عمدة الطالب لنيل المآرب

البهوتي

قال الشيخ العلّامة عبد القادر بن بدران -رَحِمَهُ اللهُ-: «فالواجب الديني على المعلِّم إذا أراد إقراء المبتدئين أن يُقرئهم أولًا كتاب "أخصر المختصرات" أو "العمدة" للشيخ منصور متناً إن كان حنبلياً». "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (ص 488)

عُمْدَةُ الطَّالِبِ لِنَيْلِ المَآرِبِ

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1431 هـ - 2010 م طبع على نفقة مبرة جلوي بن ضاوي العتيبي وقفاً لله تعالى مبرة جلوي بن ضاوي العتيبي دولة الكويت

تصدير

تصدير الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على الرسول الصادق الأمين المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين وصحابته أجمعين، وبعد. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" [رواه مسلم]. إن من أهدافنا في مبرة الأسرة مبرة "جلوي بن ضاوي العتيبي الخيرية" نشر وتبني المشاريع العلمية والدعوية داخل الكويت وخارجها، وها نحن نتكفل بطباعة هذا الكتاب القيم، وهو كتاب "عمدة الطالب" في الفقه من تأليف الإمام العلامة منصور البهوتي الحنبلي، تحقيق الشيخ الفاضل مطلق بن جاسر الجاسر، وتقديم الشيخ الفاضل محمد آل إسماعيل، والشيخ الفاضل عدنان النهام حفظهم الله جميعاً ونفع بجهدهم وعلمهم المسلمين أجمعين. نسأل الله تعالى أن ينتفع طلبة العلم وجميع المسلمين بهذا الكتاب، وأن يبارك في هذا الإصدار وسائر المشارع العلمية والدعوية للمبرة. والله المستعان على كل خير، والحمد لله رب العالمين. مبرة جلوي بن ضاوي العتيبي رئيس مجلس الإدارة فهد بن جلوي العتيبي

تقديم الشيخ/ محمد بن عبد الرحمن بن حسين آل إسماعيل

المملكة العربية السعودية - محافظة الأحساء بسم الله الرحمن الرحيم خادم أهل العلم - محمد بن عبد الرحمن بن حسين آل إسماعيل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على عبده ورسوله الأمين محمد بن عبد الله وآله وصحبه أجمعين. وبعد: فإنَّ كتاب "العمدة" تأليف شيخ المذهب وشارح كتبه وآخر محققيه الإمام العلامة الفقيه شيخ الإسلام منصور بن يونس بن إدريس البهوتي المتوفى عام 1051 هـ فهو اسم على مسماه عمدة بل خلاصة كتب المذهب محكم النسج متقن التأليف متناسق الجمل ليس به عور ولا خلل أتقنه مؤلفه أيما إتقان ولم لا ومؤلفه هو شارح زاد المستنقع بالروض المربع وهو شارح الإقناع بكتابه كشاف القناع وهو شارح المنتهى وهو شارح نظم المفردات فى المذهب بل هو صاحب الحواشي على الإقناع والمنتهى حتى صار إليه في فقه أحمد المنتهى أمَّا كتاب "العمدة" فقد شرحه الإمام المحقق والفقيه المدقق عثمان بن قائد النجدي ثم القاهري -رَحِمَهُ اللهُ- المتوفى عام 1097 هـ فى القاهرة شرحه شرحا حيَّر الباب أولي النهى حتى صار الغاية والمنتهى وقد جانب الصواب من قال: ما ترك الأول للآخر بل الصواب كم ترك الأول للآخر. وفضل الله واسع فإنَّ الأخ النجيبْ المحب الحبيبْ من له في الفقه والصلاح أوفر حظ ونصيبْ الشيخ الفقيهْ الذكي النبيهْ. من فاق بتحقيقه الأكابرْ الشيخ الجليل مطلق بن جاسر آل جاسرْ فإنه اعتنى بمتن العمدة أيما اعتناءْ مما أكد حنبلته والإنتماءْ. فحقق ودققْ وعلى نفسه ما أشفقْ فوثق النص بمقابلته بعدة نسخْ وعلق عليه تعليق من في الفقه رسخْ. فجاء الضالة المنشودة والدرة المفقودة فتناولته مسرورا , وكدت من فرحى أن أطيرا ويعلم الله أني استفدت من عمله في التحقيق والتوثيق والتعليقْ حتى كأنه هو الذي مهد للفقهاء الطريقْ فانطبق عليه قول القائل وصدق: من لي بمثل سيرك المدلل ... تمشي أخيرا وتجي في الأول فجزاه الله خير الجزاء والحمد لله رب العالمين وصلى الله على عبده ورسوله سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. بقلم خادم أهل العلم محمد بن عبد الرحمن بن حسين آل إسماعيل 25/ 12/ 1430 www.alismaeil.com

تقديم الشيخ/ عدنان بن سالم النهام

تقديم الشيخ/ عدنان بن سالم النهام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فإن كتاب (عمدة الطالب) في الفقه الحنبلي لشيخ المذهب في وقته الإمام العلامة منصور البهوتي، يُعد من الكتب المعتمدة في المذهب، النافعة في هذا الباب على ما مشى عليه متأخرو الأصحاب، فهو كتاب قيّم جامع لمهمات مسائل المذهب، وقد لفت هذا نظر العلامة المحقق الشيخ عثمان النجدي فشرحه في كتابه المسمى (هداية الراغب)، فكشف عن مخدراته، واستخرج من بحره مكنوناته، وأوضح مشكلاته، فجاء عقداً فريداً وصرحاً مشيداً، فللَّه دره عالماً مجيداً، ويصدق عليه قول نصيب: فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائبُ هذا وقد سَمَت همّة الشيخ الجليل مطلق بن جاسر الجاسر إلى إخراجه بحلة جديدة، تُظهر للناظر حُسن ضبطها، وتُقرّب المستشكل من فهمها، فجزاه الله خيراً على ما قام به مِن عَمل، وجعله ممن للآخرة سعى وعمل، وجعلنا ممن قال فيهم الرسول الأمين - صلى الله عليه وسلم -: "من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين". والله حسبي ونعم المعين، آمين. 18/ 12/ 1430 هـ - 5/ 12/ 2009 م كتبه الفقير إلى الله تعالى عدنان بن سالم النهّام

مقدمة المحقق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقَدِّمَةُ المُحَقِّق إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. أما بعد .. فإن الشَّيخ العلامة منصور بن يونس البُهُوتي الحنبلي -رَحِمَهُ اللهُ- مِن أعلام الحنابلة في القرن الحادي عشر، بل هو شيخ المذهب بلا منازع، فإنه قد كَشَفَ القِناعَ عن كَثيرٍ من مسائل الفقه والدين، وأوضحها للطالبين، ومَنَحهم المِنَحَ الشافيات مِن العُلومِ البيِّنات، حتى جَعَل الفِقه الحنبلي في زمانه رَوْضاً مُرْبعاً، تنشرحُ له الصدور، وتنتهي عنده الهِممُ والإرادات. وبعد أن عاشَ هذا الإمامُ الهُمام حياةً حافلةً بالعلم والتصنيف، وشرَحَ عديداً من الكتب الفقهية المهمة، خَتَم هذه السلسلة الذهبية من الكُتب الحنبلية بمتنٍ نفيسٍ أَوْدعه خُلاصةَ المذهبِ بِأوجَز عِبارة وأوضح إشارة، وهو كتاب "عُمدةُ الطَّالِبِ لِنَيْلِ المَآرِبِ". ولكن هذا الكتاب رَغمَ نَفَاسَتِهِ وجَلالَةِ قَدْرِ مؤلفه إلا أنه لم يلْقَ العناية اللائقة به مِنْ حيث التحقيق إلى وقتِ كتابةِ هذه المقدمة، رغم أنه قد طُبع أكثرَ مِن مَرَّة. فلمَّا رأيتُ تلك المكانة السامقة والمنزلة الرفيعة لهذا المتن، ورأيتُ عدم

الإعتناء به شمَّرتُ عن ساعد الجِدِّ، وصرفتُ في تحقيقِ هذا المتن أربعَ سنوات من عمري -بدون تفرُّغ له-، وتتبعت نُسَخَه الخَطيَّة، وارتحلتُ في ذلك، حتَّى تحصَّل عندي بفضل الله خمسُ نسخ خطّية منه، ثم شرعتُ مستعيناً بالله تعالى في تحقيقه -مع قلَّة البضاعة-، حتى تَمَّ بحمدِ الله العلي الكبير. وما كان لهذا العمل أن يتم لولا توفيق الله وفضله وإنعامه، ثم معونة مشايخي وإخواني، لذا فإني أشكر -بعد شكر الله- كُلَّ من ساهم في إتمام هذا العمل، من تصوير مخطوط أو مقابلة نُسخٍ وغير ذلك. وأخص بالذكر فضيلة شيخنا الجليل والعلامة النبيل الشيخ/ محمد بن عبد الرحمن آل إسماعيل -حفظه الله- حيث تَفَضَّل بقراءة جميع الكتاب، وأبدى عدداً من الملاحظات القيمة التي أفدتُ منها كثيراً، ثم شَرّفني فضيلته بكتابة تقديم لهذا الكتاب (¬1)، فأسأل المولى أن يجعل ذلك في موازين حسناته. كما أشكر أيضاً فضيلة شيخنا العلامة الهُمام الشيخ/ عدنان بن سالم النهام -حفظه الله- على إتاحة الفرصة لي بأن أقرأ معه الكتاب، حيث قرأتُ مع فضيلته جُزءاً من الكتاب قراءة ضبطٍ في عدة مجالس، وقد أفدتُ مِن علمه وتحقيقه، كما أفدتُ من سَمْته وتواضعه وحُسن خُلقه -حفظه الله تعالى-، ثم شرفني فضيلته أيضاً بتقديمٍ لهذا الكتاب، فجزاه المولى أحسن الجزاء وأجمله، ومَتّعنا اللهُ بعلمه وفَضْله. * * * ¬

_ (¬1) وإن كان الشيخ -حفظه الله- قد عَبّر عني بعبارات لا أستحقها وأوصاف لست من أهلها.

متن "عمدة الطالب" وأهميته

متنُ "عُمدة الطَّالب" وأهميته هذا الكتاب متنٌ فقهيٌ مُختصرٌ في فِقه الإمام أحمد بن حنبل -رَحِمَهُ اللهُ- قال عنه الشيخ عبد القادر بن بدران -رَحِمَهُ اللهُ-: "مختصرٌ لَطيف، للشيخ منصور البهوتي، وَضَعه للمُبتدئين" (¬1). وإن الناظر في هذا الكتاب يرى أن أهميته تكمن في الأمور التالية: 1 - مكانة مؤلِّفه العالية في المذهب، فهو شيخُ المذهبِ في زمانه، وخاتمةُ المحققين، كما سيأتي في ترجمته. 2 - أنَّ هذا الكتاب آخر ما صَنَّف الشيخُ منصور مِن كتب، فإن بين تصنيف هذا الكتاب ووفاة الشيخ منصور سبعة أشهر فقط، فإن الشيخ قد فرغ منه في شوال من سنة 1050 هـ، وتُوفِّي في ربيع الثاني سنة 1051 هـ. أي أنَّه صنَّف هذا الكتاب بعد أن شَرَح كُتب المذهب المُعتمدَة، فقد شرح "الإقناع" وحشَّى عليه، وشرح "المنتهى" وحشَى عليه، وشرح "نظم المفردات"، وشرح "زاد المستقنع"، ثم صنَّف هذا المتن وأودعه خلاصة فقهه وتحقيقه وتجربته الطويلة في المذهب الحنبلي، فخرج دُرَّةً نفيسة، وياقوتة ثمينة في جِيد المذهب الحنبلي. 3 - ومما يدل على أهمية هذا المتن اعتناء العلماء بهذا المتن، وإقراؤهم ¬

_ (¬1) "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (ص 446).

له، فقد قرأ الشيخ عثمان بن محمد الرحيباني بعض "عمدة الطالب" مع شرحه على الإمام السفَّاريني -رَحِمَهُمَا اللهُ- (¬1). وقد عَدّه الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد -رَحِمَهُ اللهُ- من كتب المذهب المعتمدة (¬2). 4 - ويمتاز هذا الكتاب بسهولة العبارة ووضوحها، وعدم التعقيد في التراكيب اللغوية، مع الإختصار المُتقَن الذي لا يصدر إلّا من عالمٍ مُحَققٍ، كأمثال العلّامة منصور البُهُوتي -رَحِمَهُ اللهُ-. ولهذا قال الشيخ عبد القادر بن بدران -رَحِمَهُ اللهُ-: "فالواجب الديني على المعلِّم إذا أراد إقراء المبتدئين أن يُقرئهم أولًا كتاب "أخصر المختصرات" أو "العمدة" للشيخ منصور متناً إن كان حنبلياً" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة تحقيق "كشف اللثام شرح عمدة الأحكام" للإمام السفاريني (1/ 37 - 38). (¬2) "المدخل المفصل" (1/ 475). (¬3) "المدخل" (ص 488).

ترجمة المصنف

ترجمة المُصنِّف * اسْمُه ونَسَبُه: هو الشيخُ العلَّامةُ منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن أحمد بن علي بن إدريس، أبو السَّعادات البُهُوتي الحنبلي، شيخ الحنابلة بمصر (¬1). وُلِد سنة 1000 للهجرة النبوية (¬2). * شُيُوخه: أَخَذ الشيخُ منصور عن كثيرٍ من المتأخرين مِن الحنابلة، مِنهم: 1 - الشيخ جمال الدين يوسف بن علي البُهُوتي. 2 - وابنه الشيخ عبد الرحمن بن يوسف البهوتي (¬3) (ت: بعد 1040 هـ). 3 - الشيخ محمد بن أحمد المرداوي (¬4) (ت: 1026 هـ)، وأكثرُ أخْذِهِ عنه (¬5). ¬

_ (¬1) "خلاصة الأثر" للمحبي (4/ 426)، و"السحب الوابلة" لابن حميد (3/ 1131). (¬2) "السحب الوابلة" (3/ 1133). (¬3) ترجمته في: "النعت الأكمل" (ص 204) و"السحب الوابلة" (2/ 527) و"الدر المنضَّد" (ص 56)، وانظر: "علماء الحنابلة"، للشيخ بكر أبو زيد -رَحِمَهُ اللهُ- (ص 383). (¬4) ترجمته في: "النعت الأكمل" (ص 185)، و"السحب الوابلة" (2/ 885)، و"مختصر طبقات الحنابلة" للشطي (ص 96)، وانظر: "علماء الحنابلة" (ص 382). (¬5) "خلاصة الأثر" (4/ 426)، وقد تصحَّف في طبعة دار الكتاب الإسلامي إلى "المرداري".

4 - الشيخ يحيى بن موسى بن أحمد الحجَّاوي، ابن صاحب "الإقناع" و"زاد المستقنع". وغيرهم. * تَلامِيذه: تلقَّى العلم على يدي هذه الشيخ الجليل ثلةٌ من الطلبة، من أشهرهم: 1 - الشيخ محمد بن أحمد بن علي البُهُوتي الخلوتي (ت: 1088 هـ)، وهو ابن أخته. وقد نَقل ابنُ حميد عن الشيخِ محمد الخلوتي أنه ذَكَر في آخر نسخة "المنتهى": "بلغت قراءةً على شيخنا العلامة، مَن طَنَّتْ حصاةُ فضله في الأقطار، ومن لم تكتحل عين الزمان بثانيه، ولا اكتحلت فيما مضى من الأعصار، وهو أستاذي وخالي الراجي لطف ربه العلي منصور بن يونس البُهُوتي الحنبلي" (¬1). 2 - الشيخ محمد بن أبي السرور بن محمد البُهُوتي (ت: 1100 هـ). 3 - الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب بن مشرف النجدي (ت: 1056 هـ). 4 - الشيخ يوسف بن يحيى بن مرعي بن يوسف الكرمي (ت: 1078 هـ)، وهو حفيد الشيخ مرعي صاحب "الغاية" و"دليل الطالب". وغيرهم. ¬

_ (¬1) "السحب الوابلة" (3/ 1133).

* صفاته وثناءُ العُلماءِ عَليه: أثنى على الشيخ منصور البُهُوتي -رَحِمَهُ اللهُ- كلُّ مَنْ عَرَفه وتَرْجم له، فقد قال عنه المُحبِّي -رَحِمَهُ اللهُ-: "شيخُ الحنابلةِ بمصر، وخاتمةُ علمائهم بها، الذائعُ الصِّيت، البالغُ الشُّهرة، كان علماً عاملًا متبحِّراً في العلوم الدِّينية، صارفاً أوقاته في تحرير المسائل الفقهية، رحل الناسُ إليه مِن الآفاق .. وكان ممن انتهى إليه الإفتاءُ والتدريس، وكان سخيًّا له مكارم دارَّة، وكان في كُلِّ ليلة جُمعة يَجعلُ ضيافةً ويدعو جماعته المقادسة، وإذا مرض أحدٌ منهم عَادَهُ، وأَخَذَه إلى بيته ومرَّضه إلى أن يُشفى، وكان الناس تأتيه بالصَّدَقات فيفُرِّقها على طَلَبته في المجلس، ولا يأخذ منها شيئاً" (¬1). وقال ابنُ حميد النجدي -رَحِمَهُ اللهُ-: "وبالجملة فهو مؤيِّد المذهب ومُحرِّره، وموطِّد قواعده ومقرِّره، والمعوَّل عليه فيه، والمتكفِّل بإيضاح خَافِيه، جزاه الله أحسن الجزاء" (¬2). وقال الغزي: "كان إماماً هُماماً، عَلَّامة في سائر العلوم، فقيهاً متبحِّراً، أصوليًّا مفسِّراً، جَبَلًا من جبال العلم، وطَوْداً من أطواد الحكمة، وبحراً من بحور الفضائل، له اليد الطُّولى في الفقه والفرائض وغيرهما" (¬3). * تصانيفه: صنَّف الشيخُ منصور البُهُوتي -رَحِمَهُ اللهُ- عدة كُتب في مذهب الحنابلة، كَتَب اللهُ لها القَبول، وانتشرت وانتفع الناسُ بها، وهي التي عليها المعوَّل من ¬

_ (¬1) "خلاصة الأثر" (4/ 326). (¬2) "السحب الوابلة" (3/ 1133). (¬3) "النعت الأكمل" (ص 210).

كتب الحنابلة المتأخرين، كما قال المؤرخ عثمان بن بشر -رَحِمَهُ اللهُ-: "أخبرني الشيخ القاضي عثمان بن منصور الحنبلي الناصري متَّع الله به، قال: أخبرني بعض مشايخي عن أشياخهم، قالوا: كل ما وضعه متأخِّرو الحنابلة من الحواشي على أولئك المتون ليس عليه معوَّل إلا ما وضعه الشيخ منصور؛ لأنه هو المحقق لذلك، إلا حاشية الخلوتي؛ لأن فيها فوائد جليلة" (¬1). ومصنَّفات هذا العالم الجليل، هي (¬2): 1 - إرشاد أولي النُّهى لدقائق المنتهى (حاشية على "منتهى الإرادات") (¬3)، فرغ من تأليفها سنة 1036 هـ، ولعله أوَّل مؤلفات الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ-. 2 - حاشية على الإِقْناع (¬4)، وقد فرغ من تأليفها سنة 1040 هـ. 3 - إعلام الأعلام بِقتال مَنِ انْتهك حرمة البيت الحرام (¬5)، وقد فرغ منه سنة 1041 هـ. 4 - الرَّوْضُ المُربع شرح زاد المُستقنِع (¬6)، فرغ من تأليفه سنة 1043 هـ. 5 - كشَّاف القِناع عن متن الإقناع (¬7)، وهو شرحٌ على كتاب "الإقناع" ¬

_ (¬1) "عنوان المجد في تاريخ نجد" لابن بشر (2/ 323 - 324). (¬2) وقد رتبتُ مصنفاته على حسب تاريخ تأليفها. (¬3) طُبع سنة 1421 هـ بتحقيق الدكتور عبد الملك بن دهيش، في مجلدين كبيرين. (¬4) طُبع سنة 1425 هـ بتحقيق الدكتور ناصر بن سعود السلامة، في مجلدين. (¬5) طُبع سنة 1409 هـ بتحقيق الشيخ جاسم الفهيد الدوسري. (¬6) وقد طُبع طبعات كثيرة، وعليه عدة حواشٍ، انظر: "المدخل المفصّل" (2/ 771 - 772). (¬7) طُبع سنة 1319 هـ في المطبعة الشرفية في مصر، ثم طُبع عدة طبعات، منها طبعة في ستة مجلدات بتحقيق: هلال مصيلحي، وطبعة أخرى بتحقيق: محمد عدنان درويش، ثم طَبَعَته وزارة العدل في المملكة العربية السعودية بتحقيق لجنةٍ من المحققين في خمسة عشر مجلداً.

للشيخ الحجَّاوي -رَحِمَهُ اللهُ-، وقد فرغ من تأليفه سنة 1045 هـ. 6 - المِنح الشافيات بشرح المفردات (¬1)، وهو شرحٌ على "النظم المُفيد الأحمد في مفردات مذهب الإمام أحمد" للإمام محمد بن علي العُمَري المقدسي (ت: 820 هـ)، وقد فرغ الشيخُ من شرحه سنة 1047 هـ. 7 - دقائق أولي النُّهى لشرح المنتهى (شرح "منتهى الإرادات") (¬2)، وقد فرغ من منه سنة 1049 هـ. 8 - نصيحة الناسك ببيان أحكام المناسك، وهو الكتاب الوحيد الذي لم يُطبع من كُتب الشيخ منصور -رَحِمَهُ اللهُ- ولعل نُسَخَه الخَطِّية مفقودة، وقد أشار إليه -رَحِمَهُ اللهُ- في كتابه "كشاف القناع" (2/ 399)، وذكره له ابن حميد في "السحب الوابلة" (3/ 1133). 9 - عمدة الطالب لنيل المآرب، وهو كتابنا هذا، وسيأتي الحديث عنه. * وفاته: بعد حياةٍ عامرةٍ بالتصنيف والتدريس مَرِض الشيخ منصور في يوم الأحد خامس شهر ربيع الثاني سنة 1051 هـ، واستمرَّ به المرض حتى تُوفِّي في ضُحى يوم الجمعة عاشر شهر ربيع الثاني سنة 1051 هـ بمصر، ودُفن في تربة المجاورين -رَحِمَهُ اللهُ- (¬3). ¬

_ (¬1) هذا العنوان الذي رجَّحه الشيخ الدكتور عبد الله المطلق محقق الكتاب، وقد جاء في بعض المخطوطات وكذلك المطبوعة القديمة بعنوان "منح الشفا الشافيات بشرح المفردات". وقد طُبع الكتاب سنة 1343 هـ طبعة كثيرة الأخطاء، ثم طُبع سنة 1427 هـ بتحقيق الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد المطلق في مجلدين (وهي في الأصل رسالة علمية). (¬2) طُبع سنة 1319 هـ في المطبعة الشرفية على هامش "كشاف القناع"، وقد حُقِّق في رسائل علمية في جامعة أم القرى، ثم طُبع بتحقيق الدكتور عبد الله التركي في سبعة مجلدات. (¬3) "خلاصة الأثر" (4/ 426) و"السحب الوابلة" (3/ 1133).

* مصادر ترجمته: 1 - "خُلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر"، لمحمد بن فضل الله المحبي (ت: 1111 هـ). 2 - "النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل"، للكمال الغزي الشافعي (ت: 1214 هـ). 3 - "عنوان المجد في تاريخ نجد" للمؤرخ عثمان بن بشر (ت: 1290 هـ). 4 - "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة"، لمحمد بن عبد الله بن حُميد النجدي (ت: 1295 هـ). 5 - "مختصر طبقات الحنابلة"، لمحمد جميل بن عمر الشطي (ت: 1379 هـ). 6 - "الأعلام" لخير الدين الزركلي. 7 - "معجم المؤلفين"، لعمر رضا كحالة.

عنوان الكتاب وإثبات نسبته إلى مؤلفه

عنوانُ الكتاب وإثبات نِسبته إلى مؤلفه * عنوان الكتاب الكامل هو: "عُمدةُ الطَّالِبِ لِنَيْلِ المآرِب في الفِقْهِ على المذهبِ الأَحْمَدِ الأَمثل، مذهبِ الإِمامِ أَحمد بن مُحَمَّد بن حَنْبل"، كذا في جميع النسخ المعتمدة في التحقيق. * أما عن نسبة الكتاب إلى مؤلفه، فلا شك في نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ منصور البهوتي -رَحِمَهُ اللهُ-، فقد نَسَبه له كل مَن ترجم له، ومنهم: الشيخُ عبد القادر بن بدران في "المدخل إلى مذهب إلى الإمام أحمد بن حنبل" (¬1) (ص 446)، والغزي في "النعت الأكمل" (ص 212)، وابن بشر في "عنوان المجد" (2/ 323)، وابن حميد في "السحب الوابلة" (3/ 1133)، وابن ضويان في "رفع النقاب عن مؤلفات الأصحاب" (ص 375)، والشطي في "مختصر طبقات الحنابلة" (ص 116)، وابن حمدان في "كشف النقاب" (ص 145)، والدكتور بكر أبو زيد في "المدخل المفصّل" (2/ 796). وقال الشيخ عثمان بن قائد النجدي -رَحِمَهُ اللهُ- في مقدمة شرحه على "عمدة الطالب": "فهذا شرحٌ لطيف، وتعليق شريف على المختصر الموسوم بـ"عمدة الطالب لنيل المآرب" للإمام العلامة، والحبر البحر الفهّامة، شيخ شيوخنا الشيخ منصور بن يونس البهوتي -رَحِمَهُ اللهُ- " (¬2). * * * ¬

_ (¬1) قد وقع وَهْمٌ في اسم الكتاب في "المدخل" فقد جاء فيه أن اسمه "عمدة الراغب". (¬2) "هداية الراغب" (1/ 18 - 19).

طبعات الكتاب السابقة

طَبَعَاتُ الكتابِ السَّابِقة طُبع كتاب "عمدة الطالب" مُفرداً مرتين: الأولى: بتحقيق الشيخ أحمد بن صالح الطويان، طَبَعَتْه دار طويق في عام 1418 هـ، ثم أُعيد طَبْعُه مرة ثانية عام 1425 هـ. الثانية: بتحقيق الدكتور عبد السلام بن دهيش، طَبَعَتْه مكتبة الأسدي عام 1425 هـ. ومع ما بُذِل في هاتين الطبعتين مِن جُهدٍ يُشكر عليه المُحقِّقان، إلَّا أن هاتين الطبعتين لم تسلما من الأخطاء والملاحظات (¬1)، وقد اشتركتا في بعض الملاحظات، وانفردت كلُّ واحدةٍ منهما في ملاحظات، ومن هذه الملاحظات: * أنه في كلا الطبعتين قَدِ اعْتُمِدَ في التحقيق على مخطوطةٍ واحدةٍ للكتاب، نُسخت سنة 1142 هـ (¬2)، رغم وجود مخطوطات أخرى له أقدم منها. * لم تتم الإشارة في الطبعتين إلى بيانات المخطوط ولا إلى مصدره، لا من قريب ولا من بعيدٍ، وإنما اكتُفي بوضع صورةٍ للمخطوط في المقدمة. ¬

_ (¬1) وقد اعتُمدت طبعة دار طويق بأن وُضعت في أعلى صفحات كتاب "هداية الراغب" في طبعة الدكتور عبد الله التركي، وقد حاول الدكتور تصحيح عدد من الأخطاء، ولكن ما زال هناك الكثير من الأخطاء لم يُصَحح. (¬2) وهي النسخة المرموز لها بالحرف (أ) في طبعتنا هذه.

* كثرة الأخطاء المطبعية جدًّا في هاتين الطبعتين، وإن قلت إنه لا يخلو فصلٌ في الكتاب من أخطاء مطبعية وتصحيفات لَمَا كنتُ مُبالغاً. * قد وُضعت عناوين لكثيرٍ من الأبواب والفصول من الكتاب، وهي ليست مِن وَضْع مُصنِّف الكتاب، وإنما أَخَذَها المحققان من الشرح "هداية الراغب" بدون إشارة إلى ذلك، ولم يَضَعَاها بين معقوفتين. * الخطأ الظاهر في عنوان الكتاب في طبعة مكتبة الأسدي، فقد كُتِب على غلافها: "عُمدة الطَّالب في شرح نيل المآرب"، ولا أدري من أين أُتي بهذا العنوان؟! إلى غير ذلك من الأخطاء والملاحظات التي تجعل الحاجة إلى تحقيقٍ جديد ماسّة، نسأل الله الإعانة والتوفيق.

جهود العلماء على "عمدة الطالب"

جُهودُ العُلماءِ على "عمدة الطالب" * شُرِحَ كتابُ "عمدة الطالب" شَرْحاً واحداً مشهوراً، وهو "هداية الراغب بشرح عمدة الطالب" للشيخ عثمان بن أحمد بن سعيد بن قائد النجدي (ت: 1097 هـ) (¬1). قال الشيخ عبد القادر بن بدران: "وشَرَحَه العلامةُ الشيخُ عثمان بن أحمد النجدي شرحاً لطيفاً مُفيداً مسبوكاً سبكاً حَسَناً" (¬2). وقال عنه ابنُ حُميد: "حرَّره تحريراً نفيساً، فصار من أنفس كُتب المذهب" (¬3). وقال الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وهو شرح مفيد سلس العبارة، قريب التناول، بحث فيه بُحوثاً مفيدة مع إيراد الأدلة، وَمَنْ تأملَّه وجده الضالَّة المنشودة في حُسن العبارات ووضوحها" (¬4). وقال شيخنا الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل إسماعيل-حفظه الله-: "وهو شرح نفيس جدًّا، اهتمَّ -رَحِمَهُ اللهُ- فيه بذكر الدليل والتعليل، واهتمَّ كذلك بالإعراب واللغة، وإني أنصح المنتسب إلى مذهب أحمد أن يقرأه، وإني ¬

_ (¬1) ترجمته في: "السحب الوابلة" (2/ 697)، و"رفع النقاب" (ص 395)، و"الدر المنضَّد" (ص 60). (¬2) "المدخل" (ص 446). (¬3) "السحب الوابلة" (2/ 697). (¬4) تقريظ "هداية الراغب" طبعة الشيخ حسنين مخلوف (ص 577).

مهما وصفتُه لا أستطيع أن أبيِّن قيمته العلمية، ولكن كما قال الشاعر: يَا ابنَ الكِرامِ ألَا تَدنُو فَتُبصر مَا ... قَدْ حدَّثوك فَما رَاءٍ كَمَنْ سَمِعَا" (¬1) - طبعات هذا الشرح: وقد طُبع هذا الشرح بتحقيق الشيخ حسنين محمد مخلوف -رَحِمَهُ اللهُ-، مفتي الديار المصرية السابق، في مجلدٍ واحدٍ، وذلك في سنة 1380 هـ - 1960 م في مطبعة المدني بالقاهرة. وتتابعت الطبعات بعد ذلك، على مِنْوال هذه الطبعة تصويراً منها، أو صَفًّا جديداً عنها. ثم طُبع الكتاب بتحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالإشتراك مع محمد معتز كريم الدين، في ثلاثة مجلدات، مع حاشية "فتح مولى المواهب على هداية الراغب" للشيخ أحمد بن عوض، وذلك في مؤسسة الرسالة سنة 1428 هـ. - خدمة هذا الشرح: 1 - وَضع الشيخ أحمد بن عوض المرداوي (ت: 1102 هـ) حاشيةً على "هداية الراغب" من أول الكتاب إلى أثناء كتاب الصلاة، اسمها: "فتح مولى المواهب على هداية الراغب"، وقد حقَّقها الدكتور التركي، وطبعها مع الهداية. 2 - ولهداية الراغب مختصر اسمه "نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب" للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسَّام -رَحِمَهُ اللهُ- (ت: 1423 هـ)، ¬

_ (¬1) "اللآلئ البهية" (ص 13).

عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية. ويتلخَّص عمل الشيخ بأنه دمج عبارة الشرح بعبارة المتن، وحذف بعض المسائل منه، وقد طُبع قديماً سنة 1407 هـ، ثم طُبع سنة 1426 هـ طبعة جديدة في أربعة مجلدات. * وقد نَظَم "عمدة الطالب" الشيخُ صالح بن حسن البُهُوتي الأزهريُّ (ت: 1121 هـ) في نحو ثلاثة آلاف بيت، وسمَّاه "وسيلة الراغب لعمدة الطالب"، وهذا النظم لا زال مخطوطاً (¬1)، وقد ذكره ابن حُميد في "السحب الوابلة" (2/ 426)، وابن حميد الحفيد في "الدر المنضد" (ص 60)، وابن حمدان في "كشف النقاب" (ص 145)، والدكتور بكر أبو زيد في "المدخل المفصل" (2/ 797). وقد وَصَفه ابن حميد بأنه نظمٌ ركيك. * * * ¬

_ (¬1) وهو محفوظ في دار الكتب المصرية برقم: (37 فقه حنبلي) في 151 ورقة، وتاريخ نسخه: 1113 هـ. وعندي صورة منه.

وصف النسخ الخطية

وصف النسخ الخطيَّة تحصَّل عندي -بعد بحثٍ في مَظانِّ المخطوطات- خمسُ نُسخٍ خطيَّة لهذا الكتاب، وإليك وصفها: 1 - نُسخه الأصل، وهي نسخة خطيَّةٌ نفيسةٌ منسوخةٌ من نُسخةِ المصنِّف، ومُقابلَة عليها، وعليها تصحيحات وحواشٍ يسيرةٌ. وهي من محفوظات دار الكتب المصرية برقم (47 فقه حنبلي)، ولها صورة في إدارة المخطوطات في الكويت برقم (44309)، وهي مكونة من 60 ورقة، وناسخُها هو: إبراهيم بن أحمد اللبدي الحنبلي، وقد فرغ من نسخها سنة 1098 هـ. وقد جاء في آخرها: "وكُتِبت هذه النسخة من خط المصنِّف، وقُوبِلت عليها حسب الطاقة من أولها إلى آخرها، واللهُ سبحانه وتعالى أعلمُ. كتبه: إبراهيم بن أحمد اللبدي الحنبلي عُفي عنه. آمين". وقد اتَّخذْتُ هذه النسخة أصلًا في هذا التحقيق. 2 - نسخةٌ خطيَّة من محفوظات المكتبة الأزهرية تحت رقم: (4232 عمومي/ 8 خصوصي)، وهي مكوَّنة من 141 ورقة، وناسخُها هو: أحمد بن محمد بن علي القيطوني الشافعي، وقد فرغ مِن نَسْخِها سنة 1142 هـ. وهي نسخة جيدة ومقابَلة، وعليها بعض التصويبات. وقد رمزتُ لهذه النسخة بالحرف (أ).

3 - نسخةٌ خطيَّة من محفوظات مكتبة البلدية في الإسكندرية تحت رقم: (3589)، ولها صورة في مكتبة الجامعة الإسلامية في المدينة برقم (7215/ 2)، وهي مكونة من 65 ورقة، وعليها تملكات أقدمها مُؤرخ بسنة 1132 هـ. وعلى هذه النسخة حواشٍ كثيرة، ولكن بعد التتبع تبيَّن أن غالب هذه الحواشي منقول من "هداية الراغب"، لذلك لم أُثبت منها إلّا يسيراً. ولم يُذكر فيها اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ. وقد رمزتُ لهذه النسخة بالحرف (ب). 4 - نسخةٌ خطية من ممتلكات مكتبة الشيخ محمد بن حمد العسَّافي -رَحِمَهُ اللهُ-، والتي آلت ملكيتُها إلى المكتبةِ المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وهي محفوظة فيها برقم: (1/ 8956)، وهي مكونة من 31 ورقة، عليها تملكات، وقد فُرغ من نسخها سنة 1093 هـ. وفيها سقط في عدَّة مواضع، كما أنها لا تخلو من أخطاء. وقد رمزتُ لها بالحرف (ج). 5 - نسخةٌ خطية نُسخت بخط الشيخ محمد بن حمد العسَّافي، وقد فرغ منها سنة 1335 هـ، وهي مكونة من 75 ورقة، وهي من ممتلكات مكتبة العسافي، وهي في المكتبة المركزية بجامعة الإمام برقم (9017). وهذه النسخة منقولة بتمامها من النسخة (ج) السابقة، ولذلك لم أعتمد عليها في التحقيق.

عملي في التحقيق

عملي في التَّحقيق يتلخَّص عملي في تحقيق هذا الكتاب فيما يلي: 1 - نسختُ المخطوط. 2 - قابلتُ المخطوطات الأربع المعتمدة في التحقيق، واتخذتُ النسخة الأولى أصلًا، وأثبتُّ فُروقَ النُّسَخ في الحاشية، وأعرضتُ صَفْحاً عن ذِكْر الأخطاء البيِّنة الواضحة في إِحْدى النُّسَخ إذا كانت بقيَّة النُّسَخ على الصواب. 3 - وضعتُ بعض العناوين الجانبية، وجعلتها بين معقوفتين []، وغالب هذه العناوين مُستفاد من "هداية الراغب". 4 - علَّقتُ على بعص المواضع في المنظومة، من شرحِ غريبٍ أو توضيحِ معنىً أو ذكر تعريف ونحو ذلك على سبيل الإختصار. 5 - خَرّجت كثيراً من الأذكار الواردة في الكتاب تخريجاً مختصراً. 6 - صدَّرت الكتابَ بمقدمةٍ تَضَمَّنتْ بيان أهميته، مع ترجمةٍ للناظم من مصادرها الأصليَّة، ثم إثبات نسبة الكتاب إلى المصنِّف، وبيان الطبعات السابقة له، وبيان خدمة العلماء له، ثم وصف النُّسخ الخطيَّة المعتمدة في التحقيق. وفي الختام أقول: هذا عملي، قد اجتهدتُ فيه حتى يخرجَ على أتمِّ صورة، فما كان فيه من حقٍّ وسدادٍ فمن توفيق ربِّ العباد، وما فيه من نقصٍ وتقصيرٍ، فمن الشَّيطان والعبد الفقير.

والمرجو مِنْ كل مَنِ اطَّلع على ملاحظةٍ في هذا العمل أن يخبرني بها حتى تُستدرك في مُستقبل الأزمان، بإذن الله الملك الديَّان. والحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أبو عبد الله مطلق بن جاسر بن مطلق الفارس الجاسر الكويت - قرطبة صباح يوم السبت 27 من ذي القعدة 1430 هـ الموافق: 14 نوفمبر 2009 م 99835095 - 00965 Mutlaq [email protected]

صور المخطوطات

الورقة الأولى من المخطوط (الأصل)

الورقة الأخيرة من المخطوط (الأصل)

الورقة الأولى من المخطوط (أ)

الورقة الأخيرة من المخطوط (أ)

الورقة الأولى من المخطوط (ب)

الورقة الأخيرة من المخطوط (ب)

الورقة الأولى من المخطوط (ج)

الورقة الأخيرة من المخطوط (ج)

[مقدمة المصنف]

[المقدمة] بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسَّلامُ على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحْبه وتابعيهم أجمعين .. وبعد: فهذا مختصرٌ في الفقهِ على مذهبِ الإمامِ الأمثل، أحمدَ بن مُحمّد بن حنبل، تشتدُّ إليه حاجةُ المُبتدئين، سأَلَنيه بعضُ المقصِّرين والعاجزين، جَعَلَهُ اللهُ خَالصاً لوجْهِهِ الكريمِ، وسَبَبَاً للزُّلفَى لديه في جنَّات النعيم، ونفع به إنه هو الرؤوف الرحيم.

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة (¬1) المياه ثلاثة: طَهور: يَرفَعُ الحَدَثَ، ويُزِيلُ النَّجِسَ الطَّارئ، وهو: الباقي على خِلقتِه ولو حُكْماً كَمُتغيِّرٍ بِمُكثه أو طُحلب (¬2) أو ورق شجرٍ أو مَمَرِّهِ (¬3) ونحوه، أوْ مُجاورٍ نَجسٍ. وكُره منه شديد حرٍّ أو بردٍ، ومُسخَّنٍ بنَجسٍ لم يُحتج إليه، أو بغير مُمازجٍ (¬4) كدُهن وقِطَع كافور (¬5)، أو بملح مائي (¬6)، لا مُسخَّن بشمسٍ أو طاهر. وإن خَلَت مكلفةٌ بيسيرٍ لطهارةٍ كاملةٍ عن حدثٍ: لم يَرفعْ حدثَ رَجُلٍ. الثاني: طاهرٌ، وهو: ما تغيَّر كثيرٌ من لونه أو طعمه أو ريحه بطاهر غير ما مرَّ، أو رُفع بقليله حدثٌ، أو غُمس فيه كل يد مسلمٍ مُكلَّف قائم من نوم ليلٍ، أو كان آخر غَسلةٍ (¬7) زالت به النَّجاسة وانفصل غير مُتغيِّر. ¬

_ (¬1) الطهارةُ: لغةً: النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عَنِ الْأَقْذَارِ الحسية والمعْنَوِيَّة. واصطلاحاً هي: ارْتِفَاعُ الحَدَث وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وزوال الخبث. (¬2) الطحلب: شيء أخضر لزج يُخلق في الماء ويعلوه. (¬3) ممره: أي تغيّر بمحل مروره على شيءٍ وهو يجري، كأن يتغير لمروره على نحو كبريت. (¬4) أي: تغيَّر بغير مُمازج. (¬5) الكافور: نوع من الأطياب النباتية، شفافة مائلة إلى البياض، ويكون صُلْباً ويمكن أن يُدق. (¬6) الملح المائي: هو الملح الذي يتكون من الماء الذي في السِّباخ ونحوها. (¬7) في (الأصل) و (ج): "غسل"، والمثبت من (أ) و (ب).

فصل [في الآنية]

الثالث: نجسُ وهو: ما تغيَّر بنجسٍ، ويسيرٌ لاقى نجاسةً لا بِمَحلِّ تطهيرٍ. ويُطهَّر بإضافة كثيرٍ، والكثيرُ بزوال تغيُّره بنفسه، وبنزحٍ بَقي (¬1) بعده كثير. فإن بلغ الماء قُلَّتين (¬2) -وهما (¬3): أربعمائة رطل وستة وأربعون وثلاثة أسباع رطل مصري- لم ينجس إلَّا بالتغيُّر. وإنْ شكَّ في تنجُّسِ (¬4) ماءٍ أو غيره بَنَى على اليقين، وإنِ اشتبه طَهُورٌ بنجسٍ لم يتحرَّ، ويتيمم لعدم غيرهما، وإن اشتبه بِطاهرٍ توضَّأ وُضوءاً واحداً من كلٍّ غَرفة. وإن اشتبهت ثيابٌ طاهرةٌ بنجسةٍ، صَلَّى في كل ثوب بعدد النجسة وزاد صلاة، وكذا أمكنة ضيقة، ويصلي في واسعة بلا تحرٍّ. فصلٌ [في الآنية] ويُباح كل إناء ولو ثميناً، غيرَ إناء ذهبٍ أو فضةٍ ونحو مطليٍّ بهما، إلا مُضبَّباً (¬5) بيسيرٍ من فضةٍ لحاجةٍ. ¬

_ (¬1) في (أ): "يُبقي". (¬2) القُلَّتان مثنى قلة، والقلة: هي جَرَّةٌ بقدر ما يُطيقُ الإنسان العادي حملها لو مُلئت ماءً، وتقدر بنحو 93.75 صاعاً. وهي تساوي: 5. 160 لتراً. أي أن مجموع القُلَّتين يساوي: 321 لتراً تقريباً. (¬3) في (ب) و (ج): "وهو". (¬4) في (ج): "نجس". (¬5) التضبيب: استعمال الضبة، وهي شريط ونحوه يَجمع بين طرفي الوعاء المنكسر ويصلحه.

وتصحُّ طهارةٌ من إناء مُحرَّم، وتُباح آنية كفارٍ وثيابهم إن جُهل حالها. ولا يطهر جلد ميتةٍ بدبغٍ، وُيباح استعماله بعده في يابسٍ إن كان من طاهرٍ في حياة (¬1)، وكلُّ أجزاء الميتة ولَبَنُها نجسٌ (¬2) غير نحو شعرٍ وصوفٍ. وما أُبين (¬3) من حيِّ كَمَيْتتِه. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "الحياة". (¬2) قوله: "نجس" ليس في: (ب) و (ج). (¬3) أبين أي: ما قُطع وفُصل.

باب الإستنجاء

باب الإستنجاء (¬1) يُستحبُ عند دُخولِ خلاءٍ: قولُ "بِسم الله، أعوذ بالله من الخُبُثِ وَالخَبائثِ" (¬2). وعند خروجه: "الحَمدُ لله الذي أَذْهَبَ عَنِّي الأذى وعافاني" (¬3) ¬

_ (¬1) الإستنجاء لغة: من نجوت الشجرة، أي قطعتها. وشرعاً: إزالة خارج معتاد وغيره من سبيل بماء طهور أو إزالة حكمه بما يقوم مقام الماء من حجر ونحوه كخشب وخزف، ويسمى بالحجر استجمارا أيضا من الجمار، وهي الحجارة الصغار. (¬2) لما في الحديث الذي رواه البخاري (142). ومسلم (375) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - بدون ذكر التسمية في أوله. وأما نص الحديث كما ذكره المُصنِّف هنا قد أشار إليه الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- بقوله: "روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر: "إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث" وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية، ولم أرها في غير هذه الرواية". اهـ "فتح الباري" (1/ 308). والتسمية قبل دخول الخلاء مشروعةٌ بنصوص أخرى، منها ما رواه الترمذي (606)، وابن ماجه (297) عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سِتْرُ ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدُهم الخلاء أن يقول: بسم الله" وصححه الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "إرواء الغليل" (1/ 88). (¬3) رواه ابن ماجه (301)، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - وفي إسناده إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف. وله شاهدٌ من حديث أبي ذرٍّ الغفاري - رضي الله عنه - رواه ابن السُّني في "عمل اليوم والليلة" (1/ 60 - رقم: 23) وقد ضعَّفه المنذري. كما حكاه المناوي في "فيض القدير" (5/ 149)، وضعفه الألباني في "الإرواء" (1/ 92). =

وتقديمُ يُسرى رِجليه دُخولًا، واعتمادُه عليها جالساً، واليُمنى خروجاً - عكسُ مسجدٍ ونحوه -، وبُعده في فضاء، واستتارُه، وطلبُ مكانٍ رَخْوٍ لِبوله، ومسحُ ذَكَرِه بيُسرى يديه إذا فرغ: مِنْ دُبره إلى رأسه ثلاثاً، ونترُه (¬1) كذلك، وتحوُّله ليستنجي إن خشي تلوّثاً. ويُكره: دخولُه بما فيه ذكرُ اللهِ بلا حاجةٍ، ورفعُ ثوبه قبل دنوِّه من أرضٍ، وكلامٌ فيه، وبوله في نحو شق، ومَسُّ فَرجِه بيمينه، واستنجاؤه بها بلا عُذر، واستقبالُ شمسٍ أو (¬2) قمر. وحَرُم: لبثه فوقَ حاجته، وبوله وتغوُّطه بطريقٍ أو ظلٍّ نافعٍ أو مورد ماءٍ، وتحت شجرٍ عليه ثمر. ويستجمرُ (¬3) ثمَّ يستنجي، ويجزئ أحدُهما إلا إذا جاوز الخارجُ المعتادَ فيجبُ الماء، ولا يصحُّ استجمارٌ إلَّا بطاهرٍ مباح مُنْقٍ غير عَظْمٍ وَرَوْثٍ وطعامٍ. ويُشترط ثَلاث مَسحات مُنْقية تَعُمُّ كُلُّ مَسحةٍ المحلَّ، فإن لم تُنق زاد، ويُستحب قَطعه على وتر، ويجب لكل خارج غير ريح وطاهر وما لا يلوَّث (¬4)، ولا يصح وضوءٌ ولا تيمم قبله. ¬

_ = وقال سماحة الشيخ ابن باز -رَحِمَهُ اللهُ-: "الحديث ضعيف، لكن إن قاله من باب الحمد لله فلا بأس؛ لأنه أمرٌ مستحب في هذا المقام إذا قاله من باب الثناء على الله والشكر على زوال الأذى، لكن الحديث سنده ضعيف" ا. هـ حاشية على "الروض المربع" (1/ 43). (¬1) في (أ): "نثره" بالمثلثة الفوقية، والنتر: جذبٌ فيه قوة وجفوة. (¬2) في (ب) و (ج): "و". (¬3) بداية سقطٍ في (ج) بداية باب التيمم. (¬4) أي: لا يجب الإستنجاء بخروج الروث اليابس غير الملوِّث للمخرج؛ بأن خرج جافاً؛ لأنه لا أثر له بالمحل.

باب [في السواك وغيره]

بابٌ [في السِّواك وغيره] يُسن التسوُّك عَرضاً بيُسراه بِعُودٍ لَيِّنٍ مِن نَحو أَراك، ويُكره لِصائِمٍ بَعد الزَّوال، ويتأكدُ عند صَلاةٍ وانتباهٍ وتغيُّر فمٍ، ويبتدئُ بجانب فمه الأيمن. ويدَّهنُ غِبًّا (¬1)، ويَكتحل وِتْراً. ويجب ختان ذكر وأنثى عند بلوغ ما لم يَخف على نفسه، وزَمن صِغَرٍ أفضل. ويُكره القَزَعُ (¬2)، وثَقْبُ أُذن صبيِّ، ونتف شيبٍ، وتغييره بِسَواد. وسُنَّ (¬3) استحدادٌ، وحفُّ شاربٍ، وتقليمُ ظُفْر، ونتفُ إِبِط. وحرُم نَمْصٌ، ووَشْرٌ، ووَشْمٌ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) أي: يفعله يوماً ويتركه يوماً، أو يفعله أحياناً ويتركه أحياناً. (¬2) القزع: حلق بعض الرأس وترك بعضه. (¬3) كذا في (الأصل)، وفي بقية النسخ: "ويسن". (¬4) النَّمْص: هو نتف الشعر من الوجه، والوَشْر: بَرْدُ الأسنان وتفليجها طلباً للزينة، والوشم: غرز الجلد بإبرة وحشوه بكحل أو نحوه.

باب الوضوء

باب الوضوء (¬1) فُرُوضُه: غَسلُ الوجه، ومِنه فمٌ وأنفٌ، وغسلُ اليدين مع المِرْفقين، ومسحُ الرأس كلِّه -ومنه الأذنان-، وغسلُ الرِّجْلين معَ الكَعبين، وترتيبٌ، ومُوالاةٌ؛ بأن لا يؤخِّر غَسل عُضوٍ حتَّى يجفَّ ما قبله. وشُرط (¬2) له ولغُسلٍ: نيةٌ، وطهوريةُ ماءٍ، وإباحتُه، وإزالةُ ما يَمنع وصولَه، وانقطاعُ مُوجِب. وتَجِبُ فيهما: التسميةُ مع الذِّكر، فينوي عندها أو قَبلها بيسيرٍ رفعَ الحدث أو الطَّهارة للصَّلاة مثلًا، وإنْ نوى ما يُسنُّ لهُ: كقراءةٍ وأذانٍ ورفع شكٍّ وغضبٍ، أو نوى التجديد ناسياً حدثه، أو الغسل لنحو جُمعة أو عيدٍ ارتفعَ حَدثُه. وإنْ تنوَّعت أَحْداثٌ فنوى أَحَدَها ارْتفعَ كُلُّها. ¬

_ (¬1) الوضوء -بضم الواو-: فعل المتوضئ، من الوضاءة، وهي النظافة والحسن؛ لأنه ينظف المتوضئ ويحسنه، وبفتحها اسم لما يتوضأ به. والوضوء شرعا: استعمال ماء طهور مباح في الأعضاء الأربعة، وهي: الوجه واليدين والرأس والرجلين على صفة مخصوصة. (¬2) في (أ) و (ج): "ويشترط".

[صفة الوضوء]

[صفة الوضوء] ويُسن أن ينوي عند أول مسنون وُجد قبل واجب، فينوي ثمَّ يُسمي ثم يغسل كفَّيه ثلاثًا، ثمَّ يتمضمض، ثمَّ يستنشق بيمينه، ويستنثر بيساره ثلاثًا ثلاثًا، ثم يغسل وَجْهَه مِن مَنبت شَعر الرأس المعتاد مع مَا انْحدر من اللَّحْيينِ وَالذَّقن طُولًا، وما بين الأُذُنين عَرضًا، وما فيه مِن شَعرٍ خَفيفٍ وظاهر الكثيف، ويُخلِّل (¬1) بَاطنه. ثمَّ يديه مع مِرْفقَيه ثلاثًا، ويُعفى عن يسيرِ وسخٍ تحت ظُفْرٍ، ثم يمسح رأسه ثم يمسح (¬2) أذنيه مرَّة، ثم يغسل رِجْليه مع كَعْبيه ثلاثًا، ثم يقول رافعًا بصره للسماء: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" (¬3). ويَغْسل أَقْطعٌ (¬4) باقي فَرْضِه. ¬

_ (¬1) في (الأصل): "وتخليل"، والمثبت من بقية النسخ. (¬2) قوله: "يمسح" مثبتة من (الأصل) وليست في بقية النسخ. (¬3) رواه مسلم في "صحيحه" (234) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ونصه: "ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ -أو يسبغ- الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله ورسوله"، إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". ورواه الترمذي (55) وزاد: "اللَّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين". قال الشيخ ابن باز -رَحِمَهُ اللهُ-: "لكن نظره إلى السماء في سنده بعض المقال، فإذا فعله فلا بأس، وإن تركه فلا بأس" ا. هـ. حاشية على "الروض المربع" (1/ 84). (¬4) الأقطع: من قُطعت يدُه أو رِجْله.

