والعظيم.

باب حذف التنوين وإثباته

باب حذف التنوين وإثباته 827- سمعت محمد بن الوليد يقول: للتنوين في كلام العرب ثلاثة مواضع: يكون فرقاً بين ما ينصرف وما لا ينصرف, ويكون عوضاً, نحو قولك: جاءني جوارٍ ويومئذٍ, ويكون فرقاً بين المعرفة والنكرة, تقول: إيهٍ حدثنا إذا أردت النكرة, وإيه, إذا أردت المعرفة. 828- قال: وقد أنكر الأصمعي على ذي الرمة قوله: وقفنا فقلنا إيه عن أم سالمٍ ... وما بال تكليم الديار البلاقع سمعت علي بن سليمان يقول: الذي قاله ذو الرمة صوابٌ, والأصمعي في النحو ليس كغيره. 829- فإذا كان التنوين فرقاً بين ما ينصرف وما لا ينصرف وجب أن لا يحذف في ما ينصرف, ولهذا لم يجز النحويون للشاعر أن يترك صرف ما ينصرف, وقد جاءت أشياء حذف منها التنوين في ما ينصرف, فاحتاج النحويون إلى الكلام عليها, منها: جاءني زيد الظريف, حذف التنوين لالتقاء الساكنين, وإثباته أجود, وقراءة الجماعة الذين تقوم بهم الحجة {قل هو الله أحد. الله الصمد} وقد قرئ بغير تنوينٍ.

وجاء عن العرب أيضاً: جاءني زيد بن عمروٍ بحذف التنوين, وإثباته جائزٌ, إلا أن الأكثر حذفه, إذا كان اسماً علماً مع اسم أبيه الذي يعرف به, فمنهم من قال: حذف التنوين لكثرة الاستعمال, ومنهم من قال لالتقاء الساكنين, ومنهم من قال للعلتين جميعاً, فمن قال: حذف التنوين لكثرة الاستعمال, قال: هذه هند بنت فلانٍ, وهذا قول أبي عمرو بن العلاء. ومن قال لالتقاء الساكنين, لم يحذف ها هنا, وكذا من قال للعلتين. ومن قال: هذا زيد بن عمروٍ, فحذف التنوين, حذف الألف التي في ابنٍ, ومن قال: هذا زيدٌ ابن عمروٍ, فأثبت التنوين, أثبت الألف, فإن قلت: إن زيداً ابن عمروٍ, أثبت والتنوين والألف لا غير؛ وكذا زيدٌ ابن عمروٍ, وعلى هذا قراءة من قرأ: {وقالت اليهود عزيزٌ ابن الله} . ومن حذف التنوين أضمر مبتدأً. وقول من قال: لم يصرف عزيزٌ, لأنه اسمٌ عجميٌ, خطأٌ؛ لأنه عربيٌ مشتقٌ من عزره. فإن قلت: هذا زيدٌ ابن أخيك, فالأجود إثبات التنوين والألف؛ ومن حذف لالتقاء الساكنين لزمه أن يحذف التنوين ههنا والألف. وكذا جاءني زيدٌ ابن صاحب الدار بالتنوين والألف. ومن قال: يا زيد بن عمروٍ, كتبه بغير ألفٍ؛ ومن قال: يا زيد ابن

عمروٍ, كتبه بالألف؛ وكذا من فرق, فقال: جاءني زيدٌ الظريف ابن عمروٍ, وكذا: مررت بعمروٍ يوم الجمعة ابن عبد الله. ومما حذف التنوين والألف فيه أجود, قولك: جاءني زيد بن الأمير, وكذا عمرو بن القاضي, لأن مثل هذا مشهورٌ. جاءني زيدٌ بن هندٍ الحذف أجود, وإن كانت هندٌ اسماً لأمةٍ, وهذا على مذهب سيبويه. وكذا جاءني أبو عمروٍ بن زيدٍ, وجاءني زيد بن أبي عمروٍ, والكنية والاسم واحدٌ. وقد أولع الكتاب بالفرق بين الكنية والاسم, فيكتبون ألفاً مع الكنية وينونون, وهذا غلطٌ على مذهب الخليل وسيبويه, وأنشد: ما زلت أفتح أبواباً وأغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار

باب المرتبة السادسة وهي مرتبة البلاغة

باب المرتبة السادسة وهي مرتبة البلاغة 830- أبدأ إن شاء الله بذكر اشتقاق البلاغة, وما حقيقتها لتحصل توابعها وتتدبر لواحقها, ثم نأتي بذكر نعت البلاغة؛ ثم ذكر تفصيل البلاغة وترتيبها؛ ثم نذكر ما جاء في البلاغة من المواعظ؛ ثم نذكر مجانسة الألفاظ التي تدل على البلاغة؛ ثم نذكر ما في العفو من البلاغة, ثم نذكر البلاغة في الألفاظ المستحسنة في البلاء, ثم ذكر البلاغة في المعاني, ثم صحة التفسير في البلاغة, ثم التكافؤ في البلاغة, ثم الاشتقاق من اللغة في البلاغة, ثم ما جاء من اللغة في البلاغة, ثم ما جاء من البلاغة في الدعاء, ثم البلاغة من دعاء أهل البيت عليهم السلام, ثم الاشتقاق والمضارعة في البلاغة, ثم السجع والازدواج في البلاغة؛ ثم نذكر فقراً من البلاغة عن عليٍ صلى الله عليه؛ ثم نذكر أشياء من البلاغة مرويةً مما يحفظه الكتاب المتأدبون إن شاء الله.

ذكر اشتقاق البلاغة وحقيقتها

ذكر اشتقاق البلاغة وحقيقتها 831- البلاغة اسمٌ ممدوحٌ مشتقٌ من بلغ صاحبها. 832- قال ابن المقفع: البلاغة الإيجاز, وهكذا مذاهب العرب وعاداتهم في العبارة يميلون إلى أن تكون الألفاظ أقل من المعاني في المقدار والكثرة. 833- قيل لبعضهم: ما البلاغة؟ قال: لمحةٌ دالةٌ. 834- ومذهب الكتاب في البلاغة أن تكون الألفاظ غير ناقصةٍ عن المعاني ولا زائدةً عليها. 835- وقيا لليوناني: ما البلاغة؟ فقال: تصحيح الأقسام واختيار الكلام. 836- وقيل للرومي: ما البلاغة؟ فقال: حسن الاقتصاد عند البديهة, والغزارة يوم الإطالة. 837- وقيل للفارسي: ما البلاغة؟ فقال: معرفة الفصل من الوصل. 838- وقيل للهندي: ما البلاغة؟ فقال: وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة, وحسن الإشارة. 839- وقال المفضل الضبي: قلت لأعرابيٍ: ما البلاغة؟ قال: الإيجاز من غير عجزٍ, والإطناب من غير خطلٍ.

840- وقيل للعتابي: ما البلاغة؟ فقال: كل من أفهمك حاجته من غير إعادةٍ ولا حبسةٍ ولا استعانةٍ فهو البليغ. قيل: ما الاستعانة؟ قال: اسمع مني, وافهم عني, أو لست تفهم عني؛ كل هذا عيٌ وفسادٌ. 841- قال المأمون: سمعت الرشيد يقول: البلاغة التباعد عن الإطالة, والتقرب من معنى البغية, والدلالة بالقليل من اللفظ على المعنى. 842- وقيل لعمرو بن عبيدٍ: ما البلاغة؟ قال: ما أبلغك الجنة وعدل بك عن النار, وما بصرك مواقع رشدك وعواقب غيك؛ قال السائل: ليس هذا أريد؛ قال: من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يسمع, ومن لم يحسن الاستماع لم يحسن القول؛ قال: ليس هذا أريد؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا معشر الأنبياء بكاءٌ)) , وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله؛ قال له: ليس هذا أريد؛ قال: كانوا يخافون من فتنة القول ومن سقطات الكلام ما لا يخافون من فتنة السكوت وسقطات الصمت؛ قال له: ليس هذا أريد؛ قال: فكأنكم تريدون تخير اللفظ في حسن إفهامٍ, إنكم إذاً أردتم تقرير حجة الله في عقول المتكلفين, وتخفيف المؤونة على المستمعين, وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين بالألفاظ

نعت البلاغة

المستحسنة في الآذان المقبولة عند الأذهان, رغبةً في سرعة استجابتهم, ونفي الشواغل عن قلوبهم بالموعظة الحسنة على الكتاب والسنة =كنتم قد أوتيتم فصل الخطاب, واستوجبتم على الله حسن الثواب. 843- قال الجاحظ: إن أحسن ما اختبأه ودونه لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه, ولفظه معناه, فلا يكون لفظه إلى السمع أسبق من معناه إلى القلب. نعت البلاغة 844- من نعتها أن تكون سليمةً من التكلف, بريئةً من التعقد. 845- وقيل: لها نعوتٌ ثلاثةٌ, منها: أن تكون متساويةً, وذلك أن يكون اللفظ كالقالب للمعنى, لا يفضل عنه ولا ينقص منه, وهذا النعت أحسنه أن يكون للنظراء والأكفاء. ووصف رجلٌ كاتباً, فقال: كانت ألفاظه قوالب لمعانيه. والنعت الثاني: أن يكون كالإشارة أو كاللمحة الدالة. وموضع استعمال هذا عند أهل المراتب العالية من الأدب والفهم. كما روي أن المأمون أمر عمرو بن مسعدة يكتب كتاباً إلى بعض العمال لرجلٍ يعنى به المأمون في قضاء حقه, وأمره يختصر كتابه في سطرٍ واحدٍ, فكتب: كتابي إليك أعزك الله كتاب واثقٍ بمن كتبت إليه,

ذكر تفصيل البلاغة وترتيبها

معنيٍ بمن كتبت له, ولن يضيع بين العناية والثقة حامله. والنعت الثالث: الإطالة وإعادة الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد بعينه حتى يظهر لمن لم يفهمه ويتوكد عند من فهمه, وسبيل هذا أن يستعمل في المواطن الجامعة, ومع العامة, ومن لا يسبق خاطره إلى أن يتصور المعنى في أول وهلةٍ, إما لبعده عن ذلك أو لقلة فطنته, لأن الموقف حافلٌ يكثر فيه اللغط والضجة, فيحتاج إلى إشباع المعنى وتوكيده وتكرير الألفاظ المترادفة, فتقول في نعت السيف: الحسام الباتر العضب؛ وفي نعت الشجاع: البطل الفاتك النجد الباسل؛ فيستحسن للكتاب أن يستعملوا مثل هذا في كتب الفتوح وعقد العهود, كما قال بعضهم في وصف كاتبٍ بليغٍ: إن أخذ شبراً كفاه, وإن أخذ طوماراً ملاه. ذكر تفصيل البلاغة وترتيبها 846- من ذلك حسن الخطاب, ولطف الجواب. قيل للعباس: أأنت أكبر أم النبي صلى الله عليه؟ قال: النبي أكبر وأنا أسن. 847- ولقي المنصور ليلاً يزيد بن حاتم, فقال المنصور: من هذا؟ فقال: يزيد, زادك الله حبوراً, وزاد عدوك ثبوراً. 848- وقال الرشيد لغلامٍ لبعض القواد –وكان فصيحاً-: إن مولاك

قد وهبك لنا, فقال: ما زلت لك مذ كنت له, وما زلت عن ملكه إذ صرت لك؛ فأعجب به. 849- وكان أبو العباس المبرد يعد في البلغاء بحسن عبارته وترتيب بلاغته. 850- وحكى أبو إسحاق عنه, أنه قال: ما رأيت في أصحاب السلطان مثل إسماعيل بن إسحاق, والحسن بن رجاءٍ, قال: كنت إذا رأيت الحسن بن رجاءٍ رأيت رجلاً كأنما خلق لذروة منبرٍ أو لصدر مجلسٍ, يتكلم كأنما يتنفس, يسهب ويطنب, ويعرب ويغرب, ولا يعجب ويعجب. 851- وحكى بعض أصحابنا أن علي بن عيسى سأل بعض الكتاب حاجةً، فقال: أنا وجاهي وما تنبسط فيه يدي لسيدنا الوزير أعزه الله، فليضع ما شاء من ذلك حيث شاء. 852- وقال القاسم بن عبيد الله للرياشي: أنا أرفعك ونفسك تضعك، وأظنها ستغلبني على رأيي فيك. 853- وقال لبعض الأمراء: أنا أستغفر الله لأبي من إحسانه إليك، وأستخيره فيما عزمت عليه في أمرك. 854- وقال رجلٌ لبعض الكتاب: والله لتعلمن ما عملت؛ إنك كثير السعاية، قليل النكاية. 855- ومر المهلب بن أبي صفرة يختال في مشيته بمالك بن دينارٍ، فقال له مالكٌ: إن الله عز وجل يبغض هذه المشية إلا بين الصفين؛ قال له المهلب: أما تعرفني؟ قال مالكٌ: إني لعارفٌ بك؛ قال المهلب:

فمن أنا؟ قال: أنت الذي أوله نطفةٌ قذرةٌ، وآخره جيفةٌ مذرةٌ، وهو بينهما يحمل العذرة! فاستحيا المهلب وقال: قد عرفتني حق المعرفة. 856- وخرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة، والخليفة يومئذٍ المهدي رضي الله عنه، فقيل له: كيف رأيت الناس؟ فقال: رأيت الداخل راجياً، والخارج راضياً. 857- وسأل محمد بن مروان عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن يكون مع ابنه يقومه ويخرجه، فقال له بعد مدةٍ: كيف رأيت ابن أخيك؟ قال: ألزمتني رجلاً إن بعدت عنه عتب، وإن جئته حجب، وإن عاتبته غضب. 858- وحكى عمرو بن بحرٍ في ترتيب البلاغة عن بعض الهند: أول البلاغة اجتماع آلتها، وذلك أن يكون الخطيب رابض الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخير اللفظ، لا يكلم سيد الأمة بكلام الأمة، ولا الملوك بكلام السوقة، ويكون معه من القوة ما يعرف به لفظه من كل طبقةٍ حتى لا يدقق المعنى إذا خاطب أوساط الناس، ولا يدع ذلك إذا خاطب حكيماً أو كاتباً فيلسوفاً. 859- ومن ترتيبها أن لا تستعمل فيها حوشي الكلام، وما تستثقله العوام، كما قيل: كفاك أدباً لنفسك ما كرهت من غيرك. 860- وقال الحسن البصري –وكان بليغاً فصيحاً-: سبقت اللحن.

ذكر المواعظ في البلاغة

861- وقال: كفاك من عقلك ما أوضح لك سبيل غيك من رشدك. ذكر المواعظ في البلاغة 862- قرئ على القاسم بن بنت منيع، عن هدبة بن خالدٍ، حدثنا همامٌ، عن قتادة، عن مطرفٍ، عن أبيه، قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته يقرأ: {ألهكم التكاثر} قال: ((يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت)) . 863- وفي حديثٍ آخر: ((يود أحدكم يوم القيامة لو كان رزقه أقل من القوت)) . 864- وفي حديثٍ آخر: ((يؤجر ابن آدم حتى في الشوكة يشاكها)) . 865- ووعظ شبيب بن شيبة المنصور، فقال: إن الله لم يجعل فوقك أحداً، فلا تجعل فوق شكرك شكراً. 866- ودخل عمرو بن عبيدٍ على المنصور وعنده المهدي، فقال له: هذا ابن أخيك المهدي، ولي عهد المسلمين؛ فقال: سميته اسماً

لم يستحقه عمله ويفضي الأمر إليه، وأنت عنه مشغولٌ؛ ثم وعظه فبكى، فقال له المهدي: حسبك! فقد أبكيت أمير المؤمنين؛ فقال: يا أمير المؤمنين! أغم ما تكون بنفسك أفرح ما يكون بنفسه؛ قال: سلني حاجتك، قال: أتقضيها؟ قال: نعم، قال: لا ترسل إلي حتى أجيئك؛ قال: أوترجع إلي؟ قال: نعم؛ وترك نعله وخرج، ثم عاد، فأخذها، ولم يرجع إليه، فتفقده وقال: لم يكن ليكذب؛ حتى أخبر خبر النعل. 867- ودخل ابن السماك على الرشيد، فقال له: تكلم وأوجز؛ قال: إن أخوف ما أخاف على نفسي الدخول إليك؛ فغضب الرشيد، وقال: لتخرجن مما قلت أو لأفعلن بك وأصنعن؛ قال: أنت ولي الله في عباده، فإن أنا لم أنصح لك فيهم وأصدقك عنهم خفت من الله عز وجل في ذلك، اتق الله في رعيتك، وخف المرجع إليه، لم أر أحسن من وجهك فلا تجعله للنار حطباً! 868- قال بعضهم: رب هالكٍ بالثناء عليه ومغرورٍ بالستر عليه، ومستدرجٍ بالإحسان إليه. 869- وقال الفضل بن عباسٍ: إذا قيل لك: أتخاف الله؟ فاسكت، فإن جئت بـ ((لا)) جئت بأمرٍ عظيمٍ، وإن قلت: ((نعم)) ، فالخائف لا يكون على ما أنت عليه من الأمان. 870- وقال الشعبي: سمعت الحجاج يتكلم بكلامٍ ما سبقه إليه أحدٌ، سمعته يقول: أما بعد؛ فإن الله كتب على الدنيا الفناء، وكتب

على الآخرة البقاء، فلا بقاء لما كتب عليه الفناء، ولا فناء لما كتب عليه البقاء، فلا يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة، واقصروا طول الأمل بقصر الأجل. 871- وقيل لأعرابيٍ اعتل: ما تشتهي شيئاً؟ قال: أشتهي وأحتمي، إن أهل النار غلبت شهوتهم حميتهم فافتضحوا. 872- وقال أبو حازمٍ: كل ما تكره الموت من أجله فاتركه، ولا يضرك متى مت، وما أحببت أن يكون معك غداً فقدمه اليوم، وما كرهت أن يكون معك غداً فاتركه اليوم. 873- وكان بعض الحكماء يقول: اصبروا عباد الله على عملٍ لا غنى بكم عن ثوابه، واصبروا عن عملٍ لا صبر لكم على عقابه. 874- وقال سفيان: ينبغي لمن وعظ ألا يعنف ولمن وعظ ألا يأنف. 875- وكان مطرفٌ يقول: خوف النار يكاد أن يحول بيني وبين أن أسأل الله الجنة. 876- وكتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز: إن أناساً قبلي لا يؤدون ما عليهم إلا أن أمسهم بشيءٍ من العذاب؛ فكتب إليه عمر: العجب كل العجب في استئذانك إياي في عذاب عباد الله, كأني لك جنةٌ من عذابه, أو كأن رضاي ينجيك من سخطه؛ إذا وصل إليك كتابي فمن أعطاك عفواً, وإلا فاستحلفهم بالله, فوالله لأن يلقوا الله بخيانتهم أحب إلي من أن ألقاه بعذابهم.

باب ذكر مجانسة الألفاظ التي تدل على البلاغة

877- وقال لقمان لابنه: زاحم العلماء بركبتك ولا تجادلهم فيمقتوك, وخذ من الدنيا بلاغك, واتق الله, وأنفق فضول كسبك لآخرتك, ولا ترفض الدنيا كل الرفض, فتكون عيالاً على أعناق الرجال كلاً, وصم صوماً تكسر به شهوتك, ولا تصم صوماً يضر بصلاتك, فإن الصلاة أفضل من الصوم, ولا تجالس السفيه, ولا تخالط ذا الوجهين. 878- حدثنا بكر بن سهلٍ, قال: حدثنا عبد الله بن يوسف, قال: أخبرنا مالكٍ, عن أبي الزناد, عن الأعرج, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((شر الناس ذو الوجهين الذي يلقى هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجهٍ)) . باب ذكر مجانسة الألفاظ التي تدل على البلاغة 879- كان ثابتٌ البناني يكثر أن يقول: الحمد لله, وأستغفر الله؛ فسئل عن ذلك, فقال: أنا بين نعمةٍ وذنبٍ, فأحمد الله على النعمة, وأستغفره من الذنب.

880- ومن حسن ما في التجانس أنه يروى أن رجلاً اعتذر إلى سليمان بن وهبٍ, فأكثر, فقال له سليمان: حسبك! فإن الولي لا يحاسب, وإن العدو لا يحتسب له. 881- قال أبو جعفرٍ: ولو قال: والعدو لا يعتد له بفعله, لم يكن في حسن ذلك التجانس. 882- وقال بعض البلغاء: لا ترى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرطاً. 883- وقال ابن السماك: اللهم ارزقني حمداً ومجداً, فإنه لا حمد إلا بفعالٍ, ولا مجد إلا بمالٍ؛ اللهم إني لا يسعني القليل ولا أسعه. 884- وقال عند وفاته: اللهم إنك تعلم أني كنت إذ كنت أعصيك أحب أن أكون ممن يطيعك. 885- وقال إبراهيم المحلمي: كنت أقول: اللهم إني أستغفرك لما أملك, وأستصلحك لما لا أملك. 886- وكان علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه يدعو في حروبه: اللهم أنت أرضى للرضا, وأسخط للسخط, وأقدر أن تغير ما كرهت, وأعلم لما تقدر. 887- ومن دعاء علي بن الحسين عليهما السلام: اللهم ارزقني خوف الوعيد، وسرور رجاء الموعود، حتى لا أرجو إلا ما رجيت، ولا أخاف إلا ما خوفت.

888- وكان جعفر بن محمدٍ عليهما السلام يقول: أستلطف الله لكل عسيرٍ، فإن تيسير العسير على الله يسيرٌ جل ثناؤه وتقدست أسماؤه. 889- وكان يقول: اللهم إنك بما أنت له أهلٌ من العفو أولى مني بما أنا له أهلٌ من العقوبة، اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك. 890- ولغيره: اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن كما نعوذ بك من العجب بما نحسن، ونعوذ بك من السلاطة والهذر كما نعوذ بك من العجز والعي والحصر. 891- وقال أبو عبادٍ الكاتب: ما جلس بين يدي رجلٌ قط إلا ظننت أني بين يديه. 892- وقال آخر: العذر مع التعذر واجبٌ فاقبله. 893- وقيل لأخر: ما عندك في النكاح؟ فقال: ما يقطع حجتها، ولا يبلغ حاجتها. 894- ومن حسن ما في هذا المعنى من التجانس قول الأفوه الأودي: فينا معاشر لم يبنوا لقومهم ... وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا والبيت لا يبتنى إلا بأعمدةٍ ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد فإن تجمع أوتادٌ وأعمدةٌ ... وساكنٌ بلغوا الأمر الذي كادوا

ذكر ما جاء في العفو من البلاغة

لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا وإن تولى سراة القوم أمرهم ... نمى على ذاك أمر القوم فازدادوا تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت ... فإن تولت فبالأشرار تنقاد 895- وسمع زيادٌ رجلاً يدعو عليه يقول: اللهم اعزل عنا زياداً، فقال: صل في دعائك: وأبدلنا به من هو خيرٌ منه. 896- وسب رجلٌ عابداً، فقال: والله لولا أن الله عز وجل يسمعك لأجبتك. ذكر ما جاء في العفو من البلاغة 897- حدثني محمد بن أيوب بن حبيبٍ، قال: حدثنا عبد الله بن محمدٍ، وهو ابن أبي الدنيا، قال: حدثنا عيسى ابن أبي حربٍ والمغيرة بن محمدٍ قال: حدثنا عبد الأعلى بن حمادٍ، قال: حدثني الحسن بن الفضل بن الربيع، قال: حدثني عبد الله بن الفضل بن الربيع قال: حدثني أبي، قال: حج أبو جعفرٍ في سنة سبعٍ وأربعين ومئةٍ، فقدم المدينة، فقال: ابعث إلى جعفر بن محمدٍ من يأتيني به سعياً، قتلني الله إن لم أقتله، فأمسكت عنه رجاء أن ينساه، فأغلظ لي في الثانية، فقلت: جعفر بن محمدٍ بالباب يا أمير المؤمنين؛ فقال: ائذن له! فأذنت له، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! قال: لا سلام الله عليك يا عدو الله! تلحد في سلطاني وتبغيني الغوائل في ملكي؟! قتلني

الله إن لم أقتلك؛ قال: يا أمير المؤمنين! إن سليمان أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر، وأنت السنخ من ذلك؛ فنكس طويلاً، ثم رفع رأسه، فقال: إلي، وعندي يا أبا عبد الله البريء الساحة، السليم الناحية، القليل الغائلة، جزاك الله أفضل ما يجزي به ذوي الأرحام عن أرحامهم؛ ثم تناول يده، فأجلسه معه على السرير، وغلفه بيده، ثم قال له: في حفظ الله وكلاءته، يا ربيع! ألحق أبا عبد الله جائزته وكسوته؛ فانصرف. ولحقته، فقلت له: إني رأيت قبل ذلك ما لم تره، وسمعت ما لم تسمع، ورأيت بعد ذلك ما قد رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك، فما الذي قلت؟ قال: نعم، إنك رجلٌ منا أهل البيت، ولك محبةٌ وودٌ؛ قلت: اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، وأعزني بسلطانك الذي لا يضام، واغفر لي بقدرتك علي، ولا أهلك وأنت رجائي، رب كم من نعمةٍ أنعمت بها علي قل عندها شكري، وكم من بليةٍ ابتليتني بها قل عندها صبري، فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من يراني على الخطايا فلم يفضحني، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً، ويا ذا النعم التي لا تحصى عدداً، أسألك أن تصلي على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، وبك أدرأ في نحره وأعوذ بك من شره، اللهم أعني على ديني بدنيا وعلى آخرتي بتقوى، واحفظني في ما غبت عنه، ولا تكلني إلى نفسي في ما حضرته، يا من لا تضره الذنوب، ولا تنقصه المغفرة، اغفر لي ما لا يضرك، وأعطني ما لا ينقصك، إنك أنت الوهاب، أسألك فرجاً قريباً، وصبراً جميلاً،

ورزقاً واسعاً، والعافية من جميع البلايا، وشكر العافية. 898- وبلغ هشاماً عن رجلٍ كلامٌ، فأتي به، فاحتج، فقال له هشامٌ: أتتكلم أيضاً؟ قال: إن الله قال: {يوم تأتي كل نفسٍ تجادل عن نفسها} أفيجادل الله عز وجل ولا تكلم أنت؟ قال: تكلم بما أحببت. 899- ولما تهدد المنصور الطالبيين حين أتي برأس إبراهيم بن عبد الله بن حسنٍ، قال له ابن عياشٍ: إن الله عز وجل قد صنع الذي تحب في الظفر، فاصنع الذي يحب في العفو. 900- وقدم إلى الحجاج أسرى ليقتلوا، فقدم رجلٌ لتضرب عنقه، فقال: أما والله لئن كنا قد أسأنا في الذنب لما أحسنت في العفو؛ قال الحجاج: أفٍ لهذه الجيف! أما كان فيها من يحسن مثل هذا الكلام؟! وأمسك عن القتل. 901- وأتي الهادي برجلٍ من الحبس، فجعل يقرره بذنوبه، فقال الرجل: اعتذاري مما تقررني به ردٌ عليك، وإقراري يوجب لي ذنباً لم أجنه، ولكني أقول: إن كنت ترجو في العقوبة راحةً ... فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر فعفا عنه. 902- ودخل جرير بن عبد الله على المنصور، وقد كان وجد عليه، فقال له: تكلم بحجتك؛ فقال: لو كان لي ذنبٌ لتكلمت بعذري،

ذكر البلاغة في الألفاظ

وعفوك أحب إلي من براءتي. 903- قال إسحاق: واعتذر هارون بن نعيمٍ إلى الحسن بن سهلٍ من ذنبٍ كان له، فقال له الحسن: تقدمت لك طاعةٌ، وحدثت لك توبةٌ، وكانت لك بينهما هفوةٌ، ولن تغلب سيئةٌ حسنتين. 904- وقال إبراهيم بن المهدي: فعفوت عن من لم يكن عن مثله ... عفوٌ ولم يشفع إليك بشافع إلا العلو عن العقوبة بعدما ... ظفرت يداك بمستكينٍ خاضع ورحمت أطفالاً كأفراخ القطا ... وحنين والهةٍ كقوس النازع ذكر البلاغة في الألفاظ 905- سئل أعرابيٌ: من أبلغ الناس؟ فقال: أسهلهم لفظاً، وأحسنهم بديهةً. 906- وقال الجاحظ: لم أر قوماً أمثل طبقةً في البلاغة من الكتاب، وذلك أنهم قد التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعراً حوشياً ولا ساقطاً عامياً. 907- وقال غيره في بلاغة الألفاظ: أن تكون سمحةً سهلةً، لها حلاوةٌ وطلاوةٌ، وعليها رونق الفصاحة مع الخلو من البشاشة. 908- كما روي أن العتابي دخل على المأمون، فقال له: خبرت

بوفاتك فغمتني، وجاءتني وفادتك فسرتني؛ فقال العتابي: لو قسمت هذه الكلمات على أهل الأرض لوسعته؛ وذلك أنه لا دين إلا بك، ولا دنيا إلا معك؛ قال: سلني؛ قال: يدك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة. 909- ووقف أعرابيٌ على حلقة الحسن، فقال: رحم الله من تصدق من فضلٍ، أو آسى من كفافٍ، أو آثر من قوتٍ. قال الحسن: ما ترك أحداً إلا وقد سأله. 910- وقال أعرابيٌ آخر لعبد الملك: قد جهد الناس وأحاطت بهم السنون، جاءت سنةٌ فذهبت بالمال، ثم ردفتها أخرى برت اللحم، ثم ردفتها سنةٌ أخرى كسرت العظم، وعندك أموالٌ, فإن تكن لله فاقسمها بين عباده, وإن تكن لهم فلا تخزنها دونهم, فإن الله عز وجل بالمرصاد, وإن تكن لك فتصدق علينا, فإن الله يجزي المتصدقين. 911- وسئل بعض الحكماء عن أعدل الناس وأجور الناس, وأكيس الناس, وأحمق الناس, وأسعد الناس؛ فقال: أعدل الناس من أنصف من نفسه, وأجور الناس من رأى جوره عدلاً, وأكيس الناس من أخذ أهبة الأمر قبل نزوله, وأحمق الناس من باع آخرته بدنيا غيره, وأسعد الناس من ختم له في عاقبة أمره بخيرٍ. 912- وقيل للعتابي: فلانٌ بعيد الهمة, فقال: إذاً لا تكون له غايةٌ دون الجنة. 913- وقال بعض الأعراب: إن الله عز وجل رفع درجة اللسان

فأنطقه بتوحيده من بين الجوارح. 914- وقيل للأحنف: الناطق أفضل أم الصامت؟ قال: الناطق؛ قال: وكيف؟ قال: لأن الصامت لا يعدو منفعة نفسه، والناطق ينفع نفسه وغيره. 915- وسمع أعرابيٌ رجلاً يتكلم ويكثر، ثم التفت إليه، فقال: ما البلاغة عندكم؟ قال: خلاف ما أنت فيه منذ اليوم. 916- وقال الحسن: من علم أن الكلام عملٌ لم يتكلم إلا في ما يعنيه. 917- وضحك المعتصم من عبد العزيز المكي، وكان مفرط القبح لما دخل على المأمون للمناظرة؛ فقال المكي للمأمون: مم يضحك هذا؟ والله ما اصطفى الله يوسف لجماله, وإنما اصطفاه لبيانه, قال جل وعز: {فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكينٌ أمينٌ} فبياني أحسن من وجه هذا؛ فضحك المأمون وأعجبه كلامه. 918- وقال بعضهم: الكلام الجزل أغنى عن المعاني اللطيفة من المعاني اللطيفة عن الكلام الجزل, فإذا اجتمعا فذاك البلاغة. 919- وقال بعض الحكماء: البلاغة أن يظهر المعنى صريحاً, والكلام صحيحاً. 920- وقال غيره: أفضل اللفظ بديهة آمنٍ وردت في مقام خوفٍ. 921- وأنشد بعضهم:

ذكر الألفاظ المستحسنة في البلاغة

سأرفض ما تخاف علي منه ... وأترك ما هويت لما خشيت لسان المرء ينبىء عن حجاه ... وعي المرء يستره السكوت ذكر الألفاظ المستحسنة في البلاغة 922- يستحسن الكتاب أن تكون الألفاظ أقل من المعاني في المقدار والكثرة, فإذا كتبوا حسن عندهم أن تكون الألفاظ غير ناقصةٍ عن المعاني, ولا زائدةٍ عليها, إلا أن تكون في موضعٍ يحتاج فيه إلى الإسهاب. 923- ويستحسن في مثل هذا ما قاله جعفر بن يحيى, فإنه جمع ذلك في توقيع إلى كاتبه؛ وقع: إذا كان الإكثار أبلغ, كان الإيجاز تقصيراً؛ وإذا كان الإيجاز كافياً, كان الإكثار عياً. 924- ودخل عمرو بن سعيدٍ على معاوية بعد موت أبيه, فقال: يا عمرو! إلى من أوصى بك أبوك؟ فقال: أوصى إلي ولم يوص بي. 925- وقال عمر بن عبد العزيز لرجلٍ تكلم عنده, فأحسن: هذا والله السحر الحلال. 926- وقيل لقيس بن عاصمٍ: ما البلاغة؟ فقال: الإيجاز, فقيل: ما النعيم؟ قال: الأمن, قال: فما العز؟ قال: القدرة,

قال: فما المروءة؟ قال: الإنصاف. 927- قيل للأصمعي: ما حد الاختصار؟ قال: حذف الفضول, وتقريب البعيد. 928- وسئل رجلٌ عن البلاغة, فقال: سهولة اللفظ, وحسن البديهة. 929- وقال آخر: أحسن القول أوجزه, وأهنأ المعروف أوحاه. 930- ودخل رجلٌ من بني شيبان على معن بن زائدة, فقال: ما هذه الغيبة المنسأة؟ قال: أبقى الله الأمير في نعمٍ زائدةٍ, وكرامةٍ دائمةٍ, ما غاب أيها الأمير عن العين من ذكره القلب, وما زال شوقي إلى الأمير شديداً, وهو دون ما يجب له علي؛ وذكري له كثيراً, وهو دون قدره عندي؛ ولكن جفوة الحجاب, وقلة بشر الغلمان, يمنعانني من الإتيان, فأمر بتسهيل أمره وأحسن مثواه. 931- وقال أعرابيٌ لعمر بن عبد العزيز: ساقتني إليك الحاجة, وانتهت بي إليك الفاقة, والله سائلك عن مقامي هذا؛ فبكى عمر, وقال: ما سمعت قولاً أبلغ من هذا, ولا وعظاً أوجع منه. 932- ولزم بعض الحكماء باب بعض الملوك من العجم دهراً, فلم يصل إليه, فلطف الحاجب في إيصال رقعةٍ فيها أربعة أسطرٍ, في

الأول: الضرورة والأمل أقدماني عليك, وفي الثاني: العدم لا يكون معه صبرٌ على المماطلة, وفي الثالث: الانصراف بغير فائدةٍ شماتة الأعداء, وفي الرابع: فإما نعمٌ مثمرةٌ وإما لا مريحةٌ. فلما قرأها وقع تحت كل سطرٍ: ز هـ ز هـ, وأعطاه ستة عشر ألف مثقالٍ ذهباً. 933- وقال الجاحظ: كان جعفر بن يحيى يتحدث ولا يتوقف, ولا يستدعي معنىً من بعدٍ إلى غير ذلك. 934- وكتب إبراهيم بن المهدي إلى بعض كتابه ورآه يتبع حوشي الكلام وغريبه في كتبه: إياك والتتبع لحوشي الكلام طمعاً في نيل البلاغ, فإن ذلك العي الأكبر, وعليك بما سهل مع تجنبك ألفاظ السفل. 935- وقال معاوية للضحاك العبدي: ما البلاغة؟ قال: الإيجاز؛ قال: وما الإيجاز؟ قال: أن تقول فلا تخطئ, وتجيب فلا تبطئ؛ ثم قال: أقلني, هو ألا تخطئ ولا تبطئ. 936- واعتذر رجلٌ, فقال: إن كان ما حفظ من جرمي دون قدر الحرمة بك, فالصفح لي عنه واجبٌ, وإن كان موازياً له, فالحسنة تذهب السيئة, وإن كان فوقه فإن الله عز وجل يقول: {ولا تنسوا الفضل

ذكر البلاغة في المعاني

بينكم} والفضل أعلى منزلةً من العدل, وأولى بأولي النهى. 937- ووصف سهلٌ رجلاً بليغاً, فقال: ما رأيت أحسن فهماً منه لجليلٍ, ولا أحسن تفهماً لدقيقٍ. 938- وأخذ الطائي هذا المعنى, فقال: وكنت أعز عزاً من قنوعٍ ... تعوضه صفوحٌ من ملول فصرت أذل من معنىً دقيقٍ ... به فقرٌ إلى ذهنٍ جليل ذكر البلاغة في المعاني 939- البلاغة في المعاني ألطف من البلاغة في الألفاظ, ويستحسن منها صحة التقسيم. 940- من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول ابن آدم: مالي! مالي! وإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت, أو لبست فأبليت, أو أعطيت فأمضيت)) . 941- ولبعض الكتاب: فإنك لم تخل فيما بدأتني به من مجدٍ أثلته، أو شكرٍ تعجلته، أو أجرٍ ادخرته، أو متجرٍ تجرته، أو من أن يكون ذلك كله؛ فلم يبق في هذا الباب قسم لم يأت به.