فصل [في المسح على الخفين]

ويُباح تَنشيفٌ، ومُعين (¬1)، ومَنْ وُضِّئ بإذنه ونَواه صَحَّ. ويُسنُّ في وضوءٍ: سِواكٌ، وغَسل كفَّيه إن لَمْ يكنْ قَائمًا مِن نوم ليلٍ ناقضٍ لوضوء فيجب، والبداءة قبل [غسل] (¬2) وجهٍ بمضمضةٍ فاستنشاقٍ، ومبالغة فيهما لغير صائم، وتخليل لحية كثيفة، وأصابع، وتيامن، ودَلْك، وأخذ ماء جديد للأذنين، وغسلة ثانيةٍ وثالثةٍ، وكُره فوقها. فصلٌ [في المسح على الخُفَّين] يصح المسحُ على خُفِّ ونحوه، مُباحٍ سَاترٍ لفرض، يثبُت بنفسه، وعلى عِمامةٍ مُحنَّكةٍ، أو ذاتِ ذُؤابَة ساترة للمُعتاد لرَجُل، وخُمُر (¬3) نساء مُدارَة تحت حُلوقِهنَّ، في حدثٍ أصغر يومًا وليلة لمقيم، وثلاثة بلياليهن بِسَفر قَصْرٍ. وعلى جَبِيرةٍ لم تتجاوز قَدر حَاجةٍ ولو في أكبر، إلى حَلِّهَا (¬4)، إذا لبس الكلَّ بعد كمال طهارةٍ بماءٍ. ومَنْ مَسَحَ فى سفرٍ ثم أقام أو عكسه: فمسحُ مُقيم، فيمسحُ ظاهرَ عمامةٍ، وظاهرَ قدمِ خفِّ من أصابعه إلى ساقه دون أسفله وعقبه. ومتى ظهر بعضُ محلِّ فرضٍ بعد حدثٍ أو تمت مُدَّته استأنف الطهارةَ. ¬

_ (¬1) أي: يُباح للمتوضئ مُعِينٌ يُقرِّب ماء وضوئه أو غُسله، أو يصبُّه عليه. (¬2) زيادة من (أ) و (ج). (¬3) جمع خِمار، وهو: ثوب تغطِّي به المرأةُ رأسَها. (¬4) أي أن المسح على الجبيرة يمتد إلى حلِّها، أي: نزعها.

باب نواقض الوضوء

باب نواقض الوضوء يَنقضه: خارجٌ من سَبيلٍ، وكذا من باقي البدن إنْ كان بولًا أو غائطًا أو كثيرًا نجسًا غيرهما كقيءٍ ودم. وزوالً عقلٍ ولو بِنومٍ إلا يسيرًا من قاعدٍ وقائمٍ غير مستندٍ، ونحوه. ومسُّ فرجٍ بيدٍ، أو الذَّكَرِ بِفَرْجٍ غَيرِه (¬1). ولمسُ ذكرٍ أو أنثى الآخرَ لشهوةٍ، لا مَنْ دُون سبعٍ، ولا مسُّ شعرٍ أو ظُفر، أو أمردَ، ولا مع حائلٍ، ولا ممسوس فرجُه أو بدنُه ولو وَجَد شهوةً. وينقضُ: غَسلُ ميِّت، وأكلُ لحمِ إبلٍ خَاصَّة. وكلما أوجب غُسلًا سوى موتٍ أوجب وضوءًا. ومَنْ تيقَّن طهارةً، وشَكَّ في حَدثٍ أو عكسه بَنَى على يَقينه. ويحرم بحدثٍ صلاةٌ، وطوافٌ، ومسُّ مصحفٍ، وبعضِه بِلا حَائلٍ، ولهُ حملُه بِلا مسٍّ، وتصفَّحُه بكُمِّه وبِعُودٍ. ¬

_ (¬1) أي: أنه يَنقضُ الوضوءَ مَسُّ الذَّكر بِفَرْجٍ غيره، أي: غير الذَّكر، وهو: قُبُل الأنثى أو دُبر مطلقًا بلا حائل؛ لأنَّه أفحش مِنْ مسِّه باليد.

باب الغسل

باب الغُسل (¬1) يُوجبه: خروجُ منيٍّ بلذَّةٍ، ومِن نائمٍ مطلقًا، وإن (¬2) انتقل ولم يَخرج اغتسل [له] (¬3)، ولا يُعاد بخروجه بعدُ بِلا لذَّةٍ. وتغييبُ حشفةٍ أصليةٍ في فَرْجٍ أصلي، ولو دُبرًا، أو مِنْ بَهيمةٍ أو ميتٍ. وإسلامُ كافرٍ. وَمَوْتٌ. وحيضٌ ونِفاسٌ، لا ولادةٌ عاريةٌ عن دمٍ. ومَنْ لَزمهُ غُسلٌ حَرُمَ عليه قراءةُ آيةٍ فَأكثرَ، ولبثٌ بِمسجدٍ بِلا وُضوءٍ، ولهُ المرورُ به، وقولُ مَا وافقَ قُرآنًا ولمْ يَقصدهُ كَالبَسملة وَالحَمدلَةِ. [الأغسال المستحبة] ويُسنُّ غُسلٌ لجمعةٍ وَعيدٍ، ومِنْ غَسْلِ ميتٍ وَإِفاقةٍ من جنونٍ وإغماءٍ بِلا إنزالٍ، ولكُسوفٍ وَاسْتسقاءٍ وَإحْرامٍ و (¬4) دخولِ مَكَّةَ، وطوافِ إفاضةٍ ووداعٍ، ووقوفٍ بعرفةَ ومبيتٍ بِمزدلفةَ، ورميِ جِمارٍ. ¬

_ (¬1) الغسل شرعًا: استعمال ماء طهور مباح في جميع بدن المغتسل على وجه مخصوص. (¬2) في (ب): "فإن". (¬3) ليست في (الأصل) وهي مثبتة من بقية النسخ. (¬4) الواو ساقطة من (ب).

فصل [في صفة الغسل]

فصلٌ [في صفة الغسل] والغُسل الكامل: أن ينوي ثم يُسمِّي، ويغسل يديه ثلاثًا وما لوَّثه، ويتوضَّأ ويَحثي على رأسه ثلاثًا تَرويه (¬1)، ويعم بدنه غَسلًا ثلاثًا مُتيامنًا ويَدلُكه (¬2)، ويغسلُ قَدميه بموضعٍ آخر. والمُجزئُ: أنْ ينوي ويُسمِّي، ويعم بدنه غسلًا مرة. ويسنُّ وضوءٌ بمُدٍّ، واغتسالٌ بصَاعٍ (¬3)، وكُره إسرافٌ، وإنْ أسبغ بدونه أو نَوى بِغَسله الحَدثين أَوِ اسْتباحةَ الصَّلاة كَفَى. ويُسنُّ لجُنُبٍ غسلُ فَرجهِ، وَوُضوؤهُ لِنومٍ وَأَكْلٍ وَمُعاودةِ وَطْئٍ، ويُباح حَمَّامٌ مَعَ أَمْنِ مُحرَّمٍ. بابٌ [في التيمم] التَّيممُ (¬4) بدلٌ عن طهارةِ ماءٍ عندَ عجزٍ عنهُ شرعًا، فإذَا دخلَ وقتُ فرضٍ، أو أُبيح نَفْلٌ، وعُدم (¬5) الماءُ أو زاد على ثَمنه كثيرًا، أو خافَ باستعماله ضررَ ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ الخطية، وفى نسخةٍ خطية لـ"هداية الراغب": "يرويه". (¬2) قوله: "ويدلكه" ليس في (أ). (¬3) المُد: هو مقدار ملء الكفين المتوسطتين من غير قبضهما، والصاع: أربعة أمداد. (¬4) التيمم لُغَةً: الْقَصْدُ. وشرعًا: استعمال تراب مخصوص لوجه ويدين على وجه مخصوص. (¬5) نهاية السقط في (ج).

بدنِه أَوْ رَفِيقَه أَوْ بَهيمة محترمةً (¬1): تَيمَّمَ. ومَنْ وجدَ ماءً يكفي بعضَ طُهرهِ استعملهُ ثمَّ تيممَ. والجريحُ يغسلُ الصحيحَ، ويتيممُ لمَا يضرُّه الماءُ، مُرتَّبًا مُتواليًا في حدثٍ أصغرَ. ويجبُ طلبُ ماء في رَحْله وَقُرْبِهِ، ومِنْ رِفْقَتِه (¬2) وبدلالةٍ بِلا ضررٍ قبلهُ (¬3). فإنْ نسي قدرتَه عليه و (¬4) تيممَ أعادَ. ويتيممُ لكل حدثٍ، وَلِنجاسةٍ ببدنٍ تضره إزَالتُها ولو حَضَرًا، أو عُدم مَا يزيلها بعد تخفيفها ما أمكن، ولَا إِعادةَ. فإن عَدِمَ الماءَ والترابَ صلّى الفرضَ فقط على حَسب حاله، ولا يَزيدُ على ما يُجزئ، ولم يُعِدْ. ولا يَصحُّ تيممٌ إلا بترابٍ طَهورٍ مباحٍ (¬5) له غُبارٌ لَمْ يُغيِّره طاهرٌ غيرُه، ولو على لِبدٍ (¬6) ونحوه. ¬

_ (¬1) في (أ) "محترم". (¬2) في بقية النسخ: "رفيقه" والمثبت من (الأصل). (¬3) قبله: أي قبل التيمم، فالظرف متعلّق بقوله: "يجب طلب"، يعني: أنه يجب ما ذُكر من الطلب قبل التيمم. (¬4) في (ب): "أو". (¬5) قوله: "مباح" ليس في (ب). (¬6) في (ج): "البدن". واللبد: يُطلق على كل شعر أو صوف متلبد، وما يوضع تحت السرج، ويطلق أيضًا على نوع من البُسط.

فصل [في فروض التيمم ومبطلاته]

فصلٌ [في فروض التيمم ومبطلاته] وفروضُه: مسحُ وَجْههِ وَيَديهِ إلى كُوعَيه (¬1)، وتعيينُ نِية استباحةِ مَا يتيممُ لهُ من حَدَثٍ أو نجسٍ، وكذا ترتيبٌ ومُوالاةٌ في حدثٍ أصغرَ، وإنْ نَوى حدثًا أو نجسًا لم يجزئه عن الآخر، وإنْ نَواهما كَفى، وإنْ نَوى نَفلًا أو أطلق لم يُصَلِّ به فرضًا، وإنْ نواهُ صلَّى كلَّ وقتِه فُرُوضًا ونوافلَ (¬2). ويبطلُ تَيمُّمه بخروجِ وقتٍ، ومبطلِ ما تيممَ له، ووجودِ ماءٍ ولوْ في صلاةٍ لَا بعدها. والتيممُ آخرَ الوقت لِرَاجي الماءِ أَوْلى. [صفة التَّيمم] وصفتُه: أنْ يَنوي ثمَّ يسمِّي، ويضرب الترابَ بيديه مُفرجتي الأصابع [بعد نزعِ نحوِ خاتمٍ ضربةً، يمسحُ وجهه بِباطنِ أَصابعه] (¬3) وكفَّيه بِراحتيه وَيُخلِّل أصابِعَه. ¬

_ (¬1) مثنى كوع، وهو: ما يلي عظمة الإبهام عند الرسغ، وهو بخلاف المرفق كما تظنه العامة. انظر: "الزاهر" لأبي منصور الأزهري (ص 125). (¬2) قوله: "فروضًا ونوافل" ليس في (أ). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

باب إزالة النجاسة

بابُ إزالةِ النجاسة يجب لكل متنجِّس سبعُ غَسلاتٍ إنْ أنقتْ، وإلَّا فحتَّى تُنقي (¬1) بماءٍ طَهورٍ معَ حَتٍّ وقَرصٍ لحاجةٍ، وعصرٍ كلَّ مرة خارج الماء، فإنْ كانتْ من كلب أو خنزير وجب ترابٌ طَهورٌ أو نحوه كأشنان (¬2) يعمُّ المحلَّ مع الماء إلَّا فيما يضر، فيكفي مُسمَّاه. ويكفي في أرضٍ تنجَّست بمائعٍ غَسلةٌ تَذْهَبُ بِالنَّجاسةِ. ولَا تَطهرُ بشمسٍ وريحٍ ولا دَلْكٍ ولَا اسْتحالة (¬3) إلَّا خَمرةٌ تنقلب خَلًّا بنفسها. ولَا يَطهرُ دُهْنٌ بغسلٍ، ولا حُبٌّ (¬4) تَشربها أو سِكّين سُقِيَتْها (¬5). ويُجزئ في بولِ غلامٍ لم يأكلْ طَعامًا لشهوةٍ غَمرُه بِالماءِ. وإنْ خَفي موضعُ نجاسةٍ غُسل حتَّى يُتيقنَ زَوالها. ويُعفى عن يسيرِ دمٍ وقَيحٍ وَصَديدٍ بِثوبٍ أَوْ بدنٍ من حيوانٍ طاهرٍ، وعن أثرِ ¬

_ (¬1) في (أ): "ينقي". (¬2) الأشنان -بضم الهمزة وكسرها-: شجر ينبت في الأرض الرملية، يُستعمل في غسل الثياب والأيدي. (¬3) في (ب): "الإستحالة". (¬4) الحُب هو: الجرة من الفخار ونحوه. (¬5) وذلك بأن تُعالَج السكين وتُغمس في الماء النجس. انظر: حاشية ابن قاسم على "الروض المربع" (1/ 354).

اسْتجمارٍ بِمَحلِّه. ولا ينجس آدميٌّ ولا (¬1) مَا لا نفسَ له سَائلةٌ بموتٍ. وبولُ ما يُؤكلُ لحمُه وَرَوثُه ومَنيُّه ومَنيُّ آدميٍّ وعرقُه وريقُه: طاهرٌ. وكذَا سؤر هِرٍّ، ومَا دُونه خِلْقةً. وَسِباعُ البهائمِ، والطيرُ ممَّا فوق الهِرِّ، والحمارُ الأهليُّ، والبغلُ منه، وعرقُه وريقُه، وكلُّ مُسْكرٍ: نجسٌ. * * * ¬

_ (¬1) قوله: "لا" ليس في (ج).

باب [في الحيض والنفاس]

بابٌ [في الحيض والنفاس] الحيضُ (¬1) يَمْنَعُ الغُسلَ لهُ، وَالوضوءَ، وَالصلاةَ، وَوجُوبَها، وفعلَ صومٍ وطوافٍ واعتكافٍ، ووطئًا في فَرْجٍ، إلَّا لمن به شَبَقٌ (¬2) بشرطه (¬3)، ويجبُ به دينارٌ أو نصفُه كفارةً، ويَستمتع منها بما دُون فرجٍ. وإذا انقطع لم يُبَح قبل غُسلٍ غيرُ صومٍ وطلاقٍ. وتَقْضي الصومَ لَا الصلاةَ. ولَا حيضَ قبلَ تسع سِنين، ولَا بعدَ خمسينَ سنةٍ، ولَا معَ حملٍ، وأقلُّه: يومٌ وليلةٌ، وَأكثرُه: خمسةَ عشرَ، وغالبُه: ستٌّ أو سبعٌ. [الإستحاضة] وإنِ استُحيضت مَنْ لها عادة بأنْ جاوزَ دمُها أكثرَ الحيض جَلَسَتْها إنْ عَلمتْها. وصُفرةٌ وكُدرةٌ زمنَ عادةٍ: حيضٌ. ومَنْ حَدثُه دائمٌ يغسلُ محلَّه ويشدُّه ويتوضأ لوقتِ كلِّ صلاةٍ. ¬

_ (¬1) الحيض لغة: السيلان، تقول: حاض الوادي إذا سال. وشرعًا: دمُ طبيعةٍ وجبّله يُرخيه الرحم، يعتاد الأنثى إذا بلغت في أوقات معلومة. (¬2) الشبق: شدة الشهوة للنكاح. (¬3) قوله: "بشرطه" ليست في (ج).

[النفاس]

ولَا تُوطأ مُستحاضة إلا لخوفِ عَنَتٍ (¬1)، ويُستحبُّ غُسلها لكلِّ صلاةٍ. [النفاس] وأكثرُ النفاس (¬2) أربعون يومًا، ولا حدَّ لأقله، فإنْ طهرتْ فيها تطهَّرت وصلَّتْ، ويُكره وَطؤُها فيها، فإنْ عادَ الدمُ فيها فمشكوكٌ فيه، تصومُ وتصلِّي وتقضي الصومَ المفروضَ (¬3)، وهو كحيضٍ فِيما تقدَّم. * * * ¬

_ (¬1) أي: لخوف الوقوع في الزنى ونحوه. (¬2) النفاس لغة: من التَّنفس، وهو الخروج من الجوف، أو مِنْ نفَّس الله كربته، أي: فرّجها. وشرعًا: دمٌ يرخيه الرحم مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع أمارةٍ على الولادة كالتَّألُّم. (¬3) في (ب): "وتقضي الفروض"!!.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (¬1) تجبُ على مُكلَّفٍ غيرِ حائضٍ ونفساءَ. فيقضي نائمٌ ومغمىً عليه ونحوه أَفاقَ، ولا تصحُّ من مجنونٍ ولا كافرٍ وإنْ (¬2) صلَّى أو أذَّن فمسلمٌ حُكْمًا. ويُؤمرُ صغيرٌ بها لسبع، ويُضربُ عليها لعشرٍ، وعلى وليِّه تعليمُه إيَّاها والطهارةَ ومَا يحتاجُه لًدِينه كَإصلاحِ مَالِه، وإنْ بلغَ في وقتِها أَعادها، ويحرمُ تَأخِيرُها عَنْ وقتِ الجوازِ إلَّا لِناوي الجَمع، أو بمُشتغل (¬3) بشرطٍ لها يحصِّله قريبًا. ومَنْ جَحَد وُجوبَها كفرَ، وكذا تاركُها كسلًا إذا دعاه إمامٌ أو نائبهُ وأَبَى (¬4) حتَى تَضايقَ وقتُ الثانية عنها، ويُستتابان ثَلاثًا. فصلٌ [في الأذان والإقامة] والأذانُ والإقامةُ فَرْضَا (¬5) كفايةٍ للخمس على رجالٍ مُقيمِين، فيُقاتَل أهلُ ¬

_ (¬1) الصلاة لُغَة: الدُّعَاءُ. وشرعًا، هي: أقوال وأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم. (¬2) في (ب) و (ج): "فإن". (¬3) كذا في جميع النسخ، والأظهر أن تكون باللام: "لمشتغل". قاله في: "هداية الراغب" (ص 97 ط. مخلوف). (¬4) في (ب) و (ج): "فأبى". (¬5) في (ج): "فرض".

بلدٍ تَركوهما، وتَحرمُ أُجرتهما لا رِزْقٌ من بيتِ المَالِ لِعَدم مُتطوِّعٍ. ويُسنُ كون مؤذِّن صَيِّتًا (¬1) أمينًا عالمًا بوقت الصلاة (¬2)، فإن تَشاحَّ (¬3) فيه اثنان قُدم أفضلهما في ذلك، ثمَّ في دين وعقل، ثم مَنْ يختاره أكثرُ الجيران، ثم قرعةً. وهو خمسَ عشرةَ جملةً، يُرتِّله على عُلُوٍّ متطهرًا، مستقبلَ القبلةِ، جاعلًا سَبَّابَتيه في أُذنيه، [و] (¬4) يَلتفتُ يمينًا لـ "حيَّ على الصلاةِ"، وشمالًا لـ "حيَّ على الفلاحِ"، ولا يُزيلُ قَدميهِ، ويقولُ بعدهما في أَذان الصُّبح: "الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّومِ" مرَّتين. والإقامةُ إحْدى عشرةَ يَحدُرها (¬5)، ويقيمُ مؤذِّنٌ في مكانه إنْ سَهُلَ، ولَا يُجزئ إلَّا مِنْ ذَكَرٍ عَدْلٍ مُرتَّبًا مُتَواليًا ولو مُلحّنًا وَمَلْحونًا (¬6) ويُكره، ويجزئُ مِنْ مُميِّزٍ. ويُبطلهما فصلٌ كثيرٌ (¬7)، وكلامٌ محرمٌ، ولا يجزئُ قبلَ وقتٍ إلَّا لفجرٍ بعدَ نصفِ ليلٍ. ومَنْ جمعَ أَوْ قضَى فَوائتَ أذَّن لِلأُولى، ثمَّ أقامَ للكلِّ. ¬

_ (¬1) أي: رفيع الصوت. (¬2) قوله: "الصلاة" مُستدركة من هامش (الأصل) وكُتب تحتها "صح" أي أنها من المتن، وليست في بقية النسخ. (¬3) أي: تنازع. (¬4) زيادة من (ج). (¬5) أي: يسرع فيها. (¬6) ملحنًا أي: مُطربًا به، وملحونًا أي: فيه خطأ لُغوي لا يُغيّر المعنى. (¬7) في (أ): "كبير".

وتُسنُّ مُتابعتهما سرًا بمثله إلَّا في الحَيعلة (¬1)، فيقولُ: "لا حول ولا قوة إلا بالله" وفي لفظ الإقامة: "أقامها الله وأدامها"، وفي التثويب (¬2): "صدقت وبَرِرْت" ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فراغه، ويقول: "اللَّهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته" (¬3). ويحرمُ بعده إن أُذنَ وهو في المسجد خُروجٌ منه بلا عذرٍ. * * * ¬

_ (¬1) الحيعلة: هي قول: حي على الصلاة وحي على الفلاح. (¬2) التثويب: قول: الصلاة خير من النوم. (¬3) رواه البخاري (614) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -.

باب شروط الصلاة

بابُ شروطِ الصلاة منها: الطَّهارةُ، وتقدمتْ. ومنها: الوَقْتُ، فوقت الظهر من الزوال إلى مساواة الشاخص ظِلَّه بعد ظِل الزَّوال، وتعجيلُها أفضل إلَّا في شدة حرٍّ حتى ينكسر، ولو صلَّى وحده أو مع غيم لمن يصلي جماعةً. ويليه وقتُ العَصرِ إلى مَصيرِ الظِّل مِثْليه بعد ظلِّ الزَّوال، ووقتُ الضرورةِ إلى غروبها، ويُسن تعجيلُها مطلقًا. ويليه وقتُ المغرب إلى مغيب الحُمرة، ويُسن تعجيلها إلا ليلةَ مُزدلفةَ لمَنْ قصدها مُحْرِمًا. ويليه وقتُ العشاء إلى ثُلث اللَّيل، وتأخيرُها أفضلُ إِنْ سهُل، ثمَّ هو وقتُ ضرورةٍ إلَى الفجرِ الثاني، وهو البياض المعترض بالمشرق. ويليهِ وقتُ الفجر إلى طلوع الشمس، وتعجيلُها أفضل. ويُدْرَكُ أَدَاءُ صَلاة بإحرَامٍ في وَقْتِهَا. ومَنْ شكَّ في دخول وقتٍ لم يُصلِّ حتى يَغْلِب على ظنِّه دخولُه باجتهادٍ أو (¬1) إخبارِ عارفِ، وإنْ تبيَّن أنه قَبْلَه أعادَ، ومَنْ صار أهلًا قبل خروج وقتها لزمته، وما يُجمع إليها قبلها. ¬

_ (¬1) في (ب): "و".

ويجبُ قضاءُ فائتةٍ فأكثرَ فورًا مُرتبًا إلَّا إذا نَسيه أو خَشي خروجَ وقتِ اختيارٍ (¬1). ومنها: سترُ العورة، فيجبُ بما لا يَصِفُ البشرةَ. وعورةُ رَجُل وأَمَةٍ: ما بين سُرَّة ورُكبة، والحرَّة البالغةُ: كلُّها عورةٌ في الصلاة إلا وجهَها. وسُنَّ (¬2) صلاةُ رجل في ثَوبين، ويُجزئُه في نفلٍ سترُ عَورته، وفي فرضٍ سترُها مع أحدِ عَاتِقيه (¬3)، وصلاتُها في قميصٍ وخمارٍ وَمِلحفةٍ، ويُجزئ سترُ عَورتها. وإنِ انكشفَ بعضُ عورةٍ، وفَحُشَ وطال أو صلَّى في ثوبٍ محرَّم عليه أو نجسٍ: أعادَ، ويُصلي في حريرٍ لعدمٍ (¬4)، ومَنْ حُبس بنَجسٍ (¬5) ولا يُعيد. ومَنْ وَجَدَ كِفَايةَ عَوْرته ستَرَهَا، وإلَّا فَالفرجينِ، فإنْ كَفى أَحَدَهما فَالدُّبرُ أَوْلى، ويُصلي جَالسًا نَدْبًا يُومئ (¬6)، ومَنْ أُعِيرَ ستْرةً قَبِلها. وتصلي العراةُ جَمَاعةً وإمامُهم وسطًا وجوبًا، وكلُّ نوعٍ وحده (¬7). ويُصلِّي عارٍ قاعدًا بِالإيماء نَدبًا، وإنْ وجدَ سُترةً قريبةً فِي الصَّلاةِ سَترَ ¬

_ (¬1) في (ج): "اختياره". (¬2) في (أ): "ويسن". (¬3) في (ب): "وفي فرض ستر أحد عاتقيه". (¬4) أي: لعدم ثوب غير الحرير. (¬5) أي: حُبس بمكان نجس. (¬6) في (ج) "ويومئ". (¬7) أي: الرجال على حدة، والنساء على حدة.

وبَنى وإلَّا ابْتدأ (¬1). ويُكْره في صلاةٍ: سَدلٌ (¬2)، واشتمالُ الصَّماءِ (¬3)، وتغطيةُ وجهٍ، وتلثُّمٌ على فمٍ وأنفٍ، ولفُّ كُمٍّ، وشدُّ وَسطٍ كزِنَّارٍ (¬4). وتحرمُ: خُيلاءُ في ثوبٍ وغيره، وتصويرٌ واستعمالُه في غير فرشٍ وتوسُّدٍ، وعلى ذَكَرٍ ما غالبه حريرٌ ظُهورًا، و (¬5) مَنسوجٌ بذهبٍ أو فضةٍ قبلَ اسْتحالةٍ (¬6). ويباحُ ما سُدِّي بِإِبْريسم وَأُلحمَ بِغيرهِ، وَخَالصٌ لحكَّةٍ وحرْبٍ وقَمْلٍ ومَرَضٍ، وَحَشوٍ وعَلَمِ ثَوبٍ (¬7) ورِقاعٍ وسَجفٍ (¬8) لا فوقَ أَرْبعَ أَصابعٍ مَضْمومةٍ. ¬

_ (¬1) ابتدأ، أي: يقطع صلاته، ويبدأ الصلاة من جديد. (¬2) السدل هو: طرحُ ثوب على كتفيه، ولا يرد طرفه على الأخرى، قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 320): "هو أن يلتحف بثوبه، ويُدخل يديه من داخل، فيركع ويسجد وهو كذلك". اهـ. وقيل: هو الإسبال. وانظر: "تحفة الأحوذي شرح الترمذي" (2/ 393)، و"فيض القدير"، للمناوي (6/ 387 - 388). (¬3) اشتمال الصماء: أن يجلل الرجل جسمه كله بالثوب دون أن يترك ليديه أو رجليه منفذًا يخرجها منه. (¬4) الزِّنَّار: خيط غليظ تشده النصارى على أوساطهم. (¬5) في (ب) و (ج): "أو". (¬6) أي: قبل أن يتحوَّل من حالة الذهب والفضة إلى حالةٍ أخرى بسبب النار ونحوها. (¬7) عَلَم الثوب: رسم الثوب، وعلمه: رقمه في أطرافه، وقد أَعْلَمَه: جعل فيه علامةً. انظر: "لسان العرب" (12/ 420). (¬8) السَّجَفُ: الستر، هذا هو الأصل ثم استُعير لما يُركَّب على حواشي الثوب. انظر: "تاج العروس" (12/ 262).

وَكُرهَ لِرَجُلٍ مُعَصْفَرٌ (¬1) فِي غيرِ إِحْرامٍ، ومُزعفرٌ. ومنها: اجتنابُ نجاسةٍ لا يُعفى عنها، فمَنْ حَمَلَها أوْ لاقَاها (¬2) بِبدنِه أوْ ثوبِه لَمْ تصحَّ صلاتُه، وإنْ طيَّن (¬3) أرضًا نجسةً أَوْ فَرشها صَفِيقًا طاهرًا صحَّت وكُره، وتصحُّ على طاهرٍ بِطَرَفه نجاسةٌ لا إنْ تَعلَّق به نجسٌ يَنْجَرُّ بِمشيهِ، ومَنْ وَجَدَ به نجاسةً بعد صلاته وعلمَ أنَّها كانتْ فيها لكنْ نَسي ونحوه: أعادَ، وإلا فلَا. ومَنْ جُبِر عَظْمُهُ أوْ خِيط جُرحُه بِنجسٍ لَمْ يجبْ إِزالتُه معَ ضررٍ. ومَا سقطَ منهُ مِنْ عُضوٍ أَوْ سنٍّ طاهرٍ. ولا تصحُّ صلاةٌ في مقبرةٍ وحمَّامٍ وَعطنِ إبلٍ وحُشٍّ وَمجزرةٍ وَمَزبلةٍ وَقَارعةِ طَريقٍ وَأَسطحتِها وَمَغصوبٍ، وَتُكرهُ إليها. ولا تصحُّ فريضةٌ في الكعبةِ، ولا على ظهرها، والحِجرِ منها، وتُسنُّ النافلةُ فيهما. ومنها: استقبال القبلة، فلا تصح بدونه إلا لعاجزٍ ومسافرٍ متنفِّلٍ، ويفتتح الصلاة إليها إن لم يشُقَّ، ويركع ويسجد أيضًا إليها ماشٍ. ومَنْ قَرُب من الكعبة ففرضُهُ إصابةُ عينها، ومَنْ بَعُدَ جِهتِها. ويعمل بخبرٍ عن يقينٍ، ومحرابٍ إسلامي، ويَستدلُّ عليها في السَّفَر بالقُطْبِ وغيره. ¬

_ (¬1) المعصفر: الثوب المصبوغ بنبات العُصفر، وهو نبات بري تُصبغ به الثياب. (¬2) لاقاها أي: باشر النجاسة ببدنه أو ثوبه. (¬3) طيَّن أرضًا: أي كساها بالطين، وصلى على هذا الطين الذي كُسيت به.

ولا يتبعُ مجتهدٌ مجتهدًا خالَفَهُ، ولا يَقتدي به، ويَتْبع مقلِّدٌ الأوثقَ عنده. ومَن صَلَّى بلا اجتهادٍ ولا تقليدٍ مع قدرةٍ: أعاد وإلَّا تحرَّى وصَلَّى. ويجتهدُ عارفٌ لكلِّ صلاةٍ، ويَعمل بالثاني، ولا يقضي ما صلَّى بالأول. ومنها: النيَّة، فيُعتبر أن ينوي عين ما يُصلِّيه (¬1) من نحو ظهرٍ أو راتبةٍ، ولا يُشترط نية فرضٍ ولا أداءٍ ولا ضدهما في ذلك. وينوي مع التحريمةِ أو قَبلها بِيَسير في الوقت، وإن قطعها أو تردَّد فيه (¬2) بطلتْ. ويجوز قلبُ فَرضِه نفلًا إنِ اتَّسع وقتُه، وكُره بلا غرضٍ. وينوي إمامٌ ومأمومٌ حالَهما، فإنْ نوى منفردٌ الإمامةَ أو الإئتمامَ لم يصحَّ. وتبطل إنِ انفرد بلا عذرٍ يبيحُ تَركَ جَماعةٍ، وصلاةُ مَأمومٍ بِبطلانِ صلاةِ إِمامِه. ولإمامٍ أنْ يَستخلفَ لمرضٍ وحَصْرٍ عن واجبٍ، ويَبني الخليفةُ على صلاةِ إمامِه. وإنْ أحرمَ الراتبُ بمَنْ أحرمَ بهم نائبُه وعادَ النائبُ مُؤتمَّاً صحَّ. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "ما يصلي". (¬2) أي: تردد في قطع النية.

باب صفة الصلاة

بابُ صِفَةِ الصَّلاة يُسن قيامُ إمامٍ فمأمومٍ رآه عند قول: "قد قامتِ الصلاة"، وتسويةُ صفٍّ (¬1)، وقُرْبِه (¬2) مِنْ إمامٍ. ويقولُ: "الله أَكْبر" قائمًا رافعًا يديه إلى حَذْو مَنْكِبَيه مضمومةَ الأصابع ممدودةً، ويُسمعه إمامٌ مَنْ خَلْفَه كتسميعٍ (¬3) و (¬4) تسليمةٍ أَوْلى، وقراءةٍ في أُولتي غيرِ الظهرين، وغيرهُ نفسَه (¬5). ثمَّ يقبض كُوعَ (¬6) يُسراهُ، وَيجعلُهما تحتَ سُرَّته، وينظرُ مَسْجِدَه (¬7) ثمَّ يقول: "سُبحانك اللَّهمَّ وبحمدك، وتَبَارَكَ اسمك، وتعالى جَدُّكَ، ولا إله غيرك" (¬8)، ثمَّ يستعيذُ، ثمَّ يُبسمل سرًا -وليستْ مِنَ الفاتحة-، ثمَّ يقرأ ¬

_ (¬1) في (ب): "الصف". (¬2) في (ج): "لقربه". (¬3) التسميع قول: "سمع الله لمن حمده"، أي: يُسن أن يسمعها الإمامُ مَنْ خلفه. (¬4) الواو ليست في (أ). فتكون العبارة عنده: "كتسميع تسليمة أولى". (¬5) أي: وغير الإمام كالمأموم والمنفرد يُسر ولا يجهر إلا بقدر ما يُسمع نفسه، وله الجهر في حالات مبينة في كتب الفقه. (¬6) الكوع: طرف العظم الذي يلي رسغ اليد المحاذي للإبهام، وقد تقدّم (ص 54). (¬7) أي موضع سجوده. (¬8) رواه أبو داود (776)، والترمذي (243)، وابن ماجه (806) من حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، وللحديث طرق أخرى عن أبي سعيد الخدري وجابر وأنس - رضي الله عنهم -. وحسَّنه الحافظ ابن حجر من طريق أبي سعيد في "نتائج الأفكار" (1/ 406).

الفاتحةَ مُرتبةً مرتلةً مُتواليةً (¬1)، فإنْ قطعها بِذِكْرٍ أو سكوتٍ غير مشروعٍ وطال، أو تركَ منها تشديدةً أو حَرْفًا: أعادها غيرُ مأمومٍ. ثم يقول: "آمين" جهرًا في جهرية، ثم يقرأ سورةً تكون في الصُّبح من طوال المفصَّل، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه (¬2). ولا تصحُّ بقراءةٍ تخرج عن مصحفِ عُثمانَ. ثمَّ يركع مُكبرًا رافعًا يديه، ويجعلهما على ركبتيه مُفرجتَي الأصابعِ، ويُسوِّي ظهرَه ورَأسَه بِحِيالِه، ويقول: "سبحان ربي العظيم" وأدْنَى الكمالِ ثلاثٌ. ثم يرفع رأسه ويديه (¬3) قائلًا إمامٌ ومنفردٌ: "سَمِعَ الله لمن حَمِدَه" وإذا قاما: "ربنا ولك الحمد ملء السماء (¬4) وملء الأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد"، ومأمومٌ في رفعه: "ربنا ولك الحمد" فقط. ثم يَخِرُّ مكبرًا ساجدًا، يضع ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، ويكون على أطرافِ أصابعِ رِجْليه، ويُجافي عَضُدَيه عن جنبيه، وبَطْنَه عن فَخِذيه، وهما عن ساقيه، ويُفرِّق رُكبتيه، ويُكره تركُ مباشرة الجبهة ¬

_ (¬1) في (أ): "متوالية مرتلة". (¬2) قسَّم العلماء: القرآنَ إلى أربعة أقسام: الطوال، والمئين، والمثاني، والمفصَّل. والمفصَّل قُسِّم إلى ثلاثة أقسام: طوال المفصل: ويبدأ من "الحجرات" وقيل "ق" إلى "البروج"، وأوساط المفصل ويبدأ من "الطارق" إلى "البينة"، وقصار المفصل ويبدأ من "الزلزلة" إلى آخر المصحف. انظر: "مناهل العرفان"، للزرقاني (1/ 314). (¬3) في (أ): "وبدنه". (¬4) في (ج): "السماوات".

بالمُصلَّى بلا عذرٍ، ويقول: "سبحان ربي الأعلى" وأَدْنى كَمالِه (¬1) ما سبق. ثمَّ يرفعُ مكبرًا، ويجلسُ مُفترشًا يُسراه نَاصبًا يُمناه، ويقولُ: "رب اغفر لي" ثلاثًا، ثم يسجد الثانية كالأُولى. ثم ينهض مُكبّرًا قائمًا على صُدورِ قَدميه مُعتَمِدًا على رُكبتيه إنْ سهُل، فيصلِّي الثانية كذلك غيرَ التَّحريمة والإستفتاح والتعوُّذ إنْ تعوَّذ في الأولى. ثمَّ يجلسُ مُفترشًا، ويداهُ على فَخذيه قَابضًا خِنصر يمناه وبِنصرها (¬2) مُحلِّقًا إبهامها مع الوسطى، مشيرًا بِسَبَّاحَتِهَا (¬3) عند ذِكْرِ الله، ويَبْسُط اليسرى ويقولُ: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" (¬4) وهو التشهد الأول، ثمَّ إن كانت الصلاة ثُنائيَّة قال: "اللَّهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أعوذ بالله مِنْ عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال". ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "كمالِ". (¬2) الخنصر: الأصبع الصغرى في طرف الكفِّ، والبنصر: الذي يلي الخنصر، ويكون بينه وبين الوسطى. (¬3) السبَّاحة: هي الأصبع السبابة، وسُميت سباحة؛ لأنه يُشار بها للتوحيد الذي هو رأس التسبيح والتنزيه. (¬4) رواه البخاري (831)، ومسلم (16/ 402) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

فصل [في مكروهات الصلاة وسننها]

ثم يقول عن يمينه: "السلام عليكم ورحمة الله"، وعن يساره كذلك، وإن كان في ثُلاثيَّة أو رباعيَّة قام مُكبِّرًا بعد التشهد الأول وصلَّى ما بقي كالثانية بالفاتحة فقط، ثم يجلس مُتورِّكًا (¬1) للتشهد الأخير، وكذا المرأة ولكن تضمُّ نفسَها وتسدلُ رِجْليها في جانب يمينها في جُلوسها (¬2). فصلٌ [في مكروهات الصلاة وسننها] كُره في صلاةٍ: التفاتٌ، ورفعُ بصرٍ إلى السَّماء، وإقعاءٌ (¬3)، وافتراش ذِراعيه ساجدًا، وعَبَثٌ، وتَخصُّرٌ (¬4)، وتروُّحٌ (¬5)، وفرقعةُ أصابع وَتَشبيكُها، وكونُه حَاقِنًا (¬6) ونحوُه، أو بِحضرته (¬7) طعامٌ يَشْتهيه، وتكرارُ الفاتحة لا جمعَ سُورٍ (¬8) في فرضٍ كنفلٍ. وسنَّ له: ردُّ مارٍّ بين يديه، وصلاتُه إلى سُترةٍ مرتفعةٍ قريبَ (¬9) ذراعٍ، فإنْ لم يجدْ خَطَّ كَالهلالِ. ¬

_ (¬1) التوَّرك: أن يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، ويخرجها عن يمينه، ويجعل أليتيه على الأرض. (¬2) في (أ): كلمة "في جلوسها" قبل قوله: "وتسدل .. ". (¬3) الإقعاء: أن يُلصق الرجل أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض كما يُقعي الكلب. (¬4) في (أ): "وتحصر" -بالحاء المهملة-، والمثبت من (ب). والتخصر: وضع اليدين على الخاصرة. (¬5) أي تروحه بمروحة ونحوها. (¬6) الحاقن: محتبس البول. (¬7) في (ب): "أو بحضرة طعام". (¬8) في (ب): "السور"، ومعناه: أنه لا تُكره قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة. (¬9) في (أ): "قرب".

فصل [في أركان الصلاة وواجباتها]

وله عَدُّ الآيِ بِأَصابعه، والفتحُ على إِمامِه، ولُبْسُ ثوبٍ وعِمامةٍ، وقتلُ حيةٍ وعقربٍ ونحوه ما لم يَطُل، وإذا نابه (¬1) شيءٌ سبَّح رجلٌ، وصفَّقتِ امْرأةٌ ببطنِ كفِّها على ظهر الأخرى. وتبطلُ بمرور كلبٍ أسودَ بهيمٍ (¬2) بينَ يديه. فصلٌ [في أركان الصلاة وواجباتها] أركانها: القيامُ في فرضٍ لغير معذورٍ (¬3)، والتحريمةُ، والفاتحةُ، والركوعُ، والإعتدالُ عنه، والسجودُ، والرفعُ منه، والجلوسُ بين السجدتين، والطُّمَأنِينةُ في الكلِّ، والتشهدُ الأخيرُ، وجلوسٌ له، وللسلامِ، والترتيبُ، والتسليمُ. وَواجِباتُها: تكبيرُ الإنتقالِ، والتسميعُ والتحميدُ، و (¬4) مرَّةٌ أُولى في تَسبيح رُكوعٍ وسُجودٍ، و"رب اغفر لي" بين السجدتين، وتشّهدٌ أولٌ وجلستُه. وما سوى ذلك مما تقدم سُنن لا يُشرع لتركه سجودٌ، وإن سجَدَ فلا بأسَ. وإنْ ترك واجبًا عمدًا بطلتْ، وسَهْوًا سجدَ لهُ. ¬

_ (¬1) أي: إذا عرض له في الصلاة شيءٌ. (¬2) قوله: "أسود بهيم" موجود في (أ) ولكن مضروب عليها. (¬3) قوله: "في فرض لغير معذور" موجود في (أ) ولكن مضروب عليها. (¬4) الواو ساقطة من (ج).

باب سجود السهو

بابُ سُجودِ السَّهْو يُشرع لزيادةٍ ونقصٍ وشكٍّ، لا عمدًا في فرضٍ ونفلٍ (¬1)، فمن (¬2) زاد فِعلًا مِنْ جِنْسها قيامًا أو قعودًا أو ركوعًا أو سجودًا عمدًا بطلتْ (¬3)، وسَهْوًا سجدَ لهُ. وإنْ زاد ركعةً فأكثر سهوًا سَجَد، ومتى ذَكَر (¬4) رجع وتشهَّد إنْ لم يكن تشهَّد وسجدَ وسلَّم، وإنْ نبَّهه (¬5) ثِقتانِ فلم يرجع بطلتْ صلاتُه إنْ لَمْ يَتيقنْ صوابَ نفسِه كمتَّبعهِ عَالمًا دون مَنْ فارقَه أو تَبِعهُ ناسيًا، ولا يعتدُّ بها مَسْبوقٌ. وعملٌ مستكَثرٌ عُرفًا مُتوالي من غير جنس الصلاة يُبطلها عمدُه وسهوُه. ولَا تبطلُ بيسير أكلٍ أو شربٍ (¬6) سهوًا، ولا نفلٌ بيسيرِ شربٍ ولَوْ عمدًا. وإن أتى بقولٍ مشروع في غير موضعه كقراءةٍ في ركوعِ ونحوه، وتشهدٍ في قيام لم تبطل بعمده، ونُدب السُّجود لسهوه. ¬

_ (¬1) قوله: "في فرض ونفل" متعلق بـ"يُشرع"، أي: يشرع في فرض ونفل. (¬2) في (أ) و (ج): "فمتى". (¬3) نقل المصنف في "الروض المربع" (2/ 418) الإجماع على بطلان صلاة مَنْ تعمَّد الزيادة في الصلاة. (¬4) أي، متى ذكر أنه زاد قبل فراغه من الزيادة. (¬5) في (ب): "نبه". (¬6) في (ب): "وشرب".

وإنْ سلَّم قبل إتمامها عمدًا بطلتْ، وسهوًا وذكرَ قَريبًا أتمَّها وسجدَ. وإنْ تكلَّم هنا (¬1) أو في صُلبها أو قَهْقَهَ (¬2) أو نفخ أو تنحنح بلا حاجةٍ ونحوه فبانَ حرفانِ بطلتْ. فصلٌ وإن ترك ركنا (¬3) فذكره بعد شروعه في قراءة ركعةٍ أخرى بطلتِ المتروكُ رُكنُها، وقبله يعود فيأتي به وبما بعده، وبعد السلام (¬4) فَكَتَرْكِ ركعة. وإن نسي التشهدَ الأولَ لَزِمَه أن يرجعَ قبل أنْ يستتمَ قائمًا، وكُره بعده، وحَرُم إنْ شرعَ في القراءة وبطلتْ. ويرجع لتسبيحِ ركوعٍ وسجودٍ قبل اعتدالٍ لا بعدَه، وعليه السُّجودُ للكلِّ. ومَنْ شكَّ في ركنٍ أو عددِ ركعاتٍ بَنى علَى اليقينِ. ولا يسجد لشكٍّ (¬5) في واجبٍ، ولا مأمومٌ إلا تبعًا لإمامه، ويسجد مَسبوقٌ لِسَهوه. وسجودُ السَّهوِ لِمَا يُبطلها عمدُه واجبٌ. ومحلُّه قبل سلامٍ ندبًا إلَّا إذا سلَّم قبلَ إِتْمامها فبعدَه. ¬

_ (¬1) أي: بعد أن سلَّم سهوًا. (¬2) القهقهة: الضحك المصحوب بالصوت. (¬3) قال المصنف في "الروض المربع" (2/ 447): "فإن كان التحريمة لم تنعقد صلاته" اهـ. (¬4) أي: إن ترك ركنًا فذكره بعد السلام. (¬5) في (ب): "للشك". أي: لا يسجد المصلي لشكٍ في ترك واجب؛ لأنه شكٌ في سبب وجوب السجود، والأصل عدمه.

باب صلاة التطوع

وتبطلُ بتعمُّدِ تركِ ما قبلَ سلامٍ، وإنْ نسيهُ وسلَّم قضاه بعده إن قرُب، ومَنْ سها مرارًا كفاه سَجدتانِ. باب صلاة التطوع آكدُها كسوفٌ، فاستسقاءٌ، فتراويحَ، فوترٌ. [صلاة الوتر] ووقتُه بعد صلاة العشاء إلى الفجر، وأقلُّه ركعةٌ (¬1) وأكثرُه إحدى عشرة، مَثنى مَثنى، ويُوتر بِواحدةٍ. وأَدْنى الكمالِ ثلاثٌ (¬2) بِسَلامين، يقرأ بعد الفاتحة في الأولى بـ"سبِّح"، وفي الثانية بـ"الكافرين" (¬3)، وفي الثالثة بـ"الإخلاص". ويقنتُ فيها بعد الركوع ندبًا فيقول (¬4): "اللَّهمَّ اهدني فيمنْ هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن تَوَلّيت، وبَارِك لي فيما أعطيت، وقني شرَّ ما قضيت، إنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يَذِل مَنْ واليت، ولا يَعِزُّ مَنْ عاديت، تباركت ربَّنا وتعاليتْ (¬5). ¬

_ (¬1) في (أ): "ركعتان". (¬2) في (الأصل): "ثلاثًا"، والمثبت من بقية النسخ. (¬3) كذا في جميع النسخ الخطية، وفي مطبوعات "هداية الراغب": "بالكافرون" على الحكاية. (¬4) كذا في جميع النسخ الخطية، وفي مطبوعات "هداية الراغب": "ويقول". (¬5) رواه أبو داود (1425) من حديث الحسن بن علي - رضي الله عنها -.

اللَّهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك لا أحُصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك، اللَّهم صلِّ على محمدٍ" ويمسح وَجْهه بيديه. وكُره قنوتٌ في غير وترٍ. والتراويح عشرون ركعة برمضان، وجماعةُ أولِ ليلٍ أفضلُ، ومَنْ له تهجُّدٌ يُوتر بعده وإلَّا أَوْترَ معَ إِمامِهِ. والسنن الراتبة: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصُّبح، وهما آكدها. ومن فاته شيء منها قضاه ندبًا. وصلاة الليل أفضل، وأفضله الثلثُ بعد النصف. وصلاةُ ليلٍ ونهارٍ مَثنى، وإنْ تطوَّع نهارًا بأربعٍ فلا بأسَ، وأجرُ قاعدٍ على نصف أجرِ قَائمٍ. وتُسن صلاةُ الضحى غِبًّا، وأقلُّها ركعتانِ، وَأَكثرُها ثمانٍ. وصلاةُ الإستخارةِ، وعقبَ الوضُوء، وتحيةُ المسجدِ، وسجودُ تلاوةٍ مع قِصَرِ فَصْل لقارئٍ ومستمع، ولا يسجد إنْ لم يسجد قارئٌ. والسجداتُ أربعَ عشرةَ في الحجّ اثنتانِ يُكبِّر إذا سجد وإذا رفع، ويجلس ويسلِّم بلا تشهّدٍ، ويلزم مأمومًا متابعةُ إمَامه في جهريَّةٍ. ويُستحب سجودُ شكرٍ لتجدُّدِ نعمةٍ أَوِ انْدفاعِ نِقمةٍ، وتبطلُ به صلاةُ غير جاهلٍ وناسٍ.

[أوقات النهي]

[أوقات النهي] وأوقات النَّهي من (¬1) طلوع الفجر حتى ترتفعَ الشمسُ قدرَ (¬2) رُمحٍ، وعندَ قِيامها حتَّى تزولَ، ومن صلاةِ العصرِ حتَّى يتمَّ الغروبُ. ويجوزُ قضاءُ الفرائضِ فيها، وركعتا الطوافِ، وإعادةُ جماعةٍ (¬3) أُقيمتْ وهُو بالمسجد، وركعتا فجرٍ قبل فَرضِه. ويحرمُ تطوعٌ بما عدَاها فيها حتَّى ما لهُ سببٌ. بابٌ [في صلاة الجماعة] صلاةُ الجماعةِ تَلزمُ الرجالَ للخمسِ المؤدَّاةِ مع القدرةِ لا شرطٌ (¬4)، وله فِعْلُها ببيته (¬5)، وأفضلُها المسجد العتيق، ثمَّ الأكثر جماعةً، وأبعد أَوْلى مِنْ أَقْرب. وحَرُمَ أن يُؤَمَّ بمسجدٍ قبلَ إِمامِه الرَّاتبِ إلَّا بإذنه أو مَع عُذره. ومَنْ صلَّى ثمَّ أُقيمتْ سُنَّ أن يُعيد غير مَغربٍ، ولا تُكره إعادةُ جماعةٍ في ¬

_ (¬1) في (أ): "بين". (¬2) في (ب): "قيد". (¬3) قوله: "جماعة" ليس في (ب). (¬4) رُفعت لأنها خبر لمبتدأ محذوف تقديره: لا هي شرطٌ. انظر: "الشرح الممتع"، للشيخ ابن عثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- (4/ 144). (¬5) والرواية الأخرى عن الإمام أحمد: أن حضور المسجد واجب. انظر: "الكافي" للموفق ابن قدامة المقدسي (1/ 237).

فصل [في الإمامة]

غير مسجدي مكة والمدينة ولا فيهما لعُذْرٍ، وإذا أُقيمتِ الصلاةُ لم تنعقدِ النَّافلةُ، وإنْ كان فيها أتَّمها إنْ لم يخفْ فوتَ الجماعةِ. ومَنْ كبَّر قبلَ سَلامِ إمامٍ (¬1) أدركَ الجماعةَ، وإنْ أَدركَه رَاكعًا أدركَ الركعةَ وَأجْزأته التَّحريمةُ عن تكبيرةِ رُكوع، ويتحمَّل الإمامُ عنه قراءةَ الفاتحةِ. ويسنُّ أن يقرأ في إسرار إمامه وسَكَتاتِه (¬2) وإذا لم يسمعه لبُعدٍ أو طَرَشٍ ما لم يَشْغَل مَنْ بِجَنْبه (¬3)، ويستفتحُ ويستعيذُ، ولو فيما يجهر فيه إمامُه. ومَنْ ركعَ أوْ سجدَ ونحوه قبلَ إمامِه عمدًا حرُم، وعليهِ أنْ يرجعَ لمُتابعةٍ (¬4) كَنَاسٍ ذَكَرَ، فإنْ لَمْ يرجعْ عمدًا بطلتْ، وإنْ ركعَ ورفعَ قبلَ إمامِه عمدًا بطلتْ، وَسَهوًا أَوْ جهلًا يقضي الرَّكعةَ. وسُنَّ تطويلُ أُولَى عنْ ثانيةٍ، ولإمامٍ التخفيفُ معَ الإِتْمامِ، وانتظارُ داخلٍ إنْ لَمْ يشقَّ. وإنِ اسْتأذنتِ امرأةٌ لمسجدٍ كُره مَنعُها، وبَيتُها خيرٌ لها. فصلٌ [في الإمامة] الأَوْلى بِالإمامة (¬5) الأقرأُ، العالمُ فقهَ صَلاتِه، ثمَّ الأفقهُ، ثمَّ الأسنُّ، ثمَّ ¬

_ (¬1) في (ب): "إمامه". (¬2) في (ج): "وسكتتاه". (¬3) الأطرش: ثقيل السمع، والمعنى: أن الأطرش له أن يقرأ الفاتحة حيث إنه لا يسمع الإمام، ولكن إذا تسببت قراءة الأطرش في التشويش على مَنْ بجنبه مِنَ المُصلِّين فلا يقرأ. (¬4) في (ب) و (ج): "بمتابعته". (¬5) في (ب) و (ج): "بإمامةٍ"، وفي (هداية الراغب، ط. مخلوف): "لإمامةٍ".

الأشرفُ، ثمَّ الأتْقى، ثمَّ مَنْ قَرَعَ (¬1). وصاحبُ البيتِ وإمامُ المسجدِ أحقُّ، وحرٌّ ومقيمٌ وبصيرٌ (¬2) أَوْلى من ضدهم. ولا تصحُّ خلفَ فاسقٍ (¬3) ولا امرأةٍ وخُنثى لرجلٍ (¬4)، ولا صبيٍّ لِبالغٍ، ولا أخرسَ ولَا عاجزٍ عن رُكنٍ أو شرطٍ إلَّا بِمثلهِ، سِوى إمامِ الحيِّ المرجُوِّ زوالُ مَرضِه، ويصلُّون وراءه جلوسًا نَدْبًا، وإنِ ابتدأ بِهم قائمًا وعجزَ فجلسَ أتمُّوا خلفه قيامًا، ولا خلفَ محدثٍ أَوْ نجسٍ يعلم ذلك، فإنْ جَهِلَ مع مأمومٍ حتى انقضتْ صحتْ لمأمومٍ (¬5). ولَا إمامةُ مَنْ لا يُحسنُ الفاتحةَ، أو يُدغمُ مَا لا يُدغَم، أو يُبدلُ حَرفًا بآخرَ غيرِ ضادِ {الْمَغْضُوبِ} و {الضَّالِّينَ} ظاءً، أو يَلحنُ فِيها لحنًا يُحيل المعنى إلَّا بِمثلِه، وإنْ قدرَ علَى إِصْلاحهِ لَمْ تصحَّ صلاتُه. وتُكرهُ إمامةُ لحَّانٍ وَفَأْفاءٍ (¬6) ونحوه، ومَنْ لا يُفصح ببعض الحروف، ¬

_ (¬1) أي: مَنْ غلب في القرعة. (¬2) في (ب): "ومتوضئ" (¬3) والرواية الثانية عن الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-: صحة الصلاة خلف الفاسق، كما في "الكافي" (1/ 245). وقال الشيخ ابن عثيمين -رَحِمَهُ اللهُ-: "وهذا القول [أي: صحة الصلاة خلف الفاسق] لا يسع الناس اليوم إلا هو؛ لأننا لو طبقنا القول الأول على الناس، ما وجدنا إمامًا يصلح للإمامة إلا نادرًا" اهـ، "الشرح الممتع" (4/ 218). (¬4) قوله: "لرجل" ليست في (ب). (¬5) أي: إن جَهِلَ إمامٌ حَدَثَه أو نَجَسه مع جهل المأموم بذلك حتى انقضت الصلاة صَحّت صلاة المأموم وحده. (¬6) اللحَّان: أي كثير اللحن في القراءة -أي: لحنًا لا يُحيل المعنى-، والفأفاء هو: الذي يكثر ترديد الفاء في كلامه.

فصل [في موقف الإمام والمأموم]

وأقطعِ يَدين أو رِجْلين أَوْ إحداهما أو أنفٍ، وأنْ يؤمَّ أجنبيَّةً فأكثرَ لَا رجلَ مَعهنَّ، أو قومًا أكثرهم يكرهه بحقِّ، ويصحُّ ائتمامُ مَنْ يقضي صلاةً بمؤدِّيها وعكسه، لا مفترضَ بِمتنفِّلٍ، ولا ظُهر خلف نحو (¬1) عصرٍ. فصلٌ [في موقف الإمام والمأموم] يقف اثنان فأكثرَ خلفَ إمام نَدْبًا، ويصحُّ عن يمينه وبجنبيه، لا يسارِه فقط أو قُدَّامهِ، ولا الفذِّ خَلفَه، أو خلفَ صفٍّ إلا امرأةً خلف رجلٍ، وتقف إمامةُ النساءِ في صَفِّهنَّ نَدْبًا. ويَليه رجالٌ، ثم صِبيانٌ، ثم نساءٌ، الأفضلُ فالأفضلُ كَجَنائزِهم، ومَنْ لم يقفْ معه إلَّا امرأةٌ أو مَنْ عَلِمَ حَدَثَه أو نجسَه، أو صبيٌّ في فرضٍ فَفَذٌّ. ومَنْ وجدَ فُرجةً دَخلها وإلَّا فعنْ يَمينِ إِمَامهِ، فإنْ لَمْ يُمكنهُ نَبَّه مَنْ يقومُ معه. ومَنْ صلَّى ركعةً فذًّا لم تصحَّ، وإنْ ركعَ فذًّا ثمَّ دخلَ الصفَّ أوْ وقفَ معهُ آخرُ قبل سجود إِمامِه صحتْ. فصلٌ [في الإقتداء] يصحُّ اقتداءُ مأمومٍ بإمامٍ في مسجدٍ مُطلقًا إنْ سمع التكبيرَ، وكذَا خارجَه إنْ رأى الإمامَ أو مَنْ وَراءَه. ¬

_ (¬1) قوله: "نحو" ليست في (ب).

فصل [في الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة]

ويُكره علوُّ إمامٍ عنهُ ذِراعًا فأكثرَ، وصلاتُه في الطَّاقِ (¬1)، وتطوعُه موضعَ مَكتوبةٍ بَعدَها، وإطالةُ قُعودٍ (¬2) مستقبلَ القبلة بعدَها (¬3) إلا لحاجةٍ (¬4)، ويُكره وقوفُ مَأمُومين بينَ سَوَارٍ (¬5) تَقطعُ الصفوفَ بِلا حاجةٍ. فصلٌ [في الأعذار المُبيحة لتركِ الجُمعةِ وَالجماعةِ] يُعذرُ بِتركِ جُمعةٍ وجماعةٍ مريضٌ ومُدافعٌ أحدَ الأخبثين، ومحتاجٌ لطعامٍ بِحَضرتهِ، وخائفٌ ضياعَ مالِه أَوْ فواتَه أو ضَررًا فيهِ، أو موتَ قَريبِه أَوْ رَفِيقِه ومَنْ يُمرِّضهما، أو خاف على نفسه ضررًا أو سلطانًا أو مُلازمةَ غَريمِه ولا شيءَ معه، أو فواتَ رُفْقتِه بسفرٍ، أَوْ تَطويلَ إِمامٍ، أو أذىً بمطرٍ ونحوه، أو غَلَبَةَ نُعاسٍ ورِيحٍ بَاردةٍ شديدةٍ بليلةٍ مُظلمةٍ. بابُ صَلاةٍ أهلِ الأَعْذارِ تلزمُ مكتوبةٌ مريضًا قَائِمًا، فإن لم يَستطعْ فقاعدًا، فإنْ لم يستطعْ فعلَى ¬

_ (¬1) الطاق: هو المحراب، قال المصنف -رَحِمَهُ اللهُ-: "إن منع ذلك مشاهدته .. لأنه مستتر عن بعض المأمومين، أشبه ما لو كان بينه وبينهم حجاب" اهـ. "شرح منتهى الإرادات" (1/ 283 - 284) (¬2) في (ب) و (ج): " قعوده". (¬3) قوله: "وإطالة قعوده مستقبل القبلة بعدها" ساقط من (أ). (¬4) قوله: "إلا لحاجة" عائذٌ على قوله: "وإطالة قعوده مستقبل القبلة بعدها"، والحاجة هنا: كأن يكون ثَمَّ نساءٌ يُردن أن يخرجنَ. انظر: "هداية الراغب" (ص 168، ط. مخلوف) (¬5) جمع سارية، وهي: أسطوانات وأعمدة المسجد.

فصل [في صلاة المسافر]

جنبٍ، والأيمنُ أفضلُ، وتصحُّ على ظهره وتُكره مع قدرةٍ على جنبٍ وإلَّا تعيَّن، ورِجلاه للقبلةِ يُومئُ رَاكعًا وساجدًا وُيخفضه، فإنْ عجزَ أَوْمأَ بِعينهِ. ومَنْ عَجَزَ أَوْ قَدَرَ فِي أَثْنائِها انتقلَ إلى الآخرِ (¬1)، ومَنْ قدر علَى قيامٍ وقعودٍ دون ركوع وسجود أومأ بركوعٍ قائمًا، وسجودٍ قاعدًا. ولمريضٍ يُطيق قيامًا الصلاةُ مُستلقيًا لمداواةٍ بقولِ طبيبٍ مُسلمٍ ثقةٍ، ويفطرُ بقوله إن الصومَ يُمكِّن العلةَ. وتَصِحُّ في سَفِينةٍ إذا أَتَى بما يُعتَبر لها، وقَاعِدًا إنْ عجز عن خروجٍ منها وقيامٍ بها، وعلى راحلةٍ خشيةَ تأذِّ بِوَحَلٍ ونحوه لا لمرضٍ مع قدرةِ نُزولٍ وركوبٍ (¬2)، ويصحُّ النفلُ مُطلقًا. فصلٌ [في صلاة المسافر] مَنْ سافرَ سفرًا مُباحًا يومين فأكثر فله قصرُ رُباعيةٍ ركعتين إذا فارقَ عامرَ بُيُوتِ (¬3) قَريته، وهو أفضلُ مِنْ إتمامٍ. وإنْ (¬4) مرَّ بوطنه، أو بلدٍ له به زوجةٌ (¬5)، أو دخل وقتُ صلاةٍ عليه حضرًا أو أقام (¬6) فيها، أو ذَكَرَ صلاةَ حضرٍ بسفرٍ أو عكسه أو ائتمَّ بمقيمٍ، أو بمَنْ ¬

_ (¬1) قوله: "ومن عجز أو قدر في أثنائها انتقل إلى الآخر" كله ساقط من (أ). (¬2) في (ب): "ركوب ونزول". (¬3) قوله "بيوت" ليست في (ب). (¬4) في (ج): "ومن". (¬5) قوله: "أو بلدٍ له به زوجة" ساقط من (أ). (¬6) في (أ) "قام".

فصل [في الجمع بين الصلاتين]

يشكُّ فيه، أو أحرمَ بصلاةٍ يلزمُه إِتمامُها ففسدتْ وأعادَها، أو لم ينوِ القصرَ عندَ إحرامِه، أو شكَّ في نيته أو أخَّرها حتى تَضايق (¬1) وقتُها عنها، أو نَوى إقامة فوق عشرين صلاة: لزمه الإتمامُ. وإنْ كان له طَريقان فَسَلَكَ أَبْعَدَهُما، أو ذَكَرَ صلاةَ سفرٍ بآخرَ، أو حُبس لنحو مطرٍ ولم ينوِ إقامةً، أو أقام لقضاء حاجةٍ بلا نيَّتها: قَصَرَ. فصلٌ [في الجمع بين الصلاتين] يجوزُ الجمعُ بين الظهرين وبين العشائين في وقتِ إِحْداهما (¬2) بسفرِ قصرٍ، ولمريضٍ يلحقه بتركه مشقةٌ، وبين العشائين لمطرٍ يَبُلُّ الثيابَ وتوجد معه مشقةٌ، ولوحَلٍ وريحٍ شَدِيدةٍ بَارِدةٍ ولو صلَّى بِبيتِه. والأفضلُ فعلُ الأرفقِ به مِنْ تأخيرٍ وتقديمٍ، فإنِ اسْتويا فَتأخيرٌ أفضلُ، ويُرتِّب المجموعتين. وإنْ جمعَ تقديمًا اشتُرط نيَّة الجمعِ عند إحرامِ أُوْلَى، وأنْ لا يُفرِّقَ بينهما إلَّا بقدرِ إِقامَةٍ ووضوءٍ خفيفٍ، فَيبطلُ بِراتبةٍ بَيْنهما، ووجودِ العذرِ عندَ افْتتاحِهما وسلامِ الأُولَى، واسْتمرارِه إلَى فراغِ ثَانيةٍ. وإنْ جمع تأخيرًا اشتُرط نيَّةُ الجمع في وقتِ أُوْلَى قبل ضِيقه عن فِعلها، واستمرارُ عذرٍ إلى دُخولِ وقتِ الثَّانيةِ. ¬

_ (¬1) في (أ): "ضاق". (¬2) في (ج): " أحديهما".

فصل [في صلاة الخوف]

فصلٌ [في صلاة الخوف] صلاةُ الخوفِ تجوزُ كما وردَ عنه - صلى الله عليه وسلم -، ويحملُ ندبًا فيها ما يَدفع به عَن نفسه ولا يثقلُه كسيفٍ، ولا يبطلها كرٌّ وفرٌّ لحاجةٍ ولا حملُ نجسٍ يحتاجُه. بابُ صلاةِ الجُمعة تلزمُ كلَّ حُرٍّ (¬1) مُكلفٍ مستوطنٍ بناءً ولو تفرَّق واسمُه واحدٌ (¬2)، لا على مسافرٍ سفَرَ (¬3) قصرٍ أو عبدٍ أو امرأةٍ، ومَنْ حَضرها (¬4) منهم أَجْزأتهُ، ولا يُحسب مِنَ العددِ، ولا يؤمُّ فيها بخلافٍ نحو مريضٍ. ومَنْ بخيامٍ ونحوه تلزمُه بغيره إنْ كان بينه وبين موضعها فَرْسخٌ (¬5) فأقلُّ. ¬

_ (¬1) أي: من الذكور، قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللهُ-: "وأجمعوا على أنْ لا جمعةَ على النساء" اهـ "الإجماع"، لابن المنذر (ص 44). (¬2) أي: أن يَكون مستوطنًا ببناءٍ، اسمُ هذا البناء واحد، مثل: مكة، المدينة .. ، المهم أن يكون اسمه واحدًا حتى لو تباعد وتفرق بأن صارت الأحياء بينها مزارع لكن يشملها اسم واحد، فإنه يُعتبر وطنًا واحدًا. انظر: "الشرح الممتع" (5/ 14). (¬3) قوله: "سفر" ليس في (أ). (¬4) في (أ): "حضر". (¬5) الفرسخ: لفظ فارسي معرَّب -وأصله: فَرْسَنْك-، ومقداره: ثلاثة أميال، أو اثنا عشر ألف ذراع، وهي تساوي اليوم: (5598.75 مترًا) تقريبًا، انظر: "الموسوعة الفقهية الميسرة" (2/ 1513).

فصل [في شروط صحة الجمعة]

ومَنْ صلَّى الظهر ممن تلزمه الجُمعةُ قَبْلَ فِعْلها لم تصحَّ، والأفضل لمنْ لا تلزمُه تأخِيرُها حتى تُصلَّى الجمعةُ. ويحرمُ سفرُ مَنْ تلزمه في يومها بعد الزَّوال، وقبله يُكره ما لم يأتِ بها في طَريقِه. فصل [في شروط صحة الجمعة] شرط صحتها: الوقتُ، وهو مِنَ ارتفاع الشمس قَدْرَ رُمْحٍ إلى العصر، فإنْ خرجَ قبلَ التَّحريمةِ (¬1) صلَّوا ظهرًا وإلَّا جمعةً. وحضورُ أَرْبعين مِنْ أَهْل وُجُوبِها، مُستوطِنِين بقريةٍ، وتصحُّ فيما قارب البُنيانَ، فإنْ نقصوا قبلَ إِتْمامها اسْتأنفوا ظُهْرًا. ويُدركها مسبوقٌ بركعةٍ معَ إمامِه، وإنْ أدركَ دُونها أتمَّها ظُهْرًا إنْ دخلَ وقتُه ونوَاه وإلَّا فَنَفْلًا (¬2). وَتقدُّمُ خُطْبتَينِ؛ مِنْ شرطهما: حمدُ الله تعالى، والصلاةُ على رَسولِه -عَلَيْهِ السَّلَامْ-، وقراءةُ آيةٍ، والوصيةُ بتقوى الله، وحضورُ العدد المعتبرِ، والجهرُ بحيثُ يُسمعهمْ. لَا الطَّهارتانِ وسترُ العورةِ، ولَا أنْ يَتولَّاهُما مَنْ يتولَّى الصلاةَ. ¬

_ (¬1) التحريمة: هي تكبيرة الإحرام. (¬2) في (أ) و (ب) و (ج): "نفلًا".

فصل

وسُنَّ أنْ يخطبَ قَائمًا على منبرٍ أو موضعٍ عالٍ، ويُسلّم على المأمومين إذا أقبل عليهم، ويجلس إلى فراغِ الأذان وبين الخطبتين قليلًا، ويعتمد على نحو سيفٍ، ويقصدُ تلقاءَ وجهِه، ويقصرُ الخطبةَ ويدعُو للمسلمين. فصلٌ والجمعةُ ركعتانِ، يقرأ جهرًا نَدْبًا في الأُولى بـ"الجمعة"، وفي الثانية بـ"المنافقين". وفي فَجْرها في الأولى "ألم السجدة"، وفي الثانية "هل أتى". وتحرمُ إقامتُها كعيدٍ في أكثرَ مِنْ موضع مِنَ البلدِ إلَّا لحاجةٍ كضيقٍ وفتنةٍ، فإنْ فعلوا فالمسبوقةُ باطلةٌ، وإنْ جُهل الحالُ صلَّوا ظهرًا وُجوبًا. وأقلُّ السُّنةِ بعدها ركعتانِ، وأكثرُها ستٌّ. ويتنظَّفُ ويتطيَّبُ ويلبسُ أحسنَ ثِيابهِ، ويَسير (¬1) إِلَيها مَاشيًا، ويدنُو مِنْ إمامِه، ويقرأ سورةَ الكهف في يَومِها، ويكثرُ من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يتخطَّى الرِّقابَ إلَّا الإمامُ أو لِفُرجةٍ. وحَرُم إقامةُ غيرِه ليجلسَ مَكانه، ورفعُ مُصلَّى مفروشٍ (¬2)، إلا إذَا حضرتِ الصلاةُ، ومن قامَ لعارضٍ ثم عادَ قريبًا فهو أحقُّ بِمكانِه (¬3). ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب) و (ج): "يبكِّر". (¬2) كالسجادة ونحوها، وحرم رفعها؛ لأنها كالنائب عن صاحبها. (¬3) قوله: "ومن قام لعارض ثم عاد قريبًا فهو أحق بمكانه" ليس في (ب).

باب [في صلاة العيدين]

ومَنْ دخلَ والإمامُ يخطبُ بمسجدٍ صلَّى تَحيَّته مُوجِزًا، وجلسَ. وحرُمَ كلامٌ والإمامُ يخطبُ إلَّا لهُ أو لمنْ كلَّمَهُ لمصلحةٍ، ويجوزُ قبلَ الخُطبةِ وبَعدهَا. بابٌ [في صلاة العيدين] صلاةُ العيدينِ فرضُ كفايةٍ، إذا تركها أهلُ بلدٍ قَاتلهم الإمامُ. ووقْتها كصلاةِ الضُّحى مِنَ ارتفاعِ الشمسِ قدرَ رُمحٍ إلى قُبيل الزَّوالِ. وتُسنُّ في صحراءَ قريبةٍ، وتقديمُ صلاةِ الأضحى، وعكسُه الفِطر، وأَكْلُه قبلَها عكسَ أَضْحى لمُضَحٍّ. وتُكره في جامعٍ بلا عذرٍ. ويخرجُ إِلَيها على أَحْسنِ حالٍ، يُبكِّر مأمومٌ ماشيًا، ويتأخَّرُ إمامٌ إلى الصَّلاةِ. ومِنْ شرطها: استيطانٌ، وعددُ الجُمعةِ. ويرجعُ من طريقٍ أُخْرى، ويُصلِّي قبلَ الخُطبةِ رَكعتينِ، يكبِّر في الأُولى بعد استفتاحٍ وَقبلَ تَعوُّذٍ وقراءةٍ سِتًّا، وفِي الثانيةِ قبلَ قراءةٍ خمسًا، يرفعُ يَديه معَ كلِّ تكبيرةٍ، ويقولُ بينَ كلِّ تَكبِيرتينِ: "الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليمًا"، وإنْ أحبَّ قال غيره، ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى بـ"سَبِّح"، وفي الثانية بـ"الغاشية"، فإذا سلَّم خطبَ خطبتين كالجمعة،

باب [في صلاة الكسوف]

يستفتح الأولى بتسع تكبيراتٍ، والثانيةَ بسبع نَسَقًا (¬1). والخُطبتانِ والتَّكبيراتُ الزَّوائدُ وَالذِّكْرُ بينها (¬2): سُنَّةٌ. وكُرهَ تَنفُّلهُ قبل الصلاة وبعدها بِموضِعها. ويُسن التكبيرُ المطلقُ والجهرُ به في لَيلتي العيدين، وفطرٍ آكدُ، وفي كلِّ عشرِ ذِي الحِجَّةِ، والمقيدُ عقبَ كلِّ فريضةِ جماعةٍ في الأضحى مِنْ صُبح يومِ عَرفةَ، والمُحْرِمُ مِنْ ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التَّشريق، وإنْ نسيه قضاه مَوضِعه (¬3) ما لم يُحدِثْ أو يخرجْ من المسجدِ، ولا يُسنُّ عقبَ صلاةِ عيدٍ. وَصِفتهُ -شَفْعًا- "الله أكبر، الله اكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد". بابٌ [في صلاة الكسوف] تُسن صلاةُ الكسوف إذا كُسِفَ أحدُ النَّيِّريْنِ ركعتين، يَقرأ جهرًا في الأولى بالفاتحة وسورةٍ طويلةٍ، ثم يركعُ طويلًا، ثم يرفعُ مُسمِّعًا ويُحمّدُ، ثمَّ يقرأ الفاتحةَ وسورةً طويلة دون الأولى، ثمَّ يركعُ طويلًا دُون الأُول (¬4)، ثمَّ يرفعُ ويعتدلُ، ثمَّ يسجدُ سجدتين طَويلتين، ثمَّ يصلِّي الثانيةَ كَالأولى، ¬

_ (¬1) أي: متتابعة. (¬2) في (أ) و (ب) و (ج): "بينهما". (¬3) في (ج): "بموضعه". (¬4) في (ج): "الأولى".

فصل [في صلاة الإستسقاء]

لكن دونها في الكلِّ، ثمَّ يتشهدُ ويسلِّمُ، وإن تجلَّى الكسوفُ فِيها أتمَّها خفيفةً، وقَبْلها لم يصلِّ. ويصحُّ فعلُها كنافلةٍ، وبثلاثِ ركوعاتٍ وأربعٍ وَخمسٍ. فصلٌ [في صلاة الإستسقاء] وإذا ضرَّ جَدْبُ أرضٍ وقحطُ مطرٍ صلَّوا صلاةَ الإستسقاءِ كعيدٍ فِيما تقدَّم. وإذَا أَرَاد الإمامُ الخروجَ لها وَعَدَ الناسَ يومًا يخرجون فيه، وأَمَرَهُم بالتَّوبة وتركِ التَّشاحُنِ والصِّيامِ والصَّدقةِ. وَيخرج متواضعًا متخشِّعًا متذلِّلًا، ومعه أهلُ الدّينِ والصّلاحِ والشّيوخُ والمميِّزون، فيصلِّي بهم ركعتين كالعيد، ثمَّ يخطب واحدةً يفتتحها بالتكبير كعيدٍ، ويُكثر (¬1) فيها الاستغفارَ وقراءة آياتٍ فيها الأمرُ به، ويرفع يديه ويدعو بدعاءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويُنادَى له كَكسوفٍ: "الصلاةُ جامعةٌ". وسُن وقوفٌ في أولِّ مطرٍ وإخراجُ متاعِه لِيُصيبه، وقولُه: "مُطرنا بفضل الله" ويَحرُمُ: "بِنَوْءِ كَذَا". * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "ويلزم".

كتاب الجنائز

كِتابُ الجَنَائِز يُسن الإستعدادُ للموت، وعيادةُ مريضٍ، وتذكيرُه التوبةَ، والوصيةَ. وإذا نُزل به تعاهد بلَّ حلقه بماءٍ أو شراب، وندَّى شَفتَيْه، ولقَّنه لا إله إلا الله مرةً ولا يُزاد على ثلاثٍ إنْ لم يتكلم، ويقرأ عنده يس، ويُوجَّهُ للقِبلة. وإذا مَاتَ سُنَّ تَغمِيضُه، وشدُّ لَحييه، وتليينُ مفاصله، وخلعُ ثيابه، ووضعُه على سريرِ غَسله مُوجَّهًا مستورًا بثوبٍ، ووضعُ حديدةٍ على بطنهِ، وإسراعُ تجهيزه، وإنفاذُ وصيته؛ ويجب في قضاء دَيْنه. فصلٌ [في غسل الميت] وغسلُ الميتِ وتكفينهُ والصلاةُ عليه وحملهُ ودفنهُ: فرضُ كفايةٍ. وَأَوْلى الناسِ بغسله وصيُّه، ثم أبوه، ثم جدُّه، ثم الأقربُ فالأقربُ، وبأنثى وصيتُها، ثم أمُها، ثم جَدتُها، ثم القربى فالقربى، ولكلٍّ مِنَ الزوجين غسل صاحبه، وكذا سيِّدٌ مع أَمَتِهِ، ولرجلٍ وامرأةٍ غَسْلُ مَنْ دون سبعِ سنين، ومَنْ لم يحضره مَنْ له تغسيله يُمِّم. وإذا أخذ في غسله سَتَرَ عورته، وجرَّده وسَتَرَه عن العيون، ثم يرفع رأسه برفقٍ إلى قُرب جُلوسه، ويَعصِرُ بَطنه برفقٍ، ويكون ثَمَّ بَخورٌ (¬1)، ويُكثر ¬

_ (¬1) قوله: "ويكون ثَم بخور" ليس في (أ).

فصل [في الكفن]

صبَّ الماء إذن، ويلفُّ على يده خِرْقة ينجِّيه بها، ويغسل ما عليه مِنْ نجاسةٍ. ثم ينوي غسله، ويسمي ويغسل كفَّيه، ويوضِّيه نَدْبًا، ولا يُدخل ماءً فمَه ولا أنْفَه، بَلْ أُصبعيه بِخِرقةٍ خَشِنَةٍ مَبلولةٍ بِمَاء بين شَفَتيه، فيمسح أسنانه، وفي مَنْخريهِ فينظفهما، ويغسل بِرغوة السِّدْرِ رأسَه ولحيتَه فقط، ثم يغسل شقَّه الأيمن ثم الأيسر، ثم يُفيض الماء عليه ثلاثًا، يُمِرُّ يده في كل مرةٍ على بطنه، فإن لم يُنْقَ بثلاثٍ زاد حتى يُنقى، ويجعل في الأخيرة كافورًا، ويُكره ماءٌ حارٌّ لم يُحتج إليه. ومُحْرمٌ ميتٌ كحيٍّ، يُغسل بماء وسِدْرٍ، ويُجنَّب الطِّيبَ، ولا يلبس ذَكَرٌ مخيطًا، ولا يُغطى رأسه، ولا وجهَ أنثى. ولا يُغسَّل شهيدُ معركةٍ، ومقتولٌ ظلمًا إلا لنحوِ جنابةٍ، ويُدفنُ في ثِيابهِ بِدمهِ، بعد نزع سلاحٍ وجلدٍ، فإن سُلبها كُفِّن بغيرها. وسِقطٌ لأربعةِ أشهرٍ كمولودٍ حيًّا، ومَنْ تعذَّر غسله يُمِّم، وعلى غاسلٍ سَتْرُ شَرِّ. فصلٌ [في الكفن] يجب كَفَنُهُ في ماله مُقدمًا على دَيْنٍ وغيره، فإنْ لم يكنْ فعلى مَنْ تلزمهُ نفقتُه غير زوج، ثم من بيت المال، ثم على غنيٍّ عَلِمَ به. وسُنَّ تكفينُ رجلٍ في ثلاث لفائف بيضٍ من قطنٍ، تُجَمَّر ويُبسط بعضُها

فصل [في الصلاة على الميت]

على بعضٍ، والحَنوط (¬1) فيما بينها (¬2)، ويُوضع عليها مُسْتلقيًا، ويُجعل قطنٌ محنطٌ بين أَلْيَتَيْهِ ويُشد عليه بخِرقةٍ مشقوقةِ الطرفِ تجمع أَلْيَتَيْهِ ومَثَانَتَه، وعلى منافذ وجهه، ومواضع سجوده، ويُلف فيها، ويُجعل أكثرُ فاضلِ كفنٍ عند رأسه، وإنْ كُفِّن في قميصٍ ومئزرٍ ولفافةٍ جاز، ويُكره تعميمُه، وزعفرانُ. وتُكفَّن امرأةٌ في خمسة أثوابٍ: إزارٌ وخمارٌ وقميصٌ ولِفَافتان، والواجب ثوبٌ يسترُ جميعَه، ويحرمُ بحريرٍ، ولا يُجْبى (¬3) كفنٌ لعدمٍ إنْ أمكن سَتره بحشيشٍ ونحوه. فصلٌ [في الصلاة على الميت] ويقف إمامٌ عند صدر رجلٍ ووَسَط امرأةٍ نَدْبًا، ويكبِّر أربعًا؛ يقرأ في الأولى بعد التعوُّذ الفاتحةَ، وفي الثانية يُصلِّي على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَفِي تَشهُّدٍ، ويدعو للميت في الثالثة، فيقول: "اللَّهمَّ اغفر لحيِّنا وميِّتنا، وشَاهِدنا وغَائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذَكَرِنَا وأُنْثانَا، إنَّك تعلمُ مُتقلَّبنا ومَثْوانا، وأنتَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، اللَّهمَّ مَنْ أحييتَه منَّا فأحْيه على الإسلام والسُّنَّةِ، ومَنْ تَوفيْتهُ منَّا فتَوفَّه عليهما، اللَّهمَّ اغفرْ لهُ وارْحمه، وعافِه واعفُ عنهُ، وأكرمْ نُزُله (¬4)، وأوسعْ مُدْخَله، واغسلهُ بالماء والثَّلج والبَرَد، ونقِّه (¬5) مِنَ الذُّنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِنَ ¬

_ (¬1) الحَنوط: أخلاط من الطيب، يُعد للميت خاصة. (¬2) في (أ) و (ب): "بينهما". (¬3) أي: لا يُجمع من الناس كفن. (¬4) نُزُله. أي قِراه، وهو ما يُقدَّم للضيف. (¬5) في (ب): "وأنقه".

فصل [في حمل الميت ودفنه]

الدَّنس، وأَبْدله دارًا خيرًا مِنْ دارِه، وزوجًا خيرًا مِنْ زوجِه، وَأدخلْه الجنةَ، وأعِذه مِنْ عذابِ القبرِ، وعذابِ النارِ، وأفسحْ له في قبرِه، ونوِّر لهُ فيهِ". ويؤنِّثُ الضميرَ على أنثى، وإن كان صغيرًا قال بدلَ الإستغفار له: "اللَّهمَّ اجعله ذُخْرًا لِوالِديه وفَرَطًا (¬1) وأجرًا وشفيعًا مُجابًا، اللَّهمَّ ثقِّل به مَوَازينهما، وأعْظِمْ به أُجُورهما، وَأَلحِقْه بِصالحِ سلفِ المُؤمِنينَ، واجعلْه في كفالةِ إِبْراهِيمَ، وقِه بِرحمتِك عذابَ الجَحيمِ". ويقف بعد الرابعة قليلًا، ويُسلم واحدةً عن يمينه، ويرفع يديه مع كلِّ تكبيرةٍ. والواجبُ: القيامُ، والتكبيراتُ، والفاتحةُ، والصلاةُ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ودعوةٌ للميِّت، والسلامُ. ومَنْ فاته شيءٌ من التكبير قضاه على صفته نَدْبًا، وإنْ فاتته الصلاةُ عليه صلى على القبر إلى شهرٍ، وكذا على غائبٍ عن البلد بالنِّيَّة، ولا بأسَ بالصلاةِ عليه في المسجد. فصلٌ [في حمل الميت ودفنه] سُنَّ تربيعٌ (¬2) في حمله، ويُباح بين العمودين، وسُنَّ إسراعٌ بها، وكونُ ماشٍ أمَامها وراكبٍ خَلْفها. ¬

_ (¬1) فَرَطًا: أي سابقًا مُهيِّئًا لصلاح أبويه في الآخرة، سواء مات في حياتهما أو بعد مماتهما. (¬2) التربيع: أن يضع قائمة السرير المقدمة اليسرى على كتفه الأيمن، ثم ينتقل إلى المؤخرة، ثم يضع قائمته اليمنى على كتفه الأيسر، ثم ينتقل إلى المؤخرة.

وكُره أن تتبعها امرأةٌ، ورفعُ الصوتِ معَها، وحَرُمَ أنْ يتبعَها مع مُنْكَرٍ عاجزٌ عن إزالته، وكُره جلوسُ مُتَّبِعها حتَّى تُوضعَ للدَّفن. ويُسجَّى قبرُ امرأةٍ فقط. واللَّحْدُ أفضل، فيُوضع فيه على شِقِّه الأيمن مستقبلَ القبلة، ويُغطَّى بِاللَّبِنِ، ويقول مُدْخِلُهُ: "بسم الله، وعلى مِلَّةِ رسول الله". ويُرفع قبرٌ عن أرضٍ قَدْرَ شبرٍ مُسنَّمًا، ويُباح تَطيينه، ويُكره تَجصيصه، والبناءُ والكتابةُ، والجلوسُ، والوطئُ عليه، والإتِّكاءُ إليه، ومشيٌ بنعلِ في مقبرةٍ بلا حاجةٍ، ويحرمُ دفنُ اثنين فأكثرَ في قبرٍ بِلا ضرورةٍ، ويُجْعل بينهما حاجزٌ من ترابٍ وتُسنُّ القراءةُ عنده، وجَعْلُ نحو جريدةٍ خضراء. وأيُّ قُربةٍ فَعَلهَا وجعلَ ثَوابَها لمسلمٍ؛ حيٍّ أو ميتٍ نَفَعَهُ. ونُدب إصلاحُ طعامٍ لأهلِ ميتٍ يُبعث بِه إليهم ثَلاثًا، وكُره لهم فعلُه للنَّاس. وتُسنُّ زيارةُ قبورٍ لغيرِ نِساءٍ، ويقول إذا مرَّ بِها: "السلامُ عليكم أهلَ الديار مِنَ (¬1) المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لَلاحِقون، يرحمُ الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللَّهمَّ لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنَّا بعدهم، واغفرْ لنا ولهم" (¬2)، وتعزيةُ مُصابٍ. ويحرمُ نَدْبٌ ونِيَاحةٌ ولطمُ خَدٍّ، وشقُّ ثوبٍ، ونحوه، لا بكاءٌ. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "قوم". (¬2) رواه مسلم في صحيحه (249) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة (¬1) تجبُ على حرٍّ مسلمٍ (¬2) مَلَكَ نصابًا مِلْكًا مُستقرًا، إذا مضى الحَوْلُ في غير مُعشَّرٍ (¬3). ويتبع نِتاجُ سَائمةٍ وربحُ تجارةٍ أصله إنْ بلغ نصابًا، وإلَّا فَمِنْ كَمالِه. ويُزكَّى دَيْنٌ وغَصبٌ ونحوه إذا قُبض أو أُبرئ منه لِمَا مضى. ولا زكاةَ في مالِ مَنْ عليه دَيْنٌ يُنقِصُ النصابَ ولو كفارةً ونحوها. وَحَوْلُ صِغارٍ مِنْ مِلْكٍ كِكِبارٍ (¬4)، ومتى نقصَ النصابُ أو بَاعه بغيرِ جِنسه لَا فِرارًا منها انقطعَ الحَوْلُ. ولا يُعتبر لها بقاءُ مالٍ ولا إمكانُ أداءٍ وهي كالدَّيْنِ في التَّرِكَةِ. بابُ زكاةِ السائمة تجبُ فيما أُعدَّ لدَرٍّ ونسلٍ إذا سَامتْ (¬5) أكثرَ الحَوْلِ. ¬

_ (¬1) الزكاةُ: مِنْ زكَا يَزكُو إذَا نَما؛ لأنَّها تُطهِّر مُؤدِّيها مِنَ الإِثْمِ أيْ تُنزهِّه عنهُ وتُنمِّي أَجْرهُ، أو تُنمِّي المالَ. (¬2) في (أ): "مسلم حر" وعليه شرح الشيخ عثمان في "هداية الراغب" (2/ 259). (¬3) المعشر: هو الخارج من الأرض كالحبوب والثمار، وسمي مُعشَّرًا لوجوب العشر أو نصفه فيه، ويخرج بمجرد الحصاد كما قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}. (¬4) أي: حول صغار السائمة مِنْ وقتِ مِلْكه لها كحول كبارها. (¬5) سامت، أي: رعت المباح.

فصل [في زكاة البقر]

ففي خمسٍ وعشرين من إبلٍ بنتُ مخاضِ لها سنةٌ، وفيما دُونها في كلِّ (¬1) خمسٍ شاةٌ. وفي ستٍّ وثلاثين بنتُ لَبُونٍ لها سَنَتانِ، وفي ستٍّ وأربعين حِقَّةٌ لها ثلاثُ سِنينَ، وفي إِحْدى وستين جَذَعةٌ لها أربع سنين، وفي ستٍّ وسبعين بِنْتَا لَبُونٍ، وفي إحدى وتسعين حِقَّتانِ، وفي إحدى وعشرين ومائة ثلاثُ بناتِ لَبونٍ. ثمَّ في كلِّ أربعين بنتُ لبونٍ، وفي كل خمسين حِقَّةٌ. فصلٌ [في زكاة البقر] وفي ثلاثين من البقر تَبِيعٌ أو تَبِيعةٌ لها سنةٌ، وفي أربعين مُسِنَّةٌ لها سنتان، وفي ستين تَبِيعانِ، ثم في كل ثلاثين تَبِيعٌ، وكل أربعين مُسِنَّةٌ. ولا يُجْزئ ذَكَرٌ إلا هنا، وابنُ لَبُونٍ عند عدم بِنْتِ مَخَاضٍ، وإذا كان النصابُ كلُّه ذُكُورًا فصلٌ [في زكاة الغنم] وفي الغنم إذا بلغت أربعين شاةً شاةٌ (¬2)، وفي إحدى وعشرين ومائة شَاتَانِ، وفي مائتين وواحدة ثلاثُ شِيَاهٍ، ثم في كل مائة شاةٌ. ¬

_ (¬1) قوله: "كل "ليست في (ب). (¬2) قوله: "شاة" ليس في (أ) و (ج).

باب زكاة الخارج من الأرض

ولا تُؤخذُ هَرِمَةٌ ولا مَعِيبةٌ لا تُجزئ في أُضْحيةٍ إلَّا إذا كان النصاب كله كذلك، ولا أَكُولةٌ ولا حاملٌ إلا بِرَضَا رَبِّها. والخُلْطةُ في السائمة تُصيِّر المَالَيْنِ كالواحد، وإذا تفرَّقت السائمة ببلدين فأكثر بينهما مَسافةُ قَصْرٍ فلكل ما في بلدٍ حُكْمُهُ. باب زكاة الخارج من الأرض تجب في كل ما يُكال ويُدخر من حَبٍّ، وإن لم يكن قُوتًا كالقِرْطِمُ (¬1)، وثمرٍ كتمرٍ وزَبيبٍ ولَوْزٍ إنْ بلغ نصابًا، وهو خمسةُ أَوْسقٍ (¬2). ويُضَمُّ زرعُ العام الواحد وتمره بعضه إلى بعضٍ في تَكميل نصابٍ لا جنسٌ إلى آخرَ، ولا تجبُ فيما مَلَكَه بعد وجوبٍ كَمُكْتَسَبِ حصَّادٍ ونحوه، ولا ما اجتناه من مُباحٍ كبُطْمٍ (¬3) وزَعْبلٍ (¬4) أو اشتراه بعد بُدُوِّ صَلاحِه. ¬

_ (¬1) القرطم: نبات زراعي صبغي من الفصيلة المركبة، يُستعمل زهره تابلًا وملوِّنًا للطعام، ويُستخرج منه صباغ أحمر. انظر: "المعجم الوسيط" (ص 727) (¬2) وهذا يُعادل في المقاييس الحديثة (652 كيلو غرام) تقريبًا. انظر: بحث الدكتور ماجد أبو رخية في مسألة زكاة الزروع والثمار في الندوة الفقهية الثامنة لبيت الزكاة الكويتي (ص 51). و"فتاوى الزكاة"، إصدار بيت الزكاة (ص 66). (¬3) البُطْمُ: الحبة الخضراء من الفصيلة الفستقية، تنبت في الأراضي الجبلية، ثمرتها حسكة مفلطحة خضراء تنقشر عن غلاف خشبي يحوي ثمرة واحدة، تؤكل في بلاد الشام. انظر: "المعجم الوسيط" (ص 61) (¬4) الزَّعْبَل: هو شعير الجبل.

فصل

فصلٌ وفيما سُقي بِلا كُلْفةٍ العُشْرُ، وما سُقي بها نِصفُه، وبِهما سواء (¬1) ثلاثةُ أَرْباعِه. وإذا اشتد حبٌّ أو بدا صلاحُ ثَمَرٍ وجبتْ، لكن لا تستقرُّ إلا بجعلٍ ببيدرٍ (¬2) ونحوه، فإن تلف قبله بلا تفريطٍ سقطتْ. والزكاةُ (¬3) على مستأجرٍ ومستعيرٍ دون مالكٍ. ويجتمع عُشرٌ وخَراجٌ في خَرَاجِيَّةٍ. وفي العسل إذا كان عشرة أَفْراقٍ عُشرُه، أَخَذَهُ مِنْ مِلْكهِ أو مَوَاتٍ، وفي المعدنِ إنْ بلغ نِصابًا ربعُ العُشْرِ. وفي الرِّكازِ ما وُجِدَ مِنْ دِفْنِ الجَاهليَّةِ الخمسُ؛ قلت أو كَثر. باب زكاة النقدين يجبُ (¬4) في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالًا، وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم خالصة رُبْعُ عُشْرِهِما. ¬

_ (¬1) في (أ) زيادة: "حال". (¬2) البَيْدَرُ: الموضع الذي يُداس فيه الطعام، والموضع الذي تجفف فيه الثمار. (¬3) في (أ) تكررت كلمة: "والزكاة" مرتين. (¬4) في (ب) و (ج): "تجب".

باب زكاة العروض

ويضمُّ أحدهما إلى الآخر في تكميل نصابٍ، ويُخرج عنه بِالقِيمة، وقيمةِ العروضِ إليهما. ويباحُ لِذَكَرٍ من فضةٍ خاتمٌ وقَبِيعةُ سَيْفٍ وَحِلْيةُ مِنْطَقَةٍ ونحوها، ومِنْ ذهبٍ قَبيعةُ سيف، وما دَعَتْ إليه ضرورةٌ كَأَنْفٍ. ولنِساءٍ منهما ما جَرَتْ عادتُهن بِلُبْسه ولو كَثُرَ. ولَا زكاةَ في حُليِّ مُبَاحٍ مُعَدِّ لاستعمالٍ أو إعارةٍ، وتجبُ في مُحَرَّمٍ وما أُعدَّ لكِرَاءٍ أو نَفَقةٍ. باب زكاة العروض (¬1) إذا بلغت قيمتُها نصابَ نقدٍ، ومَلكَها بفعله بنيَّة التِّجارة زكَّى قِيمتَها لا مِنْها. فإنْ مَلكَها بإرثٍ أوْ بغير نيةِ التِّجارةِ ثم نَواها لها لم تَصِرْ لها، وتُقوَّم عند الحَوْلِ بالأحظّ للفقراء من ذهبٍ أو فضةٍ. ومَنِ اشترى عَرْضًا بنصابِ أثمانٍ أو عُروضٍ أو باعها به بَنَى على حَوْلِه لا بِسَائمةٍ. ¬

_ (¬1) العروض جمع عرض أي: عروض التجارة، والعرض -بإسكان الراء- ما يعد لبيع وشراء لأجل ربح ولو من نقد، سمي عرضا، لأنه يعرض ليباع ويشترى تسمية للمفعول بالمصدر، كتسمية المعلوم علما، أو لأنه يعرض ثم يزول ويفنى.

باب زكاة الفطر

باب زكاة الفطر تجب على كل مسلمٍ فَضَلَ عن قُوته وقوتِ عِياله وما يحتاجه يومَ العيد وليلَتَه ما يخرجه، ولا يمنعها دَيْنٌ إلَّا مع طلبٍ. فيُخرج عن نفسه وعمَّن يَمُونه، حتى مَنْ تبرَّع بمُؤنته رمضانَ، فإنْ لم يجد لجمِيعِهم بدأ بنفسه فزوجتِه فرقيقهِ فأمهِ فأبيهِ فولدِه، فأقربَ في ميراثٍ. وعبدٌ بين شُركاء عليهم صاعٌ. وتُستحبُّ (¬1) عن جنينٍ، ولا تجبُ لزوجةٍ ناشزٍ. ومن لزم غيره فِطرتُه فأخرج عن نفسه أجزأَ. وتجبُ بغروبِ شمسِ ليلةِ الفِطْرِ، فمَنْ أسلمَ أو ملكَ عبدًا أو زوجةً، أو وُلد بعده لم تلزم (¬2) فِطرتُه، وقبله تَلزمُ. وتجوزُ قبلَ العيد بيومين فقط، ويومَ العيد قبل الصلاة أفضلُ، وتُكره (¬3) في بَاقيه، ويأثم مُؤخِّرٌ عنه، ويَقضي. و (¬4) الواجبُ صاعُ بُرٍّ أو شعيرٍ أو تمرٍ أو زبيبٍ أو أَقِطٍ (¬5)، فإن عُدمتْ ¬

_ (¬1) في (أ): "وُيستحب". (¬2) في (ب): "أو وُلد له بعدُ لم تلزمه فطرته". (¬3) في (أ): "يُكره". (¬4) الواو ليست في (ج). (¬5) الأقط: هو لبن مجفف يابس مستحجر يُطبخ به. انظر: "النهاية" لابن الأثير (1/ 59).

باب إخراج الزكاة

أجزأَ ما يُقتاتُ من حبٍّ وتمرٍ (¬1) لا خبر ولا مَعِيبٌ ولا القيمةُ. ويجوز إعطاءُ واحدٍ ما على جماعةٍ كَعَكْسِه. باب إخراج الزكاة يجب (¬2) فورًا إنْ أمكن بلا ضررٍ، ومَنْ جحد وُجُوبها كفرَ إنْ عَلِمَ أو عُرِّف فَأَصرَّ، فيُستتاب ثلاثًا، ثم يُقتل وتُؤخذ، وبُخْلًا تُؤخذ منه ويُعزَّرُ. وتجب في مالِ صغيرٍ ومجنونٍ، ويُخرج وَلِيُّهُما عنهما. والأفضلُ جعلُ زكاةِ كلِّ مالٍ في فقراءِ بلدِه، ويحرمُ نقلُها مسافةَ قَصْرٍ إلَّا لِضرُورةٍ. ويجوزُ تَعْجيلُها لحَولينِ فأقلَّ، وتُعتبر النية لإخراجها، ويصحُّ توكيلٌ فيه. باب أهل الزكاة وهم ثمانية: فقيرٌ: من لم يجد نصف كفايته. ومسكينٌ: يجد (¬3) نصفها أو أكثرها (¬4)، ويُعطيان تمامَ كفايتهما مع ¬

_ (¬1) في (ب): "وثَمَرٍ". (¬2) في (ب): "تجب". (¬3) قوله "يجد" ليس في (ج). (¬4) في (أ): "أكثر".

عائلتهما سنةً. وعاملٌ عليها؛ كَجَابِ (¬1) وحافظٍ، فيُعطى قَدْرَ أُجْرته. ومُؤَلفٌ: السيدُ المُطاع في عشيرته ممن يُرجى إسلامُه، أو يُكَفَّ شَرُّه أو يُرجى بإعطائه قوةَ إيمانه أو إسلامَ نَظيرِه، فيُعطى ما يَحصلُ به تأليفُه عند الحاجة إليه. ومُكاتَبٌ، ويُفَكُّ منها أسيرٌ مسلمٌ، ويجوزُ شراء عبدٍ بزكاته فيُعتقه. وغارمٌ، لإصلاح ذاتِ بَيْنٍ، ولو مع غِنَى، أو (¬2) لنفسه مع فقرٍ، ويُعطى ما يَقضي به دَيْنه (¬3) كمُكاتَبٍ. وغازٍ، لا دِيوانَ له يكفيه (¬4)، فيُعطى ما يحتاجه في غَزْوه، ويجوز في حجِّ فرضِ فقيرٍ وعُمْرتِه. وابنُ سبيلٍ، منقطعٌ بغير بلده، فيُعطى ما يُوصله لبلده. وتُجزئ لشخصٍ واحدٍ، وقريبٍ من غير عَمودي نسبه لا تَلزمه مُؤنَته. لا هاشميٌّ ومَوَالِيه، وفقيرةٌ تحت غنى مُنفقٍ، ولا عبدٌ غير عاملٍ ولا زوجٌ. وإنْ أعطاها لمن ظنَّه أهلًا فبانَ خلافه لم تُجْزِ إلا غنيًا ظنَّه فقيرًا. ¬

_ (¬1) الجابي: هو الساعي الذي يبعثه إمام المسلمين لأخذ الزكاة من أربابها. (¬2) في (أ): "ولو لنفسه". (¬3) في (الأصل) جملة: "فيعطى ما يحتاجه في غزوه" مقحمة هنا، ولعلها من خطأ الناسخ. (¬4) أي: لا يُفرض له راتب من بيت المال.

[صدقة التطوع]

[صدقة التطوع] وتُستحب صدقةُ تطوعٍ بفاضلٍ، وفي رمضان، ووقتِ حاجةٍ آكدُ، ويأثمُ بما يُنقص مُؤنةً تَلزمه أو يَضرُّ [به أو] (¬1) بِغرِيمه. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من (أ).

كتاب الصيام

كتاب الصيام (¬1) يجب صوم رمضان برؤيةِ هِلالِه، فإنْ لم يُر مع صَحْوٍ ليلةَ الثَّلاثين أَفْطروا، وإنْ حال دُونه غَيْمٌ أو قَتَرٌ (¬2) أو نحوه وَجَبَ صومُه بنيَّة رمضان احتياطًا ويُجزئُ إنْ ظهر منه، وإذا رُئي في بلدٍ لزم الصومُ جميعَ الناس. ويُصام برؤية عدلٍ ولو عبدًا أو أنثى، وإنْ صاموا برؤيةِ واحدٍ أو لغيمِ ثلاثينَ يومًا ولم يُر الهلالُ (¬3) لم يُفطروا، ومَنْ رآه وحده فَرُدَّ، أو رأى هلالَ شوالٍ وحده صامَ. وإن ثبتتْ (¬4) نهارًا أَمْسكوا وقَضوا (¬5) كمَنْ بلغَ أو أسلمَ أو طهرتْ من حيضٍ أو نفاسٍ أو قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ مُفطرًا. ويُؤمر به صغيرٌ يُطيقه ليعتادَه، ومَنْ عَجَزَ عنه لِكبرٍ أو مرضٍ لا يُرجى بُرؤه أَطْعم لكلِّ يومٍ (¬6) مِسْكينًا. وسُنَّ لمريضٍ يَضرُّه ومسافرٍ يَقْصرُ: فِطرٌ، وإنْ نوى حاضرٌ صومَ يومٍ ثم ¬

_ (¬1) الصيام لغة: الإمساكُ عن الشيء. واصطلاحًا: إمساكٌ بنيةٍ عن أشياءَ مخصوصةٍ في زَمَنٍ مُعيّن مِن شَخصٍ مخصوص. (¬2) قتر: أي غبار. (¬3) أي: لم يُر هلال شوال. (¬4) في (أ) و (ب): "ثبت". (¬5) قوله: "وقضوا" ساقط من (ب). (¬6) قوله "يوم" ساقط من (ج).