942- وعن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الدين متينٌ، فأوغل فيه برفقٍ، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى)) . 943- ومن حسن البلاغة في المعاني صحة المقال، وذلك أن يؤتى بمعانٍ موافقةٍ يراد بها التوفيق، وبمعانٍ أخر للمضادة، فيؤتى في الموافق بموافقةٍ وفي المضاد بمضادةٍ. كقول بعض الكتاب: فإن أهل الرأي والنصح لا يساويهم ذو الأفن والغش، وليس من جمع إلى الكفاية أمانةً كمن أضاف إلى العجز خيانةً. قال بعض الكتاب: إذا تؤملت هذه المقالة وجدت غاية المعادلة، لأنه جعل بإزاء الرأي الأفن، والأفن سوء الرأي؛ وبإزاء النصح الغش، وقابل العجز بالكفاية، والأمانة بالخيانة. 944- ومن حسن هذا الجنس ما دعت به هند بنت النعمان وقد أحسن إليها فقالت: شكرتك يدٌ نالتها خصاصةٌ بعد ثروةٍ، وأغناك الله عن يدٍ نالت ثروةً بعد فاقةٍ. 945- وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لابن عباس رحمه الله وقد ذكر أمر الخلافة: ومن يصلح لها؟ فقال: يصلح لها من كان فيه لينٌ في غير مهانةٍ، وشدةٌ في غير عنفٍ. وأنه كتب إلى أبي موسى: إن أسعد الولاة من سعدت به رعيته، وأشقاهم من شقيت به رعيته. 946- وحكى المازني، عن الشافعي، عن بعض الحكماء: ليس

من أحدٍ وإن ساعدته المقادير بمستخرجٍ من الدنيا غضارة عيشٍ إلا من خلال مكروهٍ، ومن انتظر بمعاجلة الدرك مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته. 947- وعن مكحولٍ، قال: قال داود صلى الله عليه للقمان بعدما كبرت سنه: ما بقي من عقلك؟ قال: لا أنطق فيما [لا] يعنيني، ولا أتكلف ما كفيته. 948- وعن محمد بن السائب، عن أبيه، قال: قدم الأحنف –واسمه الضحاك بن قيسٍ- الكوفة في زمن مصعب بن الزبير، فرأى رجلاً دميماً أعور قصيراً أحنف الرجلين، فقال له رجلٌ: يا أبا بحرٍ! بأي شيءٍ بلغت ما بلغت؟ فوالله ما أنت بأشرف قومك، ولا أشجعهم، ولا أجودهم؛ فقال: يا بن أخي بخلاف ما أنت فيه، قال: وما خلاف ما أنا فيه؟ قال: تركي من أمرك ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك. 949- وقال لهيعة بن عياشٍ: قال راهبٌ لشيخٍ منهم: أريد أن أحفظ قلبي, قال الشيخ: كيف تحفظ قلبك ولسانك الذي هو باب قلبك مفتوحٌ؟ 950- وأجل هذه الأشياء حديث مالكٍ, عن الزهري, عن علي بن حسينٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) . 951- وروى أبو هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد يتكلم

ذكر صحة التفسير في البلاغة

بكلمةٍ من سخط الله لا يرى بها بأساً, فيهوي في النار سبعين خريفاً)) . ذكر صحة التفسير في البلاغة 952- أصل هذا الباب أن توضع معانٍ ثم تشرح, فيأتي الشرح على تلك المعاني من غير عدولٍ عنها, ولا زيادةٍ عليها, ولا نقصانٍ منها, كما قال بعضهم: وأنا واثقٌ بمسالستك في حالٍ مثل ما أعلمه من مشارستك في أخرى, ثم فسر ذلك فقال: لأنك إن عطفت وجدت لدناً وإن غمزت ألفيت شثناً. 953- ولبعضهم: قد أنكرت نفسي لنومي في البلاء ويقظتي في الخلاء, وأنسى الحديث وأذكر القديم. 954- ولبعضهم: من صنف كتاباً فقد استشرف بالمدح والذم, لأنه إن أحسن فقد استهدف للحسد, وإن أساء فقد تعرض للذم. 955- ولبعض البلغاء: وأين يذهب بك عزيز أنعامك, وسديد أحكامك, وأليم انتقامك, أن تكون مشباعاً للضيف, ومدفاعاً للحيف, وممناعاً من الخوف.

ذكر التكافؤ في البلاغة

956- وقال أبو علي البصير –وهو أحد البلغاء- لبعض الطالبيين وقد شتمه: إنا والله ما نعيا عن مساءتك؛ ثم فسر: ولكنا نكون خيراً لنسبك منك, ونحفظ منه ما ضيعت, فاشكر توقيرنا منك, ولا يغرنك بالجهل علينا حلمنا عنك. ذكر التكافؤ في البلاغة 957- التكافؤ المماثلة, وفلانٌ كفيءٌ لفلانةٍ, وكفؤٌ, وكفاءٌ ممدودٌ؛ فمعنى التكافؤ في هذا الباب أن يؤتى بمعانٍ متقاومةٍ, كما كتب بعض الكتاب: وكان اعتدادي بذلك اعتداد من لا تنضب عنه نعمةٌ تغمرك, ولا يمر عليه عيشٌ يحلو لك. لما قال: ((تنضب)) قال: ((تغمر)) , ولما قال: ((يمر)) قال: ((يحلو)) . 958- وقيل لبعض القراء: إن أخاك قد ولي ولايةً, فلم لا تهنئه؟ فقال: ما سرتني فأهنئه, ولا ساءته فأعزيه. 959- وقال رجلٌ لرجلٍ: قد كثرت عليك المؤن، قال: ما أحدٌ لله عز وجل عليه نعمةٌ إلا وللناس عليه مؤونةٌ، فإن ضجر بهم تعرض لزوالها. 960- وذكر لمالك بن أنسٍ رجلٌ شريفٌ لا يفيق من الشراب، فقال: العجب لمن فقد عقله مرةً كيف لم يشغله الاهتمام لما فقد من عقله عن معاودة مثله.

ذكر الاستعارة في البلاغة من اللغة

ذكر الاستعارة في البلاغة من اللغة 961- العرب تقول: الطم والرم إذا أرادوا المبالغة في الكثرة، وهذا من الاستعارة البليغة، لأن الطم البحر، والرم الثرى، وهذا لا يملكه إلا الله عز وجل وحده، وليس هو كذباً، لأنه قد عرف معناه. 962- ومحفوظٌ عن مالك بن أنسٍ أنه سئل عن رجلٍ قال لامرأته: أنت طالقٌ ثلاثاً إن كان هذا الطائر يسكت؛ فقال: لا يحنث، لأن معناه التكثير. 963- ومن البلاغة في هذا: فلانٌ دون نائله العيوق. 964- ويقال: له الضيح والريح، أي: له ما طلعت عليه الشمس وما جرت عليه الريح. 965- ومنه: فلانٌ يثير الكلاب عن مرابضها، للشديد الشر، أي: يثيرها عن مرابضها، يطلب تحتها شيئاً فاضلاً. 966- ومنه: ما له سبدٌ ولا لبدٌ، أي: ما له شيءٌ، والسبد الشعر، واللبد الصوف. 967- ومنه: ما يعرف قبيله من دبيره؛ فالقبيل ما أقبلت به المرأة من غزلها حين تفتله، والدبير: ما أدبرت به، أي: هو أبله. 968- وذهب الأصمعي إلى أنه استعارةٌ من الإقبالة والإدبارة، وهو شقٌ في الأذن يقبل فإذا أقبل به فهو الإقبالة، وإذا أدبر به فهو الإدبارة،

والجلدة المعلقة هي الإقبالة والإدبارة. 969- ويقال: إذا وصف الإنسان بالمنع: هو مشجبٌ، من حيث جئته وجدت لا. 970- ويقال: فلانٌ لا يدالس ولا يؤالس، مستعارةٌ من الدلس، وهي: الظلمة، أي لا يخفي عنك الشيء، فكأنه لا يأتي به في الظلمة، ومنه دلس على فلانٍ. ويوالس من الألس، وهي الخيانة. 971- وكذا فلانٌ يداجي فلاناً مستعارٌ من الدجى، أي: يساتره العداوة. 972- ومنه أرغم الله أنفه، أي: أذله حتى كأنه قد لزق بالتراب، وهو الرغام. 973- ومنه: قمقم الله عصبه، قبضه، فجعله بمنزلة القمقام الجامع للماء، وهو: البحر. 974- ومنه: حلب فلانٌ الدهر أشطره، أي: مرت عليه صروفه من خيره وشره، مستعارٌ من أخلاف الناقة، ولها شطران قادمان وآخران، فكل خلفين شطرٌ. 975- ويستحسن من هذا ما كتب به عبد الله بن المعتز يصف القلم: يخدم الإرادة، ولا يمل الاستزادة، ويسكت واقفاً، وينطق سائراً، على أرضٍ بياضها مظلمٌ، وسوادها مضيءٌ. 976- والعرب تقول: ما بفلانٍ طرقٌ؛ وأصل الطرق الشحم، فاستعير مكان القوة، لأن القوة أكثر ما تكون عنه.

ذكر ما جاء من البلاغة في الدعاء

977- قال الله عز وجل: {ما من دابةٍ إلا هو ءاخذٌ بناصيتها} أي: يقهرها ويذلها بالملك والسلطان. وأصل هذا أن من أخذت بناصيته فقد أذللته وقهرته. 978- ومنه: ناصيتي بيدك، أي: أنت مالكٌ لي قاهرٌ. 979- ويقال: فلانٌ أذنٌ، أي: يقبل كل ما قيل له. والأصل أن الأذن هي السامعة. 980- قال الله عز وجل: {إلا ما دمت عليه قائماً} أي: مواظباً بالاقتضاء والمطالبة، وأصله أن المطالب بالشيء يقوم فيه ويتصرف، والتارك له يبتعد عنه؛ قال الأعشى: يقوم على الوغم في قومه ... فيعفو إذا شاء أو ينتقم ذكر ما جاء من البلاغة في الدعاء 981- روى القعنبي، عن سلمة بن وردان، قال: سمعت أنساً يقول: أتى رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله! أي الدعاء أفضل؟ قال: ((سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة)) ثم أتاه

بعد، فقال: يا نبي الله! أي الدعاء أفضل؟ قال: ((سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت العفو والعافية في الدنيا والآخرة فقد أفلحت)) . 982- وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيبٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى جلس فهمس، ولم يكن يفعله قبل ذلك، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفطنتم لما أصنع؟)) فقلنا: نعم؛ قال: ((إني ذكرت نبياً أعجبه كثرة قومه، فقال: لن يغلب هؤلاء شيءٌ، أو لن يغلب هؤلاء؛ فقيل له: خير قومك إحدى ثلاثٍ: إما أن أسلط عليهم عدواً من غيرهم فيستبيحوهم، وإما أن أسلط عليهم الجوع، وإما أن أسلط عليهم الموت، فأخبر بذلك قومه، قالوا: فاختر لنا، فقد وكلنا ربنا إليك)) ؛ قال: ((فتوضأ وصلى، وكانوا يفزعون إلى الصلاة، فقال: يا رب! أما أن تسلط عليهم عدواً يستبيحهم فلا، وأما أن تسلط عليهم الجوع فلا، ولكن الموت، فمات في ثلاثة أيامٍ سبعون ألفاً)) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهمسي الذي ترون، أقول: اللهم بك أصول، وبك أجول؛ اللهم بك أقاتل)) قال المحدث: ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 983- وعن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي؛ قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً

من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) . 984- ومن بليغ ما روي في هذا، أن بلال بن أبي بردة، قال لمالك بن دينارٍ: يا أبا يحيى! ادع لي؛ قال: وما ينفعك أن أدعو لك، وبالباب مئتان يدعون عليك؟! 985- وكان يقال: الدعاء في الرخاء تقضى به الحوائج في البلاء. 986- وعن عائشة رضي الله عنها: لا تطلبوا ما عند الله، من غير الله، بما يسخط الله عز وجل. 987- وسمع مالك بن دينارٍ قوماً يدعون، وقد استبطؤوا المطر، فقال: إنهم يستبطؤون المطر، وأنا أستبطئ الحجارة. 988- وكان ابن منيعٍ يقول في دعائه: اللهم إني أستعد بك على نفسي عدوى لا عقوبة فيها. 989- وكان عمرو بن عبيدٍ يقول: اللهم أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك. 990- وعن عمر رضي الله عنه، أنه كان يقول: اللهم أعني على الدنيا بالقناعة، وعلى الدين بالعصمة. 991- وعن قيس بن سعد بن عبادة: اللهم ارزقني حمداً ومجداً، فإنه لا حمد إلا بفعالٍ، ولا مجد إلا بمالٍ؛ اللهم إني لا يسعني القليل

ذكر البلاغة من دعاء أهل البيت رضوان الله عليهم

ولا أسعه. 992- وقال ابن السماك عند وفاته: اللهم إنك كنت تعلم أني كنت حيث كنت أعصيك أحب أن أكون ممن يطيعك. 993- وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً قد صار كالفرخ، فقال: ((هل كنت تدعو بشيءٍ؟)) قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال: ((إذاً لا تطيق ذلك، ولكن قل: {ربنا ءاتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار} . ذكر البلاغة من دعاء أهل البيت رضوان الله عليهم 994- روى ابن أبي ليلى، عن عليٍ رضي الله عنه، قال: كلمات الفرج: لا إله إلا هو العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين. قال أبو جعفرٍ: وهذا أخذه علي بن أبي طالبٍ عن النبي عليه السلام. 995- وروى القعقاع، عن علي بن الحسين، عن أبيه عبد الله بن

جعفرٍ، عن أبيه، عن عليٍ عليه السلام، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ عند الخوف تصيبه والأمر تتخوفه: لا إله إلا الله الحكيم الحليم الكريم، تبارك الله، تبارك رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. 996- وكان عليٌ رضي الله عنه يعلم الناس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: اللهم داحي المدحوات، وبارئ المسموكات، وجبار القلوب على فطراتها، شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك على محمدٍ عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما أغلق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ جيشات الأباطيل، كما حمل فاضطلع بأمرك وطاعتك، مستوفزاً في مرضاتك بغير نكلٍ في قدمٍ، ولا وهنٍ في عزمٍ، داعياً لوحيك، حافظاً لعهدك، ماضياً على إنفاذ أمرك، حتى أورى قبس القابس، آلاء الله تصل بأهله وأسبابه، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم بموضحات الأعلام ومنيرات الإسلام، ونيرات الأحكام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك نعمةٍ، ورسولك بالحق رحمةً؛ اللهم افسح له مفسحاً في عدلك واجزه مضاعفات الخير من عندك وفضلك، مهناتٍ غير مكدراتٍ، من فوزِ ثوابك المحلول، وجزيل عطائك المعلول، أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم مثواه لديك

ونزله، وأتمم له نوره، واحشره من ابتعاثك له مقبول الشهادة، مرضي المقالة، ذا منطقٍ عدلٍ، وخطةٍ فصلٍ، وحجةٍ وبرهانٍ عظيمٍ. معنى قوله: يا داحي المدحوات: يا باسط الأرضين, ويروى أن الله عز وجل خلقها ربوةً ثم بسطها, قال عز وجل: {والأرض بعد ذلك دحاها} ودحوت الشيء بسطته ووسعته. ومنه قيل: أدحيٌ لموضع بيض النعامة لأنها تدحوه للبيض. وبرأ الله الخلق: خلقهم. وسمكت الحائط, أي: رفعته, وسمك البيت ارتفاعه. ومعنى: جبار القلوب: مقيمها ومثبتها على ما فطرها عليه من معرفته والإقرار به, من جبرت العظم: لأمته وجبرت الفقير, وليس من أجبرت فلاناً على الأمر: إذا أدخلته فيه كرهاً, لأنه لا يجوز من أفعل فعالٌ, ولو كان هذا يجوز في العربية لتأولنا قوله عليه السلام, إلا أنه قد حكي في لغةٍ شاذةٍ: جبرته على الأمر, فإن حملته على هذا, فالمعنى أنه أجبر القلوب على ذلك. ومعنى ((دامغ جيشات الأباطيل)) : مهلك لما ارتفع من الأباطيل, ومنه: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه} أي: يبطله, وأصله من دمغه, إذا أصاب دماغه, وجيشات من جاش يجيش: إذا ارتفع, ومنه جاشت نفسه تجيش. فاضطلع, أي: قوي, ومنه: فلانٌ مضطلعٌ بحمله, مأخوذٌ من

الضلاعة, وهي القوة, وأصله من الضلع, لأن الجنبين إذا قويا فالإنسان قويٌ. وقوله: بغير نكلٍ؛ النكل: النكول, وهو مصدر نكل عن الشيء ينكل, والفصيح ينكل. والقدم: التقدم. ومعنى: ولا وهنٍ في عزمٍ: ولا ضعفٍ في رأيٍ. ومعنى: حتى أورى قبس القابس: أظهر نوراً من الحق, وأوريت النار: قدحت فأظهرتها. وآلاء الله: نعمه, واحدها إلىً وألىً وأليٌ, ومعنى: آلاء الله تصل بأهله وأسبابه: نعم الله تصل بأهل ذلك القبس, وهو الإسلام والحق, وأسبابه فأهله المؤمنون. به هديت القلوب بعد خوضات الفتن, أي: بعد الكفر. موضحات الأعلام: نائرات, من نار الشيء, ويقال: أنار, إذا وضح, فأتى باللغتين جميعاً. شهيدك يوم الدين, أي: الشاهد على أمته يوم القيامة. وبعيثك, بمعنى مبعوثك. افسح له مفسحاً, أي: أوسع له سعةً. ومعنى في عدلك, أي: في دار عدلك, مثل: {وسئل القرية} يعني: يوم القيامة.

وإن كان في عدنك, أي: في جنتك, جنة عدنٍ. وقوله: ((وجزيل عطائك المعلول)) هو: من العلل, وهو الشرب بعد الشرب, فالشرب الأول نهلٌ, والثاني عللٌ, أي: عطاءً مضاعفاً يعل به عباده, أي: يعطيهم عطاءً بعد عطاءٍ. ومعنى ((أعل على بناء البانين بناءه)) : ارفع فوق عمل العاملين عمله. والمثوى: المنزل لا يعرف فيه الأصمعي إلا: ثوى بالمكان: إذا نزله وأقام به, وحكى غيره: ثوى وأثوى. ونزله: رزقه. 997- وقرئ على أحمد بن عمرو بن عبد الخالق, وأبي بكر بن محمد بن جعفر بن حفص بن راشدٍ؛ واللفظ لفظ أحمد بن عمروٍ؛ عن يوسف بن موسى, قالا: حدثنا محمد بن فضيلٍ, قال: حدثنا عطاء بن السائب, عن أبيه, عن علي بن أبي طالبٍ رضوان الله عليه, أنه قصد فاطمة رضي الله عنها, فقال لها: إني لأشتكي صدري مما أمد بالغرب, فقالت: وأنا والله أشتكي يدي مما أطحن بالرحى؛ فقال لها عليٌ: ائت النبي صلى الله عليه؛ وفي حديث محمد بن جعفرٍ: فإنه قد أتاه سبيٌ؛ ثم رجع اللفظ إلى أحمد بن عمروٍ: فاسأليه أن يخدمك خادماً؛ فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه, فسلمت عليه, ثم رجعت, فقال رسول الله صلى الله عليه: ((ما جاء بك؟)) قالت: جئت لأسلم على

رسول الله؛ فلما رجعت إلى عليٍ, قال: ما لك؟ قالت: والله ما استطعت أن أكلم رسول الله صلى الله عليه من هيبته؛ فانطلقا إليه جميعاً, فقال لهما رسول الله صلى الله عليه: ((ما جاء بكما؟ ولقد جاء بكما حاجةٌ)) قال له عليٌ رضي الله عنه: أجل يا رسول الله! شكوت إلى فاطمة صدري مما أمد بالغرب, فشكت إلي يدها مما تطحن بالرحى, فأتيناك لتخدمنا خادماً مما آتاك الله؛ قال: ((لا والله! لكني أبيعهم فأنفق أثمانهم على أصحابي أصحاب الصفة الذين تطوى أكبادهم من الجوع, ولا أجد ما أطعمهم)) قال: فلما رجعا, فأخذا مضاجعهما من الليل, أتاهما النبي صلى الله عليه وهما في خميلٍ, والخميل القطيفة البيضاء من الصوف, وكان رسول الله صلى الله عليه جهزها بها وبوسادةٍ حشوها إذخرٌ, وقد كان عليٌ وفاطمة رضي الله عنهما حين ردهما شق ذلك عليهما, فلما سمعا حس رسول الله صلى الله عليه ذهبا ليقوما, فقال لهما النبي صلى الله عليه: ((مكانكما)) ثم جاء حتى جلس على طرف الخميل, ثم قال: ((إنكما جئتماني لأخدمكما خادماً, وإني سأدلكما –أو كلمةً نحوها- على ما هو خيرٌ لكما من الخادم: تحمدان الله عز وجل في دبر كل صلاةٍ عشراً, وتسبحان عشراً, وتكبران عشراً, وتسبحانه ثلاثاً وثلاثين, وتحمدانه ثلاثاً وثلاثين, وتكبرانه أربعاً وثلاثين, فذلك مئةٌ, إذا أخذتما مضاجعكما من الليل)) قال عليٌ رضوان الله عليه: فما أعلم أني تركتهما بعد, فقال له عبد الله بن الكواء: ولا ليلة صفين؟ فقال له عليٌ: قاتلك الله! ولا ليلة صفين)) .

998- ويروى أن علياً رضي الله عنه كان يقول في دعائه: اللهم إن ذنوبي لا تضرك، وإن رحمتك إياي لا تنقصك، فاغفر لي ما لا يضرك، وأعطني ما لا ينقصك. 999- وكان رضي الله عنه يقول في حروبه: اللهم إنك أرضى للرضا، وأسخط للسخط، وأقدر على تغيير ما كرهت، ولا تغلب على باطلٍ، ولا تعجز عن حقٍ، وما أنت بغافلٍ عما يعمل الظالمون. 1000- وكان علي بن الحسين رضوان الله عليهما يقول في دعائه: اللهم ارزقني خوف الوعيد، وسرور رجاء الموعود، حتى لا أرجو إلا ما رجيت، ولا أخاف إلا ما خوفت. 1001- وكان محمد بن علي بن الحسين صلى الله عليهم يقول في دعائه: اللهم أعني على الدنيا بالغنى، وعلى الآخرة بالتقوى. 1002- وكان يقول: اللهم إنك بما أنت له أهلٌ من العفو أولى بما أنا له [أهلٌ] من العقوبة.

ذكر الاشتقاق والمضارعة في البلاغة، وهما مما كان يستعمله البلغاء من الكتاب قديما ويستحسنونه لحلاوته وحسنه

ذكر الاشتقاق والمضارعة في البلاغة، وهما مما كان يستعمله البلغاء من الكتاب قديماً ويستحسنونه لحلاوته وحسنه 1003- روى ابن المبارك، عن معمرٍ، قال: سئل الأحنف عن مودةٍ بغير مالٍ، فقال: الخلق السجيح، والكف عن القبيح، أولا أخبركم بأدوإ الداء: اللسان البذيء والخلق الدنيء. 1004- واعتد الوليد على نوفل بن مساحقٍ بالإذن له على نفسه وهو يلعب بالحمام، فقال: خصصتك بهذه المنزلة فقال: ما خصصتني، ولكن خسستني، لأنك كشفت لي عن عورةٍ من عوراتك. 1005- ومن الاشتقاق كتب بعض الكتاب: العذر مع التعذر واجبٌ فرأيك فيه. 1006- ومن المضارعة، ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والمشارة، فإنها تميت الغرة، وتحيي العرة)) . 1007- ومما يدخل في هذا الباب غير أن الكتاب يسمونه التبديل، لأن الكاتب يجعل ما كان مقدماً في الأول مؤخراً في الثاني، وما كان مؤخراً مقدماً= كما روي عن عبد الملك بن عمير، قال: انطلق

ذكر السجع والازدواج في البلاغة

عمرو بن حريثٍ إلى الهيثم بن الأسود يعوده، فقال: كيف أصبح أبا العريان؟ قال: بخيرٍ أبيض مني ما كنت أحب أن يسود، واسود مني ما كنت أحب أن يبيض؛ ولان مني ما كنت أحب أن يشتد، واشتد مني ما كنت أحب أن يلين؛ ثم أنشأ يقول: اسمع أخبرك بآيات الكبر تقارب الخطوة وضعفٌ في البصر وقلة الطعم إذا الزاد حضر وقلة النوم إذا الليل اعتكر وكثرة النسيان في ما يدكر وفركك الحسناء في قبل الطهر والناس يبلون كما تبلى الشجر 1008- ومن حسن ما في هذا قول بعض الكتاب: اشكر من أنعم عليك, وأنعم على من شكرك. ذكر السجع والازدواج في البلاغة 1009- هذان مستحسنان عند الكتاب القدماء إذا نجوا من الاستكراه والتعسف, على أن قوماً كرهوهما, فمنهم من تعمى عليهم ولم يدركوهما, ومنهم من أظهر التدين لتركهما. 1010- كما روي عن أبي هريرة, قال: اقتتلت امرأتان من هذيلٍ,

فضربت إحداهما الأخرى بحجرٍ, فقتلتها وما في بطنها, فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقضى أن دية جنينها عبدٌ أو وليدةٌ, وقضى بدية المرأة على عاقلتها, وورثها ولدها ومن معهم, فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي: يا رسول الله! أأغرم من لا شرب ولا أكل, ولا نطق ولا استهل, فمثل ذلك قد بطل؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما هذا من إخوان الكهان)) , من أجل سجعه الذي سجع. 1011- قال أبو جعفرٍ: وهذا لا يلزم, وقد قلنا: إن السجع حسنٌ إذا خلا من الاستكراه والتعسف, وهذا السجع مستكرهٌ متعسفٌ مكروهٌ, لأنه خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو لعمري مكروهٌ محظورٌ, ومثل هذا السجع مكروهٌ محظورٌ. فأما أن يقول القائل: السجع كله مكروهٌ, وقد أتى به كلام الله عز وجل وكلام رسوله, كما قال صلى الله عليه: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم, ويسعى بذمتهم أدناهم, وهم يدٌ على من سواهم)) , الأدنى ها هنا العبد, وقال عليه السلام يعوذ الحسن والحسين رضوان الله عليهم: ((أعيذكما من السامة والهامة, وكل عينٍ لامةٍ)) والأصل ملمةٍ, فقيل: ((لامة)) للازدواج. وهكذا يقول بعض النحويين في قوله صلى الله عليه: ((ارجعن

ذكر فقر من الحكم تدخل في البلاغة

مأزوراتٍ غير مأجوراتٍ)) والأصل موزوراتٍ. 1012- ومن حسن ما في هذا قول أبي عليٍ البصير: حتى عاد تعريضك تصريحاً وتمريضك تصحيحاً. قال بعض الكتاب واستحسن هذا، قال: أتى بوزنين متوازنين ومسجوعين بالحرف نفسه، وهو الحاء، من غير الدليل على استكراهٍ وتعسفٍ، وجعل بإزاء التعريض من الجزء الأول التمريض من الجزء الثاني، وذلك تسجيعٌ في هاتين اللفظتين بالضاد من غير استكراهٍ، وبإزاء التصريح التصحيح، وهما مسجوعان بالحاء أيضاً. 1013- ومن حسن ما في هذا ما روي أنه قيل لكثير عزة: ما لك تركت قول الشعر؟ فقال: مات ابن ليلى فما أرغب، وذهب شبابي فما أطرب، وماتت عزة فما أنسب. وهذا تسجيعٌ جيدٌ. ذكر فقرٍ من الحكم تدخل في البلاغة 1014- قرئ على أحمد بن محمد بن حجاجٍ، عن يعقوب بن حميد بن كاسبٍ، عن علي بن أبي علي بن محمدٍ الهاشمي، عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفرٍ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه فقال: ((يا فتى! ألا أهب لك وأعلمك كلماتٍ ينفعك الله بهن؟ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم

أن قد جف القلم بما هو كائنٌ، واعلم أن الخلائق لو أرادوك بخيرٍ لم يردك الله به لم يقدروا عليه، ولو أرادوك بشرٍ لم يردك الله به لم يقدروا عليه، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)) . 1015- وقال زيادٌ، أو عبيد الله بن زياد يوماً لأصحابه: من أنعم الناس عيشاً؟ قالوا: الأمير وأصحابه؛ قال: كلا، إن لصعود المنابر روعاتٍ، وإن لحلق البريد فزعاتٍ، ولكن أنعم الناس عيشاً رجلٌ في دارٍ لا يجري عليه فيها كراءٌ، وله زوجةٌ قد قنع بها وقنعت به، لا يعرفنا ولا نعرفه، إنا إن عرفناه أفسدنا عليه دينه ودنياه، وأتعبنا ليله ونهاره. 1016- قال ابن عائشة: أتي فحدث بهذا الحديث عبيد الله بن الحسين العنبري، فقال: هذا والله كلامٌ من ذهبٍ، فمن أحب أن يسمع كلاماً من ذهبٍ فليسمع هذا. 1017- ومن الفقر البليغة قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفاً، ولا بغضك تلفاً. 1018- ونظيره قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما؛ وأبغض بغيضك يوماً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما. 1019- وقال بعض الحكماء: بقدر السمو في الرفعة تكون وجبة الوقعة.