باب [في مفسدات الصوم]

سافر فيه فله الفطرُ. وإنْ أفطرت حاملٌ أو مرضعٌ خوفًا على ولدهما قَضَتَا وأَطْعَمَ وَليُّه، وعلى أنفسهما قَضَتَا فقط. ومَنْ نوى صومًا ثم جُنَّ أو أُغمي عليه جَميعَ نهاره لم يصحَّ صومُه لا إنْ أفاق جزءًا منه أو نامَ (¬1) جميعَه، ويقضي مُغْمىً عليه. ويجبُ تعيينُ النيَّةِ من الليل لصومِ كلِّ يومٍ واجبٍ لا نيَّة الفرضيَّة (¬2)، ويصحُّ نفلٌ بنيةٍ من النَّهار ولو بعد الزَّوال، وإنْ نوى الإفطارَ أفطر، ومَنْ قال: إنْ كان غدًا مِنْ رمضان فَفَرْضي لم يصحَّ إلا ليلةَ الثلاثينَ من رمضان. بابٌ [في مفسدات الصوم] يَفسُد صومُ مَنْ أَكَلَ أو شَرِب (¬3) أو اسْتَعَطَ (¬4) أو احْتقنَ (¬5) أو اكْتحلَ بما وصل إلى حَلْقه، أو أَدْخَلَ جَوْفَه شيئًا من أيِّ محلٍّ كان، أو اسْتقاء فقاءَ، أو اسْتمنَى أو باشرَ فأَمْنى أو أَمْذى (¬6)، أو كَرَّر النظرَ فأَمْنى أو حَجَمَ أو احْتَجَمَ وظهر دمٌ عامدًا ذاكرًا لصومه لا ناسيًا أو مُكرهًا. ولا إنْ طار إلى حلقه ذبابٌ أو غبارٌ أو فكَّر فأنزلَ، أو احْتلم، أو قَطَرَ في ¬

_ (¬1) في (أ): "قام". (¬2) أي: لا داعي لتعيين نية الفرضية، ما دام أنه قد عين نية صيام رمضان وهو فرض. (¬3) في (ج): "يفسد الصومَ أكل أو شربٌ". (¬4) أي: تناول السَّعُوط، وهو ما يصل الجوف عن طريق الأنف. (¬5) الإحتقان: هو إدخال الأدوية عن طريق الدُّبُر. (¬6) في (الأصل) وبقية النسخ: "مذي"، والمثبت من الشرح.

فصل

إِحْلِيلِه (¬1) شَيئًا أو أصبحَ وفي فمه طعامٌ فلَفَظَهُ، ولا إنِ اغتسل أو تَمضمض أوِ استنشق فدخل الماءُ حَلْقه، ولو بالغَ أو زاد على ثلاثٍ. وإنْ أَكَلَ ونحوه شاكَّاً في طلوع فجرٍ صَحَّ صومُه لا في غروب شمسٍ، وإنِ اعتقده ليلاً فبانَ نهارًا قضى. فصلٌ ومَنْ جامع في نهار رمضان، ولو في يومٍ لزمه إمساكه، أو دُبُر (¬2) فعليه القضاءُ والكفارةُ، وإنْ كان دون الفرج فأنزل، أو عُذِرت (¬3) المرأة فالقضاء فقط كمسافرٍ جامعَ في صومه. وإنْ جامع في يومين فكفارتان، وإنْ أعاده في يومه فواحدة إن لم يكن كفَّر للأول، ومَنْ جامعَ ثم مَرِضَ أو جُنَّ أو سافر ونحوه لم تسقط، ولا كفارةَ بغير الجماع في نهار رمضان. وهي: عتق رقبة [مؤمنة] (¬4)، فإنْ لم يجد فصيامُ شهرين متتابعين، فإنْ لم يستطع فإطعامُ ستين مسكينًا، فإن عجزَ سقطتْ. ¬

_ (¬1) الإحليل: قناة الذَّكَرِ. (¬2) يعني: سواء كان جماع الزوجة من القُبُل أو من الدُّبُر فالحكم واحد. (¬3) أي: كانت معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه. (¬4) زيادة من (ب).

فصل [في المكروهات والمسنونات في الصيام]

فصلٌ [في المكروهات والمسنونات في الصيام] كُره لصائمٍ جَمْعُ ريقه فيبلعه، وذَوْقُ طعامٍ وعِلْكٍ قويِّ، فإنْ وَجَدَ طَعْمَهُمَا بِحَلْقه أفطر، وحرُم مضغُ عِلْكٍ يتحلَّل (¬1) مطلقًا (¬2)، وبلعُ نُخامةٍ ويفطر بها، وتُكره قُبْلةٌ ودواعي وَطْء لمن تُحرِّكُ شهوتَه، ويجب اجتنابُ كذبٍ وغيبةٍ وشَتْمٍ. وسُنَّ لمن شُتم قولُ: "إني صائم"، وتأخيرُ سحورٍ، وتعجيلُ فطرٍ، وكونُه على رطبٍ، فإنْ لم يكن فتمرٌ، وإلاَّ فماءٌ، وقوله عنده: "اللَّهم لك صُمْتُ، وعلى رزقك أفطرتُ، سبحانك وبحمدك، اللَّهمَّ تقبَّل منِّي إنك أنت السميع العليم" (¬3). [قضاء رمضان] ومَنْ فاته رمضانُ قضى عددَ أيامِه، وسُن فورًا متتابعًا، ويحرمُ تأخيرُه إلى رمضان آخر بلا عذرٍ، فإنْ فعلَ أطعمَ لكلِّ يومٍ مسكينًا مع القضاء، وإنْ ماتَ ¬

_ (¬1) قوله: "يتحلل" ساقط من (ب). (¬2) هنا عبارة مقحمة من (ب) ونصها: "أي: سواء بلع ريقه أو لا". (¬3) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم: (481) وقد صحَّ في الباب حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" رواه أبو داود في "السنن" (2357) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم: (479)، وحسَّن إسناده الإمامُ الدارقطنيُ وغيرُه. انظر: "عجالة الراغب المتمني" (2/ 545).

فصل [في صيام التطوع وما يكره أو يحرم صومه]

أُطعم عنه، ومَنْ مات وعليه نذرُ صلاةٍ أو صومٍ أو حجٍّ ونحوه فُعل مِنْ تَرِكَتِهِ، فإن لم تكن سُنَّ لِوليِّه. فصلٌ [في صيام التطوع وما يُكره أو يحرم صومه] أفضلُ صومِ التطوع يومٌ ويومٌ، ويُسن ثلاثةٌ من كل شهرٍ، وكونها البيضَ، وَالإثنينُ والخميسُ، وستٌّ من شوال، والأفضلُ عقب العيد متواليةً، وشهرُ الله المُحرَّمُ، وآكدُه عاشوراءُ، ثم تاسوعاءُ، وتسعُ ذِي الحِجَّةِ، وأفضلُه يومُ عرفةَ لغيرِ حاجٍّ بها، ثم يومُ التَّروية. وكُره إفرادُ رجبٍ والسبتِ والجمعةِ وعيدٍ لكُفَّارٍ (¬1) بصوم، ويومُ شكٍّ إنْ كان ليلته صَحْوٌ. ويحرمُ صومُ يومِ عيدٍ مطلقًا، وأيامِ تشريقٍ إلا عن دمِ مُتْعةٍ أو قِرانٍ. ومَنْ دخل في فرضٍ حَرُمَ قَطْعُه، ولا يلزمُ إتمامُ نفلٍ، ولا قضاءُ فاسِده غيرَ حجٍّ وعمرةٍ. [تحري ليلة القدر] وتُرجى ليلةُ القدر في العشرِ الأخير من رمضان، وأوتارُه آكدُ، وأبلَغُها ليلةُ سبعٍ وعشرين، ويكون من دُعائه فيها: "اللَّهم إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي" (¬2). ¬

_ (¬1) كذا في (الأصل)، في بقية النسخ: "عيد الكفار". (¬2) لما روى أحمد (6/ 208)، والترمذي (3513)، وابن ماجه (3850)، وصححه الإمام النووي في "الأذكار" (ص 248)

باب [الإعتكاف]

باب [الإعتكاف] (¬1) الإعتكافُ مسنونٌ كُلَّ وقتٍ، وفي رمضان آكدُ خصوصًا عَشْرَهُ الأخيرَ، ويصحُّ بلا صومٍ، لا بِلا نيَّةٍ، ويلزمُ بنذرٍ، ولا يصحُّ إلا في مسجدٍ، ولا ممَّن تلزمهُ الجماعةُ إلا حيثُ تُقامُ. وأفضلُ المساجد: الحرامُ، فمسجدُ المدينة، فالأقصى، فإنْ عيَّن أحدَها لم يُجْزِ مَا دُونه، وعَكْسُه بِعَكْسِه، وإنْ عيَّن مسجدًا غير الثلاثة لم يَتعيَّن، ومَنْ نَذَرَ زمنًا معينًا دخل مُعْتَكَفَه قَبْلَه بيسيرٍ، وخرج بعد آخِرِه. ولا يخرج مُعتكفٌ إلا لما لا بدَّ له (¬2) منه، ولا يَعودُ مريضًا، ولا يَشهد جنازةً إلا أن يَشترطه. ويفسدُ اعتكافٌ بِوطء في فرجٍ، وسُكْرٍ (¬3)، وخروجٍ بلا حاجةٍ. ويُسنُّ اشتغاله بالقُرَب واجتنابُ ما لا يَعنيه. * * * ¬

_ (¬1) الإعتكاف لغة: لزوم الشيء. واصطلاحًا: لزومُ مسلمٍ -لا غُسل عليه- عاقل ولو مميزًا مسجدًا ولو ساعة لطاعة الله تعالى. (¬2) "له" ليس في (ج). (¬3) في (ب): "ومسكر".

كتاب المناسك

كتاب المناسك (¬1) يَجب الحجُّ والعمرةُ مرةً في العُمر، على مسلمٍ حرٍّ مكلفٍ مستطيعٍ بأن وَجَدَ زَادًا ومركوبًا صالحيَن لمثله بعدما يحتاجه لنفسهِ وعيالهِ وقضاءِ دَيْنه. ويصحُّ مِنْ صغيرٍ ولو دُون التمييز، وُيحْرِمُ عنة وليهُ، ومُمَيزٌ بإذنه (¬2)، ويفعل وليٌّ ما يُعجزه، ومِنْ رقيقٍ. وإنْ بَلَغَ أو عَتَقَ بعرفةَ ولم يكن سَعَى للحَجِّ (¬3) أجزأ فرضًا. ومَنْ عَجَز لكبرٍ أو مرضٍ لا يُرجى برؤه ونحوه لَزِمَه (¬4) أن يقيمَ مَنْ يحجُّ ويعتمرُ عنه من بلدِه وقُربِه، ويجزئ ولو عُوفِي بعد إحرام نَائِبِه. وشُرِطَ لوُجوبه علَى أُنْثى مَحْرَمٌ مِنْ زوجٍ أو أبٍ أو خالٍ ولَوْ مِنْ رَضاعٍ ونحوه، وَحَرُمَ سفرُها بدونه. وإنْ مات مَنْ لزمه استُنيب عنه مِنْ تَرِكَتِهِ. ¬

_ (¬1) المناسك: جَمْعُ مَنْسكِ -بفتحِ السِّينِ وَكَسرِهَا- وهُو التَعبُّدُ. يُقالُ: تَنسَّكَ: تعبَّد. وغلبَ إِطْلاقُها علَى مُتعبَّدات الحجِّ. والمَنْسكُ فِي الأَصْلِ مِنَ النسيكَةِ، وهِي الذَّبِيحةُ. والحج لغةً: القصدُ، وشرعًا: قَصْدُ مكَةَ لعملٍ مخصوصٍ في زمنٍ مَخصوصٍ. والعمرةُ لغةً: الزيارةُ، وشرعًا: زيارةُ البيتِ علَى وجهِ مخصوصٍ. (¬2) أي: يُحرِمُ مميزٌ بإذن وليه. (¬3) أي: بعد طواف القدوم. (¬4) في (ج): "لزم".

باب [في المواقيت المكانية والزمانية]

بابٌ [في المواقيت المكانية والزمانية] ميقاتُ أهلِ المدينة ذُو الحُليفةَ، وأهلِ مصرَ والمغربِ الجُحفةُ قُرْبَ رَابغٍ، وأهلِ اليمن يَلَمْلَمَ، وأَهْلِ نَجْدٍ قرنُ، وأهلِ المشرق ذاتُ عِرْقٍ. وهِي لأهْلها، وَلمن مَرَّ عليها مِنْ غيرهم. ولا يحلُّ لمُكَلَّفٍ تجاوزُ الميقات بلا إحرامٍ إذا أراد مكَّةَ أو نُسكًا أو كان فَرضه. ومَنْ حَجَّ من مكةَ أَحرمَ منها، وعُمرتُه مِنَ الحِلِّ. وأشهرُ الحَجِّ شوَّال وذُو القِعْدة وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. ويُكرهُ إحرامٌ قبل ميقاتٍ، وبحجِّ قبلَ أَشْهرِه وَينعقِدُ. بابٌ [في الإحرام] الإحرامُ نيَّة النُّسُكِ. سُنَ لمُريدِه غُسلٌ أو تيممٌ لعذرٍ، وتنظفٌ، وتطيُّبٌ، وتجردٌ من مَخِيطٍ، في إزارٍ ورِداء أبيضين نظيفين، وإحرامٌ عقبَ صلاةٍ، ونيَّتهُ شرط. ويستحبُّ قوله: "اللَّهم إني أريد نسك كذا فيسِّره لي، وتقبَّله مني، وإنْ حبسني حابسٌ فمحلِّي حيث حبستني". وأفضلُ الأنساك التَّمتّعُ؛ بأن يحرمَ بالعمرة في أشهر الحجِّ، ويفرغ منها ثم

فصل [في محظورات الإحرام]

يحرم بالحجِّ في عامِه، وعليه دمٌ إنْ كان أُفُقِيَّاً (¬1)، وإنْ حاضتْ مُتمتِّعةٌ وخافتْ فوتَ حجٍّ (¬2) أحرمتْ به وصارتْ قارنةً. وسُنَّ عقبَ إحرامه تلبية وهي: "لبيك اللَّهم لبيك، [لبيك] (¬3) لا شريك لك لبيك (¬4)، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" يجهرُ بها الرجلُ، وتُسِرُّها (¬5) المرأةُ، وتتأكَّد إذا علَا نَشَزَاً (¬6)، أو هبط واديًا، أوِ التقت الرِّفاقُ، أو أقبلَ ليلٌ أو نهارٌ، أو سَمِع مُلبِّيًا أو صلَّى فَريضةً، أَوْ رأى البيتَ. فصلٌ [في محظورات الإحرام] يَحْرُمُ بإحرامٍ: حلقُ شعرٍ، وتقليمُ ظُفْرٍ بلا عذرٍ، وتغطيةُ رأسٍ، ولو بتظليلِ مِحْملٍ، ولُبْسُ مَخِيطٍ بلا حاجةٍ، ويَفْدي (¬7)، وتطيبٌ في بدنٍ أو ثوبٍ، فإنْ فَعَلَ ¬

_ (¬1) الأفقي: هو مَنْ كان مِنْ مسافة قصرٍ فأكثر من الحرم. (¬2) في (ب) و (ج): "الحج". (¬3) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل، واستدركته من (أ). (¬4) في الأصل كرر كلمة "لبيك" مرتين. (¬5) في (أ): "تُسِر بها". (¬6) النشز: المكان المرتفع. (¬7) قوله: "ويفدي" ليس في (ب). قال الإمام أبو الفرج ابن قدامة -رَحِمَهُ اللهُ- في "الشرح الكبير" (8/ 246): "فلا يجوز للمحرم ستر بدنه بما عُمل على قدره، ولا ستر عضو من أعضائه بما عُمل على قدره؛ كالقميص للبدن، والسراويل لبعض البدن، والقُفازين لليدين، والخُفين لليدين، ونحو ذلك، وليس في هذا اختلاف. قال ابن عبد البر: لا يجوز لبس المخيط عند جميع أهل العلم، وأجمعوا على أن المراد بهذا الذكور دون الإناث" اهـ.

فصل [في الفدية]

أو ادَّهَنَ بِمُطيَّبٍ، أو شَمَّ طِيبًا، أو استعمله في أكلٍ ونحوه، أو تبخَّر بعُودٍ ونحوه فَدَى. ويَحْرُمُ أيضًا قتلُ صيدٍ برِّيٍ مأكولٍ، ومتولِّدٍ منه ومِنْ غيره (¬1)، واصطيادُه وأذَاه، ومَنْ أتلفه أو تَلف بِيدِه أو أعان عليه فعليه جزاؤُه، وقتلُ قملٍ وصِئْبَانِهِ (¬2) ولا شيءَ فيه، لا إِنْسيٌّ كغَنمٍ ودَجاجٍ ولَا صيدُ بحرٍ، ولا مُحَرَّمُ الأكلِ، وصائلٌ. ويحرمُ أيضًا معه (¬3) عقدُ نكاحٍ، ولا يصحُّ، ولا فديةَ، وتصحُّ الرجعةُ. ويحرمُ أيضًا جماعٌ، ويفسدُ نُسُكهما قبل تحلُّلٍ أولَ لَا بعدَه، ويَمضيان في فاسدِه، ويَقْضيان فَوْرًا. وتحرمُ المباشرةُ دونَ الفرج، ولا تُفْسِد ولو أنزلَ. والمرأةُ كالرجلِ إلَّا في اللِّباس، وتغطيةِ الرأسِ، وتَظْلِيل محْمَلٍ. ويَحرُم عليهما القُفَّازان. وإحرامُها في وجهها، فلا تُغطِّيه، وتسدلُ لحاجةٍ. فصلٌ [في الفدية] يُخيَّر في فِديةِ حَلْقٍ وتقليمٍ وتغطيةِ رأسٍ وطيبٍ: بينَ صيامِ ثلاثةِ أيَّام، أو إطعامِ ستَّةِ مَساكين، كلُّ مِسْكينٍ مُدَّ بُرٍّ أو نصفَ صاعِ تمرٍ أو ¬

_ (¬1) أي المتولد من المأكول ومن غيره تغليبًا للحرمة. (¬2) الصِئبان: جمع صُؤابة، وهي: بيضة القَمل والبرغوث. "القاموس المحيط" (1/ 91). (¬3) قوله: "معه" ليس في (ب) و (ج).

شعيرٍ، أو ذبحِ شَاةٍ. وفي جزاءِ صيدٍ: بين ذبحِ مِثْلٍ إنْ كان، وإطلاقُه لمساكين الحَرَمِ، أَوْ تَقْويمِه بِدراهمَ يشتري بها طعامًا يجزئُ في فِطْرةِ، فيُطعم كلِّ مسكينٍ مُدَّ بُرٍّ أو نصفَ صاعٍ مِنْ غيره، أو يصومُ عن طعامِ كلِّ مِسكينٍ يومًا. وأما دمُ تَمَتُّعٍ وقِرانٍ: فهديٌ؛ فإنْ عَدِمه صام ثلاثةَ أيامٍ في الحجِّ، والأفضلُ كونُ آخرها يومَ عرفةَ، وسبعةً إذَا فرغَ مِنْ أفعالِ الحجِّ. ويجب بوطءٍ في فرجٍ، وبمباشرةٍ مع إنزالٍ في الحجِّ قبل تحللٍّ أولَ: بَدَنَةٌ، [و] (¬1) بعده وفي العمرة شاةٌ، وكذا هي إنْ طَاوَعَتْه. ومَنْ كَرَّر محظورًا مِنْ جنسٍ قَبْلَ فديةٍ: فواحدة، إلا في صيد، ومِنْ أجناسٍ لكل جنس فداءٌ، رَفَضَ إحرامَه أَوْ لا. ويسقط بنسيانٍ وجهلٍ وإكراهٍ فديةُ لُبْسٍ وطيبٍ وتغطيةِ رأسٍ، دونَ وطءٍ وصيدٍ وحلقٍ وتقليمٍ. وكلُّ هدي أو إطعام فلمساكين الحَرَمِ، إلا دمَ أذَى ولُبسٍ ونحوهما فَبِهِ (¬2) وحيثُ فَعلَه، ودمُ إحصارٍ حيثُ أُحصر، ويجزئُ صومٌ وحلقٌ بكلٍّ مكانٍ. والدمُ شاة أو سُبع بَدَنةٍ أَوْ بَقَرةٍ. ¬

_ (¬1) الواو ساقطة من (الأصل)، وبدونها لا يستقيم المعنى؛ حيث إن المقصود بقوله: "بعده" أي بعد التحلل الأول، فالصواب إثباتها كما في بقية النسخ. (¬2) كذا في (الأصل) وعليه شرح الشيخ عثمان في "هداية الراغب" (2/ 360)، وفي بقية النسخ: "فيه"

فصل

فصلٌ في النَّعَّامةِ بَدنةٌ، وفي حمار الوحش وبَقَرِه والوَعَلِ (¬1) بقرةٌ، وفي الضَّبْع كَبْشٌ، وفي الغزال عَنزٌ، وفي وبْرٍ (¬2) وضَبِّ جَدْيٌ (¬3)، وفي يَرْبُوعٍ جَفرةٌ (¬4) وفي أَرْنبٍ عَنَاقٌ (¬5)، وفي حَمامة (¬6) شاةٌ. وما لا مِثْلَ له فيه قِيمتُه. فصلٌ [في صيد الحرمين] يحرمُ صيدُ حَرمِ مكَّة على مُحِلٍّ ومُحرمٍ، وحُكْمُهُ كصيدِ مُحْرمٍ. ويحرمُ قطعُ شجرِه وحَشيشِه إلَّا اليابسَ والإِذْخرَ (¬7)، ويحرمُ صيدُ حَرَمِ المدينة، وهو ما بين لَابتَيْهَا (¬8)، ولا جزاءَ فيه، ويُباح الحشيشُ للعلف وآلةُ حرثٍ ونحوه من شَجرِه. ¬

_ (¬1) الوعل: تيس الجبل. (¬2) الوبْر: دويبة كحلاء دون السنَّور لا ذَنَبَ لها. (¬3) الجَدْي: الذَّكَرُ من أولاد المعز له ستة أشهر، والجفرة: ما له أربعة أشهر من المعز. (¬4) قوله: "وفي وبر وضب وجدي، وفي يربوع جفرة" ليس في (أ). (¬5) العَنَاق: الأنثى من أولاد المعز، أصغر من الجفرة. (¬6) الحمام: كل ما عَبَّ الماء وهدر، وليس هو نوع معين، بل يدخل فيه القطا والقمري ونحوها. (¬7) الإذخر: حشيش طيب الريح ينبت بمكة. (¬8) لابتيها: تثنية لابة، وهي الحرة.

باب [في دخول مكة]

بابٌ [في دخول مكة] يُسنُّ دخولُ مكةَ نهارًا مِنْ أعلاها، والمسجدِ من بابِ بني شَيْبة، وإذَا رأى البيتَ رَفَعَ يديه وقال: "اللَّهم أنت السلام ومنك السلام حيِّنا ربَّنا بالسلام" (¬1) "اللَّهمَّ زِدْ هذا البيت تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا ومهابةً وبرًا، وزد مَنْ عظَّمه وشرَّفه ممَّن حجَّه واعتموه تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا ومهابةً وبرًا (¬2) " (¬3) "الحمد لله رب العالمين كما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، والحمد لله الذي بلَّغني بيته، ورآني لذلك أهلاً، والحمد لله على كل حالٍ، اللَّهم إنك دعوت إلى (¬4) حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك، اللَّهم تقبَّل منِّي واعفُ عنِّي، وأصلحْ لي شأني كله، لا إله إلا أنت" يرفع بذلك صوته. ثم يطوف مُضطبعًا، يبتدئ متمتعٌ بطوافِ العمرةِ، وغيرُه بطوافِ القُدومِ، ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 766 - رقم: 16000) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - موقوفًا عليه. ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (8/ 765 - رقم: 15998) والإمام الشافعي في "مسنده" (2/ 251 - رقم: 949 - بترتيب سنجر) عن سعيد بن المسيب -رَحِمَهُ اللهُ- أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول: اللَّهم أنت السلام. . إلخ. (¬2) قوله: "وزد مَنْ عظَّمه وشرَّفه ممن حجَّه واعتمره تعظيمًا وتشريفًا ومهابة وبرًا" ليس في (أ). (¬3) رواه الإمام الشافعي في "مسنده" (2/ 250 - رقم: 948 - بترتيب سنجر) عن ابن جريج عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 765 - رقم: 15999) عن مكحول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) قوله: "إلى" ليس في (أ).

ويبتدئُ من الحَجَرِ الأسودِ فيُحاذيه بكلِّ بَدنِه، ويستَلِمُه ويُقبِّله، فإنْ شَقَّ فبيدِه وقبَّلها (¬1)، فإن شَقَّ أشار إليه، ويقول كلَّما استلمه: "بسم الله والله أكبر، اللَّهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - " (¬2) ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعًا، يَرمل الأفقيُّ (¬3) في هذا الطواف ثلاثًا، ثم يمشي أربعًا، يستلم الحجر والرُّكن اليماني فقط كل مرة ولا يُقبّله، ويقول بين الركن (¬4) اليماني والحَجَرِ: "ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفِي الآخرة حَسَنةً، وقِنَا عَذَابَ النَّار" وفي بقية طوافه: "اللَّهم اجعله حَجَّاً مَبرُورًا، وسَعْيًا مَشْكُورًا، وذَنْبًا مَغْفُورًا، رب اغفر وارحم، واهدني السبيل الأقوم، وتجاوز عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم" ويذكر ويدعو بما أحبَّ. ومن لم يُكمل السبعَ أو لمْ يَنوهِ أو نكَّسه، أو طاف على الشَّاذَرْوَان (¬5) أو جدارَ الحِجْر أو عُريانًا أو مُحدثًا أو نَجِسًا: لم يصحَّ. ثم يصلّي ركعتين خلفَ المقام بـ "الكافرين" و"الإخلاص" نَدْبًا (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: "فإن شق فبيده وقبَّلها" ليس في (أ). (¬2) رواه عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (5/ 24 - رقم: 8929) عن ابن عباس - رضي الله عنه - موقوفًا عليه. (¬3) هو المحرم الذي أتى من الآفاق من غير ساكني مكة. (¬4) في (ج): "الركنين". (¬5) الشاذروان: ما برز من جدران الكعبة من أسفل. (¬6) قوله: "نَدْبًا" ليس في (أ) و (ب).

فصل

فصلٌ (¬1) ثمَّ يستلم الحَجَرَ، ثم يخرج للسعي من باب الصفا فيرقاه حتى يَرى البيتَ، ويُكبِّر ثلاثًا، ويقول ثلاثًا: "الحمد لله على ما هدانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت بيده الخير (¬2) وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، صَدَق وعده، ونَصَر عبده، وهَزَم الأحزاب وحده" ويدعو بما أحبَّ. ثم ينزل يمشي إلى قرب العَلَمِ الأول بستةِ أَذرُع فيسعى سعيًا شديدًا إلى العَلَم الآخر، ثم يمشي ويَرْقى المروةَ، ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضعِ مَشْيهِ، ويسعى في موضعِ سَعْيه إلى الصفا، يفعلُ ذلك سبعًا، ذَهابُه سَعْية، ورجوعُه أخرى، ويقول فيه (¬3): "رب اغفر وارحم، واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم" (¬4) وإن (¬5) بدأ بالمروة سقط الشوطُ الأولُ. وتسنُّ فيه الطهارةُ والسُّترةُ، وتُشترط نيتُه ومُوالاتُه، وكونه بعد طوافِ نُسُكٍ. ¬

_ (¬1) في (ج): "بابٌ". (¬2) قوله: "وهو حي لا يموت بيده الخير" ليس في (أ). (¬3) قوله: "فيه" ليس في (ب). (¬4) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 724 - رقم: 15807) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 95) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - موقوفًا عليه. (¬5) في (ب) و (ج): "فإن".

باب صفة الحج

ثم إنْ كان متمتعًا قصَّر مِنْ شعرهِ كلِّه وتحلَّل إنْ لم يكنْ معه هديٌ، وإلا حلَّ إذا فرغ من حجِّه. وإذا شرع المتمتعُ في الطواف قَطَع التلبية، ولا بأس بها في طواف القدوم سرًا. بابُ صفةِ الحَجِّ سُن لمُحلٍّ بمكة وقُربها إحرامٌ بحجٍّ يومَ التروية قبل الزَّوال، ويجزئُ مِنْ حيثُ شاء. ثم يبيتُ بمنىً نَدْبًا، فإذا طلعت الشمس سار إلى نَمِرَةَ، ويجمع بها بين الظهرين تقديمًا. ثم يأتي عرفة، وكلها موقف إلا بطنَ عُرنَةَ، وسُنَّ وقوفه راكبًا عند الصَّخرات وجَبَلِ الرَّحمة، لا صُعودُه، ويكثر من الدعاء ومن قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير (¬1) وهو على كل شيء قدير، اللَّهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، ويسِّر لي أمري" (¬2). ووقتُه من فجرِ يومِ عرفةَ إلى فجرِ يومِ النحرِ، فمَنْ وقف به -ولو لحظة- وهو أهلٌ له صَحَّ حَجُّه، ولو نائمًا أو جاهلًا أنها عرفةُ، ومَنْ وَقَفَ نهارًا ودفعَ قبل الغروب ولم يَعُدْ قبله فعليه دمٌ بخلاف واقفٍ ليلاً فقط. ¬

_ (¬1) قوله: "وهو حي لا يموت بيده الخير" ليس في (أ). (¬2) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 117) من طريق علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

ثم يدفع بعد الغروب إلى مُزدلفةَ بِسكينةٍ، ويسرعُ في الفَجْوةِ، ويجمع بها العشاءين تأخيرًا، ويبيت بها، وله الدفعُ بعد نصفِ الليلِ، وفيه قبله دمٌ. فإذا صَلَّى الصبحَ أتى المَشْعرَ الحرامَ فَرَقَاهُ أو وقف عنده، ويحمد الله ويكبِّره ويقرأ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} الآيتين (¬1)، ويدعو حتى يُسْفر جدًّا. ثمَّ يسير، فإذا بلغ محسِّرًا أسرع رَمْيةَ حَجَرٍ، ويأخذ حصى الجمار سبعين حصاةً بين الحِمَّص والبُنْدقِ. فإذا وصل منيّ رَمَى جَمْرةَ العَقَبةِ من بطن الوادي بسبعٍ، واحدةً بعد أخرى (¬2)، يرفع يدَه (¬3) حتى يُرى بياضُ (¬4) إِبِطِه، ويكبِّر مع كل حَصاةٍ ويقولُ: "اللَّهم اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وعملاً مشكورًا" ولا يقف، ويقطع التلبيةَ عندها، ويرمي بَعد طُلُوعِ الشَّمس نَدْبًا، ويجزئ بعد نصف الليل، ولا يجزئ الرميُ بغيرِ الحصى، ولا (¬5) بما رُمي به. ثم ينحر هَدْيًا إنْ كان معه، ويحلق أو يقصِّر مِنْ جميع شعره، والمرأة تقصِّر أُنْملةً فأقل، ثم قد حَلَّ له كلُّ شيءٍ إلا النساءُ، ولا دمَ بتأخيرِ حلقٍ أو تقديمه على رميٍ أو نحرٍ. ¬

_ (¬1) الآيتان: 198 - 199 من سورة البقرة. (¬2) في (الأصل): "واحدة بعد واحدة بعد أخرى"!!، والمثبت من بقية النسخ. (¬3) في (ب): "يديه" وهو خطأ. (¬4) قوله: "بياض" ليس في (ج). (¬5) قوله: "لا" ليس في (ج).

فصل

فصلٌ ثم يُفيض إلى مكة ويطوفُ طوافَ الإفاضة بالنيَّة. وأولُ وقتِه من نصفِ ليلةِ النحر، وسُنَّ في يومه وله تأخيرُه، ثم يسعى متمتعٌ بين الصفا والمروة، ومَنْ لم يسعَ مع طوافِ القدوم، ثم قد حلَّ له كل شيءٍ. ويشرب من ماء زمزم لما أحبَّ، ويَتَضلَّع منه، ويقول: "بسم الله، اللَّهم اجعله لنا علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، ورِيَّاً وشِبَعًا (¬1) وشفاءً من كل داءٍ، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك". فصلٌ ثم يرجع فيبيت بِمِنى ثلاثَ ليالٍ، ويرمي الجمرات أيامَ التشريقِ، فيبدأ بالأُولى وتَلي مسجدَ الخَيْفِ بسبعِ حصياتٍ، ويجعلها عن يساره، ويتأخَّر قليلًا ويدعو طويلاً، ثمَّ الوسطى ويجعلها عن يمينه فيرميها بالسَّبْعِ، ويتأخَّر (¬2) قليلًا ويدعو، ثم جمرةِ العَقَبةِ ويجعلها عن يمينه، ويستبطنُ الوادي، ولا يقف عندها. وكذا يفعل في اليوم الثاني والثالث بعد الزَّوال، ويستقبل القبلةَ. ¬

_ (¬1) قوله: "وشبعًا" ليس في (أ). (¬2) في (ج): "فيتأخر".

وإنْ رماه في الثالث أجزأَ أداء، وُيرتِّبه بالنيَّة، وإنْ أخره عنها، أو لم يَبِتْ بها فَدَمٌ. ومَنْ تعجَّل في يومين خَرَجَ قبل الغروب، وسَقَطَ عنه رميُ اليومِ الثالثِ، ويَدفنُ حَصاه نَدْبًا. وإذا أراد الخروجَ من مكَّة ودَّع البيتَ بِالطَواف، ويسقطُ عن حائضٍ، وإنْ أقامَ أو اتَّجر بعده أعادَه، ومَنْ تركه رجع إليه إنْ لم يشقَّ، فإنْ لم يفعل (¬1) فعليه دمٌ. ويقفُ بِالمُلتَزم بين الركن والباب مُلْصِقًا جميعَه، ويدعو فيقول: "اللَّهم هذا بيتك، وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حَمَلْتنِي على ما سخَّرت لي من خَلْقك، وسيَّرتني في بلادك، حتى بلَّغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نُسُكي، فإنْ كنتَ رضيتَ عنّي فازددْ عنِّي رضًا، وإلا فمن الآن قبل أن تَنْأى عن بيتك دَارِي، وهذا أَوَانُ انصرافي إنْ أذنتَ لي (¬2) غير مستبدلٍ بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللَّهمَّ فَأصْحبني العافيةَ في بدني، والصحةَ في جسمي، والعصمةَ في ديني، وحسِّن مُنقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير" (¬3) ويدعو بما أحبَّ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول في انصرافه: "اللَّهم لا تجعله آخرَ العهد"، وتدعو حائضٌ (¬4) بباب المسجد. ¬

_ (¬1) في (أ): "يفعله". (¬2) قوله: "إن أذنت لي" ليس في (أ). (¬3) استحب هذا الدعاء الإمامُ الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ- في "الأم" (3/ 575)، ورواه عنه البيهقي (5/ 165)، وقال: "وهو حسن". (¬4) في (ب): "الحائض".

فصل

وتُستحبُّ زيارةُ قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقَبْرَيْ (¬1) صاحبيه حتى لِنِساءٍ. فصلٌ صفةُ العُمرةِ: أن يُحرم بها من الحِلِّ، والأفضلُ مِنَ التَّنعيم، ثمَّ يطوفُ ويسعَى، ويحلقُ أو يقصِّر، وتصحُّ (¬2) كلَّ وقتٍ، وتُجزئ عن عُمْرةِ الإِسلام. [أركان وواجبات الحج والعمرة] وأركان الحجِّ: إحرامٌ، ووقوفٌ بعرفة، وطوافُ إفاضةٍ، وسعيٌ. وواجباتُه: إحرامٌ من ميقاتٍ، ووقوفُ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَهَارًا إلى الغروب، والمبيتُ بمزدلفةَ إلى نصفِ اللَّيل، وبمنىّ ليالي أيامِ التَّشريق على غير سُقاةٍ (¬3) ورُعاةٍ، والرَّميُ مُرَتَّبًا، وحَلْقٌ أو تقصيرٌ. والباقي سُننٌ. وأركانُ عمرةٍ: إحرامٌ، وطوافٌ، وسعيٌ. وواجبها: حلقٌ أو تقصيرٌ، وإحرامٌ من الحِلِّ. فمَنْ ترك الإحرامَ لم ينعقدْ نُسُكُه، وركنًا غيره لم يتمَّ إلا به، وَوَاجبًا -ولو عمدًا- فَدَمٌ، ونُسُكُه صَحِيحٌ، وسُنةً فلَا شيءَ عليهِ. ¬

_ (¬1) في (الأصل) و (أ) و (ج): "قبر"، والمثبت من (ب). (¬2) في (أ): "يصح". (¬3) في (أ): "سُعاة".

فصل [في الفوات والإحصار]

فصلٌ [في الفوات والإحصار] ومَنْ طَلَعَ عليه فجرُ يومِ النَّحر ولم يقفْ بعرفةَ فاتَه الحجُّ، وتحَلَّل بعمرةٍ إنْ شاء، ويقضي ويهدي إنْ لم يشترط، ومَنْ صَدَّه عدوٌّ عن البيت أَهْدَى، فإنْ لم يجدْ صامَ عَشْرةَ أيَّام بالنِّيَّه ثم حلَّ. وإنْ حَصَرَه مرضٌ أو ذهابُ نفقةٍ بَقِيَ مُحْرمًا إنْ لم يكنِ اشْترط. بابُ الهدي والأضحية أفضلها إبلٌ، ثم بقرٌ، ثم غنمٌ، ولا يجُزئ دُون جَذَعِ ضَأنِ مَا لهُ ستَّة أشهرٍ أو ثَنِيٌّ (¬1) غيره، فمِنْ مَعْزٍ ما له سنةٌ، ومِنْ بقرٍ ما له سنتان، ومن إبلٍ ما له خمسٌ. وتُجزئ (¬2) شاةٌ عن رجلٍ وأهلِ بيته، وبَدَنَةٌ أو بقرة عن سَبْعةٍ. ولا تجزئُ عوراءُ ولا عرجاءُ بيِّنتهما، ولا عجفاءُ ولا هتماءُ ولا جدَّاء (¬3) ولا مريضةٌ مرضًا يضرُّ بلحمٍ، ولا عضباءُ (¬4). ¬

_ (¬1) في (ب): "أنثى"!! (¬2) في (ج): "ويجزئ". (¬3) العجفاء: هي الهزيلة التي لا مخ فيها. والهتماء: هي التي ذهبت ثناياها من أصلها. والجدَّاء: هي التي شَابَ ونَشَفَ ضَرْعُها. (¬4) العضباء: هي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها.

فصل

وتجزئُ بتراءٌ وجمَّاءٌ (¬1) وخصيٌّ غير مجبوبٍ، وما قُطع نصفُ أُذُنه أو قرنُه (¬2) فأقلُّ. وتُنحر الإبلُ، ويُذبح غيرُها على جَنبه الأيسر، ويقول: "بسم الله، والله أكبر، اللَّهم هذا منك ولك"، ويتولَّاها صاحبُها، أو يُوكّل و (¬3) يَحْضرُها. ووقتُ ذبحٍ بعد صلاةِ عِيدٍ أو قَدْرِهَا معَ يومينِ بعده، فإنْ فاتَ قضى الواجبَ. فصلٌ ويتعيَّنان بقوله: هذا هديٌ أو أضحيةٌ، أو لله، وبنذرِه، فلا تُباعُ ولا [تُوهبُ] (¬4) بل تُبدل بخيرٍ منها، ويُجَزُّ صُوفُها ونحوه لِنَفْعها ويُتصدقُ به، ولا يُعطي جَازِرَها بِأُجْرته (¬5) منها، ولا يُباع جلدُها ولا شيءٌ منها (¬6)، بل يُنتفع به. ¬

_ (¬1) البتراء: هي التي لا ذَنَبَ لها خِلْقةَ، أو مقطوعًا. والجمَّاء: هي التي لا قرن لها أو لا أُذُن لها خِلْقةً. (¬2) قوله: "أو قرنه" ليس في (ب). (¬3) الواو ساقطة من (ب) ولا شك أنه خطأ. (¬4) ما بين المعقوفتين ليس في (الأصل) و (أ)، وقال الشيخ عثمان النجدي في "هداية الراغب" (2/ 405): "هكذا بخطه، والظاهر أنه أراد: "ولا توهب" فسقط من القلم لفظ: توهب" اهـ. وفي: (ب) و (ج) جاء: "فلا تُباع بل تبدل". بدون قوله: "ولا". (¬5) في (ج): "أجرته". (¬6) قوله: "منها" ساقط من (ب).

[الأضحية]

[الأضحية] والأضحيةُ سنةٌ، وذبحُها أفضلُ من صَدَقةٍ بِثَمنِها، ويأكلُ منها ويُهدي ويَتصدَّق أَثْلاثًا، وتُجزئُ (¬1) الصدقةُ بنحو أُوقِيَّةٍ منها، فإنْ لم يفعل ضَمِنَهُ (¬2). وإذا دَخَل العشرُ حَرُمَ على مُضَحٍّ، ومُضحىً عنه أخذُ شيء مِنْ شعرهِ أَوْ ظُفْرهِ إلى ذَبْحٍ. فصلٌ [في العَقِيقَةِ] تُسنُّ العَقِيقةُ عن الغلام شاتان، وعن الأنثى شاة. تُذبَح في السابع ويُسَمى فيه باسمٍ حسنٍ، فإنْ فات فرابع عشر (¬3)، فإنْ فات ففي أحد وعشرين. وتُنزعُ جُدُولاً (¬4) بلا كسرٍ، ويكون منه بحلو (¬5)، وهي كأضحية، لكن لا يجزئ فيها شركٌ (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في (الأصل) و (أ) و (ج): "ويجزئ"، والمثبت من (ب) (¬2) قوله: فإن لم يفعل، أي: لم يتصدق بنحو أوقيةٍ، بأن أكلها كلها ضَمِنَهُ، أي نحو الأوقية بمثله لحمًا. (¬3) في (ب): "ففي أربع عشر". (¬4) جدولًا: أي أعضاءً. (¬5) أي: يكون من الطبيخ شيء حلو تفاؤلاً بحلاوة أخلاقه. (¬6) أي: شرك في دم، فلا تجزئ بقرة ولا بدنة إلا كاملة.

كتاب [الجهاد]

كتابُ [الجهاد] الجهادُ فرضُ كِفَايةٍ؛ ويَجبُ إذا حَضَرَه، أو حُصِرَ بَلَدُهُ، أو اسْتَنفره مَنْ له اسْتِنفاره (¬1)، وسُنَّ رِبَاطٌ (¬2)، وتمامه أربعون يومًا. ومَنْ أبواه مسلمان لا يتطوَّع بجهادٍ إلا بإذنهما. ويتفقدُ إمامٌ جيشه عند مَسِير، ويمنع مُخَذِّلًا ومُرجفًا ونحوه (¬3)، ويلزمُ الجيشَ طاعتُه والصبر معه، ولا يجوز الغزو بلا إذنه إلا أن يَفْجَأَهُم عدوٌّ ويخافون كَلَبَه (¬4). [الغَنِيمَةُ والفَيْءُ وأحكامهما] وتُملك غنيمَةٌ باستيلاءٍ ولو بدارِ حربٍ، وهي لمن شَهِدَ الوَقْعَةَ من أهل القتال فتُخَمَّسُ (¬5)، ثم الخمسُ: سَهمٌ للمَصالح، وسَهمٌ لذَوِي القُرْبى، وسَهمٌ لليتامى، وسَهمٌ للمساكين، وسَهمٌ لأبناء السَّبِيل، ثم يقسَمُ باقي الغنيمة بين الجيش وسراياه بعد النَّفْل: للرَّاجل سهمٌ وللفارس ثلاثة. ¬

_ (¬1) وهو الإمام أو نائبه. (¬2) الرباط: لزومُ ثغرٍ لجهادٍ ولو ساعة. (¬3) قوله: "ونحوه" ليس في (ب). (¬4) كَلَبَه: أي شرّه وأذاه. (¬5) فتخمس: أي يُخرج الإمامُ أو نائبُه الخُمسَ بعد دفع سلبِ لقاتل، وسيأتي مصرف الخمس في كلام المصنف.

باب عقد الذمة

والغَالُّ (¬1) يُحرق رَحْله، إلا السلاح والمصحف وما فيه روح. وُيخَيَّرُ إمامٌ في أرضٍ بين قَسمٍ ووقفٍ مع ضَرْب خراجٍ يُؤخذ كل عام ممن هي بيده باجتهاده (¬2)، ويجري فيها الميراث، ومن عَجَزَ عن عمارة ما بيده منها رفع يده عنه. وما أُخذ من مال كفّارٍ (¬3) بغير قتالٍ، كجزيةٍ وخراجٍ وعُشر تجارَة ونصفه وَمَا ترَكُوه فزعًا ففيءٌ يُصرف في مَصَالح المسلمين الأهم فالأهم. بابُ عَقْدِ الذِّمَّة (¬4) يَعْقدها الإمامُ أو نائِبُه لأهلِ الكِتَابين والمَجُوس إذا (¬5) بذلوا الجِزْيَة والتزمُوا أحكامنا (¬6). ولا جِزْيةَ على صبيٍ، ولا امرأةٍ، ولا عبدٍ، ولا على (¬7) مَن يَعجز عنها، ومَنْ صَار أهلًا لها أُخِذَت منه. وتُؤخَذ آخر الحَوْل، وإن بذلوا مَا عَلَيْهم وَجبَ قَبُولُه وحَرُم قتالهم ويُمتَهَنُون عند أَخْذهَا ويُطال قيامُهم وتُجَرُّ أيديهم. ¬

_ (¬1) الغال من الغلول، وهو الأخذ من الغنيمة قبل أن تُقسم. (¬2) أي: إن تقدير الخراج يكون باجتهاد الحاكم أو نائبه. (¬3) في (أ) و (ب) و (ج): "كافرٍ"، والمُثبت من (الأصل). (¬4) عقد الذمة: إقرار بعض الكفار على كفرهم مقابل جزية، والتزامه أحكام الملة. (¬5) في (ب): "إن". (¬6) في (ج): "أحكامها". (¬7) قوله: "على" من (الأصل) وليس في بقية النسخ.

فصل [في أحكام عقد الذمة]

فصلٌ [في أحكام عقد الذمة] وَعَلَى الإمامِ أخْذُهم بحكم الإسلام في نَفْسٍ وَمَالٍ وعِرضٍ وإقامَة حدٍّ فيما يُحَرّمونه، ويَلزمهم التَّمييز عنَّا، ويركبون غير خَيلٍ بإِكَافٍ (¬1)، ولا يجوزُ تصديرهم ولا القِيامُ لهم ولا بَدَاءَتهم بالسَّلام ونحوه، ويُمْنعُون من إحداثِ كنيسةٍ ونحوها وبناءِ ما انهدم منها، ومن تعلية بناءٍ فقط (¬2) على مسلم، ومن إظهار خمر وخنِزير وناقُوس وجهرٍ بكتابهم، وإن تهوَّد نصرانيٌّ أو عكسه لم يُقبل منه إلا الإسلام أو دينه. ومن أبى منهم بذل جِزْية، أو التزام حكمنا أو تعَدّى على مسلم بقتل (¬3) أو زنى، أو فَتَنَه عن دينهِ أو قَطَعَ طريقًا أو آوى جاسُوسًا، أو ذكر الله، أو كتابه، أو رسوله بسوءٍ انتقض عهدُه وَحْدَه (¬4)، وإذَا أسلم أوْ مَات أو عدم أحد أبَوي غير بالغٍ منهم بدارنا حُكِمَ بإسْلامِهِ كالمسبيِّ دُونَ أبَوَيه. * * * ¬

_ (¬1) أي يركبون غير الخيل، كالحمير ونحوها، والإكاف، أي البرذعة، وهي ما يوضع على الحمار ويُجلس عليه. (¬2) ويُفهم من قوله: فقط. أنه يمنع من التعلية فقط، ولا يمنع من مساواته لبناء المسلم. (¬3) قوله: "بقتل"، ليس في (ج). (¬4) فى (ج): "واحده"!!، وقوله: وَحْده، أي دون عهد أولاده أو نسائه فلا ينتقض.

كتاب البيع

كتابُ البيع (¬1) ينعَقد بإيجاب وَقبُول ولا يضرُّ تراخِيهِ عنهُ بالمجلسِ ما لم يتشاغلا بما يقطعه، وبمُعَاطأةٍ كأعطني بهذا كذا فيعطيه ما يُرضِيهِ، وشروطه: الرضا، إلا من مُكْرَه بحق. وكونُ عاقدٍ جائزَ التصرّف، فلا يصح مِن صغيير وسفيهٍ بغير إذن وَليّهِ. وكونُ مبيع مباحًا نفعُه بلا حاجة (¬2)، كبغل وحمارٍ، ودود قَزٍّ، وبزْرِه (¬3)، وفيل وسباعِ بهائم، وطيرٍ تصلُحُ لصيدٍ، لا كلب وحشراب وميتة وسِرجين (¬4) ودهن نَجسَيْن. ¬

_ (¬1) البيع لغة: أخذ شيء وإعطاء شيء، مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه للآخر. اصطلاحًا: مبادلة عين ماليه أو منفعة مباحة بمثل أحدهما، أو بمال في الذمة للملك على التأبيد. (¬2) قوله: "بلا حاجة"، قال المصنف في "كشاف القناع" (3/ 174): "فخرج ما لا نفع فيه أصلًا كالحشرات، وما فيه منفعة محرمة كالخمر، وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب، وما فيه منفعة تباح للضرورة كالميتة في حال المخمصة وخمر لدفع لقمة غص بها". (¬3) بزر القز: بيضه، وإطلاق البزر عليه مجاز على التشبيه ببزر البقل لأنه ينبت كالبقل، انظر: "المصباح المنير"، مادة: بزر. (¬4) السرجين -بكسر السين وفتحها-: الزِّبل، وهو نوع من السماد، والسرجين النجس كأن يكون من روث حمار أهلي.

ويجوز استصْبَاحٌ بمتنجّسٍ في غير مسْجدٍ، وحرُمَ بيع مصحف، ولا يصحُّ لكافرٍ. وكونُ عَاقدٍ مَالكًا أو مَأْذونًا، فلا يَصِحّ من فُضُولي إلا إذا اشترى في ذمّته لمن لم يُسمّه في العَقد فيصح له بالإجازة، وإلا لَزِمَ المشتري. ولا يُباع غير المساكن مما فُتح عَنْوة (¬1) كأرض مصر والشام [ونحوهما] (¬2)، بل تُؤَجر، ولا رِباع (¬3) مكة ولا تُؤْجَر، ولا نقع بئر وكَلأ ونحوه قبل حَوْزِهِ، ويملِكُهُ آخِذُهُ. وقدرةٌ على تَسْلِيمِهِ (¬4)، فلا يَصِحُّ بيع آبقٍ وشاردٍ، وطيرٍ بهواء، وسَمَكٍ بِماءٍ، ومغصوبٍ إلا لغاصبه، أو قَادِرٍ على أخذه منه. وكونُ مبيعٍ مَعلومًا، برؤيةٍ أو وصفٍ يكفي (¬5) في سَلَم، فلا يُباعُ حَملٌ ببطنٍ، ولا لبنٌ بضرع، ولا مسكٌ في فأرَته (¬6) ونحوه، ولا نحو عبدٍ من عبيده، ولا استثناؤه إلا معينًا، ويصح بيعُ حَيَوانٍ دون رَأْسه وجِلْده وأَطْرَافه، لا استثناء شَحْمه أو حَمْله (¬7)، ويصح بيع باقلاء في قشرها، ¬

_ (¬1) عَنوة: أي قهرًا وغلبة. (¬2) زيادة من (ج). (¬3) أي: المنازل. (¬4) في (ب) و (ج): "تسليم". (¬5) في (أ): "بما يكفي". (¬6) فأرة المسك: أي وعاؤه المنفصل من غزال المسك. (¬7) في (ج): "لحمه".

فصل

وحبّ مُشتدّ في سُنبله. وكونُ ثمنٍ معلومًا، فإن باعه برقْمِه (¬1) أو بما ينقطع به السعرُ (¬2) ونحوه، أو بألفٍ ذهبًا وفضة لم يصحّ، ويَصحُّ بيعُ الثوبِ ونحوه كُلَّ ذِرَاعٍ بدرهم، لا مِنْه كذلك (¬3). ومن باعَ مَعلومًا ومجهولاً صفقةً صَحَّ في المعلوم بِقِسْطِه ما لم يتعذّر عِلْمُ المجهول فيبطل فيهما إن لم يُبيّن ثَمَنَ كُلٍّ، وإن باع مشاعًا بينه وبين غيره، أو عبدَه وعبدَ غيرِه مَثلاً بلا إذنه، أو وحُرَّاً (¬4)، أو خلَّا وخَمْرًا: صَحَّ في مِلْكه بِقسْطِهِ ولمشترٍ الخيار. فصْلٌ ولا يَصحُّ البيعُ ممّن تلزمُه الجمعَة بعد نِدَائها الثاني إلا لحاجةٍ، ويَصِحُّ النكاحُ وسائرُ العقودِ. ولا يصح بيعُ زبيب ونحوه لمُتَّخِذِهِ خَمْرًا، ولا سلاحٍ في فتنةٍ، ولا عبدٍ مسلم لكافرٍ إن لم يَعتق عليْهِ، وإن أسْلم في يده أُجبر على إزالة مِلْكِهِ، ولا ¬

_ (¬1) أي ثمنه المكتوب عليه، فلا يصح، وذلك إن لم يعرفا الرقم، فإن عرفاه صَحَّ. كذا في حاشيةٍ على "هداية الراغب" (2/ 430) من تقرير مؤلفه الشيخ عثمان بن قائد -رَحِمَهُ اللهُ-. (¬2) أي: بالمساومة. (¬3) أي: يصح بيع الثوب ونحوه كله كل ذراع بدرهم -مثلًا-، ولكن لا يجوز أن يقول للمشتري خذ ما شئت من الثوب -بدون تحديد- كل ذراع بدرهم، ففي الصورة الأولى المبيع معلوم فيصح، وفي الصورة الثانية المبيع مجهول فلا يصح. (¬4) أي: باع عبدًا وحرًا. وفي (ج): "أو حرًا".

فصل [في الشروط في البيع]

تكفي (¬1) كتابته (¬2). وإن جَمع بين بيعٍ وغيره بعقدٍ صَحّ إلا الكتابة. ويحرم بيعٌ على بيعِ مُسْلمٍ، وشراءٌ على شرائه، وسَوْمٌ على سَوْمِهِ، بعد صريح الرِّضا. ومن باع ربويًا لم يَجُز أن يَعْتاضَ عن ثَمَنِهِ قَبْلَ قبضهِ ما لا يباع به نَسِيئة (¬3)، وكذا شراؤه ما باعه بدون ثمنه قبل قبْضه نقدًا وعكسُه (¬4)، ويصحُّ بغير جنسِهِ، وبَعْدَ قَبْضِ ثَمَنِهِ أو تَغيّرِ صِفَتِهِ، ومِنْ غَير مُشتريه، وإن اشتراهُ أبوه (¬5)، أو ابنه جاز. فصْلٌ [في الشُّروط في البيع] يصح شرطُ (¬6) تأجيلِ ثمنٍ ورهنٍ أو ضمينٍ مُعيّن (¬7) به، وكون العبد كاتبًا، ¬

_ (¬1) في (الأصل): "يكفي"، والمثبت من بقية النسخ. (¬2) في (ب): "كتابة". (¬3) وصورة ذلك: أن يبيع رجل سلعةً ربويةً -كصاع شعير مثلًا- بعشرة دنانير، ولم يقبض الثمن بعد، وفي هذه الفترة يعتاض عن هذه الدنانير التي في ذمة المشتري بسلعة ربوية لا يجوز أن تباع بالسلعة الأولى نسيئة، أي تكون من نفس جنسها: كشعير بشعير، وبر ببر وهكذا، فلا يجوز؛ وذلك حسمًا لمادة الربا. (¬4) وهذه المسألة هي التي تسمى مسألة العِينَة. وقال الإمام الموفق ابن قدامة -رَحِمَهُ اللهُ- في: "الكافي" (2/ 256): "كل شيئين حَرُم النَّساءُ فيهما لم يجز أخذ أحدهما عن الآخر قبل قبض ثمنه". (¬5) في (ج): "أبواه" (¬6) قوله: "شرط " ليس في (ب) و (ج). (¬7) في (ج): "عين"

أو خصِيًّا أو مسلمًا والأَمَةُ بِكرًا ونحوه، وشرطُ بائع سُكنى مبيع شهرًا مثلًا، وحُملان البعير إلى موضع مُعَيّن، وشرطُ مُشترٍ على بائعٍ حَمْلَ حَطَبٍ أو تكسِيره وخياطة ثوب، أو تفصيله. وإن جَمَعَ بين شرطين كَحَمْل حَطَبٍ وتكسيره بَطَلَ البيعُ، كاشتراط عقدٍ آخر من سَلَفٍ وقرضٍ وبيع (¬1) وإجارَة وصرف، وكتعليقه على شَرْطٍ مُستقبلٍ. وإن شَرَطَ ألّا خَسَارَةَ عليه أو متى نَفَقَ المبيعُ وإلا رَدّهُ أو ألا يبيعه، أو يهبه ونحوه، أو إن (¬2) أَعْتَقَهُ فَوَلاؤُه لبائع: فسد الشرط، وصَحَّ البيعُ، ولِمَنْ فَاتَ غَرَضُه الفسخُ. ويصح شرطُ عتقٍ، وبعتك على أن تنقدني الثمن إلى كذا، وإلا فلا بيع بيننا، فإن لم يفعل انفسَخ، لا قولٌ لمرتهن (¬3) إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فالرهن لك ونحوه. ومن باع بشرط البراءة من كُلّ عيب لم يبرأ ما لم يعيّنه أو يُبرئه بعد البيع، وإن باعَ ثوبًا ونحوه على أنه عشرة أذرع فبان أقل أو (¬4) أكثر صَحّ بقسطه، ولمن جَهِلَ وفات غَرَضُهُ الفسخُ. ¬

_ (¬1) قوله: "وبيع" ليس في (أ). (¬2) قوله: "إن" ليس في (ب) (¬3) في (الأصل) و (ج): "مرتهن"، والمثبت من (أ) و (ب). وقال الشيخ عثمان بن قائد في: "هداية الراغب" (2/ 437 - 438): "وفي كلام المصنف نظر، وصوابه أن يقول: ولا قول راهن: إن جئتك. . إلى آخره، أو: ولا قول مرتهن: إن جئتني بحقي في وقت كذا، وإلا فالرهن لي، والله أعلم" اهـ. . (¬4) قوله: "أو" ليس في (ج).

باب الخيار

بابُ الخَيار (¬1) وهو أقسام: خِيَار المجلس: يثبت (¬2) في بيعٍ، وما بمعناه وإِجَارة وصَرْف ونحوه دون نكاح ووقف ومساقاة ونحوها إلى (¬3) أن يتفرقا عُرْفًا بأبدانهما، وإن أسقطاه أوْ تبايعَا على (¬4) ألّا (¬5) خِيَار سَقَطَ، وإن أسقطهُ أحدُهُما بقي للآخر (¬6). الثاني: أن يشترطاه في العقد لهما أو لأحدهما مُدَّةً معلومة ولو طالت، وابتداؤها من عقد، وإذا مضت مدته أو قَطَعَاه لَزِمَ البيعُ. ويثبتُ في بيع وما بمعناه (¬7) غير نحو صَرفٍ، وفي إجارَةٍ في ذمَّة، أو مدةٍ لا تلي العقد، ويصح إلى الغد أو الليل، ويسقط بأوّله. ولمن له الخيار الفسخ ولو مَعَ غيبة الآخر أو سخطه. والملك مدة الخيارين لمشترٍ فله نماؤه وكسبه، وعليه نقصه وتلفهُ إن ضَمِنَه (¬8). ¬

_ (¬1) الخيار: اسم مصدر اختار يختار اختيارا. وهو شرعًا: طلب خير الأمرين، من إمضاء عقد أو فسخه. (¬2) في (أ): "فيثبت". (¬3) في (ب) و (ج): "إلا". (¬4) في (ج): "عن". (¬5) في (ب) و (ج) رُسمت: "أن لا". (¬6) في (ب) و (ج): "بقي خيار الآخر". (¬7) في (ج): "في معناه". (¬8) قوله: "إن ضمنه" ليس في (ب).

ولا يصحُّ تصرُّف أحدهما في المبيع أو ثَمَنِه المُعيّنِ زَمَنُه بلا إِذْنِ الآخر لغير تجربة، إلا عتق مشترٍ فينفذ (¬1) مع التحريم. وتصرّفُ مشترٍ فسخٌ لخياره لا بائع (¬2)، ومن مَات منهما بطل خيارُه. الثالث: إذا غُبِنَ (¬3) في البيع (¬4) غَبْنًا خَارجًا عن عاد؛: بزيادة ناجشٍ، ولمسترسل (¬5)، وفي تلقّي ركبان. الرابع: خيار التدليس: كتسويد شعبر، وتجعيده، وتَصْرِيَةِ لبن في ضَرعٍ ونحوه، ويردّ مع مُصرّاة بدل اللبن صاعَ تمر. الخامس: خيار العيب: وهو ما نقص قيمة المبيع، كمرضه وزيادة عضو أو سنن أو فقدهما، وحَوَلٍ أو (¬6) قَرَعٍ، وعَثْرَةِ مركوبٍ، وزنى مَنْ له عشر وسرقته وإباقه وبوله في فراشهِ ونحوه، فإذا علمه مشترٍ خُيّر بين إمساك مع أَرْش (¬7)، أو رَدِّ وأخذِ ما دفع مِنْ ثَمَن. وإن تلف أو عتق تعين أرشٌ، وإن تعيَّب (¬8) عند مشترٍ، أو اشترى جوز هند أو بيض نعام فكسره (¬9) فوجده فاسدًا، فإن أمسكه فله أرشه، وإن ردّه ردّ ¬

_ (¬1) قوله: "فينفذ" ليس في (ب). (¬2) قال المصنف في: "الروض المربع" (6/ 141): "وتصرف البائع في المبيع إذا كان الخيار له وحده ليس فسخًا للبيع". وذلك لأن الملك انتقل عنه فلا يكون تصرفه استرجاعًا. (¬3) في (أ): "عين". (¬4) في (ب) و (ج): "المبيع". (¬5) المسترسل: هو من جهل القيمة ولا يحسن يماكس. (¬6) كذا في الأصل، وفي بقية النسخ: "و". (¬7) الأرش: قسط ما بين قيمة المبيع صحيحًا ومعيبًا. (¬8) في (ج): "تغيب". (¬9) قوله: "فكسره" ليس في (ب).

مَعَه أرش عيبه أو كَسْرِه، بخلاف نحو بيض دجاج يجده (¬1) فاسدًا فيرجع بكل ثمنه (¬2). وخياره مُتَرَاخ (¬3) ما لم يوجد دليل رضاه، ولا يفتقر إلى حكمٍ ولا [إلى] (¬4) رضا رفيقه. وإن اختلفا عند مَنْ حَدَثَ العيبُ مع احتمالٍ، فقولُ مشترٍ بيمينه (¬5)، فإن لم يحتمل إلا قولَ (¬6) أحدهما قُبل (¬7) بلا يمين. السادس: خيارٌ في البيع بتخبير (¬8) الثمن، إذا اشتراه ممن (¬9) لا تقبل شهادتهُ له، أو بأكثر مِنْ ثمنه حيلة، أو لرغبةٍ تخصّه، أو باع بَعْض الصفقة بقسطها من الثمن ونحوه ولم يبيّن ذلك في إخباره (¬10) بثمنه فلمشترٍ (¬11) الخيار بين ردٍ وإمساك. وأما بيع المُرَابَحَة ونحوه إذا بان خلافُ إخبارِه سَقَطَ (¬12) زائدٌ وقسطه من ¬

_ (¬1) في (ج): "يجد". (¬2) وذلك لأن بيض الدجاج لا يُنتفع بقشره، فوقع العقد على غير منتفع به أصلًا. (¬3) في (ج): "متأخر". (¬4) زيادة من (ج). (¬5) لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت. (¬6) في (ب): "الأقوال"!! (¬7) قوله: "قبل" ليس في (ب) و (ج). (¬8) أي أن هذا الخيار يثبت في البيوع التي يخبر البائعُ المشتريَ برأس المال، وتُسمّى: بيوع الأمانات. (¬9) في (أ) و (ب): "من". (¬10) في (ب) و (ج): "إخبار". (¬11) في (ج): "فللمشتر". (¬12) قال في: "هداية الراغب" (2/ 450): "وكان الأظهر أن يقول: فيسقط".

ربح وأَخَذَهُ مشترٍ بالباقي، وأُجِّل في مؤجل ولا خيار. وما (¬1) يُزاد في ثمن أو مثمن أو خيار زمن الخيارين (¬2)، أو يُؤخذ أرشًا لعيبٍ أو لجنايةٍ (¬3) عليه: يلحق بعقد ويُخبر به، وإن أخبرنا بالحال فحسن، لا نماء ونحوه (¬4). السابع: إذا اختلف البائعان في ثمنٍ ولا بينة تحالفا، ثم لكلٍ فسخه إن لم يرض أحدهما بقول الآخر. وإن اختلفا في صفته (¬5) أُخذ نقد البلد ثم غالبه ثم الوسط. وفي أَجَل أو شرطٍ فقولُ مَن ينفيه كمفسد (¬6)، وفي عين مبيع أو قدره فقول بائعٍ (¬7)، وإن أبى كل التسليم حتى يقبضه الآخر، والثمَنُ عَيْنٌ، نُصب عدلً يقبض منهما ويُسلّم المبيع ثم الثمن، وإن كان دينًا حالاً بيده أُجبر بائعٌ ثم مشترٍ، وإن كان دون مسافة قصر حُجر عَليْهِ في كل مَاله حتى يحضره، وإن كان بعيدًا أو المشتري مفلسًا فلبائع الفسخ. الثامن: خيار للخُلف في الصفة، وتغيّر ما تقدمت رؤيته. ¬

_ (¬1) في (ج): "ولا". (¬2) أي: خياري المجلس والشرط. (¬3) في (أ): "أو جناية". (¬4) قوله: "لا نماء ونحوه" مطموسة في (ب)، ومقدمة في (ج) قبل قوله: ويخبر به. (¬5) أي صفة الثمن، من أي نقد هو. (¬6) أي: كما يُقبل قول منكر ما يفسد العقد، لأن الأصل عدمه، فكذا هنا. (¬7) في (ب) و (ج): "البائع".

فصل

فصْلٌ وما اشتُري بِكَيْلٍ ونحوه لَزِمَ بِعَقْدٍ، ولا يصح تصرفه فيه حتى يقبضه، وتَلَفُهُ قَبْلَه مِنْ ضَمَانِ بَائِعٍ، ويبطل البيع بتلفه بآفة. وما عداهُ يَصِحُّ التصرف فيه قبل قَبْضه، ومن ضمان مشترٍ، ما لم يمنعه بائعٌ. ويحصل قبضُ ما بِيعَ بِكَيْل أو وَزْنٍ أو عَدٍّ أو ذرع بذلك، وصُبرة (¬1) وما يُنقل: بنقله، وما يُتَنَاوَلُ: بِتَنَاوله، وما عداه: بتخليته (¬2). [الإقالة] والإقالةُ فسخٌ، وتُندب إقالةُ نادمٍ، وتصح قبل قبض مبيع وبعده، لا مع تلفه، أو [مع] (¬3) موت عاقد، أو زيادةٍ على ثمن، أو نقصه، أو بغير جنسه. * * * ¬

_ (¬1) الصُبرة -بالضم-: ما جُمع من الطعام بلا كيل ووزن. "القاموس المحيط" (2/ 67). (¬2) في (أ): "بتخلية". (¬3) زيادة من (ج).

باب الربا والصرف

بابُ الرِّبا والصَّرف يَحْرمُ رِبا الفَضْل والنَّسِيئة. [رِبا الفَضْل] فلا يُباع مكيلٌ بجنسه، ولا موزونٌ بجنسه إلا مثلًا بمثل يدًا بيد، ولا يباع مكيلٌ بجنسه وزنًا ولا جزافًا (¬1)، ولا موزون بجنسه كيلًا ولا جزافًا. وإن اختلف الجنسُ كَبُرٍّ بشعيرٍ جازَ كيلًا ووزنًا وجزافًا. ولا يصح بيعُ لحمٍ بحيوانٍ مِن جِنسه، ولا بيعُ حَبِّ بدقيقه أو سوِيقِه، ولا نَيِّئِهِ بمطبوخه، ولا خالصه بمشوبه، ولا رَطْبه بيابسه، إلا في العرايا. ويصحُّ بيعُ دَقيقِه بدَقيقِه إذا استويا نُعُومَةً، وخُبزه بِخُبزه إذا استويا نشافًا، ولا يباعُ منزوعُ النَّوى بما فِيهِ نوَاه، ولا ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير الجنس كمُدّ عَجوةٍ ودرهم بِمُدّ عجوة ودرهم (¬2)، أو بمدين منهما. ويصح بيع نوىً بتمرٍ فيه نوى، وصوف أو لبن بذات صوفٍ أو لبن ونحوه. ¬

_ (¬1) الجُزَاف: بيع الشيء لا يُعلم وزنه ولا كيله. (¬2) قوله: "بمد عجوة ودرهم" ليس في (ب) و (ج).

[ربا النسيئة]

[رِبا النَّسِيئَة] ويحرمُ رِبا نَسِيئةٍ بين كلِّ مَكِيلَيْن أو مَوْزُونَيْنِ ليس أحدهما نقدًا، ولو من جنسين، فإن تفرّقا قبل قبضٍ بَطَل كالصَّرْف، ويجوز النَّساءُ في بيعِ مَكِيلٍ بموزونٍ وما لا كيل فيه ولا وزن كالجَوز والبَيْض، لا بيع دين بدين. وتتعيَّن دراهم ودنانير بتعيينٍ (¬1) في العقد، فلا تُبدل وإن كانت مغصوبةً أو معيبةً من غير الجنس بَطَل، ومعيبة من الجنس أمسك، أو رَدّ ولا أرش إن اتحد الجنس. باب بيع الأصول والثمار من باع دارًا شَمِلَ أرضَهَا وبِنَاءَهَا وبابَهَا المنصوب وسُلّمًا ورفَّاً منصوبين، وخَابِيَة (¬2) مَدْفُونةً، دُون حبل ودلوٍ وبَكرةٍ ومفتاحٍ وكَنزٍ ونحوها. وأرضًا شمل غِرَاسها وبِنَاءها، وإن لم يقل بحقوقها، دون زَرعٍ نحو بُرٍّ وشعيرٍ، ويبقى لبائع. وإن كان يُجَزُّ أو يُلقطُ مِرارًا فأصولُه لمُشترٍ، وجَزّةٌ ولَقْطَةٌ ظاهرتان عند بيعٍ [لِبائعٍ] (¬3) إن لم يشْتَرِطْهُ مُشترٍ، ونَخْلًا تَشَقَّقَ طلْعُه فلبائعٍ مُبَقّى (¬4) إلى ¬

_ (¬1) في (ج): "بتعيّن". (¬2) الخابية: وعاء الماء الذي يُحفظ فيه. (¬3) ليس في (الأصل)، وهو في (أ) و (ب). (¬4) في (ب): "يبقى".

جَذَاذِهِ، ما لم يَشترطْهُ مُشترٍ (¬1)، وكذا شجرُ عِنَبٍ وتُوتٍ ورُمّان ونحوه، وما خرج من نَوْرِهِ كمشمشٍ، أو أَكْمَامه (¬2) كوردٍ وقُطنٍ، ومَا قبل ذلك فلمشترٍ كورق. ولا يباع ثمرٌ قبل بُدُوِّ صلاحه، ولا حبُّ (¬3) زرع قبل اشتدادِ حَبّهِ، ولا بَقلٌ وقِثَّاءٌ ونحوُه دُونَ أَصْلِه إلا بشرط قَطْعِه في الحالِ، أو جَزّةً جَزَّة، أو لَقْطةً لَقْطةً، وحَصَادٌ ولَقَّاطٌ على مُشْترٍ. وإن اشترى ثمرًا لم يَبْدُ صلاحُهُ بِشرط القَطْعِ ثم تَرَكَهُ حتى زاد، أو رُطبًا عَرِيّةً وتَرَكَهُ حتى أتمر بَطَل البيعُ، لا إن (¬4) حدث مع مشتراةٍ بعد صلاحها ثمرةٌ أخرى، ولو اشتبهت، ويصطلحان. وما بدا صلاحُهُ جَازَ بيعُه مُطلقًا وبشرط التبقية، وعلى بائعٍ سقيُهُ إن احتاجه ولو تَضَرَّرَ أصلُه، وإن تَلِفَ بآفةٍ فعلى بائع، وبفعل آدمى يُخيّرُ مشترٍ. وصلاحُ بعضِ شَجَرَةٍ صلاح لجميع نوعها بالبستان، وصلاحُ نحو بلحٍ وعِنَب طِيبُ أكله وظهورُ نُضجه، ونحو قِثَّاء أن يُؤكلَ عادةً، وحَبٌّ أن يَشتَدَّ أو يبيّض. ويشمل بيع (¬5) دابةٍ عِذَارَاً (¬6) ومِقْوَدًا، وقنِّ لباسًا معتادًا، لا ما لِجَمَالٍ، ولا مالًا مَعَهُ إلا بشرط. ¬

_ (¬1) قوله: "ونخلَا تَشَقِّقَ طلعُه فلبائعٍ مبقي إلى جذاذه، ما لم يشترطه مشترٍ" ساقط من (ج). (¬2) جمع كِم: وهو الغلاف. (¬3) قوله: "حب" ليس في (أ). (¬4) في (ب): "لأن". (¬5) في (ج): "مع". (¬6) العذار: اللجام.

باب السلم

باب السَّلَم (¬1) يَصِحُّ بلفظهِ، ولفظِ سَلَفٍ وبيعٍ. وشروطه: انضباطُ صِفاتِه؛ كمكيلٍ وموزونٍ ومذروعٍ، فلا يَصِحُّ في مَعدودٍ مُخْتَلِفٍ كفواكهَ وبُقُولٍ وجُلودٍ ورؤوس، ونحو قَمَاقِمَ (¬2) وأسطالٍ (¬3) ضيّقةِ الرؤوس، ولا فيما يُجْمَعُ (¬4) أخلاطًا غير متميزة كَمَعَاجِينَ، ويَصِحُّ في حيوانٍ، وثوبٍ منسوجٍ من نوعين. الثاني: ذِكْرُ جِنسه ونَوعِه ووصفٍ يَخْتَلِفُ به ثَمَنُهُ ظَاهرًا؛ كحداثةٍ وجَوْدةٍ، ولا يَصِحُّ شَرْطُ أجودَ أو أرْدأ، بل جيدٌ أو رَدِيءٌ. الثالث: ذِكْرُ قَدْرِ كَيلٍ (¬5) في مكيلٍ، أو وزنٍ في موزونٍ، فإن أسلَمَ في مَكيلٍ وَزْنًا أو عكسه لم يَصِحَّ. ¬

_ (¬1) السَّلَمُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالسَّلَفُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، سُمَّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ بِالْمَجْلِسِ وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِه. وَالسَّلَمُ شَرْعًا: عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي ذِمَّةٍ مُؤَجَّلٌ، بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ. (¬2) القماقم: جمع قمقم، وهو ما يُسخن به الماء من نحاس، ويكون ضيق الرأس. (¬3) الأسطال: جمع سطل، وهو الإناء المعروف من معدن له علاقة كنصف الدائرة. "المعجم الوسيط" (ص 429). (¬4) في (ب) و (ج): "ولا ما يُجمع". (¬5) في (الأصل) و (ب): "مكيل"، وفي (ج): "ذكر قدر كيل أو وزن في موزون".

الرابع: ذِكْرُ أَجَل مَعلومٍ له وَقعٌ في الثمنِ عادَةً، فلا يَصح حَالاً، ولا إلى نحو الحصاد، ولا إلى يومٍ، ويَصحُّ في نحو خُبزٍ ولحمٍ يأخُذُه (¬1) كل يوم كذا. وإن جَاءَهُ به قَبل مَحِلِّهِ ولا ضَرَر لَزِمَ أخذُهُ؛ كأجود منه من نوعهِ. الخامس: وجُودُه غالِبًا في محله، لا وَقْتَ عقدٍ، فإن تَعَذَّرَ فلهُ الصبرُ والفسخُ. السادس: قَبضُ ثَمَنِهِ قَبل تَفَرّقٍ، وَشُرِطَ عِلْمُ قَدْرِهِ ووَصْفِهِ، فإن تأخَّرَ في بَعْضِهِ بَطَلَ فيه فقط كصَرفٍ، وإن أسْلم في جنسِ إلى أجلين، أو عكسه بَيَّنَ كُلَّ قِسْطٍ وثَمَنَهُ. السابع: أن يُسْلِمَ في ذِمّةٍ لا عَينٍ. ويُعَيّنُ مكانَ الوفاءِ إن عَقَدَ بنحو بَريّةٍ، وإلا وَجَبَ مَوضعَ عَقدٍ إن لم يَشْتَرِطْ في غيره. ولا يَصِحُّ تَصَرُّفٌ في مُسْلَمٍ فيه قَبْلَ قَبْضِهِ، ولا أخذُ عِوَضِه، ولا رَهْنٍ أو كفيلٍ به. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "بما أخذه".

باب القرض

باب القَرْض (¬1) يَصِحُّ في كل مَا صَحَّ بيعه غير الرقيق، ويُملك بقبضه ويثبت البدل حالًا في الذمة ولو أجّلهُ. وإن رَدَّهُ مُقترضٌ لَزِمَ قبُوله إن كان مثليًّا ولم يتغير إلا فلوسًا أو مكسرة حرّمَها السّلطان (¬2) فقيمتها وقت عقدٍ، ويرد مِثلَ مثليّ (¬3) وقيمةَ غيره، فإن أعْوَزَ المثلُ فقيمتُه إذن. ويحرم شرطٌ جَرَّ نفعًا، لا فعله بلا شرط أو إعطاء أجود، أو هدية بعد الوفاء وإن أهداه (¬4) قبل الوفاء حرُم إن لم ينو احتسابه أو مكافأته أو تَجْرِ عادتُه به معه (¬5) قبلُ، وإن طولب ببدل قرضٍ ونحوه ببلدٍ آخر لَزِمَ إلا ما لحمله مؤنةٌ فقيمته إن كانت ببلد قرضٍ (¬6) أنقص. * * * ¬

_ (¬1) القرض لغةً: القطع. وشرعًا: دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله. (¬2) أي: منع السلطانُ التعامل بها. (¬3) في (ب): "مثلي مثلي". (¬4) في (أ): "هداه". (¬5) قوله: "معه" ليس في (أ). (¬6) في (ب): "القرض".

باب الرهن

باب الرهن (¬1) يَصحّ في كُلِّ عينٍ صَحَّ (¬2) بيعُها حتى المُكاتَب، مع الحَقّ وبعده، ويصحُّ رهنُ مبيعٍ غير نحو مكيلٍ على ثمنه وغيره. ويلزمُ في حَق راهنٍ فقط بقبضٍ، واستدامته شرطٌ للزومِهِ، ولا ينفذ تَصرّفُ راهنٍ فيه بغير إذن مُرتَهِنْ إلا العتق، وتُؤخذ قيمتُهُ رَهنًا مكانَه، ونماؤه وكسبُه وأرشُ جنايَةٍ عليه تَبَغٌ له، ومؤنته على راهنٍ كَكَفَنِهِ وأُجرة مخزنه، وهو أمانةٌ لا يسقُطُ بتلفهِ شيءٌ من دَيْنه، ولا ينفك بعضُه مع بقاءِ بعضِ دَينه، وتصح زيادَةُ رهنٍ لا دَيْنه. وإذا حَلَّ الدينُ وامتنع من أدائه (¬3) بِيعَ رهنٌ بإذنه، وإلا أجبره حاكمٌ فإن أَصَرَّ باعه عليه ووفى. ويُقبلُ قولُ راهنٍ في قَدْر رهنٍ ودينٍ ورده، لا أنه ملك غيره أو جَنَى وُيؤاخَذُ به بعد فَكّ مالم يصدّقه مرتهن. ولمرتهنٍ رُكوبٌ وحلبٌ بقدر نَفَقَتِهِ بلا إذنٍ متحريًا للعدل، وإن أنفق عليه بنيةِ رجوعٍ وتَعَذّر استئذانُ مَالكٍ رَجَعَ كوديعةٍ وعاريّةٍ ومؤجرة لا إن خربت فعمرها بلا إذن. ¬

_ (¬1) الرَّهْنِ لُغَةَ: الثُّبُوتُ وَالدّوَام. وَشَرْعًا: تَوْثِقَةُ دَيْنٍ بِعَيْنٍ يُمْكِنُ استيفاؤه منها أو من ثمنها. (¬2) في (ب): "يصح". (¬3) في (ب) و (ج): "وفائه".

باب الضمان

باب الضمان (¬1) يَصحُّ من جَائِزِ التصرّف بلفظ: أنا ضَمينٌ أو كفيلٌ بما عليه ونحوه، ولرب الحقِّ طلبُ أيهما شاء، ويَبرأُ ضامنٌ ببراءةِ مضمونٍ لا عكسه، ولا تُعتبرُ معرفةُ مضمونٍ له أو عنه بل رضى ضامن. ويَصحُّ ضمانُ المجهولِ إن آل إلى العلم، ومَالم يجب إن آل إليه، وضمان نحو عارية لا أمانة بل التعدي فيها. وتَصحُّ كفالةٌ ببدن مَنْ عليه حقٌ ماليّ، لا حَدٍّ ونحوه، ويُعتبر رضا كفيلٍ فقط، وإن تعذّر إحضارُ مكفولٍ به (¬2) مع حيَاتِه أُخِذَ كفيلُه بما عَليه، وإن ضمن معرفته أخذ به، وإن مَات أو سلّم نفسه أو تلفت العَين بفعل الله تعالى برئ كفيلُه. باب الحوَالة (¬3) لا تصح إلا على دينٍ مُستقرٍ مُماثلٍ للمُحَال به (¬4) قَدْرًا وجِنْسًا ووصفًا ¬

_ (¬1) الضمان لغةً: مأخوذ من الضمن، أي: تكون ذمة الضامن في ضمن ذمة المضمون. وَشَرْعًا الْتِزَامُ ما وجب على غيره مع بقائه، وما قد يجب غير جزية فيهما. (¬2) قوله: "به" ليس في (ج). (¬3) الحوالة لغة: مشتقة من التحول؛ لأنها تُحَوِّلُ الحقَّ مِن ذمةِ المُحيل إلى ذمة المُحَال عليه. وشرعًا: انتقال مال من ذمة المحال إلى ذمة المحال عليه. (¬4) قوله: "به" ليس في (ج).

باب الصلح

وحُلولاً أو (¬1) أجلًا ولا يؤثر (¬2) [فاضل] (¬3). ويُعتبر رضى مُحيلٍ لا محُال عليه ولا محتال إن أُحيل على قادر، فتنقل الحق إلى ذمة محال عليه ويبرأ مُحيل ولو أَفْلس مُحَال عَليْه أو جَحَد ونحوه. ومَنْ أُحيل بثمن مبيع أو عَلْيه فبان البيع باطلًا فلا حوالة لا إن فسخ. باب الصلح (¬4) يَصحُّ على إقرارٍ وإنكارٍ، فإذا أَقَرَّ له بدينٍ أو عينٍ فأسْقَطَ أو وَهَبَ البعضَ وأخذ الباقي، صَحَّ بلا شرطٍ وبلا لفظ صُلحٍ وإن وَضَعَ بعضَ حالِّ وأَجَّلَ باقيه صَحَّ الوضعُ لا التأجيل. وإن صَالَحَ عن مُؤجلٍ ببعضه حالًا أو عكسه، أو (¬5) أقر له ببيتٍ فصالحه على سُكناه مدةً، أو بناء غرفة له (¬6) فوقه، أو صالح مكلفًا ليُقرَّ له بعبوديةٍ أو زوجيةٍ بِعِوَضٍ لم يصح. ¬

_ (¬1) في (ب): "و". (¬2) في (ب): "ولا يؤثر به". (¬3) جاء في هامش (الأصل): "قوله: يؤثر، في بعض النسخ: فاضلٌ، وهي التي شرح عليها الشيخ عثمان بن قائد، ولفظة: فاضل، ساقطة من خط المصنّف، والله أعلم". انظر: "هداية الراغب" (2/ 499). (¬4) الصلح لغةً: قطع المنازعة. وشرعًا: معاقدة يُتوكل بها إلى إصلاحٍ بين متخاصمين. (¬5) في (ج): "و". (¬6) قوله: "له" ليس في (ب) و (ج).

وأَقِرَّ لي بديني (¬1) وأعطيك كذا صَحَّ الإقرارُ فقط، وإن ادّعَى عليه بعينٍ أو دينٍ فسكت أو أنكر وهو يجهله فصالحه صَحَّ، ومن كَذَبَ منهما لم يصح في حَقّهِ باطِنًا، وما أَخَذَ (¬2) حرامٌ. ولا يصح بعوضٍ عن حَدٍّ أو شُفعةٍ أو تَرْكِ شهادةٍ أو خيارٍ، وإن حصل غُصن شجرته في هواء جاره أو عِرقها في أرضه أَزَاله فإن أبي لواه الجار إن أمكن وإلا قَطَعَه. ويجوز في دربٍ نافذٍ فتحُ بابٍ لإستطراقٍ، لا إخراج نحو روشن (¬3) وميزاب (¬4) بلا إذن إمامٍ أو نائبه ولا دِكّة (¬5) ودُكّان، ولا يفعل ذلك في ملك جاره، ولا دربٍ مشتركٍ بلا إذن أهله، ولا وضع (¬6) خشَبَةٍ على حائطِ جَاره إلا إذا لم يمكن تسقيفٌ إلا به فيجوز ولو لمسجد [أو يتيم] (¬7)، وإذا انهدَمَ مُشتركٌ أو خِيفَ ضرره فَطَلَبَ (¬8) أحدُهُما أن يُعمر الآخر معه أُجبر. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "بدين". (¬2) في (ب): "أخذه". (¬3) الروشن: مثل الشرفة تكون على أطراف خشب أو حجر مدفون في الحائط. (¬4) الميزاب: هو ما يسيل منه الماء من موضع عال. (¬5) الدكة: بناء يُجلس عليه في الطريق. (¬6) في (ج): "ووضع". (¬7) ليس في (الأصل)، وهو من بقية النسخ. (¬8) في (ج): "فيطلب".

باب الحجر

باب الحَجْر (¬1) مَنْ عَجَزَ عن وفاء شيء من دَينه حَرُم طلبُهُ وحَبسُهُ. ومَنْ مالُه قَدْرَ دَيْنه أو أكثر لم يُحْجر عليه، وأُمر بوفائه، فإن أَبَى حُبس بطلب ربِّه فإن أصرَّ باعه حاكمٌ، وقضاه، ولا يُطالبُ بمؤجل. ومَنْ مالُه لا يفي بحالّ دَيْنه حُجر عَليْهِ بسُؤال بَعْض غرمائه. وَيُسْتحب إظهاره فلا ينفذ تصرفه فِيهِ بعده ولا إقراره عليْهِ. ومَنْ وَجَدَ عين مَا باعه أوْ أقرضه له وَنحوه وَلوْ بَعْد حجره جاهلًا به رجع بهِ، وإن تصرَّف في ذمته أو أَقَرّ بدين طُولب بهِ بعد فَكِّ حَجْره. ويبيع حاكمٌ ما له ويقسمه بالمُحَاصَّة ولا يحل مؤجل بِحَجْرٍ ولا موت إن وُثِّق برهنٍ أو كفيلٍ مليء. وإن ظَهَرَ غريمٌ بعد قسمةٍ رَجَع على الغُرماء بقسطه. ولا ينفكُّ حَجْرُه إلا بوفائه أو حُكْم حاكم، ويُجبر على تكسّبٍ لوفاءِ بقِيّةٍ. فصلٌ [في المحجور عليه لحظّه] مَنْ دَفَعَ مالَه لمحجورٍ عَليْه لحظِّه كصَغِيرٍ ومجنونٍ وسفِيهٍ رَجَعَ بهِ إن بقي، ¬

_ (¬1) الحجر -بِفَتْحِ الحَاءِ وَكسْرِهَا- لُغَةَ: التَّضْيِيقُ وَالْمَنْعُ. وَشَرْعاً: منع إنسانٍ من التصرف في ماله.

وإن أتلفُوه فلا ضَمَانَ، وَعليهم أرش ما جَنَوْه وضَمَان ما لم يُدْفع إليهم. وإذا تَمَّ لصغيرٍ خَمْسَ عشرة سنة، أو أَنْزَلَ، أو نَبَتَ حَوْل قُبُلِه شَعرٌ خَشِن، أو حَاضَتْ أنَثى فقد بَلَغَ. ولا يُعطى مالَه حتى يُؤنس رُشده، وهو صلاحُ المالِ بألا يُغبنَ غالباً في تصرفه ولا يَبْذُل مَاله في حرام، أو ما لا فائدة فيه ويُختبر قبل بلوغه بلائقٍ بهِ، فإذا عُلِمَ رُشده وبلوغه دُفِع إليْهِ مالهُ بلا قضاءٍ لا قبله بحال. ووليهم حال الحَجر أبٌ ثم وصيّه ثم حاكمٌ، ولا يتصرف لهم إلا بالأحظّ، وله دفع ماله مضاربة بجزءٍ من ربحه. ويأكل فقيرٌ من مال موليّهِ الأقل من كفايته أو أجرته مجاناً، ومع غِنَاه مَا فَرَضَه (¬1) حاكم. ويُقبَل قوْل وَليٍّ بَعْد رشده في قدر نفقة بلائق وتلف وغبطة أوْ ضرورة لبيع عقارٍ وكذا في دفع إليْهِ إن تبرَّع وَمَا استدان عبدٌ بإذن سَيده فعليه، وإلا ففي رقبَته كأرش جنايته وقيمة مُتلفه ولا يصح تصرفه بلا إذن سيده فإنْ أَذِنَ صَحَّ وَلوْ مُمَيزًا. * * * ¬

_ (¬1) في (الأصل): "فوّضه" والمثبت من بقية النسخ.

باب الوكالة

باب الوَكالَة (¬1) تصح بكل قولٍ دلَّ على إذنٍ وَقبول بقول أوْ فعل دالٍّ عليْهِ فوراً ومُتراخياً كشركة ومُسَاقاة. ومن لهُ التصرّف في شيء فله التَّوْكِيلُ والتوكّل فيه، وتصح في كل حقّ آدمي من عقل! وفسخ وعتقٍ وطلاقٍ ورجعيةٍ وإقرار ونحوه دُون ظِهَارٍ ولِعَانٍ ويمينٍ، وتصحُّ أيضًا في إخراجِ زَكَاةٍ، وكَفَّارةٍ ونَذْرٍ وإقامةِ حَدٍّ، وإثباته، وفي حَجٍّ وعُمرة مع عَجزٍ. ولِوَكِيل أنْ يوكِّل فيما وُكِّل فيه مع عجزٍ عنه، وإذا لم يتوَلّه مثلُه أو يأذن (¬2) مُوكلٌ فقط. وتَنْفَسِخُ بموت أحدهما، و (¬3) جنونه، وعزله. ومَنْ وُكِّلَ في بيعٍ أو نحوه لم يَبع مِنْ نَفْسِه ولا مِنْ عَمُودِيّ نسبه أو زوجته، ولا بغير نَقْدِ البلد، ولا بِعَرَضٍ أو نَسَاء، وإن باع بدون ثمن مثل أوْ ما قُدر له صَحَّ وضَمِنَ النقص، وكذا إن اشترى بأزْيَد. وإن اشترى معيباً عَلِمهُ لزمه إن لم يَرْضَ موكِّله، وإن جُهل فلهُ ردّه. ¬

_ (¬1) الوكالة -بفتح الواو وكسرها-: اسم مصدر بمعنى التوكيل، وهي لغة: التفويض تقول وكلت أمري إلى الله، أي فوضته إليه. وشرعاً: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة. (¬2) كذا في (الأصل) وفي باقي النسخ: "بإذن". (¬3) في (أ): "أو".

باب الشركة

ووكيل البيع يسلمهُ ولا يقبضُ الثَّمَنَ إنْ لم يُفضِ إلى رِبا. ويُسلّمُ وكيلُ مُشترٍ ثمنًا، فإنْ أخَّرَهُ بلا عذرٍ ضَمِنَهُ، وإن وكَّلهُ في كل قليلٍ وكثيرٍ أو شراء ما شاء أو عيناً بما شاء لم يَصِح، م لم يُعيّن نوعاً وقدر ثمن. وليس لوكيلٍ في (¬1) خُصُومة قبضٌ بخلافِ عكسه. واقبض حقي من زيدٍ لا يقبضه من ورثتِه لا إن قال الذِي قِبَلَهُ، ويضمن وكيل في قضاءِ دين بغير حضور موكلٍ إن لم يشهد لا في إيداع. وَالوَكيلُ أمينٌ يُقبل قولُه فيما وُكِّل فيهِ، ولا يَضْمَنُ ما تَلَف بيده بلا تَفْرِيطٍ ويُقبل قوله فيه بيمينهِ. ومَنْ ادَّعى وكالةَ زيدٍ في قبضِ حقّه من عمروٍ لم يلزم دفعهُ إليه مع تصديقٍ ولا يمينهُ مع تكذيب، وَإن دفعَ إليْهِ وأنكر زيدٌ الوكالة وحَلَف ضَمِنهُ عمرو وإن كان المدفوعُ وديعةً ضمنها آخذها فإن تَلَفَتْ ضَمَّنَ أيهما شاء. باب الشركة وهي أنواع: شركة عِنان: بأن يشتركَ اثنانِ فَأكثرَ بنقدٍ مَعْلُوم يُحضراهُ، ولو من جنسين أو متفاوتًا، ليعملا فِيهِ والربحُ بينهما بحسب الشرط. فينفُذ تصرّفُ كلٍّ بحكم الملك في نصيبه والوَكَالَةُ في نصيب شريكه، فإنْ لم يذكر الربح أو شرط لأحدهما جزءٌ مجهولٌ (¬2)، أو دراهم مَعْلومَة، أو ربح ¬

_ (¬1) قوله: "في" ليست في (ج). (¬2) في (الأصل) و (أ): "ومجهول"، والمثبت من (ب) و (ج).

سلعَةٍ، أو سفرة، ونحوه أو كان المال غير نَقْدٍ أو نُقْرَة (¬1) أو مغشوشاً كثيراً لم تَصِح كمضاربة والوضيعة (¬2) بقدر المال، ولا يُشترط خلطُ المالين. الثماني: المضاربَة: كاتَّجِر بهذا والربحُ بيننا، فيتناصفاه وإن سُمّي لأحدهما فالباقي للآخر، وَإن اختلفا لمن المشروط فلعاملٍ كمُساقاةٍ ومزارعةٍ. ولا يُضارب لآخرَ إن ضَرَّ بالأوّل بلا إذنه، فإن فَعَل رَدّ حصتهُ في الشركة، ولا يشتري من يَعْتَق على رب المال بلا إذنه، فإن فعَل ضَمِنَ ثَمَنَه (¬3)، وعَتَقَ. ولا يُقسمُ ربحٌ مع بقاء عقدٍ إلا باتفاقهما، وإن تَلَفَ رأس المال أو بعضه بعد تصرف أو خسر حُسب من الربح قبل قسمهِ ناضاً أو تنضيضه (¬4) مع المحاسبة. الثالث: شركة الوجوه: كأن يشتركا في ربحِ ما يَشْتَرِيان في ذممهما بجاههما (¬5)، فما ربحا فبينهما ونحوه. وكلٌّ وكيلُ صاحبه وكفيلُه بالثمن، والملك والربح كما شَرَطا والخُسران بحسب ملكيهما. الرابع: شركة الأبدان: كأن يشتركا فيما يكتسبان من مباحٍ كاحتشاشٍ واصطيادٍ، أو يتقبلان من عمل كحدادين ونجارين. ¬

_ (¬1) النُّقرة، أي: القطعة المُذَابة من الذهب من الذهب والفضة. كما في "القاموس المحيط" (2/ 147). (¬2) في (أ): "الوضيحة"، والوضيعة: الخسارة. (¬3) في (ج): "فإن فعل ضمنه". (¬4) الناض: هو النقد، والتنضيض: تصفية رأس المال من العروض، ويُجعل كله نقداً. (¬5) في (ج): "زمنهما بجانبهما".

باب المساقاة

ويلزمُهما فعلُ ما تَقَبَّلهَ أحدُهما، ومن مَرِضَ أُقيم مُقَامه بِطَلب شَريكه، والكسب بينهما، ولا تصح شركة دلالِين. الخامِسُ: شركة المفاوضة: كأن يفوِّض كلٌّ منهما للآخر كل تصرف مالِيٍّ وبدنيٍّ وإن أدخلا كسْباً نادِراً أوْ غرامَة فسَدَت، ولكلٍّ كسبُه وعَليهِ ضمان غصْبِهِ ونحوه. باب المسَاقاة (¬1) تَصَح على شجرٍ له ثمرٌ يؤكل بجزءٍ منه، وعلى شجرٍ يغرسه ويعمل فيه بجزءٍ منه، أو مِن ثمرَه. فإنْ فسخ مَالكٌ قبل ظهورُ ثمره فلعَاملٍ أَجرُ مثله، لا إن فَسَخَ هو. وعلى عامل ما فيهِ صَلاحٌ من حرثٍ وسقيٍ وزِبَار (¬2) وتلقيحٍ وَتشميسٍ (¬3) وإصلاح موضعه وطُرُق الماءِ وحصادٍ ونحوه، وعلى رَبِّ مَالٍ مَا يُصلحه كسَدِّ حائِطٍ وإجراء نهير ودولابٍ ونحوه وعليهما جذاذٌ بقدر حقيهما لا إن شُرِطَ على عَامِلٍ. ¬

_ (¬1) المساقاة: دفع شجرٍ له ثمرٌ مأكول ولو غير مغروس إلى آخر ليقوم بسقيه وما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره. (¬2) الزبار: قطع الأغصان الرديئة من شجر العنب. (¬3) في (أ): "تشمس".

[المزارعة]

[المُزَارَعة] وتصح المزارعة (¬1) بجزء مشاعٍ مَعْلومٍ من زرعٍ بشرط علم بذرٍ وقَدْرِهِ، وكونه مِن رَبِّ أرضٍ كغرس في مناصبة (¬2)، وإذا آجَرَهُ أرضاً وسَاقَاهُ (¬3) على شجرهَا صَحَّ بلا حيلة. باب الإجارة (¬4) تصحُّ بلفظها، ولفظ كَرَى وبيع (¬5) مُضافاً للمنفعة. وشروطها ثلاثة: مَعْرفِةُ منفعَةٍ بعُرف كسُكنى دارٍ، وخِدمة آدمي، أو وصفٍ كحملٍ وحرثٍ وكتابةٍ وقَود أعمى (¬6) ونحوها. الثاني: معرفةُ أجرةٍ، كثمنن، وتصح في أجيرٍ وظئيرٍ (¬7) بطعامهما، ومن ¬

_ (¬1) المزارعة: دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه، أو دفع حب مزروع ينمي بالعمل لمن يقوم عليه. (¬2) المناصبة هي المغارسة: وهي دفع الشجر لمن يغرسه. (¬3) في (ج): "ومساقاة". (¬4) الإجارة: عقد على منفعة مباحة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة، مدة معلومة، أو عمل معلوم بعوض معلوم. (¬5) في (أ) و (ب): "يبيع". (¬6) قوله: "أعمى" من (الأصل) وليس في بقية النسخ. (¬7) الظِئر هي: المُرْضِع.

فصل

دَخَلَ حمّامًا، أو سفينةً، أو أعطى ثوبه لقَصَّارٍ ونحوه بلا عقدٍ فأُجْرَةُ مِثلِهِ. الثالث: كونُ نفعٍ مُبَاحاً متقوّماً مقدورأ عَليهِ يُسْتوفى دون الأجزاء، فلا تصحِ لمحرَّم كزنا، وزمرٍ، وغناءٍ وجَعْلِ دَارِهِ كَنيسةً، أو لبيعِ الخمر، ولا على تفاحَة لشمٍ، ولا إجارَة مشاعٍ لغير شريك، ولا صابُون لغسلٍ وشمعٍ لوقودٍ وحَيَوانٍ لأَخْذِ لَبَنِهِ. وتَصِحُّ (¬1) في حائط لوضع خشب عليْهِ، ولا تؤجَرُ امرأةٌ بلا إذنِ زَوْجِهَا. فَصْلٌ وشُرِطَ في إجارةِ عَيْنٍ: معرفتُها برؤيةٍ أو وَصْفٍ غيرِ نحو أرضٍ. واشتمالُها على المنفعة؛ فلا تَصحُّ في سَبخةٍ لزرْعٍ، ولا زَمِنَة لحمل. وقدرةٌ على تسْليمها بخلافِ آبق ونحوه. وتصح لوقفٍ من ناظره، وتبطل بموته أن آجَرَ لكون الوَقفِ عليْه فقط. ولمستأجرٍ (¬2) أن يؤجر لمن يقُوم مقامه لا أكثر ضرراً منه. وإن استأجرَ مُدّةً اشتُرط علمُها، وأن يغلب على الظنِّ بقاءُ العينِ فيها، وإن طالت. ¬

_ (¬1) في (ج): "ولا تصح"!! (¬2) قوله: "لمستأجر" ليس في (ب) و (ج).

فصل

ولعملٍ كركوبٍ وحرثٍ ودياس ودلالةٍ على طريقٍ اشُترط علمُه وضبُطه بما لا يُختلف معه. وَلا تَصح [الإجارة] (¬1) على (¬2) عملٍ يختص أن يكون فاعله من أهل القُربة؛ كأذانٍ وقضاءٍ، بخلاف جَعَالَة. وعلى مُؤجر ما يتمكّنُ به مسْتأجرٌ من نفعٍ كزمام ورَحْلٍ وحِزامٍ ورفعٍ وشدٍّ وحطٍّ ولزوم بعيرٍ لحاجة نزول وعمارة دار ومفتاحها، لا تفريغ بالوعة أو كنيف إن سلمها فارغة فعلى مستأجير. فصْلٌ وهي عقدٌ لازمٌ لا لبطلُ بموت أحدهما، ولا فسخه، وإن حوّله مَالكٌ أو مَنعه، ولو بعضَ المُدة فلا شيء له، وإن لم يَسكنْ مستأجرٌ أو تحوّلَ فعَليْهِ الأجرة. وتنفسخ بتلفِ مؤجرة، وموت مرتضع، وانقلاع ضرسٍ اكترى لقلعه أو بُرئْه، لا موت راكبٍ أو ضياع نفقتهِ، أو احتراق متاعه. وإن اكترى داراً فانهدمَت أو أرضاً فانقطع ماؤُها أو غَرقت انفسخت فيما بقِي، وَإن تعيّبت مؤجرة، أو كانت (¬3) معيبة فلهُ الفسْخُ وعليْهِ أجرةُ ما مَضى. ولا يَضمن أجيرٌ خاصّ ما جَنَت يدُه خَطأً، ويضمن مشتركٌ ما تلف بفعله ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في (ج): "مع". (¬3) من هنا سقطٌ في النسخة (ج) إلى باب الوديعة.

باب الجعالة

لا حِرزه، ولا أجرةَ له، ولا حَجَّام وبَيْطَار وطبيب حاذق لم تجنِ يدُه وأُذِن (¬1) فيه، ولا راعٍ لم يَتَعَدَّ أو يفرِّط. وتجبُ أُجرةٌ لم تُؤَجَّل بعقْدٍ، وتستحقُ بتسليمِ عَمَلٍ في ذِمّة وتستقر بفراغ مدةٍ ونحوه، وإن تَسَلّم في فاسدةٍ فأجرة مثل ونفقة مؤجرة على مالك كمؤنة ردٍّ. باب الجَعَالة (¬2) يَصِحُّ جُعلٌ مَعْلومٌ لمن يعمل له عملًا، ولو غَيرَ مَعلومٍ، أو مُدّةً ولو مجهولةً؛ كرَدِّ عبدٍ ولُقَطَةٍ، وخِياطَةِ ثَوبٍ، وبناءِ حائطٍ، وتَأْذِينٍ بمسجدٍ شَهراً ونحوه، فَمن فَعَلَه بَعْده استَحَقَّه، وتَقْتَسِمه الجَمَاعة، وإنْ فَسَخَ عَاملٌ لم يستحق شيئًا، وجَاعلٌ بعد شُروع عامِل فَأُجْرَة عَمَلِه. وإنْ اخْتَلَفَا في جُعْلٍ أو قدره، فقولُ جَاعلٍ. ومَنْ عَمِلَ لغيره عملًا بلا إذنٍ ولا جُعلٍ فلا شَيء له، إلا مَن رَدَّ آبِقاً فدِينارٌ، أو اثنا عشر درهمًا، وما أنفقه عليه، ومن خَلَّصَ مَتَاعَ غيره أو قِنَّه من هَلَكةٍ (¬3) فأجرة (¬4) مِثله. ¬

_ (¬1) أُقحم هنا من (ب) عبارة: "بالبناء للمفعول". (¬2) الجعالة -بتثليث الجيم-، مشتقة من الْجُعْلِ بمعنى التسمية؛ أو من الْجَعْلِ بمعنى الإيجاب. وشرعاً: أن يجعل جائزُ التصرف مالاً معلوماً لمن يعمل له عملًا معلوماً أو مجهولًا، مدة معلومة أو مجعولة. (¬3) في (ب): "مهلكة". (¬4) في (أ) و (ب): "فأجر".

باب السبق

باب السَّبَق (¬1) يَصحُّ على الأَقْدَامِ، وسائرِ الحيوانات، والسُّفن ونحوها، لا بِعِوَضٍ إلا في إبلٍ وخيلٍ وسِهَامٍ. ولابُد من تعيين المَرْكُوبين، واتحادهما نوعًا، والرُّماة والمسافة بقدرٍ مُعْتادٍ واتحادِ نَوْعِ القوسين، وخروجٍ عن شَبَه قِمارٍ. ولكلٍّ فَسْخُهُمَا، ولا تصح مُناضلةٌ إلا على مُعَين يُحسنُ الرَّمي. باب العاريّة (¬2) تصح إعارةُ كُلّ ذي نفعٍ مُباح، غير البُضْع وعَبدٍ مسلمٍ لكافرٍ يخدمه، وصَيدٍ لمحُرمٍ. ولا تُعَارُ أَمَةٌ شَابّةٌ لغير مَحْرمٍ أو امرأةٍ. ومَن أَعَارَ حَائِطاً لوضعِ خَشَبٍ لم يرجع حتى يسقط، ولا أُجرة، فإن سَقَطَ لم يردّ بلا إذْنه. ¬

_ (¬1) السبْق: بلوغ الغاية قبل غيره، وَالسَّبَقُ -بِفَتْحِ الْبَاءِ-: الجعل يتسابق عليه. وهو شرعاً: المجاراة بين حيوان ونحوه. (¬2) العارية -بتخفيف الياء وتشديدها- لغةً: من العري وهو التجرد لتجردها عن العوض، وقيل غير ذلك. وشرعاً: العين المأخوذة للإنتفاع بها بلا عوض.