ذكر فقر من البلاغة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

1020- وقف الأحنف على قبر الحارث بن معاوية المازني، فقال: رحمك الله أبا المؤرق! كنت لا تحقر ضعيفاً، ولا تحسد شريفاً. 1021- وقال بعض الحكماء: من عرف الناس داراهم، ومن جهلهم ماراهم. 1022- وقال معاوية لابنه: ما المروءة؟ فقال: إذا أنعم عليك شكرت، وإذا ابتليت صبرت، وإذا قدرت غفرت. قال: أنت مني، وأنا منك. 1023- ولبعض البلغاء: دع ما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فما كل من حكى عنك شراً يوسعك عذراً. 1024- ووصف إسحاق الموصلي رجلاً، فقال: ظاهره مروءةٌ، وباطنه فتوةٌ. ذكر فقرٍ من البلاغة عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه 1025- روي عن أوفى بن دلهمٍ، قال: قال لي عليٌ رضوان الله عليه: تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه يأتي بعدكم زمانٌ ينكر فيه الحق تسعة أعشارهم.

1026- وقال عليٌ رضي الله عنه: إن الدنيار دارٌ قد ارتحلت مدبرةً، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلةً، ولكل واحدةٍ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، ألا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً، ألا من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات. 1027- وقال عليٌ رضي الله عنه: العلم أوديةٌ، في أي وادٍ أخذت حسرت، فخذ من كل شيءٍ طرفاً، أي: خياراً. ومنه {ننقصها من أطرافها} . قال: موت العلماء، والعلماء هم الخيار الكرماء. ومنه: ((ما يدري أي طرفيه أطول)) ، أي: ما يدري الكرم يجيئه من ناحية أبيه أو من ناحية أمه. 1028- وعنه: إن الله عز وجل جعل حسن الخلق وصلةً بينه وبين خلقه، فحسنكم شيءٌ يتصل بالله عز وجل. 1029- وعنه رضوان الله عليه: قيمة كل امرىءٍ ما يحسن. وهذا إذا تدبر كان فيه أعظم الفائدة والحكمة، لأن الإنسان الفرق بينه وبين البهيمة تمييزه وما يحسن، وهم يجتمعون في القوة والشهوة. 1030- وكذا، قوله: الفرص تمر مر السحاب. 1031- وقال قنبرٌ: دخلت على عليٌ وعثمان رضي الله عنهما،

ومن كلامه رضوان الله عليه

فأحبا الخلوة، فأومأ إلي عليٌ، فتنحيت غير بعيدٍ، فجعل عثمان يعاتب علياً وعليٌ مطرقٌ، فقال عثمان: ما لك لا تقول؟ فقال: إن قلت لم أقل إلا ما تكره، وليس لك عندي إلا ما تحب. ومن كلامه رضوان الله عليه 1032- من لانت كلمته وجبت حرمته. 1033- وقال لبعض أصحابه ورآه جزعاً: عليك بالصبر، فبه يأخذ الحازم، وإليه يرجع الجازع. 1034- ومن حسن ما روي عنه، أن رجلاً قال له وهو يخطب: يا أمير المؤمنين! صف لنا الدنيا؛ فقطع الخطبة، ثم أقبل عليه، فقال: أولها عناءٌ، وآخرها فناءٌ، حلالها حسابٌ، وحرامها عذابٌ؛ من صح فيها أمن، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها أتته، ومن نظر إليها أهمته، ومن تهاون بها نصرته. 1035- وسمع رجلاً يذم الدنيا، وكان مطرقاً فرفع رأسه، وقال: الدنيا دار صدقٍ لمن صدقها، ودار غنىً لمن تزود منها؛ ودار عافيةٍ لمن فهم عنها، مهبط وحي الله عز وجل، ومسجد أحبابه، ومصلى أنبيائه، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، تخويفاً وترهيباً، مثلت ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى السرور، فأيها الذام الدنيا، المغتر بغرورها؛ متى

استذمت إليك الدنيا؟ أم متى غرتك بمصارع آبائك من الثرى، أم بمضاجع أمهاتك من البلى، كم عللت بيديك، وكم مرضت بكفيك، تبتغي له الشفاء، وتستوصف له الأطباء، لم ينجه شفقتك، ولم يشفع فيه طلبتك، ولم ينجع فيه دواؤك، ولم يغن عنه أطباؤك، ومثلت الدنيا بنفسه نفسك، وبمصرعه مصرعك، حين لا يغني عنه بكاؤك، ولا يدفع عنه أحباؤك؛ ثم التفت إلى أهل التربة، فقال: يا أهل التربة! يا أهل الغربة! أما المنازل فقد سكنت، وأما الأزواج فقد نكحت، وأما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟! ثم التفت إلى أصحابه، فقال: والذي نفسي بيده، لو أذن لهم في الجواب لخبروا أن خير الزاد التقوى. وعنه رضوان الله عليه: اعقلوا الخبر إذا سمعتموه، ولا تعقلوه عقل روايةٍ، فإن رواة الكتاب كثيرٌ، ووعاته قليلٌ. 1036- وعنه: المعروف أفضل الكنوز، وأحصن الحصون، لا يزهدنك فيه كفر من كفره، فقد شكر لك عليه من لم يستمتع بشيءٍ منه.

ومن مشهور كلامه رضي الله عنه

ومن مشهور كلامه رضي الله عنه 1037- الدنيا دار ممرٍ إلى دار مقرٍ، والناس فيها رجلان: رجلٌ باع نفسه فأوبقها، ورجلٌ ابتاع نفسه فأعتقها. 1038- وعنه: مثل الدنيا كمثل الحية، لينٌ مسها، وفي جوفها السم الناقع، يهوي إليها الصبي الجاهل، ويحذرها ذو اللب الحاذر. 1039- ومن كلامه: إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه. 1040- وعنه: عليكم بالنمط الأوسط، فبه يلحق التالي، وإليه يرجع الغالي. 1041- وعن أبي الأسود الدؤلي، أن علي ابن أبي طالبٍ رضي الله عنه مر بأهل القبور فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا أهل التربة! يا أهل الغربة! اعلموا أن المنازل قد سكنت، وأن الأموال بعدكم قد قسمت، وأن الأزواج بعدكم قد نكحت، هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ فأجابه هاتفٌ يقول: ((السلام عليكم ورحمة الله، يا أمير المؤمنين! أما ما عندنا فما أكلنا ربحنا، وما قدمنا وجدنا، وما تركنا خسرنا؛ فالتفت إلى أصحابه وتلا هذه الآية: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} .

ذكر أشياء من البلاغة مروية مما يحفظها الكتاب والمتأدبون

قرئ على الحسن بن علي بن سعيد، عن مؤمل بن هشامٍ البصري، عن امرأة ابن علية، عن ابن برقان، عن ميمون بن مهران، عن أبي الأسود الدؤلي. ذكر أشياء من البلاغة مرويةٍ مما يحفظها الكتاب والمتأدبون 1042- فمن ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى معاذ بن جبلٍ يعزيه عن ابنه: أما بعد؛ فأعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر، ثم إن أنفسنا وأموالنا وأهلينا من مواهب الله عز وجل الهنيئة، وعواريه المستودعة، نمتع بها في غبطةٍ وسرورٍ، ثم يقبضها لأجر كبير، افترض علينا الشكر إذا أعطى، والصبر إذا ابتلى، وكان ابنك من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة، أمتعك به في غبطة وسرور، وقبضه لأجرٍ كبيرٍ؛ فإن صبرت واحتسبت يا معاذ فلا يحبطن أجرك جزعك، فتندم على ما فاتك، فلو كشف لك عن ثواب مصيبتك علمت أن المصيبة قد قصرت عنه، واعلم أن الجزع لا يرد ميتاً، ولا يذهب حزناً، فليذهب أسفك على ما هو نازلٌ بك، فكأن قد، والسلام. 1043- وفي حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ منجياتٌ، وثلاثٌ مهلكاتٌ؛ فأما المنجيات: فالإخلاص لله عز وجل في

السر والعلانية، والحكم بالعدل عند الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى؛ وأما المهلكات: فشحٌ مطاعٌ، وهوىً متبعٌ، وإعجاب المرء بنفسه)) . 1044- وروي عنه صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ من الفواقر: امرأة سوءٍ إن دخلت إليك لسنتك، وإن خرجت عنها لم تأمنها؛ وجار سوءٍ إن رأى خيراً كتمه، وإن رأى شراً أذاعه؛ وأمير سوءٍ إن أطعته أكفرك، وإن عصيته قتلك)) . 1045- ودعا أعرابيٌ، فقال: اللهم إني أعوذ بك من فقرٍ مكبٍ، وضرعٍ إلى غير محبٍ. 1046- وقال رجلٌ لصديقٍ له: اقعد! فعندي تكأٌ وطيءٌ، وطعامٌ غير بطيءٍ. 1047- وذكر إدريس بن معقلٍ أبا مسلمٍ، فقال: بمثل أبي مسلمٍ يدرك الثأر، وينفى العار، ويبين عقدٌ، ويؤكد عهدٌ، ويسهل وعرٌ، ويخاض غمر، ويفل نابٌ، ويفتح بابٌ. 1048- وقال رجلٌ لخالد بن صفوان: كيف أسلم على الإخوان؟ قال: لا تبلغ بهم النفاق، ولا تقصر بهم عن الاستحقاق. 1049- وقيل للأحنف بن قيسٍ: كيف يسود الرجل؟ فقال: بالخلق السجيح، والكف عن القبيح. 1050- وقيل لبعضهم: أي إخوانك أوجب عليك حقاً؟ فقال: الذي يسد خللي، ويغفر زللي، ويقيل عللي.

1051- وقال محمد بن سليمان لابن السماك: بلغني عنك شيء كرهته؛ قال: لست أبالي ذاك؛ قال: ولم؟ قال: لأنه إن كان حقاً غفرته, وإن كان باطلاً كذبته. 1052- وقال أعرابيٌ في وصف الحرب: أولها شكوى, وأوسطها نجوى, وآخرها بلوى. 1053- ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المحسن المذموم مرحومٌ)) . 1054- وعنه صلى الله عليه: ((لا تظهر الشماتة بأخيك, فيرحمه الله ويبتليك)) . 1055- ويروى أن أرسطا طاليس كتب إلى الإسكندر في بعض رسائله: سس الناس بالإحسان إليهم تحظ بالمودة منهم, واعلم أن طلبك طاعتهم بالرفق بهم أدوم بقاء منه باعتسافك إياهم, واعلم أنك إنما تملك الأجساد فتخطها إلى القلوب بالمعروف, واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول قدرت على أن تفعل, فاحرص على أن لا تقول تسلم من أن تفعل. 1056- وقرئ على محمد بن هارون, عن أبيه, قال: أخبرني أبو يوسف, قال: وذكره صالحٌ أيضاً, عن أحمد بن عبد الله, عن يونس, قال: حدثنا حيان, عن مجالدٍ, عن الشعبي, عن ابن عباس, قال: قال لي أبي: إن هذا الرجل –يعني عمر- يدنيك, أو قال: يخصك

فيدخلك مع أهل بدرٍ, فاحفظ عني خصالاً ثلاثاً: لا تفشين له سراً, ولا تغتابن عنده أحداً, ولا يجربن عليك كذباً. قال الشعبي: فقلت: كل كلمةٍ خيرٌ من ألفٍ؛ قال ابن عباسٍ: إي والله ومن عشرة آلافٍ. قال ابن حيان: فذكرته لابن شبرمة, فقال: رحمهما الله, كانت الأموال إذ ذاك قليلةً.

باب المرتبة السابعة

باب المرتبة السابعة 1057- لقبنا هذه المرتبة بمرتبة الفهاهة, لما قدرنا أن نذكر فيها مما يعاب على الكتاب ومن لحقته الفهاهة, فيكون ذلك مستجلباً لنشاط القارئ وإصغاء المستمع, ولعل من يتصفح هذا الكتاب يقول: ما هذا من صناعة الكتاب, فيخرج إلى الفهاهة لأن معرفة كثيرٍ مما يمر في هذا الباب يستحسن للكاتب معرفته, ويعد حفظه إياه من أدبه. 1058- فأول ما نبدأ به ذكر معنى الفهاهة من اللغة, ثم باب ذكر من لحقته الفهاهة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم , ثم باب ذكر من لحقته الفهاهة في زمن الصحابة, ثم باب ذكر ما يعد على من استعمله من الكتاب فهاهةً, ثم باب ذكر الفهاهة في استعمال حوشي الكلام, ثم باب ذكر الفهاهة في جعل الحرف في غير موضعه, ثم باب ذكر الفهاهة في المعاظل من الكلام, ثم باب ذكر من لحقته الفهاهة من الكتاب وغيرهم. فأول ذلك: باب ذكر الفهاهة في اللغة 1059- قال الخليل: الفه: الرجل العيي عن حجته؛ والمرأة فهةٌ، وقد فههت يا رجل فهاهةً وفهةً، ورجلٌ فهٌ وفهيهٌ، وذلك إذا

ذكر من لحقته الفهاهة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

جاءت منه سقطةٌ أو جهلةٌ من العي وغيره. وقال الشاعر، هو أبو قيس ابن الأسلت: الكيس والقوة خيرٌ من الإشفاق ... والفهة والهاع 1060- وقال أبو زيدٍ: الفه العيي، الكليل اللسان، وأفهني عن حاجتي حتى فههت. ذكر من لحقته الفهاهة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 1061- روى تميم بن طرفة، عن عدي بن حاتم الطائي، قال: جاء رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتشهد أحدهما، فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بئس الخطيب أنت، فقم)) . 1062- وروي عن الفراء في قوله عز وجل: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} قال: دخل رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن حمدي زينٌ، وإن ذمي شينٌ؛ قال: ((ذاك الله عز وجل)) .

1063- وعن محمد بن الضحاك، عن أبيه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد بني تميمٍ، وهم سبعون رجلاً أو ثمانون رجلاً، منهم الأقرع بن حابسٍ، والزبرقان بن بدرٍ، وعطارد بن حاجبٍ، وقيس بن عاصمٍ، وعمرو بن الأهتم، وانطلق معهم عيينة بن حصنٍ، وكان يكون في كل سوءةٍ، فقدموا المدينة، فدخلوا المسجد، فوقفوا عند باب النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا من وراء الحجرات بصوتٍ عالٍ جافٍ: اخرج يا محمد حتى نفاخرك، وجئنا بشاعرنا وخطيبنا؛ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس، فقام –يعني خطيبهم- فقال: والله إن مدحي لزينٌ، وإن ذمي لشينٌ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذلك الله عز وجل)) فقال: أنا أكرم العرب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكرم منك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)) وذكر الحديث. 1064- ومما يدخل في هذا الباب خبر الزبرقان بن بدرٍ حين مدح، فلم يرض، فذم؛ كما روى محمد بن إدريس الحنظلي، قال: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم وقيس بن عاصمٍ والزبرقان بن بدرٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمروٍ: ((أخبرني عن هذا –يعني الزبرقان- فأما هذا، فإني لا أسألك عنه –لقيسٍ-)) فقال عمروٌ: مطاعٌ في أدنيه، شديد العارضة، مانعٌ ما وراء ظهره؛ فقال: والله يا رسول الله، لقد قال، وهو يعلم أني أفضل مما قال؛ فقال عمروٌ: والله إنك لزمر المروءة، ضيق العطن، أحمق الأب، لئيم الخال؛ ثم قال:

ذكر من لحقته الفهاهة في وقت الصحابة

يا رسول الله! لقد صدقت فيهما جميعاً، أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم، ثم أسخطني فقلت بأسوإ ما أعلم فيه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من البيان لسحراً)) . 1065- ومن هذا الباب ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , أن رجلاً استأذن عليه, فقال: ((من ذا؟)) فقال: أنا! كأنه كره ذاك. 1066- قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول –كأنه لم يبلغه هذا الحديث- دق رجلٌ على الخليل الباب, فقال: من ذا؟ فقال: أنا! فقال: أنت والصوت واحدٌ. ذكر من لحقته الفهاهة في وقت الصحابة 1067- روي عن سماك بن حربٍ, عن أبي العافية, قال: قدمت بحلوبةٍ إلى المدينة, فأتاني أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه, فساومني بناقةٍ, فقال: بكم؟ فقلت: بكذا؛ فقال: أتبيع بكذا؟ فقلت: لا, عافاك الله؛ فقال: لا تقل كذا, ولكن قل: لا وعافاك الله. 1068- وعن مالكٍ, عن يحيى بن يحيى بن سعيدٍ, أن رجلاً سلم على عبد الله بن عمر, فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات؛ فقال عبد الله: عليك ألفاً؛ ثم إنه كره ذلك.

باب ما يعد على من استعمله فهاهة من الكتاب

1069- والكتاب يستحسنون حسن الجواب, كما حكي عن بعضهم, قيل له: ما اسمك؟ قال: أحمد, أحمدك الله العاقبة في جميع أمورك. 1070- وضد هذا مستقبحٌ, كما روى مالكٌ, عن يحيى بن سعيدٍ, أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, قال لرجلٍ: ما اسمك؟ قال: جمرة؛ قال: ابن من؟ قال: ابن شهابٍ, قال: ممن؟ قال: من الحرقة؛ قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار؛ قال: بأيها؟ قال: بذات لظىً؛ قال له: أدرك أهلك فقد احترقوا, فكان كما قال. باب ما يعد على من استعمله فهاهةً من الكتاب 1071- كان عبيد الله بن سليمان يرى أن من فهاهة الكتاب كتبهم: وعرفتك ذلك لتعلمه, لأنه لا فائدة فيه. 1072- وروي عن محاربٍ أنه مر به صديقٌ له, فسلم عليه, ثم مر به آخر, فقال: أرأيت لي فلاناً؟ يعني الذي سلم عليه؛ فقال: لا؛ فقيل له: سبحان الله! ما دعاك إلى هذا الكذب؟ فقال: إنما قال لي: أرأيته لي, وليس له رأيته.

1073- وقال رجلٌ لموسى بن عبد الملك لما لقيه: أطال الله بقاءك, وأدام عزك, وأتم نعمته عليك وعندك؛ فالتفت موسى إلى بعض كتابه, فقال: اكتب إليه: إني في عافيةٍ؛ أراد أنه لقيه بصدر كتابٍ. 1074- ونظر عبيد الله بن سليمان في كتاب بعض الكتاب, فإذا فيه حرفٌ مصلحٌ, وقد لهوت عن جباية الخراج؛ فاغتاظ, وقال: لا يحكه غيري, فحكه وأصلحه: وقد لهيت. 1075- وهم يعيبون تكرير الألفاظ وليس ذلك عند كثيرٍ من أهل العربية كما يذهبون إليه, وقد يقع من ذلك التوكيد وغيره. 1076- وقد عابوا سعيد بن حميدٍ على محله من الكتابة بأنه كتب إلى بعض الرؤساء: وميل خادمك بين ما يملك فلم يجد فيه شيئاً يفي بحقك، ورأى أن تقريظك بما يبلغه اللسان وإن كان دون حقك أبلغ في أداء ما يجب لك. فأعاد ((حقك)) في مقدار هذا اليسير من الكلام مرتين. 1077- وكذا أقمت شهيداً به عليه، والأحسن: أقمت عليه شهيداً به. 1078- وكذا عابوا: لفلانٍ ولي به حرمةٌ مظلمةٌ، وكان الأجود أن يقال: لفلانٍ وأنا أرعى حرمته مظلمةً. 1079- وكذا: بفلانٍ وبه غلة حاجةٍ إلى لقائك.

باب الفهاهة في استعمال حوشي الكلام

1080- يعيبون مثل هذا، ويعيبون التجميع، وهو أن يكون الجزء الثاني منافراً للأول في النظم، كما كتب سعيد بن حميدٍ: وصل كتابك، فوصل به ما يستعبد الحر، وإن كان قديم العبودية. ثم قال: ويستغرق الشكر، وإن كان سالف فضلك لم يبق شيئاً منه منافراً للعبودية. 1081- ويعيبون اختلاف الأجزاء، فيقع التعمل؛ كما كتب إبراهيم بن المدبر إلى عبيد الله بن سليمان يعزيه: إذا كان للمحزون في لقاء مثله أكبر الراحة كان في العاجل، ثم قال: كان الحزن راتباً إذا رجع إلى الحقائق وغير زائلٍ. فبين في الكلام التكلف في قوله: وغير زائل. باب الفهاهة في استعمال حوشي الكلام 1082- قال بشر بن المعتمر: إياك والتوعر، فإنه يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك، ويمنعك مراميك. 1083- وممن كان يستعمل حوشي الكلام أبو علقمة النحوي، ثار به مرارٌ، فقرأ رجلٌ في أذنه، فلما أفاق قال: ما لكم تتكأكؤون علي كأنكم تتكأكؤون على ذي جنةٍ؟ افرنقعوا عني! فقال بعضهم لبعضٍ: وجنيته أيضاً هنديةٌ. 1084- وقال لحجامٍ يحجمه: انظر ما آمرك به فاصنعه، ولا تكن

كمن أمر بأمرٍ فضيعه؛ أنق غسل المحاجم، واشدد قصب الملازم، وأرهف ظبات المشارط، وأسرع الوضع، وعجل النزع، وليكن شرطك وخزاً، ومصك نهزاً، ولا تكرهن أبياً، ولا تردن أتياً؛ فوضع الحجام محاجمه في جونته وانصرف. 1085- وهذا مستثقلٌ من كل مستعملٍ، فأما من لا يتعمل من الفصحاء المتقدمين، فإن ذلك مستحسنٌ منهم، كيحيى بن يعمر، وهو من جلة التابعين، يروى أنه اختصم إليه رجلٌ وامرأةٌ، فأقبل على الرجل، فقال: أإن سألتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها، الشكر: الفرج، وشاةٌ شكراء: محفلةٌ؛ والشبر: النكاح؛ وتطلها: تدفعها عن حقها لتبطله, ومنه: دمٌ مطلول, وقد طل دمه؛ وتضهلها: لا توفيها حقها, ولكن تدفع إليها اليسير, وبئرٌ ضهولٌ: إذا كان الماء يأتي من جرفها فقط. 1086- ومن المطبوعين في مثل هذا عيسى بن عمر النحوي, سئل عن مسألةٍ من النحو, فقال: مسألتك هذه يتنٌ, أي: ليست مستويةً, وأصل اليتن خروج رجل الصبي قبل رأسه. 1087- وقال: لقد كتبت حتى انقطع سوائي؛ والسواء: الوسط. 1088- وضربه عمر بن هبيرة ضرباً كثيراً من أجل وديعةٍ, فكان يقول وهو يضرب: ما هي إلا أثيابٌ في أسيفاطٍ قبضها عشاروك.

باب ذكر الفهاهة في جعل الحرف في غير موضعه

باب ذكر الفهاهة في جعل الحرف في غير موضعه 1089- من ذلك اللفف, وهو: إدخال بعض الحروف في بعضٍ, ويقال: رجلٌ ألف, إذا كان عيياً. 1090- ويقال: به عقلةٌ, إذا كان به التواءٌ عند إرادته الكلام. 1091- والأعجمي والأعجم: الذي لا يبين ويلحن, وإن كان أصله من العرب, والعجمي: الذي نسبه من العجم, وإن كان فصيحاً. 1092- والطمطماني والطمطماني والطمطم: الذي كلامه كلام العجم, وبه طمطمةٌ. 1093- والألكن, وبه لكنةٌ: إذا كان يعترض في كلامه اللغة العجمية. كما يروى عن زيادٍ الأعجم أنه كان إذا أراد أن يقول: السلطان, قال: السلتان. 1094- ورجلٌ تمتامٌ, وبه تمتمةٌ, إذا كان يكرر التاء. 1095- ورجلٌ فأفاءٌ, وبه فأفأةٌ: إذا كان يكرر الفاء. 1096- وبه حبسةٌ: إذا تعذر عليه الكلام عند إرادته. ويقال: إنها

تعترض من كثرة السكوت. 1097- والرتة والرتت كالريح تعرض في أول الكلام, فإذا مر فيه انقطع ذلك, ويقال: إنها تكون غريزةً. 1098- والغمغمة: أن تقطع الحروف, وهي تستعمل في كل صوتٍ لا يفهم للناس وغيرهم. 1099- واللثغة: أن يدخل بعض الحروف في بعضٍ. 1100- والغنة: أن يخرج الصوت من الخياشيم, وهي تستحسن في الحديثة. 1101- فإن اشتدت, قيل لها: خنةٌ, وبها خننٌ. 1102- والترخيم: حذف آخر الكلام, غير أني سمعت محمد بن الوليد, يقول: قال الأصمعي: أخذ عني الخليل بن أحمد معنى الترخيم, وذلك أنه سألني: ما الترخيم؟ فقلت: العرب تقول: جاريةٌ رخيمةٌ إذا كانت حسنة الكلام لينته.

ذكر الفهاهة في المعاظلة بين الكلام

ذكر الفهاهة في المعاظلة بين الكلام 1103- قال ابن السكيت: تعظل القوم: اجتمعوا. 1104- وحكى غيره: تعاظلت الكلاب، أي: تسافدت. 1105- قال ثعلبٌ: المعاظلة: مداخلة الشيء في الشيء، يقال: تعاظلت الجرادتان، وعاظل الرجل المرأة. 1106- وفي حديث عمر رضي الله عنه حين ذكر زهيراً، فقال: كان [لا] يعاظل بين الكلام. 1107- فالناس في المعاظلة على وجهين أصلهما واحدٌ، وهو: الاجتماع والمداخلة. 1108- فمنهم من قال: المعاظلة: اجتماع الحروف، يعني تكريرها، وذلك عيبٌ عند الكتاب. كما كتب سعيد بن حميدٍ إلى بعض الرؤساء في يوم المهرجان: وميل خادمك بين ما يملك فلم يجد فيه شيئاً يفي بحقك، فرأى أن تقريظك بما يبلغه اللسان، وإن كان مقصراً عن حقك أبلغ في أداء ما يجب لك. فأعاد ((حقك)) مرتين، وليس هذا مما يعاد توكيداً، وقد مضى هذا الفصل في ما تقدم. 1109- ومن الكتاب من يسمي هذا التكرير، ويقول: المعاظلة أن

تدخل بعض الكلام في بعض مما ليس من جنسه، أو فيما نافره ولم يلق به، فتقول: فلانٌ فقيهٌ طويلٌ. 1110- ومن هذا فاحش الاستعارة، كما قال الشاعر: فما رقد الولدان حتى رأيته ... على البكر يمريه بساقٍ وحافر فاستعار الحافر مكان القدم. 1111- وقال آخر: سأمنعها أو سوف أجعل أمرها ... إلى ملكٍ أظلافه لم تقلم وإنما الأظلاف للشاء والبقر، ولو استعار فجعل لغير الإنسان الظفر لكان حسناً، ولم يكن كقبح هذا. 1112- كما يقال: مات الإنسان، ونفقت الدابة، وتنبل البعير، ولو قلت في كله: مات، لصلح، ولو قلت: نفق الإنسان، لكان هذا عند قائل هذا المعاظلة، وإنما تقع المعاظلة في الاستعارة القبيحة البعيدة. 1113- فأما الاستعارة المستعملة فكثيرةٌ حسنةٌ، نحو: لقيت من فلانٍ عرق الجبين، أي: شدةً= ونحو: ضحكت الأرض إذا أنبتت، لأنها تبدي حسن النبات، وتشقق عن الزهر كما يفتر عن الثغر= ويقال: النور يضاحك الشمس، لأنه يدور معها، كما قال الأعشى يذكر روضةً: يضاحك الشمس منها كوكبٌ شرقٌ ... مؤزٌ بعميم النبت مكتهل

ذكر من لحقته الفهاهة من الكتاب وغيرهم

ذكر من لحقته الفهاهة من الكتاب وغيرهم 1114- يروى أن كاتباً لأبي موسى كتب إلى عمر رضي الله عنه: من أبو موسى؛ فكتب إليه عمر: اضربه سوطاً, واعزله عن عملك. 1115- وزعم عمرو بن بحرٍ الجاحظ أن ممن أدخل نفسه في الكتابة وتسمى باسمها, وكان غثاً أنوك= صالح بن سير, وجعفر بن معروفٍ, والفضل بن مروان ابن أخت أبي الوزير, وغيرهم. 1116- وأحمد بن الخطيب رأى جراداً كثيراً يطير, فقال: ما أحسنه! إلا أن أكثره ميتٌ. 1117- وأنشد عمروٌ: حمارٌ في الكتابة يدعيها ... كدعوى آل حربٍ من زياد فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو غرقت ثوبك بالمداد 1118- حدثني ميمون البري, قال: قرأ محمد بن الفضل الكاتب على صاحبه كتاباً فيه: ومطرنا مطراً كثر عنه الكلأ؛ فقال له: ما الكلأ؟ فتردد في الجواب, وتعثر لسانه, ثم قال: لا أدري؛ فقال: سل عنه.

1119- وقرأ محمد بن عيسى الكاتب على بعض الخلفاء كتاباً يذكر فيه حاضر طيىءٍ, فصحفه تصحيفاً أضحك منه الحاضرين, وذلك أنه قال: جاء ضرطي. 1120- وحكى القتبي أن بشراً المريسي كان يقول لجلسائه: قضى الله لكم الحوائج على أحسن الوجوه وأهنؤها. وسمع قاسمٌ التمار قوماً يضحكون؛ فقال: هذا كما قال الشاعر: إن سليمى والله يكلؤها ... ضنت بشيءٍ ما كان يرزؤها فالاحتجاج أعجب من اللحن. 1121- ويروى أن بعض كتاب الدواوين ألزم بعض العمال مالاً وجب إلزامه إياه من حسابه, فوقع عبيد الله بن سليمان على رقعته إلى كتاب الدواوين: هذا هذاءٌ؛ فقدر العامل لضعف أدبه وعلى سبيل التمويه منه أن الوزير قد قبل حجته وقبل في الرقعة قوله كما يقال تثبيت الشيء: هو هو, كما قال الله: {فغشيهم من اليم ما غشيهم} ؛ فأخرج التوقيع إلى الكتاب, وناظرهم على أنه يوجب إزالته عنه, فما منهم أحدٌ درى ما أراد عبيد الله, فرد صاحب الديوان التوقيع إلى عبيد الله, فلم يزده على أن شدد الكلمة الأخيرة, ووقع: الله المستعان.

1122- وحدثني العباس بن أسدٍ, أن أبا الحسين علي بن عيسى كتب إلى أبي الطيب أحمد بن علي كتاباً من مكة, فقرأه, ثم رمى به إلي, فقال: اقرأه! فلما ابتدأت أوله أرتج علي حرفٌ منه, ثم قرأت: كتابي إليك يوم القر؛ فوبخني, وقال: وما معنى يوم القر؟ قلت: القر البرد؛ وقال: إنما هو يوم القر حين يقر الناس بمنىً, وهو اليوم الثاني من النحر. 1123- وحكى محمد بن يزيد، أن المأمون عقد لرجلٍ أربعةً، وقال: كم هذه؟ فقال: أيهما يريد أمير المؤمنين، آلقائمة أم النائمة؟ 1124- وحضر رجلٌ ذو هيئةٍ ولحيةٍ ونبلٍ مجلس بعض الولاة، فرفعه وهاب مجلسه، فلما استقر به المجلس، قال: أعزك الله! إن أبيك كان صديقٌ لأبي؛ فقال لحاجبه: أقم هذا الماص كذا من أمه من مجلسي؛ فانصرف القوم بسببه بغير حاجةٍ. 1125- قال أبو بكرٍ: وحضرت مجلس رجلٍ، فأفحمت عن مسألة حاجتي لكثرة حمقه، فرأيته وقد أنكر على كاتبه وقد أملى عليه: ولم أكتب إليك بخطي خوفاً من أن تقف على رداوته؛ فكتب كاتبه: على راءته؛ كما يجب، فقال: أما تحسن الهجاء، أين الواو؟ فأثبتها الكاتب، فخس في عيني، فاجترأت عليه، ودنوت منه، فسألته حاجتي.

1126- وقال عمرو بن بحران للرشيد: قد هجوت الرافضة؛ فقال: هات، فقال: رغماً وشنغماً وزيتوناً ومظلمةً ... من أن ينالوا من الشيخين طغيانا فقال له الرشيد: فسره لي! فقال: أنت يا أمير المؤمنين معك مئة ألفٍ من الجند لا تعرفه، أعرفه أنا وحدي!؟ 1127- وقال رجلٌ للأحنف: ما أبالي أهجيت أم مدحت؛ فقال له الأحنف: لقد استرحت من حيث تعب الكرام. 1128- وحكي عن أحمد بن إسرائيل مع تقدمه في الكتابة أنه كتب: كانت رسومهم مساناةً، ثم صارت مشاهرةً، ثم صارت مياومةً، ثم صارت مساعاةً؛ فأخطأ، وكان يجب أن يقول مساوعةً. 1129- وعن آخر، قيل له: خير الغداء بواكره، فكيف تقول في العشاء؟ فقال: لا أدري؛ فقيل: بواصره. 1130- وعن آخر، قال: ولى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل صنعاء والجند، أراد الجند، وهو أحد مخاليف اليمن. 1131- وقال آخر: بنو حجحبى، وإنما هو جحجبى حيٌ من الأنصار.

1132- وعن آخر تعجب من حسن دارٍ دخلها، فقال: قد كنت أعرفها في موضع غير هذا. 1133- وعن آخر، لم يفرق بين عرض الحائط وطوله وسمكه. 1134- وعن آخر، لم يعرف يمين القبلة وشمالها. 1135- وربما سألوا عما لا يلزمهم معرفته، نحو قولهم: كم في {العصر} واوأً؟ وكم في {إنا أنزلناه} ؟ وعن آيتين تجمع كل واحدة منهما اب ت ث؟ وكم في آية الكرسي من لام ألفٍ؟ وعن بيتٍ يجمع اب ت ث؟ وهذا تفسير ما مضى مما سألوا عنه. 1136- أما الذي لا يفرق بين عرض الحائط وطوله وسمكه؛ فعرضه البناء المبني, وطوله نواحيه, وسمكه ارتفاعه. 1137- وأما يمين القبلة وشمالها, فما كان عن يمينك إذا قابلتها فهو شمالها, وما كان عن شمالك إذا قابلتها فهو يمينها. 1138- وفي {العصر} عشر واواتٍ. 1139- وفي {إنا أنزلناه} ثلاثٌ. 1140- وأما الآيتان اللتان تجمع كل واحدةٍ منهما حروف اب ت ث, فقوله جل وعز {محمدٌ رسول الله} {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنةً نعاساً} . 1141- وفي آية الكرسي لام ألفٍ اثنا عشر موضعاً.

1142- والبيت الذي يجمع حروف اب ت ث أنشدنيه علي بن سليمان: صف خلق خودٍ كمثل الشمس إذ بزغت ... يحظى الضجيع بها شنباء معطارا 1143- وقال آخر: هلا سكنت بذي ضغثٍ فقد زعموا ... شخصت تطلب ظبياً راح مجتازا 1144- وكتب الحسين بن علي بن العباس, على محله وعلمه ورئاسته: وهم مجانون؛ توهم أنه جمعٌ مسلمٌ. 1145- وشك آخر في صرف خفيفٍ, فقيل له: إن الشيء إنما يصرف لأنه خفيفٌ. 1146- وصحف بعضهم فأنشد: إن الذنوب تنفع المغلوبا وإنما هو تنقع, أي: تروي. ومنه يقال: الرشيف أنقع للظمآن, والعرب تقول: إنه لشرابٌ بأنقعٍ, أي فطنٌ, حسن التدبير, وأصله أن الطائر الفطن يأتي إلى القيعان من الماء ليشرب منها ويتخلص. 1147- قال أبو العيناء في أسد بن جهورٍ الكاتب: تعس الزمان لقد أتى بعجاب ... وأمات أهل العلم والآداب وأتى بكتابٍ لو انطلقت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتاب

جيلٌ من الأنعام إلا أنهم ... من بينها خلقوا بلا أذناب لا يفرقون إذا الجريدة جردت ... مابين عتاب إلى عناب أو ما ترى أسد بن جهورٍ قد غدا ... متشبهاً بأجلة الكتاب لكن يخرق ألف طومارٍ إذا ... ما احتيج منه إلى جواب كتاب وإذا أتاه سائلٌ في حاجةٍ ... رد الجواب له بغير جواب وسمعت من غث الكلام ورثه ... وقبيحه واللحن بالإعراب ثكلتك أمك هبك من بقر الملا ... ما كنت تغلط مرةً بصواب 1148- ومما وجدته في آخر كتابٍ عندي في هذه القصيدة، ونسبت إلى أحمد بن مهران الكاتب بأسرها: وإذا أتاه مسلمٌ في حاجةٍ ... رد الجواب له بغير جواب وأتاه من غث الكلام ورثه ... وحديثه واللحن بالإعراب

باب المرتبة الثامنة

باب المرتبة الثامنة 1149- قال أبو جعفرٍ: هذه مرتبة الخطابة، وهي من أوكد ما يحتاج الكتاب إليه، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قرئ على أحمد بن شعيب بن عليٍ، عن محمود بن خالدٍ، قال: حدثنا؛ قال: قال أبو عمروٍ: أخبرني قرة، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كل أمرٍ ذي بالٍ لا تبدأ فيه بحمد الله أقطع)) . 1150- فأول ما نبدأ به من الأبواب في هذه المرتبة باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الخطب، ثم باب ما ذكر عن أهل البيت عليهم السلام من الخطب، ثم باب ما ذكر من الخطب عن الصحابة رضي الله عنهم، ثم باب ما ذكر عن جلة الكتاب، ثم باب ذكر من أرتج عليه في خطبته.

باب ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الخطب

باب ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الخطب 1151- قرئ على أحمد بن شعيب بن عليٍ، عن قتيبة بن سعدٍ، قال: حدثنا عبثر، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة، فقال: ((التشهد في الحاجة أن تقول: الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ ويقرأ ثلاث آياتٍ)) . 1152- قال في حديث أبي عبد الرحمن: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة، وذكر هذا؛ قال: وفيه: ثم يقرأ هؤلاء الآيات الثلاث: {يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} ، و {واتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم} و {اتقوا الله حق تقاته} . 1153- قال أبو بكرٍ محمد بن إبراهيم بن المنذر: ما تركت هذه الخطبة عند النكاح.

1154- وقال غيره: وجدنا خطب رسول الله أكثرها أوله هذا الكلام, وفي بعضها زيادةٌ: ((يا أيها الناس! كأن الموت على غيرنا كتب, وكأن الحق على غيرنا وجب, وكأن الذي نشيع من الأموات سفرٌ عما قليلٌ إلينا راجعون نبوئهم أجداثهم, ونأكل تراثهم, كأنا مخلدون بعدهم, قد نسينا كل واعظةٍ وأمنا كل جائحةٍ, طوبى لمن شغله عيبه عن عيب غيره, وأنفق ما اكتسبه من غير معصيةٍ, ورحم أهل الضعف والمسكنة, وخالط أهل الفقه والحكمة, طوبى لمن أذل نفسه, [وطاب كسبه,] وحسنت خليقته, وصلحت سريرته, [وكرمت علانيته,] وعزل عن الناس شره؛ [طوبى لمن عمل بعلمه,] وأنفق الفضل من ماله, وأمسك الفضل من قوله, ووسعته السنة, ولم يعدها إلى بدعةٍ)) . 1155- وفي أخرى: ((يا أيها الناس! إن المؤمن بين مخافتين: بين أجلٍ قد مضى لا يدري ما الله صانعٌ فيه, وبين أجلٍ قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه, فليأخذ العبد من نفسه لنفسه, ومن دنياه لآخرته, ومن الشبيبة قبل الكبر, ومن الحياة قبل الموت؛ والذي نفس محمدٍ بيده ما بعد الموت مستعتبٌ, ولا بعد الدنيا دارٌ إلا الجنة أو النار)) .

1156- ويروى أنه خطب صلى الله عليه في تزويج عليٍ لفاطمة رضوان الله عليهما: ((الحمد الله المحمود بنعمه, المعبود بقدرته, المطاع بسلطانه, المرهوب من عقابه, المرغوب في ما عنده, النافذ أمره في سمائه وأرضه, الذي خلق الخلق بقدرته, وميزهم بحكمته, وأعزهم بدينه, وأكرمهم بمحمدٍ نبيه؛ أما بعد؛ فإن الله جعل المصاهرة نسباً لاحقاً, وحقاً واجباً, وفرضاً لازماً, وحكماً عادلاً, وخيراً جامعاً؛ وشج به الأرحام, وألزمه الأنام, وفرق به بين الحلال والحرام, فقال جل ذكره: {وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً} . فأمر الله يجري إلى قضائه, وعلمه سائرٌ على قدره, ولكل حكمٍ أجلٌ, و {لكل أجلٍ كتاب. يمحوا الله ما يشاء ويثبت عنده أم الكتاب} ولأمر الله عز وجل العلو والنفاذ. وقد أنكحت فاطمة ابنة محمدٍ من علي بن أبي طالبٍ المشارك لها في نسبها, الرضى عند الله عز وجل وعند رسوله على الملة العادلة والسنة القائمة, فجمع الله شملهما, وبارك لهما, وجعلهما مفاتح للرحمة, وأمناء للأمة, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم)) . 1157- قرئ على أحمد بن حمادٍ, عن يحيى بن عبد الله بن بكيرٍ, قال: حدثنا الليث, قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد, عن عياض بن عبد الله بن سعدٍ, أنه سمع أبا سعيدٍ الخدري, يقول: قام رسول الله

باب ما يذكر عن أهل البيت رضوان الله عليهم من مشهور الخطب

صلى الله عليه وسلم , فخطب الناس, فقال: ((والله ما أخشى عليكم أيها الناس إلا ما يخرج الله عز وجل لكم من زهرة الدنيا)) فقال رجلٌ: يا رسول الله! أيأتي الخير بالشر؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةً, ثم قال: ((كيف قلت؟)) قال: قلت: يا رسول الله! أيأتي الخير بالشر؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةً, ثم قال: ((كيف قلت؟)) فقال: قلت: وهل يأتي الخير بالشر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الخير لا يأتي إلا بالخير أو خيرٌ هو, إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم)) وذكر الحديث. 1158- قال أبو جعفرٍ: وهذا من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقال أنه لم يسبق إليه, وهو من الكلام البليغ, وذلك أن الحبط أن تأكل الناقة من الرعي فتكثر حتى تنتفخ بطنها, ومعنى: ((أو يلم)) يقارب أن يقتل, فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستكثار من الدنيا ونضارتها وحسنها إذا كان في ذلك ما يهلك, فضرب استكثار البهيمة من العشب في الربيع حتى يقتلها حبطاً مثلاً لذلك. باب ما يذكر عن أهل البيت رضوان الله عليهم من مشهور الخطب 1159- لأمير المؤمنين عليٍ صلوات الله عليه: ألا إن الدنيا قد

أدبرت وآذنت بوداعٍ, ألا إن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاعٍ, المضمار اليوم, والسباق غداً, ألا وإنكم في أيام أملٍ من ورائه أجلٌ, فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله, ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة؛ ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها, ولا كالنار نام هاربها؛ ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل, ومن لم يستقر به الهدى جار به الضلال؛ ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن, ودللتم على الزاد, وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى, وطول الأمل؛ فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق, وأما طول الأمل فينسي الآخرة. 1160- وروى عبد خيرٍ, قال: قام عليٌ رضي الله عنه على المنبر, فقال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ قالوا: بلى! قال: أبو بكرٍ؛ ثم سكت سكتةً, ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبي بكرٍ؟ عمر. 1161- وروى سويد بن غفلة قال: مررت بقومٍ من الشيعة وهم يشتمون أبا بكرٍ وعمر رحمهما الله, قال: فدخلت على عليٍ رضي الله عنه, فقلت: يا أمير المؤمنين! مررت بنفرٍ من أصحابك يتناولون أبا بكرٍ وعمر, ويذكرونهما بغير الذي هما له من الأمة أهلٌ, فلولا أنهم يرون أنك تضمر مثل ما أعلنوا ما تجرؤوا على ذلك؛ فقال عليٌ رضي الله عنه: أعوذ بالله! أعوذ بالله! مرتين, أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل, أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه ووزيراه؛ ثم نهض دامع العينين

قابضاً على لحيته ينظر فيها وهي بيضاء, فاجتمع له الناس, ثم قام بخطبةٍ بليغةٍ, ثم قال: ما بال قومٍ يذكرون سيدي قريشٍ وأبوي المسلمين, بما أنا منه بريءٌ, وعليه معاقبٌ, وعنه متنزهٌ! أما والذي فلق الحبة, وبرأ النسمة, إنه لا يحبهما إلا مؤمنٌ نقيٌ, ولا يبغضهما إلا فاجرٌ شقيٌ؛ صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق والوفاء, يأمران وينهيان ويقتصان ويعاقبان, لا يجاوزان فيما يقضيان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كرأيهما رأياً, ولا كحبهما حباً, مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم راضياً عنهما, والمؤمنون راضون, أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ على صلاةٍ المؤمنين أياماً, فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولاه المؤمنون ذلك, وفوضوا إليه الزكاة لأنهما مقرونتان, وآتوه البيعة طائعين, وهو لها كارهٌ, يود أن أحداً منا كفاه ذلك, وكان والله خيراً من نفرٍ, أرحمهم رحمةٍ، وأرأفهم رأفةً، وأثبتهم ورعاً، وأقدمهم إسلاماً، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بميكائيل رأفةً ورحمةً، وبإبراهيم عليه السلام عفواً، ووقاراً، فسار فينا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى لسبيله رحمة الله عليه. وولي الأمر من بعده عمر، واستأمر المسلمين في ذلك، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، وكنت في من رضي، فما فارق الدنيا حتى رضي به من كان كرهه، فأقام الدين على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه يتبع آثارهما كاتباع الفصيل أثر أمه؛ وكان والله رفيقاً رحيماً عوناً وناصراً للمظلومين على الظالمين لا يخاف في الله لومة لائمٍ، ضرب الله بالحق على لسانه، وجعل الصدق من شأنه، حتى إنا كنا لنظن أن ملكاً ينطق

على لسانه؛ أعز الله بإسلامه الدين، وجعل هجرته للدين قواماً، ألقى الله له في قلوب المؤمنين المحبة، وفي قلوب المنافقين الرهبة، وشبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل فظاً غليظاً على الأعداء، وبنوح الرسول عليه السلام حنقاً واغتياظاً على الكفار، الضراء في طاعة الله آثر عنده من السراء على معصية الله؛ فمن لكم بمثليها؟ رحمها الله، ورزقنا المضي على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلا باتباع آثارهما، وحبٍ لهما؛ فمن أحبني فليحببهما، ومن لم يحبهما فقد أبغضني، وأنا منه بريءٌ، ولو أنني كنت تقدمت إليكم في أمرهما بشيءٍ: لعاقبت من ذكرهما بسوء أشد العقوبة، ولكني لا ينبغي لي أن أعاقب قبل التقدم، فمن أتيت به بعد هذا يقول فيهما سوءاً فإن عليه ما على المفتري. ألا وخير هذه الأمة أبو بكرٍ، ثم عمر، ثم الله أعلم بالخير أين هو؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ثم نزل. 1162- ومن ذلك حديث معاوية رضي الله عنه حين خطب لما سلم إليه الحسن رضوان الله عليه الخلافة، فقال في خطبته: إنه ما من أمةٍ اختلفت بعد نبيها إلا غلب باطلها حقها، إلا ما كان من أمر هذه الأمة، فإن حقها غلب باطلها. ثم قال للحسن رضي الله عنه: قم فاعتذر من الفتنة؛ فقام الحسن رضوان الله عليه، فحمد الله، وصلى على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا أيها الناس! إن الله عز وجل هدى بنا أولكم، وحقن بنا دماء

آخركم، وإن هذا الأمر الذي تنازعت أنا ومعاوية فيه، إما أمرٌ لرجلٍ هو أحق به مني فسلمته إليه، وإما أمرٌ هو لي فتركته لحقن دماء المسلمين، {وإن أدري لعله فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين} . وأشار بيده إلى معاوية، ثم نزل. 1163- ومن حسن ما في هذه الخطب مما يرى الكتاب والمتأدبون حفظها خطبة زيد بن عليٍ رضي الله عنهما، كتبناها عن علي بن سليمان، قال: هذا الذي أذكره لك خطبةٌ لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن عليٍ رضوان الله عليهم، وهي من الخطب المتناهية الصحاح يتداولها أهل العلم كابراً عن كابرٍ، ولا إسناد عندنا فيها، وهي صحيحةٌ؛ لما خرج زيد بن علي رضي الله عنهما واجتمع الناس، خطب، فقال: الحمد لله الواصل الحمد بالنعم، والنعم بالشكر؛ أحمده على آلائه وبلائه حمد من يعلم أن الحمد فريضةٌ واجبةٌ، وتركه خطيئةٌ محيطةٌ، ونستعينه على هذه النفوس البطاء عما أمرت به، السراع إلى ما نهيت عنه؛ أمر الله نافعٌ، ونهي الله ضارٌ؛ نستغفر الله العظيم مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، علم الله غير مغيبٍ عنه، وكتابه غير مغادرٍ؛ ونؤمن به إيمان من عاين الغيوب، وقف على الموعود؛ إيماناً نفى إخلاصه الشرك، ويقينه الشك، ونتوكل عليه توكل من لا يثق إلا به، ولا يفزع إلا إليه، ثقة أهل الرجاء، ومفزع أهل التوكل؛ وأشهد أن لا إله

الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادتين تصعدان القول، وترفعان العمل، لا يخف ميزان توضعان فيه، ولا يثقل ميزان ترفعان منه، يهون بهما الحساب، ويمضي بهما على الصراط؛ جعلنا الله وإياكم من المتقين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي من اكتفى بها كفته, ومن اجتنب بها وقته, كافيةً غير خاذلةٍ, واقيةً غير مخلةٍ؛ هي الزاد, وإليها المعاد, زادٌ مبلغٌ, ومعادٌ منجحٌ, دعا إليها أسمع داعٍ, ووعاها خير واعٍ؛ فأعذر داعيها, وفاز واعيها؛ عباد الله! إن تقوى الله حمت أولياء الله محارمه, وألزمت قلوبهم مخافته؛ حتى أسهرت ليلهم, وأظمأت هواجرهم؛ فأخذوا الراحة بالنصب, والري بالظمإ, وبادروا العمل, وخافوا بغتة الأجل؛ فانكمشوا في مهلٍ, وأسرعوا في طلبٍ حتى أفادوا ذخيرةً, وأطابوا سريرةً؛ ليوم الرحلة, وحين الحاجة؛ عباد الله! إن الدنيا دار فناءٍ وعناءٍ, وغيرٍ وعبرٍ؛ فمن الفناء أن الدهر موترٌ قوسه, لا تخطئ سهامه, ولا تشوي جراحه, يرمي الحي بالموت, والصحيح بالعطب؛ شاربٌ لا ينقع, وآكلٌ لا يشبع؛ ومن العناء أن المرء يبني ما لا يسكن, ويجمع ما لا يأكل؛ ثم يخرج إلى الله لا مالاً حمل, ولا بناءً نقل؛ ومن غيرها أنك تلقى المرحوم مغبوطاً, والمغبوط مرحوماً, وليس ذلك إلا نعيماً رحل, وبؤساً نزل؛ ومن غيرها أن المرء يشرف على أمله, فيقطعه أجله, فلا أملٌ يدرك, ولا مؤملٌ يترك, سبحان الله ما أغر سرورها, وأظمأ ريها, وأضحى فيئها, فكأن الذي كان من الدنيا لم يكن, وكأن الذي هو فيها كائن قد باد؛ لا جاءٍ يرد

ولا ماضٍ يرتد, وإن الآخرة دار بقاءٍ وقرارٍ, وجنةٍ ونارٍ؛ صار أولياء الله إلى الآخرة بالصبر, فجاوروا الله عز وجل في داره ملوكاً خالدين, يا أيها الناس إن الله خلقكم ليبلو أخباركم أيكم أحسن عملاً, جعل موتاً بين حياتين, موتاً بعد حياةٍ, وحياةً ليس بعدها موتٌ, وإن أعداء الله عز وجل نظروا, فلم يجدوا شيئاً بعد الموت إلا والموت أشد منه, فسألوا الله الحياة جزعاً من الموت, وإن أولياء الله نظروا, فلم يجدوا شيئاً بعد الموت إلا والموت أهون منه, فسألوا الله عز وجل الموت جزعاً من الحياة, ولكل مما فيه مزيدٌ. واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خيرٌ مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا, وكل شيءٍ من الدنيا سماعه أعظم من عيانه, وكل شيءٍ من الآخرة عيانه أعظم من سماعه, فليكفيكم من العيان السماع, ومن الغيب الخبر, سبحان الله! ما أقرب الحي من الميت في اللحاق به, وأبعد الميت من الحي للانقطاع عنه. إن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه, وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم, فذروا ما قل لما كثر, وما ضاق لما اتسع, فقد تكفل لكم بالرزق, وأمرتم بالعمل, فلا يكن المضمون لكم طلبه أولى من المفروض عليكم عمله, مع أنه قد اعترض الشك, ورحل اليقين, حتى كأن الذي ضمن لكم فرض عليكم, وكأن الذي فرض عليكم وضع عنكم, ولله آباؤكم تنبهوا من سنتكم, وبادروا العمل وخافوا بغتة الأجل, فإنه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرزق, ما فات اليوم من الرزق يرجى غداً زيادته, وما فات من العمر أمس لم يرج اليوم رجعته, الرجاء مع الجائي, واليأس مع الماضي, فـ {اتقوا الله حق تقاته

باب ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم من الخطب

ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} . باب ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم من الخطب 1164- من ذلك خطبةٌ لأبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه، قال فيها: ألا إن أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك، الملك إذا ملك زهده الله عز وجل في ما عنده، ورغبه في ما في يدي غيره، وانتقصه شطر أجله، وأشرب قلبه الإشفاق، فإذا وجب ونضب عمره، وضحا ظله، حاسبه الله، فأشد حسابه، وأقل عفوه، وسترون بعدي ملكاً غصوباً، وأمةً شعاعاً، ودماً مفاحاً، وإن كانت لأهل الباطل نزوةٌ، ولأهل الحق جولةٌ، يعفو لها الأثر، وتموت السنن، فالزموا المساجد واستشيروا القرآن، وليكن الإبرام بعد التشاور والصفقة بعد التناظر. قال أبو جعفرٍ: وجب، أي: مات، وأصل الوجوب: السقوط، ومنه قوله: {فإذا وجبت جنوبها} ، وقوله: نضب عمره، أي: نفد، وقوله: ضحا ظله، أي: صار شمساً، أي: ذهب، ومعناه: مات؛ وقوله: وأمةً شعاعاً، أي: متفرقين مختلفين؛ وقوله: دماً مفاحاً أي: مسالاً، وفاح الدم، أي: سال، يريد يقتلون قتلاً ذريعاً فاشياً بكل مكانٍ؛ وقوله: ولأهل الحق جولةٌ،

أي: لا يستقرون على الذي يعرفونه ويطمئنون إليه، أي: هم متحيرون؛ ويعفو الأثر، أي: يدرس. 1165- ومن ذلك خطبة عمر رضي الله عنه لما ولي، فقال: ما كان الله عز وجل ليراني أرى نفسي أهلاً لمجلس أبي بكرٍ رضي الله عنه؛ فنزل مرقاةً عن مجلسه، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: اقرؤوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، إنه لم يبلغ حق ذي حقٍ أن يطاع في معصية الله عز وجل، ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله عز وجل بمنزلة والي اليتيم، إن استغنيت عففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف. 1166- وفي رواية خالد بن نزارٍ, عن مالك بن أنسٍ، عن وهب بن كيسان، أنه سمع عبد الله بن الزبير يخطب يقول: إن لأهل التقوى علاماتٍ يعرفون بها، فمن رضي بالقضاء، وشكر عند النعماء، وصبر عند البلاء، وذل لأحكام القرآن، وإنما السلطان سوقٌ من الأسواق، فإن كان من أهل الحق حمل إليه أهل الحق حقهم، وإن كان من أهل الباطل حمل إليه أهل الباطل باطلهم.

باب فيه من خطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله

بابٌ فيه من خطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله 1167- قرئ على أبي إسحاق إبراهيم بن حميدٍ، عن العباس بن الفرج الرياشي، قال: حدثني عبد الملك بن قريبٍ الأصمعي قال: قال شعبة بن الحجاج: وفد وافدٌ لأهل البصرة على عمر بن عبد العزيز قال: فلما أتيت بابه، أذن لي، ثم قال: ما بك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين! أتيتك مستحفراً، قال: لماذا؟ قلت: لبئرٍ بالعذبة، قال: وأين العذبة؟ قلت: على منزلتين من البصرة، قال: قد أحفرتك على أن أول واردٍ ابن سبيلٍ، قال: ثم أتت الجمعة، فقربت من المنبر، فلما صعد حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس! إنكم ميتون، ثم إنكم مبعوثون، ثم إنكم محاسبون، فلئن كنتم صدقتم لقد فزتم، ولئن كنتم كذبتم لقد هلكتم، يا أيها الناس! إنه من يكن له بحضيض أرضٍ أو بنيق جبلٍ رزقٌ يأته، فأجملوا في الطلب؛ ثم نزل. 1168- ويروى أن عمر قال في خطبته: يا أيها الناس! إنما الدنيا أملٌ مخترمٌ، وأجلٌ منتقص، وبلاغٌ إلى دارٍ غيرها، وسيرٌ إلى الرب ليس فيه تعريجٌ، رحم الله من فكر في أمره، ونصح لنفسه، وراقب ربه، واستقال ذنبه؛ أيها الناس! قد علمتم أن أباكم أخرج من الجنة بذنبٍ واحدٍ، وأن ربكم وعد على التوبة، فليكن أحدكم من ذنبه على وجلٍ، ومن ربه على أملٍ.

1169- وحدثني محمد بن أيوب, قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني, قال: حدثنا عبد السلام بن مطهر بن حسام بن مصك, قال: حدثنا جعفر بن سليمان, عن مالك بن دينارٍ, قال: سمعت الحجاج بن يوسف وهو يخطب يوم الجمعة، يقول: رحم الله امرءاً اتهم نفسه على نفسه، امرءاً اتخذ نفسه عدواً، امرءاً وازن نفسه، امرءاً أخذ بعنان عمله، فعلم ماذا يراد به، امرءاً نظر إلى حسناته, امرءاً حاسب نفسه قبل أن يكون الحساب إلى غيره, امرءاً نظر إلى ميزانه؛ فلم يزل يقول: امرءاً فعل كذا, امرءاً فعل كذا؛ حتى بكيت. 1170- وفي غير هذه الخطبة: يا أيها الناس! اقدعوا هذه النفوس, فإنها أسأل شيءٍ إذا أعطيت, وأعطى شيءٍ إذا سئلت, فرحم الله امرءا حاسب نفسه قبل أن يكون الحساب إلى غيره, وجعل لنفسه خطاماً وزماماً, فقادها بخطامها إلى طاعة الله عز وجل, وعطفها بزمامها عن معصية الله, فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عقابه. 1171- وقال الشعبي: سمعت الحجاج يتكلم بكلامٍ ما سبقه إليه أحدٌ, سمعته يقول: إن الله عز وجل كتب على الدنيا الفناء, وعلى

الآخرة البقاء, فلا فناء لما كتب عليه البقاء, ولا بقاء لما كتب عليه الفناء, فلا يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة, قصروا طول الأمل بقصر الأجل. 1172- ومما يستحسن خطبة المأمون, وهي في يوم جمعةٍ: الحمد لله مستخلص الحمد لنفسه, ومستوجبه على خلقه, أحمده وأستعينه وأؤمن به, وأتوكل عليه, وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون, أوصيكم عباد الله بتقوى الله, والعمل بطاعته, والتنجز لوعده, والخوف لوعيده, فإنه لا يسلم إلا من أبقاه ورجاه, وعمل له وأرضاه, فاتقوا الله عباد الله, وبادروا آجالكم بأعمالكم, وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم, وترحلوا فقد جد بكم, واستعدوا للموت فقد أظلكم, وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا, وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدارٍ, فاستبدلوا؛ فإن الله عز وجل لم يخلقكم عبثاً, ولا يترككم سدىً, وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به, وإن غايةً تنقصها اللحظة, وتهدمها الساعة, لحريةٌ بقصر المدة, وإن غائباً يحدوه الجديدان: الليل والنهار لحريٌ بسرعة الأوبة, وإن قادماً يحل بالفوز أو الشقوة لمستحقٌ لأفضل العدة, فاتقى عبدٌ ربه, ونصح لنفسه, وقدم توبته, وغلب شهوته, فإن أجله مستورٌ عنه, وأمله خادعٌ له, والشيطان موكلٌ به يزين له

باب ذكر من أرتج عليه في الخطابة

المعصية ليركبها, ويمنيه التوبة ليسوفها, حتى تهجم عليه منيته أغفل ما كان عنها, فيالها حسرةً على ذي غفلةٍ أن يكون عمره عليه حجةً, أو تؤديه أيامه إلى شقوةٍ, نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمةٌ, ولا تقصر به عن طاعته غفلةٌ, ولا يحل به بعد الموت حسرةٌ, إنه سميع الدعاء, بيده الخير وهو فعالٌ لما يريد. باب ذكر من أرتج عليه في الخطابة 1173- صعد رجلٌ المنبر ليخطب, فأرتج عليه, فنظر إلى أخي امرأته فقال: ما لك يا بغيض! أختك طالقٌ البتة. 1174- وخطب يزيد بن أبي سفيان لما أتى الشام والياً لأبي بكرٍ, فأرتج عليه, فعاد إلى الحمد ثلاثاً, فأرتج عليه, فقال: يا أهل الشام! عسى الله أن يجعل بعد عسرٍ يسراً, وبعد عيٍ بياناً, وأنتم إلى أميرٍ عادلٍ أحوج منك إلى أميرٍ قائلٍ. فبلغ ذلك عمرو بن العاص, فاستحسنه. 1175- وأرتج على عبد ربه اليشكري, عاملٍ لعيسى بن موسى على المدائن, فسكت, وقال: والله إني لأكون في بيتي فتجيء على لساني ألف كلمةٍ, فإذا قمت على أعوادكم هذه تنحت كلها من قلبي.

1176- وقيل لعبد الملك بن مروان: عجل عليك الشيب؛ قال: كيف لا يعجل علي وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعةٍ مرةً أو مرتين!؟. 1177- ودعي رجلٌ ليخطب في نكاحٍ, فأرتج عليه, فقال: لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله؛ فقالت امرأة حضرت: ألهذا دعوناك؟ أماتك الله! 1178- وخطب عبد الله بن عامرٍ بالبصرة في يوم أضحى, فأرتج عليه, فقال: لا أجمع عليكم لؤماً وعياً, من أخذ من السوق شاةً فهي له, وثمنها علي. 1179- وأرتج على معن بن زائدة, فقال وضرب برجله المنبر: فتى حروبٍ لا فتى منابر.