باب الغصب

وتُضمنُ العاريّةُ ولو لم يُفرّط أو شَرَطَ نفْيَ ضمانها، غير كُتبِ وَقْفٍ ونحوها، وعليْه مؤنة رَدِّها. ولا يُعير مُستعيرٌ، ولا يُؤجّر، فإنْ تَلَفَتْ عند ثانٍ ضَمَّن أيهما شاء، ولا يُضَمَّنُ مُنقطعٌ أُرْكِبَ للثَوَابِ ولا ضيف ولا رديف ربِّها، أو وكيلهُ. وإن قال: أَعَرتُكَ، قال: بل أجرتني -والعَينُ تالفة- فقولُ مَالكٍ، وكذا أَجّرتُك، قال: بل أعرتني -عَقِبَ عقدٍ-، فإن مَضى مالُه أجرةً فأُجرةُ مثلٍ لماضٍ. وأعرتني أو أجّرتني أو أوْدعتنِي، قال: بل غصبتني، أو اختلفا في ردٍ فقولُ مالكٍ بيمينه. بابُ الغصْب (¬1) يُضمَنُ بهِ عَقارٌ كأمِّ وَلدٍ لا كلب يُقتنى ولا خَمْرُ ذميٍ، ويُردَّان، ولا جِلدُ ميتة، ولا حُرٌّ فإن حبسه، أو اسْتَعمله كُرهاً فأجرته. ويجبُ رَدُّ مغصوبٍ بزيادته ولو تَكَلّفَ أضْعَافَ قيمته، وإن نَقَصَ فعليه نَقْصُ قيمته. وإن بَنَى أو غَرَسَ مغصُوبة لزمه قلعُه وَأرشُ نقصِها وتسويتها وأُجْرتها، وإن زَرَعَها فلربّها قَبْل حَصْدِهِ، تملكه بمثل بذره وعوض لواحقه، ولا أُجرة إذن. ¬

_ (¬1) الغصب لغة: أخذ الشيء ظلما. وشرعاً: استيلاء غير حربي عرفا على حق غيره قهرا بغير حق.

وإن غَصَبَ جَارحاً أو عَبداً أو فَرَسَاً فصادَ به، أو غَنِمَ فلمالكه بلا أُجرة زمنه. وإن ضَرَبَ الغَصبَ دراهم، أو صاغه، أو نَسَجَ الغَزْلَ، أوقصَّر الثوبَ أو نَجَرَ الخشبَ، أوْ صَارَ الحبُّ زَرْعًا، أو البيضةُ فرخًا، أو النوى غرسًا (¬1) رَدّه وأَرْشَ نَقْصه، ولا شيء لغاصبٍ (¬2) إن زَادَ ولا لعمله. وإن خَصَى رقيقاً رَدّه مع قِيمته، وإن قَطَعَ يَدَهُ رَذه وأَكْثَرَ الأمرين مما نَقَصَ وأرش الجناية ولا يُضمنُ نَقص سعرٍ. وإن خُلِطَ بمثله ولم يَتَميّز كزيتٍ وحنطةٍ فشريكان، وكذا لو صَبَغَ ثوبًا، ويَضْمن نَقْصَ القِيمة، وإن زادت قِيمة أحدهما فلصاحبه، ولا جَبْرَ على قلع صُبغٍ. وإن استحقت أرضٌ فقلع غرس مشترٍ وبناؤه رَجَعَ بما غرمه على بائعه، وتَصَرُّفُ غاصِبٍ فِيهِ باطِل، وَلمالكه تضمينُه وتضمينُ مَنْ صَارَ إليْهِ، ويُضْمَنُ مثليٌّ تَلِفَ (¬3) بمثله وَمُتقوّم بقيمتِهِ. ويُقْبلُ قولهُ فيها وفي قدره (¬4) وصفته لا عيبه ورده، وإن جَهِلَ ربُّه تصَدَّق به عنه مضمونًا. ومن فَتَحَ قَفَصاً أوْ باباً أوْ وِكاءً أوْ رباطاً أوْ قيداً فذهب مَا فيهِ، أو أتْلف ¬

_ (¬1) في (ب): "غرسه". (¬2) في (أ): "لغاصبه". (¬3) قوله "تلف" ليس في (ب). (¬4) كذا في (الأصل)، وفي (أ) و (ب): "ويُقبل قوله في قدره".

باب الشفعة

شيئاً ونحوه ضمِنَه كربط دابةٍ بطريقٍ ضيق، واقتناء كلب عقورُ إن دَخَلَ بإذنِهِ أو عَقَرَهُ خارجَ منزله. ويَضمنُ ربُّ بهيمةٍ ما أتلفت مِنْ زَرْعٍ وغيره ليلًا لا نهارًا، إن لم ترسَل بقربهِ ويَضمنُ راكبٌ وسائقٌ وقائدٌ جناية يدهَا وفمها ووطئها برجلها لا ما نَفَحَت (¬1) بها، أو بذنبها. ولا يُضْمنُ قَتلُ صائلٍ ولا كسرَ مِزْمارٍ (¬2) أو صليبٍ، ولا كسرَ آنيةِ ذهبٍ وفضةٍ وآنيةِ خمرٍ غيرِ مُحْتَرَمَةٍ. بابُ الشُّفْعَة (¬3) يحرم التَّحَيُّل لإسقاطها، وتثبتُ لشريكٍ في أرضٍ تقسم إجباراً بيعت بثمنه الذي استقر عَليْه العَقد، فلا شُفعَة لجارٍ ولا في بناءٍ مفردٍ ولا في نحو حَمّامٍ ودارٍ صغيرةٍ، ولا فيما أُخِذَ صَدَاقاً ونحوه، ويدخل غراسٌ وبناءٌ تبعاً لأرض، لا زرع وثمر. وهي على الفورِ وقت علمه، فإنْ أَخَّرَ بلا عُذرٍ، أو كَذَّبَ عَدْلًا بَطَلَتْ، كما لو طَلَبَ أَخْذَ البَعْض. وهي بين شركاء بقدْرِ ملكهم فإن عفا البعضُ أخذ البَاقي الكُلّ أو تَرَكَ. ¬

_ (¬1) نفحت الدابة: أي ضربت بحافرها. (¬2) في (ب): "وكسر مزمار". (¬3) الشفعة لغة: من الشفع، وهو الزوج. وشرعاً: استحقاق شريك انتزاع شقص شريكه ممن انتقل إليه بعوض مالي بثمنه الذي استقر عليه العقد.

فصل

ومَن بَاعَ شِقْصاً وسيفاً ونحوه فلشفيعٍ أخذُ شقصٍ بحصته من ثمنٍ كما لو تَلِفَ بعضُه. ولا شفعة بشركةِ وقفٍ، ولا في غير ملكٍ سابق، ولا لكافِرٍ على مُسْلمٍ. فصْلٌ وَإِنْ تَصَرَّفَ مُشْتَرٍ قبل طَلبٍ بهبةٍ أو وَقفٍ ونحوه أو رَهنٍ سقطتْ، وبعده لا يصح تصرُّفه، وببيع فلهُ أخذه (¬1) بأيّ البيعين شاء. وإن بنى أو غَرَسَ فإن لم يقلعه فلشفيعٍ تملّكُهُ بقيمته، أو قلعُه وضمان نقصهِ. وإن ماتَ شفيعٌ قَبلَ طَلَبٍ سَقطت، وبعده لوارثه. وإن عَجَزَ عن بعض الثمن سقطت شُفعَتهُ فإن كان مؤجلًا أخذه مليء به وإلا فبكفيل، وإن اختلفا في قَدْر ثمنٍ فقوْلُ مشترٍ، وعهدة شفيع على مشتر ومشترٍ على بائع. باب الوَدِيعَة (¬2) تُستَحَبُّ لمن قَوِيَ على الحِفْظِ، ولا يَضْمَنُها بتَلَفٍ بلا تَعَدٍّ، ولو من بين مَاله. ¬

_ (¬1) في (ب): "وبيع فله أخذٌ". (¬2) الوديعة من: ودع الشيء إذا تركه. وشرعاً: المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض.

باب إحياء الموات

وعَليه حفظُها في حِرْزِ مثلها، وإن عيّنه ربُها فأحرزها بدونه بلا ضرورة ضَمِنَ وإن لم يعلف دابة بلا قول ربها أو قال اتركها في جيبك فتركها في يده أو كمّه (¬1) ضَمِنَ لا عكسُه. ولهُ دفعُها لمن يحفظ مَالهُ أوْ مَال ربها، لا حاكم أو أجنبي وقرار ضمان على وديع إن جهلا، وإن حَدَثَ خوْفٌ عامٌّ ردها على ربها. وله السَّفر بها مع حضوره نصّاً ما لم ينهه، وإن خافَ عليها أودعها ثقة. وإن ركبها مودع (¬2) لغير نفعها، أو لبسها لا لخوف عثٍّ، أو أخْرَجَ نحو دراهم من حرزِها، أو فكّ ختمها ونحوه عنها، أو خلطها بغير متميّز فضاعت ضَمِن. ويُقبل قوله في ردِّها لربها أو غيره بإذنِهِ وتَلَفها ونفي تفريط. وإن قال لم تودعني ثم ثبتت لم تقبل دعواه ردّاً أو تلفاً سابقين لجحوده ولو ببينة، لا إن قال: مالَكَ عندي شيءٌ ونحوه، ولا تُقبل دعوى وارثه ردّاً بلا بينةٍ، ولوَديعٍ ونحوه طلبُ غاصِبٍ بها. بابُ إحياءِ الموَاتِ مَنْ أحيا أرضاً لا مالك لها، ولم تتعلق بمصالحِ العامر (¬3) مَلَكَها مسلماً أو كافراً بإذن إمامٍ أو دونه من عَنوة أو غيرها. ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى السقط الذي في النسخة (ج). (¬2) قوله "مودع" ليس في (ب). (¬3) في (ج): "ولم تتعلق بها مصالح العامر".

باب اللقطة

وعلى ذميٍ خَرَاجُ ما أحْيا من مَوَاتٍ عَنوةً. ومن أحاط مواتاً بمنيعٍ أو حَفَر فيه بئراً وَصَل ماءَهَ (¬1)، أو أجرَاه إليه من نحو عينٍ أو حَبَسَه عنها لتزرع فقد أحياه. وحريمُ البئرِ العادية خمسُون ذراعاً من كُلّ جانِب، والبَديّةُ (¬2) نصْفُها، وَالشجرة قدر مَدّ أغصانها، ولإمام إقطاعُ مَوَات لمن يحييه، وجُلُوسٍ في طرق واسعَة بلا ضرر فيكون أحق بها. وبلا إقطاعٍ لمن سَبَق (¬3) الجلوسُ مادام قُماشُه فيها، ولمن في أعلى ماءٍ مباحٍ سقيٌ وحبس ماءٍ حتى يصلَ إلى كَعبه ثم يرسله إلى مَنْ يليه. ولإمام وحده حمى مرعى لدواب المسلمين بلا ضرر. باب اللُّقَطَة (¬4) الرَّغيف والسَّوط ونحوه مما لا تتبعه (¬5) همة الأوساط يُمْلَك بلا تعريف. وما امتنع من صغيرٍ سباعٍ كإبلٍ وبقرٍ يحرُم التقاطه. وما عدا ذلك من حيَوَان وغيره يجوز التقاطهُ لمن أمن نفسه، وقوي على تعريفه، وإلا فكغاصب، ويملكه (¬6) حُكماً بتعريفه حَولًا عَادَةً، ولا يتصرف ¬

_ (¬1) في (ج): "ماؤه". (¬2) البدية: أي المحدثة. (¬3) في (ج): "يسبق". (¬4) اللقطة هي: مال أو مختص ضائع أو ما في معناه لغير حربي. (¬5) في (ج): "مما تتبعه". (¬6) قوله: "ويملكه" ليس في (ج).

باب اللقيط

فيه قبْل معرفة صفاته، ومتى جاء طالبُها فوَصَفَها لَزِمَ دفعُها إليه، وإنْ تَلِفَت في الحول بلا تفريط لم يضمنها. والسَّفِيهُ والصَّغِير يُعَرِّف لُقَطَته وليهُ. ومَنْ ترك حَيَواناً بفلاة لإنقطاعه، أو عجز ربه عنه ملكهُ آخذه. وَمَنْ أُخِذَ نَعلُه ونحوه وَوجَدَ (¬1) موضعَه غيرَه فَلُقَطةٌ يُعرّفُه ثم يأخذ حَقّه منه ويتصَدّق بباقٍ. بَابُ اللَّقِيط (¬2) إذا نُبذَ أو ضَلَّ طفلٌ لا يُعرف نَسَبُه ولا رقّة فَأَخْذُهُ فرضُ كفاية. وهو حرٍّ مسْلم ومَا وُجد مَعه أو تحته، أو مَدفُوناً طَريًّا، أو متصلًا به كحيوانٍ ونحوه أو قريباً منه فله، ويُنْفِقُ عليه واجدُه (¬3) منه بلا إِذْنِ حاكم، وإلا من بيت المالِ، فإن تَعذَّر فعلى مَنْ عَلِمَ به. وحضانتُه له وميراثُه لبيتِ المال، ووليّه إن قُتل الإمامُ، ومن (¬4) أقرَّ أنه ولدُه لَحِقَ به ولو امرأةً ذات زوج أو كافراً، ولا يلحقه في دينه إلَّا ببينة. ولا يُقبلُ من لَقِيطٍ أنَّه رقيقٌ أو كافر. وإن ادّعاهُ أكثرُ مِنْ واحدٍ قُدِّمَ مَنْ له بينةٌ وإلا فمن ألحقته به القَافَة. ¬

_ (¬1) في (ج): "فوجد". (¬2) اللقيط: فعيل بمعنى مفعول كجريح وطريح. شرعاً: طفل لا يعرف نسبه ولا رقه، نبذ أو ضل الطويق. (¬3) في (أ): "وأجره" ولعلها تصحيف من الناسخ. (¬4) في (أ): "وإن".

كتاب الوقف

كتاب الوَقْف يَصِحُّ: بفعلٍ دَالٍّ عليهِ؛ كَجَعْلِ أَرْضهِ مَسْجِداً ويَأْذَن للنَّاس في الصَّلاة فيه، أو مَقْبَرةٍ ويأذنُ في الدَّفْنِ فيها. وقَولٍ؛ وصَرِيحُه: وَقَفْتُ وحَبَسْتُ وسَبَّلْتُ. وكنايتُه: تَصَدَّقتُ وحَرَّمْتُ وأَبَّدْتُ، يَنعقدُ (¬1) بها مع نِيَّة، أو قَرنها بأَحَدِ الأَلْفاظِ الخَمسةِ (¬2)، أو حُكمِ (¬3) الوَقْفِ. وتُشْترطُ (¬4) مُصَادَفَتهْ عيناً يُنتَفَعُ بها مع بَقَائِهَا؛ كَعَقَارٍ وحَيوان وكُتب ونحوها، وأن يكوُنَ على بِرّ؛ كَمَسَاجِدَ وقَنَاطرَ وفُقراء ونحوهم، لا كنيسة ونسخ توراة ونحوها، ويَصِحُّ على ذِمّي مُعيّن، وكذا الوصيةُ, لا على مَلَكٍ أو بَهِيمة أو حَملٍ ويدخل تبعًا، ولا يُشترطُ قبوُله، ولا إخراجه عن يده. والوَقفُ على نَفسِهِ يُصرفُ في الحال لِمن بَعْدِهِ. ¬

_ (¬1) في (ج): "انعقد". (¬2) الألفاظ الخمسة، وهي: الصرائح الثلاث والكنايتان، أي: غير الكناية المستخدمة في الصيغة. انظر: "هداية الراغب" (3/ 100) و"الشرح الممتع" (11/ 13). (¬3) في (ب): "بحكم". (¬4) في (ب) و (ج): "ويُشترط".

فصل

فصلٌ يُرْجَعُ لِشَرْطِ وَاقفٍ في قَسْمِه وتَقْديمٍ ونَظَر ومدة إجارة وغيرها، فإن أَطْلَقَ سُوِّيَ بَين المَوقُوفِ عليهم، والنظر لموقوفٍ عليْه كُلٌّ عَلَى حِصَّته. وَمَنْ وَقفَ عَلى وَلَدِه ثُم المَساكين شملَ أولاده الذكور (¬1) والإناث بالسَّوِيَّةِ، ثمَّ أولاد بَنِيه وإنْ نَزَلُوُا طَبَقةً بعد طَبَقةً، دُون أَولادِ بَنَاتِهِ، وَكذا لو وَقفَ (¬2) على ذُريته أو نَسله وعقبه فلا يدخلُ وَلدُ بَناتٍ إلا بِنَصٍّ أو قَرينةٍ. وعلى بَنيه أو بني فُلان فلذُكُورِهِمْ، إلا أنْ يَكُونوا قبيلةً، وعَلَى قَرَابته، أو أَهْلِ بَيْتهِ (¬3)، أو قومِهِ فَلِذَكَرٍ وأُنثى مِنْ أَوْلادِهِ وأولادِ أَبيه وَجدِّه وَجَدِّ أَبِيه. وإنْ وَقفَ عَلى من يُمْكن حَصرهُم وَجَب تَعْميمهم والتَّسْوية بَينهمْ، وإلّا جَازَ التَّفْضيلُ والإقْتصارُ عَلَى وَاحد. والوَقْفُ عَقدٌ لازمْ لا يُفْسَخُ ولا يُباعُ إلا أن تَتَعَطَّلَ مَنَافعه المقصودة بخرابٍ ونحوه ولو مَسجداً ويُصْرَفُ ثَمَنُه في مِثله، وما فَضُلَ مِنْ آلَتِهِ وَنَحْو حُصُره جَازَ صرفه لِمَسجدٍ آخر والصدقة به (¬4). ¬

_ (¬1) كذا في (الأصل)، وفي بقية النسخ "للذكور". (¬2) في (ج): "وكذا الوقف". (¬3) في (ج): "أو على بنيه" بدل: "أو أهل بيته". (¬4) قوله: "به" ليس في (ج).

باب الهبة

باب الهِبَة (¬1) لا تَصِحُّ في مَجْهولٍ غيرِ ما تَعَذَّر عِلْمُهُ. وتنعقدُ بإيجابٍ وقَبُولٍ، وبمعاطاة، وتَلزَمُ بِقَبضٍ بإذن وَاهبٍ، ويَقُومُ وَارثُ واهبٍ مَقَامَهُ. وتَصِحُّ البَرَاءَةُ من الدَّيْن بِكُلّ لَفْظٍ دَلَّ عَليها ولو مَجْهُولًا، أو لم يَقْبل مَدينٌ. وما صَحَّ بيعُهُ صَحَّتْ هِبَتُهُ. ويَجِبُ التَّعْديلُ في عَطيّةٍ بين وُرَّاثه (¬2) بِقدْرِ إرْثهم، فِإنْ فَضَّلَ سَوّى برجُوعٍ أو زيادةٍ، فِإنْ مَاتَ قَبْلَه ثَبَتَت (¬3) لآخِذٍ، ولا رُجُوعَ لِوَاهبٍ في هِبةٍ لازمةٍ غيرِ أَبٍ وزَوْجةٍ وهبته بِسؤالِه ثم ضَرَّهَا بِطلاقٍ ونحوه. ولأبٍ تَمَلُّكٌ من مَالِ وَلَدِهِ ما لا يحتاجه (¬4)، ولا يَصِحُّ تَصرفُهُ في مَالِهِ ببيعٍ، أو عِتقٍ أو إبْراءِ غَريمٍ، ونحوه، ويَمْلِكُهُ بِقَبْضِهِ مَع قَولٍ أو نيةٍ، وليس لوَلدٍ مُطَالبةُ أبيه بدينٍ ونحوه، بل بعينِ مَالِهِ أو نَفَقةٍ وَاجِبةٍ. ¬

_ (¬1) أصل الهبة من هبوب الريح، أي: مروره. وهي شرعاً: تمليك جائز التصرف مالا معلوما، أو مجهولا تعذر علمه بلا عوض. (¬2) في (ب) و (ج): "وارثه". (¬3) في (ب): "ثبت". (¬4) في (أ): "يحتاطه"!!

فصل

فصْلٌ يلزمُ تصَرفُ مريضٍ غيرَ مرضِ موتٍ مَخُوف كصحيح، ولوْ مَات منهُ. وإن كان مَخُوفاً كبِرْسَامٍ وذاتِ جنبٍ، ودوام قيام أو رُعَاف، وأوَّل فالج واَخر سُلٍّ وحُمّى مُطبِقَة، وما قال عدلان من أهْل الطب أنه مَخُوف، ومن وَقَع الطاعُونُ بِبَلَدِهِ، وَمَنْ أَخَذَهَا الطلَّقُ حتى تنجو: فعطيتُه كوصيتِه (¬1)، إن ماتَ منه (¬2)، وإلا فكصحيح. ويعتبر ثُلثُه عند موتِه، ويبدأُ في عطايَاه بالأوّلِ فالأوّلِ. ولا رجوعَ فيها بعد لزومِها، ويُعتبرُ قَبولها عندها، ويثبت المِلك فيها إذن بخلاف وصيةٍ في الكل. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "كعطية". (¬2) قوله: "منه" ليس في (ج).

كتاب الوصية

كتاب الوصية (¬1) تُسَنُ لمن ترك مالًا كثيراً بِخُمْسِهِ، ولا تجوز لوارث بشيءٍ، ولا لأجنبي بزائدٍ عن ثُلُث إلا مع إجازة بعد الموت فتنفذ. وتُكره وصيةُ فقيرٍ وارثهُ محتاج (¬2)، وتجوز بالكُل ممن لا وارث له. فإن لم يَف الثلث بَوصَايَاهُ تَحَاصُّوا. وإن وصَّى لوارثٍ فصَار عند الموت غير وارثٍ نفذت، وعكسُه بعكسِه. ومحل قبولها بعد موتٍ ويثبت الملك به، ولا يصح الرَّد بعده ويصح الرجوع في (¬3) الوصية ويبدأ بواجب من دين ونذرٍ وكفارة، وحج وإن لم يوص به، ثم الثلث من الباقي. فصل [لمَنْ تَصِحُّ الوَصِيَّة] تصِح لمن يصح تمليكُه، ولعبده برقبته ويعتق بقبُوله، وبمَشَاع كثلثه ويعتق منه بقدرِه، فإن فَضلَ شيءٌ أخذه لا بمائة أو ثوب ونحوه. وتَصِحُّ بحمل وله إن تحقق وجودُه قَبلها، ولا تصح لمَلَكٍ، ولا بهيمةٍ ¬

_ (¬1) من وصيت الشيء إذا وصلته، وهي لغة: الأمر. وشرعاً: الأمر بالتصرف بعد الموت. (¬2) في (ج): "يحتاج". (¬3) قوله "في" ليس في (ج).

فصل

وميت، فإن وصى لحيٍّ وميتٍ فللحي النصف وإن وصَّى بماله لابنيه وأجنبيِّ فردّا وصيته، فله التُّسع، وإن وصّى بألفٍ في حَجِّ نَفلٍ صُرِفَ من ثُلُثِهِ في حجة بعد أخرى حتى ينفد. فصلٌ تصح بما يُعجز عن تسليمه كآبقٍ وطيرٍ في هواء، وبمعدوم كما تحمل أمته أو شجره أبدًا، أو مدة معينة، فإن لم يحصل شيء بَطَلت. وبكلب صيدٍ (¬1) ونحوه وزيت متنجس، وله ثلثهما ولو كثر المال إن لم يجز (¬2). وبمجهول كعَبْد وشاة، ويعطي ما يقع عليْه الإسم اللغوي وإذا وصى بثلثه فحدث له مالٌ ولو ديته (¬3) دَخَل في الوصية، وإن وصى بمعينٍ فتلف بطلت. فصلٌ من وُصّيَ له بنصِيب وارثٍ مُعين أو بمثله (¬4)، فله [مثل] (¬5) نصيبه مضموماً إلى المسألة. ¬

_ (¬1) في (ج): "وبكل شيء"!! (¬2) في (ج): "يعجز". (¬3) في (ب) و (ج): "دية". (¬4) قوله "أو بمثله" ليس في (ج). (¬5) ليس في (الأصل)، وهو مثبت في بقية النسخ.

فصل

وإن وصّى بمثل بنصيب أحدِ ورثته وَلم يعيّنه فمثل ما لأقلهم، وبسهمٍ من مَاله فسُدس بمنزلة سُدس مفروضٍ، وبشيءٍ أو جزءٍ أوحظٍ أو نصيبٍ فلهُ ما شاءَ وارثٌ. فصلٌ تصح الوصيّة إلى مسلم مُكلف عدلٍ رشيدٍ وَلوْ عبداً ويَقبل بإذن سَيّده. وَإن وَصّى لزيدٍ بعد وصيته لغيره -ولم يعزل الأوّل- اشتركا، ولا (¬1) ينفرد غير مفرد (¬2) إلا بجعله له. ولا تصح إلا في تصرفٍ معلوم يملكهُ مُوصٍ كقضاء دينٍ وتفرقة ثلث ونظر على محجور أولاده. ومَنْ وُصِّي في شيء لم يصر وصيّاً في غيرهِ، وَإن ظَهَرَ دَينٌ مُسْتَغْرِقٌ بعد تفرقةِ وَصِيٍّ لم يضمن. وضَعْ ثُلُثِي حيثُ شِئْتَ (¬3): لا يَحلُ له (¬4) ولا لوَلده. وَمَنْ مَاتَ حيثُ لا حاكم ولا وصيّ حازَ بعضُ من حَضَره تركتَه، وعَمِل فيها الأصلح من بيع وغيره. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "ولم". (¬2) في (ب) و (ج): "منفرد". (¬3) قوله: "شئت" ساقطة من (ج). (¬4) قوله: "له" مكرر في (الأصل).

كتاب الفرائض

كتابُ الْفَرَائِض أَسبابُ إرثٍ: رَحِمٌ ونِكَاحٌ وَوَلاءٌ. والوُرّاثُ: ذو فَرضٍ، وعَصَبةٍ، ورَحِم. فذو الفرض عَشرة: الزَّوْجَان، والأَبَوان، والجدُّ والجدَّةُ، والبنت، وبنت الابن (¬1)، والأخت مُطْلقًا، والأخ لأمٍّ. فللزوج نِصفٌ مع عَدَمِ فرعٍ وارث، ورُبعٌ معهُ. ولزوجةٍ فأكثر رُبعٌ مَع عدم الفَرْع، وثُمنٌ معه. وللأب سُدسٌ مع فَرعٍ ذكرٍ، وما أَبقتِ الفروضُ إن عَدِمَ فرعُه، ويجمعُ بين فرضٍ وتَعْصِيب مع فرعٍ أنثى إن فَضَل شيءٌ. والجد مع عدمِهِ كهو فيما ذُكر. فصلٌ [في أحكام الجد مع الأخوة] لجدٍّ مع إخوَةٍ لغير أمٍّ كَأَحدهم إن لم تُنْقصهُ المُقَاسَمةُ عن (¬2) الثُلُث؛ كجدٍ وأخ، وإلا فالثلث كَجدٍ وثلاثةِ أخوة ومع ذي فَرضٍ بَعده (¬3) الأَحَظُّ من ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "بنت لابن". (¬2) في (ج): "من". (¬3) في (ب) و (ج): "بعد".

فصل

مقاسمةٍ أو ثُلث الباقي أو سُدس (¬1) الجميع، فإن لم يبقَ غيرُ (¬2) السدس أَخَذَه وسَقَط الأخوة إلا في الأَكْدَرِيَّة، وهي: زوجٌ وَأمٌ وجَدٌّ وأخوةٌ لغير أم، فيُعالُ لها بالنصفِ ثم يُقاسمها الجَدُّ فيما سُمِّيَ لهما. ولا يُعال هنا ولا يُفرض لأختٍ معه ابتداءً إلا فيها. وإذا اجتمعَ معه وَلَدُ أبوين وولدُ أبٍ حُسب عَلْيهِ ثم يأخذ عصَبَةُ ولدِ الأَبوين ما سمِّي لولد الأب، والأنثى إلى (¬3) تمام فَرضِها النصف، فإن (¬4) فَضَلَ شيءٌ فلولد الأب كالزَّيْدِيَّات (¬5). فصْلٌ وللأم سُدسٌ مع فرعٍ وارثٍ، أو اثنين فأكثر من إخوة أو أخوات. والثُلثُ مع عَدمهم. وفي زوجٍ وأبوين، وزوجةٍ وأَبوين: ثلث الباقي. وعصبةُ ولد زنى، ومنفيٍّ بلعان بعد ذُكور ولده عصبةُ أُمه. ولجدةٍ فأكثر سُدسٌ مع عَدمٍ، وتَرثُ أُمُّ أَبٍ وأُمُّ جَدٍّ معهما، ولا يَرثُ أَكثر ¬

_ (¬1) في (ج): "ثلث". (¬2) في (ج): "سوى". (¬3) قوله: "إلى" ليس في (ب) و (ج). (¬4) في (ج): "وإن". (¬5) الزيديّات، هي: أربع مسائل حَكَم فيها زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فنُسبت إليه. انظرها في: "هداية الراغب" (3/ 132) و"كشف الغوامض من أحكام الفرائض" (ص 225 - 228).

فصل

من ثلاث (¬1) جدات: أُمّ الأُم، وأُم الأب، وأُم أبي الأب، وإن علون أمُومَة، وتَحجُبُ القُربى البُعدى مُطلقًا. وترثُ ذَاتُ قرابتين ثُلثي السُّدس. فَصلٌ ولبنتٍ (¬2) مُنْفَرِدةٍ النِّصفُ، ثم لبنتِ ابنٍ كذلك، ثم لأُختٍ لأبوين، ثم لأُختٍ لأبٍ كذلك. والثُلثان لثنتين فَأكثر منهن. وإن عَصَّبَهُنَّ ذَكَرٌ بإِزَائِهِنَّ فللذَّكَرِ مثلُ حَظِّ الأُنثيين. ولبنتِ ابنٍ فَأَكْثَر لم تُعَصَّب السُّدس (¬3) مع بنت صُلبٍ واحدة، وكذا بنتُ ابنِ ابنٍ مع بنتِ ابنٍ أعلى منها، وأخت لأبٍ مع أخت لأبوين. وتَسقُطُ بنتُ ابنٍ لم تُعَصّب مَعَ بنتين فأكثر، وكذا بنتُ ابنِ ابنٍ مع بنت صلبٍ وبنت ابن، وكذا أُخت لأب مع أختين لأبوين. ويُعَصِّبُ بناتِ ابنٍ مَنْ هو أَنزلُ منهن إذا احتجنَ إليه. والأختُ لغير أُم مع بنتٍ أو بنت ابنٍ عَصَبَة تَرِثُ ما أَبقتِ الفروضُ. ولولد أُم ذَكَرٍ أو أُنثى السُّدس، ولإثنين فأكثر منهم الثُلثُ بالسويّة. ¬

_ (¬1) في (ج): "تلك". (¬2) في (ب): "النصف لبنت منفردة". (¬3) في (ج): "الثلث"إ!

فصل

فصْل يَسْقطُ جَدٌّ بِأَبٍ، وأَبعدُ بأَقْرب، والجدَّات بالأُم، وولدُ الإبنِ بالإبنِ، وَوَلدُ الأَبَوينِ بالأَبِ، والإبنُ وابنُ الإبنِ ووَلدُ الأَب بهم وبالأخِ لأبوين، وَوَلدُ الأُم بالوَلدِ، وَوَلدِ الإبن، والأب، والجد. باب العَصَبَة (¬1) أَقْربُهم ابنٌ فابنه وإنْ نَزَل، ثم أبٌ ثم أبوه وإنْ عَلا، وتَقَدَّمَ حكمُه مَعَ إخوَة، ثم أَخٌ لأبوين، ثم لأب، ثم ابناهما (¬2) كذلك، ثم عمٌّ لأبَوَين ثم لأب، ثم ابناهما كذلك، ثم أعمام أبيه ثم بنوهم كذلك، ثم أعمام جده ثم بنوهم كذلك الأقرب فالأقرب. فأخٌ لأب أولى من ابن أخ لأبوين، وابن أخ لأب (¬3) أَوْلى من ابن ابن أخ لأبوين، وإذا انفرد عاصِبٌ أَخَذَ كُلَّ المال أو ما أبقت الفروضُ، وإن استوى عاصِبَان اشتركا، فإن عُدم عَصَبَةُ النَّسب ورث المُعْتَقُ ثم عَصَبَتُهُ الأقرب فالأقرب. ولا ترث بنت أخ مع أخ، ولا بنت عم مَع ابن عم (¬4)، ولا عَمَّة مع عم ¬

_ (¬1) العصبة: جمع عاصب، من العصب وهو الشد. والعاصب اصطلاحاً: من يرث بلا تقدير، فيأخذ المال كله، أو ما أبقت الفروض. (¬2) في (ج): "أبناؤهما". (¬3) في (أ): "لأم". (¬4) قوله: "عم" ساقط من (ج).

باب [في أصول المسائل]

لغير أم، وابنا عم أحدهما زوج أو أخ لأم له فرضٌ، والباقي لهما وإذا استغرقت الفروض التَّرِكَةَ سقط العَاصِب. بابٌ [في أصُول المسائل] أصولُ المَسائلِ سَبْعَةٌ: اثنانِ كَزوجٍ وأُخت. وثلاثة: كأمٍ وَوَلدهَا، وأربعة: كزوج وابن، وستة: كجدة وعم. وثمانية: كزوجة وابن، واثنا عشر: كزوجٍ وأُمٍ وابنٍ، وأربعةٌ وعشرون: كزوجةٍ وأم ووابن. وتعُول (¬1) الستةُ لعَشَرة، والإثنا عشر أفرداً لسبعة عشر، والأربعة وعشرون لسبعَة وعشرين، كَالمِنْبَرِيَّة (¬2). وإذا انكسَر سَهمُ فريقٍ عليهم ضرَبْتَ عَدَدَهُم أو وَفْقَهُ في المسألةِ وعَوْلها إن عالت فما بلغ صحت منه. فَصلٌ [في المُنَاسَخَةِ (¬3)] إن مَاتَ بعضُ الوَرَثةِ قَبْلَ القِسْمَة؛ فإِنْ وَرِثُوه كالأوَّلِ كإخوَةٍ فاقْسم عَلى ¬

_ (¬1) تعول: من العَوْل، والعَوْل هو: زيادة سهمٍ في المسألة ودخول النقص على أهل الفرائض. (¬2) المنبرية هي: زوجةٌ وأبوان وبنتان، سُميت بذلك؛ لأن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - سُئل عنها وهو على المنبر، فقال: "صار ثُمْنُها تُسْعاً". انظر: "المصنّف" لإبن أبي شيبة (16/ 262 - رقم: 31852). (¬3) المناسخة من النسخ بمعنى الإزالة أو التغيير أو الإبطال أو النقل. واصطلاحا: أن يموت ورثة ميت أو بعضهم قبل قسم تركته.

باب ذوي الأرحام

مَنْ بَقِيَ. وإنْ كَانَ وَرَثَةُ كُلِّ مَيتٍ لا يَرِثُون غَيره (¬1)، كإخوَةٍ لهم بنون؛ فصحِّح الأوُلى وَاقسِم سَهْمَ كُلِّ ميتٍ على مسألته، وصَحّح كالإنكسَارِ على أكثر من فريق، وإلا صَحَّحت الأوُلى وقسمت سهام الثاني على مسألته، فإن انقسَمَت صحتا من الأولى وإلا ضربت كلَّ الثانية أو وَفْقَهَا للسهام في الأولى. ومَنْ له شيءٌ [منها فاضْرِبْهُ فيما ضَرَبْتَه فيها، ومَنْ له شيء] (¬2) من (¬3) الثانية ففي سِهَامِ الثاني أو وَفْقَهَا، وتعمل (¬4) في ثالث فأكثر كذلك. باب ذوي الأرحام يَرِثُون بِتَنْزِيلِهِم مَنْزِلَةَ مَنْ أَدلوا بهِ ذَكَرٌ (¬5) وأُنثى سواءٌ. فوَلدُ بنتٍ (¬6)، وَوَلدُ بنتِ ابنٍ، وولدُ أُخْتٍ كَأُمّهاتِهم، وبناتُ الأخوَة، وبَناتُ بَنيهم، وولد أخٍ لأُمٍّ (¬7) كآبائهم. ¬

_ (¬1) قوله: "غيره" ليس في (أ). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (الأصل)، وهو مثبت في بقية النسخ. (¬3) في (ج): "في". (¬4) في (ج): "فتعمل". (¬5) في (ج): "ذكور". (¬6) قوله: "فولد بنت" ساقط من (ج). (¬7) في (ج): "لأب".

باب [في ميراث الحمل]

وخَالٌ وخَالةٌ، وأبُو أُم كأمٍ (¬1)، وعَمّةٌ وعَم لأمٍ كَأبٍ. فيُجعَلُ نصيبُ كُلِّ وَارثٍ لمن أَدْلَى به، وإن سَقَطَ بعضُهم ببعض عُمل به. والجهات: أُبُوَّة، وأُمُومَة، وبُنُوَّة. بابٌ [في مِيرَاثِ الحَمْلِ] يُوقف لحمل في الوَرَثَةِ إن (¬2) طَلبُوا القِسْمَة الأكثر مِن إرْثِ ذَكَرَيْنِ أو أنثيين. فإذا وُلِدَ أَخَذَ حَقَّهُ والبَاقي لمستحقه، ولا يُعْطى مَنْ سَقَطَ به شيئًا، ومَنْ لا يحجبه يأخذ إرثه، ومَنْ يُنْقِصُهُ يَأخذ اليقين. ويَرثُ ويُورثُ إن استهلَّ صَارِخاً أو عَطَسَ، أوْ بَكى أو رَضع أو تَنَفّسَ لا إن اختلج (¬3) فقط. والخنثى المُشكل يَرِثُ نِصْفَ ميراث ذَكر ونصْف ميراث أنثى إن لم يُرْجَ اتضاحُه وإلا فاليقين. فصلٌ [في ميراث المَفْقُود] مَنْ خَفِيَ خَبَرُه بسفرٍ غالبُه السَّلامَة؛ كأسرٍ وتجارة انُتظِر به تمامُ تِسعينَ سنةً ¬

_ (¬1) في (ج): "كأمه". (¬2) في (الأصل) و (أ): "وإن"، والمثبت من (ب) و (ج). (¬3) الإختلاج: الإضطراب والتحرك.

فصل [في الهدمى والغرقى]

منذُ وُلد. وإن كَان غَالبُه الهلاك كَمِنْ بين أهله (¬1)، أو بمفازةٍ مَهْلَكَةٍ فأربع سنين منذ فُقِد ثم يُقسم مَالهُ فيهما. فصْلٌ [في الهدمى والغرقى] وإنْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ كَأَخوين لأب بِهَدْمٍ أو غَرقٍ أو نحوه وجُهل السابقُ مَوْتاً وَلَمْ يختلِفُوا فِيهِ وَرِثَ كُلٌ منهُمَا الآخرِ مِن تِلادِ مَاله دون ما وَرِثَه منه، وإنِ اختلفُوا في السابق لم يَرِثْ كُلٌّ مِن الآخر شَيئًا. فصلٌ ولا إرثَ مَعَ اخْتِلافِ دِينٍ، إلا بالوَلاءِ، وإذا أَسْلَمَ كافرٌ قَبل قَسْمِ مِيراثِ قَرِيبه المُسلم. ويتوارثُ حَربيٌ وذِمّيٌ ومُسْتَأمنٌ إن اتحد دينهم، وهم مِللٌ شَتَّى لا يتوارثون مَعَ اختلافها. والمُرتد لا يَرِث ولا يُورث، وَمَاله فيءٌ. ويَرِثُ مَجُوسيٌ ونحوه أسلم، أو حَاكَمَ إلينا بقرابتيه، وكذا إن وطئ مسلمٌ ذَاتَ مَحْرمٍ بشبهة، لا بنكاحٍ لا يُقَرُّ عليه لو أسلم. ¬

_ (¬1) أي: كمَنْ أُخذ مِن بين أهله.

فصل

فصلٌ يتوارثُ الزَّوجان في عدةِ طَلاقٍ رَجعي لا بائنٍ، في صحةٍ أو مَرَضٍ غَيْرِ مَخُوفٍ، وإِنْ أَبَانَهَا في مرضِ مَوْتِهِ المَخوف مع تُهمتِهِ بِقَصدِ حِرْمَانِها، أو عَلَّقَ إبانتها في صحته على مَرضه، أو عَلى فعلٍ له ففعَلهُ في مَرضِهِ ونحوه لم يرثها، وتَرِثُه في العدة وبعدها ما لم تتزوج أو ترتد. فصلٌ لا يَرِثُ قاتلٌ انفرد أو شارَك فيه مباشرةً أو سبَبًا، ولو غير مُكلف إن لزمه (¬1) قَوَدٌ أو كَفّارة أو دية، بخلافِ قَاتلٍ بحقٍ، كقَوَدٍ وحَدٍّ وشَاهدٍ ونحوه. ولا يرث رقيقٌ ولا يُورَث، ويرث مُبَغضٌ ويورَث ويَحْجِبُ بقدْر حُريته. ومَنْ أعتق عبْداً فله ولاؤُه، وإن اختلف دينهما، ولا يرثُ نساءٌ بولاءٍ إلا مَنْ أَعتقْنَ، أو أَعْتَقَه مَنْ أَعْتقن بكتابةٍ أو غَيْرِها. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "يلزمه".

كتاب العتق

كتَاب العِتْقِ (¬1) يُسَنُّ عِتقُ وكِتابةُ مَنْ لهُ كَسبٌ. ويحصُل بقولٍ، وصريحُه: أَعتقتك أو حَرَّرتك ونحوه، وكنايته (¬2): أنت مولاي أو لله ونحوه. وبمِلكٍ لذي رَحِم مَحْرم؛ كأبٍ وأخٍ وخالٍ. وبتمثيل برقيقه. ويَصحُ تعْلِيقُ عتقٍ بشرط، ويَعْتَقُ بوجوده، وبموْتٍ وهوَ التَّدْبِير. ومَنْ أعتق جزءاً من قِنِّه عَتَق كله، ومن مُشترك عَتَقَ نَصيبُ شَريكه إن أيْسَر بقيمته. فصْلٌ إذا بَاعَ سيدٌ قِنَّه نَفْسَه بمالٍ مُنَجَّم نَجْمَين فأكثر صَحَّ، فإذا أدَّاه عَتَقَ، وولاؤه له، وإن عجز عاد قِنّاً. وتصحُّ كتابةُ أُم وَلَدِه، وبيعُ المُكاتَب، وإذا أَدَّى لمشتريه عَتَقَ، وولاؤه له ¬

_ (¬1) العتق لغة: الخلوص. وشرعاً: تحرير رقبة وتخليصها من الرق. (¬2) في (ج): "وكاتبته"!!

فصل [في أمهات الأولاد]

ويملك كَسْبَه ونفعَه وكُلَّ تَصرف يُصلح مالَه. ويتبع مكاتبةً ولدٌ وَلَدَتْه بَعْدَهَا كأُمّ وَلدٍ ومدبَّرة. فصْلٌ [في أمهات الأولاد] إذا أوْلد حُرٌّ أَمته أو أمةَ وَلَدِه أو أَمةً لأحدهما فيها شِرْكٌ فولدت ما فيه صورةٌ ولو خفية صارت أمَّ ولدٍ له، تعتقُ بِمَوتِه مِن كُلِّ مَالِه ولو قَتَلته. وأحكامُها كَأَمَةٍ في وطءٍ واستخدامٍ وإجارةٍ ونحوهِا، لا فيما ينقل الملك، أو يُراد له كالبيعِ والوقفِ والرهن ونحوه.

كتاب النكاح

كتابُ النكاح يُسنُّ لذي شهْوَة، وَيجِبُ إنْ خَاف زِنى، ويُباح لمن لا شهْوَة لهُ، وَهوَ معَها أفضل من نَفْل العِبادَة. وَسُنَّ (¬1) نكاح وَاحدة دَيِّنة أجنبية بِكرٍ وَلُودٍ، وَلهُ نظرُ ما يظهر غالِباً ممن أرَاد خطبتها، ومِنْ ذات مَحْرمه. ويحرمُ تصريحٌ بخطبة مُعْتدَّةٍ ولَو مِنْ وَفاةٍ، دُون تَعْرِيضٍ لمُبَانة، ويُباحَان لبائنٍ منه تحلُّ له، وهي في جوَاب كهُوَ. وَالتعريضُ: إنِّي في مِثْلكِ لَرَاغِب، وتجيبُه: مَا يُرْغَب عنك ونحوه. وتحرُم خِطبةٌ على خِطبة مُسلم أُجِيبَ وَلوْ تَعْرِيضًا، لا إنْ رُدَّ أو أَذِنَ أو جُهل الحال. ويُسَنُّ عَقْدٌ مساءً يوم الجمعَة وأن يخطُبَ قبلهُ بخطبةِ ابنِ مسعود. فصلٌ رُكْنَاه إيجابٌ بلفظ: أَنْكَحْتُ أو زوَّجت، وقَبول بلفظ: قَبِلتُ، أو رَضِيتُ، أو تزوّجْتها ونحوه. فلا ينعقد ممن يُحْسن العربية بغيْر ذلك، فإن لم يحسنها لم يلزمه تعلمها ¬

_ (¬1) في (أ): "ويُسن".

فصل [في شروط النكاح]

وَكفاه معناهما الخاص بكل لِسَانٍ، وإن (¬1) تراخى قَبولٌ (¬2) صَحَّ ماداما بالمجلس ولم (¬3) يتشاغلا بما يقطعه عرفاً لا إن تقدم. فصْلٌ [في شروط النكاح] وشُروطُه: تَعيينُ الزَّوجين؛ باسمٍ، أو صفةٍ، أو إشارةٍ، وكذا إن قال: زوجّتك بنتي وليس له غيرها، لا إن قال: زوَّجتك فاطمة وَلمْ يقل بنتي. الثاني: رضاهُما أوْ من يقُوم مقامهما ويجبر أبٌ بِكرًا، ولو بالغةً وَمجْنُونة ومجنوناً ومَعْتُوهاً، وَصَغِيرًا، وسَيِّدُ أمةٍ (¬4) غيرَ مُكَاتبة وعبدَه الصغير، وكذا وَصِيَّه في نكاح. ولا يُزوِّج باقي الأولياء صغيرةً دون تسع بحال، ولا صغيرًا، ولا كبيرة عاقلة ولا بنت تسع إلا بإذنهما، وهو صمات بكرٍ ونطق ثيب. الثالث: الوَلِي، فلا تُزَوّجُ امرأةٌ نفسها ولا غيرها، وَأبُوها أحَقُّ بهِ ثم وَصِيُّه فيه، ثم جَدٌّ لأب وَإنْ علا، ثم ابنها ثم ابنه وإن نزل ثم أخ لأبوَين، ثم لأب ثم ابناهما كذلك، ثم الأقرب فالأقرب، ثم الموْلى المُعْتق، ثم عَصَبَاته الأقرب كميراث ثم الحاكمُ ثم دِهْقَان القرية (¬5) ونحوه. ¬

_ (¬1) قوله: "وإن" ساقط من (ج). (¬2) في (أ): "قبوله". (¬3) في (أ): "وإن يتشاغلا". (¬4) في (ج): "أو سيد أمته". (¬5) الدهقان: مُعرّب، يُطلق على رئيس القرية، وعلى التاجر، وعلى مَن له مالٌ وعقار. "المصباح المنير" (ص 122)، فدهقان القرية: أميرُها ورئيسُها.

باب المحرمات فيه

وشرطه: حُرِّية، وتَكْلِيف، وذُكُورِيَّة، ورشد فيه واتفاق دين سوى سيد وسُلطان، وعدَالة، وإذا استوى وليَّان قُدِّم مَنْ أذنته، وإلا قُرعة. وإن عَضَل أقرب أو لم يكن أهْلًا أو غاب غيبة منقطعة زَوَّجَ أبعدٌ، [وإن زَوَّجَ أبعدٌ] (¬1) أو أجنبى بلا عُذرٍ لم يَصحَّ. الرابع: الشهادة، فلا يصِح إلا بحضرةِ ذَكَرين عَدْلَين وَلوْ ظاهراً مُكَلَّفَين سَمِيعَين نَاطِقَين. الخامس: الخُلُوّ من الموانع. وليست الكفاءَة شَرْطاً لصحته، فَيصِحُّ إن زوجت بغير كفؤ، ولمن لم يرضَ من امرأةٍ وعَصَبةٍ الفسخ، وإن بَعُد. والكفاءةُ: دِينٌ وَنَسَبٌ وحُرِّيةٌ وصِنَاعةٌ غيرُ زَرِيَّة وغنًى بما يجب لها. باب المُحَرَّمات فيه تَحْرُمُ أَبَدَاً: الأمُّ والجَدَّةُ وإن عَلَتْ، وَالبنتُ وبنتُ الوَلد، وإن نَزَلَتْ من حلالٍ وحرَامٍ، والأختُ وبنتُها وبنتُ وَلَدِهَا وَإنْ نَزَلَتْ مُطلقًا، وبنتُ كُلِّ أخٍ، وبنتُ وَلَدِه وإنْ سفل، والعمةُ والخالةُ وإن علتا مُطلقًا. ويحرُمُ من الرَّضاعِ ما يحرُم من النَّسَبِ إلا أم أخيه (¬2) وأخت ابنه. ويحرم بِمُصَاهرة: زوجةُ أبيه وجَدِّه وإن عَلا، وزوجةُ ابنهِ وابنِ وَلده وإن ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (الأصل)، وهو مثبت في بقية النسخ. (¬2) في (أ): "أم أخته".

فصل

سفل، وأُمُّ زوجتِه وَجَدَّاتُها وإِن عَلَوْن بِمُجَرّد عَقْدٍ، وبنتُ زَوْجَتِه وبنتُ ابنها، وبنتُ بنتها (¬1)، وإن نزلا بدخُولٍ فإن ماتت الزوجَةُ قبلهُ أو بَانَت أُبِحْن، وكذا وَطْء شبهة وزنا ولوَاط وتَحْرُمُ المُلاعِنَةُ، ولَوْ أَكْذَب نفسه. فصلٌ يحرُم الجَمْعُ بين أختين، أو عمتين، أو خالتين، أو امرأة وعمتها ونحوه من نَسَب، أو رِضَاع، فإن تزوجهما في عقدٍ أو عقدين معاً لم يصح، وإن تأخر أحدهما أوْ وَقع في عدَّةِ الأخرى ولو من فَسْخٍ أو طلاق بائِنٍ بَطَل. وتحرم مُعْتَدَّة ومُسْتَبْرَأة من غيره وزانيةٌ حتى تتوب وتَنْقَضِي عدَّتها ومطلقته ثلاثاً حتى تَنْكِحَ زوجاً غيره بشرطه، والمُحْرِمَةُ حتى تَحِلَّ، ولا مسلمة لكافر، ولا كافرة لمسلم غير حرَّة كِتَابِيَّة ولا أمة لحرٍّ إلا إنْ خافَ العَنَتَ ولَو لحاجَةِ خِدْمة ولم يجد طَولًا لنكاح (¬2) حرة. ولا ينكح عبْدٌ سَيِّدته ولا سيد أمَتهُ، ولحرٍ نكاح أمَة أبيهِ لا أمَة ابنه، وليس لحرَّة نكاح عبْدِ وَلدهَا. وَإنْ ملك أحَدُ الروجين أوْ وَلدهُ الحرُّ أو مكاتبهُ الزوج الآخر أو بعضه انفسخ النِّكاح، ومَن حَرُم نكاحُها حَرُم وَطْؤُها بمِلْكِ يمينٍ غير أمة كتابية، ولايصح نكاحُ خُنْثَى مُشْكِل حتى يتَّضِحَ. ¬

_ (¬1) في (ج): "وبنت ابنها" مكرر. (¬2) في (ج): "بنكاح".