ذكر المرتبة التاسعة

ذكر المرتبة التاسعة 1180- وهي طبقة الكتابة، أذكر فيها فضل الكتابة على سائر الصناعات ثم باب ذكر نبل الكتاب وعلمائهم ورؤسائهم، ثم باب إيجازاتٍ واختصاراتٍ من الكتابة، ثم باب فصولٍ ورسائل بليغةٍ. باب ذكر فضل الكتابة على سائر الصناعات 1181- وروى ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: {أو أثارةٍ من علمٍ} قال: ((الخط)) . 1182- قال عمرو بن بحرٍ الجاحظ: من شرف الكتابة ما ذكره الله عز وجل في كتابه، وهو قوله: {الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم} وقوله: {بأيدي سفرةٍ. كرامٍ بررةٍ} ، وقوله: {ولا يضار كاتبٌ ولا شهيدٌ} ، وقوله: {ولم تجدوا كاتباً فرهانٌ مقبوضةٌ} فلولا فضل الكتابة لم يجعل الله أهلها بهذا المكان العالي، فمن أبين

فضائلها أنها جعلت مدحاً للملائكة، ولعلية الناس، ومن فضل الكتابة وشرفها أن الكتاب في قديم الدهر وحديثه يدبرون الملك والخلافة دون غيرهم، وأن الكتب تختم بذكرهم، وذلك بينٌ في سجلات النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيرها إلى يومنا هذا. ومن جلالتها أن أحكامها كأحكام القضاة. 1183- وقال غيره: قد غلط من زعم أن أحكام الكتابة مباينةٌ لأحكام الشريعة، لأن ذلك مخالفٌ لما يوجد في العقل والدين، لأن الكتابة فرع صناعةٍ لسياسة الملك، والملك لا قوام له إلا بالدين، فقد تبين أن الكتابة فرعٌ من فروع الدين، وما كان فرعاً لشيءٍ لم يباينه، وأحكام الكتابة ملائمةٌ لأحكام الشريعة، ألا ترى أن مسلماً لو استحق أرضاً مواتاً كان حكم الكاتب والفقيه فيها سواءٌ، وكذا فيما تخرج الأرض من الزكاة في العشر ونصف العشر، وكذا الحكم في المعادن والخمس، وكذا الحكم في الفيء والغنائم والصدقات، فجميع أحكام الكتابة إذا وقع الإنصاف داخلٌ في أحكام الفقه أو مشاركٌ له. 1184- وهذه رسالةٌ كتب بها أبو جعفرٍ الفضل بن حدادٍ إلى أبي معشرٍ المنجم في فضل الكتابة: الكتابة، أعزك الله، نسبٌ وقرابةٌ ورحمٌ ماسةٌ ووسيلةٌ، وهي أس الملك، وعماد المملكة، وأغصانٌ متفرعةٌ من شجرةٍ واحدةٍ، وهي قطب الأدب، وفلك الحكمة، ولسانٌ ناطقٌ، وهي نور العلم، وتزكية العقول، وميدان الفضل والعدل، وهي زينةٌ وحليةٌ، ولبوسٌ وجمالٌ وهيئةٌ وروحٌ جارٍ في أجسامٍ متفرقةٍ، وبها

وسمت التوراة والإنجيل والقرآن والكتب المنزلة، ولو أن فضلاً ونبلاً تصورا جسماً لتصورت الكتابة، ولولا ما نزل به الكتاب في الفرض والمواريث لورثت الكتابة، ولو أن الصناعة مربوبةٌ لكانت الكتابة سيداً لكل صناعةٍ، وبالكتابة توضع الموازين، وتنشر الصحف يوم القيامة، والكتابة أفضل شيءٍ عند الله عز وجل منزلةً ودرجةً ومن جهل حقها رسم برسم الغواة والجهلة، وبها قامت السياسة والرياسة، وإليها ضوت الملوك بالفاقة والحاجة، وإليهم ألقيت الأعنة والأزمة، وبهم اعتصموا في النازلة والنكبة، وعليهم اتكلوا في الأهل والولد، والذخائر والعقد، وولاة العهد، وتدبير الملك, وقراع الأعداء, وتوفير الفيء, وحياطة الحرم, وحفظ الأسرار, وترتيب المراتب, ونظم الحروب بالميمنة والميسرة والقلب والكمناء والروادف والأجنحة, وعن الكتابة يحاسب عز وجل خلقه يوم القيامة بما أثبتت الملائكة والحفظة وقد أجمعت العلماء أن أول ما خلق الله القلم, وأنه جل وعز قال له: اكتب! قال: يا رب! وما أكتب؟ قال: اكتب علمي في الخلق إلى أن تقوم الساعة, فكتب القلم بما كان وما هو كائنٌ إلى يوم القيامة. وقال جل وعز: {وإن عليكم لحافظين. كراماً كاتبين} , وقال جل وعز: {كتب ربكم على نفسه الرحمة}

, وقال: {علمها عند ربي في كتابٍ} , وقال جل وعز: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى رسلنا لديهم يكتبون} , وقال عز وجل: {ن والقلم وما يسطرون} , وقال جل وعز: {اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم} , وقال تقدس اسمه: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} وقال جل وعز: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} , وقال جل وعز: {ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها} , وذلك في مواضع كثيرةٍ من القرآن يطول شرحها وذكرها, وكان القلم أول من آمن, وأول من أسلم وكتب, وأول من كتب بالعبرانية شيث بن آدم عليهما السلام, ثم كتب بعده إدريس, وخلف سبعين كتاباً من كتب الحكمة والنجوم, وقيل: إنه عرج به إلى السماء؛ وأما المنجمون فيزعمون أن البرجيس, وهو المشتري, حدر إليه من الفلك يعلمه الحساب, ثم ترقى, وأنه نظر فرأى بوار ولده يكون باقتران الكواكب في الحمل, وهو برجٌ ناريٌ, فيكون الهلاك بالنار, أو السرطان, وهو برجٌ مائيٌ, وهو بيت حياة العلم, فيكون الهلاك بالماء, فعمد إلى الطين, فصفاه وجففه, وأثبت فيه علم النجوم, وقال: إن كان البوار بالنار تخزف, فوجده من ينجو من العالم, ثم أثبته في الصخر, فقال: إن كان البوار بالماء ثبت فيه العلم, صيانةً وإشفاقاً عليه, فشاء الله عز وجل أن يكون بوار تلك الأمة بالطوفان واقتران الكواكب في السرطان, فأدرك من أدرك, وعلم من

علم منه القليل من الكثير, فكان أول من كتب بالسريانية يهوذا بن يعقوب, وكان أول من كتب بالعبرانية ثلاثة نفرٍ من طيئٍ, يقال لهم: مرامر بن مرة, وأسلم بن سدرة, وعامر بن جدرة؛ وكان لوطٌ عليه السلام يكتب لإبراهيم عليه السلام الصحف المنزلة عليه, وكان يوسف عليه السلام يكتب للعزيز صاحب الرؤيا, وقال: {قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليمٌ} أي: حفيظٌ بالكتاب عليمٌ بالحساب, وكان سليمان بن داود عليهما السلام كاتب أبيه, يكتب عنه المزامير وغيرها, وكان آصف بن عيصا كاتب سليمان بن داود, وهو الذي كان عنده علمٌ من الكتاب, فأتى سليمان بعرش بلقيس قبل أن يرتد إليه طرفه, وكان ذو القرنين كاتب بطلميوس, وكان هارون ويوشع بن نونٍ يكتبان بين يدي موسى عليه السلام الألواح والتوراة, وكان يحيى بن زكرياء كاتب عيسى عليه السلام كتب له الحكمة والإنجيل, وكان علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم. وإذا أنعمنا النظر، وألطفنا القياس والفكر، وجدنا الفلكين الدائرين الجامعين الضابطين لأمور الدنيا والآخرة= الفلك الأعلى الدوار المحيط بالأرض والسماء والهواء والماء، وكل ما خلق عز وجل بين ذلك وفوقه وتحته، من الجنة والنار.

فالكتابة التي تضم كل شيءٍ ولا يضمها شيءٌ. وأنا يا أخي، جعلني الله فداك، عاتبٌ منكرٌ لإعراضك وصدودك وازورارك وتجانفك عن سروري بك إذا رأيتك، وإقبالي عليك إذا لقيتك، وانبساطي وانقباضك إذا خاطبتك، وكيف يا أخي، أسعدك الله، ولم، وعلام، وفيم، وبم، تفعل ذلك، وقد ضمنا التوحيد واليقين والدين، وجرينا في ميدان هذه الصناعة الرئيسة العالية النفيسة الشامخة على كل صناعةٍ، نرضع درتها، ونجتني ثمرتها، ونتفيأ في ظلال أغصانها، ونمرع في رغد عيشها ونضرة رياضها، وهي لنا كالأم اللطيفة بنا، الشفيقة علينا، ونحن لها كالأولاد البررة بها في ما يجب من إجلالها وإعظامها وقضاء حقها بالسمع والطاعة لها، ولم نر من حق تربيتها وتغذيتها إيانا أن نمتطي العقوق فنجعله ظهراً لنا، وهي له منكرةٌ، وأن نتساقى كأس الفرقة وهي عنا ناهيةٌ، ثم هذه الناحية التي تكنفنا وتضمنا، وتؤلف فيما بيننا، هذا الكريم المحامد أبو فلان، أطال الله بقاءه، ووقاه وصانه، وتولاه، وحرسه وكفاه، وصرف غير الليالي عنه، وأبعدها منه ومن محله وداره وقراره، ولا سلبنا إياه، ولا حزننا بفقده، وأمتعنا بسبوغ النعمة عليه، وتكاملها لديه في نفسه وولده وأعزته، وقد وجب أعزك الله وتولاك وحاطك وأعانك أن نقفو في ذلك أثره، ونسلك مسلكه ورسمه، وأن نكون أعواناً لصالح نيته وطويل إرادته في ما ألف بيننا، وجمع من شملنا، وأراد من اتفاق أهوائنا، ثم ما يجب أن يكون قد تأملته، ونظرت بعين فكرك وقلبك إليه من اتفاق أهل الصناعات في السراء والضراء والشدة والرخاء، وما هم عليه من التكاثر والتناصر في ما عرض

ذكر نبل الكتاب وعلمائهم ورؤسائهم

لهم وعراهم من هذه الدنيا الدنية الزائلة المنقطعة الفانية، فتعلم أن أهل هذه الصناعة الكاملة الفاضلة الشاملة لكل ما وصفت، وما لم أصف، قصوراً عنه، وخيرةً فيه، أولى وأحق وأحرى بأن يقنعوا من أنفسهم، ولا يرضوا لشرف صناعتهم بالتخاذل والتقاطع والتدابر والتنافر، وأن يكونوا يداً واحدةً في ما نفع وضر، وساء وسر، في كل حالٍ؛ ولما رأيتك قد نأيت بجانبك، وملت عني بشقك، كان الأعز علي والأولى بي ردك إلي واستجرارك نحوي، ولا يخرج مثلك عن يدي إلا بعد أن أعذر وأبلي في قضاء حق نفسي، واستصلاح ما فسد علي بغاية جهدي ووسعي، فجعلت هذه الرقعة سفيري إليك، وأودعتها من حسن عتابك، ولطف استمالتك، ما لعله سيثني من عنانك، ويرد من غرب جماحك، وأنا متوقعٌ الجواب بما يكون منك، والله بالخيار لي ولك فيك. فرأيك أعزك الله بما أعمل عليه، فإنما سمحت بك على ضنٍ، وادخرتك على علمٍ موفقاً إن شاء الله. ذكر نبل الكتاب وعلمائهم ورؤسائهم 1185- روى عبد الله بن الزبير, أن النبي صلى الله عليه وسلم استكتب عبد الله بن الأرقم, وكان يجيب عنه الملوك, فبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك, فيكتب, ويأمره أن يطينه ويختم, وما يقرؤه لأمانته عنده؛ واستكتب أيضاً زيد بن ثابتٍ, وكان يكتب

الوحي, ويكتب إلى الملوك, فكان إذا غاب عبد الله بن الأرقم وزيد بن ثابتٍ, واحتاج أن يكتب إلى بعض أمراء الجند, أو يكتب لإنسانٍ بقطيعةٍ, أمر من حضر أن يكتب, وقد كتب له علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه, وعمر وعثمان رضي الله عنهما, وزيد بن ثابتٍ, والمغيرة بن شعبة, ومعاوية, وخالد بن سعيد بن العاص وغيرهم ممن سمي من العرب. 1186- وقال عمر رضي الله عنه: {فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} الآية: اللهم إني قد كتبت بيدي, وكتب عليٌ بيده, وكتب أبو بكرٍ بيده, وكتب عثمان بيده, وكتب عبد الرحمن بيده, اللهم فلا نفتري عليك باطلاً, ولا نكتب بأيدينا مأثماً. 1187- وروى بعضهم, وهو يحيى بن عبد العزيز بن سعيد بن سعدٍ, قال: كان الكتاب بالعربية قليلاً في الأوس والخزرج, وكان يهوديٌ من يهود ماسكة قد علمه, وكان يعلمه الصبيان, فجاء الإسلام ومنهم بضعة عشر يكتبون, منهم: سعيد بن زرارة, والمنذر بن عمروٍ, وأبي بن كعبٍ, وزيد بن ثابتٍ, ورافع بن مالكٍ, وأسيد بن حضيرٍ, ومعن بن عديٍ, وأبو عيسى ابن جبرٍ, وسعيد بن الربيع, وأوس بن خولي, وبشير بن سعدٍ. 1188- وكان يقال في الجاهلية: الكامل من أحسن الكتاب والرمي والعوم. 1189- وروى ابن شبة [شيبة؟] , أن عبد الله بن الأرقم كتب لأبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما, وكان عبد الله بن حنينٍ من كتاب عليٍ

رضي الله عنه. قال أبو جعفرٍ: هذا من نبل أهل العلم. 1190- وروى مالكٌ, عن نافعٍ, عن إبراهيم بن عبد الله ابن حنينٍ, عن أبيه, عن عليٍ رضي الله عنه: نهي عن التختم بالذهب, وقراءة القرآن في الركوع, وعن لبس السيراء. 1191- وحكى عمرو بن بحرٍ الجاحظ, أن زياداً كان كاتب المغيرة بن شعبة, ثم كتب لأبي موسى الأشعري, ووجهه أبو موسى إلى عمر, فأمر بصرفه, فقال: أمن جنايةٍ؟ قال: لا! ولكني كرهت أن أحمل على الناس فضل عقلك. 1192- فأما قوله عز وجل: {النبي الأمي} فالأمية في رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلةٌ, لأنها أدل على ما جاء به من عند الله عز وجل لا من نفسه, و [أنى] يكون من عنده وهو لا يكتب ولا يقول الشعر, وقد قال الله عز وجل: {فأتوا بسورةٍ من مثله} قيل: من مثل محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ كما أن قريشاً وجهت إلى اليهود: عرفونا

شيئاً نسأله عنه, نستدل به على نبوته؟ فوجهوا إليهم: سلوه عن أنبياء أخذوا أخاهم فرموه في بئرٍ وباعوه؛ فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم , فنزلت سورة يوسف جملةً واحدةً بما عندهم في التوراة وزيادةٍ, وهذا من أميٍ, وهو ببلدٍ ليس فيه أحدٌ من أهل الكتاب بمنزلة إحياء عيسى الميت الذي أحياه. 1193- فأما جواب أبي العلاء المنقري للمأمون فجهلٌ عظيمٌ، لأن المأمون قال له: يا حكم! بلغني أنك أميٌ، وأنك لا تقيم الشعر، وأنك تلحن في كلامك؟ فقال: يا أمير المؤمنين! أما اللحن، فربما سبقني لساني بالشيء منه، وأما الأمية وكسر الشعر، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمياً، وكان لا ينشد الشعر؛ فقال له المأمون: سألتك عن ثلاثةٍ عيوبٍ فيك فزدتني رابعاً، وهو الجهل، يا جاهل! ذلك في النبي فضيلةٌ وفيك وفي أمثالك نقصٌ. 1194- قال عمرو بن بحر: فهذا الكلام من أوابد ما تكلم به الجهال! 1195- ومن نبل الكتاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، وهو الذي كتب إلى بعض إخوانه: أما بعد؛ فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الرأي فيك، لأنك بدأتني بلطفٍ من غير خبرةٍ، ثم أعقبتني جفاءً من غير جريرةٍ، فأطمعني أولك في إخائك وآيسني آخرك من وفائك، فسبحان من لو يشاء لكشف بإيضاح الرأي في أمرك عن ظلمة الشك فيك، فأقمنا على ائتلافٍ، أو افترقنا على اختلافٍ.

1196- وممن يوصف بالبلاغة الفضل بن سهلٍ، ويروى أن نعيم بن حازم أتى الحسن بن سهلٍ، وهو في مصلى الجماعة ونعيمٌ حاسرٌ حافٍ، وهو يقول: ذنبي أعظم من السماء، ذنبي أعظم من الماء، فقال له الحسن: على رسلك؛ تقدمت منك طاعةٌ، وكان آخر أمرك توبةٌ، وليس للذنب بينهما مكانٌ، وليس ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو. 1197- وقال المأمون لإبراهيم بن المهدي، وهو يعتذر إليه: إن ذنباً أوله زلةٌ، وآخره توبةٌ= لحقيقٌ أن لا تكون على مثله عقوبةٌ. 1198- ويقال: إن من الخطباء الشعراء الكتاب الذين قد جمعوا الشعر والخطب والرسائل وعمل الكتب سهل بن هارون الكاتب الذي عارض كتاب ((كليلة ودمنة)) ، وكان فيما روي عتيق الوجه، حسن الإشارة، بعيداً من الفدامة، معتدل القامة، مقبول الصورة، يقضى له بالحكمة قبل الخبرة، وبرقة الذهن ودقة المذهب قبل الإمتحان والكشف. وقد خالف قول بعض الحكماء: لحق بهاء البلاغة أن تكون الشمائل موزونةً، والألفاظ معتدلةً، واللهجة نقيةً، وأن جامع

ذلك السن والسمت والجمال وطول الصمت. وقال سهل بن هارون: لو أن رجلين اختطبا أو تحدثا أو احتجَّا أو وصفا وكان أحدهما بهياً، ولباساً جميلاً، وذا حسبٍ، شريفاً، وكان الآخر قليلاً قميئاً باذ الهيئة، دميماً، خامل الذكر، مجهولاً، ثم كان كلامهما في مقدارٍ واحدٍ من البلاغة، وفي ميزانٍ واحدٍ من الصواب= لتصدع عنهما الجمع؛ وعامتهم يقضي للذميم القليل على الجسيم النبيل، وللباذ الهيئة على ذي الهيئة، وشغلهم التعجب عن مساواة صاحبه ولصار التعجب على مساواة صاحبه سبباً للتعجب به، ولصار الإكثار في مدحه علةً للإكثار في الثناء عليه، لأن النفوس كانت له أحقر، ومن بيانه أيأس، ومن حسده أبعد، فلما ظهر منه خلاف ما قدروه تضاعف حسن كلامه في صدورهم، وكبر في عيونهم، لأن الشيء من غير معدنه أغرب، وكلما كان أبعد في الوهم كان أطرف، وكلما كان أطرف كان أعجب، وكلما كان أعجب كان أبدع، فإنما ذلك كبوادر الصبيان، وملح المجانين؛ فإن ضحك السامعين من ذلك أشد، وتعجبهم منه أكثر؛ والناس موكلون بتعظيم الغريب واستطراف البديع، وليس بهم في الموجود الزاهر، وفي ما تحت قدرتهم من الرأي والهوى مثل الذي معهم في الغريب القليل، وفي النادر الشاذ، ثم قال: وعلى هذا السبيل يستطرفون القادم إليهم، ويرحلون إلى النازح عنهم،

ويتركون من هو أعم نفعاً، وأكثر في وجوه العلم تصرفاً، وأخف مؤونةً، وأكثر فائدةً. 1199- ويقال: إن سهل بن هارون كان شديد الإطناب في وصف المأمون بالبلاغة والجهارة والحلاوة والنجابة وجودة اللهجة. 1200- فأما الحسن بن سهلٍ فلم يكن يبلغ وصف سهلٍ هذا. 1201- قال علي بن عبيدة: أتيت الحسن بن سهلٍ، فأقمت ببابه ثلاثة أشهرٍ لا أحلى منه بطائلٍ، فكتبت إليه: مدحت ابن سهلٍ ذا الأياد وماله ... بذاك يدٌ عندي ولا قدمٌ بعد وما ذنبه والناس إلا أقلهم ... عيالٌ له أن كان لم يكٌ لي جد سأمدحه للناس حتى إذا بدا ... له في رأي ٌ عاد لي ذلك الحمد فكتب إلي: باب السلطان يحتاج إلى ثلاث خلالٍ: مالٍ وعقلٍ وصبرٍ, فقلت للواسطة: تؤدي عني؟ فقال: نعم؛ فقلت: تقول له: لو كان لي مالٌ لأغناني من الطلب منك، أو صبرٌ لصبرت عن الذل ببابك، أو عقلٌ لاستدللت به على النزاهة عن رفدك، قال: فأمر لي بثلاثين ألف درهمٍ. 1202- ومنهم العباس بن جريرٍ، قال إسحاق الموصلي: من أحب أن يسمع لهواً بلا حرجٍ فليسمع كلام العباس. 1203- ومنهم محمد بن عبد الملك الزيات، والحسن بن وهب؛ كتب محمدٌ إلى الحسن كتاباً في فصلٍ منه: ولا زلت، جعلني الله فداك، محسناً، بجدك مواطن الحفلة، ومزيناً بهن لك مواطن البذلة.

1204- ويقال: انتهى جودة الخط إلى رجلين من أهل الشام، يقال لهما: الضحاك وإسحاق بن حمادٍ، وكانا يخطان الجليل، فأخذ إبراهيم الخط الجليل عن إسحاق، ثم اخترع منه خطاً، ويقال: إنه كان أخط أهل زمانه بالثلثين، ثم اختراع منه قلماً أخف منه، أي أخف من الثلثين، فسماه الثلث، ثم أخذ الأحول عن إبراهيم الثلثين والثلث، واخترع منه قلماً سماه: النصف، وقلماً آخر أخف من الثلث سماه: الخفيف، وقلماً سماه: المسلسل، لأنه حروفٌ متصلةٌ، لأنه ليس بينها شيءٌ ينفصل، وقلماً سماه: غبار الحلبة، وقلماً سماه: خط المؤامرات، وقلماً سماه: خط القصص، وقلماً مقطوعاً سماه: الحوائجي. 1205- وكان محمد بن معدان مقدماً في خط النصف، وكان قلمه مستوي السنين، وكان يشق الطاء والظاء والصاد والضاد بعرض النصف، ويعطف ياء يصلي وكل ياءٍ من يساره إلى يمينه بعرض النصف لا يرى فيها اضطرابٌ. 1206- وكان أحمد بن محمد بن حفصٍ المعروف بواقف أجل الكتاب خطاً في الثلث، وكان ابن الزيات يعجبه خطه، ولا يكتب بين يديه غيره.

1207- وكان أهل الأنبار يكتبون المشق, وهو خطٌ فيه خفةٌ, تقول العرب: مشقه بالرمح, أي: طعنه طعناً خفيفاً متتابعاً. 1208- وأهل الحيرة خطوا الجزم, وهو خط المصاحف, وتعلمه منهم أهل الكوفة. 1209- وخط أهل الشام الجليل والسجل. 1210- وكان الأحول يوصف خطه بالبهجة والحسن من غير إحكامٍ ولا إتقانٍ, إلا أنه كأن رائقاً مبهجاً, وكان عجيباً, وكان يضن بالبري للقلم, وكان يبري القلم في المخرج. 1211- وقال الأنصاري المحرر: كنت أكتب في ديوان الأحول, فقربت منه, فأخذت من خطه, فسرقت من دواته, قلماً من أقلامه, فجاد خطي, فرأى خطي جيداً, وحانت منه نظرةٌ إلى دواتي, فرأى القلم, فعرفه, فأخذه وأبعدني. وكان إذا أراد أن يقوم من مجلسه أو ينصرف قطع رؤوس أقلامه كلها. 1212- وأما إسحاق بن حمادٍ فقال: للدواة ثلث الخط, وللقلم ثلثٌ, ولليد ثلثٌ. 1213- ثم انتهى الخط إلى طبطبٍ المحرر جودةً وإحكاماً, وكان رؤساء كتاب مدينة السلام يحسدون أهل مصر على طبطبٍ وابن عبدكان, ويقولون: بمصر كاتبٌ ومحررٌ ليس لأمير المؤمنين بمدينة

ذكر إيجازات واختصارات من الكتابة

السلام مثلهما. 1214- ولو تقصينا ذكر الكتاب والكتابة لطال الكتاب, فاجتزأنا بما تقدم ذكره [و] شرحه. ذكر إيجازاتٍ واختصاراتٍ من الكتابة 1215- من ذلك ما روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتب إلى عبد الله بن عباسٍ: أما بعد؛ فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته, ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه, فما نلت من دنياك فلا تكن به فرحاً, وما فاتك فلا تأس عليه حزناً, وليكن سرورك في ما قدمت, وأسفك على ما أخرت, وهمك لما بعد الموت. 1216-وقال المأمون يوماً لعمروٍ: اكتب لفلانٍ إلى بعض العمال بالعناية في قضاء حقه, واختصر حتى يكون ما تكتبه له في سطرٍ واحدٍ لا زيادة عليه؛ فكتب عمرو: كتابي إليك كتاب واثقٍ بمن كتبت إليه, معنيٍ بمن كتبت له, ولن يضيع حامله بين العناية والثقة. 1217- وكتب الحسن بن سهلٍ إلى أخٍ له يعزيه: مد الله في عمرك موفراً غير منتقصٍ, ممنوحاً غير ممتحنٍ, ومعطى غير مستلبٍ. قال أبو جعفرٍ: وهذا مما يستحسن, لأن في ترتيب الدعاء ما يدل

على أنه يعزيه. 1218- سأل الشعبي الحجاج حاجةً, فلم يقضها له, واعتذر إليه, فكتب الشعبي: والله لاعذرتك وأنت أمير العراقين وابن عظيم القريتين. وكانت أم الحجاج ابنة عروة بن مسعودٍ. 1219- وكتب سالمٌ إلى بعض الولاة: أما أنا فمعترفٌ بالتقصير في شكرك عند ذكرك, ليس ذلك لتركي إياه في مواضعه, ولكن لزيادة حقك على ما يبلغه جهدي. 1220- وكتب يحيى بن خالدٍ إلى بعض العمال: قد كثر عندي شاكوك, وقل شاكروك, فإما عدلت وإما اعتزلت. 1221- وركب إبراهيم بن المهدي يوماً إلى أحمد بن يوسف ليقيم عنده, وكتب أحمد إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي: إن عندي من أنا عبده [عنده؟] , وحجتنا عليك إعلامنا إياك؛ والسلام. 1222- وأهدى بعضهم ملحاً طيباً؛ وكتب رقعةً: الثقة بك سهلت السبيل إليك, فأهديت هدية من لا يحتشم إلى من لا يغتنم. 1223- وبعث إبراهيم بن المهدي إلى إسحاق بن إبراهيم جراب ملحٍ وجراب أشنان, كتب إليه: لولا أن القلة قصرت عن بلوغ الهمة لأتعبت السابقين إلى برك, ولكن البضاعة قعدت بالهمة؛ وكرهت أن تطوى صحيفة البر وليس لي فيها ذكرٌ, فبعثت المبتدأ به ليمنه وبركته,

والمختوم به لنظافته وطيب رائحته, فأما سوى ذلك فالمعبر عنا كتاب الله, إذ يقول: {ليس على الضعفاء} الآية. 1224- وكتب أحمد بن يوسف إلى الحسن بن وهب في يوم نيروز: جعلت فداك! لم يقعدني [يقعد بي؟] عن التأسي بالمهدين إليك في مثل هذا اليوم إلا تقصير الجدة, فجعلت هديتي ما يبقى عليك وهما بيتا شعرٍ: أبقاك لي الرحمن في غبطةٍ ... وفي سرورٍ دائم المده أنعم بنوروزك وأبهج به ... بلغت ألفي سنةٍ بعده 1225- ومما يدخل في هذا الباب خبر أبي العتاهية حين عزى الفضل بن الربيع بابنه العباس, فقال: الحمد لله الذي جعلنا نعزيك عنه ولا نعزيه عنك؛ فدعا بالطعام وقد كان امتنع منه. 1226- وكتب بعضهم: أحي معروفك عندي بإماتة ذكره, وعظمه بالتصغير له. 1227- وقال ابن شبرمة: لا خير في المعروف إذا أحصي. 1228- وقال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي: بلغني عنك سرفٌ في إعطائك؛ فقال: يا أمير المؤمنين! منع ما يوجد سوء ظن بالله عز وجل.

1229- وقال نافع بن خليفة: يا بني! اتقوا الله عز وجل بطاعته، واتقوا السلطان بحقه، واتقوا الناس بالمعروف؛ فقال رجلٌ منهم: ما بقي شيءٌ من الدنيا والآخرة إلا أمرنا به. 1230- ومن الاختصار ما كتب به العباس بن جرير إلى الفضل بن يحيى: لا أعلم منزلة توحشني من الأمير ولا توحشه مني، لأني في المروءة له كنفسه، وفي الطاعة كيده، وفي الخصوص كأحد أهله، وإنما الظفر من فضله، وقد بعثت إليه ببعض ما ظننت أنه يحتاج إليه في سفره. 1231- قال أحمد ابن أبي طاهر، وأهدى عاملٌ لمروان غلاماً أسود، فأمر عبد الحميد أن يجيبه، ويذمه، فطول الكتاب، وكثر، فأخذ مروان الكتاب من يده، وكتب: أما إنك لو علمت لوناً شراً من السواد، وعدداً أقل من واحد لأهديته؛ والسلام. 1232- وأهدى عبد الله بن طاهرٍ إلى المعتز هدية ًجليلةً، وذلك في حياة المتوكل، وكتب: إلى السيد الجليل من العبد الذليل، أما بعد؛ فإنه لن يتئب العبد أن يهدي إلى سيده من فضل نعمته، ولن يستقل السيد ذلك، إذا كان الكل له؛ والسلام. 1233- وأهدى النوشجاني إلى المأمون قارورةً فيها دهن أترجٍ، وكتب إليه: إذا كانت الهدية من الصغير إلى الكبير، فكلما لطفت كان أبلغ وأوصل؛ وإذا كانت من الكبير إلى الصغير، فكلما عظمت كان

باب فصول ورسائل بليغة

أجزل لها وأخطر. 1234- وأهدي إلى إبراهيم بن العباس هديةٌ فردها، وكتب معها: قد قبلتها بالموقع، ورددتها بالإبقاء، والسلام. باب فصولٍ ورسائل بليغةٍ فمن ذلك: 1235- جل فضل الأمير عندي أن يحيط بوصفه اجتهادي، أو يأتي على كنهه تعدادي، فلو كان شيءٌ أكبر من الشكر الذي جعله الله لنعمته كفاءً، وبما يجب له فيها وفاءً، يقابل به مقابل طول سيده، ويؤدي به مصطنع حق مصطنعه، فما كان الأمير يستحقه علي ويستوجبه فقد أصبح المختلفون من الناس مؤتلقين على الاعتراف بفضله، والمتباينون منهم مجتمعين على تقريظه ومدحه، حتى إن العدو ليقول اضطراراً ما يقوله الولي اختياراً، والبعيد يثق من إنعامه عاماً بمثل ما يثق به القريب خاصاً، ففعل الله به وفعل. 1236- وكان أبو الحسن يستجيد رسائل أبي علي البصير ويقدمها على ما يكتب به أبو العيناء. قال: وكان أبو علي هذا إذا كتب تثبت، ويروي فيما يكتب به، فتخرج رسائله على نهاية الجودة؛ هذا معنى كلامه فيما يستحسن.

1237- وكتب أبو علي البصير دعاءً في أول رقعةٍ: أطال الله في أدوم العز والكرامة بقاءك، وأسبغ في النعمة مدتك، وحاط الدين والمروءة بحيطة دولتك، وجعل إلى خير عاقبة الأمور عاقبة أمرك، وعلى الرشد والتوفيق مواقع قولك وفعلك، ولا أخلى من السلطان مكانك، ومن الرفعة منزلتك. 1238- أخرى له: وأنا أسأل الله الذي رحم العباد بك على حين افتقار منهم إليك أن يرحمهم من بعد فقدك، ولا يعيدهم إلى المكاره التي استنفذتهم منها بيدك. 1239- ومن أخرى له: وأنا أسأل الله الذي يعلم السر وأخفى، راغباً إليه بسريرةٍ يعلم صحتها، ونيةٍ يشهد على صدقها، وأن يشفع إحسانه إلي، وجميل بلائه لدي، بطول بقاءك، وامتناعي بما وهب لي من رأيك على الاستحقاق دون الهوى، وتمام شروط الود دون التجاوز والإغضاء. 1240- ومن أخرى له إلى عبيد الله بن يحيى: وأنا أسأل الله تعالى جده أن يطيل بقاءك لأركان دين تؤيدها، وحوزة ملكٍ تذب عنها، وسياسة رعيةٍ تقيم أودها وتعدل ميلها، وعثرة كريمٍ تنعشها، وصنيعةٍ عند حرٍ تربها، وأن يعز بموالاتك التي لا هضم على أهلها، وأن يتمم نعمته عليك، ويتابع المزيد عندك منها. 1241- ومن أخرى له إليه: يقطعني عن الأخذ بحظي من لقائك، وتعريفك ما أنا عليه من شكر إنعامك، والإنتساب إلى إحسانك

وإفضالك، وإفرادي إياك بالتأميل دون غيرك= تخلفي عن منزلة الخاصة، ورغبتي عن الحلول محل العامة، وإني لست معتاداً للخدمة والملازمة، ولا قوياً على المغاداة والمراوحة. 1242- ومن أخرى مقدمةٍ على رسائله، كتب بها إلى عبيد الله بن يحيى بن الحسن: أدام الله في العز والكرامة مدتك، وحاط من غير الدهر دولتك، ومن الزوال نعمتك، ولا أخلى من السلطان مكانك، إن من الحق أيدك الله على من وهب الله له فضلاً في اللسان، ونصيباً من البيان، وحسن قوةٍ في الرأي، واتصل له بالخاصة سببٌ، فوجد مساغاً للقول= أن يبلي عامة المسلمين بلاءً حسناً يستديم به النعمة التي خصته دونهم، فيكفي متخلفيهم، وينطق عن مفحمهم، ويعبر عما في أنفسهم مما تكل منه ألسنتهم، ويتضمن من شكر الإحسان إليهم ما يستدعي به المزيد لهم. وإني لم أزل أجد متطلعاً من نفسي يتطلع إلى ذكر محاسنك، وشكر ما عند كافة الرعية من جميل بلائك، وما يشملهم من عدلك وإنصافك، ولبسوا من الأمن والعافية بك والقول بفضلك ببعض ما يبلغه علمي، وتناله قدرتي، فيمنعني ذلك من أنه لا سبب لي بك، ولا ذريعة لي إليك، حتى خصصتني من جميل تطولك، وحسن نظرك ما أوجب الحق على نفسي، وأطلق لساني بما لم تزل تسمو إليه همتي. ولما كان إحسانك فوق الشكر، وكان الواصف فضلك، والذاكر لمناقبك مقصراً حيث انتهى، وكان تقريظناً إياك مغموراً في علم تفضلك والشائع المشهور الباقي على وجه الدهر من جميل الأحاديث عنك

المبهجة لمن كان قبلك، والمتعبة لم يكون بعدك، وكان في حق الدين والمروءة علينا شكر ما أبليت، ونشر ما أوليت= وجب أن نقدم المعذرة بأن نكتفي بالاختصار من الإطالة، ووثقنا بأنك عائدٌ على تقصيرنا بتغمدك، ومجرٍ أمرنا على صالح النية، إذ تعايا اللسان به، وعجز الرأي عنه، والله عز وجل يزيد علواً كعبك، وطولاً بالخير يدك، ويحوط النعم لأهلها بحياطة نعمتك، ويتطول على الخاصة والعامة بدوام حالك، وثبات وطأتك، فنقول: إن من شكر بمبلغ طاقته، وجهد استطاعته، شكراً يبلغ الصوت به، وتصغي الأسماع إليه، وترى صفحة الإخلاص فيه، ثم شفع ذلك بالانتساب إلى التقصير مع الإطناب، فقد انتهى إلى غايةٍ يعذر بالعجز عن تجاوزها، وبالوقوف عندها، وأن يرى فوقها مزيداً، أو وراءها مذهباً، وإن فلاناً لما استخلصك لنفسه وائتمنك على رعيته، فنظر بعينك، واستمع بأذنك، ونطق بلسانك، وأخذ وأعطى بيدك، وأورد وأصدر عن رأيك، وكان تفويضه إليك بعد امتحانه إياك، وتسليطه الحق على الهوى فيك بعد أن ميل بينك وبين الذين سموا لمرتبتك، وأجروا إلى غايتك، فأسقطهم مضمارك، وخفوا في ميزانك، ولم يزدك، أكرمه الله رفعةً وتشريفاً إلا ازددت عن الدنيا عزوفاً، ومنها تقللاً، ولا تقريباً واختصاصاً إلا ازددت من العامة قرباً، وبها رفقاً، وعليها حدباً؛

لا يخرجك فرط النصح للسلطان عن النظر لرعيته، ولا إثبات حقه عن الأخذ لها بحقها عنده، ولا القيام بما هو له عن تضمن ما هو عليه، ولا يشغلك معاناة جلائل الأمور عن التفقد لصغارها، ولا الجذل بصلاحها واستقامتها عن استشعار الحذر وإنعام النظر في عواقبها، تمضي ما كان الرشد في إمضائه، وتتوقف عما كان الحزم في التوقف عنه، وتبذل ما كان الفضل في أن تبذله وتمنع ما كان المصلحة في منعك إياه، وتلين في غير ضعفٍ، وتشتد في غير عنفٍ، وتعفو في غير فشلٍ، وتسطو في غير خورٍ، وتقرب في غير تبذلٍ، وتبعد في غير كبرٍ، وترغب في غير سرفٍ، وترهب في غير تحاملٍ، وتخص في غير ميلٍ، وتعم في غير تضييع، لا يشقى بك المحق، وإن كان عدواً؛ ولا يسعد بك المبطل، وإن كان ولياً؛ فالسلطان يعتد منك من الغناء والكفاية والذب والحيطة والتوفير والأمانة والعفة والنزاهة والنصب في ما أدى إلى الراحة= بما يراك معه حيث انتهى إحسانه إليك مستوجباً للزيادة، وكافة العامة إلا من عند عن الحق وغمط العاقبة، يثنون عليك بحسن السيرة، ويمن النقيبة، والعمل بصلاح التدبير في السياسة، والبعد من كل أمرٍ أضاف إليك شبهةً وألحق بك دنيةً، ويعدون من مآثر الله جل وعز التي خصك بها دون من حل محلك أنك تدحض لأحدٍ حجةً، ولا تدفع حقاً بشبهةٍ، ولم تفسد حالاً، ولم تزل نعمةً، هذا يسيرٌ من كثيرٍ نعلمه، لو حاولنا تفصيل مجمله لأنفدنا مدةً من الزمان قبل

تحصيله، ثم كان قصرنا الوقوف دون الغاية. 1243- وفصلٌ آخر: ومما كان أبين في الفضل، وأوجب للشكر، أن تغنيني عن شكوى حالي إليك مع علمك بها، واقتضائك عمارتها، مع ما ترى في ظاهرها، فلربما نيل الغنى على يدي من هو دونك، وكان ذلك بأدنى من وسيلتي إليك، وحرمتي بك، غير أن الحظوة لا تدرك بالسعي والحيلة، ولا تجري أكثرها على قدر النسب والوسيلة. 1244- فصلٌ آخر: أراك الله في وليك ما يسرك به، وفي عدوك ما يعطفك عليه. 1245- ومن المتقدمين والمشهورين في الكتابة والمنسوبين إلى هذه الصناعة في البلاغة أحمد بن مهران الكاتب، ولقد كان علي بن سليمان يقول: إن رسائله لتطربني كما يطربني الغناء. 1246- فمن مستحسن فصوله ورسائله، فصلٌ له [في] تعزيةٍ: ومن صدق نفسه هانت عليه المصائب، وعلم أن الباقي تبعٌ للماضي، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين. 1247- وله إلى بعض الأدباء: فضيلتك في العلم الثاقب والأدب البارع فضيلةٌ تكافأ أهل المشرق طراً في معرفتها والإعتراف بها، حتى صار الإقرار بذلك فضيلةً للمدعي، وزينةً للعالم المتقن، فأما الخصائص التي لك في الدين والزلفة وصحة الوفاء والمحافظة ومجانبة كل ما يدنس عرضاً، أو يثلم مروءةً= فكثيرةٌ مشهورةٌ، حليت بها الأدب

وتخطيت بها إلى الحسب، لأن أدب المعرفة إذا انفرد عن أدب النفس، وكرم الخلق= كان عائبه والقادح فيه أكثر من واصفه ومطريه، وقد جمع الله لك من ذلك ما هو متفرقٌ في غيرك، وجعلك ممن يكاثر به ويفاخر، فتعلو يد من يناضل، ولسان من ينطق بفضله، فوهب الله لك شكراً يكافئ نعمه، ويفي بإحسانه. 1248- وله إلى أبي نجدة الشاعر: أما الشعر، فلسنا نساجلك فيه، ولا نركب مضمارك في ما قل أو كثر منه، ولو أيدنا بخلاء الذرع، ورحب السرب، واتساع الوقت، مع المهل والروية، فكيف على الارتجال والبديهة؟ لأنا نرى الاعتراف للمبرز فضيلةٌ وغموط حقه نقيصةٌ. 1249- وله أيضاً إلى أبي غالبٍ: قد انقضت أيام أهل الأدب، وأفلت نجومهم، حتى صاروا غرباء في أوطانهم، منقطعي الوصل والوسائل، ترتد عنهم الأبصار، وتنبو عنهم القلوب، وإذا شاموا مخيلة مثلك ممن يحسن تآلفهم ورفدهم، فترعى وسائلهم، ثلجت صدورهم، وانبسطت آمالهم، وأمسك ذلك بحشاشاتٍ قد نهكها سوء بلاء الزمان عندهم، فزادك الله من فضله, وزاد بك, واضطرب الصوت بما منحته بعض الشعراء من رفدك ونائلك, فبعث ذلك من آمالٍ كانت خاسئةً, وأيقظ همماً كانت نائمةً, والخير متبعٌ لا زلت من أهله. 1250- وله: وأنا منتظرٌ من نصر الله عز وجل على هذا الباغي, وانتقامه من الظالم= ما ليس ببعيدٍ, وإن كان قومٌ يستدرجون بالإمهال,

فإن وعد الله عز وجل ناجزٌ, وهو من وراء كل ظالمٍ. 1251- وله: وأياديك عندي أيادٍ غير مجهولة النعم, بل على نعمٍ غير مجحودةٍ, ومهما أغلفت شكره في ما سلف, فلن أغلفه في المؤتنف. 1252- ولمحمدٍ بن مهران رسائل كثيرةٌ مجودةٌ وكتب فتوحٍ مشهورةٌ, لو شرحنا بعضها لطال الكتاب, وإنما ينبغي لكل مجودٍ من هذه الطبقة, أعني: الكتابة. 1253- وممن ينسب إلى إيجاز القول وحسن النظم والبلاغة في السجع الكرماني, كتب إلى محمد بن عبد الملك الزيات: كتابي إليك ليس باستطباءٍ, وإمساكي عنك ليس باستغناءٍ, لكنه تذكرةٌ لك, وثقةٌ بك. 1254- وكتب إلى المأمون: إنك من إذا أسس بنى, وإذا غرس سقى, ليستتم بناء أسه, ويجتني ثمرة غرسه, وأسك في بري قد وهى وقارب الدروس, غرسك في حفظي قد عطش وشارف اليبوس, فتدارك ما أسست, واسق ما غرست, فملح وجود, وأمر له المأمون بمئة ألف درهمٍ. 1255- قال يحيى بن خالدٍ: رسائل المرء في كتبه أدل دليلٍ على مقدار عقله, وأصدق شاهدٍ على غيبه لك ومعناه فيك من أضعاف ذلك

على المشافهة والمواجهة. 1256- كتب رجلٌ إلى إخٍ له: قد كنت أحب أن لا أفتتح مكاتبتك بذكر حاجةٍ, إلا أن المودة إذا أخلصت سقطت الحشمة واستعملت الدالة. 1257- ولآخر: إن من صغر الهمة الحسد للصديق على النعمة. 1258- آخر: كفاك من القطيعة لي سوء ظنك بي. 1259- آخر: قد سبق من جميل وعدك إياي ما أنت أهله, وتأخر الأمر عني تأخراً دلني على زهدك في الصنيعة عندي, ولولا أن النفس اللجوج تطالبني ببلوغ آخر الأمر لتنصرف عن الطمع بواضح العذر كان في ما عاينت من التقصير أدل دليلٍ على ضعف العناية, ولقد حمدت الله إذ لم أخبر بمسألتي إياك وضمانك أحداً, فأكون في هذا إما كاذباً في ما حكيته, وإما شاكياً بعد أن عرفت لك شاكراً, ولست أنتقل من شكرٍ إلى ذمٍ, ولا أرغب في خلقٍ عليٍ إلى خلقٍ دنيٍ, فيسر حسودٌ ويساء ودودٌ, ولكني أنكب طريقاً بين شكرك على ما يسره المقدار على يدك وبين عذرك على ما غيره عليك غير ملحفٍ ولا مجحفٍ, فإن الرزق أضعافه بالرجاء, وما لا يحتسب أجدر مما يقتضب, وكان الواثق يكون محروماً. 1260- ولغيره: فإن الله بحمده نزه الإسلام عن كل قبيحةٍ, وأكرمه عن كل رذيلةٍ, ورفعه عن كل دنيةٍ, وشرفه بكل فضيلةٍ, وجعل سيما

أهله الوقار والسكينة. 1261- أخر: قد أغنى الله عز وجل بكرمك عن ذريعةٍ إليك, وما تنازعني نفسي إلى استعانةٍ عليك إلا أبى ذلك حسن الظن بك, وتأميل نجح الرغبة إليك, دون الشفعاء عندك. 1262- ومن حسن ما في هذا, كتاب عبد الحميد في السلام عن هشامٍ: فإن أمير المؤمنين كتب إليك وهو في نعمة الله عز وجل عليه وبلائه عنده في نفسه وولده وأهل محبته ولحمته والخاص من أموره والعام والجنود والثغور والقواصي والدهماء من المسلمين على ما لم يزل ولي النعم يتولاه منه، حافظاً له فيه، مكرماً بالحياطة بما ألهم الله جل ذكره فيه من أمور رعيته، وعلى أعظم وأحسن وأجمل ما كان يحوطه فيه، ويذب له عنه، والله محمودٌ مشكورٌ. أحب أمير المؤمنين لسرورك به أن يكتب إليك بذلك لتحمد الله عز وجل وتشكره، فإن الشكر من الله بأحسن المواضع وأعظمها، فازدد منه تزد به، وحافظ عليه، وارغب إليه، يعطك مزيد الخير، ونفائس المواهب، وبقاء النعم، وأقرئ من قبلك كتاب أمير المؤمنين إليك ليسر به جندك ورعيتك، ومن حمله الله عز وجل النعم بأمير المؤمنين ليحمدوا الله على ما رزق عباده من سلامة أمير المؤمنين في بدنه، ورزقه من رأفته بهم، وعنايته بأمورهم، فإن زيادة الله عز وجل تعلو شكر الشاكرين؛ والسلام. 1263- ولغيره: حتى إذا تراءى الجمعان تبرأ الشيطان من

حزبه، وأزهق الله عز وجل باطلهم بحقه، وجعل الفتح والظفر لأولى الحزبين به، وبذلك جرت سنة الله عز وجل في الماضين من خلقه، وبذلك وعد من تمسك بأمره وطاعته. 1264- آخر: إن أولى نعمةٍ بشكرٍ نعمةٌ خصت فاستقامت بها الأمور، واقعةٌ بمصالحها، جاريةٌ على قصد سنتها؛ وأجمل ما ولي الله تعالى منها ما عمت فتألفت البشر، وجمعت الكلمة، وآمنت السرب، وسكنت الدهماء. 1265- ولغيره: أما بعد، فإن أولى نعمةٍ بشكرٍ سلامةٌ عز فيها الحق، ووقع مواقعه؛ وذل الباطل، فقمع أشياعه؛ وتقلب في شدتها وأمنها خاصةٌ وعامةٌ، وانبسط في تأميل فضلها وعائدتها رغبةٌ حاضرةٌ وقاصيةٌ، وأمير المؤمنين حيث كتب إليك في أعم سلامةٍ أمناً وعزاً، وأدوم نعمةٍ موقعاً وخطراً، وأجمل بلاءٍ لله عز وجل يتعرفه في نفسه وولده وأوليائه وعوامه، وبالله عونه على شكر نعمته وتأدية حقوقه. 1266- ولآخر: أما بعد؛ فإن بلاء الله عند أمير المؤمنين في ما يحوط له ما استحفظه واسترعاه ويتولاه من حسن الخلافة في ما قرب منه ونأى، يعرفه من الصنع على من شاقه وناوأه ما حق علينا وعلى عامة رعيته القول به وإذاعته، والحديث عن النعمة الشاملة والكرامة المجللة فيه. 1267- وكتب آخر: كتبت وأنا ذو صبابةٍ توهي قوى الصبر إلى لقاءك، واستراحةٍ ليس إلا إلى طيب أخبارك منتهاها.

1268- آخر: كتبت وأنا في أحسن ما كان الله عز وجل ينعم به علي ويتولاه مني، وله الحمد والمنة وإليه في صالح المزيد الرغبة. 1269- آخر: كتبت وأنا على أجمل ما جرت به العادة ووجب به الشكر. 1270- آخر: كتبت ونحن في أعم عافيةٍ, وأشمل كرامةٍ, والحمد لله ربهما ووليهما, والمرجو لتمامهما. 1271- آخر: كتبت وأنا في نعمةٍ عميمةٍ وعافيةٍ ظليلةٍ, والله أسأل إتمامها بأحسن عادته وأجمل مواهبه. 1272- آخر: كتبت عن سلامةٍ ووحشةٍ لفراقك وبعد البلد الذي يجمع السادة والإخوان والأهل والجيران على حسب الأمن كان بمكاني فيه والسرور به, ولكن المقدار يجري فتنصرف معه, وقع ذلك بالهوى أو خالفه, ولئن كانت هذه حالي في الوحشة إن أكثر ذلك وأوفره لفراقك, وما بعد فأعنه من الأنس بك, فاسأل الله أن يهب لنا اجتماعاً عاجلاً في سلامةٍ من الأديان والأبدان, وغبطةٍ من الحال, وغنىً عن المطالبة برحمته. 1273- وله: كتابي والله عز وجل يعلم وحشتي له, لا أوحشك الله من نعمته, ولا فرق بينك وبين عافيته, وكان مما زاد في الوحشة أنها جاوزت الأمل المتمكن في الأنس وبقرب الدار وتداني المزار, نحمد الله على نعمه ونستديمه لنا فيك أجمل بلائه, ونسأله أن

لا يخلينا وإياك من شكره ومزيده, ولو كتبت في كل يومٍ كتاباً بل لو شخصت نحوك قاصداً لكان ذلك دون الحق لك, ولكني غلقٌ بما تعلمه من العمل, وأكره أن أتابع كتبي, وأسلك سبيلاً من الثقل, فأنا واقفٌ بمنزلةٍ متوسطةٍ أرجو أن أسلم من الجفاء والإبرام, فأنا وإن أبقيت عليك من الزيادة في شغلك, فلست بممتنع من مسألتك التطول بتعريفي جملةً من خبرك, أسكن إليها, وأعتد بالنعمة فيها, وأحمد الله عليها. 1274- ولابن المقفع: أصلحنا الله وإياك صلاحاً دائماً يجمع لنا ولك به الفضيلة في العاجلة والكرامة في الآجلة, فإني لا أعلم أمراً أعظم عند أهله منفعةً من أمرٍ ترك ذكره لفضيلةٍ, ولا أعرف أمراً يستحق أهله بفضله عندهم عن ذكره في ما بينهم من أمرٍ وشج الله عز وجل بيننا وبينك أسبابه, وثبت حقوقه, وعظم حرمته, وأوجب لبعضنا على بعضٍ حفظه, والمبالغة في أداء ما أوجب الله عز وجل منه, فأبقى لنا ولك منه ما أجرى بيننا وبينك في الدنيا حتى نكون بينه إخواناً في الآخرة حتى تصير الخلة عداوةً بين أهلها إلا خلة المتقين. 1275- آخر: فنرغب إلى الذي تزداد نعمه علينا في كل يومٍ وليلةٍ تظاهراً ألا يجعل شكرنا منقوصاً, ولا مدخولاً, وأن يرزقنا مع كل نعمةٍ كفؤها من المعرفة بفضله فيها والعلم في أداء حقها.

1276- آخر: أما بعد؛ فإن من قضى الحاجات لإخوانه فاستوجب الشكر عليهم فلنفسه عمل لا لهم, لأن المعروف إذا وضع عند من يشكره فهو زرعٌ لا بد لزارعه من حصاده أو لعقبه من بعده. 1277- آخر إلى والٍ عزل عن عمله: أما والله إن كنت لمسيئاً عندك, مخطئاً لحظك, غير نبيلٍ في عملك, ولا مصيبٍ في حكمك, تحيف في القضاء, وتتبع الهوى, وتقبل الرشا, لست بالثابت الرزين, ولا الحليم الركين. 1278- آخر: لا أصل ثبت في الأرض، ولا فرع بسق في السماء، من شكرٍ أو وفاءٍ أو حياءٍ. 1279- آخر: أما بعد؛ فإني لا أعرف للمعروف طريقاً أوعر من طريقه إليك، ولا مستودعاً أقل زكاءً ولا أبعد من ثره خيرٌ من مكانه عندك، لأن المعروف يحصل منك في حسبٍ دنيءٍ ولسانٍ بذيءٍ، وجهلٍ قد غلبك على عنانك، فالمعروف لديك ضائعٌ، والشكر عندك مهجورٌ، وإنما غايتك في المعروف أن تحرره وفي وليه أن تكفره. 1280- آخر: لا تتركني معلقاً بحاجتي، فالصبر الجميل خيرٌ من المطل الطويل. 1281- آخر: والأمير يعوضك أفضل من العمل الذي صرفك عنه، فإنما صرفك ليرفعك عن ما كان استعملك ويصطنعك، وليس حقه عليك

حين استعملك بأعظم من حقه عليك حين عزلك. 1282- تعزيةٌ بطفلٍ: الحمد لله الذي نجاه مما ها هنا من الكدر, وتخلصه قبل كبره مما بين يديه من الخطر. 1283- تعزيةٌ: إذا استوى المعزي والمعزى في النائبة استغنى عن الإكثار في الوصف لموقع الرزيئة، وكان ظهوره يغني عن التنبيه عليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون، إقراراً بالمسألة، واعترافاً بالمرجع إليه، وتسليماً لقضائه، ورضىً بموقع أقداره؛ وأسأل الله أن يصلي على محمدٍ صلاةً متصلةً بركاتها، وأن يوفقك لما يرضيه عنك قولً وفعلاً حتى يكمل لك ثواب الصابرين المحسنين، وأجر المطيع المنتجز للوعد، فرحم الله فلاناً وأحله منازل أوليائه الذين رضي سعيهم وتطول بفضله عليهم، إنه وليٌ قديرٌ. 1284- آخر: للمودة أسبابٌ تؤدي إلى اتصال المحبة، واجتماع المودة، واتساق نظم الأخوة. وكتابي هذا من أسبابها القوية إذ كان في سبيل البر والمثوبة. 1285- آخر في خلعةٍ: جزاك الله خيراً، فوالله ما دون ما أتيت تقصيرٌ، ولا فوقه إحسانٌ. 1286- آخر: إن الله لما رزقني المنزلة من الأمير جعل معها شكرها مقروناً بها، فهي تنمي بالزيادة، والشكر مصاحبٌ لها، فليست تدخلني وحشةٌ، وأنا على علمٍ أنه إن وصل إليه حالي أغناني عن استزادته، ولكن تكنفتني مؤنٌ استقصت ما في يدي، وكنت للخلف من الله منتظراً، فإني

إنما أتقلب في نعمه، وأتمرغ في معروفه كان عندي. 1287- آخر في حاجةٍ: قد سهل الله تبارك وتعالى علينا مطلب الحاجة، وجعلك مشرع نجحٍ، ومفزع أنسٍ، وعدة أخٍ عند تضايق أمره. 1288- آخر: وإن الله عز وجل بتمكينه إياك في النعمة، وإعلائه يدك بالقدرة، وصل بك آمال المؤملين، وخص بجميل الحظ منك أهل المروءة والدين, وقد حللنا بفنائك, وأملنا حسن عائدتك, ورجونا أن تودعنا من معروفك ما تجد عندنا شكره, والوفاء ما تسدي إلينا منه, وأنت بين صنيعةٍ مشكورةٍ, ومثوبةٍ مذخورةٍ, فإن رأيت أن تصغي إلينا بكرمك, وتخلطنا بعددك, وتجعلنا من خطاب برك بحيث يشملنا فضلك ويسعنا طولك فعلت إن شاء الله.

باب المرتبة العاشرة

باب المرتبة العاشرة نذكر فيها أشياء مما يغلط فيها الكتاب من باب فعل وأفعل, ونذكر من فصيح الكلام أبواباً ومن الغريب والنوادر إن شاء الله باب فعل وأفعل باختلاف المعنى 1289- تقول: ضللت المكان, إذا لم تهتد له, وأضللت الشيء: إذا هلك منك. 1290- وجزى عني هذا الأمر يجزي, أي: قضى؛ والبقرة تجزي عن سبعةٍ بغير همزٍ, وأجزأني الشيء: كفاني, ومنه تجزأت واجتزأت. 1291- وأقبست الرجل علماً وقبسته ناراً. 1292- ويقال عند فقد ما لا يستخلف, كالوالدين: خلف الله عليك؛ وأخلف الله خيراً مما ذهب لك, وأخلف الله عليك ذاك, عند فقد ما يستخلف, مثل المال والولد وغيره. 1293- ورابني الأمر: جعل في ريبةً, وأراب في نفسه:

صار مريباً, ويقال: ربت فلاناً: إذا بينت الريبة منك له, وأربت: لم تبين منك الريبة, قال: أخوك الذي إن ربته, قال: إنما ... أراب وإن عاتبته لان جانبه 1294- وقسط الرجل جار, وأقسط عدل؛ كأنه أزال القسوط. 1295- وخفرته أجرته خفرةً وخفارةً وخفارةً وأخفرته إخفاراً: نقضت عهده, وخفرت المرأة خفراً وخفارةً, أي: استحيت. 1296- ونشدت الضالة: طلبتها, وأنشدتها: عرفتها. 1297- وحصرت الرجل حبسته, وأحصره المرض: منعه من السير. 1298- ووجرت الغلام الدواء, وأوجرته الرمح. 1299- وحذاني فلانٌ نعلاً, أي: وهب لي نعلاً, وأحذاني: أعطاني, وحذاني: جلس بحذائي, وحذى النبيذ لسانه يحذيه. 1300- وماط عني إذا تباعد, فإذا أمرت, قلت: مط عني؛ وأماط عني الأذى إماطةً. 1301- وضفت الرجل: نزلت به, وأضفته: أنزلته. 1302- ودلوت الدلو: أخرجتها من البئر, وأدليتها: أرسلتها. 1303- وشكلت الكتاب، وشكلت الدابة، وأشكل علي الأمر: التبس.

1304- وترب الرجل: افتقر، وأترب: استغنى. 1305- وخطئ: تعمد، ومنه الخطيئة، وأخطأ: أراد شيئاً فأصاب غيره. 1306- ونظرت الرجل: انتظرته، ونظرت إليه: عاينته، وأنظرته: أخرته. 1307- وزججت الرجل: طعنته بالزج، وأزججت الرمح: عملت له زجاً. 1308- ورهنت الرجل الرهن: وضعته عنده، وكذا رهنته لساني، وأرهنت فلاناً في السلعة: إذا غاليت فيها، وزدت في الثمن إرهاناً، وأرهنت له طعامي: آدمته له. 1309- وأفحش الرجل في منطقه، فإن كان ذلك عادته، قلت: فحش. 1310- وخدجت الناقة والشاة: القت ولدها قبل تمام الوقت، وأخدجت: ألقت ولدها ناقص الخلق. 1311- وزللت في القول، وأزللت الزلة، وقيل: هما واحدٌ. 1312- ومددت الدواة: زدت فيها المداد، وأمددتها: جئتها بمدادٍ، ومنه أمددتك بمالٍ، وأمددتك بفاكهةٍ ورجالٍ، ومنه قول الله عز وجل: {أني ممدكم بألف من الملائكة} ، ومد النهر، وأمد الجرح إذا صارت فيه المدة.

1313- ويقال ما لاقتني الأرض، أي: ما أمسكتني حتى خرجت عنها، ولقت الدواة، وألقتها، والأجود ألقتها، ومعناه: حركت السواد حتى ثبت. 1314- سمح الرجل بالشيء: إذا جاء به، وأسمح بقياده. 1315- وأغفى الرجل: هوم لينام، وغفا الشيء على الماء: إذا طفا. 1316- كفأت الإناء: كببته، وكفيته حاجته، وأكفأت في الشعر: جئت بطاءٍ ودالٍ وما أشبه ذلك، وهو مثل الإقواء. 1317- محل الرجل بالرجل، وأمحل: إذا غدر الرجل بالرجل، وأغدرت الرجل: تركته وأغدر السيل الغدير إذاخلفه. 1318- عار الرجل يعير: ذهب، وعار عينه يعورها: إذا عارت، وأعرت الرجل الشيء. 1319- أفرشت الشيء: أقلعت عنه، وفرشت الفراش. 1320- عصفت الريح وأعصفت وأعصف بهم الدهر. 1321- سكت: أمسك، وأسكت: أطرق. 1322- فرعت الشيء: علوته، وأفرعت [في] الوادي: انحدرت فيه. الأصمعي، قال: سمعت أعرابياً يقول: لقيت فلاناً فارعاً مفرعاً؛ أي: لقيته منحدراً وأنا مصعدٌ، أو مصعداً وأنا منحدرٌ.

1323- طرأت على القوم: قدمت، وأطريت الرجل. 1324- ووعدت الرجل خيراً وشراً، فإن قلت: وعدته، فهو للخير، وإن قلت: أوعدت، فهو للشر، ولا يقال أوعدته الشر، ولكن أوعدته بالشر. 1325- أفصى عنك الحر وفصيت الشيء من يد الرجل فصياً، أي: خلصته، وتفصى هو. 1326- وأعييت من المشي، وأنا معيٍ، وعييت بالأمر، وأنا به عييٌ وعيٌ. 1327- وقبرت الرجل: دفنته, وأقبرته: جعلت له قبراً. 1328- وشرقت الشمس: بدت, وأشرقت: أضاءت وصفت. 1329- وجبأت على القوم: أشرفت عليهم, وأجبأت البيع: اشتريت تمر نخلةٍ بتمرٍ. 1330- حار يحور: رجع, وحار يحار, من الحيرة, وكلمه فما أحار جواباً. 1331- صدت الصيد, وأصدت الرجل: داويته من الصيد, وهو داءٌ في الرأس يصيب الإبل. 1332- جرمت النخل: صرمتها, وأجرم الكافر. 1333- حضنت المرأة ولدها, وحضن الطائر بيضه, وأحضنت فلاناً على الأمر: منعته.

وفي وصية ابن مسعودٍ: ولا تحضن امرأة عبد الله عن هذا الأمر. 1334- أفلح الرجل: فاز بما طلب, وفلح الأرض: شقها. 1335- هجا الشاعر فلاناً, أهجى الجوع: سكن. 1336- كلأت القوم: حفظتهم, وكلاه الله: أصابه بوجعٍ في كليته, وأكلأت الأرض: ذهب كلأها. 1337- وأحجمت عن الشيء, وأحجمت: تأخرت, وحجم: إذا مص, والحجم: النتوء. 1338- أجزت عن القوم: إذا لم تردهم فلقيتهم, وجزته: سرت فيه, وأجيزوهم: أنفذوهم. 1339- أزررت القميص, وزررته: شددت أزراره. 1340- آليت: حلفت, وآليت: أبطأت, وألي الرجل يألى ألىً: إذا كان عظيم الألية. 1341- حكيت الرجل, وأحكيت العقدة: شددتها. 1342- أبهلت الناقة: تركتها بغير صرارٍ, وبهلته: لعنته. 1343- أدنت الرجل: بعته بدينٍ, وأنا مدينٌ, وهو مدانٌ, ودنت أنا, وأنا دائنٌ, وادنت, فأنا مدانٌ, أي: أخذت بدين؛ ولا يقال: فلانٌ مدينٌ, ولا مديونٌ إلا أن تريد من دين الملك, إذا دان له الناس, أي: سمعوا وأطاعوا. قال الشاعر:

باب فعلت وأفعلت بمعنى واحد

ندين ويقضي الله عنا ولا نرى ... مكان رجالٍ لا يدينون ضيعا وقال الهذلي في المعطى والمأخوذ منه: أدان وأنباه الأولون ... بأن المدان مليٌ وفي 1344- ضل فلانٌ منزله: أخطأه، ومنه {لا يضل ربي ولا ينسى} لا يخطئ في تدبير أفعاله، ولا ينسى، أي: فيترك فعل ما فعله، فإن ضاع منك ما يزول بنفسه من دابةٍ أو ناقةٍ، قلت: أضللت بعيري وشاتي. باب فعلت وأفعلت بمعنىً واحدٍ 1345- قدعت الرجل وأقدعته، لغتان: رددته عما يريد. وأقذعته بالذال معجمةً: لقيته بالقول القبيح، والقذع والقذع، لغتان، وأقذعته: وجدته ذا قذعٍ، وأقذعت له في القول. 1346- وجرته الدواء، وأوجرته به، وكذا وجرته الرمح وأوجرته. 1347- بدأ الله الخلق، وأبدأهم.

1348- ثوى وأثوى. 1349- وفيت بالعهد وأوفيت. 1350- بكر في حاجته وأبكر. 1351- أبان في الأمر وبان، وتبين واستبان. 1352- بقل وجهه وأبقل: خرجت لحيته. 1353- بت عليه الحكم وأبته، أي: قطع عليه الأمر، وكذا بت الحبل وأبته. 1354- بطؤ الرجل وأبطأ، وأكثر ما يستعمل بطؤ لمن سار بطيئاً. 1355- أتربت الكتاب وتربته وتربته للتكثير. 1356- أجنب الرجل وجنب وتجنب وأجتنب من الجنابة. 1357- جد في الأمر وأجد. 1358- جلب الجرح وأجلب: صار عليه جلبة البرء. 1359- حكل علي الأمر وأحكل: أشكل. 1360- حقن بوله وأحقنه. 1361- حمى المكان وأحماه: جعله حمىً لا يقرب. 1362- نكرت الشيء وأنكرته. 1363- نزفت العبرة وأنزفتها لغتان.

1364- وكذا سخنته وأسخنته. 1365- وكسبت الرجل المال وأكسبته, قال: فأكسبني حمداً وأكسبته قرباً 1366- خم اللحم وأخم: تغيرت رائحته. 1367- متع الله بك وأمتع. 1368- مح الكتاب, وأمح امتحى ومح الثوب: إذا أخلق لا غير, وأمح البلى الثوب, ويقال: المسألة تمح وجه الرجل, أي: تخلقه لا غير. 1369- أنهج لا غير, وكذا أخلق, وقد حكي: نهج وخلق. 1370- أسمل الثوب وسمل. 1371- ينعت الثمرة وأينعت, أي: نضجت, لغتان فصيحتان. 1372- سريت وأسريت: سرت ليلاً. 1373- ساس الطعام وأساس وسوس فهو مسوسٌ, ويقال: سيس الطعام سوساً بالفتح, والاسم: سوسٌ. 1374- وقد داد دوداً, من الدود, وأداد ودود فهو دائدٌ, ولا يعرف ديد ولا مدودٌ.