فصل

فصلٌ (¬1) إنْ شَرطت طَلاقَ ضَرَّتها، أو أن لا يتزوَّج أو يَتَسَرَّى عليها، أو ألَّا يُخْرِجها مِنْ بَلَدِهَا أو دَارِها صَحَّ، ولها الفسخُ إن لم يَفِ. وإن زَوَّجه وليته على أن يُزَوّجه الآخر وليته ولا مَهْر ففعلا بَطَلَ النّكاحَانِ، وإن سُمَّي لكلٍّ مهرٌ غيرُ قليل حِيلةً (¬2) صَحَّ. وإن تزوَّجَها بشرطِ أنَّه متى أحلَّها للأوَّل طلَّقها أو نَوَاهُ بِلا شَرْطٍ لم يَصِح كنِكَاحِ مُتْعَةٍ ومُعَلَّق بشرط مستقبل. فصلٌ وإن شَرَط أن لا مَهر لها، أو لا نَفَقَة أو لا قَسْمَ أو أقل من ضَرَّتها أو خِياراً فيه، أو إنْ جاء بالمهر وَقْتَ كذا وإلا فلا نكاح بينهما، ونحوه، بَطَلَ الشرطُ وصَحَّ النِّكَاح. وإن شَرَطَهَا مسلمةَ فبانت كِتَابِيَّة، أو شَرَطَهَا بِكراً أو جميلة [أو] (¬3) نَسِيبَة، أو نفى نحو عَوَر فبانت بخلافه فلهُ الفسخُ، ومن عَتَقَتْ تحتَ رَقِيقٍ كله فلها الفسخ (¬4) ما لم تُمَكِّنْه مِنْ نَفْسِهَا وَلَوْ جاهِلةً. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "بابٌ". (¬2) في (أ): "حليلة". (¬3) ما بين المعقوفتين ساقطٌ من (الأصل)، وأثبتّه من (ب). (¬4) هذه الجملة "ومن عتقت تحت رقيق كله فلها الفسخ" ساقطة من (أ).

فصل [في عيوب النكاح]

فصْلٌ [في عيوب النكاح] ويثبتُ الخيارُ بنحو جَبٍّ (¬1) إنْ لم يبقَ مَا يمكنُ جماع به، وبِعِنَّةٍ، ويؤجَّل سنةً من تَحَاكُمِهُمَا، فإنْ وَطِىَء فيها وإلا فَلَهَا الفَسْخُ، وإن اعترفت بوَطْئِهِ فليسَ بعِنِّين، كما لو رَضِيَتْ عِنَّتَهُ. وبِرَتْقٍ، وَقَرْن، وعَفَل، وفَتْق (¬2)، واستطلاق بول، ونَجْوٍ، وقُروحٍ (¬3) سيَّالة بفَرْجٍ، وباسُور ونَاصُور (¬4)، وجُنُون ولو ساعة، وجُذَام وبَرَص، ولَو حَدَثَ بَعْدَ عَقْدٍ أو كانَ بالآخَرِ عيبٌ مثلهُ. وَمَنْ وُجِدَ منه دليلُ رضاه سَقَطَ خِيَاره. ولا يصحُّ فسخٌ هنا إلا بحاكمٍ، فقبلَ دُخُولٍ لا مَهْر، وبعدَهُ لها المُسَمَّى، ويُرْجَعُ به على غَارٍّ إن وُجد. ولا تُزوَّجُ صغيرة، أو مجنونةٌ أو أمةٌ بمعيبٍ يُرَدُّ به، وإنْ رَضِيَت كبيرةٌ ¬

_ (¬1) الجَب: قطع الذكر كله أو بعضه. (¬2) هذه العيوب مختصة بالنساء: فالرتق: أن يكون فرجُها مسدوداً لا يسلكه ذكرٌ بأصل الخِلقة. والقَرَن: لحم زائدٌ ينبت في الفرج فيسدّه. والعَفَل: ورمٌ في اللحمة التي بين مسلكي المرأة، فيضيق فرجُها فلا يسلك فيه ذكر. والفتق: أن ينخرق ما بين سبيليها، أو ما بين مخرج بول ومني. (¬3) في (الأصل): "ونحو قروح"، والمثبت من (أ) و (ب)، ويؤيده شرح الشيخ عثمان في "هداية الراغب" (3/ 195) حيث قال: "ونجو: أي غائط، منها أو منه" اهـ. (¬4) الباسور والناصور: داءان يكونان بالمقعدة.

باب [في نكاح الكفار]

مَجْبُوباً أو عِنِّيناً لم تُمْنَع، بَل مجنوناً أو أَجْذَم أو أَبْرَص، وإن عَلِمَت العيبَ أو حَدَثَ بعدُ لم تُجْبَر على فسخٍ. بابٌ [في نكاح الكفار] نكاحُ الكُفَّارِ كنكاحِ المسلمين فيما يجبُ به، وطلاق ونحوه، ويُقَرُّون على فاسِده ما اعتقدوا حلَّه ولم يرتَفِعُوا إلينا، وإن أتَوْنَا قبل عَقده عَقَدْنَاه على حُكْمِنا، وبعدَه أو أسْلم الزوجَان؛ فإن حَلَّت إذن أُقرّا وإلا فُرِّق بينهما. وإن وَطِئَ حَرْبيٌّ حَرْبيَّةٌ واعتقدَاهُ نِكَاحاً أُقرَّا، ومتى كان المَهْرُ صَحِيحاً أَخَذَتْهُ، وإن كان فاسداً ولم تقبضه أوْ لم يُسَمَّ فمهرُ مثلها. وإن أسلما مَعًا، أو زوجُ كتابيةٍ بقي النِّكَاحُ، وإن أسلمتْ هِيَ أو أَحَدٌ غير كتابيين قبل دخول بَطَلَ، وَإن سَبَقَها فنصفه، وبعد دخول وُقف على انقضاء عدتها، فإن أسلم الآخر فيها وإلا بان فسْخه منذ أسلم الأول، وإن ارتدَّا أو أحدهما قبْل دخولٍ انْفَسَخ وبعده وُقف على انقضاء العدة.

كتاب الصداق

كتاب الصَّداق (¬1) يُسَنُّ تخفيفه وتسميته في العقد، وَكلُّ مَا صَحَّ ثمناً صحَّ مَهراً وإن قلَّ، وإن أصدقها تعليمَ قُرآن لم يصح، بل فقه وأدب وشعر مباح، وإن أصدقها نفعاً مُباحاً معلوماً كرعاية غنمها شهراً صَحَّ، لا طلاق ضَرَّتها ونحوه، ولها مهرُ المثل. وإن أصْدَقَها ألفاً إن لم تكن (¬2) له زوجة وألفين إن كانت صَحَّ، لا ألفين إن كان أبُوهَا ميتًا، وألفا إنْ كان حيًّا. ويصحُّ تأجيلُ صَداقٍ وبعضه، فإن أطلق فمحلهُ الفرقة البَائنة، وإن أصدقها مغصُوباً أو خنزيراً ونحوه فمهرُ المثل، وإن وجدت المباح معيباً خُيّرت بين أرشه وقيمته. ويصح على ألفٍ لها وألفٍ لأبيها ويملكه بقبض، وإن شرط لغير الأب فلها المسمَّى كلهُ. ويصح تزويج بنته بدون مهر مثلها ولو كرهت، وإن زَوّجها به غيرُه بإذنها صَحَّ، وبدونه يلزم زوجاً تتمته (¬3)، وإن زوَّج ابنهُ الصغير بأكثر من مهر مثل صَحَّ ولزم الزوج ولو معسراً ما لم يضمنه أبٌ. ¬

_ (¬1) الصداق -بفتح الصاد وكسرها- يقال: أصدقت المرأة، ومهرتها. وهو: العوض المسمى في عقد نكاح، أو المسمى بعده. (¬2) في (ب): "يكن". (¬3) قوله: "تتمته" ساقط من (ج).

فصل

فصْلٌ وتملك زوجةٌ صَدَاقها بعَقد، فلها نماء معين قبل قبضه، وتلفه عليها إن لم يمنعها قبضه، ولها التصرُّف فيه، وعليها زكاته. وإن طَلَّقَ أو خَلَعَ أو جاءت الفرقةُ من قِبَله قَبل دخولٍ وخلوة فنصفه حكمًا، ويستقر كامِلًا بدخولٍ وخلوةٍ وموتِ أحدهما، ويسقط كله بفسخها ولوْ لِعِنَّة قبل دخول. وإن اختلفا في قدر صداق أو عينه أو ما يستقر به فقوله، وفي قبضه فقولها. فصْلٌ مَنْ زَوَّجَ مُجْبَرَة أو غيرها بإذنها بلا مهر، أو زَوَّجَ على ما يشاء أحدهما أو غيرهما (¬1)، فلها مهر مثل بعقد، ويفرضه حاكمٌ بِقَدْرِه (¬2) بِطَلَبِها إن لم يتراضيا. ويصح أبرأ منه قبل فرضه، ومن مات منهما ورثه الآخر، واسْتَقَرَّ المهرُ، وإن طُلِّقت قبل دخول فالمتعَة على الموسر قَدَرُه وعلى المقتر قَدَرُه، وبعده المهر فقط. ¬

_ (¬1) قوله: "أو غيرهما" ساقط من (ج). (¬2) في (الأصل): "يقدره".

فصل [في وليمة العرس]

وإن افترقا في فاسدٍ قبل دخول وخَلْوة فلا مهر، وبَعْدَ ذلك المُسمى، وفي وَطْء شبهةٍ أو زنا كرهاً مهر المثل لا أرش بكارة. ولزوجةٍ منعُ نَفْسِها حتى تَقْبِضَ حالّ صداقها، ولها النفقة إذن وإن كان مؤجلًا، ولو حَلّ أوْ سَلَّمت نفسَها ابتداءً فلا، وإن أعسر بحالّه فلها الفسْخ بحاكمٍ ولو بعد دخول. فصلٌ [في وليمة العُرس] تُسَنُّ وَلِيمَةٌ بعقد، وتجبُ إجابةُ مسلم عَيَّنه يحرم هَجْره إليها أوّل مرة، إن لم يكن ثَمَّ مُنكر، فإن دعاهُ الجَفَلَى، أو في اليوم الثالِثِ، أو ذميٌّ كُرهت إجابته. ولا يجبُ الأكلُ، ويُخَيَّرُ صائمٌ مُتَنَفّل. ويُكره نِثارٌ (¬1) والتقاطُه، وتُسَن تسميةٌ على أكلٍ وشُرب، وحمدُه إذا فَرِغ، وأكلُه بيمينه مما يليه. وسُنَّ إعلانُ نكاحٍ وضَربٌ فيه بدفٍ مُباح. بابٌ [في عِشرة النِّساء] يلزمُ الزوجين الْعِشْرَةُ بالمعروفِ، ويحرُم مَطْلُ أحدهما الآخر بما يلزمُه، والتكرُّه لبذله ويلزم تسليم حرَّةٍ يُوطَأُ مِثلُها ببيت زوجٍ إن طلبها ولم تشترط ¬

_ (¬1) النثار، أي: نثر نحو دراهم.

فصل

دارها، وَيمهل مستمهل العادة لا لعمل جهاز ونحوه، وتُسَلَّمُ أمةٌ ليلًا فقط، وَلهُ الإستمتاع بها ما لم يشغلها عن واجب أو يضرها. ويقول عندَ وَطْء: "بسم الله، اللَّهم جَنَّبْنَا الشيطان وجَنِّب الشيطانَ ما رَزَقْتَنَا" (¬1). وله السفر بِحُرَّةٍ لم تشترط بلدها. ويحرم وطءٌ في حيض وُدبرٍ، وله إجبارُها على غُسلِ حيضٍ وجَنَابة، وأخذِ ما يُعاف من شعرٍ ونحوه. فصلٌ يَلْزَمُ بطلبٍ مبيتُ ليلةٍ من أربع عند حرة، ومِن سبعٍ عند أمة، وله الإنفراد في الباقي. ويلزمه وطءٌ إن قَدِرَ كُلَّ ثُلُثِ سنةٍ مَرَةً، وإِنْ سَافَرَ فَوْقَ نصفها وطلبت قُدُومَه وقَدِرَ لَزِمَه، فإن أبي ذلك فُرّق بينهما بطلبها. ويُكره كثرةُ كلامٍ حال جماع، ونزعُه قَبل فراغها. وَيحْرُمُ جمعُ زوجتين فأكثر بمسكنٍ بغير رضاهما، وله منعها من خروج، وسُن إذنه إن مَرِضَ محرمها، أو مات، وَله منعها من رضاعِ وَلَدِهَا مِنْ غيره إلا لضرورته. ¬

_ (¬1) لما روى البخاري (3271) ومسلم (1434) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم الله، اللَّهم جَنَّبْنَا الشيطان وجَنِّب الشيطانَ ما رَزَقْتَنَا، فرُزقا ولداً لم يضرّه الشيطان".

فصل

فصلٌ وعليه التسويةُ بين زوجاته في قَسمٍ، وعِمَاده الليل، وسُن في وطء. ويَقْسِم لحائضٍ ومريضةٍ ومجنونة مَأمُونةٍ وغيرها (¬1). وإن سَافَرَتْ بلا إذنه أو لحاجتها أو نَشَزَتْ فلا قَسْمَ لها ولا نَفَقَة (¬2)، ولها هِبَةُ قَسْمِها لضرَّتها بإذنه، وله يجعله لمن شاء، ولها الرجوع في المستقبل، ولا قَسْمَ لسرائره، وأمهات أولاده. ومَنْ تَزَوَّجَ بِكراً أقام عندها سبْغا، ثم دَارَ، وثيباً ثلاثًا، ثم إن أَحَبَّت (¬3) لا هو فَعَلَ وقَضَى السبع للبواقي. ومتى ظَهَرَ منها أمارةُ نُشُوزِها، بأن لم تُجِبْهُ لإستمتاعٍ أو أجابتهُ مُتبرمةً، أو متكرهةً وَعَظَهَا، فإن أَصرّت هَجَرَهَا في المضجع ما شاء، وفي الكلام ثلاثة أيام، فإن أَصرَّتْ ضرَبَها غير مُبرّح. ¬

_ (¬1) جاء في (ب) هنا "أي: غير المذكورات، وليس المراد غير المأمونة"، وقد أُقحم في المتن، ووُضعت عليه علامة تدل على أنه شرحٌ. (¬2) في (ج): "ولا نفقة لها". (¬3) أي: أحبت الثيب أن يسبّع لها.

باب الخلع

بابُ الخُلعِ (¬1) يَصِحُّ ممَّن يصح طلاقُه، وبَذلُ عِوضه ممَّن صَحَّ تَبرعُه، مِنْ زَوجةٍ وأجنبيٍ، ويُكرهُ بلا حاجةٍ، ويَحْرُم إن عَضَلَها ظُلماً لِتَفْتَدِي، لا (¬2) إنْ زَنَتْ أو نَشَزَتْ أو تَرَكَتْ فرضًا. وإنْ بذلته أمةٌ بلا إذن سيِّد، أو محجورٍ عليها لم يصح، ويقعُ رجعيّاً بلفظِ طلاقٍ أو نيته. فصلٌ وهو طلاقٌ بائنٌ ما لم يقع بلفظٍ صريحٍ فيه، وهو خلعتُ وفسختُ وفاديتُ بلا نيةِ طلاقٍ، فيكون فسْخاً لا ينقصُ به عدد الطلاق. ولا يقع بمعتدةٍ منهُ طلاقٌ ولو وُوجِهَتْ (¬3) به، ولا يَصِحُّ شرطُ رجعةٍ فِيه. وإن خالعَها بلا عِوضٍ أو بِمُحَرَّمٍ وقعَ رجعيّاً بلفظ طلاق أو نيته. وُيكرَهُ أخذهُ منها أكثرَ مما أعطاها، ويَصِحُّ بمجهولٍ وبنفقةِ عدةٍ مِنْ حَاملٍ. ¬

_ (¬1) في (ب): "هو فراق زوجةٍ بعوضٍ بألفاظٍ مخصوصة" وقد أُقحمت في المتن، وهي من الشرح. (¬2) في (ج): "إلا". (¬3) في (أ): "وُجهت".

وإن قالَ إن أعطيتني ألفاً فأنتِ طالِق طلقت بذلك، ولو متراخيًّا، وَإن قالت اخلعْني أو طلّقني بألفٍ ففعل بانت واستحقها، وطَلّقْنِي واحدةً بألف فَطَلَّقَهَا ثلاثاً استحقَّه لا عكسه، إلا أنْ لا يَبْقَى (¬1) غيرُها. وَليْسَ لأبٍ خلعُ زوْجَة ابنه الصغير، ولا طلاقها، ولا خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها، ولا يُسقطُ خُلعٌ كغيره شيئاً من الحقوق، وتعودُ الصِّفةُ في عِتْقٍ وطَلَاقٍ. * * * ¬

_ (¬1) في (أ) و (ج): "أن يبقى".

كتاب الطلاق

كتاب الطَّلاق (¬1) يُباحُ لحاجةٍ، ويُكره مع عدمها، ويُستحبُ لضرورةٍ، ويَجب لإيلاءٍ إن لم يَفِ، ويحرم لبدعةٍ. ويَصحُّ من زوجٍ وَلوْ مُمَيزاً يعقله، وحاكمٍ على مُولٍ، لا (¬2) ممن زال عقلهُ، غير سَكران آثم، ولا من مُكرهٍ ظُلماً بعقوبةٍ له، أو لولده، أو أخذ مالي (¬3) يضرُّه، أو تهديدِ قَادِرِ يَظُنُّ إيقاعه فَطَلَّقَ تبعاً لقوله. ووكيلُ زوجٍ كهو، يُطلّق واحدةً متى (¬4) شَاءَ، إن لم يُعيّن له وقتٌ، وكذا امرأته إن وَكَّلَها فيه. فصلٌ سُن لمريده إيقاعُ واحدةٍ في طُهرٍ لم يصبها فيه، ثم تركها. وتحرم الثلاث إن لم يتخللَّها عقدٌ أو رجعةٌ، وإن طَلَّق مدخولاً بها في حيضٍ أو طُهرٍ وطئ فيه فبدعة، ويقع وتُسن رجعتها. ولا سنة ولا بدعة لصغيرةٍ وآيسةٍ وغيرِ مدخولٍ بها وبيّنٍ حملُها. ¬

_ (¬1) في (ب): "هو حَلّ قيد النكاح أو بعضه" وقد أُقحمت في المتن، وهي من الشرح. (¬2) في (الأصل): "ولا"، والمثبت من بقية النسخ. (¬3) في (ج): "ماله". (¬4) في (أ) و (ج): "ومتى".

فصل [في ألفاظ الطلاق]

فصلٌ [في ألفاظ الطلاق] صريحه: لفظُ طلاقٍ، وما تصرّف منه غير أمر ومضارع، ومُطَلِّقة -اسم فاعل-، فيقع بهِ ولو هازلاً، وإن نوى طالق من وَثَاق أو مِن نِكاح قَبلهُ لم يُقبل حكمًا. وإن قيل له: أَطَلّقْتَ امرأتك؟ فقال: نعم، طَلُقَت، ولك امرأة؟ فقال: لا -وأراد الكذب- لم يقع. وكنايته الظاهرة، نحو: أنتِ خَلِيَّة وبَرِيَّة وبَائِن وبَتَّةٌ وبَتْلَةٌ، وأنتِ حُرَّة، وأنتِ الحَرَج. والخَفِيَّة، نحو: اخرجي واذهبي وذُوقِي وتجَرَّعِي واعْتَدِّي واستبرِئِي [واعتَزِلي] (¬1)، ولستِ لي بامرأة، والْحَقِي بأهلِكِ، ونحوه، فإذا نواه بها وقعَ بالظاهرةِ ثلاثٌ (¬2) وبالخفية واحدةٌ، لا بلا نية إلا حال غضبٍ أو خصومةٍ أو سؤالها (¬3). وأنتِ عليَّ حرامٌ ظِهارٌ وَلو نوى طلاقًا، وكذا: ما أحَلَّ الله عليَّ حرامٌ، وإن قال: كالميتْة والدم، فما نواه من طلاقٍ وظِهارٍ ويمينٍ، فإن لم ينو شيئاً فظِهار. ¬

_ (¬1) ليس في (الأصل) وهو في بقية النسخ. (¬2) كذا بالرفع في (الأصل) و (أ)، وفي (ب) بالنصب: "ثلاثاً". (¬3) في (ب): "بسؤالها".

فصل [فيما يختلف به عدد الطلاق]

ومَنْ قال: حلفتُ بطلاقٍ كاذباً لزمَهُ حكمًا. وأَمْرُكِ بيدكِ تملك به ثلاثاً ما لم يطأ أو يفسخ، واختاري نفسكِ واحدة بالمجلس. وإن رَدَّت أو وَطِىَء أو فَسَخَ بَطَل خَيَارُها. فصلٌ [فيما يَخْتَلِفُ به عَدَدُ الطَّلاقِ] يملك حُرٌّ ومُبَعَّضٌ ثلاثًا، وعبْدٌ اثنتين ولو حُرَّة. وعليّ الطلاق أو (¬1) يلزمني ونحوه فواحدة إن لم ينْو أَكثر. وكُلُّ الطَّلاق أو أكثره، أو عددَ الحصا ونحوه ثلاثًا، وعلى سَائرِ المذاهب واحدة إن لم ينو أكثر، ويدُها أو رُبعُها ونحوهما، أو قال: أنتِ نصف طلقة ونحوه طَلُقت، لا إن قال رُوحُكِ أو شَعرُكِ أو ظُفركِ ونحوه طالق. وإن قالَ أنتِ طالق أنت طالق وقع بمدخولٍ بها اثنتان إن لم ينو إفهاماً أو تأكيداً متصلاً، وأنتِ طالق فطالق فَطالِق قُبل تأكِيد ثانيةٍ بثالثةٍ، لا أولَى بثانية، وتَبِينُ غيرُ مدخولٍ بها بالأولى، ولا يلحقُها ما بَعْدها. فصلٌ [في الإستثناء في الطلاق] يصح استثناءُ نِصفٍ فأقل مِنْ طلقاتٍ ومطلَّقاتٍ إذا اتصَل ونوَاه قبل تمام مُستثنىً مِنه، فأنتِ طالق ثنتين إلا واحدة يقع واحدة، وثلاثاً إلا واحدة ¬

_ (¬1) في (أ): "و".

فصل [في إيقاع الطلاق في الزمن الماضي والمستقبل]

طلقتانِ، كأربع إلا اثنتين وأربعتكن طوالق إلا فلانة لم يقع بها، ونسائي طوالق، ونوى بقلبه إلا فلانة صَحَّ. فصلٌ [في إيقاع الطلاق في الزمن الماضي والمستقبل] وأنتِ طالقٌ أمس أو قبل أن أنكحك لم يقع إن لم يُرِدْ وقوعَه في الحال، فإن مات أو جُنَّ ونحوه قبل العِلم بمراده لم تطلق. وأنتِ طالقٌ قبل قدومِ زيدٍ بشهر، فإن قَدِمَ (¬1) بعد شهرٍ وجزء يَتّسعُ له وَقَعَ (¬2) وإلا فلا. وأنتِ طَالقٌ إن طِرْتِ أو صَعدتِ السماء ونحوه لم تطلق، وعكسُه لا طرتِ أو لا صعدتِ السماء ونحوه. وأنتِ طَالقٌ اليَوْم إذا جاء الغد لغوٌ. وأنتِ طالق في هذا الشهر أو اليوم يقعُ في الحالِ. وأنت طَالِقٌ إلى سنة تطلق بمضي اثني عشر شهرًا، أو إذا مَضَت السنةُ فانسلاخُ ذي الحجة. بابُ تعليقِ الطَّلاقِ بالشُّروطِ إذا قال: إن تزوجتُ فلانة، أو كُلُّ امرأة تزوجتُها فهي طالقٌ لم يقع بتزوجها. ¬

_ (¬1) من هنا سقط في النسخة (ب) إلى باب "الرجعة". (¬2) في (أ): "يقع".

وإن علَّقه زوجٌ بشرط لم يَقع قَبلهُ، ولو قَال عجلته. وإن قال سَبَقَ لساني بالشرط ولم أُردْه وَقعَ في الحالِ، و"كُلَّمَا" وحدها للتّكرار، فإن أو متى أو إذا ونحوه قُمتِ فأنتِ طالق فوُجد طَلُقت، ولا يتكرر بتكرر القيَامِ، بخلاف كلما قمتِ. وإن حِضتِ فأنتِ طالِق طلقت بأوّل حيضٍ، وإذا حِضتِ حيضةً فإذا انقطع الدمُ من حيْضة مستقبلة، وإن كنتِ حامِلًا بذكرٍ فطلقة وبأنثى فثنتين فولدتهما طلقت ثلاثًا، لا إن كَان حملَكِ أو ما في بطنكِ. وإن طلقتكِ فأنتِ طالِق قبلهُ ثلاثًا، ثم طلقها رجعيّة فوَاحدة بالمنجز، وتتم الثلاث من المعلق، ويلغُو قولُه قبله. وأنتِ طالِقٌ إن كَلَّمتكِ فتحققي، ونحوه وَقعَ ما لم ينوِ كلاماً غيره. وأنتِ طالِقٌ إن خَرَجْتِ إلا بإذني ونحوه، أو إن خَرجتِ إلى غير الحَمّام بلا إذني فأنت طالق فخرجت بإذنه مرة، ثم خرجت بلا إذنه أو أَذِن لها ولم تعلم، أو خرجت تريد الحمام وغيره، أو عَدَلَت منه إلى غيره طَلُقَت، لا إن أَذِنَ فيه كُلَّما شاءت، أو قال: إلا بإذنِ زيدٍ، فمات زيدٌ ثم خرجت. وأنتِ طالقٌ إن شئتِ أو شَاء زيدٌ لم تَطلق حتى يشاء (¬1). وأنتِ طالقٌ أو عبدي حر إن شاء الله وَقعَا. وأنتِ طالقٌ لرضا زيدٍ أو مشيئته تطلق في الحالِ. ¬

_ (¬1) في (الأصل): "تشاء"، والمثبت من (أ) و (ج). والمعنى: أنها لا تطلق حتى يشاء أحدُهما، إما هي أو زيد، وذلك بخلاف قوله: أنتِ طالق إن شئتِ وشاء زيد؛ فلا بُدَّ من مشيئتهما معاً.

فصل

ولا يدخلُ داراً فأَدْخَلَها بَعْضَ جَسَدِهِ، أو دَخَلَ طَاقَ البَابِ، أو لا يلبسُ ثوباً من غزلها فلبس ثوباً فيه منه، أو لا يشربُ ماءَ هذا الإناء فَشَرِبَ منه لم يحنث. وإن فعل المحلوفَ عليْهِ ناسِياً أوْ جاهِلًا حنث في طلاقٍ وعتقٍ فقط، ولَيَفْعَلَّنَ كذا لم يبر حتى يفعل كُلَّه. ومَنْ تَأَوّل في حَلِفِه نَفَعَه إن لم يكن ظالِمًا. فصْلٌ مَنْ شكّ في طلاقٍ أو شرطِه لم يلزمه، وإن شكَّ في عدده بنى عَلى اليقين. وإن قال لامرأتيه إحداكما طالقٌ، ونوى معيّنةً طَلُقَتْ، وإلا أُخْرِجَت بقرعة، كمن طلَّق إحداهما ثم نَسِيها. وإنْ قال لامرأتِهِ وأجنبية إحداكما طالقٌ، أو لحماته بنتكِ طالقٌ طَلُقَت زَوْجَتُه، ولا تُقبل إرادة الأجنبية بلا قرينة، ولمن ظنها زوجته أنت طالق طلقت امرأته كعكسه.

باب الرجعة

بابُ الرَّجْعَة (¬1) مَنْ طَلَّقَ مَدْخُولًا بها بلا عِوَض دُون مَا له من العَدد فله رجعَتها في عدتها ولوْ كرهت، بلفظ راجعتُ امرأتي أو رددتها ونحوه، لا نكحتها. وسُنَّ إشهادٌ عليها، وهي كزوجة (¬2) لا في قسم وتحصل بوطءٍ لا خلوة. ولا يَصِحُّ تعليقها. وإن طَهُرتْ من حيضةٍ ثالثةٍ ولم تغتسل فلهُ رجعتها، فإن اغتسلت لم تحل إلا بعقد، وتعودُ على ما بقي مِن طَلَاقِها، ولو نَكَحَتْ غيره. ويُقبل قولها في انقضاءِ عدتها بحملٍ ممكن أو حَيْض، لا في شهر. والمطلَّقة ثلاثاً لا تحلُّ له حتى تنكح زوجاً غيره، ولو غير بالغٍ بلا حِيلةٍ، ويطأَها في قُبلها مع انتشارٍ، ويكفي تغييبُ الحَشَفةِ أو قَدْرِها، وإن لم يُنْزِل، لا وطء شبهة أو مِلك يمينٍ أو نكاحٍ فاسِد. ومَنْ غابت مُطلقته ثم ذَكَرَتْ نَكاحَ مَنْ أَحَلَّها وانقضاء عدتها، وأمكن، وصَدَّقَها فله نكاحُها. ¬

_ (¬1) الرجعة -بالفتح-: إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد. (¬2) هنا انتهى السقط في النسخة (ب).

باب [في الإيلاء]

بابٌ [في الإيلاء] مَنْ حَلَفَ باللهِ تعالى أو صفته على ترك وطء زوجَتِه في قُبلها أبداً أو فَوق أربعة أشهر، أو (¬1) حتى يَنْزِلَ عيسى، أو تشرب (¬2) الخمر، أو تهبه مالها ونحوه (¬3) فمُولٍ، ولو مميزاً أو غضبان أو سكران أو مريضاً يُرجى بُرؤه، لا مجبوباً كُلّه أو عنيناً ونحوه (¬4). فإذا مضى أربعةُ أشهر من يمينه ولم يطأ في القُبل أُمر بالطلاق، فإن أبى طَلَّقَ عليه حاكمٌ (¬5) واحدةً أو أكثر، أو فسخ، وكذا من ترك الوطء ضِراراً بلا عذر (¬6)، وإن ادعى بقاءَ المدة أو وَطْءَ ثيبٍ صُدِّق بيمينه. بابٌ [في الظهار] الظهارُ محرّمٌ كإيلاء، فمن شَبَّه زوجتَه أو بعضَها بمن تحرمُ عليه أبداً أو إلى أمد (¬7)؛ كَأنتِ عليَّ كَظَهْرِ أو بَطْنِ أمي (¬8) أو أختي من رضاع، أو ¬

_ (¬1) قوله: "أو" ليس في (ج). (¬2) في (ج): "يشرب". (¬3) في (أ): "أو نحوه". (¬4) في (أ): "أو نحوه". (¬5) في (أ) و (ب) و (ج): "الحاكم". (¬6) في (ج): "ضرر". (¬7) في (ب): "مدة". (¬8) في (الأصل): "كظهر أمي أو بطن أمي"، والمثبت من بقية النسخ.

فصل

حماتي، أو فلانة الأجنبية، أو فلان ونحوه؛ فقد ظَاهَرَ، كأنتِ عليَّ حرام. ويصح مُنَجَّزاً ومُعلقًا، ومُطْلَقًا (¬1) ومؤقتًا. ويحرمُ قبل كفارةٍ وطءٌ ودواعيه من مُظَاهِرٍ منها، ولا تستقر الكفارة إلا بالعَوْد وهو الوطء. وإن ظَاهَرَ مِنْ نِسائِه بكلمةٍ فكفارةٌ، كما لو كَرَّرَه من واحدةٍ قبل تكفير، وبكلماتٍ فلكُلِّ واحدةٍ كفارةٌ. فصلٌ وكَفّارَتُه عِتقُ رقبةٍ مؤمنةٍ سليمةٍ من العيوب الضارة بالعمل، إن (¬2) مَلَكَها أو ثَمَنَها فاضلًا عن كفايتِه وكفايةِ مَنْ يَمُونُه وما يحتاجهُ مِنْ منزلٍ، وخادمٍ، ومركوبٍ، وكسوةٍ ولو لِتَجَمُّل، وكُتبِ علمٍ، ووفاءِ دين، ورأس ماله لذلك (¬3). ولا يُجزئ فيها عَمْياء ولا شلَّاء يدٍ أو رجل، أو مقطوعتها، أو مقطوعة خنصر وبنصر من يدٍ أو أصبعِ غيرهما (¬4)، ولا مريض ميئوس منه، وأم ولد. فإن لم يجد فصيامُ شهرين مُتتابعين، ولا ينقطعُ إن تخلّله رمضان، أو فِطرٌ ¬

_ (¬1) قوله: "مطلقاً" ساقط من (ب). (¬2) في (أ): "أو". (¬3) في (ب): "كذلك"، وفي (ج): "ورأس مالٍ كذلك". (¬4) في (الأصل) و (ج): "غيرها"، والمثبت من (أ) وهو موافق لما في "هداية الراغب"، وغيرهما، أي: غير الخنصر والبنصر.

باب اللعان

واجبٌ كعيدٍ وحيضٍ ومرضٍ مَخُوفٍ، أو أفطر ناسياً أو مكرهاً أو لعذرٍ يبيحه، ويَقْطعه وطءُ مُظاهر منها مُطلقًا. فإن لم يستطع ني طعامُ ستين مسكينًا، كل مسكينٍ مُد بُرٍّ أونصف صاع من غيره، مما يُجزئ في فِطرة، لا إن غدَّا المساكين أو عَشَّاهم، وتُعتبر النيةُ في الكلِّ. بابُ اللِّعان مَنْ قَذَفَ زوجتَه المكلفة بزنىً فله إسقاطُ الحَدِّ باللِّعان، فيقول أولًا أربعَ مرَّاتٍ بالعربية إن عرفها: أشهدُ بالله لقد زنت زوجتي هذه، أو يسميها وينسبها إن غابت، ويزيدُ في الخامسة وَأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم تقول هي أربع مرات: أشهدُ باللهِ لقد كَذَبَ فيما رماني به من الزنى، وتزيدُ في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فإذا تم سَقَطَ عنه الحدّ، والتَّعْزِيرُ، وحَرُمَتْ عليه أبداً ولو أكذب نفسه، وانتفى ولدٌ إن ذَكَرَه فيه صريحاً أو ضمنًا. فصلٌ إذا وَلَدت زوجةُ ابنِ عشرٍ فأكثر لنصفِ سنةٍ منذ أمكن اجتماعه بها، أو لِدونِ أربع سنين من إبانتها لَحِقَه نَسَبُه، ولا يُحكمُ ببلوغِه إِنْ شَكَّ فيه.

وإن اعترف بوطءِ أمته ولو دون الفرج فوَلدَت لستة أشهر فأكثر لَحِقَه نَسَبُه إن لم يَدّعِ استبراء بَعْدَه، ويحلفُ عليه، وإن بَاعَها بعد وطئها فولدت لدون نصف سنة لَحِقَهُ نَسَبُه، وبَطَلَ البيعُ. وتبعيةُ نسبٍ لأبٍ، وحريةٍ أو رِقٍّ لأم.

كتاب العدد

كتابُ العِدَد (¬1) تلزم لوَفاةٍ مُطلقًا، ومفارقةٍ في الحياة، إن دخل أوْ خلا بها، وكان ابن عشرٍ فأكثر. والمعْتدات ستٌ: الحاملُ، وعِدَّتُها من وفاةٍ وغيرِها وَضْعُ ما تَصيرُ به أمةً أمَّ ولد، وأقل مدة حمل ستة أشهر، وغالبها تسعة، وأكثرها أربع سنين. الثانية: المتوَفَّى عنها زوجُها بلا حَملٍ منه، فَتَعْتَدّ الحرةُ بأربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ بلياليها، والأمَة نصفها. الثالثة: المفارَقَةُ في الحياة بلا حملٍ، ذَاتُ الأَقْراء، فالحرةُ بثلاثةِ قروءٍ، وهي الحِيَضُ (¬2)، والأمة قُرْءَانِ. الرابعة: مَنْ لم تَحضْ، لصغرٍ أو إياس، المفارَقَةُ في الحياة، فالحرةُ ثلاثة أشهر، والأمة شهران، وكذا مَنْ بَلَغَتْ ولم تر حيضاً ولا نفاسًا (¬3). الخامسة: مَنِ ارتفع حيضُها ولم تَدْرِ سَبَبَهُ، فَتَتَربَّصُ تسعةَ أشهرٍ للحملِ، ثُم تَعْتَدُّ الحرةُ بثلاثةِ أَشْهرٍ، والأمةُ بشهرين، وإن علمت ما رفعه مِن مرضٍ أو رضاعِ ونحوه لم تزل فىِ عدةٍ حتى يعود فتعتدُ به، أو تصير آيسة فتعتدُ عدتها. ¬

_ (¬1) العدد -بكسر العين- جمع عدة، وهي: تربص محدود شرعاً. (¬2) القُرُوء جمع قُرء، والقُرء من ألفاظ الأضداد، فيُطلق على الطُهر ويُطلق على الحيض. انظر: "الأضداد" لأبي بكر الأنباري (ص 27). (¬3) من هنا سقط في النسخة (أ) حتى فصل "الإحداد".

فصل [في الإحداد]

السادسة: امرأةُ المفقود تتربّص ما تقدَّم في ميراثه ثم تَعْتَدُّ كمتوفى عنها، ولا تفتقر لحاكم. فإن تزوَّجت ثم قدم الأول قبل دخولٍ بها رُدّت له وجوباً، وبعد دخولٍ له أَخْذُها (¬1) بالعَقْدِ الأول، ولا يَطأُ حَتَى تنقضي عدةُ الثَّاني، وله تَركُها له، ويَأخذُ قَدْرَ الصَّداقِ الذي أَعْطَاها، فَيُجدِّد الثاني عَقْدَه. ومَنْ مَات زوجُها أو طلَّق غائباً اعتدت منذ الفرقة (¬2)، وإن لن تَحدَّ. وعدةُ موطوءةٍ بشبهةٍ أو زنىً (¬3) أو نكاحٍ فاسدٍ كَمُطَلَّقةٍ. ومَنْ تزوجت في عدتها لم تنقطع حتى يطأها، فإذا فارقها بَنَت على عدة الأول، ثم اسْتَأْنَفَتْهَا للثاني. فصلٌ [في الإحداد] يَجِبُ إحدادٌ في عِدّةِ وَفَاةٍ. وهو: ترك ما يدعو إلى نكاحها ويُرغّب في النظر إليها؛ مِنْ زينةٍ وطيبٍ وتحسينن بنحو حناء ومصبوغ لزينة، وحُليٍّ وكُحلٍ أسود. وتجب عدة وفاة في المنزل؛ حيثما وجبت، وإن تحوّلت لخوفها (¬4)، أو قهْراً، أو لحقٍّ انتقلت حيث شاءت. ¬

_ (¬1) في (ج): "وبعد دخولٍ أَخَذَهَا بالعقد الأول". (¬2) في (ج): "المفارقة". (¬3) قوله: "أو زنا" ليس في (ج). (¬4) في (ب) و (ج): "لخوفٍ".

باب الإستبراء

ولها الخروجُ نهاراً لحاجتها فقط (¬1)، وتأثم بترك إحدادٍ وتنقضي العِدةُ بمُضِي الزمَانِ. باب الإسْتِبْرَاء من مَلَكَ أمةً يُوطَأُ مثُلها، ولو مِن امرأةٍ أو صغيرٍ (¬2) حَرُم وطؤُها ودواعيه؛ حتى يَسْتَبْرِئَها. واستبراءُ حاملٍ بوَضْعٍ، ومَنْ تَحيضُ بحيضةٍ، وصغيرةٍ وآيسَةٍ بشهرٍ. * * * ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى السقط في النسخة (أ). (¬2) في (ج): "أو صغيرة".

كتاب الرضاع

كتاب الرَّضَاع يَحْرُم منه ما يحرم من النسب. والمُحَرِّم خمسُ رضعات في الحولين، ولبن ميتةٍ وموطوءةٍ بشبهة كغيره، لا لبن بهيمة، ومن لم تحمل (¬1). فتصيرُ مُرضعةٌ أُمَّاً في نِكَاحٍ ونَظَرٍ وخَلْوَة ومَحْرَمِيَّة، وأولادُها أخوته وأخواته، كأولاد زوجها؛ وأخوتهما (¬2) وأخو اتهما أعمامه وعماته (¬3)، وأخواله وخالاته، وهكذا. وتُباح مُرْضِعةٌ لأبي مُرتضَع، وأخيه مِن نَسبٍ، وأُمّه وأخته مِنْ نَسَبٍ لأبيه وأخيه من رضاع. ومَنْ أَقَرَّ بأن زوجتَه أختُه مِن رضاع انفَسَخَ نكاحُه، ثم إنْ صَدَّقْتُه فلا مَهْر قبل دخولٍ، وإنْ كَذَّبْتُه فَنِصْفَه، وبَعْدَه كُلّه، وإنْ قَالت هي ذلك وكَذَّبَها (¬4) فهي زوجتُه حُكْمًا، ويكفي فيه امرأةٌ عَدْلٌ، وإن شَكَّ فيه أو في كماله فلا تحريم. * * * ¬

_ (¬1) في (الأصل): "ومن تحمل" والمثبت من بقية النسخ. (¬2) قوله: "وأخوتهما" ليس في (ب). (¬3) قوله: "وعماته" ليس في (ج). (¬4) في (ب) و (ج): "وأكذبها".

كتاب النفقات

كتابُ (¬1) النَّفَقات يلزمُ زوجاً كفايةُ زوجتِه قوتًا، وأدمًا، وكسوة وسُكنى وتوابعها، بصالح لمثلها. ويَعتبرُ حاكمٌ ذلك بحالهما إن تنازعا. وعليه مؤنة نظافتها، وخادمٌ إن خُدِمَ مثلُها ولو بأجرة، ومؤنسةٌ لحاجة، وكذا رجعيةٌ في عدتها، لا بائن بلا حمل، ولا متوفى عنها من تركةٍ. ومن حُبست ولو ظُلمًا، أو نَشَزَت، أو تطوّعت بلا إذنه بصومٍ أو حَجٍّ، أو سَافَرَتْ لحاجتها ولو بإذنه فلا نفقة. وتَجِبُ (¬2) كُلَّ يومٍ في أوّله، والكسوةُ أوّل كل عامٍ، وإن اتّفقَا على تقديمٍ أو تأخيرٍ أو عِوَضٍ جاز. ولا يُجْبر مَنْ امْتنع منه، ولا تَسقطُ بِمُضِيّ الزَّمان، بِخِلاف نَفَقَةِ القريب. وتَجِبُ بِتَسلّمِ (¬3) زوجةٍ مُطيقةٍ، أو بذلها ولو مع صِغَرِ زَوجٍ، ومَتَى أَعْسَرَ بالقُوتِ أو (¬4) الكِسْوة، أو غَابَ، وتَعَذَّرَتْ مِنْ مالِه والإستدانةُ عليه فلها الفسخُ بحاكمٍ. ¬

_ (¬1) في (أ): "باب". (¬2) قوله: "وتجب" ساقط من (ب). (¬3) في (أ) و (ج): "بتسليم". (¬4) في (ج): "و".

فصل

فَصلٌ تَجِبُ لأبويه وإنْ عَلوا، وَوَلَدِهِ وإن سَفَلَ، حتى ذي الرَّحِم منهم، وكل مَن يَرِثُه بِفَرْضٍ أو تَعصِيبٍ بمعروفٍ مع فقرِ مَنْ تَجِب له وعَجزه عن تَكَسّبٍ، ويسار مُنفِق. ومَنْ له وُرَّاثٌ (¬1) غيرُ أبٍ فَنَفَقَتُه عَليهم بِقَدْرِ إرثِهم. ويلزمُ إعفافُ مَنْ تلزَمُ نفقتُه لحاجةٍ، ونفقةُ زَوجته وظِئره لحولين. ولا نَفَقَةَ مع اختلافِ دينٍ، إلا بالولاء. وَعَليْهِ نفقةُ رَقِيقِه وكِسوَتِهِ وسُكناه بالمعروف، وألَّا يُكَلّفه مُشِقَّاً كثيرًا، وإن طَلَبَ نِكاحاً زَوَّجَه أو باعه، وإن طلبته أمةٌ وَطِئَهَا، أو زَوَّجَهَما [أو بَاعَهَا] (¬2). وعليه عَلَفُ بهائِمه، وما يُصلِحُهَا، ولا يُحَمّلهَا ما تَعْجز عنه، ولا يَحْلِبْ مِن لَبَنِهَا ما يُضِرُّ بِوَلَدِهَا، وإن عَجَزَ عن نَفقتها أُجْبِرَ على بيعها أو إجارتها، أو ذَبْحِ مَأكُولَةٍ. * * * ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "وارث". (¬2) ما بين المعقوفتين ليس في (الأصل)، وهو مثبت من (أ) و (ب).

باب الحضانة

بابُ الحَضَانةِ (¬1) تَجِبُ لحفظِ صَغِيرِ ومعتوهٍ ومجنونِ. والأحَقُّ بها: أُمٌّ ثم أمهاتها القُرْبَى فالقُرْبَى، ثم أَبٌ ثم أمهاته كذلك، ثم جَدّ، ثم أمهاتُه كذلك، ثم أُخْتٌ لأبوين، ثم لأم، ثم لأب، ثم خالةٌ كذلك، ثم عَمّةٌ كذلك، ثم بناتُ إخوتِه وَأخواته، ثم بَنَاتُ أعمامه وعماته، ثم باقي العَصَبة الأَقربُ فالأقربُ، ثم ذوي الأرْحَامِ، ثم الحاكمُ. وإن امتنعَ مَنْ لهُ الحضانةُ، أو كَانَ غَير أهلٍ انتقلت لمن بَعْدَهُ. ولا حضانة لِمَنْ فيه رِقٌّ، ولا لفاسقٍ ولا كافرٍ (¬2) على مسْلم، ولا لِمُزَوَّجَة بأجنبي من محضونٍ، ولا لغير مَحْرَم إذا تَمَّ لأنثى سبعُ سِنِين، ومتى زال المانعُ عَاد الحَقُّ. وإذا أراد أحدُ الأبوين سَفَراً لبلدٍ بَعيدٍ لِيَسْكُنَهُ فَأَبٌ أَحَقُّ، وإلا فأُمّ. وإذا بَلَغَ الغُلامُ سَبْعَ سنين خُيّرَ بين أَبَويه، ولا يُقَرُّ محضونٌ بيدِ مَنْ لا يَصُونُه ويُصلحُه، وأبو الأُنثى أَحَقُّ بها بَعْدَ سبعٍ (¬3) حتى الزَّفاف، وأُمٌّ أَحَقُّ بِرَضَاعِ وَلَدِهَا ولو بأُجْرةِ مثلِها مع متبرعة. * * * ¬

_ (¬1) الحضانة مشتقة من الحضن، وهو الجنب لضم المربي والكافل والطفل ونحوه إلى حضنه. وهي: حفظ صغير ونحوه عمّا يضره، وتربيته بعمل مصالحه. (¬2) في (ج): "لكافر". (¬3) في (ج): "سبع سنين".

كتاب الجنايات

كتابُ الجِنَايَاتِ (¬1) القتلُ: عمدٌ: يَخْتصُ القَوَدُ به بِشَرْطِ القَصْدِ والمكافأة. وشِبهُ عَمدٍ، وخَطَأٌ: فيهما الدِّيةُ على العَاقلة، والكفارةُ في مالِ قَاتلٍ. فمن قَتَلَ مَعْصوماً بما يَغْلبُ على الظَنِّ موتُه به بِمُحَدَّدٍ أو حَجَرٍ كَبيرٍ، أو سُمٍّ، أو سِحْبر يقتلُ غَالِبًا، أو ألقاهُ مِنْ شَاهِقٍ، أو في نارٍ، أو ماءٍ يُغْرِقُه ونحو ذلك، أو شَهِدَ عليه بما يُوجب قتلهُ ثم رجع وقال عَمَدْتُ فعليه القودَ. وإنْ ضَرَبَهُ قَصْداً بما لا يَقْتُلُ غَالِباً في غَيرِ مَقْتَلٍ؛ كَحَجَرٍ صَغيرٍ وسَوْطٍ فَشِبْهُ عمدٍ. وإن رَمى صيداً أو غَرَضَاً فَأصابَ آدميّاً لم يَقْصدْه، أو انقلبَ نائمٌ ونحوه على آدمي فقتله فخطأٌ، كَعمْدِ صغيرٍ ومجنونٍ. وتُقتلُ الجماعةُ بواحدٍ فإِنْ أُسْقِطَ القَوَدُ فَدِيةٌ فَقَطْ. ومَنْ أَكْرَه مُكَلَّفاً على قتل مكافئِه فالقَوَدُ أو الدّيةُ (¬2) عليهما، وإنْ أَمَرَ به غير مُكلّفٍ أو مَن يَجْهَلُ تَحريمَه، أو أَمَر بِه سلطانٌ ظلمًا (¬3) مَنْ جَهِلَ ¬

_ (¬1) الجنايات جمع جناية، وهي لغةً: التعدي على نفس أو مال أو عرض. وشرعاً: التعدي على البدن بما يوجب قصاصاً أو مالاً. (¬2) في (أ): "والدية". (¬3) قوله: "ظلماً" ليس في (ج).

فصل

ظُلمهُ فِيهِ فالقودَ أو الدية على الآمرِ. وِإنْ عَلِمَ المُكلفُ المأمُورُ تحريمَه ضَمِنَ وَحْدَه، وأُدّبَ آمرُه. ولا قِصَاصَ بقتلِ غَيرِ مُكافئٍ فلا يُقْتلُ حُرّ بِمَنْ فيه رِقٌّ، ولا مُسلمٌ بِكَافرٍ، ويُقْتلُ ذَكَرٌ بأُنْثَى، ولا يُقْتلُ أَبٌ ولا أُمٌ ولا جَدّ ولا جدّةٌ بولدٍ وإن سفل، ويُقتلُ بكلٍ منهم. ويُحبسُ جَانٍ إنْ كَانَ في الورثة غيرُ مُكلّف حتى يُكلّف، ويُطالب، وليس لِبَعْضِهم أَنْ يَنفَرِدَ بهِ. ولا يُستوفى مِنْ حَاملٍ حتى تَضَعَ وتَسقيه الِّلَبأ (¬1)، ولا في طَرَفٍ (¬2) حتى تَضَع، وكذا حَدٌّ. ولا يُستوفى قصَاصٌ إلا بِحَضرَةِ إمَامٍ أو نائبه بآلة ماضِيةٍ بِضَرْبِ عُنُقِه. فصْلٌ يجب بعمدٍ القودُ أو الديةُ فَيُخَيرُ الوَليُّ بينهما، وعفوه مجاناً أفضل. ويصح صُلحُه على أكثر منها، وإن اختارَها، أو عفا مُطلقًا، أو هَلَك جَانٍ تعينت. وإن وَكَّلَ مَنْ يستوفيه ثم عفا ولم يعلم وكيلهُ فلا شيء عليهما، وإن وَجَبَ لرقيقٍ قوُدٌ أو تعزيرُ قَذفٍ فَطَلَبُه وإسقاطهُ له، فَإِنْ مَات فلسيّده. ¬

_ (¬1) اللبأ هو: أوّل اللبن عند الولادة. "المصباح المنير" (ص 326). (¬2) أي: لا يُستوفى منها في قطع طرفٍ ونحوه.

فصل

فصْلٌ مَنْ أُخِذَ بغيره في النفسِ أُخِذَ بهِ فيما دونَها، فَتُؤْخذُ العَينُ، والأنفُ، والأُذنُ، والسِّنُّ، والجِفنُ، والشَّفةُ، واليدُ، والرِّجْلُ والأصْبعُ، والأنْملة، والذَّكرُ والخصية والألْيةُ بِمِثْلِها بِشَرْطِ أَمْنِ الحَيْف، والمماثلةِ في الاسمِ والموضِعِ والصِّحةِ والكَمالِ، فلا تُؤخَذُ يَمِينٌ بِيَسارٍ ولا صَحِيحةٌ بِشلّاء، ولا عَينٌ صحيحة بقائمة. ويُقْتصُّ أيضاً مِنْ كُل جُرْحٍ ينتهي إلى عَظْمٍ كمُوضِحَة، وجُرحِ عَضُدٍ وسَاقٍ وفَخِذٍ وكَسْرِ سِنٍّ، لا هَاشِمةٍ وجائفةٍ ونحوهما. وتُقْطَعُ الجماعةُ بِواحدٍ إن لم تَتَمَيّز أَفْعَالُهم. وسِرايةُ الجِنَايةِ مَضْمُونةٌ في النفس وما دونها، بقودٍ أو ديةٍ، دون سراية القود. ولا يُقْتصُّ لِطَرَفٍ وجُرْحٍ قَبل بُرئه، ولا يُطالب بِدِيته قَبْلَه، فَإنْ فَعَلَ فَسِرَايتُه هَدَرٌ.

كتاب الديات

كتابُ الدِّيات (¬1) مَنْ أتلف آدميّاً بمباشرةٍ أو سبب لَزِمته ديتُه، لا مَنْ أدّبَ ولدَه أوْ زوجتَه أو صَبيّهُ أو رعيّتَهُ ولم يُسرف، ومَن أَمَرَ مُكلَّفاً يصعد شجرةً أو يَنزل بئًرا فَهَلَك به لم يضمنه، ولو أَنَّه سلطانٌ، كما لو استأجره، ويَضمنُ ما أَسقطتْ حاملٌ بريحِ طعامٍ ونحوه عَلِمَه عَادةً. فصلٌ [في مقادير ديات النفس] دِيةُ الحُرِّ المسلمِ الذَّكَرِ مائةُ بَعِيرٍ، أو ألفُ مِثقالٍ ذَهَبًا، أو أثنا عَشَر ألفَ درهمٍ فِضّة، أو مائتا بقرةٍ أو ألفا سماةٍ، فأيَّها أَحْضرَ مَنْ لَزِمته فَعَلى الوَليِّ قَبوله. وتُغَلَّظُ في عَمدٍ وشِبْهِهِ، فيُؤْخَذُ خَمسٌ وعشرون بنتَ مَخَاضٍ، وخَمسٌ وعشرون بنتَ لبُون، وخمسٌ وعشرون حِقَّة، وخمس وعشرون جَذَعة. ويُخَفَّفُ (¬2) في الخطأ فيُؤخذ عشرون مِنْ كُلِّ ذلك، وعشرون ابنِ مَخاض، وكذا حُكم طَرَفٍ. ودِيةُ كِتابِي نِصفُ دِيةِ المسلم، ودِيةُ مجوسِي ووثنِيِّ ثمانمائة درهم، ¬

_ (¬1) الديات جمع دية، وهي: مصدر وديت القتيل أي أديت ديته كالعدة من الوعد. وشرعاً: المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية عليه. (¬2) في (ج): "وتُخفّف".