باب أفعل الشيء وفعلته, وهو باب غريب حسن

باب أفعل الشيء وفعلته, وهو بابٌ غريبٌ حسنٌ 1375- أمرت الناقة: إذا در لبنها, ومريتها: إذا استدررتها بالمسح. 1376- شنقت البعير: مددته بالزمام حتى رفع رأسه, وأشنق: إذا رفع رأسه. 1377- أنسل وبر البعير: إذا انقطع وسقط, ونسلته أنا, وكذلك في ريش الطائر. 1378- أنزفت البئر: إذا ذهب ماؤها, ونزفتها أنا. 1379- وأقشع الغيم, وقشعته الريح, وأقشع القوم: تفرقوا. باب أفعل الشيء, فهو فاعلٌ 1380- أبقل الموضع, فهو باقلٌ, من نبات البقل. 1381- وأورس الشجر, فهو وارسٌ: إذا أورق, وقيل: مبقلٌ. 1382- أيفع الغلام, فهو يافعٌ ويفعٌ.

باب أفعلته، فهو مفعول

باب أفعلته، فهو مفعولٌ 1383- أحمه الله، من الحمى، فهو محمومٌ؛ وكذا أسله وأهمه. 1384- وأحببته، فهو محبوبٌ ومحبٌ. 1385- وأسعدته، فهو مسعودٌ. 1386- أبر الله حجه، فهو مبرورٌ. 1387- أجنه الليل، فهو مجنونٌ، وكذا مزكومٌ ومكزوزٌ، فأما محزونٌ فالأصح: حزنه. باب فعلت وفعلت باختلاف المعنى 1388- قنع الرجل: إذا رضي قناعةً، فهو قنعٌ وقانعٌ، وقنع يقنع قنوعاً: إذا سأل، فهو قانعٌ لا غير. 1389- ولذذت الشيء ألذه لذاذةً ولذ الشيء يلذ لذةً. 1390- لهوت به، ألهو لهواً: من اللعب، ولهيت عنه ألهى لهياً ولهياناً: من السهو والغفلة، ((وإذا استأثر الله بشيءٍ فاله عنه)) ، أي: اتركه.

1391- حلي الشيء بعيني يحلى، وحلا في فمي يحلو حلاوةً فيهما جميعاً. 1392- نقهت الحديث، ونقهت من المرض. 1393- ونذرت بالقوم أنذر نذراً: إذا علمت فاستعددت، ونذرت النذر أنذر. 1394- أسن الرجل يأسن أسناً: إذا غشي عليه من ريح البئر أو النتن، وأسن الماء يأسن ويأسن: إذا تغير وفسد فلم يشرب من نتنه، وكذلك أجن، غير أنه شروبٌ. 1395- وعرج الرجل يعرج: إذا صار أعرج، وعرج يعرج: إذا غمز من شيءٍ أصابه، وعرج يعرج: إذا صعد. 1396- وأمر القوم: إذا كثروا، وأمر فلانٌ علينا: ولي. 1397- ووهل يوهل: فزع، ووهل إلى ذلك الأمر: ذهب فؤاده إليه. 1398- ولسبت العسل: لعقته، ولسبته العقرب تلسبه لسباً فيهما جميعاً. 1399- لثمت فاه: قبلته، ولثمته ألثمه: كسرته. 1400- غوى الرجل يغوى وغوى الفصيل يغوي: إذا لم

باب فعلت وفعلت بمعنى واحد

يرو من لبن أمه حتى يموت. 1401- نزفت عبرته، بكسر الزاي، ونزفت الركية. 1402- قرح، بكسر الراء، من القرحة، وقرح الفرس: صار قارحاً. 1403- قررت به عيناً أقر، وقررت بالمكان أقر لغة أهل الحجاز، ومنه: {وقرن في بيوتكن} . باب فعلت وفعلت بمعنىً واحدٍ 1404- نقمت عليه أنقم ونقمت عليه أنقم, لغتان. 1405- مجلت يده تمجل, ومجلت تمجل: إذا صار بين اللحم والجلد ماءٌ من عملٍ أو نحوه. 1406- ورضع الصبي يرضع, ورضع يرضع. 1407- غمط النعمة وغمطها: احتقرها. 1408- وأزم على الشيء: إذا قبض عليه بأسنانه, يأزم وأزم يأزم.

1409- وخنز اللحم: إذا تغير من طول المكث, يخنز, وخنز يخنز. 1410- وخزن يخزن, وخزن يخزن. 1411- وحذق الرجل العمل وحذق قليلة. 1412- وبرأت من المرض أبرأ وأرؤ, وبرئت أبرأ, لغتان جيدتان. 1413- وعصي بالسيف: إذا ضرب به, مثل العصا, يعصى وعصا يعصو, وكذلك من العصيان إلا أن مستقبله من العصيان يعصي, ومن الضرب بالعصا يعصو. 1414- وعلا عليه يعلاه واستعلاه واعتلاه, وعلي يعلى من علو الذكر خاصةً. 1415- وجرعت الماء وجرعت, لغتان. 1416- وكذلك قنط يقنط, وقنط يقنط. 1417- فضل الشيء يفضل وفضل يفضل. 1418- رجنت الإبل ورجنت ورجنتها وأرجنتها: إذا حبستها. 1419- وحضر القاضي فلانٌ وحضر القاضي امرأةٌ, لغتان. 1420- ولجأت إليه ولجئت إليه.

باب فعلت بفتح العين بشرحه

1421- وجزأت الإبل وجزأتها وجزئت. 1422- زهد وزهد لغتان. 1423- زللت في الطين وزللت. 1424- نضر الشيء ونضر. 1425- لطئت بالأرض, ولطأت: لصقت بها. 1426- ورت بك زنادي ووريت. 1427- ويقال للرجل إذا شمط مقدم رأسه: قد ذرئ وذرأ؛ قال العجاج: وقد علتني ذرأةٌ بادي بدي باب فعلت بفتح العين بشرحه 1428- نمى ينمى وينمو. 1429- وذوى يذوي، وذوي يذوى، وذأى يذأى: جف وذبل. 1430- وغوي غيةً وغياً فهو غاوٍ وغويٌ وغوٍ: إذا فسد عليه عيشه في الجنة، وغوى الفصيل غوىً: لم يرو أو بشم من لبن أمه. والغاية: الراية، والغاية: المنتهى؛ وغييت غايةً، أي: خطت رايةً.

1431- وكلام العرب كله: عسى زيدٌ قائمٌ، مبتدأٌ وخبره، وعسى: حرفٌ جاء لمعنىً، ومن العرب من يجعلها في معنى كان. 1432- دمعت عينه ودمعت. 1433- وخمدت النار وخمدت خمداً: سكن لهبها، وهمدت: أقل من ذلك. 1434- وعجزت عن الشيء أعجز، وعجزت المرأة من العجيزة: كبرت عجيزتها، وعجزت من العجوز، أي: صارت عجوزاً، أو كالعجوز، والعجز: أن لا تقدر على ما تريده، معجزةً ومعجزةً. 1435- حرصت على الشيء وحرصت: إذا طلبت بنصبٍ وشدةٍ وحيلةٍ. 1436- والحارصة: الشجة التي شقت الجلد ولم تبلغ إلى اللحم، وهي الحرصة أيضاً، والحريصة: السحابة التي تأتي بمطرٍ شديدٍ فيسحج الأرض سحجاً، وحرص القصار الثوب: شقه شقاً صغيراً. 1437- نقمت على الرجل شيئاً: أنكرته عليه، نقمةً ونقماً، ونقمت أيضاً. 1438- غدرت بالرجل غدراً ومغدرةً ومغدرةً: إذا لم أف له بما

وعدته، فأنا غادرٌ وغدارٌ وغدر، وغدر هو وغيره غدراً: إذا تخلف عن الجماعة كسلاً، وأغدرت فلاناً تركته من غدرٍ أو رزقٍ، ومنه: {لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها} وقيل: غديرٌ، لأن السيل غادره بذلك الموضع، أي: تركه وانحسر عنه، والغديرة: الضفيرة، و ((لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة عند استه، يناول كتابه من وراء ظهره)) . 1439- عمدت الشيء وإلى الشيء وعمدت عمداً، وعمدت الحائط، وعمدت الحجة أعمدها، أي: قويتها، وعمد السنام عمداً، أي: تفضخ من حملٍ ثقيلٍ شدخه، وعمد الرجل: عشق وضعف قلبه، فهو عميدٌ، والجمل عميدٌ، وفلانٌ عمدة العسكر، أي: سيدهم، وعمد الثرى: ابتل من كثرة المطر. 1440- هلك الرجل هلاكاً وهلكاً وهلكةً ومهلكةً: إذا مات أو وقع في شيءٍ شبيهٍ بالموت، والجمع هالكون وهلاكٌ وهلكٌ وهلكى، ويقال: لا تهلك إلى الدية، أي: لا تشره، والهالكي: الحداد، ويقال: افعل ذاك ما هلكت هلك، غير مجراةٍ، أي: وإن هلكت، يحثه على الطلب. 1441- عطس يعطس، والعطاس تتشاءم به العرب، والعاطوس: دابةٌ كثيرة العطاس، فإذا خرج الأعرابي فشي حاجةٍ فعطست أو رآها

رجع متطيراً. ويعطس أكثر. 1442- نطح ينطح وينطح. 1443- وكذا نحت ينحت وينحت. 1444- نكلت عن الشيء نكولاً: رجعت عنه, أنكل, ونكل ينكل, والنكل: الرجل البطل, والنكل أيضاً: القيد. 1445- كل: أعيا وانقطع, فهو كالٌ وكليلٌ, والكل: الصنم, والكل: الثقيل من كل شيءٍ في المؤونة والجسم, والكل: قفا السكين الذي لا يقطع, والكل: اليتيم. 1446- سبحت أسبح سبحاً وسباحةً, وسبحت ضعيفةٌ, والسبحة: الصلاة النافلة, والسبحة: إزار الحائض, وجمعها سباحٌ, ومن قال سبجةٌ بالجيم فقد صحف, لأن السبجة كساءٌ أسود صغيرٌ تلبسه الجارية. 1447- ولغ الكلب في الإناء يلغ, وهذا أقيس من يلغ, لأن الأصل فيه يولغ, فحذفت الواو لوقوعها بين ياءٍ وكسرةٍ, وقد سمع يلغ ولغاً وولوغاً, والولغ في الكلاب والسباع أن يدخل لسانه في الماء وما كان مائعاً فيحركه, ولا يستعمل إلا في اللسان خاصةً, ولا يستعمل في الطير, وقد حكي في الذباب وحده, فإن لم يكن في الإناء ماءٌ قيل: لحسه ولحسه.

1448- وغثت نفسه تغثي, ولا يعرف غثيت, ولكن حكي لقست نفسه وخبثت وضاقت وتبعثرت وتمددت وترمضت وتمقست. 1449- ورعفت أرعف, وقد حكي رعفت أرعف, والرعاف: المطر الأول, والراعف: الأنف, والراعوفة: صخرةٌ تكون أسفل البئر. 1450- وحكي في الرجل والعمل عثرت أعثر عثاراً, وعثرت على فلانٍ, أي: صادفته على قبيحٍ, أعثر وأعثر عثراً وعثوراً, وأعثرته على فعلٍ عمدٍ وأطلعته عليه, وقيل فيه: العثر والبين, فالعثر: الكذب, والبين: الفراق, أي: قال فيه ما يكذبه الناس عليه ويفارقونه, والعثري: ما يشرب بعروقه بغير سقيٍ. 1451- نفر ينفر وينفر نفراً ونفوراً ونفاراً, فأما في الجرح فالمستعمل نفر ينفر: إذا ورم, وكذا في نفرت الدابة تنفر نفوراً. 1452- شتم يشتم ويشتم, وشتم الرجل يشتم شتامةً: إذا قبح وجهه وخلقه, ومنه: أسدٌ شتيمٌ: إذا كان قبيح المنظر, والشتامة: القبح, والشتم عند العرب: كل كلامٍ قبيحٍ قذفاً كان أو غيره. 1453- لغب الرجل ولغب غيره وألغبه: إذا أتعبه. 1454- غبطت الشاة جسستها, وغبطت الرجل: تمنيت أن يكون لك مثل ما له من غير أن ينقص هو منه شيئاً, وحسدته: إذا تمنيت أن يكون لك ما يملك وأن يفتقر هو.

باب فعلت بكسر العين بشرحه

1455- نحل الرجل ونحل جسمه ينحل نحولاً, ونحل نحلاً والنحل: الهبة, والنحلة: التدين. 1456- وحكي: قحل الشيء, وقهل: إذا جف وتجفجف. 1457- ربط يربط ويربط ربطاً ورباطاً, والربيط: الملازم, والربيط: الراهب, والربيط: البسر المعذب ليرطب, وفلانٌ رابط الجأش, أي: مجتمع القلب. باب فعلت بكسر العين بشرحه 1458- قضمت الدابة شعيرها قضماً, بتسكين الضاد, والقضم متحركٌ, مصدر قضم الشيء يقضم قضماً: إذا تكسر, والقضم أكل كل شيءٍ لينٍ, والعرب تقول: قد يدرك الخضم بالقضم. 1459- فركت المرأة زوجها فركاً. 1460- سرطت الشيء أسرطه سرطاً، بالتسكين. 1461- ولحسته ألحسه لحساً. 1462- رضع الصبي يرضع.

1463- شركت الرجل في الشيء أشركه. 1464- وبششت بالقوم أبش. 1465- ولججت وأنت تلج. 1466- وبححت تبح. 1467- وهششت للمعروف تهش. 1468- وركنت إلى هذا الأمر تركن. 1469- وزكنت منك كذا وكذا, أزكن زكناً. 1470- ضننت بالشيء وضننت. 1471- وخطف الشيء يخطفه. 1472- وقد شلت يده, والأصل شللت تشل والأصل تشلل. 1473- ووددت أن ذلك كان: إذا تمنيته, وداً, وددت الرجل: إذا أحببته وداداً وودادةً ووداً ومودةً, والمستقبل أود فيهما جميعاً. 1474- وقد نهكه المرض ينهكه وأنهكته عقوبةً. 1475- وقد عكر الماء. 1476- وبررت والدي أبره, فأنا بارٌ وبرٌ, وصدقت يا هذا وبررت. 1477- وقد دخست الدابة تدخس. 1478- وغمط النعمة يغمطها وغمط الناس يغمطهم، ومثله وفي

باب فعل بضم الفاء

معناه: غمص، بفتح الميم، إذا احتقرهم. 1479- مسست الشيء أمسه وشممته وعضضته ومصصته ولقمته وسرطته وبلعته. 1480- وقد بلهت تبله. 1481- وحرجت من ظلمه أحرج. 1482- ورمضت من ذلك الأمر أرمض. 1483- ونفست عليه بخيرٍ أنفس نفاسةً. باب فعل بضم الفاء 1484- شبت النار، قال: وشب ضرامها 1485- حلبت الناقة والشاة. 1486- ورهصت الدابة. 1487- وعنيت بحاجتك. 1488- وأهدر دمه، وطل.

1489- ووثئت يده، وقيل: وثأت يده أثؤها. 1490- أولعت بالشيء. 1491- وبهت الرجل. 1492- يمن عليهم، وشئم عليهم من اليمن والشؤم، أي: صار ميموناً عليهم ومشؤوماً، وقيل: شأمهم يشأمهم، ولا يقال: ميشومٌ ولا مياشيم، ولكن مشائيم، وهو يتشاءم ويتيمن، وهو أشأم من البسوس. 1493- وقد شهر في الناس. 1494- ووضع في البيع. 1495- ووكس ووقص إذا سقط عن دابته فاندقت عنقه. 1496- وقد محق. 1497- وغبن في البيع غبناً وغبن رأيه غبناً. 1498- وقد عقمت المرأة إذا لم تحمل، فهي عقيمٌ، والرجل أيضاً عقيمٌ. 1499- وقد زهيت علينا ونخيت، وقيل: نخا علينا ينخو، فهو ناخٍ. 1500- وفلح الرجل. 1501- ولقي من اللقوة فهو ملقوٌ. 1502- وقد حق لك أن تجزع, وحق عليك أن تجزع, وأحق عليك القضاء.

1503- قد غم الهلال. 1504- وأغمي على المريض. 1505- وأهل الهلال واستهل. 1506- وشدهت وأنت مشدوهٌ, أي: شغلت. 1507- وقد بر حجك, فهو مبرورٌ. 1508- وثلج فؤاد الرجل, فهو مثلوجٌ, وثلج ببشارةٍ أتته إذا سر بها. 1509- رجلٌ منهومٌ للرغيب البطن, وكذا منهومٌ في العلم, والقياس نهمٌ. 1510- ولم يسمع لز فلانٌ بفلانٍ, قال: وأجرنةٌ لزت بدأيٍ منضد 1511- ثغر الصبي: إذا سقطت رواضعه, وثغر فهو مثغورٌ: إذا كسر ثغره, وثغرته أنا, ويقال: اتغر وأثغر: إذا نبتت. 1512- ونفست المرأة, فهي نفساء, ونفست عليك بالشيء أنفس. 1513- وقد سقط في يده, ولا يقال: أسقط. 1514- وقحط الناس: إذا أصابهم القحط, وقحط المطر: إذا قل.

باب نوادر وفوائد ومذكرات

1515- امتقع لونه: تغير. وانقطع به, فهو منقطعٌ به. 1516- وجن الرجل, فهو مجنونٌ. 1517- والأجود إذا أمرت من هذا الباب أن تأتي باللام فتقول: لتعن بحاجتي, ولتزه علينا ونحو ذلك. 1518- وقد حكي: نفست عليه بالشيء, ونفست عليه الشيء, أنفسه نفاسةً: إذا ضننت عليه به. باب نوادر وفوائد ومذكرات 1519- فمن ذلك أسماء السوابق من الخيل وما شاكلها, فأولها السابق, ثم المصلي, ثم الثالث, والرابع كذلك إلى التاسع, والعاشر السكيت, والفسكل: الذي يجيء في الحلبة آخر الخيل. 1520- وقال آخر: الأول السابق المجلي, والثاني المصلي لأنه يتبع صلوي السابق, والثالث المسلي, والرابع التالي, والخامس المرتاح, والسادس الحظي, والسابع العاطف, والثامن المؤمل, والتاسع اللطيم, والعاشر السكيت. 1521- قال الشاعر: جلى المحجل ثم صلى بعده ... محذوف وازعها وسلى الأدهم والرابع التالي استفاق وقد جرى ... منهن ذو عقبٍ وشأوٍ مرجم

باب ومن ذلك أسماء أنواع الطعام

والخامس المرتاح حظي بعده ... طرفٌ لعاطفه عليه يحمحم وترى المؤمل وهو ثامنها به ... بهتٌ ويتبعه أغر ملطم وترى السكيت ولا جواري بعده ... إلا الغبار معججٌ ومقتم 1522- وحكي: فرسٌ جوادٌ من خيلٍ جيادٍ، بين الجودة، والجودة؛ ورجلٌ جوادٌ من قومٍ أجوادٍ، بين الجود؛ وشيٌ جيدٌ بين الجودة، وقد جيد من العطش جواداً، وجاد بنفسه يجود جؤوداً، وهذا رجلٌ مجيدٌ إذا كان صاحب فرسٍ جوادٍ، ورجل مفرهٌ إذا كان له حمارٌ فارهٌ، لأنه يقال: له حمارٌ فارهٌ وأسود، ولا يقال فيه: جوادٌ ولا أدهم. 1523- والكميت للذكر والأنثى سواءٌ، وإنما صغر لأنه لم يخلص له لونٌ بعينه. 1524- وأكمحت الدابة إذا جذبت عنانه حتى ينتصب رأسه. 1525- وأكفحته إذا تلقيت فاه باللجام تضربه، من قولهم: لقيته كفاحاً، أي: استقبلته. 1526- وكبحته: جذبته إليك باللجام ليقف ولا يجري. بابٌ ومن ذلك أسماء أنواع الطعام 1527- يقال لطعام العرس: الوليمة، وطعام الإملاك: النقيعة، وقد نقعت أنقع نقوعاً، وقيل: النقيعة: ما صنعه الرجل عند قدومه من

سفرٍ، والطعام الذي يصنع عند بناء الدار واشترائها أو سكنها الوكيرة، مأخوذٌ من الوكر، وطعام الختان الإعذار، وطعام الولادة الخرس، وقد خرست النفساء، والخرسة الذي تطعمه، والطعام الذي يتعلل به قبل الغداء السلفة واللهنة، وقد سلفت للقوم ولهنت، والقفي الذي يكرم به الرجل من الطعام، وقد قفوته، وطعام المأتم الهضيمة. 1528- أنشدت أم حكيمٍ ابنة عبد المطلب في أبيها: كفى قومه نائبات الزمان ... في آخر الدهر والأول طعام الهضائم والمأدبات ... وحملاً عن الغارم المثقل 1529- وحكى أبو عبيدة أن كل طعامٍ صنع لدعوةٍ فهو مأدبةٌ، وقد آدبت أودب إيداباً، وأدبت أدباً. 1530- وحكى يعقوب أن الوارش الذي يدخل إلى الطعام ولم يدع إليه، والعامة تسميه طفيلياً، والذي يجيء مع الضيف ضيفنٌ، والذي يجيء مع الضيفن ضيفنانٌ. 1531- وروي عن ابن مسعود أنه كان يقول: اغد عالماً أو متعلماً ولا تغد إمعةً فيما بين ذلك. وكان يدعى الإمعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه بآخر، قال: وهو فيكم اليوم المحقب دينه الرجال، قال: وكأن الإمعة الذي يجيء به الرجل إلى طعام غيره، فيأكله، فتعود منفعته إليه، ويعود عاره على الذي جاء به، وكأن مثله في الإسلام المحقب دينه الرجال الذي يبيح دينه غيره في ما ينتفع به ذلك الغير في دنياه ويبقى عليه إثمه.

1532- وقيل: الإمعة الذي يقول: إني مع الناس، يعني: متابعته كل أحدٍ على رأيه ولا يثبت على شيءٍ. 1533- والسويق الذي لا يلت بسويقٍ أو غيره قفارٌ وقيل: هو الخبز بغير أدمٍ. 1534- طعامٌ مؤوفٌ، مثل مخوفٍ، أصابته آفةٌ. 1535- ويقال لما فضل على المائدة: الحتامة، وما فضل في الصحفة: الثرتم، وما سقط من المائدة يقال له: النقاوة، فأما ما يسقط من السنبل فهو: العصافة، يقال ذلك للتبن وغيره. 1536- ومن ذلك ما يكون في الشراب: شرب الغداة: الصبوح، وشرب العشي: الغبوق، وشرب نصف النهار: القيل، والشرب عند طلوع الفجر الجاشرية، لأنها عند جشور الصبح، أي: عند طلوع الفجر. 1537- والواغل: الداخل على القوم في شرابهم ولم يدع إليه. وقال: فاليوم أشرب غير مستحقبٍ ... إثماً من الله ولا واغل

باب ذكر الشجاج

1538- ويقال: رجلٌ حصورٌ، إذا كان لا ينفق مع القوم في شرابهم. 1539- والسوار: المعربد. 1540- ورجلٌ شريبٌ وخميرٌ وسكير وسكران ملتخٌ, وملطخٌ, وما يبت, أي: ما يقطع أمراً, ونزيفٌ ومنزوفٌ: ذهب عقله من السكر, وقد نزف ينزف وأنزف, معناه: ذهب شرابه, وإذا أكثر الشرب قيل: أمغد إمغاداً, فإن أقله قيل: نضح, بالضاد, فإن روي ولم يزد قيل: نصح غير معجمةٍ, والترشف: مص الشراب, وأزغل الشراب: مج منه مجة, فإن أكثر من شرب الماء قيل: صئب وقئب وذئخ, فإن ارتوى منه قيل: تئق. باب ذكر الشجاج 1541- والفقهاء محتاجون إلى معرفته, الدامية أيسر الشجاج. أول الشجاج: الحارصة, لأنها تشق الجلد؛ ثم الباضعة, وهي التي تشق اللحم بعد الجلد؛ ثم المتلاحمة, وهي التي أخذت اللحم ولم تبلغ

ومن ذلك ما يقع في الأمراض

السمحاق؛ ثم السمحاق, وهي التي بينها وبين العظم قشرةٌ رقيقةٌ, وكل قشرةٍ رقيقةٍ سمحاقٌ, ويقال: السمحاق الملطاة والملطى؛ ثم الموضحة التي توضح عن العظم؛ وبعدها المفرشة؛ ثم الهاشمة, وهي التي تهشم العظم؛ ثم المنقلة, وهي التي تخرج منها العظام؛ ثم الآمة, وهي أشد الشجاج التي تبلغ أم الرأس, وأم الرأس الجلدة الرقيقة التي تكون على الدماغ, وقد يقال لها: مأمومةٌ, والأول أجود, لأن المأمومة المرأة التي قد شجت والرجل مأمومٌ وأميمٌ. 1542- وقال الشافعي: في الموضحة خمسٌ من الإبل, وهي التي تبرز العظم حتى يقرع بالمرود, وفي الهاشمة عشرٌ من الإبل, وهي التي تكسر عظم الرأس حتى تشظى فينقل عظامها ليلتئم كله في الرأس والوجه واللحي الأسفل, وفي المأمومة ثلث النفس, وهي التي تخرق جلد الدماغ, قال: ولم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في ما دون الموضحة بشيءٍ, ففي ما دونها حكومةٌ لا يبلغ بها. 1543- والشج في الوجه والرأس لا يكون إلا فيهما. ومن ذلك ما يقع في الأمراض 1544- كتب بعض الكتاب إلى بعض الرؤساء: عرضت لي مطواء, وأنا أترقب العرواء, وأعوذ بالله من الرحضاء. العرواء التي تعتري شيئاً بعد شيءٍ, والمطواء التي يتمطى صاحبها, والرحضاء التي يعرق منها.

1545- قال الأصمعي: الرس أول ما يجد الإنسان من مس الحمى, فإن دامت عليه قيل: أردمت. 1546- وقال الكسائي: يقال: أربعت عليه الحمى. 1547- ومن الغب غبت. 1548- ومن قال: أرقانٌ, قال: رجلٌ مأروقٌ, ومن قال: يرقانٌ, قال: رجلٌ ميروق. 1549- ويقال: بثر وجهه بثراً وبثر تبثيراً. 1550- ويقال: رعب الرجل إذا ابتدأ به المرض, فإن تبين أمره قيل: هذا بحرانه, مشتقٌ من بحرت, أي: وسعت قطعه, فإذا برأ قيل: تقشقش, ويقال: بل وأبل واستبل. 1551- والعقابيل: بقايا المرض. 1552- والداء: الذي لا يبرأ منه ناجسٌ ونجيسٌ. 1553- والورد: يوم الحمى. 1554- والغب: أن تأخذه يوماً وتدعه يوماً. 1555- والربع: أن تدعه يومين وتأخذه اليوم الثالث. 1556- ويقال: كلاه الله, أي: أصابه بوجعٍ في كليته. 1557- والكباد: وجع الكبد. 1558- وعن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الكباد من العب)) , والعب: شدة جرع الماء.

باب ومن ذلك فرق في الأسنان

1559- والعلوص: اللوى. 1560- والرثية: وجع المفاصل. 1561- والعائر: الرمد، وكذا العوار. 1562- واللبن: الذي يشتكي عنقه من الوسادة أو غيرها. 1563- والسنق كالتخمة. 1564- والذرب: فساد المعدة، وقد ذربت معدته والذرب، الكلام الفاسد، وذرب لسانه، أي: فسد. قال الشاعر: ألم أك باذلاً ودي ونصري ... وأصرف عنكم ذربي ولغبي الذرب: الكلام الفاسد، واللغب: الرديء من القول. بابٌ ومن ذلك فرقٌ في الأسنان 1565- هي اثنتان وثلاثون سناً. 1566- قال أبو زيدٍ: للإنسان أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنيابٍ، وأربعة ضواحك، واثنتا عشرة رحىً، ثلاثٌ في كل شقٍ، وأربعة نواجذ وهي أقصاها.

باب ومن ذلك أسنان الإبل وما يجوز منها في الزكوات والضحايا

1567- وقال الأصمعي مثل ذلك، إلا أنه سمى الأرحاء أضراساً وجعلها ثمانياً، أربعاً من فوق وأربعاً من أسفل. بابٌ ومن ذلك أسنان الإبل وما يجوز منها في الزكوات والضحايا 1568- يقال للبعير في أول سنةٍ حوارٌ. 1569- وفي الثانية ابن مخاضٍ، والأنثى ابنة مخاضٍ، وهي التي تؤخذ في خمسٍ وعشرين من الإبل صدقةً عنها، وقيل له: ابن مخاضٍ، لأن أمه قد لحقت بالحوامل، فقيل لها: مخاضٌ على التفؤل، وإن لم تكن حاملاً، ويقال لها أيضاً: خلفةٌ. 1570- فإذا دخل في الثالثة فهو ابن لبونٍ، والأنثى ابنة لبونٍ، وهي التي تؤخذ في الصدقة إذا جاوزت الإبل خمساً وثلاثين، وقيل له: ابن لبونٍ، أن أمه ذات لبنٍ. 1571- وهو في الرابعة حقٌ والأنثى حقةٌ، وهي التي تؤخذ في الصدقة إذا جاوزت الإبل خمساً وأربعين، يقال: حقٌ بين الحقة، أي: قد استحق أن يركب ويحمل عليه. 1572- فإذا دخل في الخامسة كان جذعاً، والأنثى جذعةٌ، وهي التي تؤخذ في الصدقة إذا بلغت الإبل ستين، وليس في الصدقة إذا بلغت

باب ومن أسنان البقر

الإبل ستين شيءٌ فوق الجذعة. 1573- فإذا دخل في السادسة فهو ثنيٌ، لأنه قد ألقى ثنيته، والأنثى ثنيةٌ، وهو أدنى ما يجوز من أسنان الإبل في الأضحية، وكذلك البقر والمعز، ويجوز من الضأن الجذع. 1574- فإذا دخل السابعة فهو رباع، لأنه يلقي رباعيته، والأنثى رباعيةٌ. 1575- فإذا دخل في الثامنة فهو سديسٌ وسدس. 1576- فإذا دخل في التاسعة فطر نابه، فقيل: بازلٌ، وكذلك الأنثى. 1577- فإذا دخل في العاشرة فهو مخلفٌ، ولا اسم له بعد ذلك، ولكن يقال: مخلف عام ومخلف عامين، وما زاد؛ والأنثى على غير قول الكسائي، لأن الكسائي حكى: ناقة مخلفٌ، بغير هاءٍ، فأما أبو زيدٍ فلا يعرف مخلفاً البتة، ويقول: إذا أتى عليها حولٌ بعد البزول فهي بزولٌ إلى أن تنيب، فتدعى بعد ذلك ناباً. بابٌ ومن أسنان البقر 1578- هو في أول سنةٍ تبيعٌ، والأنثى تبيعةٌ، إلا أنك تقول في جمع تبيعٍ تبائع إذا كان للمؤنث، فإذا كان للمذكر قلت: أتبعةٌ؛ ثم

يكون جذعاً في الثانية، ثم تيناً في الثالثة- وهو أدنى ما يجوز في الضحايا- ثم يكون رباعياً، ثم يكون سديساً، ثم صالغاً في السادسة، وليس بعد ذلك اسمٌ. 1579- وولد الضأن في أول سنةٍ حملٌ، وولد المعزى في أول سنةٍ جديٌ، ثم تنقلهما في الأسنان مثل البقر. 1580- وولد الظبي في أول سنةٍ طلى وخشفٌ، وفي الثانية جذعٌ، وفي الثالثة ثنيٌ، ولا سن له بعد ذلك. 1581- وولد الضب حسلٌ، ولا يسقط له سنٌ. 1582- وللحافر والسباع أربع ثنايا، وبعدهن أربع رباعياتٍ، وأربعة قوارح، وأربعة أنيابٍ، وثمانية أضراسٍ، وكل ذي حافرٍ في أول سنةٍ حوليٌ، وفي الثانية جذعٌ، ثم ثنيٌ، ورباعٌ، والجمع ربعانٌ، ثم قارحٌ وقروحٌ للذكر, والأنثى قارحٌ, والجمع قوارح, وقد قرح بغير ألفٍ, وأربع وأثنى وأجذع. 1583- وقال أبو زيدٍ: إذا سقطت رواضع الصبي فقد ثغر, فهو مثغورٌ, فإذا نبتت أسنانه قد أثغر واثغر. 1584- ويقال: أفرت الناقة إذا ذهبت رواضعها وطلع غيرها.

باب في الزمان والأوقات

بابٌ في الزمان والأوقات 1585- يقال: سنةٌ مجرمةٌ وكريتٌ, أي: تامةٌ, وكذا الشهر واليوم, ويقال: سلخنا الشهر نسلخه سلخاً وسلوخاً. وتسمى ليالي الشهر بأسماء, فتقول: ثلاثٌ غررٌ, وثلاثٌ نفلٌ, وثلاثٌ تسعٌ, وثلاثٌ عشرٌ, وثلاثٌ بيضٌ, وثلاثٌ درعٌ، وثلاثٌ ظلمٌ –وقد حكي: ثلاثٌ درعٌ، وهو القياس، لأن الواحدة درعاء، وقد يجوز أن يكون إتباعاً، ويقال: شاةٌ درعاء، إذا كانت سوداء وفي صدرها شيءٌ من بياضٍ؛ وظلمٌ اتباعٌ، وقد يجوز أن يكون جمع ظلمةٍ، أي: ذات ظلمةٍ- وثلاثٌ حنادس، وثلاثٌ دآدئ، وثلاثٌ نحساتٌ، وسرار الشهر وسرره آخر ليلةٍ منه، لأن القمر يستسر فيها، وربما استسر ليلتين وهو هلالٌ ثلاث ليالٍ، ثم يكون قمراً إلى آخر الشهر، وليلة السواء ليلة ثلاث عشرة، لمبادرته الشمس بالطلوع، وقيل: لكماله، والليالي البيض: ليلة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، ولا تقول العرب: الأيام البيض. وللشمس مشرقان ومغربان، وكذا القمر، فالمشرقان مشرقا الصيف والشتاء، والمغربان مغربا الصيف والشتاء، فمشرق الشتاء تطلع الشمس في أقصر يومٍ في السنة، ومشرق الصيف تطلع الشمس في أطول يومٍ في

ومن ذلك ذكر النهار والليل

السنة، والمغربان على نحو ذلك، قال الله تبارك وتعالى: {رب المشرقين ورب المغربين} ومشارق الأيام ومغاربها في جميع السنة بين هذين المشرقين والمغربين، قال الله عز وجل: {فلا أقسم برب المشارق والمغارب} . ومن ذلك ذكر النهار والليل 1586- الفجر فجران: فجرٌ أول، يقال له: ذنب السرحان، لأنه مستدقٌ صاعدٌ، وهو الفجر الكاذب؛ والفجر الثاني الصادق، وهو الذي ينتشر، وهو عمود الصبح، ثم يكون البكور، ثم يكون الشروق، ثم الإشراق، والرأد والضحى والضحاء أيضاً بعده والمتوع، وقد متع النهار، والهجير والهاجرة عند العرب من حين الزوال إلى الإبراد قليلاً، ثم بعد ذلك الأصيل، ثم بعد العصر والقصر، ثم الطفل، ثم الجنوح حين تجنح الشمس للمغيب، ثم المغرب، قال الكسائي: يقال: مضى سعوٌ من الليل وسعواء من الليل وهجمةٌ، وروى غيره: جهمةٌ، وهو ما بين أول الليل إلى ربعه، وقال الأحمر: مضى جرسٌ من الليل وجوشٌ وهتيءٌ وهتاءٌ وهزيعٌ وقويمةٌ من الليل، وروى غيره أن جوز الليل وسطه، وجهمته أول مآخيره، والسدفة مع الفجر، والسحرة

السحر الأعلى، والتنوير والإسفار أحد العصرين. 1587- والأيام المعلومات على ما روي عن ابن عباسٍ عشر ذي الحجة، آخرهن يوم النحر، فأما قول علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وابن عمر، فإنهن يوم النحر ويومان بعده. 1588- والأيام المعدودات أيام التشريق، على قول قتادة، لتشريقهم اللحم فيها. وقال ابن الأعرابي: لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس. وقال خالد بن عبد الله: لأنهم كانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير. وقال الأصمعي: كانوا يجففون اللحم في الشمس. 1589- واليوم الذي يوم النحر يوم القر, لأن الناس يستقرون فيه بمنىً.

باب في الريح

1590- واليوم الذي يليه يوم النفر, لأن من تعجل نفر فيه. 1591- والتأويب سير النهار, والإسآد سير الليل. 1592- وأيام العجوز عند العرب خمسةٌ, ومن الناس من يقول: أيام الإعجاز, أي: الأيام التي أهلكت فيها عادٌ وهي: صنٌ, وصنبرٌ, وأخيهما وبرٌ, ومطفئ الجمر, ومكفئ الظعن, ومن الناس من يجعلها سبعةً, ويجعل الرابع والخامس آمراً ومؤتمراً, وزعم القتبي أن الرواية الصحيحة هي الأولى. 1593- وحدثني أبو الحسن الدمشقي, عن المفضل بن سلمة, قال: أنشدني أبي أو غيره في أيام العجوز: كسع الشتاء بسبعةٍ غبر ... أيام شهلتنا من الشهر فإذا انقضت أيام شهلتنا ... صنٌ وصنبرٌ مع الوبر وبآمرٍ وأخيه مؤتمرٍ ... وبمكفئٍ وبمطفئ الجمر ذهب الشتاء مولياً هارباً ... وأتتك موقدة من النجر بابٌ في الريح 1594- معظم الرياح أربعٌ: الصبا, وهي تسمى أيضاً: القبول, لأنها تأتي في هبوبها من قبل المشرق, فتقابل المغرب, وتأتي من قبل مطلع الشمس, وأهل مصر يسمونها الشرقية, لأنها تأتي من المشرق= والدبور تقابلها, وقيل لها: دبورٌ, لأن من استقبل المشرق

باب النوادر

استدبرها, وهي: الغربية, لأنها تهب من مغرب الشمس إلى حد القطب الأسفل, وهو القطب الجنوبي= والشمال, لأنها عن شمال من استقبل المشرق, وهي: البحرية, لأنه يسار بها في البحر على كل حالٍ, ومهبها من حد القطب الشمالي إلى مغرب الشمس= والجنوب, لأنها على الجانب الأيمن ممن استقبل المشرق. وبنت العرب أسماء الرياح على المشرق. والجنوب, هي القبلية, لأنها تجيء من القبلة, ومهبها من حد القطب الأسفل إلى مطلع الشمس. 1595- وكل ريحٍ جاءت بين مهبي ريحين فهي النكباء, وسميت بذلك لأنها نكبت, أي: عدلت عن مهاب هذه الرياح الأربع. 1596- ويقال: أشملوا من ريح الشمال إذا دخلوا فيها, فإن أرادوا أنها أصابتهم قيل: فعلوا, فهم مفعولون, وكذلك سائر الرياح, ويقال في النعامى, وهي الجنوب: أنعمت, إذا هبت, ومن الشمال: شملت, وكذلك سائر الرياح, ويقال: شمالٌ وشمألٌ وشأملٌ وشامل بغير همزٍ. باب النوادر 1597- وقد أمليت المقصور والممدود والمذكر والمؤنث في كتاب ((النحو)) , و ((خلق الإنسان)) مفرداً, وكذلك كتاب ((الخيل)) , فمن ذلك:

1598- قال الأصمعي: أكمحت الدابة إذا جذبت عنانه حتى ينتصب رأسه، وأكفحتها: إذا تلقيت فاها باللجام تضربه، وهو من قولهم: لقيته كفاحاً كفة كفة، وكبحتها، هذه وحدها بغير ألفٍ، وهو أن تجذبها إليك باللجام لكي تقف، وأقدعتها أيضاً كبحتها باللجام. 1599- قال أبو زيدٍ: عنجته أعنجه إذا جذبت خطامه، وخزمت البعير جعلت له خزامةً من شعرٍ في أحد جانبي المنخرين، فإن كان من صفرٍ فهي برةٌ، وقد أبريته وخششته من الخشاش، وهو الذي يجعل على عظم أنف البعير، وهو من خشبٍ، والعران في الوترة، وقد عرنته وأعرنته. 1600- قال أبو زيدٍ: شجاني الحب يشجوني شجواً، أي: أطربني وهيجني، وأشجاني قرني إشجاءً: إذا قهرك وغلبك حتى شجيت به. والشجا: الحاجة، وقد شجتني الحاجة تشجيني شجياً إذا حبستك. 1601- قال الأصمعي: يقال للبسر إذا بدا فيه الترطيب: موكتٌ، فإن كان ذلك من قبل ذنبها فهو مذنبٌ، فإذا لان فهو: ثعدٌ، الواحدة ثعدةٌ، فإذا بلغ الإرطاب نصفه فهو مجزعٌ، فإذا بلغ ثلثيه فهو حلقانٌ ومحلقنٌ. 1602- ومن النوادر: الغيلم، بالغين المعجمة: المرأة

الحسناء، والعيلم، غير معجمةٍ: البئر الكثيرة الماء. 1603- النقب في يدي البعير، والحفا في رجليه. 1604- رمحت الدابة، وزبن البعير. 1605- برك البعير، وربضت الشاة، وجثم الطائر، وأنخت البعير فبرك، ولا يقال: فناخ. 1606- الفحيل من الإبل: الكريم، فإن كان من النخل فهو الفحال. 1607- عبدٌ قن: ملك وملك أبواه، وعبد مملكةٍ: سبي ولم يملك أبواه. 1608- غضبت لفلانٍ: إذا كان حياً، وغضبت به: إذا كان ميتاً. 1609- عقلت المقتول: إذا أعطيت ديته، وعقلت عنه: لزمته ديةٌ فأديتها عنه. 1610- والتقريظ: مدح الرجل حياً، والتأبين: مدحه ميتاً. 1611- استوبلت البلاد: إذا لم توافقك في بدنك وإن أحببتها، واجتويتها: إذا كرهتها وإن كانت موافقةً لك في بدنك. 1612- هي عجيزة المرأة وعجز الرجل. 1613- الأصمعي: أنمى الله مالك: أكثره، ونميت الحديث إلى غيري أي: أسندته ورفعته، وكذا نميت الرجل إلى أبيه، أي: نسبته، وانتمى هو إليه، ونميت الحديث مشددةً، أي: بلغته على وجه النميمة والإذاعة به.

1614- الأصمعي: مطت أنا وأمطت غيري, وحكى غيره: مطت عنه وأمطت, وكذا مطت غيري وأمطته. 1615- اليزيدي: حمأت البئر: أخرجت حمأها, وأحمأتها: جعلت فيها الحمأة. 1616- الأحماء جمع حما, مثل عصىً, ويقال: حمءٌ, وهو من كان من قبل الزوج, نحو الأب والأخ, وحماة المرأة: أم زوجها. 1617- حكى يعقوب أن الاصمعي قال: كل شيءٍ من قبل المرأة فهم الأختان, وكل شيءٍ من قبل الزوج, أخوه وأبوه أو عمه فهم الأحماء, والأصهار يجمع هذا كله. قال ابن الأعرابي: الأختان أبو المرأة وأخوها وعمها, والصهر زوج ابنة الرجل وأخوه وأبوه وعمه. قال محمد بن الحسن في رواية أبي سليمان الجوزجاني: أختان الرجل أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته. قال أبو جعفر: سمعت علي بن سليمان يصحح ما قاله محمد بن الحسن في الختن, واستدل على ذلك بقول العرب: ختنت الشيء, أي: قطعته, فالزوج قد انقطع عن أهله وقطع المرأة عن أهلها. وهذا قولٌ حسنٌ يدلك عليه الحديث المرفوع كما قرئ على أحمد بن بكارٍ الخزاعي, قال: حدثنا محمد بن مسلمة, عن أبي إسحاق, عن يزيد بن عبد الله بن نشيطٍ, عن محمد بن أسامة بن زيدٍ, عن أبيه,

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: ((أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي, وأنت مني وأنا منك)) فهذا لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الختن مع ما تقدم من الاشتقاق, على أنه لا يحتاج إلى استشهادٍ مع قول النبي صلى الله عليه وسلم.

الطبقة الحادية عشرة

الطبقة الحادية عشرة 1618- نذكر فيها ثمانية أبوابٍ, نذكر أشياء يحتاج إليها الكاتب مما يغلط فيه, ثم نذكر باب ما شهر منه الذكر وأشكل الإناث, ثم باب ما شهر منه الإناث وأشكل الذكور, ثم باب ما يعرف جمعه ويشكل واحده, ثم باباً من عيون الفوائد في اللغة, ثم باب زياداتٍ في بعض ما تقدم, ثم باباً منه آخر, ثم باب أسماء الرسل عليهم السلام, وهو آخر الكتاب. باب ذكر أشياء مما يحتاج إليها الكتاب مما غلط فيها 1619- قال المازني: يقال جززت الضائنة والكبش, ولا يقال في المعز إلا حلقت؛ ويقال: فقأت عينه, مهموزٌ، وما أقبح فقء عينه على مثال فقعٍ؛ ويقال: رجلٌ صامريٌ مشدد الياء، قال: ويقال: جلست على فوهة البئر وعلى جدة البئر، ويقال: هذه فلوٌ. 1620- قال أبو جعفرٍ: سمعت علي بن سليمان الأخفش يحكي عن

المبرد: وهو الحيس بالفتح لا غير، وكذا الزنج والرصاص. 1621- ويقال: آسدت الكلب وأوسدته: أرسلته على الصيد، وأشليته: دعوته. 1622- ويقال: أصممت القارورة إذا شددت صمامها، وهو سدادها، وكذا سدادٌ من عوزٍ. 1623- ويقال للمخرز: إشفى. 1624- ويقال: حب المحلب، والمحلب الذي يحلب فيه. 1625- ويقال: جاء بإضبارةٍ من كتبٍ، وتجمع أضابير. 1626- ويقال: أخذته الذبحة والذبحة بفتح الباء فيهما جميعاً. 1627- ويقال: توي المتاع يتوى توىً، مقصورٌ. 1628- ويقال: رجلٌ أعشى وامرأة عشواء لا غير. وكذا رجلٌ أقنى وامرأةٌ قنواء لا غير، والجمع: عشوٌ وقنوٌ. 1629- وقال المازني: ويقال: أشهد فلانٌ على رجعة أهله، مفتوح الراء، وقيل: لا رجعة لي في كذا، بالفتح. 1630- ويقال: أصعد في الوادي وصعد إلى السطح. 1631- ويقال: ما أشد غمورة هذا النهر، إذا كان ماؤه يغمر من دخله. 1632- قال المازني: يقال: دليلٌ بين الدلالة، بالكسر؛ ودلالٌ

جيد الدلالة، بالفتح. 1633- قال: ويقال: قحط الناس: إذا أصابهم القحط؛ وقحط المطر: إذا قل. 1634- ويقال: شرجٌ واحدٌ، الراء ساكنةٌ، وهو شرج العيبة، مفتوح الراء. 1635- ويقال: خرصت النخل بالفتح، وكم خرص نخلك؟ الخاء مكسورةٌ، فالخرص العمل، والخرص المخروص. 1636- قال: هو الطيلسان والباشق والقالب. 1637- وتخطيت القوم، غير مهزوزٍ. 1638- ويقال: فيه بأوٌ شديدٌ. 1639- ويقال: ما أشد نبهان فلان ونبهه ونباهه. 1640- قال المازني: ويقال: عايروا موازينكم، لا غير. 1641- قال المازني: ويقال: أتتني لفظةٌ من فلانٍ، هذا عن الأصمعي. 1642- ويقال: هي المغرة, مفتوح الغين. 1643- ويقال: أثفيت القدر وثفيتها.

باب ما شهر منه الذكور وأشكل الإناث

باب ما شهر منه الذكور وأشكل الإناث 1644- الفيل ذكرٌ, قال أبو اليقظان سحيم بن حفصٍ: الزندبيل هي الأنثى من الفيلة. وأنشد غيره: من فيلةٍ كالطود زندبيل وقيل: الزندبيل العظيم منها. وحكى أبو مالكٍ أن العيثوم الأنثى من الفيلة. وولد الفيل دغفلٌ. 1645- وحكي أن أهل البصرة إذا سموا رجلاً بفيلٍ, ثم صغروه قالوا: فيلولة. 1646- والأنثى من العقبان: لقوةٌ. قال عبيدةٌ: كأنها لقوةٌ طلوب ... تيبس في وكرها القلوب 1647- والأنثى من الذئاب: سلقةٌ, ومن الثعالب: ثرملةٌ, ومن الوعول: أرويةٌ, ومن القرود: قشةٌ, ومن الأرانب: عكرشةٌ.

باب ذكور ما شهر منه الإناث

باب ذكور ما شهر منه الإناث 1648- الضبعان: ذكر الضباع, وكذا الذيخ, والأنثى: ضبعٌ, ولا يقال: ضبعةٌ. 1649- والأفعوان: ذكر الأفاعي. 1650- والعقربان: ذكر العقارب. 1651- والثعلبان: ذكر الثعالب. 1652- والعلجوم: ذكر الضفادع. 1653- والشيهم: ذكر القنافذ. 1654- والخزز: ذكر الأرانب, وجمعه خزانٌ, كما قال امرؤ القيس: تخطف خزان الأنيعم بالضحى ... وقد جحرت منها ثعالب أورال 1655- الحيقطان: ذكر الدراج. 1656- والظليم: ذكر النعام. 1657- والقط والضيون: ذكر السنانير. 1658- واليعقوب: ذكر الحجل. والسلك: الذكر من فراخها.

باب ما يعرف جمعه ويشكل واحده

1659- والخرب: ذكر الحبارى. 1660- والفياد: ذكر البوم، وهو الصدى. 1661- واليعسوب: ذكر النحل. 1662- والحنظب، بفتح الظاء: ذكر الخنافس، فإن ضممت الظاء فهو ذكر الجراد. 1663- والحرباء: ذكر أم حبينٍ. 1664- والعضرفوط: [ذكر] العظاء. باب ما يعرف جمعه ويشكل واحده 1665- أساطير، واحدها أسطورةٌ، وقيل: هي جمع أسطارٍ. 1666- أبابيل، واحدها إبيلٌ كسكينٍ، وقيل: إبولٍ كعجولٍ، وقيل: لا واحد لها. 1667- الزبانية، واحدها زبنيةٌ كعفريةٌٍ، وفيه غير ذلك، وقد ذكرناه في كتاب (( [معاني] القرآن)) . 1668- الذراريح، واحدها: ذراحٌ وذروحٌ، ويقال: ذرحرح.

1669- والمصارين، واحدها مصرانٌ، وواحد مصرانٍ مصيرٌ. 1670- أحاديث، جمع أحدوثةٍ، واسمٍ لجمع حديثٍ. 1671- أراهط، جمع رهطٍ. 1672- أباطيل، جمع إبطالٍ، واسمٌ لجمع باطل. 1673- ملاحم، جمع ملحمةٍ، واسمٌ لجمع ملحمةٍ. 1674- الغرانيق: طير الماء، واحدها غرنيقٌ، والغرانيق الشباب النبل، واحدها غرنوقٌ وغرنوقٌ. 1675- فرادى، اسمٌ لجمع فردٍ. 1676- الألى في معنى الذين، اسمٌ لجمع الذي. 1677- أولو النهى، اسمٌ لجمع ذوي. 1678- فلانٌ من علية القوم، جمع عليٍ، كصبيٍ وصبيةٍ. 1679- بلغ أشده، جمع شدةٍ كنعمةٍ وأنعمٍ، وقيل: جمع شدٍ. 1680- وواحد الكمأة كمءٌ. 1681- مذاكير اسمٌ لجمع ذكرٍ. 1682- أكلت أطايب الجزور، فإذا أفردوا قالوا: أكلت أطيبها. 1683- أكارع جمع أكرعٍ، كما قال:

باب ما يعرف واحده ويشكل جمعه

ذعرت به سرباً نقياً جلوده ... وأكرعه وشي البرود من الخال باب ما يعرف واحده ويشكل جمعه 1684- قال أبو جعفرٍ: سمعت علي بن سليمان, يحكي عن محمد بن يزيد, أنه قال: لا يقال: حوائج, إنما يقال: حاجاتٌ, وحاجٌ, وإنما حوائج جمع حاجةٍ, ولا يقال: حائجةٌ. وقال أحمد بن يحيى: حاجةٌ وحوائج, كضرةٍ وضرائر. وقال غيره: يقال: حوجاء وحوائج على القلب. 1685- رجلٌ جنبٌ, حكى الأخفش في جمعه أجنابٌ, وإن شئت قلت: رجالٌ جنبٌ, وحكى ثعلبٌ: أجنب وجنب وتجنبت واجتنبت. 1686- امرأةٌ نفساء, وجمعها نفاسٌ. 1687- ورؤيا جمعها رؤىً. 1688- حكى يعقوب: توأمٌ وتؤامٌ, وشاةٌ ربى وربابٌ, وظئرٌ وظؤارٌ, وعرقٌ وعراقٌ, ورخلٌ [ورخالٌ, و] فريرٌ وفرارٌ. 1689- الكروان قالوا في جمعه: كروانٌ. وإنما الكروان جمع كرا.

باب من عيون الفوائد واللغة

1690- وقالوا: دخانٌ ودواخن, وعثانٌ وعواثن للغبار. 1691-[وقالوا] لأمةٌ للدرع ولؤومٌ. 1692- وقد ذكرنا جمع الأيام والشهور وذلك مما يدخل في هذا الباب. بابٌ من عيون الفوائد واللغة 1693- تخولته بالموعظة أصلحته, ومنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة, ومنه قيل: خوليٌ, وروي: يتخولنا يتعهدنا. 1694- وفي الحديث: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إذالة الخيل, يقال: أذال فرسه وغلامه إذا استهان به ولم يحسن القيام عليه. 1695- قال أبو جعفرٍ: وحدثني أبو الحسين بن أبي الحديد, قال: حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهبٍ, عن مالك بن أنسٍ, قال: كلام كل أحدٍ في العلم إذالةٌ في العلم, هذا معنى الحديث.

1696- أصاف الرجل: ولد له على الكبر, وولده صيفيون, وأربع الرجل ولد له في شبابه, وولده ربعيون, وأكاس ولد له أكياسٌ. 1697- يقال: لأن تخطئ في العلم أيسر من أن تخطأ في الدين. 1698- يقال: شننت عليه الغارة, معجمةً لا غير, أي: صببتها, وقالوا في الماء بالشين والسين, فإذا قلته بالشين معجمةً فمعناه: فرقت عليه الماء, وإذا قلته بالسين غير معجمةٍ فمعناه صببته. 1699- يقال: يامن بأصحابك، أي: خذ بهم يمنةً، ولا يقال: تيامن. 1700- حكى ابن السكيت بزيون بضم الباء. 1701- وحكى: ليس فيه فكرٌ، بفتح الفاء. 1702- وحكى عن يونس: فات فلاناً العرض، بالفتح، أي: أن يعترض. 1703- وحكى يعقوب: أشجاه أغصه، وشجاه يشجوه شجواً: حزنه، وشجي فيهما يشجى.

باب زيادات في بعض ما تقدم

1704- وحكى: كانا متهاجرين فأصبحا يتكالمان، لا غير. 1705- وحكى: أقصر عن الشيء: نزع عنه، وهو يقدر عليه؛ وقصر عنه: عجز عنه. 1706-وحكى: ذففت عليه، معجمةً، وهو خفيفٌ دفيفٌ. 1707- بكى الصبي حتى فحم، بفتح الفاء والحاء، أي: انقطع صوته من البكاء، ومنه فلانٌ مفحمٌ: إذا انقطع عن الخصومة وعن قول الشعر. 1708- المجسد: ما صبغ فأشبع صبغه، مأخوذٌ من الجساد، وهو الزعفران، والمجسد الذي يلي الجسد من الثياب، وقيل: هما واحدٌ. باب زياداتٍ في بعض ما تقدم 1709- قيل: إن الدليل على أن عثمان رحمه الله أراد بقوله حين جيء إليه بقومٍ من أهل الحيرة، فكتبوا المصحف، فرآه مفروغاً منه: أحسنتم، وفيه شيءٌ من لحنٍ، وستقيمه العرب بألسنتها= أنه أراد لحن الخط، لأن الذين أملوا المصحف جماعةٌ من الصحابة فصحاء حفاظٌ. 1710- قال ابن التوأم: خط القلم يقرأ بكل مكانٍ، في كل زمانٍ، ويترجم إلى كل لسانٍ؛ ولفظ اللسان لا يجاوز الآذان، ولا يعم الناس بالبيان.

1711- والمشقة. في لغة العرب المدة الدقيقة، والخط الممشوق هو الممدود في دقةٍ، ويقال: قدٌ ممشوقٌ إذا كان مرهفاً مجدولاً. 1712- والحرف في لغة العرب كل مفردٍ يقوم بنفسه من حروف المعجم، فإذا وصلته بغيره قيل: كلمةٌ ولفظٌ على الاستعارة، كما قيل للقصيدة بأسرها كلمةٌ وقافيةٌ. 1713- سمي المداد مداداً لأنه يمد القلم، قال الله عز وجل: {لو كان البحر مداداً لكلمات ربي} ويقال: أمدت الدواة في نفسها، وأمدها المداد إذا أعانها، مثل: مد النهر، ومده نهرٌ آخر، مثل البحر تمده سبعة أبحرٍ؛ ويقال: أمده الله عز وجل في الخير، قال الله عز وجل: {وأمددناه بفاكهةٍ} ، وفي الشر مد، قال الله عز وجل: {ونمد له من العذاب مداً} . 1714- وإنما يستعمل السواد خاصةً لمضادته لون الصحيفة, وليس شيءٌ من الألوان ضداً لصاحبه إلا السواد والبياض. 1715- وسميت ليقة الدواة ليقةً لأحد معنيين: إما لملاصقة المداد للصوفة, وإما من قولهم: لوقت, وهو تليين الشيء, فكأن المداد لين بالصوفة. 1716- قال أبو عبيدٍ في حديث عبادة بن الصامت: ((ولا آكل إلا

ما لوق لي)) , هو مأخوذٌ من اللوقة, وهي الزبدة في قول الكسائي والفراء, وقال ابن الكلبي: وهو الزبد بالرطب. فيه لغتان: لوقةٌ وألوقةٌ, كما قال: وإني لمن سالمتم لألوقةٌ ... وإني لمن عاديتم سم أسود والذي أراد عبادة بقوله: لوق لي؛ لين لي من الطعام حتى يصير كالزبد في لينه, لأنه لا يقدر على غير ذلك من الكبر. يقال: لقت الدواة وألقتها, ويجوز لوقتها على قول عبادة لوق لي. 1717- وحلكتها مأخوذٌ من حلك الغراب. 1718- المصحف مأخوذٌ من الصحف, يقال: أصحف الكتاب يصحفه فهو مصحفٌ: إذا ضممت الصحف بعضها إلى بعضٍ, وكذا المطرف من أطرف فهو مطرفٌ, وكذا المجسد, وهو ثوبٌ مصبوغٌ بالجساد, أي: بالزعفران؛ يقال: مصحفٌ ومصحفٌ. 1719- وصفح الكتاب, سمي بذلك لأنه يصفح عنه, أي: يتجاوز إلى غيره عند القراءة, مأخوذٌ من قولك: صفحت عن ذنب فلانٍ, وصفحت: شربت, ولم يشتق أحدٌ صفح الكتاب من

الصحيفة. 1720- فأما صحف في روايته, فإنما معنى ذلك أخذها عن الصحف ولم يسمعها من عالمٍ. 1721- والرق: كل صحيفةٍ أو ورقةٍ, وعن أبي عبيدة {في رقٍ منشور} , قال: الرق: الورق. 1722- وكل صحيفةٍ قرطاسٌ, قال عز وجل: {قراطيس تبدونها} ويدل على ذلك أن أول من عملت له القراطيس الوليد, وهو أول من جلل الخط واكتنى في الكتب. 1723- والقطوط: كتب الجوائز خاصةً, والمهارق: كتب العهود والمواثيق. 1724- وقيل: كراسةٌ لأنها طبقةٌ على طبقةٍ, ويقال: لما تدمن من أبعار الإبل والغنم: كرسٌ. 1725- والكاغد بالدال غير معجمةٍ, والأصل: كاغةٌ, قلبت الهاء دالاً. 1726- والطرس كأنه مشتقٌ من التأنق, يقال للمتأنق: متطرسٌ, فكأنهم لما تأنقوا فيه سمي: طرساً, وقد يجوز أن يكون أصله: طرزاً, مأخوذٌ من تطرز, كما قيل: رجسٌ ورجزٌ, وأزدٌ وأسدٌ.

1727- والسفر: الكتاب, وسفرت أسفر: قرأت, وكذا سفرت بين اثنين بخير. 1728- والسجل: الكتاب. 1729- والدفتر كلمةٌ فارسيةٌ أصلها كلمتان: دف وتر, والدف ما عرض من شيءٍ كاللوح والجنب, ومنه الدف الذي يلعب به؛ وتر شيءٌ رطبٌ, كأن الدفتر سمي بذلك لنعمته. 1730- والجزء: بعض الشيء ولا يقال لكتابٍ جامعٍ جزءٌ. 1731- والمجلة: الكتاب الذي يدان به, قال النابغة: مجلتهم ذات الإله ودينهم ... قويمٌ فما يرجون غير العواقب ويروى: محلتهم. 1732- والمسند: الخط الحميري. 1733- والكتاب: اسمٌ جامعٌ لكل صحيفةٍ مكتوبةٍ, اشتق من كتبت الأديم, أي: خرزته, فلما كان الخرز ضبطاً وتقييداً شبه الكتاب به, لأنه تحفظ به المعاني وتقيد به الألفاظ, ويقال: كتبت ورقمت وسطرت ورقشت وخططت, قال الله عز وجل: {كتابٌ مرقومٌ} وسمي المرقش لأنه كان يحبر الشعر ويدونه, والرقش: النقش, ومنه حيةٌ رقشاء. 1734- والبطاقة: الرقعة, كأنها لم تبلغ مبلغ الكتاب.

1735- وكل قطعةٍ من جلدٍ وثوبٍ وصحيفةٍ رقعةٌ. 1736- وقرآنٌ تجمع صوره بعضها إلى بعضٍ. 1737- مزمورٌ مشتقٌ من الزمر لشجاه ورنته, ويقال أيضاً فيه: مزمارٌ, وفي الحديث: ((لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود صلى الله عليه وسلم)) . 1738- وقيل الزبور من زبرت, أي: زجرت, كأنه يزجر عن المنكر. 1739- وتلوت: تبعت, أي: تبعته بدراستي له. 1740- وتمنى: قرأ. 1741- وإنجيل من نجلت, أي: استخرج من التوراة. 1742- وفي الحديث: ((أتربوا الكتاب, فإنه أنجح للحاجة)) , وكأن المعنى في ذلك: إن لم يترب انطمست معانيه واندرست, فلم ينجح ما فيه, وقيل معناه: لا تنتظروا بالكتاب الجفاف, أتربوه لمبادرة الحاجة إنجاحها, يقال: أتربت الكتاب وتربته, مثل أكرمت وكرمت. 1743- ولم تزل الكتب منشورة غير مطويةٍ ولا مختومةٍ حتى كتب كتاب متلمسٍ فقرأه, فختمت الكتب. فكان يؤتى بالكتاب، فيقال: من عني به؟ فقد يكون العنوان من

العناية، فيجب أن يقال على ذلك: لتعن بالكتاب، وعنيت بالكتاب على هذا القياس، وإن كان اشتق له من العين ليكون دليلاً على صاحبه كالعين التي يستدل بها على الشيء، فيكون الأمر من هذا عن الكتاب مثل عن النار، أي: افتح لها عيناً؛ قال الشاعر: وعن الكتاب إذا أردت جوابه وأكثر ما عليه الناس: عنونت الكتاب، وقياس من قال: عينانٌ أن يقول: عنيت الكتاب، وقد جاء: علونت. 1744- والختام أخذ من الختم، وهو من طبعك على الشيء، قال جل وعز: {ختم الله على قلوبهم} وآخر كل شيءٍ خاتمته وختامه، ومنه قيل: ختمت القرآن، ومنه: {ختامه مسك} أي: مقطعه. 1745- وسحاةٌ مشتقةٌ من المسحاة، لأنها تقلع من ظاهره كما تقشر المسحاة على الأرض، وفيها لغاتٌ، يقال: سحاةٌ وسحاية وسحاءة وسحاوةٌ، وهذا القياس، وإن كان الأول أكثر، كما يقال: برايةٌ ونخالةٌ.

باب وصف حسن الخط

باب وصف حسن الخط 1746- قيل لرجلٍ: ما أحسن الخطوط؟ قال: خطٌ كتب بدواةٍ لائقةٍ بكفٍ حاذقةٍ. بابٌ آخر 1747- رس فلان إلى فلانٍ، أي: نقل إليه طرف الخبر، ورسيس الحمى: أوائلها وأطرافها. 1748- نمى فلانٌ الحديث نم به. 1749- فلانٌ يعزى إلى فلانٍ ينسب إليه. 1750- فلانٌ يتنطس الأخبار، أي: يتجسسها، أخذ من النطاسي، وهو الطب بالأمور البصير بها. باب أسماء الرسل عليهم السلام 1751- وذلك على قدر رسائلهم، كالبشير والنذير والمتنطس والسفير والرائد والفارط والوارد، وأجلها ما كان على معنى الديانة، لأنه سبب الإيمان ودليل الطاعة، وأكثر الأسماء نعوتٌ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

((أنا فرطكم على الحوض)) وقال عليه السلام: ((لي خمسة أسماء: محمدٌ وأحمد والماحي والعاقب والحاشر)) صلى الله عليه وسلم. تم الكتاب، والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيد المرسلين محمد نبيه وآله الطاهرين وسلامه. وحسبنا الله ونعم الوكيل. كتبه العبد الفقير إلى الله علي بن الحسن الحلبي بحلب المحروسة، وكان الفراغ منه بثمانٍ خلون من شهر رجبٍ سنة سبعٍ وست مئةٍ، حامداً مصلياً مسلماً. قوبل به الأصل وصح، والحمد لله وبه أستعين.

§1/1