فصل [في ديات الأعضاء ومنافعها]

ونساؤهم على النصف كالمسلمين. ودِيةُ رَقيقٍ قِيمَتُه، و [في] (¬1) جِرَاحِه ما نَقَصَه إنْ لم يكن مُقَدَّراً مِنْ حُرٍّ. وفي جَنينٍ ذكرٍ أو أنثى غُرّةٌ عبدٌ أو أمة، قِيمَتُها عُشْرُ دِية أُمّهِ، وعُشْرُ قِيمةِ أُمّه إنْ كَان مملوكًا. ويَتعلَّقُ أَرشُ جِنايةِ قِنٍّ برقبتِهِ إن لم يأذنه سيدُه فيفديه، أو يبيعه فيها، أو يُسلمها لوليِّها. فصْلٌ [في ديات الأعضاء ومنافعها] وَمَا في الإنِسانِ مِنهُ شيءٌ واحدٌ؛ كأَنفٍ وذَكَرٍ ولِسانٍ ففِيهِ الدية. ومَا فيهِ منه شيئان؛ كالعَينين والأُذنين واليدين ففيهما الدية، وفي إحداهما (¬2) نصفها. وفي المَنْخِرين [ثُلُثَا] (¬3) الدِّيةُ، وفي الحَاجِزِ (¬4) بينهُما ثُلثها. وفي الأَجْفانِ الدِّيةُ، وفي أَحَدِها (¬5) رُبْعُها. وفي أصابعِ اليدين أو (¬6) الرَّجلين الدية، وفي كُلِّ أصبع عُشْرُها، وفي ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (الأصل) وهو مثبت من بقية النسخ. (¬2) في (ج): "أحدهما". (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من جميع النسخ، وقال الشيخ عثمان بن قائد في "هداية الراغب" (3/ 306): "وسقط من خط المصنف ذِكرُ الثلثين، ويتعيّن إثباتها ليوافق المنتهى وغيره" اهـ. (¬4) في (الأصل): "الحاجزين"، والمثبت من بقية النسخ. (¬5) في (ب): "أحدهما". (¬6) في (أ): "و".

فصل

أنملة إبهامٍ نِصْفُ عُشْرِها، وأنملة غيره ثُلُث عُشْرِها. وفي كُلّ سِنٍّ خَمْسٌ من الإبل. وفي كُلِّ مِن منفعةِ سَمْعٍ وبَصَرٍ وشَمٍّ وذَوْقٍ وكَلامٍ وعَقلٍ، ومنفعةِ مَشيٍ وأَكل ونِكاحٍ، وعَدَمِ استمساكِ بَوْلٍ أو غائطٍ الدّيةُ. وفي كُلِّ مِن الشُّعور الأربعةِ الدية؛ وهي شَعرُ رَأسٍ ولِحيَةٍ وحَاجبين وأَهْدابِ عينين. وما عَادَ سَقَطَ ما فيه. وفي عَينِ أعورٍ دِيتهُ كاملةً، فإن قَلَعَ عينَ صحيحٍ تُماثلُ صحيحتَه عَمْداً فعليه دية كامِلة، ولا قصاص. فَصْلٌ وفيما دون (¬1) المُوضِحةِ حُكومَةٌ. وفي المُوضِحَةِ التي تُوضِحُ العَظْمَ وتُبْرِزُه، ولو بِقَدْرِ إبرة خَمسٌ من الإبل. وفي الهَاشِمَةِ التي تُوضِحَ العَظْم وتُبْرِزُه (¬2) عَشرة. وفي المُنَقّلَةِ التي تُوضِحُه وتَهْشِمُه وتَنْقُل العَظْمَ (¬3) خَمْسَة عَشَر. ¬

_ (¬1) في (ب): "وما في دون". (¬2) كذا في جميع النسخ، قال الشيخ عثمان بن قائد في "الهداية" (3/ 308): "هكذا بخطّه، والصواب: وتَهشمه، أي: تكسر العظم" اهـ. (¬3) في (أ) و (ب): "العظام".

فصل

وفي كلٍّ مِن المَأْمُومَةِ والدَّامِغَةِ ثُلث الدِّية، كالجَائفةِ التي تَصِلُ إلى بَاطِنِ جَوفٍ (¬1). وفي ضِلْعٍ وتَرقوةٍ بعيرٌ، وفي الترقوتين والذِّراعِ والعَضُدِ والفَخِذِ والسَّاقِ إذا جُبِرَ مُستَقِيمًا (¬2) بَعِيران، وما لا مُقَدّر فيه (¬3) ففيه حُكومةٌ. فَصْلٌ وعَاقِلَةُ جَانٍ ذُكُورُ عَصَبَتِه نَسَباً وولاءً، ولا عَقْلَ على فَقِيرٍ وغَيرِ مُكَلَّفٍ وأُنثى ومُخَالِفٍ في دِينِ جَانٍ. ولا تَحْمِلُ عَمدأ مَحْضًا، ولا عَبداً ولا صُلْحاً ولا اعترافًا، إِنْ لم تُصَدِّقْهُ، ولا ما دُونَ ثُلثِ دِيةٍ تَامَّةٍ. ومَن قَتَلَ نَفْساً مُحَرّمةً خَطأ أو شِبْهَ عَمْدٍ، مُباشرةً أو سبباً بِغَيرِ حَقٍ فعليه كَفَّارةٌ: عِتقُ رَقَبةٍ مُؤمنةٍ، فإن لم يَجِدْ فَصِيامُ شهرين متتابعين. ومَنْ ادُّعي عليه القَتْلُ بلا لَوَثٍ لم يُحَلَّف في عَمْدٍ بل في خطأ وشِبْهِهِ، ويُخلَّى سبيله، ومَع لَوَثٍ -وهو العداوة الظاهرة، كالقبائلِ التي يَطلُبُ بَعضُها بَعضاً بثأرٍ- حَلَفَ رِجالُ وَرَثَةِ الدَّم خَمسينَ يَمِينًا، ويَثْبُتُ الحَقُّ للكُلِّ، فإنْ نَكَلوا، أو كَانُوا نساءً حَلَفَها مُدَّعىً عليه، فَإِنْ لَمْ يَرْضَوا ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "الجوف". (¬2) قوله "مستقيماً" ساقط من (ج). (¬3) قوله "فيه" ساقط من (أ).

يَمِينَه (¬1) وَدَاهُ إمامٌ مِن بَيتِ المال، كقَتيلٍ في زَحْمةٍ (¬2) * * * ¬

_ (¬1) في (أ): "بيمينه". (¬2) كُتب هنا في هامش (الأصل): "بَلَغ مقابلةً على خَطّ مؤلفه" اهـ.

كتاب الحدود

كِتابُ الحُدود (¬1) لا يُقيمه إلا إمامٌ (¬2) أو نائبُه، على مكلَّفٍ مُلتزِمٍ عَالِمٍ بالتحريم. ولا يُقامُ في مسجدٍ. ويُضْربُ الرَّجلُ في الحد قائمًا، بسَوْط لا خَلِقٍ ولا جَديدٍ، بلا مَدٍّ ولا ربطٍ ولا تجريد، ولا مُبالغةٍ في الضَرب، ويُفرَّق على بَدَنِه، ويُتَّقَى الرَّأسُ والفَرْجُ والمَقَاتِل. وكذا المرأةُ لكن جالسةً، وتُشَدُّ عليها ثيابُها، وتُمْسَكُ يداها. وأَشَدُّ جَلْدٍ في زنىً، فقذفٍ، فشُرْبٍ، فَتعزيرٍ. ولا يُحْفرُ لِرجْمٍ، ولا يَضْمن مُقِيمُه إن لم يَتَعَدَّ. فَصلٌ [في حد الزنى] يُرجم المُحْصَنُ إذا زنى، وهو مَنْ وَطِئَ زوجَتَه [في قُبُلها] (¬3) في نكاحٍ صَحيحٍ، وهما مُكلَّفانِ حُرَّان. ¬

_ (¬1) الحدود جمع حد، وهو لغةً: المنع. وحدود الله محارمه. وشرعاً: عقوبة مقدرة شرعا في معصية لتمنع من الوقوع في مثلها. (¬2) في (ب): "الإمام". (¬3) ما بين المعقوفتين من (ب)، وليس في بقية النسخ.

فصل [في حد القذف]

وغيره يُجْلدُ مائةً، ويُغُرَّب عامًا، ولو امرأةً بمَحْرمٍ، والرَّقيقُ خمسين بلا تَغريبٍ. ولُوطِيٌّ كزانٍ، ولا حَدَّ مع شُبْهةٍ. ويَثبُتُ زنىً بأربعةِ رِجالٍ يَصِفونه بزنىً واحدٍ، ومَجْلسٍ (¬1) واحدٍ، ولو جَاؤوا متفرقين، أو بِإِقْرَاره أربعاً، ويَصفُه، ولا يَرجع حتى يتمَّ عَليْهِ الحَدُّ، فَإِن رَجَعَ تُرِك. وإن حَمَلت مَنْ لا زوجَ لها ولا سَيِّد لم تُحَدّ بِمُجَرّد ذلك. فصلٌ [في حَد القذف] حَدُّ القَذْفِ ثمانون جلدةً، والعَبْدُ نِصْفُها إن كان المقذوف مُحْصَنًا، وهو الحُر المُسلِمُ العَاقِلُ العَفِيفُ عن الزنا ظاهرًا، الذي يُجَامِعُ مِثلُه. وصَريحُ قَذفٍ: يا زانٍ، يا لُوطِيّ، ونحوه. وكنايته: يا قَحْبة، يا فَاجرة، ونحوه، فَيعزَّرُ إن لم يُفسّره بِصَريحِ زنىً، كَقَاذِفِ غَيرِ مُحصنٍ، وأَهْلِ بلدٍ أو جَماعةٍ لا يُتصوّر زناهم عادةً. ويَسقُطُ حَدّ قَذْفٍ بِعفوِ مَقْذوفٍ وتَصدِيقِه، ولا يُسْتَوفى إلا بطلبه. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): "في مجلس".

فصل [في حد المسكر]

فَصلٌ [في حَدِّ المُسْكِر] ومما أَسْكَرَ كثيرُه فَقَلِيلُه خَمرٌ مُحرَّم، مِن أيّ شيءٍ كَان, لا يُباحُ إلا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بها، إن لم يَحْضُرْه غيرُه. وإذا شَرِبَه المسلمُ مُختاراً عالماً أنَّ كَثيره يُسْكر حُدَّ حُرٌّ (¬1) ثمانين، وقِنٌّ أربعين، ويَحرُم عصيرٌ غَلا، أو أَتى عليه ثلاثةُ أيامٍ بلياليهن. فَصلٌ [في التعزير] ويَجِبُ تَعزيرٌ في كُلِّ مَعصيةٍ لا حَدَّ فيها، ولا كَفَّارة كَشَتْمٍ وضَرْبٍ، ولا يُزادُ على عَشْرِ ضَربات إلا ما استُثني، ومَنِ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ بلا حاجةٍ عُزِّر. فَصْلٌ [في حَدِّ السرقة] مَن سَرَقَ نِصاباً مِن حِرزِه، وهو رُبعْ دينار، أو ثلاثة دراهم خالصَة (¬2)، أو ما يَبلُغها قيمة، ولا شبهة، قُطِعَ كَطَرَّارٍ، لا خَائنٌ في وديعةٍ ونحوها؛ بل جاحدُ عارِيةٍ، ولا قطع بآلة لهوٍ ونَحوهِا، ولا مِنْ مَالِ أبيه أو ابنِه أو ¬

_ (¬1) قوله: "حر" ساقط من (أ). (¬2) الدينار يكون من الذهب، ومقداره: (25, 4 جراماً) ورُبْعه يساوي: (06, 1 جراماً)، والدرهم يكون من الفضة، ومقداره، (2,975 جراماً) فيكون مقدار الثلاثة دراهم: (925 , 8 جراماً). انظر: "المكاييل والموازين الشرعية" للدكتور علي جمعة (ص 14).

فصل [في حد قطع الطريق]

زَوجِه أو مِنْ سَيّده، أو مسلمٌ مِنْ بَيتِ المال. ولا تَثْبُتُ إلا بِشَهَادَةِ اثنينِ، أو إِقْرَارٍ مَرّتَيْن مع وَصْفِها بَعْدَ (¬1) طَلَبٍ. فَإِذا وَجَبَ القَطْعُ قُطِعَت يَدُه اليُمْنَى مِن مَفْصِلِ كَفٍّ وحُسِمَت، ومَنْ سَرَقَ ثَمَراً ونَحْوَه مِنْ شَجَرِه أُضْعِفَت عليه قِيمتُه، ولا قَطْع. فَصلٌ [في حَدِّ قَطْعِ الطَّريق] مَن قَطَعَ الطَّريق فَقَتَلَ وَأَخَذَ المالَ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ حتى يَشْتَهِر. وإن قَتَلَ ولم يَأخُذ المَالَ قُتل حتماً بلا صَلْبٍ. وإن لم يَقتل بل أَخَذَ ما يُقْطَعُ به في السَّرقة قُطعَت يَدُه اليُمنى ورِجْلُهُ اليُسْرى في مَقَامٍ وَاحدٍ، وحُسِمَتَا. وإن لم يَقتُلوا ولم يَأخُذوا مالًا نُفوا مُتفرِّقين، فلا يُتْركون يأوون إلى بلدٍ. ومَنْ تَابَ مِنهم قَبل قُدْرةٍ عليه سَقَطَ عنه حَقُّ الله مِن نَفْيٍ وقَطْعٍ وصَلْبٍ، وتحتّم قَتْلٌ، وأَخْذٌ بِحَقٍّ آدمي، ما لم يَعفُ. ويُدْفعُ صَائلٌ بالأَخَفّ فالأَخفِّ، فَإِنْ لم يَنْدَفِع إلا بالقَتل فلا ضَمَان، ويَلْزم الدَّفعُ عن نَفسه وحُرمته دون مَالِه، وكذا مَنْ دَخَلَ منزلًا متلصِّصاً. ¬

_ (¬1) في (ج): "مع".

فصل [في قتال البغاة]

فَصْلٌ [في قِتَالِ البُغَاةِ] وُيراسِلُ إمامٌ بغاةٌ، ويُزيلُ شبَهَهُم، فإن فَاؤُوا وإلا قَاتَلَهُم، وعَلَى رَعِيَّتِه مَعونته، وإن اقتتل طَائِفتان لِعَصبيّةٍ أو رِياسَةٍ فظالمتانِ، تَضمَنُ كُلٌّ مَا أَتْلَفَتْ للأُخْرَى. فَصلٌ [في حُكم المرتد] مَن أَشْرَكَ باللهِ تعالى، أو جَحَد ربوبيّته، أو وَحْدَانيته، أو صِفةً مِن صِفَاتِه، أو اتخذ له صَاحِبةً، أو ولدًا، أو جَحَدَ بَعْضَ كُتبه، أو رُسله، أو تحريمَ زنىً ونحوه، أو حِلَّ خُبزٍ ونحوه، أو حُكماً مُجمعاً عليه ظَاهِرًا، وعُرِّف فَأصَرَّ كَفَر، فيُستتابُ ثلاثًا، ويُضَيَّق عليه فيها فَإِنْ لم يَتُب قُتِلَ بالسَّيفِ. وتوبته وكُلِّ كَافرٍ إتيانه بالشَّهادتين، ولا تُقبَلُ (¬1) مِمَّن سَبَّ الله، أو تَكَرَّرَتْ رِدَّتُه، ولا بُدَّ مِن إقرارِ جَاحِدٍ بِفرْضٍ ونحوه مع الشهادتينِ، أو قوله أنا بريء مِن كُلّ دِينٍ يُخالِفُ دِينَ الإسلام. * * * ¬

_ (¬1) في (ب): "ولا يُقبل".

كتاب الأطعمة

كتاب الأطْعِمَة يحلُّ (¬1) كلُّ طعامٍ طاهرٍ لا مضرَّة فِيهِ؛ مِنْ حَبٌّ وثمر وغيرهما، لا نجسٌ كميتةٍ ودَمٍ، ولا مُضِرٌّ كسُمِّ، ومن حيوانات البر حُمُرٌ أَهْلِيَّة، وما له نابٌ غير ضَبُع؛ كأسدٍ ونمرٍ وفهدٍ وذئبٍ وفِيلٍ وقِرْب ودُبٍّ، وماله مِخْلب مِن الطير؛ كعُقَاب وبَازٍ، وصَقْر، وحِدَأَةٍ، وبُومة، وما يَأْكُل الجِيَفِ، كنَسرٍ، ورَخَم، وغُرَاب أَبْقَع، والأسود الكبير، وما يُسْتَخْبَث كقُنْفُذٍ، ونِيْصٍ وفَأْرَة، ووَطْوَاط، وحشرات، وما تَوَلَّدَ (¬2) بين مأكولٍ وغيره كسِمْع وبَغْلٍ. فصلٌ وتُبَاحُ الخَيلُ، وَبَهِيمةُ الأنعامِ، والدَّجاجُ، والبَطُّ، وحُمُر الوحش، وبَقَرِهِ, والظِّباء، والنعامةُ، والأرنبُ، والزَّرافةُ، وسائرُ الوحشِ، وحيوانُ البحر، غير ضِفْدعٍ وتمساحٍ وحَيّةٍ. ومن اضطُرَّ إلى مُحَرَّمٍ أَكَلَ مِن غير سُمٍّ ما يَسُد رَمَقَه. ومن اضطُرَّ إلى طَعَامِ غيرِ مُضْطرٍّ وَجَب بذلُه له بقيمته، وإلى نفعِ مالِ الغير مع بقاءِ عينه لدفعِ بَرْدٍ أو استقاءِ ماء ونحوه وَجَبَ بذلُه مجانًا. ومَن مَرَّ بثمرة بستان بشجره، أو ساقط تحتَه ولا حائط ولا حارس فلهُ ¬

_ (¬1) في (ب): "يُباح". (¬2) في (أ): "يتولد".

فصل [في الذكاة]

الأكل بلا حمل ولا رجم شجر. وتجبُ ضيافةُ مسلمٍ مُجتازٍ في قرية يوماً وليلة، فإن امتنع فلهُ أخذُ قدرِها قهرًا. فصلٌ [في الذكاة] لا يباح حيَوَان مقدورٌ عليه بغير ذكاةٍ، إلا الجراد، وما لا يعيش إلا في الماء. وتُشتَرطُ (¬1): أهليةُ مُذكٍّ؛ بأن يكون عاقلَا مُسْلماً أو كتابيًّا، ولو مُمَيزاً أو امرأةً أو أقلف أو أعمى، لا سكران ومُرتد ونحوه. والآلةُ؛ وهي كُل محددٍ -ولو مغصوبًا- مِن حديدٍ وحجرٍ وقَصبٍ وغيره، غير سِنٍّ وظفر. وقطعُ حُلقومٍ ومَرّيءٍ، لا الوَدَجَين (¬2). وغيرُ مقدورٍ عليه ومُتَردٍّ في بِئرٍ ونحوها يَعقُرُه (¬3) في أي مَوضعٍ، إلا أن يكون رأسُه بالماء. ¬

_ (¬1) في (أ): "ويُشترط". (¬2) في (الأصل) و (أ): "بعقره" وكذا في "هداية الراغب" (3/ 336) ط. التركي، والمثبت من (ب). (¬3) الوَدَجَان، هما: العِرقان المحيطان بالحلقوم.

فصل [في الصيد]

وقولُ: "بسم الله"، فإن تَرَكَهَا عَمداً لم تُبح (¬1) لا سَهْوًا. ويُكره ذَبحٌ بآلةٍ كَالَّةٍ (¬2)، وحَدُّها والحيوان يُبصره، وكسرُ عنقه، وسلخه قبل أن يتم زهوقه، وأن يُوجّه إلى غير القبلة. فصلٌ [في الصَّيد] يُباحُ الصيد لقاصِدِه، ويُكره لهوًا. ويَحِلُّ ما أدْرَكَه ميتاً إن كان الصائدُ مِن أهل الذكاة، وقَتَلَه جَارحٌ مُعلَّم، أو بِمُحَدَّدٍ كآلةِ ذَكاةٍ، لا ما قتل بثقله؛ كبُندقٍ وعصا وشبكة وفخٍ، أو خَنَقه صقرٌ ونحوه. ويُشترطُ: إرسالُ الآلة قصدًا، لا إن استرسل كلبٌ أو غيرُه بنفْسِهِ، ما لم يَزْجُره فَيَزيدَ في عَدْوه. وقولُ: "بسم الله" عند إرسال جارحةٍ أو سَهمِه، فلا تسقطُ عمداً ولا سهوًا. * * * ¬

_ (¬1) في (ب): "لم يُبَح". (¬2) كالّة، أي: غير ماضية، ولا تقطع بسرعة.

كتاب الأيمان

كتابُ الأَيْمَانِ اليمينُ المُوجِبَة للكفَّارة إذا حَنِثَ فيها، هي: التي (¬1) بالله أو صفته كالرحمن، أو القرآن، أو المصحف. ويحرم الحلفُ بغيرِ الله، ولا كفارة. ومن حلف على ماضٍ كاذباً عالماً فهي الغَمُوس، ولا كفارة فيها كلغوِ اليمين التي لا يقصدها نحو: لا والله، وبلى والله في عَرْض حديثه، وكذا لو عَقَدَها يَظُنُّ صِدْقَ نفسه فبان بخلافه. ومَنْ حَلَفَ مُكْرَهاً أو غيرَ مُكلَّفٍ لم تنعقد يمينُه. ولا كفارة قَبل حِنثٍ بأن يفعل ما حَلَفَ لا يفعله، أو يترك ما حلف ليفعلنه، مختاراً ذاكرًا، لا ناسياً أو مكرهًا، ولا إن قال في يمينه: إن شاء الله. ومَنْ حَلَف على يمينٍ فرأى غيرها خيراً منها سُنَّ فعله (¬2)، ويُكفِّرُ. ومَنْ حَرَّمَ حلالًا مِن أَمَةٍ أو طعامٍ أو لباسٍ أو غيرِه، غيرَ زوجته، لم يَحوُم، وعليه كفارةُ يمينٍ إن فعله، كَمن قال هو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ ونحوه إن فعل كذا ثم فعَلهُ. ومَنْ لَزِمَتْهُ كفارةُ يمينٍ خُيّر بين إطعام عشرة مساكين كما تقدم، أو ¬

_ (¬1) في (ب): "هي اليمين بالله". (¬2) في (الأصل): "فله ويُكفّر" ولعله خطأ من الناسخ، والمثبت من بقية النسخ.

فصل

كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصِيام ثلاثةِ أيام متتابعة. ومَنْ حَنَث في أَيْمان بالله تعالى قبل التكفير فكفارةٌ واحدة، وفي ظِهارٍ ويميني باللهِ تعالى لم يتداخلا. فصلٌ ويُرجَعُ في اليمينِ إلى نيةِ حالفٍ إن احتملها لفظُه، فإن عدمت فإلى سَببِ اليمينِ وما هَيَّجَها، فإن عدم فإلى التعيين، فإن عُدم فإلى ما تناوله الاسمُ، ويُقدَّمُ الشَرعيُّ ثم العُرْفيُّ، ثم اللُّغَويُّ. ومَنْ حَلَف لا يبيعُ ونحوه لم يَحْنث بفاسِدِه، إلا أن يقول: لا يبيع الخمر ونحوه. ومَنْ حَلَف لا يَأكل لَحْماً لم يحنث بِشَحْمٍ أو كَبِدٍ أو مُخٍّ ونحوه مع الإطلاق. ولا يفعل شيئاً فَوَكَّلَ مَنْ فعله حنث، ما لم ينوِ مباشرته بنفسه. ومَنْ حَلَف على تركِ وَطءِ زوجته حَنَثَ بِجِمَاعِها، ولا يَطَأ دَار فلان بِدُخُولِها، ولا يأكل شيئاً فَأَكَله مُستَهْلكاً في غيرِه ولم يَظهر طعمُهُ فيه لم يحنث، كما لو فَعَلَ المحلوفَ عليه مُكرَهاً أو ناسياً أو جاهلاً في غير طلاق وعِتاق أو فَعَلَ بَعْضَه.

باب النذر

بابُ النَّذْر (¬1) يَصحُّ مِن مُكلَّفٍ ولو كافرًا، وإذا قال: لله عليَّ نذرٌ ونحوه فكفارة يمين. ونَذْرُ اللَّجاج والغضب يُخَيّر فيه بينه وبين كفارة يمين، كنذْرِ المُباح. ونَذْرُ المكروهِ؛ كالطلاقِ يُسَنُّ أن يُكَفِّرَ ولا يفعله. ونَذْرُ المعصيةِ؛ كالقتلِ وشُرْبِ الخمر يحرم الوفاءُ به ويُكفِّر. ونَذْرُ التبرّر؛ كالصلاةِ والصَّومِ والحَجِّ ونحوه يلزمُ الوَفَاءُ به، ومنه: إن شفا اللهُ مَريضي، أو سَلَّمَ مالي ونحوه فللَّه عليَّ كذا إذا وُجِدَ شَرطُه. ومَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بماله كُلّه أجزأه ثُلثه. وإن نَذَر صَومَ شهرٍ أو نحوه لَزِمَه تَتَابُعُه، لا أياماً مَعدودة إلا بِشَرطهِ (¬2) أو نيّته. * * * ¬

_ (¬1) النذر لغةً: الإيجاب يقال نذر دم فلان أي: أوجب قتله. وشرعاً: إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى شيئا غير محال بكل قول يدل عليه. (¬2) في (الأصل): "بشرط"، والمثبت من بقية النسخ.

كتاب القضاء

كتابُ القَضَاءِ يَلزَمُ الإمامَ نصبُ قاضٍ في كل إقليم، واختيارُ أصلحِ مَنْ يجده له، ويأمُره بتقوى الله وتحري العدل، فيَقول: وَلَّيْتُك أو قَلَّدتُك الحُكْمَ ونحوه. وتُفيدُ ولايةُ حُكْمٍ عَامّة فَصْل الخصومةَ، وأَخذَ الحَقِّ، ودَفعَه لِمُستحقّه، والنَّظَرَ في مَال غير رشيدٍ لا وَصِيَّ له، والحَجْرَ لِسَفَهٍ أوْ فَلَسٍ، والنَّظَر في وُقوفِ عَمله لإجرائها على وجهها، وتَنفيذَ الوصايا، وتزويجَ مَنْ لا وَلِيَّ لها، وإقامةَ جُمعَةٍ وعِيدٍ ونحوه. وشروطُ قاضٍ كونه مُكلَّفاً ذَكراً حُرّاً مُسْلماً عَدْلًا سَمِيعاً بَصِيراً مُتكلِّماً مجتهدًا، ولو في مَذهَبِ إِمَامه. ومَن حَكَّمَهُ اثنان بينهما صالحاً للقضاء نَفَذ حكمُه في المال وغيره. فصلٌ [في أدب القاضي] يَنبَغِي أن يَكون القَاضي قويّاً بلا عنفٍ، ليِّناً بلا ضعف، حليماً فطناً عارفاً بأحكام الحُكَّام قَبلهُ. وليكن مجلسُه وسط البلد، فسيحًا، وَلهُ القضاء في المسجدِ، ويصونه عَمَّا لا يليق فيه، ويعدل بين الخصمين في لَحْظِهِ ولَفْظِهِ ومَجْلِسِه ودُخولٍ عليه، وينبغي أن يحضر مَجْلِسَه فُقهاءُ المذاهب (¬1) ويشاورهم فيما يُشكل. ¬

_ (¬1) في (ج): "المذهب".

باب طريق الحكم وصفته

ويَحرمُ القَضاءُ وهو غَضبانٌ كثيرًا، أو (¬1) حاقنٌ، ونحوه، فإن فعَلَ نفذ إن أصاب الحَقَّ، ويَحرمُ قبُوله رشوةً، وكذا هديةً إلا ممن كان يُهاديه قَبل ولايته، إن لم تكن له حكومة. ويُستحَبُّ أن يَحكم بِحَضْرة شاهدين، ولا ينفذ حكمُه لنفسه، ولا لمن تُرَدُّ شهادته له، ومن ادَّعى على غير بَرْزَةِ أُمرت بالتوكيل، فإن لزمها يمينٌ أَرْسلَ مَن يُحلّفها، وكذا مريض. بابُ طَرِيقِ الحُكم وصِفَتِهِ إذا حضر إليه خصمان أجلسهما، وقَدَّمَ مَنْ سَبَقَ بالدعوى، فإن أقر مدعًى عليه حُكِمَ بسؤالِ مدعٍ، وإن أَنكر قال لِمُدعٍّ إن كان لك بينةٌ فَأَحْضِرها إن شئت، فإن أحضر (¬2) سَمِعها، ولا يَتعنَّتها، ولا يُردّدها، وحَكَم له بها، ولا يَحكم بِعِلْمِه. وإن قال: مَالِي بينة، عَزَفَه أن له اليمين على خَصْمِه، فإن سألَ إحلافَه أَحْلَفه على صِفةِ جَوابِه، وخَلَّى سَبيله، وإن نَكَلَ، قال له: إنْ حَلَفْتَ وإلا قَضيتُ عليك بالنُّكول، فإن لم يَحْلِف قَضَى عليه. وإن أَحْضَرَ مُدَّعٍ بَيِّنةً بَعد حَلِف مُنْكِرٍ حَكَم بها، إلا إنْ كان قال لا بَيِّنة لي ونحوه، بخلاف: لا (¬3) أعلم لي بينة. ¬

_ (¬1) في (أ): "و". (¬2) في (ب): "أحضرها". (¬3) في (ب): "ما".

فصل

فصلٌ ولا تَصحُّ الدَّعوى إلا مُحَرَّرةً معلومة المُدَّعى به، إلا ما يَصِحُّ مجهولًا مِن وصيةٍ ومَهْرٍ وخُلع منفكَّة عما يُكذّبها. ومن ادَّعى عَقد نِكاح، أو بيعٍ، أو نحوه، أو شَهِدَ بِه ذكر شروطه. وإنْ ادعت امرأةٌ نكاحاً لِطلب مَهرٍ، أو نَفقةٍ ونحوه، سُمعت دعواها وإلا فلا، وان ادعى إرثاً ذَكَره، أو قتلًا وصفه. ويُعتبرُ في البينةِ: العَدالةُ ظاهراً وباطناً في غير نِكاح، فإن جهل عدالتها سَألَ عنها، وِإنْ عَلِمها عمل بها. وان جَرَح الخصمُ الشَّهودَ كُلِّف البينة له، وأُمهل ثلاثةَ أيامٍ إن طَلَبه، ولِمدعٍ مُلازمتُه، فإن لم يأتِ ببينةٍ حُكم عليه. وتزكيةٌ وجرحٌ وترجمةٌ وتعريفٌ عند حاكمٍ كشهادةٍ على ما يأتي تفصيلُه. ولا تُسمعُ الدَّعوى على حَاضرٍ بالبلد أو قُربه حتى يحضر مجلس الحُكْم، ما لم يتوارَ فتُسمع عليه الدَّعوى والبينة، ويُحكم عليه كَغَائِبٍ مَسافةَ قَصْرٍ، وهو على حُجَّتِهِ إذا حَضَر. ويُقبل كِتابُ القَاضي إلى القاضي (¬1) في كل حق أدميٍّ، حتى قذف، لا زنىً ونحوه، فيقرأه القاضي الكاتبُ على عَدلين (¬2) ويُشهدهما عَليْه. ¬

_ (¬1) قوله: "إلى القاضي" ساقط من (ب). (¬2) قوله: "على عدلين" ساقط من (أ).

فصل [في القسمة]

فصلٌ [في القِسْمة] لا تجوز قسمةُ مِلكٍ لا ينقسمُ إلا بضرر، أو رَدُّ عِوَضٍ كالدُّورِ الصِّغارِ والحَمَّامِ ونحوه إلا برضى الشركاء كلهم، ولا يُجبر مَن امتنع منها، بل يُباع أو يؤجر بطلبِ بَعضِهم. وما لا ضَرَرَ فيه، ولا رَدّ عِوَضٍ كَقريةٍ وأرضٍ ودارٍ كبيرة ودُكَّانٍ واسعةٍ، ومَكيلٍ وموزونٍ مِن جنسٍ يُجبر مُمتنعٌ بِطَلب شَريكه، وهي إفرازٌ فَتجوزُ في لحمِ هَديٍ وأضاحي. وللشركاءِ القِسمةُ بِأَنفُسِهِم، وبِقَاسمٍ ينصبونه، وإن سَأَلوا (¬1) الحَاكِمَ نَصَبَه، وأجرتُه على قَدر الأملاك، وتلزمُ بتراضيهم، وتفرقهم، و (¬2) بالقُرعة وكيفما اقترعوا جَازَ، وتبطُل بغبنٍ فاحش. فصلٌ لا تَصِحُّ الدعوى والإنكار إلا من جَائِزي (¬3) التصرُّف، غيرَ ما يُؤَاخذ به السفيه في الحال، وإن تَدَاعَيَا عيناً بيدِ أَحدِهما فهي له بيمينه، فإن أَقَامَ كُلٌّ منهما بينةً قُدِّمت بينةُ خَارجٍ، وإن كانت بيديهما ولا بينة تَنَاصَفَاهَا، وبِيدِ ثالثٍ لم ينازع ولم يقر بها لأحد اقتراعا عليها. ¬

_ (¬1) في (ب): "يسألوا". (¬2) هذه الواو ساقطة من (الأصل)، والمثبت من (أ) و (ب). (¬3) في (ب): "جائز".

كتاب الشهادات

كتابُ الشَّهَادات تحمُّلُها وأداؤها فَرضُ عَينٍ على مَن قَدِرَ عليه (¬1)، بلا ضَرَرٍ في بَدَنِه أو عِرْضِه أو ماله أو أهله، فَحَرُم كِتمَانها. ولا يشهدُ إلا بما عَلِمه برؤيةٍ، أو سَماعٍ، أو استفاضةٍ فيما يتعذَّر عِلمُه غالباً بدونها؛ كَنَسَبٍ ومَوتٍ ونكاحٍ ومِلكٍ مُطلقٍ ووقفٍ ونحوه. ومَن شَهِدَ بِرَضاعٍ أو غيره وَصَفَه، وبزنىً ذَكَر مَكانَه وزَمَانَه، والمزنيَّ بها، ونحوه. فصلٌ يُشتَرطُ فِيمن تُقبلُ شَهادتُه: البُلُوغ؛ فلا شَهادة لصبيٍ مُطلقًا. والعقلُ؛ فلا تُقبلُ مِن مجنونٍ ونحوه، إلا من يُخنق أحيانًا، إذا شَهِد في إفاقته. والإسلام؛ فلا شهادة لكافرٍ إلا في الوصية في صورةٍ خاصة. والكلام؛ فلا شهادة لأخرسٍ، ولو فُهمت إشارتُه، إلا إذا أدَّاها بِخَطّه. ¬

_ (¬1) جاء في هامش (الأصل): "قوله: "تحملّها وأداؤها فرض عين" في الإطلاق نظر واضح، والحق: أن تحملّها فرض كفاية على الجماعة، فرض عين على الواحد، وقد يُحمل كلام المتن عليه فتافل، وأما الأداء ففرض عين" ا. هـ.

فصل [في موانع الشهادة]

والحفظ، العدالة؛ ويُعتبر لها شيئان: صَلاحُ الدِّين؛ بأداءِ الفرائضِ بِرواتِبِها، واجتناب المحارم، فلا شهادة لفاسق بأن يأتي بكبيرة أو يُدمن على صغيرة. الثاني: استعمالُ المروءة، وهو فِعلُ ما يُجَمِّله ويزينه، وتَركِ ما يُدنسه ويَشينه. وإذا أَسْلم الكافرُ، وبَلَغَ الصبيُ، وعَقَل المجنونُ، وتاب الفاسقُ قَبْل شهادته قُبلت. فصلٌ [في موانع الشهادة] ولا تُقبلُ شَهادةُ عَمودي النَّسب بَعضِهم لِبَعض، ولا أحدِ الزَّوجين للآخر، ويُقبلُ عليه، ولا من يجر إلى نفسه نفعاً أو يدفع عنها ضررًا، ولا على عَدُوّه كَقاذفه، وقاطعِ الطريق عليه. وتقبل شهادةُ الأخِ لأخيه، والصَّديق ونحوه. فصلٌ [في عدد الشهود] ولا يُقبل في زنىً وإقرارٍ به إلا أربعةُ رجالٍ. ويُقبلُ في بَقيةِ الحُدودِ والتعزيرِ وما ليس بمالِ ولا يُقصدُ به المال ويَطّلِع عليه الرِّجالُ غالباً كنكاحِ وطلاقٍ ورجعةٍ وخُلعٍ ونسب وولاءٍ: رجلان. ويُقبلُ في المالِ وما يُقصَد به كَبيعٍ، وأَجلٍ، وخيارٍ فيه، ووكَالةٍ في مَال،

فصل [في الشهادة على الشهادة]

وإيصاءٍ فيه، وعِتقٍ، وكتابةٍ، وتدبيرٍ، ونحوه: رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين مُدّعٍ. وما لا يَطّلعُ عليه الرجالُ غالبًا؛ كعيوبِ النِّساءِ تحت الثِّيابِ، والبَكَارَة، والحيضِ والولادةِ، والرَّضاعِ، والإستهلال (¬1)، وجِراحةٍ في حَمَّامٍ أو عُرسٍ: امرأةٌ عَدْلٌ، ورجلٌ أولى. وإن شَهِد بِسرقَةٍ رَجُلٌ وامرأتان ثَبَتَ المالُ دون القطع، وبِخُلعٍ ثبت العِوضُ، وبانت بدعواه. فصلٌ [في الشهادة على الشهادة] وتُقبل الشهادةُ على الشهادةِ في حَقِّ آدمي فقط، إن تعذر شهودُ الأصلِ بموتٍ، أو مَرضٍ، أو غَيبةِ مَسَافةِ القصر، واسترعاهُ شاهدُ الأصل؛ بأن قال: اشهد على شهادتي بكذا ونحوه، وإلا فلا ما لم يسْمَعْه يشهد بها عند حَاكِيم، أو يعزوها لسببٍ من قَرْضٍ ونحوه. ويُؤدِّي على صِفَةِ ما تَحَمَّل، ومتى رَجَع شُهودُ مالٍ بعد حُكمٍ لم يُنقَض وغَرِمُوه دون مُزَكِّ. وإن حَكَمَ بِشاهِدٍ ويَمِينٍ ثُمَّ رَجَع الشَّاهِدُ غرم المال وحده، ويُقبل أَداءُ الشهادة بلفظِ: شَهِدْتُ بكذا، أو أشهد (¬2) به. ¬

_ (¬1) في (ب): "شَهِد". (¬2) الإستهلال، أي: استهلال المولود، بمعنى ولادته وخروجه من رحم أمه.

فصل

فصلٌ ولا حَلف في العِبادَاتِ ولا الحدود، ويُستحلَفُ مُنْكِرْ في كُلِّ حَقِّ آدَميِ غَير نِكاحِ، وطلاقِ، وإيلاء، وأصلِ رِقٍّ، وولاءِ، واستيلادٍ، ونَسبٍ، وقَوَدٍ، وقَذفٍ. واليمينُ المشروعةُ باللهِ تعالى، ويجوز تغليظُها فيما فيه خَطر، ولا يكون ناكلًا مَنْ (¬1) أَبَاهُ. * * * ¬

_ (¬1) في (ج): "إن".

كتاب الإقرار

كتابُ الإِقْرارِ (¬1) يَصِحّ مِن مُكلَّفٍ مُخْتارٍ، غيرِ مَحْجورٍ عليه، لا مِن مُكْرهٍ. ومَنْ أُكره على وَزْنِ مالٍ فباع مِلكه لذلك صَحَّ. ويَصِحُّ إقرارُ مَريضٍ، إلا لوارثه بماله فكوصيةٍ. وإذا (¬2) أَقَرَّ لزوجته بمهرها فلها مَهرُ مِثْلِها بالزَّوجيةِ، لا بإِقْرَارِه. وإن أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَصَارَ عند الموتِ غَيرَ وارثٍ لم يلزمْ إقرارُه، وِإن أَقَرَّ لِغير وَارِثٌ صَحَّ، ولو صار عند الموتِ وارثًا، عكسُ عَطيّةٍ ووصيةٍ. وإن أقرت امرأةٌ على نفسِها بِنكاحٍ، أو أَقَرَّ به وليُّها المُجبِرُ، أو المأذون فيه قُبِلَ. وإن أقرَّ بِنَسَبِ صَغِيرٍ أو مَجْنونٍ مَجهولِ النَّسبِ أنه ابنه ثَبَتَ نَسَبُه منه، وإن كان ميتاً وَرِثَه، وإن كان مُكلفاً اعتُبر تصديقه. فصلٌ وإنْ قَال: له عليَّ ألف لا تلزمني ونحوه لَزِمَه الألف، لا إن قال له مِن ¬

_ (¬1) الإقرار: هو الإعْتِرَافُ بالحق، وهو مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَقَرِّ وَهُوَ الْمَكَانُ، كَأَنَّ الْمُقِرَّ جَعَلَ الْحَقَّ فِي مَوْضِعِهِ. (¬2) في (أ): "وإن".

فصل

ثمن خَمرٍ ونَحوه ألف، وإن قال له عليَّ كذا وقَضيتُه أو كان له كذا وقضيته، فقوله مع يمينه، ما لم تكن بينةٌ، أو يعترف بسببِ الحَق، وإن قال له عليَّ مائةٌ ثم سَكَت ما يمكنه فيه كلام، ثُمَّ قال: زيوفًا، أو مؤجلةً ونحوه لَزِمَه مائةٌ جيدةٌ حَالّةٌ، بِخِلافِ ما لو اتصل. وإن أَقَرَّ أنه وَهَبه، أو رَهَنه وأقَبَض (¬1)، أو أَقَرَّ بِقبضِ ثَمنٍ، أو غيره، ثم أَنكر، ولم يَجحَدْ إقراره، وسَأله (¬2) إحلافَ خَصمه فله ذلك. وإن بَاعَ أو وَهَبَ أو أعتق ونحوه، ثم قال: كان مِلك فُلان لم يقبل ونَفَذ تَصَرُّفُه ويغرمه للمقرِّ له. وإن قال: لم يكن مِلكي، ثم ملكتُه بعدُ، قُبِلَ ببينةٍ، ما لم يَكن أقرَّ أنه مِلْكَه، أو قال: قَبَضْتُ ثمنَ ملكي، ونحوه. فصلٌ مَنْ قال: له عليَّ شيء أو كذا، قيل له: فَسّره، فإن أبى حُبِس حتى يُفَسّره. ولا يُقبل بِحَق شُفعةٍ، أو غير متموَّل، أو ميتةٍ، أو خمرٍ، ونحوه، ويُقبل بِكَلْبٍ يُباحُ اقتناؤه، وحد قذف. وإن قال: له عليَّ ألف، رُجِع إليه في تَفسيرِ جِنسه، ويُقبلُ تَفسيره بِجنسٍ ¬

_ (¬1) في (أ) و (ج): "أو رهن أو قَبَض" وفي (ب): "وإن أقر أنه وهب، أو رهن وأقبض". (¬2) في (أ): "وسأل"، وفي (ب): "أو سأله".

أو أجناس، وله ما بين دِرهمٍ وعَشرة لزمه ثمانية، وما بين درهم إلى عشرة، أو من درهم إلى عشرة فتسعة. وله درهم أو دينار لؤمه أحدُهما ويعيِّنه، وله تَمْر (¬1) في جِرابٍ، أو سِكِّين في قِراب، أو فَصِّ في خاتم، ونحوه، فإقرارٌ بالأوَّل فقط، بخلافِ سيف بقراب ونحوه. والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه مَدى المُدَدِ والأوقات وسلّم تسليماً كثيراً. قال مؤلفه: كتبه جامعه منصور بن يونس بن إدريس البهوتي الحنبلي عُفي عنه، فرغتُ من تأليفه يوم الجمعة بعد العصر عشري شوال من شهور سنة خمسين وألف، والله أسأل القبول، والنفع به والإخلاص في القول والعمل، والتوفيق لما يحبه ويرضاه. * * * ¬

_ (¬1) في (أ): "ثمر".

ووافق الفراغ من تعليق هذه النسخة المباركة على يد كاتبها لنفسه بيده الفانية: إبراهيم بن أحمد اللبدي الحنبلي عُفي عنه، وذلك في ليلة الأحد لسبعة وعشرين خلت من شهر جمادى الأولى من شهور سنة 1098 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام (¬1). ¬

_ (¬1) كُتب في حاشية آخر ورقة من (الأصل): "وكتبت هذه النسخة من خط المصنّف، وقوبلت عليها حسب الطاقة من أولها إلى آخرها، والله سبحانه وتعالى أعلم. كتبه: إبراهيم بن أحمد اللبدي الحنبلي عُفي عنه. آمين". وجاء في بقية النسخ: * في آخر النسخة (أ): تم الكتابُ بحمد الله وعونه وحُسن توفيقه، وكان الفراغ مِن رَقْمِه ضَحوة يوم الأربعاء المبارك تاسع عشر شهر ذي الحجة الحرام، ختام شهور سنة 1142 من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. على يد أفقر العباد وأحوجهم إلى عفو ربه: أحمد بن محمد بن علي القيطوني الشافعي، غَفَر الله ذنوبه وستر عيوبه بمنه وكرمه والمسلمين أجمعين، آمين، آمين. * وجاء في آخر النسخة (ج): وكان الفراغ من كتابتها يوم الجمعة المبارك سابع عشر شهر صفر من شهور سنة 1093 والحمد لله. * * * قلت: وقد فرغتُ بحمد الله تعالى وتوفيقه من تحقيق هذا الكتاب المبارك في يوم الجمعة 26 من شهر ذي القعدة 1430 هـ، الموافق 13 من شهر نوفمبر 2009 م. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وكتبه: أبو عبد الله مطلق بن جاسر بن مطلق الفارس الجاسر

أهم مراجع التحقيق

أهم مراجع التحقيق 1 - الإجماع، للإمام أبي بكر بن المنذر النيسابوري، تحقيق: الدكتور صغير بن أحمد حنيف، ط. مكتبة الفرقان - عجمان، الطبعة الثانية 1420 هـ - 1999 م. 2 - الأذكار، للإمام النووي، تحقيق: علي الشربجي وقاسم النوري، ط. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1242 هـ - 2003 م. 3 - إرشاد أولي النهى لدقائق المنتهى (حواشي منتهى الإرادات)، تحقيق: الدكتور عبد الملك بن دهيش، ط. مكتبة الأسدي، الطبعة الثانية 1426 هـ - 2005 م. 4 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1405 هـ - 1985 م. 5 - الأضداد، لأبي بكر الأنباري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. وزارة الأعلام - الكويت، الطبعة الثانية 1986 م. 6 - الأم، الإمام الشافعي، تحقيق: الدكتور/ رفعت فوزي عبد المطلب، ط. دار الوفاء، الطبعة الثانية، 1425 هـ - 2004 م. 7 - تاج العروس من جواهر القاموس، لمحب الدين مرتضى الزبيدي، دراسة وتحقيق: مجموعة من المحققين، ط. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت. 8 - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، للشيخ محمد عبد الرحمن المباركفوري، تحقيق: علي معوض وعادل عبد الموجود، ط. دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة 1422 هـ - 2001 م. 9 - الجامع الصحيح (صحيح البخاري)، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، (مع فتح الباري)، تحقيق: أبي قتيبة نظر الفاريابي، ط. دار طيبة - الرياض،

الطبعة الأولى 1427 هـ - 2006 م. 10 - الجامع الكبير (سنن الترمذي)، للإمام محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: بشار عواد معروف، ط. دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية 1998 م. 11 - الروض المربع شرح زاد المستقنع، للإمام منصور بن يونس البهوتي، تحقيق وتعليق: د. عبد الله بن محمد الطيار، ود. خالد بن علي المشيقح، ود. إبراهيم بن عبد العزيز الغصن، ط. دار الوطن الرياض، الطبعة الثانية 1426 هـ - 2005 م. * طبعة أخرى: (مع حاشية الشيخ ابن باز)، تحقيق: علي بن أحمد سيد، ط. مكتبة أولاد الشيخ للتراث - مصر، الطبعة الأولى 2007 م. * طبعة أخرى: (مع حاشية الشيخ ابن قاسم)، الطبعة التاسعة 1424 هـ. 12 - الزاهر في غريب ألفاظ الإمام الشافعي، لأبي منصور الثعالبي، دراسة وتحقيق: الدكتور عبد المنعم طوعي بشناتي، ط. دار البشائر - بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ - 1998 م. 13 - شرح منتهى الإرادات، للإمام منصور البهوتي، ط. دار عالم الكتب، الطبعة الثانية 1426 هـ - 1996 م. 14 - الشرح الممتع على زاد المسقنع، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ط. دار ابن الجوزي 15 - الشرح الكبير على المقنع، لشمس الدين أبي الفرج ابن قدامة المقدسي، (مع المقنع والإنصاف)، تحقيق: الدكتور عبد الله التركي، ط. دار عالم الكتب، الطبعة الثانية 1426 هـ - 2005 م. 16 - عمل اليوم والليلة، لأبي بكر ابن السني الدينوري = عجالة الراغب المتمني، تحقيق وتخريج: سليم بن عيد الهلالي، ط. دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1422 هـ - 2001 م. 17 - فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني،

تحقيق: أبو قتيبة نظر الفاريابي، ط. دار طيبة - الرياض، الطبعة الأولى 1427 هـ - 2006 م. 18 - فيض القدير شرح الجامع الصغير، للعلامة محمد عبد الرؤوف المناوي، ط. دار الفكر، الطبعة الأولى 1416 هـ - 1996 م. 19 - القاموس المحيط، لمجد الدين الفيروز أبادي، ط. المطبعة المصرية، الطبعة الثالثة، 1353 هـ - 1935 م. 20 - الكافي، للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي محمد معوض والدكتور أحمد المعصراوي، ط. دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1421 هـ - 2000 م. 21 - كشاف القناع عن متن الإقناع، للإمام منصور بن يونس البهوتي، تحقيق: محمد عدنان درويش، ط. دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 1420 هـ - 1999 م. 22 - كشف الغوامض من أحكام الفرائض، لأبي مصعب بلال بن حبشي الجزائري، ط. دار هجر - أبها، الطبعة الأولى 1422 هـ - 2002 م 23 - اللالئ البهية في كيفية الإستفادة من الكتب الحنبلية، للشيخ محمد بن عبد الرحمن آل إسماعيل، ط. مكتبة المعارف - الرياض 24 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ عبد القادر بن بدران، تحقيق: الدكتور عبد الله التركي، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود، 1419 هـ. 25 - المدخل المفصّل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، ط. دار العاصمة، الطبعة الأولى 1417 هـ - 1997 م. 26 - مسند الشافعي الإمام الشافعي - بترتيب سنجر، تحقيق: الدكتور ماهر الفحل، ط. دار غراس - الكويت، الطبعة الأولى 1425 هـ - 2004 م. 27 - المصباح المنير، للشيخ أحمد بن محمد الفيومي، ط. دار الحديث - القاهرة، الطبعة الأولى 1421 هـ - 2000 م.

28 - المصنف، للإمام ابن أبي شيبة، تحقيق: محمد عوامة، ط. دار القبلة ومؤسسة علوم القرآن، الطبعة الأولى 1427 هـ - 2006 م. 29 - المصنف، للإمام عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق: أيمن نصر الدين الأزهري، ط. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421 هـ - 2000 م. 30 - المعجم الوسيط، إعداد: إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيات وحامد عبد القادر ومحمد علي النجار، ط. المكتبة الإسلامية - استانبول، بدون رقم الطبعة وتاريخ الطبع. 31 - المكاييل والموازيين الشرعية، للدكتور علي جمعة محمد، ط. دار الرسالة - القاهرة، الطبعة الأولى 1424 هـ. 32 - الموسوعة الفقهية الميسرة، للدكتور محمد روّاس قلعه جي، ط. دار النفائس - بيروت. 33 - النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات ابن الأثير الجزري، تحقيق: صلاح عويضة، ط. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1418 هـ - 1997 م. 34 - نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ط. دار ابن كثير، الطبعة الثانية 1429 هـ - 2008 م. 35 - هداية الراغب لشرح عمدة الطالب، للشيخ عثمان بن قائد النجدي، تحقيق: الدكتور عبد الله التركي ومحمد معتز كريم الدين، ط. مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1428 هـ - 2007 م. * طبعة أخرى: تحقيق: الشيخ حسنين محمد مخلوف، ط. مطبعة المدني - القاهرة، 1380 هـ - 1960 م.

§1/1